الفكر التربوي عند الامام الشاطبي

You might also like

Download as doc, pdf, or txt
Download as doc, pdf, or txt
You are on page 1of 99

‫اإلهداء‬

‫إلى جميع العاملين في حقلي التربية والتعليم الذين يريدون‬


‫سعادة المجتمع وتقدمه ‪.‬‬
‫إلى الذين ينادون بالجمع بين األصالة والمعاصرة في التربية‬
‫اإلسالمية‪.‬‬
‫إلى المجددين األفذاذ والمربين العظماء من العلماء العاملين ‪.‬‬
‫إلى أبناء األمة الغيورين ‪.‬‬
‫أهدي هذا البحث سائالً المولى عز وجل بأسمائه الحسنى‬
‫وصفاته العال‬
‫أن يكون خالصا ً لوجهه الكريم‬
‫المقدمة ‪:‬‬
‫إن احلمد هلل ‪ ،‬حنمده ‪ ،‬ونستعينه ونستغفره ‪ ،‬ونعوذ باهلل من شرور أنفسنا‬
‫ومن سيئات أعمالنا ‪ ،‬من يهده اهلل فال مضل له‪ ،‬ومن يضلل فال هادي له‪ ،‬وأشهد‬
‫أن ال إله إال اهلل وحده ال شريك له وأشهد أن حممداً عبده ورسوله‪.‬‬
‫أما بعد ‪:‬‬
‫يا رب لك احلمد كما ينبغي جلالل وجهك وعظيم سلطانك ‪ ،‬لك احلمد‬
‫حىت ترضى ولك احلمد إذا رضيت ‪.‬‬
‫فهذا حبث ‪ ،‬عن " الفكر الرتبوي لإلمام األصويل احملقق أيب إسحاق إبراهيم‬
‫بن موسى الشاطيب " ‪ .‬عشت معه مدة من األيام أقلب الكتب واملؤلفات ‪ ،‬أحبث‬
‫يف طياهتا الفكر الرتبوي هلذا اإلمام العالمة الفذ ‪ ،‬وقد تأثرت كثرياً بشخصية‬
‫إمامنا الشاطيب من خالل املنهجية اليت سار عليها واألصالة اليت متيز هبا والفكر‬
‫الرتبوي التجديدي الذي اشتهر عنه ‪ ،‬وكأنه يريد بفكره أن يعاجل الكثري من‬
‫مشكالتنا املعاصرة ‪.‬‬
‫لذا يعترب اإلمام الشاطيب رائداً من رواد مدرسة اإلصالح اإلسالمي يف‬
‫الشمال األفريقي خاصة والعامل اإلسالمي عامة‪ ،‬عمل على نشر اإلسالم الصحيح‬
‫‪ ،‬وحماربة البدع ‪ ،‬واخلرافات ‪ ،‬والشعوذة بأنواعها وأشكاهلا ‪.‬‬
‫وما هذا البحث املتواضع إال تسليط األضواء على هذه الشخصية وكشف‬
‫احلقائق النرية وتوسيع النقاط البيضاء املشرقة ‪.‬‬
‫وقد قمت بتقسيم البحث إىل فصل متهيدي وسبعة فصول أخرى وهي ‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫الفصل التمهيدي ‪:‬‬
‫أوالً ‪ :‬أمهية البحث ‪.‬‬
‫ثانياً ‪ :‬مشكلة البحث ‪.‬‬
‫ثالثاً ‪ :‬منهج البحث ‪.‬‬
‫رابعاً ‪ :‬الدراسات السابقة ‪.‬‬
‫خامساً ‪ :‬التعريف ببعض املصطلحات ‪.‬‬

‫الفصل األول ‪ :‬عصر اإلمام الشاطبي وأثره في تكوين فكره التربوي‬


‫‪:‬‬
‫املبحث األول ‪ :‬احلالة السياسية ‪.‬‬
‫‪ -1‬مملكة غرناطه ‪.‬‬
‫‪ -2‬ملوك بين األمحر ‪.‬‬
‫املبحث الثاين ‪ :‬احلالة االجتماعية ‪.‬‬
‫‪ -1‬مراكز التعليم يف مملكة غرناطه ‪.‬‬
‫‪ -2‬جهود علماء غرناطة يف مجيع ميادين احلياة ‪.‬‬

‫الفصل الثاني ‪ :‬سيرته وحياته العلمية ‪ .‬وفيها ستة مباحث ‪.‬‬


‫املبحث األول ‪ :‬امسه ونسبه وشهرته ‪.‬‬
‫املبحث الثاين ‪ :‬نشأته وتعليمه ‪.‬‬
‫املبحث الثالث ‪ :‬شيوخه وتالميذه ‪.‬‬
‫املبحث الرابع ‪ :‬ثقافته وجهوده العلمية ‪.‬‬
‫املبحث اخلامس ‪ :‬شخصيته وصفاته اخللقية ‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫املبحث السادس ‪ :‬وفاته وثناء العلماء عليه ‪.‬‬

‫الفصل الثالث ‪ :‬مصادر الفكر التربوي عند اإلمام الشاطبي ‪.‬‬


‫ويتكون من ستة مباحث ‪.‬‬
‫املبحث األول ‪ :‬القرآن والسنة ‪.‬‬
‫املبحث الثاين ‪ :‬اإلمجاع ‪.‬‬
‫املبحث الثالث ‪ :‬القياس ‪.‬‬
‫املبحث الرابع ‪ :‬أقوال الصحابة ‪.‬‬
‫املبحث اخلامس ‪ :‬مقاصد الشريعة ‪.‬‬
‫املبحث السادس ‪ :‬املصاحل املرسلة ‪.‬‬
‫الفصل الرابع ‪ :‬منهجيته العلمية والتربوية ‪.‬‬
‫ويتكون من أربعة مباحث ‪:‬‬
‫املبحث األول ‪ :‬جتديده وانطالقه من مقاصد الشريعة اإلسالمية ‪.‬‬
‫املبحث الثاين ‪ :‬استقالليته العلمية واجتهاده ‪.‬‬
‫املبحث الثالث ‪ :‬اعتماده على املنهج االستقرائي ‪.‬‬
‫املبحث الرابع ‪ :‬مواجهته للخرافات واألباطيل واالستناد إىل احلجج‬
‫والرباهني وحماربته للبدع ‪.‬‬
‫الفصل الخامس ‪ :‬مقاصد التربية اإلسالمية عند اإلمام الشاطبي ‪.‬‬
‫املبحث األول ‪ :‬الرتبية ومقاصد الشريعة ‪.‬‬
‫املبحث الثاين ‪ :‬بعض التطبيقات الرتبوية على مقاصد الشريعة اإلسالمية ‪.‬‬
‫املبحث الثالث ‪ :‬أهداف الرتبية اإلسالمية ‪.‬‬
‫الفصل السادس‪ : L‬العلم والتعلم عند اإلمام الشاطبي ‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫املبحث األول ‪ :‬أقسام العلم ( تصنيف العلوم ) ‪.‬‬
‫املبحث الثاين ‪ :‬مفهوم التعلم ‪.‬‬
‫املبحث الثالث ‪ :‬ركائز التعليم األساسية ( املعلم– الطالب – املنهج‬
‫الرتبوي ) ‪.‬‬
‫املبحث الرابع ‪ :‬عوامل التعلم ‪.‬‬
‫املبحث اخلامس ‪ :‬طرق ووسائل التعلم ‪.‬‬
‫الفصل السابع ‪ :‬ميادين التربية اإلسالمية عند اإلمام الشاطبي ‪.‬‬
‫املبحث األول ‪ :‬الرتبية اإلميانية ‪.‬‬
‫املبحث الثاين ‪ :‬الرتبية العقلية ‪.‬‬
‫املبحث الثالث ‪ :‬الرتبية املهنية واالجتماعية ‪.‬‬
‫املبحث الرابع ‪ :‬الرتبية األخالقية واجلمالية ‪.‬‬
‫النتائج والتوصيات ‪.‬‬
‫الفهرس‬
‫أ – فهرس المصادر والمراجع ‪.‬‬
‫ب – فهرس الموضوعات ‪.‬‬
‫ويف اخلتام أمحد اهلل تعاىل ‪ ،‬وهو للحمد أهل ‪ ،‬أن وفقين إلجناز هذا العمل‬
‫على ما فيه من ضعف البشر ‪ ،‬وقصر النظر ‪.‬‬
‫كما أشكر أستاذي الدكتور‪ /‬حممود عطا ‪ ،‬فالشكر له موصول غري مقطوع‬
‫‪ ،‬والتقدير له ممدود غري جمذوذ ‪ ،‬وجزاه اهلل صاحلة ‪ ،‬ونضر منه وجهاً وبوأه من‬
‫اجلنة غرفاً ‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫وآخر دعوانا أن احلمد هلل رب العاملني ‪ ،‬والصالة والسالم على أشرف‬
‫اخللق أمجعني سيدنا حممد وعلى آله وصحبه أمجعني ‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫الفصل التمهيدي ‪:‬‬
‫مشكلة البحث وأهميته ‪:‬‬
‫متهيد‪:‬‬
‫الرتبية اإلسالمية جمموعة متناسقة مرتابطة من املفاهيم والقيم الفاعلة يف نفس‬
‫املؤمن وروحه حىت وإن كان على غري وعي كامل هبا ‪ ،‬أو على غري قدرة على‬
‫صياغتها وترتيبها وعرضها ‪.‬‬
‫فاملسلم املؤمن‪،‬الذي ميارس شعائر دينه‪،‬ويعيش بفكره وسلوكه على مستوى‬
‫من اخللق يكاد يكون فطرة له ‪ ،‬فهو يؤمن أن اهلل الرمحن الرحيم يراه ويسمعه يف‬
‫كل حلظة ‪ ،‬ويف كل حركاته وسكناته ‪ ،‬ويؤمن أن اهلل أقرب إليه من حبل الوريد‬
‫‪ ،‬وأن مسئوليته عن نواياها وأفعاله مسئولية خلقية كاملة ‪ ،‬وأنه وحده حيمل طائره‬
‫يف عنقه ‪.‬‬
‫وهلذا يصل املسلم املؤمن إىل درجة من الرتبية اليت نسميها الرتبية اإلسالمية‪.‬‬
‫وبالنظر إىل تاريخ الرتبية اإلسالمية خاصة فيما يتعلق بتاريخ الفكر الرتبوي‬
‫اإلسالمي ‪ .‬جيد هناك قيادات فكرية إسالمية قامت بتجديد الفكر اإلسالمي‬
‫وتأصيله واملسامهة فيه ‪ .‬فضالً عن نشوء مدارس يف الفكر اإلسالمي متنوعة مثل‬
‫املدرسة اليت متثل االجتاه الفقهي وأخرى متثل االجتاه الصويف وثالثة متثل االجتاه‬
‫الفلسفي الكالمي ‪ ،‬ورابعة متثل االجتاه العلمي التجرييب ‪ .‬وخامسة متثلت يف الفكر‬
‫األصويل البعيد عن علم الكالم ‪.‬‬
‫وشخصية البحث متثل االجتاه األخري وهي الفكر األصويل ‪ .‬ويُعد من‬
‫األصوليني احملققني عاش يف القرن الثامن اهلجري بغرناطة ‪ .‬قال عنه أمحد بابا‬
‫السوداين التنبكيت يف ترمجته ‪ ( :‬اإلمام العالمة احملقق القدوة احلافظ اجلليل اجملتهد ‪،‬‬

‫‪6‬‬
‫كان أصولياً ‪ /‬مفسراً حمدثاً لغوياً بيانياً نظّاراً ورعاً صاحلاً زاهداً سنياً إماماً مطلقاً‬
‫حبّاثاً مدققاً جدلياً بارعاً يف العلوم ‪ ،‬من أفراد العلماء احملققني اإلثبات وأكابر‬
‫األئمة املتفننني الثقات ‪ ،‬له القدم الراسخ واإلمام العظمى يف الفنون فقهاً وأصوالً‬
‫وتفسرياً وحديثاً وعربية وغريها مع التحري والتحقيق ‪ ..‬على قدم راسخ من‬
‫الصالح والعفة والتحري والورع ) (‪.)1‬‬
‫ويظهر من هذا النص سعة علم الشاطيب واطالعه‪ ،‬وتوثيقه وحتقيقه وورعه ‪.‬‬
‫وقد احتل مكانة بارزة يف أحباث الدارسني وخاصة يف علم األصول أما جانب‬
‫الفكر الرتبوي فقد كانت هناك اجتهادات ومقاالت من بعض الباحثني أعطت‬
‫هذه الشخصية عناية فائقة ‪.‬‬
‫أوالً ‪ :‬أمهية البحث ‪:‬‬
‫مما يعزر أمهية هذا البحث أن اإلمام الشاطيب مارس التعليم يف دور الطالب‬
‫ودور الصاحب ودور املعلم يف فرتة حياته ‪ ،‬مما أعطى فكره الرتبوي أمهية وخاصة‬
‫يف جانب أصول الرتبية اإلسالمية ‪.‬‬
‫" واملتأمل يف ت راث الش اطيب العلمي جيده من الشخص يات ذات املواهب‬
‫والقدرات املتعددة ‪ ،‬اليت عرفها تارخينا ‪ .‬صحيح إن أهم ما وصلنا من تراثه كتابان‬
‫فقط ‪ ،‬ومها ‪ /‬املوافق ات واالعتص ام ‪ ،‬ولكن الكتب كالن اس تتف اوت فيما بينها‬
‫تفاوت اً كبرياً ‪ ،‬وقد جاء يف احلديث " ليس شيء خرياً من ألف مثله إال اإلنسان "‬
‫‪.‬‬

‫() الشاطيب ‪ ،‬أبو إسحاق إبراهيم بن موسى ‪1421 ،‬هـ – ‪2001‬م ‪ ،‬فتاوى اإلمام الشاطيب ‪ ،‬حتقيق وتقدمي‬ ‫‪1‬‬

‫د‪ .‬حممد أبو األجفان ‪ ،‬ط ‪ ، 4‬مكتبة العبيكان ‪ ،‬الرياض ‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫ويف هذا قال الشاعر ‪:‬‬
‫(‪)1‬‬
‫وواحد كاأللف إن أمر عنا"‬ ‫والناس ألف منهمو كواحد‬

‫واستناداً إىل ما تقدم ميكن القول بأن اإلمام الشاطيب كان حيتل مكانة‬
‫مرموقة بني املفكرين الرتبويني الذين أثروا الفكر الرتبوي اإلسالمي بالعديد من‬
‫اآلراء واألفكار اجليدة ‪ ،‬يقول السيد حممد رشيد رضا – رمحه اهلل ‪: -‬‬
‫" ومن أراد أن يعرف فضل اإلسالم ومساحته وسهولته ومرونته فليأخذه من‬
‫ينبوعه ‪ ،‬وليستعن على فهمه هبؤالء احلكماء الذين يشددون يف إنكار البدع‬
‫ويدعون املسلمني إىل السنة اليت كان عليها السلف " (‪.)2‬‬
‫لذا تكمن أمهية البحث يف النقاط التالية ‪:‬‬
‫أن اإلمام الشاطيب احتل مكانة بارزة يف أحباث الدارسني وخاصة احملققني‬ ‫‪-‬‬
‫لفكرة ودوره اإلصالحي ‪.‬‬
‫أن الشاطيب يعترب علماً من أعالم الرتبية والتعليم ‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫أنه يعترب رائداً يف جتديد وتشكيل العقلية اإلسالمية ‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫أنه أسس املنهج االستقرائي واالستنتاجي ‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫يعترب أحد رواد احلركة اإلصالحية اليت تزعمها يف املغرب العريب ‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫أن فكر الشاطيب حيتوي على جوانب أصيلة تعكس الروح اإلسالمية يف احملافظة‬ ‫‪-‬‬
‫على الثوابت وحماربة ومقاومة البدع واخلرافات ‪.‬‬

‫() القرضاوي ‪ ،‬يوسف ‪1412 ،‬هـ – ‪1991‬م ‪ ،‬الرتبية عند اإلمام الشاطيب ‪ ،‬حولية كلية الشريعة‬ ‫‪1‬‬

‫والدراسات اإلسالمية ‪ ،‬العدد التاسع ‪ ،‬جامعة قطر ‪.‬‬


‫الشاطيب ‪ ،‬أبو إسحاق إبراهيم بن موسى ‪1402 ،‬هـ – ‪1982‬م‪ ،‬االعتصام‪ ،‬تعليق السيد حممد‬ ‫()‬ ‫‪2‬‬

‫رشيد رضا ‪ ،‬دار املعرفة للطباعة والنشر – بريوت – لبنان ‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫‪ -‬أنه ارتكز يف فكره على ما يسمى باالجتهاد املقاصدي " الذي حقق التحول‬
‫من عقلية التلقني والتلقي إىل عقلية التفكري واالستنتاج واالستدالل‬
‫واالستقراء والتحليل والنقد واملوازنة واالستشراف املستقبلي وعدم القبول ألي‬
‫فكر أو اجتهاد بغري سلطان أو بغري برهان حتت شعار (هاتوا برهانكم) (‪.)1‬‬
‫ثانياً ‪ :‬مشكلة البحث ‪:‬‬
‫ميكن بلورة مشكلة البحث يف التساؤل التايل ‪:‬‬
‫‪ -1‬ما هي العوامل اليت أثرت يف فكر اإلمام الشاطيب ؟‬
‫‪ -2‬ما املصادر اليت كونت فكر الشاطيب الرتبوي ؟‬
‫‪ -3‬ما املنهجية التجديدية اليت جاء هبا ومتيز ؟‬
‫‪ -4‬ما مقاصد الرتبية اإلسالمية عند اإلمام الشاطيب ؟ وما تطبيقاهتا ؟‬
‫‪ -5‬كيف صنّف العلم ؟ وما مفهومه ؟ وما ركائزه ؟ وطرقه ووسائله ‪.‬‬
‫‪ -6‬ما نظرته يف ميادين الرتبية ؟‬

‫ثالثاً ‪ :‬منهج البحث ‪:‬‬


‫أما منهج البحث الذي استخدمه يف هذه الدراسة فهو جيمع بني املنهج‬
‫اإلستنتاجي واملنهج التارخيي الوصفي وذلك ألقوم جبمع آراء اإلمام الشاطيب‬
‫الرتبوية من خالل النصوص مث بلورهتا واستخراج األفكار الرتبوية منها ‪.‬‬

‫رابعاً ‪ :‬الدراسات السابقة ‪:‬‬


‫() اخلادمي ‪ ،‬نور الدين بن خمتار ‪1419 ،‬هـ – ‪1998‬م ‪ ،‬االجتهاد املقاصدي حجيته ‪ ..‬ضوابطه ‪ ..‬جماالته‬ ‫‪1‬‬

‫‪ .‬كتاب األمة العدد (‪ 1/16 ، )65‬من تقدمي عمر عبيد حسنة ‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫تعترب الدراسات الرتبوية عن اإلمام الشاطيب قليلة ومع ذلك فهناك ‪:‬‬
‫‪ " -1‬نظرية الرتبية عند الشاطيب"‪ -‬دراسة حتليلية لكتاب املوافقات‪ -‬وهو حبث‬
‫تكميلي لنيل درجة املاجستري من كلية الرتبية جبامعة أم القرى من إعداد –‬
‫جويرب ماطر جنم الثبييت إشراف الدكتور بشري التوم ‪ .‬وحتدثت الرسالة عن‬
‫ماهية الرتبية عند الشاطيب وموضوعها وصلتها بالعلوم األخرى مث عن مبادئ‬
‫عرج بعدها إىل نظريات الرتبية وأهداف الرتبية ووسائلها‪.‬‬
‫الرتبية وأسسها مث ّ‬
‫‪ -2‬عصر اإلمام الشاطيب ‪.‬لـ أ‪.‬د أبو القاسم سعد اهلل ‪.‬‬
‫‪ -3‬أصالة اإلمام الشاطيب يف املغرب جذرياً وثقافياً ‪ .‬أ‪ .‬عبد الرمحن اجلياللي ‪.‬‬
‫‪ -4‬موافقات أيب إسحاق الشاطيب واستمرارية تأثريها يف مؤلفات العصر احلديث‬
‫‪ .‬الشيخ ‪ .‬حممد املنوي ‪.‬‬
‫‪ -5‬مشروعية اإليثار يف الشريعة اإلسالمية وضوابطه عند اإلمام الشاطيب‬
‫أ‪.‬د‪ .‬حممد سعيد رمضان البوطي ‪.‬‬
‫‪ -6‬نظرات يف فقه الدعوة عند اإلمام الشاطيب ‪ .‬أ‪.‬د بلقاسم لوينس ‪.‬‬
‫‪ -7‬موقف اإلمام الشاطيب من االحنراف يف جمايل االجتهاد والتقليد ‪ :‬أ‪.‬د‪ .‬حممد‬
‫أبو األجفان ‪.‬‬
‫‪ -8‬مقاومة أيب إسحاق للبدع ‪ :‬الشيخ حممد املختار السالمي ‪.‬‬
‫‪ -9‬الشاطيب وفكره األصويل بني اإلبداع واإلتباع ‪ .‬أ‪.‬د عبد احلميد العلمي‬
‫(دبلوم الدراسات العليا يف الدراسات اإلسالمية‪،‬كلية اآلداب بفاس‪،‬املغرب) ‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫‪ -10‬اإلمام الشاطيب عقيدته وموقفه من البدع وأهلها ‪ :‬رسالة علمية "ماجستري"‬
‫لـ عبد الرمحن آدم علي ‪ ،‬مطبوع‪ ،‬مكتبة الرشد ‪ ،‬الرياض ‪ ،‬شركة الرياض‬
‫للنشر والتوزيع ‪1418 .‬هـ – ‪1998‬م ‪.‬‬
‫‪ " -11‬اإلمام الشاطيب واخلصائص العامة لفكره " الباحث ‪ :‬متيم احلواين ‪ .‬جملة‬
‫دار احلديث احلسنية املغربية نشر البحث يف العددين ‪. 14 ،13‬‬
‫‪ " -12‬الفقيه األصويل املفيت إبراهيم أبو إسحاق الشاطيب " حبث لألستاذ‬
‫عبد القادر العافية ‪ ،‬جملة دعوة احلق – الرباط – اململكة املغربية ‪ ،‬العدد (‬
‫‪ )297‬سنة ‪1413‬هـ – ‪1993‬م ‪.‬‬
‫‪ " -13‬الرتبية عند الشاطيب " لـ أ‪.‬د‪ .‬يوسف القرضاوي – نشر يف حولية كلية‬
‫الشريعة والدراسات اإلسالمية جبامعة قطر ‪ ،‬العدد التاسع ‪1412 ،‬هـ –‬
‫‪1991‬م ‪.‬‬
‫‪ " -14‬الفكر الرتبوي عند اإلمام الشاطيب " مقالة لـ أ‪.‬د حممد الدسوقي ‪ .‬جملة‬
‫املنهل ‪ ،‬العدد (‪1416 )526‬هـ – ‪1995‬م ‪.‬‬
‫‪ " -15‬الشاطيب جمدد العقلية اإلسالمية " لـ الزبري مهداد – مقالة جملة العامل العدد‬
‫(‪1421 ، )19‬هـ ‪.‬‬
‫‪ " -16‬الشاطيب وآراء تربوية متجددة " لـ الزبري مهداد – مقالة يف جملة الفيصل ‪،‬‬
‫العدد (‪1418 ، )251‬هـ – ‪1997‬م ‪.‬‬
‫‪ " -17‬منهج الرتبية والتعليم عند الشاطيب " مقالة لـ عبد اجلليل بادو ‪ ،‬منشورة يف‬
‫جملة املريب – تطوات – اململكة املغربية – العدد (‪1994 ، )4‬م ‪.‬‬
‫وهناك حبوث علمية متخصصة يف علم األصول مثل ‪:‬‬

