ضمانات المحاكمة العادلة للمتهم في القانون الجزائري

You might also like

Download as docx, pdf, or txt
Download as docx, pdf, or txt
You are on page 1of 25

‫اإلسم ‪:‬عبد النور‬

‫اللقب‪:‬غيالس‬
‫الفوج‪ 03:‬أولي ماستر القانون القضائي‬

‫الموضوع‪ :‬ضمانات المحاكمة العادلة للمتهم في القانون‬


‫الجزائري‬

‫‪:‬المقدمة‬
‫المبحث األول‪ :‬تعريف ضمانات المحاكمة العادلة‬
‫المطلب األول ‪:‬تعريف الضمانات‬
‫المطلب الثاني‪ :‬تعريف المحاكمة العادلة‬
‫المطلب الثالث‪ :‬شروط المحاكمة العادلة‬
‫المبحث الثاني‪ :‬ضمانات المحاكمة العادلة للمتهم‬
‫المطلب األول‪ :‬تعريف المتهم‬
‫المطلب الثاني‪ :‬ضمانات الدستورية للمحاكمة العادلة للمتهم‬
‫المطلب الثالث ‪ :‬الضمانات التشريعية للمحاكمة العادلة للمتهم‬
‫‪ :‬الخاتمة‬
‫‪:‬قائمة المراجع‬
‫‪:‬المقدمة‬
‫المطلب األول ‪:‬تعريف الضمانات‬

