Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 8

‫‪ 2021‬االستاذ الهادي عبد الحفيظ – معهد حي االمل ‪ -‬قابس‬

‫يف توافق السيادة و املواطنة ‪:‬‬

‫سبينوزا ‪ :‬ألامن والحرية شرط تعايش السيادة واملواطنة‬

‫تتميز رؤية سبينوزا‪ )7761-7711(،‬للعالقة بين سيادة الدولة من ناحية‪ ،‬وحرية املواطن من ناحية‬
‫ثانية‪ ،‬بأنها دعوة أو تأسيس لعالقة تقوم على تحقيق التوافق بين السيادتين في نفس الوقت‪ .‬وتتأسس‬
‫نظرية سبينوزا (شأنه شأن جميع فالسفة العقد الاجتماعي)‪ ،‬على افتراض وجود حالة سابقة على‬
‫الدولة‪ ،‬تعرف بحالة الطبيعة [وهي حالة الالدولة]‪ ،‬تتسم بهيمنة القوي على الضعيف‪ ،‬وعلى سيادة‬
‫قانون الغاب‪ .‬فالحق الطبيعي هو القوة الطبيعية ذاتها‪ ،‬وعليه يمتد الحق بقدر ما تمتد القوة‪.‬‬
‫هذا الوضع الذي يجعل من الحق يتأسس على القوة‪ ،‬هو الذي سيدفع باألفراد في هذه الحالة‪ ،‬إلى‬
‫الرغبة في إيجاد مخرج‪ .‬من هنا سيتنازل ألافراد عبر عملية تعاقدية‪ ،‬عن تسيير شؤونهم بأنفسهم‪ ،‬وفق‬
‫منطق الانفعال في اتجاه تنظيم الحياة وفق مقتضيات العقل‪.‬‬
‫"إن الغاية التي ترمي إليها الديمقراطية والمبدأ الذي تقوم عليه هو كما قلنا من قبل‪ ،‬تخليص الناس من‬
‫سيطرة الشهوة العمياء واإلبقاء عليهم بقدر االمكان في حدود العقل بحيث يعيشون في وئام وسالم"‬
‫سبينوزا‪.‬‬
‫لذلك ال يشترط العقد تنازال عن الحق الطبيعي‪ ،‬بل هو تأمين له‪ .‬يقتض ي هذا العقد طرفان‪ ،‬هما‬
‫ألافراد و السلطة‪ .‬ويترتب عنه التزامات تتمثل في طاعة ألافراد للقانون في مقابل‪ ،‬احترام الحاكم لحق‬
‫ألافراد في الحرية‪ .‬لذا يعد نظام الحكم نظاما ديمقراطيا و نظام دولة الحرية‪ .‬فالدولة لم توجد لغاية‬
‫قمعية‪ ،‬ولحفظ الحياة‪ ،‬وضمان ألامن والسالم فقط‪ ،‬بل وجدت لكي يعيش املواطن وفق نظام العقل‬
‫وضمان الحرية‪.‬‬
‫"أما الدولة أو نظام الحكم الذي ال تؤخذ فيه مصلحة اآلمر بوصفها قانونا أسمى‪ ،‬بل تراعي مصلحة‬
‫الشعب كله ‪ -‬فمن الواجب أال يعد من يطيع الحكم عبدا ال يحقق مصلحته الخاصة‪ ،‬بل مواطنا‪ ،‬وعلى ذلك‬
‫تكون اكثر الدول حرية تلك التي تعتمد قوانينها على العقل السليم" سبينوزا‬

‫اتباع العقل = الحرية = املواطنة = الديمقراطية‪.‬‬


‫وإذا كان التصور الهوبزي يجعل من نشوء الدولة يتم مرة واحدة ‪،‬فإن سبينوزا يجعل من كيان هذه‬
‫الدولة قابلة للتغيير والتعديل واملراجعة‪ .‬فمن حق املواطن أن ينقد الدولة ‪،‬ومن واجبها احترام حرية‬
‫ألافراد وحرية املعتقد‪ ،‬إذا ما التزموا بالسلم ولم يلجؤوا إلى الرغبة في تغييرها بالقوة والعنف‪ .‬إذا ال‬

