Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 296

‫‪1‬‬

‫دراسة موضوعات سورة النور‬

‫�سل�سلة التف�سري املو�ضوعي املي�سر‬

‫اقتباس النور يف دراسة‬


‫موضوعات سورة النور‬

‫مجع وتأليف‬
‫أ‪ .‬د‪ .‬حممد‪ ‬بن عبدالعزيز‪ ‬بن حممد العواجي‬
‫األستاذ بقسم التفسري وعلوم القرآن‬
‫كلية القرآن الكريم والدراسات اإلسالمية‬
‫اجلامعة اإلسالمية باملدينة النبوية‬
2
‫‪3‬‬
‫دراسة موضوعات سورة النور‬

‫يتضمن اجملموع البحوث ّ‬


‫احملكمة التالية‪:‬‬

‫حفظ األعراض ومقاصد الشريعة‬


‫دراسة موضوعية يف آيات سورة النور‬

‫اآلداب االجتماعية الوقائية‬


‫دراسة موضوعية يف آيات سورة النور‬

‫تذكرة وذكرى ألولي األلباب‬


‫دراسة موضوعية يف آيات سورة النور‬

‫آداب اجملتمع يف اإلسالم‬


‫دراسة موضوعية يف آيات سورة النور‬

‫مجع وتأليف‬
‫أ‪ .‬د‪ .‬حممد‪ ‬بن عبدالعزيز‪ ‬بن حممد العواجي‬
‫األستاذ بقسم التفسري وعلوم القرآن‬
‫كلية القرآن الكريم والدراسات اإلسالمية‬
‫اجلامعة اإلسالمية باملدينة النبوية‬
‫‪4‬‬
‫املقــــــدمـــة‬

‫ح حممد عبد العزيز العواجي‪1441 ،‬هـ‬


‫فهرسة مكتبة امللك فهد الوطنية أثناء النشر‬
‫العواجي‪ ،‬حممد عبد العزيز حممد‬
‫اقتباس النور يف دراسة موضوعات سورة النور‪ / .‬حممد‬
‫عبد‪ ‬العزيز حممد العواجي‪ .‬املدينة املنورة‪1441 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ 296‬ص؛ ‪24*17‬سم‬
‫ردمك‪978-603-03-3180-2 :‬‬
‫‪ -1‬القرآن ‪ -‬سورة النور ‪ -‬تفسري ‪ -2‬القرآن ‪ -‬التفسري املوضوعي‬
‫أ‪ .‬العنوان‬
‫‪1441/5054‬‬ ‫ ‬
‫ديوي ‪227,7‬‬

‫رقم اإليداع‪1441/5054 :‬‬


‫ردمك‪978-603-03-3180-2 :‬‬
‫‪5‬‬
‫دراسة موضوعات سورة النور‬

‫املقــدمــة‬

‫إن الحمد هلل نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ باهلل من شرور أنفسنا ومن سيئات‬
‫أعمالنا من يهده اهلل فال مضل له ومن يضلل فال هادي له وأشهد أال إله إال اهلل وحده‬
‫ال شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله‪ ...‬أما بعد‪:‬‬
‫فال شك أن شريعة اإلسالم تحمل مقومات االستمرارية يف ذاهتا‪ ،‬فاإلسالم‬
‫سينتشر‪ ،‬بل وسينتصر‪ ،‬وسيمأل األرض اً‬
‫عدل كما مألت جورا‪ ،‬وسيتم اهلل هذا‬
‫األمر‪ ،‬طال الزمان أم قصر‪ ،‬كيف ال وهو محفوظ بحفظ اهلل ومؤيد بتأييد اهلل‪ ،‬قال‬
‫تعالى‪{ :‬ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝﮞ} [سورة‪ ‬الحجر‪ ،]9 ‬وقال‪{ :‬ﮮ ﮯ ﮰ‬
‫ﮱ ﯓﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ} [سورة‪ ‬الصافات‪،]171-170 ‬‬
‫وقال‪{ :‬ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇﮈ}‬
‫[سورة‪ ‬األنبياء‪.]105 ‬‬
‫هذا الشيء الذي لم يدركه أعداء اإلسالم وإن أدركوه فهم لم يصدقوه‪ ،‬ويظنون‬
‫عبثا أهنم سيطمسون اإلسالم‪ ،‬قال تعالى‪{ :‬ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ‬
‫ﮍ ﮎﮏ} [سورة‪ ‬الصف‪ ،]8 ‬ولئن أدرك أعداء اإلسالم هذه الحقيقة فإهنم لم‬
‫ولن يدركوا يقينا قول اهلل تعالى‪{ :‬ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿﮀ‬
‫ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍﮎ}‬
‫[سورة‪ ‬األنفال‪.]8 ‬‬
‫وعرب سبحانه بقوله‪{ :‬ﭺ}‪ ،‬فهم ينفقون منذ كفرهم وإلى زماننا هذا‪ ،‬وأكدها‬
‫جل وعال بقوله‪{ :‬ﮁ} ولكن {ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇﮈ}‪.‬‬
‫‪6‬‬
‫املقــــــدمـــة‬
‫َّ‬
‫إن أعداء اإلسالم ال يزالون يحاربونه‪ ،‬ويحاولون طمس هويته‪ ،‬وهذا إن حصل‬
‫لهم شيء منه يف زمن من األزمنة أو مكان من األمكنة‪ ،‬فإنه ال يدوم طويال‪ ،‬فلقد قال‬
‫جل وعال‪{ :‬ﮆ ﮇﮈ} ولكن بأيدي من؟ بأيدي عباد اهلل الصالحين‪ ،‬ألن اهلل أمرنا‬
‫بمدافعتهم ومواجهتهم وجهادهم‪.‬‬
‫أفلم يقل اهلل‪{ :‬ﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖ ﯗﯘﯙ‬
‫ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤﯥ} [سورة‪ ‬النساء‪.]104 ‬‬
‫ومن هذا المنطلق فقد جاء هذا البحث ليدلي بدلوه يف ساحة اإلنفاق يف سبيل اهلل‬
‫ويف سبيل نشر الفكرة اإلسالمية الصحيحة التي ستقاوم هذا الشر المستطير المتدافع‬
‫على اإلسالم وأهله‪.‬‬
‫جاء هذا البحث محاولة لبيان تعاليم اإلسالم الصحيحة التي إذا التزمنا هبا تحقق‬
‫لنا موعود اهلل تعالى من خالل كالم ربنا جل وعال الذي كما قال اهلل تعالى عنه‪{ :‬ﮓ‬
‫ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠﮡ} [سورة‪ ‬فصلت‪ ]42‬فهو ربنا الذي‬
‫خلقنا وهو أعلم بما يصلح أمورنا يف عاجل حياتنا ويف آجلها‪ ،‬فهو سبحانه يشرع لنا ما‬
‫يحفظ أعراضنا وأعراض المسلمين سواء من ارتكاب الفواحش أو من إشاعتها ونشر‬
‫مقالة السوء عن المسلمين‪ ،‬ويضع لذلك القواعد التي يحفظ هبا المجتمع كعوامل‬
‫من عوامل الوقاية‪ ،‬ويربط سبحانه كل هذه األوامر والتشريعات بنور الهداية يف الدنيا‬
‫واآلخرة‪ ،‬وأن هذه التشريعات ليست على التخيير بل هي على الوجوب طاعة هلل‬
‫ولرسوله وحف ًظا للمجتمع وتقوي ًة لإليمان وليتحقق موعود اهلل بالنصر واالستخالف‬
‫يف األرض إذا تحققت لوازمه‪ ،‬ليس هذا فحسب بل بالفوز والفالح يف اآلخرة‪.‬‬
‫فاهلل أسأل أن يعلمنا ما ينفعنا وأن يلهمنا العلم النافع والعمل الصالح إنه ولي‬
‫ذلك والقادر عليه‪.‬‬
‫‪7‬‬
‫دراسة موضوعات سورة النور‬
‫أسباب اختيار الموضوع‪:‬‬
‫‪ِ 1 .1‬عظم حاجة األمة اإلسالمية إلى الرجوع إلى مصدر التشريع؛ يف ظل الغفلة‬
‫وكثرة الموارد اإلعالمية والثقافية‪ ،‬والتي غيرت قوانين الحياة المعاصرة‪.‬‬
‫‪2 .2‬بيان إعجاز القرآن وصالحيته لكل زمان ومكان‪ ،‬ووفاءه بحاجة الناس‬
‫المتجددة‪.‬‬
‫‪3 .3‬ربط األمة عامة؛ والدعاة والمصلحين خاصة هبدايات الوحي الذي جعله اهلل‬
‫وروحا وحياة وشفاء‪.‬‬
‫ً‬ ‫ومنهاجا‪ .‬بل‬
‫ً‬ ‫نورا ُيهتدى به‪ ،‬وشرعة‬
‫ً‬
‫اً‬
‫جهل باألحكام الشرعية‪ ،‬وغفلة عن‬ ‫‪4 .4‬تساهل بعض الناس بأمر األعراض‬
‫األضرار االجتماعية التي ُيخلفها ذلك التساهل‪.‬‬
‫‪5 .5‬أن التساهل باألعراض ولوكها باأللسنة من أعظم الفساد العاجل واآلجل‪.‬‬
‫‪6 .6‬أن سورة النور تضمنت بيانًا شاف ًيا كاف ًيا لباب‪( :‬حفظ األعراض‪ ،‬واألسباب‬
‫الوقائية‪ ،‬والتذكير بعظمة اهلل وآياته‪ ،‬وآداب المجتمع المسلم)‪.‬‬
‫منهجية البحث‪:‬‬
‫إن منهجية هذا البحث ‪ -‬أسأل اهلل تعالى أن ينفعني به وقارئه ‪ -‬متمثلة يف النقاط التالية‪:‬‬
‫َّ‬
‫‪- -‬االعتماد على كتب التفسير بالمأثور خاصة للبحث يف معاين اآليات‪ ،‬وعلى‬
‫كتب التفسير عامة يف صياغة البحث ومسائله‪.‬‬
‫‪- -‬التقديم بمقدمة عن الوحدة الموضوعية للسورة‪ ،‬وفيها بيان فيها مالمح‬
‫السورة الرئيسة وعالقتها هبذا البحث‪ .‬حيث حاولت الجمع بين المواضيع التي‬
‫تناولتها السورة بأسلوب مختصر وجامع قدر جهدي‪.‬‬
‫‪- -‬الحرص على بيان المعنى اإلجمالي لآلية قبل استنباط العرب والعظات منها‪.‬‬
‫‪8‬‬
‫املقــــــدمـــة‬
‫‪- -‬الربط بين المعاين التي تشير إليها اآليات وحاجة الناس اليوم لهداياهتا‪.‬‬
‫‪- -‬الرجوع إلى المراجع التي تخدم الموضوع الذي تشير إليه اآليات‪.‬‬
‫‪- -‬محاولة عرض المعنى اإلجمالي لآليات ثم الرتكيز يف المعنى على الفوائد‬
‫العملية‪ ،‬مع عدم إيراد أي معلومة ال ينبني عليها فائدة عملية‪.‬‬
‫‪- -‬قدمت بعض اآليات على بعض لكي أستكمل الكالم واإلشارة إلى مجمل‬
‫الموضوع يف مكان واحد‪.‬‬
‫‪- -‬االلتزام باالستشهاد باألحاديث الصحيحة فقط‪ ،‬ولم أستشهد بحديث اتفق‬
‫على ضعفه‪.‬‬
‫‪- -‬تخريج األحاديث واآلثار من مصادرها‪ ،‬مع عزو األحاديث لمخرجها بذكر‬
‫الكتاب والباب ورقم الحديث إن وجد‪.‬‬
‫‪- -‬الحرص على إيراد الروايات الصحيحة يف تفسير اآليات ويف أسباب النزول‪،‬‬
‫واالعتماد على تصحيح وتضعيف علماء الحديث يف ذلك‪.‬‬
‫خطة البحث‪:‬‬
‫ينقسم البحث يف دراسة موضوعات سورة النور إلى مقدمة وتمهيد وأربعة أبواب‬
‫كما يلى‪:‬‬
‫تمهيد‪ :‬بيان الوحدة الموضوعية يف السورة‪.‬‬
‫الباب األول‪ :‬حفظ األعراض ومقاصد الشريعة‪ ،‬ويشمل أربعة فصول‪:‬‬
‫تمهيد‪ :‬مقدمة السورة ومقاصد الشريعة‪.‬‬
‫الفصل األول‪ :‬تحريم الزنــــا‪:‬‬
‫المبحث األول‪ :‬األدلة على حرمته‪:‬‬
‫‪9‬‬
‫دراسة موضوعات سورة النور‬
‫المطلب األول‪ :‬األدلة من القرآن‪.‬‬
‫المطلب الثاين‪ :‬األدلة من السنة‪.‬‬
‫المبحث الثاين‪ :‬الحكمة من تحريم الزنا‪.‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬عقوبة الزنا‪:‬‬
‫المطلب األول‪ :‬عقوبة الزاين البكر‪.‬‬
‫المطلب الثاين‪ :‬عقوبة الزاين المحصن‪.‬‬
‫المبحث الرابع‪ :‬الحكمة من هذه العقوبة‪.‬‬
‫المبحث الخامس‪ :‬أهم الوصايا لمكافحة الزنا‪.‬‬
‫الفصل الثاين‪ :‬تحريم القذف‪:‬‬
‫المبحث األول‪ :‬معنى القذف وحكمه وخطره‪.‬‬
‫المبحث الثاين‪ :‬عقوبة القاذف‪:‬‬
‫المطلب األول‪ :‬أحكام عقوبة قذف المحصنات المؤمنات الغافالت‪.‬‬
‫المطلب الثاين‪ :‬قذف الرجل زوجته‪.‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬موقف المسلم من الشائعات‪:‬‬
‫المبحث األول‪ :‬حادثة اإلفك مثال تطبيقي‪.‬‬
‫المبحث الثاين‪ :‬سرد رواية القصة‪.‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬من فوائد الحادثة‪.‬‬
‫المبحث الرابع‪ :‬مشكلة اإلشاعة‪:‬‬
‫المطلب األول‪ :‬تعريف اإلشاعة‪.‬‬
‫‪10‬‬
‫املقــــــدمـــة‬
‫المطلب الثاين‪ :‬خطورة اإلشاعات‪.‬‬
‫المطلب الثالث‪ :‬كيف تتولد اإلشاعة وتنتشر‪.‬‬
‫المبحث الخامس‪ :‬الموقف من الشائعات يف ظالل حادثة اإلفك‪:‬‬
‫المطلب األول‪ :‬أن يقدم حسن الظن باألخ المسلم‪.‬‬
‫المطلب الثاين‪ :‬التثبت بالبينة والدليل‪.‬‬
‫المطلب الثالث‪ :‬أن ال يتحدث بما سمعه وال ينشره‪.‬‬
‫المطلب الرابع‪ :‬قطع الطريق على الفساق الذين يحبون أن تشيع الفاحشة والشر‪.‬‬
‫المبحث السادس‪ :‬التعقيب القرآين على حادثة اإلفك‪:‬‬
‫المطلب األول‪ :‬خطورة نشر الفواحش يف المجتمع اإلسالمي‪.‬‬
‫المطلب الثاين‪ :‬شرع اهلل هذه األحكام وقبل توبة المذنبين اً‬
‫فضل منه‪.‬‬
‫المطلب الثالث‪ :‬التنبيه على عدم إتباع خطوات الشيطان‪.‬‬
‫المطلب الرابع‪ :‬سالمة الصدر والعفو واإلحسان لمن أساء يستجلب مغفرة اهلل‪.‬‬
‫الفصل الرابع‪ :‬مسؤلية الكلمة‪:‬‬
‫المبحث األول‪ :‬عرض إجمالي لآليات‪.‬‬
‫المبحث الثاين‪ :‬أهمية الكلمة وخطورهتا ودورها يف إقامة الحياة‪.‬‬
‫المبحث ال ّثالث‪ :‬آفات الكالم‪.‬‬
‫الباب الثاني‪ :‬اآلداب االجتماعية الوقائية‪ ،‬ويشمل مخسة فصول‪:‬‬
‫الفصل األول‪ :‬أدب االستئذان‪:‬‬
‫المبحث األول‪ :‬أهمية االستئذان‪.‬‬
‫المبحث الثاين‪ :‬أحكام االستئذان وآدابه‪.‬‬
‫‪11‬‬
‫دراسة موضوعات سورة النور‬
‫الفصل الثاين‪ :‬غض البصر‪:‬‬
‫المبحث األول‪ :‬األمر بغض البصر‪.‬‬
‫المبحث الثاين‪ :‬فوائد غض البصر‪.‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬األمر بحفظ الفروج‪.‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬الزينة وأحكام إظهارها‪:‬‬
‫المبحث األول‪ :‬أهمية الزينة يف حياة المرأة‪.‬‬
‫المبحث الثاين‪ :‬أحكام إظهار الزينة‪:‬‬
‫المطلب األول‪ :‬الزينة التي يجوز إبدائها‪.‬‬
‫المطلب الثاين‪ :‬من يجوز للمرأة أن تبدي زينتها عنده‪.‬‬
‫المطلب الثالث‪ :‬البعد عن دواعي إبداء الزينة لغير المحارم‪.‬‬
‫المطلب الرابع‪ :‬تحريم زينة القول‪.‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬خطورة االختالط‪.‬‬
‫الفصل الرابع‪ :‬الزواج سنة إلهية‪:‬‬
‫المبحث األول‪ :‬األمر بالزواج والحث عليه‪.‬‬
‫المبحث الثاين‪ :‬حكمة الشارع يف الزواج‪.‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬من لم يستطع الزواج‪.‬‬
‫المبحث الرابع‪ :‬تيسير الحياة السعيدة لفئآت المجتمع‪.‬‬
‫الفصل الخامس‪ :‬آداب داخل البيت المسلم‪:‬‬
‫المبحث األول‪ :‬االستئذان داخل البيت‪.‬‬
‫المبحث الثاين‪ :‬إبداء الزينة وإخفائها‪.‬‬
‫‪12‬‬
‫املقــــــدمـــة‬
‫المبحث الثالث‪ :‬العالقة بين أهل البيت واألقارب واألصدقاء‪.‬‬
‫الباب الثالث‪ :‬تذكرة وذكرى ألولي األلباب‪ :‬ويشمل ثالثة فصول‪:‬‬
‫الفصل األول‪ :‬ضرب األمثال يف القرآن‪:‬‬
‫المبحث األول‪ :‬ضرب األمثال يف القرآن تعريف وبيان‪.‬‬
‫المبحث الثاين‪ :‬مثل نور اإليمان‪.‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬مثل ظلمات الكفر‪:‬‬
‫المطلب األول‪ :‬أعمال الكفار ال قيمة لها يوم القيامة‪.‬‬
‫المطلب الثاين‪ :‬شدة ظلمة الكفر‪.‬‬
‫المبحث الرابع‪ :‬فائدة ضرب األمثال‪.‬‬
‫الفصل الثاين‪ :‬بيوت اهلل‪:‬‬
‫اً‬
‫إجمال‪.‬‬ ‫المبحث األول‪ :‬تحليل معنى اآليات‬
‫المبحث الثاين‪ :‬فضل المساجد وأهميتها يف اإلسالم‪.‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬أهم المهام التي يقوم هبا المسجد‪.‬‬
‫المبحث الرابع‪ :‬أحكام المساجد وآداهبا‪.‬‬
‫المبحث الخامس‪ :‬تنبيهات خاصة لحضور النساء للمساجد‪.‬‬
‫المبحث السادس‪ :‬أثر المسجد على الفرد والمجتمع اإلسالمي‪.‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬النظر يف آيات اهلل‪:‬‬
‫المبحث األول‪ :‬تسبيح المخلوقات هلل‪.‬‬
‫المبحث الثاين‪ :‬التذكير بالرجوع إلى اهلل‪.‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬السماء والسحاب وما فيهما‪.‬‬
‫‪13‬‬
‫دراسة موضوعات سورة النور‬
‫المبحث الرابع‪ :‬الليل والنهار وتقليبهما‪.‬‬
‫المبحث الخامس‪ :‬الدواب خلقها وسعيها‪.‬‬
‫المبحث السادس‪ :‬الحكمة من اآليات والمشاهد‪.‬‬
‫الباب الرابع‪ :‬آداب اجملتمع يف اإلسالم‪ :‬ويشمل ثالثة فصول‪:‬‬
‫الفصل األول‪ :‬وجوب طاعة الرسول ﷺ‪:‬‬
‫المبحث األول‪ :‬الهروب عن التحاكم إلى اهلل ورسوله‪.‬‬
‫المبحث الثاين‪ :‬المستقيمين على منهج رسول‪ ‬اهلل ﷺ‪.‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬حال الناس يف الطاعة وواجب الرسول ﷺ تجاههم‪.‬‬
‫الفصل الثاين‪ :‬أسباب النصر والتمكين يف األرض‪:‬‬
‫المبحث األول‪ :‬صفات أهل النصر‪.‬‬
‫المبحث الثاين‪ :‬حقيقة االستخالف‪.‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬التمكين وحقيقته‪.‬‬
‫المبحث الرابع‪ :‬معنى تبديل الخوف باألمن‪.‬‬
‫المبحث الخامس‪ :‬سبيل المحافظة على الموعود‪.‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬أدب الطاعة للرسول ﷺ واحترام ولي األمر‪:‬‬
‫المبحث األول‪ :‬أدب استئذان ولي األمر‪.‬‬
‫المبحث الثاين‪ :‬أدب خطاب اإلمام‪.‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬تحذير وتذكير‪.‬‬
‫خامتة‪ :‬فيها أهم النتائج والتوصيات من البحث‪.‬‬
‫قائمة مصادر البحث‪.‬‬
‫قائمة المحتويات‪.‬‬
‫‪14‬‬
‫املقــــــدمـــة‬
‫واهلل أسأل أن ينفع هبذا البحث كاتبه‪ ،‬وكل من كان له نصيب يف اإلفادة فيه‪ ،‬وأن‬
‫ينفع به قارئه‪ ،‬والدال عليه والعامل به‪.‬‬
‫وصلى اهلل وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن اقتفى أثره واهتدى‬
‫هبديه واستن بسنته إلى يوم الدين‪ ،‬وسلم تسليما كثيرا‪.‬‬

‫الباحث‪ /‬أ‪ .‬د‪ .‬محمد‪ ‬بن عبدالعزيز العواجي‬


‫تم تبييضه يف ‪1427/9/10‬هـ‬
‫تمت مراجعته يف ‪1430/1/25‬هـ‬
‫طيبة الطيبة‬
‫‪15‬‬
‫دراسة موضوعات سورة النور‬

‫الوحدة املوضوعية للسّورة‬

‫الحمد هلل رب العالمين‪ ،‬وال عدوان إال على الظالمين‪ ،‬وصلى اهلل وسلم على‬
‫إمام الغر المحجلين‪ ،‬نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين‪ ،‬ومن تبعهم بإحسان إلى‬
‫يوم الدين‪ ،‬وبعد‪:‬‬
‫إن لكل سورة من سور القرآن اسم يميزها‪ ،‬وسورة النور كذلك‪ ،‬حيث أهنا النور‬
‫الذي ينير اهلل به العقول والقلوب‪ ،‬فإذا القلوب والعقول استنارت به‪ ،‬ال شك أن الحياة‬
‫نور كما قال‬
‫ستكون كلها يف نور وضياء وسعادة‪ ،‬وقد وصف اهلل القرآن الكريم بأنه ٌ‬
‫تعالى‪{ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ‬
‫ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭﭮ} [سورة‪ ‬الشورى‪ ]52‬فهو نور من نور‪.‬‬
‫قال بعضهم‪« :‬سميت سورة النور بذلك لما فيها من إشعاعات النور المعنوي بما‬
‫تضمنته آياهتا من أحكام عملية‪ ،‬وآداب اجتماعية وبراهين على قدرة اهلل سبحانه‪ ،‬وغير‬
‫ذلك من أمور هي ألهل البصائر بمثابة األنوار الحسية»(((‪ ،‬وسميت بذلك أيضا ألن اهلل‬
‫ذكر فيها أنه نور السماوات واألرض‪.‬‬
‫إن هذه السورة تتميز ‪ -‬كغيرها من السور ‪ -‬أن توجيهاهتا ُتريح القلوب‪ ،‬و ُت ُ‬
‫هدئ‬
‫النفوس‪ ،‬و َترتقي باإلنسان إلى عالم اإلنسانية‪ ،‬وترجعه إلى فطرته التي فطره اهلل عليها‪،‬‬
‫وفضله هبا عن سائر المخلوقات‪.‬‬
‫ّ‬
‫كيف ذلك؟‬
‫أمورا ترتقي هبا‬
‫ً‬ ‫لقد شملت السورة ‪-‬كما سيأيت تفصيله يف هذه البحـوث ‪-‬‬

‫((( تفسير سورة النور‪ -‬د‪ .‬ناصر الحميد (‪.)13‬‬


‫‪16‬‬
‫املقــــــدمـــة‬
‫النفوس ويرتقي هبا اإلنسان‪ ،‬وعالجت ما يقع يف الحياة االجتماعية من مشكالت‬
‫اجتماعية‪ ،‬ونفسية وأخالقية‪ ،‬بل إهنا تضمنت قواعد لوقاية المجتمع من الوقوع يف هذه‬
‫المشكالت‪ ،‬وربط ذلك كله باهلل گ وبطاعة رسوله ﷺ‪ ،‬منبهة ومحفزة على تلك الطاعة‬
‫بالتبشير باالستخالف يف األرض إن أخذ الناس هبذا المنهج القويم العظيم الشامل‪.‬‬
‫لقد عالجت السورة أغلظ ما يف اإلنسان‪ ،‬ليرققه ويطهره ويرتفع به إلى آفاق‬
‫النور‪ ،‬إذ عالجت شهوة العين والفرج‪ ،‬ورغبة التجريح والتشهير‪ ،‬ودفعة الغضب‬
‫والغيظ‪ ،‬فعالجت الفاحشة أن تشيع يف النفس وأن تشيع يف الحياة‪ ،‬وأن تشيع يف القول‪،‬‬
‫ثم عالجتها بعرض نموذج‬
‫وكان عالج هذه األمور بتشديد حد الزنا وحد القذف‪َّ ،‬‬
‫شنيع فظيع من رمي المحصنات الغافالت المؤمنات‪ ،‬وعالجته بالوسائل الوقائية‪:‬‬
‫باالستئذان‪ ،‬وغض البصر‪ ،‬والنهي عن مثيرات الفتن‪ ،‬وموقظات الشهوة‪ ،‬ثم باألمر‬
‫باإلحصان‪ ،‬ومنع البغاء‪ ،‬وتحرير الرقيق‪ ،‬كل ذلك ليأخذ الطريق للتغير واإلصالح‪،‬‬
‫ويهيئ للنفوس وسائل العفة واالستعالء والشفافية واإلشراق‪.‬‬
‫ويف أعقاب حادثة اإلفك عالجت ما تخلف عنها من غضب وغيظ‪ ،‬ومن‬
‫اضطراب يف المقاييس‪ ،‬وقلق يف النفوس‪ ،‬فإذا نفس محمد ﷺ مطمئنة هادئة زكية‪،‬‬
‫وإذا نفس عائشة ڤ قريرة راضية بريئة‪ ،‬وإذا نفس أبي بكر ﭬ سمحة صافية‪،‬‬
‫وإذا نفس صفوان ﭬ قانعة بشهادة اهلل وتربئته‪ ،‬وإذا نفوس المسلمين آيبة تائبة‪ ،‬وقد‬
‫تكشف لها ما كانت تتخبط فيه بعض النفوس من التيه والمرض‪ ،‬فثابت النفوس الزكية‬
‫الطاهرة إلى رهبا شاكرة فضله ورحمته وهدايته‪.‬‬
‫هبذا التعليم وهذا التهذيب‪ ،‬وهذا التوجيه عالج اهلل اإلنسان حتى أشرق بالنور‪،‬‬
‫وتطلع إلى األفق الوضيء‪ ،‬واستشرف النور الكبير يف آفاق السماوات واألرض‪ ،‬وهو‬
‫على استعداد لتلقي النداء الرباين الشامل يف عالم كله إشراق ونور‪.‬‬
‫‪17‬‬
‫دراسة موضوعات سورة النور‬
‫فالمحور الذي تدور حوله السورة كلها هو‪ :‬محور الوقاية والعالج والتربية‬
‫للمجتمع المسلم‪ ،‬التي تشتد وسائلها إلى درجة الحدود‪ ،‬رحمة باألمة التي يريد اهلل‬
‫لها الحياة السعيدة يف الدنيا واآلخرة‪.‬‬
‫اً‬
‫إجمال إلى عدة‬ ‫ويمكن تقسيم التوجيهات الرتبوية للمجتمع المسلم يف السورة‬
‫موضوعات‪ ،‬وهي كما يأيت‪:‬‬
‫أول‪ :‬حفظ األعراض الذي هو من مقاصد الشريعة اإلسالمية‪ :‬والذي تضمن‬
‫اً‬
‫النهي عن الزنا‪ ،‬وتعظيم أمره‪ ،‬وبيان حده‪ .‬ثم الحديث عن القذف‪ ،‬وحرمته وبيان حده‬
‫وعظم أمره‪ .‬ثم ذكر حادثة اإلفك لبيان شناعة أمر القذف وأثره على الفرد والمجتمع‪،‬‬
‫ثم الحديث عن ما يورد المرء المهالك وهو اللسان وخطره‪.‬‬
‫ثان ًيا‪ :‬وسائل الوقاية من الوقوع يف الجريمة‪ :‬والتي تتضمن الحديث عن‪ :‬آداب‬
‫البيوت‪ ،‬واالستئذان على أهلها‪ ،‬واألمر بغض البصر وحفظ الفرج‪ ،‬وأحكام إبداء‬
‫الزينة‪ ،‬والرتغيب يف النكاح‪ ،‬واالستعفاف لمن ال يجد النكاح‪.‬‬
‫ثال ًثا‪ :‬بين اهلل تعالى بالمثل أن هديه سبحانه نور وهداية لكل الناس‪.‬‬
‫راب ًعا‪ :‬بين اهلل سبحانه مكان وجود ذلك النور وتلك الهداية‪ :‬فتحدثت اآليات عن‬
‫عمارها وما فيها من هداية‪.‬‬
‫بيوت اهلل تعالى‪ ،‬وعن َّ‬
‫خامسا‪ :‬بين اهلل سبحانه ما يضاد تلك الهداية ويقابل ذلك النور‪ :‬أال وهو ظلمة‬
‫ً‬
‫الكفر‪ ،‬وذلك بعرض مثالين يتضح فيهما شدة ظلمة الكفر يف القلب والواقع‪ ،‬وأثر ترك‬
‫هدي اهلل تعالى وما يحدثه من ظلمة يف القلب تحجبه والعياذ باهلل عن ذلك النور والهدى‪.‬‬
‫سادسا‪ :‬وجوب النظر إلى عظم خلق اهلل تعالى‪ :‬وربط ذلك النظر والتفكر‬
‫ً‬
‫بالعبودية هلل تعالى‪ ،‬كل ذلك تربية للمجتمع المسلم على العبودية هلل تعالى الموصلة‬
‫لذلك النور والهدى‪.‬‬
‫‪18‬‬
‫املقــــــدمـــة‬
‫ساب ًعا‪ُ :‬تبين السورة أن اإليمان باهلل وطاعة الرسول ﷺ والتزام المنهج الرتبوي‬
‫الذي به الفالح يف الدنيا واآلخرة‪ ،‬وعدم مخالفة أمره والتأدب معه ﷺ هي عالمات‬
‫ودالئل ذلك النور والهداية‪ ،‬وما ينتج عن ذلك من االستخالف والتمكين واألمن‬
‫يف األرض‪ ،‬والفوز والنجاة يوم القيامة هي متطلباته العاجلة واآلجلة وهي ثمرة‬
‫النور والهداية‪.‬‬
‫ثامنًا‪ :‬يف ختام السورة يبين اهلل تعالى ملكيته للسماوات واألرض وعلمه بواقع‬
‫الناس‪ ،‬وما يصلحهم يف حياتهم الدنيا‪ ،‬وعلمه أيضا بحالهم يوم القيامة وما سيكون‬
‫لهم من خير أو شر‪ ،‬وهي داللة التصديق العقلي بأنه ال نور وال هداية فيما يخالف‬
‫أمره وشرعه‪.‬‬
‫وج َملِها المعدودة من معاين‬
‫ومن هذا العرض لما تحتويه السورة بآياهتا القصيرة‪ُ ،‬‬
‫مهما جدً ا‪ ،‬وهو أن الدين اإلسالمي دين عقيدة وعبادة‬
‫أمرا ً‬
‫عظيمة الشأن‪ ،‬تبين لنا ً‬
‫وأخالق ومعامالت‪ ،‬فهو دين شامل كامل لكل نواحي الحياة‪ ،‬قال تعالى‪{ :‬ﮀ ﮁ‬
‫ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊﮋ} [سورة‪ ‬األنعام‪ ]38‬وقال تعالى‪{ :‬ﭻ ﭼ‬
‫ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ} [سورة‪ ‬المائدة‪ ،]3‬وهو دين عام‬
‫لكل الناس‪ ،‬كبيرهم وصغيرهم‪ ،‬ذكرهم وأنثاهم‪ ،‬حاكمهم ومحكومهم‪ ،‬عبدهم‬
‫وحرهم‪ ،‬قال تعالى‪{ :‬ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ‬
‫ﮯ ﮰﮱ} [سورة‪ ‬سبأ‪.]28‬‬
‫وعلى هذا فحديث السورة عن اآلداب الرتبوية االجتماعية األخالقية ليس من‬
‫األمور الهامشية التحسينية بل هو من األمور األساسية يف هذا الدين‪ ،‬ولذا روي عن‬
‫السلف عبارات كثيرة يف فضل سورة النور والحث على تعلمها‪ ،‬ومنها ما أورده البيهقي‬
‫‪19‬‬
‫دراسة موضوعات سورة النور‬
‫عن أبي عطية الهمداين قال‪ :‬كتب إلينا عمر بن الخطاب ﭬ إلى أهل الكوفة‪« :‬تعلموا‬
‫سورة براءة‪ ،‬وعلموا نساءكم سورة النور»(((‪ ،‬وهناك آثار أخرى موقوفة ومرسلة يف‬
‫اختصارا‪.‬‬
‫ً‬ ‫فضائل السورة لم نوردها‬
‫وقد حاولت إيجاز موضوعات السورة يف العناوين اآلتية‪:‬‬
‫‪1-1‬حفظ األعراض من مقاصد ّ‬
‫الشريعة‪.‬‬
‫‪2-2‬اآلداب االجتماعية الوقائية‪.‬‬
‫‪3-3‬ذكرى وتذكير ألولي األلباب‪.‬‬
‫‪4-4‬آداب المجتمع يف اإلسالم‪.‬‬

‫((( أخرجه أبو عبيد يف فضائل القرآن (ص‪ ،)130-129‬و(ص‪ ،)135-124‬وسعيد بن منصور يف سننه رقم‬
‫(‪ )37/1‬و(‪ ،)39/9‬والبيهقي يف شعب اإليمان (‪ )370/5‬رقم (‪ ،)2213‬والقاسم بن سالم يف فضائل‬
‫القرآن (‪ ،)364‬والمستغفري يف فضائل القرآن (‪ )799‬و(‪ ،)840‬وعبد الرزاق يف مصنفه (‪)295/1‬‬
‫(‪.)1133‬‬
‫‪20‬‬
‫يرشلا دصاقمو ضارعألا ظفح ‪:‬لوألا بابلا‬

‫‪ ‬الباب األول‬
‫حفظ األعراض ومقاصد الشريعة‬
‫الباب األول‪ :‬حفظ األعراض ومقاصد الشريعة‬

‫تمهيد‪ :‬مقدمة السورة ومقاصد الشريعة‪:‬‬

‫قال تعالى‪{ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙﭚ}‬

‫يبين اهلل گ يف بداية هذه السورة أهميتها يف الحفاظ على البيئة اإلسالمية‪ .‬وما‬
‫وعالجا لما قد يحصل له‬
‫ً‬ ‫يف هذه السورة من أحكام هتتم بشؤون ذلك المجتمع وقاية‬
‫من مشكالت‪،‬‬
‫فينبه اهلل تعالى أن هذه السورة قد أنزلها «تنبي ٌه على االعتناء هبا وال ينايف ما‬
‫عداها»(((‪ ،‬فبين اهلل فيها الحالل والحرام واألمر والنهي والحدود((( وفرائض مختلفة(((‪،‬‬
‫فآيات هذه السورة مبينات وموضحات لتلك الفرائض المأمورون هبا‪ .‬لماذا؟ {ﭘ‬
‫ﭙﭚ} وتعملون هبا عندما تقرؤوهنا وتعلمون أوامرها ونواهيها‪.‬‬

‫فتبدأ هذه السورة ببيان أمر من األمور التي فيها من األضرار االجتماعية على‬
‫المجتمع المسلم الشيء الكثير‪ .‬وعلى أمر هو من مقاصد الشريعة‪ .‬أال وهو حفظ‬
‫العرض‪ ،‬يف كل صوره وأهمها يف هذه السورة تحريم الزنا‪ .‬وتحريم القذف‪ .‬وتحريم‬
‫الشائعات‪ .‬وتحديد ومسئولية الكلمة يف الدنيا واآلخرة‪.‬‬

‫(( ( تفسير القرآن العظيم البن كثير (‪.)5/6‬‬


‫((( كما قال مجاهد وقتادة‪ ،‬ينظر‪ :‬تفسير القرآن العظيم البن كثير (‪.)5/6‬‬
‫((( ذكره البخاري يف كتاب التفسير باب تفسير سورة النور (‪.)1769/4‬‬
‫‪21‬‬
‫دراسة موضوعات سورة النور‬
‫ومقاصد الشريعة((( هي‪ :‬الغايات التي وضعت الشريعة ألجل تحقيقها لمصلحة‬
‫العباد(((‪.‬‬
‫حكما من أحكامه إال وفيه مصلحة العباد‪َ ،‬علِمنا هذه الحكمة‬
‫ً‬ ‫فاهلل گ لم يشرع‬
‫والمصلحة أو لم نعلمها‪ ،‬قال شيخ اإلسالم ‪« :$‬الشريعة جاءت بتحصيل المصالح‬
‫وتكميلها‪ ،‬وتعطيل المفاسد وتقليلها»(((‪.‬‬
‫وقد حصر علماء اإلسالم المقاصد الشرعية التي أمر اإلسالم بالحفاظ عليها‬
‫مصلح ًة للناس إلى خمس مقاصد‪ ،‬ويقال عنها‪ - :‬الضروريات الخمس ‪« -‬فهي‬
‫ضرورية ألن فقدها يوقع الضرر والحاجة ووجودها يدفع الضرر والحاجة»(((‪.‬‬
‫والضروريات الخمس هي‪« :‬حفظ الدين والنفس والنسل والمال والعقل»(((‪.‬‬
‫اً‬
‫شامل أركان‬ ‫فأما حفظ الدين‪ :‬فقد جاء األمر بحفظه عن طريق األمر باإليمان باهلل‬
‫اإليمان‪ ،‬والعمل بأركان اإلسالم الخمس‪ ،‬وتحقيق مراتب اإلحسان‪ ،‬والوعيد على‬
‫مخالفة ذلك‪ ،‬وأيضا باألمر بالدعوة إلى هذا الدين واألمر بالدفاع عنه من المعتدين‬
‫والمخالفين‪ ،‬وحماية الدين من الغلو واالنحراف‪ ..‬وغيرها‪.‬‬
‫وأما حفظ النفس‪ :‬فذلك بحمايتها من الوقوع فيما يتسبب يف هالكها ومن االعتداء‬
‫على نفسها وغيرها‪ ،‬من القتل واالنتحار وكل ما يؤدي إلى ذلك أو شي ًئا منه‪ ،‬فشرع اهلل‬
‫القصاص وحد الحدود‪.‬‬
‫يمكن االستزادة يف هذا الموضوع بمراجعة كتاب‪ :‬الموافقات للشاطبي (‪،)165/3(-)100/2‬‬ ‫((( ‬
‫ومقاصد الشريعة عند العز‪ ‬بن عبدالسالم‪ -‬لعمر‪ ‬بن ناصر عمر‪ .‬وغيرها من كتب الفقه وأصوله‪.‬‬
‫مقاصد الشريعة عند العز‪ ‬بن عبدالسالم ‪ -‬عمر‪ ‬بن ناصر عمر ‪( -‬ص‪.)89‬‬ ‫(( (‬
‫فتاوى شيخ اإلسالم (‪.)48/20( ،)312/15‬‬ ‫((( ‬
‫مقاصد الشريعة عند العز‪ ‬بن عبد‪ ‬السالم (ص‪.)145‬‬ ‫((( ‬
‫الدعوة اإلسالمية أصولها ووسائلها (ص‪.)34‬‬ ‫((( ‬
‫‪22‬‬
‫يرشلا دصاقمو ضارعألا ظفح ‪:‬لوألا بابلا‬
‫وأما حفظ النسل‪ :‬وبعضهم يسميها بعبارة أخرى (حفظ العرض)‪ ،‬ويكون هذا‬
‫الحفظ باألمر بالزواج وتحريم الزنا‪ ،‬وتحريم الكالم يف أعراض المسلمين بسوء‪،‬‬
‫ورتب على ذلك العقوبة يف الدنيا واآلخرة‪.‬‬
‫وأما حفظ المال‪ :‬فذلك بالنهي عن السرقة وما يف معناها وغيرها من إضاعة المال‬
‫بغير وجه مشروع‪ ،‬وإباحة الطرق الشرعية يف تحصيل المال وملكه‪ ،‬وتحريم الطرق‬
‫التي يتم الحصول فيها على المال بطريقة غير شرعية‪.‬‬
‫وكل ما يذهب العقل‪ ،‬وحماية‬ ‫ٍ‬
‫مسكر ومفرتٍ ِّ‬ ‫وأما حفظ العقل‪ :‬فذلك بالنهي عن كل‬
‫العقل من األفكار المنحرفة‪ ،‬وتنميته بالتفكر والتدبر والتعلم واالعتبار وغيرها‪.‬‬
‫وهذه كلها أمثلة والشريعة اإلسالمية مبنية على األمور التي فيها الحفاظ على هذه‬
‫الضروريات الخمس‪.‬‬
‫ٍ‬
‫صور ‪ -‬ومن أهمها وأخطرها على‬ ‫فحفظ العرض يف الشريعة اإلسالمية له عدة‬
‫المجتمع المسلم ما جاء التنبيه عليه يف هذه السورة وهو‪ :‬تحريم الزنا‪ ،‬وتحريم القذف‪،‬‬
‫وخطورة الشائعات‪ ،‬ومسؤولية اإلنسان عن الكلمة التي يقولها‪.‬‬
‫وسنعرض لهذه األمور تنبيها على بعض المسائل فيها من خالل هذه اآليات‬
‫الكريمات يف الفصول التالية‪:‬‬
‫‪1-1‬تحريم الزنــا‪.‬‬
‫‪2-2‬تحريم القذف‪.‬‬
‫‪3-3‬موقف المسلم من الشائعات‪.‬‬
‫‪4-4‬مســؤولية الكلمة‪.‬‬
‫‪23‬‬
‫دراسة موضوعات سورة النور‬

‫‪ ‬الفصل األول‬
‫الفصل األول‪ :‬حتريم الزنــا‬ ‫حتريم الزنــا‬ ‫الباب األول‬

‫‪ ‬املبحث األول‬
‫األدلة على حرمة الزنا‬

‫‪1-1‬قال تعالى‪{ :‬ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ‬


‫ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ‬
‫ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊﮋ}‪.‬‬
‫وهذا الدليل تضمن عدة أوجه للداللة على التحريم‪:‬‬
‫الوجه األول‪ :‬التشديد يف وجوب إقامة الحد‪ .‬ويف الجد يف إقامة الحد‪ .‬قال تعالى‪:‬‬
‫{ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ}‪.‬‬
‫الوجه الثاين‪ :‬الوعيد بعدم التساهل يف إقامة الحد‪ ،‬حتى أنه ربطه باإليمان باهلل‬
‫واليوم اآلخر‪ ،‬قال تعالى‪{ :‬ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ}‪.‬‬
‫وتحذيرا‬
‫ً‬ ‫تنفيرا‬
‫ً‬ ‫الوجه الثالث‪ :‬وجوب أن يشارك المجتمع يف إيقاع العقوبة‬
‫نفيسا للزاين يف الدنيا قبل اآلخرة‪ ،‬قال تعالى‪ { :‬ﭲ‬ ‫للمجتمع‪ ،‬وخز ًيا اً‬
‫وذل وعذا ًبا ً‬
‫ﭳ ﭴ ﭵ ﭶﭷ}‪.‬‬
‫الوجه الرابع‪« :‬تقبيح أمر الزاين أشد تقبيح ببيان أنه بعد أن رضي بالزنا ال يليق به‬
‫أن ينكح العفيفة المؤمنة»((( قال تعالى‪{ :‬ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ‬
‫ﮃ ﮄ ﮅ}‪.‬‬
‫((( روح المعاين (‪.)84/18‬‬
‫‪24‬‬
‫ـنزلا ميرحت ‪:‬لوألا لصفلا‬ ‫وألا بابلا‬

‫الوجه الخامس‪ :‬التصريح بالتحريم {ﮇ ﮈ ﮉ ﮊﮋ}‪.‬‬

‫‪ -2‬قال تعالى يف وصف عباد الرحمن‪{ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ‬

‫ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ‬
‫ﭭ ﭮ ﭯ ﭰﭱ} [سورة‪ ‬الفرقان‪.]69-86‬‬

‫المحرمة بغير نكاح»((( فـ«دلت اآلية‬


‫ّ‬ ‫{ﭠ ﭡ} أي‪« :‬ال يستحلون الفروج‬
‫على أنه ليس بعد الكفر أعظم من قتل بغير الحق ثم الزنا»(((‪« .‬واعلم أن الزنا حرام‬
‫أمور منها ‪ -‬أن اهلل تعالى قرنه بالشرك وقتل النفس»(((‪.‬‬
‫وهو من الكبائر ويدل عليه ٌ‬
‫‪ -3‬قال تعالى‪{ :‬ﮊ ﮋ ﮌﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒﮓ} [سورة‪ ‬اإلسراء‪.]32‬‬
‫صريحا عن قربان الزنا‪ ،‬فإذا قيل لإلنسان ال تقرب هذا‬
‫ً‬ ‫فنهى اهلل گ يف هذه اآلية هن ًيا‬
‫فهذا آكد من أن يقول له ال تفعله‪ ،‬ثم إنه تعالى علل هذا النهي بكونه‪{ :‬ﮐ ﮑ‬

‫ﮒﮓ}‪ ،‬أي‪« :‬بئس الطريق الموصل إلى الزنا طري ًقا لآلثار السيئة والنتائج المدمرة‬
‫التي ترتتب عليه؛ أولها أذية المؤمنين يف أعراضهم‪ ،‬وآخرها جهنم واالصطالء بحرها‬
‫والبقاء فيها أحقا ًبا طويلة»(((‪.‬‬

‫‪ -4‬قال تعالى‪{ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ‬

‫ﭟ ﭠ} إلى قوله‪{ :‬ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ} [سورة‪ ‬الممتحنة‪ .]12‬فقد جعل اهلل ذلك‬


‫شر ًطا يف بيعة المؤمنات للنبي ﷺ‪.‬‬
‫فتح القدير (‪.)293/5‬‬ ‫(( (‬
‫الجامع ألحكام القرآن (‪.)76/13‬‬ ‫((( ‬
‫التفسير الكبير للرازي (‪.)218/11‬‬ ‫((( ‬
‫أيسر التفاسير (‪.)344/2‬‬ ‫((( ‬
‫‪25‬‬
‫دراسة موضوعات سورة النور‬
‫فهذه األدلة من كتاب اهلل تعالى‪ ،‬وفيها كفاية وشفاء‪.‬‬
‫وأما األدلة من السنة فكثيرة جدً ا ومنها‪:‬‬
‫‪- -‬قال ﷺ‪« :‬وما ظهر يف قوم الربا والزنا إال أحلوا بأنفسهم عقاب اهلل ‪.(((»۵‬‬
‫‪- -‬وقال ﷺ‪« :‬ال يزين الزاين حين يزين وهو مؤمن‪.(((»...‬‬
‫‪- -‬وقال ﷺ‪« :‬لم تظهر الفاحشة يف قوم قط حتى يعلنوا بها إال فشا فيهم الطاعون‬
‫واألوجاع التي لم تكن مضت يف أسالفهم الذين مضوا»(((‪.‬‬
‫‪- -‬وروى عبداهلل‪ ‬بن مسعود ﭬ قال‪ :‬سألت رسول‪ ‬اهلل ﷺ أي الذنب أعظم؟‬
‫قال‪« :‬أن تجعل هلل ندا وهو خلقك»‪ .‬قلت ثم أي؟ قال‪« :‬أن تقتل ولدك خشية أن يطعم‬
‫معك» قلت‪ :‬ثم أي؟ قال‪« :‬أن تزين بحليلة جارك»(((‪.‬‬
‫فهذه األحاديث وغيرها دليل على عظم جرم فعل الزنا وأنه من الكبائر يف‬
‫هذا الدين‪.‬‬

‫أخرجه أحمد يف المسند (‪ )402/1‬ح‪ ،)3809( ‬وقال األرناؤوط صحيح لغيره وإسناده ضعيف‪.‬‬ ‫((( ‬
‫أخرجه البخاري كتاب الحدود باب إثم الزنا (‪ ،)6810‬ومسلم كتاب اإليمان باب نقصان اإليمان‬ ‫((( ‬
‫بالمعاصي ونفيه عن المتلبس بالمعصية‪ ،‬على إرادة نفي كالمه (‪.)57‬‬
‫سنن ابن ماجة كتاب الفتن باب العقوبات (‪ .)4019‬وحسنه األلباين يف سلسلة األحاديث الصحيحة‬ ‫((( ‬
‫(‪.)106‬‬
‫أخرجه البخاري كتاب التفسير باب قوله تعالى {ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ‬ ‫((( ‬
‫ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ} (‪ ،)4761‬ومسلم كتاب اإليمان باب كون‬
‫الشرك أقبح الذنوب وبيان أعظمها (‪.)86‬‬
‫‪26‬‬
‫ـنزلا ميرحت ‪:‬لوألا لصفلا‬ ‫وألا بابلا‬

‫‪ ‬املبحث الثاني‬
‫احلكمة من حتريم الزنا‬

‫إن الناظر يف األدلة الدالة على عظم أمر الزنا ليتساءل لماذا هذا الوعيد الشديد‬
‫وهذا التحريم يف أمر الزنا؟‪.‬‬
‫لكن اإلجابة على هذا السؤال تجعل المرء يقف عند حكمة اهلل العليم الحكيم‬
‫الذي أنزل الشرع المحكم لما فيه مصلحة الناس والرقي هبم عن البهيمية‪.‬‬
‫ولهذا سنعرض هنا بعض الحكم من هذا التحريم تنبيها فقط على حكمة اهلل‬
‫تعالى وما يريده لنا من مصلحة الدنيا واآلخرة‪:‬‬
‫قال تعالى يف وصف عباد الرحمن‪{ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ‬
‫ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ} [سورة‪ ‬الفرقان‪« .]86‬لما‬
‫ذكر اهلل تعالى القتل الجلي‪ ،‬أتبعه الخفي بتضييع نسب الولد‪ ،‬فقال‪{ :‬ﭠ ﭡ} أي‬
‫رحمة لما قد يحدث من ولد‪ ،‬إبقاء على نسبه‪ ،‬ورحمة للمزين هبا وألقارهبا أن تنهتك‬
‫أيضا إلى القتل والفتن‪ ،‬وفيه التسبب‬
‫جار ً‬
‫حرماهتم‪ ،‬مع رحمته لنفسه‪ ،‬على أن الزنى ّ‬
‫إليجاد نفس بالباطل كما أن القتل تسبب إلى إعدامها بذلك»(((‪.‬‬
‫يقول ابن القيم ‪« :$‬ولما كانت مفسدة الزنا من أعظم المفاسد‪ ،‬وهي منافية‬
‫لنظام مصلحة العالم يف حفظ األنساب‪ ،‬وحماية الفروج‪ ،‬وصيانة الحرمات‪ ،‬وتوقي‬
‫ما يوقع أعظم العداوة والبغضاء بين الناس‪ ،‬من إفساد كل منهم امرأة صاحبه وابنته‬

‫((( نظم الدر (‪.)42/6‬‬


‫‪27‬‬
‫دراسة موضوعات سورة النور‬
‫وأخته‪ ،‬وما يف ذلك من خراب العالم»(((‪.‬‬
‫«فإن المرأة إذا زنت أدخلت العار على أهلها وزوجها وأقارهبا‪ ،‬ونكست‬
‫رؤوسهم بين الناس‪ ،‬وإن حملت من الزنا فإن قتلت ولدها جمعت بين الزنا والقتل‪،‬‬
‫وإن حملته على الزوج أدخلت على أهله وأهلها أجنبيا ليس منهم‪ ،‬فورثهم وهو ليس‬
‫منهم‪ ،‬ورآهم وخال هبم وانتسب إليهم وهو ليس منهم‪ .‬وكذلك زنى الرجل فإنه‬
‫يوجب اختالط األنساب‪ ،‬وإفساد المرأة المصونة‪ ،‬وتعريضها للتلف والفساد‪ ،‬ففي‬
‫هذه الكبيرة خراب الدنيا والدين» أ‪ .‬هـ(((‪.‬‬
‫وهذا الكالم الجامع منه ‪ $‬يقودنا إلى ذكر بعض الحكم من هذا التحريم‪:‬‬
‫‪ -1‬اختالط األنساب‪:‬‬
‫الذي يرتتب عليه إرث من ال يرث‪ ،‬والخلو مع من ال يحل له رؤيتهن‪ ،‬ودعوة‬
‫الولد بغير أبيه وغيرها‪.‬‬
‫‪ -2‬إثارة األحقاد‪:‬‬
‫وذلك ألن َم ْن ُزين بواحدة من أهله سيظل يحقد على مرتكب الجريمة هذه‪ ،‬وإن‬
‫عرفه فقد يقتله ويتسبب ذلك يف فتنة كبيرة بين الناس‪ .‬فالغيرة طبيعة يف اإلنسان فإن‬
‫الرجل ال يجد وسيلة يغسل هبا العار الذي يلحقه ويلحق أهله إال الدم‪.‬‬
‫‪ -3‬تهديد البيوت الهادئة المطمئنة وإلحاق العار بها‪:‬‬
‫ألن أصحاب تلك البيوت يصيبهم الخزي والعار أمام الناس ويتمنون لو أهنم‬
‫ماتوا قبل أن يحصل لهم هذا‪ ،‬وتبقى األسرة على هذا الحال والعار مدي الحياة‪،‬‬
‫(( ( الجواب الكايف (‪.)359‬‬
‫((( الجواب الكايف (‪.)385‬‬
‫‪28‬‬
‫ـنزلا ميرحت ‪:‬لوألا لصفلا‬ ‫وألا بابلا‬
‫«فالزنا يفسد نظم البيت ويهز كيان األسرة‪ ،‬ويقطع العالقة الزوجية‪ ،‬ويعرض األوالد‬
‫(((‬
‫لسوء الرتبية مما يتسبب عنه التشرد واالنحراف والجريمة»‬
‫‪ -4‬إن تحريم الزنا يرفع اإلنسان عن المستوى الحيواين والبيئة الحيوانية‪:‬‬
‫اإلسالم يسعى لمحاربة الحيوانية التي ال تفرق بين جسد وجسد‪ ،‬وال هتدف إلى‬
‫إقامة بيت وبناء مجتمع! فليس وراء اللذة المحرمة بناء حياة‪ ،‬وال عمارة أرض‪ ،‬بل ليس‬
‫ورائها عاطفة حقيقية راقية‪ ،‬وإنما هي عاطفة تنتهي بانتهاء الشهوة‪ .‬وعلى هذا فاإلسالم‬
‫ال يحارب دوافع الفطرة وال يستقذرها؛ وإنما ينظمها ويطهرها ويرفعها عن المستوى‬
‫الحيواين‪ ،‬فيبني العالقة الجنسية على أساس من المشاعر اإلنسانية الصادقة والراقية‪.‬‬
‫‪ -5‬ومن الحكم من تحريم الزنا دفع مضرته اآلجلة‪:‬‬
‫وهذه المضار تغيب عن عقل مرتكب هذه الجريمة وقت حدوثها والعياذ باهلل‪،‬‬
‫وهي كما يقول ابن القيم‪« :‬أنه يوجب الفقر‪ ،‬ويقصر العمر‪ ،‬ويكسو صاحبه سواد‬
‫الوجه‪ ،‬ويورث المقت بين الناس»(((‪.‬‬
‫‪ -6‬وأعظم من ذلك كله وأخزى العذاب األليم يوم القيامة‪:‬‬
‫فعن حذيفة ﭬ أن النبي ﷺ قال‪« :‬يا معشر الناس اتقوا الزنا فإن فيه ست‬
‫خصال؛ ثال ًثا يف الدنيا وثال ًثا يف اآلخرة‪ ،‬فأما اللواتي يف الدنيا‪ :‬ف ُيذهب البهاء ُ‬
‫ويورث‬
‫الفقر وينقص العمر‪ ،‬وأما اللواتي يف اآلخرة‪ :‬ف ُيوجب السخط وسوء الحساب والخلود‬
‫يف النار»(((‪.‬‬
‫‪ -7‬دفع األمراض الخبيثة التي تنتج عن ممارسة هذه الفعلة الخبيثة‪:‬‬
‫عالجا مثل مرض‬
‫ً‬ ‫وبعض هذه األمراض مازال الطب إلى اآلن لم يجد لها‬
‫(( ( فقه السنة (‪.)549/2‬‬
‫((( الجواب الكايف (‪.)385‬‬
‫((( شعب اإليمان البيهقي (‪ )379/4‬ح (‪ )5475‬وضعفه‪ ،‬ولكن معناه صحيح‪ .‬واهلل أعلم‪.‬‬
‫‪29‬‬
‫دراسة موضوعات سورة النور‬
‫اإليدز‪ ،‬والزهري وغيرهما من األمراض‪ ،‬وهذا مصداق حديث رسول‪ ‬اهلل ﷺ‪« :‬لم‬
‫تظهر الفاحشة يف قوم قط حتى يعلنوا بها إال فشا فيهم الطاعون واألوجاع التي لم تكن‬
‫مضت يف أسالفهم الذين مضوا»(((‪.‬‬
‫‪ -8‬الزنا قتل للحياة وللفرد والمجتمع‪:‬‬
‫قال تعالى يف وصف عباد الرحمن‪{ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ‬
‫ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ} [سورة‪ ‬الفرقان‪.]86 ‬‬
‫إن يف الزنا اً‬
‫قتل من نواحي شتى‪ ،‬إنه قتل ابتداء ألنه إراقة لمادة الحياة يف غير‬
‫موضعها‪ ،‬يتبعه غال ًبا الرغبة يف التخلص من آثاره بقتل الجنين قبل أن يتخلق أو بعد أن‬
‫يتخلق‪ ،‬قبل مولده أو بعد مولده فإذا ترك الجنين للحياة ترك يف الغالب لحياة شريرة‪،‬‬
‫أو حياة مهينة‪ ،‬فهي حياة مضيعة يف المجتمع على نحو من األنحاء‪.‬‬
‫وهو قتل يف صورة أخرى‪ :‬قتل للمجتمع التي يفشو فيها؛ فتضيع األنساب وتختلط‬
‫الدماء‪ ،‬وتذهب الثقة يف العرض والولد‪ ،‬ويتحلل المجتمع وتتفكك روابطه‪ ،‬فتنتهي‬
‫إلى ما يشبه الموت بين المجتمعات‪.‬‬
‫وهو قتل للمجتمع من جانب آخر‪ ،‬إذ أن سهولة قضاء الشهوة عن طريقه يجعل‬
‫الحياة الزوجية نافلة ال ضرورة لها‪ ،‬ويجعل األسرة تبعة ال داعي إليها‪ ،‬واألسرة هي‬
‫المحضن الصالح للفراخ الناشئة‪ ،‬ال تصح فطرهتا وال تسلم تربيتها إال فيه‪.‬‬
‫وما من أمة فشت فيها الفاحشة إال صارت إلى انحالل‪ ،‬منذ القديم إلى العصر‬
‫الحديث‪ .‬وقد ُي َغ ُّر بعضهم أن بعض الدول الغربية تملك زمام القوة المادية اليوم مع‬
‫فشو هذه الفاحشة فيها؟‬
‫((( سنن ابن ماجة كتاب الفتن باب العقوبات (‪ .)4019‬وحسنه األلباين يف سلسلة األحاديث الصحيحة‬
‫(‪.)106‬‬
‫‪30‬‬
‫ـنزلا ميرحت ‪:‬لوألا لصفلا‬ ‫وألا بابلا‬
‫فالجواب‪ :‬أن هذه الفواحش لم تظهر بعد آثارها كاملةً؛ بسبب حداثة بعض هذه‬
‫المجتمعات واتساع مواردها‪ ،‬كالشاب الذي يسرف شهواته فال يظهر أثر اإلسراف‬
‫شاب‪ ،‬ولكنه سرعان ما يتحطم عندما يدلف إلى الكهولة فال يقوى على‬ ‫ِِ‬
‫يف ُبنْ َيته وهو ٌ‬
‫احتمال آثار السن‪ ،‬كما يقوى عليها المعتدلون من أنداده!‪.‬‬
‫‪31‬‬
‫دراسة موضوعات سورة النور‬

‫‪ ‬املبحث الثالث‬
‫عقوبة الزنا‬

‫إن اإلسالم دين متكامل يشمل جميع مناحي الحياة؛ الدينية‪ ،‬واالقتصادية‬
‫والسياسية واالجتماعية‪ ،‬ووضع لكل أمر من أمور الحياة ضوابط عالية تقومه وتنميه‬
‫وتساعد على رقي ذلك المجتمع‪.‬‬
‫فمن قاعدة كمال الشريعة ُي ْع َلم‪ :‬أن اإلسالم ال يشدد العقوبة هذا التشديد إال‬
‫بعد تحقيق الضمانات الوقائية المانعة من وقوع الفعل‪ ،‬ومن ثم من توقيع العقوبة؛‬
‫فاإلسالم ال يقوم على العقوبة‪ ،‬وإنما يقوم على توفير أسباب الحياة النظيفة‪ ،‬ثم يعاقب‬
‫من يدع األخذ هبذه األسباب الميسرة ويتمرغ يف الوحل طائ ًعا غير مضطر‪.‬‬
‫وقس على ذلك جميع مناحي الحياة‪ ،‬فقد وضع اهلل القواعد والضوابط لكل‬
‫عمل وهيأ من األسباب ما يعين على أداء تلك األعمال‪ ،‬واجتناب مساوئ األفعال‪ ،‬ثم‬
‫رتب العقوبة على من يخالف هذا المنهج الشامل الكامل‪.‬‬
‫فمن هنا جاءت عقوبة الزاين‪ ،‬فقد وضع اهلل له الضمانات واألسباب التي تجعله‬
‫ال يقع يف الزنا‪ ،‬ولكنه أوقع نفسه فيه‪ ،‬وذلك بسبب تخليه عن هذه الضمانات فكانت‬
‫العقوبة الرادعة‪.‬‬
‫ويف هذه السورة جملة من تلك األمور الوقائية مثل‪ :‬اإلسراع يف الزواج‪ ،‬والحث‬
‫عليه‪ ،‬واألمر بغض البصر‪ ،‬واألمر باالستئذان‪ ...‬وغيرها من األمور التي سيأيت‬
‫الحديث عنها يف موضعها إن شاء اهلل(((‪.‬‬
‫((( أفردهتا بالبحث مستقلة من خالل سورة النور‪ ،‬وهو الثاين من موضوعات السورة‪.‬‬
‫‪32‬‬
‫ـنزلا ميرحت ‪:‬لوألا لصفلا‬ ‫وألا بابلا‬
‫أما عقوبة الزاين ففيها تفصيل نجمله يف اآلتي(((‪:‬‬
‫أول‪ :‬عقوبة الزاين البِك ُْر‪:‬‬
‫اً‬
‫‪1 -1‬الجلد مائة جلدة‪:‬‬
‫قال اهلل تعالى {ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ‬
‫ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ}‪« .‬هذا حد الزاين الحر البالغ البكر‪ ،‬وكذلك الزانية البالغة البكر‬
‫الحرة‪ ،‬وأما المملوكات فالواجب خمسون جلدة لقوله تعالى‪{ :‬ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ‬
‫ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ} [سورة‪ ‬النساء‪.(((»]25 ‬‬
‫‪2 -2‬الجلد يكون أمام مجموعة من الناس‪:‬‬
‫قال تعالى‪{ :‬ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶﭷ}‪.‬‬
‫‪3 -3‬تغريب عام‪ :‬أي اإلبعاد عن البلد عا ًما اً‬
‫كامل‪« ،‬وثبت بالسنة»(((‪.‬‬
‫ففي الصحيحين عن أبي هريرة ﭬ يف األعرابيين الذين أتيا رسول‪ ‬اهلل ﷺ‪،‬‬
‫فقال أحدهما‪ :‬يا رسول‪ ‬اهلل إن ابني كان عسي ًفا((( عند هذا فزنى بامرأته‪ ،‬فافتديت ابني‬
‫بمائة شاة ووليدة‪ ،‬فسألت أهل العلم‪ ،‬فأخربوين أن على ابني جلد مائة وتغريب عام‪،‬‬
‫وإن على امرأة هذا الرجم‪ .‬فقال رسول‪ ‬اهلل ﷺ‪« :‬والذي نفسي بيده‪ ،‬ألقضين بينكما‬
‫بكتاب اهلل‪ :‬الوليدة والغنم رد عليك‪ ،‬وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام‪ ،‬واغد يا أنيس‬
‫انظر تفصيل هذه األحكام يف المغني (‪.)320-380/12‬‬ ‫(( (‬
‫الجامع ألحكام القرآن (‪ ،)159/12‬ولالستزادة يف هذه المسألة انظر كالم الفقهاء رحمهم اهلل يف‪:‬‬ ‫((( ‬
‫بدائع الصنائع (‪ ،)38-37/7‬وموسوعة شروح الموطأ باب جامع ما جاء يف حد الزنا (‪-179/20‬‬
‫‪ ،)197‬والمقنع مع الشرح الكبير (‪ .)269-264/26‬وفتح الباري (‪ ...)169-168/12‬وغيرها من كتب‬
‫الفقه وشروح الحديث عند هذه المسألة‪.‬‬
‫الجامع ألحكام القرآن (‪.)159/12‬‬ ‫(( (‬
‫عسي ًفا‪ :‬أي ً‬
‫أجيرا‪.‬‬ ‫((( ‬
‫‪33‬‬
‫دراسة موضوعات سورة النور‬
‫إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها» فغدا عليها فاعرتفت‪ ،‬فرجمها»(((‪ .‬ففي هذا‬
‫الحديث إثبات الجلد والتغريب للبكر‪.‬‬
‫‪4 -4‬حرمة الزواج بهما قبل التوبة‪:‬‬
‫قال اهلل تعالى زيادة يف التنكيل بالزناة وعقوبة لهم‪{ :‬ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ‬
‫ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊﮋ}‪.‬‬
‫«هذا خرب من اهلل تعالى بأن الزاين ال يطأ إال زانية أو مشركة أي ال يطاوعه على‬
‫مراده من الزنا إال زانية عاصية أو مشركة ال ترى حرمة ذلك‪ ،‬وكذلك الزانية ال ينكحها‬
‫إال زان عاص بزناه أو مشرك ال يعتقد تحريمه»(((‪.‬‬
‫وأيضا تزويج المؤمنة‬
‫ً‬ ‫وعلى هذا فإن تزويج المؤمن بالفاجرة الزانية محرم‪،‬‬
‫بالرجل الفاجر الزاين محرم فاهلل تعالى يقول‪{ :‬ﮇ ﮈ ﮉ ﮊﮋ}‪ ،‬قال شيخ‬
‫اإلسالم ابن تيمية‪ِ َّ :‬‬
‫«الزان َي َة ال يجوز ُّ‬
‫تزوجها إال بعد التوبة»(((‪.‬‬
‫يتزوج إال زانية أو ُمشركة‬
‫الزاين ال َّ‬‫ويقول يف موضع آخر‪« :‬فإن هذا يدل على َأ َّن َّ‬
‫ِ‬ ‫وإن ذلك حرام على المؤمنين والرجل َّ ِ‬
‫اح ُه حتى يتوب وذلك بأن‬ ‫الزان َي ال يجوز ن َك ُ‬ ‫ٌ‬
‫اإلحصان‪ ،‬والمرأة إذا كانت زانية ال ُت ْح ِص ُن فرجها عن غير زوجها‬ ‫ُي َوافِ َق اشتِرا َط ُه ِ‬
‫َ‬
‫تزو َجها ومن نكحت زان ًيا فهي زانية َأي‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫ال يجوز نكاحها فم ْن نكح زان َي ًة فهو َزان َأي َّ‬
‫َت َز َّو َج ْت ُه»(((‪.‬‬
‫أخرجه البخاري كتاب اإليمان والنذور باب كيف كانت يمين النبي ﷺ (‪ ،)6633‬ومسلم كتاب‬ ‫((( ‬
‫الحدود باب من اعرتف على نفسه بالزنا (‪.)1697‬‬
‫تفسير القرآن العظيم البن كثير (‪.)9/6‬‬ ‫(( (‬
‫مجموع فتاوى شيخ اإلسالم (‪ ،)279/8‬وقد اختلف أهل العلم رحمهم اهلل يف ضابط رفع ذلك‬ ‫((( ‬
‫التحريم انظر الفتاوى الكربى (‪ ،)122/4‬وقد رجح شيخ اإلسالم أنه يجوز تزوجها بعد التوبة وذكر‬
‫األدلة على ذلك من القرآن والسنة واإلجماع واالعتبار‪ ،‬ورد على المخالفين‪.‬‬
‫مختصرا‪.‬‬
‫ً‬ ‫مجموع فتاوى شيخ اإلسالم (‪)320/15‬‬ ‫((( ‬
‫‪34‬‬
‫ـنزلا ميرحت ‪:‬لوألا لصفلا‬ ‫وألا بابلا‬
‫ثان ًيا‪ :‬عقوبة الزاين المحصن‪:‬‬
‫َحدُّ المحصن الزاين هو الرجم بالحجارة حتى الموت‪.‬‬
‫وهو‪« :‬الذي قد وطئ يف نكاح صحيح وهو حر بالغ عاقل»(((‪.‬‬
‫والدليل على ذلك حديث أبي هريرة المتقدم وفيه‪« :‬واغد يا ُأنيس إلى امرأة هذا‬
‫فإن اعترفت فارجمها» فغدا عليها فاعرتفت فرجمها‪.‬‬
‫وعن جابر‪ ‬بن عبداهلل ﭬ أن اً‬
‫رجل من أسلم‪ ،‬أتى رسول‪ ‬اهلل ﷺ فحدثه أنه قد‬
‫زنى‪ ،‬فشهد على نفسه أربع شهادات‪ ،‬فأمر به رسول‪ ‬اهلل ﷺ فرجم وكان قد أحصن(((‪.‬‬
‫وهنا لفتة ذكرها العلماء يف الحكمة من تقديم المرأة على الرجل يف البيان‪ ،‬قال‬
‫ٍ‬
‫فاش‪،‬‬ ‫تعالى‪{ :‬ﭛ ﭜ} «فقدمت الزانية حيث كان يف ذلك الزمان زنى النساء‬
‫وكان إلماء العرب وبغايا ذلك الوقت رايات‪ .‬وقيل ألن الزنا يف النساء َأ َع ُّر‪ .‬وقيل‪ :‬ألن‬
‫الشهوة يف المرأة أكثر وعليها أغلب‪ ،‬فصدرها تغليظا لرتدع شهوهتا‪ ،‬وأيضا فإن العار‬
‫بالنساء ألحق إذ موضعهن الصيانة فقد ذكرهن تغليظا واهتماما»(((‪.‬‬
‫وألن الرجل ال يستطيع أن يفعل هذا العمل إال برضى المرأة وتزينها له‪ ،‬فمنها‬
‫نصيب يف داعي الوقوع غال ًبا‪ ،‬وإذا لم ترض وتمكن نفسها منه لم يفعل الزنا هبا‪ ،‬أما إن‬
‫فعل هبا غص ًبا عنها فهذا اغتصاب يف حق المرأة له أحكامه وأحواله(((‪.‬‬

‫المقنع مع الشرح الكبير (‪.)4399( )243/26‬‬ ‫(( (‬


‫أخرجه البخاري كتاب الحدود باب رجم المحصن (‪ )6429‬وانظر‪ .)6434 ،4970 ،4969( :‬ومسلم‬ ‫((( ‬
‫كتاب الحدود باب من اعرتف على نفسه بالزنى (‪.)1691‬‬
‫الجامع ألحكام القرآن (‪.)160/12‬‬ ‫(( (‬
‫لالستزادة حول مسألة االغتصاب يراجع شروح الموطأ باب ما جاء يف المغتصبة (‪،)209-202/20‬‬ ‫((( ‬
‫والمقنع مع الشرح الكبير (‪.)291-289/26‬‬
‫‪35‬‬
‫دراسة موضوعات سورة النور‬

‫‪ ‬املبحث الرابع‬
‫احلكمة من هذه العقوبة‬

‫«ليس من مصلحة المريض أن يعطي ما يشتهيه إن كان يضره‪ ،‬ومحبة الفواحش‬


‫مرض يف القلب‪ ،‬والعقوبات الشرعية أدوية نافعة»((( ويتبين ذلك من خالل النقاط التالية‪:‬‬
‫‪ -1‬الحكمة من التفريق بين عقوبة الزاين المحصن والزاين غير المحصن‪:‬‬
‫ولعل سبب ذلك أن الذي سبق له الوطء يف نكاح صحيح قد عرف الطريق‬
‫وجربه‪ ،‬فعدوله عنه إلى الزنا يشير إلى فساد فطرته وانحرافها‪ ،‬فهو‬
‫الصحيح النظيف َّ‬
‫جدير بتشديد العقوبة‪ ،‬بخالف البكر الذي قد يندفع تحت ضغط الميل‪ .‬وهناك أيضا‬
‫فارق يف طبيعة الفعل‪ ،‬فالمحصن ذو تجربة تجعله يتذوقه ويستجيب له بدرجة أعمق‬
‫مما يتذوقه البكر فهو حري بعقوبة أشد‪ .‬واهلل أعلم وأحكم‪.‬‬
‫‪ -2‬الحكمة من عدم الرأفة‪:‬‬
‫قال تعالى‪{ :‬ﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰ} «أي‪ :‬ال تمتنعوا‬
‫عن إقامة الحدود شفقة على المحدود‪ ،‬وال تخففوا الضرب من غير إيجاع»(((‪.‬‬
‫ذلك أن الرأفة بالزناة الجناة قسوة على المجتمع‪ ،‬وعلى اآلداب اإلسالمية‪ ،‬وعلى‬
‫الضمائر البشرية‪ ،‬وهي رأفة مصطنعة‪ ،‬فاهلل أرأف بعباده‪ ،‬واهلل أعلم بمصالح العباد‪،‬‬
‫ِ‬
‫الظاهرة له بادئ األمر‪،‬‬ ‫ِ‬
‫العقوبة‬ ‫ٍ‬
‫لمتشدق أن يتحدث عن قسوة‬ ‫وأعرف بطبائعهم‪ .‬فليس‬
‫فهي أرأف مما ينتظر المجتمع الذي يشيع فيه الزنا وتفسد فيه الفطرة اإلنسانية‪.‬‬
‫(( ( فتاوى شيخ اإلسالم (‪.)288/15‬‬
‫((( الجامع ألحكام القرآن (‪.)165/12‬‬
‫‪36‬‬
‫ـنزلا ميرحت ‪:‬لوألا لصفلا‬ ‫وألا بابلا‬
‫فاآلية تخاطب أولئك الذين ينادون بعدم تطبيق الحدود‪ ،‬وذلك بدافع الرأفة‬
‫والرحمة بالزناة مع أن اهلل تعالى هو العليم بأحوال الناس وما يصلح حالهم والحكيم‬
‫يف الطريقة التي يعالج هبا مشكالت عباده وما يقطع دابر الفساد يف المجتمع‪ .‬وال‬
‫يؤمن هبذه األحكام إال من آمن باهلل تعالى حق اإليمان وباليوم اآلخر وما أعده اهلل‬
‫للمفسدين يف األرض‪ ،‬ولذا ختم ربنا اآلية وهو أحكم الحاكمين بقوله‪{ :‬ﭫ ﭬ ﭭ‬
‫ﭮ ﭯ ﭰ}‪.‬‬
‫‪ -3‬الحكمة من أن يكون العذاب أمام مجموعة من المؤمنين‪:‬‬
‫قال تعالى‪{ :‬ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶﭷ} «أمر اهلل تعالى بعقوبتهما‬
‫وعذاهبما بحضور طائفة من المؤمنين وذلك بشهادته على نفسه‪ ،‬أو بشهادة المؤمنين‬
‫عليه‪ ،‬ألن المعصية إذا كانت ظاهرة‪ ،‬كانت عقوبتها ظاهرة»(((‪ ،‬ألن الزنا ال يمكن‬
‫إثباته إال بأحد هذين الطريقين‪ :‬شهادة الشهود الموصوفين شر ًعا‪ ،‬أو إقراره على نفسه‬
‫الصريح يف ذلك وفق ضوابط الشرع‪ ،‬فاألمر الب ِّين يستوجب العقوبة البينة الظاهرة‪،‬‬
‫وهذا من كمال عدل اهلل گ‪.‬‬
‫وليكون إليقاع العقوبة على الزاين أثر يف نفس الزاين وأثر يف نفوس المشاهدين‪،‬‬
‫فيتعظ الزاين والمشاهدون‪« ،‬وهذا فيه تنكيل للزانيين إذا جلدا بحضرة الناس‪ ،‬فإن‬
‫ذلك يكون أبلغ يف زجرهما‪ ،‬وأنجع يف ردعهما‪ ،‬فإن يف ذلك تقريعا وتوبيخا وفضيحة‬
‫إذا كان الناس حضورا»(((‪.‬‬
‫وألن الزنا له آثاره السيئة على الفرد والمجتمع فينبغي المسارعة يف العالج‬
‫وهذا العالج يكون للفرد بالجلد أمام الناس‪ ،‬ويكون للمجتمع بوقايته من هذا الجرم‬
‫برؤيتهم عقاب من يفعل ذلك‪ ،‬وذلك بال شك يردعهم‪.‬‬
‫(( ( فتاوى شيخ اإلسالم (‪.)285/15‬‬
‫((( تفسير القرآن العظيم البن كثير (‪.)8/6‬‬
‫‪37‬‬
‫دراسة موضوعات سورة النور‬
‫‪ -4‬الحكمة من التغريب‪:‬‬
‫وهو الثابت يف السنة الصحيحة وذلك ‪-‬واهلل أعلم‪ -‬ألن الزاين عنصر فاسد يف‬
‫المجتمع فلو بقي يف المجتمع ألفسده فيبعد عن المجتمع قبل أن يفسد غيره‪ ،‬فجعل‬
‫الشارع جل وعال هذا التغريب حفا ًظا على المجتمع من الفساد‪ ،‬وتأدي ًبا للزاين حيث‬
‫يكون بعيدً ا عن الناس كلهم‪ ،‬غري ًبا يف األرض‪ ،‬منبو ًذا بين الناس‪ ،‬وتأديبا لكل من‬
‫تسول له نفسه أن يفعل هذا الفعل أن جزاءه سيكون مثل هذا الزاين‪.‬‬
‫‪ -5‬الحكمة من تحريم الزاج بهما قبل التوبة‪:‬‬
‫وأيضا كي‬
‫والحكمة من ذلك ‪-‬واهلل أعلم ‪ -‬كي ال يقع منهما ذلك بعد الزواج‪ً ،‬‬
‫ال تحصل بين الزوجين حياة غير مستقرة قائمة على الشك والريبة والظن السيئ يف أي‬
‫موقف من مواقف الحياة‪ ،‬فيتوقع الزوج أن زوجته تخونه‪ ،‬وتتوقع الزوجة أن زوجها‬
‫يخوهنا‪ .‬وهناك أثر على أوالدهما فيما بعد‪ ،‬فهم قد يتأثرون بسلوك آبائهم إذا وجدوا‬
‫منهم ذلك يف سلوكم وتصرفاهتم‪.‬‬
‫أيضا هذا عقاب من اهلل ألهنم استعجلوا بالحرام ولم يصربوا‬
‫ويمكن أن يقال ً‬
‫حتى يجدوا الحالل‪« ،‬ومن استعجل شيء قبل أو أنه عوقب بحرمانه»(((‪.‬‬
‫وقد بين شيخ اإلسالم ابن تيمية ‪ $‬الحكمة من تحريم الزواج منهما قبل التوبة‬
‫َحت َُهما‬ ‫يف كالم جميل جامع‪ ،‬فقال ‪« :$‬لما أمر اهَّلل تعالى بعقوبة َّ ِ‬
‫حرم ُمنَاك َ‬
‫الزان َي ْين َّ‬
‫على المؤمنين‪:‬‬
‫َه ْج ًرا لهما ولما معهما من الذنوب والسيئات‪ ،‬قال تعالى‪{ :‬ﯙ ﯚﯛ}‬
‫اج َر ِة‬
‫اشر ُة ال َف ِ‬ ‫اش الرج ِل وفِي منَاك ِ‬
‫إفسا ُد ف َر ِ َّ ُ َ ُ َ‬
‫َحت َها ُم َع َ َ‬
‫ِ‬ ‫أن َّ ِ‬
‫الزان َي َة فيها َ‬ ‫[سورة‪ ‬المدثر‪ .]5‬وذلك َّ‬
‫الزانِيان َق ِرينَا س ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وء‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫السوء َو َأ ْهلِه َما َدا ُموا َع َل ْيه َفإِ َّن َّ َ‬
‫هَّلل َقدْ َأ َم َر بِ َه ْج ِر ُّ‬
‫اح َبت َُها‪َ ،‬و َا ُ‬
‫َدائ ًما َو ُم َص َ‬
‫((( هذه قاعدة فقهية ذكرها السندي يف حاشيته على ابن ماجة (‪ ،)356/6‬وابن نجيم يف األشباه والنظائر‬
‫(‪ ،)159‬السيوطي يف األشباه والنظائر (‪ ،)152‬ود‪ .‬مصطفى مخدوم يف كتابه قواعد الوسائل (‪ .)505‬ويف‬
‫غيرها من كتب العلم‪.‬‬
‫‪38‬‬
‫ـنزلا ميرحت ‪:‬لوألا لصفلا‬ ‫وألا بابلا‬

‫و َق َال َت َعا َلى‪{ :‬ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ} [سورة‪ ‬الصافات‪ ،]22‬أي‪ُ :‬ع َش َرا َء ُه ْم‬


‫الز ْو َج ْي ِن َم َو َّد ًة َو َر ْح َمةً‪،‬‬
‫هَّلل َت َعا َلى َقدْ َج َع َل َب ْي َن َّ‬ ‫اه ُه ْم َو ُن َظ َرا َء ُه ْم‪َ ،‬و َا ُ‬ ‫َو ُق َرنَا َء ُه ْم َو َأ ْش َب َ‬
‫ب لِلآْ َخ ِر‪َ ،‬فإِ َذا َر ِض َي ْت المرأ ُة َأ ْن َتنْكِ َح َزانِ ًيا َف َقدْ َر ِض َي ْت‬ ‫ِ‬ ‫ح ِ ِ ِ‬
‫ب لنَ ْفسه َما ُيح ُّ‬
‫ِ‬
‫َف َأ َحدُ ُه َما ُي ُّ‬
‫الزنَا ك َ‬
‫َان‬ ‫الر ُج ُل َأ ْن َينْكِ َح َزانِ َي ًة َف َقد َر ِض َي َع َم َل َها‪َ ،‬و َم ْن َر ِض َي ِّ‬ ‫إن َرض َي َّ‬
‫َعم َله‪ ،‬وك ََذلِ َك ْ ِ‬
‫َ ُ َ‬
‫الزوجين‪.‬‬ ‫خليله»(((‪ ،‬و َأع َظ ُم الخ َّلة خ َّل ُة َّ‬ ‫ِ‬ ‫يث‪« :‬المر ُء على دين‬ ‫الزانِي‪ ،‬وفِي ا ْلح ِد ِ‬ ‫بِ َمن ِْز َل ِة َّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫الس ِّيدُ ا ْل َمالِ ُك‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫اش‪ ،‬ونِ َكاح َّ ِ‬
‫الزاني َأ َشدُّ م ْن ج َهة َأ َّن ُه َّ‬
‫ِ ِ‬
‫الزان َية َأ َشدُّ م ْن ِج َهة ا ْلف َر ِ َ ُ‬
‫ِ‬ ‫نِ َكاح َّ ِ ِ‬
‫ُ‬
‫الزانِي ا َّل ِذي ُي َق ِّص ُر فِي‬ ‫ا ْل َحاكِم َع َلى ا ْلمر َأ ِة‪َ ،‬ف َت ْب َقى ا ْلمر َأ ُة ا ْل ُحر ُة ا ْل َع ِفي َف ُة فِي َأس ِر ا ْل َف ِ‬
‫اج ِر َّ‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫َْ‬ ‫َْ‬ ‫ُ‬
‫ُح ُقوقِ َها َو َي َت َعدَّ ى َع َل ْي َها‪.‬‬
‫وس َبنِي آ َد َم ا ْل َغ ْي َر ِة‪َ ،‬فإِ َذا َل ْم َي ْك َر ْه الرجل َأ ْن َت ُك َ‬
‫ون‬ ‫واهَّلل سبحانه َقدْ َج َع َل فِي ُن ُف ِ‬ ‫َ‬
‫ٍ‬
‫أعراض‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫أوالد وال‬ ‫زوجة وال‬‫ٍ‬ ‫وث‪ ،‬ال يستأمن على‬ ‫فه َو َد ُّي ٌ‬ ‫ِ‬
‫َز ْو َج ُت ُه َبغ ًّيا ُ‬
‫الر ُج َل ال َي ْزنِي بغير امرأته إال إذا أعجبه ذلك الغ ْي ُر‪ ،‬فال َي َز ُال َي ْزنِي بما‬ ‫َوفي الغالب َأ َّن َّ‬
‫ِ‬

‫ذات زوجٍ ‪ ،‬وقد يد ُعوها ذلك إلى‬ ‫الم َع َّل َق ِة التي ال هي َأ ِّي ٌم وال ُ‬ ‫عجبه‪ ،‬فتبقى امر َأ ُته ِ ِ‬
‫بمنزلة ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُي ِ ُ ُ‬
‫اع ُث لها على ذلك مقابل ُة زوجها على وجه القصاص ُم َكايِدَ ًة له و ُم َغا َي َظةً؛‬ ‫ون ا ْلب ِ‬
‫الزنَا‪ ،‬وي ُك ُ َ‬
‫ِّ‬
‫فإنه ما لم يحفظ غيبها لم تحفظ غيبه‪ ،‬ولها يف ُب ْض ِع ِه َح ٌّق كما له يف ُب ْض ِع َها َح ٌّق‪.‬‬
‫معان شريف ٌة ال ينبغي إهما ُل َها»(((‪ .‬أ‪ .‬هـ‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫وهذه‬

‫(( ( أخرجه مالك يف الموطأ (‪ ،)922( )411/3‬وأبو داود كتاب اآلداب باب من يؤمر أن يجالس‬
‫(‪ ،)4833‬والرتمذي أبواب الزهد باب (‪ ،)2378( )45‬وأحمد يف المسند (‪ ،)8318( )334/2‬وعلق‬
‫شعيب األرناؤوط بقوله‪ :‬إسناده جيد ورجاله ثقات رجال الشيخين‪ .‬وصححه األلباين يف السلسلة‬
‫الصحيحة (‪.)927‬‬
‫مختصرا‪.‬‬
‫ً‬ ‫((( مجموع فتاوى شيخ اإلسالم (‪)364/3‬‬
‫‪39‬‬
‫دراسة موضوعات سورة النور‬

‫‪ ‬املبحث اخلامس‬
‫أهم الوصايا ملكافحة الزنا‬

‫هذه بعض الوصايا الربانية للوقاية من وقوع فاحشة الزنا‪:‬‬


‫‪1-1‬الوصية بالحجاب والنهي عن التربج‪ :‬قال تعالى‪{ :‬ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ‬
‫ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮯ ﮰ ﮱ ﯓ‬
‫ﯔﯕ} [سورة‪ ‬األحزاب‪ .]59 ‬وقال تعالى‪{ :‬ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ}‬
‫[سورة‪ ‬األحزاب‪.]33 ‬‬
‫‪2-2‬غض البصر‪ :‬قال تعالى‪{ :‬ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ} {ﮐ ﮑ‬
‫ﮒ ﮓ ﮔ}‪.‬‬
‫‪3-3‬حفظ الفروج‪ :‬قال تعالى‪{ :‬ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄﮅ‬
‫ﮆ ﮇ ﮈﮉ} {ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ} وسيأيت بيانه‪،‬‬
‫وقال تعالى يف وصف عباده‪{ :‬ﭦ ﭧ ﭨ ﭩﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ‬
‫ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼﭽ}‬
‫[سورة‪ ‬المؤمنون‪ ]7-5 ‬وقال سبحانه‪{ :‬ﮮ ﮯ ﮰ ﮱﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ‬
‫ﯚ ﯛ ﯜ ﯝﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ} [سورة‪ ‬المعارج‪.]31-29 ‬‬
‫‪4-4‬البعد عن إظهار الزينة للنساء والبعد عن العمل على إظهارها‪ :‬قال تعالى {ﮗ‬
‫ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢﮣ ﮤ ﮥ ﮦ} وسيأيت بيانه‪.‬‬
‫‪5-5‬األمر بالقرار يف البيت‪{ :‬ﭶ ﭷ ﭸ} [سورة‪ ‬األحزاب‪.]33 ‬‬
‫‪40‬‬
‫ـنزلا ميرحت ‪:‬لوألا لصفلا‬ ‫وألا بابلا‬
‫‪6-6‬تحريم االختالط بين النساء والرجال‪ :‬قال ﷺ‪« :‬إياكم والدخول على النساء‪.‬‬
‫فقال رجل‪ :‬أرأيت الحمو؟ فقال‪ :‬الحمو الموت»(((‪ ،‬وأمرهن بالسير يف حافة الطريق‬
‫كما يف الحديث‪ ،‬عن أبي أسيد األنصاري أنه سمع رسول‪ ‬اهلل ﷺ يقول وهو خارج من‬
‫المسجد فاختلط الرجال مع النساء يف الطريق‪ ،‬فقال رسول‪ ‬اهلل ﷺ‪« :‬استأخروا فإنه‬
‫ليس لكن أن تحققن الطريق((( عليكن بحافات الطريق»‪ ،‬فكانت المرأة تلتصق بالجدار‬
‫حتى إن ثوهبا ليتعلق بالجدار من لصوقها به(((‪.‬‬
‫‪7-7‬األمر بالزواج والتيسير فيه‪ :‬بل إن اهلل گ تكفل بإغناء الذي يريد الزواج فقال‬
‫تعالى‪{ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ} وسيأيت بيانه‪.‬‬
‫وقال ﷺ‪« :‬يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر‬
‫وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء»(((‪ ،‬وقال ﷺ‪« :‬إذا جاءكم‬
‫من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إال تفعلوه تكن فتنة يف األرض وفساد عريض»(((‪ .‬فلم‬
‫يشرتط المال الكثير وال الحسب والنسب؛ وإنما اشرتط [الدين والخلق] ألهنما أغلى‬