‫المطلب الثاني‪ :‬تعريف المحاكمة العادلة‬


‫المطلب الثالث‪ :‬شروط المحاكمة العادلة للمتهم‬
‫المبحث الثاني‪ :‬ضمانات المحاكم العدلة للمتهم‬
‫المطلب األول‪ :‬تعريف المتهم‬
‫المطلب الثاني‪ :‬الضمانات الدستورية للمحاكمة العادلة للمتهم‬
‫يعتبر الحق في المحاكمة العادلة أهم الحقوق المدنية اللصيقة بشخص اإلنسان‬
‫و تستمد أصولها من شخصيته‪  ‬االرتباط بينهما وثيق الن المحاكمة العادلة تعد‬
‫من صميم الحقوق و الحريات التي يجب أن يتمتع بها األفراد و دليل ذلك أنها ال‬
‫تزال محل اهتمام من قبل اإلعالنات العالمية و المواثيق الدولية و الدول ال تزال‬
‫تسعى جاهدة لتكريس هذا الحق في دساتيرها و تشريعاتها الداخلية‪ ،‬و المشرع‬
‫الجزائري من بين هذه الدول التي سعت إلى تكريس الحق في المحاكمة العادلة‬
‫في دساتيرها المختلفة‪ .‬و بالعودة إلى دستور ‪ 1963‬الذي بمقتضاه صادقت‬
‫الجزائر على اإلعالن العالمي لحقوق اإلنسان بموجب المادة ‪ 11‬منه‪ ،‬صدر في‬
‫الجريدة الرسمية رقم ‪ 64‬المؤرخة في ‪ 10‬ديسمبر ‪ ،1963‬و قد تضمن‬
‫الدستور العديد من المواد التي أرست الحق في المحاكمة العادلة‪ ،‬حيث نصت‬
‫المادة ‪ 15‬من دستور ‪ 1963‬بأنه ال يمكن إيقاف أو تتبع أي شخص أال في‬
‫الحاالت التي حددها القانون‪ I‬و إن القضاة المعنيين بمقضاته طبقا للكيفيات‬
‫‪.‬المقررة بموجبه‬
‫نالحظ أن المشرع الدستوري في صريح المادة ‪ 15‬قد نصت على عدم جوازية‬
‫إيقاف أو تتبع أي شخص إال في الحاالت المحددة في القانون و أن تتم عمليات‬
‫اإليقاف و المتابعة بأمر من القضاة المختصين أما في عدا هذه الحاالت فان أي‬
‫‪.‬عملية إيقاف أو متابعة تعد باطلة بحكم الدستور‬
‫و كذلك نص المادة ‪ 61‬التي تضمنت الحق في الدفاع و نصت على ما يلي‬
‫يعترف بحق الدفاع و يكون مضمونا في حقل القضاء الجنائي‪]1[.‬‬
‫المشرع الدستوري قد كفل حق الدفاع في القضايا ذات الطابع الجنائي باعتبار‬
‫أن حق الدفاع يعد من الضمانات األساسية لحقوق المتهم في مرحلة المحاكمة‪.‬‬
‫كما أنها تعد من أهم ضمانات حقوق‪ I‬اإلنسان التي تضمنتها المواثيق و‬
‫المعاهدات الدولية و قد سعى المشرع الجزائري إلى تكريس هذه الحقوق شأنه‬
‫شان باقي الدول الموقعة على اتفاقية حقوق اإلنسان التي من أهمها ضمان‬
‫‪.‬المحاكمة العادلة للمتهم‬
‫كما نجد أن دستور ‪ 1963‬قد نص في أحكام المادة ‪ 62‬على أنه ال يخضع‬
‫‪.‬القضاة في أدائهم لوظائفهم لغير القانون و مصالح الثورة االشتراكية‬
‫و هذه الضمانة تعد من أهم الضمانات األساسية لتكريس فكرة المحاكمة العادلة‬
‫على اعتبار أن استقاللية القضاء تعد من أهم اآلليات الفعالة لضمان المحاكمة‬
‫المنصفة‪ ،‬و قد تم التنصيص على هذا المبدأ في مواثيق حقوق اإلنسان‬
‫المختلفة‪ ،‬و سعى المشرع الجزائري لتكريس ذلك الن القضاء يعد صمام أمان‬
‫‪.‬لضمان الحماية الالزمة لحقوق اإلنسان‬
‫أما في دستور ‪ 1989‬االختالف يبدو جليا حيث أن المشرع الدستوري قد سعى‬
‫إلى تكريس ضمانات ‪  ‬دستورية اكبر لضمان المحاكمة العادلة و هذا ما نستشفه‬
‫من خالل النصوص التي كرست ذلك‪ ،‬فالمادة ‪ 42‬من دستور نصت بأن كل‬
‫شخص يعتبر بريئا حتى تثبت جهة قضائية نظامية إدانته‪ ،‬مع كل الضمانات‬
‫‪.‬التي يتطلبها القانون‬
‫و ما يالحظ أن المشرع الجزائري في نص المادة ‪ 42‬قد كرس ما جاءت به‬
‫أحكام المادة ‪ 11‬من اإلعالن‪ I‬العالمي لحقوق اإلنسان‪ ،‬و مفاد هذه المادة أن‬
‫اإلنسان يولد بريئا و هذا هو األصل‪ ،‬و يبقى بريئا إلى غاية صدور حكم قضائي‬
‫بات إلدانة الشخص عن فعل مجرم قانونا‪ ،‬أما في حال نسبة الجرائم إلى المتهم‬
‫فان عبء اإلثبات يقع على االدعاء العام و عليه أن يقيم الدليل‪ ،‬و ال تتم اإلدانة‬
‫إال في حال وجود أدلة مقنعة و يقينية و يكفل هذا الحق للمتهم ابتداء من‬
‫الضبطية القضائية إلى قاضي التحقيق وصوال إلى مرحلة المحاكمة‪ ،‬فان تمت‬
‫‪.‬إدانته تحول إلى مذنب و إذا تمت تبرئته يخلى سبيله‬
‫باإلضافة إلى نص المادة ‪ 42‬نجد أيضا في نفس الباب المتعلق بالحقوق و‬
‫الحريات ما تضمنه نص المادة ‪ 43‬التي تنص على أنه ال إدانة إال بمقتضى‬
‫القانون و يصدر قبل ارتكاب الفعل المجرم‪ .‬و يقصد أنه ال تتم إدانة أي شخص‬
‫بأي جرم ما لم يكن القانون ينص على ذلك صراحة‪ ،‬و يجب تجريم الفعل قبل‬
‫ارتكاب الجريمة‪ ،‬و من هنا نجد أن المشرع الدستوري قد نص صراحة على‬
‫مبدأ الشرعية‪  ‬أي انه ال جريمة وال عقوبة إال بقانون فإذا لم نجد النص انتفت‬
‫‪.‬العقوبة‬
‫و في نفس الفصل المتعلق بالحقوق و الحريات نجد المادة ‪ 44‬من نفس‬
‫الدستور نصت ال يتابع احد و ال يوقف و ال يحتجز إال في الحاالت المحددة‬
‫‪.‬بالقانون و طبقا لألشكال التي نص عليها‬
‫و تعد هذه المادة من أهم ضمانات حقوق المتهم حيث نص المشرع الدستوري‬
‫بأنه ال يجوز متابعة أو إيقاف أي شخص أو احتجازه إال في ظل الحاالت‬
‫المحددة في القانون و يجب أن تتم وفقا للنصوص القانونية التي تحدد حاالت‬
‫المتابعة أو االحتجاز أو اإليقاف‪ ،‬و إال فان جميع هذه اإلجراءات تكون باطلة و‬
‫ترتب المسؤولية الجزائية على مرتكب هذه األفعال‪ ،‬إلى جانب ذلك نجد أن نص‬
‫المادة ‪ 45‬من نفس الدستور جاءت لتكريس مبدأ راسخ من أهم الركائز التي‬
‫تؤسس عليها المحاكمة العادلة و قد نصت المادة ‪ 45‬على خضوع التوقيف‬
‫للنظر في مجال التحريات الجزائية للرقابة القضائية و ال يمكن أن يتجاوز ‪48‬‬
‫‪.‬ساعة‬
‫و ما نستشفه من هذه المادة أن المشرع الدستوري قد حاول تقييد عملية‬
‫التوقيف للنظر في مجال التحريات الجزائية و ضرورة خضوع جميع العمليات‬
‫المتعلقة بها في جميع المراحل لرقابة السلطة القضائية‪ ،‬و هذا ضمان لعدم‬
‫التعسف من قبل رجال الضبط القضائي و حماية حقوق المتهم‪ ،‬و انه و في حالة‬
‫‪.‬توقيف فانه ال يجوز بأي من األحوال أن تتجاوز مدة التوقيف ‪ 48‬ساعة‬
‫و قد مكن المشرع الدستوري في الفقرة الثانية من نفس المادة المتهم من حق‬
‫االتصال بأسرته فور توقيفه و هذا يعد كذلك من أهم الضمانات الدستورية‬
‫‪.‬المكفولة للمتهم‬
‫و في الفقرة الثالثة من نفس المادة السابقة نصت على أنه ال يمكن تمديد مدة‬
‫التوقيف للنظر إال استثناءات و وفقا للشروط المحددة قانونا‪ ،‬و لدى االنتهاء‬
‫من التوقيف للنظر يجب أن يجرى فحص طبي على الشخص الموقوف إن طلب‬
‫ذلك و على أن يعلم بهذه اإلمكانية من خالل هذه الفقرة نص المشرع الدستوري‬
‫بعدم إمكانية تمديد مدة التوقيف إال في الحاالت االستثنائية وفقا لما تم‬
‫التنصيص عليه في القوانين و إال فإنها تعد باطلة و يتحمل مرتكب هذا الخطأ‬
‫المسؤولية الجزائية عن فعله كما نصت هذه المادة على أنه يجب إجراء فحص‬
‫طبي للموقوف إذا طلب ذلك و يجب أن يتم إعالمه بهذا الحق (أي‪  ‬أنه يمكنه‬
‫إجراء هذا الفحص الطبي)‪ ،‬و الغاية من الفحص الطبي بعد انتهاء مدة التوقيف‬
‫هو ضمان عدم تعرض الموقوف ألي صورة من صور التعذيب أو اإلكراه‪ ،‬و‬
‫هذه تعد من الضمانات األساسية التي كفلت للمتهم في دستور ‪ ،1989‬و هذا‬
‫‪.‬بالنسبة لدستور ‪1989‬‬
‫أما في التعديل الدستور لـ ‪ 28‬نوفمبر ‪ 1996‬أو دستور ‪ 1996‬كما يسميه‬
‫البعض فان المشرع قد عمل جاهدا على تكريس جملة الضمانات األساسية التي‬
‫تؤسس لضمان المحاكمة العادلة للمتهمين‪ ،‬و سعيا من المشرع الدستوري‬
‫لتكريس الحماية الفعالة لحقوق اإلنسان خاصة و أن هذا التعديل أو الدستور قد‬
‫جاء بعد الفترة العصيبة التي مرت بها الجزائر في تسعينات القرن الماضي فيما‬
‫‪.‬يعرف بالعشرية السوداء أو الحمراء‬
‫و تعد مادة ‪ 45‬من دستور ‪ 1996‬التي نصت على أن كل شخص بريء حتى‬
‫‪.‬تثبت جهة قضائية نظامية إدانته مع كل الضمانات التي يتطلبها القانون‬
‫بمقتضى هذه المادة أن األصل في الذمة هو البراءة و من ثمة فان المشتبه فيه‬
‫و على الرغم من سماعه أمام الضبطية القضائية و توجيه االتهام له أمام قضاة‬
‫التحقيق و إحالة دعواه على الجهة القضائية المختصة يبقى بريئا إلى غاية‬
‫إدانته بالتهم المنسوبة إليه من قبل المحكمة‪ ،‬مع كامل الضمانات التي يكفلها‬
‫‪:‬القانون‬