‫‪1‬‬
‫‪ 2021‬االستاذ الهادي عبد الحفيظ – معهد حي االمل ‪ -‬قابس‬

‫وجود لهيمنة الدولة على ألافراد‪ ،‬حتى وإن كان نظام الحكم فيها مطلقا وال وجود لتكريس سيادة‬
‫الشعب على املواطنة‪ ،‬وفق منطق الانفعال بل أن عقالنية الحكم وتدريب إلانسان على املواطنة‬
‫‪،‬وترسيخ الديمقراطية ‪،‬هي الضمانات ألاساسية إليجاد توافق بين السيادة واملواطنة ‪.‬‬
‫ً‬
‫و "من يتخلى عن حريته خوفا على أمنه‪ ،‬ال يستحق حرية وال أمنا " بنجامين فرانكلين‬

‫الحرية مفهوم مركزي في فكر سبينوزا يقترن بإعمال العقل لتصريف االنفعاالت ويرتبط بالسلم الذي‬
‫يمثل غاية الدولة‪ .‬إن تحرير الفرد من بعض االنفعاالت كالخوف وضمان حقه الطبيعي في الحياة‬
‫(الكوناتوس ‪ ،)conatus‬وفي العمل دون إلحاق الضرر بالغير‪ ،‬هو الذي يحقق الحرية والسلم‪ .‬وبالتالي‬
‫يؤسس لفكرة المواطنة‪ .‬والمواطن يحق له التفكير بحرية تامة‪ ،‬شريطة ان ال يتعدى حدود الكالم‪ ،‬وأن‬
‫يحتكم إلى العقل‪ ،‬ويستعمل حريته = طاعة ال خضوعا = للسلطة العليا‪.‬‬

‫روسو‪ :‬في تالزم السيادة واملواطنة‬


‫ّ‬
‫إال أن ّ‬
‫كل‬ ‫يرى روسو (‪)7171-7111‬أن الدولة تنبثق من قبول ألافراد بها باعتبارها شاملة للسلطة‪،‬‬
‫ّ‬
‫إرادة من إرادات ألافراد‪ ،‬في كل مرحلة من مراحل العمل‪ ،‬تشكل جزءا من إرادة الدولة أثناء ممارستها‬
‫السلطة‪ .‬ورأي الشعب يكون هو املوجه لتصرفاتها باستمرار‪ .‬و الشعب يراقب الحكومة في أداء واجبها‬
‫املوكل إليها‪ .‬ويبرر روسو ذلك بالعودة إلى حالة الطبيعة‪ .‬فحالة الطبيعة عنده هي حالة سلم يتميز فيها‬
‫إلانسان بضمير عاطفي وهو مسالم وفزع‪ ،‬وأمام كل خطر يكون الفرار حركته ألاولى‪.‬‬
‫ّ‬
‫إلانسان إذا خير بطبعه وهو فرد يتميز بالحرية املطلقة‪ ،‬إال ّأن مخاطر الطبيعة وعدم قدرته على‬
‫مجابهتها منفردا‪ ،‬هي التي ستدفعه إلى التعاون مع ألافراد آلاخرين‪ .‬وهذا التعاون ال يمكن أن يكون‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫فعاال وناجحا إال عبر (عقد اجتماعي) مؤسسة‪ ،‬تكون قادرة على تحقيق سيادة ألافراد وتأمين املصلحة‬
‫العامة‪ .‬وذلك ب‪:‬‬
‫"ان يضع كل واحد منا شخصه وكل ماله من قوة‪ ،‬تحت تصرف املجموعة وان يخضع‬
‫ملشيئة الارادة العامة" روسو‪.‬‬