‫أخرجه البخاري كتاب النكاح باب ال يخلوا رجل بامرأة إال ذوا محرم (‪ .)5232‬ومسلم كتاب‬ ‫((( ‬
‫السالم باب تحريم الخلوة باألجنبية والدخول عليها (‪.)2172‬‬
‫أن تحققن الطريق‪ :‬وهو أن يركبن ُح َّقها وهو وسطها‪ ،‬عون المعبود (‪.)127/14‬‬ ‫(( (‬
‫أخرجه أبو داود يف أبواب النوم باب يف مشي النساء مع الرجال فيي الطريق (‪ ،)5272‬والطرباين‬ ‫((( ‬
‫(‪ ،)15923( )161/14‬والبيهقي يف الشعب (‪ ،)7823-7821‬قال األلباين «الحديث حسن بمجموع‬
‫الطريقين» الصحيحة (‪ ،)856‬والمشكاة (‪ ،)4727‬وصحيح الجامع (‪.)929‬‬
‫أخرجه البخاري كتاب الصيام باب الصوم لمن خاف على نفسه العزوبة (‪ .)1905‬صحيح مسلم‬ ‫((( ‬
‫كتاب النكاح باب استحباب النكاح لمن طاقت نفسه إليه ووجد مؤنه واشتغال من عجز عن‬
‫المؤونة بالصوم (‪.)1400‬‬
‫أخرجه الرتمذي كتاب النكاح باب ما جاء إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه (‪ ،)1084‬وأبو‬ ‫((( ‬
‫داود كتاب النكاح باب الكفاءة (‪ ،)1967‬وحسنه األلباين يف مشكاة المصابيح (‪ ،)3090‬وإرواء الغليل‬
‫(‪.)167-266/6‬‬
‫‪41‬‬
‫دراسة موضوعات سورة النور‬
‫مهر ُت ْمهر به امرأة؛ ألنه سيبقى معها طوال حياهتما‪ ،‬أما المال فإنه يأيت ويذهب‪.‬‬
‫‪8-8‬الصوم‪« :‬يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر‬
‫وأحصن للفرج‪ ،‬ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له ِو َجاء»‪ ،‬وهذا صريح يف صرف‬
‫الطاقة يف المندوب إليه؛ إن لم يستطع صرفها يف الحالل‪ ،‬ف ُيشغل نفسه بطاعة اهلل‪،‬‬
‫وكبح‬
‫ٌ‬ ‫و ُيذهب قوته َ‬
‫وش َره شهوته يف تلك الطاعة التي هي دوا ٌء للشهوة وللنفس‪،‬‬
‫أيضا‪.‬‬
‫لجماحها وجماح وسوسة الشيطان ً‬
‫‪9-9‬االشتغال بالواجب على المرء المسلم‪ :‬ولذا قال اهلل تعالى‪{ :‬ﭔ ﭕ ﭖ‬
‫ﭗ ﭘ ﭙﭚ} فمن قام بالواجب عليه يف دينه ودنياه لم يكن للشيطان عليه‬
‫سبيل إلغوائه وتزيين المحرمات له ولوسوسته قال تعالى {ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ‬
‫ﭹ ﭺ ﭻ ﭼﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁﮂ ﮃ ﮄﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ‬
‫ﮋ ﮌ ﮍ ﮎﮏ ﮐ ﮑ ﮒﮓ} [سورة‪ ‬يس‪.]62-60‬‬
‫ومن اعتصم بحبل اهلل عصمه اهلل ومن تولى ربه كفاه الشياطين‪ ،‬ولذا ال بد من‬
‫اللجوء إلى اهلل وإخبات القلب له بأنواع العبادات واشتغال العبد بذكره وشكره والنظر‬
‫واالعتبار يف آياته‪.‬‬
‫‪42‬‬
‫ذقلا ميرحت ‪:‬يناثلا لصفلا‬ ‫وألا بابلا‬

‫‪ ‬الفصل الثاني‬
‫حتريم القذف‬
‫الفصل الثاني‪ :‬حتريم القذف‬

‫قال تعالى‪{ :‬ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ‬


‫ﮚ ﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮬ ﮭ‬
‫ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠ‬
‫ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲﯳ ﯴ ﯵ‬
‫ﯶﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ‬
‫ﰈ ﰉ ﰊﰋ}‪.‬‬
‫ويتبين ذلك من خالل المبحثين التاليين‪:‬‬
‫‪ -1‬معنى القذف وأحكامه‪.‬‬
‫‪ -2‬عقوبة القاذف‪.‬‬
‫‪43‬‬
‫دراسة موضوعات سورة النور‬

‫‪ ‬املبحث األول‬
‫معنى القذف وأحكامه‬

‫أول‪ :‬معنى القذف‪:‬‬


‫اً‬
‫القذف لغة‪ :‬الرمي بالشيء‪.‬‬
‫و«أصل القذف الرمي بالحجارة‪ ،‬والقذف بالزنا مأخوذ من هذا المعنى»(((‪.‬‬
‫ويف الشرع‪ :‬الرمي بوطء يوجب الحد على المقذوف(((‪.‬‬
‫وعند الفقهاء‪ :‬الرمي بالزنا أو اللواط(((‪.‬‬
‫«واستعمال كلمة {ﮍ} بدل من يتهمون يف هذه اآليات تغليظا ألمر القذف‪،‬‬
‫وكأن من اهتم أخاه يف عرضه فكأنما رماه بسهم قاتل‪ .‬وقديما قيل‪ :‬كالم اللسان أنكى‬
‫من كالم السنان»(((‪.‬‬
‫ثان ًيا‪ :‬حكم القذف‪:‬‬
‫إن اإلسالم يستهدف حماية أعراض الناس‪ ،‬والمحافظة على سمعتهم وصيانة‬
‫كرامتهم‪ ،‬ولذا فهو يمنع ضعاف النفوس أن يجرحوا مشاعر الناس ويتكلموا يف‬
‫أعراضهم ويشدد يف هذا أشد التشديد‪.‬‬
‫فهو يحرم القذف تحريما قاط ًعا‪ ،‬ويجعله كبيرة من كبائر اإلثم والفواحش‪،‬‬
‫الملخص الفقهي (‪.)427/2‬‬ ‫(( (‬
‫سبل السالم (‪.)190/1‬‬ ‫((( ‬
‫المغني (‪.)383/12‬‬ ‫((( ‬
‫من لطائف التفسير (‪.)408/2‬‬ ‫((( ‬
‫‪44‬‬
‫ذقلا ميرحت ‪:‬يناثلا لصفلا‬ ‫وألا بابلا‬

‫ويصف فاعله بالفسق‪ ،‬ويرتب عليه عقوبة يف الدنيا قبل اآلخرة قال تعالى‪{ :‬ﮌ‬
‫ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛﮜ ﮝ ﮞ‬
‫ﮟﮠ}‪.‬‬
‫فهذا هو الحد يف الدنيا أما يف اآلخرة فيقول اهلل تعالى‪{ :‬ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ‬
‫ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ‬
‫ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙﯚ}‪.‬‬
‫وقد جمع اهلل تعالى يف كتابه بين عذاب الدنيا واآلخرة للقاذف‪ ،‬فقال تعالى‪:‬‬
‫{ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁﰂ ﰃ ﰄ‬
‫ﰅ ﰆ ﰇﰈ} [سورة‪ ‬النور‪.]19 ‬‬
‫وقال رسول‪ ‬اهلل ﷺ‪« :‬اجتنبوا السبع الموبقات‪ .‬قالوا وما هن يا رسول‪ ‬اهلل؟ قال‪:‬‬
‫الشرك باهلل‪ ،‬والسحر‪ ،‬وقتل النفس التي حرم اهلل إال بالحق‪ ،‬وأكل الربا‪ ،‬وأكل مال‬
‫اليتيم‪ ،‬والتولي يوم الزحف‪ ،‬وقذف المحصنات المؤمنات الغافالت»(((‪.‬‬
‫وقد أجمع المسلمون على تحريم القذف‪ ،‬وعدوه من الكبائر(((‪ ،‬وهذا القذف له‬
‫ضوابط لكي يحكم عليه أنه قذف يستحق الحد نلخصها فيما يلي‪:‬‬
‫أوال‪ :‬شروط القذف‪:‬‬
‫ً‬
‫منها ما يجب توافرها يف القاذف وهي‪ :‬العقل‪ ،‬والبلوغ‪ ،‬واالختيار‪.‬‬
‫ومنها ما يجب توافرها يف المقذوف وهي‪ :‬العقل‪ ،‬والبلوغ‪ ،‬اإلسالم‪ ،‬والحرية‪ ،‬العفة‪.‬‬
‫ومنها ما يجب توفره يف المقذوف به وهي‪ :‬التصريح بالزنا أو التعريض الظاهر‬
‫ويستوي يف ذلك القول والكتابة‪.‬‬
‫(( ( أخرجه البخاري كتاب الحدود باب رمي المحصنات (‪ .)6857‬ومسلم كتاب اإليمان باب بيان‬
‫الكبائر وأكربها (‪.)89‬‬
‫((( الملخص الفقهي (‪.)427/2‬‬
‫‪45‬‬
‫دراسة موضوعات سورة النور‬
‫ثان ًيا‪ :‬بم يثبت حد القذف؟‪:‬‬
‫يثبت الحد على القاذف بأحد أمرين‪:‬‬
‫‪ -1‬إقرار القاذف نفسه‪.‬‬
‫‪ -2‬أو بشهادة عدلين(((‪.‬‬
‫وهبذه األمور يكون ذلك التحريم الموجب للحد الذي سيأيت بيانه إنشاء اهلل‪.‬‬
‫ثال ًثا‪ :‬خطورة القذف‪:‬‬
‫إن اإلسالم يكره البذاءة وإشاعة الفاحشة بين المسلمين‪ ،‬ويربي أفراد األمة على‬
‫األدب وعفة اللسان‪ ،‬وذلك ألن إشاعة الفاحشة يف المجتمع المسلم تورث العداوات‬
‫بين أصحاب المجتمع‪ ،‬وتدنس صورة المجتمع بالكالم يف األعراض‪.‬‬
‫إن ترك األلسنة ُتلقي التهم على المحصنات بدون دليل قاطع؛ يرتك المجال‬
‫فسيحا لكل من شاء أن يقذف بريئة أو بريئا بتلك التُهمة النكراء‪ ،‬ف ُيصبح المجتمع‬
‫المسلم ويمسي وإذا أعراضه مجروحة‪ ،‬وسمعته ملوثة‪ ،‬وإذا كل فرد فيه متهم أو مهدد‬
‫شاك يف زوجته‪ ،‬وكل رج ٍل فيها شاك يف أصله‪ ،‬وكل ٍ‬
‫بيت‬ ‫باالهتام‪ ،‬وإذا كل زوج فيها ٍ‬

‫فيها مهد ٌد باالهنيار‪.‬‬


‫وأيضا فإن كثرة سماع التهم يف ارتكاب هذه الجريمة‪ :‬يوحي إلى الذين ال يفعلون‬
‫ً‬
‫أيضا على تلك‬ ‫ٌ‬
‫ملوث والجريمة منتشر ٌة فيه‪ ،‬ف ُيقدم هو ً‬ ‫هذه الجريمة أن جو المجتمع‬
‫كثيرا ممن حوله يعملوهنا‪.‬‬
‫الفعلة! وهتون يف نفسه بشاعتها‪ ،‬بكثرة تردادها‪ ،‬وشعوره أن ً‬
‫فلو كان المجتمع هبذا الوصف فهو مجتمع تسوء الحياة فيه‪ ،‬فهو يف اضطراب‬

‫((( هذا مختصر ما ذكره العلماء يف كتب الفقه‪ ،‬ولم أتوسع يف األحكام؛ لكثرة المسائل فيه‪ ،‬ولعدم‬
‫اإلطالة‪ ،‬ولالستزادة انظر‪ :‬فقه السنة (‪ ،)594-588/2‬والملخص الفقهي (‪ ،)428-427/2‬والمقنع‬
‫(‪ )359-348‬وغيرها من كتب الفقه‪.‬‬
‫‪46‬‬
‫ذقلا ميرحت ‪:‬يناثلا لصفلا‬ ‫وألا بابلا‬
‫وخوف دائم‪ ،‬كل واحد فيه ال يأمن أن يقذفه آخر‪ ،‬ثم قد ال يجد من يصدق أنه بريء‪.‬‬
‫ومن ثم قد ُت َجرأ من لم يفعل تلك الفاحشة على فعلها مع كثرة سماعه أن غيره‬
‫يفعلها‪ ،‬ويسهل على المجتمع أن يصدق مثل تلك اإلشاعات‪ ،‬وتلوك األلسن أعراض‬
‫المسلمين والمسلمات بال ثمن‪.‬‬
‫‪47‬‬
‫دراسة موضوعات سورة النور‬

‫‪ ‬املبحث الثاني‬
‫عقوبة القاذف‬

‫صيان ًة للمجتمع المسلم من أن يشيع فيه الحديث يف األعراض‪ ،‬وحماي ًة‬


‫ألصحاب األعراض من االهتامات التي قد يتهمون هبا شدد اهلل گ على أمر القذف‬
‫وجعل عقوبته قريبة من عقوبة الزنى‪ ،‬فقد جاءت هذه اآليات ببيان أحكام القذف‬
‫وعقوبة القاذف‪ .‬فأحكام القذف يف اآلية تدور حول قذف المحصنات وقذف الرجل‬
‫لزوجته‪ ،‬وبيان ذلك كما يأيت‪:‬‬

‫‪ ‬املطلب األول‬
‫عقوبة قذف احملصنات املؤمنات الغافالت‬

‫قال تعالى‪{ :‬ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ‬


‫ﮚ ﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟﮠ}‬
‫«هذه اآلية فيها بيان حكم جلد القاذف للمحصنة وهي الحرة البالغة العفيفة‪ ،‬وإن‬
‫كان المقذوف رجال فكذلك؛ يجلد قاذفه‪ ،‬فأما إن أقام القاذف بينة على صحة ما قال‪،‬‬
‫ُر َّد عنه الحد»(((‪ .‬ومن اآليات الكريمة يمكن أن نستنتج األحكام اآلتية‪:‬‬
‫أول‪ :‬العقوبة المترتبة على القذف‪:‬‬
‫اً‬
‫«القاذف‪ :‬المكلف المختار الذي ال يأيت ببينة على قذفه لعاقل بالغ مسلم حر‬
‫((( تفسير القرآن العظيم البن كثير (‪.)13/6‬‬
‫‪48‬‬
‫ذقلا ميرحت ‪:‬يناثلا لصفلا‬ ‫وألا بابلا‬
‫عفيف بالزنا أو اللواط»((( رتب الشارع عليه ثالث عقوبات‪:‬‬
‫‪- -‬أن يجلد ثمانين جلدة‪.‬‬
‫‪- -‬أن ال تقبل شهادته أبدا‪.‬‬
‫‪َ - -‬ح َكم اهلل عليه بالفسق‪.‬‬
‫ذكرا أو أنثى‪ ،‬وإنما خص النساء بالذكر لخصوص‬
‫«وال فرق بين كون المقذوف ً‬
‫الواقعة وألن قذف النساء أشنع وأغلب»(((‪.‬‬
‫والعقوبة األولى جسدية‪.‬‬
‫والثانية أدبية يف وسط المجتمع‪ ،‬ويكفي أن يهدر قول القاذف فال يؤخذ له بشهادة‪،‬‬
‫وأن يسقط اعتباره بين الناس ويمشي بينهم متهم ال يوثق له بكالم‪.‬‬
‫والثالثة دينية‪ :‬فهو منحرف عن اإليمان خارج عن طريقه المستقيم‪.‬‬
‫ثان ًيا‪ :‬القاذف الذي يأتي ببينة ترد عنه الحد‪:‬‬
‫ولكن ما هي الب ِّينة التي ترد الحد عن القاذف؟‬
‫الب ِّينة وهي كما ورد يف نص اآلية والحديث(((‪« :‬أن يأيت بأربعة شهداء‪ ،‬يصفون وقوع‬
‫حالة الزنا‪ -‬أو اللواط‪ .‬ألن الشهداء ينفون عنه صفة القذف‪ ،‬ويثبتون صدور الزنا‪.‬‬
‫أو‪ :‬إذا أقر المقذوف بالزنا‪ ،‬واعرتف بما رماه به القاذف‪.‬‬
‫ولكن‪ :‬إذا قذفت المرأة زوجها فإنه يقام عليها الحد إذا توفرت شروطه ولم تأت‬
‫(( ( الجامع ألحكام القرآن (‪ ،)173/12‬يف ذكر الشروط يف القاذف والمقذوف‪.‬‬
‫((( الملخص الفقهي (‪.)427/2‬‬
‫((( األثر عن عمر ﭬ يف قصة من شهدوا بمكة ولم يشهد الرابع‪ ،‬أخرجه الطحاوي يف شرح معاين‬
‫أيضا أهنم شهدوا عنده‪ .‬أخرجه الطرباين يف المعجم الكبير‬
‫اآلثار (‪ ،)5679( )153/2‬وقد ورد ً‬
‫(‪.)7227( )311/7‬‬
‫‪49‬‬
‫دراسة موضوعات سورة النور‬
‫ببينة‪ ،‬بخالف ما إذا قذفها هو ولم يقم عليها بينة‪ ،‬فإنه ال يقام عليه الحد‪ ،‬وإنما يتالعنان‬
‫كما سيأيت»(((‪.‬‬
‫ثال ًثا‪ :‬الحكمة من تشديد الب ِّينَة(((‪:‬‬
‫ولكن قد يأيت سؤال يعلق بالذهن وهو‪:‬‬
‫إن اهلل گ جعل إثبات الزنا صع ًبا وجعل بينته تكاد مستحيلة‪ ،‬فمعلوم أن الذي‬
‫يقرتف فاحشة مثل الزنا يكون يف غاية من التسرت‪ ،‬فشهود أربع على هذه العملية يف‬
‫وضوح تام قد ال يقع وال يحصل!! فما السبب يف هذا التشديد الكبير يف البينة؟‬
‫«السبب يف ذلك واهلل أعلم‪ :‬أن اهلل تعالى هو أهل التقوى وأهل المغفرة يعفوا‬
‫عن الذنب ويسرت العيب‪ ،‬فلو تساهل الشرع يف بينة الزنا لشاع القذف‪ ،‬وسهل على‬
‫البعض أن يكيدوا لآلخرين‪ ،‬ثم إن الذي ال يجاهر بالمعصية فيسرته اهلل تعالى ثم يتبع‬
‫السيئة الحسنة‪ ،‬فإن الذي سرته يف الدنيا هو أكرم من أن يفضحه يف اآلخرة‪ .‬إن المقصد‬
‫الجليل للشارع الحكيم هو‪ :‬أال تشيع الفاحشة وتظهر يف الشوارع‪ ،‬وتشيع على ألسنة‬
‫الناس؛ حتى تصبح شي ًئا مألو ًفا بينهم‪ ،‬فتهبط هبم إلى مستوى الحيوانات! وهذا هو‬
‫الذي ال يرضاه الشارع الحكيم»(((‪.‬‬
‫وكما أن العقوبة شديدة فألن تكون البينة عليها شديدة من باب أولى‪.‬‬
‫وألن الذي يفعل الزنا برؤية أربعة شهود له ووصف حالته هذا إنسان مجاهر‬
‫المعصية‪ ،‬ويندر أن يتوب منها‪ ،‬وضرره عام للجمع ألنه أظهره واقتدى به آخرون‪ ،‬أما‬
‫الذي يفعلها وهو متسرت فليس بمجاهر هبا‪ ،‬وربما يتوب إلى اهلل فيتوب اهلل عليه‪ ،‬واهلل‬
‫(( ( فقه السنة (‪.)598/2‬‬
‫((( سيأيت الحديث عن اإلشاعة وخطورهتا وأهمية التوثق يف األخبار‪ ،‬وسيتضح أمر التشديد يف البينة‬
‫من ذلك إنشاء اهلل‪ ،‬وما ُذكر إال إشارة فقط‪ ،‬واهلل أعلم‪.‬‬
‫((( من لطائف التفسير (‪ ،)411/2‬بتصرف‪.‬‬
‫‪50‬‬
‫ذقلا ميرحت ‪:‬يناثلا لصفلا‬ ‫وألا بابلا‬
‫تعالى أمرنا بعدم تتبع عورات أحد من المسلمين‪ ،‬ما لم يظهر سو ًءا أو يرتتب على‬
‫أفعاله سو ًءا‪.‬‬
‫راب ًعا‪ :‬التوبة من القذف‪:‬‬
‫قال تعالى‪{ :‬ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮬ}‪.‬‬
‫«التوبة يف هذا الموضع‪ ،‬أن يكذب القاذف نفسه‪ ،‬ويقر أنه كاذب فيما قال‪ ،‬وهو‬
‫واجب عليه أن يكذب نفسه ولو تيقن وقوعه حيث لم يأت بأربعة شهداء»(((‪ ،‬ألن‬
‫إعالن براءة المقذوف باعرتاف مباشر من القاذف يمحي أثر القذف‪ ،‬وال يقال‪ :‬إنه إنما‬
‫وقع الحد على القاذف لعدم كفاية األدلة أو أن االهتام ربما يكون صحيحا‪ ،‬وبذلك‬
‫يربأ العرض تماما‪.‬‬
‫نصوحا زال عن القاذف الفسق‪ ،‬وكذلك تقبل شهادته‬
‫ً‬ ‫فإذا حصل ذلك فتاب توبة‬
‫على الصحيح ألن االستثناء يف قوله تعالى‪{ :‬ﮡﮢ ﮣ} راجع إلى عدم قبول الشهادة‬
‫والتوبة يف قوله تعالى‪{ :‬ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟﮠ} فيشمل قبول‬
‫الشهادة والتوبة(((‪ ،‬فإن اهلل يغفر الذنوب جمي ًعا لمن تاب وأناب‪.‬‬

‫(( ( تيسير الكريم الرحمن للسعدي (ص‪.)510‬‬


‫((( وهذا رأي مالك والشافعي وأحمد والليث وعطاء وسفيان‪ ‬بن عيينة والشعبي وسالم والزهري‪.‬‬
‫وانظر‪ :‬فقه السنة (‪.)596/2‬‬
‫‪51‬‬
‫دراسة موضوعات سورة النور‬

‫‪ ‬املطلب الثاني‬
‫قذف الرجل زوجته‬

‫خاصا له أحواله وظروفه((( قال تعالى‪{ :‬ﮭ‬


‫جعل اهلل تعالى هذا القذف نو ًعا ً‬
‫ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠ‬
‫ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲﯳ ﯴ ﯵ‬
‫ﯶﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ‬
‫ﰈ ﰉ ﰊﰋ}‪.‬‬
‫«هذه اآلية الكريمة فيها فرج لألزواج وزيادة مخرج‪ ،‬وإذا قذف أحدهم زوجته‬
‫وتعسر عليه إقامة البينة‪ ،‬أن يالعنها كما أمر اهلل»(((‪ .‬ونجمل أحكام قذف الرجل زوجته‬
‫يف النقاط التالية‪:‬‬
‫أول‪ :‬سبب نزول اآليات‪:‬‬
‫اً‬
‫ورد يف السنة سبب نزول آيات اللعان‪ ،‬ففي البخاري عن ابن عباس ڤ‪ :‬أن‬
‫هالل‪ ‬بن أمية قذف امرأته عند رسول‪ ‬اهلل بشريك‪ ‬بن سحماء‪ .‬فقال النبي ﷺ‪« :‬البينة‪،‬‬
‫أو َحدٌّ يف ظهرك» فقال‪ :‬يا رسول‪ ‬اهلل إذا رأى أحدنا على امرأته رجل ينطلق يلتمس‬
‫البينة؟ فجعل النبي ﷺ يقول‪« :‬البينة‪ ،‬وإال َحدٌّ يف ظهرك»‪ ،‬فقال هالل‪ :‬والذي بعثك‬
‫بالحق إين لصادق‪ ،‬فلينزلن اهلل ما يربئ ظهري من الحد‪ .‬فنزل جربيل‪ ،‬وأنزل عليه‪:‬‬
‫{ﮭ ﮮ ﮯ} فقرأ حتى بلغ {ﯽ ﯾ ﯿ ﰀﰁ}‪ ،‬فانصرف النبي ﷺ‪،‬‬
‫(( ( كما صح بذلك الخرب يف سبب النزول لهذه اآليات‪.‬‬
‫((( تفسير القرآن العظيم البن كثير (‪.)14/6‬‬
‫‪52‬‬
‫ذقلا ميرحت ‪:‬يناثلا لصفلا‬ ‫وألا بابلا‬
‫فأرسل إليها‪ ،‬فجاء هالل فشهد والنبي ﷺ يقول‪ :‬إن اهلل يعلم أن أحدكما لكاذب‪ ،‬فهل‬
‫منكما تائب؟ ثم قامت فشهدت! فلما كانت عند الخامسة وقفوها‪ ،‬وقالوا‪ :‬إهنا موجبة‬
‫‪-‬قال ابن عباس‪ :‬فتلكأت ونكصت حتى ظننا أهنا ترجع‪ -‬ثم قالت‪ :‬ال أفضح قومي‬
‫سائر اليوم‪ ،‬فمضت‪ .‬فقال النبي ﷺ‪ :‬أبصروها؛ فإن جاءت به أكحل العينين‪ ،‬سابغ‬
‫اإلليتين‪ ،‬خدلج الساقين‪ ،‬فهو لشريك‪ ‬بن سحماء! فجاءت به كذلك‪ ،‬فقال النبي ﷺ‪:‬‬
‫«لوال ما مضى من كتاب اهلل لكان لي ولها شأن»(((‪.‬‬
‫ثان ًيا‪ :‬ما هو اللعان‪:‬‬
‫«اللعان مأخوذ من اللعن ألن المالعن يقول يف الخامسة‪ :‬أن لعنة اهلل عليه إن كان‬
‫من الكاذبين»(((‪.‬‬
‫ثال ًثا‪ :‬كيفية اللعان‪:‬‬
‫أن يحلف الرجل الذي رمى زوجته أمام القاضي‪ -‬أو من يقوم مقامه‪ -‬أربع مرات‬
‫إنه لمن الصادقين‪ ،‬والخامسة أن لعنة اهلل عليه إن كان من الكاذبين‪ ،‬وأن تحلف المرأة‬
‫لتكذب زوجها يف رميها بالزنا أربع مرات إنه لمن الكاذبين‪ ،‬والخامسة أن غضب اهلل‬
‫عليها إن كان من الصادقين‪ .‬وذلك كما ورد يف اآلية‪.‬‬
‫راب ًعا‪ :‬لماذا خصصت المرأة بالغضب إن كان زوجها صاد ًقا‪:‬‬
‫والحكمة يف تخصيص المرأة بالغضب من اهلل إن كان زوجها صاد ًقا‪« :‬ألن الغالب‬
‫أن الرجل ال يتجشم فضيحة أهله ورميها بالزنا إال وهو صادق معذور‪ ،‬وهي تعلم‬
‫صدقه فيما رماها به‪ ،‬ولهذا كانت الخامسة يف حقها أن غضب اهلل عليها‪ ،‬فالمغضوب‬
‫((( أخرجه البخاري كتاب التفسير باب قول اهلل تعالى {ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲﯳ ﯴ ﯵ‬
‫ﯶﯷ} (‪ .)4747‬ولمزيد من معرفة أحكام الحديث انظر فتح الباري (‪.)305-304/8‬‬
‫((( فقه السنة (‪.)459/2‬‬
‫‪53‬‬
‫دراسة موضوعات سورة النور‬
‫عليه هو الذي يعلم الحق ثم يحيد عنه»(((‪.‬‬
‫خامسا‪ :‬وماذا بعد اللعان‪:‬‬
‫ً‬
‫«إذا تالعن الزوجان يفرق بينهما‪ ،‬فال يجتمعان أبدا وال يتوارثان‪ ،‬وال يحل له‬
‫مراجعتها أبدا»(((‪ ،‬فال رجعة وال نكاح جديد مهما كان الحال فيصبح تحريمها عليه‬
‫تحريما مؤبدً ا‪.‬‬
‫ً‬
‫سادسا‪ :‬ختام هذا البيان‪:‬‬
‫ً‬
‫ثم قال تعالى يف ختام هذا البيان‪{ :‬ﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋ}‪.‬‬
‫«أي‪ :‬من رحمته سبحانه وفضله وحكمته ثبوت هذا الحكم الخاص بالزوجين‬
‫لشدة الحاجة إليه‪ ،‬وأن بين لكم شدة الزنا وفظاعته‪ ،‬وفظاعة القذف به‪ ،‬والتشديد على‬
‫البينة فيه‪ ،‬وأيضا أن شرع لكم التوبة من هذه الكبائر ونحوها»(((‪.‬‬
‫وهبذا تتضح صورة أحكام القذف والزنا‪ ،‬ولكن ال يزال الحديث عن حفظ‬
‫األعراض كما سيأيت بمشيئة اهلل يف الفصل التالي‪.‬‬

‫(( ( تفسير القرآن العظيم البن كثير (‪.)15/6‬‬


‫((( الجامع ألحكام القرآن (‪ .)193/12‬هذا ما عليه جمهور العلماء ولكن الخالف يف الوقت الذي‬
‫يفرتقان فيه وقد أورد صاحب الجامع ألحكام القرآن أقوال األئمة يف ذلك فلالستزادة يرجع إليه‪:‬‬
‫(‪.)193/12‬‬
‫((( تيسير الكريم الرحمن للسعدي (ص‪.)511‬‬
‫‪54‬‬
‫اعئاشلا نم ملسملا فقوم ‪:‬ثلاثلا لصفلا‬ ‫وألا بابلا‬

‫‪ ‬الفصل الثالث‬
‫الفصل الثالث‪ :‬موقف املسلم من الشائعات‬ ‫موقف املسلم من الشائعات‬
‫‪ ‬املبحث األول‬
‫حادثة اإلفك مثال تطبيقي‬

‫قال تعالى‪{ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ ﭢ ﭣ‬


‫ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ‬
‫ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃﮄ ﮅ ﮆ ﮇ‬ ‫ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ‬
‫ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ‬
‫ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ‬
‫ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ‬
‫ﯞﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭﯮ ﯯ ﯰ‬
‫ﯱﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁﰂ‬
‫ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑﰒ ﭒ‬
‫ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ‬
‫ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲﭳ ﭴ ﭵ ﭶﭷ ﭸ ﭹ ﭺ‬
‫ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆﮇ ﮈ ﮉﮊ ﮋ‬
‫ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐﮑ ﮒ ﮓ ﮔﮕ}‪.‬‬
‫بعد االنتهاء من الحديث عن القذف يورد اهلل گ اً‬
‫مثال تطبيق ًيا للقذف يبين األثر‬
‫لتلك االهتامات على الفرد والمجتمع‪ ،‬فهذه االهتامات تسري بين الناس ويتحدث‬
‫‪55‬‬
‫دراسة موضوعات سورة النور‬
‫الناس هبا وهم ال يعرفون ما وراء هذه اإلشاعة من أخطار هتدد الفرد نفسه‪ ،‬وهتدد‬
‫المجتمع كله‪ .‬فكم أقلقت اإلشاعـة مـن أبرياء‪ ،‬وحطمت من عظماء‪ ،‬وهدمت‬
‫عالقات‪ ،‬وتسببت يف جرائم‪ ،‬وفككت من عالقـات وصداقات‪ ،‬وكم هزمت من‬
‫جيوش‪ ،‬وأخرت من سير أقوام؟!‪.‬‬
‫فهذا النموذج يكشف شناعة الجرم وبشاعته وهو يتناول بيت النبوة الطاهر‪،‬‬
‫وعرض رسول‪ ‬اهلل ﷺ‪ ،‬وعرض صديقه الصدِّ يق أبى بكر ﭬ‪ ،‬وعرض ابنة الصدِّ يق‬
‫وأم المؤمنين عائشة ڤ‪ ،‬وصحابي من خيرة الصحابة وهو صفوان‪ ‬بن معطل ﭬ‪.‬‬
‫حادث اإلفك ك َّلف أطهر النفوس يف تاريخ البشرية كلها آال ًما‪ ،‬وك َّلف األمة‬
‫المسلمة تجرب ًة من أشق التجارب يف تاريخها‪ ،‬وع َّلق قلب رسول‪ ‬اهلل ﷺ وقلب‬
‫زوجته عائشة وقلب أبي بكر وقلب صفوان‪ ‬بن معطل ﭫ شهرا كامال‪ ،‬ع َّلقها بحبال‬
‫الشك والقلق واأللم الذي ال يطاق‪.‬‬
‫سنتعرض لهذه الحادثة لنعرف شناعة هذه اإلشاعات التي تتعلق باألعراض‬
‫ومدى تأثيرها على األفراد المتهمين فيها‪ ،‬ومدي تأثيرها على المجتمع ككل‪ ،‬ثم‬
‫نعرف ما هو الموقف الصحيح من هذه االفرتاءات‪.‬‬
‫وقبل الدخول يف هذا كله نريد أن نعرف القصة بكاملها على لسان صاحبة القصة‬
‫والمتهمة الربيئة األولى‪ ،‬فيها أال وهي السيدة عائشة ڤ‪ ،‬وذلك يف المبحث التالي‪:‬‬
‫‪56‬‬
‫اعئاشلا نم ملسملا فقوم ‪:‬ثلاثلا لصفلا‬ ‫وألا بابلا‬

‫‪ ‬املبحث الثاني‬
‫سرد رواية القصة‬

‫عن عائشة ڤ قالت‪ :‬كان رسول‪ ‬اهلل ﷺ إذا أراد سفرا أقرع بين نسائه‪ ،‬فأ َّيت ُُه َّن‬
‫خرج سهمها خرج هبا معه؛ وإنه أقرع بيننا يف غزاة فخرج سهمي‪ ،‬فخرجت معه بعد ما‬
‫أنزل الحجاب‪ ،‬وأنا ُأحمل يف هودج‪ ،‬وأنزل فيه‪ .‬فسرنا حتى إذا فرغ رسول‪ ‬اهلل ﷺ من‬
‫غزوته تلك‪ ،‬وقفل‪ ،‬ودنونا من المدينة آذن ليلة بالرحيل؛ فقمت حين آذنوا بالرحيل‪،‬‬
‫حتى جاوزت الجيش‪ .‬فلما قضيت من شأين((( أقبلت إلى الرحل‪ ،‬فلمست صدري‪ ،‬فإذا‬
‫عقد لي من جزع أظفار((( قد انقطع‪ ،‬فرجعت فالتمسته فحبسني ابتغاؤه؛ وأقبل الرهط‬
‫الذين كانوا يرحلونني‪ ،‬فاحتملوا هودجي(((‪ ،‬فرحلوه على بعيري‪ ،‬وهم يحسبون أين‬
‫فيه؛ وكان النساء إذ ذاك خفا ًفا لم ُيثقله َّن اللحم؛ وإنما نأكل العلقة من الطعام؛ فلم‬
‫يستنكر القوم حين رفعوه خفة الهودج‪ ،‬فحملوه؛ وكنت جارية حديثة السن؛ فبعثوا‬
‫الجمل وساروا‪ ،‬فوجدت عقدي‪ ،‬بعدما استمر الجيش‪ ،‬فجئت منزلهم‪ ،‬وليس فيه أحد‬
‫إلي‪.‬‬
‫منهم‪ ،‬فتيممت منزلي الذي كنت فيه‪ ،‬وظننت أهنم سيفقدونني فيرجعون َّ‬
‫فبينما أنا جالسة غلبتني عيناين فنمت‪ ،‬وكان صفوان‪ ‬بن المعطل السلمي ثم‬
‫((( من شأين‪ :‬أي من قضاء الحاجة‪ ،‬فتح الباري (‪.)313/7‬‬
‫((( جزع أظفار‪ :‬أي أن عقدها كان من أنواع القسط وهو طيب الرائحة يتبخر به‪ ،‬فلعله عمل مثل الخرز‬
‫تشبيها به‪ ،‬ونظمته قالدة إما لحسن لونه أو طيب ريحه‪ .‬الفتح (‪.)313/7‬‬
‫ً‬ ‫فأطلقت عليه جز ًعا‬
‫((( هودجي‪ :‬الهودج محمل له قبة تسرت بالثياب ونحوه‪ ،‬يوضع على ظهر البعير يركب عليه النساء‬
‫ليسرتهم‪ .‬الفتح (‪.)312/7‬‬
‫‪57‬‬
‫دراسة موضوعات سورة النور‬
‫الذكواين قد عرس((( وراء الجيش‪ ،‬فأدلج(((‪ ،‬فأصبح عند منزلي؛ فرأى سواد إنسان‬
‫نائم‪ ،‬فأتاين فعرفني حين رآين‪ .‬وكان يراين قبل الحجاب‪ .‬فاستيقظت باسرتجاعه حين‬
‫عرفني‪ ،‬فخمرت وجهي بجلبابي؛ واهلل ما يكلمني بكلمة‪ ،‬وال سمعت منه كلمة غير‬
‫اسرتجاعه؛ وهوى حتى أناخ راحلته‪ ،‬فوطئ ء على يديها‪ ،‬فركبتها‪ ،‬فانطلق يقود بي‬
‫الراحلة‪ ،‬حتى أتينا الجيش‪ ،‬بعد ما نزلوا معرسين‪.‬‬
‫قالت‪ :‬فهلك يف شأين من هلك‪ ،‬وكان الذي تولى كرب اإلثم عبداهلل‪ ‬بن أبي‪ ‬بن‬
‫شهرا؛ والناس يفيضون يف قول أصحاب اإلفك‬
‫سلول؛ فقدمنا المدينة‪ ،‬فاشتكيت هبا ً‬
‫وال أشعر‪ .‬وهو يريبني يف وجعي أين ال أرى من النبي ﷺ اللطف الذي كنت أرى‬
‫منه حين أشتكي‪ ،‬إنما يدخل فيسلم ثم يقول‪ :‬كيف تيكم؟ ثم ينصرف‪ .‬فذلك الذي‬
‫(((‬
‫يريبني منه‪ ،‬وال أشعر بالشر حتى َن َق ْه ُت(((‪ ،‬فخرجت أنا وأم مسطح قِ َبل المناصع‬
‫وهو مترب َُزنا‪ ،‬وكنا ال نخرج إال اً‬
‫ليل إلى ليلٍ‪ ،‬وذلك قبل أن نتخذ الكنف(((‪ ،‬وأمرنا‬
‫أمر العرب األول يف التربز قبل الغائط‪ .‬فأقبلت أنا وأم مسطح ‪ -‬وهي ابنة أبي رهم‪ ‬بن‬
‫المطلب‪ ‬بن عبد مناف وأمها بنت صخر‪ ‬بن عامر خالة أبي بكر الصديق ﭬ‪ ،‬وابنها‬
‫مسطح‪ ‬بن أثاثه‪ ‬بن ع َّباد‪ ‬بن المطلب ‪ -‬حين فرغنا من شأننا نمشي‪ .‬فعثرت أم مسطح‬
‫يف مرطها فقالت‪ :‬تعس مسطح! فقلت لها‪ :‬بئسما قلت‪ :‬أتسبين رجال شهد بدرا؟‬
‫فقالت‪ :‬يا هنتاه((( ألم تسمعي ما قال؟ فقلت‪ :‬وما قال؟ فأخربتني بقول أهل اإلفك‪،‬‬
‫عرس‪ :‬التعريس هو النزول ليلاً‪ ،‬والمراد هنا‪ :‬أنه نزل يتتبع أثر الجيش فمن سقط له شيء أتاه به‪.‬‬ ‫((( ‬
‫الفتح (‪.)316/7‬‬
‫فأدلج‪ :‬أي سار يف آخر الليل‪ ،‬وكأنه تأخر يف مكانه حتى قرب الصبح فركب ليظهر له ما سقط من‬ ‫((( ‬
‫القوم‪ .‬الفتح (‪.)316/7‬‬
‫نقهت والنقاهة؛ أي‪ :‬الذي أفاق من مرضه ولم تتكامل صحته‪ .‬الفتح (‪.)320/7‬‬ ‫(( (‬
‫قِ َبل المناصع‪ :‬أي جهتها‪ ،‬والمناصع‪ :‬صعيد أفيح خارج المدينة‪ .‬الفتح (‪.)320/7‬‬ ‫((( ‬
‫الكنف‪ :‬أماكن مغلقة لقضاء الحاجة‪ ،‬وهي يف الوقت الحاضر تسمى (دورات المياه)‪.‬‬ ‫((( ‬
‫هنتاه‪ :‬حرف نداء للبعيد وقد يستعمل للقريب حيث ينزل منزلة البعيد‪ ،‬وهنا أم مسطح نسبت عائشة‬ ‫((( ‬
‫‪58‬‬
‫اعئاشلا نم ملسملا فقوم ‪:‬ثلاثلا لصفلا‬ ‫وألا بابلا‬
‫مرضا إلى مرضي‪ .‬فلما رجعت إلى بيتي دخل رسول‪ ‬اهلل ﷺ فقال‪ :‬كيف‬ ‫فاز ّدت ً‬
‫تيكم؟ فقلت‪ :‬ائذن لي أن آيت َأ َب َو َّي‪ .‬وأنا حينئذ أريد أن أستيقن الخرب من قبلهما‪ .‬فأذن‬
‫لي‪ ،‬فأتيت َأ َب َو َّي‪ ،‬فقلت ألمي‪ :‬يا أمتاه ماذا يتحدث الناس به؟ فقالت‪ :‬يا بنَ َّية هوين‬
‫على نفسك الشأن‪ ،‬فواهلل لق َّلما كانت امرأة قط وضيئ ًة عند رج ٍل يح ُّبها ولها ضرائر إال‬
‫أكثرن عليها‪ .‬فقلت‪ :‬سبحان اهلل! ولقد تحدث الناس هبذا!! قالت‪ :‬فبكيت تلك الليلة‬
‫حتى أصبحت ال يرقأ لي دمع وال أكتحل بنوم‪ ،‬ثم أصبحت أبكي‪.‬‬
‫فدعا رسول‪ ‬اهلل ﷺ علي‪ ‬بن أبي طالب وأسامة‪ ‬بن زيد ﭭ حين استلبث الوحي‬
‫يستشيرهما يف فراق أهله‪ .‬قالت‪ :‬فأما أسامة فأشار عليه بما يعلم من براءة أهله‪ ،‬وبالذي‬
‫يعلم يف نفسه من الود لهم‪ .‬فقال أسامة‪ :‬هم أهلك يا رسول‪ ‬اهلل‪ ،‬وال نعلم واهلل إال خيرا‪.‬‬
‫وأما علي‪ ‬بن أبي طالب فقال‪ :‬يا رسول‪ ‬اهلل لم يضيق اهلل عليك‪ ،‬والنساء سواها كثير‪،‬‬
‫وسل الجارية تخربك‪ .‬قالت‪ :‬فدعا رسول‪ ‬اهلل ﷺ بريرة‪ ،‬فقال لها‪ :‬أي بريرة‪ ،‬هل رأيت‬
‫أمرا أغمصه عليها‬
‫فيها شيئا يريبك؟ فقالت‪ :‬ال والذي بعثك بالحق نب ًيا‪ ،‬إن رأيت منها ً‬
‫أكثر من أهنا جاري ٌة حديثة السن تنام عن عجين أهلها‪ ،‬فتأيت الداجن فتأكله‪.‬‬
‫قالت‪ :‬فقام رسول‪ ‬اهلل ﷺ من يومه‪ ،‬واستعذر من عبداهلل‪ ‬بن أبي‪ ‬بن سلول‪ .‬فقال‬
‫وهو على المنرب‪ :‬من يعذرين من رجل بلغني أذاه يف أهلي؟ فواهلل ما علمت على أهلي‬
‫خيرا‪ .‬ولقد ذكروا رجال ما علمت عليه إال خيرا‪ ،‬وما كان يدخل على أهلي إال‬
‫إال ً‬
‫معي‪ .‬قالت‪ :‬فقام سعد‪ ‬بن معاذ ﭬ فقال‪ :‬يا رسول‪ ‬اهلل أنا واهلل أعذرك منه‪ .‬إن كان‬
‫من األوس ضربنا عنقه‪ ،‬وإن كان من إخواننا من الخزرج أمرتنا ففعلنا فيه أمرك‪ .‬فقام‬
‫سعد‪ ‬بن عبادة ﭬ وهو سيد الخزرج‪ ،‬وكان رجال صالحا ولكن أخذته الحمية‪ .‬فقال‬
‫لسعد‪ ‬بن معاذ‪ :‬كذبت لعمر اهلل‪ ،‬ال تقتله وال تقدر على ذلك‪ .‬فقام أسيد‪ ‬بن حضير‬
‫ﭬ وهو ابن عم سعد‪ ‬بن معاذ فقال لسعد‪ ‬بن عبادة‪ :‬كذبت ‪ -‬لعمر اهلل ‪ -‬لنقتلنَّه‪،‬‬
‫إلى الغفلة عما قيل فيها فخاطبتها خطاب البعيد‪ .‬فتح الباري (‪.)322/7‬‬
‫‪59‬‬
‫دراسة موضوعات سورة النور‬
‫فإنك منافق تجادل عن المنافقين‪ .‬فثار الحيان ‪ -‬األوس والخزرج ‪ -‬حتى هموا أن‬
‫يقتتلوا‪ ،‬ورسول‪ ‬اهلل ﷺ على المنرب‪ ،‬فلم يزل يخفضهم حتى سكتوا ونزل‪.‬‬
‫وبكيت يومي ذلك ال يرقأ لي دمع‪ ،‬وال أكتحل بنوم‪ .‬ثم بكيت ليلتي المقبلة ال‬
‫يرقأ لي دمع وال أكتحل بنوم‪ .‬فأصبح أبواي عندي‪ ،‬وقد بكيت ليلتين ويو ًما‪ ،‬حتى‬
‫أظن أن البكاء فالق كبدي‪ .‬فبينما هما جالسان عندي وأنا أبكي إذ استأذنت امرأة من‬
‫األنصار‪ ،‬فأذنت لها‪ ،‬فجلست تبكي معي‪.‬‬
‫فبينما نحن كذلك إذ دخل علينا رسول‪ ‬اهلل ﷺ‪ ،‬ثم جلس‪ ،‬ولم يجلس عندي‬
‫من يوم قيل يف ما قيل قبلها‪ ،‬وقد مكث شهرا ال يوحى إليه يف شأين بشيء‪ ،‬فتشهد حين‬
‫جلس‪ ،‬ثم قال‪ :‬أما بعد فإنه بلغني عنك كذا وكذا‪ .‬فإن كنت بريئة فسيربئك اهلل تعالى‪،‬‬
‫وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري اهلل تعالى وتوبي إليه‪ ،‬فإن العبد إذا اعرتف بذنبه‬
‫ثم تاب‪ ،‬تاب اهلل تعالى عليه‪ .‬فلما قضى رسول‪ ‬اهلل ﷺ مقالته قلص((( دمعي حتى ما‬
‫أحس منه بقطرة‪ .‬فقلت ألبي‪ :‬أجب عني رسول‪ ‬اهلل ﷺ فيما قال‪ .‬قال‪ :‬واهلل ما أدري‬
‫ما أقول لرسول‪ ‬اهلل ﷺ‪ .‬فقلت ألمي‪ :‬أجيبي عني رسول‪ ‬اهلل ﷺ فيما قال‪ .‬قالت‪ :‬واهلل‬
‫ما أدري ما أقول لرسول‪ ‬اهلل لرسول‪ ‬اهلل ﷺ‪ .‬قالت‪ :‬وأنا جارية حديثة السن ال أقرأ‬
‫كثيرا من القرآن‪ .‬فقلت‪ :‬إين واهلل أعلم أنكم سمعتم حديثا تحدث الناس به‪ ،‬واستقر يف‬
‫نفوسكم‪ ،‬وصدقتم به‪ .‬فلئن قلت لكم‪ :‬إين بريئة ال تصدقوين بذلك‪ .‬ولئن اعرتفت لكم‬
‫بأمر واهلل يعلم أين منه بريئة‪ ،‬لتصدقنني‪ .‬فواهلل مما أجد لي ولكم مثال إال أبا يوسف إذ‬
‫قال‪{ :‬ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑﮒ} [سورة‪ ‬يوسف‪.]18 ‬‬
‫ثم تحولت فاضطجعت على فراشي‪ ،‬وأنا واهلل حينئذ أعلم أين بريئة‪ ،‬وأن اهلل‬
‫تعالى مربئي برباءيت‪ .‬ولكن واهلل ما كنت أظن أن ينزل اهلل تعالى يف شأين وحيا يتلى؛‬

‫((( قلص دمعي‪ :‬أي انقطع‪ ،‬قال القرطبي‪ :‬إن الحزن والغضب إذا أخذ أحدها فقد الدمع لفرط حرارة‬
‫المصيبة‪ .‬الفتح (‪.)332/7‬‬
‫‪60‬‬
‫اعئاشلا نم ملسملا فقوم ‪:‬ثلاثلا لصفلا‬ ‫وألا بابلا‬
‫ولشأين يف نفسي كان أحقر من أن يتكلم اهلل تعالى يف بأمر يتلى؛ ولكن كنت أرجو‬
‫أن يرى رسول‪ ‬اهلل ﷺ يف النوم رؤيا يربئني اهلل تعالى هبا‪ .‬فواهلل ما رام((( مجلسه‪ ،‬وال‬
‫خرج أحد من أهل البيت‪ ،‬حتى أنزل اهلل تعالى على نبيه ﷺ فأخذه ما كان يأخذه من‬
‫الربحاء(((‪ ،‬فسري عنه(((‪ ،‬وهو يضحك‪ ،‬فكان أول كلمة تكلم هبا أن قال لي‪ :‬يا عائشة‬
‫احمدي اهلل تعالى فإنه قد برأك‪ .‬فقالت لي أمي‪ :‬قومي إلى رسول‪ ‬اهلل ﷺ فقلت‪ :‬واهلل‬
‫ال أقوم إليه‪ ،‬وال أحمد إال اهلل تعالى‪ ،‬هو الذي أنزل براءيت فأنزل اهلل تعالى‪{ :‬ﭑ ﭒ‬
‫ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ‪ }...‬العشر اآليات‪.‬‬
‫فلما أنزل اهلل تعالى هذا يف براءيت قال أبو بكر الصديق ﭬ وكان ينفق على‬
‫مسطح‪ ‬بن أثاثه لقرابته منه وفقره‪ :‬واهلل ال أنفق على مسطح شيئا أبدا بعد ما قال لعائشة‬
‫ڤ فأنزل اهلل تعالى‪{ :‬ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ‬
‫ﮃ ﮄ ﮅ ﮆﮇ ﮈ ﮉﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐﮑ ﮒ ﮓ ﮔﮕ}‬
‫فقال أبو بكر ﭬ بلى واهلل إين ألحب أن يغفر اهلل لي‪ ،‬فرجع إلى مسطح النفقة التي‬
‫كان يجري عليه‪ ،‬وقال‪ :‬واهلل ال أنزعها منه أبدً ا‪.‬‬
‫قالت عائشة ڤ‪ :‬وكان رسول‪ ‬اهلل ﷺ سأل زينب بنت جحش عن أمري‪،‬‬
‫خيرا‪ .‬وهي التي‬
‫فقالت‪ :‬يا رسول‪ ‬اهلل أحمي سمعي وبصري‪ ،‬واهلل ما علمت عليها إال ً‬
‫كانت تساميني((( من أزواج النبي ﷺ فعصمها اهلل تعالى بالورع‪ .‬قالت‪ :‬فطفقت أختها‬
‫حمنة تحارب لها‪ ،‬فهلكت فيمن هلك من أصحاب اإلفك»(((‪.‬‬

‫ما رام‪ ،‬رام‪ :‬فارق‪ ،‬والمعنى ما فارق مجلسه‪ .‬الفتح (‪.)333/7‬‬ ‫(( (‬
‫دائما‪ .‬الفتح (‪.)334/7‬‬
‫الربحاء‪ :‬شدة الحر وقيل شدة الحمى وقيل شدة الكرب ويكون عنده العرق ً‬ ‫((( ‬
‫سري عنه‪ :‬أي كشف‪ ،‬الفتح (‪.)334/7‬‬ ‫((( ‬
‫تساميني أي‪ :‬تعاليني من السمو والعلو واالرتفاع‪ ،‬أي تطلب من العلو والرفعة والحظوة عند النبي‬ ‫((( ‬
‫ﷺ ما أطلب‪ .‬الفتح (‪.)336/7‬‬
‫أخرجه البخاري كتاب التفسير باب {ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ (} (‪ .)4750‬ومسلم‬ ‫((( ‬
‫كتاب التوبة باب يف حديث اإلفك وقبول توبة القاذف (‪.)2770‬‬
‫‪61‬‬
‫دراسة موضوعات سورة النور‬

‫‪ ‬املبحث الثالث‬
‫من فوائد احلادثة‬

‫وبعد هذا العرض األليم لتلك القصة لسـنا مبالغين حين نقول إن ما واجهه‬
‫عظيم يف تاريخ البعثة والرسالة‪ ،‬فلم ُيمكر‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫حـدث‬ ‫النبي ﷺ يف حديث اإلفك؛ هو‬
‫ٍ‬
‫مختلقة أظهر‬ ‫ٍ‬
‫وإشاعة‬ ‫بالمسلمين مكر أشد من تلك الواقعة‪ ،‬فهي ليست مجرد ٍ‬
‫فرية‬ ‫ٌ‬
‫اهلل كذهبا‪ ،‬لكنها لوال عناية اهلل كانت قادر ًة على أن تعصف باألخضر واليابس‪ ،‬وال‬
‫كامل وهو‬‫شهرا اً‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫نفس مستقرة مطمئنة‪ ،‬ولقد مكث مجتمع المدينة بأكمله ً‬ ‫تبقي على‬
‫يصطلي نار تلك الفرية‪ ،‬ويتعذب ضميره وتعصره اإلشاعة الهوجاء‪ ،‬حتى نزل الوحي‬
‫درسا تربو ًيا رائ ًعا لذلك المجتمع‪ ،‬ولكل‬
‫اإللهي ليضع حدً ا لتلك المأساة‪ .‬وليكون ً‬
‫مجتمع مسلم إلى قيام الساعة‪ ،‬وصدق اهلل‪{ :‬ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ}‪.‬‬
‫وما كان حديث اإلفك رمي ًة لعائشة ڤ وحدها‪ ،‬وإنما كان رمي ًة للعقيدة يف‬
‫شخص نبيها ﷺ‪ ،‬من أجل ذلك ُأنزل القرآن ليكون الجواب كش ًفا للمعركة ضد‬
‫اإلسالم ورسول اإلسالم‪ ،‬ويكشف الحكمة الر َّبان َّية وراء ذلك كله‪.‬‬
‫قال تعالى‪{ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ ﭢ ﭣ‬
‫ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰﭱ}‪.‬‬
‫فيخاطب اهلل تعالى المؤمنين يخربهم أن الذين جاءوا باإلفك وهو‪ :‬الكذب‬
‫والبهت واالفرتاء((( على السيدة عائشة ڤ إنما هم جماعة منكم ‪ -‬يف الظاهر‪ -‬فهم‬
‫ليسوا فر ًدا واحدً ا؛ بل جماعة مجتمعة ذات هدف واحد وهو تشويه اإلسالم وقيادته‪،‬‬
‫((( تفسير القرآن العظيم البن كثير (‪.)25/6‬‬
‫‪62‬‬
‫اعئاشلا نم ملسملا فقوم ‪:‬ثلاثلا لصفلا‬ ‫وألا بابلا‬
‫عن جهل أو عمد منهم‪ ،‬فمستوياهتم يف المساومة يف هذا اإلفك متفاوتة‪.‬‬
‫شهرا يف خالل وقوع هذه الفرية قد«اقتضى‬
‫وإن انقطاع الوحي عن رسول‪ ‬اهلل ﷺ ً‬
‫تمام االمتحان واالبتالء أن حبس عن رسول‪ ‬اهلل الوحي شهرا يف شأهنا ال يوحي إليه يف‬
‫ذلك شيء وذلك ليزداد المؤمنون الصادقون إيمانًا وثبا ًتا على العدل والصدق وحسن‬
‫الظن باهلل ورسوله وأهل بيت الرسول والصادقين من عباده‪ ،‬ويزداد المنافقون إف ًكا‬
‫ونفاقا‪ ،‬ويظهر لرسول‪ ‬اهلل سرائرهم‪ ،‬ولتتم العبودية من الصديقة وأبوها من االفتقار هلل‬
‫والذل له وحسن الظن به»‬
‫(((‬

‫ِ‬
‫محضا‪{ :‬ﭘ ﭙ‬‫شرا ً‬ ‫ولكي ُي َط ْمئن اهلل تعالى عباده المؤمنين أن هذا اإلفك ليس ً‬
‫خير لكم يف الدنيا واآلخرة يف حقيقته ومآله‪ ،‬فقد كشف‬
‫ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ}‪ ،‬فهو ٌ‬
‫اهلل لكم هبذه الحادثة األيدي الخفية التي تريد زعزعة الدين اإلسالمي يف القلوب؛‬
‫بالتشكيك يف بيت النبوة وأهل بيت النبي بإثارة اإلشاعات ونقلها بين الناس‪ ،‬وكشفت‬
‫لكم أثر تساهل الناس يف نقل الشائعات‪.‬‬
‫أيضا يف هذه الحادثة أهنا ن َّبهت على أهمية تحريم القذف‪ ،‬ومدى األخطار‬
‫ومن الخير ً‬
‫التي ستلحق باألمة المسلمة لو تركت كل من يريد أن يرمي أحدً ا بمثل هذا الرمي‪.‬‬
‫وفصلت يف أهمية وقيمة إقامة الحدِّ على القذف‪ ،‬وبيان الوعيد الشديد يف اآلخرة‬
‫َّ‬
‫على الذي يريد إشاعة الفاحشة بين المسلمين‪.‬‬
‫وهي تعطي منهجا للمؤمنين فيما يعملونه تجاه هذه اإلشاعات كما سيأيت بيانه‪.‬‬
‫ويف هذه الحادثة تنبيه على العذاب األخروي؛ الذي سيلحق تلك الفئة التي‬
‫أرادت النيل من بيت النبوة‪ ،‬أو التي تريد أن تنال من كل بيت مسلم آمن‪.‬‬
‫ٌ‬
‫وشامل‪-‬‬ ‫مطلق‬
‫ٌ‬ ‫ومن اللطف تعبير الباري عن الخير الحاصل هبذه الحادثة‪ :‬بأنه‬
‫((( زاد المعاد (‪ ،)262-261/3‬بتصرف‪.‬‬
‫‪63‬‬
‫دراسة موضوعات سورة النور‬
‫شرا‪ ،‬وإن كان ظاهره االبتالء واالمتحان للمؤمنين‪ ،‬لصعوبة األمر‬
‫خير وليس ً‬
‫فهو ٌ‬
‫ومشقته على النفس‪ ،‬وقوة القرار يف اتخاذ الموقف الصحيح‪{ :‬ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ‬
‫ﭷ ﭸ ﭹ} فسبحان من هذا شرعه وهذه حكمته‪.‬‬
‫قال تعالى مبينًا تفصيل الجملة السابقة‪{ :‬ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ}‪« :‬أي‬
‫لكل من تكلم يف هذه القضية ورمى أم المؤمنين بشيء من الفاحشة نصيب عظيم من‬
‫اإلثم»(((‪ .‬فالذي قام بنشر الخرب بين الناس هم المنافقون وعلى رأسهم عبداهلل‪ ‬بن‬
‫أبي‪ ‬بن سلول فهو المدبر األول لتلك الفرية‪.‬‬
‫وقد شارك معهم ثالثة من الصحابة وقد عاقبهم رسول‪ ‬اهلل ﷺ بإقامة الحد عليهم‬
‫تطهيرا لهم من ذلك اإلثم الذي لحقهم‪ ،‬وهم‪( :‬حسان‪ ‬بن ثابت‪ ،‬ومسطح‪ ‬بن أثاثة‪،‬‬
‫وحمنة بنت جحش)((( ﭫ‪.‬‬
‫ثم ينبه اهلل تعالى على جزاء من كان سب ًبا يف هذه الفرية والذي أوقد نارها وجزاءه‬
‫الذي ينتظره يف اآلخرة‪ .‬فقال تعالى‪{ :‬ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰﭱ}‪« :‬أي‬
‫الذي كان يجمعه ويشيعه له عذاب عظيم على ذلك‪ ،‬وأكثر المفسرين يقولون أن الذي‬
‫تولى كربه هو عبداهلل‪ ‬بن أبي‪ ‬بن سلول رأس المنافقين»(((‪.‬‬
‫تطهيرا‬
‫ً‬ ‫«وقد أمر النبي ﷺ بإقامة حد القذف على مسطح وحسان وحمنة‪،‬‬
‫وتكفيرا‪ ،‬أما عبداهلل‪ ‬بن أبي‪ ‬بن سلول فلم يقم عليه الحد‪ .‬ولعل ذلك ألن إقامة‬
‫ً‬ ‫لهم‬
‫الحدود فيها كفارة عن الجناة وهو ممن توعده اهلل بالعذاب العظيم يف اآلخرة‪ ،‬فليس‬
‫اً‬
‫أهل إلقامة الحد عليه والمغفرة من اهلل‪.‬‬

‫(( ( تفسير القرآن العظيم البن كثير (‪.)25/6‬‬


‫((( السيرة النبوية الصحيحة (‪.)411/2‬‬
‫((( تفسير القرآن العظيم البن كثير (‪.)25/6‬‬
‫‪64‬‬
‫اعئاشلا نم ملسملا فقوم ‪:‬ثلاثلا لصفلا‬ ‫وألا بابلا‬
‫وقيل‪ :‬بل كان يستوشي الحديث ويجمعه ويحكيه ويخرجه من قوالب من ال‬
‫ينسب إليه‪ ،‬وقيل‪ :‬ألن الحد ال يثبت إال باإلقرار‪ ،‬أو البينة وهو لم يقر بالقذف وال‬
‫شهد به عليه أحد‪ ،‬وقيل‪ :‬بل ترك حده لمصلحة هي أعظم من إقامته‪ ،‬كما ترك قتله‬
‫مع ظهور نفاقه‪ ،‬وهي‪ :‬تأليف قومه وعدم تنفيرهم عن اإلسالم‪ ،‬فإنه كان مطا ًعا فيهم‬
‫رئيسا عليهم‪ ،‬فلم تؤمن إثارة الفتنة يف حده‪ .‬ولعله ترك لهذه الوجوه كلها»(((‪ .‬أو لغيرها‬
‫ً‬
‫واهلل تعالى أعلم وأحكم‪ ،‬ولم يبين لنا الشارع حكمة بالنص يف ذلك‪ ،‬وإنما هي التماس‬
‫واجتهاد‪ ،‬واهلل الموفق‪.‬‬
‫وقد نبه اهلل المؤمنين على ما كان يجب عليهم تجاه هذه اإلشاعة‪ ،‬وينبه كل الناس‬
‫على الموقف من مثل هذه اإلشاعات التي فيها هتك لألعراض‪.‬‬
‫وقبل الحديث عن موقف المسلم من الشائعات يجدر بنا التنبيه على بعض‬
‫المباحث المهمة يف هذه اآلفة وهذه المشكلة على النحو التالي‪:‬‬

‫((( زاد المعاد (‪ )263/2‬بتصرف‪ .‬ولقد أشار ابن القيم رحمه اهلل تعالى إلى فوائدَ كثيرة من هذه الحادثة‪،‬‬
‫لالستزادة (‪.)256/2‬‬
‫‪65‬‬
‫دراسة موضوعات سورة النور‬

‫‪ ‬املبحث الرابع‬
‫مشكلة اإلشاعة‬
‫‪ ‬املطلب األول‬
‫تعريف اإلشاعة‬

‫اإلشاعة لغةً‪ :‬شاع الخرب يف الناس أي‪ :‬انتشر وافرتق وذاع وظهر(((‪.‬‬
‫واصطالحا‪« :‬عبارة عن أقوال وأخبار وأحاديث يختلقها البعض ألغراض خبيثة‪،‬‬
‫يتناقلها الناس بحسن نية‪ ،‬دون التثبت من صحتها‪ ،‬ودون التحقق من مصداقيتها»(((‪.‬‬
‫أو هي‪« :‬عبارة عن نبأ أو حدث مجرد من أي قيمة يقينية ينتقل من شخص آلخر‪،‬‬
‫قادر على زعزعة الرأي العام أو تجميده»(((‪.‬‬
‫«واإلشاعة يف أغلب األحوال ما هي إال تضخيم لألخبار الصغيرة‪ ،‬وإظهارها‬
‫بصورة تختلف عن صورهتا الحقيقية‪ ،‬أو هي تسخير لألخبار المكذوبة وطالؤها‬
‫بطالء براق يلفت إليه االنتباه من أجل إشاعة الفرقة والبغضاء بين العباد»(((‪.‬‬

‫لسان العرب (‪ ،)191/8‬مادة (شيع)‪.‬‬ ‫(( (‬


‫نحو منهج شرعي لتلقي األخبار وروايتها (ص‪.)25‬‬ ‫((( ‬
‫المصدر السابق‪.‬‬ ‫((( ‬
‫المصدر السابق‪.‬‬ ‫((( ‬
‫‪66‬‬
‫اعئاشلا نم ملسملا فقوم ‪:‬ثلاثلا لصفلا‬ ‫وألا بابلا‬

‫‪ ‬املطلب الثاني‬
‫خطورة اإلشاعات‬

‫إن المتأمل يف الكتاب والسنة‪ ،‬ويف التاريخ بشكل عام يعلم يقينًا ما لإلشاعات‬
‫من خطر عظيم‪ ،‬وأثر بليغ‪ ،‬فاإلشاعـات تعترب من أخطر األسلحة الفتاكة والمدمرة‬
‫للمجتمعات واألشخاص‪.‬‬
‫قـال تعـالى‪{ :‬ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ‬
‫ﰁﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇﰈ} فتوعدهم اهلل بالعذاب الشديد يف الدنيا واآلخرة‪.‬‬
‫ولما لها من العاقبة السيئة ّ‬
‫حذر اهلل عباده من السماع لها كما قال تعالى‪{ :‬ﭟ‬
‫ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯﭰ}‬
‫[سورة‪ ‬الحجرات‪ .]6 ‬وقال‪{ :‬ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ‬
‫ﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜ‬
‫ﯝﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ‬
‫ﯬ ﯭﯮ} [سورة‪ ‬النساء‪.]93‬‬
‫محذرا عباده مكائد الشيطان وأتباعه‪{ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ‬
‫ً‬ ‫وقال‬
‫ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝﭞ} [سورة‪ ‬النساء‪.]27‬‬
‫وقال رسول‪ ‬اهلل ﷺ‪« :‬إن اهلل حرم عليكم عقوق األمهات‪ ،‬ووأد البنات‪ ،‬ومنع‬
‫وهات‪ ،‬وكره لكم قيل وقال‪ ،‬وكثرة السؤال‪ ،‬وإضاعة المال»(((‪ .‬وعن أبي هريرة ﭬ‬

‫((( أخرجه البخاري كتاب االستقراض باب ما ينهى عن إضاعة المال (‪ .)2408‬ومسلم كتاب األقضية=‬
‫‪67‬‬
‫دراسة موضوعات سورة النور‬
‫قال‪ :‬قال رسول‪ ‬اهلل ﷺ‪« :‬كفى بالمرء إثما أن يحدث بكل ما سمع»(((‪.‬‬
‫ولنتعرف على‬
‫َّ‬ ‫آثارا سيئةً‪،‬‬
‫وقد وقع للمسلمين يف العهد األول شائعات كان لها ً‬
‫خطورة الشائعة نعرض منها على سبيل المثال‪:‬‬
‫‪ -‬أشيع يف بداية الدعوة يف مكة أن كفار قريش أسلموا‪ ،‬وذلك بعد الهجرة األولى‬
‫للحبشة‪ ،‬وكان نتيجتها أن رجع عدد من المسلمين إلى مكة‪ ،‬وقبل دخولهم علموا أن‬
‫الخرب كذب‪ ،‬فدخل منهم من دخل وعاد من عاد‪ ،‬فأما الذين دخلوا فأصاب بعضهم‬
‫فارا منه(((‪.‬‬
‫من عذاب قريش ما كان هو ً‬
‫فت ذلك يف عضد كثير‬
‫‪ -‬ويف معركة أحد عندما أشاع الكفار أن الرسول ﷺ قتل‪ّ ،‬‬
‫من المسلمين‪ ،‬حتى إن بعضهم ألقى السالح وترك القتال ورجع بعضهم للمدينة(((‪.‬‬
‫شهرا اً‬
‫كامل‪ ،‬بل هزت المدينة كلها كما‬ ‫‪ -‬وحادثة اإلفك التي هزت بيت النبوة ً‬
‫مر آن ًفا‪.‬‬
‫كبيرا يف فساد الدين والدنيا‪ ،‬بل واستغلت‬
‫دورا ً‬‫ويف هذا العصر نجد للشائعات ً‬
‫استغالل كبيرا‪ ،‬ومثل هذه الشائعات ُتح ِدث يف الصف ثغرات ُت ِ‬
‫خ ُّل به‪،‬‬ ‫اً‬ ‫ضد المسلمين‬
‫ْ‬ ‫ً‬
‫وأحيانًا تكون ثغرات كبيرة يصعب سدُّ ها؟!! وخاصة إذا كانت الشائعات تذاع داخل‬
‫المجتمع المسلم‪ ،‬من أناس جهلة‪ ،‬أو لهم هوى خفي‪ ،‬أو ظن خاطئ‪.‬‬

‫= باب النهي عن كثرة السؤال (‪.)1715‬‬


‫(( ( سنن أبي داود كتاب األدب باب التشديد يف الكذب (‪ ،)4992‬وصححه األلباين يف الصحيحة برقم‬
‫(‪.)2025‬‬
‫((( انظر تفاصيل الحادثة يف سيرة ابن هشام (‪.)364/1‬‬
‫((( سيرة ابن هشام (‪.)60/3‬‬
‫‪68‬‬
‫اعئاشلا نم ملسملا فقوم ‪:‬ثلاثلا لصفلا‬ ‫وألا بابلا‬

‫‪ ‬املطلب الثالث‬
‫كيف تتولد اإلشاعة وتنتشر‬

‫تتولد اإلشاعة بعدة طرق وأهمها‪:‬‬


‫‪«1-1‬صناعة خرب ال أساس له من الصحة‪.‬‬
‫‪2-2‬الجمع بين خربين أحدهما صحيح واآلخر كذب بطريقة التلفيق والربط‪.‬‬
‫‪3-3‬المبالغة بالزيادة والتهويل يف نقل خرب ينطوي على بعض العناصر الصحيحة»(((‪.‬‬
‫ومن أسباب انتشار الشائعات(((‪:‬‬
‫‪1-1‬فصاحة قول المشيع وحسن منطقه‪ ،‬قال تعالى‪{ :‬ﯟ ﯠ ﯡ ﯢﯣ‬
‫ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱ ﯲ ﯳ ﯴﯵ ﯶ‬
‫ﯷﯸ ﯹ ﯺﯻ} [سورة‪ ‬المنافقون‪.]4 ‬‬
‫‪2-2‬كون المشيع ممن تميل إليه قلوب سامعيه إما بسبب صحبة أو تحزب أو تمشيخ‬
‫أو غيرها‪.‬‬
‫‪3-3‬موافقة الخرب هوى يف نفس السامع‪.‬‬
‫‪4-4‬أن تتسم الوقائع الحقيقية بشيء من الغموض‪.‬‬
‫‪5-5‬الفراغ الذي يسيطر على كثير من الناس‪.‬‬
‫ولإلشاعة قدرة على تفتيت الصف الواحد والرأي الواحد‪ ،‬وتوزيعه وبعثرته‪،‬‬
‫فالناس أمامها بين مصدق ومكذب‪ ،‬ومرتدد ومتبلبل‪ ،‬فغدا هبا المجتمع الواحد‬
‫والفئة الواحدة فئات عديدة‪.‬‬

‫(( ( انظر‪ :‬نحو منهج شرعي لتلقي األخبار وروايتها (ص‪ ،)26‬بتصرف‪.‬‬
‫((( نحو منهج شرعي لتلقي األخبار وروايتها (ص‪.)33‬‬
‫‪69‬‬
‫دراسة موضوعات سورة النور‬

‫‪ ‬املبحث اخلامس‬
‫املوقف من الشائعات من خالل حادثة اإلفك‬

‫إن هذه اآليات ‪-‬التي نزلت يف قصة اإلفك‪ -‬فيها بيان الموقف الذي يجب أن‬
‫وخصوصا إذا كانت يف أعراض المسلمين‪:‬‬
‫ً‬ ‫نكون عليه حينما نسمع أي شائعة كانت‪،‬‬

‫‪ ‬املطلب األول‬
‫أن يقدم حسن الظن باألخ املسلم‬

‫قال تعالى‪{ :‬ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ}‪.‬‬


‫«هذا عتاب من اهلل تعالى ألهل األيمان به فيما وقع يف أنفسهم من إرجاف من‬
‫أرجف يف أمر عائشة‪ ،‬بما أرجف به‪ .‬فيقول لهم تعالى‪ :‬هال أيها الناس إذا سمعتم ما‬
‫قال أهل اإلفك يف عائشة ظن المؤمنون منكم والمؤمنات بأنفسهم خيرا»((( وذلك ألن‬
‫المؤمنين بعضهم من بعض‪.‬‬
‫فإن «اإليمان رحم بين المؤمنين‪ ،‬يوجب عليهم ظن الخير ببعضهم‪ ،‬والكف عن‬
‫الطعن فيهم‪ ،‬ومنع الطاعنين عنهم كما يمنعوهنم على أنفسهم»(((‪.‬‬
‫خيرا‪ ،‬وأن يستبعدوا سقوط‬
‫إن الواجب أن يظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم ً‬
‫أنفسهم يف مثل هذه الجريمة وامرأة نبيهم الطاهر وأخوهم الصحابي المجاهد هما من‬
‫أنفسهم‪ ،‬فظن الخير هبما أولى‪ ،‬فإنه مما ال يليق بزوج رسول‪ ‬اهلل ﷺ وال يليق بصاحبه‬
‫(( ( جامع البيان للطربي (‪.)212/17‬‬
‫((( موضوعات سور القرآن ‪ -‬سورة النور‪ -‬عبدالحميد طهماز (ص‪.)31‬‬
‫‪70‬‬
‫اعئاشلا نم ملسملا فقوم ‪:‬ثلاثلا لصفلا‬ ‫وألا بابلا‬
‫خيرا‪ ..‬وكذلك َف َع َل أبو أيوب خالد‪ ‬بن زيد األنصاري وامرأته ﭭ‪.‬‬
‫الذي لم يعلم عنه إال ً‬
‫فقد ورد أن اآلية هذه نزلت يف أبي أيوب األنصاري وزوجته ﭭ‪ ،‬وذلك أن أبا‬
‫أيوب قالت له امرأته أم أيوب‪ :‬يا أبا أيوب أما تسمع ما يقول الناس يف عائشة ڤ‪،‬‬
‫قال نعم‪ ،‬وذلك الكذب‪ .‬أكنت فاعلة ذلك يا أم أيوب؟ قالت‪ :‬ال‪ ،‬واهلل ما كنت ألفعله‪.‬‬
‫قال‪ :‬فعائشة واهلل خير منك(((‪.‬‬
‫أمر بأن نظن يف قلوبنا الخير يف المؤمنين‪ ،‬ودفع الخرب الذي ال نتوقعه من‬
‫فهذه اآلية ٌ‬
‫أنفسنا؛ فمن باب أولى أم المؤمنين‪ ،‬ونعرتف هبذا بألسنتنا {ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ}‬
‫أي كذب ظاهر على أم المؤمنين ڤ‪.‬‬
‫وكذلك كل عبد هلل صالح فإن األصل فيه الرباءة ودفع القالة عنه‪ ،‬وعدم االستسالم‬
‫لما يشاع أو يمكن أن يشاع عنه‪ .‬وأشد ذلك وأشنعه إذا كان يتعلق بعالم يقتدى به‪ ،‬أو‬
‫رجل ظاهر الصالح أو قائم بأمر من أمور المسلمين كقضاهتم ووالهتم‪.‬‬
‫واإلفك هو‪ :‬الكذب والتحديث بالباطل(((‪ ،‬ووصفه بأنه مبين أي شديد الوضوح‬
‫والظهور فال يخفى بطالنه على ذي لب‪ ،‬ولكن الشيطان يدلس الباطل ويظهره بمظهر‬
‫الحق والصدق والعياذ باهلل تعالى‪.‬‬

‫(( ( البداية والنهاية (‪ .)60/8‬تفسير القرآن العظيم البن كثير (‪ .)26/6‬أسباب النزول للواحدي (‪.)270‬‬
‫السيرة النبوية البن هشام (‪ .)315/3‬جامع البيان للطربي (‪.)77/18‬‬
‫((( لسان العرب (‪.)390/10‬‬
‫‪71‬‬
‫دراسة موضوعات سورة النور‬

‫‪ ‬املطلب الثاني‬
‫التثبت بالبينة والدليل‬

‫قال تعالى‪{ :‬ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ‬


‫ﮍﮎ}‪.‬‬
‫أي أن الذين جاءوا هبذه الفرية هال أتوا بأربعة شهداء لكي يوثقوا كالمهم‪ ،‬فإن لم‬
‫يأتوا بالشهداء فإهنم كاذبون عند اهلل تعالى‪.‬‬
‫ولذا نجد موقف أم المؤمنين زينب بنت جحش ڤ موق ًفا رائ ًعا بالسكوت‬
‫وعدم الكالم بغير علم‪ ،‬والورع يف الحديث يف هذا األمر (قالت عائشة ڤ‪ :‬وكان‬
‫رسول‪ ‬اهلل ﷺ سأل زينب بنت جحش عن أمري‪ ،‬فقالت‪ :‬يا رسول‪ ‬اهلل أحمي سمعي‬
‫خيرا‪ .‬وهي التي كانت تساميني من أزواج النبي ﷺ‬
‫وبصري‪ ،‬واهلل ما علمت عليها إال ً‬
‫فعصمها اهلل تعالى بالورع)(((‪.‬‬
‫أي‪ :‬مع أهنا كانت هي التي تنافسني يف حسن التبعل للنبي ﷺ‪ ،‬فالمتوقع‬
‫اً‬
‫مدخل تنتقص فيه من حق جارهتا‬ ‫والمتصور يف عادة الناس أن تستغل الفرصة لتجد‬
‫وضرهتا وترتقي على تلك الشائعة بنفسها عند رسول‪ ‬اهلل ﷺ‪.‬‬
‫لكن اإليمان والخوف من اهلل هو الذي دفع أم المؤمنين زينب ڤ للعدول‬
‫واتباع ما يحبه اهلل فحفظت سمعها وبصرها فهي ترى شي ًئا مما يقوله الناس وال ترغب‬
‫يف ترديد كالم ليس عندها فيه بينة وبرهان بل بادرت بتزكية المتهمة الربيئة عائشة ڤ‬
‫خيرا»‪ ،‬وهذا هو حسن الظن الذي أمر اهلل به‪.‬‬
‫فقالت‪« :‬واهلل ما علمت عليها إال ً‬
‫((( تقدم تخريجه‪.‬‬
‫‪72‬‬
‫اعئاشلا نم ملسملا فقوم ‪:‬ثلاثلا لصفلا‬ ‫وألا بابلا‬
‫ومن ولغ يف الشائعات دون دليل فقد كذب‪ ،‬ولو كان اً‬
‫ناقل فقط كما يزعم‪ ،‬فإن‬
‫اآلية نص صريح يف أن الذي يروج الشائعة مؤاخذ ومطالب بإثبات ما يقول‪{ :‬ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ‬
‫ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍﮎ} وهذا خالف ما يفعله كثير من الناس اليوم‪.‬‬
‫ثم يخاطب اهلل تعالى الذين خاضوا يف شأن اإلفك بقوله‪{ :‬ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ‬
‫ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝﮞ}‪.‬‬
‫أي أن اهلل تعالى قبل توبتكم وإنابتكم إليه يف الدنيا وعفا عنكم يوم القيامة فضال‬
‫منه سبحانه‪ ،‬ألنه لوال هذه الرحمة لمسكم فيما تحدثتم به عن عائشة ڤ عذاب‬
‫عظيم‪ .‬هذا العذاب مقابل العذاب النفسي الذي سببوه لرسول‪ ‬اهلل ﷺ وزوجته‬
‫وصديقه وصاحبه ﭫ جمي ًعا‪.‬‬
‫«وهذا فيمن عنده إيمان رزقه اهلل بسببه التوبة إليه‪ ،‬كمسطح وحسان وحمنة ﭫ‪.‬‬
‫أما من خاض فيه من المنافقين كعبداهلل‪ ‬بن أبي‪ ‬بن سلول وأصحابه فليس أولئك‬
‫مرادين يف هذه اآلية ألنه ليس عندهم من اإليمان والعمل الصالح ما يعادل هذا»(((‪.‬‬
‫ثم يقول تعالى ُم َشنِّ ًعا على من كان يسمع الخرب وينقله فورا من غير تمحيص لهذا‬
‫أمرا هينًا! وال يعلمون أنه‬
‫علم؛ هل هذا الخرب صحيح! وهم يحسبونه ً‬ ‫الخرب ومن غير ٍ‬
‫عند اهلل عظيم‪{ ،‬ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ‬
‫ﮭ ﮮﮯ}‪.‬‬
‫أي‪« :‬تقولون ما تقولون يف شأن أم المؤمنين وتحسبون ذلك يسيرا‪ ،‬ولو لم تكن‬
‫زوجة النبي لما كان هينا فكيف وهي زوجة النبي ﷺ»(((‪.‬‬
‫نظر حتى‬ ‫ِ‬
‫إمعان ٍ‬ ‫تدبر وال‬ ‫ٍ‬
‫لسان بال ٍ‬ ‫ٌ‬
‫لسان يتلقى عن‬ ‫والمعنى المالحظ هنا‪ :‬أنه‬
‫لكأن القول ال يمر على اآلذان‪ ،‬فال تتأمله العقول وال تتدبره القلوب‪.‬‬

‫(( ( تفسير القرآن العظيم البن كثير (‪.)28/6‬‬


‫((( المصدر السابق‪.‬‬
‫‪73‬‬
‫دراسة موضوعات سورة النور‬

‫‪ ‬املطلب الثالث‬
‫أن ال يتحدث مبا مسعه وال ينشره‬

‫قال تعالى‪{ :‬ﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟ}‪.‬‬


‫فكان الواجب عليكم أيها المؤمنون عندما سمعتم هبذا البهتان يف الخيرة من الناس‬
‫أن ال تتكلموا فيه وال تنشروه‪ ،‬بل وأن تعرتفوا بقلوبكم وألسنتكم أن هذا هبتان عظيم‪.‬‬
‫فإن الناس لو لم يتكلموا بمثل هذه الشائعات لماتت يف مهدها ولم تجد من‬
‫يحييها إال من المنافقين‪.‬‬
‫{ﯛ}‪ :‬تنزيها لك يا اهلل من كل سوء أن تبتلي أصفيائك باألمور الشنيعة(((‪.‬‬
‫«تنزيه اهلل تعالى جل شأنه من أن يصم نبيه ويشينه‪ ،‬فإن فجور الزوجة وصمة يف‬
‫الزوج تنفر عنه القلوب وتمنع من إتباعه‪ ،‬ولذا صان اهلل تعالى أزواج األنبياء ۏ عن‬
‫ذلك»(((‪.‬‬
‫{ﯜﯝﯞﯟ}‪ :‬ووصف هذا البهتان بأنه عظيم «ألنه مشتمل على منكرات‬
‫كثيرة‪ ،‬وهي‪ :‬الكذب‪ ،‬وهذا الكذب طعن يف سالمة العرض‪ ،‬وكون المفرتى عليه من‬
‫خيرة الناس‪ ،‬وأعظم من ذلك أنه اجرتاء على مقام النبي ﷺ ومقام أم المؤمنين»(((‪.‬‬

‫(( ( تيسير الكريم الرحمن للسعدي (ص‪.)512‬‬


‫((( روح المعاين (‪.)120/18‬‬
‫((( التحرير والتنوير (‪.)181/18‬‬
‫‪74‬‬
‫اعئاشلا نم ملسملا فقوم ‪:‬ثلاثلا لصفلا‬ ‫وألا بابلا‬

‫‪ ‬املطلب الرابع‬
‫قطع الطريق على الفساق الذين حيبون أن تشيع الفاحشة والشر‬

‫ومحذرا المؤمنين من الوقوع يف اإلشاعات‪،‬‬


‫ً‬ ‫يقول اهلل يف ختام هذه القصة مخو ًفا‬
‫وليقطعوا الطرق على الفساق‪{ :‬ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨﯩ} وذلك‬
‫بعدم سماع ما يقوله الكذابون‪ ،‬والمنافقون‪ ،‬والمغتابون‪ ،‬وأصحاب القلوب المريضة‪،‬‬
‫وعدم الرضا بذلك‪ ،‬كما هو منهج السلف ‪-‬رضوان اهلل عليهم‪.‬‬
‫خيرا كما يظن اإلنسان يف نفسه خيرا‪،‬‬
‫إن األمور السابقة‪ :‬الظن باألخ المسلم ً‬
‫والتثبت بالبينة والدليل وعدم التحدث بما سمعه وبما نشر‪ ،‬هي الواجبة على كل‬
‫ٍ‬
‫شائعة كانت‪ ،‬وخاصة يف أمر القذف بالزنا أو ما‬ ‫مؤمن إذا سمع شائع ًة عن أخٍ له ‪ -‬أي‬
‫يشين عرضه أو عقيدته؛ نسأل اهلل العفو والعافية‪.‬‬
‫وهي سبل لقطع الطريق على أولئك القوم الذين وصفهم اهلل تبارك وتعالى بأبشع‬
‫وصف وأقبحه إذ اتخذوا الشر والفاحشة وظيف ًة يؤدوهنا بال ٍ‬
‫ثمن إال مجرد تزيين‬
‫الشيطان ووسوته وزخرفته لهم نسأل اهلل أن يعيذنا من شر شياطين اإلنس والجن‪.‬‬
‫ولذا جاء يف ختام هذه القصة تخويف وتحذير المؤمنين من الوقوع يف اإلشاعات‪،‬‬
‫مفتوحا للفساق‪:‬‬
‫ً‬ ‫وترك الطريق‬
‫{ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ} «أي ينهاكم اهلل متوعدا أن يقع منكم ما يشبه هذا‬
‫أبدا»(((‪.‬‬
‫((( تفسير القرآن العظيم البن كثير (‪.)29/6‬‬
‫‪75‬‬
‫دراسة موضوعات سورة النور‬

‫{ﯦ ﯧ ﯨﯩ} فالمؤمنون ال يمكن أن ُي ْك َشف لهم عن بشاعة عم ٍل كهذا‬


‫الكشف‪ ،‬وأن ُي َح َّذ ُروا منه مثل هذا التحذير؛ ثم يعودون إليه وهم مؤمنون‪.‬‬
‫{ﯪ ﯫ ﯬ ﯭﯮ ﯯ ﯰ ﯱﯲ} «أي‪ :‬أن اهلل سبحانه يبين لكم أيها‬
‫الناس األحكام الشرعية ِ‬
‫والح َكم القدرية‪ ،‬فاهلل عليم بما يصلح عباده وحكيم يف شرعه‬
‫وقدره»(((‪.‬‬

‫((( المصدر السابق‪.‬‬


‫‪76‬‬
‫اعئاشلا نم ملسملا فقوم ‪:‬ثلاثلا لصفلا‬ ‫وألا بابلا‬

‫‪ ‬املبحث السادس‬
‫التعقيب القرآني على حادثة اإلفك‬

‫بعدما أظهر اهلل الحقيقة‪ ،‬و َب َّي َن االفرتاء‪ ،‬وأظهر الرباءة الكاملة‪ ،‬وبعد أن توعد‬
‫القائلين هبا‪ ،‬وبعد أن دعاهم إلى التوبة‪ ،‬ووبخ السامعين لها الذين لم يبادروا إلى رد‬
‫اإلشاعة والفرية‪ ،‬وبعد أن بين الواجب على المسلمين عند سماع مثل هذه التهم‪،‬‬
‫جاءت هذه التعقيبات‪ ،‬تنبيها على عدة أمور نجملها يف المطالب التالية‪:‬‬