‫‪1.‬‬ ‫كالحق في الدفاع‪ ،‬الحق في إنكار التهم‪ ،‬الحق في الطعن في األحكام‬


‫‪.‬القضائية‬
‫‪.‬توفر النص القانوني الذي يجرم الفعل ‪2.‬‬

‫و قد كرست المادة ‪ 45‬حق من أهم الحقوق المكفولة للمتهم و هو أن األصل‬


‫في اإلنسان البراءة و هو ما نص عليه اإلعالن العالمي لحقوق اإلنسان في‬
‫المادة ‪ 11‬منه و ذلك ما جاءت به المادة ‪ 46‬إذ أنه ال إدانة إال بمقتضى قانون‬
‫صادر قبل تجريم الفعل‪ ،‬و نالحظ أن المشرع قد عمل على تكريس هذا المبدأ‬
‫الذي جاء به دستور ‪ 1996‬و أهم الضمانات األساسية‪  ‬لحقوق اإلنسان أي‬
‫تضمن عدم إدانة أي شخص ما لم يكن الفعل الذي ارتكبه هذا األخير يعد من‬
‫‪.‬قبل الجرائم التي يتم التنصيص عليها مسبقا‬
‫و ذلك ما جاء في أحكام المادة ‪ 47‬ال يتابع أحد أو يوقف أو يحتجز إال في‬
‫‪.‬الحاالت المحددة قانونا و طبقا لألحكام التي نص عليها‬
‫و ما يفهم من صريح المادة ‪ 47‬أن المؤسس الدستوري منع متابعة أي شخص‬
‫أو إيقافه أو احتجازه إال في الحاالت التي يحددها القانون و طبقا لألشكال‬
‫‪.‬المنصوص عليها و إال وقع ذلك تحت طائلة البطالن‬
‫أما بخصوص المادة ‪ 48‬من دستور ‪ 1996‬فهي جاءت بنفس صياغة المادة‬
‫‪ 45‬من دستور ‪ 1989‬و التي تنص على أن مدة التوقيف ال تتعدى ‪ 48‬ساعة‪،‬‬
‫و أن يتم تمكين الموقوف من االتصال بأسرته و على أن يجرى له فحص طبي‬
‫‪.‬إذا طلب ذلك مع ضرورة إعالمه بهذا الحق‬
‫أما في الفصل الثالث المتعلق بالسلطة القضائية نجد أن المشرع الدستوري قد‬
‫نص في أحكام المادة ‪ 138‬على أن السلطة القضائية مستقلة و تمارس في‬
‫إطار القانون‪ .‬و استقاللية السلطة تعد هذه األخيرة من الضمانات األساسية‬
‫للمحاكمة العادلة و قد تضمنتها االتفاقيات و المواثيق المختلفة لحقوق اإلنسان‪،‬‬
‫و قد نصت عليها المادة ‪ 10‬من اإلعالن‪ I‬العالمي لحقوق اإلنسان‪ ،‬و كذلك المادة‬
‫‪ 11‬من الميثاق العربي لحقوق االنسان‪ ،‬و كذلك ما جاءت به المادة ‪ 26‬من‬
‫الميثاق اإلفريقي لحقوق‪ I‬اإلنسان‪ .‬و يقصد باستقالل السلطة القضائية –‬
‫كضمانة لحقوق‪ I‬المتهم‪ -‬و يقصد بها تحرير الجهات القضائية من جميع‬
‫المؤثرات و االضطالع بالرسالة المنوطة بها‪ ،‬حيث تتيح لكل شخص حق‬
‫اللجوء‪ I‬إليها و استيفاء حقوقه أو دفع االتهام الموجه ضده و حمايته من أي‬
‫اعتداء‪ ،‬و هذا لن يتأتى إال أن كانت السلطة القضائية مستقلة كباقي السلطات‬
‫( السلطة التشريعية و السلطة التنفيذية)‪ .‬و عليه فان استقاللية القضاء تعد‬
‫األداة الفعالة لتحقيق العدالة و حماية حقوق‪ I‬اإلنسان و ذلك ما سعى المشرع‬
‫الدستوري إلى تكريسه‪ .‬كما أنه و بالعودة إلى أحكام المواد ‪،140 ،139‬‬
‫‪ 143 ،142 ،141‬إلى غاية المادة ‪ .148‬فمجمل هذه المواد قد تناولت مبادئ‬
‫‪.‬أساسية يقوم عليها القضاء في الجزائر‬
‫المادة ‪ 139‬أناطت بالسلطة القضائية مهمة حماية المجتمع و الحريات و ضمان‬
‫الحقوق‪ I‬األساسية‪ .‬أما المادة ‪ 140‬فنصت أن أساس القضاء مبادئ الشرعية و‬
‫‪.‬المساواة و أن الكل سواسية أمام القضاء‬
‫أما في أحكام المادة ‪ 142‬نص المؤسس الدستوري أن العقوبات الجزائية يجب‬
‫أن تخضع وجوبا لمبدأ الشرعية و الشخصية‪ ،‬و كل هذه الضمانات تؤسس‬
‫‪.‬لمحاكمة عادلة‬
‫و قد تضمنت المادة ‪ 144‬على ضمانة أساسية تعد من أهم الضمانات األساسية‬
‫للمحاكمة العادلة‪ ،‬حيث اشترط المشرع الدستوري أن تكون األحكام القضائية‬
‫معللة و ينطق بها في جلسات علنية ألن العلنية تعد ضمانة أساسية لحياد‬
‫القاضي و إبعاده عن التحيز و التأثر هذا من جهة‪ ،‬و من جهة ثانية خلق نوع‬
‫من الثقة و الطمأنينة لما يصدره القاضي من أحكام و هذا ما كرسته المادة ‪10‬‬
‫‪.‬من اإلعالن العالمي لحقوق اإلنسان‬
‫أما بخصوص المادة ‪ 148‬و‪ 149‬فقد تضمنتا أن القاضي ال يخضع في إصدار‬
‫األحكام إال لما تمليه عليه النصوص القانونية و التشريعية و هو محمي من‬
‫‪.‬جميع أنواع الضغوط و التدخالت التي قد تؤدي إلى المساس بنزاهة األحكام‬
‫أما المادة ‪ 150‬فقد نصت أن القانون يحمي المتقاضي من أي تعسف يصدر عن‬
‫القاضي‪ .‬و المادة ‪ 151‬قد تضمنت حق الدفاع و أنه معترف به و يضمن في‬
‫جميع القضايا الجزائية و هنا قد ساير المؤسس الدستوري جميع اإلعالنات و‬
‫المواثيق الدولية التي اعتبرت الحق في الدفاع من أهم حقوق اإلنسان و يعد‬
‫‪.‬ضمانة أساسية للوصول إلى محاكمة عادلة‬
‫و خالصة القول أن المؤسس الدستوري الجزائري قد سعى إلى تكريس‬
‫الضمانات األساسية للمحاكمة العادلة في مختلف الدساتير التي شهدتها الجزائر‬
‫إال أنه يالحظ أن دستور ‪ 1989‬و دستور ‪ 1996‬قد عمال على تكريس العمل‬
‫بهذه الضمانات و نص عليها صراحة بغية الحد من االنتهاكات الجسيمة التي‬
‫لحقت بحقوق اإلنسان خاصة بعد األزمة السياسية التي عاشتها البالد بعد‬
‫صدور دستور ‪ ،1989‬فجاء دستور ‪ 1996‬ليضع حدا للتجاوزات التي وقعت‬
‫في مجال حقوق اإلنسان و يعمل على تكريس المبادئ األساسية لضمان‬
‫المحاكمة العادلة التي تعد من أهم الحقوق األساسية التي يجب أن يتمتع بها‬
‫‪.‬امتهم باعتباره إنسانا‬
‫كما يالحظ أن النصوص الدستورية غالبا ما تكون ذات طبيعة عامة و تفسيرها‬
‫يكون بالقوانين و التشريعات الداخلية و هذا ما سنحاول شرحه في المحور‬
‫‪.‬الموالي‬
‫المطلب الثالث‪ :‬الضمانات التشريعية للمحاكمة العادلة في النظام القانوني‬
‫الجزائري للمتهم‬
‫بعد التعرض ألهم الضمانات الدستورية للمحاكمة العادلة سنحاول في هذا‬
‫المحور استعراض أهم ضمانات المحاكمة العادلة في التشريع الجزائري و ذلك‬
‫من خالل دراسة أهم الضمانات المنصوص عليها في قانون اإلجراءات الجزائية‬
‫و قانون العقوبات و من أهم هذه الضمانات هي الهيئة القضائية المستقلة و‬
‫المحايدة‪ ،‬مبدأ افتراض البراءة‪ ،‬قانونية المحاكمة‪ ،‬الحق في الدفاع و إمكانية‬
‫‪. ‬الطعن في األحكام القضائية‬