‫‪11‬‬
‫‪ " -1‬نظرية املقاصد عند اإلمام الشاطيب " رسالة علمية حمكمة ‪ .‬د‪ .‬أمحد‬
‫الريسوين له طبعتان ‪ ،‬الطبعة األوىل ‪ :‬دار الكلمة للنشر والتوزيع – مصر –‬
‫املنصورة ‪1418 ،‬هـ – ‪1997‬م ‪ .‬الطبعة الثانية ‪ :‬املعهد العاملي للفكر‬
‫اإلسالمي ‪ ،‬نشر وتوزيع الدار العاملية للكتاب اإلسالمي ‪1412 ،‬هـ –‬
‫‪1992‬م ‪.‬‬
‫‪ " -2‬الشاطيب ومقاصد الشريعة " رسالة علمية حمكمة ‪ ،‬د‪ .‬محادي العبيدي‪.‬‬
‫دار قتيبة – دمشق – بريوت ‪ ،‬الطبعة األوىل ‪1412 ،‬هـ – ‪1992‬م ‪.‬‬
‫‪ " -3‬قواعد املقاصد عند اإلمام الشاطيب " رسالة علمية حمكمة ‪،‬‬
‫د‪ .‬عبد الرمحن إبراهيم الكيالين ‪ ،‬دار الفكر للطباعة والنشر ‪ ،‬دمشق ‪،‬‬
‫املعهد العاملي للفكر اإلسالمي ‪1421 ،‬هـ ‪.‬‬
‫‪ " -4‬منهج البحث األصويل عند اإلمام الشاطيب " دراسة وتطبيقاً رسالة مقدمة‬
‫لنيل درجة الدكتوراه ‪ .‬إعداد فوزية بنت حممد بن عبد اهلل القثامي ‪ ،‬لقسم‬
‫الفقه وأصوله ‪ ،‬إشراف األستاذ الدكتور حممود عبد الدامي ‪1411‬هـ –‬
‫‪1990‬م ‪.‬‬
‫‪ " -5‬أدلة األحكام الشرعية يف أصول الشاطيب " ‪ ،‬حممد عبد اهلل العجالن ‪،‬‬
‫رسالة جامعية بكلية الشريعة ‪ ،‬قسم أصول الفقه ‪ ،‬جامعة اإلمام حممد بن‬
‫سعود ‪ ،‬الرياض ‪1398 ،‬هـ ‪.‬‬
‫‪ " -6‬االستقراء عند اإلمام الشاطيب " حبث لـ نعمان جغيم ‪ ،‬منشور يف جملة‬
‫التجديد – اجلامعة اإلسالمية العاملية مباليزيا ‪ ،‬السنة الرابعة ‪ ،‬العدد السابع‬
‫– ‪1420‬هـ – ‪2000‬م ‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫‪ " -7‬أمنوذج مقرتح لقراءة نظرية املقاصد عند اإلمام الشاطيب " لـ عبد اهلل اجليوسي‬
‫‪ .‬منشور يف جملة التجديد – اجلامعة اإلسالمية العاملية مباليزيا – السنة الرابعة ‪،‬‬
‫العدد الثامن ‪1421 ،‬هـ – ‪2000‬م ‪.‬‬
‫‪ " -8‬االستقراء يف مناهج النظر اإلسالمي " منوذج " املوافقات لإلمام الشاطيب ‪.‬لـ "‬
‫يونس صواحلي "‪ .‬منشور يف جملة إسالمية املعرفة تصدر من املعهد العاملي للفكر‬
‫اإلسالمي‪ ،‬السنة األوىل‪ ،‬العدد الرابع ‪1416‬هـ– ‪1996‬م ‪.‬‬
‫‪ " -9‬منهج الدرس الداليل عند اإلمام الشاطيب " لألستاذ عبد احلميد العلمي ‪ ،‬من‬
‫مطبوعات وزارة األوقاف والشؤون اإلسالمية ‪ ،‬اململكة املغربية ‪1422 ،‬هـ –‬
‫‪2001‬م ‪.‬‬
‫خامساً ‪ :‬التعريف ببعض املصطلحات ‪:‬‬
‫‪ -‬الفكر الرتبوي ‪ :‬هو التصور املتكامل لفلسفة الرتبية وأصوهلا وأسسها وغايتها‬
‫وأهدافها (‪.)1‬‬
‫‪ -‬االستقراء التام " املعنوي " ‪ " :‬أدلة ظنية تضافرت على معىن واحد حىت أفادت فيه‬
‫القطع ‪.)2( " ..‬‬
‫‪ -‬مقاصد الشريعة ‪ :‬وهي املعاين امللحوظة يف األحكام الشرعية ‪ ،‬واملرتتبة عليها ‪،‬‬
‫سواء أكانت تلك املعاين حكماً جزئية أم مصاحل كلية أم مسات إمجالية ‪ ،‬وهي‬
‫تتجمع ضمن هدف واحد هو تقرير عبودية اهلل ومصلحة اإلنسان يف الدارين " (‪.)3‬‬

‫() احلجاجي ‪ ،‬حسن بن علي بن حسن ( ‪1408‬هـ – ‪1988‬م ) الفكر الرتبوي عند ابن القيم ‪ ،‬دار حافظ‬ ‫‪1‬‬

‫للنشر والتوزيع ‪ ،‬جدة ‪ ،‬ص ‪. 24‬‬


‫() الشاطيب ‪ ،‬أبو إسحاق إبراهيم بن موسى ‪ ،‬املوافقات يف أصول الشريعة ‪ ،‬تعليق وشرح الشيخ عبد اهلل‬ ‫‪2‬‬

‫دراز ‪ ،‬دار الكتب العلمية ‪ ،‬بريوت ‪ ،‬لبنان ‪. 1/24 ،‬‬


‫() اخلادمي ‪ ،‬نور الدين ‪ ،‬االجتهاد املقاصدي ‪ ،‬مرجع سابق ‪. 53 – 1/52 ،‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪13‬‬
‫الفصل األول ‪ :‬عصر اإلمام الشاطبي وأثره في تكوين فكره‬
‫التربوي ‪.‬‬
‫املبحث األول ‪ :‬احلالة السياسية (‪:)1‬‬
‫إن اإلمام الشاطيب – رمحه اهلل – وقد عاش يف ظل مملكة غرناطة اإلسالمية‬
‫يف القرن الثامن اهلجري وهي مدينة " البرية " وكانت غرناطة تابعة هلا ‪ ،‬مث خربت‬
‫البرية أيام الفنت اإلسالمية ‪ ،‬وانتقل أهلها منذ أيام الفتنة الرببرية عام ‪ 400‬هـ ‪ .‬فما‬
‫بعدها‪ ،‬وجلأوا إىل مدينة غرناطة‪ ،‬فصارت عاصمة وحاضرة الصقع وأم املصر ‪.‬‬
‫نشأة مملكة غرناطة اإلسالمية ‪:‬‬
‫كانت مملكة غرناطة قد لبثت يف ظل الدولة األموية قاعدة متواضعة من‬
‫قواعد األندلس اجلنوبية ‪ ،‬ووقعت يومئذ يف نصيب الرببر ‪ ،‬واستوىل عليها زعيم‬
‫صنهاجة زاوي بن زيري ‪ ،‬واختذها دار ملكه ‪ ،‬واستمر احلكم يف ذريته إىل أن عرب‬
‫املرابطون البحر إىل األندلس يف سنة ‪483‬هـ ‪ ،‬واستولوا على غرناطه ‪ ،‬وعلى‬
‫قواعد األندلس األخرى‪ ،‬واستمر املرابطون يف حكم األندلس‪ 60‬عاماً‪،‬فلما‬
‫اهنارت دولتهم يف املغرب جاز املوحدون املتغلبون عليهم إىل األندلس سنة‬
‫‪541‬هـ‪ .‬واستولوا على القواعد والثغور ‪.‬‬
‫فاضطر املرابطون إىل تسليم غرناطة إليهم سنة ‪541‬هـ ‪ ،‬فاستمر املوحدون‬
‫يف احلكم على املغرب واألندلس إىل أن ساءت أحوال دولتهم ‪ ،‬وتبلور األمر فاهتز‬
‫سلطاهنم يف املغرب ‪ ،‬كما اهتز كذلك يف األندلس ‪.‬‬

‫‪ 1‬أنظر ‪ )1( :‬اإلمام الشاطيب ‪ ،‬عقيدته وموقفه من البدع وأهلها ‪ ،‬رسالة ماجستري ‪ ،‬عبد الرمحن بآدم علي ‪،‬‬
‫مكتبة الرشد ‪ ،‬وشركة الرياض ‪1418 ،‬هـ – ‪1998‬م ‪.‬‬
‫(‪ )2‬الشاطيب ومقاصد الشريعة ‪1412 ،‬هـ – ‪1992‬م ‪ ،‬الدكتور محادي العبيدي ‪ ،‬دار قتيبة ‪ ،‬بريوت ‪ ،‬دمشق ‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫فكانت هذه الظروف ساحنة لظهور حممد بن يوسف بن هود اجلذامي ‪،‬‬
‫وكان ينتمي إىل بيت عريق يف الزعامة وامللوكية ‪ ،‬وكانت دعوته وجوب العمل‬
‫على حترير األندلس من املوحدين والنصارى معاً ‪ ،‬فعمل على إهناء سلطان‬
‫املوحدين يف األندلس يف وقت ال تعينه الظروف على االحتفاظ باألندلس ‪ ،‬وتوىف‬
‫سنة ‪ 651‬هـ ‪.‬‬
‫ويف هذا الوقت واجلو مضطرب ‪ ،‬واألحوال سيئة ‪ ،‬ظهر حممد بن يوسف‬
‫النصري املعروف بابن األمحر ‪ ،‬مؤسس مملكة غرناطة اإلسالمية ‪ ،‬وعرفت دولتهم‬
‫بالدولة النصرية ‪ ،‬وملوكهم مبلوك بين النصر ‪ ،‬أو بين األمحر‪.‬‬
‫وهكذا نشأت مملكة غرناطة الصغرية من غمر الفوضى اليت ساءت البالد‬
‫على أثر اهنيار سلطان املوحدين ‪ ،‬فقد كافح السلطان حممد بن يوسف كفاحاً‬
‫بالغاً يف سبيل توطيد مملكته واستقرارها ‪.‬‬
‫وكانت احلياة السياسة فاسدة يف ذلك العهد ‪ ،‬يقول لسان الدين بن‬
‫اخلطيب ‪ " :‬وىل بعد (الغالب بأمر اهلل مؤسس الدولة) ولده ومسيه السلطان أبو‬
‫عبد اهلل ‪ ،‬وطالت مدته إىل أن تويف عام واحد وسبعمائة وويل بعده ولده ومسيه أبو‬
‫عبد اهلل حممد ‪ ،‬وخلع يوم الفطر من عام مثانية وسبعمائة ‪ ،‬وتويف يف شوال عام‬
‫أحد عشر وسبعمائة ‪ ،‬وويل بعده خالعه أخوه نصر أبو اجليوش‪ ،‬وارتبك أمره ‪،‬‬
‫وطلب األمر ابن عم أبيه السلطان أبو الوليد إمساعيل ‪ ،‬فتغلب على دار اإلمارة يف‬
‫ثاين ذي القعدة من عام ثالثة عشر وسبعمائة ‪ ،‬وانتقل نصر خملوعاً إىل مدينة وادي‬
‫أش وتويف عام اثنني وعشرين وسبعمائة ‪ ،‬ومتادى ملك السلطان أيب الوليد إىل‬
‫الثالث والعشرين من رجب عام مخسة وعشرين وسبعمائة ‪ ،‬وثبت على ابن عمه‬

‫‪15‬‬
‫يف طائفة من قرابته فقتلوه ببابه ‪ ،‬وخاب فيما أملوه سعيهم فقتلوا كلهم يومئذ ‪،‬‬
‫وتوىل أمره ولده حممد ‪ ،‬واستمر إىل ذي احلجة من عام أربعة وثالثني وسبعمائة ‪،‬‬
‫وقتل بظاهر جبل الفتح بأيدي جنده من املغاربة ‪ ،‬وتوىل الأمر بعده أخوه أبو‬
‫احلجاج يوسف ‪ ،‬ودام ملكه إىل يوم عيد الفطر من عام مخسة ومخسني وسبعمائة‬
‫‪ ،‬وترامى عليه يف صالته ممرور مبدية فقتله " ‪.‬‬
‫دب يف جهاز الدولة بُ ْعي َد وفاة مؤسسها ‪ .‬فقد استمر‬
‫فيالحظ أن الفساد َّ‬
‫الصراع الدموي على السلطة دون هوادة إىل زين السلطان حممد اخلامس امللقب‬
‫بالغين باهلل ‪ .‬ومل يسلم عهد هذا األمري من االضطرابات اخلطرية بالرغم مما عرف‬
‫وفر إىل مراكش وعرفت غرناطة أحداثاً‬‫به من قوة وحزم ‪ .‬فقد حني عن اإلمارة ّ‬
‫دامية دامت ثالث سنوات حدثت فيها انقالبات متوالية حمورها الصراع على‬
‫السلطة ‪:‬‬
‫االنقالب األول حدث يف رمضان سنة ‪ 460‬هـ وانتهى بفرار السلطان‬
‫الغين باهلل إىل املغرب وتوىل أخوه إمساعيل الثاين مكانه ‪ .‬واالنقالب الثاين حدث‬
‫يف شعبان سنة ‪ 761‬هـ قتل فيه إمساعيل الثاين وتوىل امللك قاتله وزوج شقيقته أبو‬
‫سعيد الربميخو ‪ .‬أما االنقالب الثالث الذي حدث يف سنة ‪ 763‬هـ ‪ ،‬فأفضى فيه‬
‫األمر إىل عودة الغين باهلل إىل عرشه ‪ ،‬وقتل الربميخو على يد ملك قشتالة بدور‬
‫األول امللقب بالقاسي ‪.‬‬
‫هذه األحداث كانت تدور يف حميط عفن من الدسائس والقتل والنهب‬
‫فانعكس ذلك على احلياة اليومية فأفسدها ‪ ،‬وبات االحنالل اخللقي طابعاً عاماً هلا‬

‫‪16‬‬
‫سيما على عهد الربميخو الذي كان مدمناً على احلشيش ‪ ،‬فانتشرت هذه الآفة بني‬
‫الناس جهاراً ‪ ،‬وأخذوا يفاضلون بينها وبني اخلمر ‪.‬‬
‫عاش الشاطيب هذه األحداث كلها ‪ ،‬وخاصة تلك الفرتة العصيبة اليت‬
‫استمرت ثالث سنوات ولكننا ال جند صدى هلا فيما يكتبه الشاطيب يف تلك الفرتة‬
‫بالذات ‪.‬‬
‫إننا ال منلك املعطيات اليت متكننا من تفسري هذا املوقف السليب الذي وقفه‬
‫الشاطيب من األحداث اليت كانت هتز عصره ‪ ،‬ولعله اكتفى يف ذلك باملوقف‬
‫الفكري الذي يتلخص عنده يف أن مصدر الفساد اخللقي واالضطراب االجتماعي‬
‫إمنا هو اخلروج عن السنة اليت هي املنهج العملي للحياة اإلسالمية والعمل بالبدع ‪،‬‬
‫ويعرب هو عن هذا املوقف الفكري الذي كان يصفه فيقول ‪:‬‬
‫" كثرت البدع وعم ضررها واستطار شررها ‪ ،‬ودام االنكباب على العمل‬
‫هبا ‪ ،‬السكوت من املتأخرين عن اإلنكار هلا‪ .‬وخلقت بعدهم خلوف جهلوا أو‬
‫غفلوا عن القيام بغرض القيام فيها ‪ ،‬فصارت كأهنا سنن مقررات ‪ ،‬وشرائع من‬
‫صاحب الشرع حمررات ‪ .‬فاختلط املشروع بغريها ‪ ،‬فعاد الراجع إىل حمض السنة‬
‫كاخلارج عنها " (‪.)1‬‬

‫() الشاطيب ‪ ،‬االعتصام ‪ ،‬مرجع سابق ‪. 1/31 ،‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪17‬‬
‫املبحث الثاين ‪ :‬احلالة االجتماعية واالقتصادية (‪:)1‬‬
‫قال لسان الدين ابن اخلطيب يف وصفه احلالة االجتماعية يف مملكة غرناطه‬
‫اإلسالمية ‪ " :‬يسكن مبملكة غرناطة العرب والرببر واملهاجرة ‪ ،‬وكانوا مجيعاً‬
‫يتمتعون متتع األخوة ‪ ،‬والصداقة وكان اجملتمع الغرناطي يعيش يف رخاء وسعة ‪،‬‬
‫لكثرة ما لديهم األقوات يف الشتاء والصيف وكان احتفاهلم باألعياد ‪ ،‬أنيقاً ‪،‬‬
‫وكانوا يعشقون مباهج احلياة ‪ ،‬واحلفالت العامة ‪ ،‬وكانت احلياة لديهم كأهنا‬
‫سلسلة من األعياد املتواصلة ‪ ،‬وكانت مظاهر التحضر بارزة يف بعض عوائدهم‬
‫وتصرفاهتم ‪ ،‬مثل عنايتهم الفائقة بفاخر اللباس يف الرتبية وأناقة املظهر ‪ ،‬فتبصرهم‬
‫يف املساجد أيام اجلمع كأهنم األزهار املفتحة ‪ ،‬يف البطاح الكرمية ‪ ،‬حتت األهوية‬
‫املعتدلة " فقد أدى األمر بكثري منهم إىل أن غالوا وبالغوا يف الرتف ‪ ،‬واحنرفوا عن‬
‫منهج االعتدال املشروع ‪ ،‬فانتشر الغناء وذاع ‪ ،‬وخاصة يف املنتديات واملقاهي‬
‫العامة ‪ ،‬حيث يلتقي الشباب بكثرة ‪.‬‬
‫كذلك قد بلغ التفنن يف الزينة عند النساء ذروته حبيث يلفت النظر ‪ ،‬حىت‬
‫إن لسان الدين ابن اخلطيب خاف من أن يكون ذلك ابتالء من اهلل وفتنة ‪ ،‬فدعا‬
‫اهلل بأن يسرتهم على ذلك وال يسلبهم لطفه ‪.‬‬
‫وقد توفرت لغرناطة اخلربة يف الصناعة والفالحة نتيجة لتتابع اهلجرات اليت‬
‫قام هبا كثري من املسلمني الذين سقطت مدهنم على أيدي النصارى ‪ ،‬حىت قويت‬

‫() أنظر ‪ :‬منهج البحث األصويل عند اإلمام الشاطيب – رسالة دكتوراه ‪1411 ،‬هـ – ‪1990‬م ‪ ،‬مقدمة‬ ‫‪1‬‬

‫إىل كلية الشريعة والدراسات اإلسالمية جبامعة أم القرى ‪ ،‬من إعداد فوزية بنت حممد القثامي ‪ ،‬ص ‪– 10‬‬
‫‪. 13‬‬
‫وكتاب ‪ .‬اإلمام الشاطيب عقيدته وموقفه من أهل البدع ‪ .‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.28-28‬‬

‫‪18‬‬
‫بذلك صالت اقتصادية وجتارية بينها وبني دول أخرى متجاورة ‪ ،‬وازدهرت‬
‫احلركة التجارية وال سيما التجارة اخلارجية إىل أن صارت غرناطة من أعظم‬
‫املراكز التجارية يف أوربا ‪ ..‬ألهنا كانت تتمتع بثرواهتا املعدنية الكثرية كاحلديد‬
‫والذهب والفضة وغريها ‪ .‬لكن مظاهر الرتف هذه مل تدم ‪.‬‬
‫حيث انعكس ذلك على احلياة االجتماعية ‪ ،‬فاضطرب حبل األمن وتزعزع‬
‫‪ ،‬فانقلب عليهم األمر وسلب اهلل منهم نعمة األمن والرخاء والسعة وتسرب إليهم‬
‫الضعف والضيق يف احلياة ‪ ،‬فأذاقهم اهلل لباس اجلوع واخلوف مبا كانوا يصنعون ‪.‬‬
‫ولعل من أقوى ما يربز لنا هذا املظهر من حياة سكان غرناطة يف ذلك‬
‫الوقت أمران ‪ :‬عجز بني مال املسلمني عن القيام مبهامه ‪ ،‬وتفكري كثري منهم يف‬
‫التبادل التجاري مع العدو األسباين ‪.‬‬
‫مما سبق يتبني أن لسقوط دولة اإلسالم يف األندلس أسباب منها ‪:‬‬
‫‪ -1‬الثورات الداخلية املستمرة بني أفراد أسرة بين نصر ‪.‬‬
‫‪ -2‬الثورات اخلارجية من العدو النصراين ‪.‬‬
‫‪ -3‬انغماس أهايل غرناطة يف اللهو اخلواص منهم والعوام مما أبعدهم عن جوهر‬
‫الدين ‪.‬‬

‫‪19‬‬
‫املبحث الثالث ‪ :‬احلالة التعليمية والثقافية (‪:)1‬‬
‫أوالً ‪ :‬اهتمام الأمراء بالعلم والعلماء ‪:‬‬
‫جند أن الفرتة اليت عاشها اإلمام الشاطيب – رمحه اهلل تعاىل – يف غرناطة‬
‫وهي تقريباً من سنة ‪ 720‬هـ إىل ‪ 790‬هـ من أخصب الفرتات العلمية يف عصر‬
‫الدولة النصرية اليت عاش اإلمام الشاطيب رمحه اهلل يف ظلها ‪ .‬فقد بلغت احلركة‬
‫الثقافية ذروهتا يف عهد السطان أيب احلجاج يوسف بن إمساعيل النصري ‪733 ( .‬‬
‫هـ – ‪ 755‬هـ ) فنجد أنه ال يوجد علم إال وكان فيه نوابغ بل وجند أن من األمراء‬
‫من عُرف بعلمه وحبه للعلماء كأيب احلجاج يوسف تويف سنة ‪755‬هـ ‪ ،‬فقد كان‬
‫عاملاً أديباً شغوفاً بالعلوم ‪ ،‬كما عُرف األمر أبو الوليد إمساعيل بن السلطان يوسف‬
‫الثاين تويف سنة (‪ )805‬حبثه لألدباء والعلماء بل قد اشتهر بأدبه وبارع نشره فهو‬
‫صاحب كتاب ( نثري اجلمان يف شعر من نظمين وإياه الزمان ) وقد ألفه سنة ‪776‬‬
‫هـ ‪.‬‬
‫أما منصب الوزارة فلم يكن يسند إل ملن هو معروف بعلمه وأدبه ‪ ،‬ومن‬
‫بني الوزراء الذين ظهروا يف هذه الدولة وكانوا معروفني بالكتابة والشعر واألدب‬
‫مثل الوزير أبو عبد اهلل بن زمرك وابن اخلطيب والوزير بن احلكيم اللخمي ‪.‬‬
‫ثانياً ‪ :‬مراكز العلم يف مملكة غرناطة ‪:‬‬
‫قد حظيت مملكة غرناطة يف تلك الفرتة مبؤسستني علميتني كبريتني ‪،‬‬
‫تقومان مبواصلة أداء مهمتها العلمية والدينية ‪.‬‬

