Download as docx, pdf, or txt
Download as docx, pdf, or txt
You are on page 1of 5

‫حول المراكز الصيفية‬

‫فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه اهلل‬


‫سؤال ‪:‬‬
‫فضيلة الشيخ ‪ ..‬بعض المدارس في العطلة الصيفية تقوم بفتح المراكز" الصيفية الشغال الشباب بأمور‬
‫خيرة من محاضرات وندوات" ومسابقات وغيرها من األمور النافعة وربما" يشغلون الشباب في هذه‬
‫المعسكرات بلعب الكرة وبمسارح ثم اعترض بعض الشباب ‪ ،‬وقال ‪ :‬هذا ال ينبغي وال يجوز" ‪ .‬وأن هذا‬
‫ليس من طريقة الرسول صلى اهلل عليه وسلم" ومن الواجب أن تكون هذه الدروس في المساجد ‪ ،‬ويقولون‬
‫وسائل الدعوة توقيفية ثم كثير من الشباب احتاروا في ذلك ونريد منكم توجيهاً شافياً كافياً في ذلك للتفريق‬
‫بين الوسائل والمقاصد حتى يتضح األمر أثابكم اهلل وجزاكم اهلل خيراً ؟‬

‫أجاب الشيخ ابن عثيمين رحمه اهلل تعالى فقال ‪:‬‬


‫بسم اهلل الرحمن الرحيم ‪ ،‬الحمد هلل رب العالمين ‪ ،‬وصلى اهلل وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه‬
‫ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وبعد" ‪:‬‬

‫فال شك أن الحكومة – وفقها اهلل – تشكر على ما تنشئه من هذه المراكز" الصيفية ‪ ،‬ألنها تكف بهذا‬
‫المراكز شراً عظيماً وفتنة كبيرة ‪ ،‬فما الحال لو أن هذا الشاب وهذه الجحافل كثيرة العدد أخذت تجوب‬
‫األسواق طوالً وعرضاً أو تخرج إلى المنتزهات ‪ ،‬أو إلى البراري" أو الشعاب أو الجبال ‪ ،‬ما الذي يحصل‬
‫منها من الشر ؟‬