‫‪1.‬‬ ‫‪:‬المحكمة المستقلة و المحايدة‬

‫لعل من أهم الضمانات التي تم التنصيص عليها في قانون اإلجراءات الجزائية‬


‫هي الهيئة القضائية المستقلة و أول إشكالية تثار في هذا السياق هو أن تكون‬
‫المحكمة مختصة‪ ،‬و المشرع الجزائري قد أولى أهمية بالغة لقواعد االختصاص‬
‫و اعتبارها من النظام العام أي أن مخالفتها تؤدي إلى البطالن‪ I‬المطلق‬
‫لإلجراءات‪ I،‬كما أنه باإلمكان إثارتها في جميع مراحل الدعوى‪ ،‬و قد نظمت‬
‫القواعد العامة لالختصاص بأحكام المواد من ‪ 246‬إلى ‪ 252‬من قانون‬
‫اإلجراءات الجزائية‪ ،‬كما عالج إشكالية تنازع االختصاص في أحكام المواد‬
‫‪ 545‬إلى ‪ 548‬من نفس القانون‪ I‬و هذا دليل على نية المشرع إرساء قواعد‬
‫‪.‬تضمن محاكمة عادلة للمتهمين‬
‫أما بالنسبة الستقاللية المحكمة و يهدف من ورائها للوصول أو ضمان محاكمة‬
‫عادلة الن هذا الدور منوط بالسلطة القضائية و يجب أن تكون هذه األخيرة‬
‫‪.‬مستقلة عن السلطة التشريعية و السلطة التنفيذية‬
‫أما مبدأ الحياد فيقصد به أن ال يكون للقاضي أي تصورات مسبقة حول القضية‬
‫المعروضة عليه للفصل فيها‪ .‬هذا بالنسبة لحياد القاضي‪ ،‬و كذلك الحال بالنسبة‬
‫لحياد المحكمة باعتبارها جهازا قضائيا‪ ،‬ألنه من غير المعقول أن نطالب‬
‫‪.‬القاضي بالحياد و نستثني حياد المحكمة‬
‫و لقد كرس المشرع الجزائري فكرة حياد القاضي في قانون اإلجراءات الجزائية‬
‫و ذلك من خالل إمكانية رد القضاة طبقا ألحكام المواد ‪ 566-545‬حيث إذا‬
‫اتضح للمتهم ما يشكك في عدم إمكانية إنصافه من قبل القاضي له الحق في‬
‫طلب تعويضه بقاض آخر‪]2[.‬‬
‫كما أنه ال يجوز و بالعودة إلى مبدأ الفصل بين السلطات فانه ال يجوز بأي حال‬
‫من األحوال أن يتم التداخل بين سلطة الحكم و سلطة التحقيق و يجب أن يتم‬
‫الفصل بينهما وهذا بحسب صريح نص المادة ‪ 38‬من قانون اإلجراءات‬
‫الجزائية[‪  ]3‬الن ذلك يعد من النظام العام وال يجوز االتفاق على مخالفته‪.‬‬
‫القاضي الذي قام بإجراءات التحقيق في دعوى ما ال يمكن أن يكون في نفس‬
‫تشكيلة القضاة الذين سيفصلون في القضية‪ ،‬كما ال يجوز لعضو في غرفة‬
‫االتهام أن يشترك في محكمة الجنايات الن القضية قد عرضت عليه من قبل‪،‬‬
‫هذا باإلضافة إلى أن تنظيم الجهات القضائية يعد أيضا من النظام العام‪ ،‬فعدم‬
‫قانونية التشكيلة قد تؤدي إلى بطالن‪  ‬المحاكمة‪ ،‬فالقاضي الذي ضمن تشكيلة‬
‫الدرجة األولى ال يمكن أن يشارك ‪ ‬في تشكيلة الدرجة الثانية و عليه فان‬
‫استقاللية و حياد و اختصاص المحكمة تعد من الضمانات األساسية للمحاكمات‬
‫العادلة و ضمانا لعدم المساس بحقوق المتهمين‪ ،‬و هو ما عكف المشرع‬
‫‪.‬الجزائري على تكريسه‬