‫ف‪ :‬املرور من حالة الطبيعة إلى الحالة املدنية‪ ،‬يقتض ي اتفاقا وتعاقدا بين ألافراد‪ ،‬يتم بموجبه تنازل‬
‫كل ألافراد عن حقوقهم الطبيعية‪ ،‬لصالح إلارادة العامة‪ .‬و يكون أطراف هذا العقد ألافراد من ناحية‬

‫‪2‬‬
‫‪ 2021‬االستاذ الهادي عبد الحفيظ – معهد حي االمل ‪ -‬قابس‬

‫وإلارادة العامة التي تعبر عن املجموع من ناحية أخرى‪ .‬ويترتب عن هذا العقد وجوب طاعة الجميع‬
‫لإلرادة العامة مقابل تأمين الحقوق املدنية مثل الحرية والامن‪ .‬وهذا التنازل ليس اختيارا عقالنيا كما‬
‫تصور سبينوزا‪( ،‬روسو يسبق فطرة الضمير على افانين العقل)‪ ،‬بل ميال فطريا بدافع ال فقط حفظ‬
‫البقاء بل وايضا تنظيم الحرية ‪:‬‬
‫"بهذا الضرب من الاجتماع يستطيع كل امرئ ان ينضم الى املجموعة كلها‪ ،‬ولكنه يظل في الوقت‬
‫نفسه حرا كما كان في السابق‪ ،‬فال يخضع الا لسلطان نفسه‪ ،‬هذه هي املعضلة الاساسية التي‬
‫يوجد العقد الاجتمايي حال لها"‬
‫املعضلة التي يتحدث عنها روسو‪ ،‬هي كيفية التوفيق بين رغبة البقاء وحفظ الذات من ناحية‬
‫واملحافظة على الحرية –كحق طبيعي‪ -‬ال يقبل التنازل عنه من ناحية ثانية‪ .‬وهذا ال يكون الا بتصور‬
‫ضمانة لحالة استقرار مدني وسياس ي تغني عن التفكير في العودة للحالة الطبيعية من جديد‪.‬‬
‫هذه الضمانة اخالقية‪ ،‬قبل ان تكون سياسية‪ .‬ونعني هنا اتباع امليل الفطري(فكرة الضمير)‪ ،‬وكون‬
‫التنازل ال يكون لفرد او شخص‪ /‬حاكم (تنين‪ ،‬كما تصور هوبز)‪ .‬ذلك أنه‪:‬‬
‫"اذا منح كل واحد نفسه للمجموعة كلها‪ ،‬فانه لم يمنح نفسه الحد" روسو‬
‫مثل هذا العقد لن يفض ي الا الى نظام "حكم ديمقراطي" مباشر‪ ،‬تكون فيه السلطة مطلقة لإلرادة‬
‫العامة‪ .‬إنه نظام "دولة ّ‬
‫الحق"‪.‬‬
‫لكن يجب ان ننتبه الى انه‪:‬‬
‫عند روسو‪ ،‬الدولة ال تمثل صاحب السيادة الفعلي فصاحب السيادة هو الشعب الذي ال يقاسم و ال‬
‫ّ‬
‫يفوت في إرادته‪ ،‬اذ أن‪:‬‬
‫«إن السيادة التي ليست سوى "ممارسة إلارادة العامة" ال يمكن أبدا أن تكون محل‬
‫تنازل»‪ .‬روسو‪.‬‬

‫ّأما الدولة فهي من يعطي القوة الفعلية لهذه إلارادة‪ ،‬ذلك ّأن روسو يعتبر أن الشعب هو صاحب‬
‫السيادة من جهة كونه يمثل إلارادة العامة‪ ،‬و سلطات الدولة ليست إال تعبيرات عن هذه إلارادة‬
‫فالدولة ال تتكلم و ال تفعل إال باسم الشعب‪ ،‬و بالتالي تجد الدولة دائما حدا داخليا لفعلها‪ .‬و إذا كانت‬
‫التصرف فيها‪ ،‬فإننا ال نستطيع أن نقول نفس الش يء عن سلطة الدولة‬ ‫ّ‬ ‫السيادة غير قابلة للقسمة أو‬