‫أعتقد أن كل إنسان عاقل يعرف الواقع يعلم أنه ستحصل كارثة للشباب من االنحراف" وفساد" األخالق‬
‫واألفكار" الرديئة وغير ذلك ‪ ،‬لكن هذه المراكز" وهلل الحمد صارت تحفظ كثيراً من الشباب ‪ ،‬وال نقول‬
‫تحفظ أكثر الشباب ‪ ،‬وال كل الشباب كما هو الواقع ‪ ،‬فيحصل فيها خير كثير من استدعاء أهل العلم ‪،‬‬
‫إللقاء المحاضرات التي يكون بها العلم الكثير والموعظة النافعة ‪ ،‬واأللفة بين الشباب وبين الشيوخ‪ ،‬وفي‬
‫هذا بال شك مصالح عظيمة ‪.‬‬
‫أما ما يحصل فيها من إمتاع النفس بلعبة الكرة والمسرحيات المباحة وما أشبه ذلك فهذا من الحكمة ‪ ،‬ألن‬
‫النفوس لو أعطيت الجد في كل حال وفي" كل وقت ‪ ،‬ملت وكلّت وسئمت ‪ ،‬فالصحابة – رضي اهلل عنهم‬
‫– قالوا ‪ :‬يا رسول اهلل ‪ ،‬إذا كنا عندك وذكرت لنا الجنة والنار ‪ ،‬فكأننا نراها رأي العين ‪ ،‬لكن إذا ذهبنا‬
‫إلى األهل واألوالد" نسينا ‪ ،‬فقال الرسول عليه الصالة والسالم ‪ (( :‬ساعة وساعة )) ( ‪ ) 1‬بمعنى أن‬
‫اإلنسان يكون هكذا مرة وهكذا مرة ‪ .‬وقال عليه الصالة والسالم" لعبداهلل بن عمرو بن العاص ‪ ،‬وقد" قال‬
‫رضي اهلل عنه ‪ :‬ألقومن الليل ما عشت ‪ ،‬وألصومن النهار ما عشت ‪ ،‬وقال له (( أقلت هذا )) ؟! قال ‪:‬‬
‫نعم يا رسول اهلل ‪ ،‬قال ‪ (( :‬إن لربك عليك حقاً ‪ ،‬ولنفسك عليك حقاً ‪ ،‬وألهلك عليك حقاً ‪ ،‬ولزورك‬
‫حق حقه )) ( ‪) 2‬‬ ‫ِ‬
‫فأعط كل ذي ٍّ‬ ‫( يعني ضيفك ) عليك حقاً ‪،‬‬
‫وسمع قوماً" سألوا عن عمل الرسول عليه الصالة والسالم في السر ‪ ،‬أي العمل الذي يفعله في بيته ‪،‬‬
‫فأخبروا" به ‪ ،‬وكأنهم" تقالّوا هذا العمل ‪ ،‬وقالوا ‪ :‬الرسول عليه الصالة والسالم ‪ ،‬غفر له ما تقدم من ذنبه‬
‫وما تأخر ‪ ،‬ونحن لسنا كذلك ‪ ،‬فقال بعضهم" ‪ :‬أنا ال أنام الليل ‪ ،‬يعني يقوم الليل وال ينام ‪ ،‬وقال الثاني ‪:‬‬
‫أنا أصوم وال أفطر" ‪ ،‬وقال الثالث ‪ :‬أنا ال آكل اللحم ‪ ،‬وقال الرابع ‪ :‬أنا ال أتزوج النساء ‪ .‬فلما سمع النبي‬
‫صلى اهلل عليه وسلم" بذلك ‪ .‬قال ‪ (( :‬ما بال أقوام" يقولون كذا وكذا ؛ لكني أصوم" وأفطر" ‪ ،‬وأصلي" وأنام ‪،‬‬
‫وأتزوج النساء ‪ ،‬فمن رغب عن سنتي فليس مني )) ( ‪) 3‬‬
‫فإعطاء النفس حظها من المتعة المباحة ال شك أنه غاية الحكمة ‪ ،‬ثم إن لعبة الكرة مع ما فيها من التسلي‬
‫وإ ذهاب التعب النفسي ففيها منفعة للبدن ‪ ،‬ألنها نشاط" وتقوية ‪ ،‬لكن يجب فيها أمور ‪:‬‬
‫أوالً ‪ :‬أن يتجنب الالعبون ما يفعله السفهاء من لبس السراويل" القصيرة ‪ ،‬فإن هذا ال يجوز ‪ ،‬ألننا إن قلنا‬
‫إن الفخذ عورة فاألمر واضح ‪ ،‬فإن العورة ال يجوز كشفها ‪ ،‬وال النظر إليها ‪ ،‬وإ ن لم نقل ‪ :‬إنه عورة ‪،‬‬
‫فإن كشف أفخاذ الشباب فتنة لبعضهم البعض ‪ ،‬وهذه مفسدة يجب درؤها ‪.‬‬
‫يجر إلى الكالم‬
‫ثانياً ‪ :‬أال يؤدي ذلك إلى الكالم القبيح من سب أو شتم أو ما أشبه ذلك ‪ ،‬فإنه ال يجوز" ما ّ‬
‫البذيء الخارج عن المروءة ‪.‬‬
‫ثالثاً ‪ :‬أال يحص فعل ُمناف للمروءة كما يفعله بعض الالعبين إذا غلب فريق" منهم اآلخر جاءوا يركضون‬
‫ويتضامون" ‪ ،‬ويركبون" على أكتاف يعضهم ‪ ،‬وما أشبه ذلك من األفعال المنافية للمروءة ألن هذه األفعال‬
‫لوال أنها جاءتنا من دول ليس عندهم مروءة وال دين لكنا أول من ننكرها ‪ ،‬حتى األطفال الصغار الذين‬
‫دون البلوغ والذين هم في سن العاشرة ونحوها" ‪ ،‬لو فعلوا هذا لكان ينبغي توجيههم" في ترك هذا الفعل ‪.‬‬
‫أما قول المعترض ‪ :‬من الواجب أن تكون هذه الدروس في المساجد فليس بصحيح ‪ ،‬فإن الدروس تكون‬
‫في المساجد وتكون في المدارس والمعاهد" والبيوت وغيرها ‪.‬‬