‫‪1.‬‬ ‫‪:‬مبدأ افتراض البراءة‬

‫األصل العام ان اإلنسان بريء و أن مجرد االتهام ال يقلل و ال يمس ببراءته‪ ،‬أي‬
‫أن الشخص يبقى بريئا حتى و إن كان مشتبها فيه أو متهم و مهما كانت‬
‫جسامة الفعل المنسوب إليه‪ ،‬فانه يبقى بريئا حتى تتم اإلدانة من قبل جهة‬
‫‪.‬قضائية مختصة‬
‫و عرف الدكتور محمد محددة قرينة البراءة بأنها معاملة الشخص مشتبها فيه‬
‫كان أم متهما‪ ،‬في جميع مراحل اإلجراءات مهما كانت جسامة التهم المنسوبة‬
‫إليه على أنه بريء حتى تثبت إدانته بحكم قضائي بات‪ ،‬وفقا للضمانات التي‬
‫يقررها القانون للشخص في كل مراحله‪]4[.‬‬
‫و منه فان احترام مبدأ البراءة يقضي بعدم جوازية إدانة المتهم بالتهم المنسوبة‬
‫إليه عبثا‪ ،‬فله الحق أن يحيطه قاضي التحقيق عند حضوره عنه علما بجميع‬
‫الوقائع المنسوبة إليه ليتمكن من الدفاع عن نفسه و ليفند أدلة االتهام وقد‬
‫نصت على ذلك المادة ‪ 100‬من قانون اإلجراءات الجزائية[‪ ،]5‬و له الحق في‬
‫إنكار جميع التهم المنسوبة إليه و يتمسك بمبدأ قرينة البراءة مادام ال يوجد ما‬
‫ينفي ذلك‪ ،‬و قد نصت المادتان ‪ 369‬و‪  ‬كذا المادة ‪ 404‬على أنه إذا رأت‬
‫المحكمة أن الواقعة موضوع المتابعة ال تكون أي جريمة في قانون العقوبات و‬
‫أنها غير ثابتة أو غير مسندة للمتهم‪ ،‬قضت ببراءته من المتابعة بغير عقوبة‬
‫‪.‬وال مصاريف‬
‫أما نص المادة ‪ 404‬فجاءت كالتالي إذا رأت المحكمة أ‪ ،‬الواقعة ال تكون أي‬
‫جريمة في قانون العقوبات أو كانت الواقعة غير ثابتة أو غير منسوبة للمتهم‬
‫‪.‬قضت‪  ‬ببراءته منها بغير عقوبة وال مصاريف‬
‫و عليه فان المشرع الجزائي – الجزائري‪ -‬قد كرس حق المتهم في افتراض‬
‫مبدأ البراءة و هذا لضمان عدم المساس بحرية المتهمين و هذه الضمانة تعد‬
‫ضمانة فعالة و حقيقية للمحاكمات العادل‪ ،‬و تكريسا لمبادئ و حقوق اإلنسان‬
‫‪.‬األساسية‬

‫‪1.‬‬ ‫‪:‬الحق في الدفاع و االستعانة بمحام‬

‫يحق للمتهم الدفاع عن نفسه و إبداء أوجه دفاعه دحضا الدعاءات االتهام‪ ،‬و ال‬
‫يعني ذلك أن المتهم يقع عليه عبء إثبات براءته‪ ،‬الن المتهم بريء حتى تثبت‬
‫إدانته من قبل جهة االتهام[‪ ]6‬و يعد الحق في الدفاع من أهم الضمانات‬
‫القانونية التي يخولها القانون للمتهم أمام الجهات القضائية‪ ،‬فله الحق في‬
‫اختيار محامي أو محامين للدفاع عنه بكل حرية‪ ،‬وقد نصت المادة ‪ 271‬من‬
‫قانون اإلجراءات الجزائية على أنه يتم اختيار المحامي من قبل المتهم و أن‬
‫يطلب ذلك من قبل الرئيس و عليه ذكر اسم أو أسماء المحامين الذين اختارهم‬
‫‪.‬لتسجيلهم‬
‫و ألزمت المادة ‪ 271‬الرئيس في حال عدم اختبار المتهم لمحاميه أن يعين له‬
‫محام على وجه اإللزام‪ ،‬كما يجب أن تكون هناك حرية في االتصال بين المتهم و‬
‫محاميه و هذا ما كرسته أحكام المادة ‪ 272‬من قانون اإلجراءات الجزائية‪]7[.‬‬
‫و منه فالمشرع الجزائري في قانون اإلجراءات الجزائية قد ساير جميع‬
‫التشريعات المقارنة التي تمكن المتهم من الدفاع عن نفسه و االستعانة‬
‫بمحامين و ذلك سعيا للوصول إلى محاكمات عادلة للمتهمين و ضمانا لعدم‬
‫‪.‬المساس بالحقوق و الحريات األساسية لإلنسان‬

‫‪1.‬‬ ‫‪:‬علنية المحاكمة‬

‫يقصد بالعلنية تمكين الجمهور من حضور جلسات المحاكمة و سماع ما يدور‬


‫فيها من نقاشات و مرافعات و جميع ما يتخذ فيها من إجراءات و قرارات و‬
‫أحكام[‪ . ]8‬و ال تنتهي العلنية عند هذا الحد بل تتعداه إلى الحق في حرية نشر‬
‫جميع ما يدور في جلسات المحاكمة عبر وسائل النشر المعروفة‪ ،‬و نظرا‬
‫ألهمية هذه الضمانة سعى المشرع الجزائري لتكريس هذا الحق في قانون‬
‫اإلجراءات الجزائية و هذا ما تضمنته المادة ‪ 285‬من قانون اإلجراءات‬
‫الجزائية و كذا المادة ‪ 430‬من نفس القانون‪ I‬حيث قضت أن مبدأ العلنية في‬
‫محاكم الجنايات و الجنح و الغرف الجزائية ‪ ،‬إال أن العلنية كأصل عام أورد‬
‫عليه المشرع الجزائري بعض االستثناءات التي يمكن من خاللها أن تعقد‬
‫الجلسات في سرية تامة‪ .‬ففي حالة النظام العام و اآلداب العامة ( المادة ‪468‬‬
‫‪.‬من قانون اإلجراءات الجزائية)‬
‫و تعد المادة ‪ 285‬من أكثر المواد وضوحا للداللة و تقرير حق المتهم في‬
‫محاكمة علنية‪ ،‬و مبدأ العلنية يعتبر ضمانة أساسية لحياد القاضي و أبعاده عن‬
‫التحيز و التأثر و تعزيز الثقة فيما يصدره من أحكام و هذا ما سعى المشرع‬
‫‪.‬الجزائري لتكريسه إنصافا للمتهم و تقريرا لحقه في المحاكمة العادلة‬