‫‪ ‬املطلب األول‬
‫خطورة نشر الفواحش يف اجملتمع اإلسالمي‬

‫قال تعالى‪{ :‬ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ‬


‫ﰁﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇﰈ}‪:‬‬
‫أي‪« :‬إن الذين يحبون أن يذيع الزنا يف الذين صدقوا باهلل ورسوله‪ ،‬ويظهر‬
‫ذلك فيهم‪ ،‬لهم عذاب وجيع يف الدنيا بالحد الذي جعله اهلل حدا لرامي المحصنات‬
‫مصرا على ذلك غير تائب‪،‬‬
‫ً‬ ‫والمحصنين إذا رموه بذلك‪ ،‬ويف اآلخرة جهنم إن مات‬
‫واهلل يعلم كذب الذين جاءوا باإلفك من صدقهم‪ ،‬وأنتم أيها الناس ال تعلمون ذلك‬
‫ألنكم ال تعلمون الغيب‪ ،‬فال ترووا ماال علم لكم به من اإلفك على أهل اإليمان باهلل‬
‫فتهلكوا»(((‪.‬‬
‫وأيضا «اهلل تعالى يعلم وجه الحكم من تشديد الوعيد على هؤالء الكذبة‬
‫((( جامع البيان للطربي (‪ ،)220/17‬بتصرف‪.‬‬
‫‪77‬‬
‫دراسة موضوعات سورة النور‬
‫المفرتين‪ ،‬إذ يؤدي افرتائهم إلى إشاعة الفواحش والمنكرات التي هتدم المجتمع‬
‫وتقوض أركانه وقواعده من داخله»(((‪.‬‬
‫والفاحشة هي‪« :‬الخصلة المفرطة يف القبح وهي الفرية بالرمي بالزنا أو الزنا‬
‫نفسه»(((‪.‬‬
‫فنشر الفاحشة يف المجتمع المسلم سواء عن طريق قذف المحصنات‪ ،‬أو بالزنا‬
‫نفسه والتشجيع عليه وتيسر السبل إليه من كبائر الذنوب التي توعد اهلل عليها‪.‬‬
‫فنحن نري اليوم يف واقعنا ألوانًا شتى من نشر الفاحشة يف المجتمعات سواء كانت‬
‫مجتمعات مسلمة أو غير مسلمة‪ ،‬فوسائل اإلعالم من فضائيات وجرائد ومجالت‬
‫كثير منها األغلب عليها هو نشر الفاحشة يف المجتمعات‪.‬‬
‫فما ُعري المرأة واستخدامها سلعة لرتويج البضائع وترويج األخبار يف اإلعالم إال‬
‫نوع من نشر الفاحشة يف المجتمعات‪ ،‬ناهيك عن األفالم والمسلسالت والمسرحيات‬
‫التي ال تتورع‪ ،‬فتشيع الفاحشة وتتدرج مع اإلنسان لكي يرتكب تلك الفواحش وهو‬
‫مقتنع هبا مقبل عليها غير مدبر‪ ،‬وليبقى متطل ًعا إليها دائما‪.‬‬
‫ويسموهنا بغير اسمها‪ ،‬فتارة يسموهنا [فن]‪ ،‬وتارة يسموهنا [ثقافة معاصرة]‪،‬‬
‫وتارة يسموهنا [رومانسية]‪ ،‬وتارة يسموهنا [مسلسالت اجتماعية]‪ ...‬الخ‪.‬‬
‫ولكن المشكلة الكربى أن هذه الوسائل التي تشيع الفاحشة هي التي أصبحت‬
‫أي مجتمع يكون ذلك المجتمع يف ظل‬
‫مصدر الرتبية والتوجيه يف هذا الوقت‪ ،‬فيا تري ّ‬
‫هذه الرتبية!!‪.‬‬

‫(( ( من موضوعات سور القرآن‪ -‬سورة النور ‪( -‬ص‪.)36‬‬


‫((( روح المعاين (‪.)122/18‬‬
‫‪78‬‬
‫اعئاشلا نم ملسملا فقوم ‪:‬ثلاثلا لصفلا‬ ‫وألا بابلا‬

‫‪ ‬املطلب الثاني‬
‫شرع اهلل هذه األحكام وقبل توبة املذنبني املرتكبني لقبائح األعمال‬
‫فضل منه ورمحة‬
‫اً‬

‫قال تعالى‪{ :‬ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑﰒ}‪.‬‬


‫أي‪« :‬ولوال أن اهلل تفضل عليكم أيها الناس ورحمكم‪ ،‬وأن اهلل ذو رأفة ورحمة‬
‫بخلقه‪ ،‬لهلكتم فيما أفضتم فيه‪ ،‬وعاجلتكم من اهلل العقوبة»(((‪« .‬والخطاب هنا لمسطح‬
‫وحسان وحمنة»((( ومن كان على منهاجهم‪.‬‬
‫وقال تعالى‪{ :‬ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲﭳ‬
‫ﭴ ﭵ ﭶﭷ}‪« :‬ولوال فضل اهلل عليكم ورحمته لكم ما تطهر منكم من أحد أبدا‬
‫ولكن اهلل يطهر من يشاء من خلقه واهلل سميع لما تقولونه بأفواهكم وعليم بجميع‬
‫أحوالكم»(((‪.‬‬
‫فالعنصر الفاسد ال بد أن ينبذ ويخرج من األرض الطيبة والثمار اليانعة لكي ال‬
‫تفسد الثمار وتبور األرض‪ ،‬فإذا وجد ذلك الخبيث يف المجتمع المسلم‪ ،‬قد يكون‬
‫سب ًبا يف إفساد الطيب ونشر الخبث والرذيلة‪.‬‬
‫فاآلية تدل على رحمة اهلل وفضلة من عدة أمور‪:‬‬
‫‪- -‬فضل اهلل ورحمته بعباده حيث شرع هذه الحدود والضوابط ضب ًطا لمسائل‬
‫األعراض والنسل‪.‬‬
‫(( ( جامع البيان للطربي (‪.)221/17‬‬
‫((( روح المعاين (‪.)123/18‬‬
‫((( جامع البيان للطربي (‪.)222-221/17‬‬
‫‪79‬‬
‫دراسة موضوعات سورة النور‬
‫‪- -‬فضل اهلل ورحمته يف قبول التوبة والرجوع واإلنابة والتشجيع على ذلك‪.‬‬
‫‪- -‬فضل اهلل ورحمته من جهة عدم المؤاخذة والمعاجلة بالعقوبة‪.‬‬
‫‪- -‬فضل اهلل ورحمته بعباده أن يطهرهم ويطهر مجتمعهم من الخبائث والفواحش‬
‫وأسباهبا‪.‬‬
‫‪80‬‬
‫اعئاشلا نم ملسملا فقوم ‪:‬ثلاثلا لصفلا‬ ‫وألا بابلا‬

‫‪ ‬املطلب الثالث‬
‫التنبيه على عدم إتباع خطوات الشيطان ألنه هو الذي يغوي اإلنسان‬
‫ويوقعه يف الذنب باختياره‬

‫قال تعالى‪{ :‬ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ‬


‫ﭠ ﭡﭢ}‪:‬‬
‫ينبه اهلل المؤمنين أن هذا الذي حصل قد حصل بسبب إتباع خطوات الشيطان فاهلل‬
‫يحذر المؤمنين فيقول‪« :‬يا أيها الذين صدقوا اهلل ورسوله ال تسلكوا سبيل الشيطان‬
‫وطرقه‪ ،‬وال تقتفوا آثاره‪ ،‬بإشاعتكم الفاحشة يف الذين آمنوا فإن الشيطان يأمر بالفحشاء‬
‫وهو الزنا‪ ،‬والمنكر من القول»(((‪ .‬وخطوات الشيطان هي‪« :‬طرائقه ومسالكه وما يأمر‬
‫به»(((‪.‬‬
‫وإهنا لصورة مستنكرة أن يخطو الشيطان فيتبع المؤمن خطاه‪ ،‬وهم أجدر الناس‬
‫أن ينفروا من الشيطان وأن يسلكوا طريقا غير طريقه المشئوم‪ ،‬ولذا نبه اهلل سبحانه‬
‫على هذا األمر بأكثر من صورة كم قال يف قوله تعالى‪{ :‬ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ‬
‫ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ‪[ }..‬سورة‪ ‬األعراف‪ ]27 ‬ويف قوله‪{ :‬ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ‬
‫ﭻ ﭼﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁﮂ} [سورة‪ ‬يس‪.]60 ‬‬

‫(( ( جامع البيان للطربي (‪.)221/17‬‬


‫((( تفسير القرآن العظيم البن كثير (‪.)30/6‬‬
‫‪81‬‬
‫دراسة موضوعات سورة النور‬

‫‪ ‬املطلب الرابع‬
‫‪ ‬سالمة الصدر والعفو واملساحمة واإلحسان ملن أساء‬
‫يستجلب مغفرة اهلل‬

‫قال تعالى‪{ :‬ﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃ‬


‫ﮄ ﮅ ﮆﮇ ﮈ ﮉﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐﮑ ﮒ ﮓ ﮔﮕ}‪.‬‬
‫جاء يف سبب هذه اآلية كما ورد يف حادثة اإلفك من رواية الزهري عن عائشة‬
‫قالت‪« :‬فلما أنزل اهلل تعالى هذا يف براءتي قال أبو بكر الصديق ﭬ وكان ينفق على‬
‫مسطح‪ ‬بن أثاثة لقرابته منه وفقره‪ :‬واهلل ال أنفق على مسطح شيئا أبدا بعد ما قال لعائشة‬
‫ڤ فأنزل اهلل تعالى‪{ :‬ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ‪ }..‬إلى قوله‪{ :‬ﮒ ﮓ‬
‫ﮔﮕ} فقال أبو بكر ﭬ بلى واهلل إين ألحب أن يغفر اهلل لي‪ ،‬فأرجع إلى مسطح‬
‫النفقة التي كان يجري عليه‪ ،‬وقال‪ :‬واهلل ال أنزعها منه أبدا»(((‪.‬‬
‫قال ابن جرير‪« :‬وإنما عني بذلك أبو بكر الصديق ﭬ يف حلفه باهلل ال ينفق‬
‫على مسطح‪ .‬فقال تعالى‪ :‬ال يحلف من كان ذا فضل من مال وسعة أيها المؤمنون أال‬
‫ينفق على ذوي قرابتهم والمساكين والمهاجرين يف سبيل اهلل‪ -‬وهذه الصفات كانت‬
‫يف مسطح‪ -‬وليعفوا عما كان منهم من جرم وليصفحوا وليرتكوا عقوبتهم على ذلك‬
‫بحرماهنم ما كانوا يؤتوهنم قبل ذلك‪ ،‬أال تحبون أن يسرت اهلل عليكم ويغفر ذنوبكم‪،‬‬
‫واهلل غفور لمن أطاعه‪ ،‬ورحيم كذلك بمن أطاعه ولم يعص أمره»(((‪ .‬ففي هذه اآلية‬
‫(( ( تقدم تخريجه‪.‬‬
‫((( جامع البيان للطربي (‪.)223-222/17‬‬
‫‪82‬‬
‫اعئاشلا نم ملسملا فقوم ‪:‬ثلاثلا لصفلا‬ ‫وألا بابلا‬
‫«ترغيب عظيم يف العفو ووعد كريم بمقابلته»(((‪.‬‬
‫نزلت هذه اآلية تذكر أبا بكر‪ ،‬وتذكر المؤمنين‪ ،‬بأهنم هم يخطئون ثم يحبون من‬
‫اهلل أن يغفر لهم‪ ،‬فليأخذوا أنفسهم بعضهم مع بعض هبذا الذي يحبونه‪ ،‬وال يحلفون‬
‫أن يمنعوا الرب عن مستحقيه وإن كانوا قد أخطأوا وأساؤوا‪.‬‬
‫وهكذا تنتهي قصة اإلفك بما فيها من افرتاء وبالء وصرب ثم فرج من عند اهلل‬
‫وتوعد للذين يريدون إفساد األخالق وترويج الفواحش واالفرتاءات‪ .‬وحادثة اإلفك‬
‫من األحداث التي فيها من الفوائد الرتبوية والدعوية واألخالقية والتعبدية الشيء‬
‫الكثير‪ ،‬فنسأل اهلل تعالى أن يلهمنا العلم والعمل(((‪.‬‬

‫(( ( روح المعاين (‪.)125/18‬‬


‫((( يمكن مراجعة قصة اإلفك يف فتح الباري حديث (‪ .)4750‬وشرح صحيح مسلم (‪ ،)108-106/17‬وزاد‬
‫المعاد (‪ ،)239-229/3‬والبداية والنهاية (‪ ،)185-180/1‬وكتب السيرة بصفة عامة‪ ،‬وخاصة كتب‬
‫السيرة التي اهتمت بالجانب الرتبوي والدعوي مثل وقفات تربوية مع السيرة النبوية للشيخ أحمد‬
‫فريد (ص‪ ،)286-281‬وفقه السيرة للبوطي (ص‪ ،)311-300‬والسيرة النبوية للصالبي (‪،)936-924/2‬‬
‫والسيرة النبوية يف ضوء المصادر األصلية‪ .‬وغيرها من المراجع‪.‬‬
‫‪83‬‬
‫دراسة موضوعات سورة النور‬

‫‪ ‬الفصل الرابع‬
‫الفصل الرابع‪ :‬مـسـؤولية الكلــمة‬ ‫مـسـؤولية الكلــمة‬
‫‪ ‬املبحث األول‬
‫عرض إمجالي لآليات‬

‫قال تعالى‪{ :‬ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ‬


‫ﮢﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ‬
‫ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞﯟ ﯠ ﯡ‬
‫ﯢ ﯣﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭﯮ}‪.‬‬

‫ينبه اهلل تعالى بالوعيد الشديد على رمي المحصنات؛ وهن العفائف عن الفجور‪،‬‬
‫الغافالت وهن‪ :‬الاليت لم يخطر الزنا يف قلوهبم‪ .‬وهذا الوعيد هو الطرد من رحمته‬
‫أيضا يف اآلخرة‪.‬‬
‫سبحانه يف الدنيا واآلخرة‪ ،‬وأعد لهم العذاب العظيم ً‬
‫ٍ‬
‫جارحة تشهد عليهم يوم القيامة بما عملت فال يمكن اإلنكار؛ ألن الشهادة‬ ‫فكل‬
‫عليهم من أنفسهم‪ ،‬ففي هذا اليوم يجزيهم اهلل على أعمالهم الجزاء الحق‪ ،‬ويعلمون أن‬
‫حق يف أفعاله وأقواله وأحكامه وقضائه وجزائه وثوابه وعقابه‪.‬‬
‫اهلل هو الحق يف كل شيء‪ٌ ،‬‬
‫ثم يقول تعالى‪{ :‬ﯛ ﯜ ﯝ ﯞﯟ ﯠ ﯡ ﯢ‬
‫ﯣﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭﯮ}‪.‬‬
‫قال ابن عباس ﭭ‪« :‬أي‪ :‬الخبيثات من القول للخبيثين من الرجال‪ ،‬والخبيثون‬
‫‪84‬‬
‫ةمــلكلا ةيلوؤـسـم ‪:‬عبارلا لصفلا‬ ‫وألا بابلا‬
‫من الرجال للخبيثات من القول‪ .‬والطيبات من القول للطيبين من الرجال‪ ،‬والطيبون‬
‫من الرجال للطيبات من القول»(((‪.‬‬
‫«ووجه هذا القول أن الكالم القبيح أولى بأهل القبح من الناس‪ ،‬والكالم الطيب‬
‫أولى بالطيبين من الناس‪ ،‬فما نسبه أهل النفاق للسيدة عائشة هم أولى به وهي أولى‬
‫بالرباءة منهم ولهذا قال تعالى‪{ :‬ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ}»(((‪.‬‬
‫واختلف العلماء هل اآليات خاصة بالسيدة عائشة ڤ أم هي عامة لكل من قذف؟‬
‫ومن تتبع األقوال يتبين له أن اآليات نزلت يف السيدة عائشة ڤ‪ ،‬ويف الذين لم تقبل‬
‫سب السيدة عائشة ڤ ورماها بما َّبرأها اهلل منه‪.‬‬
‫توبتهم بسبب نفاقهم‪ ،‬ويف كل من ّ‬
‫وأيضا يدخل يف هذا الوعيد كل من رمى أحدً ا من المسلمين ‪ -‬سواء كان اً‬
‫رجل أو‬ ‫ً‬
‫امرأة ‪ -‬بالزنا ولم يتب إلى اهلل تعالى‪ ،‬فيتحقق عليه الوعيد المذكور يف اآلية(((‪.‬‬
‫مهم جدًّ ا تتسم به هذه اآليات‬
‫أمر ٌّ‬
‫ثم بعد هذا العرض اإلجمالي لآليات يتبين لنا ٌ‬
‫َّ‬
‫وما قبلها وهو الحديث عن الكلمة وخطورهتا على الفرد والمجتمع‪ ،‬ومدى تأثيرها‬
‫على الفرد يف حياته كلها الدنيوية واألخروية‪ ،‬وأيضا من تأثيرها على المجتمع يف‬
‫واقعه ومستقبله‪.‬‬

‫(( ( تفسير القرآن العظيم البن كثير (‪.)34/6‬‬


‫((( المصدر السابق‪.‬‬
‫((( لالستزادة راجع المسألة يف تفسير القرآن العظيم البن كثير (‪ .)30/6‬والجامع ألحكام القرآن‬
‫(‪ .)209/12‬وكتب التفسير‪.‬‬
‫‪85‬‬
‫دراسة موضوعات سورة النور‬

‫‪ ‬املبحث الثاني‬
‫أهمية الكلمة وخطورتها ودورها يف إقامة احلياة‬

‫قال تعالى‪{ :‬ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﮭ ﮮ ﮯ‬


‫ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙﯚ} فـ«كل جارحة تشهد عليهم بما عملته‪،‬‬
‫ينطقها الذي أنطق كل شيء‪ ،‬فال يمكنه اإلنكار‪ ،‬ولقد عدل يف العباد‪ ،‬من جعل‬
‫شهودهم من أنفسهم‪{ ،‬ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ} أي‪ :‬جزاءهم على أعمالهم‪ ،‬الجزاء‬
‫الحق‪ ،‬الذي بالعدل والقسط‪ ،‬يجدون جزاءها موفرا‪ ،‬لم يفقدوا منها شيئا‪ ،‬ويعلمون‬
‫يف ذلك الموقف العظيم‪ ،‬أن اهلل هو الحق المبين‪ ،‬فيعلمون انحصار الحق المبين يف‬
‫اهلل تعالى»(((‪.‬‬
‫ال شك أن من نعم اهلل تعالى الكثيرة على عباده نعمة الكالم‪ ،‬إذ به تستقيم حياة‬
‫الناس وتستقيم مصالحهم الدينية والدنيوية‪ ،‬والمقصود بالكلمة هنا الكلمة باللسان‬
‫أو بالحركات ألن الحركة تؤدي نفس المعنى الذي تريده الكلمة‪ ،‬ألن من ال يتكلمون‬
‫بلساهنم فلهم لغة خاصة بالحركات تنبههم على ما يريدونه‪.‬‬
‫وهذه الكلمة سالح ذو حدين إن استخدم يف طاعة اهلل ويف المعروف كقراءة‬
‫القرآن ونصرة المظلوم‪ ،‬والدفاع عن أعراض المسلمين‪ ،‬واألمر بالمعروف والنهي‬
‫عن المنكر‪ ،‬كان هذا هو االستخدام األمثل للكلمة التي من أجلها جعلها اهلل لغة‬
‫التخاطب ويأجر العبد على ذلك‪.‬‬

‫((( تيسير الكريم الرحمن (ص‪.)563‬‬


‫‪86‬‬
‫ةمــلكلا ةيلوؤـسـم ‪:‬عبارلا لصفلا‬ ‫وألا بابلا‬
‫وإن استخدمت الكلمة يف طاعة الشيطان‪ ،‬وتفريق صف المسلمين بالكذب‪ ،‬وقول‬
‫الزور والغيبة والنميمة‪ ،‬والقدح يف أعراض المسلمين وإشاعة الفاحشة بينهم؛ كان هذا‬
‫هو المحرم على صاحب الكلمة‪ ،‬والمؤدي إلى خسرانه وهالكه يف الدنيا قبل اآلخرة‪.‬‬
‫أناس و ُيسقط آخرون‪ ،‬و َينجوا أناس و َيهلك آخرون‪ ،‬و َيغتني أناس‬
‫فبالكلمة ُيرفع ٌ‬
‫و َيفتقر آخرون‪ ،‬ويموت أناس ويحيا آخرون‪ ،‬و ُيظلم أناس‪ ،‬و َينتصر آخرون‪ ،‬و ُتهدم‬
‫ٍ‬
‫أناس و ُيجمع بين آخرين‪ ...‬إلى غير ذلك من عظيم‬ ‫بيوت و َتستقيم أخرى‪ ،‬و ُيفرق بين‬
‫ٌ‬
‫أثر الكلمة‪.‬‬
‫«فالساكت عن الحق شطان أخرس‪ ،‬عاص هلل‪ .‬والمتكلم بالباطل شيطان ناطق‬
‫عاص هلل‪ .‬وأكثر الناس منحرف يف كالمه وسكوته بين هذين النوعين‪ ،‬أما أهل الخير‬
‫والوسط فهم قد كفوا ألسنتهم عن الباطل‪ ،‬وأطلقوها فيما يعود عليهم نفعه»(((‪.‬‬
‫ويمكن بيان دور الكلمة وخطورتها من خالل عرض بعض األدلة والشواهد‪:‬‬
‫‪1-1‬قال تعالى يف وصف عباد الرحمن‪{ :‬ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ‬
‫ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝﯞ} [سورة‪ ‬الفرقان‪ ]63 ‬وقال‪{ :‬ﮎ ﮏ ﮐ‬
‫ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖﮗ} [سورة‪ ‬الفرقان‪ .]72 ‬فهؤالء العباد الناجون عند رهبم‬
‫من الزم صفاهتم اإلعراض عن اللغو من الكالم؛ بل ومجاوبته بالحسن النافع المفيد‪.‬‬
‫‪2-2‬رتب اهلل تعالى عدم الفالح للذين يتحدثون بما ال يعمون ويفرتون على اهلل‬
‫الكذب‪ ،‬قال تعالى‪{ :‬ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ‬
‫ﯗ ﯘ ﯙﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢﯣ} [سورة‪ ‬النحل‪.]116 ‬‬
‫‪3-3‬هنى اهلل تعالى المؤمنين بأن ال يتخذوا الكلمة الخاطئة وسيلة لتحقيق مطامع‬
‫دنيوية‪ ،‬مهما كانت غايتها وهنايتها‪ ،‬بل وأمرهم بالتبين قبل إصدار الكلمة‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬
‫((( الجواب الكايف البن القيم (ص‪.)281‬‬
‫‪87‬‬
‫دراسة موضوعات سورة النور‬

‫{ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ‬
‫ﯛ ﯜ ﯝﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ} [سورة‪ ‬النساء‪.]94‬‬
‫‪4-4‬جعل اهلل حفظ اللسان من أسباب دخول الجنَّة قال رسول‪ ‬اهلل ﷺ‪« :‬من‬
‫يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة»(((‪.‬‬
‫الحق مقدَّ ر ًة معظم ًة معتربةً‪ ،‬ولو كانت عند صاحبها عاد َّيةً‪ ،‬قال‬
‫‪5-5‬وجعل كلمة ّ‬
‫بال يرفعه اهلل بها درجات‪،‬‬
‫ﷺ‪« :‬إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان اهلل ال يلقى لها اً‬
‫وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط اهلل ال يلقى لها باال يهوى بها يف جهنم»(((‪.‬‬
‫‪6-6‬ويف سؤال معاذ‪ ‬بن جبل ﭬ لرسول‪ ‬اهلل عن العمل الذي يدخله الجنة‬
‫ويباعده عن النار ذكر له النبي ﷺ أركان اإلسالم وبعض أبواب الخير ثم قال له‪« :‬أال‬
‫أخبرك بمالك ذلك كله؟ قلت بلى يا رسول‪ ‬اهلل‪ .‬فأخذ بلساين‪ ،‬ثم قال‪ :‬كف عليك‬
‫هذا!! فقلت‪ :‬يا رسول‪ ‬اهلل‪ :‬وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟؟! فقال‪ :‬ثكلتك أمك يا معاذ!‬
‫وهل يكب الناس يف النار على وجوههم أو على مناخرهم إال حصائد ألسنتهم»(((‪.‬‬
‫‪َّ 7-7‬‬
‫وحذر الشارع من نقل الكالم من غير تمييز لمعناه ومقتضاه‪ ،‬فقال رسول‪ ‬اهلل‬
‫ﷺ‪« :‬كفى بالمرء إثما أن يحدث بكل ما سمع»(((‪ .‬يقول عبدالرحمن‪ ‬بن مهدي ‪:$‬‬
‫«ال يكون الرجل إماما يقتدى به حتى يمسك عن بعض ما سمع»(((‪.‬‬
‫أخرجه البخاري كتاب الرقائق باب حفظ اللسان (‪.)6474‬‬ ‫(( (‬
‫أخرجه البخاري كتاب الرقائق باب حفظ اللسان (‪.)6478‬‬ ‫((( ‬
‫سنن الرتمذي كتاب اإليمان باب ما جاء يف حرمة الصالة (‪ .)2616‬وقال حديث حسن صحيح‪.‬‬ ‫((( ‬
‫السلسلة الصحيحة (‪.)1122‬‬
‫سنن أبي داود كتاب األدب باب التشديد يف الكذب (‪ .)4992‬وصححه األلباين يف السلسلة الصحيحة‬ ‫((( ‬
‫(‪ ،)2025‬وقد أورده النووي يف شرح صحيح مسلم (‪ .)65/1‬ومسلم يف مقدمة صحيحه باب تغليظ‬
‫الكذب على الرسول (‪.)5‬‬
‫مقدمة صحيح مسلم مع شرح النووي (‪.)65/1‬‬ ‫((( ‬
‫‪88‬‬
‫ةمــلكلا ةيلوؤـسـم ‪:‬عبارلا لصفلا‬ ‫وألا بابلا‬
‫‪8-8‬وجعل القول والكالم من اإليمان سل ًبا وإيجا ًبا‪ ،‬فعن أبي هريرة ﭬ قال؛ قال‬
‫رسول‪ ‬اهلل ﷺ‪ ..« :‬ومن كان يؤمن باهلل واليوم اآلخر فليقل خيرا أو ليصمت»(((‪ .‬قال‬
‫ابن حجر‪« :‬هذا الحديث من جوامع الكلم ألن القول كله إما خيرا وإما شرا‪ ،‬وإما آيل‬
‫إلى أحدهما‪ ،‬فيدخل يف الخير كل مطلوب من األقوال فرضها وندهبا‪ ،‬وما عدا ذلك‬
‫مما هو شر أو يؤول إلى شر‪ ،‬فأمر عند إدارة الخوض فيه بالصمت»(((‪.‬‬

‫(( ( أخرجه البخاري كتاب األدب باب إكرام الضيف وخدمة إياه نفسه (‪ .)6036‬ومسلم كتاب اإليمان‬
‫باب الحث على إكرام الجار والضيف ولزوم الصمت إال عن الخير وكون ذلك كله من اإليمان‬
‫(‪.)47‬‬
‫((( فتح الباري (‪.)461/10‬‬
‫‪89‬‬
‫دراسة موضوعات سورة النور‬

‫‪ ‬املبحث الثالث‬
‫آفات الكالم‬

‫إن األمور التي تجعل الكالم يورد المهالك كثيرة جدً ا‪ ،‬فالكالم عندما ينطق به‬
‫ٍ‬
‫كثيرة يف الحياة إما سل ًبا أو إيجا ًبا‪،‬‬ ‫اللسان أو تشير إليه الحركات يكون فيه تغيير ٍ‬
‫أمور‬
‫ولذا سنعرض أهم األمور التي يجب على صاحب الكلمة أن يكون على ٍ‬
‫حذر منها‪،‬‬
‫وأن يتجنب كل ما كان سب ًبا يف هالكه أو يف تعريض غيره للشر‪.‬‬
‫فمن آفات الكالم التي يجب الحذر منها‪:‬‬
‫‪ -1‬القذف‪:‬‬
‫وهذا من أعظم الكالم الذي يوجب الهالك يف الدنيا واآلخرة‪ ،‬فأي ذنب أعظم‬
‫من أن يتكلم يف عرض مسلم وخصوصا إذا كان هذا الكالم قذ ًفا لعرضه بالفاحشة‪-‬‬
‫بالزنا أو اللواط‪ ،-‬إهنا واهلل المأساة والخسران والظلم بعينه‪ .‬ولذا استحق صاحب‬
‫هذا الكالم العذاب يف الدنيا بالجلد ثمانين جلدة‪ ،‬وبالهالك يف اآلخرة كما يف حديث‬
‫أبي هريرة ﭬ عن النبي ﷺ قال‪« :‬اجتنبوا السبع الموبقات‪ »...‬وذكر منها‪« :‬وقذف‬
‫المحصنات المؤمنات الغافالت»(((‪.‬‬
‫وقد تقدم الحديث عن هذا األمر وخطورته واألدلة على ذلك‪.‬‬
‫‪ -2‬القول على اهلل ورسوله بغير علم‪:‬‬
‫أي الكذب على اهلل ورسوله‪ ،‬قال تعالى‪{ :‬ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ‬
‫((( أخرجه البخاري كتاب الحدود باب رمي المحصنات (‪ .)6857‬ومسلم كتاب اإليمان باب بيان‬
‫الكبائر وأكربها (‪.)89‬‬
‫‪90‬‬
‫ةمــلكلا ةيلوؤـسـم ‪:‬عبارلا لصفلا‬ ‫وألا بابلا‬

‫ﮍ ﮎ ﮏ ﮐﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗﮘ} [سورة‪ ‬األنعام‪ .]144 ‬وقال‬


‫تعالى‪{ :‬ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙﯚ‬
‫ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢﯣ} [سورة‪ ‬النحل‪]116‬‬

‫علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار»(((‪.‬‬


‫وقال ﷺ‪« :‬ومن كذب َّ‬
‫‪ -3‬الكذب عموما‪:‬‬
‫قال تعالى‪{ :‬ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ‬
‫ﯿﰀ} [سورة‪ ‬اإلسراء‪ ،]36 ‬ويكفي من تعظيم شأن الكذب هذا الحديث الذي‬
‫حدث كذب‪،‬‬
‫يرويه لنا أبو هريرة ﭬ عن النبي ﷺ أنه قال‪« :‬آية المنافق ثالث‪ :‬إذا َّ‬
‫وإذا وعد أخلف‪ ،‬وإذا اؤتمن خان»(((‪.‬‬
‫‪ -4‬شهادة الزور‪:‬‬
‫قال تعالى يف وصف عباد الرحمن‪{ :‬ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ‬
‫ﮖﮗ} [سورة‪ ‬الفرقان‪« ]72 ‬فإن الزور كل باطل سواء كان شركًا أو غنا ًء‪ ،‬أو كذ ًبا‪ ،‬أو‬
‫عم وصفه عباد الرحمن أهنم ال يشهدون الزور»(((‪.‬‬
‫غيرها‪ ،‬وكل ما لزمه اسم الزور ألن اهلل َّ‬
‫‪ -5‬بذاءة اللسان‪:‬‬
‫قال تعالى‪{ :‬ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ}‬
‫[سورة‪ ‬النساء‪ ،]148 ‬وعـن أبـي موسـى األشعـري ﭬ قـال‪ :‬قلـت يـا رسـول‪ ‬اهلل‪ :‬أي‬
‫(( ( أخرجه البخاري كتاب العلم باب إثم من كذب على النبي ﷺ (‪ .)110‬ومسلم مقدمة مسلم باب‬
‫تغليظ الكذب على رسول‪ ‬اهلل ﷺ (‪.)3‬‬
‫((( أخرجه البخاري كتاب اإليمان باب عالمة المنافق (‪ .)33‬ومسلم كتاب اإليمان باب خصال‬
‫المنافق (‪.)59‬‬
‫مختصرا‪.‬‬
‫ً‬ ‫((( جامع البيان للطربي (‪)31/19‬‬
‫‪91‬‬
‫دراسة موضوعات سورة النور‬
‫المسلمين أفضل؟ قال‪« :‬من َس ِل َم المسلمون من لسانه ويده»(((‪.‬‬
‫‪ -6‬الغيبة والبهتان والنميمة‪:‬‬

‫سأل النبي ﷺ الصحابة يوما‪« :‬أتدرون ما الغيبة؟» قالوا‪ :‬اهلل ورسوله أعلم‪ .‬قال‪:‬‬
‫«ذكرك أخاك بما يكره»‪ .‬قيل‪ :‬أفرأيت إن كان يف أخي ما أقول؟ قال‪« :‬إن كان فيه ما‬
‫تقول فقد اغتبته‪ ،‬وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته»(((‪.‬‬

‫والنميمة هي نقل الكالم لإلفساد بين الناس‪ ،‬عن حذيفة ﭬ قال‪ :‬قال رسول‪ ‬اهلل‬
‫ﷺ‪« :‬ال يدخل الجنة نمام»(((‪.‬‬

‫وقد ذكر صاحب مختصر منهاج القاصدين بعض اآلفات الجامعة فقال‪« :‬ذكر‬
‫آفات الكالم‪ :‬الكالم فيما ال يعني‪ ،‬والخوض يف الباطل وهو الكالم يف المعاصي‪،‬‬
‫والتقعر يف الكالم‪ ،‬والفحش والسب والبذاءة‪ ،‬والمزاح الكثير‪ ،‬والسخرية االستهزاء‪،‬‬
‫وإفشاء السر‪ ،‬والغيبة»(((‪ ،‬وهذه اآلفات على سبيل المثال ال على سبيل الحصر‪ ،‬فإن‬
‫اآلفات كثيرة جدً ا‪.‬‬

‫والمالحظ أن معظم األمور التي هي من آفات اللسان هي أمور دائرة بين الناس‬
‫بعضهم مع بعض‪ ،‬وهذه إشارة إلى أن اللسان كما أنه سبب للهالك يف اآلخرة فإنه‬
‫ف األمة يف الدنيا‪ ،‬فاهلل تعالى وضع لنا شر ًعا يكفل تنظيم حياتنا‬
‫أيضا سبب يف تفريق َص ِّ‬
‫الدنيوية مع بعضنا‪ ،‬فإذا التزمنا به حصل لنا الفوز والنجاة يوم القيامة‪.‬‬

‫أخرجه البخاري كتاب اإليمان باب المسلم من سلم المسلمون (‪ .)10‬ومسلم كتاب اإليمان باب‬ ‫((( ‬
‫تفاضل اإلسالم وأي األمور أفضل (‪.)41-42‬‬
‫أخرجه مسلم كتاب الرب والصلة باب تحريم الغيبة (‪.)2589‬‬ ‫(( (‬
‫أخرجه مسلم كتاب اإليمان باب غلظ تحريم النميمة (‪.)105‬‬ ‫((( ‬
‫ملخصا‪.‬‬
‫ً‬ ‫مختصر منهاج القاصدين (ص‪،)170-165‬‬ ‫((( ‬
‫‪92‬‬
‫ةمــلكلا ةيلوؤـسـم ‪:‬عبارلا لصفلا‬ ‫وألا بابلا‬
‫والحديث عن آفات الكالم طويل جدا ولكن حسبنا هنا أن نذكر كالم ابن القيم‬
‫وتلخيصا لهذا الموضوع‪ ،‬فقال ‪:$‬‬
‫ً‬ ‫الجامع لهذا الموضوع‬
‫«واعلم أن يف اللسان آفتان عظيمتان‪ ،‬إن خلص من إحداها لم يخلص من‬
‫إثما من اآلخر‬
‫األخرى‪ :‬آفة الكالم‪ ،‬وآفة السكوت‪ ،‬وقد يكون كل منهما أعظم ً‬
‫يف وقتها‪:‬‬
‫ٍ‬
‫ومداهن إذا لم يخف على نفسه‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫ومراء‬ ‫ٍ‬
‫عاص هلل‬ ‫فالساكت عن الحق شيطان أخرس‬
‫ٍ‬
‫عاص هلل‪.‬‬ ‫ناطق‬ ‫ٌ‬
‫شيطان ٌ‬ ‫والمتكلم بالباطل‬

‫وأكثر الخلق منحرف يف كالمه وسكوته‪ ،‬فهم بين هذين النوعين‪.‬‬

‫وأهل الوسط هم أهل الصراط المستقيم‪ ،‬الذين كفوا ألسنتهم عن الباطل‬


‫وأطلقوها فيما يعود عليهم نفعه يف اآلخرة فال ترى أحدهم يتكلم بكلمة تذهب عليه‬
‫ضائعة بال منفعة! فضال أن تضره يف آخرته‪ ،‬وإن العبد ليأيت يوم القيامة بحسنات أمثال‬
‫الجبال فيجد لسانه قد هدمها عليه كلها»(((‪.‬‬

‫وقد أحسن من قال‪:‬‬

‫ال يلـدغنـ�ك إنــ�ه ثـعـــب�ان‬ ‫احف�ظ لس�انك أيـه�ا اإلنس�ان‬


‫(((‬
‫كان�ت هتاب لقاءه الش�جعان‬ ‫كـ�م يف المقابر من قتيل لس�انه‬

‫فمن هنا يعلم ما للكلمة من أعباء على الفرد والمجتمع سواء بالخير أو بالشر‪،‬‬
‫ومن هنا نعرف سبب التهديد الرباين يف قوله تعالى‪{ :‬ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ‬
‫(( ( الجواب الكايف (‪ )281-276‬باختصار‪.‬‬
‫((( نسب شارح ابن ماجة هذين البيتين إلى الشافعي‪ ،‬انظر شرح ابن ماجة (‪ ،)286/1‬وذكره النووي يف‬
‫األذكار (‪ ،)783/1‬ويف مجمع األمثال (‪.)303/2‬‬
‫‪93‬‬
‫دراسة موضوعات سورة النور‬
‫ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ‬
‫ﮫ ﮬﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙﯚ}‪.‬‬
‫واهلل تعالى نسأل أن يحفظ ألسنتنا ناطق ًة وصامته‪ ،‬وأن يكون كالمنا وصمتنا‬
‫موافقا لما أمرنا به سبحانه وأمرنا به رسوله ﷺ‪.‬‬

‫والحمد هلل رب العالمين‪.‬‬


‫‪94‬‬
‫ئاقولا ةيعامتجالا بادآلا ‪:‬يناثلا بابلا‬

‫‪ ‬الباب الثاني‬
‫اآلداب االجتماعية الوقائية‬
‫الباب الثاني‪ :‬اآلداب االجتماعية الوقائية‬

‫تمهيد‪:‬‬
‫إن اإلسالم دين شامل كامل لكل نواحي الحياة وهو دين الفطرة فهو ال يحارب‬
‫الفطرة اإلنسانية بل إنه ينظمها وينظفها‪ ،‬وال يرتب العقوبة على أمر إال وقد جعل له‬
‫أمورا تقي منه فهو يضيق سبل الغواية والفساد والفتنة واإلثارة ويفتح باب الطهارة‬
‫ً‬
‫والنظافة والعفاف‪.‬‬
‫أمور وقائية‪ ،‬تقي المجتمع‬
‫فهذه اآلداب االجتماعية المذكورة يف هذه السورة هي ٌ‬
‫من الوقوع يف الزنا والفواحش‪ ،‬ولذلك يجب علينا أن ننظر إليها نظرة متأنية لكي‬
‫طاهرا عفي ًفا ال تنتشر فيه الفاحشة‪ ،‬بل وال ما هو‬
‫ً‬ ‫يصبح المجتمع كله مجتم ًعا نظي ًفا‬
‫أقل من ذلك من األمور التي قد تؤدي إلى الفاحشة‪.‬‬
‫ولذلك كان الخطاب يف آيات اآلداب يأيت مقرونا باإليمان أو الخطاب للمؤمنين‪،‬‬
‫«وهذا إشارة إلى أن اهلل جل وعال يريد لألمة المؤمنة أن تبني مجتمعها على الذوق‬
‫واألدب والنضوج الحضاري والعفة»(((‪.‬‬
‫والوقاية تأيت بمعنى الصيانة‪ ،‬والمراد هنا‪ :‬صانه وسرته عن األذى وحفظه‬
‫وحماه(((‪ ،‬كما قال تعالى‪{ :‬ﰖ ﰗ ﰘ ﰙ ﰚ ﰛ ﰜ} [الرعد‪ ،]34:‬وقوله‪{ :‬ﭼ ﭽ‬
‫ﭾ ﭿ ﮀ} [اإلنسان‪ ،]11:‬وتسمى الوقاية‪ُ :‬جنَّة‪ ،‬وعرب به عن الصيام كما يف الحديث‬
‫(( ( من لطائف التفسير (‪.)417/2‬‬
‫((( ينظر‪ :‬تاج العروس للزبيدي (‪.)226/40‬‬
‫‪95‬‬
‫دراسة موضوعات سورة النور‬
‫الصحيح‪« :‬والصوم جنة»(((؛ ألنه يقي صاحبه ما يؤذيه من الشهوات‪.‬‬
‫عما‬
‫والمقصود هبذا الباب‪ :‬االحرتاز بطاعة اهلل عن عقوبته‪ ،‬وذلك بصيانة النفس َّ‬
‫تستحق به العقوبة من فع ٍل أو ترك‪.‬‬
‫باب غال ًبا‪ ،‬ولذا فقد شملت‬
‫ومجاالت الوقاية يف اإلسالم كثيرة‪ ،‬ال يخلو منها ٌ‬
‫مناحي الحياة الفردية والجماعية‪ ،‬وقد استعمل علماء األصول معاين مطابقة لمفهوم‬
‫ٌ‬
‫مبحث‬ ‫الوقاية‪ ،‬فمن إطالقاهتم‪ :‬الذريعة‪َ ،‬سدُّ الذرائع‪ ،‬در ُء المفاسد ونحو ذلك‪ ،‬وهو‬
‫جميل من مباحث العلم بحاجة لبسط وجمع لمسائله وبيان محاسن اإلسالم فيه‪.‬‬
‫وعليه فاآلداب االجتماعية الوقائية التي ذكرها اهلل يف هذه السورة هي‪:‬‬
‫‪1-1‬أدب االستئذان‪.‬‬
‫‪2-2‬أدب غض البصر‪.‬‬
‫‪3-3‬أدب الزينة‪.‬‬
‫‪4-4‬مشروعية الزواج‪.‬‬
‫آداب داخل البيت الواحد‪.‬‬
‫‪ٌ 5-5‬‬
‫وإليك بياهنا كما وردت يف كتاب اهلل عامة ويف آيات هذه السورة خاصة‪:‬‬

‫((( أخرجه البخاري‪ ،‬كتاب الصوم‪ ،‬باب‪ :‬هل يقول‪ :‬إين صائم (‪ )1805‬و(‪ ،)5074‬ومسلم‪ ،‬كتاب الصيام‪،‬‬
‫باب فضل الصيام (‪.)1151‬‬
‫‪96‬‬
‫ذئتسالا بدأ ‪:‬لوألا لصفلا‬ ‫يناثلا بابلا‬

‫‪ ‬الفصل األول‬
‫أدب االستئذان‬
‫الفصل األول‪ :‬أدب االستئذان‬ ‫الباب الثاني‬

‫قال تعالى‪{ :‬ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ‬


‫ﯻﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁﰂ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚﭛ ﭜ‬
‫ﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ ﭢ ﭣ ﭤﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ‬
‫ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼﭽ}‪.‬‬
‫وقوله تعالى‪{ :‬ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ‬
‫ﯘ ﯙ ﯚﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨﯩ ﯪ ﯫ‬
‫ﯬﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ‬
‫ﯿﰀ ﰁ ﰂ ﰃﰄ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ‬
‫ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥﭦ}‬
‫والكالم عليها يندرج يف مبحثين‪:‬‬
‫‪97‬‬
‫دراسة موضوعات سورة النور‬

‫‪ ‬املبحث األول‬
‫أهمية االستئذان وجماالته‬

‫حرصت الشريعة اإلسالمية على تحصيل مقاصد عليا ومصالح كلية‪ ،‬تنتظم هبا‬
‫حياة الناس ويتحقق لهم الخير والفالح يف الدنيا واآلخرة‪.‬‬
‫ومن هذه المقاصد السامية حفظ األعراض ورعاية الحقوق والحرمات؛‬
‫ٍ‬
‫وآداب ُتحفظ هبا األعراض و ُترعى هبا الحرمات‪ ،‬وتسود من‬ ‫ٍ‬
‫بتشريعات‬ ‫وذلك‬
‫خاللها الفضيلة يف المجتمع المسلم‪ ،‬ومن اآلداب التي تحقق هذا المقصد الرفيع‪:‬‬
‫حظ ٍ‬
‫وافر من التشريعات والتعاليم‬ ‫أدب االستئذان‪ ،‬وقد اشتملت السنة النبوية على ٍ‬

‫التي تقرر هذا األدب وتحث عليه‪ ،‬وتدل الناس على التأدب به بالطريقة المثلى‬
‫واألداء القويم‪.‬‬
‫فإنه «لما خصص اهلل سبحانه ابن آدم‪ -‬الذي كرمه وفضله‪ -‬بالبيوت‪ ،‬وسرته فيها‬
‫عن األبصار‪ ،‬وملكه االستمتاع هبا على اإلنفراد؛ حجر على الخلق أن ي َّطلعوا على ما‬
‫فيها من خارج‪ ،‬أو يلجوها من غير ٍ‬
‫إذن‪ ،‬وأ َّدهبم بما يرجع السرت عليهم لئال يطلع أحد‬
‫منهم على عورة»(((‪.‬‬
‫ولكي نستوعب أهمية األدب اإلسالمي نعود بالمخ ِّيلة إلى الزمن ا َّلذي نزلت‬
‫فيه هذه اآليات‪ ،‬ونمط السلوك ا َّلذي كان عليه أهل ذلك الزمان! فقد ال ندرك أهمية‬
‫تحولوا بفضل‬
‫هذه التعاليم ما لم نتخ َّيل حياة الجاهلية وخشونتهم‪ ،‬وكيف أهنم َّ‬
‫الخاصة والعا َّمة‪ ،‬فال‬
‫َّ‬ ‫اإلسالم إلى‪ ‬سادة َّ‬
‫مهذبين‪ ،‬يحرتمون اآلخرين يف حياهتم‬

‫((( الجامع ألحكام القرآن (‪.)212/12‬‬


‫‪98‬‬
‫ذئتسالا بدأ ‪:‬لوألا لصفلا‬ ‫يناثلا بابلا‬

‫يقتحمون عليهم بيوهتم‪ ،‬وال يتط َّفلون عليها‪ ‬كما كانوا يفعلون قبل اإلسالم‪ ،‬فقد‬
‫كان أحدهم يدخل البيت‪ ،‬ثم يقول‪ :‬لقد دخلت! أ ًّيا كانت الحالة ا َّلتي يكون عليها‬
‫صاحب الدار وأهله‪.‬‬
‫من أجل هذا أ َّدب اهلل المسلمين هبذا األدب العالي‪ ،‬أدب االستئذان قبل الدخول‬
‫والسالم على أهلها‪ ،‬إليناسهم وإزالة الوحشة من نفوسهم‪ .‬وبذلك غدت‬
‫إلى البيوت َّ‬
‫البيوت‪ ‬ح َر ًما آمنًا‪ ،‬ال يستبيح أحد دخوله‪ ‬إال بعلم أهله وإذهنم‪ ،‬ويف الوقت ا َّلذي‬
‫َ‬
‫يريدون‪ ،‬وعلى الحالة ا َّلتي يح ُّبون أن يلقاهم الناس عليها‪.‬‬
‫فجعل اهلل البيوت سكنًا يفيء إليها الناس‪ ،‬فتسكن أرواحهم‪ ،‬وتطمئن نفوسهم‪،‬‬
‫ويؤمنون على عوراهتم وحرماهتم‪ ،‬والبيوت ال تكون كذلك إال حين تكون حر ًما آمنًا‬
‫ال يستبيحه أحد إال بعلم أهله أو إذهنم‪ ،‬ويف الوقت الذي يريدون‪ ،‬وعلى الحالة التي‬
‫يحبون أن يلقوا عليها الناس‪.‬‬
‫وإن استباحة حرمة البيت من الداخلين دون استئذان‪ ،‬يجعل أعينهم تقع على‬
‫ٍ‬
‫عورات‪ ،‬وتلتقي بمفات َن ُتثير الشهوات‪ ،‬و ُتهيئ الفرصة للغواية الناشئة من اللقاءات‬
‫ٍ‬
‫قاصدة‪ ،‬تحركها الميول‬ ‫ٍ‬
‫نظرات‬ ‫العابرة والنظرات الطارئة‪ ،‬والتي قد تتكرر فتتحول إلى‬
‫عالقات ٍ‬
‫آثمة بعد‬ ‫ٍ‬ ‫انتظار‪ ،‬وتحولها إلى‬‫ٍ‬ ‫التي أيقظتها اللقاءات األولى على غير ٍ‬
‫قصد وال‬
‫ٍ‬
‫محرمة تنشأ عنها ال ُع َقد النَّفس َّية واالنحرافات السلوكية‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫شهوات‬ ‫بضع خطوات‪ ،‬أو إلى‬
‫وأبرز ثمرات االستئذان‪:‬‬
‫ •إنما يهتم القرآن هبذه الجزئية من الحياة االجتماعية؛ ألنه يعالج الحياة‬
‫كل ًّيا وجزئ ًّيا‪.‬‬
‫ •االستئذان على البيوت يحقق للبيوت حرمتها التي تجعل منها مثاب ًة وسكنًا‪.‬‬
‫ •االستئذان على البيوت يقضي على الفتنة ويقلع جذورها قبل وقوعها‪.‬‬
‫‪99‬‬
‫دراسة موضوعات سورة النور‬
‫ •االستئذان على البيوت يوفر على أهلها الحرج من المفاجئة والضيق بالمباغتة‪.‬‬
‫ •االستئذان على البيوت يحقق حفظ العورات‪ ،‬وهي عورات كثيرة‪ ،‬فهي ليست‬
‫عورات البدن فحسب‪ ،‬بل يضاف إليها عورات الطعام‪ ،‬وعورات اللباس‪،‬‬
‫وعورات المتاع واألثاث التي قد ال يحب أهلها أن يفاجئهم عليها الناس دون‬
‫هتيئة وتجمل وإعداد‪.‬‬
‫ •االستئذان يحفظ على البيوت عورات المشاعر والحاالت النفسية‪ ،‬فالمر ُء ال‬
‫يغضب‬ ‫مؤثر‪ ،‬أو‬ ‫ٍ‬
‫النفعال ٍ‬ ‫ٍ‬
‫ضعف؛ يبكي‬ ‫ٍ‬
‫حالة من‬ ‫يحب أن يراه الناس وهو يف‬
‫ُ‬
‫مثير‪ ،‬أو يتوجع ٍ‬
‫أللم يخفيه عن الغرباء‪ ...‬الخ‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫لشأن ٍ‬

‫مجاالت االستئذان‪:‬‬
‫تعددت المجاالت والمناسبات التي ُشرع االستئذان لها يف الشريعة‪ ،‬فمن ذلك‪:‬‬
‫جليسهما الثالث ليتناجيا‪ ،‬ودليله ماثبت عن النبي ﷺ قال‪:‬‬ ‫َ‬ ‫‪1.1‬استئذان الجليسين‬
‫«إذا كنتم ثالثة فال يتناجى اثنان دون الثالث إال بإذنه‪ ،‬فإن ذلك ُي ْح ِزنه»(((‪.‬‬
‫‪2.2‬االستئذان عند الجلوس إلى اثنين يتناجيان‪ ،‬قال النبي ﷺ‪« :‬إذا تناجى اثنان فال‬
‫تجلس إليهما حتى تستأذنهما»(((‪.‬‬
‫يفرق‬ ‫ٍ‬
‫لرجل أن ِّ‬ ‫‪3.3‬االستئذان للجلوس بين شخصين‪ ،‬فقد قال النبي ﷺ‪« :‬ال يحل‬
‫بين اثنين إال بإذنهما»(((‪ ،‬وإنما هني عن ذلك وأمر باالستئذان يف هذا المقام؛‬
‫(( ( أخرجه البخاري كتاب االستئذان باب إذا كانوا أكثر من ثالثة (‪ ،)5930‬ومسلم يف السالم باب تحريم‬
‫مناجاة االثنين دون الثالث بغير رضاه (‪.)2183‬‬
‫((( أخرجه‪ ‬أحمد يف المسند (‪ )5949‬والبخاري يف األدب المفرد (‪ ،)1166‬وحسنه‪ ‬ابن حجر يف الفتح‬
‫(‪ )70/11‬من رواية أحمد‪ ،‬وحسنه األرناؤوط يف تعليقه على المسند‪ ،‬وصححه األلباين يف الصحيحة‬
‫(‪ )1395‬ويف األدب المفرد‪.‬‬
‫الرج َلين بغير إذهنما (‪ ،)4845‬والرتمذي‬
‫((( أخرجه‪ ‬أبو داود كتاب األدب باب يف الرجل يجلس بين ُ‬
‫أبواب األدب عن رسول‪ ‬اهلل ﷺ باب ما جاء يف كراهية الجلوس بين الرجلين بغير إذهنما (‪=،)2752‬‬
‫‪100‬‬
‫ذئتسالا بدأ ‪:‬لوألا لصفلا‬ ‫يناثلا بابلا‬
‫ٍ‬
‫وأمانة فيشق عليهما التفريق‬ ‫وجريان ِس ٍّر‬
‫ُ‬ ‫ألنه قد يكون بينهما محب ٌة ومود ٌة‬
‫بجلوسه بينهما‪.‬‬
‫فعن‪ ‬ج َبلة‪ ‬قال‪« :‬كنا بالمدينة‪ ،‬فأصابتنا‬
‫َ‬ ‫‪4.4‬االستئذان يف اإلقران يف أكل التمر‪،‬‬
‫سنة‪ ،‬فكان‪ ‬ابن الزبير‪ ‬ﭭ يرزقنا التمر‪ ،‬وكان ابن عمر ﭭ َي ُم ُّر بنا فيقول‪:‬‬
‫ال تقرنوا‪ ،‬فإن النبي ﷺ «نهى عن اإلقران‪ ،‬إال أن يستأذن الرجل منكم أخاه»(((‪.‬‬
‫قال‪ ‬ابن األثير‪ ‬يف معنى ِ‬
‫القران‪ :‬وهو أن يقرن بين التمرتين يف األكل(((‪.‬‬

‫= والبخاري يف األدب المفرد (‪ )1142‬وصححه‪ ‬األلباين‪.‬‬


‫(( ( أخرجه‪ ‬البخاري كتاب المظالم باب إذا أذن إنسان آلخر شيئا جاز (‪ ،)2323‬ومسلم يف األشربة باب‬
‫هني اآلكل مع جماعة عن قران تمرتين ونحوهما (‪.)2045‬‬
‫((( النهاية يف غريب الحديث (‪.)52/4‬‬
‫‪101‬‬
‫دراسة موضوعات سورة النور‬

‫‪ ‬املبحث الثاني‬
‫أحكام االستئذان وآدابه‬

‫لالستئذان أحكام وآداب كثيرة يجب مراعاهتا لتستقيم حياة الناس وتسموا‬
‫أخالقهم‪ ،‬ويمكن أن نجمل هذه األحكام واآلداب((( يف النقاط التالية‪:‬‬
‫‪ -1‬اختيار األوقات المناسبة‪:‬‬
‫قال تعالى‪{ :‬ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ‬
‫ﯙ ﯚﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ}‪.‬‬
‫فإن هناك أوقا ًتا ال يحب الناس أن يستأذن عليهم أحد فيها‪ ،‬كالوقت المتأخر من‬
‫الليل‪ ،‬أو الصباح الباكر جدً ا‪ ،‬أو عند وقت الظهيرة وغيرها من األوقات التي تكون فيها‬
‫الراحة غال ًبا‪ ،‬أو الشغل‪ ،‬أو يف ظروف خاصة يف بيت المزار‪.‬‬
‫ويف وقتنا هذا تيسرت وسائل االتصال‪ ،‬فيمكن لإلنسان أن يتصل بالذي يريد‬
‫زيارته قبل أن يأتيه وينبهه على أنه سيزوره يف الوقت المحدد‪ ،‬أو أن يحدد له صاحب‬
‫البيت الوقت المناسب للزيارة‪ ،‬لما فيه من من ٍع لإلحراج وتحصي ٍل المنفعة‪.‬‬
‫‪ -2‬االستئذان قبل الزيارة‪:‬‬
‫قال تعالى {ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ‬
‫ﯻﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁﰂ}‪ .‬قال ابن عباس‪ :‬االستئناس هو االستئذان(((‪.‬‬
‫(( ( لقد رجعت إلى عدة كتب يف األخالق واآلداب الستنباط تلك اآلداب‪ ،‬وانظر باألخص كتاب‬
‫اآلداب لفؤاد‪ ‬بن عبدالعزيز الشلهوب‪ ،‬وموسوعة اآلداب اإلسالمية لعبدالعزيز‪ ‬بن فتحي السيد‬
‫ندا‪ ،‬وكتب التفسير لالستزادة‪.‬‬
‫((( تفسير القرآن العظيم البن كثير (‪.)37/6‬‬
‫‪102‬‬
‫ذئتسالا بدأ ‪:‬لوألا لصفلا‬ ‫يناثلا بابلا‬
‫ولفظ اآلية يوحي بأن على القادم أن يتأكد من أن أهل البيت سيأنسون لوجوده‪،‬‬
‫وال ينزعجون؛ وذلك عن طريق االستئذان‪ ،‬ولذلك قال اهلل تعالى‪{ :‬ﮕ ﮖ‬
‫ﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨ‬
‫ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ‬
‫ﯚ ﯛ ﯜ ﯝﯞ} [سورة‪ ‬األحزاب‪.]53 ‬‬
‫ٍ‬
‫وجه‬ ‫«فاالستئناس فيه إعالم أصحاب البيت وإشعارهم بالقدوم عليهم بأي‬
‫ممكن‪ ،‬مع العلم أن إعالم أهل البيت بالقدوم ال يعد إذنًا له بالدخول ولكن ال بد من‬
‫االستئذان»(((‪.‬‬
‫خير للطرفين فال يوقع الزائر يف حرجٍ ‪ ،‬ويف النظر إلى ما حرم اهلل‬
‫وهذا االستئذان ٌ‬
‫خير لصاحب البيت لالستعداد والتهيئة الستقبال الزائر‪ ،‬ولذا قال تعالى‪:‬‬
‫عليه‪ ،‬وهو ٌ‬
‫{ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁﰂ}‪.‬‬
‫‪ -3‬السنة السالم واالستئناس‪:‬‬
‫قال تعالى‪{ :‬ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ‬
‫ﯻﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁﰂ}‪ .‬وقال تعالى‪{ :‬ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ‬
‫ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ‬
‫ﯰﯱ}‪.‬‬
‫وقد سئل النبي ﷺ على االستئناس فقال‪« :‬يتكلم الرجل بتسبيحة‪ ،‬وتحميدة‪،‬‬
‫ويتنحنح فيأذن أهل البيت»(((‪ ،‬فهذا ٌ‬
‫دليل على أن االستئذان يختلف عن االستئناس‪.‬‬
‫(( ( من موضوعات سور القرآن (سورة النور) (ص‪.)34‬‬
‫((( أخرجه ابن أبي شيبة يف المصنف (‪ ،)607/8‬وابن ماجه كتاب األدب باب االستئذان (‪،)3707‬‬
‫المعجم الكبير للطرباين (‪ ،)178/4‬وضعفه األلباين يف ضعيف سنن ابن ماجه (‪ ،)3707‬وقد أورده =‬
‫‪103‬‬
‫دراسة موضوعات سورة النور‬
‫قبل أن يستأذن الزائر بالدخول على ٍ‬
‫أحد أن يسلم ثم يستأذن‪،‬‬ ‫ومن اآلية ُيعلم أنه َ‬
‫ولما ورد عن ابن عباس ﭭ أن عمر‪ ‬بن الخطاب ﭬ استأذن على النبي ﷺ فقال‪:‬‬
‫«السالم على رسول‪ ‬اهلل‪ ،‬السالم عليكم‪ ،‬أيدخل عمر؟»(((‪ ،‬فهنا بدأ بالسالم قبل‬
‫االستئذان‪.‬‬
‫وعن أنس‪ ‬بن مالك ﭬ‪ :‬أن رسول‪ ‬اهلل ﷺ استأذن على سعد‪ ‬بن عبادة ﭬ‬
‫فقال‪« :‬السالم عليكم ورحمة اهلل»‪ .‬فقال سعد‪ :‬وعليكم السالم ورحمة اهلل ولم يسمع‬
‫النبي ﷺ حتى سلم النبي ﷺ ثالثا‪ ،‬ورد عليه سعد ثالثا ولم يسمعه‪ .‬فرجع النبي ﷺ‪،‬‬
‫واتبعه سعد فقال‪ :‬يا رسول‪ ‬اهلل بأبي أنت وأمي‪ ،‬ما سلمت تسليمة إال وهي بأذين‪،‬‬
‫ولقد رددت عليك ولم ُأ ْس ِم ْعك‪ ،‬وأردت أن أستكثر من سالمك ومن الربكة‪ ،‬ثم‬
‫فقرب إليه زبي ًبا‪ ،‬فأكل نبي اهلل ﷺ‪ ،‬فلما فرغ قال‪« :‬أكل طعامكم األبرار‪،‬‬
‫أدخله البيت‪َّ ،‬‬
‫وصلت عليكم المالئكة‪ ،‬وأفطر عندكم الصائمون»(((‪.‬‬
‫‪ -4‬أن يقف المستأذن عن يمين أو شمال الباب‪:‬‬
‫رب‬ ‫ٍ‬
‫وذلك حتى ال يقع بصره على موضع ال يحل له النظر إليه‪ ،‬أو على شيء يكره ُّ‬
‫ٍ‬
‫ألحد رؤيته‪ ،‬فاالستئذان إنما شرع من أجل البصر‪ ،‬قال عليه الصالة والسالم‪:‬‬ ‫الدار‬
‫«إنما جعل االستئذان من أجل البصر»(((‪.‬‬
‫= ابن حجر يف فتح الباري (‪ ،)8/11‬ولم يتكلم عليه فهو حسن عنده‪.‬‬
‫((( األدب المفرد باب كيف االستئذان‪ ،‬قال األلباين ‪ :$‬صحيح اإلسناد‪ ،‬صحيح األدب المفرد‬
‫(ص‪.)1085( )420‬‬
‫((( أخرجه أبو داود كتاب األطعمة باب ما جاء يف الدعاء لرب الطعام إذا ُأكل عنده (‪ ،)3854‬وصححه‬
‫صائما (ح‪.)1747‬‬
‫ً‬ ‫األلباين يف صحيح سنن ابن ماجه كتاب الصيام باب ثواب من فطر‬
‫((( أخرجه البخاري كتاب االستئذان باب االستئذان من أجل البصر (‪ .)6241‬ومسلم كتاب األب باب‬
‫تحريم النظر يف بيت غيره (‪.)2156‬‬
‫‪104‬‬
‫ذئتسالا بدأ ‪:‬لوألا لصفلا‬ ‫يناثلا بابلا‬
‫وعن عبداهلل‪ ‬بن بسر ﭬ قال‪ :‬كان رسول‪ ‬اهلل ﷺ إذا أتى باب قوم لم يستقبل‬
‫الباب من تلقاء وجهه‪ ،‬ولكن من ركنه األيمن أو األيسر‪ ،‬ويقول‪« :‬السالم عليكم»‪،‬‬
‫ستور(((‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫يومئذ‬ ‫وذلك أن الدُ ور لم يكن عليها‬
‫ٌ‬
‫فهذه ع َّلةٌ‪ ،‬والع َّل ُة األخرى ربما كان أهل البيت ينتظرون قدوم ِّ‬
‫رب األسرة أو‬
‫ٍ‬
‫استعداد فتنكشف عورات البيت من‬ ‫ٍ‬
‫تحفظ وال‬ ‫أحدهم فظنوه القادم ففتحوا من غير‬
‫قِ َب ِل القادم‪ ،‬بخالف ما إذا راعى األدب النبوي فلم يواجه بوجهه باب المستأذن عليه‪.‬‬
‫‪ -5‬يحرم نظر الرجل يف بيت غيره إال بإذنه (غض البصر)‪:‬‬
‫قال تعالى {ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ‪{ ...}...‬ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ‬
‫ﮔ ﮕ ﮖ‪.}....‬‬
‫وقد ب َّين النبي ﷺ تخصيص العقوبة عليه يف البيوت‪ ،‬فعن أبي هريرة ﭬ عن‬
‫النبي ﷺ أنه قال‪« :‬من اطلع يف بيت قو ٍم بغير إذنهم‪ ،‬فقد َحل لهم أن يفقئوا عينه»(((‪.‬‬
‫‪ -6‬االستئذان ثالثا‪:‬‬
‫عن أبي موسى األشعري ﭬ قال‪ :‬قال رسول‪ ‬اهلل ﷺ‪« :‬إذا استأذن أحدكم ثالثا‬
‫فلم يؤذن له فليرجع»(((‪ .‬ويدخل يف ذلك َد ُّق الجرس ونحوه‪ ،‬مع مراعاة الفصل بين‬
‫مرات القرع وذلك أدعى لالستعداد وعدم اإلزعاج‪.‬‬
‫ولكن هنا سؤال‪ :‬إذا استأذن ثالثا فلم يؤذن له‪ ،‬وظن أن استئذانه لم يسمع‪ ،‬فماذا‬
‫يفعل المستأذن يف هذه الحالة؟‬
‫(( ( أخرجه أحمد يف المسند (‪ ،)17239‬والبخاري يف األدب المفرد مع اختالف لفظه‪( :‬أن النبي إذا أتى‬
‫وشمال‪ ،‬فإن ُأذن له وإال انصرف) (‪ ،)1078‬وصححه‬ ‫اً‬ ‫با ًبا يريد أن يستأذن لم يستقبله‪ ،‬جاء يمينًا‬
‫األلباين يف صحيح األدب (ص‪.)1078( )417‬‬
‫((( أخرجه مسلم كتاب األب باب تحريم النظر يف بيت غيره (‪.)2158‬‬
‫((( أخرجه مسلم كتاب اآلداب باب االستئذان (‪.)2153‬‬
‫‪105‬‬
‫دراسة موضوعات سورة النور‬
‫الجواب‪ :‬قال بعض العلماء‪ :‬يرجع عمال بظاهر الحديث‪ ،‬وقال بعضهم‪ :‬له أن‬
‫يزيد حتى يتحقق ويستيقن أن صوته ُس ِم َع(((‪ ،‬ولكن األصل أال يزيد على ثالث‪« ،‬فإذا‬
‫لم يؤذن له بعد ثالث ظهر أن رب المنزل ال يريد اإلذن‪ ،‬أو لعله يمنعه من الجواب‬
‫عذر‪ ،‬فينبغي للمستأذن أن ينصرف ألن الزيادة على ذلك قد تقلق رب المنزل‪ ،‬وربما‬
‫ٌ‬
‫يضره اإللحاح(((‪.‬‬
‫أما سن َّية التسليمات الثالث والرجوع بعد الثالثة‪ ،‬فقد وردت يف حديث زيارة‬
‫النبي ﷺ لسعد ﭬ المتقدم يف أدب السالم وغيره‪.‬‬
‫‪ -7‬التعريف بنفسه باالسم أو الكنية الصريحة المعروفة‪:‬‬
‫فال يقل المستأذن‪[ :‬أنا] إذا قيل من الطارق؟‪ ،‬وسبب ذلك أن قول المستأذن [أنا]‬
‫ليس فيه تعريف بالمستأذن‪ ،‬فالجهالة باقية على حالها‪ .‬فعن جابر ﭬ قال‪ :‬أتيت‬
‫النبي ﷺ يف ٍ‬
‫دين كان على أبي‪ ،‬فدققت الباب فقال‪« :‬من ذا؟» فقلت أنا‪ .‬فقال‪« :‬أنا‪..‬‬
‫أنا‪ »!!..‬كأنه كرهها(((‪.‬‬
‫«وإنما كره ذلك ألن هذه اللفظة ال ُيعرف صاحبها حتى ُيفصح باسمه أو كنيه‬
‫فكل ٍ‬
‫أحد ُي َع ِّب ُر عن نفسه بأنا‪ ،‬فال يحصل هبا المقصود من‬ ‫مشهور هبا‪ ،‬وإال َّ‬ ‫التي هو‬
‫ٌ‬
‫االستئذان الذي هو االستئناس المأمور به»(((‪.‬‬
‫مشتهرا‬
‫ً‬ ‫ولكن ال بأس أن يقول المستأذن‪ :‬أنا فالن أو أبو فالن‪ ،‬إذا كان معرو ًفا‬
‫بكنيته‪ ،‬ألنه بذلك أزال اإلهبام عن نفسه‪ ،‬ويذكر اسم أبيه إذا خشي وجود تشابه يف‬
‫األسماء‪ ،‬ولم يحصل التميز بالصوت لكي يزيل االشتباه‪.‬‬
‫فتح الباري (‪ ،)29/11‬شرح حديث (‪.)6254‬‬ ‫(( (‬
‫الجامع ألحكام القرآن (‪.)215/12‬‬ ‫((( ‬
‫أخرجه البخاري كتاب االستئذان باب إذا قال‪ :‬من ذا؟ فقال‪ :‬أنا (‪ ،)6250‬ومسلم كتاب اآلداب باب‬ ‫((( ‬
‫كراهية قول المستأذن أنا‪ ،‬إذا قيل من هذا (‪.)2155‬‬
‫تفسير القرآن العظيم البن كثير (‪.)37/6‬‬ ‫((( ‬
‫‪106‬‬
‫ذئتسالا بدأ ‪:‬لوألا لصفلا‬ ‫يناثلا بابلا‬
‫‪ -8‬ينبغي للمستأذن أال يدق الباب بعنف‪:‬‬
‫لما يف ذلك من سوء األدب‪ ،‬فعن أنس‪ ‬بن مالك أنه قال‪« :‬إن أبواب النبي ﷺ‬
‫كانت تقرع باألظافر»(((‪« .‬وهذا محمول منهم على المبالغة يف األدب‪ ،‬وهو حسن لمن‬
‫قرب محله من بابه‪ ،‬أما من بعد عن الباب بحيث ال يبلغه صوت القرع بالظفر فيستحب‬
‫أن يقرع بما فوق ذلك بحسبه»(((‪.‬‬
‫‪ -9‬إذا قال صاحب البيت للمستأذن ارجع فليرجع‪:‬‬
‫قال تعالى‪{ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ‬
‫ﭠﭡ ﭢ ﭣ ﭤﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩﭪ}‪ .‬قال قتادة‪« :‬قال بعض المهاجرين‪ :‬قد‬
‫طلبت عمري كله هذه اآلية فما أدركتها‪ ،‬أن أستأذن على بعض إخويت فيقول لي ارجع‬
‫مسرور الستجابة أمر اهلل‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫فرح‬
‫فأرجع وأنا مغتبط»((( أي‪ٌ :‬‬
‫«واستعمل القرآن كلمة {ﭟ} مع أهنا قد ال تقال أبدً ا للزائر‪ ،‬ولكن القرآن‬
‫ٍ‬
‫كلمة غيرها؛ كأن‬ ‫الكريم استعمل أبعد االحتماالت حتى ال يغضب المستأذن من أي‬
‫يقال‪ :‬أنا مشغول ونحوها‪.(((».‬‬
‫بحسن نِ َّية‪ ،‬فقد يكون ال يستطيع أن يبدي‬
‫ِ‬ ‫ويجب على القادم أن يستقبل رد أخيه له‬
‫للزائر سبب عدم استقباله‪ .‬فاآلية تعني‪ :‬ارجعوا دون أن تجدوا يف أنفسكم غضاضة‪،‬‬
‫ودون أن تستشعروا من أهل البيت اإلساءة عليكم أو النفرة منكم‪ ،‬فللناس أسرار‬
‫وأعذار‪ ،‬ويجب أن يرتك لهم وحدهم تقدير ظروفهم ومالبساهتم يف كل حين‪.‬‬
‫أخرجه البخاري يف األدب المفرد (‪ .)1080‬وقد أورده الحافظ‪ ‬بن حجر يف فتح الباري (‪.)38/11‬‬ ‫((( ‬
‫وصححه األلباين يف صحيح األدب المفرد (‪.)1080‬‬
‫فتح الباري (‪ ،)38/11‬شرح حديث (‪.)6250‬‬ ‫(( (‬
‫تفسير القرآن العظيم البن كثير (‪.)41/6‬‬ ‫((( ‬
‫من لطائف التفسير (‪.)419/2‬‬ ‫((( ‬
‫‪107‬‬
‫دراسة موضوعات سورة النور‬
‫اً‬
‫فضل عن عامة‬ ‫وهذا األدب يكاد ينسى حتى بين الصالحين طالب العلم!!‬
‫الناس‪ ،‬بل ربما أثاروا المحاكمات والخصومات ألن فال ًن َا َر َّد فالنًا أو لم يستقبله‬
‫ووضع فيها أسوأ االحتماالت واالهتامات‪ ،‬ولذا ساءت عالقة الناس ببعضهم وتفرق‬
‫شمل كثير من األسر واإلخوان واألصدقاء بسبب ذلك!! حتى غلب على الناس اليوم‬
‫ترك هذا األدب والمجاملة المقيتة مع النكد وعدم االستئناس واالنبساط للضيف‪،‬‬
‫وانفجار األمور ألتفه األسباب وكل ذلك بسبب ترك األمر {ﭟ} ولذا فقدوا ما‬
‫بعدها {ﭢ ﭣ ﭤ} فرتكنا الزكاء والخير الذي جاء به العليم بأحوال عباده‪.‬‬
‫وهكذا يسري األدب المذكور يف اآلية على الهاتف والجوال‪ ،‬وركوب السيارة‬
‫واالنتفاع بالمتاع وغيرها مما يلزم فيه االستئذان‪.‬‬
‫‪ -10‬ال يدخل المستأذن الدار إن لم يكن بها أحد‪:‬‬
‫قال تعالى‪{ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚﭛ}‪ .‬ألن ذلك ٍ‬
‫تعد على‬
‫حقوق اآلخرين «وذلك لما فيه من التصرف يف ملك الغير بغير إذنه فإن شاء أذن وإن‬
‫شاء لم يأذن»(((‪ .‬ثم ختم اهلل اآلية بقوله‪{ :‬ﭦ ﭧ ﭨ ﭩﭪ} فهذا توعد ألهل‬
‫التجسس على البيوت وطلب الدخول على غفلة(((‪.‬‬
‫‪ -11‬جواز الدخول يف البيوت التي ليس فيه أحد إذا كان له فيها متاع‪:‬‬
‫كالبيت المعد للضيف إذا أذن له فيه أول مرة‪ ،‬وقال بعض العلماء‪ :‬هي بيوت‬
‫التجارة ومنازل األسفار(((‪ .‬قال تعالى‪{ :‬ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ‬
‫ﭴ ﭵﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼﭽ}‪.‬‬
‫(( ( تفسير القرآن العظيم البن كثير (‪.)41/6‬‬
‫((( الجامع ألحكام القرآن (‪.)220/12‬‬
‫((( تفسير القرآن العظيم البن كثير (‪ ،)41/6‬وكانت ُتسمى بالخانات‪ ،‬واليوم يسموهنا فنادق ومنازل‬
‫المسافرين‪.‬‬
‫‪108‬‬
‫ذئتسالا بدأ ‪:‬لوألا لصفلا‬ ‫يناثلا بابلا‬
‫(((‬
‫«فإذا كان لك بعض أغراض أو منافع يف خربة((( أو خان((( أو فندق أو رباط‬
‫مخصص أو عام إذا كنت تستطيع أن تفتح وتدخل دون استئذان‪ .‬لكن اآلية قد ختمها‬
‫اهلل بقوله {ﭵﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼﭽ} حتى ال يستغل الناس دخول‬
‫األماكن الخربة والخانات والفنادق واألربطة استغالال سيئا فيعصون اهلل فيها وهم‬
‫يتظاهرون أهنم نزالء‪ ،(((».‬وذلك بشرط أن تكون مباحة مفتوحة‪ ،‬فأما إذا كانت ذات‬
‫ٍ‬
‫وأبواب فال إال بإذن خاص لذلك‪.‬‬ ‫ناظر‪ ،‬أو الدار ذات ٍ‬
‫سور‬ ‫حارس أو ق ّي ٍم أو ٍ‬
‫ٍ‬
‫‪ -12‬االستئذان عند إرادة القيام واالنصراف من المجلس‪:‬‬
‫وهذا أدب نبوي رفيع‪ ،‬يوجه الزائر إلى سلوك األدب يف االنصراف‪ ،‬فكما أن‬
‫أيضا‪ ،‬ولعل العلة يف ذلك ‪ -‬واهلل‬
‫دخولك كان باالستئذان فليكن انصرافك باالستئذان ً‬
‫أعلم هو خشية وقوع البصر على شيء ال يحل النظر إليه‪ ،‬فعن ابن عمر ﭭ قال‪ :‬قال‬
‫رسول‪ ‬اهلل ﷺ‪« :‬إذا زار أحدكم أخاه فجلس عنده‪ ،‬فال يقومن حتى يستأذنه»(((‪.‬‬
‫وأيضا أن ذلك فيه احرتام لرب البيت ألن الزائر إذا خرج بدون استئذان فهذا يدل‬
‫ً‬
‫على عدم تقديره واهتمامه بصاحب البيت فعن أبي هريرة ﭬ قال‪ :‬قال رسول‪ ‬اهلل‬
‫ﷺ‪« :‬إذا انتهى أحدكم إلى المجلس فليسلم‪ ،‬فإذا أراد أن يقوم فليسلم‪ ،‬فليست األولى‬
‫بأحق من األخرى»(((‪.‬‬
‫الخربة‪ :‬البيت المهجور‪.‬‬ ‫(( (‬
‫والمدَ ائن‪.‬‬
‫رق َ‬ ‫ْدق بلغة َأهل الشام خان من هذه الخانات التي ينزلها الناس مما يكون يف ال ُّط ُ‬
‫خان و ُفن ٌ‬
‫ٌ‬ ‫((( ‬
‫انظر‪ :‬اللسان (‪.)313/10‬‬
‫رباط‪ :‬هي األوقاف‪.‬‬ ‫(( (‬
‫من لطائف التفسير (‪.)419/2‬‬ ‫((( ‬
‫رواه أبوالشيخ يف تاريخ أصبهان (‪ ،)113‬وصححه األلباين يف السلسلة الصحيحة (‪.)182( )304/1‬‬ ‫((( ‬
‫أخرجه الرتمذي كتاب االستئذان باب التسليم عند القيام (‪ ،)2706‬وقال حديث حسن‪ .‬وأبو داود‬ ‫((( ‬
‫كتاب األدب باب يف السالم إذا قام من المجلس (‪ ،)5210‬وقال األلباين حسن صحيح‪ ،‬والبخاري يف‬
‫األدب المفرد (‪.)1008‬‬
‫‪109‬‬
‫دراسة موضوعات سورة النور‬
‫‪ -13‬االستئذان على األم ومن يف حكمها من المحارم‪:‬‬
‫كاألخت‪ ،‬والعمة‪ ،‬والخالة‪ .....‬وذلك لكي ال يقع البصر على عورة‪ ،‬أو هيئة‬
‫تكره النساء أن يراه ّن أحدٌ على تلك الحالة‪ ،‬فقد سأل رجل حذيفة‪ ‬بن اليمان ﭬ‬
‫فقال‪ :‬أأستأذن على أمي؟ فقال «إن لم تستأذن عليها رأيت ما تكره»(((‪.‬‬
‫ذكر ابن جرير‪« :‬وأخربين ابن طاووس عن أبيه قال‪ :‬ما من امرأة أكره إلي من أن‬
‫أرى عورهتا من ذات محرم‪ .‬قال‪ :‬وكان يشدد يف ذلك»(((‪.‬‬
‫‪ -14‬استحباب تنبيه الزوجة عند الدخول‪:‬‬
‫كي ال يرى الزوج ما يبغضه من زوجته‪ ،‬أو تكون الزوجة على حال ال تود أن‬
‫يراها زوجها وهي عليها‪ ،‬ولهذا جاء عن رسول‪ ‬اهلل ﷺ‪« :‬أنه كره أن يأيت الرجل أهله‬
‫ليال»(((‪.‬‬
‫ويف الحديث اآلخر‪ :‬أن رسول‪ ‬اهلل قدم المدينة هنارا أناخ بظاهرها‪ ،‬وقال (انتظروا‬
‫حتى ندخل عشاء ‪ -‬يعني آخر النهار ‪ -‬حتى تتمشط الشعثة وتستحد المغيبة)(((‪.‬‬
‫‪ -15‬استئذان أهل البيت على بعضهم‪:‬‬
‫قال تعالى‪{ :‬ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ‬
‫ﯙ ﯚﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨﯩ ﯪ ﯫ ﯬﯭ‬
‫ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ‬
‫ﯿﰀ ﰁ ﰂ ﰃﰄﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ‬
‫ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥﭦ}‬
‫أخرجه البخاري األدب المفرد (‪ ،)1060‬وحسنه األلباين يف صحيح األدب المفرد (‪.)1060‬‬ ‫(( (‬
‫تفسير القرآن العظيم البن كثير (‪.)39/6‬‬ ‫((( ‬
‫أخرجه البخاري كتاب النكاح باب ال يطرق أهله ليلاً إذا أطال الغيبة (‪.)5243‬‬ ‫((( ‬
‫أخرجه البخاري كتاب النكاح باب وتستحد المغيبة‪ ،‬تمشط الشعثة (‪.)5247‬‬ ‫((( ‬
‫‪110‬‬
‫ذئتسالا بدأ ‪:‬لوألا لصفلا‬ ‫يناثلا بابلا‬
‫«أمر اهلل تعالى المؤمنين أن يستأذهنم خدمهم مما ملكت أيماهنم‪ ،‬وأطفالهم‬
‫الذين لم يبلغوا الحلم تنبيها على أن من بلغ الحلم من باب أولى أن يستأذن‪ .‬وهذا‬
‫االستئذان يكون يف ثالث أحوال‪:‬‬
‫ ‪ -‬أقبل صالة الفجر‪ :‬ألن الناس يكونون نيا ًما يف فرشهم‪.‬‬
‫ ‪ -‬بيف وقت القيلولة‪ :‬ألن اإلنسان قد يضع ثيابه يف تلك الحال مع أهله‪.‬‬
‫ ‪ -‬تومن بعد صالة العشاء‪ :‬ألنه وقت نوم»(((‪.‬‬
‫وسيأيت الكالم مفصال على هذه اآلية يف موضوع (أحكام البيت المسلم)‪.‬‬

‫((( تفسير القرآن العظيم البن كثير (‪.)83/6‬‬


‫‪111‬‬
‫دراسة موضوعات سورة النور‬

‫‪ ‬الفصل الثاني‬
‫غض البصر وحفظ الفرج‬
‫الفصل الثاني‪ :‬غض البصر وحفظ الفرج‬

‫قال تعالى {ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋ‬
‫ﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘ‬ ‫ﮌ ﮍ ﮎﮏ‬
‫ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ‪.}....‬‬
‫تب َّين لنا فيما سبق أن اإلسالم يهدف إلى إقامة مجتمع نظيف‪ ،‬ال ُتهاج فيه‬
‫الشهوات‪ ،‬وال تستثار فيه دفعات اللحم والدم‪ ،‬فعمليات االستثارة المستمرة تنتهي‬
‫إلى سعار شهواين ال ينطفئ وال يرتوي‪ ،‬والنظرة الخائنة‪ ،‬والحركة المثيرة‪ ،‬والزينة‬
‫المتربجة‪ ،‬والجسم العاري‪ ،‬كلها ال تصنع إال أن هتيج ذلك السعار‪.‬‬
‫ومن إحدى وسائل اإلسالم يف إنشاء مجتمع نظيف هي الحيلولة دون االستثارة‪،‬‬
‫وإبقاء الدافع الفطري العميق بين الجنسين سليما وبقوته الطبيعة دون استثارة مصطنعة‪.‬‬
‫ولذا جاء األمر بغض البصر تحقيقا لقاعدة‪[ :‬الوقاية خير من العالج]‪.‬‬
‫وإليك بيان ذلك من خالل داللة اآليات الكريمة يف هذه السورة‪:‬‬
‫‪112‬‬
‫جرفلا ظفحو رصبلا ضغ ‪:‬يناثلا لصفلا‬ ‫يناثلا بابلا‬

‫‪ ‬املبحث األول‬
‫األمر بغض البصر‬

‫قال تعالى {ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ‪.}...‬‬


‫وقال تعالى‪{ ..‬ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ‪.}...‬‬
‫غض البصر هو‪« :‬صرف المرء بصره عن التحديق وتثبيت النظر»(((‪.‬‬
‫«وهذا أمر من اهلل تعالى لعباده المؤمنين أن يغضوا من أبصارهم عما حرم عليهم‪،‬‬
‫وأن يغضوا أبصارهم عن المحرمات‪ ،‬فإن اتفق أن وقع البصر على محرم من غير قصد‬
‫فليصرف بصره سريعا»(((‪.‬‬
‫عن بريدة ﭬ قال‪ :‬قال رسول‪ ‬اهلل ﷺ لعلي ﭬ‪« :‬ال ُت ْتبِع النظرة النظرة فإنما‬
‫لك األولى وليست لك اآلخرة»(((‪.‬‬
‫«ويف األمر بغض البصر أدب شرعي عظيم؛ يف مباعدة النفس عن التطلع إلى‬
‫ما عسى أن يوقعها يف الحرام‪ ،‬أو ما عسى أن يكلفها صربا شديدا عليها»(((‪ ،‬ولذلك‬
‫قال اهلل تعالى‪{ :‬ﮇ ﮈ} فهو أطهر لمشاعرهم‪ ،‬وأضمن لعدم تلوثها باالنفعاالت‬
‫الشهوانية يف غير موضعها المشروع النظيف‪ ،‬وهو أطهر لألمة المسلمة وأصون‬
‫لحرمتها وأعراضها‪.‬‬
‫التحرير والتنوير (‪.)204/18‬‬ ‫(( (‬
‫تفسير القرآن العظيم البن كثير (‪.)42/6‬‬ ‫((( ‬
‫أخرجه أبو داود كتاب النكاح باب ما يؤمر به من غض البصر (‪ ،)2148‬والرتمذي كتاب األدب باب‬ ‫((( ‬
‫ما جاء يف نظر المفاجأة (‪ .)2776‬حسنه األلباين يف صحيح سنن الرتمذي (‪ ،)2229‬وصحيح سنن أبي‬
‫داود (‪.)1865‬‬
‫التحرير والتنوير (‪.)204/18‬‬ ‫((( ‬
‫‪113‬‬
‫دراسة موضوعات سورة النور‬
‫عن أبي أمامة ﭬ عن النبي ﷺ قال‪« :‬ما من مسلم ينظر إلى امرأة أول رمقه‪ ،‬ثم‬
‫يغض بصره‪ ،‬إال أحدث اهلل له عبادة يجد حالوتها يف قلبه»(((‪.‬‬
‫وهنى عن إطالق البصر فعن سهل‪ ‬بن سعد الساعدي ﭬ‪ :‬أن رجال ا َّط َل َع‬
‫يف ُج ْح ٍر يف باب رسول‪ ‬اهلل ﷺ‪ ،‬ومع رسول‪ ‬اهلل ﷺ مدرى يحك به رأسه فلما رآه‬
‫رسول‪ ‬اهلل ﷺ قال‪« :‬لو أعلم أنك تنتظرين لطعنت به يف عينك»‪ ،‬وقال رسول‪ ‬اهلل ﷺ‪:‬‬
‫«إنما جعل اإلذن من أجل البصر»(((‪.‬‬
‫أيضا وحفظ الفرج فقال تعالى‪:‬‬
‫ثم بعد ذلك جاء األمر للمؤمنات بغض البصر ً‬
‫{ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ‪.}....‬‬
‫ذهب بعض العلماء إلى أنه ال يجوز للمرأة أن تنظر إلى األجانب بشهوة أو بغير‬
‫شهوة((( احتجاجا هبذه اآلية‪ ،‬وبما ورد عن أم سلمة ڤ‪ :‬أهنا كانت عند رسول‪ ‬اهلل‬
‫ﷺ وميمونة ڤ‪ ،‬قالت‪ :‬فبينما نحن عنده أقبل ابن أم مكتوم ﭬ‪ ،‬فدخل عليه‪،‬‬
‫وذلك بعدما أمرنا بالحجاب‪ ،‬فقال رسول‪ ‬اهلل ﷺ‪« :‬احتجبا منه»‪ .‬فقلت يا رسول‪ ‬اهلل‪،‬‬
‫أليس هو أعمى ال يبصرنا وال يعرفنا؟ فقال رسول‪ ‬اهلل ﷺ‪« :‬أو عمياوان أنتما؟ ألستما‬
‫تبصرانه»(((‪.‬‬
‫وذهب آخرون إلى جواز نظرهن إلى األجانب بغير شهوة كما ثبت يف الصحيح‪:‬‬

‫أخرجه أحمد يف المسند (‪ ،)22278‬والطرباين يف الكبير (‪ ،)7842‬والبيهقي يف الشعب (‪ .)5431‬ويف‬ ‫((( ‬


‫ضعف‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫إسناده‬
‫أخرجه البخاري كتاب اللباس باب االمتشاط (‪ ،)5580‬ويف كتاب االستئذان باب االستئذان من أجل‬ ‫((( ‬
‫البصر (‪ ،)5887‬و(‪ ،)6505‬ومسلم كتاب اآلداب باب تحريم النظر يف بيت غيره (‪.)2156‬‬
‫تفسير القرآن العظيم البن كثير (‪.)44/6‬‬ ‫(( (‬
‫أخرجه أبو داود كتاب اللباس باب قول اهلل تعالى {ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ} (‪.)4112‬‬ ‫((( ‬
‫والرتمذي كتاب األدب باب ما جاء يف احتجاب النساء من الرجال (‪ )2778‬وقال الرتمذي حديث‬
‫حسن صحيح‪ .‬وضعفه األلباين يف ضعيف الرتمذي (‪ ،)526‬وانظر اإلرواء (‪.)211/6‬‬
‫‪114‬‬
‫جرفلا ظفحو رصبلا ضغ ‪:‬يناثلا لصفلا‬ ‫يناثلا بابلا‬
‫أن رسول‪ ‬اهلل ﷺ جعل ينظر إلى الحبشة وهم يلعبون بحراهبم يوم العيد يف المسجد‪،‬‬
‫وعائشة أم المؤمنين تنظر إليهم من ورائه وهو يسرتها منهم حتى ملت ورجعت‪.‬‬
‫ويستدل على ذلك أيضا أن اهلل تعالى «أردف أمر المؤمنين بأمر المؤمنات ألن‬
‫الحكمة يف األمرين واحدة‪ ،‬وقد يظن أن األمر خاص بالرجال ألهنم أكثر الناس ارتكابا‬
‫إلطالق البصر»(((‪.‬‬