‫‪3‬‬
‫‪ 2021‬االستاذ الهادي عبد الحفيظ – معهد حي االمل ‪ -‬قابس‬

‫التي يمكن أن تقسم و يمكن أن يفوت فيها جزئيا‪ ،‬لذلك فإن كل خلط بين السيادة و سلطة الدولة‬
‫يؤدي إلى النظم الكليانية‪ ،‬و بالتالي تهديد املواطنة بما أن املواطنة ال تتحقق إال في النظام الديمقراطي‪.‬‬
‫فالحكم في هذا النظام‪ ،‬يجب أن يكون مقيدا‪ ،‬ليس فقط بالقوانين‪ ،‬بل أيضا باملؤسسات واملنظمات‬
‫التي تلعب دورا في منع الفساد‪ ،‬وفي الدفاع عن الحريات الشخصية‪ .‬وفي هذه الحالة ليست للحكومة‬
‫مصلحة مناقضة ملصلحة ألافراد‪ ،‬بل هي تكريس لها‪ .‬ويمكن على ضوء ذلك أن تحاسب الدولة‬
‫الفاسدة واملستبدة‪ .‬كما يمكن للسلطة السياسية‪ ،‬ممارسة سيادتها على املواطن إذا لم يلتزم بما تم‬
‫الاتفاق عليه‪ .‬هكذا فإن هذه إلارادة العامة‪ ،‬هي وحدها املشرعة واملصدرة للقانون‪ ،‬وان سيادة الدولة‬
‫ال تتحقق إال بسيادة الشعب‪.‬‬
‫فالسيادتين متالزمتين متعايشتين بقدر احترامهما لبنود العقد وخضوعهما لسلطة القانون ‪.‬‬

‫الفطرة = الحرية = الارادة العامة = (السيادة‪/‬املواطنة‪).‬‬


‫مع ان روسو سيظل يتوجس من مثل هذا النظام املدني(لكونه مناقض للفطرة)‪ ،‬لقدرة الافراد على‬
‫تغييره والتالعب بنصوصه(مليل الانسان الى تغليب املصلحة الخاصة في احيان كثيرة)‪ .‬لذا نراه يعبر عن‬
‫ذلك ‪:‬‬
‫" لو كان هناك شعب من اآللهة لحكم نفسه بنفسه بطريقة ديمقراطية‪ .‬إن حكومة على مثل‬
‫هذا الكمال ال تالئم البشر" روسو‪.‬‬
‫ولكن مع ذلك‪ ،‬على املواطن ان يقتنع في سره ويقول دائما "إني أخير مخاطر الحرية على دعة‬
‫العبودية"‪ .‬وربما استشعر مونتسكيو‪ ،‬هذا الخطر فنراه يقترح ضمانة اخرى للديمقراطية‪ ،‬تتمثل في‬
‫الفصل بين مؤسسات السيادة‪ ،‬او ما يعرف بالسلط الثالث ( التنفيذية والتشريعية والقضائية )‪ .‬ألن‬
‫هذا الفصل يحدد مهام كل سلطة‪ ،‬كما يتيح مراقبة ألاجهزة لبعضها البعض‪ ،‬و يحدث توازنا بينها وال‬
‫يجعلها تتغول على املواطنين وتستبد بالسلطة‬

‫‪ / 3‬في تنسيب هذا املوقف ‪:‬‬

‫صحيح ان هذا التصور مكننا من إدراك العالقة القائمة بين السيادة واملواطنة‪ ،‬والسيادة والدولة‪،‬‬
‫واملواطن والدولة‪ .‬وهذا يحسب لهذه التصورات الفلسفية‪ ،‬غير أن هذا الجهد املحمود لم يتفطن إلى‬