‫‪1.‬‬ ‫‪:‬إمكانية الطعن‬

‫يعد الحق في الطعن في األحكام القضائية من الضمانات األساسية التي تقررها‬


‫جميع المواثيق و االتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق اإلنسان‪ ،‬و قد عمل‬
‫المشرع الجزائري على تكريس هذا الحق للمتهمين في قانون اإلجراءات‬
‫الجزائية‪ ،‬فقد أعطى الحق للمتهم في حال أصدرت في حقه أحكاما غيابية أن‬
‫يقوم بمعارضة أمام الجهة المصدرة للحكم و هذا ما نصت عليه أحكام المادتين‬
‫‪ 346‬من قانون اإلجراءات الجزائية و ذلك خالل مدة ‪ 10‬أيام من تاريخ تبليغه‬
‫بالحكم محل المعارضة أما في حال األحكام الحضورية فان إمكانية الطعن تكون‬
‫عن طريق االستئناف أمام الغرف الجزائية بالمجلس و ذلك ما نصت عليه المادة‬
‫‪ 417‬من قانون اإلجراءات الجزائية خالل مدة ‪ 30‬يوما من النطق بالحكم كما‬
‫أن له إمكانية الطعن بالنقض أمام المحكمة العليا و الطعن في هذه الحالة يكون‬
‫لصالح القانون وفقا ألحكام المواد ‪ 531-530‬من قانون اإلجراءات الجزائية‪،‬‬
‫و تعد إمكانية الطعن من الضمانات األساسية للمحاكمة العادلة كونها تفتح الباب‬
‫‪.‬لمواجهة ما يصدر عن المحاكم من أحكام و ضمانة لحقوق المتهمين‬
‫أما بالنسبة لضمانات المحاكمة العادلة في قانون العقوبات فتتمحور أساسا حول‬
‫مبدأ الشرعية باعتباره أحد المبادئ األساسية التي تضمن المحاكمة العادلة‬
‫للمتهم حيث تضمن له المساواة و الحماية‪ ،‬فبالعودة إلى المادة األولى من‬
‫قانون اإلجراءات الجزائية و التي تنص على أنه ال جريمة وال عقوبة وال تدبير‬
‫أمن من غير قانون أو نص‪ ،‬فالمشرع من خالل نص هذه المادة أراد أن يبين‬
‫أنه عند انتفاء القانون أو النص القانوني أو عدم وجوده يؤدي ذلك بالتبعية ال‬
‫محالة إلى بطالن كل اإلجراءات التي قد تتخذ ضد الشخص سواء كانت إدانة أو‬
‫عقابا أو تدبير أمن و منه فالمشرع الجزائري أراد حماية األشخاص و كذا‬
‫المتهم فمنع المساس بها خارج األطر القانونية و يعتبر هذا المبدأ وليد الفقه‬
‫‪.‬الفرنسي‬
‫كما أن مبدأ عدم رجعية القوانين و الذي تناولته المادة الثانية من قانون‬
‫العقوبات نصت على أن قانون العقوبات ال يسري على الماضي إال ما كان منه‬
‫أقل شدة و هذا ينطبق على نص المادة ‪ 46‬من الدستور‪ ،‬إذ أن عدم الرجعية‬
‫يعد من أكثر الضمانات المقررة للمتهم و منه عدم الرجعية يعني عدم إمكانية‬
‫‪.‬توقيع أي عقوبة على أي شخص بنص لم يكن موجودا وقت وقوع الجريمة‬
‫وخالصة القول أن التعديالت األخيرة لقانون اإلجراءات الجزائية و قانون‬
‫العقوبات قد سعى المشرع من خاللها جاهدا لتكريس حق المتهم في الحصول‬
‫على محاكمة عادلة و قد اتضح ذلك من خالل أهم الضمانات التي استعرضناها‬
‫‪.‬في هذه الورقة البحثية‬
‫هذا باإلضافة إلى حق المتهم في اإلنكار‪.‬و حقه في استبعاد األدلة‪  ‬غير‬
‫المشروعة و ضمان حضر محاكمته على نفس الجريمة مرتين و ضمان‬
‫السرعة في المحاكمة‪ ،‬و جميع هذه الضمانات تعد صمام أمان للوصول إلى‬
‫محاكمات عادلة تضمن من خاللها حقوق اإلنسان األساسية‪ ،‬فانه و بالرغم من‬
‫هذه الضمانات الدستورية و التشريعية ال تزال هناك العديد من النقائص‬
‫لضمانات المحاكمة العادلة في التشريع الجزائري بحيث تكمن فاعلية ضمانات‬
‫‪:‬المحاكمة العادلة فيما يلي‬
‫سعى المشرع الجزائري لتكريس ضمانات حقيقية للمحاكمات العادلة باعتباره‪-‬‬
‫حقا من حقوق اإلنسان األساسية لذلك تم التنصيص عليها في الدساتير المختلفة‬
‫و كذا قانون اإلجراءات الجزائية و قانون العقوبات‪ ،‬و المشرع الجزائري كباقي‬
‫التشريعات المقارنة يسعى إلى تبني اآلليات و الضمانات التي تهدف إلى حماية‬
‫حقوق اإلنسان و تمجيدها و ذلك من خالل المصادقة على اتفاقيات و مواثيق‬
‫حقوق اإلنسان المختلفة‪ ،‬إال أنه هذه الضمانات الدستورية و التشريعية في‬
‫‪.‬النظام القانوني الجزائري ال تزال غير كافية لضمان المحاكمات العادلة‬
‫بالنسبة للضمانات الدستورية نالحظ أنه رغم مصادقة الجزائر على أغلب‬
‫اتفاقيات حقوق اإلنسان‪ ،‬و الدستور الجزائري نص صراحة أنه في حال‬
‫المصادقة على االتفاقيات فإنها تسمو على القوانين الداخلية‪ ،‬إال أن الممارسة‬
‫الفعلية من قبل القضاة تثبت العكس‪ ،‬حيث في الغالب ما يتردد القضاة في تطبيق‬
‫أحكام االتفاقيات الدولية التي وقعت الجزائر عليها و يولون األهمية للتشريعات‬