‫((( التحرير والتنوير (‪.)205/18‬‬


‫‪115‬‬
‫دراسة موضوعات سورة النور‬

‫‪ ‬املبحث الثاني‬
‫فوائد غض البصر‬

‫خيرا‬
‫هناك قاعدة جلية يف شرعنا الحنيف وهي أن [من ترك شيء هلل عوضه اهلل ً‬
‫منه](((‪ .‬ومن تطبيقاهتا هنا أن الذي يغض بصره تحصل له فوائد كثيرة سواء يف الدنيا‬
‫أو اآلخرة‪.‬‬
‫«والغض عن المحارم يوجب حالوة اإليمان‪ ،‬ومن ترك شيئا هلل عوضه اهلل خيرا‬
‫منه‪ ،‬ومن أطلق لحظاته دامت حسراته؛ فإن النظر يولد المحبة يف القلب‪ ،‬ثم تقوى‬
‫فتصير صبابة ينصب إليه القلب بكليته فيصير غراما يلزم القلب كلزوم الغريم‪ ،‬ثم يقوى‬
‫فيصير عشقا‪ :‬وهو الحب المفرط‪ ،‬ثم يقوى فيصير شغفا‪ :‬وهو الحب الذي وصل إلى‬
‫شغاف للقلب ودواخله‪ ،‬ثم يقوى فيصير تتيما والتتيم‪ :‬التعبد‪ ،‬فيصير الم َت َت ِّيم عبدً ا إلى‬
‫من ال يصلح أن يكون هو عبدً ا له‪ ،‬فيقع القلب يف األسر فيصير أسيرا بعد ما كان أميرا‬
‫ومسجونا بعد ما كان طليقا»(((‪.‬‬
‫ويلخص فوائد غض البصر ابن تيمية وتلميذه رحمهما اهلل تعالى‪« :‬جعل اهلل‬
‫الزكاة بغض البصر وحفظ الفرج ولهذا كان غض البصر يوجب فوائد‪:‬‬
‫‪1 -1‬حالوة اإليمان ولذته‪.‬‬
‫‪2 -2‬نور القلب وصحته وفراسته‪ :‬فاإلنسان كما أمسك نور بصره عن المحرمات‬
‫أطلق اهلل نور بصيرته وقلبه‪ ،‬فرأى به ما لم يره من أطلق بصره ولم يغضه عن‬
‫محارم اهلل‪.‬‬
‫(( ( فتح الباري (‪ )171/3‬و(‪ ،)235/9‬وشعب اإليمان للبيهقي (‪ .)53/5‬وفيض القدير (‪.)530/1‬‬
‫((( فيض القدير (‪.)530/1‬‬
‫‪116‬‬
‫جرفلا ظفحو رصبلا ضغ ‪:‬يناثلا لصفلا‬ ‫يناثلا بابلا‬
‫‪3 -3‬قوة القلب وثباته وشجاعته‪ :‬ولهذا وجد المتبع هواه من ذل النفس وضعفها‬
‫ومهانتها ما ال يلقاه من يصرب على ذلك‪ ،‬فإن اهلل سبحانه جعل العزة لمن أطاعه‪،‬‬
‫والذلة لمن عصاه»(((‪.‬‬
‫‪«4-4‬غض البصر هو امتثال ألمر اهلل تعالى‪.‬‬
‫‪5-5‬غض البصر يخلص القلب من ألم الحسرة‪ ،‬فمن أطلق بصره دامت حسرته‪.‬‬
‫‪6 -6‬يفرغ القلب للتفكر يف مصالحه واالشتغال هبا وإطالق البصر يشتت عليه ذلك»(((‪.‬‬

‫ملخصا‪.‬‬
‫ً‬ ‫(( ( مجموع الفتاوى البن تيمية (‪ ،)426-420/15‬وإغاثة اللهفان (‪)48/1‬‬
‫((( انظر‪ :‬مجموع الفتاوى البن تيمية (‪ ،)420/15‬وروضة المحبين البن القيم (‪ ،)102-90‬والجواب‬
‫الكايف (‪.)208-205‬‬
‫‪117‬‬
‫دراسة موضوعات سورة النور‬

‫‪ ‬املبحث الثالث‬
‫األمر حبفظ الفروج‬

‫قوله تعالى يف اآلية‪{ :‬ﮕ ﮖ} وقوله تعالى‪{ :‬ﮕ ﮖ}‪:‬‬


‫«حفظ الفرج تارة يكون بمنعه من الزنا كما قال تعالى‪{ :‬ﮮﮯﮰﮱﯓ‬
‫ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ}‬
‫[سورة‪ ‬المعارج‪.]31-29 ‬‬
‫وتارة يكون حفظ الفرج من النظر إليه كما جاء يف السنة من حديث معاوية ﭬ‬
‫أن قال‪ :‬قال رسول‪ ‬اهلل ﷺ‪« :‬احفظ عورتك إال من زوجتك أو ما ملكت يمينك»(((»(((‪.‬‬
‫بل وهنى النبي ﷺ عن النظر يف بيوت اآلخرين بغير إذهنم من أجل حفظ العورات‬
‫عن األعين اً‬
‫أول فعن أبي هريرة ﭬ عن النبي ﷺ أنه قال‪« :‬من اطلع يف بيت قوم بغير‬
‫إذنهم‪ ،‬فقد حل لهم أن يفقئوا عينه»(((‪ .‬وأمر اهلل تعالى المؤمنين أن يستأذهنم خدمهم مما‬
‫ملكت أيماهنم‪ ،‬وأطفالهم الذين لم يبلغوا الحلم تنبيها على أهمية حفظ العورات عمو ًما‪.‬‬
‫وال شك أن الحفظ هنا يشمل المعنيين‪ ،‬فيجب على اإلنسان أن يحفظ فرجه عن‬
‫الفواحش‪ ،‬وأن يحفظه من أن يراه أحد غير زوجته وما ملكت يمينه‪.‬‬
‫«واألمر بحفظ الفروج عقب األمر بالغض من األبصار ألن النظر رائد الزنا‪ ،‬فلما‬
‫(( ( أخرجه أبو داود كتاب الحمام باب ما جاء يف التعري (‪ ،)4017‬وابن ماجه كتاب النكاح باب التسرت‬
‫عند الجماع (‪ .)1920‬حسنه األلباين يف صحيح سنن ابن ماجه (‪.)1920‬‬
‫((( تفسير القرآن العظيم البن كثير (‪.)42/6‬‬
‫((( أخرجه مسلم كتاب األب باب تحريم النظر يف بيت غيره (‪.)2158‬‬
‫‪118‬‬
‫جرفلا ظفحو رصبلا ضغ ‪:‬يناثلا لصفلا‬ ‫يناثلا بابلا‬
‫كان ذريعة له قصد المتذرع إليه بالحفظ تنبيها على المبالغة يف غض األبصار»(((‪.‬‬
‫وهنا لطيفة جميلة ذكرها العلماء يف سبب زيادة‪( :‬من) يف قوله تعالى‪{ :‬ﮀ ﮁ‬
‫ﮂ}‪ ،‬دون قوله تعالى‪{ :‬ﮃ ﮄﮅ}‪:‬‬
‫«ذلك ألن غض البصر فيه سعة إذ يمكن أن يغض اإلنسان بصره عن بعض النساء‪،‬‬
‫وقد يرسله إلى بعض آخر ممن يحرمن عليه‪ ،‬أما حفظ الفرج فاألمر فيه صارم وضيق‪،‬‬
‫إذ اإلنسان المؤمن يحفظ فرجه عن كل النساء إال زوجته وما ملكت يمينه»(((‪.‬‬
‫وكذلك غض البصر يكون عن ما يفتن ويجلب الشهوة‪ ،‬وليس المراد إغماض‬
‫العين عن كل شيء ولذا جاء اإلذن واالستثناء {ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ‬
‫ﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙ‬
‫ﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫ‬
‫ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ} بخالف حفظ الفروج فإنه أمر بحجبها بالكامل إال عمن‬
‫استثنى اهلل {ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ‬
‫ﯥﯦ} [سورة‪ ‬المعارج‪.]31-30 ‬‬
‫وغض النظر إنقاص للنظر والتحديق أو التدقيق‪ ،‬فبقاء شيء من النظر ال بد منه‬
‫لكن مع حجب المؤثر فيه عن جرير‪ ‬بن عبداهلل ﭭ قال‪ :‬سألت رسول‪ ‬اهلل ﷺ عن‬
‫نظر الفجاءة؟ فأمرين أن أصرف بصري)(((‪ ،‬فال إثم عليه يف أول ذلك فيجب عليه أن‬
‫يصرف بصره يف الحال فإن صرف يف الحال فال إثم عليه وإن استدام النظر أثم ‪ -‬ويجب‬
‫على الرجال غض البصر عنها يف جميع األحوال‪.‬‬
‫(( ( التحرير والتنوير (‪.)204/18‬‬
‫((( من لطائف التفسير (‪.)425‬‬
‫((( أخرجه مسلم يف صحيحه كتاب اآلداب باب نظر الفجأة (‪ .)2159‬و(نظر الفجاءة) ويقال بفتح الفاء‬
‫وإسكان الجيم والقصر الفجأة لغتان؛ هي‪ :‬البغتة‪ .‬ومعنى نظر الفجأة‪ :‬أن يقع نظره على األجنبية‬
‫من غير قصد‪.‬‬
‫‪119‬‬
‫دراسة موضوعات سورة النور‬
‫وأما الفروج فحفظها ال يتجزأ‪ ،‬ولذا ألحق اإلمام الشافعي وغيره االستمناء هبذه‬
‫اآلية يف الحكم {ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ}((( واهلل تعالى أعلم‪.‬‬
‫وقوله تعالى {ﮕﮖ} أي‪ :‬يحفظنها كالرجال بعدم ارتكاب الفواحش‪،‬‬
‫وأيضا من أن يراها أحد غير أزواجهن‪ ،‬كما يف الحديث‪« :‬ولكم عليهن أن ال يوطئن‬
‫ً‬
‫فرشكم أحدً ا تكرهونه»(((‪.‬‬
‫وختم اهلل اآلية األولى فقال تعالى‪{ :‬ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎﮏ} أي‪ :‬إن اهلل تعالى‬
‫ال تخفى عليه خافية من أمر الناس وما يدور يف قلوهبم قال تعالى‪{ :‬ﭲ ﭳ ﭴ‬
‫ﭵ ﭶ ﭷﭸ} [سورة‪ ‬غافر‪.]19 ‬‬
‫فإذا أطلق اإلنسان بصره ولم يراه أحد فإن اهلل سبحانه خبير هبذه النظرة الخائنة‪،‬‬
‫ولو أباح فرجه لغير من تحل له َّ‬
‫فإن اهلل مطلع عليه بل هو سبحانه أخرب به من المخلوقات‬
‫لهمس أو ٍ‬
‫قول‬ ‫ٍ‬ ‫كلها‪ ،‬ألنه يعلم ما توسوس به نفسه ويرتدد يف خياله قبل أن يتحول منه‬
‫عين أو عم ٍل مهما َّ‬
‫دق وخفي عن الخلق‪.‬‬ ‫ِ‬
‫بغمزة ٍ‬ ‫ٍ‬
‫إشارة‬ ‫أو‬

‫(( ( أخرجه مسلم كتاب الحج باب حجة النبي ﷺ (‪ )1218‬من حديث جابر‪ ‬بن عبداهلل يف حجة الوداع‪.‬‬
‫((( األم (‪137/5‬و‪ ،)214‬والمهذب (‪ ،)334/3‬وسنن البيهقي (‪ ،)199/7‬والجامع ألحكام القرآن‬
‫للقرطبي (‪ 98-97/12‬و‪ ،)221‬وبدائع الفوائد (‪.)905/4‬‬
‫‪120‬‬
‫اهراهظإ ماكحأو ةنيزلا ‪:‬ثلاثلا لصفلا‬ ‫يناثلا بابلا‬

‫‪ ‬الفصل الثالث‬
‫الزينة وأحكام إظهارها‬
‫الفصل الثالث‪ :‬الزينة وأحكام إظهارها‬

‫قال تعالى‪{ :‬ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ‬


‫ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ‬
‫ﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘ‬
‫ﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪ‬
‫ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹﯺ ﯻ ﯼ‬
‫ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂﰃ}‪.‬‬
‫هذه اآلية أدب من آداب اإلسالم اإلجتماعية الوقائية التي يحفظ اهلل هبا المجتمع‬
‫من الوقوع يف براثن الرذيلة والفاحشة‪ ،‬وهذا األدب الوقائي يتجه بالحديث إلى المرأة‬
‫التي هي مصدر هتييج الغرائز‪ ،‬بأمرها بالحفاظ على زينتها أن ال تبدوا أمام غير المحارم‬
‫فقال تعالى‪:‬‬
‫{ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ} أي‪« :‬وال يظهرن شي ًئا من الزينة لألجانب‬
‫إال ماال يمكن إخفائه»(((‪.‬‬
‫والكالم على الزينة يتشعب بنا إلى ثالثة مباحث‪ :‬أهميتها‪ ،‬أحكامها‪ ،‬وخطر‬
‫االختالط بالرجال‪ .‬وتفصيلها فيما يلي‪:‬‬

‫((( تفسير القرآن العظيم البن كثير (‪.)45/6‬‬


‫‪121‬‬
‫دراسة موضوعات سورة النور‬

‫‪ ‬املبحث األول‬
‫أهمية الزينة يف حياة املرأة‬

‫لقد جاء اإلسالم برفع ذوق المجتمع المسلم‪ ،‬وزاد من إحساسه بالجمال‪،‬‬
‫وارتقى بالمسلم والمسلمة من الطابع الحيواين للجمال إلى الطابع اإلنساين المهذب‪،‬‬
‫ولذا فإن كشف الجسد جمال حيواين‪ ،‬وأما جمال الحشمة فهو الجمال النظيف الذي‬
‫يرفع الذوق الجمالي وينميه عند اإلنسان‪ ،‬ويحيطه بالنظافة والطهارة يف الواقع ويف‬
‫الحس ويف الخيال‪.‬‬
‫ولذا أمر الشارع بسرت العورات والتجمال بالزينة فقال تعالى‪{ :‬ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ‬
‫ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ} إلى أن قال سبحانه‪{ :‬ﭒ ﭓ ﭔ‬
‫ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ‬
‫ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭺ ﭻ‬
‫ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ} [األعراف‪.]32-26:‬‬
‫وامت َّن عليهم بأنواع الحلي فقال تعالى‪{ :‬ﯠ ﯡ} [الرعد‪{ ،]17:‬ﯣ ﯤ‬
‫ﯥ} [النحل‪{ ،]14:‬ﭢ ﭣ ﭤ} [فاطر‪ ،]12:‬قال السعدي‪« :‬فتزيدكم‬
‫اً‬
‫جمال وحسنًا إلى حسنكم»(((‪ ،‬وقال المفسرون‪« :‬وتستخرجوا منه زينة تلبسوهنا‬
‫وتلبسها نساؤكم»(((‪ ،‬وقال الزمخشري‪« :‬المراد بلبسهم‪ :‬لبس نسائهم؛ ألهنن من‬
‫جملتهم‪ ،‬وألهنن إنما يتز َّين هبا من أجلهم فكأهنا زينتهم ولبساهم»(((‪.‬‬
‫فالزينة من األفعال المحمودة بل هي من األفعال التي حث عليها شرعنا الحنيف‬
‫(( ( تيسير الرحمن‪ ،‬للسعدي (ص‪.)437‬‬
‫((( المختصر يف التفسير (ص‪.)268‬‬
‫((( الكشاف (‪ ،)598/2‬وانظر‪ :‬أنوار التنزيل‪ ،‬للبيضاوي (‪ ،)222/3‬والبحر المحيط (‪.)465/5‬‬
‫‪122‬‬
‫اهراهظإ ماكحأو ةنيزلا ‪:‬ثلاثلا لصفلا‬ ‫يناثلا بابلا‬
‫فقد ثبت عن رسول‪ ‬اهلل ﷺ أنه قال‪« :‬إن اهلل جميل يحب الجمال»(((‪ ،‬فاإلسالم يحث‬
‫على الزينة سواء للرجال أو النساء‪ ،‬ولكن الزينة يف جانب النساء خاصة جبلة وطب ًعا‪،‬‬
‫تنظيما وضب ًطا لها ال من ًعا‬
‫ً‬ ‫ولذا خصت النساء هبذه األحكام دون الرجال حسب الغالب‬
‫لها‪ ،‬وإن كان مقصود الشارع دفع الفتنة فلو تزين الرجل قصد فتنة النساء به فإنه يحرم‬
‫عليه ذلك بال خالف‪.‬‬
‫والزينة هي حلي ُة المرأة‪ ،‬جعلها اهلل تلبي ًة لفطرهتا ِ‬
‫وجبِ َّلتها {ﭐﮥ ﮦ ﮧ‬
‫ﮨ} [الزخرف‪]١٨ :‬‬

‫فكل أنثى مولع ٌة بأن تكون جميلةً‪ ،‬وأن تبدوا بزينتها‪ ،‬واإلسالم لم يقاوم هذه‬
‫ٍ‬
‫واحد هو‬ ‫الفطرة‪ ،‬ولكنه نظمها وضبطها‪ ،‬وجعلها تتبلور يف االتجاه هبا إلى رج ٍل‬
‫زوجها؛ في َّطلِع منها على ماال ي َّطلِع أحد سواه‪ .‬ويشرتك معه يف اال ِّطالع على بعض‬
‫تلك الزينة المحار ُم‪ ،‬والذكور الذين ب َّينهم الشارع‪ ،‬ممن ال يثير شهواهتم ذلك االطالع‪.‬‬
‫وجمال الحشمة هو الجمال النظيف الذي يرفع الذوق الجمالي‪ ،‬ويجعله الئ ًقا‬
‫باإلنسان‪ ،‬ويحيطه بالنظافة والطهارة يف الحس والخيال‪ ،‬وهذا التحشم وسيل ًة من‬
‫وسائل الوقاية للفرد والجماعة من الوقوع يف الرذيلة والطابع الحيواين المقيت‪.‬‬
‫«والزينة على قسمين َخلقية و ُمكتسبة؛ فالخلقية‪ :‬وجهها فإنه أصل الزينة وجمال‬
‫لي‬
‫والح ِّ‬
‫ُ‬ ‫الخلقة‪ ،‬وأما المكتسبة‪ :‬فهو ما تحاوله المرأة يف تحسين خلقتها‪ ،‬كالثياب‬
‫ِ‬
‫والخضاب»(((‪.‬‬ ‫وال ُكحل‬

‫(( ( أخرجه مسلم كتاب اإليمان باب تحريم الكرب وبيانه (‪.)91‬‬
‫((( الجامع ألحكام القرآن (‪.)229/12‬‬
‫‪123‬‬
‫دراسة موضوعات سورة النور‬

‫‪ ‬املبحث الثاني‬
‫أحكام إظهار الزينة‬

‫ذكرنا أن الزينة من األمور المباحة للمرأة‪ ،‬وقد تصل إلى حد الوجوب حين‬
‫يحتاج الزوج من زوجته أن تتجمل وتتزين له(((‪ ،‬وقد تضمنت اآلية بعض األمور‬
‫واألحكام يف إبداء تلك الزينة‪ ،‬ومنها‪:‬‬

‫‪ ‬املطلب األول‬
‫الزينة اليت جيوز إبدائها‬

‫اختلف العلماء يف قوله تعالى‪{ :‬ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ} على أقوال كثيرة‪ ،‬ولكن مع‬
‫كثرة األقوال يمكن أن نخرج بمجمل القول يف تلك المسألة وهو‪« :‬أن المرأة منهي ٌة‬
‫ٍ‬
‫عن إبداء زينتها مطل ًقا‪ ،‬لكن ما ظهر من الزينة من غير قصد إلظهاره فهو ٌ‬
‫معفو عنه»(((‪.‬‬
‫وهذا القول رجحه ابن عطية حيث قال‪« :‬ويظهر لي أن المرأة مأمورة بأن ال تبدي‬
‫وأن تجتهد يف اإلخفاء لكل ما هو زينة‪ ،‬ووقع االستثناء فيما يظهر بحكم ضرورة حركة‬
‫فيما ال بد منها أو إصالح شأن ونحو ذلك»(((‪.‬‬
‫ثم قال تعالى‪{ :‬ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ}‪:‬‬
‫(( ( فالمرأة مأمورة بطاعة زوجها وعدم معصية أمرة واألدلة يف ذلك كثيرة‪ ،‬فإذا أمرها بالتزين له فقد‬
‫وجب عليها ذلك‪ ،‬ولكن إن أمرها أن تتزين لتستقبل أصحابه أو يحرج هبا إلى خارج البيت يرها‬
‫كل الناس فهذا ممال ال يجوز لها أن تطيعه فيه‪ .‬واهلل أعلم‪.‬‬
‫((( نقال عن كتاب تفسير سورة النور ‪ -‬د‪ .‬ناصر‪ ‬بن محمد الحميد‪.‬‬
‫((( المحرر الوجيز (‪.)178/4‬‬
‫‪124‬‬
‫اهراهظإ ماكحأو ةنيزلا ‪:‬ثلاثلا لصفلا‬ ‫يناثلا بابلا‬
‫ُ‬
‫الخ ُمر‪« :‬جمع خمار وهو ما تغطى به الرأس‪ ،‬والجيوب‪ :‬أي صدورهن»(((‪« .‬أي‬
‫ليشددن بخمرهن على النحر والصدر فال ُي َرى منه شيء»(((‪.‬‬
‫وقد ورد عن أم المؤمنين عائشة ڤ أهنا قالت‪ :‬يرحم اهلل نساء المهاجرات‬
‫األول لما أنزل اهلل‪{ :‬ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ} شققن مروطهن فاختمرن هبا(((‪.‬‬

‫(( ( الجامع ألحكام القرآن (‪.)230/12‬‬


‫((( تفسير القرآن العظيم البن كثير (‪ ،)46/6‬وهذا القول مروي عن سعيد‪ ‬بن جبير ‪.$‬‬
‫((( أخرجه البخاري كتاب التفسير باب قول اهلل تعالى‪{ :‬ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ} (‪.)4758‬‬
‫‪125‬‬
‫دراسة موضوعات سورة النور‬

‫‪ ‬املطلب الثاني‬
‫من جيوز للمرأة أن تبدي زينتها عنده‬
‫ثم شرع اهلل گ يف ذكر من يجوز للمرأة أن تبدي زينتها عنده على األولوية‪،‬‬
‫فقال تعالى‪ { :‬ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ‬
‫ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ}‪.‬‬
‫هذا االستثناء يف اآلية لبيان الحصر لما هو خالف األصل‪ ،‬وأنه ال يجوز الرتخص‬
‫فيه لغير من رخص اهلل له‪ ،‬فأول المستثنين هو الزوج‪{ :‬ﮧ ﮨ}‪ :‬البعل هو‬
‫الزوج يف كالم العرب»(((‪.‬‬
‫«وإِنما سمي زوج المر َأة َب ْع اًل ألَنه سيدها ومالكها‪ ،‬و َت َب َّع َلت المر َأ ُة َأطاعت َب ْع َلها‪،‬‬
‫طاوعة لزوجها م ِ‬
‫ح َّبة له‪ ،‬وال َب ْعل‬ ‫تزينت‪ ،‬وامر َأة َح َسنَة ال َّت َب ُّعل‪ :‬إِذا كانت ُم ِ‬
‫ْ‬ ‫و َت َب َّع َلت له‬
‫ُ‬
‫وس ْين‪ ،‬والتَّباعل والبِعال‪:‬‬ ‫ِ‬
‫وال َّت َب ُّعل‪ُ :‬ح ْسن الع ْشرة من الزوجين والبِعال‪ :‬حديث ال َع ُر َ‬
‫ُباشرة‪ ،‬ويقال للمر َأة هي‬ ‫المرء َأه َله‪ ،‬وقيل البِعال‪ :‬النكاح‪ ،‬والمـُبا َعلة‪ :‬المـ َ‬ ‫ِ‬ ‫مالعبة‬
‫عال و ُمبا َعلة َأي‪ُ :‬تالعبه»(((‪.‬‬ ‫ُت ِ‬
‫باعل َز ْو َجها بِ اً‬
‫«فالزوج يرى الزينة من المرأة وأكثر من الزينة إذ كل محل من بدهنا حالل له لذة‬
‫أيضا بدأ بالبعولة‪ ،‬ألن اطالعهم يقع على أعظم من هذا(((‪ ،‬يقول‬
‫ونظرا‪ ،‬ولهذا المعنى ً‬
‫ً‬
‫الشوكاين‪« :‬وقدم البعولة ألهنم المقصودون بالزينة وألن كل بدن الزوجة والسرية‬
‫حالل لهم»(((‪.‬‬
‫فتح القدير (‪.)209/5‬‬ ‫(( (‬
‫لسان العرب (‪.)57/11‬‬ ‫((( ‬
‫مختصرا‪.‬‬
‫ً‬ ‫الجامع ألحكام القرآن (‪)231/12‬‬ ‫((( ‬
‫فتح القدير (‪.)209/5‬‬ ‫((( ‬
‫‪126‬‬
‫اهراهظإ ماكحأو ةنيزلا ‪:‬ثلاثلا لصفلا‬ ‫يناثلا بابلا‬
‫فالزوجة مطالبة بأن تبدي زينتها لزوجها وأن تتزين له بما يلفت نظره إليها بأي‬
‫أنواع الزينة بشرط أال تكون محرمة‪ ،‬وقد أمرها النبي ﷺ بذلك فقال‪« :‬خير النساء التي‬
‫تسره إذا نظر‪ ،‬وتطيعه إذا أمر‪ ،‬وال تخالفه يف نفسها وال مالها بما يكره»(((‪.‬‬

‫ثم قال‪{ :‬ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ‬


‫ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ} أي‪ :‬األب‪ ،‬وأبو الزوج‪ ،‬واألبناء‪ ،‬وأوالد األزواج من‬
‫زوجة أخرى‪ ،‬واإلخوة‪ ،‬وأبناء اإلخوة وأبناء األخوات‪.‬‬

‫ولم يذكر هنا العم والخال ألهنما قد يصفاهنن ألبنائهم‪ ،‬كما ورد ذلك عن الشعبي‬
‫وعكرمة(((‪ ،‬وقد يكون لغير ذلك مما ال نعلمه‪.‬‬

‫«والظاهر أن سكوت اآلية عن العم والخال ليس لمخالفة حكمهما حكم بقية‬
‫المحارم ولكنه اقتصار على الذين يكثر دخولهم بيت المرأة‪ ،‬وأيضا يلحق هبؤالء‬
‫القرابة من كان يف مراتبهم من الرضاعة لقول النبي ﷺ‪« :‬يحرم من الرضاعة ما يحرم‬
‫من الوالدة»(((»(((‪.‬‬
‫{ﯜ ﯝ} أي‪« :‬تظهر زينتها للنساء المسلمات دون نساء أهل الذمة لئال‬
‫تصفنهن لرجالهن من بني دينهن‪ ،‬ألهنن ال يمنعهن من ذلك مانع‪ ،‬وأما المسلمة فهي‬
‫تعلم أن ذلك حرام فتنزجر عنه‪ ،‬فقد قال رسول‪ ‬اهلل ﷺ‪« :‬ال تباشر المرأ ُة المرأةَ‪ ،‬تنعتها‬
‫أخرجه أحمد (‪ )7421( )383/12‬و(‪ ،)9658 ،9587‬والنسائي كتاب النكاح باب أي النساء خير‬ ‫((( ‬
‫(‪ ،)3231( )68/6‬والحاكم يف المستدرك (‪ ،)162/2‬وصححه األلباين يف النسائي‪ ،‬وصحيح الجامع‬
‫(‪.)3298‬‬
‫تفسير القرآن العظيم البن كثير (‪.)47/6‬‬ ‫(( (‬
‫أخرجه البخاري كتاب النكاح باب يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب (‪ .)5099‬ومسلم كتاب‬ ‫((( ‬
‫الرضاعة باب يحرم من الرضاعة ما يحرم من الوالدة (‪.)1444‬‬
‫التحرير والتنوير (‪.)213/18‬‬ ‫((( ‬
‫‪127‬‬
‫دراسة موضوعات سورة النور‬
‫لزوجها كأنه ينظر إليها»(((»(((‪.‬‬
‫{ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ} أي المملوك يجوز أن ينظر لسيدته‪« .‬وظاهر اآلية يشمل‬
‫العبيد واإلماء‪ ،‬المسلمات والكتابيات»(((‪.‬‬
‫{ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ} أي الذين ليس لهم حاجة يف النساء‪،‬‬
‫فاإلربة‪ :‬هي الحاجة‪ .‬وقد اختلف العلماء يف من هم أولي اإلربة؟ فقيل‪ :‬المجنون‬
‫والمخصي(((‪ ،‬والم َخن ُّث(((‪ِ ،‬‬
‫والعنِّي ُن(((‪ ،‬وكل هذه الصفات تجتمع يف أنه ال همة له إلى‬ ‫ُ‬
‫أمر النساء(((‪.‬‬
‫{ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱ}‪ :‬يعني لصغرهم ال يفهمون أحوال‬
‫النساء وعوراهتن‪ ،‬من فهم كالمهن الرخيم وحركاهتن‪ ،‬فإذا كان الطفل ال يفهم ذلك‬
‫فال بأس بدخوله على النساء‪ ،‬فأما إن كان مراه ًقا أو قري ًبا من المراهقة فال يجوز له أن‬
‫يدخل على النساء‪.‬‬
‫قال ﷺ‪« :‬إياكم والدخول على النساء» قالوا يا رسول‪ ‬اهلل‪ ،‬أرأيت الحمو؟ قال‪:‬‬
‫«الحمو الموت»(((‪.‬‬
‫أخرجه البخاري كتاب النكاح باب‪ :‬ال تباشر المرأة المرأة فتنعتها لزوجها (‪.)5241‬‬ ‫(( (‬
‫تفسير القرآن العظيم البن كثير (‪.)47/6‬‬ ‫((( ‬
‫الجامع ألحكام القرآن (‪.)233/12‬‬ ‫((( ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫المخصي‪َ :‬خ َص ْي ُت ال َف ْح َل َأ ْخصيه إذا َس َل ْل َت الخصاء‪ :‬خصيت الفحل خ َصا ًء بالكسر َ‬
‫والمدّ ‪ :‬إذا‬ ‫((( ‬
‫سللت ُخ ْص َي ْيه وهي أنثييه أو قطعتهما‪ ،‬فهو خصي‪ .‬انظر‪ :‬مختار الصحاح (‪ ،)188‬ومعجم لغة‬
‫الفقهاء (‪ ،)196‬والمخصص (‪.)118/1‬‬
‫ٍ‬
‫ص ل َذكَر وال ُأنثى‬ ‫ِ‬
‫والخنْ َثى الذي له ما للرجال والنساء جمي ًعا‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫الخنْ َثى الذي ال َي ْخ ُل ُ‬
‫الـمخنث‪ُ :‬‬
‫ُ‬ ‫((( ‬
‫اللسان (‪.)145/2‬‬
‫ِ‬
‫وامر َأ ٌة عنِّينَ ٌة ال تشتهي الرجال‪.‬‬ ‫ِ‬
‫العنين‪ :‬رجل عني ٌن ال يقدر على إتيان الن َِّساء أو ال يشتهي النِّساء َ‬ ‫((( ‬
‫انظر‪ :‬المصباح المنير (‪ ،)392/6‬والمخصص (‪ ،)444/1‬والمحكم المحيط (‪.)30/1‬‬
‫الجامع ألحكام القرآن (‪ )234/12‬بتصرف‪.‬‬ ‫(( (‬
‫أخرجه البخاري كتاب النكاح باب ال يخلوا رجل بامرأة إال ذوا محرم (‪ .)5232‬ومسلم كتاب=‬ ‫((( ‬
‫‪128‬‬
‫اهراهظإ ماكحأو ةنيزلا ‪:‬ثلاثلا لصفلا‬ ‫يناثلا بابلا‬
‫فهؤالء الذين يجوز للمرأة إظهار زينتها أمامهم‪ ،‬لقلة توقع الفتنة منهم يف األصل‪.‬‬
‫سوى اهلل‬
‫ّ‬ ‫وقد نبه اإلمام القرطبي إلى أمر مهم جدا وهو‪« :‬أن هؤالء المحارم وإن‬
‫سبحانه بينهم يف إبداء الزينة‪ ،‬ولكن تختلف مراتبهم بحسب ما يف نفوس البشر‪ ،‬فال‬
‫مرية أن كشف األب واألخ على المرأة أحوط من كشف ولد زوجها‪ ،‬وتختلف مراتب‬
‫ما ُي َبدى لهم‪َ ،‬ف ُي َبدى لألب ما ال يجوز إبداؤه لولد الزوج»(((‪.‬‬

‫= السالم باب تحريم الخلوة باألجنبية والدخول عليها (‪.)2172‬‬


‫((( الجامع ألحكام القرآن (‪.)232/12‬‬
‫‪129‬‬
‫دراسة موضوعات سورة النور‬

‫‪ ‬املطلب الثالث‬
‫البعد عن دواعي إبداء الزينة لغري احملارم‬
‫ثم قال تعالى‪{ :‬ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ}‪« :‬أي ال تضرب‬
‫المرأة برجلها لتسمع صوت خلخالها فإسماع صوت الزينة كإبداء الزينة وأشد»(((‪.‬‬
‫«ويف النهى عن إبداء صوت الحلى بعد النهى عن إبداء عينها من المبالغة يف‬
‫الزجر عن إبداء موضعها ماال يخفى»(((‪.‬‬
‫«ولما كانت الوقاية هي المقصود هبذا اإلجراء الوقائي من منع كشف الزينة‬
‫لغير المحارم‪ ،‬فقد مضت اآلية تنهي المؤمنات عن الحركات التي تعلن عن الزينة‬
‫المستورة‪ ،‬وهتيج الشهوات الكامنة‪.‬‬
‫فإن الخيال ليكون أحيانا أقوى يف إثارة الشهوات من العيان‪ ،‬وكثيرون تثير‬
‫شهواهتم رؤية حذاء امرأة أو ثوهبا أو حليها‪ ،‬أكثر مما تثيرها رؤية جسد المرأة ذاته‪،‬‬
‫وسماع وسوسة الحلي أو شمام رائحة العطر من بعيد قد يثير حواس رجال كثيرين‪،‬‬
‫ويهيج أعصاهبم‪ ،‬ويفتنهم فتنة جارفة ال يملكون لها ردا»(((‪.‬‬
‫ولهذا جاء النهي من اهلل تعالى ألنه هو الذي خلق تلك النفس ويعلم ضعفها وما‬
‫ُي َؤ ِّثر فيها‪.‬‬
‫فإن ذلك يورث ميال يف الرجال‪ ،‬وهو أبلغ من النهي عن إظهار الزينة وأدل على‬
‫المنع من رفع الصوت(((‪.‬‬
‫الجامع ألحكام القرآن (‪.)237/12‬‬ ‫(( (‬
‫إرشاد العقل السليم ‪-‬أبو السعود (‪.)171/6‬‬ ‫((( ‬
‫انظر‪ :‬روح المعاين‪ -‬األلوسي (‪ )146/18‬بتصرف‪.‬‬ ‫((( ‬
‫انظر‪ :‬أنوار التنزيل البيضاوي (‪ ،)183/1‬إرشاد العقل السليم ‪-‬أبو السعود (‪.)171/6‬‬ ‫((( ‬
‫‪130‬‬
‫اهراهظإ ماكحأو ةنيزلا ‪:‬ثلاثلا لصفلا‬ ‫يناثلا بابلا‬
‫و«مما يلحق بالزينة المنهي عن إبدائها‪:‬‬
‫‪ -1‬ما يلبسه أكثر مرتفات النساء يف زماننا فوق ثياهبن ويتسرتن به إذا خرجن من‬
‫بيوهتن وهو غطاء منسوج من حرير ذي عدة ألوان وفيه من النقوش الذهبية أو الفضية‬
‫ما يبهر العيون‪ ،‬وأرى أن تمكين أزواجهن ونحوهم‪ -‬من أوليائهن‪ -‬لهن من الخروج‬
‫بذلك ومشيهن به بين األجانب من قلة الغيرة وقد عمت البلوى بذلك»(((‪.‬‬
‫‪«-2‬ومن ذلك أهنا ُتنهى عن التعطر والتطيب عند خروجها من بيتها ل َي ْشت ََّم الرجال‬
‫طيبها»(((‪ ،‬وقد هنى النبي ﷺ عن أن تخرج المرأة متعطرة‪ ،‬فقال ﷺ‪« :‬والمرأة إذا‬
‫استعطرت‪ ،‬فمرت بالمجلس فهي كذا وكذا» يعني زانية(((‪ ،‬فكل ما كان سب ًبا يف لفت‬
‫األنظار وإظهار الزينة فهو منهي عنه شرعا‪.‬‬
‫‪ -3‬ومن ذلك رقص النساء يف مجالس الرجال‪ ...‬وقد أومأ إلى علة ذلك قوله‬
‫تعالى‪{ :‬ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ}(((‪.‬‬
‫‪ -4‬وقد لعن النبي ﷺ المستوشمات والمتفلجات للحسن‪ ،‬عن عبداهلل‪ ‬بن‬
‫مسعود ﭬ قال‪« :‬لعن اهلل الواشمات والمستوشمات والمتنمصات والمتفلجات‬
‫للحسن المغيرات خلق اهلل تعالى»؛ ما لي ال ألعن من لعن النبي ﷺ!! وهو يف كتاب‬
‫اهلل‪{ :‬ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ}‪ ..‬إلى {ﮧ}((( [سورة‪ ‬الحشر‪.]7 :‬‬
‫روح المعاين‪ -‬األلوسي (‪.)146/18‬‬ ‫(( (‬
‫تفسير القرآن العظيم البن كثير (‪.)49/6‬‬ ‫((( ‬
‫أخرجه الرتمذي كتاب األدب باب ما جاء يف كراهية خروج المرأة متعطرة (‪ ،)2786‬من حديث‬ ‫((( ‬
‫أبي هريرة‪ .‬وقال الرتمذي هذا حديث حسن صحيح‪ .‬وصححه األلباين يف صحيح سنن الرتمذي‬
‫(‪.)2238‬‬
‫التحرير والتنوير (‪.)214/18‬‬ ‫(( (‬
‫أخرجه البخاري كتاب التفسير باب ماآتاكم الرسول (‪ ،)4604‬وكتاب اللباس باب المتفلجات‬ ‫((( ‬
‫للحسن (‪ 5587‬و‪ 5599‬و‪ ،)5604‬ومسلم كتاب اللباس والزينة باب تحريم فعل الواصلة (‪.)2125‬‬
‫‪131‬‬
‫دراسة موضوعات سورة النور‬
‫‪« -5‬وعلى هذا فيحرم رفع صوت المرأة بالغناء إذا سمعها األجانب‪ ،‬سواء أكان‬
‫الغناء على آلة لهو أو كان بغيرها‪ ،‬وتزيد الحرمة إذا كان الغناء مشتمال على أوصاف‬
‫مهيجة للشهوة كذكر الحب والغرام وأوصاف النساء والدعوة إلى الفجور وغير‬
‫ذلك»(((‪.‬‬
‫‪ -6‬وأمر النساء بعدم إبداء الزينة إال لمن استثنى؛ يشير إلى أنه ال ينبغي لمن‬
‫تزينت بزينة ُي َس ُّر هبا أن ُتظهرها بالحديث والوصف أو الصورة لغير المحارم‪ ،‬أولمن‬
‫ال يسرتها ‪-‬من المحارم‪ -‬عن األجانب‪ ،‬وأنه ال يجوز لزوجها ‪-‬وغيره من باب أولى‬
‫‪ -‬إظهارها كذلك لعموم اآلية وهني النبي ﷺ كما يف حديث‪« :‬ال تباشر المرأة المرأة‬
‫فتنعتها لزوجها كأنه ينظر إليها»(((‪ ،‬وحديث‪« :‬إن من أعظم األمانة عند اهلل يوم القيامة‬
‫الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه ثم ينشر سرها»(((‪.‬‬
‫«قال القابسي هذا أصل لمالك يف سد الذرائع فإن الحكمة يف هذا النهي خشية‬
‫أن يعجب الزوج الوصف المذكور فيفضي ذلك إلى تطليق الواصفة أو االفتتان‬
‫بالموصوفة»(((‪.‬‬
‫‪ -7‬ومن إبداء ما خفي من الزينة الحسية والمعنوية {ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ‬
‫ﭽ} [سورة‪ ‬األحزاب‪ ،]33 ‬وهو‪ :‬التبخرت والتكسر يف الحركة والمشية كما نص عليه‬
‫السلف رحمهم اهلل تعالى(((‪.‬‬
‫‪ -8‬ومنه لبس المرأة المالبس الضيقة التي تبدي مفاتنها‪ ،‬وأشد منه أن تلبس‬
‫الفقه على المذاهب األربعة (‪.)26/5‬‬ ‫(( (‬
‫أخرجه البخاري كتاب النكاح باب ال تباشر المرأة المرأة فتنعتها (‪ 5240‬و‪.)5241‬‬ ‫((( ‬
‫أخرجه مسلم كتاب النكاح باب تحريم إفشاء سر المرأة (‪.)1437‬‬ ‫((( ‬
‫فتح الباري (‪.)250/9‬‬ ‫((( ‬
‫جامع البيان البن جرير (‪ ،)97/19‬وزاد المسير (‪ ،)380/6‬وتفسير القرآن العظيم البن كثير (‪.)410/6‬‬ ‫((( ‬
‫‪132‬‬
‫اهراهظإ ماكحأو ةنيزلا ‪:‬ثلاثلا لصفلا‬ ‫يناثلا بابلا‬
‫المرأة المالبس التي يبدوا فيها شيء من جسدها كالظهر والبطن‪ ،‬والفخذين وجز ًءا‬
‫من الصدر(((‪.‬‬
‫‪ -9‬ومنه التربج بالزينة‪ :‬التحلي بما ليس من العادة التحلي به يف الظاهر من تحمير‬
‫وتبييض وكذلك األلوان النادرة(((‪.‬‬
‫والحاصل‪:‬‬
‫أن اآلية عامة للنساء ويف كل ما يظهر الزينة عمدً ا وألي ٍ‬
‫علة كانت‪ ،‬وللرجال‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫فرحا بحليهن فهو‬ ‫ٍ‬
‫أيضا‪ ،‬وإن اختلف إثم كل مسألة بحسبها فـ«من فعل ذلك منهن ً‬ ‫ً‬
‫وتعرضا للرجال فهو حرام مذموم‪ ،‬وكذلك من‬
‫ً‬ ‫تربجا‬
‫مكروه‪ ،‬ومن فعل ذلك منهن ً‬
‫ضرب بنعله من الرجال إن فعل ذلك تعج ًبا حرم‪ ،‬فإن العجب كبيرة‪ ،‬وإن فعل ذلك‬
‫تربجا لم يجز»(((‪ .‬وسواء كان اإلظهار بالرؤية أو السماع أو غيرهما «هنى اهلل تعالى‬
‫ً‬
‫عما يوجب العلم بالزينة الخفية بالسمع أو غيره»(((‪.‬‬
‫ثم يختم اهلل تعالى هذا التوجيه بقوله‪{ :‬ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ‬
‫ﰂﰃ} أي‪« :‬افعلوا ما أمركم اهلل به من هذه الصفات الجميلة واألخالق‬
‫الجلية‪ ،‬فإن الفالح يف فعل ما أمر اهلل به ورسوله وترك ما هنيا عنه»(((‪.‬‬
‫عما يف الحال‪ ،‬وعن ابن عباس رضي اهلل تعالى‬
‫«والمراد بالتوبة على هذا‪ :‬التوبة َّ‬
‫عنهما أن المراد‪ :‬التوبة عما كانوا يفعلونه قبل من إرسال النظر‪ ،‬وغير ذلك‪ .‬وهو وإن‬
‫ب باإلسالم لكنه يلزم الندم عليه‪ ،‬والعزم على الكف عنه‪ ،‬كلما ُيت ََذكَّر‪ .‬وقد قالوا‪:‬‬
‫ُج َّ‬
‫لالستزادة أنظر‪ :‬أحكام الحجاب من موضوعات سورة األحزاب للباحث‪.‬‬ ‫(( (‬
‫التحرير والتنوير (‪.)298/18‬‬ ‫((( ‬
‫الجامع ألحكام القرآن (‪.)205/12‬‬ ‫((( ‬
‫مجموع الفتاوى (‪.)372/15‬‬ ‫((( ‬
‫تفسير القرآن العظيم البن كثير (‪.)50/6‬‬ ‫((( ‬
‫‪133‬‬
‫دراسة موضوعات سورة النور‬
‫ٍ‬
‫خطيئة إذا تذكرها‪ .‬ومنه ُيعلم أن ما يفعله كثير ممن يزعمون‬ ‫إن هذا يلزم كل ٍ‬
‫تائب عن‬
‫التوبة من نقل ما فعلوه من الذنوب على وجه التبجح واالستلذاذ؛ عن عدم صدق‬
‫توبتهم»(((‪.‬‬
‫يقول شيخ اإلسالم ‪« :$‬إن أمره لجميع المؤمنين بالتوبة يف هذا السياق‪ :‬تنبي ٌه‬
‫على أنه ال يخلو مؤمن من بعض الذنوب؛ التي هي ترك غض البصر‪ ،‬وحفظ الفرج‪،‬‬
‫وترك إبداء الزينة‪ ،‬وما يتبع ذلك‪ .‬فعن النبي ﷺ أنه قال‪« :‬كل ابن آدم خ َّطا ٌء وخير‬
‫الخطاءين التوابون»(((‪.‬‬
‫وعن أبي ذر ﭬ أن رسول‪ ‬اهلل ﷺ قال‪« :‬يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار‪،‬‬
‫وأنا أغفر الذنوب جميعا‪ ،‬فاستغفروين أغفر لكم»(((»(((‪.‬‬
‫األغر رضي اهلل تعالى عنه‪ :‬قال سمعت رسول‪ ‬اهلل صلى اهلل تعالى عليه‬
‫ِّ‬ ‫وعن‬
‫وسلم يقول‪« :‬يا أيها الناس توبوا إلى اهلل فإين أتوب إليه كل يوم مائة مرة»(((‪.‬‬
‫«ويف األمر بالتوبة تنبيه على أن أهل الفواحش الذين لم يغضوا أبصارهم ولم‬
‫يحفظوا فروجهم مأمورون بالتوبة‪ ،‬وإنما أمروا بالتوبة لتقبل منهم‪ ،‬فالتوبة مقبولة منهم‬
‫ومن سائر المذنبين‪ ،‬قال تعالى‪{ :‬ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ‬
‫ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝﯞ} [سورة‪ ‬التوبة‪.(((»]104 ‬‬
‫روح المعاين ‪-‬األلوسي (‪.)146/18‬‬ ‫(( (‬
‫أخرجه الرتمذي كتاب صفة القيامة باب (‪ .)2499( )49‬وابن ماجه كتاب الزهد باب ذكر التوبة‬ ‫((( ‬
‫(‪ .)4251‬وحسنه األلباين يف صحيح سنن ابن ماجه (‪.)4251‬‬
‫أخرجه مسلم كتاب الر والصلة واآلداب باب تحريم الظلم (‪.)2577‬‬ ‫(( (‬
‫مجموع فتاوى شيخ اإلسالم ابن تيمية (‪ )409-403/15‬مختصرا‪.‬‬ ‫((( ‬
‫أخرجه مسلم كتاب الذكر والدعاء واالستغفار باب استحباب االستغفار (‪ ،)2702‬والبخاري كتاب‬ ‫((( ‬
‫الدعوات باب استغفار النبي ﷺ يف اليوم والليلة (‪ )5948‬بلفظ‪( :‬واهلل إين ألستغفر اهلل وأتوب إليه‬
‫يف اليوم أكثر من سبعين مرة)‪.‬‬
‫مجموع فتاوى شيخ اإلسالم ابن تيمية (‪.)403/15‬‬ ‫((( ‬
‫‪134‬‬
‫اهراهظإ ماكحأو ةنيزلا ‪:‬ثلاثلا لصفلا‬ ‫يناثلا بابلا‬
‫ويالحظ يف أسلوب اآلية «تلوين للخطاب وصرف له عن رسول‪ ‬اهلل ﷺ إلى‬
‫الكل بطريق التغليب إلبراز كمال العناية بما يف حيزه من أمر التوبة وأهنا من معظمات‬
‫المهمات الحقيقية بأن يكون گ اآلمر هبا لما أنه ال يكاد يخلو أحد من المكلفين عن‬
‫نوع تفريط يف إقامة مواجب التكاليف كما ينبغي ال سيما يف الكف عن الشهوات‬
‫ويف تكرير الخطاب بقوله تعالى {ﯿ ﰀ} تأكيد لإليجاب وإيذان بأن‬
‫وصف اإليمان موجب لالمتثال حتما»(((‪.‬‬

‫((( روح المعاين ‪-‬األلوسي (‪.)146/18‬‬


‫‪135‬‬
‫دراسة موضوعات سورة النور‬

‫‪ ‬املطلب الرابع‬
‫حتريم زينة القول‬

‫قال تعالى‪{ :‬ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ}‪ :‬هذه اآلية ليست‬


‫مقتصرة على إبداء الزينة عن طريق المشي فقط فإبداء الزينة للمرأة يكون بأمور كثيرة‬
‫ذكرناها ساب ًقا‪ ،‬ولكن هناك أمر تساهل فيه الكثير وهو صوت المرأة‪.‬‬
‫فالمرأة من طبيعتها أن صوهتا جميل وملفت ألسماع وقلوب الرجال‪ ،‬ولكن‬
‫اً‬
‫تعطيل للمصالح‪ ،‬والصوت هو لغة‬ ‫اهلل تعالى لم ينه المرأة عن الحديث‪ ،‬ألن فيه‬
‫التخاطب بين الناس‪ ،‬ولكن اهلل گ أمر النساء أن ال يكون كالمهن فيه ليونة وميوعة‬
‫فقد قال اهلل تعالى يوصي نساء النبي ﷺ‪{ :‬ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ}‬
‫[سورة‪ ‬األحزاب‪.]22 ‬‬
‫«فالخضوع بالقول هو‪ :‬ترقيق الكالم إذا خاطبن الرجال»(((‪.‬‬
‫ولكن من هن اللوايت يحذرهن اهلل هذا التحذير؟!!‬
‫يخطر‬
‫ُ‬ ‫طامع‪ ،‬وال‬
‫ٌ‬ ‫إهنن أزواج النبي ﷺ‪ ،‬وأمهات المؤمنين‪ ،‬اللوايت ال َي ْط ُ‬
‫مع فيهن‬
‫خاطر مريض‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫عليهن‬
‫ويف أي ٍ‬
‫عهد يكون هذا التحذير؟!!‬
‫إنه يف عهد النبي ﷺ‪ ،‬يف عهد الصفوة المختارة من البشرية‪.‬‬
‫فاهلل سبحانه خالق الرجال والنساء‪ ،‬فيعلم أن يف صوت المرأة حين تخضع بالقول‬
‫ما يثير الطمع يف القلوب‪ ،‬ويثير الفتنة يف القلوب‪ ،‬وأن القلوب المريضة التي َتطمع‬
‫((( تفسير القرآن العظيم البن كثير (‪.)409/6‬‬
‫‪136‬‬
‫اهراهظإ ماكحأو ةنيزلا ‪:‬ثلاثلا لصفلا‬ ‫يناثلا بابلا‬
‫ٍ‬
‫امرأة‪ ،‬ولو كانت هي زوج النبي‬ ‫عهد ويف كل ٍ‬
‫بيئة‪ ،‬وتجاه كل‬ ‫و ُتثار موجود ٌة يف كل ٍ‬

‫الكريم ﷺ‪ ،‬وأنه ال طهارة من الدنس‪ ،‬وال تخلص من الرجس؛ حتى تمتنع األسباب‬
‫المثيرة من األساس‪.‬‬
‫عصر غلب فيه الدنس وكثر‬
‫ٌ‬ ‫فكيف حال المجتمع الذي نعيش فيه اليوم!! وهو‬
‫الكالم الهابط‪ ،‬وتنوعت أساليب هتييج الفتن فيه‪ ،‬وتثوير الشهوات‪ ،‬وطغت فيه‬
‫يتكسرن يف نرباهتن‪،‬‬
‫َّ‬ ‫سهل فيه الضياع‪ ،‬فنساء‬
‫األطماع؟ كيف بنا يف هذا الزمان الذي ُ‬
‫ٍ‬
‫سعار‬ ‫ٍ‬
‫هتاف للشهوات‪ ،‬وكل‬ ‫ويتم َّيعن يف أصواهتن‪ ،‬ويجمعن كل فتنة األنوثة‪ ،‬وكل‬
‫محموم‪ ،‬ثم يطلقنه يف نربات ونغمات‪ ،‬فأين هن من الطهارة؟! وكيف يحصل الطهر يف‬
‫هذا الجو الملوث؟! وه َّن بذواهتن وحركاهتن وأصواهتن يجلبن ذلك الرجس الذي‬
‫يريد اهلل أن ُي ْذ ِهبه عن عباده المسلمين‪.‬‬
‫ثم يأمر اهلل تعالى النساء إذا احتجن إلى الحديث مع الرجال للضرورة أن يتكلمن‬
‫بالمعروف‪ ،‬فقال تعالى‪{ :‬ﭲ ﭳ ﭴﭵ} [سورة‪ ‬األحزاب‪« :]22 ‬قوال حسنا جميال‬
‫جاف كما أنه ليس ٍ‬
‫بلين خاضعٍ»(((‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫ل غلي ًظا وال‬
‫معروفا يف الخير»(((‪« ،‬فال تقلن قو اً‬
‫واهلل أعلم‪.‬‬
‫فائدة لطيفة‪:‬‬
‫«قال مكي رحمه اهلل تعالى‪ :‬ليس يف كتاب اهلل تعالى آية أكثر ضمائر من هذه‪،‬‬
‫ضميرا للمؤمنات من مخفوض ومرفوع»(((‪.‬‬
‫ً‬ ‫جمعت خمسة وعشرين‬

‫(( ( المصدر السابق‪.‬‬


‫((( تيسير الكريم الرحمن للسعدي (‪.)611‬‬
‫((( الجامع ألحكام القرآن (‪.)238/12‬‬
‫‪137‬‬
‫دراسة موضوعات سورة النور‬

‫‪ ‬املبحث الثالث‬
‫خطورة االختالط‬

‫إن االختالط من األمور التي نبهنا اهلل تعالى على حرمتها‪ ،‬حيث أنه من أهم‬
‫األسباب الميسرة للفاحشة‪ ،‬فقد قال رسول‪ ‬اهلل ﷺ‪« :‬إياكم والدخول على النساء»‬
‫قالوا يا رسول‪ ‬اهلل‪ ،‬أرأيت الحمو؟ قال‪« :‬الحمو الموت»(((‪.‬‬
‫هذا التحريم يف جهة األقارب‪ ،‬فما بالك بغيرهم من الناس الذين ليسوا من‬
‫العائلة!! إن التحريم يكون أشد بال شك‪.‬‬
‫ومعنى الحمو الموت‪« :‬أن الخوف منه أكثر من غيره‪ ،‬والفتنة أكرب‪ ،‬لتمكنه من‬
‫الوصول إلى المرأة والخلوة هبا‪ ،‬من غير أن ينكر عليه أحد‪ ،‬بخالف األجنبي‪ ،‬وكذلك‬
‫قد تتساهل المرأة بكشف زينتها أمامه وإبداء مفاتنها له‪ ،‬مما يؤدي إلى الفتنة والهالك‬
‫يف الدين فجعله عليه الصالة والسالم كهالك الموت»(((‪.‬‬
‫وهذا الحديث مفسر لآلية وهو أصل يف النهي عن االختالط بالرجال األجانب‬
‫وخصوصا األقارب منهم الذين ال يتصور منهم ذلك الفساد والشر غال ًبا‪،‬‬
‫ً‬ ‫عمو ًما‪،‬‬
‫ألن كثرة المخالطة والمجالسة تدعوا لنزع الهيبة واجرتاء المحرمات المنهي عنها‬
‫يف اآليات‪ ،‬فيكثر إطالق البصر‪ ،‬ورؤية الزينة‪ ،‬بل والخضوع يف القول ولين الكالم‪،‬‬
‫ناهيك عما يحصل من المجاملة والمضاحكة والتكسر واستجالب الزينة يف الملبس‬
‫والحركات والروائح‪ ،‬وهذا هو المشاهد الحاصل اليوم‪ ،‬نسأل اهلل العفو والعافية‪.‬‬

‫(( ( تقدم تخريجه‪.‬‬


‫((( موضوعات سور القرآن‪ -‬سورة النور (ص‪.)54‬‬
‫‪138‬‬
‫اهراهظإ ماكحأو ةنيزلا ‪:‬ثلاثلا لصفلا‬ ‫يناثلا بابلا‬
‫ومن تأمل الواقع عرف مدى ما تدل عليه آيات اهلل من الحكمة وأهنا أصلح للعباد‬
‫والبالد‪ ،‬وأن ال حكم أحسن من حكم اهلل‪{ :‬ﯾ ﯿ ﰀﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ‬
‫ﰇ ﰈﰉ} [سورة‪ ‬المائدة‪.]50 ‬‬
‫واالختالط تتنوع صوره يف هذا الوقت فمن هذه الصور على سبيل المثال‪:‬‬
‫‪- -‬اتخاذ الخدم والسائقين الذين نراهم يخدمون ويروحون ويعيشون ويختلطون‬
‫بأهل البيت كأهنم منهم‪ ،‬وما يحصل يف هذا من الخلوة مع السائق أو الخادمة‪،‬‬
‫والرسول ﷺ يقول‪« :‬ال يخلو رجل بامرأة إال كان الشيطان ثالثهما»(((‪.‬‬
‫‪- -‬االختالط يف األسواق واألماكن العامة مثل الحدائق والمنتزهات والحفالت‬
‫العامة والعائلية والخاصة‪ ،‬وخلوة بعضهم بقصد وبال قصد‪ ،‬وتكشف العورات‬
‫والزينة من النساء للرجال بحجة الرتفيه‪ ،‬أو عدم تقييد الحريات‪ ،‬ومشاركة‬
‫الفرحة والمناسبة السعيدة‪ ..،‬الخ‪ ،‬وهذا بال شك ميدان يلعب فيه الشيطان‬
‫وتكثر العجائب والتأويالت‪.‬‬
‫نعم‪ ،‬نحن بحاجة إلى األسواق والحدائق ولكن بال اختالط بين الرجال والنساء‪،‬‬
‫وبال تداخل يف الكالم والمناقشات دون حاجة‪ ،‬وبال مزاحمة أو خلوة‪ ،‬وربنا يقول‪:‬‬
‫{ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ} هذا يف حق أمهات المؤمنين فما بالكم‬
‫بمن ه َّن دوهنن!‪.‬‬
‫نعم‪ ،‬ونحن نحب المشاركة يف الفرحة والمناسبات السعيدة‪ ،‬ونرغب يف إدخال‬
‫السرور على المسلم والمسلمة‪ ،‬ولكن بحدود يرضاها اهلل ‪ ،۵‬وال تتعدى حدوده‪،‬‬
‫((( أخرجه أحمد يف المسند (‪ ،)144( )18/1‬وإسناده صحيح ورجاله رجال الشيخين‪ .‬الموسوعة‬
‫الحديثية (‪ .)269/1‬والرتمذي كتاب الفتن باب لزوم الجماعة (‪ ،)2165‬وصححه األلباين يف صحيح‬
‫سنن الرتمذي (‪.)1758‬‬
‫‪139‬‬
‫دراسة موضوعات سورة النور‬
‫وبدون انتهاك حرمات المسلمين والمسلمات‪ ،‬فيسعنا ما وسع النبي ﷺ وصحبه‬
‫الكرام الربرة يف ذلك‪.‬‬
‫‪- -‬االختالط القائم بين أفراد العائلة فمثال يدخل الرجل على ابنة عمه أو ابنة خاله‪،‬‬
‫أو يدخل الرجل على زوجة أخيه‪ ،‬أو يدخل الزوج على أخت زوجته وغيرها‪.‬‬
‫‪- -‬االختالط يف العمل والمكاتب والمستشفيات‪ ،‬وهذا قد عمت به البلوى بصورة‬
‫غير مستنكرة‪ ،‬فتجد الطبيب يخلوا بالممرضة‪ -‬إال من رحم اهلل‪ ،‬وتجد المدير‬
‫يخلوا بمنسقة أعماله ‪ -‬السكرتيرة ‪ -‬إال من رحم اهلل‪ ،‬وتجد الغرفة الواحدة يف‬
‫المكاتب يوجد هبا عدد من الموظفين والموظفات‪...‬‬
‫‪- -‬االختالط يف المصالح العامة والخاصة‪ ،‬ومزاحمة الرجال للنساء ولو يف‬
‫المساجد ونحوها وقد ب َّين النبي الكريم ذلك فقال‪« :‬خير صفوف الرجال أولها‬
‫وشرها آخرها وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها»(((‪.‬‬
‫إلى غير ذلك من مظاهر وصور االختالط‪ .‬واهلل المستعان وهو حسبنا ونعم الوكيل‪.‬‬

‫((( أخرجه مسلم كتاب الصالة باب تسوية الصفوف‪.)440( ..‬‬


‫‪140‬‬
‫يهلإ ةنس جاوزلا ‪:‬عبارلا لصفلا‬ ‫يناثلا بابلا‬

‫‪ ‬الفصل الرابع‬
‫الزواج سنة إهلية‬
‫الفصل الرابع‪ :‬الزواج سنة إهلية‬

‫قال تعالى‪{ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ‬


‫ﭝ ﭞ ﭟﭠ ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮﭯ‬
‫ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ‬
‫ﮁﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ‬
‫ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ}‪.‬‬
‫بعد أن ذكر اهلل تعالى بعض الحلول الوقائية لعدم الوقوع يف جريمة الزنا وضع‬
‫حال عمليا آخر تضبط فيه الشهوة وتصرف يف مكاهنا الصحيح وهو الزواج‪.‬‬
‫َّ‬
‫إن الزواج هو الطريق الطبيعي لمواجهة الميول الجنسية الفطرية‪ ،‬وهو الغاية‬
‫النظيفة لهذه الميول العميقة‪ ،‬فيجب أن تزول العقبات من طريق الزواج‪ ،‬لتجري‬
‫الحياة على طبيعتها وبساطتها‪ ،‬والعقبة المالية هي العقبة األولى يف طريق بناء البيوت‪،‬‬
‫وتحصين النفوس‪.‬‬
‫واإلسالم نظام متكامل؛ فهو ال يفرض العفة إال وقد ه َّيأ لها أسباهبا‪ ،‬وجعلها‬
‫ميسرة لألفراد األسوياء‪ ،‬فال يلجأ إلى الفاحشة إذا إال الذي يعدل عن الطريق النظيف‬
‫الميسور عامدً ا غير مضطر‪.‬‬
‫ويتبين معنى اآليات الكريمة من خالل النظر يف المسائل التالية‪ :‬حكم الزواج‪،‬‬
‫والحكمة منه‪ ،‬وبدائله والمعينات عليه‪ ،‬وإليك بيان ذلك من خالل المباحث التالية‪:‬‬
‫‪141‬‬
‫دراسة موضوعات سورة النور‬

‫‪ ‬املبحث األول‬
‫األمر بالزواج واحلث عليه‬

‫قال تعالى‪{ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ‬


‫ﭝ ﭞ ﭟﭠ ﭡ ﭢ ﭣﭤ}‪ ،‬وقال تعالى يف سورة النساء‪{ :‬ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ‬
‫ﮏ ﮐ ﮑ ﮒﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜﮝ} [سورة‪ ‬النساء‪]3 ‬‬

‫هذه اآليات فيها األمر بالزواج‪ ،‬و«أمر بالتزويج‪ ،‬وقد ذهب طائفة من العلماء إلى‬
‫وجوبه على كل قادر عليه»(((‪ ،‬والخطاب هنا لألولياء أن يزوجوا الحرائر واألحرار(((‪.‬‬

‫واأليامى‪ :‬جمع َأ ِّي ٍم‪ ،‬واأليم كل من ال زوج له من الرجال والنساء سواء كان ً‬
‫بكرا‬
‫أم ث ِّي ًبا(((‪.‬‬
‫أما قوله‪{ :‬ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ} «أي‪ :‬زوجوا أيضا الصالحين من‬
‫عبادكم وإمائكم‪ ،‬فالزواج حق اإلنسان سواء كان حرا أو عبدا‪ ،‬ذكرا أو أنثى»(((‪.‬‬
‫وقد ورد يف الحث على الزواج أحاديث كثيرة ومنها‪ :‬حديث عبد‪ ‬اهلل‪ ‬بن مسعود‬
‫ﭬ أن النبي ﷺ قال‪« :‬يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض‬
‫للبصر وأحصن للفرج‪ ،‬ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء»(((‪.‬‬
‫(( ( تفسير القرآن العظيم البن كثير (‪.)51/6‬‬
‫((( الجامع ألحكام القرآن (‪ )240-239/12‬بتصرف‪.‬‬
‫((( تفسير القرآن العظيم البن كثير (‪.)51/6‬‬
‫(( ( موضوعات القرآن ‪ -‬سورة النور (‪.)56‬‬
‫((( أخرجه البخاري كتاب الصيام باب الصوم لمن خاف على نفسه العزوبة (‪ .)1905‬ومسلم كتاب=‬
‫‪142‬‬
‫يهلإ ةنس جاوزلا ‪:‬عبارلا لصفلا‬ ‫يناثلا بابلا‬
‫واهلل تعالى رتب األجر والثواب على الزواج كما ثبت من حديث أبي ذر ﭬ‬
‫وفيه قول النبي ﷺ‪« :‬ويف بضع أحدكم صدقة»‪ ،‬قالوا يا رسول‪ ‬اهلل‪ :‬أيأيت أحدنا شهوته‬
‫ويكون له فيها أجر؟ فقال عليه الصالة والسالم‪« :‬أرأيتم لو وضعها يف حرام أكان‬
‫عليه وزر؟ فكذلك إذا وضعها يف الحالل كان له أجر»(((‪ .‬وقال النبي ﷺ‪« :‬أما إين‬
‫واهلل ألخشاكم هلل واتقاكم له لكني أصوم وأفطر‪ ،‬أصلي وأرقد وأتزوج النساء فمن‬
‫رغب عن سنتي فليس مني»(((‪ ،‬وهنى ﷺ عن التبتل فعن سعد‪ ‬بن أبي وقاص قال «رد‬
‫رسول‪ ‬اهلل ﷺ على عثمان‪ ‬بن مظعون التبتل ولو أذن له الختصينا»(((‪.‬‬

‫ومن الحث على الزواج قوله تعالى‪{ :‬ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟﭠ ﭡ ﭢ‬


‫ﭣﭤ}‪ .‬أي‪ :‬أنه ال ينبغي أن يكون فقر الذي يريد الزواج‪ ،‬أو التي تريد الزواج‪،‬‬
‫هو المانع من الزواج‪ ،‬فإن فضل اهلل تعالى واسع‪ ،‬وهذا وعدٌ منه بتوسيع الرزق على‬
‫سبب يف توسيع الرزق‪ .‬فعن‬
‫ٌ‬ ‫كثير من السلف يرون أن الزواج‬
‫من يريد الزواج‪ ،‬وكان ٌ‬
‫عبداهلل‪ ‬بن مسعود ﭬ أنه قال «التمسوا الغنى يف النكاح»(((‪ .‬وهذا هو مقتضى اآلية‬
‫وحديث أبي هريرة ﭬ قال‪ :‬قال رسول‪ ‬اهلل ﷺ‪« :‬ثالثة حق على اهلل عونهم‪ :‬المجاهد‬
‫يف سبيل اهلل‪ ،‬والمكاتب الذي يريد األداء‪ ،‬والناكح الذي يريد العفاف»(((‪.‬‬
‫= النكاح باب استحباب النكاح (‪.)1400‬‬
‫((( أخرجه مسلم كتاب الزكاة باب اسم الصدقة يقع على كل نوع من المعروف (‪.)1006‬‬
‫((( أخرجه البخاري كتاب النكاح باب الرتغيب يف النكاح (‪.)5063‬‬
‫((( أخرجه البخاري كتاب النكاح باب ما يكره من التبتل والخصاء (‪ )4786‬ومسلم كتاب النكاح‬
‫باب استحباب النكاح لمن تاقت إليه نفسه (‪ .)1402‬التبتل‪ :‬االنقطاع عن النساء وترك األزواج‪.‬‬
‫الختصينا‪ :‬من الخصاء‪ .‬وهو قطع الخصيتين اللتين هبما قوام النسل‪ ،‬أو تعطيلهما عن عملهما‪.‬‬
‫(( ( أخرجه ابن جرير الطربي (‪ ،)275/17‬والسيوطي يف الدر المنثور (‪.)42/11‬‬
‫((( أخرجه الرتمذي كتاب فضائل الجهاد باب ما جاء يف المجاهد والمكاتب والناكح (‪ ،)1655‬والنسائي =‬
‫‪143‬‬
‫دراسة موضوعات سورة النور‬

‫{ﭡ ﭢ ﭣﭤ} أي‪ :‬أن اهلل تعالى فضله واسع‪ ،‬وهو أعلم بأحوالكم وما‬
‫يصلح حالكم وما تحتاجون إليه‪.‬‬

‫= يف السنن الكربى باب المكاتب (‪ ،)4995‬وابن ماجه كتاب العتق باب المكاتب (‪ .)2518‬أحمد يف‬
‫المسند (‪ ،)9626 ،7410( )251/2‬حسنه األلباين يف صحيح سنن الرتمذي (‪ .)1352‬وصحيح سنن ابن‬
‫ماجه (‪ ،)2518‬واألرنؤوط يف تعليق المسند‪.‬‬
‫‪144‬‬
‫يهلإ ةنس جاوزلا ‪:‬عبارلا لصفلا‬ ‫يناثلا بابلا‬

‫‪ ‬املبحث الثاني‬
‫حكمة الشارع يف الزواج‬
‫ٍ‬
‫كثيرة جدً ا منها ما علمناها ومنها ما لم‬ ‫ٍ‬
‫وحكم‬ ‫ٍ‬
‫ألسباب‬ ‫شرع اهلل سبحانه الزواج‬
‫نعلمها‪ ،‬وقد اجتهد العلماء يف استنباط حكم الزواج من القرآن والسنة والواقع الذي‬
‫نعيشه‪ ،‬ويمكن أن نجمل هذه ِ‬
‫الح َكم يف النقاط التالية‪:‬‬
‫‪1 -1‬المحافظة على النوع اإلنساين‪:‬‬
‫فمن البديهيات التي ال تقبل الجدل أن الزواج أفضل طريق إلى تكاثر النسل‬
‫اإلنساين‪ ،‬وعامل أساسي يف استمراره وبقائه إلى أن يرث اهلل األرض ومن عليها‪،‬‬
‫ولقد نوه القرآن الكريم عن هذه الحكمة االجتماعية البالغة حين قال‪{ :‬ﭑ ﭒ‬
‫ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ} [سورة‪ ‬النساء‪،]1 ‬‬
‫وقال تعالى‪{ :‬ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ}‬
‫[سورة‪ ‬النحل‪{ .]72‬ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻﭼ ﭽ‬
‫ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ‬
‫ﮏﮐ} [سورة‪ ‬االعراف‪.]189‬‬
‫ويف كثرة النسل من المصالح العمة والمنافع الخاصة مما جعل النبي ﷺ يقول‪:‬‬
‫«تزوجوا الودود الولود فإين مكاثر بكم األمم يوم القيامة»(((‪.‬‬
‫((( أخرجه أبو داود كتاب النكاح باب من تزوج الودود (‪ ،)2050‬والنسائي يف الكربى (‪ ،)5323‬وابن حبان يف‬
‫وحسنه الهيثمي يف المجمع (‪.)258/4‬‬
‫صحيحه (‪ )4065‬و(‪ ،)4057‬وأحمد يف المسند (‪َّ ،)12634( )158/3‬‬
‫وعلق األرنؤوط‪ :‬صحيح لغيره وهذا إسناد قوي‪ ،‬وصححه األلباين يف صحيح أبي داود (‪.)1805‬‬
‫‪145‬‬
‫دراسة موضوعات سورة النور‬
‫‪2 -2‬إشباع الغريزة الجنسية‪:‬‬
‫دائما يف إيجاد‬
‫«الغريزة الجنسية من أقوى الغرائز وأعنفها‪ ،‬وهي تلح على صاحبها ً‬
‫مجال لها‪ :‬فما لم يكن َث َّمة ما يشبعها انتاب االنسان الكثير من القلق واالضطراب‬
‫ونزعت به إلى شر كبير‪ ،‬والزواج هو أحسن وضع طبيعي‪ ،‬وانسب مجال حيوي‬
‫إلرواء الغريزة وإشباعها»(((‪ ،‬قال تعالى‪{ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ‬
‫ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩﭪ‬
‫ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ} [سورة‪ ‬البقرة‪{ .]187 ‬ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ‬
‫ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ‬
‫ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏﮐ} [سورة‪ ‬األعراف‪.]189 ‬‬
‫‪3 -3‬السكن الروحي والنفسي‪:‬‬
‫فإذا حصل إشباع الغريزة الجنسية هدأ البدن من االضطراب‪ ،‬وسكنت النفس عن‬
‫وكف النظر عن التطلع إلى الحرام‪ ،‬واطمأنت العاطفة إلى ما أحل اهلل‪ ،‬وهذا‬
‫َّ‬ ‫الصراع‪،‬‬
‫الذي أشار إليه قوله تعالى‪{ :‬ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ‬
‫ﭻ} [سورة‪ ‬األعراف‪ .]189 ‬وقوله‪{ :‬ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ‬
‫ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝﮞ} [سورة‪ ‬الروم‪.]21 ‬‬
‫‪4 -4‬المحافظة على األنساب‪:‬‬
‫وبالزواج يفتخر األبناء بانتساهبم إلى آبائهم ألن يف هذا النسب اعتبارهم الذايت‬
‫وكرامتهم اإلنسانية وسعادهتم النفسية‪.‬‬
‫قال اهلل تعالى {ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ‬
‫ﮄ ﮅﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊﮋ ﮌ ﮍ ﮎﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ‬
‫((( فقه السنة (‪.)139/2‬‬
‫‪146‬‬
‫يهلإ ةنس جاوزلا ‪:‬عبارلا لصفلا‬ ‫يناثلا بابلا‬

‫ﮕﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ‬
‫ﮥﮦ}‪[ .‬سورة‪ ‬األحزاب ‪.]5-4‬‬
‫‪5 -5‬سالمة المجتمع من اإلمراض الخبيثة المترتبة على االنحالل الخلقي‪:‬‬
‫قال رسول‪ ‬اهلل ﷺ‪« :‬يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض‬
‫للبصر وأحصن للفرج‪ ،‬ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء»(((‪ ،‬وجعل العفاف‬
‫غاي ًة محمودة عند اهلل والناس عندما ُيسعى لها «ثالث حق على اهلل عونهم‪ ..‬الناكح‬
‫يريد العفاف‪ »..‬الحديث(((‪.‬‬
‫ّ‬
‫وحذر رسول‪ ‬اهلل ﷺ من ذلك‪« :‬لم تظهر الفاحشة يف قوم قط حتى يعلنوا بها إال‬
‫فشا فيهم الطاعون واألوجاع التي لم تكن مضت يف أسالفهم الذين مضوا»(((‪.‬‬
‫وقال تعالى يف قصة نبيه لوط ڠ‪{ :‬ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱﯓ ﯔ ﯕ‬
‫ﯖ ﯗ ﯘ ﯙﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞﯟ} [سورة‪ ‬هود‪.]78 ‬‬
‫‪6 -6‬تنمية عاطفة األمومة واألبوة‪:‬‬
‫إن غريزة األبوة واألمومة تنمو وتتكامل يف ظالل الطفولة‪ ،‬وتنمو مشاعر العطف‬
‫والود والحنان‪ ،‬وهي فضائل ال تكمل إنسانية إنسان بدوهنا‪ ،‬قال اهلل تعالى {ﮚ‬
‫ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ} [سورة‪ ‬القصص‪.]10 ‬‬
‫وقال عن نبيه عيسى ڠ‪{ :‬ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣﮤ} [سورة‪ ‬مريم‪،]32 ‬‬
‫وقال سبحانه‪{ :‬ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜﮝ} [سورة‪ ‬األحزاب‪.]5-‬‬
‫(( ( تقدم تخريجه‪.‬‬
‫((( تقدم تخريجه‪.‬‬
‫((( أخرجه ابن ماجه كتاب الفتن باب العقوبات (‪ .)4019‬وحسنه األلباين يف سلسلة األحاديث الصحيحة‬
‫(‪.)106‬‬
‫‪147‬‬
‫دراسة موضوعات سورة النور‬
‫‪7 -7‬تقوية ملكات الفرد ومواهبه فيما ينفع أمته ومجتمعه‪:‬‬
‫فإن الشعور بتبعة الزواج‪ ،‬ورعاية األوالد يبعث على النشاط وبذل الوسع يف تقوية‬
‫ملكات الفرد ومواهبه‪ ،‬فينطلق إلى العمل من أجل النهوض بأعبائه‪ ،‬والقيام بواجبه‪.‬‬
‫فيكثر االستغالل وأسباب االستثمار مما يزيد يف تنمية الثروة وكثرة اإلنتاج‪،‬‬
‫ويدفع إلى استخراج خيرات اهلل من الكون وما أودع فيه من أشياء ومنافع للناس‪.‬‬
‫قال اهلل تعالى عن دعاء نبيه زكريا ڠ‪{ :‬ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ‬
‫ﭛ ﭜ ﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ‬
‫ﭬﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺﭻ‬
‫ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀﮁ ﮂ ﮃ ﮄﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ‬
‫ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑﮒ} [سورة‪ ‬مريم‪.]7-2 ‬‬
‫‪8 -8‬تنظيم مسؤوليات الرجل والمرأة بتكوين األسرة وتربية األوالد‪:‬‬
‫وذل�ك توزي�ع األعم�ال توزي ًعا ينتظم به ش�أن البي�ت من جهة‪ ،‬كم�ا ينتظم به‬
‫العم�ل خارج�ه من جه�ة أخرى‪ ،‬مع تحديد مس�ؤولية كل من الرج�ل والمرأة فيما‬
‫يناط به من أعمال‪.‬‬
‫فالمرأة تقوم على رعاية البيت وتدبير المنزل‪ ،‬وتربية األوالد‪ ،‬وهتيئة الجو الصالح‬
‫للرجل ليسرتيح فيه ويجد ما يذهب بعنائه‪ ،‬ويجدد نشاطه‪ ،‬بينما يسعى الرجل وينهض‬
‫بالكسب‪ ،‬وما يحتاج إليه البيت من مال ونفقات‪ ،‬وهبذا التوزيع العادل يؤدي كل منهما‬
‫وظائفه الطبيعية على الوجه الذي يرضاه اهلل ويحمده الناس‪ ،‬ويثمر الثمار المباركة‪.‬‬
‫قال اهلل تعالى‪{ :‬ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧﮨ ﮩ ﮪ ﮫ‬
‫ﮬﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ‬
‫ﯞﯟ} [سورة‪ ‬النساء‪.]32 ‬‬
‫‪148‬‬
‫يهلإ ةنس جاوزلا ‪:‬عبارلا لصفلا‬ ‫يناثلا بابلا‬
‫‪9 -9‬ترابط المجتمع المبني على ترابط األسرة‪:‬‬
‫على أن ما يثمره الزواج من ترابط األسر‪ ،‬وتقوية أواصر المحبة بين العائالت‪،‬‬
‫وتوكيد الصالت االجتماعية مما يباركه اإلسالم ويعضده ويسانده‪ ،‬فإن المجتمع‬
‫المرتابط المتحاب هو المجتمع القوي السعيد(((‪.‬‬

‫((( ولالستزادة أنظر‪ :‬فقه السنة (‪ ،)141-139/2‬وعقبات الزواج وطرق معالجتها على ضوء اإلسالم‬
‫(ص‪.)17-11‬‬
‫‪149‬‬
‫دراسة موضوعات سورة النور‬

‫‪ ‬املبحث الثالث‬
‫من مل يستطيع الزواج‬

‫قال تعالى {ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮﭯ}‪.‬‬


‫«هذا حكم العاجز عن الزواج أمره اهلل تعالى أن يستعف أي‪ :‬يكف عن المحرم‪،‬‬
‫ويفعل األسباب التي تكفه عنه‪ ،‬ووعد اهلل المستعفف أن يغنيه من فضله وييسر له‬
‫أمره»(((‪.‬‬
‫ولكن ما هي األمور العملية التي يجب على كل من ال يستطيع الزواج أن يفعلها‬
‫ليعف نفسه؟‬
‫يمكن أن نجمل ذلك يف األمور التالية‪:‬‬
‫‪ -1‬الصبر‪:‬‬
‫وهذه وصية ربنا سبحانه‪ ،‬قال تعالى‪{ :‬ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ} فاهلل تعالى‬
‫أمر بالعفاف والصرب على الشهوة ودواعيها‪ ،‬وحث على الصرب وحفظ الفروج‪ ،‬قال‬
‫تعالى‪{ :‬ﮮ ﮯ ﮰ ﮱﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝﯞ ﯟ‬
‫ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ} [سورة‪ ‬المعارج‪ .]31-29‬واهلل تعالى وعد الصابرين باألجر‬
‫العظيم فقال تعالى‪{ :‬ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ﰗ ﰘﰙ} [سورة‪ ‬الزمر‪.]10 ‬‬
‫‪ -2‬الصيام‪:‬‬
‫وهو وصية الرسول ﷺ للشباب األعزب خاصة‪ ،‬ومن يريد الزواج وال يستطيعه‬
‫عامة‪ ،‬وذلك كما قال رسول‪ ‬اهلل ﷺ‪« :‬يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج‬
‫((( تيسير الكريم الرحمن للسعدي (‪.)516‬‬
‫‪150‬‬
‫يهلإ ةنس جاوزلا ‪:‬عبارلا لصفلا‬ ‫يناثلا بابلا‬
‫فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج‪ ،‬ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء»(((‪،‬‬
‫فالصوم يقلل من سعار الشهوة ويحفظ جوارح اإلنسان عن دواعيها‪ ،‬ويضيق مجرى‬
‫الشيطان ويدفع وسوسته‪.‬‬
‫‪ -3‬االبتعاد عن مثيرات الشهوة‪:‬‬
‫وجماعها يف غض البصر ألن إطالق البصر هو أول خطوة من خطوات الشيطان‬
‫يف إثارة الشهوة‪ ،‬وغض البصر أطهر وأزكى لقلب المؤمن قال تعالى‪{ :‬ﭾ ﭿ‬
‫ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎﮏ ﮐ ﮑ‬
‫ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ‪ ،}....‬وكذلك ترك التخيالت وقطع أسباهبا من‬
‫مسرحيات أو حكايات من ال يتأدبون بآداب الشارع يف هذا الباب فيصفون النساء أو‬
‫ما يحصل بين المرأة وزوجها ونحو ذلك مما يزيد الخياالت والصور الشيطانية التي‬
‫يشغل هبا ويفتن من خاللها عباد اهلل الغافلين‪.‬‬
‫‪ -4‬االستعانة باهلل وكثرة الدعاء والعبادة‪:‬‬
‫فالدعاء هو سالح المؤمن‪ ،‬واهلل تعالى يستجيب دعوة المضطر إذا دعاه قال‬
‫تعالى‪{ :‬ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ} [سورة‪ ‬النمل‪ ]62 ‬وقال {ﭝ ﭞ‬
‫ﭟ ﭠ ﭡﭢ} [سورة‪ ‬غافر‪ .]60 ‬ومن استعان باهلل كفاه‪ ،‬وأعانه على كبح جمح‬
‫شهوته‪ ،‬ورزقه الغنى يف قلبه بذكر اهلل وشكره وعبادته‪ ،‬وانشغل عن ما هو مهيج لتلك‬
‫الغريزة‪ ،‬وحرك دواعي الخوف من اهلل يف قلبه‪ ،‬فال يشغله تزيين الشيطان للنساء وال‬
‫لسماع الغناء وغيره مما يثير الشهوة‪ .‬وقد كان من دعاء النبي ﷺ‪« :‬اللهم إين أسالك‬
‫الهدى والتقى والعفاف والغنى»(((‪.‬‬
‫(( ( تقدم تخريجه‪.‬‬
‫((( أخرجه مسلم باب التعوذ من شر ما علم ومن شار ما لم يعلم (‪.)2721‬‬
‫‪151‬‬
‫دراسة موضوعات سورة النور‬
‫‪ -5‬االشتغال يف البحث عن العمل وعدم االتكال‪:‬‬
‫فعلى الشاب أن يأخذ باألسباب المادية أيضا مع توكله على اهلل واإليمان بوعد‬
‫اهلل‪ ،‬وال ينتظر أن تأيت له األموال إلى مكانه‪ ،‬وال يرتفع عن أي عمل كان بحجة أنه‬
‫ال يناسب وضعه العلمي واالجتماعي‪ ،‬فالعبد مأمور بالعمل طالما هذا العمل مباح‬
‫ليعف نفسه عن أكل الحرام وارتكاب الحرام‪.‬‬
‫والتواكل هذا من أهم األسباب يف تأخر كثير من الشباب عن الزواج فهو ينتظر‬
‫أن يزوجه أبوه أو يساعده المجتمع أو أن يتزوج من غير أعباء مادية‪ ،‬وكل هذا صعب‬
‫جدا خصوصا يف هذا الوقت الذي ّ‬
‫قل فيه المحسنون الذين يسعون يف حاجة الناس‪،‬‬
‫ّ‬
‫وقل فيه من يلتزم هبدي النبي يف الزواج والتيسير فيه‪ ،‬وكثرت فيه البطالة وغيرها من‬
‫مشكالت المجتمع‪.‬‬
‫فعلى الشاب أن يستعين باهلل ويبحث عن عمل ويعمل‪ ،‬ويسأل اهلل العون والتيسير‬
‫والتوفيق‪.‬‬
‫‪ -6‬عدم التطلع إلى الدنيا والمستوى الراقي يف الحياة‪:‬‬
‫وعلى من يريد الزواج أن يعرف مستواه المادي وموقعه االجتماعي الذي قدره‬
‫اهلل له يف هذه الدنيا‪ ،‬فال يتطلع إلى ٍ‬
‫حياة أكرب من حجمه‪ ،‬يتطلع أن يتزوج أجمل النساء‪،‬‬
‫ويسكن يف أفخم البيوت‪ ،‬ويفعل حفل زواج من أكرب وأفضل الحفالت‪ ،‬ولكن عليه‬
‫أن يتوسط يف كل شيء وأن يطلب الوسطية يف كل شيء حسب مستواه ويحيا يف حياته‬
‫شاكرا عفي ًفا ُمتق ًيا‪ ،‬ويجد عنده كل ما ُح ِر َم‬
‫ً‬ ‫صابرا‬
‫ً‬ ‫الدنيا ببساطة إلى أن يلقى اهلل تعالى‬
‫مما ال عي ٌن رأت‪ ،‬وال أذن سمعت‪ ،‬وال‬
‫مما تشتهيه نفسه‪ ،‬وتلذ به عينه‪َّ ،‬‬
‫منه يف الدنيا ّ‬
‫خطر على قلب ٍ‬
‫بشر‪.‬‬
‫‪152‬‬
‫يهلإ ةنس جاوزلا ‪:‬عبارلا لصفلا‬ ‫يناثلا بابلا‬
‫وأن يختار زوج ًة تناسب مستواه المادي واالجتماعي‪ ،‬فال يتطلع الشاب إلى‬
‫الزواج من بنات أصحاب األموال أو الجاه‪ ،‬وهو فقير‪ ،‬ألن هذا عادة يعطله عن الزواج‬
‫إلى أن يصل إلى هذا المستوى ‪ -‬ما لم يكونوا أهل فقه يف دين اهلل‪ ،‬والخير له أن يتزوج‬
‫من بنات واقعه الصالحات حتى ولو كن فقيرات أو لسن على قدر كبير من الجمال‪،‬‬
‫فإن اهلل يبارك فيهن أكثر من غيرهن‪.‬‬
‫وقد أرشد إلى هذا الرحيم بأمته فقال ﷺ‪« :‬المتشبع بما لم يعطي كالبس ثوبي‬
‫زور»(((‪.‬‬
‫‪ -7‬ممارسة الرياضة واالشتغال بما يحب الشاب من هوايات‪:‬‬
‫وهذه من األمور التي تساعد الشاب يف عدم التفكير يف الشهوة ألنه يصرف طاقة‬
‫الشباب فيما ينفعه‪ ،‬ألن الشباب قوة تحتاج إلى استغالل فإذا صرفت هذه القوة فيما‬
‫ينفع انصرفت عن ما ال ينفع من الفواحش والملهيات‪ ،‬والشباب أيضا فرتة بناء وإعداد‬
‫فيجب على الشاب أن يصرف كل جهده يف بناء نفسه سواء جسم ًيا أو علم ًيا أو غيرها‬
‫من األمور التي تحتاجها األمة‪ ،‬فعن أبي هريرة قال قال رسول‪ ‬اهلل ﷺ‪« :‬المؤمن القوي‬
‫خير وأحب إلى اهلل من المؤمن الضعيف ويف كل خير احرص على ما ينفعك واستعن‬
‫باهلل وال تعجز»(((‪ .‬وعن سلمة‪ ‬بن األكوع ﭬ قال‪ :‬مر النبي ﷺ على نفر من أسلم‬
‫ينتضلون فقال رسول‪ ‬اهلل ﷺ‪« :‬ارموا بني إسماعيل فإن أباكم كان راميا»(((‪.‬‬
‫‪ -8‬مجالسة الصالحين‪:‬‬
‫فالصالحين هم صمام األمان لهذه األمة‪ ،‬حولهم يجتمع الناس يذكروهنم باهلل‪،‬‬
‫(( ( أخرجه البخاري كتاب باب المتشبع (‪ ،)4921‬ومسلم يف اللباس والزينة باب النهي عن التزوير يف‬
‫اللباس وغيره‪.)2130( ..‬‬
‫((( أخرجه مسلم كتاب القدر والزينة باب يف األمر بالقوة وترك العجز‪.)2664( ..‬‬
‫((( أخرجه البخاري كتاب الجهاد والسير باب التحريض على الرمي (‪ 2743‬و‪ 3316‬و‪.)3193‬‬
‫‪153‬‬
‫دراسة موضوعات سورة النور‬
‫ويبعدوهنم على وساوس الشيطان‪ ،‬ويعينوهنم على الصرب على مشاق وصعوبات هذه‬
‫الدنيا الفانية فاإلنسان ضعيف بنفسه قوي بإخوانه الصالحين‪.‬‬
‫وهبذا وصى الحبيب المصطفى فعن أبي سعيد أنه سمع رسول‪ ‬اهلل ﷺ يقول‪« :‬ال‬
‫تصاحب إال مؤمنًا وال يأكل طعامك إال تقي»(((‪.‬‬
‫واهلل أعلم‪.‬‬ ‫ ‬

‫((( أخرجه أبوداود كتاب األدب باب من يؤمر أن يجالس (‪ ،)4832‬والرتمذي كتاب الزهد باب ما جاء‬
‫يف صحبة المؤمن (‪ ،)2395‬وابن حبان (‪ ،)554( )314/2‬وغيرهم‪ ،‬وحسنه األلباين يف صحيح الجامع‬
‫(‪ ،)7341‬واألرنؤوط يف تعليقه على ابن حبان‪.‬‬
‫‪154‬‬
‫يهلإ ةنس جاوزلا ‪:‬عبارلا لصفلا‬ ‫يناثلا بابلا‬