‫‪4‬‬
‫‪ 2021‬االستاذ الهادي عبد الحفيظ – معهد حي االمل ‪ -‬قابس‬

‫العديد من الاحراجات التي فرضتها املمارسات السياسية‪ ،‬والتغيرات التاريخية املعاصرة‪ .‬فدفعت‬
‫بالعقل السياس ي إلى إعادة النظر فيها ومن بينها‪:‬‬
‫‪ ‬من خالل التجربة إلانسانية املعاصرة‪ ،‬في الحقل السياس ي‪ ،‬وفي إطار مراجعتها و تقييمها تبين‬
‫للوعي البشري‪ّ ،‬أن الربط بين السيادة واملواطنة من جهة‪ ،‬والسيادة والدولة من جهة أخرى‪،‬‬
‫ّ‬
‫أصبح أمرا محرجا للغاية‪ ،‬اذ يمكن للفرد أن يفقدها بمجرد نسيانه لطبيعتها أو كلما فسد‬
‫النظام الديمقراطي‪ .‬وبما أن السيادة تأبى القسمة‪ ،‬وتتطلب الاطالقية‪(،‬ألنها هي التي ترس ي‬
‫القانون وتشرعه على حد الرؤية الروسوية)‪ .‬سيكون الخطر أعظم‪ ،‬بمجرد ربط السيادة‬
‫بالدولة‪ ،‬إذ قد تتماهى السيادة مع الدولة‪ .‬وفي هذا التماهي نزوع نحو فقدان املواطن‬
‫لسيادته‪ ،‬والحال نفسها عندما ننظر الى الخلط العفوي او املقصود بين الدولة واملجتمع‬
‫ّ‬
‫املدني‪ .‬وهو خلط نبهت إليه وحذرت منه الفلسفة السياسية الهيجلية عندما وجهت سهامها إلي‬
‫نظريات العقد الاجتماعي‪.‬‬
‫ما قد يؤدي الى ظهور نوع جديد من الاستبداد السياس ي‪ ،‬انه استبداد باسم الديمقراطية نفسها‪ ،‬انه‬
‫الاستبداد الناعم على حد عبارة "توكفيل" وهو من اخطر أنواع الاستبداد التي عرفتها إلانسانية‪.‬‬
‫وإذا ما اعتبرنا‪ ،‬أن حرية واستقاللية السيادة‪ ،‬تتجلى في مستوى ما يعرف ب "حق‬ ‫‪‬‬
‫التأسيس" في الدول ذات الحكم الديمقراطي‪ ،‬فإنه يترتب عن ذلك القول بأن الشعب وحده‬
‫له الحق في أن يشرع القوانين التي يريدها وبكل حرية‪ ،‬وله أحقية مراجعة الدستور وتنقيح‬
‫مواده وفصوله متى شاء‪ ،‬بل له وبكل حرية تجاوز الدستور‪ ،‬وإيقاف العمل به‪ .‬ألن الدستور‬
‫والقوانين املتفرعة عنه و‪ -‬حسب بعض الحقوقيين‪ -.‬تستمد شرعيتها من الشعب وال سلطة‬
‫تعلو على سلطة الشعب ‪.‬وهذا ما يجعل سلطة الدولة مهددة‪.‬‬
‫‪ ‬ثم إن هذه الاستقاللية تتجلى في مستوى القانون الدولي‪ ،‬الذي يتضمن و يعترف بحرية تقرير‬
‫املصير و بالتساوي في الحقوق مع بقية الشعوب ألاخرى‪ .‬فعلوية السلطة تتناقض مع قابليتها‬
‫للقسمة‪ ،‬وهي حق غير قابل للتصرف إذ ال تستطيع أن تكون عليا وفي نفس الوقت تتنازل عن‬
‫جزء من سلطتها لفائدة أي جهة أخرى‪ ،‬ولعل هذا ما قصده "روسو"‪ ،‬بقوله «إن السيادة التي‬
‫ليست سوى ممارسة إلارادة العامة ال يمكن أبدا أن تكون محل تنازل»‪ .‬والحال أن إقامة‬
‫عالقات دولية قد ال تستقيم إال بفعل التنازل‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫‪ 2021‬االستاذ الهادي عبد الحفيظ – معهد حي االمل ‪ -‬قابس‬