‫() أنظر ‪ :‬إىل منهج البحث األصويل عند اإلمام الشاطيب ‪ .‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪ ، 27 – 14‬واإلمام الشاطيب‬ ‫‪1‬‬

‫عقيدته وموقفه من البدع وأهلها ‪ .‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪. 37 – 32‬‬

‫‪20‬‬
‫( أ ) اجلامع األعظم ‪ :‬هذا اجلامع الذي تنتظم فيه حلقات الدروس ‪ ،‬ويقصد‬
‫للتعلم كما يقصد للتعبد ‪ ،‬مجع كثري من الطالب النابغني محلوا أعباء‬
‫التدريس على أكتافهم واشتهروا فيما بعد بالعلم واملعرفة والتدين والتقوى‬
‫والصالح ‪ .‬كما حظي هذا اجلامع باملدرسني املشهورين يف ذلك العصر ‪،‬‬
‫ومن أشهر مدرسيه أبو سعيد فرج بن لب ‪ ،‬شيخ الشيوخ يف عصره ‪ ،‬وأبو‬
‫بكر أمحد بن جزي وغريمها ‪.‬‬
‫(ب) املدرسة النصرية ‪ :‬هذه املدرسة تعد من مفاخر السلطان أبي احلجاج‬
‫يوسف األول ‪ ،‬اليت تدل على مدى اهتمامه البالغ بالعلم واملعرفة واعتنائه‬
‫بالعلماء وقد استمرت هذه املدرسة على بث العلم واملعرفة إىل آخر عهد‬
‫املسلمني باألندلس ‪ ،‬وكذا اجلامع األعظم ‪ ،‬قال لسان الدين ابن اخلطيب‬
‫يف وصفه للمدرسة النصرية ‪" :‬جاءت نسيجة وحدها هبجة وصدراً وظرفاً‬
‫وفخامة "‪.‬‬
‫وكان للمدرسة النصرية واجلامع األعظم دوراً عظيماً يف إبقاء شعلة اإلسالم‬
‫مضيئة يف تلك الديار ‪ ،‬فقد قام العلماء بأعباء التعليم والدعوة يف تلك‬
‫املؤسستني وغريمها من املساجد ‪ .‬هذا جبانب تأليفهم املصنفات املختلفة‬
‫العلوم والفنون والقيام بأعباء اإلفتاء واالجتهاد يف إعطاء النوازل املستجدة‬
‫حكمها الشرعي ‪.‬‬
‫ثالثاً ‪ :‬املناظرات العلمية ‪:‬‬
‫املناظرات العلمية هي سبيل من سبل اإلثراء العلمي يف كل عصر واملراد هبا‬
‫املناقشات العلمية املفيدة وتبادل اآلراء مما يؤدي إىل انتشار العلم بني الناس‬

‫‪21‬‬
‫ومعرفة اآلراء املختلفة مع بيان األدلة ‪ ،‬وقد برز هذا النوع من طرق التعليم‬
‫يف عصر اإلمام الشاطيب بل كان هو أحد فرسان هذا اجملال ‪ ،‬ومن املسائل‬
‫اليت متت املناظرات حوهلا ‪:‬‬
‫‪ -1‬مسألة مراعاة اخلالف يف املذهب املالكي ‪.‬‬
‫‪ -2‬كما وقع أيضاً بني اإلمام أبو العباس القباب واإلمام العقباين مناظرات‬
‫ومراجعات يف مسائل مجعها العقباين ومسّاها لباب اللباب يف مناظرة القباب‪.‬‬
‫رابعاً ‪ :‬جهود علماء غرناطة يف مجيع ميادين احلياة ‪:‬‬
‫يقول الشيخ حممد الطاهر بن عاشور ‪:‬‬
‫" االحنطاط الذي أصيب به جسم األندلس مل يؤثر تأخراً سريعاً ‪ ،‬بل‬
‫كانت القوة السالفة شديدة املقاومة له ‪ ،‬وكان العلماء من سائر الفنون ‪ .‬متوافرين‬
‫يف بالد األندلس ‪ ،‬وهذه طائفة كانت يف عصر واحد ما منها إال إمام يعىن إليه ‪،‬‬
‫ويعتمد يف علمه عليه مثل ابن جزي ‪ ،‬وابن لب يف الفقهاء ‪ ،‬والشاطيب يف األصول‬
‫وفلسفة الشريعة ‪ ،‬وابن اخلطيب يف رجال القلم والسياسة‪ ،‬إمنا كان القضاء األخري‬
‫على العلم باألندلس يف القرن التاسع " (‪.)1‬‬
‫خامساً‪ :‬الشاطيب وابن خلدون يف عصر واحد ‪:‬‬
‫ذكر السيد حممد رشيد رضا يف مقدمة االعتصام ‪:‬‬
‫" لوال أن هذا الكتاب ألّف يف عصر ضعف العلم والدين يف املسلمني لكان‬
‫مبدأ هنضة جديدة إلحياء السنّة ‪ ،‬وإصالح شئون األخالق ‪ ،‬واالجتماع ‪ ،‬ولكان‬
‫املصنف هلذا الكتاب لصنوه كتاب " املوافقات " الذي مل يسبق إىل مثله سابق‬

‫() بن عاشور ‪ ،‬حممد الطاهر ‪( ،‬د‪.‬ت) ‪ ،‬أليس الصبح بقريب ‪ ،‬الشركة التونسية للتوزيع ‪ ،‬ص ‪. 79‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪22‬‬
‫أيضاً – من أعظم اجملددين يف اإلسالم ‪ ،‬فمثله كمثل احلكيم االجتماعي عبد‬
‫الرمحن بن خلدون ‪ ،‬كل منهما جاء مبا مل يسبق إىل مثله ‪ ،‬ومل تنتفع األمة كما‬
‫كان جيب – بعلمه – " (‪.)1‬‬
‫قدم ابن خلدون على غرناطة ويف الثامن من ربيع األول سنة ‪ 764‬هـ‪،‬‬
‫وكان لقدومه صدى عظيم ‪ ،‬إذ احتفى مبقدمه السلطان حممد املغين باهلل نفسه ‪،‬‬
‫ووزيره لسان الدين بن اخلطيب وال جند الشاطيب يشري إىل شيء من ذلك ‪.‬‬
‫وقد بقى ابن خلدون بغرناطة إىل منتصف سنة ‪ 766‬هـ ‪ ،‬وكان سبب‬
‫قدومه إبرام صلح بني ملكي غرناطة واملغرب من جهة ‪ ،‬وبني بطرو الطاغية ملك‬
‫قشتالة من جهة ثانية ‪.‬‬
‫فلخص كتاب‬
‫يف أثناء هذه املدة قام ابن خلدون بأعمال علمية هامة ‪ّ ،‬‬
‫" احملصول " للرازي وشرح ألفية يف أصول الفقه نظمها صديقه لسان الدين بن‬
‫اخلطيب ‪.‬‬
‫فكال الرجلني كانا يف تلك الفرتة مستقلني بعلم األصول الذي كان الشغل‬
‫الشاغل للشاطيب ومع ذلك ال جند أياً منهما يذكره ‪ ،‬وال جنده يذكر أحداً منهما‬
‫كما تقدم ‪.‬‬
‫س ‪ :‬ملاذا مل يذكر أحدمها اآلخر يف مصنفاته ؟ ! ‪.‬‬
‫الواقع أن تفسري مثل هذه الظاهرة حمري ‪ ،‬سيما أن هؤالء جتاوزت شهرهتم‬
‫األندلس وهم ما يزالون أحياء ‪.‬‬

‫() االعتصام ‪. 4 / 1‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪23‬‬
‫لكن يلوح أن هذه اجلفوة كان الشاطيب مصدرها ‪ ،‬فالرجل اشتهر مبيل إىل‬
‫الزهد وصدوف شديد عن متع احلياة ‪ ،‬رأى يف ابن خلدون وابن اخلطيب إقباالً‬
‫على الدنيا وانصرافاً إىل لذاهتا ‪ ،‬وكان ندميني للسلطان ‪ ،‬فرغبت نفسه عنهما ‪،‬‬
‫والرجل كان حريصاً على التمسك خبلق العفة والزهد ‪ ،‬يف حني أن ابن خلدون‬
‫يرى جارية إسبانية مجيلة يف قصر السلطان فتعجبه ‪ ،‬فيهديه السلطان إياها ‪ ،‬ويهنئه‬
‫ابن اخلطيب بذلك ‪ ،‬مرسالً إليه شعراً يُ ُّ‬
‫عد مما يسمى اليوم باألدب املكشوف ‪.‬‬
‫ذلك كله يدل على تفاخر الطباع ‪ ،‬واختالف األمزجة ‪ ،‬وافرتاق الوجهة‬
‫بني الشاطيب من جهة ‪ ،‬وبني ابن خلدون وابن اخلطيب من جهة ثانية ‪ ،‬فقد‬
‫عايشهما وعيشاه يف غرناطة فلم يذكر أياً منهما يف كتابه الذي ألّفه على شكل‬
‫مذكرات شخصية ومساه " اإلفادات والإنشادات " ‪.‬‬
‫ومل يذكره ابن خلدون يف كتابه " التعريف بابن خلدون ورحلته غرباً‬
‫وشرقاً " الذي تعرض فيه لذكر من لقيه بغرناطة ‪ ،‬ومل يذكره ابن اخلطيب يف كتبه‬
‫عن غرناطة ورجاهلا … (‪.)1‬‬

‫() الشاطيب ومقاصد الشريعة ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪ 88 – 87‬باختصار ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪24‬‬
‫الفصل الثاني ‪ :‬سيرته وحياته العلمية (‪:)1‬‬
‫املبحث األول ‪ :‬امسه ونسبه وشهرته ‪:‬‬
‫هو أبو إسحاق إبراهيم بن موسى ابن حممد اللخمي ‪ ،‬الغرناطي ‪ ،‬املعروف‬
‫بالشاطيب ‪ ،‬وقد جعله حممد خملوف من الطبقة السادسة عشرة من طبقات الفقهاء‬
‫املالكية بفرع األندلس (‪.)2‬‬
‫واتفق املرتمجون له على أنه نشأ بغرناطة وتويف هبا ‪ ،‬ولكن موطن آبائه كان‬
‫مدينة شاطبة ‪ ،‬فقد جلأت أسرته إىل غرناطة ملا سقطت هذه املدينة بيد ملك "‬
‫أراقون " األسباين الذي غزاها سنة ‪ 1239‬م ‪ .‬وتقع شاطبة اليت ينتسب إليها‬
‫صاحبنا بشرق األندلس على شاطئ البحر األبيض مبقاطعة " بلنسية " وكانت‬
‫تعرف بصنع الورق (‪.)3‬‬
‫والدته ‪:‬‬
‫ال أحد من املرتمجني له استطاع أن حيدد تارخياً مضبوطاً لوالدته ‪ ،‬فالتنبكيت‬
‫الذي يُعد مرجعاً أصلياً يف ترمجته ‪ ،‬يصرح بأنه مل يقف على تاريخ ملولده (‪.)4‬‬
‫() من أهم مصادر ترمجة الشاطيب ‪ :‬برنامج اجملاري ‪ :‬ص ‪ – 122 – 116‬وهو تلميذ ‪ ،‬وهو من أقدم من‬ ‫‪1‬‬

‫ترجم له ‪ ،‬ونيل االبتهاج للتنبكيت ‪ :‬ص ‪ ، 46‬وشجرة النور الزكية ملخلوف ‪ :‬ص ‪ . 231‬ومقدمة د‪.‬حممد‬
‫أبو األجفان لكتاب اإلفادات واإلنشادات ‪ ،‬ص ‪ 53 – 11‬ولكتاب فتاوى اإلمام الشاطيب (‪، )96-29‬‬
‫وكتاب نظرية املقاصد عند اإلمام الشاطيب لـ د‪ .‬أمحد الريسوين (‪ )107-79‬وكتاب الشاطيب ومقاصد الشريعة‬
‫حلمادي العبيدي (‪ ، )116-11‬وكتاب اإلمام الشاطيب ‪ :‬عقيدته وموقفه من البدع وأهلها لعبد الرمحن آدم‬
‫علي ‪ ، )86-15( .‬وجملة املوافقات العدد األول (ذو احلجة ‪1412‬هـ) ‪ ،‬ص ‪ .379-91‬وقد مشل (‪)16‬‬
‫حبثاً عن الشاطيب وكتاب املوافقات ‪ ،‬واجمللة يصدرها املعهد الوطين العايل ألصول الدين باجلزائر ‪.‬‬
‫() العبيدي ‪ ،‬محادي ‪1412 ،‬هـ – ‪1992‬م ‪ ،‬الشاطيب ومقاصد الشريعة ‪ ،‬دار قتيبة ‪ ،‬بريوت ‪ ،‬دمشق ‪،‬‬ ‫‪2‬‬

‫ط‪ ، 1‬ص ‪. 11‬‬


‫() املرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 11‬‬ ‫‪3‬‬

‫() التنبكيت ‪ ،‬أمحد بابا السوداين ‪ 1329 ،‬هـ ‪ ،‬نيل االبتهاج بتطريز الديباج ‪ ،‬مكتبة السعادة ‪ ،‬مصر ‪ ،‬ص‪46‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪.‬‬

‫‪25‬‬
‫واستنتج حممد أبو األجفان يف مقدمته لفتاوى الشاطيب اليت مجعها وحققها‬
‫أن والدته كانت قبل سنة ‪ 720‬هـ ‪ ،‬وأداه إىل هذا االستنتاج أن وفاة أسبق‬
‫شيوخه أيب جعفر أمحد الزيات كانت سنة ‪ 728‬هـ ‪ ،‬على معىن أنه عند وفاة هذا‬
‫الشيخ البد أن يكون الشاطيب يافعاً ‪ ،‬يف مقتبل الشباب (‪.)1‬‬
‫" ولكن ابن الزيات هذا مل يكن شيخاً للشاطيب وإمنا كان من أهل مالقه ‪،‬‬
‫يزور غرناطة بني احلني واحلني ‪ ،‬فيتحلق حوله الناس ‪ ،‬مستمعني ملواعظه ‪ ،‬وكان‬
‫الرجل من أهل التصوف والزهد‪،‬وأرجح أن يكون مولد الشاطيب قريباً من سنة‬
‫‪ 730‬هـ واستند يف ذلك إىل أنه كان صديقاً لداً للشاعر‪ ،‬الوزير ابن زمرك الذي‬
‫ولد سنة ‪.)2(" 733‬كما أن الشاطيب نفسه يذكر أنه يف سنة ست ومخسني‬
‫وسبعمائة كان صغري السن‪ ،‬وكان يومئذ تلميذاً البن الفخار البريي‪ ،‬الذي كان‬
‫معجباً بذكائه‪،‬وإثارته ملسائل يف اللغة ال يستطيع التنبه إليها من كان يف مثل سنه (‪.)3‬‬

‫() أبو األجفان ‪ ،‬حممد ‪1421 ،‬هـ – ‪ 2001‬م ‪ ،‬فتاوى اإلمام الشاطيب ‪ ،‬ط‪ ، 4‬مكتبة العبيكان ‪ ،‬ص‪. 44‬‬ ‫‪1‬‬

‫() العبيدي ‪ ،‬محادي ‪ ،‬الشاطيب ومقاصد الشريعة ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪. 12‬‬ ‫‪2‬‬

‫() الشاطيب ‪ ،‬أبو إسحاق إبراهيم بن موسى ‪1408 ،‬هـ – ‪1988‬م ‪ ،‬اإلفادات واإلنشادات ‪ ،‬ط‪، 3‬‬ ‫‪3‬‬

‫دراسة وحتقيق الدكتور حممد أبو األجفان ‪ .‬مؤسسة الرسالة ‪ ،‬بريوت ‪ ،‬ص ‪. 144 – 143‬‬

‫‪26‬‬
‫املبحث الثاين ‪ :‬نشأته وتعليمه ‪:‬‬
‫وبغرناطة نشأ الشاطيب وترعرع ‪ ،‬فقد حتدث مرتمجوه عن شيوخه الغرناطيني‬
‫والوافدين عليها ‪ ،‬وعن نشاطه العلمي هبا ‪ ،‬ومل يشريوا إىل مكان آخر عاش به أو‬
‫رحلة قام هبا (‪ ، )1‬كما أنه مل يذكر أحد أنه غادر األندلس للحج أو طلب العلم‬
‫باملشرق ‪ ،‬على عادة مواطنيه ‪ ،‬وال جند تعليالً هلذا إال أن تكون تلك األسباب العادية‬
‫من فقر أو مرض هي اليت حالت بينه وبني ذلك ‪ .‬ومهما يكن من أمر فإن أسرته تبدو‬
‫متواضعة ‪ ،‬مل ينبغ منها أحد غريه (‪ .)2‬خاض أبو إسحاق ميدان طلب العلم منذ حداثة‬
‫سنه ‪ ،‬وكان انكبابه على الدراسة ال يقتصر على فن دون فن‪،‬وال ينحصر يف علم دون‬
‫آخر‪ " .‬مل أزل منذ فتق للفهم عقلي ووجه شطر العلم طليب أنظر يف عقلياته وشرعياته‪،‬‬
‫أصوله وفروعه‪ ،‬مل اقتصر فيه على علم دون علم‪ ،‬وال أفردت عن أنواعه نوعاً دون‬
‫آخر" (‪.)3‬‬
‫وهكذا تدرج يف تلقي دراسته مبتدئاً باجلانب األصويل ‪ " :‬عمالً واعتقاداً مث‬
‫بفروعه املبنية على تلك األصول " (‪.)4‬‬
‫وشرط هذا التحقق أن يتم التعليم عن طريق مالزمة الشيوخ وجمالستهم مع‬
‫إمكان الرجوع إىل التأليف واملصنفات إذا كان أصحاهبا من املتقدمني فاملتأخر عنده "‬
‫ال يبلغ من الرسوخ يف علم ما بلغه املتقدم " (‪.)5‬‬

‫() فتاوى اإلمام الشاطيب ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪. 44‬‬ ‫‪1‬‬

‫() الشاطيب ومقاصد الشريعة ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪. 13‬‬ ‫‪2‬‬

‫() االعتصام ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪. 1/24‬‬ ‫‪3‬‬

‫() املرجع السابق ‪. 1/25 ،‬‬ ‫‪4‬‬

‫() الشاطيب ‪ ،‬أبو إسحاق إبراهيم بن موسى ‪ ،‬املوافقات يف أصول الشريعة ‪ ،‬شرح الشيخ عبد اهلل دراز ‪،‬‬ ‫‪5‬‬

‫(د‪.‬ت) دار الكتب العلمية ‪ ،‬بريوت ‪. 69 – 1/67 ،‬‬

‫‪27‬‬
‫وكان يرى أن إحدى طرقه الكتساب العلم هي ‪ " :‬أخذه عن أهله احملققني به‬
‫على الكمال التمام " (‪.)6‬‬
‫املبحث الثالث ‪ :‬شيوخه وتالميذه ‪:‬‬
‫أوالً ‪ :‬شيوخه الغرناطيون (‪:)2‬‬
‫‪ -‬أبو عبد اهلل حممد بن علي بن أمحد بن الفخار اخلوالين البريي (‪754‬هـ) يقول‬
‫عنه تلميذه ابن اخلطيب ‪ " :‬اإلمام اجملمع على إمامته يف فن العربية املفتوح عليه‬
‫من اهلل تعاىل فيها حفظاً واطالعاً واضطالعاً ونقالً وتوجيهاً ‪ ،‬مبا ال مطمع فيه‬
‫لسواه " ‪.‬‬
‫‪ -‬أبو جعفر أمحد بن آدم الشقوري ‪ :‬الفقيه النحوي الفرضي الذي كان يدرس‬
‫بغرناطة " كتاب سيبويه " ‪.‬‬
‫‪ -‬أبو سعيد فرج بن قاسم بن أمحد بن لب التغليب (ت ‪ )782‬مفيت غرناطة‬
‫وخطيب جامعها واملدرس مبدرستها النصرية ‪.‬‬
‫ثانياً ‪ :‬شيوخه الوافدون (‪:)3‬‬
‫‪ -‬أبو القاسم ممد بن أمحد الشريف احلسين السبيت ‪ ،‬قاضي اجلماعة املتوىف بغرناطة‬
‫سنة ‪ 760‬هـ ‪ .‬رئيس العلوم اللسانية وشارح مقصورة حازم القرطاجني ‪.‬‬
‫‪ -‬أبو عبد اهلل حممد بن أمحد الشريف التلمساين ‪ .‬أعلم أهل وقته وإمام املالكية‬
‫يف زمانه ‪ .‬ت ‪ 771‬هـ ‪.‬‬
‫‪ -‬أبو عبد اهلل املقري املتوىف سنة ‪ 759‬هـ ‪.‬‬
‫() املرجع السابق ‪. 1/64 ،‬‬ ‫‪6‬‬

‫() فتاوى اإلمام الشاطيب ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪ 46‬باختصار ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫() اجليزاين ‪ ،‬حممد حسني ‪1421 ،‬هـ ‪ ،‬هتذيب املوافقات يف أصول الفقه ‪ ،‬دار ابن اجلوزي للنشر والتوزيع‬ ‫‪3‬‬

‫‪ ،‬الدمام ‪ ،‬السعودية ‪ ،‬ص ‪. 13 – 12‬‬

‫‪28‬‬
‫‪ -‬مشس الدين أبو عبد اهلل حممد بن أمحد بن مرزوق اخلطيب التلمساين(ت‪. )781‬‬

‫ثالثاً ‪ :‬تالميذه ‪:‬‬


‫أخذ عن أيب إسحاق الشاطيب مجاعة من أعالم غرناطة ذكر أمحد بابا‬
‫التنبكيت منهم ثالثة ‪ :‬أبا حيىي بن حممد بن عاصم ‪ ،‬وأخاه أبا بكر القاضي ‪ ،‬وأبا‬
‫عبد اهلل حممد البياين (‪.)1‬‬
‫ومن تالميذ الشاطيب أيضاً أبو جعفر أمحد القصار األندلسي الغرناطي‬
‫وأبو عبد اهلل حممد بن حممد بن علي بن عبد الواحد اجملاري األندلسي املتويف‬
‫سنة ‪ 862‬هـ (‪.)2‬‬

‫() نيل االبتهاج ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪. 49‬‬ ‫‪1‬‬