‫‪ ‬املبحث الرابع‬
‫تيسري احلياة السعيدة لفئات اجملتمع‬

‫«كما شجعت اآليات على تيسير سبل الزواج لمريده؛ شجعت أيضا على تيسير‬
‫سبل الحياة الكريمة الحرة لألرقاء الذين يتطلعون إلى الحرية‪ ،‬فشرعت عقد المكاتبة‬
‫بين العبد وسيده‪ ،‬يسمح فيه للعبد باالكتساب‪ ،‬حتى يؤدي مبلغا معينا لسيده فيصبح‬
‫حرا»(((‪.‬‬
‫ً‬
‫وهذه الحرية تساعده على ممارسة الحياة الطبيعية بشكلها الذي أراده اهلل تعالى‪،‬‬
‫فال يحرم أي إنسان من الحياة الطيبة المستقرة يف ظالل أسرة هو سيدها وال يوجد‬
‫سلطان عليه من الخارج يتحكم فيه ويف ذريته‪ ،‬أو يمنعه من مارست حقه اإلنساين‬
‫مقصورا على األحرار فقط‪ ،‬ولكنه لألحرار والعبيد‪ ،‬ولكن‬
‫ً‬ ‫والشرعي‪ ،‬فالزاوج ليس‬
‫العبودية تمنع من ذلك الزواج بأحكامه وغايته إ ًذا ال بد من حل لهذه المشكلة‪ ،‬فيأيت‬
‫اإلسالم اً‬
‫ممثل يف منهجه القرآين يعطينا المرجعية والحل يف مثل تلك المشكالت‪.‬‬
‫قال تعالى {ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺﭻ‬
‫ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ} أي‪« :‬من ابتغى وطلب منكم الكتابة وأن يشرتي‬
‫وصالحا»(((‪.‬‬
‫ً‬ ‫نفسه من عبيد وإماء فأجيبوا إلى طلبه إذا علمتم منه قدرة على التكسب‬
‫{ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ}‪ :‬هذه وصية من اهلل لألسياد ولكل من عنده‬
‫مال أن يعينوا عبيدهم على الحرية وذلك بإعطائهم من مال الزكاة‪ ،‬فقد شرع اهلل تعالى‬

‫(( ( موضوعات القرآن ‪-‬سورة النور (‪.)57‬‬


‫((( تيسير الكريم الرحمن للسعدي (‪.)516‬‬
‫‪155‬‬
‫دراسة موضوعات سورة النور‬

‫من مصارف الزكاة فك الرقاب قال تعالى‪{ :‬ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ‬


‫ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ‬
‫ﯗ ﯘ ﯙﯚ} [سورة‪ ‬التوبة‪]60 ‬‬

‫ومن باب توفير الحياة السعيدة لفئات المجتمع والحفاظ على المجتمع من‬
‫الضياع‪ ،‬فقد كانت آية المكاتبة تمهيد للحديث على عدم إكراه اإلماء والعبيد على‬
‫الزنا ونشره يف المجتمع للكسب من ذلك العمل المشين فقال تعالى‪{ :‬ﮃ ﮄ‬
‫ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ‬
‫ﮘﮙ}‪.‬‬
‫«فقد كان أهل الجاهلية إذا كان ألحدهم أمة‪ ،‬أرسلها تزين‪ ،‬وجعل عليها ضريبة‬
‫يأخذها منها كل وقت‪ ،‬فلما جاء اإلسالم هني اهلل المسلمين عن ذلك»(((‪.‬‬
‫{ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ}‪ :‬قال ابن عباس ﭭ‪« :‬فإن‬
‫فعلتم ذلك‪ ،‬فإن اهلل غفور رحيم لهن‪ ،‬وإثمهن على من أكرههن»(((‪ .‬ويف الحديث عن‬
‫النبي ﷺ أنه قال‪« :‬إن اهلل تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان‪ ،‬وما استكرهوا عليه»(((‪.‬‬
‫ويف التعقب هبذه اآلية بعد ذكر النكاح فيه داللة شرعية وفقهية وتربوية حيث‬
‫أن «النهي عن إكراه الفتيات على البغاء وهن يردن العفة ابتغاء المال الرخيص كان‬
‫جز ًءا من تطهير البيئة اإلسالمية‪ ،‬وإغالق السبل القذرة للتصرف الجنسي‪ ،‬وذلك أن‬
‫(( ( تفسير القرآن العظيم البن كثير (‪.)54/6‬‬
‫((( تفسير القرآن العظيم البن كثير (‪.)56/6‬‬
‫((( أخرجه ابن ماجه كتاب الطالق باب طالق المكره والناسي (‪ ،)2043‬والطحاوي يف شرح معاين‬
‫اآلثار (‪ ،)95/3‬وابن حبان (‪ ،)7219‬والطرباين يف الصغير (‪ ،)765‬والدارقطني يف السنن (‪،)4351‬‬
‫والحاكم (‪ ،)198/2‬والبيهقي (‪ .)356/7‬وسكت عنه ابن حجر يف الفتح (‪ ،)390/9‬وصححه األلباين‬
‫يف صحيح سنن ابن ماجه والمشكاة (‪ ،)6284‬اإلرواء (‪ ،)82‬واألرنؤوط يف تعليقه على ابن ماجه‬
‫وابن حبان‪.‬‬
‫‪156‬‬
‫يهلإ ةنس جاوزلا ‪:‬عبارلا لصفلا‬ ‫يناثلا بابلا‬
‫وجود البغاء ُيغري الكثيرين لسهولته‪ ،‬ولو لم يجدوه النصرفوا إلى طلب هذه المتعة‬
‫يف محلها الكريم النظيف‪.‬‬
‫قلب لألسباب والنتائج‪ ،‬فالميل‬
‫وذكر اإلكراه لإلماء ال يعني إباحته‪ ،‬فذلك ٌ‬
‫موجها إلى امتداد الحياة باألجيال الجديدة‪ ،‬وعلى‬
‫ً‬ ‫الجنسي يجب أن يظل نظي ًفا‬
‫المجتمع المسلم أن يصلح نظمه االقتصادية‪ ،‬وأن يتعاون المجتمع مع بعضه ليكون‬
‫كل فرد يف ذلك المجتمع يف مستوى ُيعينه على الزواج‪ ،‬فإن وجدت بعد ذلك حاالت‬
‫خاصا‪ ،‬وبذلك ينقطع البغاء والفاحشة‪ ،‬بإذن اهلل‪.‬‬
‫عالجا ً‬
‫ً‬ ‫شاذة عولجت تلك الحاالت‬
‫‪157‬‬
‫دراسة موضوعات سورة النور‬

‫‪ ‬الفصل اخلامس‬
‫آداب داخل البيت املسلم‬
‫الفصل اخلامس‪ :‬آداب داخل البيت املسلم‬

‫تميد‪:‬‬
‫قال تعالى‪{ :‬ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ‬
‫ﯙ ﯚﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨﯩ ﯪ ﯫ ﯬﯭ‬
‫ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ‬
‫ﯿﰀ ﰁ ﰂ ﰃﰄ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ‬
‫ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ‬
‫ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶﭷ ﭸ ﭹ‬
‫ﭺ ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ‬
‫ﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛ‬
‫ﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨ‬
‫ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ‬
‫ﯘ ﯙ ﯚ ﯛﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ‬
‫ﯨﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱ}‪.‬‬
‫هذه اآليات تبين لنا شمولية اإلسالم لكل أمور الحياة‪ ،‬فإن اهلل تعالى وضع‬
‫قواعد يجب على الناس أن يلتزموا هبا مع بعضهم‪ ،‬حماية لهم من الوقوع يف الرذائل‬
‫والموبقات‪ ،‬فهذه اآليات من اهلل لينظم أحوال الناس داخل بيوهتم‪ ،‬والعالقة التي يجب‬
‫‪158‬‬
‫سملا تيبلا لخاد بادآ ‪:‬سماخلا لصفلا‬ ‫يناثلا بابلا‬
‫أن يكونوا عليها مع بعضهم‪ ،‬حماية لهم من الوقوع يف الحرج‪ ،‬ومن دخول الشيطان‬
‫بينهم فتحصل بينهم أمور ال ينبغي أن تكون بين أهل البيت الواحد أو األسرة الواحدة‪.‬‬
‫ومن هذه األمور التي نبه اهلل عليها يف هذه اآليات‪ ،‬عدة أمور خاصة من أحكام‬
‫البيت المسلم التي يجب أن يتحلى هبا أصحاب ذلك البيت‪ ،‬وهي‪ :‬أحكام االستئذان‬
‫داخل البيت الواحد‪ ،‬وأحكام زينة القواعد من النساء‪ ،‬وأحكام األقارب واألصدقاء‬
‫وما لهم وما عليهم يف البيت‪ .‬وإليك بيانها‪:‬‬
‫‪159‬‬
‫دراسة موضوعات سورة النور‬

‫‪ ‬املبحث األول‬
‫االستئذان داخل البيت‬

‫قال تعالى‪{ :‬ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ‬


‫ﯙ ﯚﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨﯩ ﯪ ﯫ ﯬﯭ‬
‫ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ‬
‫ﯿﰀ ﰁ ﰂ ﰃﰄ}‪.‬‬
‫لقد سبق الحديث عن أحكام االستئذان على البيوت‪ ،‬ويف هذه اآليات بيان أحكام‬
‫االستئذان داخل البيت المسلم وهي كما يلي‪:‬‬
‫أوال‪ :‬يجب على األطفال المميزين غير البالغين والخدم والعبيد‪ :‬إذا كانوا يف‬
‫البيت أن يستأذنوا يف ثالث أوقات تكشف فيها العورات وهي‪:‬‬
‫‪1-1‬قبل صالة الفجر‪.‬‬
‫‪2-2‬ووقت الظهيرة عند القيلولة‪.‬‬
‫‪3-3‬ومن بعد صالة العشاء‪.‬‬
‫ومعنى وضع الثياب هنا‪ :‬عن ابن عباس ﭬ قال‪« :‬إذا خال الرجل بأهله بعد‬
‫صالة العشاء فال يدخل عليه خادم وال صبي إال بإذن‪ ،‬حتى يصلى الغداة‪ ،‬فإذا خال‬
‫بأهله عند صالة الظهر فمثل ذلك»(((‪.‬‬
‫ولو اعتاد الناس وضع الثياب يف وقت غير هذه األوقات المذكورة كنوم الضحى‪،‬‬
‫لمن عمله بالليل اً‬
‫مثل‪ ،‬فهذا حكه حكم األوقات المذكورة يف اآلية‪ ،‬ألن العلة موجودة‬
‫((( أخرجه الطربي يف جامع البيان (‪ ،)353/17‬وابن أبي حاتم يف تفسيره (‪.)2635 ،2634/8‬‬
‫‪160‬‬
‫سملا تيبلا لخاد بادآ ‪:‬سماخلا لصفلا‬ ‫يناثلا بابلا‬
‫وهي تكشف العورات يف هذه األوقات‪ ،‬ويؤخذ هذا من داللة اآلية‪ ،‬وقول ابن عباس‬
‫المتقدم وفيه‪« :‬فإذا خال بأهله عند صالة الظهر فمثل ذلك»‪ ،‬فهذه األوقات الثالث‬
‫تنكشف فيها العورات‪ ،‬فالنهي جاء لكي ال تقع أنظار هؤالء على عورات أهليهم‪.‬‬
‫فهذه «األوقات يتجرد فيها أهل البيت من ثياهبم فكان من القبيح أن يرى مماليكهم‬
‫وأطفالهم عوراهتم‪ ،‬ألن ذلك منظر يخجل منه المملوك‪ ،‬وينطبع يف نفس الطفل ألنه‬
‫لم يعتد رؤيته‪ ،‬وألنه يجب أن ينشأ األطفال على سرت العورة حتى يكون كالسجية فيه‬
‫إذا كربوا»(((‪.‬‬
‫وهو أدب يغفل عنه الكثير يف الحياة المنزلية‪ ،‬مستهينين بآثاره النفسية والعصبية‬
‫والخلقية‪ ،‬ظانين أن الخدم ال تمتد أعينهم إلى عورات السادة‪ ،‬وأن الصغار قبل البلوغ‬
‫ال ينتبهون لهذه المناظر‪ ،‬بينما يقرر النفسيون اليوم بعد تقدم العلوم النفسية أن بعض‬
‫المشاهد التي تقع على أنظار األطفال يف صغرهم هي التي تؤثر يف حياهتم كلها‪ ،‬وقد‬
‫تصيبهم بأمراض نفسية وعصبية يصعب شفائهم منها‪ .‬والعليم الخبير يؤدب المؤمنين‬
‫هبذه اآلداب‪ ،‬ويبني أم ًة سليمة األعصاب‪ ،‬سليمة الصدور‪ ،‬مهذبة المشاعر‪ ،‬طاهرة‬
‫القلوب‪ ،‬نظيفة التصورات‪.‬‬
‫وهذا االستئذان ليس يف كل حين وكل وقت‪ ،‬وإنما هو خاص يف األوقات الثالث‬
‫المذكورة وما يف حكمها فقط‪ ،‬وذلك منعا للحرج‪ ،‬ألن هؤالء يكثر منهم الدخول‬
‫على أهليهم لصغر سنهم‪ ،‬أو قيامهم بالخدمة ولذلك قال اهلل تعالى‪{ :‬ﯪ ﯫ ﯬﯭ‬
‫ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ} أي‪« :‬إذا دخلوا يف‬
‫حال غير هذه األحوال فال جناح عليكم يف تمكينكم إياهم من ذلك‪ ،‬وال عليهم إذا رأوا‬
‫شيئا يف غير تلك األحوال ألهنم قد أذن لهم يف الهجوم ألهنم طوافون عليكم يف الخدمة‬
‫((( التحرير والتنوير (‪.)292/18‬‬
‫‪161‬‬
‫دراسة موضوعات سورة النور‬
‫وغير ذلك‪ ،‬ويغتفر يف الطوافين ما ال يغتفر يف غيرهم»(((‪ ،‬وهي أوقات ليست مظنة‬
‫العورة غال ًبا‪ ،‬ويسهل على األبوين أخذ الحيطة فيها بخالف األوقات الثالث‪ ،‬والعلة‬
‫يف اإلذن لهم حاجتكم وحاجتهم إلى التطواف والخدمة وقضاء الحاجات فسبحان‬
‫العليم الحكيم‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬أما الذين بلغوا الحلم لهم حكم آخر وهو‪:‬‬
‫قال تعالى‪{ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ‬
‫ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥﭦ} أي‪ :‬إن األطفال إذا دخلوا يف سن‬
‫البلوغ عليهم أن يستأذنوا يف كل وقت‪{ :‬ﭗﭘﭙﭚﭛ} أي‪« :‬كاستئذان‬
‫الكبار من ولد الرجل وأقاربه»(((‪ ،‬وقد سبقت اإلشارة إلى أحكام استئذاهنم يف الفصل‬
‫األول من الباب الثاين‪ :‬أدب االستئذان‪.‬‬

‫(( ( تفسير القرآن العظيم البن كثير (‪.)82/6‬‬


‫((( المصدر السابق‪.‬‬
‫‪162‬‬
‫سملا تيبلا لخاد بادآ ‪:‬سماخلا لصفلا‬ ‫يناثلا بابلا‬

‫‪ ‬املبحث الثاني‬
‫إبداء الزينة وإخفائها‬

‫قال تعالى‪{ :‬ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ‬


‫ﭳ ﭴ ﭵ ﭶﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿﮀ}‬
‫«المرأة القاعدة‪ :‬هي التي انقطع عنها الحيض ويئست من الولد‪{ ،‬ﭫ ﭬ ﭭ}‬
‫أي‪ :‬لم يبق لهن تشوف إلى التزويج(((‪.‬‬
‫وضع الثياب هنا‪ :‬هو وضع الرداء أو الجلباب يف الدار والحجرة‪ ،‬من غير أن تظهر‬
‫محاسنها(((‪.‬‬
‫فهذه اآلية خاصة بالنساء الاليت َك ُب َر هب َّن السن ولم َ‬
‫يبق له َّن تطلع إلى النكاح‪،‬‬
‫يرفع اهلل تعالى الحرج عليه َّن بأهن َّن ليس عليه َّن من الحرج يف التسرت كما على غيرها‬
‫من النساء‪ ،‬ولكن بشرط عدم التربج‪ ،‬بأي نوع من أنواع التربج كان سواء باللباس أو‬
‫لهن ولذا قال تعالى‪{ :‬ﭸ ﭹ‬
‫خير َّ‬
‫الكالم أو التعطر أو المشية والحلي‪ ،‬والعفة ٌ‬
‫ﭺ ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿﮀ} أي‪ :‬وترك وضعهن لثياهب َّن وإن كان جائز له َّن خير‬
‫وأفضل له َّن(((‪.‬‬
‫والناظر إلى اآلية يرى أن النهي جاء للقاعدة بعدم إبداء الزينة والتربج‪ ،‬فغيرها من‬
‫الفتيات والنساء غير القاعدات من باب أولى‪.‬‬
‫(( ( تفسير القرآن العظيم البن كثير (‪.)83/6‬‬
‫((( جامع البيان‪ -‬الطربي (‪.)364-360/17‬‬
‫((( جامع البيان‪ -‬الطربي (‪.)364/17‬‬
‫‪163‬‬
‫دراسة موضوعات سورة النور‬
‫وهذه اآلية تبين لنا رحمة اهلل برفع الحرج عند المشقة‪ ،‬فهذه المرأة الكبيرة يف‬
‫السن قد يصعب عليها المبالغة يف االحتشام كما هو مطلوب من الفتاة أو النساء الاليت‬
‫لم يصلن إلى هذا السن الكبير‪ ،‬فلهذا يسر اهلل عليها ووسع عليها ولكن هي مطالبة‬
‫باالستعفاف والمحافظة على الحشمة قدر المستطاع‪ .‬واهلل أعلم‪.‬‬
‫‪164‬‬
‫سملا تيبلا لخاد بادآ ‪:‬سماخلا لصفلا‬ ‫يناثلا بابلا‬

‫‪ ‬املبحث الثالث‬
‫العالقة بني أهل البيت واألقارب واألصدقاء‬

‫قال تعالى‪{ :‬ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ‬


‫ﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜ‬
‫ﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪ‬
‫ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ‬
‫ﯙ ﯚ ﯛﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨﯩ‬
‫ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱ}‪.‬‬
‫أول شيء جاء التنبيه عليه يف اآلية هو رفع الحرج عن األعمى والمريض واألعرج‪،‬‬
‫قال مجاهد‪« :‬كان الرجل يذهب باألعمى أو األعرج أو المريض إلى بيت أبيه أو بيت‬
‫أخيه أو بيت أخته‪ ....‬فكان هؤالء المرضى يتحرجون من ذلك‪ ،‬ويقولون إنما يذهبون‬
‫بنا إلى بيوت غيرهم‪ ،‬فنزلت هذه اآلية رخصة لهم أن يأكلوا يف هذه البيوت(((‪.‬‬
‫ويف اآلية رفع الحرج عن القريب أن يأكل من بيت قريبه‪ ،‬وأن يصطحب معه مثل‬
‫هؤالء المحتاجين‪ ،‬إذا كان صاحب البيت ال يتضرر من هذا‪ ،‬والسبب يف رفع ذلك‬
‫الحرج‪« :‬أن هؤالء أصحاب األعذار ال يستطيعون التكسب‪ ،‬وكان التكسب زماهنم‬
‫ص لهؤالء أن يدخلوا بيوت المسلمين لشبع بطوهنم»(((‪.‬‬ ‫بعمل األبدان‪ِّ ،‬‬
‫فرخ َ‬
‫ثم يأيت التنبيه على البيوت التي يجوز األكل منها على الرتتيب حسب األولوية يف‬
‫(( ( تفسير القرآن العظيم البن كثير (‪.)85/6‬‬
‫((( التحرير والتنوير (‪.)300/18‬‬
‫‪165‬‬
‫دراسة موضوعات سورة النور‬
‫القرابة وهي‪ :‬بيوتكم ‪ -‬أي بيت الزوج وبيوت األبناء‪ -‬ألن بيت الزوج بيت لزوجته‬
‫وبيت االبن بيت ألبيه‪ ،‬ثم بيوت اآلباء واألمهات‪ ،‬ثم بيت اإلخوة‪ ،‬ثم األخوات‪ ،‬ثم‬
‫األعمام‪ ،‬ثم العمات‪ ،‬ثم األخوال‪ ،‬ثم الخاالت‪.‬‬
‫ثم يذكر من يف حكم األقارب‪{ :‬ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱﯓ} أي‪:‬‬
‫بيوت الذين تملكون مفاتح بيوهتم يجوز لكم أن تأكلوا من تلك البيوت‪ ،‬كالخدم‬
‫ونحوهم الذين يملكون مفاتيح بيوت أسيادهم فيجوز لهم أن يأكلوا من بيوت من‬
‫يملكون مفاتح بيته‪ .‬وأيضا بيوت األصحاب واألصدقاء ال حرج من األكل فيها إذا‬
‫علم أن ذلك ال يشق على أهل الدار وأهنم ال يكرهون ذلك(((‪.‬‬
‫ثم يبين اهلل تعالى الحالة التي يجوز عليها األكل وهي‪{ :‬ﯔ ﯕ ﯖ‬
‫ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛﯜ}‪ :‬فعن ابن عباس ﭬ أنه قال‪ ..« :‬وكانوا أيضا ‪ -‬أي‬
‫المسلمون ‪ -‬يأنفون ويتحرجون أن يأكل الرجل الطعام وحده حتى يكون معه غيره‪،‬‬
‫فرخص اهلل لهم يف ذلك»((( أي‪ :‬أن يأكلوا مجتمعين أو كل واحد وحده‪ ،‬ولكن األفضل‬
‫أن يأكلوا مجتمعين لما فيه من األفضلية والربكة‪ ،‬فقد ورد أن اً‬
‫رجل قال للنبي ﷺ‪ :‬إنا‬
‫نأكل وال نشبع؟!! فقال رسول‪ ‬اهلل ﷺ‪« :‬اجتمعوا على طعامكم‪ ،‬واذكروا اسم ربكم‬
‫يبارك لكم فيه»(((‪.‬‬
‫ثم يبين اهلل تعالى أد ًبا من آداب دخول البيوت وهو‪{ :‬ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ‬
‫ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨﯩ} فهذه اآلية تذكير بآداب االستئذان‪ ،‬أولها‬
‫وهو أدب السالم سواء على األقارب أو غيرهم‪ ،‬ألنه قد يظن ظان أنه مع كثرة الدخول‬
‫على األقارب ال داعي للسالم‪ ،‬والسالم هذا يختص بالغريب الذي يأيت من الخارج أما‬
‫(( ( تفسير القرآن العظيم البن كثير (‪ )86/6‬بتصرف‪.‬‬
‫((( تفسير القرآن العظيم البن كثير (‪.)86/6‬‬
‫((( أخرجه أبو داود كتاب األطعمة باب االجتماع على الطعام (‪ ،)3764‬وابن ماجه كتاب األطعمة باب‬
‫االجتماع على الطعام (‪ .)3286‬وحسنه األلباين يف صحيح سنن ابن ماجه (‪.)3286‬‬
‫‪166‬‬
‫سملا تيبلا لخاد بادآ ‪:‬سماخلا لصفلا‬ ‫يناثلا بابلا‬
‫أهل الدار ومن يف حكمهم فال‪ ،‬فهذه اآلية ترد على هذا الظن‪ ،‬فإن السالم بين األقارب‬
‫مأمور به‪ ،‬كما أن السالم من قبل غير األقارب مأمور به‪ ،‬ولذا قال تعالى‪{ :‬ﯠ ﯡ‬
‫ﯢ} وهو تعبير لطيف يدل عن قوة الرابطة بين المذكورين يف اآلية‪ ،‬فالذي يسلم‬
‫منهم على قريبه أو صديقه يسلم على نفسه‪ ،‬والتحية التي يلقيها عليه‪ ،‬هي تحية من‬
‫عند اهلل مباركة طيبة‪ .‬ويدل التعبير على أن ارتباط السالم بالدخول حتى لو ظن أنه ال‬
‫أحد يف الدار‪ ،‬فالسالم نسب إلى النفس‪ ،‬ويف ذلك رفع حرج ومشقة المفاجئة حتى‬
‫على المأذون يف الدخول عليهم بال استئذان‪ ،‬وفيه تأكيد على التنبيه بالسالم والنحنحة‬
‫وغيرهما مما يدل على دخوله يف األوقات المحددة‪ ،‬وغير المحددة‪.‬‬
‫ويختم اهلل تعالى هذه اآلداب وتلك الوصايا الجليلة بقوله تعالى‪{ :‬ﯪ‬
‫ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱ} أي‪ :‬أن اهلل يبين لكم هذه اآليات‬
‫المشتملة على تلك األحكام واآلداب العظيمة التي ال يمكن لبشر أن يأيت هبا على‬
‫هذا الوجه تكفل الحقوق لكل الناس‪ ،‬وتنظم أمور الناس بعضهم مع بعض من غير‬
‫أن ينتقص من حق أحد‪ ،‬لعل الناس بعد معرفتهم هبذه اآلداب واألحكام يعقلوهنا‬
‫فيعملون هبا ويطبقوهنا فيكون لهم الخير يف الدنيا واآلخرة ألن هذه األحكام لم تنزل‬
‫إال من أجل صالح حال البشرية يف الدنيا الذي ينبني عليه صالحهم يف اآلخرة‪.‬‬
‫ويدل هذا بمجمله على أن كمال العقل باتباع ما شرع اهلل ‪ ،۵‬وعلى شدة تأثير‬
‫األمور االجتماعية على نفسية اإلنسان وعقله رشدا أو خالفه‪ ،‬وأن معظم مصائب‬
‫المجتمعات النفسية والعقلية والعصبية بسبب عدم االلتزام بآداب اإلسالم قال تعالى‪:‬‬
‫{ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ}‪.‬‬
‫وبهذا نكون انهينا عرض اآلداب االجتماعية يف السورة التي نسأل اهلل أن يلهمنا العمل‬
‫بها لنفوز يف الدارين‪.‬‬
‫‪167‬‬
‫دراسة موضوعات سورة النور‬

‫‪ ‬الباب الثالث‬
‫تذكرة وذكرى ألولي األلباب‬

‫تضمن هذا الباب تذكير اهلل ‪ ۵‬لعباده الذين يعقلون أحكامه وينظرون معتربين‬
‫يف آياته المتلوة والمشاهدة بعظمته‪ ،‬وعظمة خلقه‪ ،‬وعظمه وحيه وشرعه‪ ،‬فيعود ذلك‬
‫عليهم بالرتقي يف درجات اليقين والقرب منه سبحانه‪.‬‬
‫ويشتمل هذا الباب على ثالثة فصول‪ ،‬وكل فص ٍل له مباحثه‪:‬‬
‫الفصل األول‪ :‬ضرب األمثال يف القرآن‪.‬‬
‫الفصل الثاين‪ :‬بيوت اهلل‪.‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬النظر يف آيات اهلل‪.‬‬
‫وإليك بياهنا‪:‬‬
‫‪168‬‬
‫قلا يف لاثمألا برض ‪:‬لوألا لصفلا‬ ‫ثلاثلا بابلا‬

‫‪ ‬الفصل األول‬
‫ضرب األمثال يف القرآن‬
‫الفصل األول‪ :‬ضرب األمثال يف القرآن‬ ‫الباب الثالث‬

‫تمهيد‪:‬‬
‫قال تعالى‪{ :‬ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ‬
‫ﮦﮧ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ‬
‫ﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫ‬
‫ﯬﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀﰁ}‪.‬‬
‫«هذه اآليات الكريمات تحبها القلوب‪ ،‬وتطرب لها األسماع‪ ،‬كيف ال وهي‬
‫تضع المؤمن يف هالة من نور اهلل‪ ،‬وتبشره أن إخالصه العبادة هلل وخلوص قلبه من‬
‫الشرك والرياء وإيثاره طاعة اهلل على كل مصالح الدنيا‪ ،‬كل هذه قد جعلت ألعماله‬
‫نورا ينورها بالقبول والربكة وواسع المثوبة»(((‪.‬‬
‫ً‬
‫ففي اآلية األولى يمتن اهلل تعالى على عباده بعد أن عرض عليهم تلك األحكام‬
‫ٍ‬
‫«واضحات الداللة على كل أمر تحتاجون إليه من‬ ‫واآلداب بأنه سبحانه أنزل ٍ‬
‫آيات‬
‫األصول والفروع‪ ،‬بحيث ال يبقى فيها إشكال وال شبهة‪ .‬وأنزل اهلل تعالى أيضا مع‬
‫ف‬‫مثل من أخبار األولين الصالح منهم والطالح منهم‪ ،‬ووص ِ‬ ‫هذه األحكام واآلداب اً‬
‫َ َ ْ‬
‫أعمالهم‪ ،‬وما جري لهم‪ ،‬وجرى عليهم‪ ،‬تجعلونه اً‬
‫مثل ومعتربًا‪ ،‬لمن فعل مثل أعمالهم‬
‫أيضا يف هذا الكتاب موعظ ًة للمتقين فيكفون‬
‫أن يجازى مثل ما جازوه‪ .‬وأنزل اهلل تعالى ً‬
‫عما يكره اهلل إلى ما يحبه اهلل»(((‪.‬‬
‫َّ‬
‫(( ( من لطائف التفسير (‪.)429‬‬
‫((( تيسير الكريم الرحمن‪-‬السعدي (‪.)517‬‬
‫‪169‬‬
‫دراسة موضوعات سورة النور‬

‫ولكن ونحن نقرأ هذه اآلية يلفت انتباهنا كلمة‪{ :‬ﮟ} حيث أن كتاب اهلل تعالى‬
‫َ‬
‫وسائل‬ ‫كتاب بيان وهداية فهو يبين للناس الحق والباطل ويهديهم إلى الحق عرب ِ‬
‫عدة‬
‫لتقوم الحجة القولية والعقلية عليهم‪ ،‬ومن هذه الوسائل هي وسيلة (ضرب المثل)‪.‬‬
‫نتناول ضرب األمثال يف القرآن من خالل هذه اآليات يف األمور التالية‪:‬‬
‫‪ -1‬تعريف وبيان‪.‬‬
‫‪ -2‬مثل نور اإليمان‪.‬‬
‫‪ -3‬مثل ظلمات الكفر‪.‬‬
‫‪ -4‬فائدة ضرب األمثال‪.‬‬
‫‪170‬‬
‫قلا يف لاثمألا برض ‪:‬لوألا لصفلا‬ ‫ثلاثلا بابلا‬

‫‪ ‬املبحث األول‬
‫ضرب األمثال يف القرآن تعريف وبيان‬

‫أول‪ :‬تعريف ضرب األمثال‪:‬‬


‫اً‬
‫‪ -‬معنى المثل‪:‬‬
‫لغةً‪ :‬المثل يف األصل هو الشبيه(((‪.‬‬
‫ٍ‬
‫معان كثيرة ولكن من أوضحها‪« :‬عبارة عن قول يف‬ ‫اصطالحا‪ :‬لقد وردت للمثل‬
‫ً‬
‫شيء يشبه اً‬
‫قول يف شيء آخر‪ ،‬بينهما مشاهبة ليبين أحدهما اآلخر ويصوره»(((‪.‬‬
‫‪ -‬أما ضرب المثل‪:‬‬
‫معنى الضرب هو‪ :‬ضرب المثل للشيء تقديره له‪ ،‬كما أن القياس أصله تقدير‬
‫الشيء بالشيء(((‪.‬‬
‫علم ثالث»(((‪.‬‬
‫«جمع بين علمين ُيطلب منهما ٌ‬
‫ٌ‬ ‫أما ضرب المثل ُمرك ًبا فمعناه‪:‬‬
‫ثان ًيا‪ :‬أنواع األمثال يف القرآن‪ :‬نوعين‪:‬‬
‫مصرح بالتشبيه فيه‪ ،‬كقوله تعالى‪{ :‬ﭑﭒﭓﭔ‬
‫ٌ‬ ‫ظاهر‬
‫‪1 -1‬النوع األول‪ٌ :‬‬
‫ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ} [سورة‪ ‬البقرة‪.]17 ‬‬
‫كامن ال ذكر للتشبيه فيه‪ ،‬كقوله تعالى‪{ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ‬
‫ٌ‬ ‫‪2 -2‬النوع الثاين‪:‬‬

‫انظر‪ :‬اللسان (‪.)610/11‬‬ ‫(( (‬


‫ضرب األمثال يف القرآن‪ -‬عبدالمجيد البيانوين (‪.)15‬‬ ‫((( ‬
‫وانظر‪ :‬القاموس المحيط (‪.)733‬‬ ‫((( ‬
‫إعجاز القرآن عند شيخ اإلسالم (‪.)234‬‬ ‫((( ‬
‫‪171‬‬
‫دراسة موضوعات سورة النور‬
‫ﭕ ﭖﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ‬
‫ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮ ﭯﭰ} [سورة‪ ‬الحج‪.(((]73 ‬‬
‫ثال ًثا‪ :‬مقاصد األمثال القرآنية ومواطن العبرة فيها‪:‬‬
‫‪1-1‬تقريب صورة الممثل له إلى ذهن المخاطب‪.‬‬
‫‪2-2‬اإلقناع بأمر من األمور وقد يصل اإلقناع إلى حد إقامة الحجة‪.‬‬
‫‪3-3‬الرتغيب والرتهيب بذكر محاسن ما يرغب فيه ومساوئ ما ينفر منه‪.‬‬
‫‪4-4‬إثارة محور الطمع والرغبة أو محور الخوف والحذر لدى المخاطب‪.‬‬
‫‪5-5‬مدح من يستحق المدح وذم من يستحق الذم بقصد التميز بين المصلح والمفسد‪.‬‬
‫‪6-6‬شحذ ذهن المخاطب‪ ،‬وتحريك طاقاته الفكرية‪ ،‬أو استحضار ذكائه لتوجيه‬
‫عنايته حتى يتأمل ويتفكر‪ ،‬ويصل إلى إدراك المراد عن طريق التفكر(((‪.‬‬
‫راب ًعا‪ :‬الفرق بين المثل القرآين والمثل العربي‪:‬‬
‫‪1 )1‬يستفاد من كليهما التعبير‪ ،‬واللغوي ليس اً‬
‫دليل بخالف القرآن فإن يفيد الحكم‪.‬‬
‫‪2 )2‬المثل العربي يعرب به عن كل ما أشبه المعنى الذي قيل فيه‪ ،‬وإن كان غير موضوع‬
‫له‪ ،‬بخالف القرآين‪ ،‬فإنه ال يقال إال فيما وضع له‪.‬‬
‫‪3 )3‬المتمثل بالمثل العربي هو مبين بعبارة دالة‪ ،‬سواء كانت ح ًقا أو اً‬
‫باطل‪ ،‬أما المثل‬
‫القرآين فال بد من صحة المعنى وداللته على الحكم(((‪.‬‬
‫والقرآن الكريم مليء باآليات التي فيها األمثال لكي تقرب المعنى للناس وتقيم‬
‫الحجة عليهم‪ ،‬ويف هذه السورة نموذج من نماذج ضرب األمثال‪.‬‬

‫(( ( انظر‪ :‬إعجاز القرآن عند شيخ اإلسالم (‪ )237 -235‬باختصار‪.‬‬


‫مختصرا‪.‬‬
‫ً‬ ‫((( دراسات يف علوم القرآن (‪)361-354‬‬
‫((( انظر‪ :‬إعجاز القرآن عند شيخ اإلسالم (‪.)242-240‬‬
‫‪172‬‬
‫قلا يف لاثمألا برض ‪:‬لوألا لصفلا‬ ‫ثلاثلا بابلا‬

‫‪ ‬املبحث الثاني‬
‫مثل نور اإلميان‬

‫قال اهلل تعالى‪{ :‬ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓﯔ ﯕ‬


‫ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ‬
‫ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻﯼ ﯽ‬
‫ﯾ ﯿ ﰀﰁ}‪.‬‬
‫قال السعدي ‪« :$‬نور السماوات واألرض الحسي والمعنوي‪ :‬وذلك أن اهلل‬
‫گ بذاته نور‪ ،‬وحجابه النور‪ ،‬لو ك ُِشف ألحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره‬
‫من خلقه‪ ،‬وبه استنار العرش والكرسي‪ ،‬والشمس والقمر‪ ،‬وبه استنارت الجنة‪.‬‬
‫وكذلك المعنوي‪ :‬فكتابه نور‪ ،‬وشرعه نور‪ ،‬واإليمان والمعرفة يف قلوب رسله‬
‫وعباده المؤمنين نور‪.‬‬
‫فلوال نوره لرتاكمت الظلمات‪ ،‬ولهذا فكل محل يفقد نوره فثم الظلمة والحصر‪.(((»...‬‬
‫لقد أدرك الرسول ﷺ عظم شأن نور اهلل تعالى وذلك عند عودته من الطائف بعد‬
‫أن حصلت له األذية من أهل الطائف وهو يقول‪« :‬أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له‬
‫الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا واآلخرة‪.(((»..‬‬
‫أيضا عظم هذا النور يف رحلة اإلسراء والمعراج‪ ،‬حينما سألته عائشة‬
‫ولقد أدرك ً‬
‫«نور‪ ،‬أنى أراه»(((‪.‬‬
‫ڤ‪ :‬هل رأيت ربك؟ قال ﷺ‪ٌ :‬‬
‫(( ( تيسير الكريم الرحمن‪-‬السعدي (‪.)517‬‬
‫((( السيرة النبوية البن هشام (‪ ،)420/1‬تفسير القرآن العظيم‪ -‬ابن كثير (‪ ،)58/6‬مجمع الزوائد‬
‫(‪ ،)391/4‬كنز العمال (‪.)175/2‬‬
‫((( أخرجه مسلم كتاب اإليمان باب قول الرسول ﷺ (نور أنى أراه)‪.)178( .‬‬
‫‪173‬‬
‫دراسة موضوعات سورة النور‬
‫دائما‪ ،‬فقد كان من دعاء النبي ﷺ وهو‬
‫وكان على معرفة بعظم ذلك النور وأثره ً‬
‫يتهجد من الليل‪ ..« :‬ولك الحمد أنت نور السماوات واألرض ومن فيهن‪.(((»...‬‬
‫وكان ابن عباس يقول‪« :‬اللهم إين أسألك بنور وجهك الذي أشرقت له السماوات‬
‫واألرض أن تجعلني يف حرزك‪ ،‬وحفظك‪ ،‬وجوارك‪ ،‬وتحت كنفك»(((‪.‬‬
‫والمثل المضروب هنا هو‪« :‬تشبيه نور اهلل الهادي إلى الحق بنور المشكاة التي‬
‫فيها مصباح قوي اإلضاءة وسط مكان مظلم»‪.‬‬
‫ومعنى اآلية‪{« :‬ﮮﮯ} أي‪ :‬مثل النور الذي يهدي إليه اهلل‪ ،‬وهو نور القرآن يف‬
‫قلوب المؤمنين‪{ ،‬ﮰ} أي‪ :‬كوة‪{ ،‬ﮱ ﯓﯔ} ألن الكوة تجمع نور المصباح‬
‫بحيث ال يتفرق‪{ .‬ﯕ ﯖ ﯗﯘ} وهذه الزجاجة من صفائها وهبائها‪{ :‬ﯙ ﯚ‬
‫ﯛ ﯜ} أي‪ :‬مضيء إضاءة الدُّ ر‪ .‬وهذا المصباح الذي يف تلك الزجاجة الدرية‪:‬‬
‫{ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ} أي‪ُ :‬يوقد من زيت الزيتون‪ ،‬الذي ناره من أنور ما‬
‫يكون‪ .‬وصفة هذه الشجرة أهنا‪{ :‬ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ} وإذا انتفى هذان األمران‪ ،‬كانت‬
‫تلك الشجرة متوسطة من األرض‪ ،‬كزيتون الشام؛ تصيبه الشمس أول النهار وآخره‪،‬‬
‫فيحسن ويطيب‪ ،‬ويكون أصفى لزيتها‪ ،‬ولهذا قال‪{ :‬ﯦ ﯧ} من شدة صفائه‪،‬‬
‫مسته النار أضاء إضاء ًة بليغة‪{ .‬ﯮ ﯯ ﯰﯱ} أي‪ :‬نور‬
‫{ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬﯭ}‪ ،‬فإذا َّ‬
‫النار ونور الزيت»(((‪.‬‬
‫وجه المثل‪:‬‬
‫«ووجه هذا المثل‪ ،‬أن اهلل تعالى يضرب المثل لحال المؤمن ونور اهلل يف قلبه‪ ،‬بأن‬
‫فطرته التي فطر عليها بمنزلة الزيت الصايف‪ ،‬ففطرته صافية‪ ،‬مستعدة للتعاليم الربانية‪،‬‬
‫(( ( أخرجه البخاري كتاب التهجد باب التهجد بالليل (‪.)1120‬‬
‫((( مصنف ابن أبي شيبة (‪ ،)87/7‬المعجم الكبير للطرباين (‪.)10453( )22/9‬‬
‫((( تيسير الكريم الرحمن‪-‬السعدي (‪.)569-568‬‬
‫‪174‬‬
‫قلا يف لاثمألا برض ‪:‬لوألا لصفلا‬ ‫ثلاثلا بابلا‬
‫والعمل المشروع‪ ،‬فإذا وصل إليه العلم واإليمان اشتعل ذلك النور يف قلبه‪ ،‬بمنزلة‬
‫إشعال النار فتيلة ذلك المصباح‪ ،‬وهو صايف القلب من سوء القصد‪ ،‬وسوء الفهم عن‬
‫اهلل‪ .‬إذا وصل إليه اإليمان أضاء إضاءة عظيمة لصفائه من ال َكدُ رات‪ -‬جمع ُكدْ َرة‪-‬‬
‫وذلك بمنزلة صفاء الزجاجة الدرية‪ ،‬فيجتمع له‪ ،‬نور الفطرة ونور اإليمان‪ ،‬ونور‬
‫نور على ٍ‬
‫نور‪.‬‬ ‫العلم‪ ،‬وصفاء المعرفة‪ٌ ،‬‬
‫ولما كان هذا النور من اهلل تعالى؛ وليس كل أحد يصلح لذلك قال تعالى‪:‬‬
‫{ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀﰁ}‪ ،‬ممن يعلم‬
‫زكائه وطهارته‪ ،‬وأنه يزكى معه وينمو»(((‪.‬‬

‫((( تيسير الكريم الرحمن‪-‬السعدي (‪.)569‬‬


‫‪175‬‬
‫دراسة موضوعات سورة النور‬

‫‪ ‬املبحث الثالث‬
‫مثل ظلمات الكفر‬

‫قال تعالى‪{ :‬ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ‬


‫ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋ ﮌﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ‬
‫ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥﮦ ﮧ ﮨ ﮩ‬
‫ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰﮱ}‪.‬‬
‫بعد أن ذكر اهلل يف اآليات السابقة حال من حصلت له الهداية إلى نوره الواضح‬
‫الكبير ذكر يف هاتين اآليتين مثالين لحال من لم يهتد إلى ذلك النور‪ ،‬وهم الكفار الذين‬
‫استمروا على الكفر‪.‬‬
‫فضرب اهلل لهم مثلين‪:‬‬
‫‪ ‬املطلب األول‬
‫املثل األول‪ :‬أعمال الكفار ال قيمة هلا يوم القيامة‬

‫قال تعالى‪{ :‬ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ‬


‫ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋ ﮌﮍ}‪.‬‬
‫أعمال الكفار المقصود هبا هنا‪« :‬كل عم ٍل يعملونه بقصد القربة إلى اهلل مع ظنهم‬
‫أهنم على شيء وأن عملهم مقبول عند اهلل ويرجون ثوابه‪ ،‬فيشمل هذا كل العبادات‬
‫التي يتقربون هبا إلى اهلل؛ وهي خالية من التوحيد متلبسة بالشرك أو جارية على خالف‬
‫الشريعة»((( وغيرها‪.‬‬
‫((( األمثال القرآنية (‪.)491/2‬‬
‫‪176‬‬
‫قلا يف لاثمألا برض ‪:‬لوألا لصفلا‬ ‫ثلاثلا بابلا‬
‫«أما السراب‪ :‬فهو بخار رقيق يرتفع من قعور القيعان فإذا اتصل به ضوء الشمس‬
‫أشبه من بعيد الماء الجاري‪ .‬والقيعان‪ :‬هي األرض المنبسطة المستوية»(((‪.‬‬
‫والظمآن هو‪ :‬العطشان(((‪« ،‬وتخصيص الظمآن بأنه يظن السراب ما ًء ‪-‬مع أن‬
‫الريان يرتاءى له السراب كأنه ماء‪ -‬فيه إشارة إلى أمرين‪:‬‬
‫األمر األول‪ :‬أن الممثل به محتاج إلى الماء حاجة شديدة لشدة عطشه‪ ،‬لداللة‬
‫لفظ صيغة المبالغة (ظمآن) على ذلك‪.‬‬
‫األمر الثاين‪ :‬وجود الدافع لطلب السراب عند الظمآن وهو الحاجة إلى الماء»(((‪.‬‬
‫قال ابن عباس‪« :‬هو مثل ضربه اهلل لرجل عطش فاشتد عطشه‪ ،‬فرأى سرابا‪،‬‬
‫فحسبه ماء فطلبه‪ ،‬فظن أنه قدر عليه حتى أتاه‪ ،‬فلما أتاه لم يجده شيئا‪ ،‬وقبض عند‬
‫ذلك‪ .‬فعمل الكافر كذلك السراب يحسب أن عمله يغني عنه أو نافعة شيئا‪ ،‬وال يكون‬
‫على شيء حتى يأتيه الموت‪ ،‬فأتاه الموت فلم يجد عمله أغنى عنه من اهلل شيئا‪ ،‬ولم‬
‫ينفعه إال كما نفع العطشان المشتد إلى السراب»(((‪.‬‬
‫«فكذلك الكافر يحس�ب أنه قد عمل عمال‪ ،‬وأنه قد َح َّص َل ش�ي ًئا‪ ،‬فإذا واىف اهلل‬
‫يوم القيامة وحاس�به عليها‪ ،‬ونوقش على أفعاله‪ ،‬لم يجد له ش�يئا بالكلية قد قبل كما‬
‫قال تعالى‪{ :‬ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺﭻ} [س�ورة‪ ‬الفرقان‪،(((»]23 ‬‬
‫«وه�ذا يوم القيامة يحاس�ب اهلل العباد على ما عملوه من الخير والش�ر‪ ،‬فأخرب أنه ال‬
‫يحصل لهؤالء المش�ركين من األعمال التي ظنوا أهنا منجاة لهم ش�يء‪ ،‬وذلك ألهنا‬

‫روح المعاين (‪.)180/18‬‬ ‫(( (‬


‫جامع البيان‪ -‬الطربي (‪.)333/9‬‬ ‫((( ‬
‫األمثال القرآنية (‪.)483/2‬‬ ‫((( ‬
‫جامع البيان‪ -‬الطربي (‪ ،)328/17‬الدر المنثور (‪.)88/11‬‬ ‫((( ‬
‫تفسير القرآن العظيم‪ -‬ابن كثير (‪.)71/6‬‬ ‫((( ‬
‫‪177‬‬
‫دراسة موضوعات سورة النور‬
‫فقدت الش�رط الش�رعي إما اإلخالص فيه�ا‪ ،‬وإما المتابعة لش�رع اهلل‪ ،‬فكل عمل ال‬
‫يك�ون خالصً�ا‪ ،‬وعلى الش�ريعة المرضي�ة فهو باط�ل‪ ،‬فأعمال الكف�ار ال تخلوا من‬
‫واح�د من هذين‪ ،‬وق�د تجمعهما معا فتكون أبعد من القب�ول حينئذ قال تعالى‪{ :‬ﮓ‬
‫ﮔ ﮕ ﮖ ﮗﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣﮤ}‬
‫[سورة‪ ‬الكهف‪.(((»]104-103‬‬

‫((( تفسير القرآن العظيم‪ -‬ابن كثير (‪.)103/6‬‬


‫‪178‬‬
‫قلا يف لاثمألا برض ‪:‬لوألا لصفلا‬ ‫ثلاثلا بابلا‬

‫‪ ‬املطلب الثاني‬
‫املثل الثاني‪ :‬شدة ظلمة الكفر‬

‫قال تعالى‪{ :‬ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚﮛ ﮜ‬


‫ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰﮱ}‬
‫يف هذا المثل يبين اهلل گ شدة الظلمة التي يقع فيها الكفار حين انحرفوا عن‬
‫نور اهلل تعالى‪ ،‬والوصف هنا وصف عظيم لشدة الظلمة فقد ذكر اهلل سبحانه أهنا‪:‬‬
‫{ﮜ} وأن هذه الظلمات {ﮐ ﮑ ﮒ} أي‪ :‬يف بحر عميق كثير الماء(((‪.‬‬
‫ثم هذا البحر العميق ليس ساكنا يف هذه الظلمة ولكنه {ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ‬
‫ﮗ} أي‪ :‬أن الموج مع كثرته وشدته كأنه فوق بعض من علوه‪ ،‬واألمواج إذا تراكمت‬
‫اشتدت ظلمة البحر واسوداده والعياذ باهلل‪.‬‬
‫ولم تقف الظلمة والشدة عند هذا الحد‪ ،‬ففي هذه الحال يأيت السحاب يحجب‬
‫النجوم والقمر ويكون فوق ذلك الموج‪{ :‬ﮘ ﮙ ﮚﮛ} وهذه غاية يف شدة تراكم‬
‫الموج فوق بعض حتى أنه كاد يصل إلى السحاب(((‪.‬‬
‫ثم يصف اهلل هذه الظلمة بأنَّها‪{ :‬ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ} أي‪ :‬هذا بيان لكمال‬
‫شدة الظلمة‪ ،‬كما وصف كمال النور بقوله‪{ :‬ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰﮱ}‪.‬‬
‫ثم يصف الحالة التي يكون عليها الذي يكون يف تلك الظلمة‪ ،‬للتأكيد على شدة‬
‫الظلمة أيضا‪{ :‬ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ} فال يري من يف داخل تلك الظلمة أقرب‬
‫(( ( روح المعاين (‪ ،)182/18‬وانظر‪ :‬المفردات يف غريب القرآن (‪.)37‬‬
‫((( روح المعاين (‪.)183/18‬‬
‫‪179‬‬
‫دراسة موضوعات سورة النور‬
‫األشياء إليه‪ ،‬يده التي من أقرب األشياء إليه ال يكاد يراها‪.‬‬
‫وكذلك الكفار تراكمت على قلوهبم الظلمات‪ ،‬قال أبي‪ ‬بن كعب‪« :‬الكافر يتقلب‬
‫يف خمس من الظلمات‪ :‬كالمه ظلمة‪ ،‬وعمله ظلمة‪ ،‬ومدخله ظلمة‪ ،‬ومخرجه ظلمة‪،‬‬
‫ومصيره يوم القيامة إلى الظلمات يف النار وبئس المصير»(((‪.‬‬
‫ثم يعقب اهلل تعالى على هذه الصورة الشديدة وهذا المثل ‪-‬شديد الظلمة‪ -‬بقوله‪:‬‬
‫{ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ}‪ :‬أي من لم يهده اهلل تعالى فال هادي له‪ ،‬كما قرر ذلك‬
‫يف آيات كثيرة‪ ،‬ومنها‪{ :‬ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊﮋ}‬
‫[سورة‪ ‬الكهف‪.]17 ‬‬
‫«وهذا الختام خاص بالممثل له‪ ،‬إال أنه يدل على فائدة يف صورة الممثل به وهو‬
‫التأكيد على أن الكائن يف ذلك المكان لم يصله نور البتة‪ ،‬وأنه ال طريق له إلى النور مع‬
‫وجود تلك الحجب‪ ،‬ما دام يف هذا الوضع وذلك المكان»(((‪.‬‬
‫«إنه مثال رائع لحياة وأعمال أولئك الذين سلخوا أنفسهم عن الشعور بالمسئولية‬
‫أمام اهلل تعالى‪ ،‬فهم يعيشون يف حيرة وقلق واضطراب‪ ،‬وظلمة تغلف عقولهم‬
‫ونفوسهم‪ ،‬تتقاذفهم أمواج شهواهتم المضطرمة يف نفوسهم‪ ،‬وإن هذا المثال ليبين‬
‫شدة افتقار اإلنسان إلى هداية اهلل تعالى وأحكام شريعته»(((‪.‬‬

‫(( ( الجامع ألحكام القرآن (‪.)285/12‬‬


‫((( األمثال القرآنية (‪.)598/2‬‬
‫((( موضوعات سور القرآن‪-‬سورة النور (‪.)74‬‬
‫‪180‬‬
‫قلا يف لاثمألا برض ‪:‬لوألا لصفلا‬ ‫ثلاثلا بابلا‬

‫‪ ‬املبحث الرابع‬
‫فائدة ضرب األمثال‬

‫يختم اهلل تعالى هذا المثل بذكر الحكمة من ضرب األمثال فقال تعالى‪{ :‬ﯸ‬
‫ﯹ ﯺ ﯻﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀﰁ}؛ «ليعقلوا عنه‪ ،‬ويفهموا‪ ،‬لط ًفا منه هبم‪ ،‬وإحسانًا‬
‫إليهم‪ ،‬وليتضح الحق من الباطل‪ ،‬فإن األمثال تقرب المعاين المعقولة من المحسوسة‬
‫واضحا‪.‬‬
‫ً‬ ‫علما‬
‫فيعلمها العباد ً‬
‫ٌ‬
‫محيط بجميع األشياء‪ ،‬فلتعلموا أن‬ ‫{ﯽ ﯾ ﯿ ﰀﰁ} أي‪ :‬إن علم اهلل‬
‫ضربه األمثال‪ ،‬ضرب من يعلم حقائق األشياء وتفصيالهتا وأهنا مصلحة للعباد‪ ،‬فليكن‬
‫انشغالكم بتدبرها وتعقلها ال باالعرتاض عليها‪ ،‬وال بمعارضتها فإنه يعلم وأنتم ال‬
‫تعلمون»(((‪.‬‬
‫ومن األمور التي ينبغي أن تعلم أن غاية المثل القرآين‪« :‬إصالح النفوس‪ ،‬وصقل‬
‫الضمائر‪ ،‬وهتذيب األخالق‪ ،‬وتقويم المسالك‪ ،‬وتصحيح العقائد‪ ،‬وتنوير البصائر‪،‬‬
‫والهداية إلى ما فيه خير الفرد وصالح الجماعة‪ ،‬والتنبيه إلى المساوئ لتجتنب‪ ،‬وإلى‬
‫المحاسن لتقبل عليها النفوس الطيبة والقلوب الزكية»(((‪.‬‬
‫«فاألمثال تسهم يف إبراز الحقائق اإليمانية من خالل أسلوهبا المتميز الفعال يف‬
‫تشخيص الحقائق واإلقناع‪ ،‬والفصل عند االشتباه والخالف‪.‬‬
‫وقد أشاد اهلل گ بأمثال القرآن مبينًا أنه اشتمل على كل مثل من الحق يحتاجه‬
‫الناس وأن السبيل قد استبان بتلك األمثال‪ ،‬وما بقي على الناس إال أن يتفكروا هبا‬
‫(( ( تيسير الكريم الرحمن‪-‬السعدي (‪.)517‬‬
‫((( أمثال ونماذج بشرية من القرآن (‪.)104/1‬‬
‫‪181‬‬
‫دراسة موضوعات سورة النور‬

‫ويتذكروا قال تعالى {ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ‬


‫ﭟﭠ} [سورة‪ ‬الكهف‪ ،]54‬وقال‪ { :‬ﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞ}‬
‫[سورة‪ ‬إبراهيم‪.]25 ‬‬
‫وبين اهلل تبارك وتعالى أن األمثال المضروبة يف القرآن من أسباب الهداية وأن اهلل‬
‫كثيرا ممن أعرض عنها فقال تعالى {ﭺ‬
‫كثيرا ممن تدبروها ويضل ً‬
‫سبحانه يهدي هبا ً‬
‫ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ‬
‫ﮌ ﮍﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ‬
‫ﮝ ﮞﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤﮥ} [سورة‪ ‬البقرة‪.(((»]26 ‬‬
‫وقال بعض العلماء يف الحكمة من ضرب األمثال‪« :‬ضرب األمثال يف القرآن‬
‫يستفاد منه أمور كثيرة‪ :‬كالتذكير‪ ،‬والوعظ‪ ،‬والحث‪ ،‬والزجر‪ ،‬وأخذ العربة‪ ،‬وتقريب‬
‫المراد للعقل‪ ،‬وتصويره بصورة المحسوس‪ ،‬فإن األمثال تصور المعاين بصورة‬
‫األشخاص‪ ،‬ألهنا أثبت يف األذهان‪ ،‬ومن ثم كان الغرض من المثل تشبيه الخفي‬
‫بالجلي‪ ،‬والغيب بالمشاهد‪.(((»...‬‬
‫والداعية إلى اهلل عليه أن يستفيد من األمثال القرآنية من حيث استخدام تلك‬
‫األمثال يف تقريب المعاين للمدعوين وتذكيرهم ووعظهم‪ ،‬ومع نفسه باالمتثال والتفكر‬
‫واالعتبار والتأمل فيها فإهنا من خير ما يعين على مواصلة الطريق‪.‬‬
‫وأيضا أن يحاول أن يورد أمثلة واقعية لمجتمعه يعرضها عليهم ليقرب لهم ما‬
‫يريده اهلل منهم من عقائد وعبادات وأخالق كما كان المصطفى ﷺ يفعل واألحاديث‬
‫يف ذلك كثيرة‪.‬‬

‫مختصرا‪.‬‬
‫ً‬ ‫(( ( األمثال القرآنية (‪)15-11/1‬‬
‫((( اإلتقان يف علوم القرآن (‪.)131/2‬‬
‫‪182‬‬
‫لا تويب ‪:‬يناثلا لصفلا‬ ‫ثلاثلا بابلا‬

‫‪ ‬الفصل الثاني‬
‫بيوت اهلل‬
‫الفصل الثاني‪ :‬بيوت اهلل‬

‫قـــال تعالــى‪{ :‬ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ‬


‫ﰏﰐ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡ‬
‫ﭢ ﭣ ﭤﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ‬
‫ﭴﭵ}‬
‫بعد ذكر اهلل گ نور الهداية الذي يهدي به عباده المؤمنين وشبهه بالمشكاة‪ ،‬بين‬
‫سبحانه أن هذا النور منبعه يكون من المساجد فقال تعالى‪{ :‬ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ}‪.‬‬
‫ومن هذه اآليات يتبين لنا ما للمسجد من أهمية كبيرة يف حياة الفرد والمجتمع‬
‫وما لها من الفضل الكبير عند اهلل تعالى وما لها من اآلثار الطيبة يف الدنيا واآلخرة‪،‬‬
‫اً‬
‫إجمال‪ ،‬وبيان بعض األمور التي لها اتصال‬ ‫ولذا كان ال بد من التنبيه على معنى اآليات‬
‫بجانب المساجد وفضلها وآداهبا وأحكامها وآثار تلك المساجد على الفرد والمجتمع‪.‬‬
‫وذلك يف المباحث التالية‪:‬‬
‫‪183‬‬
‫دراسة موضوعات سورة النور‬

‫‪ ‬املبحث األول‬
‫حتليل معنى اآليات إمجال‬

‫«أمر اهلل تعالى برفع المساجد وتطهيرها من الدنس واألفعال واألقوال التي‬
‫ال تليق فيها»(((‪ .‬فاإلذن هنا معناه األمر والقضاء(((‪ ،‬أي أمر اهلل گ وقضى أن تبنى‬
‫مساجده‪ ،‬وذلك كقوله تعالى‪{ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚﭛ‬
‫ﭜ ﭝ ﭞ ﭟﭠ} [سورة‪ ‬البقرة‪ ،]127 ‬وأيضا أن تطهر تلك المساجد وتنظف‬
‫ويزال عنها الدنس‪.‬‬
‫وأيضا {ﰈ ﰉ ﰊ} يتلى فيها كتابه(((‪ ،‬ونحو ذلك من الذكر المشروع‪.‬‬
‫{ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏﰐ} ق�ال القرطب�ي‪« :‬أراد الصلاة المفروض�ة‪،‬‬
‫فالغ�دو صالة الصبح‪ ،‬واآلصال صالة الظهر والعصر والعش�اءين ألن اس�م اآلصال‬
‫يجمعه�ا‪ ،‬وعلى هذا أكثر المفس�رين»(((‪ .‬وال يمنع ذلك من إرادة الذين يس�بحون اهلل‬
‫تعالى يف كل وقت‪.‬‬
‫وصف «فيه إشعار هبممهم السامية‪ ،‬ونياهتم وعزائمهم العالية‪ ،‬التي‬
‫ٌ‬ ‫{ﭑ} هذا‬
‫عمارا للمساجد‪ ،‬التي هي بيوت اهلل يف أرضه‪ ،‬ومواطن عبادته وشكره‪،‬‬
‫ً‬ ‫هبا صاروا‬
‫وتوحيده وتنزيهه»(((‪ .‬وهؤالء الرجال الذين يعمرون المساجد يصفهم اهلل بأهنم‪:‬‬
‫تفسير القرآن العظيم‪ -‬ابن كثير (‪.)62/6‬‬ ‫(( (‬
‫الجامع ألحكام القرآن (‪.)266/12‬‬ ‫((( ‬
‫تفسير القرآن العظيم‪ -‬ابن كثير (‪.)66/6‬‬ ‫((( ‬
‫الجامع ألحكام القرآن (‪.)276/12‬‬ ‫((( ‬
‫تفسير القرآن العظيم‪ -‬ابن كثير (‪.)67/6‬‬ ‫((( ‬
‫‪184‬‬
‫لا تويب ‪:‬يناثلا لصفلا‬ ‫ثلاثلا بابلا‬

‫{ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ} أي‪« :‬ال تشغلهم‪ ،‬وخص‬


‫التجارة بالذكر ألهنا أعظم ما يشتغل به اإلنسان عن الصالة‪.‬‬
‫فإن قيل لماذا كرر ذكر البيع‪ ،‬والتجارة تشمله؟ قيل‪ :‬أراد بالتجارة الشراء نظير‬
‫قوله تعالى‪{ :‬ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊﮋ‬
‫ﮌ ﮍ ﮎﮏ} [سورة‪ ‬الجمعة‪ ،(((»]11 ‬أو ألن الحرص على البيع أشد ألنه مظنة‬
‫الكسب وفواته مظنة الخسارة وليس الشراء كذلك‪.‬‬
‫فهؤالء مدحهم اهلل بأهنم ال تلهيهم الدنيا عن اهلل گ وعن ذكره وأوقات فرائضه‪،‬‬
‫قال مطر الوراق‪« :‬كانوا يبيعون ويشرتون‪ ،‬ولكن كان أحدهم إذا سمع النداء وميزانه‬
‫يف يده خفضه وأقبل إلى الصالة»(((‪.‬‬
‫ويف مقابل ذلك يقول على ﭬ‪« :‬يأيت على الناس زمان ال يبقى من اإلسالم إال‬
‫اسمه‪ ،‬وال من القرآن إال رسمه‪ ،‬يعمرون مساجدهم وهي من ذكر اهلل خراب‪ ،‬شر أهل‬
‫ذلك الزمان علمائهم‪ ،‬منهم تخرج الفتنة‪ ،‬وإليهم تعود»(((‪.‬‬
‫أيضا يف صفة هؤالء الرجال ولماذا يفعلون ذلك‪{ :‬ﭟ ﭠ ﭡ‬
‫وقال تعالى ً‬
‫ﭢ ﭣ ﭤﭥ}‪ :‬فهم يؤمنون بيوم القيامة وما فيه من حساب وجزاء‪ ،‬فهم‬
‫يخافون من هذا اليوم الذي تضطرب فيه القلوب واألبصار‪ ،‬من شدة أهوال ذلك اليوم‪.‬‬
‫فهم يخافون من ذلك اليوم‪ ،‬وال ينشغلون عن ذكر اهلل وال تلهيهم الدنيا عن ذكر‬
‫اهلل‪ ،‬فما جزاءهم؟‬

‫(( ( الجامع ألحكام القرآن (‪.)279/6‬‬


‫((( تفسير القرآن العظيم‪ -‬ابن كثير (‪ ،)69/6‬الجامع ألحكام القرآن (‪.)257/12‬‬
‫((( أخرجه البخاري يف خلق أفعال العباد (‪ ،)117( )67/1‬والبيهقي يف الشعب موقو ًفا عن علي (‪)331/2‬‬
‫(‪ ،)1908‬وقال األلباين يف السلسلة الضعيفة‪ :‬ضعيف جدً ا بالرفع‪ ،‬ولم يذكره موقو ًفا (‪.)1936‬‬
‫‪185‬‬
‫دراسة موضوعات سورة النور‬

‫{ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭﭮ} أي‪« :‬ليجزيهم اهلل على أحسن شيء‬


‫أمورا مباح ًة كثيرةً‪ ،‬ولكن الجزاء سيكون على الحسن منها‪ ،‬مع‬
‫عملوه ألهنم قد عملوا ً‬
‫الزيادة الكثيرة عن الجزاء المقابل ألعمالهم»(((‪ ،‬أي‪ :‬هم فعلوا ذلك ابتغاء مرضات‬
‫اهلل‪ ،‬ألن رهبم رحيم كريم يعطيهم الجزاء على القليل من أعمالهم‪.‬‬
‫وع َّلق الحسن بالعمل ألنه مناط االبتالء يف الحياة الدنيا‪ ،‬قال تعالى‪{ :‬ﭛ ﭜ‬
‫ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢﭣ} [سورة‪ ‬الملك‪ ،]2 ‬وألن العمل صفة الزمة لإلنسان‬
‫ولكن المحك يف حسنه قال تعالى‪{ :‬ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄﮅ} [سورة‪ ‬البلد‪ ،]4 ‬وقال‬
‫هما ٌم وحارث»(((‪.‬‬
‫رسول‪ ‬اهلل ﷺ‪« :‬أصدق األسماء َّ‬
‫ثم يعقب اهلل تعالى على ذلك الفضل وذلك اإلحسان لمن التزم أمره ولم تشغله‬
‫أي شاغلة عن ذكر اهلل‪{ :‬ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼﭽ}‪ ،‬وهذا فيه فضل كبير من اهلل‬
‫تعالى أنه يرزق من يشاء بغير حساب‪ ،‬ولكن أين المتذكرون!‬

‫(( ( تيسير الكريم الرحمن‪-‬السعدي (‪.)518‬‬


‫((( أخرجه ابن وهب يف الجامع (‪ ،)44‬والطرباين يف المعجم األوسط (‪ ،)694( )214/1‬وصححه األلباين‬
‫يف السلسلة الصحيحة (‪ ،)1040‬ويف صحيح الرتغيب والرتهيب (‪ ،)1977‬وهذا االسمان من أصدق‬
‫األسماء ألن الحارث هو‪ :‬الكاسب‪ ،‬والهمام هو‪ :‬الذي يهم مرة بعد أخرى‪ ،‬وكل إنسان ال ينفك‬
‫عن هذين الوصفين‪.‬‬
‫‪186‬‬
‫لا تويب ‪:‬يناثلا لصفلا‬ ‫ثلاثلا بابلا‬

‫‪ ‬املبحث الثاني‬
‫فضل املساجد وأهميتها يف اإلسالم‬

‫للمسجد يف اإلسالم أهميته الكربى وأعماله العظمي‪ ،‬وال أدل على ذلك من‬
‫ذكر اهلل له يف القرآن بعد مثل نور اإليمان وقبل مثل ظلمة الكفر‪ ،‬قال تعالى‪{ :‬ﰂ ﰃ‬
‫ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏﰐ} فاهلل تعالى بعد ذكره‬
‫للنور؛ ذكر المكان الذي يشع منه النور ومدح هذه األماكن ورفع شأهنا وأمر بالذكر‬
‫أمرا من منه سبحانه‪ ،‬وبعد أن ذكر المسجد الذي هو مكان‬
‫والتسبيح والعبادة فيها‪ً ،‬‬
‫انبثاق النور والهداية‪ ،‬ذكر اً‬
‫مثل لظلمات الكفر إشارة إلى أنه من لم يرض بنور اهلل‬
‫الموجود داخل المساجد‪ ،‬فسيكون حاله كما يف األمثلة ألصحاب الظلمات‪.‬‬
‫وأيضا من األدلة على أهمية المسجد وفضله‪ :‬أن النبي ﷺ قبل أن يدخل المدينة‬
‫ً‬
‫يف حادثة الهجرة نزل يف قباء وأول ما نزل بنى مسجد قباء فكان أول مسجد يبنى يف‬
‫اإلسالم(((‪.‬‬
‫وبعد ذلك عندما دخل المدينة وكان يمر على بيوت األنصار ﭫ جميعا‪ ،‬وكان‬
‫كل واحد منهم يريد أن ينزل رسول‪ ‬اهلل عنده‪ ،‬ولكن رسول‪ ‬اهلل يقول لهم‪« :‬دعوها‬
‫فإنها مأمورة»((( أي الناقة‪ .‬ولكن بماذا يا رسول‪ ‬اهلل هي مأمورة؟!!‬
‫تأيت اإلجابة العملية على السؤال الذي يدور يف الذهن فتربك الناقة!! ويأمر‬
‫الرسول ﷺ ببناء مسجده على األرض التي بركت فيها الناقة‪ ،‬واشرتى رسول‪ ‬اهلل ﷺ‬

‫(( ( فتح الباري (‪ ،)288/7‬والسيرة النبوية البن هشام (‪.)492/1‬‬


‫((( فتح الباري (‪ ،)289/7‬والسير النبوية البن هشام (‪.)494/1‬‬
‫‪187‬‬
‫دراسة موضوعات سورة النور‬
‫األرض((( وبنى المسجد‪ ،‬وهذا أول عمل عمله رسول‪ ‬اهلل ﷺ عندما وصل المدينة‪.‬‬
‫ومن هذه الحادثة وغيرها يعلم ّ‬
‫أن للمسجد يف اإلسالم مكانته الكبيرة‪ ،‬ولذلك‬
‫فقد فضله اهلل تعالى بعدة فضائل يجمع اهلل هبا المسلمين لكي يحققوا الهدف المرجو‬
‫من وجود المسجد‪ ،‬وهنا سنذكر بعض الفضائل التي فضل اهلل هبا المسجد ‪ -‬بيت‬
‫اهلل ‪ -‬عن سائر البيوت تحفيزا للمسلمين لالرتباط بالمسجد‪ ،‬ومن هذه الفضائل‪:‬‬
‫‪1 )1‬المسجد أحب األماكن إلى اهلل‪:‬‬
‫قال رسول‪ ‬اهلل ﷺ‪« :‬أحب البالد إلى اهلل مساجدها‪ ،‬وأبغض البالد إلى اهلل أسواقها»(((‪.‬‬
‫‪2 )2‬رتب اهلل األجر الكبير على بناء المساجد‪:‬‬
‫ووعد النبي ﷺ من بنى المس�جد ببيت يف الجنة‪ ،‬فعن عثمان‪ ‬بن عفان ﭬ قال‬
‫س�معت رس�ول‪ ‬اهلل ﷺ يقول‪« :‬من بنى مس�جدا يبتغي ب�ه وجه اهلل‪ ،‬بن�ى اهلل له مثله يف‬
‫الجنة»(((‪.‬‬
‫واهلل گ أثنى ووعد بالجزاء وشهد باإليمان لمن عني بعمارة المساجد فقال‬
‫تعالى‪{ :‬ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ‬
‫ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰﮱ} [سورة‪ ‬التوبة‪.]18 ‬‬
‫‪3 )3‬رتب اهلل گ األجر الكبير على الصالة مع الجماعة يف المسجد‪:‬‬
‫قال رسول‪ ‬اهلل ﷺ‪« :‬من توضأ للصالة فأسبغ الوضوء ثم مشى إلى الصالة‬
‫المكتوبة فصالها مع الناس أو مع الجماعة يف المسجد َغفر اهلل له ذنوبه»(((‪.‬‬
‫فتح الباري (‪.)290/7‬‬ ‫(( (‬
‫أخرجه مسلم كتاب المساجد باب فضل الجلوس يف مصاله وفضل المساجد (‪.)671‬‬ ‫((( ‬
‫أخرجه البخاري كتاب الصالة باب من بنى مسجدً ا (‪ .)450‬ومسلم كتاب المساجد باب فضل بناء‬ ‫((( ‬
‫المساجد والحث عليها (‪.)533‬‬
‫أخرجه مسلم كتاب الطهارة باب فضل الوضوء والصالة عقبه (‪.)232‬‬ ‫((( ‬
‫‪188‬‬
‫لا تويب ‪:‬يناثلا لصفلا‬ ‫ثلاثلا بابلا‬
‫وقال ﷺ‪« :‬صالة الجماعة أفضل من صالة الفذ بسبع وعشرين درجة»(((‪.‬‬
‫‪4 )4‬وأيضا رتب اهلل على القعود يف المسجد األجر العظيم‪:‬‬
‫هذا من رحمة اهلل بعباده وكرمه عليهم‪ ،‬حيث ر َّتب على الجلوس يف المسجد‬
‫وانتظار الصالة كأجر المصلي‪ ،‬ثم جعل مالئكته يدعون لمنتظر الصالة يف المسجد‬
‫بالرحمة والمغفرة والتوبة‪ ،‬وذلك بانتظار الصالة بعد الصالة؛ كما قال عليه الصالة‬
‫والسالم‪« :‬أال أدلكم على ما يمحو اهلل به الخطايا ويرفع اهلل به الدرجات؟ قالوا‪ :‬بلى‬
‫يا رسول‪ ‬اهلل‪ .‬قال‪ :‬إسباغ الوضوء على المكاره‪ ،‬وكثرة الخطى إلى المساجد‪ ،‬وانتظار‬
‫الصالة بعد الصالة؛ فذلكم الرباط‪ ،‬فذلكم الرباط»(((‪.‬‬
‫ويدخل يف هذا تعلق القلب بالمسجد يف كل وقت‪ ،‬فقد ورد من السبعة الذين‬
‫معلق بالمساجد»(((‪.‬‬ ‫ٌ‬
‫«ورجل قلبه ٌ‬ ‫يظلهم اهلل يف ظله يوم ال ظل إال ظله‪:‬‬
‫‪5 )5‬فضل المشي إلى المساجد‪:‬‬
‫من األدلة أيضا على فضل المساجد أن اهلل تعالى جعل األجر على المشي إليها‪،‬‬
‫َّ‬
‫وحث على ذلك‪ ،‬فقال ﷺ‪« :‬من تطهر يف بيته ثم مضى إلى بيت من بيوت اهلل؛ ليقضي‬
‫فريضة من فرائض اهلل‪ ،‬كانت خطواته إحداها تحط خطيئة‪ ،‬واألخرى ترفع درجة»(((‪.‬‬
‫‪6 )6‬فضل التبكير إلى المساجد والصالة يف الصفوف األُ َول‪:‬‬
‫قال ﷺ‪« :‬لو يعلم الناس ما يف النداء والصف األول‪ ،‬ثم لم يجدوا إال أن يستهموا‬
‫عليه الستهموا عليه»(((‪.‬‬
‫أخرجه البخاري كتاب األذان باب فضل صالة الجماعة (‪ ،)645‬ومسلم كتاب المساجد باب فضل‬ ‫((( ‬
‫صالة الجماعة (‪.)650‬‬
‫أخرجه مسلم كتاب الطهارة باب تبلغ الحلية حيث يبلغ الوضوء (‪.)251‬‬ ‫(( (‬
‫أخرجه البخاري كتاب الزكاة باب الصدقة باليمين (‪ .)1423‬ومسلم كتاب الزكاة باب فضل إخفاء‬ ‫((( ‬
‫الصدقة (‪.)1031‬‬
‫أخرجه مسلم كتاب المساجد باب المشي إلى الصالة تمحا به الخطايا وترفع به الدرجات (‪.)666‬‬ ‫(( (‬
‫أخرجه البخاري كتاب األذان باب االستهام يف األذان (‪ .)615‬ومسلم كتاب الصالة باب تسوية=‬ ‫((( ‬
‫‪189‬‬
‫دراسة موضوعات سورة النور‬
‫‪7 )7‬فضل االجتماع يف المسجد على الذكر‪:‬‬
‫قال رسول‪ ‬اهلل ﷺ‪« :‬ما اجتمع قوم يف بيت من بيوت اهلل يتلون كتابه‪ ،‬ويتدارسونه‬
‫فيما بينهم‪ ،‬إال نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة‪ ،‬وحفتهم المالئكة‪ ،‬وذكرهم اهلل‬
‫فيمن عنده»(((‪.‬‬
‫هبذه الفضائل يريد اهلل گ أن نرتبط ٍ‬
‫بقوة يف المسجد‪ ،‬وينبهنا على أهميته لكي‬
‫يحصل لنا ما حصل للجيل األول؛ الذين كان المسجد هو نقطة االنطالق لديهم‪ ،‬فإهنم‬
‫فتحوا العالم انطالقا من الرتبية التي تلقوها يف المسجد‪ ،‬وتلك ثمر ٌة لصالة الجماعة يف‬
‫المساجد‪ ،‬وحضور ِح َلق العلم والذكر التي أعطتهم القوة العقدية اإليمانية‪ ،‬فأدخلوا‬
‫وكل ٍ‬
‫قطر وصلوا إليه‪ ،‬وبلغوا رسالة اهلل للعالمين‪.‬‬ ‫هبا اإلسالم إلى ك َُّل ٍ‬
‫بيت‪َّ ،‬‬

‫= الصفوف وإقامتها وفضل األول فاألول منها‪ ،‬واالزدحام على الصف (‪.)437‬‬
‫((( أخرجه مسلم كتاب الذكر والدعاء باب فضل االجتماع على تالوة القرآن وعلى الذكر (‪.)2699‬‬
‫‪190‬‬
‫لا تويب ‪:‬يناثلا لصفلا‬ ‫ثلاثلا بابلا‬

‫‪ ‬املبحث الثالث‬
‫أهم املهام اليت يقوم بها املسجد‬

‫ولكن لماذا كان للمسجد هذا الفضل الكبير وهذه العناية العظيمة‪ ،‬ولِ َم كان أول‬
‫عمل فعله الرسول ﷺ عند وصوله بناء المسجد؟‬

‫إن المسجد له خاصية كبيرة يف المجتمع المسلم‪ ،‬فهو مصدر إشعاع نور تربوي‬
‫هام‪ ،‬كما أن له يف حياة المسلم منزلة ترتبط ارتباطا وثيقا بحياته الروحية والبدنية‪.‬‬

‫وعلى هذا فإن للمسجد يف اإلسالم رسال ًة كبير ًة جدً ا‪ ،‬فليست رسالة المسجد‬
‫هي الصالة والعبادة فقط‪ ،‬ولكن المسجد له مهمته الكبيرة يف حياة األمة اإلسالمية‪،‬‬
‫وهذه المهام قد غفل عنها كثير من الناس يف هذا الوقت حيث أهنم ظنوا أن اإلسالم‬
‫يف المسجد فقط‪ ،‬أما خارج المسجد فال دخل لإلسالم يف ذلك‪ ،‬كأهنم نسوا أو تناسوا‬
‫أن المسجد الذي يمثل اإلسالم‪ ،‬خرجت منه األحكام التي تنظم حال الناس داخل‬
‫المسجد وخارج المسجد‪ ،‬فمن هنا وجب علينا أن نبين أهمية المسجد والمهام التي‬
‫قام هبا المسجد والتي يجب أن يقوم هبا يف واقع الحياة‪.‬‬

‫ومن أهم هذه المهام‪:‬‬

‫‪1 -1‬إقامة شعائر اهلل تعالى‪:‬‬

‫من الصالة‪ ،‬والدعاء‪ ،‬والذكر‪ ،‬والجمعة والجماعة‪ ،‬والدعوة إلى اهلل‪ ،‬واالعتكاف‬
‫واألعياد‪ ...‬وغيرها من شعائر اهلل‪.‬‬
‫‪191‬‬
‫دراسة موضوعات سورة النور‬
‫‪2 -2‬إشاعة روح المحبة واألخوة بين المسلمين‪:‬‬
‫فالمسجد هو المكان الذي تنصهر فيه قلوب المسلمين‪ ،‬حتى يكونوا إخو ًة يف اهلل‬
‫يجتمعون خمس مرات يف كل يوم وليلة؛ على عبادة اهلل تعالى‪ ،‬ولذا كان رسول‪ ‬اهلل‬
‫حريصا على أن يقوي األخوة بين الصحابة‪ ،‬فيقول عند الوقوف للصالة‪« :‬أقيموا‬ ‫ً‬ ‫ﷺ‬
‫الصفوف‪ ،‬وحاذوا بين المناكب‪ ،‬وسدوا الخلل‪ ،‬لِينُوا بأيدي إخوانكم‪ ،‬ال تدعو ُفرج ٍ‬
‫ات‬ ‫ُ َ‬ ‫ْ‬
‫للشيطان»(((‪ ،‬وقال يف لفظ آخر‪« :‬استووا‪ ،‬وال تختلفوا فتختلف قلوبكم»(((‪ ،‬وذلك لكي‬
‫ال يرتك للشيطان مكانًا بين المسلمين‪ ،‬فيؤدي بذلك إلى اختالف قلوهبم لما يزرع‬
‫بينها الشيطان من العداوة واألمراض الخبيثة‪ ،‬كما قال تعالى‪{ :‬ﮅ ﮆ ﮇ‬
‫ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ‬
‫ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ‬
‫ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ‬
‫ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ‬
‫ﯨ ﯩﯪ ﯫ ﯬ ﯭﯮ} نسأل اهلل أن يجعلنا من عباده السعداء‪.‬‬
‫‪3 -3‬إشاعة العدل والمساواة بين المسلمين‪:‬‬
‫فال فرق لعربي على أعجمي وال فرق ألسود على أبيض‪ ،‬فكل المسلمين سوا ٌء‬
‫غنيهم أو فقيرهم أبيضهم أو أسودهم‪ ،‬عربيهم أو أعجميهم‪ ،‬يقفون أمام اهلل تعالى‬
‫سواء‪ ،‬كلهم يركعون ويسجدون‪ ،‬ولكن المفارقة يف درجة تعلقهم باهلل تعالى‪ ،‬المسجد‬
‫ال يفرق بينهم ألهنم يف حكم اهلل وشرعه سواسية‪.‬‬
‫(( ( أخرجه أبوداود كتاب الصالة باب تسوية الصفوف (‪ ،)666‬والبيهقي يف السنن (‪،)4967( )101/3‬‬
‫وصححه األلباين يف صحيح أبي داود (‪.)620‬‬
‫((( أخرجه مسلم كتاب الصالة باب تسوية الصفوف (‪.)432‬‬
‫‪192‬‬
‫لا تويب ‪:‬يناثلا لصفلا‬ ‫ثلاثلا بابلا‬
‫مثل لم يجعل الصف األول حكرا على أحد من الناس لتميزه يف المال‬ ‫فاإلسالم اً‬
‫مثل‪ ،‬ولكن رسول‪ ‬اهلل ﷺ قال‪« :‬لِ َي ِلني منكم أولوا األحالم والنُهى‪ ،‬ثم‬
‫والجاه والنسب اً‬
‫الذين يلونهم‪ ،‬ثم الذين يلونهم»(((‪ ،‬فجعل من يليه منهم حسب وصف واعتبار مشاع‬
‫يجوز أن يكون يف فقيرهم وغنيهم‪ ..‬وهكذا‪.‬‬
‫‪4 -4‬وحدة الصف‪:‬‬
‫قال تعالى‪{ :‬ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ‬
‫ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌﮍ ﮎ‬
‫ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔﮕ} [سورة‪ ‬آل‪ ‬عمران‪.]103 ‬‬
‫عندما يجتمع المسلمون يف اليوم خمس مرات يف أوقات محددة‪ ،‬ويصلون خلف‬
‫إلها واحدً ا‪ ،‬يف اتجاه‬
‫إمام واحد يف صفوف متالحمة‪ ،‬كأهنم بنيان مرصوص‪ ،‬يدعون ً‬
‫واحد‪ ،‬ال يتحركون أي حركة إال بعد أن ُيتِ َّمها اإلمام‪ .‬ويف جماعة واحدة‪ ،‬وجاء النهي‬
‫عن الجماعتين يف المسجد(((‪ ،‬وذلك توحيدً ا للصف المسلم‪ ،‬لنشر دعوة اهلل‪ ،‬والحفاظ‬
‫عليها من هجوم األعداء وزعزعة صفوفهم‪.‬‬
‫‪5 -5‬التعلم والتعليم‪:‬‬
‫المسجد مدرسة النبوة تخرج من هذه المدرسة رجال نشروا هذا الدين يف كل‬
‫بالد العالم‪ ،‬وكان هذا االنطالق من بدايته يف المسجد‪ ،‬ومعظم السنة النبوية دروس‬
‫من مسجد رسول‪ ‬اهلل ﷺ كان يعلم فيه الصحابة‪ ،‬وقد رغب الشارع بذلك فقال ﷺ‪:‬‬
‫علما سهل اهلل له به طري ًقا إلى الجنة‪ ،‬وما اجتمع قوم يف‬
‫«ومن سلك طري ًقا يلتمس فيه ً‬
‫بيت من بيوت اهلل يتلون كتاب اهلل ويتدارسونه بينهم إال نزلت عليهم السكينة وغشيتهم‬
‫(( ( أخرجه مسلم كتاب الصالة باب تسوية الصفوف (‪.)432‬‬
‫((( الجامع ألحكام القرآن (‪ )78/2‬و(‪ ،)257/8‬وفتاوى األزهر (‪81/9‬و‪82‬و‪.)141‬‬
‫‪193‬‬
‫دراسة موضوعات سورة النور‬
‫الرحمة وحفتهم المالئكة وذكرهم اهلل فيمن عنده»(((‪.‬‬
‫‪6 -6‬التكافل االجتماعي والتعاون على البر والتقوى‪:‬‬
‫يف المسجد عبادات وإخاء وتجميع للصف‪ ،‬وهناك أمور تجلب هذه الوحدة‬
‫وتأيت هبذا اإلخاء‪ ،‬وهي األعمال التي يستفيد فيها األخ من أخيه‪ ،‬وهذه تتمثل يف قضاء‬
‫حوائج المسلمين ومساعدهتم‪ ،‬وحث الناس على مساعدهتم‪ ،‬كما يف وفد مضر ووفد‬
‫عبد‪ ‬القيس وغيرهم‪ ،‬فكان المحتاج يف زمن النبي ﷺ يأوي إلى المسجد ألنه يعلم‬
‫أن يف المسجد من سيبادر بالوقوف معه‪ ،‬والرجل الذي ليس عنده بيت يأوي إليه كان‬
‫المسجد مأواه كما يف حديث أبي هريرة ﭬ وغيره‪ ،‬والزكاة كانت تجمع وتوزع يف‬
‫المسجد‪ .‬وكان المسجد إيواء لمن ال بيت عنده من فقراء المسلمين وكان يطلق عليهم‬
‫[أهل الصفة]‪ ،‬وكان غيرهم أيضا يبيت يف المسجد أحيانًا لحاجة‪.‬‬
‫‪7 -7‬النصيحة (الوعظ واألمر بالمعروف والنهي عن المنكر)‪:‬‬
‫يف المسجد يجد اإلنسان من ينصحه‪ ،‬وهو أيضا يقوم بنصح إخوانه وبذلك يشيع‬
‫بين المسلمين المعروف وينمحي المنكر‪ ،‬وتقبل النصيحة يف المسجد وأثرها أكرب‬
‫ألن اإلنسان يكون أقرب إلى اهلل يف المسجد‪ ،‬كما يف حديث قصة مال البحرين وقصة‬
‫اإلفك وغيرها‪.‬‬
‫‪8 -8‬حل المشكالت والصلح بين الناس‪:‬‬
‫وال أدل على ذلك إال سنة النبي ﷺ فقد كان المسجد المكان الذي تفصل فيه‬
‫قضايا النزاع بين الناس‪ ،‬سواء كانت مشكالت كبيرة أو صغيرة فعن أبي هريرة ﭬ‬
‫عقارا له؛ فوجد الرجل الذي اشترى العقار‬
‫رجل ً‬‫ٍ‬ ‫قال؛ قال النبي ﷺ‪« :‬اشترى ٌ‬
‫رجل من‬
‫ٍ‬
‫ذهب‪ ،‬فقال له الذي اشترى العقار‪ :‬خذ ذهبك مني‪ ،‬إنما اشتريت‬ ‫يف عقاره جر ًة فيها‬
‫منك األرض ولم أبتع منك الذهب! وقال الذي له األرض‪ :‬إنما بعتك األرض وما فيها!‬
‫((( أخرجه مسلم باب فضل االجتماع على تالوة القرآن والذكر (‪.)2699‬‬
‫‪194‬‬
‫لا تويب ‪:‬يناثلا لصفلا‬ ‫ثلاثلا بابلا‬
‫ٍ‬
‫رجل‪ ،‬فقال الذي تحاكما إليه‪ :‬ألكما ولد؟ قال أحدهما‪ :‬لي غال ٌم‪ .‬وقال‬ ‫فتحاكما إلى‬
‫اآلخر‪ :‬لي جاريةٌ‪ .‬قال‪ :‬أنكحوا الغالم الجارية وأنفقوا على أنفسهما منه وتصدقا»(((‪.‬‬
‫فعلى المسجد أن يقوم هبذا الدور وخاصة يف هذا الوقت الذي كثرت فيه‬
‫الخصومات بين المسلمين‪ ،‬فقد يكون أحدهم يصلى بجوار شخص آخر يف المسجد‬
‫ولكن بينهما من التباغض والتفرق الشيء الكثير‪.‬‬
‫‪9 -9‬مركز القيادة للدولة اإلسالمية‪:‬‬
‫بحكم أن رسول‪ ‬اهلل ﷺ كان القائم على أمر المسلمين كان ال بد أن يكون له مكان‬
‫للقيادة‪ ،‬ولكنه ﷺ‪ ،‬كان أيضا معلما‪ ،‬ومرشدا وداعية‪ ،‬ورجل تجتمع عنده الوفود وهو‬
‫الذي يصلح بين الناس ويصلى هبم‪ ،‬فلم يكن هناك مكان أفضل من المسجد يجلس‬
‫فيه ليدير أمور أمته من المسجد كما يف شأن قصة غزوة أحد‪ ،‬ويلتقي بكل الناس ويف‬
‫أي وقت‪.‬‬
‫‪1010‬انطالق الجيوش لفتح العالم كان من عند المسجد‪:‬‬
‫من المسجد كانت تخرج الجيوش لفتح العالم مثل ما حصل يف غزوة أحد‬
‫وتبوك‪ ،‬وبع ِ‬
‫ث أسامة وغيرها‪ ،‬فهم خرجوا من المسجد بعد أن أصبحوا مهيئين لقيادة‬ ‫َْ‬
‫العالم‪ ،‬وبعد أن تربوا الرتبية الصحيحة يف المسجد خرجوا إلدخال الناس يف ذلك‬
‫النور الموصل للنور التام يوم القيامة‪ ،‬وذلك من غير إكراه وال اعتداء‪ ،‬فلم يعلم الناس‬
‫رحيما على مدار التاريخ غير اإلسالم‪.‬‬
‫ً‬ ‫فاتحا‬
‫ً‬
‫وهناك أعمال أخرى يقوم هبا المسجد وأدوار مهمة يجب العناية هبا‪ ،‬فليكن رجوعنا‬
‫دائما إلى بيوت اهلل إذ فيها النور الذي فيه صالح كل أمورنا ومعاشنا ودنيانا وأخرانا‪.‬‬
‫ً‬