‫هيقل‪ :‬ذوبان املواطن في الدولة‪.‬‬


‫يختلف هيجل عن فالسفة العقد الاجتماعي في تناوله ملسالة الدولة وعالقة السيادة باملواطنة‪ ،‬من‬
‫جهة املنهج التاريخي الذي اعتمده(هيجل يؤسس لفلسفة التاريخ)‪ ،‬في تتبع تجليات الروح املطلق في‬
‫التاريخ‪ .‬هذا الاختالف في املنطق يؤدي الى اختالف في تصور العالقة بين السيادة واملواطنة‪ ،‬غير أن‬
‫العالقة تبدو للوهلة ألاولى غامضة‪ ,‬و متضاربة إذ نجد هيجل يصرح بموقفين ألاول يقول باالتحاد و‬
‫الاندماج املطلق مرة‪ ،‬ومرة اخرى يقول باالختالف بين الدولة كإرادة كلية و الفرد كإرادة جزئية‪.‬‬
‫فكيف نفهم هذه املقاربة ؟‬
‫هيجل ينطلق من موقف ثابت هو القائل باالندماج و الاتحاد بينهما‪ ,‬ليدلل على هذا املوقف تدليال‬
‫منطقيا‪ ,‬فهو يرى أن هناك خلط و اندماج من ناحية باعتبار أن الدولة تحقق و تضمن حرية ألافراد و‬
‫تضمن ملكيتهم و تحميها‪ ،‬و بذلك تكون متماشية مع غاية الفرد‪/‬املواطن‪ .‬و من ناحية ثانية يقول أن‬
‫الفرد‪/‬املواطن يمثل إلارادة الجزئية الفردية املتعارضة مع إرادة الدولة الكلية و هذه إلاشكالية تفهم ‪ ,‬لو‬
‫عرفنا أن املجتمع املدني عند هيجل ليس سوى عامل يتكون في الدولة و انه ال يظهر إال بظهورها ‪ ,‬ففي‬
‫املجتمع املدني تظهر مؤسسات مثل املحاكم – الشرطة و ومنظمات املجتمع من احزاب ونقابات الخ‪.‬‬
‫و هيجل لم يفترض إطالقا أن هذه املؤسسات و املنظمات يمكن لها أن توجد بدون الدولة‪ ،‬اذ املجتمع‬
‫املدني(تجمع املواطنين الاحرار) هو نفسه عنصر ّ‬
‫مكون للدولة‪ ,‬و إذا نظرنا إليه بمعزل عنها يكون مجرد‬
‫تجريد محض لذلك‪.‬‬
‫فاملجتمع املدني يمكن أن يتميز منطقيا عن الدولة فقط ( ال فعليا ) حين يكتمل نموها رغم أنه ال‬
‫يوجد بدونها‪ .‬فهو ببساطة ذلك الجانب املجرد من الدولة الذي ينظر له فيه على أنه مجتمع‬
‫لألشخاص احرار مستقلين يبحثون جميعا عن غاياتهم ( الفردية الجزئية ) غير أنهم يبلغون هذه‬
‫الغايات ال مستقلين عن بعضهم البعض بل عن طريق بعضهم البعض ( الغاية الكلية )‪.‬‬
‫" ان الاتحاد في ذاته لهو نفسه املحتوى الحقيقي و الغاية الحقيقية‪ ,‬إذا أن مصير‬
‫ألافراد أن يحيوا حياة كلية‪ ,‬و كل مسراتهم الشخصية ألاخرى‪...‬لها هذا الواقع الجوهري‬
‫الكلي الذي هو منطق و غاية في آن "‪ .‬هيقل‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫‪ 2021‬االستاذ الهادي عبد الحفيظ – معهد حي االمل ‪ -‬قابس‬