‫وإ ني أقول ‪ :‬يجب أن يكون عند اإلنسان إدراك ووعي ‪ ،‬وأن ينزل األمور منازلها ‪ ،‬وأال يكون سطحياً‬
‫يرى من فوق" السقوف ‪ ،‬بل يكون إنساناً واعياً يسبر أغوار األمور وينظر" ما الذي يترتب من المصالح‬
‫ومن المفاسد على األفعال ‪ ،‬والقاعدة الواسعة العريضة الشاملة للشريعة اإلسالمية ‪ ،‬هي جلب للمصالح‬
‫وتكثيره ودفع" للمفاسد وتقليلها ‪ ،‬فقد أتت الشريعة بالمصالح ودفع المفاسد وال أحد يشك أننا لو قلنا للمراكز‬
‫الصيفية ‪ :‬كونوا" بالمساجد" ما تحمل الناس هذا حتى العامة ال يتحملون هذا األمر‪.‬‬
‫فإذاً نقول ‪ :‬هذه األماكن ‪ ،‬أعني المدارس هي محل العلم من أزمنة طويلة والمسلمون ال ينكرونها" ‪،‬‬
‫يدرسون فيها ‪ ،‬وهم الذين بنوا الربط والمدارس" ‪ ،‬وطبعوا" الكتب ؛ كل هذا لم يكن معروفاً في عهد‬
‫الرسول عليه الصالة والسالم ‪ ،‬غاية ما هنالك أنه يمكن أن يستدلوا" للربط بأصحاب الصفة ‪ ،‬لكن هل منع‬
‫الرسول صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،‬من ذلك ؟ أبداً ما منع من هذا ‪ ،‬فالمدارس" اآلن مكان للعلم ‪ُ ،‬يدرس فيها‬
‫كتاب اهلل وسنة رسوله صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،‬وأقوال العلماء والوسائل" المساندة للعلم من نحو وغيره ‪.‬‬
‫فنقول لمن اعترض على هذا األمر ‪ :‬اعلم أن الدين أوسع مما تظن ‪ ،‬وأنه يأتي بالمصالح أينما كانت‪ ،‬ما‬
‫لم تشتمل على مضار مساوية أو غالبة فتمنع ‪.‬‬
‫أما القول بأن وسائل" الدعوة توقيفية ‪ ،‬فكلمة وسائل تدل على أنها ليست توقيفية ‪ ،‬ما دامت وسيلة فإننا‬
‫نسلكها ما لم تكن محرمة ‪ ،‬ألن الوسائل لها أحكام المقاصد ‪ .‬ألسنا نبلغ الناس بواسطة مكبر الصوت ؟‬
‫هل هذه الوسيلة كانت موجودة في عهد الرسول صلى اهلل عليه وسلم ؟ ‪.‬‬
‫ألسنا نقرأ الكتب ونلبس نظارة من أجل تكبير الحرف أو بيانه ؟ هذه وسيلة لقراءة الكتب وتحصيل" العلم ‪.‬‬
‫هل هذا موجوداً في عهد الرسول" عليه الصالة والسالم ؟ ألسنا نضع في أذن خفيف السمع سماعة ليسمع‬
‫مل ُيلقى إليه من الخير ؟ الجواب ‪ :‬بلى وهل كان هذا موجوداً في عهد الرسول صلى اهلل عليه وسلم؟ ما‬
‫دمنا أننا أقررنا" بأنها وسيلة فإنها جائزة ما لم تكن محرمة ‪ ،‬نعم لو كانت الوسيلة محرمة لحرمت ‪ ،‬فلو‬
‫قيل ‪ :‬هؤالء الجماعة لن يقربوا منكم حتى تضربوا بالمعازف لهم ويرقصوا عليها قلنا ‪ :‬ال نستعملها ألنها‬
‫وسيلة محرمة ‪ .‬إذن ‪ ،‬فالوسائل" جائزة وعلى حسب ما هي وسيلة إليه ما لم تكن ممنوعة شرعاً بعينها‬
‫وأحث أولياء األمور" على إدخال‬
‫ُ‬ ‫فإنها تمنع ‪ ،‬وأنا أحبذ المراكز الصيفية وأرى أنها من حسنات الحكومة ‪،‬‬
‫أوالدهم فيها ‪ ،‬ولكن يجب الحذر من مسألة ‪ ،‬وهي أال ُيخلط الشباب الصغار مع المراهقين والكبار ‪ ،‬لما‬
‫في ذلك من الفتنة التي تخشى منها ‪ ،‬ويجب أيضاً أن يكون القائمون على هذه المراكز من ذوي العلم‬
‫واألمانة ‪ ،‬والصالح والمروءة بحسب اإلمكان ‪.‬‬