‫() فتاوى اإلمام الشاطيب ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪. 56 – 55‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪29‬‬
‫املبحث الرابع ‪ :‬ثقافته وجهوده العلمية ‪:‬‬
‫كان اإلمام الشاطيب – رمحه اهلل – من العلماء العاملني الذين مجعوا بني‬
‫العلوم الشرعية والنقلية ‪ ،‬وكان يتمتع بثقافة واسعة ‪.‬‬
‫وقد عرفنا يف مقدمته لكتاب االعتصام أنه – رمحه اهلل – مل يقتصر على فن‬
‫دون فن وإذا ما تصفحنا كتابه " اإلفادات واإلنشادات " ‪ ،‬لوجدنا أنه‬
‫أورد فيه من الفوائد العلمية ما يدل على تنوع الفنون اليت تلقاها وأجادها ‪.‬‬
‫قال – رمحه اهلل – يف مقدمة كتابه املذكور ‪:‬‬
‫" أيها األخر الصفي ‪ ،‬الصديق الويف ‪ ،‬أعانك اهلل وسددك ‪ ،‬فإين مجعت لك‬
‫يف هذه األوراق مجلة من اإلفادات املشفوعة باإلنشادات ‪ ،‬مما تلقيته عن شيوخنا‬
‫األعالم ‪ ،‬وأصحايب من ذوي النبل واإلفهام ‪ ،‬قصدت بذلك تشويق املتفنن يف‬
‫املعقود وحماضرة املستزيد من نتائج القرائح والعقول " (‪.)1‬‬
‫وقد قام الدكتور حممد أبو األجفان حبصر موضوعات اإلفادات‪.‬‬
‫فهي كاآليت ‪:‬‬
‫" حد العلم وشروطه‪ ،‬حنو وصرف‪ ،‬بالغة ‪ ،‬لغة وأدب ‪ ،‬تفسري ‪ ،‬حديث ‪،‬‬
‫سر تشريع أصول فقه ‪ ،‬عقيدة وكالم ‪ ،‬منطق وجدل ‪ ،‬فلك ‪ ،‬حساب ‪ ،‬تغذية ‪،‬‬
‫طب " (‪.)2‬‬
‫جهوده العلمية ‪:‬‬
‫قال أمحد بابا ‪ " :‬له تأليف جليلة مشتملة على أحباث نفيسة ‪ ،‬وانتقادات ‪،‬‬
‫وحتقيقات شريفة " (‪.)3‬‬

‫() اإلفادات واإلنشادات ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪. 81‬‬ ‫‪1‬‬

‫() املرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 65‬‬ ‫‪2‬‬

‫() نيل االبتهاج ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪. 47‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪30‬‬
‫وقال أيضاً ‪ " :‬ألف تأليف نفيسة اشتملت على حتريرات للقواعد وحتقيقات‬
‫ملهمات الفوائد " (‪.)1‬‬
‫وقد حصرت مؤلفات الشاطيب – رمحه اهلل – وهي كما يلي ‪:‬‬
‫‪ -1‬شرح جليل على اخلالصة يف النحو ‪ " :‬املقاصد الشافية يف شرح خالصة الكافية‬
‫" خمطوط ‪.‬‬
‫‪ -2‬كتاب اجملالس ‪ :‬شرح كتاب البيوع من صحيح البخاري " خمطوط " ‪.‬‬
‫‪ -3‬شرح رجز ابن مالك يف النحو " خمطوط " ‪.‬‬
‫‪ -4‬عنوان االتفاق يف علم االشتقاق " أتلف " ‪.‬‬
‫‪ -5‬أصول النحو " أتلف " ‪.‬‬
‫‪ -6‬اإلفادات واإلنشادات ‪ " .‬مطبوع بتحقيق الدكتور حممد أبو األجفان " ‪.‬‬
‫‪ -7‬املوافقات يف أصول الشريعة ‪ " :‬مطبوع " ‪ .‬هناك نسخة بتحقيق الشيخ عبد اهلل‬
‫دراز ‪ .‬ونسخة أخرى مطبوعة أيضاً بتحقيق الشيخ مشهور آل سلمان ‪.‬‬
‫‪ -8‬رسالة يف األدب " ليست مطبوعة " ‪.‬‬
‫‪ -9‬فتاوى اإلمام الشاطيب ‪ :‬قام جبمع هذه الفتاوى لإلمام الشاطيب د‪ .‬حممد أبو‬
‫األجفان من كتب مطبوعة وخمطوطة ‪.‬‬
‫‪ -10‬االعتصام " مطبوع " بتحقيق الشيخ حممد رشيد رضا (‪.)2‬‬
‫قال عنه الشيخ حممد رشيد رضا‪":‬وكتاب االعتصام "ال ن ّد له يف بابه ‪ ،‬فهو‬
‫ممتع مشبع ‪ ،‬وإن مل يتمه املصنف – رمحه اهلل تعاىل " (‪.)3‬‬

‫() املرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 48‬‬ ‫‪1‬‬

‫() اإلمام الشاطيب عقيدته وموقفه من البدع وأهلها ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪. 77 – 70‬‬ ‫‪2‬‬

‫() االعتصام ‪ ،‬مرجع سابق ‪. 1/504 ،‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪31‬‬
‫املبحث اخلامس ‪ :‬شخصيته وصفاته اخللقية ‪:‬‬

‫‪ – 1‬مشولية منهجه يف طلب العلم ‪:‬‬


‫" مل أزل منذ فتق للفهم عقلي ووجه شطر العلم طليب أنظر يف عقلياته‬
‫وشرعياته وأصوله وفروعه ‪ ،‬مل أقتصر منه على علم دون علم وال أفردت عن‬
‫أنواعه نوعاً دون آخر " (‪.)1‬‬

‫‪ – 2‬صربه وجلده يف طلب العلم ونصر السنّة ‪:‬‬


‫قال ‪ " :‬بل خضت يف اللجنة خوض احملسن للسباحة وأقدمت يف ميادينه‬
‫أتلف يف بعض أعماقه ‪ ،‬أو انقطع يف رفقيت اليت باألنس هبا‬
‫إقدام اجلرئ حىت كدت ُ‬
‫جتاسرت على ما قدر يل ‪ ،‬غائباً عن مقال القائل وعذل العاذل ومعرضاً عن صد‬
‫الصاد ولوم الالئم " (‪.)2‬‬

‫‪ – 3‬إدراكه العميق ملقاصد الشريعة ونصوصها ‪:‬‬


‫" فشرح يل من معاين الشريعة ما مل يكن يف حسايب وألقى يف نفسي‬
‫القاصرة أن كتاب اهلل وسنّة نبيه مل يرتكا يف سبيل اهلداية لقائل ما يقول وال أبقيا‬
‫لغريمها جماالً يُعتد منه ‪ ،‬وأن الدين قد كمل والسعادة الكربى فيما وضع والطلبة‬
‫فيما شرع ‪ ،‬وما سوى ذلك فضالل وهبتان ‪ ،‬وإفك وخسران ‪ ،‬وأن العاقد عليهما‬
‫بكلتا يديه مستمسك بالعروة الوثقى ‪ ،‬حمصل لكلىت اخلري دنيا وأخرى ‪ ،‬وما‬
‫سوامها فأحالم وخياالت وأوهام ‪.)3( " ..‬‬

‫() االعتصام ‪ ،‬مرجع سابق ‪. 1/24 ،‬‬ ‫‪1‬‬

‫() املرجع السابق ‪. 25 – 1/24 ،‬‬ ‫‪2‬‬

‫() املرجع السابق ‪. 1/25 ،‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪32‬‬
‫‪ – 4‬اهتمامه بنفسه وتربيته هلا ‪ :‬فيحملها على ‪:‬‬
‫" املشي مع اجلماعة اليت مسّاها رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم بالسواد‬
‫األعظم ‪ ،‬يف الوصف الذي كان عليه هو وأصحابه وترك البدع اليت نص عليها‬
‫العلماء أهنا بدع وأعمال خمتلفة " (‪.)1‬‬
‫‪ - 5‬كان الشاطيب – على ما يبدو – يكره التعامل والتعنت ‪ ،‬واالعرتاض ‪،‬‬
‫واجلدل (‪.)2‬‬
‫‪ - 6‬طيب القلب ‪ ،‬رقيق النفس ‪ ،‬إنساين النزعة إىل حد بعيد ‪ ..‬ونفس رحبة‬
‫ممتلئة شفقه وحباً للناس ‪ ،‬ولغري الناس مما خلق اهلل من حيوان ‪ ،‬وتواضع‬
‫جم ‪ ،‬وسعي لنفع كل من كان يف حاجة إىل النفع " (‪.)3‬‬
‫‪ - 7‬عدم اجملاملة أو املهادنة يف احلق ‪:‬‬
‫" وقول من قال لكم ‪ :‬ال تعمل إال برضى الناس ‪ ،‬ويكفي يف جواب هذا‬
‫القول ما جاء عن النيب صلى اهلل عليه وسلم ‪ :‬من التمس رضى الناس‬
‫بسخط اهلل سخط اهلل عليه ‪ ،‬وأسخط عليه الناس ‪ ،‬ومن التمس رضي اهلل‬
‫بسخط الناس ‪ ،‬رضي اهلل عنه ‪ ،‬وأرضى عنه الناس " (‪.)4‬‬
‫‪ - 8‬اإلنصاف وحسن الظن باآلخرين ‪:‬‬
‫" إن زلة العامل ال يصح اعتمادها من جهة وال األخذ هبا تقليداً له ‪ ،‬وذلك‬
‫ألهنا موضوعة على املخالفة للشرع ‪ ،‬ولذلك عدت زلة ‪ ،‬وإال فلو كانت‬

‫املرجع السابق ‪. 1/25 ،‬‬ ‫()‬ ‫‪1‬‬

‫الشاطيب ومقاصد الشريعة ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪. 15‬‬ ‫()‬ ‫‪2‬‬

‫املرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 17‬‬ ‫()‬ ‫‪3‬‬

‫فتاوى اإلمام الشاطيب ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪. 238‬‬ ‫()‬ ‫‪4‬‬

‫‪33‬‬
‫معتداً هبا مل جيعل هلا هذه الرتبة ‪ ،‬وال نسب صاحبها الزلل فيها ‪ ،‬كما أنه‬
‫ال ينبغي أن ينسب صاحبها إىل التقصري ‪ ،‬وال أن يشنع عليه هبا ‪ ،‬وال‬
‫ينتقض من أجلها ‪ ،‬أو يعتقد فيه أال تدام على املخالفة حبثاً ‪ ،‬فإن هذا كله‬
‫خالف ما تقتضي رتبته يف الدين ‪.)1( " ..‬‬
‫‪ - 9‬املثابرة على اتباع احلق ‪:‬‬
‫" وعلى الجملة ‪ ،‬فالزمان زمان وقوع ما أخرب عنه الصادق املصدوق‪ ..‬وإن‬
‫املستمسك فيه بدينه كالقابض على اجلمر ولكن األجر فيه – حبول اهلل‬
‫جزيل ورب العزة حبفظ احلوزة كفيل ‪ ،‬ال عليكم ‪ ،‬فإن اهلل معكم ‪ ،‬ما‬
‫قصدمت وجه اهلل بأعمالكم ‪ ،‬وثابرمت على اتباع احلق واملشي على طريق‬
‫الصواب ‪ ،‬ورضى املخلوق ال يغين من اهلل شيئاً ‪ ،‬واهلل سبحانه يتوالين‬
‫وإياكم مبا توىل عباده الصاحلني " (‪.)2‬‬
‫‪ - 10‬عدم التسرع يف إصدار األحكام ‪ " :‬وقف وقفة املتخريين ال وقفة املتحيرين‬
‫إال إذا اشتبهت املطالب ‪ ،‬ومل يلح وجه املطلوب للطالب ‪ ،‬فال عليك من‬
‫اإلحجام " إن جل اخلصوم " (‪.)3‬‬

‫() املوافقات يف أصول الشريعة ‪ ،‬مرجع سابق ‪. 4/123 ،‬‬ ‫‪1‬‬

‫() فتاوى اإلمام الشاطيب ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪. 240 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫() املوافقات يف أصول الشريعة ‪. 1/17 ،‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪34‬‬
‫املبحث السادس ‪ :‬وفاته وثناء العلماء عليه ‪:‬‬
‫( أ ) وفاته ‪:‬‬
‫أمجع مرتمجوه على أن وفاته كانت سنة ‪ 790‬هـ – ‪1388‬م ‪ .‬وعنّي‬
‫اجملاري الشهر وهو شعبان‪ ،‬وعنّي أمحد بابا السوداين اليوم وهو الثالثاء الثامن‬
‫منه(‪.)1‬‬
‫(ب) ثناء العلماء عليه ‪:‬‬
‫قال أمحد بابا السوداين ‪:‬‬
‫" اإلمام العالمة احملقق القدوة احلافظ اجلليل اجملتهد ‪ ،‬كان أصولياً مفسراً‬
‫فقيهاً حمدثاً لغوياً بيانياً نظّاراً ورعاً صاحلاً زاهداً سنيِّاً إماماً مطلقاً حبّاثاً مدققاً‬
‫جدلياً بارعاً يف العلوم ‪ ،‬من أفراد العلماء احملققني اإلثبات وأكابر األئمة املتفننني‬
‫الثقات ‪ ،‬له القدم الراسخ واإلمامة العظمى يف الفنون فقهاً وأصوالً وتفسرياً‬
‫وحديثاً وعربية وغريها مع التحري والتحقق ‪ ..‬على قدم راسخ من الصالح والعفة‬
‫والتحري والورع ‪.)2( " ..‬‬
‫قال عنه تلميذه أبو عبد اهلل اجملاري األندلسي ‪:‬‬
‫" الشيخ اإلمام العالمة الشهري نسيج وحده وفريد عصره " (‪.)3‬‬
‫ونعته احلجوي بـ ‪:‬‬

‫() فتاوى اإلمام الشاطيب ‪ :‬ص ‪ ، 76‬ونيل االبتهاج ص ‪. 49‬‬ ‫‪1‬‬

‫() نيل االبتهاج ‪ ،‬ص ‪. 47 – 46‬‬ ‫‪2‬‬

‫() فتاوى اإلمام الشاطيب ‪ ،‬ص ‪. 77‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪35‬‬
‫" اإلمام احلافظ اجلليل اجملتهد من أفراد احملققني األثبات وأكابر املتفننني فقهاً‬
‫وأصوالً وعربية وغريها " (‪.)4‬‬
‫قال الشيخ حممد رشيد رضا – رمحه اهلل – كتاب االعتصام ‪:‬‬
‫" لوال أن هذا الكتاب ألف يف عصر ضعف العلم والدين يف املسلمني لكان مبدأ‬
‫هنضة جديدة إلحياء السنّة ‪ ،‬وإصالح شئون األخالق واالجتماع ‪ ،‬ولكان‬
‫املصنف هبذا الكتاب ولصنوه كتاب " املوافقات " الذي مل يسبق إىل مثله سابق‬
‫أيضاً من أعظم اجملددين يف اإلسالم … " (‪.)2‬‬

‫() املرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪. 78‬‬ ‫‪4‬‬

‫() االعتصام ‪. 4 / 1 ،‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪36‬‬
‫الفصل الثالث‪ : L‬مصادر الفكر التربوي عند اإلمام الشاطبي ‪:‬‬
‫املبحث األول ‪ :‬القرآن والسنة ‪:‬‬
‫ليس أدل على متكن هذا املصدر يف الشاطيب من كتابه الفذ " االعتصام"‬
‫الذي مل يُصنَّف مثله يف أصول االتباع واالبتداع ‪ ،‬فهو على حد قول الشيخ حممد‬
‫رشيد رضا " ال ن ّد ل يف بابه " (‪.)1‬‬
‫ولعل أقوى مثل على تعظيم الشاطيب هلذين املصدرين أنه يف تأصيله لنظرية‬
‫املقاصد كان حريصاً على رد كل صغري وكبري إىل النصوص الشرعية واستفتاء‬
‫قواعده من أحوال النيب صلى اهلل عليه وسلم وصحابته ‪.‬‬
‫ومن األمور اليت أوالها الشاطيب عناية بالغة ‪ :‬منزلة العقل من النقل وهي‬
‫مزلة أقدام ومفرق طرق يف باب االتباع ‪ ،‬وقد حذا الشاطيب حذو األئمة الراسخني‬
‫من أئمة السنّة ‪ ،‬فبني أن األدلة الشرعية ال تنايف قضايا العقل ‪ ،‬وأن النقل والعقل‬
‫إذا تعاضدا على املسائل الشرعية فعلى شرط أن يكون العقل تابعاً للنقل ومكمالً‬
‫له غري مستقل بالداللة (‪.)2‬‬
‫وأن العقل إذا مل يكن متبعاً للشرع فهو نوع من اتباع اهلوى (‪.)3‬‬
‫وأن التحسني والتقبيح العقليني هي من مسات املبتدع (‪.)4‬‬

‫االعتصام ‪ ،‬مرجع سابق ‪. 4 / 1 ،‬‬ ‫()‬ ‫‪1‬‬

‫املوافقات يف أصول الشريعة ‪. 1/24‬‬ ‫()‬ ‫‪2‬‬

‫االعتصام ( ‪. )40-1/39‬‬ ‫()‬ ‫‪3‬‬

‫االعتصام (‪. )1/106‬‬ ‫()‬ ‫‪4‬‬

‫‪37‬‬
‫ويف عالقة القرآن بالسنة يقول الشاطيب ‪ " :‬فكل واحد من الكتاب والسنة‬
‫يعضد بعضه بعضاً ويشد بعضه بعضاً فهما عنده متكامالن متالزمان ال تعارض‬
‫بينهما ‪ ،‬وال اختالف وال يغين أحدمها عن اآلخر " (‪.)5‬‬
‫لذا فهو يستمد أخالقه وفكره من كتاب اهلل وسنة رسول اهلل صلى اهلل عليه‬
‫وسلم ويتأسى منها بالصحابة رضي اهلل عنهم وهذا ما جعله ينصرف عما كان‬
‫الناس يتهافتون عليه من املناصب العامة ‪ ،‬حريصني يف ذلك على ما تتيحه هلم هذه‬
‫املناصب من شهرة أو جاه أو مال ‪.‬‬
‫" فرتدد النظر بني أن اتبع السنّة على شرط خمالفة ما اعتاد الناس ‪ ،‬فالبد من‬
‫حصول حنو مما حصل ملخالفيت العوائد ‪ ،‬ال سيما إذا ادعى أهلها أن ما هم عليه‬
‫هو السنّة ال سواها ‪ ..‬وبني أن اتبعهم على شرط خمالفة السنّة والسلف الصاحل "‬
‫(‪.)2‬‬

‫() املوافقات (‪. )2/58‬‬ ‫‪5‬‬

‫() االعتصام (‪. )1/7‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪38‬‬
‫املبحث الثاين ‪ :‬اإلمجاع ‪:‬‬
‫من مصادر الفكر الشاطيب ما أمجع عليه العلماء وخاصة سلف األمة من القرون‬
‫املفضلة األوىل وقد أشار يف مواضع متعددة من كتابيه االعتصام واملوافقات إىل هذا‬
‫املفهوم "ومن ههنا اعتمد الناس يف الداللة على وجوب هذا على داللة اإلمجاع ألنه‬
‫قطعي وقاطع هلذه الشواغب‪.‬وإذا تأملت أدلة كون اإلمجاع حجة أو خرب الواحد أو‬
‫القياس حجة فهو راجع هذا املساق (ويقصد االستقراء املعنوي )؛ألن أدلتها مأخوذة‬
‫من مواضع تكاد تفوت احلصر‪ ،‬وهي مع ذلك خمتلفة املساق ال ترجع إىل باب واحد‬
‫… " (‪.)1‬‬
‫يعلق الشيخ عبد اهلل دراز ‪ " :‬أي فبدل أن يسردوا األدلة اجلزئية فيؤخذ يف‬
‫مناقشة كل دليل يورد باملناقشات املشار إليها يعدلون عن هذا الطريق القابل للمشاغبة‬
‫إىل طريق ذكر اإلمجاع القاطع للشغب ‪ .‬وما ذلك إال ألن كل دليل على حدته ظين ال‬
‫يفيد القطع " (‪.)2‬‬
‫فنجد أن اإلم ام الش اطيب اس تند إىل اإلمجاع ك دليل ألنه يفيد القطع يف جمم وع‬
‫أدلته وألنه شبيه بالتواتر املعنوي ‪.‬‬
‫وكثرياً ما يستند الشاطيب يف فكره باالستدالل على ما فهمه السلف الصاحل ما‬
‫أمجعوا عليه وما قاموا به من طريقة للتعلم والتعليم ‪ ،‬ويف ذلك يقول ‪ " :‬وعلى هذا‬
‫مر السلف الصاحل يف بث الشريعة للمؤالف واملخالف ومن نظر يف استدالهلم‬ ‫النحو ّ‬
‫على إثبات األحكام التكليفية ‪ ،‬علم أهنم قصدوا أيسر الطرق وأقرهبا إىل عقول الطالبني‬
‫‪ ،‬لكن من غري ترتيب متكلف وال نظم مؤلف بل كانوا يرمون بالكالم على عواهنه ‪،‬‬
‫وال يبالون كيف وقع يف ترتيبه ‪ ،‬إذا كان قريب املأخذ ‪ ،‬وسهل امللتمس " (‪.)3‬‬

‫() املوافقات يف أصول الشريعة ‪. 1/25‬‬ ‫‪1‬‬

‫() املرجع السابق ‪ " 1/25 ،‬يف اهلامش " ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫() املرجع السابق ‪. 1/40‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪39‬‬
‫املبحث الثالث ‪ :‬أقوال الصحابة وفعلهم ‪:‬‬
‫من مصادر فكر الشاطيب فعل الصحابة وأقواهلم ‪ ،‬يقول رمحه اهلل " سنة‬
‫الصحابة رضي اهلل عنهم سنّة يعمل عليها ويرجع إليها ومن الدليل على ذلك ‪:‬‬
‫‪ -1‬ثناء اهلل عليهم من غري مثنوية ومدحهم بالعدالة ‪.‬‬
‫‪ -2‬ما جاء يف احلديث كقوله ‪ " :‬فعليكم بسنيت وسنة اخللفاء الراشدين املهديني‬
‫متسكوا هبا وعضوا عليها بالنواجذ " ‪.‬‬
‫‪ -3‬أن مجهور العلماء قدموا الصحابة عند ترجيح األقاويل ‪ ،‬وذلك أن السلف‬
‫واخللف من التابعني ومن بعدهم يهابون خمالفة الصحابة ‪ ،‬ويتكثرون‬
‫مبوافقتهم ‪ ،‬فنجدهم إذا عينوا مذاهبهم ّقووها بذكر من ذهب إليها من‬
‫الصحابة " (‪.)1‬‬
‫ومل يكتف الشاطيب هبذا النهج العملي يف اتباع السلف ‪ ،‬وإمنا قرر هذا‬
‫األصل بصورة نظرية ‪ ،‬وبني عظيم نفعه وبركته وشدة حاجة علماء الشريعة‬
‫أصوالً وفروعاً إليه ‪ ،‬ومثال ذلك ‪:‬‬
‫يتمثل يف قوله ‪ " :‬ويطلق أيضاً لفظ السنّة على ما عمل عليه الصحابة وجد‬
‫ذلك يف الكتاب والسنّة أومل يوجد ‪ ،‬لكونه اتباعاً للسنة ثبتت عندهم مل تنقل إلينا‬
‫‪ ،‬أو اجتهاداً جمتمعاً عليه فهم أو من خلفائهم ‪ ،‬فإن إمجاعهم إمجاع ‪ ،‬وعمل‬
‫خلفائهم راجع أيضاً إىل حقيقة اإلمجاع ‪ ،‬من جهة محل الناس عليه حسبما اقتضاه‬
‫النظر املصلحي عندهم " (‪.)2‬‬

‫() هتذيب املوافقات يف أصول الفقه ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪. 318‬‬ ‫‪1‬‬