‫((( أخرجه البخاري كتاب أحاديث األنبياء باب (‪ ،)3472( )54‬ومسلم كتاب االقضية باب استحباب‬
‫إصالح الحاكم بين الخصمين (‪.)1721‬‬
‫‪195‬‬
‫دراسة موضوعات سورة النور‬

‫‪ ‬املبحث الرابع‬
‫أحكام املساجد وآدابها‬

‫لبيوت اهلل گ آداب وأحكام ال بد للمسلم أن يراعيها‪ ،‬لكي يكون من هؤالء‬


‫الرجال الذين امتدحهم اهلل يف هذه اآليات‪ ،‬ولكي يقوم بحق هذه البيوت كما أمر اهلل‬
‫تعالى أن ترفع وتعظم‪.‬‬
‫مما نحن مكلفون به وهي كما يأيت‪:‬‬
‫وهنا سنعرض بعض اآلداب واألحكام َّ‬
‫(((‬

‫‪ -1‬عدم بناء المساجد على القبور أو إدخال القبور فيها‪:‬‬


‫فقد وصف النبي ﷺ النصارى بقوله‪« :‬أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح‬
‫فمات‪ :‬بنو على قبره مسجدا‪ ،‬وصوروا فيه تلك الصور‪ ،‬فأولئك شرار الخلق عند اهلل‬
‫يوم القيامة!» ُي َح ِّذر ما صنعوا(((‪.‬‬
‫‪ -2‬حسن الهيئة والتطيب والسواك للمسجد‪:‬‬
‫قال تعالى‪{ :‬ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ (} [سورة‪ ‬األعراف‪.]31 ‬‬
‫قال ابن رجب ‪« :$‬واعلم أن الصالة يف الثوب الحسن غير مكروه‪ ،‬إال أن‬
‫يخشى منه اإللتهاء عن الصالة أو حدوث الكرب‪ ،‬وقد كان لتميم الداري ﭬ ُح َّل ًة‬
‫اشرتاها بألف درهم‪ ،‬يقوم هبا الليل(((‪ ،‬وقد كان النبي ﷺ أحيانًا يلبس حللاً من حلل‬
‫(( ( استفدهتا من عدة كتب يف اآلداب وأكثرها‪ :‬كتاب اآلداب لفؤاد الشلهوب‪ ،‬وكتب التفسير التي‬
‫نبهت على آداب المساجد وأحكامها عند تفسير هذه اآلية‪ ،‬كتفسير القرآن العظيم البن كثير‪،‬‬
‫والسعدي‪ ،‬والجامع ألحكام القرآن‪ ،‬والبغوي‪...‬‬
‫((( أخرجه البخاري كتاب الصالة باب هل تنبش قبور مشركي الجاهلية ويتخذ مكاهنا مساجد (‪.)427‬‬
‫ومسلم كتاب المساجد باب النهي عن بناء المساجد على القبور (‪.)528‬‬
‫((( أخرجه أحمد يف الزهد (‪ )1117‬ومختصر قيام الليل لمحمد‪ ‬بن نصر المروزي باب االغتسال لقيام=‬
‫‪196‬‬
‫لا تويب ‪:‬يناثلا لصفلا‬ ‫ثلاثلا بابلا‬
‫اليمن‪ ،‬وبرو ًدا حسنة‪ ،‬ولم ينقل عنه أنه كان يتجنب الصالة فيها‪ ،‬وإنما ترك هذه‬
‫الخميصة لما وقع له من تلك النظرة إلى علمها‪ ،‬وقد قال اهلل ‪{ :۵‬ﭔ ﭕ ﭖ‬
‫ﭗﭘ (} [سورة‪ ‬األعراف‪ ،]31 ‬وقول ابن عمر‪« :‬اهلل أحق أن يتزين له»(((‪ .‬وخرج أبو داود‬
‫يف مراسيله من حديث عبيداهلل‪ ‬بن عتبة‪ ،‬قال‪« :‬كان رسول‪ ‬اهلل ﷺ إذا قام إلى الصالة ‪-‬‬
‫مما تعجبه الثياب النقية الريح الطيبة»(((‪.‬‬
‫ولم يزل علماء السلف يلبسون الثياب الحسنة‪ ،‬وال يعدون ذلك كِربًا‪ ،‬وقد صح‬
‫عن النبي ﷺ أنه ُسئل عن الرجل يحب أن يكون ثوبه حينًا ونعله حسنًا؟ فقال‪« :‬ليس‬
‫ذلك من الكبر‪ ،‬أن اهلل جميل يحب الجمال»(((»(((‪.‬‬
‫‪ -3‬استحباب التبكير للمسجد‪:‬‬
‫عن أبي هريرة ﭬ أن رسول‪ ‬اهلل ﷺ قال‪« :‬لو يعلم الناس ما يف النداء والصف‬
‫(((‬
‫األول ثم لم يجدوا إال أن يستهموا عليه الستهموا عليه‪ ،‬ولو يعلمون ما يف التهجير‬
‫حبوا»(((‪.‬‬
‫الستبقوا إليه ولو يعلمون ما يف العتمة((( والصبح ألتوهما ولو ً‬
‫= الليل والتطيب ولبس الثياب الحسنة (‪.)108‬‬
‫((( أخرجه عبدالرزاق يف مصنفه (‪ )1391‬والطرباين يف الكبير (‪ )450‬ويف األوسط (‪ )7262‬و(‪ )11424‬وابن‬
‫المنذر يف األوسط (‪ )2328‬و(‪ )2335‬قال الهيثمي يف مجمع الزوائد (‪« )51/2‬رواه الطرباين يف الكبير‬
‫وإسناده حسن»‪ ،‬وصححه األلباين مرفو ًعا يف الصحيحة (‪.)1369( )356/3‬‬
‫مراسيل أبي داود كتاب من الصالة باب ما جاء يف الثياب (‪.)28‬‬ ‫(( (‬
‫أخرجه اإلمام مسلم يف صحيحه كتاب اإليمان باب تحريم الكرب وبيانه (‪.)131‬‬ ‫((( ‬
‫فتح الباري البن رجب (‪ ،)63/3‬كتاب الصالة باب وجوب الصالة يف الثياب‪.‬‬ ‫((( ‬
‫ِ‬ ‫جيرا فهو ُم َه ِّجر وهي ُل َغ ٌة‬ ‫ِ‬
‫حجاز َّية‬ ‫والمبا َد َرة إليه‪ .‬يقال‪َ :‬ه َّجر ُي َه ِّجر َت ْه ً‬ ‫الت َّْهجير‪ :‬ال َّت ْبك ُير إلى ك ُِّل شيء ُ‬ ‫((( ‬
‫أرا َد المبا َدرة إلى َّأو ِل وقت الصالة‪ .‬أنظر النهاية يف غريب الحديث (‪.)557/5‬‬
‫اآلخ َر ِة‪ .‬القاموس‬ ‫ِ‬
‫العشاء ِ‬ ‫الش َف ِق أو و ْق ُت ص ِ‬
‫الة‬ ‫وال َعت ََم ُة ُم َح َّركةً‪ُ :‬ث ُل ُث ال َّل ْي ِل َاأل َّو ُل بعد َغ ْي ُبو َب ِة َّ‬ ‫((( ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫المحيط (‪.)1465‬‬
‫تقدم تخريجه‪.‬‬ ‫((( ‬
‫‪197‬‬
‫دراسة موضوعات سورة النور‬
‫بصل ونحوهما‪:‬‬
‫ثوما أو اً‬
‫‪ -4‬النهي عن حضور المسجد لمن أكل ً‬
‫فعن جابر‪ ‬بن عبداهلل ﭬ قال‪ :‬هنى رسول‪ ‬اهلل عن أكل البصل والكراث‪ ،‬فغلبتنا‬
‫الحاجة فأكلنا منها‪ .‬فقال‪« :‬من أكل من هذه المنتنة فال يقربن مسجدنا‪ ،‬فإن المالئكة‬
‫تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم»(((‪.‬‬
‫وأفاد الحديث النهي عن كل رائحة تؤذي المصلين كالدخان والروائح الكريهة‬
‫التي تخرج من الجسد‪ ،‬أو المالبس النتنة‪ ،‬فعلى المصلى قبل أن يحضر للمسجد أن‬
‫يتفقد نفسه حتى ال يؤذي المالئكة والمصلين‪.‬‬
‫‪ -5‬المشي إلى المسجد بخشوع وسكينة‪:‬‬
‫وذلك ألن من قدم إلى صالته وهو مطمئن فهذا أدعى إلى خشوعه يف صالته‬
‫وإقباله عليها‪ ،‬فعن أبي قتادة قال‪ :‬بينما نحن نصلي مع رسول‪ ‬اهلل ﷺ إذ سمع جلبة‬
‫رجال فلما صلى قال‪« :‬ما شأنكم؟» قالوا‪ :‬استعجلنا إلى الصالة‪ .‬قال‪« :‬فال تفعلوا‪ ،‬إذا‬
‫أتيتم الصالة فعليكم السكينة‪ ،‬فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا»(((‪.‬‬
‫‪ -6‬ذكر دعاء الذهاب للمسجد‪:‬‬
‫فقد ثبت يف الحديث من دعاء النبي ﷺ حين خروجه للمسجد‪« :‬اللهم اجعل‬
‫يف قلبي نورا‪ ،‬واجعل يف لساين نورا‪ ،‬واجعل يف سمعي نورا‪ ،‬واجعل يف بصري نورا‪،‬‬
‫واجعل خلفي نورا‪ ،‬وأمامي نورا‪ ،‬واجعل من فوقي نورا‪ ،‬ومن تحتي نورا‪ ،‬اللهم أعظم‬
‫لي نورا»(((‪ ،‬وهو دعاء عظيم له أثر معنوي وحسي يف النفس ال سيما مع استشعار ِع َظم‬

‫(( ( أخرجه البخاري كتاب األذان باب ما جاء يف الثوم والبصل والكراث (‪ ،)854‬ومسلم كتاب المساجد‬
‫باب النهي من أكل ثوم أو بصل أو كراث أو نحوها (‪.)564‬‬
‫((( أخرجه البخاري كتاب األذان باب قول الرجل‪ :‬فاتتنا الصالة (‪ .)635‬ومسلم كتاب المساجد باب‬
‫إتيان الصالة بوقار وسكينة والنهي عن إتياهنا س ًعا (‪.)603‬‬
‫((( أخرجه أبو داود كتاب التطوع باب صالة الليل (‪ .)1353‬وقال األلباين‪« :‬صحيح» (‪.)1025‬‬
‫‪198‬‬
‫لا تويب ‪:‬يناثلا لصفلا‬ ‫ثلاثلا بابلا‬
‫المعبود‪ِ ،‬‬
‫وع َظم العبادة التي يقدم عليها‪ ،‬ومعاين هذه األلفاظ الواردة عن المصطفى‬
‫ﷺ وعظم حاجة العبد وافتقاره‪.‬‬
‫‪ -7‬دعاء دخول المسجد والخروج من المسجد‪:‬‬
‫فعن أبي حميد وأبي أسيد ﭭ قاال؛ قال رسول‪ ‬اهلل ﷺ‪« :‬إذا دخل أحدكم‬
‫المسجد فليقل‪ :‬اللهم افتح لي أبواب رحمتك‪ .‬وإذا خرج فليقل‪ :‬اللهم إين أسألك من‬
‫فضلك»(((‪.‬‬
‫‪ -8‬استحباب تقديم الرجل اليمنى على اليسرى يف الدخول للمسجد‪:‬‬
‫وذلك ألن الرسول كان دائما يقدم اليمين يف جميع األمور الطيبة‪ ،‬وما أطيب‬
‫وأشرف من المسجد أن تقدم فيه الرجل اليمنى على اليسرى‪ ،‬فعن عائشة ڤ قالت‪:‬‬
‫«كان رسول‪ ‬اهلل يعجبه التيمن يف تنعله وترجله وطهوره‪ ،‬ويف شأنه كله»(((‪.‬‬
‫‪ -9‬صالة ركعتين تحية المسجد‪:‬‬
‫وهاتان الركعتان سنة مؤكدة عن رسول‪ ‬اهلل ﷺ‪ ،‬فقد ورد من حديث أبي قتادة‬
‫السلمي ﭬ أن رسول‪ ‬اهلل ﷺ قال‪« :‬إذا دخل أحدك المسجد فليركع ركعتين قبل أن‬
‫يجلس»(((‪ .‬قال القرطبي‪« :‬فجعل ﷺ للمسجد مزية يتميز هبا عن سائر البيوت وهو‬
‫أال يجلس حتى يركع‪ ،‬وعامة العلماء على أن األمر بالركوع على الندب والرتغيب»(((‪،‬‬
‫ومن العلماء من نص على الوجوب(((‪.‬‬
‫أخرجه مسلم كتاب الصالة باب ما يقول إذا دخل المسجد (‪.)713‬‬ ‫(( (‬
‫أخرجه البخاري كتاب الضوء باب التيمن يف الوضوء والغسل (‪ .)168‬ومسلم كتاب الطهارة باب‬ ‫((( ‬
‫التيمن يف الطهور وغيره (‪.)268‬‬
‫أخرجه البخاري كتاب الصالة باب إذا دخل أحدكم المسجد فليركع ركعتين (‪ .)444‬ومسلم كتاب‬ ‫((( ‬
‫الصالة باب استحباب تحية المسجد بركعتين (‪.)714‬‬
‫الجامع ألحكام القرآن (‪.)274/12‬‬ ‫(( (‬
‫يمكن مراجعة المسألة يف التمهيد البن عبد‪ ‬الرب (‪ ،)100/20‬وفتح الباري (‪ ،)11/2‬وشرح النووي=‬ ‫((( ‬
‫‪199‬‬
‫دراسة موضوعات سورة النور‬
‫‪-10‬ظهور أثر الصالة وارتياد المساجد على من يتردد على المسجد‪:‬‬
‫على من يرتدد المسجد أن يصدق فعله مظهره‪ ،‬وكالمه مخربه‪ ،‬حتى ال يخيب‬
‫أمل الناس فيه‪ ،‬قال تعالى‪{ :‬ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ‬
‫ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰﮱ}‬
‫[سورة‪ ‬التوبة‪.]18 ‬‬
‫الضالة والتحدُّ ث يف الدنيا‪:‬‬ ‫‪ -11‬تنزه المساجد عن البيع والشراء ْ‬
‫ونشدَ ان َّ‬
‫وذلك ألن المساجد لم ُتن َْش ُأ لهذا‪ ،‬عن أبي هريرة ﭬ أن رسول‪ ‬اهلل ﷺ قال‪« :‬إذا‬
‫رأيتم من يبيع أو يبتاع يف المسجد فقولوا‪ :‬ال أربح اهلل تجارتك‪ ،(((»..‬وقال رسول‪ ‬اهلل‬
‫ﷺ‪« :‬من سمع رجال ينشد ضالة يف المسجد فليقل‪ :‬ال ردها اهلل عليك‪ ،‬فإن المساجد‬
‫لم ُت ْب َن لهذا»(((‪.‬‬
‫‪ -12‬إضاءة المساجد‪:‬‬
‫فقد فعل ذلك تميم الداري ﭬ(((‪« .‬وقد كان السلف الصالح يوقدون آآلت‬
‫اإلنارة يف المساجد»(((‪.‬‬
‫= لمسلم (‪.)164/6‬‬
‫أخرجه الرتمذي كتاب البيوع باب النهي عن البيع يف المسجد (‪ )1321‬وقال حسن غريب‪ .‬وصححه‬ ‫((( ‬
‫األلباين يف صحيح الرتمذي (‪.)1066‬‬
‫أخرجه مسلم كتاب المساجد باب النهي عن نشد الضالة يف المسجد (‪.)568‬‬ ‫(( (‬
‫ذكر ابن حجر يف اإلصابة (‪ )184/1‬قال‪« :‬وهو أول من أسرج السراج يف المسجد رواه الطرباين من‬ ‫((( ‬
‫حديث أبي هريرة»‪ ،‬المعجم الكبير (‪ ،)1247( )49/2‬قال الهيثمي (‪« :)654/9‬وفيه خالد‪ ‬بن إلياس‬
‫وهو مرتوك»‪ .‬وأخرجه ابن ماجه من حديث أبي سعيد الخدري كتاب المساجد والجماعات باب‬
‫تطهير المساجد وتطيبها (‪ ،)760‬قال يف مصباح الزجاجة (‪« )514/2‬موقوف‪ .‬ويف إسناده خالد‪ ‬بن‬
‫وفصل الكالم‬
‫إياس اتفقوا على ضعفه»‪ .‬قال األلباين يف التعليق على ابن ماجه‪« :‬ضعيف جدا»‪َّ ،‬‬
‫عليه يف‪ :‬الثمر المستطاب (ص‪ .)600-595‬وسكت عنه ابن حجر يف الفتح (‪ )46/12‬واهلل أعلم‪.‬‬
‫عمارة المساجد يف الشريعة اإلسالمية (‪.)108/2‬‬ ‫((( ‬
‫‪200‬‬
‫لا تويب ‪:‬يناثلا لصفلا‬ ‫ثلاثلا بابلا‬
‫‪ -13‬تعظيم المسجد‪:‬‬

‫بكل أنواع التعظيم فال يتكلم فيه بصوت عال‪ ،‬وال يجلس على هيئة المستهين‬
‫بالمكان‪ ،‬وال يضحك ويقهقه فيه‪ ،‬وال يفرقع بين أصابعه‪ ،‬وأال يحمل يف المسجد‬
‫سالحا‪ ،‬إال لما فيه مصلحة وأن ينزه المسجد عن القاذورات والنجاسات‪ .‬فال يبصق‬
‫وال يتنخم‪ ..‬الخ‪.‬‬

‫وهذه من تعظيم حرمات اهلل تعالى‪ ،‬قال اهلل تعالى‪{ :‬ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ‬


‫ﭭ ﭮ ﭯ ﭰﭱ} [سورة‪ ‬الحج‪ ]32 ‬ولما ورد من النهي عن ذلك(((‪.‬‬

‫وال بأس من الكالم يف أمور الدنيا المباحة يف المسجد للحاجة‪ ،‬ولكن ال يكون‬
‫ذلك دائما‪ ،‬وال يكون فيه أذية للموجودين يف المسجد‪ ،‬وأن يكون الكالم اً‬
‫قليل‪ ،‬مع‬
‫الحذر من رفع الصوت والكالم المحرم‪.‬‬

‫وال بأس أيضا من األكل والشرب وقول الشعر يف المسجد‪ ،‬ولكن المهم أال‬
‫يكون ذلك مدعاة المتهان المسجد‪ ،‬وهذه األمور ورد أهنا قد وقعت من رسول‪ ‬اهلل‬
‫ﷺ‪ ،‬أو وقعت من الصحابة ولم ينكر عليهم رسول‪ ‬اهلل ﷺ‪.‬‬

‫‪ -14‬أن ال يتخطى الرقاب‪:‬‬

‫فال يجوز للمسلم أن يتخطى الرقاب من أجل الوصول للصف األول‪ ،‬ألن هذا‬
‫يؤذي المصلين وقد قال رسول‪ ‬اهلل ﷺ لمن فعلها‪« :‬اجلس فقد آذيت»(((‪.‬‬
‫(( ( أخرجه البخاري كتاب الصالة باب حك البزاق باليد من المسجد (‪ ،)397‬ومسلم كتاب المساجد‬
‫باب النهي عن البصاق يف المسجد (‪.)551‬‬
‫((( أخرجه أبوداود كتاب الصالة باب تخطي رقاب الناس يوم الجمعة (‪ ،)1118‬صححه األلباين يف‬
‫صحيح أبي داود‪ ،‬وأخرجه الحاكم يف المستدرك (‪ ،)1061( )424/1‬وقال صحيح على شرط مسلم‬
‫ولم يخرجاه‪.‬‬
‫‪201‬‬
‫دراسة موضوعات سورة النور‬
‫‪ -15‬أال يضيق على أحد يف الصف‪:‬‬
‫وال أن يضيق على إخوانه المصلين يف الصف بل عليه أن يصلى حيث اتسع‬
‫به المكان وانتهى به المجلس‪ .‬وأال ينازع أحدً ا يف المكان‪ ،‬وأن ال يحجز المكان‬
‫لقوله ﷺ‪« :‬ال يقيمن أحدكم أخاه يوم الجمعة ثم يخالف إلى مقعده‪ ،‬ولكن يقول‬
‫أفسحوا»(((‪ .‬وعن ابن عمر ﭭ قال‪« :‬نهى رسول‪ ‬اهلل ﷺ أن ُيقيم الرجل أخاه من‬
‫مقعده ويجلس فيه»(((‪.‬‬
‫وعن جابر‪ ‬بن سمرة قال‪« :‬كنَّا إذا أتينا النبي ﷺ جلس أحدنا حيث ينتهي»(((‪.‬‬
‫‪ -16‬وال يمر بين أيدي المصلين‪:‬‬
‫قال رسول‪ ‬اهلل ﷺ‪« :‬لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه لكان أن يقف‬
‫أربعين خيرا له من أن يمر بين يديه» قال الراوي‪ :‬ال أدري قال أربعين يوما أو أربعين‬
‫شهرا‪ ،‬أو أربعين سنة»(((‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ -17‬القيام بإزالة األذى من المسجد‪:‬‬
‫ٍ‬
‫عن أنس‪ ‬بن مالك قال قال رسول‪ ‬اهَّلل ﷺ‪ُ « :‬عرِضت َّ‬
‫علي أجور َّأمتي حتَّى ال َق َذاة‬
‫المسجد»(((‪ ،‬قال ابن رجب‪« :‬وكنس المساجد وإزالة األذى عنها‬ ‫ِ‬ ‫الر ُج ُل من‬
‫خرجها َّ‬
‫ُي ُ‬
‫أخرجه مسلم كتاب السالم باب إذا قام من مجلسه ثم عاد فهو أحق به (‪.)2178‬‬ ‫(( (‬
‫أخرجه البخاري كتاب الجمعة باب ال يقيم الرجل أخاه يوم الجمعة ويقعد يف مكانه (‪.)911‬‬ ‫((( ‬
‫أخرجه أبو داود كتاب األدب باب يف التحلق (‪ ،)4825‬وصححه األلباين يف كتاب العلم (‪.)42‬‬ ‫((( ‬
‫أخرجه البخاري كتاب الصالة باب إثم المار بين يدي المصلي (‪ .)510‬ومسلم كتاب الصالة باب‬ ‫((( ‬
‫سرتة المصلي (‪.)507‬‬
‫أخرجه ابن أبي داود كتاب الصالة والسير باب يف كنس المسجد (‪ .)390‬والرتمذي كتاب فضائل‬ ‫((( ‬
‫القرآن باب ما جاء فيمن قرأ حر ًفا (‪ ،)2840‬وقال‪« :‬هذا حديث غريب ال نعرفه إال من هذا الوجه قال‬
‫وذاكرت به محمد‪ ‬بن إسماعيل فلم يعرفه‪ ،‬واستغربه»‪ .‬وض َّعفه األلباين‪ :‬ضعيف الجامع الصغير‬
‫(‪ ،)3700‬والمشكاة (‪ ،)720‬وضعيف سنن الرتمذي (‪.)3095/558‬‬
‫‪202‬‬
‫لا تويب ‪:‬يناثلا لصفلا‬ ‫ثلاثلا بابلا‬
‫وخصوصا المساجد الفاضلة»(((‪.‬‬
‫ً‬ ‫يأنف منه من يعلم آداب الشريعة‪،‬‬
‫شريف‪ ،‬ال ُ‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫فعل‬
‫ورغب يف إماطة األذى عا َّم ًة قال رسول‪ ‬اهلل ﷺ‪« :‬وإماطة األذى عن الطريق‬
‫صدقة»(((‪ ،‬هذا يف خارج المسجد‪ ،‬فما بالك بداخل المسجد ماذا يكون األجر‪.‬‬
‫وقد بوب البخاري بابا بعنوان‪« :‬باب كنس المسجد والتقاط ِ‬
‫الخ َرق والعيدان»‪،‬‬ ‫ً‬
‫وذكر حديث المرأة السوداء التي كانت َت ُق ُّم((( المسجد على عهد رسول‪ ‬اهلل‪ -‬أو شا ًبا‪-‬‬
‫ففقدها رسول‪ ‬اهلل ﷺ‪ ،‬فسأل عنها ‪-‬أو عنه‪ -‬فقالوا‪ :‬مات‪ .‬قال‪« :‬أفال كنتم آذنتموين؟»‬
‫قال‪ :‬فكأهنم ص َّغ ُروا أمرها‪ -‬أو أمره‪ -‬فقال‪« :‬دلوين على قبره؟»‪ ،‬فدلوه فص َّلى عليها‪،‬‬
‫ثم قال‪« :‬إن هذه القبور مملوءة ظلم ًة على أهلها‪ ،‬وإن اهلل ‪ ۵‬ين َِّو ُرها لهم بصالتي‬
‫عليهم»(((‪ ،‬قال ابن حجر تعلي ًقا على الحديث‪« :‬فيؤخذ من ذلك الرتغيب يف تنظيف‬
‫المسجد»(((‪.‬‬
‫‪ -18‬انتظار خروج النساء من المسجد‪:‬‬
‫وكان هذا فعل رسول‪ ‬اهلل ﷺ‪ ،‬فعن أم سلمة ڤ قالت‪« :‬إن النساء يف عهد‬
‫ِ‬
‫المكتوبة ُق ْم َن‪ ،‬وثبت رسول‪ ‬اهلل ﷺ ومن صلى من‬ ‫رسول‪ ‬اهلل ﷺ كن إذا س َّل ْمن من‬
‫الرجال ما شاء اهلل‪ ،‬فإذا قام رسول‪ ‬اهلل ﷺ قام الرجال»(((‪.‬‬

‫فتح الباري البن رجب (‪ )261/2‬عند حديث (‪.)458‬‬ ‫(( (‬


‫أخرجه البخاري كتاب الجهاد والسير باب من اخذ بالركاب ونحوه (‪ ،)2989‬ومسلم كتاب الزكاة‬ ‫((( ‬
‫باب اسم الصدقة يقع على كل نوع من المعروف (‪.)1009‬‬
‫تقم‪ :‬أي تجمع القمامة وهي الكناسة فتح الباري (‪.)553/1‬‬ ‫(( (‬
‫أخرجه البخاري كتاب المساجد باب كنس المسجد والتقاط الخرق والعيدان (‪ ،)448‬ومسلم‬ ‫((( ‬
‫كتاب الصلة باب الصالة على القرب (‪.)956‬‬
‫فتح الباري (‪.)553/1‬‬ ‫(( (‬
‫أخرجه البخاري كتاب الصالة باب انتظار الناس قيام اإلمام العالم (‪ )828‬و(‪.)832 ،812 ،802‬‬ ‫((( ‬
‫‪203‬‬
‫دراسة موضوعات سورة النور‬

‫‪ ‬املبحث اخلامس‬
‫تنبيهات خاصة حلضور النساء للمساجد‬

‫‪1 -1‬ال تمنع المرأة من شهود المساجد‪:‬‬


‫محظورا شرع ًيا‪ ،‬فعن ابن عمر ﭭ‬
‫ً‬ ‫وال ينبغي منعها منه‪ ،‬ما دامت أهنا لم ترتكب‬
‫عن النبي ﷺ أنه قال‪« :‬إذا استأذنت امرأة أحدكم إلى المسجد فال يمنعها»(((‪ .‬وعنه‬
‫قال‪ :‬قال رسول‪ ‬اهلل ﷺ‪« :‬ال تمنعوا إماء اهلل مساجد اهلل»(((‪.‬‬
‫ولكن صالة المرأة يف بيتها أفضل من صالهتا يف المسجد لقوله ﷺ‪« :‬ألن تصلي‬
‫المرأة يف بيتها خير لها من أن تصلي يف حجرتها‪ ،‬وألن تصلي يف حجرتها خير لها من‬
‫أن تصلي يف الدار‪ ،‬وألن تصلي يف الدار خير لها من أن تصلي يف المسجد»(((‪ ،‬وذلك‬
‫حتى يف الحرمين الشريفين؛ ألن هذه األحاديث إنما كانت بالمدينة حيث مسجده ﷺ‪،‬‬
‫صريحا يف رواية‪ :‬عبداهلل‪ ‬بن سويد األنصاري‪ ،‬عن عمته‪ ،‬امرأة أبي حميد‬
‫ً‬ ‫وجاء لفظه‬
‫الساعدي أهنا جاءت النبي ﷺ فقالت‪ :‬يا رسول‪ ‬اهلل ﷺ‪ ،‬إين أحب الصالة معك‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫«قد علمت أنك تحبين الصالة معي‪ ،‬وصالتك يف بيتك خير من صالتك يف حجرتك‪،‬‬
‫وصالتك يف حجرتك خير من صالتك يف دارك‪ ،‬وصالتك يف دارك خير من صالتك يف‬
‫(( ( أخرجه البخاري كتاب األذان باب استئذان المرأة زوجها بالخروج إلى المسجد (‪ .)5238‬ومسلم‬
‫كتاب الصالة باب خروج النساء إلى المساجد (‪.)442‬‬
‫((( أخرجه البخاري كتاب الجمعة باب (‪ .)900( ،)13‬ومسلم كتاب الصالة باب خروج النساء إلى‬
‫المساجد (‪.)442‬‬
‫((( البيهقي يف السنن الكربى (‪ ،)5148( )132/3‬وحسنه األلباين يف صحيح الجامع (‪ ،)5039‬والصحيحة‬
‫(‪.)2142‬‬
‫‪204‬‬
‫لا تويب ‪:‬يناثلا لصفلا‬ ‫ثلاثلا بابلا‬
‫مسجد قومك‪ ،‬وصالتك يف مسجد قومك خير من صالتك يف مسجدي»(((‪ .‬وهذا ٌ‬
‫دليل‬
‫على أن صالة المرأة يف بيتها أفضل من صالهتا يف المسجد النبوي الشريف‪.‬‬
‫‪ -2‬أن ال تتطيب أو تتزين بما يظهر لونه أو ريحه‪ ،‬ويجلب النظر‪:‬‬
‫فقد ورد أن زينب امرأة عبداهلل‪ ‬بن مسعود ڤ قالت‪ :‬قال لنا رسول‪ ‬اهلل ﷺ‪:‬‬
‫«إذا شهدت إحداكن المسجد فال تمس طيبا»(((‪ ،‬وعن أبي هريرة ﭬ أن رسول‪ ‬اهلل‬
‫ٍ‬
‫امرأة تطيبت ثم خرجت إلى المسجد لم تُقبل لها صال ٌة حتى تغتسل»(((‪.‬‬ ‫ﷺ قال‪َ :‬‬
‫«أ ُّي َما‬
‫‪ -3‬ال تدخل الحائض والنفساء المسجد‪:‬‬
‫قال تعالى‪{ :‬ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ‬
‫ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ} [سورة‪ ‬النساء‪.]43 ‬‬
‫فال يجوز للحائض وال والنفساء وال الجنب أن يدخلوا المسجد وذلك لما روته‬
‫عائشة ڤ قالت‪ :‬قال لي رسول‪ ‬اهلل ﷺ‪« :‬ناوليني الخمرة من المسجد»‪ ،‬قالت‪:‬‬
‫فقلت إين حائض؟ فقال‪« :‬إن حيضتك ليست يف يدك»(((‪ ..‬فقول عائشة ڤ إين‬
‫حائض دليل على أن الحائض ال تدخل المسجد‪.‬‬
‫‪ -4‬الصالة خلف الرجال وعدم االختالط بهم‪:‬‬
‫فعن أبي هريرة ﭬ قال‪ :‬قال رسول‪ ‬اهلل ﷺ‪« :‬خير صفوف الرجال أولها وشرها‬
‫أخرجه اإلمام أحمد (‪ ،)27090‬وابن خزيمة يف صحيحه (‪ ،)1690-1689‬وابن حبان (‪ .)2217‬وحسنه‬ ‫((( ‬
‫األرنؤوط عند أحمد وابن حبان‪.‬‬
‫أخرجه مسلم كتاب الصالة باب خروج النساء إلى المساجد (‪.)443‬‬ ‫(( (‬
‫أخرجه ابن ماجه كتاب الفتن باب فتنة النساء (‪ ،)4002‬وصححه األلباين ‪ $‬يف صحيح ابن ماجه‬ ‫((( ‬
‫(‪.)3233‬‬
‫أخرجه مسلم كتاب الحيض باب جواز غسل الحائض رأس زوجها وترجله وطاهرة سؤرها‬ ‫((( ‬
‫واالتكاء يف حجرها وقراءة القرآن فيه (‪.)297‬‬
‫‪205‬‬
‫دراسة موضوعات سورة النور‬
‫آخرها‪ ،‬وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها»(((‪.‬‬

‫قال النووي ‪« :$‬أ َّما صفوف الرجال فهي على عمومها فخيرها أولها أبدً ا‪،‬‬
‫وشرها آخرها أبدً ا‪ ،‬أما صفوف النساء فالمراد بالحديث صفوف النساء اللوايت يصلين‬
‫مع الرجال‪ ،‬وأما إذا صلين متميزات ال مع الرجال فهن كالرجال‪ ،‬خير صفوفهن أولها‬
‫وشرها آخرها‪ ،‬والمراد بشر الصفوف يف الرجال النساء‪ :‬أق ُّلها ثوابا وفضال‪ ،‬وأبعدها‬
‫من مطلوب الشرع‪ ،‬وخيرها بعكسه‪ ،‬وإنما ُف ِّضل آخر صفوف النساء الحاضرات مع‬
‫الرجال‪ :‬لبعدهن من مخالطة الرجال‪ ،‬ورؤيتهم‪ ،‬وتعلق القلب هبم عند رؤية حركاهتم‪،‬‬
‫وسماع كالمهم ونحو ذلك‪ ،‬و َذ ُّم أول صفوفهن لعكس ذلك‪ .‬واهلل أعلم»(((‪.‬‬

‫‪ -5‬خروجهن من المسجد‪:‬‬

‫على النساء أن ال يتأخرن يف مصالهن بعد انصراف اإلمام‪ ،‬بل يخرجن سري ًعا‬
‫خير لهن‪ ،‬لحديث أم سلمة المتقدم حيث أن رسول‪ ‬اهلل‬
‫وينقلبن إلى بيوهتن‪ ،‬ذلك ٌ‬
‫وأصحابه كانوا ينتظرون خروج النساء‪ ،‬ثم يخرجون هم‪ .‬وذلك لمنع االختالط‬
‫بالرجال‪.‬‬

‫‪ -6‬تصفيقهن إذا نابهن شيء‪:‬‬

‫قال رسول‪ ‬اهلل ﷺ‪« :‬من نابه شيء يف صالته فليسبح فإنه إذا سبح التفت إليه‪،‬‬
‫وإنما التصفيق للنساء»(((‪.‬‬
‫(( ( أخرجه مسلم كتاب الصالة باب تسوية وإقامتها وفضل األول فاألول منها‪ ،‬واالزدحام على الصف‬
‫(‪.)440‬‬
‫((( شرح النووي على صحيح مسلم (‪ )159/4‬والمجموع (‪.)301/4‬‬
‫((( أخرجه البخاري كتاب الصالة باب من دخل ليؤم الناس فجاء اإلمام األول فتأخر اآلخر أو لم‬
‫يتأخر جازت صالته (‪.)652‬‬
‫‪206‬‬
‫لا تويب ‪:‬يناثلا لصفلا‬ ‫ثلاثلا بابلا‬
‫‪ -7‬سيرهن يف الطريق إلى المسجد‪:‬‬
‫ومن حرص الشرع على تميز النساء عن الرجال وقطع كل طريق يؤدي إلى الفتنة‬
‫هبن‪ ،‬أن جعل حافة الطريق للنساء وأوسطه للرجال حتى ال يختلط الرجال والنساء‬
‫وتعظم الفتنة‪ ،‬فعن أبي أسيد األنصاري ﭬ أنه سمع رسول‪ ‬اهلل ﷺ يقول ‪ -‬وهو‬
‫خارج من المسجد فاختلط الرجال مع النساء يف الطريق ‪ -‬فقال رسول‪ ‬اهلل ﷺ‪:‬‬
‫«استأخرن فإنه ليس لكن أن تحققن الطريق((( عليكن بحافة الطريق»‪ ،‬فكانت المرأة‬
‫تلتصق بالجدار حتى إن ثوهبا ليتعلق بالجدار من لصوقها به»(((‪.‬‬
‫‪ -8‬االلتزام بالحجاب الشرعي‪:‬‬
‫ٍ‬
‫ملفت للنظر عند الذهاب للمسجد وغير‬ ‫الذي يتصف بالساتر‪ ،‬ويكون غير‬
‫المسجد‪ ،‬فعن عائشة ڤ قالت‪« :‬كان رسول‪ ‬اهلل يصلى الفجر‪ ،‬فيشهد معه نساء من‬
‫المؤمنات متل ِّفع ٍ‬
‫ات بمروطه َّن‪ ،‬ثم يخرجن إلى بيوهت َّن ما يعرفه َّن أحدٌ من ال َغ َلس»(((‪،‬‬ ‫َ‬
‫متفق عليه‪.‬‬

‫(( ( أن تحققن الطريق‪ :‬وهو أن يركبن ُح َّقها وهو وسطها‪ ،‬عون المعبود (‪.)127/14‬‬
‫((( أخرجه أبو داود كتاب األدب باب يف مشي النساء مع الرجال يف الطريق (‪ ،)5272‬وحسنه األلباين‪.‬‬
‫وابن حبان يف صحيحه (‪ ،)5601‬والطرباين يف الكبير (‪ ،)580( )261/19‬والبيهقي يف شعب اإليمان‬
‫(‪.)7822( )173/6‬‬
‫((( أخرجه مسلم كتاب المساجد ومواضع الصالة باب استحباب التبكير بالصبح يف أول وقتها رقم‬
‫(‪.)645‬‬
‫‪207‬‬
‫دراسة موضوعات سورة النور‬

‫‪ ‬املبحث السادس‬
‫أثر املسجد على الفرد واجملتمع اإلسالمي‬

‫وال شك أن ما سبق بيانه من أحكام يدلنا على عظم أثر المسجد على الفرد‬
‫والمجتمع اإلسالمي‪ ،‬واآلثار كثيرة جدً ا ونجمل أهمها فيما يلي‪:‬‬
‫‪1-1‬وجود جيل من المسلمين يرتبطون ارتباطا وثيقا باهلل عن طريق تعلق قلوهبم‬
‫بالمساجد‪.‬‬
‫‪2-2‬وجود جيل قادر على تفعيل دور المسجد يف جميع شؤون الحياة العامة‪.‬‬
‫‪3-3‬تكوين طبقة من طلبة العلم الشرعي المؤصل من الكتاب والسنة مع الفهم‬
‫الشامل الواسع لمفهوم اإلسالم ‪ -‬عباد ًة وشريع ًة وأخال ًقا‪.‬‬
‫‪4-4‬عدم حصر شعائر اإلسالم يف المسجد فقط‪ ،‬ألنه قد تربى يف المسجد أناس‬
‫على تطبيق ما تعلموه واقعا سلوكيا بين الناس‪ ،‬فقد تربوا على الصدق واألمانة‬
‫واإلتقان واإلخالص والجدية واإليجابية‪ ،‬والسمع والطاعة يف المعروف‪،‬‬
‫وغيرها من األخالق الفاضلة‪ ،‬وبناء على تلك الرتبية فهم سينقلوهنا إلى واقع‬
‫عملي بين كل الناس يف جميع المجاالت‪.‬‬
‫‪5-5‬ربط الناس كلهم بالمسجد عن طريق الخدمات االجتماعية التي يقدمها‬
‫المسجد للناس مثل‪ :‬كفالة األيتام‪ ،‬دروس التقوية المجانية للمواد الدراسية‪،‬‬
‫الحمالت الطبية‪ ،‬الرعاية للفقراء وأصحاب الدخل المحدود‪ .....،‬وغيرها من‬
‫الخدمات التي يحتاجها الناس اليوم‪.‬‬
‫‪208‬‬
‫لا تويب ‪:‬يناثلا لصفلا‬ ‫ثلاثلا بابلا‬
‫‪6-6‬اجتماع الناس يف األعياد والمناسبات الشرعية‪ :‬كالعيدين‪ ،‬وعقد الزواج‪،‬‬
‫والعقيقة‪ ،‬وإفطار الصائمين‪ ،‬والحفالت التي تقام لتكريم حفظة كتاب اهلل وسنة‬
‫رسوله ﷺ وطلب العلم والفقه‪ ..‬له أثر يف ارتباط الناس بالمسجد وبالتالي‬
‫ارتباطهم باهلل تعالى‪ ،‬مع المحافظة على اآلداب الشرعية وحرمة المسجد‪.‬‬
‫هذه بعض اآلثار العامة على الفرد والمجتمع إذا حصل االرتباط بالمسجد‪،‬‬
‫فعلى أصحاب الدعوة البداية من المسجد‪ ،‬وربط المدعوين بالمسجد‪ ،‬وتحويل‬
‫الرتبية المتلقاة يف المسجد إلى واقع سلوكي بين الناس يلفت انتباه الناس إلى دور‬
‫المسجد يف التغير(((‪.‬‬

‫((( لالستزادة يمكن الرجوع على كتاب‪ :‬كيف نعيد للمسجد مكانته ‪ -‬للدكتور محمد أحمد لوح‪.‬‬
‫‪209‬‬
‫دراسة موضوعات سورة النور‬

‫‪ ‬الفصل الثالث‬
‫النظر يف آيات اهلل‬
‫الفصل الثالث‪ :‬النظر يف آيات اهلل‬

‫قال اهلل تعالى‪{ :‬ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞﯟ ﯠ ﯡ ﯢ‬


‫ﯣ ﯤﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮﯯ ﯰ ﯱ ﯲﯳ ﯴ ﯵ‬
‫ﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉ‬
‫ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔﰕ ﰖ ﰗ ﰘ ﰙ ﰚﰛ ﭑ ﭒ ﭓ‬
‫ﭔﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ‬
‫ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﭿ ﮀ ﮁ‬
‫ﮂ ﮃﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ}‪.‬‬
‫«هذه آيات كريمات تجمعها صفة واحدة‪ ،‬وهي أهنا أنوار هادية تضيء للمؤمنين‬
‫صراط التوحيد‪ ،‬وتمأل القلوب بأنوار اإليمان وتربهن لهم حقيقة التوحيد الكربى‪ ،‬عن‬
‫طريق النظر المتدبر آليات اهلل ومخلوقاته ليعرفوا رهبم ويعبدوه على علم وبصيرة»(((‪.‬‬
‫ففي هذه اآليات الكريمات يلفت اهلل گ أنظار عباده إلى عدة مشاهد يذكرهم هبا‬
‫بنعمته عليهم‪ ،‬ووجوب عبادته سبحانه والتفكر يف خلقه‪.‬‬
‫تصف أجحنتها‪ ،‬وتطير يف الفضاء وتسبح‬
‫ُّ‬ ‫فالمشهد األول‪ :‬مشهد الطير وهي‬
‫بحمد اهلل تعالى‪.‬‬
‫والمشهد الثاين‪ :‬مشهد سوق السحاب قط ًعا متفرقة‪ ،‬ثم تأليفها؛ ليحصل هبا‬
‫االنتفاع بالمطر دون ضرر‪.‬‬
‫((( من لطائف التفسير (‪.)439/2‬‬
‫‪210‬‬
‫ا تايآ يف رظنلا ‪:‬ثلاثلا لصفلا‬ ‫ثلاثلا بابلا‬
‫والمشهد الثالث‪ :‬مشهد تصريف الليل والنهار‪ ،‬بالمعاقبة بينهما‪ ،‬وزيادة أحدهما‬
‫ونقص اآلخر‪ ،‬وتنوع أجوائهما ‪ ...‬إلخ‪.‬‬
‫والمشهد الرابع‪ :‬كيف خلق اهلل الدواب يف األرض؟ ولم خلقها؟ وعلى أي‬
‫صورة خلقها؟‬
‫ثم بيان الحكمة من اآليات المشاهدة لإلنسان‪ ،‬ويف ثنايا ذلك التذكير بالرجوع‬
‫إلى اهلل‪.‬‬
‫واعلم أنه سبحانه لما وصف أنوار قلوب المؤمنين وظلمات قلوب الجاهلين‬
‫أتبع ذلك بدالئل التوحيد التي ذكرها يف هذه اآليات‪ ،‬وبيان ذلك على سبيل اإليجاز‬
‫واالختصار يف ستة مباحث‪:‬‬
‫المبحث األول‪ :‬تسبيح المخلوقات هلل‪.‬‬
‫المبحث الثاين‪ :‬التذكير بالرجوع إلى اهلل‪.‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬السماء والسحاب وما فيهما‪.‬‬
‫المبحث الرابع‪ :‬الليل والنهار وتقليبهما‪.‬‬
‫المبحث الخامس‪ :‬الدواب خلقها وسعيها‪.‬‬
‫المبحث السادس‪ :‬الحكمة من اآليات والمشاهد‪.‬‬
‫‪211‬‬
‫دراسة موضوعات سورة النور‬

‫‪ ‬املبحث األول‬
‫تسبيح املخلوقات هلل‬

‫قال تعالى‪{ :‬ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ‬


‫ﯤﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩﯪ}؛ ينبه اهلل سبحانه عباده بأن جميع الخلق يسبحونه گ‬
‫على الكيفية التي سخرهم اهلل لها‪ ،‬بل حتى السماوات واألرض أتيتا طائعتين هلل تعالى‬
‫خاضعتين له بخالف المكلفين من الجن واإلنس فقد جاؤوا مكرهين‪ ،‬وكثير منهم‬
‫اختيارا‬
‫ً‬ ‫مطيع هلل مأجور على عمله؛ وكثير منهم ال ينفعهم ‪ -‬فهم عبا ٌد َقدَ ًرا وليس‬
‫منهم وانقيا ًدا وخضو ًعا‪ ،‬ولذا فهم معاقبون على اختيارهم وفعلهم ألهنم قد بلغوا‬
‫وأنذروا‪ ،‬وهذه اآلية لها شواهد كثيرة يف هذا المعني قال تعالى‪{ :‬ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ‬
‫ﮖ ﮗ ﮘﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨﮩ}‬
‫[سورة‪ ‬اإلسراء‪.]44 ‬‬
‫وقال تعالى‪{ :‬ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ‬
‫ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ‬
‫ﮓ ﮔﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚﮜ} [سورة‪ ‬الحج‪ ،]18 ‬واآليات يف هذا المعنى كثيرة جدً ا يف‬
‫القرآن الحكيم‪.‬‬
‫«المراد ألم تعلم ألن التسبيح ال تتناوله الرؤية بالبصر ويتناوله العلم بالقلب‪.‬‬
‫وهذا الكالم وإن كان ظاهره استفهاما فالمراد التقرير والبيان‪.‬‬
‫فنبه تعالى على ما يلزم من تعظيمه بأن من يف السموات يسبح له‪ ،‬وكذلك من يف‬
‫األرض»(((‪.‬‬
‫((( التفسير الكبير ‪ -‬الرازي (‪.)401/24‬‬
‫‪212‬‬
‫ا تايآ يف رظنلا ‪:‬ثلاثلا لصفلا‬ ‫ثلاثلا بابلا‬
‫«والخطاب يف قوله‪ :‬ألم تر للنبيء ﷺ‪ .‬والمراد من يبلغ إليه‪ ،‬أو الخطاب لغير‬
‫معين فيعم كل مخاطب كما هو الشأن يف أمثاله»(((‪.‬‬

‫فالمتأمل يف اآليات يجد أن كل هذا الكون المسخر لإلنسان يسبح هلل تعالى بكل‬
‫أصنافه وأعداده‪ ،‬ولكن اإلنسان هو الكائن الوحيد الذي َش َّذ عن هذه القاعدة فقال‬
‫تعالى‪{ :‬ﮉ ﮊ ﮋ ﮌﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ}‪ ،‬وذلك ألهنم نسوا اليوم‬
‫اآلخر كما قال تعالى {ﭶ ﭷ ﭸﭹ} [سورة‪ ‬الحج‪.]66 ‬‬
‫يلفت اهلل گ االنتباه إلى نوع من خلقه سبحانه‪ ،‬ممن نراهم دائما يحلقون يف‬
‫سمائه يف منظر يلفت األنظار المؤمنة التي ال يمر عليها مثل ذلك المشهد إال وهي‬
‫متذكرة هلل تعالى‪.‬‬
‫يلفت اهلل أنظارنا إلى مشهد الطير وهي تصف أجنحتها وهي تطير يف الفضاء‬
‫تسبح بحمد اهلل تعالى‪{ :‬ﯝ ﯞﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ} [سورة‪ ‬النور‪ ]41 ‬أي‪ٌ :‬‬
‫«كل‬
‫من هذه المخلوقات أرشده اهلل إلى طريقته ومسلكه يف عبادة اهلل»(((‪.‬‬
‫«والصافات من صفات الطير يراد به صفهن أجنحتهن يف الهواء حين الطيران‪.‬‬
‫وتخصيص الطير بالذكر من بين المخلوقات للمقابلة بين مخلوقات األرض‬
‫والسماء بذكر مخلوقات يف الجو بين السماء واألرض ولذلك قيدت ب صافات‪.‬‬
‫وفعل {ﯢ} مراد به المعرفة لظهور الفرق بين علم العقالء بصالهتم‪ ،‬وعلم الطير‬
‫بتسبيحها فإن الثاين مجرد شعور وقصد للعمل‪.‬‬
‫وضمائر {ﯢ ﯣ ﯤ} راجعة إلى { ﯠ } ال محالة»(((‪.‬‬
‫(( ( التحرير والتنوير (‪.)258/18‬‬
‫((( تفسير القرآن العظيم‪ -‬ابن كثير (‪.)72/6‬‬
‫((( التحرير والتنوير (‪.)259/18‬‬
‫‪213‬‬
‫دراسة موضوعات سورة النور‬
‫«وجملة‪ :‬كل قد علم صالته وتسبيحه استئناف ثان وهو من تمام العربة إذ أودع‬
‫اهلل يف جميع أولئك ما به مالزمتهم لما فطروا عليه من تعظيم اهلل وتنزيهه»(((‪.‬‬
‫«{ﯠ} من هذه المخلوقات {ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ} أي‪ :‬كل له صالة وعبادة‬
‫بحسب حاله الالئقة به‪ ،‬وقد ألهمه اهلل تلك الصالة والتسبيح‪ ،‬إما بواسطة الرسل‪،‬‬
‫كالجن واإلنس والمالئكة‪ ،‬وإما بإلهام منه تعالى‪ ،‬كسائر المخلوقات غير ذلك‪ ،‬وهذا‬
‫االحتمال أرجح‪ ،‬بدليل قوله‪{ :‬ﯦ ﯧ ﯨ ﯩﯪ} أي‪ :‬علم جميع أفعالها‪،‬‬
‫فلم يخف عليه منها شيء‪ ،‬وسيجازيهم بذلك‪ ،‬فيكون على هذا‪ ،‬قد جمع بين علمه‬
‫بأعمالها‪ -‬وذلك بتعليمه‪ -‬وبين علمه بأعمالهم المتضمن للجزاء‪.‬‬
‫ويحتمل أن الضمير يف قوله‪{ :‬ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ} يعود إلى اهلل‪ ،‬وأن اهلل تعالى‬
‫قد علم عباداهتم‪ ،‬وإن لم تعلموا ‪-‬أيها العباد‪ -‬منها‪ ،‬إال ما أطلعكم اهلل عليه»(((‪.‬‬
‫ثم عقب اهلل تعالى على هذا المشهد بقوله‪{ :‬ﯦ ﯧ ﯨ ﯩﯪ ﯫ ﯬ‬
‫ﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳ} أي‪« :‬إن اهلل تعالى ‪ ۴‬عليم بكل ما يفعله عباده من‬
‫تسبيح وتقديس بل ومن تقصير ومعصية‪ ،‬أليس هو الذي يملك السماوات واألرض؟‪،‬‬
‫وإليه مصير من يف السماوات واألرض؟ وما دام كذلك فال غروا أن َت ْعنوا له الوجوه‬
‫و ُت َع َّف َر بين يديه الجباه و ُيسبِ ُح بحمده كل شيء و َتسجدُ له الخالئق وظلها»(((‪.‬‬
‫التسبيح لغة‪« :‬مصدر س ّبح وهو مأخوذ من ما ّدة (س ب ح) ا ّلتي تدور حول‬
‫السعي»(((‪.‬‬
‫األول‪ :‬جنس من العبادة واالخر جنس من ّ‬
‫معنيين‪ّ :‬‬
‫جل ثناؤه‪ -‬من ّ‬
‫كل سوء‪ ،‬والتّنزيه التّبعيد‬ ‫ومن هذا الباب‪ :‬التّسبيح وهو تنزيه اهلل‪ّ -‬‬
‫والعرب تقول‪ :‬سبحان من كذا‪ ،‬أي ما أبعده‪.‬‬
‫التحرير والتنوير (‪.)258/18‬‬ ‫(( (‬
‫تيسير الكريم الرحمن‪ -‬السعدي (‪.)570‬‬ ‫((( ‬
‫من لطائف التفسير (‪.)441/2‬‬ ‫((( ‬
‫مقاييس اللغة (‪ ،)125/3‬واللسان (‪.)472/2‬‬ ‫((( ‬
‫‪214‬‬
‫ا تايآ يف رظنلا ‪:‬ثلاثلا لصفلا‬ ‫ثلاثلا بابلا‬
‫الصاحبة والولد‪ ،‬وقيل‪ :‬تنزيه اهلل تعالى عن ّ‬
‫كل ما‬ ‫سبحان اهلل‪ :‬معناه تنزيها هلل من ّ‬
‫ال ينبغي له أن يوصف به‪ ،‬قال‪ :‬ونصبه أنّه يف موضع فعل على معنى تسبيحا له‪ ،‬تقول‪:‬‬
‫الز ّجاج‬
‫ّبي ﷺ‪ ،‬وقال ّ‬
‫س ّبحت اهلل تسبيحا أي ّنزهته تنزيها‪ ،‬قال‪ :‬وكذلك روي عن الن ّ‬
‫يف قوله تعالى‪{ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ}‪ ،‬قال‪ :‬منصوب على المصدر‪ ،‬المعنى‬
‫أس ّبح اهلل تسبيحا‪.‬‬
‫الرجل‪ :‬قال سبحان اهلل‪ ،‬ويف التّنزيل‪{ :‬ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ}‪.‬‬
‫وس ّبح ّ‬
‫عما‬
‫واصطالحا «قال ابن حجر‪ :‬التّسبيح يعني قول سبحان اهلل‪ ،‬ومعناه‪ :‬تنزيه اهلل ّ‬
‫الرذائل‪.‬‬
‫والصاحبة والولد وجميع ّ‬
‫الشريك ّ‬ ‫ال يليق به من ّ‬
‫كل نقص‪ ،‬فيلزم نفي ّ‬
‫ويطلق التّسبيح ويراد به جميع ألفاظ ّ‬
‫الذكر‪ ،‬وجماع معناه‪ .‬وقال الجرجاينّ‪:‬‬
‫الحق عن نقائص اإلمكان والحدوث»(((‪.‬‬
‫التّسبيح تنزيه ّ‬
‫واآلي�ات تع�رض «بع�ض أدل�ة وج�ود اهلل وتوحي�ده وقدرت�ه‪ ،‬أوله�ا‪ :‬تس�بيح‬
‫المخلوقات‪.‬‬
‫والمعنى‪ :‬ألم تعلم بالدليل الواضح أيها النبي وكل مخاطب أن اهلل ينزهه ويقدسه‬
‫كل م�ن يف الس�ماوات واألرض‪ ،‬من العقلاء وغيرهم‪ ،‬من المالئك�ة واإلنس والجن‬
‫والجم�ادات‪ ،‬والطي�ر باس�طات قابض�ات أجنحتها ح�ال طيراهنا يف جو الس�ماء كيال‬
‫تس�قط‪ .‬والجمهور على أن تس�بيح الطير والجمادات تسبيح حقيقي‪ ،‬ويراد به التعظيم‬
‫والتقديس‪ ،‬وذلك بأسلوب يتفق مع طبيعة هذه المخلوقات‪ ،‬وكل واحد مما ذكر {ﯡ‬
‫ﯢ} اهلل {ﯣ ﯤ}‪ ،‬أي أرشده إلى طريقته ومسلكه يف عبادة اهلل ‪ ،۵‬واهلل تام‬
‫العلم بجميع ذلك‪ ،‬وال يخفى عليه شيء من أفعالهم‪ ،‬وهو مجازيهم عليها‪.‬‬
‫((( فتح الباري (‪ ،)210/11‬والتعريفات للجرجاين (‪.)58‬‬
‫‪215‬‬
‫دراسة موضوعات سورة النور‬
‫واهلل تعالى مالك جميع ما يف السماوات واألرض‪ ،‬وهو الحاكم المتصرف فيهما‪،‬‬
‫بالخلق واإلماتة‪ ،‬وإليه وحده مصير الخالئق ومعادهم يوم القيامة»(((‪.‬‬
‫«تسبيح اهلل هو حيثية اإليمان به كإله‪ ،‬والتسبيح‪ :‬هو التنزيه‪ ،‬وهذا ثابت هلل تعالى‬
‫قبل أن يوجد م ْن َخ ْلقه َم ْن ُي ِّنزهه‪ ،‬والحق سبحانه ُم َّنزه بذاته والصفة كائنة له قبل أن‬
‫الخ ْلق‪.‬‬
‫يخلق الخلق؛ فصفات الكمال يف اهلل تعالى موجودة قبل وجود َ‬
‫لذلك فإن المتتبع لهذه المادة يف القرآن الكريم مادة (سبح) يجدها بلفظ‬
‫(س ْبحان) يف أول اإلسراء‪{ :‬ﭐﭑ ﭒ ﭓ} [اإلسراء‪ ،]1 :‬ومعناها أن التنزيه ثابت‬
‫ُ‬
‫هلل تعالى قبل أن يخلق من ينزهه‪.‬‬
‫ثم بلفظ‪{ :‬ﭐﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ} [الحديد‪ ،]1 :‬بصيغة الماضي‪ ،‬والتسبيح ال‬
‫يكون من اإلنسان فقط‪ ،‬بل من السماوات واألرض‪ ،‬وهي َخ ْلق سابق لإلنسان‪.‬‬
‫ثم يأيت بلفظ‪{ :‬ﭐﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ} [الجمعة‪ ،]1 :‬بصيغة المضارع؛‬
‫ليدل على أن تسبيح اهلل ليس يف الماضي‪ ،‬بل ومستمر يف المستقبل ال ينقطع‪ .‬إذن‪ :‬ما‬
‫دام التسبيح والتنزيه ثابتًا هلل تعالى قبل أن يخلق َم ْن ُي ِّنزهه‪ ،‬وثابتًا هلل من جميع مخلوقاته‬
‫يف السماوات واألرض‪ ،‬فال ت ُك ْن أيها اإلنسان ً‬
‫نشازا يف منظومة الكون‪ ،‬وال تخرج عن‬
‫هذا! بل {ﭐﮟ ﮠ ﮡ ﮢﮣ} [األعلى‪.]1 :‬‬
‫وقوله تعالى‪{ :‬ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ} [اإلسراء‪ ]44 :‬أي‪ :‬ما من شيء‪ ،‬كل ما ُيقال له‬
‫شيء‪ .‬والشيء هو جنس األجناس‪ ،‬فالمعنى أن كل ما يف الوجود ُيس ِّبح بحمده تعالى‪.‬‬
‫قال العلماء‪ :‬أي تسبيح داللة على عظمة التكوين‪ ،‬وهندسة البناء‪ ،‬وحكمة‬
‫الخلق‪ ،‬وهذا يلفتنا إلى أن اهلل تعالى م َّنزه ومت َع ٍ‬
‫ال وقادر‪ ،‬ولكنهم فهموا التسبيح‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫على أنه تسبيح داللة فقط؛ ألهنم لم يسمعوا هذا التسبيح ولم يفهموه‪.‬‬
‫((( التفسير الوسيط للزحيلي (‪.)1759/2‬‬
‫‪216‬‬
‫ا تايآ يف رظنلا ‪:‬ثلاثلا لصفلا‬ ‫ثلاثلا بابلا‬

‫وقد أخرجنا الحق گ من هذه المسألة بقوله‪{ :‬ﮠ ﮡ ﮢ ﮣﮤ}‪.‬‬


‫إذن‪ :‬يوجد تسبيح داللة اً‬
‫فعل‪ ،‬لكنه ليس هو المقصود‪ ،‬المقصود هنا التسبيح‬
‫الحقيقي ك ٌُّل بِ ُلغتِه‪.‬‬

‫فقوله تعالى‪{ :‬ﮠ ﮡ ﮢ ﮣﮤ} يدل على أنه تسبيح فوق تسبيح الداللة‬
‫حقيقي ذايتّ ينشأ بلغة كل جنس من األجناس‪،‬‬
‫ّ‬ ‫الذين آمن بمقتضاه المؤمنون‪ ،‬إنه تسبيح‬
‫وإذا كنا ال نفقه هذا التسبيح‪ ،‬فقد قال تعالى‪{ :‬ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤﯥ} [النور‪.]41 :‬‬

‫آيات تدل‬ ‫ٍ‬


‫شيء يف الوجود َعلِم كيف ُيص ّلي هلل‪ ،‬وكيف ُيس ِّبح هلل‪ ،‬ويف القرآن ٌ‬ ‫ك ُُّل‬
‫بمقالها ورمزيتها على أن كل َعا َل ٍم يف الوجود له لغ ٌة يتفاهم هبا يف ذاته‪ ،‬وقد يتسامى‬
‫الجنس األعلى ليفهم عن الجنس األدنى ُلغته‪ ،‬فكيف نستبعد وجود هذه اللغة لمجرد‬
‫أننا ال نفهمها؟‬
‫َ‬
‫يتحدث به؛ ألن ما تسمعه األذن‬ ‫فإذا لم يسمع اإلنسان اللفظ ال يستطيع أن‬
‫انتقلت اللغة‪ ،‬وك ٌُّل سمع من أبيه‪ ،‬ومن البيئة التي يعيش فيها‪،‬‬
‫ْ‬ ‫يحكيه اللسان‪ ،‬فبالسماع‬
‫فإذا ما سلس ْل َت هذه المسألة ستصل إلى آدم ڠ وهنا يأيت السؤال‪َّ :‬‬
‫ومم ْن سمع آدم‬
‫اللغة التي تكلم هبا؟ وقد ب َّين لنا القرآن الكريم هذه القضية يف قوله تعالى‪{ :‬ﭐﭰ ﭱ‬
‫ﭲ ﭳ} [البقرة‪.]31 :‬‬

‫فكيف نستبعد أننا ال نعلم لغة المخلوقات األخرى من حيوان ونبات وجماد؟ ألم‬
‫ي ْك ِفنا ما أخربنا اهلل به من وجود لغة لجميع المخلوقات‪ْ ،‬‬
‫وإن كنا ال نفهمها؛ ألننا نعتقد‬
‫أن اللغة هي النطق باللسان فقط‪ ،‬ولكن اللغة أوسع من ذلك‪ .‬وهناك‪ :‬لغة اإلشارة‪،‬‬
‫ولغة النظرات‪ ،‬ولغة التلغراف‪..‬‬
‫‪217‬‬
‫دراسة موضوعات سورة النور‬
‫فاللغة ليست اللسان فقط! بل هي استعدا ٌد الصطالحٍ ُي ْفهم و ُيتعارف عليه‪،‬‬
‫ينظر إليه س ّيده نظرة يفهم منها ما يريد‪ ،‬فهذه النظرة َل ْو ٌن من‬ ‫فالخادم اً‬
‫مثل يكفي أن َ‬
‫ألوان األداء‪.‬‬
‫وقد أعطانا الحق تبارك وتعالى إشارات تدل على أن لكل َعا َل ٍم لغ ًة يتفاهم هبا‪،‬‬
‫كما يف قوله تعالى‪{ :‬ﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕ} [األنبياء‪ ،]79 :‬فالجبال ُتس ّبح‬
‫مع داود‪ ،‬و ُتسبِح مع غيره‪ ،‬ولكن المراد هنا أهنا ُتس ّبح معه ويوافق تسبيحها تسبيحه‪،‬‬
‫وفهمت عنه‪.‬‬
‫ْ‬ ‫وكأهنما يف أنشودة جماعية منسجمة‪ .‬فال ُبدَّ أن داود ڠ قد َف ِهم عنها‬
‫وتبسم ضاح ًكا من‬
‫تكلمت أمام سليمان ڠ ففهم كالمها‪َّ ،‬‬
‫ْ‬ ‫وكذلك النملة التي‬
‫منطق ُيس ّبح اهلل به‪ ،‬ولكن‬ ‫قولها‪ .‬وقد ع َّلمه اهلل َ‬
‫منطق الطير‪ .‬فلكل جنس من األجناس ٌ‬
‫ال نفقه هذا التسبيح؛ ألنه تسبيح بلغة ُمؤ ِّدية ُمع ّبرة يتفاهم هبا َم ْن عرف التواضع عليها‪.‬‬
‫وقد جعل الحق گ تنزيهه مطل ًقا ينقاد له الجميع‪ ،‬حتى الكافر ينقاد لتنزيه اهلل‬
‫َق ْه ًرا عنه‪ ،‬مع أن لديه ملك َة االختيار بين الكفر أو اإليمان‪ ،‬لكن أراد الحق سبحانه أن‬
‫يكون تنزيهه ُم ْطل ًقا من الجماد والنبات والحيوان‪ ،‬ومن المؤمن والكافر»(((‪.‬‬
‫تسبيح المخلوقات‪:‬‬
‫أ ّما قوله تعالى‪{ :‬ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ‬
‫إن ّ‬
‫كل ما خلق اهلل يس ّبح‬ ‫ﮢ ﮣﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨﮩ}‪ ،‬قال أبو إسحق‪ :‬قيل ّ‬
‫السقف‪ ،‬وصرير الباب من التّسبيح‪ ،‬فيكون على هذا الخطاب‬ ‫بحمده‪ّ ،‬‬
‫وإن صرير ّ‬
‫للمشركين وحدهم‪{ :‬ﮠﮡﮢﮣﮤ}‪ ،‬وجائز أن يكون تسبيح هذه األشياء بما‬
‫اهلل به أعلم ال نفقه منه إلاّ ما ع ّلمناه‪ ،‬قال‪ :‬وقال قوم {ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ}‪ :‬أي ما‬
‫((( ينظر‪ :‬تفسير الشعراوي (‪ ،)2057‬باختصار‪.‬‬
‫‪218‬‬
‫ا تايآ يف رظنلا ‪:‬ثلاثلا لصفلا‬ ‫ثلاثلا بابلا‬
‫أن اهلل ‪ ۵‬خالقه ّ‬
‫وأن خالقه حكيم مربّأ من األسواء ولكنّكم‪،‬‬ ‫من دا ّبة إلاّ وفيه دليل ّ‬
‫أ ّيها الك ّفار‪ ،‬ال تفقهون أثر ّ‬
‫الصنعة يف هذه المخلوقات‪ ،‬قال أبو إسحاق‪ :‬وليس هذا‬
‫السماء واألرض‬
‫أن اهلل خالقهم وخالق ّ‬ ‫ألن ا ّلذين خوطبوا هبذا كانوا ّ‬
‫مقرين ّ‬ ‫بشيء؛ ّ‬
‫ومما يد ّلك على‬
‫األزهري‪ّ :‬‬
‫ّ‬ ‫ومن فيه ّن‪ ،‬فكيف يجهلون الخلقة وهم عارفون هبا؟‪ .‬قال‬
‫ّ‬
‫أن تسبيح هذه المخلوقات تسبيح تع ّبدت به قول اهلل ‪ ۵‬للجبال‪{ :‬ﭐﮊ ﮋ ﮌ‬
‫ﮍ} [سبأ‪ ،]10 :‬ومعنى ّأوبي س ّبحي مع داود النّهار ك ّله إلى ال ّليل‪ ،‬وال يجوز أن يكون‬
‫معنى أمر اهلل ‪ ۵‬للجبال بالتّأويب إلاّ تع ّبدا لها‪ ،‬وكذلك قوله تعالى‪{ :‬ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ‬
‫ﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅ‬
‫ﮆ ﮇ} [الحج‪ ،]18 :‬فسجود هذه المخلوقات عبادة منها لخالقها ال نفقهها عنها كما‬
‫ال نفقه تسبيحها‪ ،‬وكذلك قوله‪{ :‬ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ‬
‫ﮯ ﮰ ﮱﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ} [البقرة‪ ،]74 :‬وقد علم اهلل هبوطها من‬
‫يعرفنا ذلك فنحن نؤمن بما أعلمنا‪ ،‬وال ندّ عي بما ال نك ّلف بأفهامنا من‬
‫خشيته ولم ّ‬
‫علم فعلها كيف ّية نحدّ ها»(((‪.‬‬
‫«واعلم أنه إما أن يكون المراد من التسبيح داللة هذه األشياء على كونه تعالى‬
‫منزها عن النقائص موصوفا بنعوت الجالل‪ ،‬وإما أن يكون المراد منه أهنا تنطق‬
‫بالتسبيح وتتكلم به‪ ،‬وإما أن يكون المراد منه يف حق البعض الداللة على التنزيه ويف‬
‫حق الباقين النطق باللسان‪ ،‬والقسم األول أقرب ألن القسم الثاين متعذر‪ ،‬ألن يف‬
‫األرض من ال يكون مكلفا ال يسبح هبذا المعنى‪ ،‬والمكلفون منهم من ال يسبح أيضا‬
‫هبذا المعنى كالكفار»(((‪.‬‬
‫(( ( نضرة النعيم (‪.)980/3‬‬
‫((( التفسير الكبير ‪ -‬الرازي (‪.)401/24‬‬
‫‪219‬‬
‫دراسة موضوعات سورة النور‬

‫«وجملة‪{ :‬ﯦ ﯧ ﯨ ﯩﯪ} تذييل‪ ،‬وهـو إعـالم بسعـة علـم اهلل تعالى‬
‫الشامل للتسبيح وغيره من األحوال‪ ،‬واإلتيان بضمير جمع العقالء تغليب»(((‪.‬‬

‫((( التحرير والتنوير (‪.)259/18‬‬


‫‪220‬‬
‫ا تايآ يف رظنلا ‪:‬ثلاثلا لصفلا‬ ‫ثلاثلا بابلا‬

‫‪ ‬املبحث الثاني‬
‫التذكري بالرجوع إىل اهلل‬

‫ثم عقب اهلل تعالى على هذا المشهد بقوله‪{ :‬ﯫ ﯬ ﯭ ﯮﯯ ﯰ ﯱ‬


‫ﯲﯳ} أي‪« :‬واهلل تعالى مالك جميع ما يف السماوات واألرض‪ ،‬وهو الحاكم‬
‫المتصرف فيهما‪ ،‬بالخلق واإلماتة‪ ،‬وإليه وحده مصير الخالئق ومعادهم يوم القيامة»(((‪.‬‬
‫وجميع المخلوقات تحت ملكه يتصرف‬
‫ُ‬ ‫«أي‪ :‬هو المالك والمتصرف يف الكون‪،‬‬
‫فيهم تصرف القاهر الغالب»(((‪.‬‬
‫«تحقيق لما دل عليه الكالم السابق من إعطائه الهدى للعجماوات يف شؤونه‪،‬‬
‫وحرمانه إياه فريقا من العقالء! فلو كان ذلك جاريا على حسب االستحقاق لكان‬
‫هؤالء أهدى من الطير يف شأهنم‪.‬‬
‫وتقديم المعمولين لالختصاص‪ ،‬أي أن التصرف يف العوالم هلل ال لغيره‪.‬‬
‫ويف هذا انتقال إلى داللة أحوال الموجودات على تفرد اهلل تعالى بالخلق»(((‪.‬‬
‫«هذه المخلوقات لها علمها الذي تعمل به‪ ،‬وأن هلل گ علمه‪ ،‬المحيط بعلمها‬
‫وعملها جميعا! فقوله تعالى‪{ :‬ﯫ ﯬ ﯭ ﯮﯯ ﯰ ﯱ ﯲﯳ} هو تأكيد‬
‫لعلم اهلل بعلم المخلوقات‪ ،‬وبعملها‪ ..‬إذ هو علم متمكن‪ ،‬ألنه علم الخالق لما خلق‪،‬‬
‫ومعرفة المالك لما ملك‪ ..‬فقد يعلم اإلنسان الشيء وال يملكه وال يقدر على التصرف‬
‫فيه بمقتضى ما يعلم منه‪ ..‬أما علم اهلل فهو علم المالك لما ملك‪ ،‬يتصرف فيه كيف‬
‫(( ( التفسير الوسيط للزحيلي (‪.)1759/2‬‬
‫((( صفوة التفاسير (‪.)314/2‬‬
‫((( التحرير والتنوير (‪.)259/18‬‬
‫‪221‬‬
‫دراسة موضوعات سورة النور‬
‫يشاء‪ ،‬بما يقضى به علمه‪ ،‬وحكمته‪ ،‬وإرادته»(((‪.‬‬
‫«فلما ب َّين عبوديتهم وافتقارهم إليه ‪-‬من جهة العبادة والتوحيد‪ -‬بين افتقارهم‪،‬‬
‫من جهة الملك والرتبية والتدبير فقال‪{ :‬ﯫ ﯬ ﯭ ﯮﯯ} خالقهما ورازقهما‪،‬‬
‫والمتصرف فيهما‪ ،‬يف حكمه الشرعي والقدري يف هذه الدار‪ ،‬ويف حكمه الجزائي‪ ،‬بدار‬
‫القرار‪ ،‬بدليل قوله‪{ :‬ﯫ ﯬ ﯭ ﯮﯯ ﯰ ﯱ ﯲﯳ} أي‪ :‬مرجع الخلق‬
‫ومآلهم‪ ،‬ليجازيهم بأعمالهم»(((‪.‬‬
‫«{ﯰ ﯱ ﯲﯳ} أي‪ :‬يوم القيامة‪ ،‬فيحكم فيه بما يشاء؛ {ﭐﮓ ﮔ ﮕ‬
‫ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛﮜ} [النجم‪ ،]31 :‬فهو الخالق المالك‪ ،‬أال له الحكم يف‬
‫الدنيا واألخرى‪ ،‬وله الحمد يف األولى واآلخرة؟!»(((‪ ،‬أي‪« :‬وإليه المرجع والمآب‪،‬‬
‫وهو سريع الحساب‪ ،‬وسيجزي كل عامل بعمله‪ ،‬إن خيرا فخير‪ ،‬وإن شرا فشر»(((‪.‬‬
‫«وهو تذكير يتضمن الوعيد»(((‪.‬‬
‫«وىف قوله تعالى‪{ :‬ﯰ ﯱ ﯲﯳ} تأكيد للملكية‪ ،‬وأهنا ملكية ال تخرج عن‬
‫سلطان المالك أبدا‪ ،‬ال كملكية المالكين لما يملكون‪ ،‬إذ أن كل ما يملكه اإلنسان‬
‫مقضى عليه بالفراق بينه وبين ما ملك‪ ،‬إما بأن يستهلكه يف‬
‫ّ‬ ‫من شيء‪ ،‬هو ذاهب عنه‪،‬‬
‫حياته‪ ،‬وإ ّما بأن يموت عنه‪ ،‬ويخ ّلفه وراءه لمن يرثه من بعده‪ ..‬أ ّما ملكية اهلل گ لهذا‬
‫الوجود وما فيه‪ ،‬فهو ملك ال يخرج من يد المالك أبدا‪ ،‬مهما تحولت أحواله‪ ،‬وتبدّ لت‬
‫صوره وأشكاله‪ ،‬فالمالكون‪ ،‬وما يملكون صائرون جميعا إلى اهلل‪« .(((»..‬وأما قوله‪:‬‬
‫التفسير القرآين للقرآن (‪.)1298/9‬‬ ‫(( (‬
‫تيسير الكريم الرحمن‪ -‬السعدي (‪.)570‬‬ ‫((( ‬
‫تفسير القرآن العظيم‪ -‬ابن كثير (‪.)72/6‬‬ ‫((( ‬
‫تفسير القرآن العظيم‪ -‬ابن كثير (‪.)542/6‬‬ ‫((( ‬
‫صفوة التفاسير (‪.)314/2‬‬ ‫((( ‬
‫التفسير القرآين للقرآن (‪.)1298/9‬‬ ‫((( ‬
‫‪222‬‬
‫ا تايآ يف رظنلا ‪:‬ثلاثلا لصفلا‬ ‫ثلاثلا بابلا‬

‫{ﯰ ﯱ ﯲﯳ} فهو عبارة تامة يف معرفة المعاد‪ ،‬وهو أنه ال بد من مصير الكل‬
‫إليه سبحانه»(((‪.‬‬
‫بث ال ّله فيهما من‬
‫«والخالصة‪ :‬إن عظمة الكون‪ ،‬وإبداع السموات واألرض‪ ،‬وما ّ‬
‫كائنات حية وجامدة‪ ،‬وروعة ما نشاهده من تركيب اإلنسان‪ ،‬وتنوع عالم الحيوان يف‬
‫الرب والبحر والجو‪ ،‬وما يقوم به أضخم الحيوان وأصغره‪ ،‬وتفنّن النحل يف بناء البيوت‬
‫وتكوين العسل‪ ،‬وحيل العناكب الضعيفة يف اصطياد الحشرات‪ ،‬وعجائب أعمال‬
‫الرب يف المخلوقات إيجادا وإعداما‪ ،‬بدءا وإعادة‪ ،‬كل ذلك دليل‬
‫الطيور‪ ،‬وتصرف ّ‬
‫والرب الواحد المتصرف‪ ،‬الذي ال‬
‫قاطع محسوس على وجود اإلله الخالق المبدع‪ّ ،‬‬
‫رب سواه‪ ،‬وال معبود بحق غيره‪.‬‬
‫ّ‬
‫هذا أول دليل كوين على وجود ال ّله وقدرته ووحدانيته‪ ،‬وهو شامل لعدة أدلة‪ ،‬كل‬
‫دليل منها كاف وحده يف تكوين القناعة‪ ،‬ويمكن تصنيف ما ذكر يف اآليتين األوليين يف‬
‫دليلين إجماليين‪ :‬دليل العبودية يف العالمين العلوي والسفلي‪ ،‬ودليل الملك المطلق‬
‫ووحدة مصير الخالئق إلى ال ّله تعالى»(((‪.‬‬

‫(( ( التفسير الكبير ‪ -‬الرازي (‪.)402/24‬‬


‫((( التفسير المنير ‪ -‬الزحيلي (‪.)272/18‬‬
‫‪223‬‬
‫دراسة موضوعات سورة النور‬

‫‪ ‬املبحث الثالث‬
‫السماء والسحاب وما فيهما‬

‫ثم يأيت المشهد الثاين من مشاهد التفكر يف مخلوقات اهلل تعالى‪:‬‬


‫فيقول اهلل تعالى‪{ :‬ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ‬
‫ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔﰕ ﰖ ﰗ ﰘ ﰙ‬
‫ﰚﰛ}‪.‬‬
‫وهذا مشهد أيضا متكرر يذكرنا اهلل به ويلفت أنظارنا إلى التفكر فيه‪ ،‬وأ ّ‬
‫ال يمر‬
‫علينا هكذا مع كثرة األلفة بدون تذكر وال تدبر‪ ،‬فيقول اهلل تعالى‪« :‬ألم تشاهد ببصرك‬
‫عظيم قدرة اهلل تعالى وكيف أنه يسوق السحاب قطعا متفرقة ثم يؤلف بين تلك القطع‪،‬‬
‫فيجعله سحابا مرتاكما مثل الجبال‪ ،‬فرتى المطر يخرج من خالل تلك السحب نق ًطا‬
‫متفرقة ليحصل هبا االنتفاع من دون ضرر‪ ،‬فتمتلئ بذلك الغدران‪ ،‬وتتدفق الخلجان‬
‫وتسيل األودية‪ ،‬تنبت األرض من كل زوج كريم»(((‪.‬‬
‫«يذكر تعالى أنه بقدرته يسوق السحاب أول ما ينشئها وهي ضعيفة‪ ،‬وهو‬
‫اإلزجاء‪{ :‬ﭐﯺ ﯻ ﯼ} أي‪ :‬يجمعه بعد تفرقه‪{ ،‬ﯽ ﯾ ﯿ} أي‪ :‬مرتاكما‪ ،‬أي‪:‬‬
‫يركب بعضه بعضا‪{ ،‬ﭐﰀ ﰁ} أي‪ :‬المطر‪{ ،‬ﭐﰂ ﰃ ﰄ} أي‪ :‬من خلله‪.‬‬
‫قال عبيد‪ ‬بن عمير الليثي‪ :‬يبعث اهلل المثيرة فتقم األرض قما‪ ،‬ثم يبعث اهلل‬
‫الناشئة فتنشئ السحاب‪ ،‬ثم يبعث اهلل المؤلفة فتؤلف بينه‪ ،‬ثم يبعث اهلل اللواقح فتلقح‬
‫السحاب»(((‪.‬‬
‫(( ( تيسير الكريم الرحمن‪-‬السعدي (‪.)519‬‬
‫((( تفسير القرآن العظيم‪ -‬ابن كثير (‪ )72/6‬باختصار‪.‬‬
‫‪224‬‬
‫ا تايآ يف رظنلا ‪:‬ثلاثلا لصفلا‬ ‫ثلاثلا بابلا‬
‫«يف هذه اآلية عرض محسوس لقدرة اهلل‪ ،‬بعد هذا العرض غير المحسوس‪ ،‬الذي‬
‫جاءت به اآلية السابقة‪ ،‬من النظر المطلق الشامل للوجود كله‪ ،‬وما قام عليه من نظام‪..‬‬
‫ويف هذا العرض‪ ،‬إلفات إلى ظاهرة من ظواهر الطبيعة‪ ،‬التي يشهدها الناس‬
‫جميعا يف كل زمان‪ّ ،‬‬
‫وكل مكان‪..‬‬
‫فهذه السحب التي تنطلق يف مواكب متدافعة يف جو السماء‪ ،‬كأهنا جيوش غازية‪،‬‬
‫تزحف إلى ميدان القتال‪ ،‬أو ترتاكض عائدة من المعركة محملة بالغنائم واألسالب‪-‬‬
‫هذه السحب‪ :‬من أنشأها؟ ومن سيرها؟ ومن حدّ د لها خط مسيرها؟ ومن وقف هبا عند‬
‫غاية معلومة لها؟‬
‫أال فليعلم من لم يكن يعلم‪ ،‬أن اهلل گ‪ ،‬هو الذي أنشأها‪ ،‬وسيرها‪ ،‬وحدّ د لها‬
‫وجهتها‪ ،‬وأمسك هبا عند الغاية المحددة لها‪.‬‬
‫الريح يف‬
‫فهذه صور ثالث‪ ،‬لمشاهد السحاب؛ ُيولد أوال دخانا رقيقا‪ ،‬ثم يدفعه ّ‬
‫خفة ويسر‪ ،‬ثم يجتمع هذا السحاب بعضه إلى بعض‪ ،‬فيتكاثف شيئا فشيئا‪ ،‬ثم يتدافع‬
‫هذا السحاب‪ ،‬ويدخل بعضه يف بعض‪ ،‬فإذا هو ركام‪ ،‬أشبه باآلكام‪ ،‬أو الجبال‪.‬‬
‫ويف قوله تعالى‪{ :‬ﭐﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ} إلفات إلى مولد المطر من هذا‬
‫السحاب‪ ،‬وتحلبه من خالله‪ ،‬كما يتح ّلب اللبن من الضرع‪.‬‬
‫وليس يدرك سر هذه اللفتة إلى قطرات الماء‪ ،‬وهى تتساقط من السحاب‪ ،‬إلاّ من‬
‫عاش يف الصحراء‪ ،‬وشهد آثار الماء حين ينزل إلى األرض‪ ،‬ويبعث الحياة والحركة‬
‫يف جمادها ونباهتا‪ ،‬وحيواهنا‪ ،‬إهنا عملية خلق‪ ،‬وبعث جديدين‪ ،‬لهذا الجسد الكبير‬
‫الهامد؛ ثم هو بعد ذلك عرس رائع‪ ،‬تحتشد له األحياء‪ ،‬وتنطلق من كياهنا نشوات‬
‫البهجة والحبور‪ ،‬يف أهازيج‪ ،‬وأناشيد‪ ،‬وزغاريد‪:‬‬
‫عبقري بالتسبيح والحمد هلل رب العالمين‪.‬‬
‫ّ‬ ‫يتألف منها لحن‬
‫‪225‬‬
‫دراسة موضوعات سورة النور‬
‫حقائق تصل هذه القطعة من الطبيعة بالوجود كله‪ ،‬ثم تضيف هذا الوجود إلى‬
‫نبي! ومن؟ إنه سيد األنبياء‪ ،‬وخاتم المرسلين‪،‬‬
‫المصور! وإليك نظرة ّ‬
‫ّ‬ ‫الموجد‪ ،‬المبدع‪،‬‬
‫محمد‪ ‬بن عبداهلل‪ ،‬صلوات اهلل وسالمه عليه‪ .‬عن أنس ﭬ قال‪ :‬أصابنا ونحن مع‬
‫مطر‪ ،‬قال‪ :‬فحسر رسول‪ ‬اهلل ﷺ ثوبه‪ ،‬حتى أصابه من المطر‪ ،‬فقلنا‬
‫رسول‪ ‬اهلل ﷺ ٌ‬
‫يا رسول‪ ‬اهلل‪ :‬لم صنعت هذا؟ قال‪« :‬ألنه حديث عهد بربه تعالى»(((‪ ،‬أي‪ :‬إنه رحمة‬
‫مرسلة من عند اهلل؛ رحمة محسوسة ملموسة‪ ،‬ترى بالعين‪ ،‬وتلمس باليد‪ ،‬وتذاق‬
‫المنزل من السماء‪،‬‬
‫ّ‬ ‫باللسان! فمن أراد أن يشهد رحمة اهلل عيانا‪ ،‬فهي يف هذا الماء‬
‫صافيا طاهرا‪ ،‬لم يعلق به شيء من أخالط األرض‪ ،‬إنه يف طهر المواليد التي تلدها‬
‫الحياة‪ ،‬من إنسان أو حيوان أو نبات!»(((‪.‬‬
‫{ﰅ ﰆ ﰇ} «السما ُء يف اللغة‪ :‬ما َعلاَ وارتفع‪ ،‬ومنه يقال للسحاب‪ :‬سما ٌء‪،‬‬
‫وللفضاء والسقف‪ :‬سماء‪ ،‬وللرفعة المعنوية‪ :‬سماء‪ ،‬ولفظ السماء ُي َذكّر ويؤنث‪،‬‬ ‫ِ‬

‫والمراد به يف اآلية‪ :‬إِما السحاب‪ ،‬وإِ َّما الفضا ُء فكالهما يشتمل على جبال الركام التي‬
‫ينزل منها ال َب َرد‪ ،‬كما هو صريح النص‪.‬‬
‫وإِطالق لفظ الجبال على الركام من باب التشبيه البليغ؛ فإن السحب الركامية‬
‫تشبه الجبال يف ضخامتها وارتفاعها»(((‪.‬‬
‫«وتارة ينزل اهلل من ذلك السحاب بردا يتلف ما يصيبه»(((‪:‬‬

‫أخرجه مسلم كتاب صالة االستسقاء باب الدعاء يف االستسقاء (‪ ،)898‬زاد يف رواية أبي داود‬ ‫((( ‬
‫وأحمد‪( :‬فخرج رسول‪ ‬اهلل ﷺ فحسر ثوبه) أبو داود كتاب األدب باب ما جاء يف المطر (‪)5100‬‬
‫وأحمد يف المسند (‪ )12388‬و(‪.)13847‬‬
‫التفسير القرآين للقرآن (‪ )1301-1299/9‬باختصار‪.‬‬ ‫(( (‬
‫التفسير الوسيط‪-‬طنطاوي (‪.)1442/6‬‬ ‫((( ‬
‫تيسير الكريم الرحمن‪-‬السعدي (‪.)519‬‬ ‫((( ‬
‫‪226‬‬
‫ا تايآ يف رظنلا ‪:‬ثلاثلا لصفلا‬ ‫ثلاثلا بابلا‬