‫و هكذا يصبح الفرق بين املجتمع املدني و الدولة‪ ،‬هو كون الفرد ينظر لنفسه في املجتمع على أنه غاية‬
‫وحيدة لدرجة أنه يصبح غاية جزئية‪ ,‬في حين أنه في الدولة التي تعد غاية أعلى يوجد الفرد من أجلها‬
‫غاية كلية‪.‬‬
‫في هذا السياق يأتي نقد هيجل لروسو و فالسفة العقد الاجتمايي‪ ،‬فمحاوالتهم تبدو ايجابية‪,‬‬
‫ملا كان عليه واقع التفكير السياس ي آنذاك‪( .‬أي واقع السلطة الكنيسية الثيوقراطية املطلقة القائمة‬
‫على فكرة الحق الاالهي املقدس للملوك)‪ ،‬و هي الفكرة التي نجح هؤالء الفالسفة بالقضاء عليها و‬
‫تعويضها بفكرة السلطة البشرية القائمة على الاتفاق‪ ،‬غير أن هذه املحاولة الجريئة‪ ,‬بقيت رغم أهميتها‬
‫التاريخية تحتفظ بالفصل الجوهري بين الدولة و املجتمع املدني‪ .‬لذلك ما كان لهم أن يوحدوا بين‬
‫إلارادة الكلية ( الدولة‪/‬السيادة ) و إلارادة الجزئية (املواطن‪/‬الفرد ) إال عن طريق التعاقد الاجتمايي‬
‫فهذه التصورات جميعا‪ ،‬تقيم فصال بين ألافراد ( الجزئي ) و الدولة ( الكلي ) وتعتقد أنهما متعارضان‬
‫تعارضا تاما‪ ,‬و أنهما مبدأين متضادين ال يمكن الربط بينهما إال عن طريق العقد‪.‬‬
‫فإضافتهم حسب هيجل تتمثل في كونهم لم ينظروا للدولة كمجرد شكل فارغ ( الحق الاالهي املقدس‬
‫للملوك في الحكم)‪ ،‬كما كانت في العصور الوسطى مفروضة على ألافراد‪ ,‬بل تقوم كذلك على فكرة هي‬
‫فكرة إلارادة‪.‬‬
‫"يجب أن نشهد لروسو بالفضل‪ ،‬ألنه أسس للدولة مبدأ ال يقوم على شكل فحسب‪ ..‬بل‬
‫يقوم كذلك من حيث محتواه على الفكرة الفاعلة ذاتها‪ ,‬أي إلارادة" هيقل‪.‬‬

‫غير أن هذه إلارادة بقيت فقط مجرد إرادة فردية جزئية‪ ,‬و هو ما يبقي على التعارض قائما بين إلارادة‬
‫الفردية ( الجزئية = الفرد ) و بين إلارادة املوضوعية ( الكلية = الدولة )‪ .‬و لكن حسب هيجل أن الكلي‬
‫و الجزئي مجرد عوامل للفكرة الشاملة العينية‪ ,‬و أنهما ليسا متضادان إال بقدر ما يكونان متحدين‪ .‬إذ‬
‫أن غاية الدولة(السيادة) هي نفسها غاية الفرد (املواطن) = كالهما كلية‪ .‬فوحدتهما تتحقق في‬
‫الاختالف‪ .‬فالدولة من منظور العقل إذن هي الهوية في الاختالف‪ ,‬و ليس الاختالف يفهم إال بكونه‬
‫اختالفا منطقيا فقط ال واقعيا‪ ( .‬هكذا يعدو الجزء و الكل (الدولة و الفرد = السيادة واملواطنة)‪ ،‬هما‬
‫وجهي الفكرة الكلية املتحققة في التاريخ ( الدولة)‪ .‬وتصبح الدولة بهذا املنظور هي الشكل ألاسمى‬
‫لتحقق الحرية‪.‬‬
‫إذ هي " تحقق الفكرة ألاخالقية " أو هي "العقل في ذاته ولذاته" كما يقول هيجل‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫‪ 2021‬االستاذ الهادي عبد الحفيظ – معهد حي االمل ‪ -‬قابس‬