‫() املوافقات يف أصول الشريعة ‪. 4-4/3‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪40‬‬
‫املبحث الرابع ‪ :‬القياس ‪:‬‬
‫يقول الشاطيب ‪ " :‬وأما جمال القياس ‪ .‬فإنه يقع يف الكتاب العزيز أصول‬
‫تشري إىل ما كان من حنوها أن حكمه حكمها ‪.‬‬
‫فإذا كان كذلك وجدنا يف الكتاب أصالً وجاءت السنّة مبا يف معناه ‪ ،‬أو ما‬
‫يلحق به أو يشبهه أو يدانيه ‪ ،‬فهو املعىن ههنا ‪.‬‬
‫وله أمثلة ‪:‬‬
‫حرم اجلمع بني األختني وجاءت يف القرآن " وأحل لكم ما‬ ‫( أ ) أن اهلل تعاىل ّ‬
‫وراء ذلكم " فجاء هنيه عليه الصالة والسالم عن اجلمع بني املرأة وعمتها أو‬
‫خالتها من باب القياس ‪ ،‬ألن املعىن الذي ألجله ذم اجلمع بني أولئك‬
‫موجود هنا ‪ .‬وقد يروى يف هذا ‪ :‬فإن ( فإنكم إذا فعلتم ذلك قطعتم‬
‫أرحامكم ) والتعليل يشعر بوجه القياس ‪.‬‬
‫(‪ )2‬أن اهلل وصف املاء الطهور بأنه أنزل من السماء ‪ ،‬وأنه أسكنه ويف األرض ‪،‬‬
‫ومل يأت مثل ذلك يف ماء البحر ‪ ،‬فجاءت السنّة بإحلاق ماء البحر بغريه من‬
‫املياه بأنه ( الطهور ماؤه ‪ ،‬احلل ميتته ) " (‪.)1‬‬
‫لكن الشاطيب مل يرتكز كثرياً على هذا النوع من االستدالل وإمنا استطاع‬
‫أن ينتقل به من الداللة الظنية إىل الداللة القطعية ‪ ،‬حيث كان املنهج عند‬
‫األصوليني السابقني يقوم على االستنباط والقياس اللذين يعتمدان على التأويل‬
‫والظن ‪ ،‬واجتهد الشاطيب يف استبدال منهج يقوم على االستنتاج واالستقراء‬
‫املستندين إىل أسس عقلية به ‪ ،‬متاماً كما هو الشأن يف الرياضيات احلديثة (‪.)2‬‬
‫() هتذيب املوافقات ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪. 314‬‬ ‫‪1‬‬

‫() بادو ‪ ،‬عبد اجلليل ‪1994 ،‬م ‪ ،‬منهج الرتبية والتعليم عند اإلمام الشاطيب ‪ ،‬جملة املريب تطوان ‪ ،‬اململكة‬ ‫‪2‬‬

‫املغربية ‪ ،‬العدد الرابع ‪ ،‬ص ‪. 8‬‬

‫‪41‬‬
‫أصل األصول ‪ ،‬بإعادة بناء العلم على القطع بدل الظن ‪ .‬وبعدما‬
‫فالشاطيب ّ‬
‫كان األصوليون يعتمدون يف بناء األحكام على استنباط املعاين من النصوص ‪،‬‬
‫وقياس ما ليس فيه نص ‪ ،‬وكانوا يرددون بأن الشريعة يف جمملها تقوم على الظن ‪.‬‬
‫برهن الشاطيب وبطريقة ذكية ‪ ،‬أن األصول تقوم على القطع والدليل على قطعيتها‬
‫أهنا راجعة إىل كلية الشريعة ‪ ،‬وما كان كذلك فهو قطعي(‪.)1‬‬

‫() مهداد ‪ ،‬الزبري ‪1418 ،‬هـ – ‪1997‬م ‪ ،‬الشاطيب وآراء تربوية متجددة ‪ ،‬جملة الفيصل ‪ .‬العدد (‪، )251‬‬ ‫‪1‬‬

‫السعودية ‪ ،‬ص ‪. 58‬‬

‫‪42‬‬
‫املبحث اخلامس ‪ :‬مقاصد الشريعة ‪:‬‬
‫منذ املقدمات األوىل لكتاب " املوافقات " (‪ )1‬بدأ الشاطيب بغري مسائل‬
‫املقاصد ‪ ،‬ويتكئ عليها يف تدعيم وتوضيح آرائه األصولية ‪.‬‬
‫ففي املقدمة األوىل ‪ ،‬اليت خصصها للقول بأن أصول الفقه يف الدين قطعيه‬
‫ال ظنية ‪ ،‬جعل أقوى حجة على هذا القول ‪ ،‬هو كون أصول الفقه راجعة إىل‬
‫كليات الشريعة ‪ ،‬وكليات الشريعة ال ميكن أن تكون إال قطعية ‪ ،‬قال ‪ " :‬وأعين‬
‫بالكليات هنا الضروريات واحلاجيات والتحسينات " (‪.)2‬‬
‫وقطعية هذه الكليات مسألة ال يرقى إليها جدال ‪ ،‬بل هي يف أعلى درجات‬
‫القطع ‪ " :‬فقد اتفقت األمة ‪ ،‬بل سائل امللل على أن الشريعة وضعت للمحافظة‬
‫على الضروريات اخلمس ‪ ،‬وهي ‪ :‬الدين ‪ ،‬والنفس ‪ ،‬والنسل ‪ ،‬واملال ‪ ،‬والعقل "‬
‫وعلمها عند األمة كالضروري " (‪.)3‬‬
‫وعند تطرقه إىل حديث عن السنة – بعد احلديث عن القرآن – وقف وقفة‬
‫أخرى واستخدم فيها النظرة املقاصدية يف الربط بني أدلة الشريعة ‪ ،‬قرآناً وسنة ‪،‬‬
‫ويف الربط بني مناحي البناء التشريعي بكلياته وجزئياته (‪.)4‬‬
‫مث سأل سؤاالً ‪ :‬مب حتفظ الضروريات ‪ " :‬واحلفظ هلا يكون بأمرين ‪:‬‬

‫() وهي ثالث عشرة مقدمة ‪ ،‬قال عنها ‪ " :‬متهيد املقدمات احملتاج إليها قبل النظر يف مسائل الكتاب " وهي‬ ‫‪1‬‬

‫من ص ‪ 9‬إىل ‪. 75‬‬


‫() املوافقات يف أصول الشريعة ‪ ،‬مرجع سابق ‪. 1/20 ،‬‬ ‫‪2‬‬

‫() املرجع السابق ‪. 1/26 ،‬‬ ‫‪3‬‬

‫() الريسوين ‪ ،‬أمحد ‪1418 ،‬هـ – ‪1998‬م ‪ ،‬نظرية املقاصد عند اإلمام الشاطيب ‪ ،‬دار الكلمة للنشر‬ ‫‪4‬‬

‫والتوزيع ‪ ،‬املنصورة ‪ ،‬مصر ‪ ،‬ص ‪. 135‬‬

‫‪43‬‬
‫‪ -1‬ما يقيم أركاهنا ويثبت قواعدها ‪ ،‬وذلك عبارة عن مراعاهتا من جانب‬
‫الوجود ‪.‬‬
‫‪ -2‬ما يدرأ عنها االختالل الواقع أو املتوقع فيها ‪ ،‬وذلك عبارة عن مراعاهتا من‬
‫جانب العدم فأصول العبادات راجعة إىل حفظ الدين من جانب الوجود‬
‫كاإلميان والنطق بالشهادتني ‪ ،‬والصالة ‪.‬‬
‫والعادات راجعة إىل حفظ النفس والعقل من جانب الوجود أيضاً ‪،‬‬
‫واملعامالت راجعة إىل حفظ النسل واملال من جانب الوجود وإىل حفظ النفس‬
‫والعقل أيضاً لكن بواسطة العادات (‪.)1‬‬
‫لذا ذهب الشاطيب إىل أن من أسباب االبتداع يف الدين " راجعة يف‬
‫التحصيل إىل وجه واحد ‪ :‬وهو اجلهل مبقاصد الشريعة " (‪ )2‬وأن " زلة العامل أكثر‬
‫ما تكون عند الغفلة عن اعتبار مقاصد الشرع ‪ .)3( " ..‬ولذلك نص على القاعدة‬
‫العامة وهي " من مل يتفقه يف مقاصد الشريعة فهمها على غري وجهها " (‪.)4‬‬

‫هتذيب املوافقات ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪. 115 – 114‬‬ ‫()‬ ‫‪1‬‬

‫االعتصام ‪. 2/182 :‬‬ ‫()‬ ‫‪2‬‬

‫املوافقات ‪. 4/170‬‬ ‫()‬ ‫‪3‬‬

‫االعتصام ‪. 2/175‬‬ ‫()‬ ‫‪4‬‬

‫‪44‬‬
‫املبحث السادس ‪ :‬املصاحل املرسلة ‪:‬‬
‫لعل هذا املصدر له عالقة باملصدر الذي قبله من حيث أن مقاصد الشريعة‬
‫ّ‬
‫رعاية املصاحل ‪ .‬كما قال ‪:‬‬
‫" مقاصد الشارع يف بث التشريع أن تكون مطلقة عامة ‪ ،‬وال ختتص بباب‬
‫دون باب ‪ ،‬وال مبحل دون حمل ‪ ،‬وال مبحل وفاق دون حمل خالف ‪ ،‬وباجلملة يف‬
‫املصاحل مطرد مطلقاً يف كليات الشريعة وجزئياهتا ومن الدليل على ذلك أن‬
‫األحكام مشروعة ملصاحل العباد ‪ ،‬ولو اختصت مل تكن موضوعة للمصاحل على‬
‫اإلطالق " (‪.)1‬‬
‫لذا جند الشاطيب يبين بعض فتاويه على هذه املسألة وهي اعتبار املصاحل‬
‫املرسلة ‪ .‬حيث نقل من كتاب " العتبية " من مساع ابن القاسم قال ‪ :‬وسألت‬
‫مالكاً عن معاصر الزيت ‪ ،‬زيت اجلحالن والفجل ‪ :‬يأيت هذا بأرادب وهذا‬
‫بأخرى ‪ .‬حىت جيتمعوا فيها ‪ ،‬فيعصرون مجيعاً ‪ .‬قال ‪ :‬إمنا يكره هذا ألن بعضه‬
‫خيرج أكثر من بعض ‪ .‬فإذا احتاج الناس إىل ذلك ‪ .‬فأرجو أن يكون خفيفاً ألن‬
‫الناس البد هلم مما يصلحهم ‪ .‬والشيء الذي ال جيدون عنه بداً وال غىن ‪ ،‬فأرجو‬
‫أن يكون هلم يف ذلك سعة إن شاء اهلل ‪ ،‬وال أرى به بأساً ‪ .‬قال ‪ :‬والزيتون مثل‬
‫ذلك ‪.)2( " ..‬‬
‫وهذا النص لإلمام مالك ‪ ،‬ليس جمرد مثال فقهي ملراعاة املصلحة وبناء‬
‫األحكام عليها ‪ ،‬ولكنه – إذا تؤمل – يؤصل ويقعد للمسألة ونظائرها وهلذا‬
‫جند الشاطيب قد بىن عليه فتواه يف جتويز ما كان يفعله الناس من خلط ألباهنم‬
‫() هتذيب املوافقات ‪ ،‬ص ‪. 127 – 126‬‬ ‫‪1‬‬

‫() فتاوى اإلمام الشاطيب ‪ ،‬ص ‪. 211 – 210‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪45‬‬
‫لالشرتاك والتعاون على استخالص جبنها ‪ ،‬جتنباً لكثرة املشقة والكلفة (‪ .)1‬مع أن‬
‫هذا العمل – كسابقه – ال خيلو من غىن وتفاضل‪ ..‬وقد ختم الشاطيب فتواه بقوله‬
‫‪ " :‬والظاهر جوازه عمالً هبذا األصل املقرر يف املذهب " ‪ ،‬مما يؤكد أن هذا‬
‫املسلك ( املصاحل املرسلة ) عريق عند اإلمام الشاطيب ‪.‬‬
‫حيث يقرر – أي الشاطيب – هذا األمر يف موضع آخر ‪ " ،‬فإنه اسرتسل فيه‬
‫اسرتسال املدل العريق يف فهم املعاين املصلحية ‪ ،‬نعم ‪ ،‬مع مراعاة مقصود الشارع‬
‫أن ال خيرج عنه ‪ ،‬وال يناقض أصالً من أصوله … " (‪.)2‬‬

‫() املرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 211 – 207‬‬ ‫‪1‬‬

‫() االعتصام ‪. 2/132‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪46‬‬
‫الفصل الرابع ‪ :‬منهجيته العلمية والتربوية ‪:‬‬
‫املبحث األول ‪ :‬استقالليته العلمية واجتهاده ‪:‬‬
‫ذكر الشيخ حممد رشيد رضا يف مقدمة االعتصام ‪:‬‬
‫" والعلماء املستقلون يف هذه األمة ثلة من األولني ‪ ،‬وقليل من اآلخرين‪،‬‬
‫واإلمام الشاطيب من هؤالء القليل … " (‪.)1‬‬
‫إن البحوث اليت فتقها الشاطيب ال تتصف باجلدة فحسب ‪ ،‬إذ ليس كل‬
‫جديد محيداً وإمنا هي مع اجلدة – على غاية اجلدوى لعظم الثمرة اليت تظهر من‬
‫ورائها ‪ ،‬مث هو يف طرحه هلا قد حتلى بقدر عظيم من اجل ّدية والعمق ‪ ،‬فكانت‬
‫جامعة بني اجلدة واجلدوى واجلدية‪،‬وهي صفات ال جيمع بينها إال جمدد مبتكر فذ ‪.‬‬
‫وقد كان الشاطيب مستنداً يف كل ما يقرره إىل األصول الشرعية الصحيحة‬
‫مؤيداً مقرراته األصولية والرتبوية بنصوص الكتاب والسنة‪ ،‬وإفهام السلف‪،‬مقدراً‬
‫ما قد يتعرض به على كتابه لكثرة ما احتواه من مبتكرات مستقلة من أهنا "شيء‬
‫ما مُس ع مبثله‪،‬وال ألف يف العلوم الشرعية األصلية أو الفرعية ما نسج على منواله"‬
‫(‪.)2‬‬
‫وقد أجاب – رمحه اهلل – أمر قررته اآليات واألخبار ‪ ،‬وشيد أركانه أنظار‬
‫النظّار … " (‪.)3‬‬
‫فجر ينبوعها الشاطيب وجعلته من‬
‫لذا سوف أعرض بعض املسائل اليت ّ‬
‫األئمة املستقلني يف جودة الطرح واألصالة يف الرأي ‪:‬‬

‫() االعتصام ‪. 1/3‬‬ ‫‪1‬‬

‫() املوافقات ‪. 1/18‬‬ ‫‪2‬‬

‫() املوافقات ‪. 1/18‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪47‬‬
‫‪ ( -1‬أصول االتباع وأصول االبتداع ) ‪ :‬وهي مادة مثينة واسعة ‪ ،‬ومن رجع‬
‫إليها وتأملها علم مقدار ما حرم منه علم األصول حىت جاء الشاطيب وهي‬
‫حمتوى كتابه الكبير " االعتصام " وهو من أعظم مبتكرات الشاطيب ‪.‬‬
‫‪ ( -2‬نظرية املقاصد الشرعية واملصاحل واملفاسد ) (‪.)1‬‬
‫‪ ( -3‬بيان أن هذه الشريعة أمية ) (‪ :)2‬وقد بىن عليها قواعد جليلة ويف فهم‬
‫الشريعة مل يسبق إليها ‪.‬‬
‫‪ ( -4‬داللة الكالم يكون باعتبارين ‪ ،‬داللته على املعىن األصلي ‪ ،‬وداللته على‬
‫املعىن التبعي ) (‪ :)3‬وفيه فوائد عظيمة وقواعد استنتاجية دقيقة ‪.‬‬
‫‪ ( -5‬نفي التكليف بأنواع املشاق ) (‪ :)4‬ورغم تداوله يف كالم األصوليني إال‬
‫أنه طرقه من جهات جديدة نافعة ‪ ،‬وتوسع فيها توسعاً كبرياً ‪.‬‬
‫‪ ( -6‬األمة تتبع النيب صلى اهلل عليه وسلم يف املناقب كما تتبعه يف التكليفات ) (‪.)5‬‬
‫وهو حبث جديد نافع ‪ ،‬وقد أسس عليه قواعد كثرية ‪.‬‬
‫‪ ( -7‬حكم العمل مبقتضى الكرامات والرؤى املنامية وخاصة رؤية النيب صلى‬
‫اهلل عليه وسلم يف املنام إذا تعلق حبكم شرعي ) (‪)6‬وهو مفيد جداً وقد بناه‬
‫على البحث السابق ‪.‬‬

‫() أنظر رسالة الريسوين نظرية املقاصد عند الشاطيب ‪ ،‬ورسالة العبيدي ‪ .‬الشاطيب ومقاصد الشريعة ‪ ،‬ورسالة‬ ‫‪1‬‬

‫الكيالين قواعد املقاصد عند اإلمام الشاطيب ‪.‬‬


‫() املوافقات ‪. 71 – 2/53‬‬ ‫‪2‬‬

‫() املرجع السابق ‪. 92 – 2/72‬‬ ‫‪3‬‬

‫() املرجع السابق ‪. 128 – 2/93‬‬ ‫‪4‬‬

‫() املرجع السابق ‪. 188 – 173 / 2‬‬ ‫‪5‬‬

‫() املرجع السابق ‪. 207 – 2/189‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪48‬‬
‫‪ ( -8‬عمومية الشريعة ألحكام الغيب ‪ ،‬والشهادة ‪ ،‬والظاهر ‪ ،‬والباطن) (‪.)1‬‬
‫‪ -9‬وكذلك نادى يف املقدمة الرابعة بضرورة احملافظة على مباحث علم أصول‬
‫الفقه باالحرتاز من خلطه ببعض العلوم اليت جيب أن تؤخذ مسلمة من‬
‫مظاهنا جاء ذلك عند ما قال " وعلى هذا خيرج عن أصول الفقه كثري من‬
‫املسائل اليت تكلم عليها املتأخرون وأدخلوها فيها " (‪ .)2‬ويقصد بذلك علم‬
‫الكالم واألصول املنطقية ‪.‬‬
‫‪ -10‬دعوته إىل قطعية األدلة الفقهية (‪.)3‬‬

‫() املرجع السابق ‪. 212 – 2/208‬‬ ‫‪1‬‬

‫() املرجع السابق ‪. 1/29‬‬ ‫‪2‬‬

‫() املرجع السابق املقدمة األوىل ‪. 1/19‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪49‬‬
‫املبحث الثاين ‪ :‬جتديده وانطالقه من مقاصد الشريعة اإلسالمية ‪:‬‬
‫قال الشيخ بكر بن عبد اهلل أبو زيد – عن كتاب املوافقات ‪:‬‬
‫" والكتاب وضعه هذا اإلمام ‪ ،‬ليكون ( وسيلة إىل فقه االستبناط ) حبذق‬
‫اللسان ‪ ،‬وتشخيص علم املقاصد ‪ ،‬إال أنه ويف حقيقته ‪ ،‬فقه يف الدين ‪،‬‬
‫ومقال متميز يف توظيف االستقراء الكلي لفهم نصوص الوحيني وعلم متكامل‬
‫بنظام الشريعة وأسس التشريع ومقاصده يف مصاحل العباد يف الدارين " (‪.)1‬‬
‫ال أملك – أن أويف هذا املبحث حقه من النظر يف هذا املقام ‪ ،‬وإال ضيعنا‬
‫حقوق مباحث كثرية ‪ ،‬خاصة أنين أتكلم يف أصل من أصول الشريعة كما يصفه‬
‫الشاطيب ‪ ،‬لذا سوف أورد قطوف مقاصدية الشاطيب وهي كما يلي ‪:‬‬
‫‪ -1‬تكاليف الشريعة ترجع إىل حفظ مقاصدها يف اخللق ‪ ،‬وهذه املقاصد ال‬
‫تعدو ثالثة أقسام ‪ ( :‬أحدها ) ‪ :‬أن تكون ضرورية و ( الثاين ) أن تكون‬
‫حاجية ‪ ،‬و(الثالث) ‪ :‬أن تكون حتسينية " (‪.)2‬‬
‫‪ -2‬املقاصد الضرورية يف الشريعة أصل للحاجية والتحسينية " (‪.)3‬‬
‫‪ " -3‬املصاحل اجملتلبة شرعاً واملفاسد املستدفعة إمنا تعترب من حيث تقام احلياة‬
‫الدنيا للحياة األخرى ‪ ،‬ال من حيث أهواء النفوس يف جلب مصاحلها‬
‫العادية أو درء مفاسدها العادية " (‪.)4‬‬

‫() الشاطيب ‪ ،‬أبو إسحاق إبراهيم بن موسى ‪1417 ،‬هـ – ‪1997‬م ‪ ،‬املوافقات يف أصول الشريعة حتقيق‬ ‫‪1‬‬

‫مشهور آل سلمان ‪ ،‬تقدمي بكر أبوزيد ‪ ،‬دار ابن عفان للنشر والتوزيع – اخلرب – السعودية ‪/1 ،‬ط ‪.‬‬
‫() املوافقات يف أصول الشريعة حتقيق عبد اهلل دراز ‪. 2/7‬‬ ‫‪2‬‬

‫() املرجع السابق ‪. 2/13‬‬ ‫‪3‬‬

‫() املرجع السابق ‪. 2/29‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪50‬‬
‫‪ " -4‬األمر يف املصاحل مطرد مطلقاً يف كليات الشريعة وجزئياهتا " (‪.)5‬‬
‫‪ " -5‬من مقصود الشارع يف األعمال دوام املكلف عليها " (‪.)2‬‬
‫وإىل ما ال هناية من القواعد ‪ .‬فيالحظ أن نصيب املقاصد من كتاب‬
‫املوافقات هو مخس أقسام الكتاب وهو القسم الثالث ‪ ،‬وهو يزيد كمياً عن ربع‬
‫الكتاب ‪ .‬ولقد اتسم نظر الشاطيب وحبثه يف املقاصد بالدقة والعمق‪ ،‬وقوة‬
‫االستدالل ‪ ،‬وحتري ما وراءه عمل ‪ ،‬مع التفرد والسبق إىل عشرات القواعد الكلية‬
‫اليت مل تُ ْسبَق إليها ‪ ،‬مما يعد فتحاً جديداً يف علم األصول ‪.‬‬
‫لذا كان من أعظم خصال الشاطيب اليت صبغت يف املقاصد أنه كان قاصداً فيما‬
‫يقرره ‪ ،‬متلمساً سبيل األولني ‪ ،‬فلم تأخذه أهبة التجديد إىل اخلروج عن حد االعتدال‬
‫والتوسط ‪ ،‬وهذا من أكرب اآليات على قوة نفسه وعظيم إخالصه وشدة تواضعه ‪.‬‬
‫فهو يرمحه اهلل – جنده يُبدي ويعيد يف هذه القضية ‪ ،‬ويلح على ضرورة‬
‫اجلمع يف النظر بني جزئيات الشريعة وكلياهتا وأن " من أخذ باجلرائي معرضاً عن‬
‫كلية فهو خمطئ ‪ ،‬كذلك من أخذ بالكلي معرضاً عن جزئية " (‪.)3‬‬
‫ولذلك فشأن الراسخني ‪ ،‬تصدر الشريعة صورة واحدة خيدم بعضها بعضاً‬
‫‪ ،‬كأعضاء اإلنسان إذا صورت صورة مثمرة ‪ ..‬فكان العضو الواحد يعطي يف‬
‫مفهوم أحكام الشريعة حكماً حقيقياً فمتبعه متبع متشابه " (‪.)4‬‬