‫«{ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ} ومعناه‪ :‬أن يف السماء جبال برد ينزل اهلل منها الربد‪ .‬وأما من‬
‫جعل الجبال ههنا عبارة عن السحاب‪ ،‬فإن (من) الثانية عند هذا البتداء الغاية أيضا‪،‬‬
‫لكنها بدل من األولى‪ ،‬واهلل أعلم»(((‪.‬‬
‫«قوله تعالى‪{ :‬ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ} أي‪ :‬وينزل من جبال يف السماء‪،‬‬
‫وهى السحب المرتاكمة‪ -‬بردا‪ ،‬وهو قطع الثلج‪.‬‬
‫فقوله تعالى‪{ :‬ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ} بدل من السماء؛ إشارة إلى أن هذه السحب‬
‫نعمة‪ -‬يمكن أيضا أن تكون مصدر ٍ‬
‫نقمة‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫التي ينزل منها الماء‪ - ،‬وإن كانت مصدر‬
‫حين ينزل منها هذا الربد‪ ،‬وكأنه قطع من األحجار‪ ،‬تتساقط من الجبال‪ ،‬فتهلك كل‬
‫من تقع عليه‪ ،‬وكأهنا هبذه العقوبة الراصدة إلى جانب تلك النعمة الكربى المنزلة‬
‫من السماء‪ -‬مرصود ٌة ليؤخذ هبا كل من يكفر هبذه النعم‪ ،‬وال يضيفها إلى المنعم هبا‪،‬‬
‫ويسبح بحمده‪ ،‬ويشكر له‪.(((»..‬‬
‫«وقوله‪{ :‬ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ} يحتمل أن يكون المراد بقوله‪:‬‬
‫{ﰍ ﰎ} أي‪ :‬بما ينزل من السماء من نوعي الربد والمطر فيكون قوله‪{ :‬ﰍ ﰎ‬
‫ﰏ ﰐ} رحمة لهم‪{ ،‬ﰑ ﰒ ﰓ ﰔﰕ} أي‪ :‬يؤخر عنهم الغيث‪.‬‬
‫ويحتمل أن يكون المراد بقوله‪{ :‬ﰍﰎ} أي‪ :‬بالربد نقمة على من يشاء لما فيه‬
‫من نثر ثمارهم وإتالف زروعهم وأشجارهم‪ .‬ويصرفه عمن يشاء أي‪ :‬رحمة هبم»(((‪.‬‬
‫«وقوله تعالى‪{ :‬ﰍ ﰎ ﰏﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ} أي‪ :‬أن هذا الربد الذي تحمله‬
‫السحب بين يديها‪ ،‬ال نرمى به هكذا من غير حساب‪ ،‬بل هو مملوك بيد القدرة القادرة‪،‬‬
‫(( ( تفسير القرآن العظيم‪ -‬ابن كثير (‪.)73/6‬‬
‫((( التفسير القرآين للقرآن (‪ )1302-1301/9‬باختصار‪.‬‬
‫((( تفسير القرآن العظيم‪ -‬ابن كثير (‪.)73/6‬‬
‫‪227‬‬
‫دراسة موضوعات سورة النور‬
‫فيقع حيث أراد اهلل أن يقع‪ ،‬ويصرف عمن أراده اهلل سبحانه أن يصرفه عنه‪ ،‬من نبات‪،‬‬
‫وحيوان‪ ،‬وإنسان‪.(((»..‬‬
‫«وقوله‪{ :‬ﰖ ﰗ ﰘ ﰙ ﰚﰛ} أي‪ :‬يكاد ضوء برقه من شدته يخطف‬
‫األبصار إذا اتبعته وتراءته»(((‪..‬‬
‫«{ﰖ ﰗ ﰘ ﰙ ﰚﰛ} أي‪ :‬يكاد ضوء برق ذلك السحاب من شدته‬
‫يذهب باألبصار»(((‪ ،‬فيجمع بين إتالف الربد للموجودات والممتلكات والبشر وبين‬
‫إخافة الرائي له إخافة تخطف العيون من محاجرها نسأل اهلل العفو والعافية‪.‬‬
‫«وىف قوله تعالى‪{ :‬ﰖ ﰗ ﰘ ﰙ ﰚﰛ} ٌ‬
‫لون جديدٌ تكمل به صورة‬
‫هذا العذاب الواقع مع الربد المتساقط كاألحجار‪ ،‬فهذا الربد يحمل معه الصواعق‬
‫أعز وأقوى‬
‫المهلكة‪ ،‬والنار المحرقة‪ ،‬وإن كان ماء! فما أعظم قدرة القادر‪ ،‬وما ّ‬
‫سلطانه!!»(((‪.‬‬

‫التفسير القرآين للقرآن (‪.)1302/9‬‬ ‫(( (‬


‫تفسير القرآن العظيم‪ -‬ابن كثير (‪.)73/6‬‬ ‫((( ‬
‫تيسير الكريم الرحمن‪-‬السعدي (‪.)519‬‬ ‫((( ‬
‫التفسير القرآين للقرآن (‪.)1302/9‬‬ ‫((( ‬
‫‪228‬‬
‫ا تايآ يف رظنلا ‪:‬ثلاثلا لصفلا‬ ‫ثلاثلا بابلا‬

‫‪ ‬املبحث الرابع‬
‫الليل والنهار وتقليبهما‬

‫ولكن‬
‫ًّ‬ ‫ثم يأتي المشهد الثالث‪ :‬من بديع صنع اهلل‪ ،‬هذا المشهد الذي نراه كل يوم‪،‬‬
‫ِ‬
‫العقول‪ ،‬وإِ َلف المشهد جعلنا ال نستشعر عظيم خلق اهلل تعالى‪ ،‬يقول تعالى‪:‬‬ ‫تبلدَ‬
‫{ﭑ ﭒ ﭓ ﭔﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ}‪.‬‬
‫«{ﭑ ﭒ ﭓ ﭔﭕ} َأي‪ُ :‬ي َص ِّرفهما بالمعاقبة بينهما‪َ ،‬أو بنقص أحدهما‪،‬‬
‫وزيادة اآلخر‪َ ،‬أو بتغيير َأحوالهما بالحر والربد‪ ،‬والمظلمة والنور‪ ،‬أو بما يعم ذلك‬
‫كله»(((‪.‬‬
‫«وقوله‪{ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ} أي‪ :‬يتصرف فيهما‪ ،‬فيأخذ من طول هذا يف قصر‬
‫هذا حتى يعتدال ثم يأخذ من هذا يف هذا‪ ،‬فيطول الذي كان قصيرا‪ ،‬ويقصر الذي كان‬
‫طويال‪ .‬واهلل هو المتصرف يف ذلك بأمره وقهره وعزته وعلمه»(((‪.‬‬
‫«{ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ} من حر إلى برد‪ ،‬ومن ليل إلى هنار‪ ،‬ومن هنار إلى ليل‪،‬‬
‫و ُي ُ‬
‫ديل األيام بين عباده‪ ،‬وهذا كله عربة لذوي العقول النافذة لألمور المطلوبة منها‪،‬‬
‫فالبصير ينظر إلى هذه المخلوقات نظر اعتبار وتفكر وتدبير لما أريد هبا ومنها‪،‬‬
‫والمعرض الجاهل نظره إليها نظر غفلة بمنزلة نظر البهائم»(((‪ ،‬فسبحان من يقلب‬
‫الليل والنهار لمصالح العباد والحيوان والنبات‪.‬‬
‫ب الدهر وأنا‬
‫قال عليه الصالة والسالم‪« :‬قال اهلل تعالى‪ُ :‬ي ْؤذيني ابن آدم‪َ ،‬ي ُس ُّ‬
‫(( ( التفسير الوسيط‪-‬طنطاوي (‪.)1444/6‬‬
‫((( تفسير القرآن العظيم‪ -‬ابن كثير (‪.)73/6‬‬
‫((( تيسير الكريم الرحمن‪-‬السعدي (‪.)519‬‬
‫‪229‬‬
‫دراسة موضوعات سورة النور‬

‫الدهر‪ ،‬بيدي األمر‪ُ ،‬أ َق ِّل ُ‬


‫ب الليل والنهار»(((‪ ،‬ويف رواية مسلم‪« :‬أقلب ليله ونهاره فإذا‬
‫شئت قبضتهما»‪.‬‬
‫«{ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ} أي‪ :‬لدليال على عظمته تعالى‪ ،‬كما قال اهلل‬
‫تعالى‪{ :‬ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓﮔ}‬
‫[آل‪ ‬عمران‪ .]190 :‬وما بعدها من اآليات الكريمات»(((‪.‬‬
‫ص أولو األبصار باالتعاظ؛ ألن البصر والبصيرة إذا‬ ‫«عربة؛ أي‪ :‬اتعاظا‪َ .‬‬
‫وخ َّ‬
‫استعمال وصال إلى إدراك الحق‪ .‬كقوله‪{ :‬ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ} [الرعد‪.(((»]19 ‬‬
‫«إن هذه العربة التي يعترب هبا أولي األبصار من تقلب الليل والنهار هي التفكر يف‬
‫أعمارنا وحياتنا يف هذه الدنيا‪ ،‬وكأن كل هنار‪ ،‬وكل ليل يناديك‪ :‬تزود من حياتك فهي‬
‫تمر وال تعود»(((‪.‬‬
‫«أما قوله تعالى‪{ :‬ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ} فالمعنى‪ :‬أن فيما تقدم ذكره‬
‫داللة لمن يرجع إلى بصيرة‪ ،‬فمن هذا الوجه يدل أن الواجب على المرء أن يتدبر‬
‫ويتفكر يف هذه األمور‪ ،‬ويدل أيضا على فساد التقليد»(((‪.‬‬
‫يبين الحق تبارك وتعالى حرمة هذه الفوضى بشكل أدق حين يذكر بنعمة الوقت‪،‬‬
‫فيقول‪{ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ}‪َّ ،‬‬
‫إن اهلل حين يذكرنا بالنظر‬
‫يعرف الناس بطبيعة الكون الذي يعيشون فيه‪ ،‬وخصائصه‪ ،‬وارتباطه‬
‫للكون وآياته‪ّ :‬‬
‫أخرجه البخاري كتاب التفسير‪ ،‬باب سورة الجاثية (‪ ،)4826‬ومسلم كتاب األلفاظ‪ ،‬باب النهي عن‬ ‫((( ‬
‫سب الدهر (‪.)2246‬‬
‫تفسير القرآن العظيم‪ -‬ابن كثير (‪.)73/6‬‬ ‫(( (‬
‫البحر المحيط (‪.)59/8‬‬ ‫((( ‬
‫من لطائف التفسير (‪.)443/2‬‬ ‫((( ‬
‫التفسير الكبير‪ -‬الرازي (‪.)406/24‬‬ ‫((( ‬
‫‪230‬‬
‫ا تايآ يف رظنلا ‪:‬ثلاثلا لصفلا‬ ‫ثلاثلا بابلا‬
‫بخالقه‪ ،‬وداللته على خالقه‪ ،‬واستعداده لنشأة الحياة فيه واألحياء‪ ،‬وتسخيره لهم‬
‫ٍ‬
‫أسلوب مفهو ٍم للفطرة‪ ،‬مفهو ٍم للعقل‪ ،‬يجد مصداقه يف الواقع‬ ‫بإذن اهلل… الخ‪ .‬يف‬
‫المحسوس‪ ،‬كما يجد مصداقه يف الفطرة المكنونة‪ُ ،‬ي َع ِّر ُفهم به على نطاق واسع‪،‬‬
‫ويدعوهم لمعرفته‪ ،‬وإدراك أسراره‪ ،‬وكيفية التعامل معه معامله صحيحة‪ ،‬ناشئة عن‬
‫ذلك اإلدراك والتعارف والتجاوب‪.‬‬
‫َّ‬
‫إن اهلل يقسم أرزاق الناس ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس‪ ،‬إذ أن الجادين‬
‫والكسالى يتميزون يف هذا الوقت‪ ،‬فيعطى كل امرئ حسب استعداده‪ ،‬من خير الدنيا‬
‫واآلخرة‪ .‬وكما أن الزمن يستغرق التكاليف التي نيطت بأعناق العباد‪ ،‬فهو يستوعب‬
‫األقضية التي يرسلها اهلل على الناس من خير وشر‪ ،‬وهى أقضية تفيض بالعظات‬
‫الحقة‪ ،‬والدروس القيمة لمن يلقى إليها باله‪{ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ‬
‫ﭛﭜ}‪ ،‬والناس ينظرون إلى األحداث ويذهلون عن مرسلها‪ ،‬ويذوقون السراء‬
‫والضراء‪ ،‬ويجهلون من يذيقهم طعومهما‪ ،‬فإذا ضاقوا ذرعا بأمر ما‪ ،‬لعنوا األيام وما‬
‫تفد به‪ ،‬وهذا ضرب من الجهل باهلل‪ ،‬والغفلة عن أقداره يف عباده‪.‬‬
‫َّ‬
‫إن ربنا يحرك الكون كله فتتغير المشاهد‪ ،‬ويتغير ماحولنا لكي ال نمل‪ ،‬ولنستمر يف‬
‫اإلبصار واالعتبار‪{ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ}‪ ،‬فأطلق البصر‬
‫نظرا إلى أسفل القدمين‪ ،‬فلم‬
‫إلى األمام وانظر يف ملكوت السماوات واألرض‪ ،‬وكفى ً‬
‫نُخلق للطين‪ ،‬بل ُخلِقنا ألمر عظيم آخره الخلود والنعيم {ﭐﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ‬
‫ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴﯵ} [الملك‪.]22 :‬‬
‫‪231‬‬
‫دراسة موضوعات سورة النور‬

‫‪ ‬املبحث اخلامس‬
‫الدواب خلقها وسعيها‬

‫ثم يأتي المشهد الرابع‪ :‬يتأمل فيه العبد كيف خلق اهلل گ الدواب على األرض‪،‬‬
‫وعلى أي صورة خلقها اهلل تعالى‪{ :‬ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ‬
‫ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﭿ}‪.‬‬
‫قرأ حمزة والكسائي‪{ :‬ﭝﭚ ﭗ ﭠ ﭡ ﭢ} على صيغة‪ :‬فاعل وهو مضاف‬
‫يشتَمل على ما مضى وما يحدث مِ َّما‬‫إلى ما بعده‪ ،‬فيكون {ﭐﭚ} َأعم وأجمع‪ ،‬ألَنَّه ْ‬
‫هو كَائِن‪ ،‬ويدُ ل عليه قوله‪{ :‬ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ} [األنعام‪.]102 ‬‬
‫وقرأ الباقون‪{ :‬ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ} فيكون المقصود من ذلك التنبيه على‬
‫االعتبار بما بعد الفعل من المخلوقات‪ ،‬وإذا كان ذلك كذلك فأكثر ما يتأتى فيه الفعل‬
‫على َف َعل‪ ،‬وهذا الموضع موضعه؛ كما قال تعالى‪{ :‬ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ‬
‫ﭜ} [النساء‪ ،]1 ‬وقال‪{ :‬ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱ} [الفرقان‪ ،]2 ‬فنبههم بذلك أن‬
‫يعتربوا ويتفكروا يف قدرته‪ ،‬فكذلك قوله‪{ :‬ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ}(((‪.‬‬
‫فاآلية تخرب عن قدرة اهلل العظيمة يف خلقه ألنواع المخلوقات على اختالف‬
‫أشكالها وألواهنا‪ ،‬وحركاهتا وسكناهتا‪ ،‬فكل الدواب على األرض خلقها اهلل من ماء‬
‫مع تنوع أصنافها‪ ،‬ودلت اآلية أن أصل الحياة يف الكون كما تؤكده اآليات واألحاديث‬
‫هو الماء‪ ،‬وهذا يتضمن التأكيد على أن الحياة ناشئة بإرادة اهلل من أصل واحد هو‬
‫الماء؛ {ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ} [األنبياء‪ ،]30 :‬فالحيوانات التي تتوالد مادهتا ماء‪،‬‬
‫((( ينظر‪ :‬حجة القراءات‪ -‬ابن زنجلة (ص‪.)502‬‬
‫‪232‬‬
‫ا تايآ يف رظنلا ‪:‬ثلاثلا لصفلا‬ ‫ثلاثلا بابلا‬
‫والتي تتولد من األرض‪-‬كالحشرات‪ -‬تتولد من الرطوبات المائية بقدرة اهلل‪ ،‬فهذا‬
‫سبب للحياة؛‬
‫ٌ‬ ‫الما ُء قد جعله اهلل أصل الخلق لإلنسان وغيره مما يدب‪ ،‬ومنه ما هو‬
‫فالتفكر فيه آيةٌ‪ ،‬وشكره عبادةٌ‪ ،‬والسعي فيه عمار ٌة لألرض والحياة‪ ،‬وهذه الدواب‬
‫جميعها تشرتك يف ما َّدة تكوينها‪ ،‬وتختلف يف أشكالها وأفعالها وأسلوب حياهتا؛ وك ُّلها‬
‫هلل مطيع ٌة عابدةٌ‪ ،‬منقاد ٌة إلى ما خلقها اهلل له‪ ،‬فسبحان اهلل العظيم‪ ،‬وعج ًبا لعصيانك يا‬
‫ابن آدم!‬
‫إن حياة ك َُّل َح ٍي إِ َّما كامل ٌة كحياة اإلنسان وغيره من الحيوانات‪ ،‬أو قاصر ٌة كحياة‬
‫َّ‬
‫الزرع والنبات‪ ،‬وك ُُّل ذلك ال بد يف تحقق حياته من الماء على ما هو مشاهد‪ ،‬وهي‬
‫محتاج ٌة إلى الماء لبقائها ووجودها‪.‬‬

‫واهلل ‪ ۵‬هو الذي خلق جميع الدواب التي تدب على وجه األرض‪ ،‬وجعلها‬
‫أمم وقبائل‪ ،‬وأنواع وأجناس‪ ،‬وأشكال وألوان‪ ،‬وذكور وإناث‪ ،‬وهي أعداد هائلة‬
‫ٌ‬
‫اليحصيها إال اهلل الذي خلقها ودبرها‪ ،‬والذي يطعمها ويسقيها‪ ،‬وينميها ويعافيها‪،‬‬
‫ويعلم مستقرها ومستودعها‪ ،‬فهي سارب ٌة منتشرة‪ ،‬يف ملكه بأمره سبحانه‪ ،‬تأكل وتشرب‬
‫من مائدة نعمه الكربى يف األرض‪ ،‬وكلها تسبح بحمد رهبا طائعة لخالقها‪ ،‬عابدة‬
‫ساجدة له‪ ،‬حتى تستكمل آجالها‪ ،‬وتستويف أرزاقها‪ ،‬قال تعالى‪{ :‬ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ‬
‫ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ‬
‫ﯙ ﯚﯜ} [النحل‪ ،]50-49 :‬وقال تعالى‪{ :‬ﭐﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ‬
‫ﭜ ﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢﭣ} [هود‪ ،]6 :‬وأراد عموم كل دابة وشمولها‬
‫فقال تعالى‪{ :‬ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ} [النحل‪ ،]49 ‬فجاء بـ «ما»‬
‫التي تعم النوعين وتشملهما‪ ،‬ولو جاء بـ «من» ّ‬
‫لخص العقالء‪.‬‬
‫‪233‬‬
‫دراسة موضوعات سورة النور‬
‫وقد تكفل اهلل ‪ ۵‬بأرزاق الخالئق كلهم‪ ،‬البشر والحيوان‪ ،‬والطيور والحشرات‪،‬‬
‫قويهم وضعيفهم‪ ،‬قادرهم وعاجزهم‪ ،‬يسوقهم إلى أرزاقهم‪ ،‬أو يسوق أرزاقهم إليهم‪:‬‬
‫{ﭐﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢﭣ}‪.‬‬
‫وال يزال اهلل يسخر لهذه الخالئق أرزاقها يف كل وقت بوقته‪ ،‬وال يمكن أن هتلك‬
‫دابة من عدم الرزق‪ ،‬بسبب أهنا خافية عليه‪ ،‬فهو سبحانه السميع العليم الذي ال يخفى‬
‫عليه شيء‪{ :‬ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮬ}‬
‫[العنكبوت‪ ،]60 :‬فسبحان خالق هذا الكون العظيم‪ ،‬وما فيه من المخلوقات المختلفة‪.‬‬
‫وهي مخلوقات إلى جانب منافعها‪ ،‬تحمل ٍ‬
‫آيات وعربَ‪ ،‬وهي مخلوقة مقدّ رة‪،‬‬
‫مأمورة مد ّبرة‪ ،‬صغيرها وكبيرها‪ ،‬ذكورها وإناثها‪ ،‬قو ّيها وضعيفها‪ ،‬ك ّلها يف قبضة اهلل‪،‬‬
‫ونواصيها بيده‪{ :‬ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ‬
‫ﭿﮀ} [هود‪.]56 :‬‬
‫وكل فرد من هذه المخلوقات‪ ،‬قدَّ ر اهلل زمانه فال يكون إال فيه‪ ،‬وقدَّ ر مكانه‪،‬‬
‫محسوب كغيره من‬
‫ٌ‬ ‫وقدَّ ر ُخطاه‪ ،‬وقدَّ ر طعامه‪ ،‬وقدَّ ر أجله‪ ،‬وقدَّ ر كم َّية أفراده‪ ،‬وهو‬
‫المخلوقات واألحداث العظام الضخام‪{ :‬ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ‬
‫ﯳ ﯴﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻﯼ} [الشورى‪ .(((]29 :‬فيوجه اهلل أنظارنا إليها لنتعرف‬
‫على قدرة اهلل المعجزة يف الخلق والتدبير‪ ،‬فنؤمن باهلل ونعبده حق عبادته‪.‬‬
‫اً‬
‫سافل‪،‬‬ ‫ومن دالئل تفرد اهلل بذلك أن َج ْعل بعض تلك المخلوقات عال ًيا وبعضها‬
‫اً‬
‫منفصل‪ ،‬وبعضها على‬ ‫اً‬
‫متصل بغيره‪ ،‬وبعضها‬ ‫صغيرا‪ ،‬وبعضها‬
‫ً‬ ‫كبيرا وبعضها‬
‫وبعضها ً‬
‫صفة‪ ،‬وبعضها على صفة أخرى‪{ :‬ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ‬
‫ﭯ ﭰ ﭱ ﭲﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﭿ} فمنها ما يمشي على بطنه‬
‫مختصرا‪.‬‬
‫ً‬ ‫((( ينظر‪ :‬موسوعة فقه القلوب (‪)534-528/1‬‬
‫‪234‬‬
‫ا تايآ يف رظنلا ‪:‬ثلاثلا لصفلا‬ ‫ثلاثلا بابلا‬
‫كالحيات وغيرها من الزواحف‪ ،‬ومنها ما يمشي على رجلين كاإلنسان والطيور‪،‬‬
‫ومنها ما يمشي على أربع كبهيمة األنعام ونحوها‪ ،‬ومنها ما يطير بجناحيه‪ ،‬ومنها ما‬
‫يسبح يف البحار واألهنار‪..‬‬
‫ٌ‬
‫جميل على الهيئة التي خلقها اهلل فإذا بدلت لم تستقيم ولم تجمل‪ ،‬ولذا كان‬ ‫ٌ‬
‫وكل‬
‫تغير الخلق من وحي الشيطان {ﯗﯘﯙﯚﯛ} [سورة‪ ‬النساء‪ ]119 ‬فخَ ْل ُقها‬
‫ٍ‬
‫وتأثر بصفات الخالق جل وعال‪ ،‬واختالفها‬ ‫ٍ‬
‫وجالل‬ ‫ٍ‬
‫وجمال‬ ‫ٍ‬
‫حكمة‬ ‫آية‪ ،‬وال يخلوا من‬
‫آية وجمال وجالل‪ ،‬وال يحيط به إال خالقه ‪.۵‬‬
‫جاءت األجناس الثالثة على هذا الرتتيب؛ «لتقديم ما هو أعرق يف القدرة وهو‬
‫الماشي بغير آلة مشي من أرجل أو قوائم‪ ،‬ثم الماشي على الرجلين‪ ،‬ثم الماشي على‬
‫أربع»(((‪.‬‬
‫ثم يقول اهلل تعالى‪{ :‬ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﭿ} أي‪ :‬أن اهلل‬
‫سبحانه يخلق أي شيء ألنه سبحانه هو وحده الخالق‪ ،‬وهو على كل شيء قدير‪.‬‬
‫فلنعترب بما «قاله اهلل سبحانه عن الكون والكائنات‪ ،‬واألشياء واألحياء‪ ،‬فالحق هو‬
‫معر ٌض للصواب والخطأ‪،‬‬
‫ما قال‪ .‬وليس للعقل أن يقول‪ ،‬فكل ما يبلغه العقل يف هذا َّ‬
‫وما قرره اهلل سبحانه ال يحتمل إال الحق والصواب»(((‪ ،‬ولذا إذا تدبرنا األمر نجد‬
‫عشرات اآليات التي ال يأيت ذكر عالم المخلوقات؛ إال و ُقرنت بخلق اهلل لها‪ ،‬وتسخيره‬
‫وتدبيره‪ ،‬وملكه وفعله گ‪.‬‬
‫اً‬
‫أصول عامة‪ ،‬وكل ما خالفها ُيعلم ُبطالنه‪،‬‬ ‫«واآليات يف ذلك كثيرة‪ ،‬وتبقى هذه‬
‫نص‪ ،‬وغالب ما يقوله أهل العلوم‬
‫أما كيفية الخلق فهي مما ال نعلمها؛ ألنه لم يرد فيها ٌ‬
‫(( ( الكشاف (‪ ،)71/3‬أعرق‪ :‬أقوى يف بيان قدرة اهلل وعظمتها‪ ،‬والتفكر فيها‪ ،‬وعرب عنه ابن األثير بقوله‪:‬‬
‫«تقديم األعجب فاألعجب»‪.‬‬
‫((( موسوعة فقه القلوب (‪.)1475/2‬‬
‫‪235‬‬
‫دراسة موضوعات سورة النور‬
‫مما يدخل يف باب الكيفيات‪ ،‬فإن كانت من الغيب الذي ال يمكن للبشر علمه إال‬
‫بالخرب مثل خلق آدم ڠ‪ ،‬فكل دعوى حوله هي من الرجم بالغيب؛ ألنه ال طريق‬
‫لها إال بالخرب‪ ،‬بخالف خلق اإلنسان‪ ،‬فقد كان أمره من الغيب النسبي‪ ،‬وقد جاء ذكر‬
‫تفاصيل ذلك يف القرآن‪ ،‬وكانت التفاصيل المذكورة غير ممكنة المعرفة زمن نزول‬
‫القرآن‪ ،‬فكانت من الغيب النسبي‪ ،‬ثم مع تطور األجهزة الحديثة التي ُت ّ‬
‫صور كيفيات‬
‫مفصلٍ‪ ،‬وهذه من دالئل‬
‫تخلق الجنين يف بطن األم ُعرف معنى تلك اآليات على وجه َّ‬
‫اإلسالم ابن تيمية حول قوله تعالى‪{ :‬ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿﮀ ﮁ‬ ‫النبوة‪ ،‬قال شيخ ِ‬

‫ﮂ ﮃ ﮄﮅ} [العلق‪َ :]2-1 :‬ف َذكر الخلق مطل ًقا‪ ،‬ثم َخ َّ‬


‫ص خلق اإلنسان أنه خلقه‬
‫أمر معلو ٌم لجميع الناس‪ ،‬كلهم يعلمون أن اإلنسان يحدث يف بطن‬ ‫من ٍ‬
‫علق‪ ،‬وهذا ٌ‬
‫أمه‪ ،‬وأنه يكون من علق‪ ،‬وهؤالء بنو آدم ‪-‬وقوله‪ :‬اإلنسان هو اسم جنس يتناول جميع‬
‫الناس‪ ،‬ولم يدخل فيه آدم الذي خلق من طين‪ -‬فإن المقصود هبذه اآلية بيان الدليل‬
‫ٍ‬
‫بمقدمات يعلمها المستدل‪ .‬والمقصود‬ ‫على الخالق تعالى‪ ،‬واالستدالل إنما يكون‬
‫بيان داللة الناس وهدايتهم‪ ،‬وهم كلهم يعلمون أن الناس ُيخلقون من العلق‪ ،‬فأ َّما‬
‫خلق آدم من ٍ‬
‫طين فذاك إنما ُعلم بخرب األنبياء أو بدالئل ُأ َخر‪ .‬ولهذا ينكره طائفة من‬
‫الكفار الدهرية وغيرهم الذين ال يقرون بالنبوات‪ .‬وهذا بخالف ذكر خلقه يف غير هذه‬
‫السورة‪ .‬فإن ذاك ِذكره لما يثبت النبوة وهذه السورة أول ما نزل وهبا تثبت النبوة فلم‬
‫ُيذكر فيها ما ُعلم بالخرب‪ ،‬بل َذكر فيها الدليل المعلوم بالعقل والمشاهدة واألخبار‬
‫المتواترة لمن لم ير العلق»(((‪.‬‬

‫((( كالم شيخ االسالم يف مجموع الفتاوى (‪ .)261-260/16‬وينظر‪ :‬النظريات العلمية الحديثة حسن‬
‫األسمري (‪.)978-977/2‬‬
‫‪236‬‬
‫ا تايآ يف رظنلا ‪:‬ثلاثلا لصفلا‬ ‫ثلاثلا بابلا‬

‫‪ ‬املبحث السادس‬
‫احلكمة من اآليات واملشاهد‬

‫ختم اهلل َّ‬


‫جل ذكره اآليات السابقة بقوله تعالى‪{ :‬ﮀ ﮁ ﮂ ﮃﮄ ﮅ ﮆ‬
‫ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ}‪.‬‬
‫بعد ذلك العرض الشيق آليات اهلل المشاهدة التي غفل عن إدراكها وإدراك‬
‫أسرارها الكثير من الناس! وذلك ألن عقولهم وقلوهبم ليست مع اهلل تعالى‪ ،‬وأن‬
‫أمورا عادي ًة جدً ا! ألهنم‬
‫إلف هذه اآليات جعلهم ال يتأثرون هبا؛ بل أهنا تصبح عندهم ً‬
‫انشغلوا بغير المطلوب من الزينة والزخرف والغرور عن المطلوب منهم من العبادة‬
‫والتأمل والتفكر والنظر واالعتبار‪.‬‬
‫فيأيت التعقيب الختامي على هذه اآليات المبهرة بقوله تعالى‪:‬‬
‫{ﮀ ﮁ ﮂ ﮃﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ}‪.‬‬
‫«يعني‪ :‬من ملك هذا الملك وحده‪ ،‬وخلق لكم هذه العجائب أنزل لكم ٍ‬
‫آيات‬ ‫َ‬
‫ٍ‬
‫بينات تحمل إليكم األحكام‪ ،‬فكما فعل لكم الجميل‪ ،‬ووفر لكم ما يخدمكم يف‬
‫الكون‪ ،‬سمائه وأرضه‪ ،‬فأ ُّدوا أنتم ما عليكم نحو منهجه وأحكامه‪ ،‬واتبعوا هذه اآليات‬
‫البينات»(((‪.‬‬
‫{ﮂ ﮃ}‪ُ :‬تب ِّين األحكام وتضرب األمثال‪ ،‬ألجل هداية العباد إلى طريق‬
‫ٍ‬
‫وصنعة للعربة‪ ،‬وك ُُّل‬ ‫سعادهتم وكمالهم‪ .‬وهذا «يعم ك َُّل ما نصب اهلل تعالى من ٍ‬
‫آية‬ ‫َ ُ ُّ‬
‫ٍ‬
‫وتذكير‪ ،‬وأخرب تعالى أنه أنزل اآليات‪ ،‬ثم ق َّيد الهداية‬ ‫آية ٍ‬
‫تنبيه‬ ‫ما نَص يف كتابه من ِ‬
‫َّ‬
‫((( ينظر‪ :‬تفسير الشعراوي (‪ ،)10301‬باختصار‪.‬‬
‫‪237‬‬
‫دراسة موضوعات سورة النور‬
‫إليها؛ ألهنا من قبله لبعض دون بعض»(((‪« ،‬والمعنى‪ :‬لقد أنزلنا آيات قرآنية موضحات‬
‫لكل عاقل ما ينبغي توضيحه من األحكام الدينية‪ ،‬واألسرار التكوينية‪ ،‬واهلل يهدى من‬
‫يشا ُء هدايته إلى طريق مستقيم يوصله إلى الحق والفوز يف دار الثواب‪ ،‬وذلك بتوفيق‬
‫من وعاها بسمعه وقلبه إلى التدبر يف معانيها‪ ،‬والنظر الصحيح فيما ترشده إليه من‬
‫دالئل الحق»(((‪« ،‬الستقامة حركة الحياة؛ ألن حركة الحياة تحتاج ْ‬
‫ألن يتحرك الجميع‬
‫ويؤدي ك ٌُّل مهمته حتى تتساند الحركات وال تتعاند‪ ،‬فالذي ُيتعب الدنيا أن تبنى‬
‫ويحث كل صانع ْ‬
‫أن يتقن‬ ‫ّ‬ ‫وغيرك يهدم! فال ُبدَّ من ضابط قيمي يضبط كل الحركات‬
‫َصنعته و ُيخلِص فيها‪ ،‬واإلنسان غال ًبا ال يحسن إال زاوي ًة واحد ًة يف حياته؛ هي‪ :‬حرفته‬
‫حسن عمله ويتقن صنعته‪ ،‬وكذلك يتقن الناس ما يف أيديهم‪ ،‬فتستقيم‬ ‫وتخصصه‪ ،‬في ِ‬
‫ُ‬
‫الناس ما يف أيديهم»(((‪.‬‬
‫األمور‪ ،‬فأحسن ما يف يدك للناس‪ ،‬يحسن لك ُ‬
‫والمراد‪« :‬لقد رحمنا عبادنا وأنزلنا إليهم آيات مبينات أي واضحات الداللة‪،‬‬
‫على جميع المقاصد الشرعية واآلداب المحمودة‪ ،‬والمعارف الرشيدة‪ ،‬فاتضحت‬
‫بذلك السبل‪ ،‬وتبين الرشد من الغي‪ ،‬والهدي من الضالل‪ ،‬فلم يبق أدنى شبهة لمبطل‬
‫يتعلق هبا‪ ،‬وال أدنى إشكال لمريد الصواب‪ ،‬ألهنا تنزيل مِ َّمن ك َُمل علمه‪ ،‬وكملت‬
‫رحمته‪ ،‬وكمل بيانه‪ ،‬فليس بعد بيانه بيان‪.‬‬
‫واهلل يهدي سبحانه من يشاء إلى طريق واضح مختصر موصل إليه‪ ،‬وإلى دار‬
‫كرامته‪ ،‬متضمن العلم بالحق وإيثاره والعمل به»(((‪.‬‬
‫وقيل اآليات‪« :‬أي‪ :‬القرآن‪ ،‬فإنه قد اشتمل على بيان كل شيء‪ ،‬و{ﭐﮀ ﮁ ﮂ‬

‫المحرر الوجيز (‪.)191/4‬‬ ‫(( (‬


‫التفسير الوسيط‪-‬األزهر (‪.)1448/6‬‬ ‫((( ‬
‫ينظر‪ :‬تفسير الشعراوي (‪ ،)10302‬باختصار‪.‬‬ ‫((( ‬
‫تيسير الكريم الرحمن‪-‬السعدي (‪.)520‬‬ ‫((( ‬
‫‪238‬‬
‫ا تايآ يف رظنلا ‪:‬ثلاثلا لصفلا‬ ‫ثلاثلا بابلا‬

‫ﮃ ﮄ ﮅ} [األنعام‪{ ،]38 ‬ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ} بتوفيقه للنظر الصحيح‪ ،‬وإرشاده إلى‬


‫مستو ال ِعوج فيه‪ ،‬فيتوصل بذلك‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫طريق‬ ‫التأمل الصادق {ﮉ ﮊ ﮋﮌ} إلى‬
‫إلى الخير التام وهو نعيم الجنة»(((‪.‬‬
‫وال ريب يف دخول ذلك يف المعنى العام‪َّ ،‬‬
‫فإن «من نور اهلل‪ ،‬تلك اآليات القرآنية‪،‬‬
‫التي كشفت للناس طريقهم إلى اهلل‪ ،‬وأطلعتهم على دالئل قدرته‪ ،‬وآثار رحمته‪ ،‬وذلك‬
‫فيما جاء يف اآليات التي تحدثت عن بيوت اهلل التي أذن اهلل أن ترفع‪ ،‬ويذكر فيها اسمه‪،‬‬
‫واآليات التي تحدثت عن الكافرين وأعمالهم‪ ،‬ثم يف هذه اآليات التي عرضت تلك‬
‫المشاهد الناطقة بقدرة اهلل‪ ،‬وسعة علمه ونفوذ سلطانه‪ ،‬من السحاب والمطر‪ ،‬ومن‬
‫خلق الحياة القائمة على األرض من عنصر الماء‪.‬‬
‫ففي هذا كله‪ ،‬آيات مبينات‪ ،‬أي موضحات‪ ،‬وكاشفات‪ ،‬لطريق الحق‪ ،‬والهدى‪،‬‬
‫واإليمان باهلل‪ ،‬والوالء له‪ ،‬والتسبيح بحمده»(((‪.‬‬
‫فهذه هي الرحمة من اهلل بعباده حيث سخر لنا كل ما يف السماوات واألرض‪،‬‬
‫وأسبغ علينا نعمه ظاهرة وباطنة‪ ،‬وأنزل إلينا خير الشرائع وأيسرها رحمة منه سبحانه‬
‫بنا‪ ،‬ولكن أكثر الناس ال يعقلون‪ ،‬ألهنم بعيدون عن اهلل أشد البعد‪ ،‬ولكن من رحمة اهلل‬
‫هبؤالء أيضا أن أرسل لهم هذه اآليات تذكرهم به سبحانه‪ ،‬واهلل يهدي من يشاء إلى‬
‫صراط مستقيم‪.‬‬
‫«يقرر تعالى أنه أنزل يف هذا القرآن من الحكم واألمثال البينة المحكمة‪ ،‬وأنه‬
‫يرشد إلى تفهمها وتعقلها أولي األلباب والبصائر والنهى؛ ولهذا قال‪{ :‬ﮅ ﮆ ﮇ‬
‫ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ}»(((‪ ،‬فمن آمن هبا ونظر فيها وأخذ بما تدعو إليه من الهدى‬
‫مختصرا‪.‬‬
‫ً‬ ‫(( ( فتح القدير‪-‬الشوكاين (‪)51/4‬‬
‫((( التفسير القرآين للقرآن (‪.)1305/9‬‬
‫((( تفسير القرآن العظيم (‪ )73/6‬باختصار‪.‬‬
‫‪239‬‬
‫دراسة موضوعات سورة النور‬

‫اهتدى‪ ،‬ومن أعرض عنها فضل وشقى فال يلومن إال نفسه‪{ :‬ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ‬
‫ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠﮡ ﮢ‬
‫ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮪ}‪.‬‬
‫{ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ} هدايته ممن رغب يف الهداية وطلبها وسلك لها مسالكها‪،‬‬
‫{ﮉ ﮊ ﮋ} وهو اإلسالم‪ ،‬طريق الكمال والسعادة يف الحياتين‪ ،‬اللهم اجعلنا‬
‫من أهله إنك قدير»‪.‬‬
‫‪240‬‬
‫لا يف عمتجملا بادآ ‪:‬عبارلا بابلا‬

‫‪ ‬الباب الرابع‬
‫آداب اجملتمع يف اإلسالم‬
‫الباب الرابع‪ :‬آداب اجملتمع يف اإلسالم‬

‫تضمن هذا الباب تذكير اهلل ‪ ۵‬للمؤمنين بوجوب طاعة رسول‪ ‬اهلل ﷺ‪،‬‬
‫ٌ‬
‫ثمراث من أعظمها‬ ‫وقدرا‪ -‬وأن تلك الطاعة لها‬
‫ً‬ ‫وطاعة من واله اهلل أمر عباده ‪ -‬شر ًعا‬
‫االستخالف والتمكين‪ ،‬االستخالف يف األرض‪ ،‬والتمكين للدين‪ ،‬وأن لتلك الطاعة‬
‫آداب البد من مراعاهتا حال االجتماع‪ ،‬وحال االستئذان‪ ،‬وغيرهما مما يؤثر للصالح‬
‫العام وبه تنتظم أمور المجتمع‪ ،‬وأن ذلك اليخرج عن عبادة اهلل سبحانه‪.‬‬
‫وذلك يف آيات سورة النور من اآلية (‪ )47‬حتى اآلية (‪ )64‬من هذه السورة‪.‬‬
‫ويشتمل هذا الباب على ثالثة فصول‪ ،‬وكل فص ٍل له مباحثه‪:‬‬
‫الفصل األول‪ :‬وجوب طاعة الرسول ﷺ وأولي األمر‪.‬‬
‫الفصل الثاين‪ :‬أسباب النصر والتمكين يف األرض‪.‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬أدب الطاعة للرسول ﷺ واحترام ولي األمر‪.‬‬
‫وإليك بياهنا‪:‬‬
‫‪241‬‬
‫دراسة موضوعات سورة النور‬

‫‪ ‬الفصل األول‬
‫وجوب طاعة الرسول‬
‫الفصل األول‪ :‬وجوب طاعة الرسول‬ ‫الباب الرابع‬

‫تمهيد‪:‬‬
‫قال تعالى‪{ :‬ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ ﮚ‬
‫ﮛ ﮜﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨﮩ ﮪ ﮫ ﮬ‬
‫ﮭ ﮮ ﮯ ﮰﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞﯟ ﯠ ﯡ‬
‫ﯢ ﯣﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳﯴ‬
‫ﯵ ﯶ ﯷﯸﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂﰃ‬
‫ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋﰌ ﰍ ﰎ ﰏﰐ ﰑ ﰒﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ﰗ ﰘﰙ‬
‫ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟﭠ ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ‬
‫ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪﭫ}‪.‬‬
‫إن اإليمان الصحيح متى استقر يف القلب ظهرت آثاره يف السلوك‪ ،‬ومنهج اإلسالم‬
‫الواضح يف الرتبية يقوم على أساس تحويل الشعور الباطن بالعقيدة وآداهبا إلى حركة‬
‫سلوكية واقعية‪.‬‬
‫وابتداء اآليات هنا بالجواب عن شبهات الذين ال يتبعون رسول‪ ‬اهلل ﷺ‪ ،‬وسبب‬
‫ذلك‪ ،‬ثم بيان األصل الواجب يف إتباع سنة رسول‪ ‬اهلل ﷺ وحال المؤمنين يف ذلك‪ ،‬كل‬
‫هذا من أسلوب القرآن يف كشف الشبهات والرد عليها‪.‬‬
‫والواضح يف اآليات أن المتحدث عنهم قد ثبت لديهم وجوب طاعة الرسول‬
‫‪242‬‬
‫وسرلا ةعاط بوجو ‪:‬لوألا لصفلا‬ ‫عبارلا بابلا‬
‫ﷺ ألهنم أقروا به لف ًظا‪ ،‬أما المخالفة فكانت يف العمل؛ وهذا مكمن الداء الذي‬
‫يحذر منه السلف كثيرا‪ ،‬وهو العلم بال عمل‪ ،‬فالحديث يف هذا المقطع عن المنافقين‬
‫ظاهرا‪ ،‬المخالفين يف الحقيقة‪ ،‬المكذبين يف المآل‪.‬‬
‫ً‬ ‫المستسلمين‬
‫وسنحاول إبراز هذا الجانب يف موضوع اآليات من خالل ثالثة مباحث‪:‬‬
‫المبحث األول‪ :‬الهروب عن التحاكم إلى اهلل ورسوله‪.‬‬
‫المبحث الثاين‪ :‬المستقيمين على منهج رسول‪ ‬اهلل ﷺ‪.‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬حال الناس يف الطاعة وواجب الرسول ﷺ تجاههم‪.‬‬
‫‪243‬‬
‫دراسة موضوعات سورة النور‬

‫‪ ‬املبحث األول‬
‫اهلروب عن التحاكم إىل اهلل ورسوله‬

‫يخرب اهلل گ عن المنافقين‪ ،‬الذين يظهرون اإلسالم ولكن قلوهبم خالية منه ومن‬
‫استشعاره‪ ،‬قال تعالى‪{ :‬ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ‬
‫ﮚ ﮛ ﮜﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨﮩ}‪« :‬فهم‬
‫يخالفون أقوالهم بأعمالهم فيقولون ما ال يفعلون»(((‪ .‬ولهذا قال اهلل تعالى عنهم {ﮚ‬
‫ﮛ ﮜﮝ}؛ فاإليمان ليس لعب ًة يتلهى هبا صاحبها‪ ،‬ثم يدعها ويمضي‪ ،‬إنما‬
‫هو تكليف النفس‪ ،‬وانطباع يف القلب‪ ،‬وعمل يف الواقع‪ ،‬ثم ال تملك النفس الرجوع‬
‫عنه متى استقرت حقيقته يف الضمير‪.‬‬
‫والدليل على أهنم يخالفون ما يقولونه بألسنتهم من اإليمان ما ضربه اهلل اً‬
‫مثال‬
‫لذلك يف قوله تعالى‪{ :‬ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨﮩ ﮪ‬
‫ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰﮱ} أي‪« :‬أهنم إذا دعوا إلى تحكيم شريعة اهلل تعالى فيما‬
‫شجر بينهم وبين الناس إذا فريق منهم يرفضون حكم اهلل تعالى وحكم رسوله ﷺ إذا‬
‫كان الحكم ليس لصالحهم‪ ،‬أما إذا كان الحكم لصالحهم فإهنم يأتون إليه منقادين له‬
‫راضين به‪ ،‬وانقياد هذا الفريق ليس انقيا ًدا ألحكام الشريعة اإلسالمية وإنما هو انقيا ٌد‬
‫لمصالحهم‪ ،‬فالقوم عبيد المصالح واألهواء والشهوات»(((‪.‬‬
‫ويف اآليات هنا عدة تساؤالت توبيخية إنكارية! وهي تعرض السبب يف‬
‫(( ( تفسير القرآن العظيم‪ -‬ابن كثير (‪.)74/6‬‬
‫((( موضوعات القرآن‪ -‬سورة النور (‪.)82‬‬
‫‪244‬‬
‫وسرلا ةعاط بوجو ‪:‬لوألا لصفلا‬ ‫عبارلا بابلا‬

‫ذلك‪ ،‬قال تعالى‪{ :‬ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞﯟ ﯠ ﯡ ﯢ‬


‫ﯣﯤ}‪ .‬فـهم «ال يخرج أمرهم عن أن يكون يف القلوب مرض مالزم لها‪ ،‬أو‬
‫قد عرض لها شك يف الدين‪ ،‬أو يخافون أن يجور اهلل عليهم ورسوله يف الحكم‪ ،‬وأي‬
‫هذه األمور فهو كفر محض‪ ،‬واهلل عليم بكل منهم»(((‪.‬‬
‫«هل سبب إعراضهم عن حكم اهلل هو النفاق الذي خرب قلوهبم؟ أم هم يشكون‬
‫يف صالحية حكم اهلل ومالئمته لمصالح العباد؟ َأ ْم ُترى هم خائفون أن يظلمهم اهلل‬
‫ورسوله»(((‪.‬‬
‫تشريع غير تشريع اهلل‪ ،‬وال يحققه‬
‫ٌ‬ ‫إن عدل اهلل هو العدال المطلق الذي ال ُي َط ِّب ُقه‬
‫حكم غير حكمه‪ ،‬من أجل ذلك كان الذين ال يرتضون حكم اهلل ورسوله هم الظالمون‪،‬‬
‫ٌ‬
‫كما قال تعالى‪{ :‬ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ}‪ ،‬فهم‪ :‬الذين ال يريدون للعدالة أن تستقر‪،‬‬
‫وال يحبون للحق أن يسود‪ ،‬فهم ال يخشون من حكم اهلل حيفا‪ ،‬وال يرتابون يف عدالته‬
‫‪-‬يف قرارة أنفسهم‪{ ،‬ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ} أي‪ :‬بل يف قلوهبم مرض حب الدنيا‬
‫وتقديمها على اآلخرة فهذا هو الظلم‪.‬‬

‫(( ( تفسير القرآن العظيم‪ -‬ابن كثير (‪.)74/6‬‬


‫((( من لطائف التفسير (‪.)454/2‬‬
‫‪245‬‬
‫دراسة موضوعات سورة النور‬

‫‪ ‬املبحث الثاني‬
‫املستقيمني على منهج رسول‪ ‬اهلل‬

‫يف الجانب اآلخر يأيت وصف المؤمنين باهلل ح ًقا يف االستجابة ألمر اهلل‪ ،‬قال‬
‫تعالى‪{ :‬ﭐﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳﯴ ﯵ ﯶ‬
‫ﯷﯸﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂﰃ}‪.‬‬
‫أول‪ :‬صفات المؤمنين المستجيبين ألمر اهلل يف اآلية‪:‬‬
‫اً‬
‫‪1 -1‬السمع والطاعة‪{ :‬ﯱ ﯲ ﯳ}‪:‬‬
‫السمع والطاعة بال تردد وال جدال وال انحراف‪ ،‬السمع والطاعة المستمدان من‬
‫الثقة المطلقة يف أن حكم اهلل ورسوله هو الحكم وما عداه الهوى؛ النابعان من التسليم‬
‫المطلق هلل‪ ،‬واهب الحياة‪ ،‬المتصرف فيها كيف يشاء؛ ومن االطمئنان إلى أن ما يشاؤه‬
‫خيرا مما يشاءونه ألنفسهم‪« ،‬وحكم الرسول بما شرع اهلل من األحكام‬
‫اهلل للناس ً‬
‫ُ‬
‫الرسول يف حكمه َش ْر َع اهلل‬ ‫الحق‪ ،‬وال يخالف‬
‫ّ‬ ‫ال يحتمل الحيف إذ ال يشرع اهلل إ ّ‬
‫ال‬
‫تعالى»(((‪ .‬فهي «طاعة تامة‪ ،‬سالمة من الحرج»(((‪.‬‬
‫فال إسالم بال طاعة ألمر اهلل‪ ،‬وإنفاذ منهجه يف الحياة‪ ،‬وال إيمان حيث يعرض‬
‫الناس عن أمر اهلل يف الكبيرة والصغيرة من شؤون حياهتم؛ أو حيث ال ينفذون شريعته‪،‬‬
‫أو حيث يتلقون تصوراهتم عن الخلق والسلوك واالجتماع واالقتصاد والسياسة من‬
‫مصدر غير شريعته‪.‬‬
‫(( ( التحرير والتنوير (‪.)463/3‬‬
‫((( تيسير الكريم الرحمن ‪-‬السعدي (‪.)572‬‬
‫‪246‬‬
‫وسرلا ةعاط بوجو ‪:‬لوألا لصفلا‬ ‫عبارلا بابلا‬
‫ولذا فهم يقولون‪« :‬سمعنا الدعاء وأطعنا باإلجابة»(((‪ ،‬فهم ال يتوقفون عند ما‬
‫يسمعون أمر اهلل ولكن يبادرون مسرعين يف االنقياد واالستسالم هلل تعالى‪ ،‬ألهنم‬
‫يعلمون أن حكم اهلل هو أعدل األحكام وهو خير األحكام سواء ظهرت لهم الحكمة‬
‫منه أم لم تظهر ألول مرة‪.‬‬
‫‪2 -2‬الطاعة العامة هلل والرسول‪{ :‬ﯱ ﯲ ﯳ}‪:‬‬
‫«فيما يأمرانه أو يف الفرائض والسنن»(((‪ ،‬فالحديث يف اآلية السابقة عن الطاعة‬
‫والتسليم يف األحكام‪ ،‬ويف هذا الموضع‪ -‬يتحدث عن الطاعة كافة يف كل أمر أو هني‪.‬‬
‫‪3 -3‬خشية اهلل تعالى وتقواه‪{ :‬ﯽ ﯾ ﯿ}‪:‬‬
‫يما َي ْس َت ْقبِ ُل»(((‪ ،‬وقيل‪:‬‬‫ِ‬
‫أي‪{« :‬ﯽ ﯾ} على ما عمل من الذنوب {ﯿ} ف َ‬
‫«{ﯽ ﯾ} أي‪ :‬يخافه خو ًفا مقرونًا بمعرفة‪ ،‬فيرتك ما هنى عنه‪ ،‬ويكف نفسه عما‬
‫هتوى ولهذا قال‪{ :‬ﯿ} برتك المحظور‪ ،‬ألن التقوى ‪-‬عند اإلطالق‪ -‬يدخل فيها‬
‫فعل المأمور‪ ،‬وترك المنهي عنه‪ ،‬وعند اقرتاهنا بالرب أو الطاعة ‪ -‬كما يف هذا الموضع ‪-‬‬
‫تفسر بتوقي عذاب اهلل برتك معاصيه»(((‪.‬‬
‫ثان ًيا‪ :‬الترابط بين هذه الصفات‪:‬‬
‫إن القارئ لهذه اآلية يالحظ قوة الرتابط والتالزم بين هذه الصفات فطاعة اهلل‬
‫ورسوله تقتضي السير على النهج القويم الذي رسمه اهلل للبشرية وهو يؤدي للفوز‬
‫يف الدنيا واآلخرة‪ ،‬وخشية اهلل وتقواه هي الحارس الذي يكفل االستقامة عل هذا‬
‫المنهج‪ ،‬فالطاعة هلل ورسوله ال بد أن تكون مصحوبة بخشية اهلل وتقواه‪ ،‬والتقوى أعم‬
‫معالم التنزيل ‪-‬البغوي (‪.)56/6‬‬ ‫(( (‬
‫أنوار التنزيل ‪-‬البيضاوي (‪.)387/4‬‬ ‫((( ‬
‫معالم التنزيل ‪-‬البغوي (‪ .)56/6‬تفسير القرآن العظيم ‪-‬ابن أبي حاتم (‪.)184/10‬‬ ‫((( ‬
‫تيسير الكريم الرحمن‪-‬السعدي (‪.)572‬‬ ‫((( ‬
‫‪247‬‬
‫دراسة موضوعات سورة النور‬
‫من الخشية‪ ،‬فهي مراقبة اهلل والشعور به عند الصغيرة والكبيرة؛ والتحرج من إتيان ما‬
‫اً‬
‫وإجالل له‪ ،‬وحياء منه‪ ،‬إلى جانب الخوف والخشية‪.‬‬ ‫توقيرا لذاته سبحانه‪،‬‬
‫ً‬ ‫يكره‬
‫وأدب الطاعة هلل ورسوله‪ ،‬مع خشية اهلل وتقواه‪ ،‬أدب رفيع‪ ،‬ينبئ عن مدى إشراق‬
‫القلب بنور اهلل‪ ،‬واتصاله به‪ ،‬وشعوره هبيبته‪ .‬كما ينبئ عن عزة القلب المؤمن واستعالئه‪.‬‬
‫فكل طاعة ال ترتكن على طاعة اهلل ورسوله‪ ،‬وال تستمد منها‪ ،‬هي ذلة يأباها‬
‫الكريم‪ ،‬وينفر منها طبع المؤمن‪ ،‬ويستعلي عليها ضميره‪ ،‬فالمؤمن الحق ال يحني‬
‫رأسه إال هلل الواحد القهار‪.‬‬
‫«واشتملت هذه اآلية على الحق المشرتك بين اهلل وبين رسوله‪ ،‬وهو‪ :‬الطاعة‬
‫المستلزمة لإليمان‪ ،‬والحق المختص باهلل‪ ،‬وهو‪ :‬الخشية والتقوى‪ ،‬وبقي الحق الثالث‬
‫المختص بالرسول‪ ،‬وهو‪ :‬التعزير والتوقير‪ ،‬كما جمع بين الحقوق الثالثة يف سورة‬
‫الفتح يف قوله‪{ :‬ﭐﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠﯡ ﯢ ﯣ ﯤ‬
‫ﯥ ﯦ ﯧ ﯨﯩ} [سورة‪ ‬الفتح‪.(((»]9-8 ‬‬
‫ثال ًثا‪ :‬نتيجة هذا التسليم وااللتزام بتلك الصفات؟‬
‫قال تعالى‪{ :‬ﯵ ﯶ ﯷﯸﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ‬
‫ﰁ ﰂﰃ} مفلحون‪ :‬ألن اهلل هو الذي يدبر أمورهم‪ ،‬وينظم عالقاهتم‪ ،‬ويحكم‬
‫خيرا ممن يدبر أمورهم وينظم عالقاهتم ويحكم‬
‫بينهم بعلمه وعدله‪ ،‬فال بد أن يكونوا ً‬
‫بينهم بشر مثلهم‪ ،‬قاصرون‪ ،‬لم يؤتوا من العلم إال قليال‪ ،‬فرتكوا حكم الجاهلية لحكم‬
‫اهلل العزيز العليم ّ‬
‫جل وعال‪.‬‬
‫أيضا ألهنم مستقيمون على منهج واحد ال عوج فيه وال التواء‪،‬‬
‫وهم مفلحون ً‬
‫مطمئنون إلى هذا المنهج‪ ،‬ماضون فيه ال يتخبطون فال تتوزع طاقاهتم‪ ،‬وال يمزقهم‬
‫((( المصدر السابق‪.‬‬
‫‪248‬‬
‫وسرلا ةعاط بوجو ‪:‬لوألا لصفلا‬ ‫عبارلا بابلا‬
‫الهوى كل ممزق‪ ،‬وال تقودهم الشهوات واألهواء‪ ،‬قال تعالى‪{ :‬ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ‬
‫ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ} [سورة‪ ‬لقمان‪.]22 ‬‬
‫وهم الفائزون الناجون يف دنياهم وأخراهم‪ ،‬وهذا وعد من اهلل ال يخلف اهلل وعده‬
‫وهم للفوز أهل‪ ،‬ولديهم أسبابه من واقع حياهتم‪« .‬فهم فائزون بنجاهتم من العذاب‪،‬‬
‫لرتكهم أسبابه‪ ،‬ووصولهم إلى الثواب‪ ،‬لفعلهم أسبابه‪ ،‬فالفوز محصور فيهم‪ ،‬وأما‬
‫من لم يتصف بوصفهم‪ ،‬فإنه يفوته من الفوز بحسب ما قصر عنه من هذه األوصاف‬
‫الحميدة»(((‪.‬‬
‫فالذي يطع اهلل والرسول يف أي أمر من األمور ويسلم له ويجعل بينه وبين عذاب‬
‫ِ‬
‫رحمته وعفو ُه‬ ‫اهلل وقاية بامتثال األوامر واجتناب النواهي خشي ًة هلل وخو ًفا منه ورجا َء‬
‫فهم الفائزين قال تعالى‪{ :‬ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂﰃ}‪.‬‬
‫‪- -‬الفوز والفالح‪:‬‬
‫«الفالح نجاح المرء فيما يطمح إليه فهو يجمع معنيي الفوز والنفع وذلك هو‬
‫الظفر بالمبتغى من الخير»(((‪ .‬فـ«الفالح هو‪ :‬الظفر والفوز بدرك البغية‪ ،‬وأصله من‬
‫الف ْلح ‪-‬بسكون الالم‪ -‬وهو الشق والقطع‪ ،‬ومنه فالحة األرض وهو شقها للحرث‪.‬‬
‫وأستعمل منه الفالح يف الفوز‪ ،‬كأن الفائز شق طريقه وفلحه للوصول إلى مبتغاه‪ ،‬أو‬
‫انفتحت له طريق الظفر وانشقت»(((‪« .‬والمفلحون‪ :‬الذين أدركوا بغيتهم من الجنة‪،‬‬
‫والفالح يأيت بمعنى إدراك البغية‪ ،‬وبلوغ البغية يعم لفظة الفالح حيث وقعت والفوز‬
‫حصول اإلنسان على أمله‪ ،‬وظفره ببغيته»(((‪« ،‬والفالح هو‪ :‬الفوز بالمطلوب والنجاة‬
‫تيسير الكريم الرحمن‪-‬السعدي (‪.)572‬‬ ‫(( (‬
‫التحرير والتنوير (‪.)224/16‬‬ ‫((( ‬
‫تفسير الوسيط (‪.)18/1‬‬ ‫((( ‬
‫المحرر الوجيز (‪.)296/3‬‬ ‫((( ‬
‫‪249‬‬
‫دراسة موضوعات سورة النور‬
‫من المرهوب»(((‪.‬‬
‫«والفوز يف اللغة النجاة»((( وهو‪« :‬الظفر العظيم الذي ال فوز وراءه»(((‪« ،‬والمعنى‬
‫أولئك هم الفائزون بمطالبهم الدينية والدنيوية فإن من نال تزكية اهلل تعالى ورحمته لم‬
‫يفته مطلب»(((‪.‬‬
‫قال الراغب «الفوز‪ :‬الظفر بالخير مع حصول السالمة‪ ،‬قال تعالى‪{ :‬ﯽ ﯾ‬
‫ﯿﰀ} [التوبة‪ ..]20 ‬فأما إذا اعترب بحال اآلخرة فيما يصل إليه من النعيم فهو الفوز‬
‫الكبير»(((‪.‬‬
‫«وعن بعض الملوك أنه سأل عن آية كافية فتليت له هذه اآلية‪ .‬وهي جامعة‬
‫ألسباب الفوز»(((‪ .‬وقال البقاعي‪« :‬ولما أفرد الضمائر إشارة إلى قلة المطيع‪ ،‬جمع‬
‫لئال يظن أنه واحد فقال‪ { :‬ﯽ} العالو الرتبة‪{ ،‬ﯾ ﯿﰀ} بالملك األبدي‬
‫وال فوز لغيرهم»(((‪.‬‬
‫«{ﭐﯽ} الذين جمعوا بين طاعة اهلل وطاعة رسوله‪ ،‬وخشية اهلل وتقواه‪{ ،‬ﭐﯾ‬
‫ﯿﰀ} بنجاهتم من العذاب‪ ،‬لرتكهم أسبابه‪ ،‬ووصولهم إلى الثواب‪ ،‬لفعلهم‬
‫أسبابه‪ ،‬فالفوز محصور فيهم‪ ،‬وأما من لم يتصف بوصفهم‪ ،‬فإنه يفوته من الفوز‬
‫بحسب ما قصر عنه من هذه األوصاف الحميدة»(((‪.‬‬

‫تيسير الكريم الرحمن‪-‬السعدي (‪.)40‬‬ ‫(( (‬


‫معاين القرآن النحاس (‪.)584/4‬‬ ‫((( ‬
‫روح المعاين (‪.)157/10‬‬ ‫((( ‬
‫روح المعاين (‪.)24/2‬‬ ‫((( ‬
‫مفردات الراغب (‪.)387/1‬‬ ‫((( ‬
‫مدارك التنزيل ‪-‬النسفي (‪ ،)424/2‬والجامع للقرطبي (‪.)295/12‬‬ ‫((( ‬
‫نظم الدرر للبقاعي (‪.)483/5‬‬ ‫((( ‬
‫تيسير الكريم الرحمن‪-‬السعدي (‪.)572‬‬ ‫((( ‬
‫‪250‬‬
‫وسرلا ةعاط بوجو ‪:‬لوألا لصفلا‬ ‫عبارلا بابلا‬

‫‪ ‬املبحث الثالث‬
‫حال الناس يف الطاعة وواجب الرسول جتاههم‬

‫بعد هذا العرض والوصف الرباين وهذه المقابلة العجيبة بين الذين يتلقون أوامر‬
‫اهلل ورسوله بالطاعة؛ وبين الذين يفرون من أوامر اهلل وحكمه‪ ،‬يصل اهلل تعالى الحديث‬
‫عن أولئك المنافقين الذين ال يريدون أن يتحاكموا إلى اهلل رسوله فيقول تعالى‪:‬‬
‫{ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋﰌ ﰍ ﰎ ﰏﰐ ﰑ ﰒﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ﰗ‬
‫ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟﭠ ﭡ‬ ‫ﰘﰙ‬
‫ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪﭫ}‪.‬‬
‫كان المنافقون يقولون لرسول‪ ‬اهلل وهم يقسمون أشد األيمان وأغلظها [لئن‬
‫أمرهم للخروج للجهاد ليخرجن]‪ ،‬وهذا كذب وال شك ألن هذه طبيعتهم‪ ،‬فقد قرر‬
‫تعالى عنهم ذلك يف آيات كثيرة منها‪{ :‬ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ‬
‫ﮯﮰ} [سورة‪ ‬المجادلة‪ ]16 ‬وقال تعالى‪{ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ‬
‫ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ} [سورة‪ ‬التوبة‪.]62 ‬‬
‫ولكن اهلل تعالى يقول لنبينا محمد ﷺ أن يقول لهم‪{ :‬ﰍ ﰎ ﰏﰐ ﰑ ﰒ}‬
‫أي‪« :‬ال تحلفوا طاعتكم طاعة معروفة‪ ،‬معلومة إنما هي مجرد قول ال فعل معه‪ ،‬فكلما‬
‫حلفتم كذبتم»(((‪.‬‬
‫{ﰍ ﰎ ﰏﰐ ﰑ ﰒ} أي‪« :‬أولى بكم من أيمانكم‪ ،‬أو ليكن منكم‪ :‬طاعة‬
‫معروفة»(((‪ ،‬فأولى بكم من هذه األيمان أن تكون منكم طاعة هلل ورسوله بالمعروفة‬
‫(( ( موضوعات سور القرآن‪ -‬سورة النور (‪.)84‬‬
‫((( الجامع ألحكام القرآن (‪.)296/12‬‬
‫‪251‬‬
‫دراسة موضوعات سورة النور‬
‫بدون أيمان ألن أيمانكم هذه لن تجدي شي ًئا يف العمل إنما هي كذب وتمويه ولبس‬
‫للحق بالباطل قال تعالى‪{ :‬ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ} [سورة‪ ‬المنافقون‪.]4 ‬‬
‫وقال‪{ :‬ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪﭫ ﭬ‬
‫ﭭ ﭮ ﭯﭰ} [سورة‪ ‬النساء‪.]81 ‬‬
‫«ليكن منكم طاعة معروفة‪ ،‬وقول معروف بإخالص القلب‪ ،‬وال حاجة إلى‬
‫ٍ‬
‫خالصة أفضل وأمثل من يمين باللسان ال يوافقها‬ ‫معروفة ٍ‬
‫بنية‬ ‫ٍ‬ ‫اليمين»(((‪« .‬طاعة‬
‫الفعل»(((‪« .‬أو‪ :‬طاعة معروفة معلومة ال يشك فيها كطاعة الخلص من المؤمنين»(((‪،‬‬
‫وقيل‪« :‬أطيعوا طاع ًة معروفة حقيقية»((( وقيل‪« :‬صحيح ٌة ال نِفاق فيها»(((‪.‬‬
‫ثم يعقب اهلل تعالى على هذه اآلية متوعدً ا من يكون على هذا المنهاج الشيطاين‬
‫بقولة‪{ :‬ﰔ ﰕ ﰖ ﰗ ﰘﰙ} فإن اهلل تعالى خبير بكل شيء تعملونه ومجازيكم‬
‫عليه‪ ،‬فإن صدقتم وآمنتم باهلل حق اإليمان حصل لكم الفوز والفالح‪ ،‬وإن كذبتم‬
‫أليما‪.‬‬
‫وأصررتم على عدم التسليم هلل ولرسوله فسيجازيكم يوم القيامة ويعذبكم عذا ًبا ً‬
‫ثم يأيت التعقيب الختامي بآية واحدة على ما سبق وصفه من النوعين يف اآليات‬
‫ُيبين اهلل فيها بإيجاز ووضوح‪:‬‬
‫‪1-1‬ما هو الواجب على الناس تجاه أوامر اهلل ورسوله؟‬
‫‪2-2‬وما ذا لو تولى الناس ولم يؤمنوا؟‬
‫‪3-3‬وما نتيجة التزام طاعة رسول‪ ‬اهلل؟‬
‫الجامع ألحكام القرآن‪-‬القرطبي (‪.)296/12‬‬ ‫(( (‬
‫معالم التنزيل ‪-‬البغوي (‪.)57/6‬‬ ‫((( ‬
‫روح المعاين (‪ ،)488/13‬والبحر المحيط (‪.)239/8‬‬ ‫((( ‬
‫روح المعاين (‪.)489/13‬‬ ‫((( ‬
‫زاد المسير (‪.)454/4‬‬ ‫((( ‬
‫‪252‬‬
‫وسرلا ةعاط بوجو ‪:‬لوألا لصفلا‬ ‫عبارلا بابلا‬
‫‪4-4‬وما الواجب على الرسول ﷺ ومن دعا بدعوته لو لم يؤمن الناس؟‬
‫قال تعالى‪{ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟﭠ‬
‫ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪﭫ}‪.‬‬
‫‪1 -1‬فالواجب على الناس تجاه أوامر اهلل ورسوله‪ :‬الطاعة‪ ،‬قال تعالى‪{ :‬ﭑ ﭒ‬
‫ﭓ ﭔ ﭕ} فهذا أمر صريح يدل على الوجوب المطلق مع أن طاعة كل واحد‬
‫منهما متالزمة لطاعة األخرى ال تنفك عنها‪ ،‬كما قال تعالى‪{ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ‬
‫ﭖﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝﭞ} [سورة‪ ‬النساء‪.]80‬‬
‫‪2 -2‬أما لو تولى الناس ولم يلتزموا بأمر اهلل تعالى وأمر رسوله‪{ :‬ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ‬
‫ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ} أي‪« :‬إن تتولوا عن الطاعة فال تضرون الرسول ألنه مسئول‬
‫فقط عما كلف به من تبليغ الرسالة‪ ،‬وأنتم عليكم مسؤولية الطاعة المستمرة‪ ،‬والخشية‬
‫والتقوى الدائمة»(((‪ .‬فالرسول يتحمل أمر التبليغ والناس يتحملون أمر اإلتباع‪،‬‬
‫فشر‪.‬‬
‫شرا ٌ‬
‫فخير وإن ً‬
‫خيرا ٌ‬
‫وسيجازون على ذلك إن ً‬
‫‪3-3‬بين اهلل نتيجة اإليمان والطاعة للرسول فيقول تعالى‪{ :‬ﭡ ﭢ ﭣﭤ}‬
‫أي‪« :‬إن تطيعوا الرسول هتتدوا إلى الصراط المستقيم‪ ،‬قوال وعمال‪ ،‬فال سبيل لكم‬
‫إلى الهداية إال بطاعته‪ ،‬وبدون ذلك ال يمكن بل هو محال»((( وهذا ترغيب لهم بالتزام‬
‫الطريق المستقيم‪ ،‬الطريق الذي يوصلهم للنجاة والفالح وهو اتباع الرسول ﷺ‪ ،‬كما‬
‫قال تعالى‪{ :‬ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭺ ﭻ ﭼﭽ}‬
‫[سورة‪ ‬آل‪ ‬عمران‪.]31‬‬
‫‪4 -4‬وأما الواجب على الرسول ومن سلك سبيله ودعوته حتى ولو لم يؤمن الناس‬
‫(( ( موضوعات سور القرآن ‪-‬سورة النور (‪.)84‬‬
‫((( تيسير الكريم الرحمن‪-‬السعدي (‪.)521‬‬
‫‪253‬‬
‫دراسة موضوعات سورة النور‬

‫‪ -‬هو‪{ :‬ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪﭫ} أي‪« :‬أن الرسول عليه التبليغ الب ّين الذي‬
‫ٍ‬
‫ألحد ش ًكا وال شبهةً‪ .‬والرسول ليس له من األمر شيء ‪ -‬فيما يخص هداية‬ ‫ال ُي ْبقى‬
‫التوفيق والهداية ‪ ،-‬وقد قام بوظيفته أحسن القيام»((( فيما هو من مقدرته واختصاصه‬
‫وهو داللة اإلرشاد والبيان‪ .‬وهذا مثل قوله تعالى‪{ :‬ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ‬
‫وقوله‪{ :‬ﯸ ﯹ ﯺﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀﰁ}‬ ‫[البقرة‪]272‬‬ ‫ﮀ ﮁ ﮂﮃ}‬
‫[سورة‪ ‬هود‪.]12 ‬‬
‫َّ‬
‫إن هذه رسالة إلى كل الدعاة أنه ليس عليهم إال تبليغ الحق للناس وتبيينه لهم‬
‫أحسن البيان وأوضحه ليربؤوا ذممهم أمام اهلل تعالى‪ ،‬ولكي ال يكون عند أحد من‬
‫الناس حجة أمام اهلل‪.‬‬
‫وال ينظر الدعاة إلى استجابة الناس أو عدم استجابتهم‪ ،‬ولكن ليس عليهم إال‬
‫البالغ المبين‪ ،‬فليشتغلوا بما هو مطلوب منهم‪ ،‬مقدور لهم‪ ،‬وليرتكوا ما ليس يف دائرة‬
‫اختصاصهم ‪ -‬وهو هداية التوفيق‪ ،‬وال ييأسوا من رحمة اهلل‪.‬‬
‫فليبلغوا ويبينوا ويعلموا برحمة ورأفة وشفقة‪ ،‬مع التوكل على اهلل‪ ،‬والدعاء‬
‫للنفس والغير بالهداية والتقوى‪ ،‬وأن تكون دعوهتم وفق منهج سيد المرسلين ﷺ بعلم‬
‫وبرهان من اهلل‪ ،‬وليحذروا ما يضاد ذلك من العجلة واإلعجاب والغرور والتعالي على‬
‫الخلق‪ ،‬والدعوة باالجتهادات غير الشرعية‪ ،‬والقول على اهلل أو على رسوله بال علم‪،‬‬
‫واهلل المستعان وعليه التكالن‪.‬‬

‫((( تيسير الكريم الرحمن‪-‬السعدي (‪ ،)521‬بتصرف‪.‬‬


‫‪254‬‬
‫لا يف نيكمتلاو رصنلا بابسأ ‪:‬يناثلا لصفلا‬ ‫عبارلا بابلا‬

‫‪ ‬الفصل الثاني‬
‫أسباب النصر والتمكني يف األرض‬
‫الفصل الثاني‪ :‬أسباب النصر والتمكني يف األرض‬

‫قال تعالى‪{ :‬ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ‬


‫ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ‬
‫ﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔ ﮕﮖﮗ‬
‫ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤﮥ ﮦ ﮧﮨ‬
‫ﮩ ﮪﮫ}‪ .‬يف هذه اآليات الثالث خربٌ من اهلل عن وعد قطعه على نفسه لعباده‪،‬‬
‫ووصف تام وواضح لمتطلبات وشروط ذلك الوعد الكريم والكبير من الكبير المتعال‪،‬‬
‫ٌ‬
‫ووصف واضح للفريق المضاد‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫وبيان ألوصاف أولئك القوم المستحقون لذلك الوعد‪،‬‬
‫لهم؛ ألن األشياء تتبين بأضدادها‪ ،‬ولتفهم العلة والحكمة يف شرع اهلل ووعده‪ ،‬وبيان ما‬
‫اشتملت عليه هذه الجملة الكريمة ضمنه بعضهم يف سؤال مهم جدً ا‪ :‬ماذا تحتاج أمتنا‬
‫يف هذه األيام؟؟‬
‫يقول الشيخ أحمد فرح عقيالن ‪« :$‬يف أيامنا هذه تحتاج أمتنا إلى ثالثة أمور‪:‬‬
‫مؤزرا‪ ،‬تمسح به عن جنباهتا إذالل الهزيمة ‪ -‬تلك الهزيمة‬
‫ً‬ ‫نصرا‬
‫أوال‪ :‬تريد أمتنا ً‬
‫قهرا فتت أكبادها وقلوهبا‬
‫التي عصفت بكرامتها‪ ،‬واستباحت مقدساهتا‪ ،‬وقهرهتا ً‬
‫وجعلتها أذل شعوب الدنيا‪ ،‬يتحدوهنا يف عقر دارها‪ ،‬ويدنسون أولى قبلتيها‪ ،‬بل‬
‫ويهينون قرآهنا يف مصاحفه الشريفة‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬وتريد أمتنا أن يعز دينها؛ فيتمكن يف القلوب والمجتمعات ويحكم يف‬
‫السياسة والعسكرية والقضاء‪.‬‬
‫‪255‬‬
‫دراسة موضوعات سورة النور‬
‫وأخيرا‪ :‬تريد أمتنا أن تتحرر من الخوف وأن تشعر يف ديارها باألمن واألمان‪.‬‬
‫ً‬ ‫ثال ًثا‬
‫ثالث مطالب يتطلع إليها قلب كل مؤمن بربه محب لدينه وأمته وشعبه‪ ،‬هذه‬
‫األمنيات الثالث يتمناها كل مؤمن‪ ،‬ألن فيها عز الدنيا ومجدها‪ ،‬وثواب اآلخرة‬
‫وخلدها‪.‬‬
‫هذه األمنيات الثالث وعد من ربنا ‪ ۴‬ووعده الحق‪ ،‬أن يحققها ألمتنا‪ ،‬ولكن‬
‫بشرط نفذه سلفنا الصالح رضوان اهلل عليهم َف َصدَ َق ُهم اهلل وعده وأعز باإليمان جنده»(((‪.‬‬
‫ولكن ما عالقة هذا السؤال وجوابه باآليات الكريمة؟ هذا ما سنعرفه يف المباحث‬
‫التالية‪:‬‬
‫المبحث األول‪ :‬صفات أهل النصر‪.‬‬
‫المبحث الثاين‪ :‬حقيقة االستخالف‪.‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬التمكين وحقيقته‪.‬‬
‫المبحث الرابع‪ :‬معنى تبديل الخوف باألمن‪.‬‬
‫المبحث الخامس‪ :‬سبيل المحافظة على الموعود‪.‬‬

‫((( من لطائف التفسير (‪.)444/2‬‬


‫‪256‬‬
‫لا يف نيكمتلاو رصنلا بابسأ ‪:‬يناثلا لصفلا‬ ‫عبارلا بابلا‬

‫‪ ‬املبحث األول‬
‫صفات أهل النصر‬

‫يا ترى ما الصفتان الجامعتان اللتان يكون هبما النصر والعزة للدين ويتحقق‬
‫واألمن واألمان؟؟‬
‫قال تعالى‪{ :‬ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ‬
‫ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ‬
‫ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓﮔ}‪.‬‬
‫«هذا وعد من اهلل لرسوله ﷺ بأن سيجعل أمته خلفاء األرض‪ ،‬أي‪ :‬أئمة الناس‬
‫والوالة عليهم‪ ،‬وهبم تصلح البالد‪ ،‬وتخضع لهم العباد‪{ ،‬ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ}‬
‫وحكما فيهم‪ ،‬وقد فعل اهلل تبارك وتعالى ذلك وله الحمد والمنة‪.(((»..‬‬
‫لقد وعد اهلل گ باألمور التي تحتاجها أمتنا يف هذه األيام‪ ،‬ولكن هذا الوعد لن‬
‫يتحقق إال لطائفة معينة «تتحلى بصفتين عظيمتين‪ ،‬هبما تستحق الوعد الحق‪ ،‬هاتان‬
‫الصفتان متى توفرتا يف أمتنا عرب تاريخها إال هتاوى الشرك تحت قدميها‪ ،‬وظهر دين اهلل‬
‫على الدين كله‪ ،‬هاتان الصفتان هما‪ :‬اإليمان باهلل واألعمال الصالحة»(((‪.‬‬
‫ولكن ما هو ذلك اإليمان الذي تنتصر به األمة ويتحقق به وعد اهلل؟ وما هو العمل‬
‫الصالح الذي يتحقق به وعد اهلل؟‬
‫إن اإليمان الذي تنتصر به األمة ويتحقق لها ما تريد‪ :‬هو اإليمان الكامل باهلل‬
‫(( ( تفسير القرآن العظيم‪ -‬ابن كثير (‪.)77/6‬‬
‫((( من لطائف التفسير (‪.)445/2‬‬
‫‪257‬‬
‫دراسة موضوعات سورة النور‬
‫تعالى‪ ،‬الذي يجعل كل حياة اإلنسان هلل تعالى؛ فهو اإليمان الذي يستغرق اإلنسان‬
‫كله‪ ،‬بخواطر نفسه‪ ،‬وخلجات قلبه‪ ،‬وأشواق روحه‪ ،‬وميول فطرته‪ ،‬وحركات جسمه‪،‬‬
‫ولفتات جوارحه‪ ،‬سلوكه مع ربه ومع الناس جميعا يتوجه هبذا كله إلى اهلل‪ ،‬ذلك‬
‫اإليمان الذي هو منهج حياة كامل‪ ،‬يتضمن كل ما أمر اهلل به‪ ،‬ويدخل فيما أمر اهلل به‬
‫توفير األسباب‪ ،‬وإعداد العدة‪ ،‬واألخذ بالوسائل‪ ،‬والتهيئ لحمل األمانة الكربى يف‬
‫األرض؛ وهي أمانة االستخالف‪ ،‬وهذا اإليمان يقول اهلل عنه‪{ :‬ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ‬
‫ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛﯜ} [سورة‪ ‬األنعام‪.]162 ‬‬
‫فاإليمان باهلل تعالى الذي يتحقق به االستخالف ليس كلمة تقال ولكنه عمل‬
‫وإعداد واستعداد لالستخالف‪ ،‬فإذا لم يكن مع ذلك اإليمان الذي يقال باللسان‬
‫ويعتقد به يف القلب‪ ،‬عمل وإعداد واستعداد فلن يتحقق ذلك االستخالف‪.‬‬
‫أما العمل الصالح الذي يتحقق به االستخالف‪ :‬فهو ما ينتج عن التصديق‬
‫واإليمان باهلل تعالى من أعمال صالحة‪ ،‬وقيد اهلل تعالى األعمال بالصالحة ألن هناك‬
‫اً‬
‫أعمال تؤدي إلى االستخالف وهي مخالفة لإليمان فلن يحصل هبا االستخالف‪.‬‬
‫فيجب أن يكون العمل مواف ًقا للشرع ويكون العمل هلل وحده وليس من أجل عرض‬
‫من أعراض الدنيا‪.‬‬
‫ودائما يقرن اهلل تعالى بين اإليمان والعمل واالشرتاط يف العمل أن يكون‬
‫صالحا‪ ،‬قال تعالى‪{ :‬ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﮟ ﮠ‬
‫ﮡ ﮢﮣ} [سورة‪ ‬الربوج‪ ،]11 ‬وقال تعالى‪{ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ‬
‫ﭖ ﭗ ﭘ ﭙﭚ} [سورة‪ ‬مريم‪ ]96 ‬واآليات يف ذلك كثيرة‪.‬‬
‫ٌ‬
‫مقبول‬ ‫ولكن السبب يف هذا االرتباط هو أنه ال إيمان كامل إال بالعمل وال َ‬
‫عمل‬
‫صالحا‪ ،‬وأيضا ال عمل صالح إال إذا كان عن إيمان باهلل‪ .‬فهما متالزمان ال‬
‫ً‬ ‫إال إذا كان‬
‫ينفك أحدهما عن اآلخر‪.‬‬
‫‪258‬‬
‫لا يف نيكمتلاو رصنلا بابسأ ‪:‬يناثلا لصفلا‬ ‫عبارلا بابلا‬
‫فإذا حصل هذا اإليمان والعمل الصالح ما الذي سيحصل؟‬
‫سيحصل وعد اهلل وهو كما قال تعالى‪{ :‬ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ‬
‫ﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀ‬
‫ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ‬
‫ﮓﮔ}‪.‬‬
‫ولكن ما حقيقة؟ وما معنى االستخالف يف األرض؟ وما معنى تمكين الدين؟ وما‬
‫معنى تبديل الخوف باألمن؟ وما سبيل المحافظة على هذا الموعود؟ هذا ما نعرفه يف‬
‫المبحث التالي‪:‬‬
‫‪259‬‬
‫دراسة موضوعات سورة النور‬

‫‪ ‬املبحث الثاني‬
‫حقيقة االستخالف‬

‫االستخالف‪« :‬هو النيابة عن الغير إما لغيبة المنوب عنه أو لعجزه أو لموته أو‬
‫لتشريف المستخلف‪ .‬والمعنى هنا لتشريف المستخلف فقد استخلف اهلل عباده‬
‫الصالحين يف األرض لتشريفهم وتكريمهم»(((‪.‬‬
‫هذا االستخالف ذكره اهلل يف مواضع من القرآن فقال تعالى‪{ :‬ﯧ ﯨ ﯩ‬
‫ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲﯳ}‬
‫[سورة‪ ‬األعراف‪ .]129 ‬وقوله تعالى‪{ :‬ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ‬
‫ﯭ ﯮ ﯯﯰ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ‬
‫ﭛ ﭜﭝ} [سورة‪ ‬القصص‪ .]6-5 ‬وعلى هذا فإن المقصود من قوله تعالى‪:‬‬
‫{ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ} «يعني بني إسرائيل إذ أهلك اهلل الجبابرة بمصر‬
‫وأورثهم أرضهم وديارهم»(((‪.‬‬
‫وهذا االستخالف عام للصحابة وغيرهم‪ ،‬أي‪ :‬أن التمكين المذكور يف اآلية ليس‬
‫خاصا بالصحابة ﭫ فقط كما ذكره بعض العلماء‪ ،‬ولكنه عام يف كل من تتوفر فيه‬
‫ً‬
‫الصفتان‪« .‬فصح أن اآلية عامة ألمة محمد ﷺ غير مخصوصة»(((‪.‬‬
‫ويجب التنبيه على أن االستخالف ليس مجرد الملك والقهر والغلبة والحكم‪،‬‬
‫(( ( مفردات الراغب (ص‪.)156‬‬
‫((( الجامع ألحكام القرآن (‪.)299/12‬‬
‫((( الجامع ألحكام القرآن (‪.)229/12‬‬
‫‪260‬‬
‫لا يف نيكمتلاو رصنلا بابسأ ‪:‬يناثلا لصفلا‬ ‫عبارلا بابلا‬
‫بل هو مع هذه األمور كلها‪ ،‬القدرة على اإلعمار واإلصالح يف األرض‪ ،‬ال على الهدم‬
‫واإلفساد‪ ،‬وهو القدرة أيضا على تحقيق العدل والطمأنينة‪ ،‬ال على الظلم والقهر‪.‬‬
‫هذا هو االستخالف الذي يريده اهلل ووعد به عباده {ﭶ ﭷ ﭸ‬
‫ﭹ ﭺ} ليحققوا المنهج الذي يريده اهلل‪ ،‬ويقرروا العدل الذي أمر اهلل‪ ،‬ويسيروا‬
‫بالبشرية خطوات يف طريق الكمال المقدر لها يوم أنشأها‪ ،‬فأما الذين يملكون فيفسدون‬
‫يف األرض‪ ،‬وينشرون فيها البغي والجور فهؤالء ليسوا بمستخلفين يف األرض إنما هم‬
‫مبتلون بما هم فيه‪ ،‬أو مبتلى هبم غيرهم‪.‬‬
‫اختبار من اهلل‪ ،‬قال تعالى‪{ :‬ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ‬
‫ٌ‬ ‫وهذا االستخالف‬
‫ﯶ ﯷ ﯸ ﯹﯺ} [يونس‪َ ]14 ‬أي‪« :‬ثم جعلناكم أيها المخاطبون بشريعة‬
‫محمد ﷺ خلفا َء يف األرض تصلحون وال تفسدون‪ ،‬من بعد أن َأهلكنا المكذبين‬
‫َّ‬
‫قبلكم‪ ،‬الذين تسمعون أخبارهم وتشاهدون آثارهم‪.‬‬
‫{ﯷ ﯸ ﯹﯺ} أي‪ :‬استخلفناكم من بعدهم لنعلم واق ًعا منكم‬
‫خيرا كان َأو ًّ‬
‫شرا‪ .‬والمراد‪ :‬أنه تعالى يعاملكم معاملة من‬ ‫وموجو ٌد؛ َأ َّي عم ٍل تعملون ً‬
‫يخترب ليظهر من َأمركم‪ ،‬ما علم َأزال َأنه سيحدث منكم باختياركم لتقوم به الحجة‬
‫عليكم‪ ،‬فيجازيكم على ما صدر منكم‪.‬‬
‫و ُأسلوب اآلية يشعر باستمالة المخاطبين نحو اإليمان‪ ،‬إذ األصل َأن يكون‬
‫االستخالف بعد اختيار‪ ،‬فإذا شعر المخاطب َأنه اختير لما استخلف فيه‪ ،‬لاَ َن قلب ُه‬
‫وانجذبت نفسه نحو القيام بعمل الصالحات»(((‪.‬‬
‫َ‬
‫واالستخالف إنعا ٌم يمتن اهلل به على الناس‪{ :‬ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ‬
‫ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ} فهذا من «التذكير باإلنعام عليهم‬
‫((( التفسير الوسيط‪ -‬األزهر (‪ )62/4‬باختصار‪.‬‬
‫‪261‬‬
‫دراسة موضوعات سورة النور‬
‫باالستخالف‪ ،‬ويف سورة األعراف بتأكيد االثنين ألنه يف حكاية ما وقع لبني إسرائيل‬
‫من إسراعهم يف الكفر ومبادرهتم إليه واستحقاقهم على ذلك العقوبة‪ ،‬وجاء ذلك على‬
‫طريق االستئناف على تقدير أن اً‬
‫قائل قال‪ :‬حينئذ يسرع العالي إلى عقوبة السافل!‬
‫فأجيب بأن اهلل فوق الكل وهو أسرع عقوبة‪ ،‬فهو قادر على أن يسلط الوضيع أو‬
‫أحقر منه على الرفيع فيهلكه؛ ثم رغب بعد هذا الرتهيب يف العفو بأنه على غناه عن‬
‫الكل أسبل ذيل غفرانه ورحمته بإمهاله العصاة وقبوله اليسير من الطاعات‪ ،‬بأنه خلق‬
‫السماوات واألرض وجعل الظلمات والنور منافع لهم ثم هم به يعدلون! ولوال‬
‫غفرانه ورحمته ألسرع عقابه لمن عدل به غيره فأسقط عليهم السماوات وخسف‬
‫هبم األرضين التي أنعم عليهم بالخالفة فيها‪ ،‬وأذهب عنهم النور وأدام الظالم‪ ،‬فقد‬
‫ختم السورة بما به ابتدأها‪ ،‬فإن قوله‪{ :‬ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ} هو المراد‬
‫بقوله‪{ :‬ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ} [األنعام‪ ،]2 :‬وقوله‪{ :‬ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯﯰ}‬
‫[األنعام‪ ،]164 :‬هو معنى قوله‪{ :‬ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙﭚ ﭛ ﭜ ﭝ‬
‫ﭞ ﭟﭠ} [األنعام‪ ،]1 :‬واهلل الموفق»(((‪.‬‬

‫((( نظم الدرر‪ -‬البقاعي (‪.)346/7‬‬


‫‪262‬‬
‫لا يف نيكمتلاو رصنلا بابسأ ‪:‬يناثلا لصفلا‬ ‫عبارلا بابلا‬

‫‪ ‬املبحث الثالث‬
‫التمكني وحقيقته‬

‫التمكين‪« :‬التثبيت‪ ،‬أي يجعل لهم ملكهم ثابت مستقر‪ ،‬ليس عارضا‪ ،‬ماداموا‬
‫متمسكين باإليمان والعمل الصالح‪ ،‬قال تعالى‪{ :‬ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ‬
‫ﯖ} [سورة‪ ‬الرعد‪.(((»]11 ‬‬
‫وقال تعالى‪{ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ}‬
‫[سورة‪ ‬األعراف‪ ،]96 ‬وقال تعالى‪{ :‬ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ‬
‫ﮆ ﮇﮈ} [سورة‪ ‬األنبياء‪ ]105 ‬وقال تعالى‪{ :‬ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ‬
‫ﯛ ﯜ ﯝﯞ} [سورة‪ ‬محمد‪.]7 ‬‬
‫فهذه النصوص وغيرها تدل على أن التمكين لن يكون؛ إال إذا تمسك أصحاب‬
‫الحق بحقهم‪ ،‬وقاموا به حق القيام‪ ،‬وعملوا على تحقيق ذلك التمكين‪ ،‬وذلك لن‬
‫يكون إال باإليمان والعمل‪.‬‬
‫وتمكين الدين إنما يكون بتمكينه يف القلوب‪ ،‬كما يتم بتمكينه يف تصريف الحياة‬
‫وتدبيرها‪ ،‬فقد وعدهم اهلل إ ًذا أن يستخلفهم يف األرض‪ ،‬وأن يجعل دينهم الذي‬
‫ارتضى لهم هو الذي يهيمن على األرض‪ ،‬ودينهم يأمر باإلصالح ويأمر بالعدل‪،‬‬
‫ويأمر باالستعالء على شهوات األرض‪ ،‬ويأمر بعمارة هذه األرض‪ ،‬واالنتفاع بكل ما‬
‫أودعها اهلل من ثروة‪ ،‬ومن رصيد‪ ،‬ومن طاقة‪ ،‬مع التوجه بكل نشاط فيها إلى اهلل‪.‬‬