‫و تصبح بالتالي هي الفرد الحقيقي و قد تحقق و تموضع و أصبح خالدا‪ ,‬ألن جوهر الفرد هو الكلي على‬
‫الحقيقة‪ ,‬و الدولة هي الكلي املتحقق بالفعل‪ ،‬و بالتالي فهي الفرد و قد تحقق بالفعل و تموضع‪ .‬و هكذا‬
‫ال تعود الدولة ما يناقض الفرد‪ ,‬و شيئا غريبا يفرض عليه من خارج و يتعارض مع حريته‪ ,‬بل على‬
‫العكس هي الفرد ذاته‪ ,‬و فيها وحدها يحقق الانسان ‪/‬املواطن فرديته و حريته‪.‬‬

‫إستتباعات هذا املوقف‪:‬‬

‫لئن انطلق فالسفة العقد من تصور ما يجب ان تكون عليه الدولة‪( ،‬عصر التأسيس النظري للدولة)‪,‬‬
‫النهم كانوا يبحثون في الدولة‪ -‬السيادة ‪ -‬كفكرة‪ .‬فقد كان هيجل ينطلق من واقع جديد ‪ ,‬هو عصر‬
‫صارت فيه الدولة واقعا فعليا في التاريخ ‪ -‬القرن ‪ [ - 71‬دولة بروسيا – دولة بونابرت ]‪ ( ،‬عصر التأريخ‬
‫للدولة )‪ .‬هذا الاختالف في املنطق سيؤدي الى اختالف في تصور العالقة بين الدولة و املواطنة‪ .‬لذلك‬
‫سيؤصل هيجل العالقة من منظور العقل ومن منظور التاريخ‪ ،‬وحيث ان العقل والتاريخ يتطابقان في‬
‫نظره‪ ،‬باعتبار ان " كل ما هو عقلي واقعي وكل ما هو واقعي عقلي"‪ ،‬لذا سيعتبر الدولة هي‬
‫انتاج عقلي متحقق في التاريخ‪.‬‬
‫وهو ماعبر عنه بتلك الجملة الشهيرة التي قالها عند مشاهدته بونابارت يدخل منتصرا املانيا‪:‬‬
‫"ارى نابليون على الحصان‪ ،‬أرى العقل على الحصان" هيقل‪.‬‬
‫وعليه فإن الروح الذي سيشهد تحققه الكلي في الفلسفة‪ ،‬سيتجسد في روح الانسان العاقل الذي ال‬
‫يعي ذاته الا في الاخر‪ ..‬وهذا الوعي البينذاتي سيشهد اكتماله وتجليه في املوضوع مع ذوبان الفرد في‬
‫الدولة‪ .‬ليصبح الفرد‪/‬املواطن و الدولة كل واحد = الارادة الكلية‪( .‬الكلي)‪ .‬هذه الارادة الكلية التي سيرى‬
‫فيها احد تالمذته املجددين الفيلسوف الامريكي فرانسيس فوكوياما "الانسان الاخير و نهاية التاريخ"‪ .‬في‬
‫تأكيد واضح على انتصار التصور الليبرالي لفكرة املواطنة‪ ،‬ونظرية السيادة املبنية على مطلق العقل‬
‫التاريخاني‪( .‬بعد نهاية الحرب الباردة وتفكك املعسكر الشرقي)‪.‬‬

‫‪8‬‬

You might also like