‫() املرجع السابق ‪. 2/54‬‬ ‫‪5‬‬

‫() املرجع السابق ‪. 2/184‬‬ ‫‪2‬‬

‫() املوافقات يف أصول الشريعة حتقيق عبد اهلل دراز ‪. 3/5‬‬ ‫‪3‬‬

‫() تصدير أمحد الربسوين لكتاب قواعد املقاصد عند اإلمام الشاطيب لـ د‪ .‬عبد الرمحن الكيالين ‪1421 ،‬هـ‬ ‫‪4‬‬

‫– ‪2000‬م ‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬دمشق‪،‬سورية من سلسلة إصدارات املعهد العاملي للفكر اإلسالمي رقم (‪،)35‬ص‬
‫‪. 10-9‬‬

‫‪51‬‬
‫املبحث الثالث ‪ :‬اعتماده على املنهج االستقرائي *‪:‬‬
‫وهذا من ألزم خصائص املنهج عند الشاطيب ‪ ،‬فإنه بنّي يف مقدمة‬
‫" املوافقات " أنه اعتمد على االستقراءات الكلية ‪ ،‬بل إنه بلغ باالستقراء أن جعله‬
‫خاصة كتابه (‪.)1‬‬
‫ويعرف الشاطيب االستقراء بأنه ‪ " :‬تصفح جزئيات ذلك املعىن لثبت من‬
‫جهتها حكم عام ‪ :‬إما قطعي وإما ظين " مث يردف ‪ " :‬وهو أمر مسلَّم عن أهل‬
‫العلوم العقلية والنقلية ‪ ،‬فإذا مت االستقراء حكم به مطلقاً يف كل فرد يقدَّر " (‪.)2‬‬
‫واالستقراء الذي غلب على الشاطيب هو ما مسّاه " االستقراء املعنوي "‬
‫وصفته أنه " " ال يثبت بدليل خاص ‪ ،‬بل بأدلة منضاف بعضها إىل بعض ‪ ،‬خمتلفة‬
‫األغراض ‪ ،‬حبيث ينتظم من جمموعها أمر واحد جتتمع عليه األدلة " (‪.)3‬‬
‫ومن صفته أيضاً – كما يتحصل من كالمه ومسلكه ‪ :‬أنه مبين على ملح‬
‫املعىن املشرتك من مقتضيات أدلة كثرية مما قد يكون ظاهراً أو خفياً ‪ ،‬صرحياً أو‬
‫ضمنياً ‪ ،‬مما يعتمد يف استخراجه على القرائن والدربة ودوام النظر(‪.)4‬‬
‫وهذا النوع من االستقراء على هذه الصفة يفيد القطع عند الشاطيب وإن‬
‫كانت جزئياته يف ذاهتا ظنية ‪ ،‬ألهنا " تضافرت على معىن واحد حىت أفادت منه‬
‫أنظر إىل " االستقراء عند اإلمام الشاطيب " حبث لـ نعمان جيغم منشور يف جملة التجديد ‪ .‬اجلامعة‬ ‫*‬

‫اإلسالمية العاملية مباليزيا ‪ ،‬السنة الرابعة ‪ ،‬العدد السابع ‪1420 ،‬هـ – ‪2000‬م ‪ .‬وحبث " االستقراء يف‬
‫مناهج النظر اإلسالمي " منوذج املوافقات لإلمام الشاطيب لـ يونس صواحلي " منشور يف جملة إسالمية‬
‫املعرفة تصدر من املعهد العاملي للفكر اإلسالمي ‪ .‬السنة األوىل ‪ ،‬العدد الرابع ‪1416 ،‬هـ –‪ 1996‬م‪.‬‬
‫() املوافقات يف أصول الشريعة ‪ ،‬حتقيق عبد اهلل دراز ‪. 1/19 ،‬‬ ‫‪1‬‬

‫() املرجع السابق (‪. )3/221‬‬ ‫‪2‬‬

‫() املرجع السابق (‪. )28-1/23‬‬ ‫‪3‬‬

‫() املرجع السابق (‪. )24-23(1‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪52‬‬
‫القطع فإن لالجتماع من القوة ما ليس لالفرتاق ‪ ،‬وألجله أفاد التواتر‬
‫القطع " (‪.)1‬‬
‫وإذاً تكاثرت األدلة على الناظر عضد بعضها ببعض فصارت مبجموعها‬
‫مفيدة للقطع " (‪.)2‬‬
‫أما عن ممارسة الشاطيب االستقراء يف حبثه فذلك أمر يتطلب بياناً أو إثباتاً ‪،‬‬
‫فحسب الناظر يف " املوافقات " أن يرمي ببصره حيث شاء ليلتقط لفظة االستقراء‬
‫ومشتقاهتا ‪ ،‬وهي من أجل أن يتلفظ هبا صاحبها البد أن تسبقها معاناة وتتبع أو‬
‫بعبارة الشاطيب ‪ " :‬تصفح " (‪ – )3‬لعشرات أو مئات من األدلة بعقل واع متدبر‬
‫حىت يصح له أن يقول ‪ " :‬استقرأت " وحسيب هنا أن أحيل إىل موضع مما‬
‫استعرض الشاطيب فيه بعض مفردات املسألة املستقرأة – وال أقول كلها – وذلك‬
‫يف تقرير أن األمة قد أعطيت من مجيع املزايا واملناقب اليت أعطيها رسول اهلل صلى‬
‫اهلل عليه وسلم إال ما وقع استثناؤه ‪ ،‬فقد أثبت ذلك باالستقراء ‪ ،‬وذكر أن ذلك‬
‫ظهر يف مواضع كثرية ‪ ،‬وأنه اقتصر على ثالثني وجهاً ‪ ،‬مث مضى يبني هذه املواضع‬
‫الثالثني على التفصيل … " (‪.)4‬‬

‫املرجع السابق (‪. )1/24‬‬ ‫()‬ ‫‪1‬‬

‫املرجع السابق (‪. )1/25‬‬ ‫()‬ ‫‪2‬‬

‫كما هو واضح من تعريفه لالستقراء ‪.‬‬ ‫()‬ ‫‪3‬‬

‫املوافقات يف أصول الشريعة ‪. 197 – 2/189 ،‬‬ ‫()‬ ‫‪4‬‬

‫‪53‬‬
‫الشاطيب ومشكالت االستقراء ‪:‬‬
‫ظهر ما عرف " مبشاكل االستقراء ‪ ،‬بعد عصر اإلمام الشاطيب ‪ ،‬وبالتحديد‬
‫يف عصر الفيلسوف الربيطاين دايفد هيوم فمنذ ذلك الوقت والدليل االستقرائي‬
‫معدود ضمن األدلة غري الربهانية يف نظر الفالسفة الغربيني ويلخص كارل بوبر‬
‫اعرتاض هيوم على الدليل االستقرائي فيقول إن " هيوم أثار مشكلتني لالستقراء ‪:‬‬
‫مشكلة منطقية ومشكلة نفسية ‪:‬‬
‫‪ -1‬المشكلة المنطقية‪ :‬كيف نعتقد يف قضايا مل يجرهبا مبجرد أننا جربنا‬
‫مثيالهتا ؟ ال جيب االعتقاد يف ذلك مهماً كان تكرار التجارب الواقعة حتت‬
‫حسنا ‪.‬‬
‫‪ -2‬المشكلة النفسية ‪ :‬ما الذي جيعل الناس يعتقدون أن مامل جُي رب يتطابق‬
‫متاماً مع ما مت جتريبه ؟ جييب هيوم بأن سبيل ذلك هو العادة اليت ُجبل عليها‬
‫الناس ‪.‬‬
‫لقد حاول فالسفة كثريون إجياد حلول ملشكالت االستقراء ‪ ،‬ومن هؤالء‬
‫جون ستيوارت مل حيث طرح قضية من أعقد القضايا اليت تواجه الدليل‬
‫االستقرائي يف ميدان العلوم الطبيعية ‪ ،‬وهو ما يعرف مبشكلة الدوران يف الدليل‬
‫االستقرائي ‪ ،‬فمل يرى أن االستقراء يقوم على مبدأ إطراد الطبيعية ومبدأ االطراد‬
‫بدوره يقوم على االستقراء‪.‬ذلك أنه كلما احتجنا إىل إثبات اطراد الطبيعية مطردة‪.‬‬
‫وعليه يذهب (مل) إىل أن االستقراء يزودنا بتوسيغ (‬
‫‪ ) Justification‬فقط ‪ ،‬لكنه ال يقدم لنا برهاناً على االطراد ‪ .‬وهذا الرأي‬

‫‪54‬‬
‫الذي يذهب إليه (مل) ميهد الطريق أمامنا لعرض أراء الشاطيب حول قطعية الدليل‬
‫االستقرائي ‪ ،‬فلقد حاول – رمحه اهلل – تربير االستقراء على مستويني ‪:‬‬
‫‪ -1‬مستوى الطبيعة (العادة الوجودية) ‪ :‬نالحظ أن الشاطيب كان سابقاً لـ‬
‫(مل) يف الكالم على االستقراء بوصفه مبدأ يعتمد عليه إلثبات اطراد‬
‫الطبيعة فهو يرى أن " العوائد ضربات بالنسبة إىل وقوعها يف الوجود ‪:‬‬
‫أحدمها العوائد العامة اليت ال ختتلف حبسب الأعصار واألمصار واألحوال‬
‫العامة اليت ال ختتلف حبسب األعصار واألمصار واألحوال ‪ .‬ويضيف‬
‫صاحب املوافقات أن " الضرب الأول راجع إىل عادة كلية أبدية ‪ ،‬وضعت‬
‫عليها الدنيا وهبا قامت مصاحلها يف اخللق حسبما بّين ذلك االستقراء ‪.‬‬
‫ومن خالل املماثلة بني الطبيعة والشريعة بالنسبة إىل الضرب األول من‬
‫العوائد ‪ ،‬يقرر أبو إسحاق أنه " على وفاق ذلك جاءت الشريعة أيضاً "‬
‫وهذا ‪ -‬يف رأيي‪ -‬أول تسويغ يقدمه الشاطيب للدليل االستقرائي يف ميدان‬
‫الطبيعيات ‪.‬‬
‫‪ -2‬مستوى الشريعة ‪ :‬حتدث الشاطيب عما يعرف مبناقضة إحدى اجلزئيات بعد‬
‫ثبوت الكلي كلياً وهو ما يشبه متاماً قضية مناقضة حالة معينة للقانون الذي‬
‫ثبت باالستقراء عند الفالسفة فهو يصرح بأن الكليات الثالث إذا كان قد‬
‫شرعت للمصاحل اخلاصة هبا فال يرفعها ختلف أحاد الجزئيات ‪ ،‬ويؤكد يف‬
‫موضع أخر أن " ال اعتبار مبعارضة اجلزئيات يف صحة وضع الكليات‬
‫للمصاحل " ‪.‬‬
‫مث ختم الباحث بأهم النتائج اليت أمكن التوصل إليها يف هذا املوضوع ‪:‬‬

‫‪55‬‬
‫‪ -1‬إن االستقراء عند الشاطيب منهج متكامل اخلطوات وليس جمرد عملية‬
‫تتبع ‪.‬‬
‫‪ -2‬االستقراء عند الشاطيب دليل عقلي يدور ضمن إطار الشريعة ‪.‬‬
‫‪ -3‬مزج الشاطيب املفهوم األرسطي لالستقراء بالتواتر املعنوي ‪ ،‬مقرتحاً ما‬
‫أمساه باالستقراء املعنوي ‪.‬‬
‫‪ -4‬االستقراء عند الشاطيب يفيد القطع ما دامت مسوغاته قائمة ‪.‬‬
‫‪ -5‬أنصب شغل الشاطيب على اقتناص القطعيات من الظنيات ‪.‬‬
‫‪ -6‬مل يكن الشاطيب حريصاً على تطبيق االستقراء بقدر ما كان حريصاً‬
‫على إظهار املعامل املنهجية له ‪.‬‬
‫‪ -7‬حديث الشاطيب عن االستقراء يف جمال ما أمساه العادات الكلية‬
‫الوجودية جعله يسلكه يف إطار سنين ‪.‬‬
‫‪ -8‬مل يوفق يف كثري من تفسرياته كما يعرف " مبشاكل كل االستقراء" ‪.‬‬
‫‪ -9‬إن االستقراء عند الشاطيب استبناطي وقياسي يف الوقت نفسه ‪.‬‬
‫‪ -10‬االستقراء عند الشاطئ مجعي أكثري وليس بالضرورة استغراقياً‪.‬‬
‫‪ -11‬جتاوز الشاطيب كثرياً من املفاهيم اخلاصة بقطعية الدليل االستقرائي ‪.‬‬
‫‪ -12‬حلول الشاطيب بعض مشكالت االستقراء يف جمال الشرعيات ميكن‬
‫تطبيقها يف ميدان الطبيعيات ‪ ،‬لو مت إجياد منهج جترييب متكامل حيقق‬
‫هذا الغرض ‪.‬‬
‫‪ -13‬إن القطع الذي نسبه الشاطيب لالستقراء ال يعين بالضرورة إفادته‬
‫اليقني املطلق ‪ ،‬بل هو قطع يف إطار ما وضعه الشارع للتعبد(‪. )1‬‬

‫() صواحلي ‪ ،‬يونس ‪1416 ،‬هـ‪1996-‬م‪ ،‬االستقراء يف مناهج النظر اإلسالمي ‪ :‬منوذج "املوافقات" لإلمام‬ ‫‪1‬‬

‫الشاطيب ‪ ،‬جملة إسالمية املعرفة ‪ ،‬السنة األوىل ‪ ،‬العدد الرابع ص‪ 91-59‬باختصار‪.‬‬

‫‪56‬‬
‫املبحث الرابع ‪ :‬مواجهته للخرافات واألباطيل واالستناد إىل احلجج والرباهني‬
‫وحماربته للبدع ‪:‬‬
‫ذكر الشيخ يوسف القرضاوي يف وصف أصناف العلماء ‪:‬‬
‫" الصنف اآلخر ‪ ،‬هو اجملدد للعلم ‪ ،‬ذو النظرة املستقلة ‪ ،‬والفكرة املتميزة ‪،‬‬
‫ممن خلع ربقة التقليد وحرر نفسه من أثار لتبعية لآلخرين ‪ ،‬سواء من السابقني أم‬
‫من املعاصرين ‪ ،‬وال يقبل دعوى من غري برهان ‪ ،‬وال يأخذ قوالً إال ببينة ‪..‬‬
‫واإلمام أبو إسحاق الشاطيب ‪ ..‬من هؤالء اجملددين من العلماء املستقلني " (‪.)1‬‬
‫كانت غرناطة يف عصر الشاطيب جممع فلول اهلزائم األندلسية وملتقى آفات‬
‫اجتماعية واحنرافات دينية وخلقية كما اتضح يف دراسة عصره ‪.‬‬
‫حيث قام الشاطيب بالتحذير من خطر البدع وتوضيح األدلة على حترميها‬
‫ومقاومتها ‪ .‬ومل تزده احملنة اليت جلبها له موقفه هذا إال رسوخاً يف احلق وثباتاً على‬
‫درب الدين ومضيّاً يف املقاومة ‪ ،‬فهو يقول ‪:‬‬
‫علي من اإلنكار ما وقع ما هدى اهلل إليه – واحلمد هلل – مل أزل‬
‫" وملا وقع َّ‬
‫أتتبع البدع اليت نبه عليها رسول اهلل صلى اهلل وسلم وح ّذر منها ‪ ،‬وبني أهنا ضالله‬
‫وخروج عن اجلادة وأشار العلماء إىل متييزها والتعريف جبملة منها ‪ ،‬لعلي أجتنبها‬
‫فما استطعت وأحبث عن السنن اليت كادت تطفئ نورها تلك احملدثات لعلي أجلو‬

‫() القرضاوي ‪ ،‬يوسف ‪1412 ،‬هـ – ‪1991‬م ‪ ،‬الرتبية عند اإلمام الشاطيب ‪ ،‬حولية كلية الشريعة‬ ‫‪1‬‬

‫والدراسات اإلسالمية جبامعة قطر ‪ ،‬العدد التاسع ‪ ،‬ص ‪. 3‬‬

‫‪57‬‬
‫بالعمل سناها ‪ ،‬وأعد يوم القيامة فيمن أحياها ‪ ،‬إذا ما من بدعة حتدث إال ومبوت‬
‫من السنن ما هو يف مقابلتها ‪ ،‬حسبما جاء السلف يف ذلك (‪.)1‬‬
‫وكان الشاطيب يفرق بني املتصوفني وبني الفقراء املبتدعني الذين ظهروا يف‬
‫بيئة وانتحلوا أموراً غريبة أدخلوها يف إطار العبادة ‪ ،‬وكان يشدد النكري عليهم‬
‫ويظهر ما هم عليه من الباطل (‪.)2‬‬
‫وقد ألف كتاب االعتصام للرد على أهل األهواء من املبتدعة ‪ ،‬وهذا‬
‫الكتاب عبارة عن دعوة إصالحية قوامها الرجوع بأمة اإلسالم إىل كتاب اهلل وسنة‬
‫رسوله صلى اهلل عليه وسلم وترك ما سوامها ‪ ،‬وما سوامها إال ابتداع مصدره‬
‫اهلوى ‪ .‬يقول الدكتور محادي العبيدي ‪:‬‬
‫" إن كتاب االعتصام مُي ثل الدعوة اإلصالحية اليت قامت على السلفية ‪،‬‬
‫واليت ظهرت يف املشرق على يد ابن تيمية ‪ ،‬وظهرت يف املغرب على يد الشاطيب‬
‫واليت تنحصر يف إصالح األمة اإلسالمية على أساس العمل بالكتاب والسنة كما‬
‫كان عليه الوضع يف صدر اإلسالم على عهد رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‬
‫وعهد اخللفاء الراشدين من بعده " (‪.)3‬‬

‫() االعتصام ‪. 1/13‬‬ ‫‪1‬‬

‫() الشاطيب ‪ ،‬أبو إسحاق إبراهيم بن موسى ‪1408 ،‬هـ – ‪1988‬م ‪ ،‬اإلفادات واالنشادات ‪ ،‬حتقيق‬ ‫‪2‬‬

‫الدكتور حممد أبو األجفان ‪ ،‬ط‪ ، 3‬مؤسسة الرسالة ‪ ،‬بريوت ‪ ،‬لبنان ‪ ،‬ص ‪. 178 – 176‬‬
‫() الشاطيب ومقاصد الشريعة ‪ :‬ص ‪. 114‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪58‬‬
‫الفصل الخامس ‪ :‬مقاصد التربية اإلسالمية عند اإلمام الشاطبي‬
‫املبحث األول‪ :‬ومقاصد الشريعة‬
‫يتحدث اإلمام الشاطيب عن مقاصد الشريعة ‪:‬‬
‫" إن تكاليف الشريعة ترجع إىل حفظ مقاصدها يف اخللق ‪ ،‬وهذه املقاصد‬
‫ال تعدو ثالثة أقسام‪:‬‬
‫أحدها ‪ " :‬أن تكون ضرورية "‬
‫الثاين ‪ " :‬أن تكون حاجية "‬
‫الثالث ‪ " :‬أن تكون حتسينية " ‪ .‬فأما الضرورية فمعناها أهنا ال بد منها يف قيام‬
‫مصاحل الدين والدنيا ‪ ،‬حبيث إذا فقدت مل جتر مصاحل الدنيا على استقامة بل على‬
‫فساد وهتارج وفوت حياة ‪ .‬ويف األخرى فوت النجاة والنعيم والرجوع باخلسران‬
‫املبني ‪.‬واحلفظ هلا يكون بأمرين‪:‬‬
‫أحدمها ‪ :‬ما يقيم أركاهنا ويثبت قواعدها ‪ ،‬وذلك عبارة عن مراعاهتا من جانب‬
‫الوجود ‪.‬‬
‫الثاين‪ :‬ما يدرأ عنها االختالل الواقع أو املتوقع فيها ‪ .‬وذلك عبارة عن مراعاهتا من‬
‫جانب العدم"(‪.)1‬‬
‫من خالل هذا النص نستخلص بعض التوجيهات الرتبوية ‪:‬‬
‫‪ ‬توجه تربوي يقوم على إقرار عبودية اإلنسان هلل عز وجل (فالشرع إمنا جاء‬
‫بالتعبد)(‪ )2‬وهو ما ترشد إليه اآلية الكرمية (وما خلقت اجلن واإلنس إال‬
‫ليعبدون) (الذريات ‪)56 :‬‬

‫‪) (1‬املوافقات يف أصول الشريعة ‪.2/7‬‬


‫‪ ) (2‬املرجع السابق ‪.1/41‬‬

‫‪59‬‬
‫‪ ‬وهذا التوجه يتضمن تربية الفرد حىت يكون منبع خري جلماعته ‪ ،‬جيسد‬
‫بسلوكه وفكره معاين العبودية الشاملة من العلم واألميان والعمل‪.‬‬
‫‪ ‬التوجه الثاين‪ :‬ضمان مصلحة العباد‪ ،‬يقول الشاطيب‪( :‬أينما توجد املصلحة‬
‫فثم شرع اهلل ) وهذه موجب خدمة هذه املصاحل ومحايتها واحلفاظ عليها ‪،‬‬
‫ألن املصاحل مبينة على حفظ الضروريات اخلمس(‪.)1‬‬
‫‪ ‬التوجه الثالث‪ :‬إقرار احلاكمية هلل عز وجل ‪ ،‬فالشارع هو اهلل ‪ ،‬وهو ضامن‬
‫العدالة وحامي املصاحل وسيد العباد املتحكم فيهم(‪. )2‬‬
‫وإذا تبني أن مقاصد الشريعة هي إقامة مصاحل املكلفني الدنيوية واألخروية على‬
‫نظام يكونون فيه عباداً هلل اختباراً كما هم اضطراراً ‪.‬‬
‫فهذا يعين أن إقامة مصاحل املكلفني ال تنتهي بانتهاء مرحلة الطفولة ‪ ،‬فرتة تأثري‬
‫الوسائل واملؤسسات الرتبوية عادة ‪ ،‬بل هي ممتدة من امليالد أو قبله إىل الوفاة أو‬
‫بعدها ‪ ،‬باعتبار رعاية احلامل وتزويد املسلم مبا يواجه به من امتحان املالئكة يف‬
‫قربه‪.‬‬
‫ومن هنا تأيت أمهية الرتبية املقاصدية اليت هي ( توجيه سلوك امللكف الخراجه‬
‫من راعية هواه ليكون عبداً هلل اختياراً كما هو اضطراراً ‪ ،‬حبث السلوكيات‬
‫العقلية واالنفعالية والبدنية اليت حتقق مصاحله يف العاجل واآلجل)(‪.)3‬‬
‫وأهداف هذه الرتبية ال ختضع للمتغريات االجتماعية واالقتصادية والسياسية بل‬
‫حتددها الشريعة وتستنبط من مقاصدها ‪.‬‬