‫الداخلية و هذا ما يطرح إشكالية خاصة في مجال حماية حقوق اإلنسان الن‬
‫بعض االتفاقيات التي وقعت عليها الجزائر في مجال حقوق اإلنسان قد تحمي‬
‫المتهم أكثر من القوانين الداخلية‪ ،‬و هذا يعد مساسا بحقوق اإلنسان سواء في‬
‫‪.‬مجال المحاكمة العادلة أو في مجال حماية حقوق اإلنسان بصفة عامة‬
‫كما أن فكرة استقاللية السلطة القضائية عن السلطة التنفيذية ال تزال تثار‬
‫حولها العديد من التساؤالت و الشكوك‪ ،‬فالتتبع الكرونولوجي‬
‫يبين أن السلطة القضائية في دستور ‪ 1963‬و تعديل سنة ‪ 1976‬اعتبرا‬
‫القضاء مجرد وظيفة‪ ،‬و هذا يعد مساسا صارخا باستقاللية الجهات القضائية‬
‫باعتبار أن استقالل القضاء يعد من أهم ضمانات المحاكمة العادلة‪ ،‬كما يالحظ‬
‫أن تعداد الضمانات في حد ذاتها في هذه الفترة كان ضئيال و المشرع لم يولي‬
‫أهمية لهذه الضمانات بالرغم من توقيع الجزائر على اإلعالن العالمي لحقوق‬
‫‪.‬اإلنسان منذ سنة ‪1963‬‬
‫و بعد صدور دستور ‪ 1989‬و تبني فكرة االنفتاح في الجزائر‪ ،‬فان المشرع‬
‫سعى إلى تكريس أهم الضمانات األساسية لضمان محاكمات عادلة للمتهمين إال‬
‫أن االنزالق الخطيرة التي عاشتها البالد في تلك الفترة ( العشرية السوداء) أدت‬
‫إلى انتهاكات خطيرة في مجال حقوق اإلنسان و تحديدا ضمانات المحاكمة‬
‫العادلة حيث كانت تتم محاكمة المتهمين أمام المحاكم العسكرية و ذلك بعد‬
‫إعالن‪ I‬حالة الطوارئ بموجب المرسوم الرئاسي ‪ 44-92‬المؤرخ في‬
‫‪ 09/02/1992‬و كذلك صدور المرسوم التشريعي الخاص بمكافحة التخريب و‬
‫اإلرهاب الصادر في سبتمبر ‪ 1992‬الفتقادهما لشروط المحاكمة العادلة‪ ،‬فأمام‬
‫المحاكم العسكرية كان قبول المحامي في هذه المحاكم يخضع لسلطة رئيس‬
‫المحكمة و الذي له الحق في رفض المحامي أو رده دون تعليل و هذا يعد‬
‫‪.‬مساسا صارخا بحق دستوري راسخ أال وهو حق و حرية اختيار دفاعه‬
‫أما بالنسبة لدستور ‪ 1996‬فقد سعى المشرع الجزائري إلى تبني جملة من‬
‫الضمانات الفعالة للحد من االنتهاكات التي شهدتها فترة التسعينات‪ ،‬فتعددت‬
‫النصوص التي تفصل في تحديد الضمانات األساسية للمحاكمات العادلة إال أنه‬
‫يالحظ أن فكرة استقاللية السلطة القضائية عن السلطة التنفيذية ال تزال‬
‫مطروحة‪ ،‬كما أن العمل بهذه الضمانات يوقف العمل إذا تعلق األمر بالجرائم‬
‫‪.‬ذات الطابع السياسي و اإلرهابي‪ ،‬و هذا بالنسبة للضمانات الدستورية‬
‫أما بالنسبة للضمانات التشريعية خاصة في قانون اإلجراءات الجزائية مع العلم‬
‫أننا في هذه الورقة البحثية أثرنا الحديث عن الضمانات في مرحلة المحاكمة إال‬
‫أننا في االنتقادات سنحاول تبيين جميع النقائص أثناء كل المراحل ابتداء من‬
‫‪.‬التحقيق و صوال للمحاكمة و الطعن في األحكام القضائية‬
‫ففي مرحلة التحقيق األولي أمام ضباط الشرطة القضائية حيث أن أول إشكالية‬
‫تثار في تعديل ‪ 22-06‬من قانون اإلجراءات الجزائية هي أن المشرع دعم‬
‫صالحيات الضبطية القضائية بشكل يمس بمبدأ التوازن المفترض في هذا‬
‫القانون فمن الواجب أن تتم الموازنة بين سلطة االتهام و حقوق الدفاع الن‬
‫المشرع الجزائري قد اقتبس و اخذ عن المشرع الفرنسي فكرة اعتراض‬
‫المراسالت و التسرب‪ ،‬و لم يمكن المحامي من التأسيس أمام الضبطية القضائية‬
‫و هذا يعد مساسا بالمحاكمة العادلة الن المشرع لم يساير التشريع الفرنسي‬
‫الذي أعطى الحق في تأسيس المحامي أمام الضبطية القضائية بموجب القانون‬
‫الصادر في ‪ 15/06/2000‬المتعلق بقرينة البراءة و حقوق الضحايا‪ .‬أما في‬
‫مرحلة التحقيق االبتدائي فلم يلزم القانون اإلجراءات الجزائية قاضي التحقيق‬
‫بما يسمى باآلجال الهادفة……و عند انتهاء القاضي من التحقيق في التشريع‬
‫الفرنسي مثال يبلغ جميع األطراف بأن له مهلة ‪ 20‬يوما من أجل تقديم أي طلب‬
‫يخص القضية في حين أن المشرع الجزائري لم ينص على ذلك و ترك األمر‬
‫إلى فترة المحاكمة فمثال المحامي قد يطلب ندب خبير أو مواجهة بين شاهد و‬
‫متهم فتكون أثناء فترة المحاكمة هذا ما يطيل من مدة المحاكمة‪ ،‬و سرعة‬
‫‪.‬المحاكمة تعد من الضمانات األساسية للمحاكمة العادلة‬
‫أما في مرحلة التحقيق النهائي‪ ،‬في محكمة الجنح في اعتقادها أنه إذا كان‬
‫القانون يجيز للنيابة العامة إحالة المتهم عن طريق إجراءات التلبس طبقا‬
‫ألحكام المواد ‪ 383 -59 -91‬من قانون اإلجراءات الجزائية كذلك يجب أن‬