‫((( تفسير سورة النور (‪.)472‬‬


‫‪263‬‬
‫دراسة موضوعات سورة النور‬
‫عن أبي‪ ‬بن كعب ﭬ أن رسول‪ ‬اهلل ﷺ قال‪َ « :‬ب ِّشر هذه األمة بالنصر والسناء‬
‫والتمكين يف األرض‪ ،‬فمن عمل منهم عمل اآلخرة للدنيا‪ ،‬لم يكن له يف اآلخرة‬
‫نصيب»(((‪.‬‬
‫ومن التمكين لهم يف األرض‪:‬‬
‫‪1-1‬نصرهم بالرعب‪ :‬فقد ثبت عن رسول‪ ‬اهلل ﷺ أنه قال‪« :‬أعطيت خمسا لم يعطهن‬
‫أحد من األنبياء قبلي نصرت بالرعب مسيرة شهر‪ ،(((»....‬قال ابن حجر‪« :‬أي أن‬
‫اهلل ألقى يف قلوب عدوه الرعب فنصره اهلل به»(((‪.‬‬
‫‪2-2‬انتشار الدين يف القبائل واألمم وكثرة متبعيه ﷺ(((‪.‬‬
‫‪3-3‬يأتيهم الناس يف قعر دارهم بخيراهتم وكنوزهم ومقاليد أمرهم «كما أورث‬
‫اهلل القوم الذين كانوا يستضعفون من بني إسرائيل مشارق األرض ومغارهبا‪،‬‬
‫وأورثهم بالد فرعون وأموالهم وزروعهم وثمارهم وكنوزهم»(((‪.‬‬
‫‪4-4‬أن يستغني المسلمون فال يكادون يحتاجون لغيرهم إال على وجه المبادلة‬
‫والمساواة‪.‬‬
‫‪5-5‬أن تخافهم أمم األرض وهتاب سطوهتم‪ ،‬وتقدر كلمتهم‪.‬‬
‫((( أخرجه ابن حبان يف صحيحه (‪ )405‬وأحمد يف المسند (‪ )21258‬والحاكم يف المستدرك (‪ )346/4‬ح‬
‫(‪ ،)7862‬وقال «صحيح اإلسناد ولم يخرجاه»‪ .‬قال يف مجمع الزائد (‪« :)220/10‬رجال أحمد رجال‬
‫الصحيح»‪ .‬وصححه األلباين (‪ )2825‬يف صحيح الجامع‪.‬‬
‫((( أخرجه البخاري كتاب المساجد باب األرض مسجدا وطهورا (‪ ،)427‬ومسلم كتاب المساجد‬
‫ومواضع الصالة (‪.)523‬‬
‫(( ( انظر فتح الباري (‪.)427/1‬‬
‫((( التحرير والتنوير (‪.)287/18‬‬
‫((( تفسير القرآن العظيم‪ -‬ابن كثير (‪.)126/5‬‬
‫‪264‬‬
‫لا يف نيكمتلاو رصنلا بابسأ ‪:‬يناثلا لصفلا‬ ‫عبارلا بابلا‬
‫‪6-6‬تأويل الرؤيا كما يف قصة يوسف ڠ(((‪.‬‬
‫‪7-7‬الصرب وتدمير مقومات األعداء(((‪.‬‬
‫‪8-8‬التمكين المطلق غير المحدود وهو إعطاء المقدرة على التصرف(((‪.‬‬
‫‪9-9‬ذهاب أحوال الجاهلية وصالح أحوال األمة(((‪.‬‬
‫‪«1010‬تقوية التصرف يف منافع األرض‪ ،‬واالستظهار بأسباب الدنيا؛ بأن يكون يف ٍ‬
‫منعة‬
‫من العدو‪ ،‬ويف ٍ‬
‫سعة يف الرزق‪ ،‬ويف حسن ٍ‬
‫حال»(((‪.‬‬

‫الجامع ألحكام القرآن‪ -‬القرطبي (‪.)112/9‬‬ ‫(( (‬


‫معالم التنزيل‪ -‬البغوي (‪.)273/1‬‬ ‫((( ‬
‫المحرر الوجيز (‪ ،)551/1‬والتحرير والتنوير (‪.)2572/1‬‬ ‫((( ‬
‫التحرير والتنوير (‪.)1107/1‬‬ ‫((( ‬
‫التحرير والتنوير (‪.)1248/1‬‬ ‫((( ‬
‫‪265‬‬
‫دراسة موضوعات سورة النور‬

‫‪ ‬املبحث الرابع‬
‫تبديل اخلوف باألمن‬

‫التبديل‪« :‬جعل الشيء مكان الشيء»(((‪.‬‬


‫قال تعالى‪{ :‬ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ} أي‪« :‬وعدهم اهلل أن يبدلهم أمنا من بعد‬
‫خوفهم‪ ،‬حيث كان الواحد منهم ال يتمكن من إظهار دينه إال أوذي من الكفار»(((‪.‬‬
‫وذلك كما قال رسول‪ ‬اهلل ﷺ لعدي‪ ‬بن حاتم ﭬ حين وفد عليه‪« :‬أتعرف‬
‫الحيرة؟» قال‪ :‬لم أعرفها‪ ،‬ولكن قد سمعت هبا!!‪ .‬قال‪« :‬فوالذي نفسي بيده‪ ،‬ليتمن‬
‫اهلل هذا األمر حتى تخرج الظعينة من الحيرة حتى تطوف بالبيت يف غير جوار أحد‪،‬‬
‫ولتفتحن كنوز كسرى‪ ‬بن هرمز» قلت‪ :‬كسرى‪ ‬بن هرمز؟ قال‪« :‬نعم‪ .‬كسرى‪ ‬بن‬
‫هرمز‪ ،‬وليبذلن المال حتى ال يقبله أحد»‪ .‬قال عدي‪« :‬فهذه الظعينة تخرج من الحيرة‬
‫فتطوف بالبيت يف غير جوار أحد‪ ،‬ولقد كنت فيمن افتتح كنوز كسرى‪ ‬بن هرمز‪ ،‬والذي‬
‫نفسي بيده‪ ،‬لتكونن الثالثة ألن رسول‪ ‬اهلل قد قالها»(((‪.‬‬
‫وقال تعالى ممتنًّا على قريش‪{ :‬ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ‬
‫ﭡ ﭢ ﭣ ﭤﭥ} [سورة‪ ‬قريش‪.]4-3 ‬‬
‫أيضا عباده المؤمنين يكون يف اآلخرة كما يكون يف‬
‫واألمن الذي وعد اهلل تعالى به ً‬
‫الدنيا قال تعالى‪{ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ}‬
‫(( ( تفسير سورة النور (‪.)473‬‬
‫((( تيسير الكريم الرحمن‪-‬السعدي (‪.)521‬‬
‫((( أخرجه البخاري كتاب المناقب باب عالمات النبوة يف اإلسالم (‪.)3595‬‬
‫‪266‬‬
‫لا يف نيكمتلاو رصنلا بابسأ ‪:‬يناثلا لصفلا‬ ‫عبارلا بابلا‬
‫[سورة‪ ‬األنعام‪ .]82 ‬فوعدهم اهلل تعالى باألمن يف يوم الفزع؛ يوم القيامة؛ يوم العرض على‬
‫اهلل تعالى‪.‬‬
‫أيضا يكون يف القلوب حين يعرف القلب الهدى من الضالل‪ ،‬والنور من‬
‫واألمن ً‬
‫الظلمات كما قال تعالى‪{ :‬ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ‬
‫ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ} [سورة‪ ‬األنعام‪ .]122 ‬فوعدهم اهلل تعالى باألمن بالقلوب‬
‫بمعرفة الحق واالطمئنان إليه‪.‬‬
‫وكما أن األمن ال يأيت إال باإليمان والعمل الصالح ‪ -‬كما يف اآليات‪ -‬فإن له‬
‫أيضا أسبا ًبا مادية تكون معه وال تنفك عنه‪ ،‬فال اإليمان والعمل الصالح وحده يأتيان‬
‫باألمن؛ ولكن أيضا يجب العمل باألسباب‪ ،‬وال األسباب وحدها تجلب األمن ولكن‬
‫ال بد أن يكون معها اإليمان والعمل‪.‬‬
‫وهذه األسباب تتمثل يف بذل أقصى الجهد يف نشر دين اهلل تعالى والدفاع عنه‪،‬‬
‫حتى ولو كان هذا الجهد اً‬
‫قليل بالنسبة لما عند الكفار وأعداء اهلل‪ ،‬ولكن اهلل تعالى‬
‫يبارك هذا الجهد ولذا قال تعالى‪{ :‬ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ‬
‫ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ} [سورة‪ ‬األنفال‪ ،]60 ‬وقال‪{ :‬ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ‬
‫ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ} [سورة‪ ‬البقرة‪ .]193 ‬وقال‪{ :‬ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ‬
‫ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝﯞ} [سورة‪ ‬محمد‪.]7 ‬‬
‫وإذا لم يحصل هذا الجهاد وهذا القتال وهذا التدافع لم يحصل األمن بل‬
‫سيستمر الفساد ويزداد ويستمر القتل والهدم وينعدم األمن كما قال تعالى‪{ :‬ﮰ‬
‫ﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝ‬
‫ﯞﯟ} [سورة‪ ‬البقرة‪ ]251 ‬وقال‪{ :‬ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ‬
‫‪267‬‬
‫دراسة موضوعات سورة النور‬
‫ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ‬
‫ﮁ ﮂﮃ} [سورة‪ ‬الحج‪.]40‬‬
‫ومن هنا جاء بيان السبب يف ظهور أعداء اإلسالم على المسلمين‪ ،‬فعندما ترك‬
‫المسلمون أو ابتعدوا عن أسباب األمن المادية والمعنوية ظهر عليهم عدوهم وسامهم‬
‫سوء العذاب‪ ،‬فأعداء اهلل من يهود وغيرهم ضرب اهلل عليهم الذلة والمسكنة إال أن‬
‫يمهلهم اهلل أو يكون بسبب بعدنا نحن عن منهج اهلل فتحصل لهم القوة والظهور قال‬
‫تعالى‪{ :‬ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ} [سورة‪ ‬آل‪ ‬عمران‪.]112 ‬‬
‫فهم انتصروا علينا ال ألهنم أجدر بالنصر بل ألننا أجدر بالهزيمة‪ ،‬واهلل المستعان‪.‬‬
‫فإذا طلبنا االستخالف والتمكين واألمن فعلينا باإليمان والعمل الصالح بكل ما‬
‫تحمله كلمة عمل من معاين وبذل الجهد‪{ :‬ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ‬
‫ﯳﯴ} [سورة‪ ‬يوسف‪.]21 ‬‬
‫‪268‬‬
‫لا يف نيكمتلاو رصنلا بابسأ ‪:‬يناثلا لصفلا‬ ‫عبارلا بابلا‬

‫‪ ‬املبحث اخلامس‬
‫سبيل احملافظة على املوعود‬

‫«ويف ختام اآلية أوضح اهلل ‪ ۴‬ما يطلب من أمة محمد ﷺ كي تدوم عليها‬
‫النعمة وتحفظ من الزوال فقال تعالى‪{ :‬ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ‬
‫ﮐ ﮑ ﮒ ﮓﮔ} أي‪ :‬ستظل أمة اإلسالم متمتعة بوعد اهلل ونعمة النصر‪،‬‬
‫والتمكين واألمن‪ ،‬ما داموا يعبدون رهبم وال يشركون به شيئا‪ ،‬لكن إذا عادوا للكفر‪،‬‬
‫فقد نقضوا العهد‪ ،‬وإذ ذاك فقد خسروا وعدنا لهم بالنصر والتمكين واألمن»(((‪.‬‬
‫وهذا تأكيد من اهلل تعالى على أهمية االلتزام بالمنهج الحق الذي هو السبيل إلى‬
‫االستخالف يف األرض‪ ،‬ومن ترك هذا المنهج بعد تبين الحق له واستخالف اهلل له‬
‫فأولئك هم الكافرون بنعمة اهلل المستحقون إلزالة نعمة االستخالف عنهم‪.‬‬
‫«وجملة‪{ :‬ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ} تقييد للعبادة بعدم اإلشراك‪ ،‬ألن المشركين قد‬
‫يعبدون اهلل ولكنهم يشركون معه غيره‪ ،‬ويف هاتان الجملتان ما يؤيد ما قلناه آنفا من‬
‫كون اإليمان هو الشرط يف كفالة األمة هذا الوعد»((( ويشهد لذلك قوله تعالى‪{ :‬ﭩ‬
‫ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯﭰ} [سورة‪ ‬يوسف‪.]106 ‬‬
‫ثم يقول اهلل تعالى‪{ :‬ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜﮝ}‪.‬‬
‫وهذا أيضا تأكيد من اهلل تعالى على أهمية االلتزام بعبادته‪ ،‬وطاعة رسوله ﷺ‪ ،‬التي هي‬
‫مما هم فيه من الضيق واألذية والخوف يف جميع جوانب حياهتم‪.‬‬
‫سبيل إلى نجاة المسلمين ّ‬
‫(( ( من لطائف التفسير (‪.)446/2‬‬
‫((( التحرير والتنوير (‪.)288/18‬‬
‫‪269‬‬
‫دراسة موضوعات سورة النور‬
‫فا ِّتباع الرسول ﷺ وطاعته رحمة للناس يف الدنيا واآلخرة‪ ،‬فهو رحمة يف الدنيا‬
‫ألن دين اهلل شامل لكل مناحي الحياة‪ ،‬وينظمها ويشرع ما فيه صالح معاش الناس يف‬
‫وأيضا يكفل النجاة يف اآلخرة من عذاب اهلل ولذا فإنه رحمة للناس يف‬
‫يسر وسهولة‪ً ،‬‬
‫اآلخرة‪ ،‬والدار الحقيقية‪.‬‬
‫ثم يقول اهلل تعالى‪{ :‬ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤﮥ ﮦ ﮧﮨ ﮩ‬
‫ﮪﮫ}‪.‬‬
‫والخطاب هنا للرسول ﷺ‪ ،‬تسلي ٌة له وألصحابه‪ ،‬ووعدٌ لهم بأن اهلل ناصرهم‪،‬‬
‫وأن أعدائهم مصيرهم النار وبئس ذلك المصير‪ ،‬وهذا تنبيه لألمة كلها‪ ،‬ووعد لألمة‬
‫كلها كما قال تعالى‪{ :‬ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶﭷ} [سورة‪ ‬النساء‪.]141 ‬‬
‫فإذا استقمت على المنهج فال عليك من قوة الكافرين‪ ،‬فما هم بمعجزين يف‬
‫األرض‪ ،‬وقوهتم الظاهرة لن تقف لكم يف طريق‪ ،‬وأنتم أقوياء بإيمانكم‪ ،‬أقوياء‬
‫بنظامكم‪ ،‬أقوياء بعدتكم التي تستطيعون‪.‬‬
‫وح َّكمت هذا النهج يف الحياة‪ ،‬وارتضته‬
‫إنه ما من مرة سارت األمة على هنج اهلل‪َ ،‬‬
‫يف كل أمورها إال تحقق وعد اهلل باالستخالف والتمكين واألمن‪ ،‬وما من مرة خالفت‬
‫هذا المنهج إال تخلفت يف ذيل القافلة‪ ،‬وذلت‪ ،‬وطردوا من الهيمنة على البشرية‪،‬‬
‫واستبد هبا الخوف وتخطفها األعداء‪.‬‬
‫أال إن وعد اهلل قائم‪ ،‬أال وإن شرط اهلل معروف‪ ،‬فمن أراد الوعد فليقم‬
‫بالشرط‪{ ،‬ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻﯼ ﯽ ﯾ ﯿ‬
‫ﰀﰁ} [سورة‪ ‬التوبة‪.]111 ‬‬
‫ويف هتوين اهلل ألمر الكافر مهما حصل له من العز والتمكين يف الدنيا تسلية لعباده‬
‫‪270‬‬
‫لا يف نيكمتلاو رصنلا بابسأ ‪:‬يناثلا لصفلا‬ ‫عبارلا بابلا‬
‫المؤمنين المستضعفين بأهنم ال بد لهم من الصرب وحسن الظن به مهما ألمت هبم‬
‫األمور‪ ،‬وكثرت عليهم الخطوب فإن مرد ذلك إلى أعمالكم‪.‬‬
‫وما شأهنم بالنسبة ألمر اهلل إال كلمح البصر فيصبح العزيز اً‬
‫ذليل‪ ،‬والغالب‬
‫مغلو ًبا‪ ،‬فقوله تعالى‪{ :‬ﯰ ﯱ ﯲ ﯳﯴ} [سورة‪ ‬القمر‪ ]45 ‬نزل يف مكة حين‬
‫كان المسلمون مستضعفين يف مكة ال حول لهم وال قوة إال باهلل العزيز الجبار سبحانه‪،‬‬
‫فصربوا ألمر اهلل وعلى أمر اهلل ولم يستعجلوا فما هي إال أيام وشهور ويتحول الموقف‬
‫وتدور الدائرة على الكافرين‪ ،‬فما أهون الخلق على اهلل إذا هم عصوه(((‪.‬‬

‫((( روي عن أبي الدرداء ﭬ بلفظ‪« :‬ما أهون الخلق على اهلل إذا هم تركوا أمره»‪ .‬أخرجه أبو نعيم‬
‫يف حلية األولياء (‪ ،)218-217/1‬وسعيد بن منصور يف سننه (‪ ،)2660‬وابن أبي الدنيا يف العقوبات‬
‫(ص‪ ،)19‬والفزاري يف السير (ص‪ ،)142‬وإسناده صحيح‪ ،‬انظر‪ :‬الجواب الكايف البن القيم (ص‪.)27‬‬
‫‪271‬‬
‫دراسة موضوعات سورة النور‬

‫‪ ‬الفصل الثالث‬
‫أدب الطاعة للرسول ﷺ واحرتام ولي األمر‬
‫الفصل الثالث‪ :‬أدب الطاعة للرسول ‪...‬‬

‫قال تعالى‪{ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ‬


‫ﭟ ﭠﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩﭪ ﭫ ﭬ ﭭ‬
‫ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺﭻ ﭼ ﭽ ﭾ‬
‫ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ‬
‫ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠﮡ‬
‫ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱﯓ}‪.‬‬
‫بعد هذا العرض للنظام الذي رسمه اهلل تعالى للمجتمع المؤمن باهلل تعالى‪ ،‬يأيت‬
‫التنبيه مرة أخرى على االلتزام بطاعة اهلل ورسوله‪ ،‬ولكن األمر هنا يختلف يف نوع‬
‫القضية التي يأمر اهلل تعالى فيها بااللتزام بطاعة رسوله‪ ،‬فكل ما مضى من األمر بطاعة‬
‫الرسول كان عا ًما يف كل شيء‪ ،‬أما هنا فاألمر الشديد بالطاعة عند االجتماع على األمر‬
‫الهام جدا المؤثر يف حياة األمة كلها‪ ،‬مع التنبيه على حسن خطاب اإلمام والتذكير‬
‫بمراقبة اهلل تعالى‪.‬‬
‫وإليك بيان ذلك يف ثالثة مباحث‪:‬‬
‫المبحث األول‪ :‬أدب استئذان ولي األمر‪.‬‬
‫المبحث الثاين‪ :‬أدب خطاب اإلمام‪.‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬تحذير وتذكير‪.‬‬
‫‪272‬‬
‫‪ ...‬لوسرلل ةعاطلا بدأ ‪:‬ثلاثلا لصفلا‬ ‫عبارلا بابلا‬

‫‪ ‬املبحث األول‬
‫أدب استئذان ولي األمر‬

‫قال تعالى‪{ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ‬


‫ﭟ ﭠﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩﭪ ﭫ ﭬ ﭭ‬
‫ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺﭻ}‬

‫فقوله تعالى‪{ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ} «أي‪ :‬ال يكتمل إيمان من آمن‬


‫باهلل والرسول إال بأن يكون من الرسول سامعا»(((‪.‬‬

‫فهذه اآلية تنظم العالقة بين الناس وبين قائدهم وأميرهم وولي أمرهم‪ ،‬لكي‬
‫يصلح حال األمة‪ ،‬من كل الجوانب‪ ،‬وليس من جانب واحد فقط‪.‬‬

‫وقد أخرج ابن إسحاق والبيهقي عن عروة ومحمد‪ ‬بن كعب رحمهما اهلل قاال‪:‬‬
‫لما أقبلت قريش عام األحزاب نزلوا بمجمع األسيال‪ ،‬قائدهم أبو سفيان‪ ،‬وأقبلت‬
‫غطفان حتى نزلوا إلى جانب أحد‪ ،‬وجاء رسول‪ ‬اهلل ﷺ الخرب‪ ،‬فضرب الخندق‬
‫على المدينة‪ ،‬وعمل فيه‪ ،‬وعمل المسلمون فيه‪ ،‬وأبطأ رجال من المنافقين‪ ،‬وجعلوا‬
‫يورون((( بالضعيف من العمل‪ ،‬فيتسللون إلى أهليهم بغير علم من رسول‪ ‬اهلل‪ ،‬وال‬
‫إذن‪ ،‬وجعل الرجل من المسلمين إذا نابته النائبة من الحاجة التي ال بد منها‪ ،‬يذكر ذلك‬
‫لرسول‪ ‬اهلل ﷺ ويستأذنه باللحوق بحاجته فيأذن له‪ ،‬فإذا قضى حاجته رجع فأنزل اهلل‬
‫(( ( الجامع ألحكام القرآن (‪.)320/12‬‬
‫((( بفتح الواو‪ ،‬وتشديد الراء‪ ،‬أي‪ :‬يسترتون‪.‬‬
‫‪273‬‬
‫دراسة موضوعات سورة النور‬

‫يف أولئك من المؤمنين {ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ‬


‫(((‬
‫ﭞ ﭟ ﭠ‪»}...‬‬
‫«وهذا أيضا أدب أرشد اهلل عباده المؤمنين إليه‪ ،‬فكما أمرهم باالستئذان عند‬
‫الدخول‪ ،‬كذلك أمرهم باالستئذان عند االنصراف‪ ،‬ال سيما إذا كانوا يف أمر جامع مع‬
‫الرسول ﷺ‪ ،‬من صالة جمعة أو عيد أو جماعة أو اجتماع لمشورة ونحو ذلك‪ ،‬أمرهم‬
‫اهلل تعالى أال ينصرفوا عنه والحالة هذه إال بعد استئذانه ومشاورته وإن من يفعل ذلك‬
‫فهو من المؤمنين الكاملين‪.‬‬
‫{ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ}‪ :‬يثني اهلل على الذين‬
‫يتمسكون بذلك األدب وهبذا الخلق االجتماعي الرفيع خاصة الصحابة الذين تأدبوا‬
‫هبذا األدب الكريم‪ ،‬فامتازوا بذلك على المنافقين‪.‬‬
‫ثم أمر اهلل رسوله ﷺ إذا استأذن أحد منهم يف ذلك أن يأذن له‪ ،‬إن شاء‪ ،‬ولهذا‬
‫قال تعالى‪{ :‬ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵﭶ ﭷ ﭸ‬
‫ﭹ ﭺﭻ}»(((‪.‬‬
‫ويف أمر الرسول ﷺ لالستغفار لمن استأذنه وأذن له دليل على أن عدم االنصراف‬
‫هو األولى وأن االستئذان والذهاب فيهما تقصر أو قصور يف أداء الواجب الذي تجتمع‬
‫فيه األمة‪ ،‬قال تعالى‪{ :‬ﭳ ﭴ ﭵﭶ ﭷ ﭸ ﭹ}‪.‬‬
‫«واالستئذان وإن كان ال يخلوا من حاجة إال أن فيه شيئا من إيثار حاجة المستأذن‬
‫الخاصة على أمر اهلل ورسوله‪ ،‬وحاجة المسلمين العامة‪ ،‬فكان صاحبه من هذه الناحية‬
‫(( ( أخرجه ابن إسحاق (‪ )219( ،)216/2‬سيرة ابن هشام‪ ،‬والبيهقي يف الدالئل (‪ )409/3‬انظر‪ :‬الدر‬
‫المنثور (‪.)125/11‬‬
‫((( تفسير القرآن العظيم‪ -‬ابن كثير (‪.)88/6‬‬
‫‪274‬‬
‫‪ ...‬لوسرلل ةعاطلا بدأ ‪:‬ثلاثلا لصفلا‬ ‫عبارلا بابلا‬
‫محتاج إلى االستغفار‪ ،‬وقيل‪ :‬إن األمر باالستغفار لهم تطيي ًبا لخواطرهم حيث تأدبوا‬
‫بأدب اهلل ورسوله فلم يذهبوا لحاجتهم إال بعد االستئذان»(((‪ ،‬وكال المعنيين مرا ٌد بال‬
‫إشكال‪.‬‬
‫«وظاهر اآلية يقتضي أن يستأذن أمير اإلمرة الذي هو يف مقعد النبوة‪ ،‬فإنه ربما‬
‫كان له رأي يف حبس ذلك الرجل ألمر من أمور الدين»((( أو حاجة ومصلحة العموم‪.‬‬
‫«وهذه اآلية أصل من نظام الجماعات يف مصالح األمة‪ ،‬ألن من السنة أن يكون‬
‫ورئيس يدير أمر ذلك االجتماع‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫(((‬
‫لكل اجتماع إما ٌم‬
‫أميرا‪ ،‬فالذي يرتأس الجمع‬
‫وأيضا من السنة أال يجتمع جماعة إال أمروا عليهم ً‬
‫قائم مقام ولي األمر‪ ،‬فهو يف مقام النبي فال ينصرف أحد عن اجتماعه إال بعد أن‬
‫هو ٌ‬
‫يستأذن‪ ،‬وكذلك أيضا التخلف عند الدعوة إلى االجتماع على األمر الجامع»(((‪.‬‬
‫فهذا األدب النبيل وهو القيام بالواجب وعدم الفرار منه من اآلداب اإلسالمية‬
‫النبيلة التي تدل على أن اإلسالم دين العمل والنظام وااللتفاف حول األهداف النبيلة‬
‫الفاضلة التي هبا يرقى المجتمع ويرتفع عن كل ما يقف أمام طريقه إلى حياة سعيدة يف‬
‫كل الجوانب‪.‬‬

‫تفسير سورة النور (‪.)523‬‬ ‫(( (‬


‫الجامع ألحكام القرآن (‪.)320/12‬‬ ‫((( ‬
‫لحديث َأ َّن رسول‪ ‬اهلل ﷺ قال (إِذا كان ثالث ٌة يف ٍ‬
‫سفر فليؤمروا أحدهم) أخرجه أبوداود كتاب‬ ‫((( ‬
‫الجهاد باب القوم يسافرون ح‪ )2608( ‬وصححه األلباين يف صحيح الجامع (‪.)500‬‬
‫التحرير والتنوير (‪.)308/18‬‬ ‫((( ‬
‫‪275‬‬
‫دراسة موضوعات سورة النور‬

‫‪ ‬املبحث الثاني‬
‫أدب خطاب اإلمام‬

‫ثم يأيت أدب آخر من آداب اإلسالم يف خطاب اإلمام المسلم فيقول تعالى‪{ :‬ﭼ‬
‫ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ‬
‫ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ}‪.‬‬
‫أي «ال تحسبوا دعائه ﷺ عليكم كدعاء بعضكم على بعض‪ ،‬فتعرضوا لسخطه‪،‬‬
‫ودعاءه عليكم بمخالفة أمره والرجوع عن مجلسه بغير استئذان»((( هذا المعنى قال‬
‫به بعض العلماء‪ ،‬وعليه فتكون اآلية متصلة بالحكم السابق‪ ،‬وفيها زيادة التحذير من‬
‫مخالفة أمر الرسول ﷺ ويلحق به ولي األمر‪ ،‬وان دعائهما ليس كدعاء آحاد الناس‪.‬‬
‫وعن ابن عباس ﭭ قال‪« :‬كانوا يقولون‪ :‬يا محمد‪ ،‬يا أبا القاسم‪ ،‬فنهاهم عن‬
‫ذلك إعظاما لنبيه‪ ،‬فقالوا‪ :‬يا نبي اهلل‪ ،‬يا رسول‪ ‬اهلل»(((‪.‬‬
‫وقال قتادة‪ :‬أمرهم أن يشرفوه ويوقره‪.‬‬
‫وقال مجاهد‪ :‬قولوا يا رسول‪ ‬اهلل يف رفق ولين»(((‪ .‬والظاهر استمرار ذلك األدب‬
‫بعد وفاته إلى اآلن»(((‪ ،‬وعلى هذا القول فهذه اآلية مثل قوله تعالى‪{ :‬ﮠ ﮡ ﮢ‬
‫ﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓ‬
‫ﯔ ﯕ ﯖﯗ} [سورة‪ ‬الحجرات‪.]2 ‬‬
‫روح المعاين (‪.)224/18‬‬ ‫(( (‬
‫الدر المنثور (‪ )127/11‬نقال عن ابن أبي حاتم (‪.)2654/7‬‬ ‫((( ‬
‫الجامع ألحكام القرآن (‪.)322/12‬‬ ‫((( ‬
‫روح المعاين (‪.)225/18‬‬ ‫((( ‬
‫‪276‬‬
‫‪ ...‬لوسرلل ةعاطلا بدأ ‪:‬ثلاثلا لصفلا‬ ‫عبارلا بابلا‬
‫إن غرس مهابة اإلمام يف القلوب هو مما يثبت األمن واالحرتام والنظام‪ ،‬ومن ثم‬
‫فال يجوز أن يكون خطابك لإلمام كخطابك لعامة الناس‪.‬‬
‫ففي هذه اآلية يلفت اهلل گ نظر المؤمنين إلى ضرورة توقير الرسول ﷺ عند‬
‫االستئذان‪ ،‬ويف كل األحوال‪ :‬فال يدعى باسمه‪ ،‬أو كنيته‪ ،‬كما يدعوا المسلمون بعضهم‬
‫بعضا‪ ،‬وإنما يدعى بتشريف اهلل له‪ :‬يا نبي اهلل‪ ،‬أو يا رسول‪ ‬اهلل! فال بد من التوقير‬
‫ٍ‬
‫توجيه‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫كلمة منه وكل‬ ‫لرسول‪ ‬اهلل حتى تستشعر توقيره يف كل‬
‫وقار‪ ،‬وال بد للقائد من ٍ‬
‫هيبة‪ ،‬وفرق بين‬ ‫وهذه لفته ضرورية‪ ،‬فال بد للمربي من ٍ‬
‫أن يكون هو متواض ًعا لينًا هينًا‪ ،‬وأن ينسوا أنه مربيهم فيدعونه دعاء بعضهم لبعض‪،‬‬
‫فيجب أن تبقى للمربي منزلة يف نفوس من يربيهم يرتفع هبا عليهم يف قرارة شعورهم‪،‬‬
‫ويستحيون هم أن يتجاوزوا معها حدود التبجيل والتوقير‪.‬‬
‫تعليم لألمة أن تتخلق بخلق الصرب واألناة والرفق والحلم‪ ،‬وأال تشق‬
‫ٌ‬ ‫فهذه اآلية‬
‫على الرؤساء يف الحديث واللقاء‪ ،‬فإن الرئيس كثير المشاغل عظيم المهام‪ ،‬ال يتسع‬
‫وقته لها جم ًعا‪ ،‬وال يمكن أن يكون وقته موز ًعا وفق أهواء الناس ومطالبهم‪ ،‬فعليهم‬
‫خيرا لجماعته‪ ،‬وال يتأولون من ذلك وال يظنون به‬
‫أن يدعوا له وقته ليصرفه فيما يراه ً‬
‫الظنون فإنما تلك من ضرورات تنظيم األعمال‪ ،‬وال بد من النزول على حكمها حتى‬
‫ال تفوت المصالح باضطراب األوقات وخلل تنظيمها‪.‬‬
‫‪277‬‬
‫دراسة موضوعات سورة النور‬

‫‪ ‬املبحث الثالث‬
‫حتذير وتذكري‬

‫قال تعالى‪{ :‬ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ‬


‫ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ‬
‫ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱﯓ}‪.‬‬
‫يحذر اهلل الذين يتسللون ويذهبون بدون إذن بقوله تعالى‪{ :‬ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ‬
‫ﮉ ﮊ ﮋ}‪« :‬قد هنا لتحقيق الخرب‪ ،‬ألهنم يظنون أهنم إذا تسللوا متسرتين لم‬
‫يطلع عليهم النبي‪ ،‬فأعلمهم أنه أعلم رسوله بذلك»(((‪.‬‬
‫والتسلل‪ :‬الخروج خفية‪ ،‬ومعني يتسللون أي‪ :‬يخرجون قليال خفية‪.‬‬
‫واللواذ‪ :‬أي يلوذ بعضهم ببعض من أجل أال يراهم الرسول(((‪.‬‬
‫«فشبه تسرت بعضهم ببعض عن اتفاق وتآمر عند االنصراف خفية بلوذ بعضهم‬
‫ببعض‪ ،‬ألن الذي سرت الخارج حتى يخرج كأنه َّ‬
‫سل شيئا من شيء»(((‪.‬‬
‫والمعنى «أن اهلل تعالى يعلم الذين يخرجون من مجلسه عليه الصالة والسالم‪،‬‬
‫قليل اً‬
‫قليل على خفية‪ ،‬يستخفي أحدهم بمن يجلس أمامه‪ ،‬حتى يخرج بال إذن‪ ،‬وهو‬ ‫اً‬
‫وعيد لمخالفي أمره المنصرفين عن مجلسه دون استئذان»(((‪.‬‬

‫التحرير والتنوير (‪.)310/18‬‬ ‫(( (‬


‫زاد المسير (‪.)69/6‬‬ ‫((( ‬
‫التحرير والتنوير (‪.)310/18‬‬ ‫((( ‬
‫من موضوعات سور القرآن‪-‬سورة النور (‪.)98‬‬ ‫((( ‬
‫‪278‬‬
‫‪ ...‬لوسرلل ةعاطلا بدأ ‪:‬ثلاثلا لصفلا‬ ‫عبارلا بابلا‬

‫ثم يأيت التحذير الشديد لكل األمة‪{ :‬ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ‬


‫ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ}‪.‬‬
‫«احتج الفقهاء هبذه اآلية على أن األمر للوجوب‪ ،‬فإن اهلل تعالى قد حذر من‬
‫مخالفة أمره وتوعد بالعقاب عليها»(((‪.‬‬
‫وإنه لتحذير مرهوب‪ ،‬وهتديد مرعب‪ ،‬فليحذر الذين يخالفون عن أمره ويتبعون‬
‫غير هنجه‪ ،‬ويتسللون من الصف ابتغاء منفعة أو اتقاء مضرة‪ ،‬ليحذروا أن تصيبهم فتنة‬
‫تضطرب فيها المقاييس‪ ،‬وتختل فيها الموازين‪ ،‬وينتكث فيها النظام‪ ،‬فيختلط الحق‬
‫بالباطل‪ ،‬والطيب بالخبيث‪ ،‬وتفسد أمور األمة وحياهتا‪ ،‬فال يأمن على نفسه أحد‪،‬‬
‫وال يقف عند حده أحد‪ ،‬وال يتميز فيها خير من شر‪{ ،‬ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ} هذا‬
‫العذاب يف الدنيا أو يف اآلخرة أو فيهما جمي ًعا ‪ -‬والعياذ باهلل تعالى‪ -‬جزاء المخالفة عن‬
‫أمر اهلل‪ ،‬وهنجه الذي ارتضاه للحياة‪.‬‬
‫ثم يختم اهلل گ هذه السورة بقوله‪{ :‬ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠﮡ ﮢ ﮣ ﮤ‬
‫ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱﯓ}‪.‬‬
‫يخرب تعالى يف ختام هذه السورة أنه يملك كل ما يف السماوات واألرض وأقد‬
‫أحاط علمه بما أنتم عليه من خير أو شر‪ ،‬وعلم جميع أعمالكم‪ ،‬فقد أحصاها بعلمه‪،‬‬
‫وجري هبا قلمه‪ ،‬وكتبتها عليكم الحفظة الكرام الكاتبون‪{ ،‬ﮧ ﮨ ﮩ} أي‪:‬‬
‫يوم القيامة {ﮪ ﮫ ﮬﮭ} يخربهم بجميع أعمالهم‪ ،‬دقيقها وجليلها‪ ،‬إخبارا‬
‫مطلقا‪ ،‬لما وقع منهم‪ ،‬ولما قيد علمه بأعمالهم ذكر العموم بعد الخصوص فقال‪:‬‬
‫{ﮮ ﮯ ﮰ ﮱﯓ}‪.‬‬

‫((( الجامع ألحكام القرآن (‪.)322/12‬‬


‫‪279‬‬
‫دراسة موضوعات سورة النور‬
‫«ما أروعها من خاتمة للسورة فقد افتتح اهلل گ السورة بذكر عقوبات الحدود‬
‫يف الدنيا‪ ،‬واختتم السورة بذكر العقوبة يف اآلخرة يوم ينبئ كل العصاة بما عملوا‪ ،‬وما‬
‫سرتوه من معاصي ناسين أو متناسين أن اهلل جل وعال يعلم ما هم عليه‪{ :‬ﮧ ﮨ‬
‫ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱﯓ}»(((‪.‬‬
‫وتختم السورة بتعليق القلوب واألبصار باهلل وتذكيرها بخشيته وتقواه‪ ،‬فهذا‬
‫هو الضمان األخير‪ ،‬وهذا هو الحارس لتلك األوامر والنواهي‪ ،‬وهذه هي األخالق‬
‫واآلداب‪ ،‬التي فرضها اهلل يف هذه السورة وجعلها كلها سواء‪ .‬والحمد هلل رب العالمين‪.‬‬

‫((( من لطائف التفسير (‪.)458/2‬‬


‫‪280‬‬
‫اخلاتــمـــة‬

‫اخلـامتــة‬

‫الحمد هلل رب العالمين والصالة والسالم على إمام الغر المحجلين نبينا محمد‬
‫وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه إلى يوم الدين وبعد‪:‬‬
‫هذا هو اإلسالم وهذا هو شرع اهلل وهذا هو القرآن نور وهداية‪ ،‬وفهم وواقعية‪،‬‬
‫ووقاية وعالج‪ ،‬وتوجيه وتحذير‪ ،‬ووعد ووعيد‪ ،‬كما هو عقيدة وعبادة سواء بسواء‪.‬‬
‫شرع كامل ال نقص فيه‪ ،‬وال انفصال‪ ،‬ال يؤخذ إال جملة واحدة‪ ،‬من أخذ منه‬
‫بجانب دون اآلخر كان كمن لم يأخذه‪ ،‬فهو كالجدار المرصوص يشد بعضه بعضا‬
‫ويقوم بعضه على بعض‪.‬‬
‫من خالل عرض موضوعات السورة تبين لنا‪ :‬كمال وشمولية هذا الدين‪،‬‬
‫وصالحه لكل زمان ومكان‪ ،‬و ُقدْ رته على الوقوف أمام المشكالت التي حار يف أسباهبا‬
‫وعالجها الكثيرون‪ ،‬ولم يجدوا لها حالًّ إال يف هذا القرآن الذي هو كالم اهلل الخالق‬
‫لهذا الكون والعالم بما يصلحه ويوفر له السعادة يف الدنيا واآلخرة‪.‬‬
‫وباختصار شديد يمكن عرض أهم التوجيهات الربانية يف هذه السورة التي تدل‬
‫على شمول هذا الدين وكماله والنور الذي هو فيه‪:‬‬
‫أوال‪ :‬إن الشريعة اإلسالمية جاءت للمحافظة على الضروريات التي ال يستغني‬
‫عنها إنسان‪ ،‬ومن هذه الضروريات‪ :‬حفظ العرض‪ ،‬فحرم اهلل تعالى الزنا والطرق‬
‫الموصلة إليه ور َّتب على ذلك الحدود الرادعة‪ ،‬ونبه على سبل الوقاية من الوقوع يف‬
‫تلك الجرائم‪.‬‬
‫‪281‬‬
‫دراسة موضوعات سورة النور‬
‫ثان ًيا‪ :‬ومن حفظ اهلل لألعراض أن َح َّرم القذف والتحدث يف أعراض الناس‪،‬‬
‫ورتب عليه العقوبة الرادعة يف الدنيا واآلخرة‪ ،‬ونبه على خطورته على الفرد والمجتمع‬
‫من خالل قصة اإلفك التي ابتلي هبا رسول‪ ‬اهلل ﷺ وأهل بيته‪ ،‬ثم بيان ما يجب على‬
‫المسلم أن يفعله عند سماع تلك الشائعات‪ ،‬وختم الحديث يف هذا الموضوع عن‬
‫مسؤولية الكلمة وأثرها على الفرد والمجتمع‪.‬‬
‫ثال ًثا‪ :‬جاء التنبيه على سبل الوقاية من الوقوع يف مثل هذه األمور‪ ،‬ألن اإلسالم‬
‫ال يوقع العقوبة وال يحرم شي ًئا من دواعي الفطرة إال إذا أوجد البديل الذي ليس فيه‬
‫خروجا عن اإلنسانية والبشرية‪ ،‬وليس فيه ضرر على الفرد والمجتمع‪.‬‬
‫ً‬
‫ومن هذه الحلول التي جعلها اهلل لكي يحفظ المجتمع من الوقوع يف الفواحش‬
‫والمهلكات‪ :‬غض البصر‪ ،‬واالستئذان‪ ،‬ولم يحرم الزينة والتزين ولكن وضع لها‬
‫ّ‬
‫وحث عليه الفرد والمجتمع‪ ،‬ونبه على اآلداب التي يجب أن‬ ‫ضوابط‪ ،‬وأمر بالزواج‬
‫تراعى داخل البيوت‪.‬‬
‫راب ًعا‪ :‬وضرب اهلل لنا يف هذه السورة ثالثة أمثال؛ اً‬
‫مثل لنور اإليمان ومثلين‬
‫لظلمات الكفر‪.‬‬
‫خامسا‪ :‬ثم جاء الحديث متواصال عن نور اإليمان ومن أين ُي ْستقى هذا النور‪،‬‬
‫ً‬
‫وذكر ركائزه‪:‬‬
‫‪1 .1‬المساجد و ُع َّمارها وأهميتها يف المجتمع وأثر هذه البيوت على الفرد والمجتمع‪0‬‬
‫‪2 .2‬التنبيه على النظر والتأمل يف آيات اهلل لما يف ذلك من نور الهداية وتقويته يف‬
‫القلوب‪.‬‬
‫‪3 .3‬وجوب طاعة الرسول ﷺ المستلزم لطاعة اهلل‪.‬‬
‫‪282‬‬
‫اخلاتــمـــة‬
‫سادسا‪ :‬وأتبع ذلك ببيان شبهات وأباطيل اللذين ينصرفون عن نور هذا المنهج‪،‬‬
‫ً‬
‫وحال الناس يف الطاعة وواجب الرسول ﷺ تجاههم‪0‬‬
‫ساب ًعا‪ :‬ذكر اهلل تعالى نتائج تلك الطاعة واإليمان عن طريق بيان أسباب‬
‫االستخالف والتمكين واألمن وصفات اللذين يحصل لهم ذلك‪ .‬فاإليمان باهلل تعالى‬
‫والعمل الصالح واألخذ باألسباب المادية هم أسباب النصر والتمكين‪.‬‬
‫ثامنا‪ :‬وختم اهلل الحديث يف السورة عن أدب الطاعة للرسول ﷺ واحرتام ولي‬
‫األمر‪ ،‬مع التذكير بمراقبة اهلل تعالى‪.‬‬
‫فخاطبت هذه السورة فئات المجتمع كافة‪ :‬الغني منهم والفقير‪ ،‬األمير والشعب‪،‬‬
‫الكبير والصغير‪ ،‬المتزوجون والعزاب‪ ،‬الرجال والنساء‪ ،‬الزوج والزوجة وأقارهبما‪،‬‬
‫المؤمنون والكفار‪ ،‬الظالمون والمظلومون‪ ،‬كل واحد منهم بتوجيه له ولغيره حتى‬
‫تستقيم الحياة كلها لفئات المجتمع‪ ،‬وال يظن أحد أنه خارج عن أوامر اهلل تعالى ألي‬
‫سبب من األسباب‪.‬‬
‫كانت هذه التوجيهات وهذه األوامر والوصايا من أجل العمل ال من أجل‬
‫ِ‬
‫العلم فقط‪َ ،‬ف َفق َه َها ُأن ٌ‬
‫َاس‪ ،‬وتكرب وتطاول عليها آخرون‪ ،‬فهل يا ترى من أي صنف‬
‫نريد أن نكون‪ ،‬نسأل اهلل تعالى أن نكون من العالمين العاملين‪ ،‬حتى نلحق برحمة‬
‫اهلل بمن وصفهم بأهنم {ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚﭛ}‬
‫[سورة‪ ‬يونس‪.]62 ‬‬
‫التوصيات‪:‬‬
‫‪1 .1‬تدارس موضوعات سور القرآن من خالل اللقاءات العلمية‪ ،‬ودروس الحلقات‬
‫والمساجد‪ ،‬والفعاليات التي ُتعين الناس على التفهم للقرآن وتدبره‪ ،‬والتفكر يف‬
‫‪283‬‬
‫دراسة موضوعات سورة النور‬
‫آيات اهلل وعظمته‪ ،‬واإللتزام بأحكام شريعته لموافقتها حاجة اإلنسان‪ ،‬واتساقها‬
‫مع الخلق‪.‬‬
‫‪2 .2‬نشر كل ما من شأنه المحافظة على البيت والمجتمع المسلم‪ ،‬والحرص على‬
‫تحصينه من خوارم ذلك‪ ،‬ونشر قيم اإلسالم ومبادئه الحضارية الكربى‪ ،‬وتربية‬
‫الجيل عليها‪.‬‬
‫‪3 .3‬تضمين كتب الثقافة والقصص قيم االسالم ومثله‪ ،‬والتدبر للكتاب المبين‪،‬‬
‫والتفكر يف الكون الفسيح؛ لالرتقاء بالمرء للمعالي وشريف الخالل‪ ،‬والطموح‬
‫المنتج‪.‬‬
‫أسأل اهلل تعالى يف ختام هذا البحث أن يكون ما كتبناه وما تعلمناه حجة لنا ال‬
‫علينا وأن يلهمنا العلم النافع والعمل الصالح‪ ،‬وأن يجعل هذا العمل حجة لنا ال علينا‪،‬‬
‫وأن ينفع به كاتبه وقارئه وكل من أعان على إخراجه {ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯﭰ ﭱ ﭲ ﭳ‬
‫ﭴ ﭵ ﭶﭷ} [سورة‪ ‬الشعراء‪.]89 ‬‬
‫وصلى اهلل وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين‪.‬‬
‫‪284‬‬
‫الفهـــــــارس‬

‫قائمة املصادر واملراجع‬


‫‪1-1‬القرآن الكريم‪.‬‬
‫‪2-2‬اإلتقان يف علوم القرآن ‪ -‬جالل الدين السيوطي‪ -‬دار الرتاث‪ -‬القاهرة‪.‬‬
‫‪3-3‬إرواء الغليل يف تخريج أحاديث منار السبيل‪ -‬محمد ناصر الدين األلباين‪ -‬المكتب اإلسالمي‬
‫‪-‬ط‪1399 -1‬هـ‪.‬‬
‫‪4-4‬أسباب نزول القرآن ‪ -‬على‪ ‬بن أحمد الواحدي‪ -‬دار القبلة ‪ -‬ط‪1404( 2‬هـ)‪.‬‬
‫‪5-5‬األشباه والنظائر ‪ -‬ابن نجيم الحنفي ‪ -‬دار الفكر ‪ -‬ط‪1403( 1‬هـ)‪.‬‬
‫‪6-6‬األشباه والنظائر ‪ -‬جالل الدين السيوطي ‪ -‬مطبعة الحلبي‪ -‬ط (‪1378‬هـ)‪.‬‬
‫‪7-7‬اإلصابة يف تمييز الصحابة ‪ -‬البن حجر ‪ -‬دار الفكر لبنان‪.‬‬
‫‪8-8‬إعجاز القرآن عند شيخ اإلسالم ‪ -‬رسالة ماجستير ‪ -‬محمد‪ ‬بن عبد‪ ‬العزيز العواجي ‪ -‬الجامعة‬
‫اإلسالمية ‪ -‬المدينة المنورة ‪1414( -‬هـ)‪.‬‬
‫‪9-9‬إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان ‪ -‬ابن القيم الجوزية ‪ -‬دار المعرفة ‪ -‬بيروت‪.‬‬
‫‪1010‬األمثال القرآنية القياسية المضروبة لإليمان باهلل ‪ -‬د‪ :‬عبد‪ ‬اهلل الجربوع ‪ -‬الجامعة اإلسالمية ‪ -‬ط‪1‬‬
‫(‪1424‬هـ)‬
‫‪1111‬أمثال ونماذج بشرية من القرآن العظيم ‪ -‬أحمد‪ ‬بن طاحون‪ -‬هجر للطباعة والنشر‪ -‬القاهرة ‪ -‬ط‪1‬‬
‫(‪1411‬هـ)‪.‬‬
‫‪1212‬أنوار التنزيل وأسرار التأويل ‪( -‬تفسير البيضاوي)‪ ،‬ألبي الخير عبداهلل‪ ‬بن عمر البيضاوي‪ -‬دار‬
‫الفكر‪1402 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪1313‬أيسر التفاسير ‪ -‬لكالم العلي الكبير ‪ -‬أبو بكر الجزائري‪ -‬ط‪1407‬هـ)‪.‬‬
‫‪1414‬البحر المحيط ‪ -‬محمد‪ ‬بن يوسف أبى حيان األندلسي ‪ -‬دار الفكر ‪ -‬بيروت ‪ -‬ط‪1403( 2‬هـ)‪.‬‬
‫‪1515‬البداية والنهاية ‪ -‬الحافظ ابن كثير الدمشقي ‪ -‬دار الكتب العلمية ‪ -‬بيروت ‪ -‬ط‪1405( 1‬هـ‪1985 -‬م)‪.‬‬
‫‪1616‬بدائع الصنائع يف ترتيب الشرائع ‪ -‬أبي بكر‪ ‬بن مسعود الكيساين الحنفي‪ -‬دار الكتاب العربي ‪-‬‬
‫بيروت‪ -‬ط‪1402( 2‬هـ)‪.‬‬
‫‪285‬‬
‫دراسة موضوعات سورة النور‬
‫‪1717‬التحرير والتنوير ‪ -‬محمد الطاهر ابن عاشور ‪ -‬الدار التونسية للنشر ‪ -‬ط‪1984( 1‬مـ)‪.‬‬
‫‪1818‬التفسير الكبير‪ ،‬مفاتيح الغيب (تفسير الفخر الرازي) ‪ -‬فخر الدين محمد‪ ‬بن عمر‪ ‬بن الحسن‬
‫الرازي خطيب الري‪ -‬دار الفكر‪ -‬بيروت ‪ -‬ط‪1405( 3‬هـ)‪.‬‬
‫‪1919‬تفسير القرآن العظيم ‪ -‬إسماعيل‪ ‬بن عمر‪ ‬بن كثير القرشي ‪ -‬تحقيق سامي‪ ‬بن محمد السالمة ‪ -‬دار‬
‫طيبة للنشر والتوزيع ‪ -‬ط‪1418( 1‬هـ‪1997-‬مـ)‪.‬‬
‫‪2020‬تفسير القرآن العظيم‪-‬ابن أبي حاتم‪ -‬ت‪ .‬أسامة الطيب‪ -‬مكتبة نزار مصطفي الباز ‪-‬مكة المكرمة‪-‬‬
‫ط‪.1417-1‬‬
‫‪2121‬تفسير سورة النور ‪ -‬د‪ /‬ناصر‪ ‬بن محمد الحميد ‪ -‬دار العليان ‪-‬بيروت‪ -‬ط‪1419-1‬هـ‪.‬‬
‫‪2222‬التمهيد لما يف الموطأ من المعاين واألسانيد‪ -‬أبو عمر يوسف‪ ‬بن عبد‪ ‬اهلل‪ ‬بن عبد‪ ‬الرب النمري ‪-‬‬
‫وزارة عموم األوقاف والشؤون اإلسالمية ‪ -‬المغرب‪1387( ،‬هـ) ‪ -‬تحقيق‪ :‬مصطفى‪ ‬بن أحمد‬
‫العلوي‪،‬‏محمد عبد‪ ‬الكبير البكري‪.‬‬
‫‪2323‬تيسير الكريم الرحمن يف تفسير كالم المنان ‪ -‬عبدالرحمن‪ ‬بن ناصر السعدي ‪ -‬مؤسسة الرسالة ‪-‬‬
‫بيروت ‪ -‬ط‪1416( 1‬هـ‪1996 -‬م)‪.‬‬
‫‪2424‬جامع البيان عن تفسير آي القرآن ‪ -‬محمد‪ ‬بن جرير الطربي ‪ -‬تحقيق د‪ /‬عبداهلل الرتكي ‪ -‬مركز‬
‫البحوث والدراسات اإلسالمية ‪ -‬القاهرة ‪-‬ط‪1422( 1‬هـ ‪2001‬م)‪.‬‬
‫‪2525‬جامع الرتمذي ‪ -‬محمد‪ ‬بن عيسى الرتمذي ‪ -‬بيت األفكار الدولية للنشر والتوزيع ‪ -‬الرياض ‪-‬‬
‫(‪1419‬هـ‪1989-‬مـ) ‪ -‬اعتناء فريق بيت األفكار الدولية‪.‬‬
‫‪2626‬الجامع ألحكام القرآن ‪ -‬محمد‪ ‬بن أحمد األنصاري القرطبي ‪ -‬دار الكتاب العربي‪.‬‬
‫‪2727‬الجواب الكايف ‪ -‬ابن القيم الجوزية ‪ -‬دار الكتاب العربي بيروت‪ -‬ط‪1414-2‬هـ‪.‬‬
‫‪2828‬حاشية السندي على سنن ابن ماجة ‪( -‬كفاية الحاجة يف شرح سنن ابن ماجه)‪ ،‬تأليف‪ :‬محمد‪ ‬بن‬
‫عبد‪ ‬الهادي التتوي‪ ،‬أبو الحسن‪ ،‬نور الدين السندي ‪-‬نشر‪ :‬دار الفكر‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط الثانية‪.‬‬
‫‪2929‬خلق أفعال العباد ‪ -‬محمد‪ ‬بن إبراهيم‪ ‬بن إسماعيل أبو عبداهلل البخاري الجعفي‪ -‬دار المعارف‬
‫السعودية ‪ -‬الرياض‪ - 1978 - 1398 ،‬تحقيق‪ :‬د‪ .‬عبدالرحمن عميرة‪.‬‬
‫‪3030‬الدر المنثور يف التفسير بالمأثور‪-‬لجالل الدين السيوطي‪-‬تحقيق عبد‪ ‬اهلل الرتكي ‪ -‬مركز هجر‬
‫للبحوث والدراسات اإلسالمية والعربية ‪ -‬القاهرة ‪ -‬ط‪1424( 1‬هـ‪2003 -‬مـ)‪.‬‬
‫‪3131‬دراسات يف علوم القرآن ‪ -‬محمد بكر إسماعيل ‪ -‬دار المنار ‪ -‬ط‪1411( 1‬هـ)‪.‬‬
‫‪286‬‬
‫الفهـــــــارس‬
‫‪3232‬الدعوة اإلسالمية وأصولها ووسائلها ‪-‬تأليف‪ :‬أحمد أحمد غلوش‪ ،‬نشر‪ :‬مؤسسة الرسالة‪-‬‬
‫القاهرة‪ ،‬ط‪2005 :‬م‪.‬‬
‫‪3333‬دالئل النبوة ‪ -‬أحمد‪ ‬بن الحسين البيهقي ‪ -‬دار الكتب العلمية ‪ -‬بيروت‪ -‬ط‪1405( 1‬هـ)‪.‬‬
‫‪3434‬روح المعاين يف تفسير القرآن العظيم والسبع المثاين ‪ -‬محمود األلوسي البغدادي ‪ -‬دار الفكر ‪-‬‬
‫بيروت ‪1403( -‬هـ‪1983 -‬مـ)‪.‬‬
‫‪3535‬زاد المسير ‪ -‬عبدالرحمن‪ ‬بن على‪ ‬بن محمد الجوزي ‪ -‬المكتب اإلسالمي ‪ -‬بيروت‪ -‬ط‪.)1404( 3‬‬
‫‪3636‬زاد المعاد يف هدي خير العباد ‪ -‬ابن القيم الجوزية ‪ -‬تحقيق وتعليق وتخريج شعيب االرنؤوط‬
‫وعبدالقادر االرنؤوط ‪ -‬مؤسسة الرسالة ‪ -‬بيروت ‪ -‬ط‪1405( 7‬هـ‪1985 -‬م)‪.‬‬
‫‪3737‬سبل السالم ‪ -‬محمد‪ ‬بن إسماعيل الصنعاين ‪ -‬تحقيق‪ :‬محمد صبحي حالق ‪ -‬دار ابن الجوزي‪-‬‬
‫الدمام ‪-‬ط‪1424 -4‬هـ‪.‬‬
‫‪3838‬سلسلة األحاديث الصحيحة ‪ -‬محمد ناصر الدين األلباين‪ -‬المكتب اإلسالمي ‪ -‬بيروت ‪ -‬ط‪4‬‬
‫(‪1405‬هـ‪1985-‬مـ)‪.‬‬
‫‪3939‬سلسلة األحاديث الضعيفة ‪ -‬محمد ناصر الدين األلباين ‪-‬المكتب اإلسالمي ‪ -‬بيروت ‪ -‬ط‪4‬‬
‫(‪1408‬هـ‪1988-‬مـ)‪.‬‬
‫‪4040‬سنن ابن ماجة ‪ -‬محمد‪ ‬بن يزيد ابن ماجة القزويني ‪ -‬بيت األفكار الدولية للنشر والتوزيع ‪-‬‬
‫الرياض ‪1419( -‬هـ‪1989-‬مـ) ‪ -‬اعتناء فريق بيت األفكار الدولية‪.‬‬
‫‪4141‬سنن أبي داود ‪ -‬سليمان‪ ‬بن األشعث السجستاين ‪ -‬بيت األفكار الدولية للنشر والتوزيع ‪ -‬الرياض‬
‫‪1419( -‬هـ‪1989-‬مـ) ‪ -‬اعتناء فريق بيت األفكار الدولية‪.‬‬
‫‪4242‬سنن البيهقي الكربى ‪ -‬أحمد‪ ‬بن حسين أبو بكر البيهقي ‪ -‬تحقيق محمد عبدالقادر عطا ‪ -‬مكتبة دار‬
‫الباز ‪ -‬مكة المكرمة ‪ -‬ط‪1414‬هـ‪1994-‬م)‪.‬‬
‫‪4343‬سنن النسائي ‪ -‬أحمد‪ ‬بن شعيب النسائي ‪ -‬بيت األفكار الدولية للنشر والتوزيع ‪ -‬الرياض ‪-‬‬
‫(‪1419‬هـ‪1989-‬مـ) ‪ -‬اعتناء فريق بيت األفكار الدولية‪.‬‬
‫‪4444‬السيرة النبوية ‪ -‬ابن هشام ‪ -‬تحقيق مصطفى السقا‪ -‬مؤسسة علوم القرآن (دمشق بيروت) ‪ -‬دار‬
‫القبلتين للثقافة اإلسالمية ‪ -‬جدة‪.‬‬
‫‪4545‬السيرة النبوية الصحيحة ‪ -‬د‪ /‬أكرم ضياء العمري ‪ -‬مكتبة العبيكان ‪ -‬الرياض ‪ -‬ط‪1418( 3‬هـ‪-‬‬
‫‪1998‬مـ)‪.‬‬
‫‪287‬‬
‫دراسة موضوعات سورة النور‬
‫‪4646‬شرح سنن ابن ماجه ‪ -‬السيوطي‪ ،‬عبدالغني‪ ،‬فخر الحسن الدهلوي ‪ -‬قديمي كتب خانة ‪ -‬كراتشي‪.‬‬
‫‪4747‬شرح معاين اآلثار‪ -‬أحمد‪ ‬بن محمد‪ ‬بن سالمة‪ ‬بن عبدالملك‪ ‬بن سلمة أبو جعفر الطحاوي‪ -‬دار‬
‫الكتب العلمية ‪ -‬بيروت ‪ -‬الطبعة األولى‪1399( ،‬هـ) ‪ -‬تحقيق‪ :‬محمد زهري النجار‪.‬‬
‫‪4848‬شعب اإليمان ‪ -‬أحمد‪ ‬بن الحسين البيهقي ‪ -‬دار الكتب العلمية‪ -‬بيروت‪ -‬ط‪1410 -1‬هـ‪.‬‬
‫‪4949‬صحيح ابن حبان برتتيب ابن لبان ‪ -‬محمد‪ ‬بن حبان‪ ‬بن أحمد البستي ‪ -‬تحقيق شعيب األرناؤوط‬
‫‪ -‬مؤسسة الرسالة ‪ -‬بيروت‪ -‬ط‪1414( 2‬هـ)‪.‬‬
‫‪5050‬صحيح األدب المفرد لإلمام البخاري ‪ -‬محمد ناصر الدين األلباين ‪ -‬دار الصديق ‪ -‬الجبيل ‪ -‬ط‪2‬‬
‫(‪1415‬هـ)‪.‬‬
‫‪5151‬صحيح البخاري ‪ -‬محمد‪ ‬بن إسماعيل البخاري ‪ -‬بيت األفكار الدولية للنشر والتوزيع ‪ -‬الرياض‬
‫‪1419( -‬هـ‪1989-‬مـ) ‪ -‬اعتناء أبو صهيب الكرمي‪.‬‬
‫‪5252‬صحيح الرتغيب والرتهيب ‪ -‬محمد ناصر الدين األلباين‪ -‬مكتبة المعارف ‪ -‬الرياض ‪-‬ط‪.5‬‬
‫‪5353‬صحيح الجامع الصغير وزياداته ‪ -‬محمد ناصر الدين األلباين ‪ -‬تعليق وفهرسة زهير الشاويش ‪-‬‬
‫المكتب اإلسالمي ‪ -‬بيروت ‪ -‬ط‪1408( 1‬هـ‪1988-‬مـ)‪.‬‬
‫‪5454‬صحيح سنن ابن ماجة ‪ -‬محمد ناصر الدين األلباين ‪ -‬تعليق وفهرسة زهير الشاويش ‪ -‬المكتب‬
‫اإلسالمي ‪ -‬بيروت ‪ -‬ط‪1408( 1‬هـ‪1988-‬مـ)‪.‬‬
‫‪5555‬صحيح سنن أبي داود ‪ -‬محمد ناصر الدين األلباين ‪ -‬تعليق وفهرسة زهير الشاويش ‪ -‬المكتب‬
‫اإلسالمي ‪ -‬بيروت ‪ -‬ط‪1408( 1‬هـ‪1988-‬مـ)‪.‬‬
‫‪5656‬صحيح سنن الرتمذي ‪ -‬محمد ناصر الدين األلباين ‪ -‬تعليق وفهرسة زهير الشاويش ‪ -‬المكتب‬
‫اإلسالمي ‪ -‬بيروت ‪ -‬ط‪1408( 1‬هـ‪1988-‬مـ)‪.‬‬
‫‪5757‬صحيح مسلم ‪ -‬مسلم‪ ‬بن الحجاج النيسابوري ‪ -‬بيت األفكار الدولية للنشر والتوزيع ‪ -‬الرياض‬
‫‪1419( -‬هـ‪1989-‬مـ) ‪ -‬اعتناء أبو صهيب الكرمي‪.‬‬
‫‪5858‬ضرب األمثال يف القرآن ‪ -‬عبد‪ ‬الحميد البيانوين ‪ -‬دار القلم‪.‬‬
‫‪5959‬ضعيف سنن ابن ماجة ‪ -‬محمد ناصر الدين األلباين ‪ -‬تعليق وفهرسة زهير الشاويش ‪ -‬المكتب‬
‫اإلسالمي ‪ -‬بيروت ‪ -‬ط‪1408( 1‬هـ‪1988-‬مـ)‪.‬‬
‫‪6060‬ضعيف سنن الرتمذي‪ -‬محمد ناصر الدين األلباين ‪ -‬تعليق وفهرسة زهير الشاويش ‪ -‬المكتب‬
‫اإلسالمي ‪ -‬بيروت ‪ -‬ط‪1408( 1‬هـ‪1988-‬مـ)‪.‬‬
‫‪288‬‬
‫الفهـــــــارس‬
‫‪6161‬عمارة المساجد يف الشريعة اإلسالمية ‪ -‬إبراهيم‪ ‬بن صالح الخضيري ‪ -‬وزارة الشؤون اإلسالمية‬
‫‪ -‬الرياض ‪ -‬السعودية ‪ -‬ط‪1419( 1‬هـ)‬
‫‪6262‬عون المعبود شرح سنن أبي داود‪ -‬محمد شمس الحق العظيم آبادي أبو الطيب‪ -‬دار الكتب‬
‫العلمية ‪ -‬بيروت ‪ -‬الطبعة الثانية‪1415( ،‬هـ)‪.‬‬
‫‪6363‬فتاوى شيخ اإلسالم أحمد‪ ‬بن تيمية ‪ -‬طبع بإشراف الرئاسة العامة لشؤون الحرمين‪.‬‬
‫‪6464‬فتح الباري بشرح صحيح البخاري ‪ -‬أحمد‪ ‬بن على‪ ‬بن حجر العسقالين ‪ -‬ترقيم وتبويب محمد‬
‫فؤاد عبد‪ ‬الباقي ‪ -‬دار الريان للرتاث ‪ -‬القاهرة ‪ -‬ط‪1407( 1‬هـ‪1986-‬مـ)‪.‬‬
‫‪6565‬فتح القدير الجامع بين فني علم الرواية والدراية من علم التفسير‪ -‬محمد‪ ‬بن على الشوكاين ‪ -‬دار‬
‫الوفاء للنشر والتوزيع ‪ -‬المنصورة ‪ -‬ط‪.)1415( 1‬‬
‫‪6666‬فقه السنة ‪ -‬السيد سابق ‪ -‬شركة منار الدولية ‪ -‬القاهرة ‪1416( -‬هـ‪1995 -‬م)‪.‬‬
‫‪6767‬فقه السيرة النبوية ‪ -‬محمد سعيد البوطي‪ -‬دار الفكر المعاصر بيروت‪ -‬ط‪1411( 10‬هـ)‪.‬‬
‫‪6868‬القاموس المحيط ‪ -‬الفيروز آبادي ‪ -‬مؤسسة الرسالة ‪ -‬بيروت ‪ -‬ط‪107( 2‬هـ‪1987 -‬م)‪.‬‬
‫‪6969‬قواعد الوسائل يف الشريعة اإلسالمية ‪ -‬د‪ /‬مصطفى مخدوم ‪ -‬دار إشبيليا للنشر والتوزيع‪ -‬الرياض‬
‫‪ -‬ط‪1420( 1‬هـ)‪.‬‬
‫‪7070‬كتاب اآلداب ‪ -‬فؤاد‪ ‬بن عبد‪ ‬العزيز الشلهوب ‪ -‬دار القاسم ‪ -‬الرياض ‪ -‬ط‪1423( 1‬هـ)‪.‬‬
‫‪7171‬كنز العمال من سنن األقوال واألفعال ‪ -‬على‪ ‬بن حسام الدين المتقي الهندي ‪ -‬مؤسسة الرسالة ‪-‬‬
‫بيروت ‪ -‬ط‪1989‬م‪.‬‬
‫‪7272‬كيف نعيد للمسجد مكانته‪ -‬محمد أحمد لوح ‪ -‬دار الخضيري ‪ -‬المدينة المنورة ط‪1418( 1‬هـ)‪.‬‬
‫‪7373‬لسان العرب ‪ -‬محمد مكرم منظور ‪ -‬دار الصادر ‪ -‬بيروت ‪ -‬ط‪.1‬‬
‫‪7474‬مجلة البيان ‪ -‬المنتدى اإلسالمي ‪ -‬لندن‪.‬‬
‫‪7575‬مجمع األمثال‪-‬أبو الفضل أحمد‪ ‬بن محمد الميداين النيسابوري‪ -‬دار المعرفة‪ -‬بيروت‪ -‬ت‪:‬‬
‫محمد محيى الدين عبدالحميد‪.‬‬
‫‪7676‬مجمع الزوائد ‪ -‬على‪ ‬بن أبي بكر الهيثمي ‪ -‬دار الريان للرتاث ودار الكتب العلمية ‪ -‬القاهرة ‪-‬‬
‫بيروت‪.‬‬
‫‪7777‬المحرر الوجيز يف الكتاب العزيز ‪ -‬عبدالحق‪ ‬بن عطية األندلسي‪ -‬مؤسسة دار العلوم‪ -‬ط‪1‬‬
‫(‪1398‬هـ‪1977 -‬مـ)‪.‬‬
‫‪289‬‬
‫دراسة موضوعات سورة النور‬
‫‪7878‬مختصر منهاج القاصدين‪ -‬أحمد‪ ‬بن قدامه المقدسي ‪ -‬تحقيق وتخريج وتعليق محمد وهبي‬
‫سليمان وعلى عبدالحميد أبو الخير ‪ -‬دار طيبة ‪ -‬الرياض ط‪1415( 1‬هـ‪1994-‬م)‪.‬‬
‫‪7979‬المستدرك على الصحيحين ‪ -‬محمد‪ ‬بن عبداهلل الحاكم النيسابوري ‪ -‬تحقيق مصطفى عبدالقادر‬
‫عطا‪ -‬دار الكتب العلمية ‪ -‬بيروت ‪ -‬ط‪1411( 1‬هـ‪1990 -‬م)‪.‬‬
‫‪8080‬مشكاة المصابيح ‪-‬محمد‪ ‬بن عبداهلل الخطيب‪-‬المكتب اإلسالمي‪-‬بيروت‪ -‬ط‪1405-3‬هـ‪-‬تحقيق‪:‬‬
‫الشيخ األلباين‪.‬‬
‫‪8181‬مصباح الزجاجة يف زوائد ابن ماجة ‪ -‬أحمد البوصيري ‪ -‬تحقيق د‪ .‬عوض الشهري ‪ -‬عمادة البحث‬
‫العلمي بالجامعة اإلسالمية بالمدينة المنورة ‪-‬ط‪1425( -1‬هـ)‬
‫‪8282‬مصنف عبد‪ ‬الرزاق ‪ -‬أبو بكر عبد‪ ‬الرزاق‪ ‬بن همام الصنعاين ‪ -‬المكتب اإلسالمي ‪ -‬بيروت ‪-‬‬
‫الطبعة الثانية‪1403( ،‬هـ) ‪ -‬حبيب الرحمن األعظمي‪.‬‬
‫‪8383‬المصنف يف األحاديث واآلثار‪ -‬أبو بكر عبد‪ ‬اهلل‪ ‬بن محمد‪ ‬بن أبي شيبة الكويف ‪ -‬مكتبة الرشد ‪-‬‬
‫الرياض ‪ -‬الطبعة األولى‪ - 1409 ،‬تحقيق‪ :‬كمال يوسف الحوت‪.‬‬
‫‪8484‬معالم التنزيل ‪ -‬الحسن‪ ‬بن مسعود البغوي ‪ -‬دار طيبة للنشر والتوزيع ‪ -‬الرياض ‪ -‬ط‪.)1409( 1‬‬
‫‪8585‬المعجم الكبير ‪ -‬سليمان‪ ‬بن أحمد الطرباين ‪ -‬مكتبة العلوم والحكم ‪ -‬الموصل ‪ -‬ط‪1404 -2‬هـ‪.‬‬
‫‪8686‬معجم لغة الفقهاء عربي إنجليزي فرنسي‪ -‬محمد رواس ‪ -‬دار النفائس ‪ -‬ط (‪1416‬هـ)‪.‬‬
‫‪8787‬معجم مفردات ألفاظ القرآن ‪ -‬الراغب األصفهاين ‪ -‬دار الفكر ‪ -‬بيروت‪.‬‬
‫‪8888‬المغني ‪ -‬ابن قدامه ‪ -‬تحقيق د‪ /‬عبداهلل‪ ‬بن عبد‪ ‬المحسن الرتكي ود‪ /‬عبد‪ ‬الفتاح محمد الحلو‪-‬‬
‫هجر للنشر والتوزيع ‪ -‬القاهرة ‪ -‬ط‪1412( 2‬هـ‪1992 -‬مـ)‪.‬‬
‫‪8989‬مقاصد الشريعة عند العز‪ ‬بن عبدالسالم‪/‬رسالة ماجستير‪ -‬جامعة اإلمام محمد‪ ‬بن سعود‪ -‬د‪:‬‬
‫عمر‪ ‬بن ناصر‪ ‬بن عمر‪.‬‬
‫‪9090‬المقنع ‪ -‬ألحمد‪ ‬بن محمد‪ ‬بن قدامة‪ /‬الشرح الكبير ‪ -‬عبدالرحمن‪ ‬بن محمد‪ ‬بن أحمد‪ ‬بن قدامة‪/‬‬
‫اإلنصاف يف معرفة الراجح من الخالف‪ -‬على‪ ‬بن سليمان المرداوي‪ -‬ت‪ :‬عبداهلل‪ ‬بن عبدالمحسن‬
‫الرتكي‪ -‬دار عالم الكتب ‪-‬ط‪1426( 1‬هـ)‪.‬‬
‫‪9191‬الملخص الفقهي ‪ -‬صالح‪ ‬بن فوزان‪ ‬بن عبد‪ ‬اهلل آل فوزان ‪ -‬دار ابن الجوزي للنشر والتوزيع ‪-‬‬
‫الدمام ‪ -‬ط‪1420( 10‬هـ‪1999 -‬م)‪.‬‬
‫‪9292‬من لطائف التفسير ‪ -‬أحمد فرح عقيالن ‪ -‬دار اليقين للنشر والتوزيع ‪ -‬المنصورة ‪ -‬ط‪1419( 1‬هـ‪1998 -‬م)‪.‬‬
‫‪290‬‬
‫الفهـــــــارس‬
‫‪9393‬من موضوعات سور القرآن ‪ -‬سورة النور ‪ -‬عبد‪ ‬الحميد محمود طهماز ‪ -‬دار القلم دمشق ‪ -‬الدار‬
‫الشامية بيروت ‪-‬ط‪1412( 1‬هـ‪1992-‬مـ)‪.‬‬
‫‪9494‬المنهاج شرح صحيح مسلم‪ ‬بن الحجاج‪ -‬أبو زكريا يحيى‪ ‬بن شرف‪ ‬بن مري النووي‪ -‬دار إحياء‬
‫الرتاث العربي ‪ -‬بيروت ‪ -‬الطبعة الثانية‪1392( ،‬هـ)‪.‬‬
‫‪9595‬الموافقات يف أصول الشريعة ‪ -‬ألبي إسحاق الشاطبي ‪ -‬مكتبة الرياض الحديثة‪ -‬الرياض‪.‬‬
‫‪9696‬موسوعة اآلداب اإلسالمية المرتبة على الحروف الهجائية ‪ -‬عبد‪ ‬العزيز فتحي السيد ندا ‪ -‬دار طيبة‬
‫للنشر والتوزيع ‪ -‬الرياض ‪ -‬ط‪1424( 1‬هـ‪2003 -‬مـ)‪.‬‬
‫‪9797‬الموسوعة الحديثية ‪ -‬مسند اإلمام أحمد ‪ -‬مؤسسة الرسالة ‪ -‬بيروت ‪ -‬ط‪1418( 1‬هـ‪1997-‬مـ) ‪-‬‬
‫بإشراف المحقق الشيخ شعيب األرنؤوط‪.‬‬
‫‪9898‬موسوعة شروح الموطأ ‪ -‬تحقيق‪ :‬عبداهلل‪ ‬بن عبدالمحسن الرتكي‪ -‬مركز هجر ‪ -‬القاهرة ‪-‬ط‪1‬‬
‫(‪1426‬هـ)‪.‬‬
‫‪9999‬موطأ اإلمام مالك‪-‬مالك‪ ‬بن أنس أبو عبداهلل األصبحي‪ ،‬دار إحياء الرتاث العربي‪ -‬مصر‪ -‬محمد‬
‫فؤاد عبدالباقي‪.‬‬
‫‪10100‬نحو منهج شرعي لتلقي األخبار وروايتها ‪ -‬أحمد عبد‪ ‬الرحمن الصويان ‪ -‬دار السليم للنشر‬
‫والتوزيع ‪ -‬ط‪1421( 3‬هـ ‪2000-‬م)‪.‬‬
‫‪10101‬نظم الدرر يف تناسب اآليات والسور ‪ -‬هباء الدين إبراهيم‪ ‬بن عمر البقاعي ‪ -‬دار الكتاب اإلسالمي‬
‫‪ -‬القاهرة ‪ -‬ط‪1413( 2‬هـ)‪.‬‬
‫‪10102‬النهاية يف غريب الحديث‪-‬ابن األثير‪ -‬ت‪ :‬طاهر احمد الزاوي ومحمود محمد الطانحي‪-‬المكتبة‬
‫العلمية ‪ -‬بيروت‪.‬‬
‫‪10103‬وقفات تربوية مع السيرة النبوية ‪ -‬أحمد فريد‪ -‬دار طيبة ‪ -‬الرياض‪ -‬ط‪1420( 4‬هـ)‪.‬‬
‫‪291‬‬
‫دراسة موضوعات سورة النور‬

‫فهرس املوضوعات‬

‫املقــدمــة ‪5....................................................................................‬‬
‫خطة البحث ‪8..................................................................................‬‬
‫الوحدة الموضوعية للسورة‪15..................................................................‬‬
‫الباب األول حفظ األعراض ومقاصد الشريعة‪20.................................................‬‬
‫تمهيد مقدمة السورة ومقاصد الشريعة ‪20......................................................‬‬
‫الفصل األول‪ :‬تحريم الزنــــا ‪23...............................................................‬‬
‫المبحث األول‪ :‬األدلة على حرمة الزنا‪23..................................................‬‬
‫المبحث الثاين‪ :‬الحكمة من تحريم الزنا‪26.................................................‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬عقوبة الزنا ‪31............................................................‬‬
‫اً‬
‫أول‪ :‬عقوبة الزاين البكر ‪32.............................................................‬‬
‫ثان ًيا‪ :‬عقوبة الزاين المحصن ‪34. .......................................................‬‬
‫المبحث الرابع‪ :‬الحكمة من هذه العقوبة‪35................................................‬‬
‫المبحث الخامس‪ :‬أهم الوصايا لمكافحة الزنا‪39. ........................................‬‬
‫الفصل الثاين‪ :‬تحريم القذف‪42..................................................................‬‬
‫المبحث األول‪ :‬معنى القذف وأحكامه‪43. ................................................‬‬
‫اً‬
‫أول‪ :‬معنى القذف ‪43. ................................................................‬‬
‫ثان ًيا‪ :‬حكم القذف‪43. .................................................................‬‬
‫اً‬
‫أول‪ :‬شروط القذف‪44.................................................................‬‬
‫ثان ًيا بم يثبت حد القذف ؟ ‪45..........................................................‬‬
‫ثال ًثا‪ :‬خطورة القذف ‪45................................................................‬‬
‫‪292‬‬
‫الفهـــــــارس‬
‫المبحث الثاين‪ :‬عقوبة القاذف‪47...........................................................‬‬
‫المطلب األول‪ :‬عقوبة قذف المحصنات المؤمنات الغافالت ‪47.......................‬‬
‫اً‬
‫أول ‪ :‬العقوبة المرتتبة على القذف ‪47..................................................‬‬
‫ثان ًيا‪ :‬القاذف الذي يأيت ببينة ترد عنه الحد ‪48..........................................‬‬
‫ثال ًثا‪ :‬الحكمة من تشديد البينة ‪49.......................................................‬‬
‫راب ًعا‪ :‬التوبة من القذف‪50..............................................................‬‬
‫المطلب الثاين‪ :‬قذف الرجل زوجته ‪51.................................................‬‬
‫اً‬
‫أول‪ :‬سبب نزول اآليات ‪51............................................................‬‬
‫ثان ًيا‪ :‬ما هو اللعان ‪52...................................................................‬‬
‫ثال ًثا‪ :‬كيفية اللعان ‪52...................................................................‬‬
‫راب ًعا‪ :‬لماذا خصصت المرأة بالغضب إن كان زوجها صاد ًقا ‪52.........................‬‬
‫خامسا‪ :‬وماذا بعد اللعان ‪53............................................................‬‬
‫ً‬
‫سادسا‪ :‬ختام هذا البيان ‪53.............................................................‬‬
‫ً‬
‫الفصل الثالث‪ :‬موقف المسلم من الشائعات ‪54.................................................‬‬
‫المبحث األول‪ :‬حادثة اإلفك مثال تطبيقي ‪54..............................................‬‬
‫المبحث الثاين‪ :‬سرد رواية القصة‪56........................................................‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬من فوائد الحادثة ‪61......................................................‬‬
‫المبحث الرابع‪ :‬مشكلة اإلشاعة ‪65........................................................‬‬
‫المطلب األول‪ :‬تعريف اإلشاعة ‪65....................................................‬‬
‫المطلب الثاين‪ :‬خطورة اإلشاعات‪66..................................................‬‬
‫المطلب الثالث‪ :‬كيف تتولد اإلشاعة وتنتشر ‪68.......................................‬‬
‫المبحث الخامس‪ :‬الموقف من الشائعات من خالل حادثة اإلفك‪69.......................‬‬
‫المطلب األول‪ :‬أن يقدم حسن الظن باألخ المسلم ‪69..................................‬‬
‫‪293‬‬
‫دراسة موضوعات سورة النور‬
‫المطلب الثاين‪ :‬التثبت بالبينة والدليل‪71................................................‬‬
‫المطلب الثالث‪ :‬أن ال يتحدث بما سمعه وال ينشره ‪73................................‬‬
‫المطلب الرابع‪ :‬قطع الطريق على الفساق الذين يحبون أن تشيع الفاحشة والشر ‪74.....‬‬
‫المبحث السادس‪ :‬التعقيب القرآين على حادثة اإلفك ‪76. .................................‬‬
‫المطلب األول‪ :‬خطورة نشر الفواحش يف المجتمع اإلسالمي ‪76. .....................‬‬
‫المطلب الثاين‪ :‬شرع اهلل األحكام وقبل توبة المذنبين اً‬
‫فضل منه ورحمة ‪78.............‬‬
‫المطلب الثالث‪ :‬التنبيه على عدم إتباع خطوات الشيطان ألنه هو الذي يغوي اإلنسان ويوقعه ‪80...‬‬
‫المطلب الرابع‪ :‬سالمة الصدر والعفو والمسامحة واإلحسان لمن أساء يستجلب مغفرة اهلل‪81...‬‬
‫الفصل الرابع‪ :‬مســؤلية الكلمة ‪83.............................................................‬‬
‫المبحث األول‪ :‬عرض إجمالي لآليات ‪83................................................‬‬
‫المبحث الثاين‪ :‬أهمية الكلمة وخطورهتا ودورها يف إقامة الحياة ‪85.........................‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬آفات الكالم‪89..........................................................‬‬
‫الباب الثاني‪ :‬اآلداب االجتماعية الوقائية‪94.....................................................‬‬
‫تمهيد الباب الثاين‪94............................................................................‬‬
‫الفصل األول‪ :‬أدب االستئذان‪96................................................................‬‬
‫المبحث األول‪ :‬أهمية االستئذان ومجاالته ‪97.............................................‬‬
‫المبحث الثاين‪ :‬أحكام االستئذان وآدابه ‪101.................................................‬‬
‫الفصل الثاين‪ :‬غض البصر وحفظ الفرج ‪111.....................................................‬‬
‫المبحث األول‪ :‬األمر بغض البصر‪112.....................................................‬‬
‫المبحث الثاين‪ :‬فوائد غض البصر ‪115......................................................‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬األمر بحفظ الفروج ‪117..................................................‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬الزينة وأحكام إظهارها ‪120.......................................................‬‬
‫المبحث األول‪ :‬أهمية الزينة يف حياة المرأة‪121.............................................‬‬
‫‪294‬‬
‫الفهـــــــارس‬
‫المبحث الثاين‪ :‬أحكام إظهار الزينة‪123.....................................................‬‬
‫المطلب األول‪ :‬الزينة التي يجوز إبدائها‪123............................................‬‬
‫المطلب الثاين‪ :‬من يجوز للمرأة أن تبدي زينتها عنده ‪125...............................‬‬
‫المطلب الثالث‪ :‬البعد عن دواعي إبداء الزينة لغير المحارم‪129.........................‬‬
‫المطلب الرابع‪ :‬تحريم زينة القول‪135..................................................‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬خطورة االختالط ‪137. ..................................................‬‬
‫الفصل الرابع‪ :‬الزواج سنة إلهية ‪140.............................................................‬‬
‫المبحث األول‪ :‬األمر بالزواج والحث عليه ‪141............................................‬‬
‫المبحث الثاين‪ :‬حكمة الشارع يف الزواج‪144................................................‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬من لم يستطيع الزواج ‪149................................................‬‬
‫المبحث الرابع‪ :‬تيسير الحياة السعيدة لفآت المجتمع ‪154..................................‬‬
‫الفصل الخامس‪ :‬آداب داخل البيت المسلم ‪157.................................................‬‬
‫تميد الفصل الخامس ‪157.......................................................................‬‬
‫المبحث األول‪ :‬االستئذان داخل البيت ‪159................................................‬‬
‫المبحث الثاين‪ :‬إبداء الزينة وإخفائها ‪162...................................................‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬العالقة بين أهل البيت واألقارب واألصدقاء‪164..........................‬‬
‫الباب الثالث‪ :‬تذكرة وذكرى ألولي األلباب‪167.................................................‬‬
‫الفصل األول‪ :‬ضرب األمثال يف القرآن ‪168. ....................................................‬‬
‫تمهيد الفصل األول ‪168. ......................................................................‬‬
‫المبحث األول‪ :‬ضرب األمثال يف القرآن تعريف وبيان ‪170.................................‬‬
‫اً‬
‫أول‪ :‬تعريف ضرب األمثال ‪170........................................................‬‬
‫ثان ًيا‪ :‬أنواع األمثال يف القرآن‪170........................................................‬‬
‫ثال ًثا‪ :‬مقاصد األمثال القرآنية ومواطن العربة فيها ‪171...................................‬‬
‫‪295‬‬
‫دراسة موضوعات سورة النور‬
‫راب ًعا‪ :‬الفرق بين المثل القرآين والمثل العربي‪171.......................................‬‬
‫المبحث الثاين‪ :‬مثل نور اإليمان‪172........................................................‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬مثل ظلمات الكفر‪175....................................................‬‬
‫المطلب األول‪ :‬المثل األول‪ :‬أعمال الكفار ال قيمة لها يوم القيامة ‪175.................‬‬
‫المطلب الثاين‪ :‬المثل الثاين‪ :‬شدة ظلمة الكفر ‪178.....................................‬‬
‫المبحث الرابع‪ :‬فائدة ضرب األمثال ‪180...................................................‬‬
‫الفصل الثاين‪ :‬بيوت اهلل‪182......................................................................‬‬
‫المبحث األول‪ :‬تحليل معنى اآليات إجمال ‪183..........................................‬‬
‫المبحث الثاين‪ :‬فضل المساجد وأهميتها يف اإلسالم‪186. ..................................‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬أهم المهام التي يقوم هبا المسجد ‪190.....................................‬‬
‫المبحث الرابع‪ :‬أحكام المساجد وآداهبا ‪195...............................................‬‬
‫المبحث الخامس‪ :‬تنبيهات خاصة لحضور النساء للمساجد‪203............................‬‬
‫المبحث السادس‪ :‬أثر المسجد على الفرد والمجتمع اإلسالمي‪207........................‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬النظر يف آيات اهلل ‪209............................................................‬‬
‫المبحث األول‪ :‬تسبيح المخلوقات هلل ‪211.................................................‬‬
‫المبحث الثاين‪ :‬التذكير بالرجوع إلى اهلل‪220................................................‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬السماء والسحاب وما فيهما ‪223..........................................‬‬
‫المبحث الرابع‪ :‬الليل والنهار وتقليبهما ‪228................................................‬‬
‫المبحث الخامس‪ :‬الدواب خلقها وسعيها ‪231.............................................‬‬
‫المبحث السادس‪ :‬الحكمة من اآليات والمشاهد ‪236.....................................‬‬
‫الباب الرابع‪ :‬آداب اجملتمع يف اإلسالم ‪240........................................................‬‬
‫الفصل األول‪ :‬وجوب طاعة الرسول ‪241........................................................‬‬
‫المبحث األول‪ :‬الهروب عن التحاكم إلى اهلل ورسوله‪243. ................................‬‬
‫‪296‬‬
‫الفهـــــــارس‬
‫المبحث الثاين‪ :‬المستقيمين على منهج رسول اهلل ‪245......................................‬‬
‫اً‬
‫أول‪ :‬صفات المؤمنين المستجيبين ألمر اهلل يف اآلية ‪245................................‬‬
‫ثان ًيا‪ :‬الرتابط بين هذه الصفات ‪246.....................................................‬‬
‫ثال ًثا‪ :‬نتيجة هذا التسليم وااللتزام بتلك الصفات؟ ‪247..................................‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬حال الناس يف الطاعة وواجب الرسول تجاههم‪250.......................‬‬
‫الفصل الثاين‪ :‬أسباب النصر والتمكين يف األرض ‪254............................................‬‬
‫ماذا تحتاج أمتنا يف هذه األيام ‪254...............................................................‬‬
‫المبحث األول‪ :‬صفات أهل النصر ‪256....................................................‬‬
‫المبحث الثاين‪ :‬حقيقة االستخالف‪259.....................................................‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬التمكين وحقيقته ‪262.....................................................‬‬
‫المبحث الرابع‪ :‬تبديل الخوف باألمن‪265..................................................‬‬
‫المبحث الخامس‪ :‬سبيل المحافظة على الموعود ‪268.....................................‬‬

‫الفصل الثالث‪ :‬أدب الطاعة للرسول ﷺ واحترام ولي األمر‪271..................................‬‬


‫المبحث األول‪ :‬أدب استئذان ولي األمر ‪272...............................................‬‬
‫المبحث الثاين‪ :‬أدب خطاب اإلمام‪275.....................................................‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬تحذير وتذكير ‪277.......................................................‬‬
‫اخلـامتــة ‪280..................................................................................‬‬
‫قائمة المصادر والمراجع ‪284..................................................................‬‬

You might also like