‫‪ ) (1‬املرجع السابق ‪2/14‬‬


‫‪ )(2‬محود ‪ ،‬حممد ‪1411 ،‬هـ ‪1990‬م ‪ ،‬دراسة يف موضوع دور االجتهاد يف مواكبة املستجدات بالنظر ملقاصد‬
‫الشريعة جملة دعوة احلق ‪ ،‬وزارة شؤون األوقاف اإلسالمية باململكة املغربية ‪ ،‬العدد ‪ ،280‬ص ‪.80‬‬
‫‪ ((3‬املوافقات ‪ 2/128‬املسألة األوىل ويف بيان قصد الشارع يف دخول املكلف حتت أحكام الشريعة ‪.‬‬

‫‪60‬‬
‫‪ ‬وهذا االستقراء نابع من كون الرتبية اإلسالمية جزءاً مما أوحى به اهلل عز‬
‫وجل إىل الرسول حممد صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،‬أوحاها موضوعاً وأهدافاً‪.‬‬
‫‪ ‬ومرونتها من مرونة االجتهاد املقاصدي الذي يواكب احلياة بكافة‬
‫مستجداهتا األساسية واالقتصادية واالجتماعية ‪ ،‬وجيعل املسلمني يف مستوى‬
‫مواجهة هذه املستجدات والتعامل معها (‪.)1‬‬
‫‪ ‬ويتبني لنا من كالم الشاطيب أن اهلدف من تكاليف الشريعة يتمحور حول‬
‫صيانة جمموعة من املقاصد املرتبطة باحلياة االجتماعية والضرورية لإلنسان‬
‫وحفظها سواء منها الضرورية أو التحسينية(‪.)2‬‬
‫‪ ‬وصيانة هذه املقاصد يكون بإقامة أركاهنا وتثبت قواعدها ‪ ،‬وبرعاية‬
‫الشروط اليت حتمي كياهنا وحتافظ عليه يف صفة السالمة والكمال والتوازن‬
‫وبدرء االختالل الواقع أو املتوقع فيها باحليلولة دون ما من شأنه أن يعرضها‬
‫للتلف والضعف والنقصان ويستفاد من كل ذلك أن حفظ تلك املقاصد يتم‬
‫من خالل تشبع األفراد بنظام عن القيم يتصف بالكمال ‪ .‬ومن خصائص‬
‫الكمال أن تكون تلك القيم مالمسة لشغاف الفطرة اليت فطر اهلل الناس‬
‫عليها لصيقة هبا ال تنفك عنها وهذا النظام القيمي اإلسالمي هو قوام القوام‬
‫الرتبوي اإلسالمي وتشكل منه النظام االجتماعي ويقوم على أساس راسخ‬
‫من اإلميان باهلل واإلقرار بالعبودية اخلالصة له (‪.)3‬‬

‫‪)(1‬هداء الزبري ‪ 1420 ،‬هـ ـ ‪1999‬م أبو اس من الشاطيب الفقيه اجملتهد املريب ‪ ،‬جملة االحياء تصدر من رابطة علماء‬
‫املغرب ‪ ،‬العدد الرابع عشر ‪ ،‬ص (‪ )203‬نقالً من مقاصد الرتبية االسالمية ضمن اعمال الدروة الثانية للجامعة‬
‫الصيفية للصحورة االسالمية الرباط وزارة االوقاف ‪1994‬م‪.‬‬
‫‪ ))2‬بنمسعود ‪ ،‬عبد اجمليد ‪ 1416 ،‬هـ ‪ 1995‬م ‪ ،‬حترك القيم اإلسالمية حول الكليات اخلمس يف إطار العقيدة جملة‬
‫الفيصل ‪ ،‬العدد (‪ ، )230‬ص ‪.28‬‬
‫‪ )) 3‬املرجع السابق ‪ .‬ص ‪28‬‬

‫‪61‬‬
‫‪ ‬والقيم الرتبوية اإلسالمية من تعاون وتكافل وصدق يف القول إخالص يف‬
‫العمل واحرتام لكرامة اإلنسان وغريها ‪ ،‬ال ميكن أن تينع وتزدهر إىل يف ظل‬
‫االعتقاد الصادق يف اهلل ومراقبته بصفة دائمة ‪ ،‬وهذه الشرط الكفيل بضمان‬
‫احلفاظ على املقاصد اليت رمت إليها الشريعة اإلسالمية ‪.‬‬
‫والقيم اإلسالمية ترتبط بصلة وثيقة مع الكليات اخلمس ومتتد لتنسج خيوطاً مع‬
‫دائرتني أخريني هي دائرة احلاجيات والتحسينات ‪ ،‬فهذه القيم تنشر اجنحتها على‬
‫سلوك االنسان يف جوانبة الدقيقة لتضمن هلا االرتقاء والتدرج يف مستويات الكمال‬
‫والذوق الرفيع (‪.)1‬‬
‫وسيلة الشريعة يف إقامة املصاحل وعلى هذا النظام هي الرتبية املقاصدية اليت‬
‫ترشد امللكف وتوجهه وتضبط سلوكه وتزوده باملعايري القادرة للتمييز بني املصاحل‬
‫واملفاسد واحلفاظ على التوازن والنظام الكوين ‪.‬‬

‫‪ )) 1‬املرجع السابق ‪ .‬ص ‪.29-28‬‬

‫‪62‬‬
‫املبحث الثاين ‪ :‬بعض التطبيقات الرتبوية على مقاصد الشريعة اإلسالمية‪:‬‬
‫‪ -1‬توجيه املعلمني واملتعلمني إىل حتقيق مقاصد العلوم حسب وجهة نظر اإلسالم‬
‫ملقاصد العلوم ‪ ،‬وحسب القواعد األصولية وهي حتقيق اخلريات ودفع الشرور عن‬
‫الناس ‪ ،‬ويتم ذلك أوالً بتعليمها من أجل استخدامها لتحقيق اخلريات ودفع‬
‫الشرور عنهم ‪.‬‬
‫‪ -2‬توجيه املتعلمني إىل اإلكثار من النيات احلسنة وحتسني مقاصدهم من تعلم العلوم‬
‫وتعليمها بإصالح أنفسهم وأوالدهم وجمتمعهم وصناعة ما تلزم صناعته هلم‬
‫وألمتهم مبشروعات خرية ‪.‬‬
‫‪ -3‬توجيه املعلمني واملتعلمني إىل املسارعة إىل اإلسهام يف تقدم األمة باألعمال العلمية‪.‬‬
‫‪ -4‬تربية الشباب على املسارعة إىل اخلريات ومكافحة الشرور واملفاسد ‪ ،‬وذلك‬
‫بالعلم واألمر باخلري والنهي عن الشرور وتدريبهم على ذلك يف املدرسة ‪.‬‬
‫‪ -5‬تبصري املتعلمني مبقاصد كل علم يتعلمونه ‪ ،‬وتبصريهم بوسائل حتقيق هذه املقاصد‬
‫‪ ،‬إذ السلوك من غري حتديد اهلدف قد يؤدي إىل عدم حتقيق األهداف وكذلك‬
‫جيب تبصريهم بكيفية حتقيق هذه املقاصد‪.‬‬
‫‪ -6‬إبعاد الناشئني عن كل ما يضرهم ويفسدهم ‪.‬‬
‫‪ -7‬توجيه املتعلمني إىل حتقيق مقاصد الشريعة يف تعلم العلوم‪.‬‬
‫‪ -8‬توجيه املتعلمني إىل العمل مبا يتعلمون يف كل امليادين وتعليم ما يتعلمونه وعدم‬
‫كتمان العلوم واملعارف ‪.‬‬
‫‪ -9‬تدريب الطالب على جلب املصاحل ألنفسهم و إزالة املفاسد واإلضرار باآلخرين‪.‬‬
‫‪ -10‬توجيه املعلمني واملتعلمني على احملافظة على دينهم وأنفسهم وعقوهلم وأمواهلم‬
‫وأعراضهم واالبتعاد عن كل ما يضر هذه الكليات اخلمس (‪..)1‬‬

‫‪)(1‬ياجلن ‪ ،‬مقداد (‪1999-1419‬م) مناهج البحث وتطبيقاهتا يف الرتبية اإلسالمية ‪ ،‬دار عامل الكتب ‪ ،‬الرياض‬
‫السلسلة (‪ )2‬ص ‪ 63‬بتصرف واختصار‪.‬‬

‫‪63‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬أهداف الرتبية اإلسالمية عند الشاطيب‪:‬‬
‫يقول األمام الشاطيب ‪" :‬إن املكلف حني يفهم مراد الشرع من قيام أحوال الدنيا يسلك‬
‫يف حياته مسلكاً يتحدد ملقتضى هذه املعرفة من اإلقدام على العمل أو تركه(‪. )1‬‬
‫ضمن وسائل حتقيق الرتبية املقاصدية أهدافها ‪:‬‬
‫‪ -1‬توعية املكلف وتبصريه حبقيقة الوجود باخلالق واملخلوقات وما بينها من عالقة‪.‬‬
‫‪ -2‬رسم منهج للسلوك الفردي واجلماعي الكفيل بتحقيق املصاحل ورعايته هادياً إىل‬
‫األسلوب األصلح يف املمارسة والتطبيق والتفكري‪)2(.‬‬
‫‪ -3‬احملافظة على الكليات اخلمسة (الدين والنفس والعقل واملال والنسل)(‪.)3‬‬
‫‪ -4‬إخراج املكلفني من دواعي أهوائهم(‪.)4‬‬
‫‪ -5‬جلب املصاحل للعباد ودفع املفاسد لتقام احلياة الدنيا واحلياة األخرى ‪.‬‬
‫إن صالح الدين غاية تتفرع عنها ثالثة أهداف ‪:‬‬
‫‪ -1‬تنشئة أجيال مسلمة مؤمنة مستنرية ‪ ،‬تعبد اهلل وتستعينه وتسلك مهتدية بالصراط‬
‫املستقيم الذي هنجه يف حياته رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم والصحابة الربرة رضوان‬
‫اهلل عليهم ‪ ،‬حىت تنعم باجلنة اليت أعدها اهلل ‪.‬‬
‫‪ -2‬تعهد الذات البشرية عقالً وديناً حىت حتقق كماهلا وتسمو بنفسها والعلم أحد وسائل‬
‫تكميل الذات وترقية اإلنسان بإخراجه من داعية هواه وتقييد أعماله مبقتضى أحكام‬
‫العلم ‪ ،‬فالعلم حاكم‪.‬‬
‫‪ -3‬تعمري احلياة على األرض وتنميتها ومحايتها ‪ .‬وهو واجب يتحقق بالعمل اإلنتاجي‬
‫واالستثمار ومحاية احلياة يدفع ما يتهددها(‪.)5‬‬

‫‪ )(1‬املوافقات ‪.2/202‬‬
‫‪)(2‬أبو إسحاق الشاطيب ‪،‬الفقيه اجملتهد املريب ‪ .‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.201‬‬
‫‪)(3‬هتذيب املوافقات ص ‪.115‬‬
‫‪ )(4‬املرجع السابق ص ‪.157‬‬
‫‪ )(5‬أبو إسحاق الشاطيب الفقيه اجملتهد املريب ‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.205‬‬

‫‪64‬‬
‫الفصل السادس‪ :‬العلم والتعلم عند االمام الشاطبي‬
‫املبحث األول ‪ :‬أقسام العلم (تصنيف العلوم)‬
‫لتص نيف العل وم عند الش اطيب غاية تربوية تعليمية ‪ ،‬فهو مل حيص ما ك ان‬
‫س ائداً يف عص ره من عل وم ومع ارف مثلما فعل كثري ممن خاض وا يف ه ذه الفن‬
‫فأحصوا العلوم وزينوها وبوبوها وعنوا بتعريف حدودها ومناهجها وتفريعاهتا ‪.‬‬
‫فتصنيف العلوم عند الشاطيب تصنيف فقهي أصويل ‪ .‬معايريه حمددة يف الغاية‬
‫العملية من العلم واملعرفة ‪.‬‬
‫انطلق يف تص نيفه من حتديد ش روط العلم ومع ايريه الثابتة وراعي يف تقس يم‬
‫العل وم م دى حتقق ه ذه املع ايري فيها وتوافرها على الش روط الدقيقة اليت توضح‬
‫الفرق بني ما هو قطعي وما هو ظين ‪.‬‬
‫قسم الشاطيب يف املقدمة التاسعة(‪ )1‬العلم إىل ثالثة أقسام ‪:‬ـ‬
‫ففي القسم األول رتب األصل املعتمد وهو العلم القطعي الراجع‬ ‫‪‬‬
‫إىل أصل قطعي وتوضع الش ريعة يف ه ذه الطبقة ألهنا قطعية منزلة على ه ذا‬
‫الوج ه‪ ،‬ل ذلك ك انت حمفوظة يف أص وهلا وفروعها وهو ما ترشد إليه اآلية‬
‫الكرمية (إنا حنن نزلنا ال ذكر وإنا له حلافظون) ألهنا ترجع إىل حفظ املقاصد‬
‫اليت يتم هبا صالح الدارين ‪.‬‬
‫فهي علم أصل راسخ األس اس ث ابت األرك ان ألنه العلم هبا مس تفاد من‬
‫االستقراء العام الناظم ألشقائها حىت تصري يف العقل جمموعة يف كليات مطردة عامة‬
‫ثاتبة حاكمة غري حمكومة ‪.‬‬
‫خ واص العلم القطعي املرتب يف ه ذه الطبقة ثالث‪ :‬العم وم واإلط راد‪،‬‬
‫الثبوت من غري زوال‪ ،‬احلاكمية القانونية ‪.‬‬

‫‪)(1‬ملوافقات يف أصول الشريعة ‪61-1/53 ،‬‬

‫‪65‬‬
‫القسم الث<<اني ‪ :‬م رتب فيه العلم الظين أينما ك ان قطعي اً يف األصل لكنه ختلف‬ ‫‪‬‬
‫يف خاص ية أو أك ثر من اخلواص الثالث الس ابقة‪ .‬ومن األمثلة اليت يس وقها‬
‫الشاطيب للتخلف يف هذه اخلواص‪:‬‬
‫‪ -‬واستخراج احلكم ملا ال يعقل على اخلصوص يف التعبدات ‪.‬‬
‫‪ -‬ولزوم ما ال يلزم من الكيفيات يف كل األخبار‪.‬‬
‫‪ -‬التأنق الزائد يف طلب احلديث‪.‬‬
‫‪ -‬األخذ من الرؤيا باعتبارها وسيلة علم‪.‬‬
‫‪ -‬بناء الفروع العلمية على املسائل اليت خيتلف فيها‪.‬‬
‫‪ -‬االستناد على األشعار يف حتقيق املعاين العلمية العملية ‪.‬‬
‫‪ -‬االستدالل بكالم املتصوفني‪.‬‬
‫‪ -‬محل بعض العلوم على بعض قواعده ‪،‬كحمل الفقه على اللغة ‪.‬‬
‫والقسم الث< <<الث ‪ :‬ويضم ما ليس من ص لب العلم وال من ملحه ‪ ،‬أي العل وم‬ ‫‪‬‬
‫اليت ال ترجع إىل أصل قطعي وال ظين كالسفسفطة والسحر‪.‬‬
‫وي ذكر الش اطيب أن العلم املص نف يف القسم األول ‪ ،‬ميكن أن يتقهقر عن‬
‫طبقته إذا أخضع ملنهج العل وم األخ رى املرتبة يف الطبق ات ال دنيا ‪ ،‬فيختل ب ذلك‬
‫شرط من شروطه الثالثة األساسية ‪ ،‬كالفقيه يبين فقهه على مسألة حنوية أو قاعدة‬
‫حس ابية ‪ ،‬ف العلوم وإن ك ان خيدم بعض ها بعض اً وتتكامل فيما بينها ‪ ،‬فال جيب‬
‫التذرع هبذه القاعدة للخلط بني العلوم ‪ ،‬فلكل علم مناهجه اخلاصة به ‪.‬‬
‫"من خالل هذا التصنيف ‪ ،‬نستخلص معامل ملا كان سائدا يف الواقع الثقايف‬
‫العلمي يف عصر املؤلف ‪ ،‬وحتدياته املتمثلة يف شيوع اخلرافات وانتشار البدع وآراء‬
‫املتص وفة وم ذاهبهم ‪ .‬وهيمنة التقليد يف أبشع ص وره‪ .‬ه ذا هو الواقع ال ذي ح رص‬

‫‪66‬‬
‫الش اطيب على نق ده وتص حيحه وتنقيته ‪ ،‬وتوجيه العقلية اإلس المية حنو االختب ار‬
‫والتمحيص والتدقيق ‪ ،‬بعد تربية هذه العقلية وتزويدها باملعايري الدقيقة بني املعارف‬
‫والعلوم ‪ ،‬وكيفية التعامل بالنقد والتمحيص والبحث الدقيق(‪. )1‬‬
‫حنا الش اطيب يف تقس مية العل وم منحى تأص يلياً بإخض اع العل وم للض وابط‬
‫الشرعية اإلسالمية وهذا املنحى خمتلف كلي اً مع املنهج التقليدي الذي كان سائداً‬
‫لدى الفالسفة قبله أمثال الفارايب وابن سينا(‪. )2‬‬

‫‪)(1‬مهداد ‪ ،‬الزبري ‪1421 ،‬هـ ‪ 2001-‬م‪ ،‬الشاطيب جمدد العقلية اإلسالمية‪ ،‬جملة العامل العدد التاسع عشر ص ‪. 35‬‬
‫‪)(2‬املرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.35‬‬

‫‪67‬‬
‫املبحث الثاين ‪ :‬مفهوم التعلم(‪:)1‬‬
‫أول ما يتحدث عنه الشاطيب من قضايا الرتبية حتديد املهمة األساسية للتعلم‬
‫وقد ذكر يف أك ثر من موض وع أن العلم يف اإلس الم ليس ترف اً عقلي اً ‪ ،‬وال متعة‬
‫ذهنية ‪ ،‬وال غاية يف ذاته ‪ ،‬وإمنا هو وسيلة للعمل والتطبيق‪.‬‬
‫قال يف املقدمة الثامنة‪:‬‬
‫" العلم ال ذي هو العلم املعترب ش رعاً ‪ ،‬أعين ال ذي م دح اهلل ورس وله أهله‬
‫على اإلطالق هو العلم الب اعث على العمل ال ذي ال خيلى ص احبه جاري اً مع ه واه‬
‫كيفما ك ان بل هو املقيد لص احبه مبقتض اه ‪ ،‬احلامل له على قوانينه طوع اً أو‬
‫كرهاً(‪. )2‬‬
‫وقال يف املقدمة السابقة ‪:‬‬
‫"العلم وسيلة من الوسائل ليس مقصوداً لنفسه من حيث النظر الشرعي وإمنا‬
‫هو وسيلة إىل العمل ‪ ،‬وكل ما ورد يف فضل العلم فإمنا هو ثابت للعلم من جهة ما‬
‫هو مكلف للعمل به (‪.)3‬‬
‫يرى الشاطيب أن املثابرة على طلب العلم والتفقه فيه وعدم االجتزاء باليسري‬
‫منه جير إىل العمل به ‪ ،‬ويلجئ إليه ‪ ،‬ويس وق يف ه ذا بعض اآلث ار منها ما قاله‬
‫اإلم ام الث وري ‪" :‬كنا نطلب العلم لل دنيا فجرنا إىل اآلخ رة"‪..‬وما قاله احلس ن‪" :‬‬
‫لقد طلب أق وام العلم ما أرادوا به اهلل وما عن ده فم ازال هلم حىت أرادو به اهلل وما‬
‫عنده "(‪.)4‬‬

‫‪ 1‬انظر اىل املقدمة اخلامسة ‪ 1/31‬واملقدمة السابعة ‪ 1/41‬والثامنة ‪ 1/47‬من املوافقات يف اصول الشريعة‬
‫‪ 2‬املوافقات ‪.1/47‬‬
‫‪ 3‬املرجع السابق ‪.1/44‬‬
‫‪ 4‬املرجع السابق ‪53-1/52‬‬

‫‪68‬‬
‫من أجل احملافظة على هذه الغاية للرتبية حيذر الشاطيب من االشتغال بالعلوم‬
‫اليت ال تتعلق هبا مثرة تكليفية ‪ ،‬فهي اليت دخلت على األمة الفتنة واخلروج عن‬
‫الصراط املستقيم ‪ ،‬وجعلتها فرقاً متدابرة وشيعاً متناحرة ويقول‪:‬‬
‫"ومل يكن أصل التف رق إال هبذا الس بب حيث ترك وا االقتص ار من العلم ما يعين‬
‫وخرجوا إىل ما ال يعين ‪ ،‬فذلك فتنة على املتعلم والعامل"(‪. )1‬‬
‫وما قاله الش اطيب عن مهمة العلم ليس مقص وراً على ما يس مى ب العلم‬
‫الش رعي أو العلم اخلاص ببي ان احلالل واحلرام من األحك ام ‪ ،‬وإمنا يش مل كل علم‬
‫ن افع لإلنس ان وأن العمل ب العلم ينبغي أن يك ون يف خدمة عبودية اإلنس ان لبارئه ‪،‬‬
‫فال حييد به عن طريق احلق العدل‪.‬‬

‫‪ 1‬املرجع السابق ‪.1/35‬‬

‫‪69‬‬
‫املبحث الثالث ‪ :‬ركائز التعليم األساسية ‪:‬‬
‫أوالً ‪ :‬املعلم ‪:‬‬
‫هو الواسطة لنقل العلم إىل عقل الطالب وقلبه ‪ .‬ومن أجل ذلك بعث اهلل‬
‫رسله هداة ومعلمني للبشرية ‪.‬‬
‫يقول الشاطيب يف ( املقدمة الثانية عشرة ) (‪:)1‬‬
‫" من أنفع طرق العلم املوصلة إىل غاية التحقق به ‪ :‬أخذه عن أهله‬
‫املتحققني به على الكمال والتمام ‪ .‬وذلك أن اهلل خلق اإلنسان ال يعلم شيئاً مث‬
‫علمه وبصره وهداه طرق مصلحته يف احلياة الدنيا ‪ ،‬غري أن ما علمه من ذلك‬
‫ضربني ‪ :‬ضرب منها ضروري ‪ ،‬داخل عليه من غري علم ‪ :‬من أين ؟ وال كيف؟‬
‫بل هو مغروز فيه من أصل اخللقة ‪ ،‬كالتقامه الثدي ومصه له عند خروجه من‬
‫البطن إىل الدنيا …‬
‫" وكالمنا من ذلك فيما يفتقر إىل نظر وتبصر ‪ ،‬فال بد من معلم فيها ‪ .‬وإن‬
‫كان للناس قد اختلفوا ‪ :‬هل ميكن حصول العلم دون معلم أم ال ؟‬
‫فاإلمكان مسلم ‪ ،‬ولكن الواقع يف جماري العادات أن البد من املعلم ‪ .‬وهو‬
‫متفق عليه يف اجلملة ‪ ،‬وإن اختلفوا يف بعض التفاصيل …‬
‫فإذا تقرر هذا فال يؤخذ إال ممن حتقق به ‪ .‬وهذا أيضاً واضح يف نفسه ‪،‬‬
‫وهو أيضاً متفق عليه بني العقالء ‪ ،‬إذ من شروطهم يف العامل ‪ ،‬بأي علم اتفق ‪:‬‬
‫‪ -‬أن يكون عارفاً بأصوله وما ينبين عليه ذلك العلم ‪.‬‬
‫‪ -‬قادراً على التعبري عن مقصوده فيه ‪.‬‬