‫فالكمال هلل وحده ‪ ،‬لكن بحسب اإلمكان ولهذا لما تكلم العلماء عن القاضي ‪ ،‬وأنه يجب أن يكون عدالً قالوا‬
‫‪ :‬إذا لم يوجد قاض عدل ‪ ،‬فإنه يولى أحسن الفاسقين وأقربهم" لألمانة ألن اهلل يقول ‪َ { :‬اتَّقُوا اللَّهَ َما‬
‫ط ْعتُ ْم }(التغابن‪ :‬من اآلية‪ ، )16‬ثم إن على والة األمور من اآلباء واإلخوة ونحوهم إذا أدخلوا أوالدهم‬
‫استَ َ‬
‫ْ‬
‫هذه المراكز أن يتحسسوا أخبار هذه المراكز ‪ ،‬وينظروا" كيف يكون مثالً خروج التالميذ إلى البر ‪ ،‬ومن‬
‫الذي يخرج بهم ‪ ،‬وهذا حتى يحافظوا على أوالدهم ‪.‬‬
‫فسأل اهلل للجميع التوفيق ‪ ،‬وأكرر ال سيما مع طلبة العلم أن يكون طالب العلم ذهنه واسعاً وتفكيره عميقاً ‪،‬‬
‫وأن ال يأخذ األمور بظاهرها وسطحيتها" ‪ ،‬وأن ينظر مقاصد الشريعة وما ترمي إليه من إصالح الخلق ‪،‬‬
‫وأن يمنع ما يكون صالحاً أو ما يكون درءاً لمفسدة أكبر ‪ ،‬إال إذا ورد" الشرع بمنعه ومتى ورد" الشرع‬
‫بمنعه علمنا أن ال مصلحة فيه أو أن مفسدته أكبر )) ‪.‬‬

‫سؤال ‪:‬‬
‫فضيلة الشيخ ‪ :‬وردت أسئلة حول المراكز الصيفية فبم توصي القائمين عليها ؟‬
‫الجواب ‪ :‬تكلمت على ذلك ن قبل وأرى أن تلك المراكز الصيفية من نعمة اهلل علينا وهلل الحمد أن يسر اهلل‬
‫– عز وجل – هذه المراكز" وأن يسر أيضاً أن يكون القائمون عليها ممن نثق بهم حسب ما بلغنا وأن‬
‫الشاب يذهب إلى هذه المراكز لينتفع وينفع ‪ ،‬ويقضي" وقته في غير اللعب وفي" غير اللهو ‪ ،‬بال شك أن‬
‫في هذا خيراً كثيراً ‪ ،‬وكذلك أحث أيضاً على االلتحاق بحلقات تحفيظ القرآن ألن الصغير يسهل عليه‬
‫الحفظ ويحصل الطالب بااللتحاق بها على خير كثير ‪.‬‬
‫كتاب فتاوى وتوجيهات في اإلجازة والرحالت لفضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه اهلل‬
‫أعدها ورتبها" ‪ /‬خالد أبو صالح‬

‫( ‪ ) 1‬أخرجه مسلم رقم ( ‪ )2750‬كتاب التوبة ‪.‬‬


‫( ‪ ) 2‬أخرجه البخاري" رقم ( ‪ ) 1975 – 1974‬كتاب الصوم ‪ .‬ومسلم رقم ( ‪ ) 1159‬كتاب الصيام ‪.‬‬
‫( ‪ ) 3‬أخرجه البخاري" رقم ( ‪ ) 5063‬كتاب النكاح ‪ .‬ومسلم" رقم ( ‪ ) 1401‬كتاب النكاح ‪.‬‬
‫‪http://www.sahab.net/forums/index.php?showtopic=31837‬‬

You might also like