‫يكون مطابقا لمبادئ المحاكمة العادلة‪ ،‬إذ أن المادة ‪ 59‬تجيز لوكيل الجمهورية‬
‫إذا لم يقدم المتهم ضمانات كافية للمثول أمام المحكمة أن يصدر أمرا إليداع‬
‫المتهم للمؤسسة العقابية على أن يحاكم في أجل أقصاه ‪ 8‬أيام‪ ،‬و هذا في‬
‫اعتقادنا يعد مساسا بالمحاكمة العادلة على أساس أن النيابة خصم و ال يمكن أن‬
‫يتصور أن يكون أحد األطراف حكما و خصما في آن واحد‪ ،‬حيث من الواجب‬
‫‪.‬تقديم هذه الضمانات أمام قاضي التحقيق و الذي سيفصل في الملف‬
‫و كذلك إشكالية طرح األسئلة‪ :‬حيث أن النيابة مكنت من طرح األسئلة مباشرة‬
‫في حين ال يجوز للمحامي توجيه و طرح األسئلة مباشرة بل مرورا على‬
‫الرئيس الذي له سلطة رفض السؤال ان كان ال يتعلق بالوقائع‪ I،‬و هذا كذلك يعد‬
‫‪.‬مساسا بضمانات المحاكمة العادلة‬
‫أما بالنسبة لمحكمة الجنايات فانه نفس األمر بالنسبة لطرح األسئلة و غياب‬
‫االستئناف في مادة الجنايات و يعد مساسا صارخا بمبادئ و ضمانات المحاكمة‬
‫‪.‬العادلة‬
‫‪:‬الخاتمة‬
‫‪ :‬قائمة المراجع‬
‫المادة ‪ 61‬من دستور ‪ : 1963‬‬
‫ماروك نصر الدين‪ ،‬محاضرات‪ 6‬في اإلثبات الجنائي‪ 6،‬النظرية العامة لإلثبات‬
‫‪.‬الجنائي‪ 6،‬دار هومة‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬الجزائر‪ ،2003 ،‬ص ‪618‬‬
‫المادة ‪ 38‬من قانون اإلجراءات‪ 6‬الجزائية‪ ” .‬تناط بقاضي التحقيق إجراءات ‪ :‬‬
‫البحث و التحري و ال يجوز له أن يشترك في الحكم في قضايا نظر فيها بصفته‬
‫‪.‬قاضيا للتحقيق وإال كان ذلك الحكم باطال‬
‫‪.‬و له في سبيل‪  ‬مباشرة مهام وظيفته أن يستعين مباشرة بالقوة العمومية‬
‫و يختص بالتحقيق في الحادث بناء على طلب من وكيل الجمهورية أو شكوى‬
‫‪.‬مصحوبة بادعاء مدني ضمن الشروط المنصوص عليها في المادتين‪ 67  ‬و ‪73‬‬
‫في حالة الجناية أو الجنحة المتلبس بها يباشر قاضي التحقيق السلطات المخولة له‬
‫”‪.‬بمقتضى المادة ‪ 57‬و ما يليها‬
‫محدة محمد‪ ،‬ضمانات‪ 6‬المتهم أثناء التحقيق‪ ،‬دار الهدى‪ ،‬الطبعة األولى‪ : ،‬‬
‫‪.‬الجزائر‪ ،1992 6،‬ص‪38‬‬
‫عبد هللا زايدية‪ ،‬شرح قانون اإلجراءات الجزائية –التحقيق و التحري‪ ،‬دار ‪ :‬‬
‫‪.‬هومة‪ ،‬الطبعة السادسة‪ ،‬الجزائر‪ ،2006 ،‬ص ‪357‬‬
‫‪.‬عبد هللا زايدية‪ ،‬نفس المرجع السالف الذكر‪ ،‬ص ‪ : 357‬‬
‫المادة ‪ 272‬من قانون اإلجراءات الجزائية ” يتم النطق باألحكام الفاصلة في‪ :  ‬‬
‫‪.‬النزاع علنيا‬
‫”يصرح باألوامر الوالية بغير ذلك‬
‫عوض محمد عوض‪ ،‬المبادئ العامة لقانون اإلجراءات الجنائية‪ ،‬منشأة ‪ :‬‬
‫‪.‬المعارف‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،1994 ،‬ص ‪596‬‬
‫حسن بشيت خوين‪ ،‬ضمانات المتهم في الدعوى الجزائية خالل مرحلة‪-‬‬
‫المحاكمة‪ ،‬دراسة‬
‫مقارنة‪ ،‬الجزء الثاني‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬مكتبة دار الثقافة للنشر والتوزيع‪ ،‬عمان‪،‬‬
‫‪1992.‬‬
‫حسن مصطفى مقابلة‪ ،‬الشرعية في اإلجراءات الجزائية‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬الدار‪-‬‬
‫العلمية الدولية‬
‫‪.‬للنشر والتوزيع ودار الثقافة للنشر و التوزيع‪ ،‬عمان‪8883 ،‬‬
‫حسن صادق المرصفاوي‪ ،‬الحبس االحتياطي و ضمان الحرية الفردية في‪-‬‬
‫‪،‬التشريع المصري‬
‫‪.‬كلية الحقوق‪ ،‬جامعة القاهرة‪1914 6،‬‬
‫رياض شمس‪ ،‬الحرية الشخصية في التشريع الجنائي المصري‪ ،‬ط‪، 1‬مطبعة‪-‬‬
‫دار الكتب‬
‫‪.‬المصرية‪1914 ،‬‬
‫سعدى محمد الخطيب‪ ،‬حقوق اإلنسان وضماناتها الدستورية في اثنتين وعشرين‪-‬‬
‫‪،‬دولة عربية‬
‫‪.‬دراسة مقارنة‪ ،‬الطبعة األولي‪ ،‬منشورات الحلبي الحقوقية‪ ،‬بيروت‪8811 ،‬‬
‫سليمان مرقس‪ ،‬الوافي في شرح القانون المدني‪ ،‬المدخل للعلوم القانونية‪ ،‬ج‪-‬‬
‫‪، 1،‬سنة ‪1962‬م‬
‫‪.‬بند ‪، 192‬بدون دار نشر‬
‫عبد اهلل أوهابية‪ ،‬ضمانات‪ 6‬الحرية الشخصية أثناء مرحلة البحث التمهيدي‪11 -،‬‬
‫‪،‬االستداللي‬
‫‪.‬الطبعة األولي‪ ،‬الديوان الوطني لألشغال التربوية‪ ،‬الجزائر‪8884 ،‬‬
‫عبد العزيز سعد‪ ،‬طرق الطعن في األحكام و القرارات‪ 6‬القضائية‪ ،‬الطبعة‪11 -‬‬
‫‪،‬الثالثة‪ ،‬دار هومة‬
‫‪.‬الجزائر ‪8881‬‬
‫عمر فخري عبد الر زاق الحديثي‪ ،‬حق المتهم في محاكمة عادلة‪ ،‬دراسة‪16 -‬‬
‫مقارنة‪ ،‬دار الثقافة‬
‫‪.‬للنشر والتوزيع‪ ،‬عمان ‪8881‬‬

You might also like