‫() املوافقات يف أصول الشريعة ‪. 65-1/64‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪70‬‬
‫‪ -‬عارفاً مبا يلزم عنه ‪.‬‬
‫‪ -‬قائماً على دفع الشبه الواردة عليه فيه ‪.‬‬
‫فإذا نظرنا إىل ما اشرتطوه ‪ ،‬وعرضنا أئمة السلف الصاحل يف العلوم الشرعية‬
‫وجدناهم قد اتصفوا هبا على الكمال ‪.‬‬
‫عالمات المعلم الحق ‪:‬‬
‫" وللعامل احملقق بالعلم – عند الشاطيب – أمارات وعالمات وهي ثالث‪:‬‬
‫إحداهما‪ :‬العمل مبا علم حىت يكون قوله مطابقاً لفعله ‪ ،‬فإن كان خمالفاً له‬
‫فليس بأهل ألن يؤخذ عنه ‪ ،‬وال أن يقتدى به يف علم ‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬أن يكون ممن رباه الشيوخ يف ذلك العلم ‪ ،‬ألخذه عنهم ‪ ،‬ومالزمته‬
‫هلم ‪ ،‬فهو اجلدير بأن يتصف مبا اتصفوا به من ذلك ‪ .‬وهكذا كان شأن السلف‬
‫الصاحل ‪.‬فأول ذلك مالزمة الصحابة رضي اهلل عنهم لرسول اهلل صلى اهلل عليه‬
‫وسلم وأخذهم بأقواله وأفعاله ‪ ،‬واعتمادهم على ما يرد فيه ‪ ،‬كائناً ما كان …‬
‫وحسبك من صحة هذه القاعدة أنك ال جتد عاملاً اشتهر يف الناس األخذ‬
‫عنه إال وله قدوة اشتهر يف قرنه مبثل ذلك ‪ ،‬وقلما وجدت فرقة زائغة ‪ ،‬وال أحد‬
‫خمالف للسنة ‪ ،‬إال وهو مفارق هلذا الوصف ‪.‬‬
‫وهبذا الوجه وقع التشنيع على ابن حزم الظاهري‪،‬وأنه مل يالزم األخذ عن‬
‫الشيوخ‪،‬وال تأدب بآداهبم‪،‬وبضد ذلك كان العلماء الراسخون كاألئمة األربعة وأشباههم ‪.‬‬
‫الثالثة< ‪ :‬االقتداء مبن أخذ عنه ‪ ،‬والتأدب بآدابه ‪ ،‬كما علمت من اقتداء‬
‫الصحابة بالنيب صلى اهلل عليه وسلم‪،‬واقتداء التابعني بالصحابة وهكذا يف كل قرن (‪.)1‬‬
‫ثانياً ‪ :‬الطالب ‪:‬‬

‫() املوافقات يف أصول الشريعة ‪ 67-1/65 ،‬باختصار ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪71‬‬
‫قد عين به إمامنا الشاطيب كما عين بسائر أركان الرتبية ‪ ،‬بل عنايته به أبلغ‬
‫وأعمق ومقولته هنا إحدى بدائعه وروائعه اليت سبق هبا عصره ‪ ،‬وترك لنا فيها ما‬
‫يعرب عن إمامته وإبداعه يف أكثر من جمال ‪.‬‬
‫وأبرز ما التفت هنا إليه ‪ ،‬ونبه عليه هو ما يتعلق بنظرية (التوجيه الرتبوي )‬
‫وتوزيع الطالب والناشئني على التخصصات من العلوم واألعمال املختلفة وفق‬
‫القدرات الذهنية والبدنية ‪ ،‬واالستعدادات الفطرية ‪ ،‬وامليول املهنية ‪ ،‬فال يرغب‬
‫طالب على علم مل يتهيأ له عقلياً وال نفسياً ‪ ،‬وال يوجه إىل عمل ال يالئم مواهبه‬
‫وتطلعاته واستعداداته الفكرية واجلسمية وذلك بعد أخذ القدر الالزم من العلم‬
‫الذي هو فرض عني على كل مسلم ‪.‬‬
‫فهذا مفروغ منه ‪ ،‬وهو أشبه مبا يسمى يف عصرنا (التعليم اإللزامي ) إمنا‬
‫الكالم هنا يف فرض الكفاية الواجب على جمموع األمة فيما يتعلق بالعلوم‬
‫والصناعات اليت حتتاج إىل ختصص (‪.)1‬‬
‫والشاطيب هنا يركز على ضرورة إقامة فروض الكفاية الواجبة على األمة‬
‫بإقامة القادرين على أدائها وهتيئتهم للقيام هبا على الوجه املرضي ‪.‬‬
‫" … إن اهلل عز وجل خلق اخللق غري عاملني بوجوه مصاحلهم ال يف الدنيا‬
‫وال يف اآلخرة أال ترى قول اهلل تعاىل ‪ { :‬واهلل أخرجكم من بطون أمهاتكم ال‬
‫تعلمون شيئاً ‪[ } ..‬النحل‪ ]78 :‬مث وضع فيهم العلم بذلك على التدريج والرتبية‬
‫‪ ،‬تارة باإلهلام ‪ ،‬كما يلهم الطفل التقام الثدي ومصه ‪ ،‬وتارة بالتعليم فطلب الناس‬
‫بالتعلم والتعليم جلميع ما يستجلب به املصاحل ‪ ،‬وكافة ما تدرأ به املفاسد ‪ ،‬إهناضاً‬
‫ملا جبل فيهم من تلك الغرائز الفطرية ‪ ،‬واملطالب اإلهلامية ‪ ،‬ألن ذلك كاألصل‬
‫للقيام بتفاصيل املصاحل – كان ذلك من قبيل األفعال أو األقوال أو العلوم‬
‫() القرضاوي ‪ ،‬الرتبية عن اإلمام الشاطيب ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪. 29 – 28‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪72‬‬
‫واالعتقادات أو اآلداب الشرعية أو العادية – ويف أثناء العناية بذلك يقوي يف كل‬
‫واحد من اخللق ما فطر عليه ‪ ،‬وما أهلم له من تفاصيل األحوال واألعمال ‪ ،‬فيظهر‬
‫فيه وعليه ‪ ،‬ويربز فيه على أقرانه ‪ ،‬فمن مل يهيأ تلك التهيئة ‪ ،‬فال يأيت زمان التعقل‬
‫إال وقد جنم على ظاهره ما فطر عليه يف أوليته ‪ .‬فرتى واحداً قد هتيأ لطلب العلم‬
‫‪ ،‬وآخر لطلب الرياسة ‪ ،‬وآخر للتصنع ببعض املهن احملتاج إليها ‪ ،‬وآخر للصراع‬
‫والنطاح … إىل سائر األمور ‪.‬‬
‫فعند ذلك ينتهض الطلب على كل مكلف يف نفسه من تلك املطلوب ات مما‬
‫هو ن اهض فيه ويتعني على الن اظرين فيهم االلتف ات إىل تلك اجله ات ‪ ،‬ف رياعوهنم‬
‫حبسبها ويراعوهنم إىل أن خترج يف أيديهم على الص راط املستقيم ‪ ،‬ويعينوهنم على‬
‫القي ام هبا ‪ ،‬وحيرض وهنم على ال دوام عليها ‪ ،‬حىت ي ربز كل واحد فيما غلب عليه‬
‫ومال إليه من تلك اخلطط ‪.‬‬
‫فإذا فرض مثالً واحد من الصبيان ظهر عليه حسن إدراك ‪ ،‬وجودة فهم‪،‬‬
‫وفور حفظ ملا يسمع – وإن كان مشاركاً يف غري تلك األوصاف ميل به حنو ذلك‬
‫القصد ‪ .‬وهذا واجب على الناظر فيه من حيث اجلملة ‪ ،‬مراعاة ملا يرجى فيه من‬
‫القيام مبصلحة التعليم فطلب بالتعلم وأدب باآلداب املشرتكة جبميع العلوم ‪ .‬والبد‬
‫أن ميال منها إىل بعض فيؤخذ به ‪ ،‬ويعان عليه ‪ ،‬ولكن على الرتتيب الذي نص‬
‫عليه ربانيو العلماء فإذا أدخل يف ذلك البعض ‪ ،‬فمال به طبعه إليه على اخلصوص‬
‫‪ ،‬وأحبه أكثر من غريه ‪ ،‬ترك وما أحب ‪ ،‬وخص بأهله ‪ ،‬فوجب عليهم إهناضه‬
‫فيه ‪ ،‬حىت يأخذ منه ما قدر له ‪ ،‬من غري إمهال له وال ترك ملراعاته ‪ .‬مث أن وقف‬
‫هنالك فحسن ‪ ،‬وإن طلب األخذ يف غريه أو طلب به ‪ ،‬فعل معه فيه ما فعل قبله ‪،‬‬
‫وهكذا إىل أن ينتهي …‬

‫‪73‬‬
‫فأنت ترى أن الرتقي يف طلب الكفاية ليس على ترتيب واحد ‪ ،‬وال هو‬
‫على الكافة بإطالق ‪ ،‬وال على البعض بإطالق ‪ ،‬وال هو مطلوب من حيث‬
‫املقاصد دون الوسائل ‪ ،‬وال بالعكس بل ال يصح أن ينظر فيه نظر واحد ‪ ،‬حىت‬
‫يفصل بنحو من هذا التفضيل ويوزع يف أهل اإلسالم مبثل هذا التوزيع ‪ .‬وإال مل‬
‫ّ‬
‫ينضبط القول فيه بوجه من الوجوه ‪ .‬واهلل أعلم وأحكم (‪.)1‬‬
‫هذه هي نظرية الشاطبي التربوية االجتماعية يف توزيع القوى البشرية على‬
‫التخصصات العلمية والعملية واملهنية وفق القدرات واالستعدادات ‪.‬‬
‫وهو يتوجه هلذه النظرية إىل ثالث أصناف ‪:‬‬
‫‪ -1‬أويل األمر ومن يف حكمهم ‪ ،‬الذين يتعني عليهم االلتفات إىل حاجات‬
‫اجملتمع وجهاهتا املختلفة ‪ .‬ومراعاة أوىل الناس هبا ‪ ،‬وتوجيههم إليها ‪.‬‬
‫وإعانتهم على القيام هبا ‪ .‬وحتريضهم على الدوام فيها ‪.‬‬
‫‪ -2‬األساتذة واملعلمني ‪ ،‬واملشرفني على التعليم ‪ ،‬فعليهم أن يوجهوا الصبيان‬
‫بعد أن يأخذوا القدر املشرتك من األدب والعلوم – إىل ما يليق بكل منهم ‪،‬‬
‫فإذا مال بعضهم إىل علم على اخلصوص‪ ،‬وأحبه فوجب عليهم إهناضه فيه ‪،‬‬
‫حىت يأخذ فيه ما قدر له ‪.‬‬
‫‪ -3‬الطلبة أنفسهم ‪ ،‬حيث ينبغي أن يتوجه كل منهم إىل طلب ما هو متهيئ له‬
‫ومناسب الستعداده ‪ ،‬وما يرى نفسه أنه سيجلي فيه وينفع األمة ‪ ،‬ويسد‬
‫الثغرة‪ ،‬فهنا يصبح فرض الكفاية فرض عني عليه ‪ ،‬فيجب استكمال أدواته‬
‫‪ ،‬والسري فيه إىل غاية الشوط املقدور عليه (‪.)2‬‬
‫() املوافقات ‪. 181 – 1/179‬‬ ‫‪1‬‬

‫() الرتبية عند الشاطيب ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪ 32-31‬باختصار ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪74‬‬
‫ثالثاً ‪ :‬املنهج الرتبوي ‪:‬‬
‫اشرتط اإلمام الشاطيب يف املنهج الرتبوي معياراً مهماً وهو ‪ :‬ما يرتتب على‬
‫العلم أو املنهج الدراسي من فائدة عملية للدين أو الدنيا ‪ ،‬وذلك حىت يكون العلم‬
‫نافعاً ‪.‬‬
‫أما العلم النظري البحث ‪ ،‬والذي ال يقوم إال على اجلدل واالفرتاض ‪ ،‬وال‬
‫يرتتب عليه عمل ما ‪ ،‬ال روحي وال بدين ‪ ،‬فهو مضيعة للجهد ومتلفة للعمر وهو‬
‫رأس مال اإلنسان ‪.‬‬
‫يقول الشاطيب يف (املقدمة اخلامسة) ‪:‬‬
‫" كل مسألة ال ينبين عليها عمل ‪ ،‬فاخلوض فيها خوض فيما ال يدل على‬
‫استحسانه دليل شرعي ‪ .‬وأعين بالعمل ‪ :‬علم القلب ‪ ،‬وعمل اجلوارح ‪ ،‬من حيث‬
‫هو مطلوب شرعاً " (‪.)1‬‬
‫وعندما صنف الشاطيب العلوم جنده أقام تصنيفاً ّميز فيه بني أنواع العلوم‬
‫على أساس ارتباطها بالعمل والعبادة وهو ما حرره من التأثري اليوناين الذي كان‬
‫حاضراً يف تصانيف غريه ‪ ،‬وتصنيف الشاطيب يفيد يف بناء منهاج دراسي ينسجم‬
‫مع واقع اجملتمع اإلسالمي وحاجتهم الثقافية ‪ ،‬ويسهل طلب العلم واملعرفة على‬
‫املسلم مبا يتناسب مع الغايات السامية حلياته كما رمستها عقيدته هلذا جاء هذا‬
‫الرتتيب مبثابة برنامج تعليمي ديين ‪.‬‬
‫قاعدة هذا الرتتيب هو مدى استقامة العلوم وأغراضها مع ميزان الشرع‬
‫الذي جاء أساساً بالتعبد ‪ ،‬كما بسط احلديث عنه يف فصول كتابه (املوافقات) ‪.‬‬

‫() املوافقات ‪. 1/31‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪75‬‬
‫هلذا سيكون املنهاج الدراسي يكتسب بعداً دينياً شرعياً واضحاً ‪ .‬يؤدي إىل‬
‫استجالء احلقيقة الدينية يف خمتلف مظاهرها ‪ ،‬يبدو فيه ترتيب العلوم واقعياً ‪.‬‬
‫وتكامل املواد الدراسية ممكناً وهادفاً إىل مساعدة املتعلم على إدراك مضامني تلك‬
‫املواد ومتثلها (‪.)1‬‬
‫رابعاً ‪ :‬وسائل وطرق التعليم ‪:‬‬
‫‪ - 1‬التبسيط والبعد عن التكلف ‪:‬‬
‫ال يكون املعلم من أهل العلم احملققني به ‪ ،‬حىت يكون لديه طريقة صحيحة‬
‫لتوصيل العلم ملن يطلبه ‪ ،‬وهذا ما عينت به الرتبية احلديثة أبلغ عناية ‪.‬‬
‫وهذا ما التفت إليه الشاطيب املريب ‪ ،‬ووجه أنظار العلماء والدارسني إليه‬
‫بقوة ودلل عليه ببيانه الناصع وحججه البالغة ‪.‬‬
‫فهو يرى أن الطريقة املناسبة جلمهور الناس املقدورة ألوساطهم ‪ ،‬هي اليت‬
‫تقوم على التقريب والتيسري يف فهم احلقائق العلمية وإفهامها ‪ ،‬ال على التعمق يف‬
‫التعاريف الفلسفية واالستدالالت املنطقية اليت يصعب على اجلمهور هضمها ‪.‬‬
‫فنجده يقول ‪:‬‬
‫مر السلف الصاحل يف بث الشريعة للمؤالف واملخالف‬
‫" وعلى هذا النحو ّ‬
‫ومن نظر يف استدالهلم على إثبات األحكام التكليفية ‪ ،‬علم أهنم قصدوا أيسر‬
‫الطرق وأقرهبا إىل عقول الطالبني‪ ،‬لكن من غري ترتيب متكلف ‪ ،‬وال نظم مؤلف ‪،‬‬
‫بل كانوا يرمون الكالم على عواهنه وال يبالون كيف وقع يف ترتيبه ‪ ،‬إذا كان‬
‫قريب املأخذ ‪ ،‬سهل امللتمس … وأما إذا كان الطريق مرتباً على قياسات مركبة‬

‫() الشاطيب جمدد العقلية اإلسالمية ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪. 35‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪76‬‬
‫أو غري مركبة ‪ ،‬إال أن يف إيصاهلا إىل املطلوب بعض التوقف للعقل ‪ ،‬فليس هذا‬
‫الطريق بشرعي ‪ ،‬وال جتده يف القرآن ‪ ،‬وال يف السنّة وال يف كالم السلف الصاحل ‪،‬‬
‫فإن ذلك متلفة للعقل وحمارة له قبل بلوغ املقصود‪ ،‬وهو خبالف وضع التعليم ‪،‬‬
‫وألن املطالب الشرعية إمنا هي – يف عامة األمر‪ -‬وقتية ‪ ،‬فالالئق هبا ما كان يف‬
‫الفهم وقتياً " (‪.)1‬‬
‫‪ – 2‬مراعاة الفروق الفردية ‪:‬‬
‫قال رمحه اهلل ‪ … " :‬ويتصور ذلك فيمن يتبجح بذكر املسائل العلمية ملن‬
‫ليس من أهلها ‪ ،‬أو ذكر كبار املسائل ملن ال حيتمل عقله إال صغارها ‪ ،‬على ضد‬
‫الرتبية املشروعة ‪ ،‬ومن أجلها قال علي رضي اهلل عنه ‪" :‬حدثوا الناس مبا يفهمون‬
‫‪ ،‬أحتبون أن يكذب اهلل ورسوله " (‪.)2‬‬
‫وقد يصري ذلك فتنة على بعض السامعني (‪.)3‬‬
‫وقال ‪ " :‬وإذا عرض للقسم األول ( يعين ما كان من صلب العلم ) أن يعد‬
‫من الثالث ‪ ،‬فأوىل أن يعرض للثاين ( ما هو من امللح ) أن يُعد من الثالث ألنه‬
‫أقرب إليه من األول فال يصح للعامل يف الرتبية العلمية إال احملافظة على هذه املعاين ‪،‬‬
‫وإال مل يكن مربياً ‪ ،‬واحتياج هو إىل عامل يربيه " (‪.)4‬‬
‫وهلذا قرر إمامنا الشاطيب إحدى القواعد الرتبوية األساسية اليت انتهى إليها‬
‫فالسفة الرتبية يف العصر احلديث‪.‬وهي قاعدة مراعاة الفروق الفردية بني املتعلمني ‪.‬‬
‫() املوافقات ‪ 41 – 40 / 1 ،‬باختصار ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫() رواه البخاري موقوفاً على علي بن أيب طالب يف كتاب العلم – باب من خص بالعلم قوماً دون قوم‬ ‫‪2‬‬

‫كراهة أن ال يفهموا ‪ " 1/255 .‬فتح الباري" ‪.‬‬


‫() املوافقات ‪. 1/60‬‬ ‫‪3‬‬

‫() املراجع السابق ‪. 61 – 1/60‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪77‬‬
‫‪ – 3‬إذا تقرر آخذ العلم من أهله املتحققني به – كما اتضح يف املبحث السابق‬
‫فلذلك طريقان (‪:)1‬‬
‫( أ ) املشافهة ‪ ،‬وهي أنفع وأسلم ‪ ،‬ففي جمالس العلماء يفتح للمتعلم ماال‬
‫يفتح له دوهنم ‪.‬‬
‫(ب) مطالعة كتب املصنفني ‪ ،‬وهو طريق نافع بشرطني ‪.‬‬
‫‪ -1‬فهم مقاصد العلم ‪ ،‬ومعرفة اصطالحات أهله ‪ ،‬وهذا ال حيصل إىل‬
‫باملشافهة فالكتب وحدها ال تفيد الطالب منها شيئاً دون فتح‬
‫العلماء‪.‬‬
‫‪ -2‬أن يتحرى كتب املتقدمني من أهل العلم فإهنم أقعد به من غريهم من‬
‫املتأخرين ‪.‬‬
‫فالشاطيب يرى أن التلقي هو أمثل الطرق وأنفعها ألخذ العلم ‪ ،‬وأن الكتب‬
‫وحدها ال تعين ‪ ،‬وأن مطالعتها ال حيقق الغاية إال إذا كان طالب العلم على‬
‫دراية مبصطلحات تلك الكتب ‪ ،‬وهو لن يقف عليها دون أن يكون قد‬
‫قطع الدراسة شوطاً يؤهله ألن يستقل بكسب املعرفة عن طريق القراءة‬
‫بشرط أن يكون ما يقرؤه من املؤلفات أصيالً يف بابه يعرب عن رسوخ يف‬
‫العلم وإحاطته به (‪.)2‬‬

‫() املرجع السابق ‪ 69 – 1/67‬باختصار وتصرف ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫() الدسوقي ‪ ،‬حممد ‪1416 ،‬هـ – ‪1995‬م ‪ ،‬الفكر الرتبوي عند اإلمام الشاطيب ‪ ،‬جملة املنهل ‪ ،‬العدد (‬ ‫‪2‬‬

‫‪ ، )526‬ص ‪. 81‬‬

‫‪78‬‬
‫املبحث الرابع ‪ :‬عوامل تعلم العلم ‪:‬‬
‫العامل< األول ‪ " :‬أن الشرع إمنا جاء بالتعبد ‪ ،‬وهو املقصود من بعثة األنبياء‬
‫عليهم الصالة والسالم ‪ ،‬كقوله تعاىل ‪ { :‬يا أيها الناس اتقوا ربكم }[النساء‪… ] 1:‬‬
‫{ ألر * كتاب أحكمت آياته مث فصلت من لدن حكيم خبري * أال تعبدوا إلا اهلل }‬
‫[ هود ‪.)1( ]1 :‬‬
‫العامل< الثاني ‪ :‬ما جاء من األدلة الدالة على أن روح العلم هو العمل ‪ ،‬وإال‬
‫فالعلم عارية وغري منتفع ‪ .‬فقد قال اهلل تعاىل ‪ { :‬إمنا خيشى اهلل من عباده العلماء}‬
‫[ فاطر ‪.)2( ]28:‬‬
‫العامل الثالث‪ :‬أن العلم مجال ومال ورتبة ال توازيها رتبة‪ ،‬وأهله أحياء أبد‬
‫الدهر‪ ..‬إىل سائر ما له يف الدنيا من املناقب احلميدة ‪ ،‬املآثر احلسنة ‪ ،‬واملنازل الرفيعة (‪.)3‬‬
‫العامل< الرابع ‪ :‬أن املثابرة على طلب العلم ‪ ،‬والتفقه فيه ‪ ،‬وعدم االجتزاء‬
‫باليسري منه جير إىل العمل به ويلجئ إليه (‪.)4‬‬
‫العامل< الخامس ‪ :‬فهم مقاصد الشريعة وكماهلا ‪.‬‬
‫العامل< السادس ‪ :‬التمكن من االستنباط بناء على فهمه فيها ‪.‬‬
‫ولبلوغ العاملين ‪ :‬السالفي الذكر مير الفقيه مبراحل ثالث يرتىب عرب درجاهتا‬
‫حىت يصل إىل رتبة الرسوخ اليت تؤهله لالجتهاد واإلفتاء والرتبية ‪ ،‬هذه الدرجات‬
‫يعرضها الشاطيب مرتبة على الشكل التايل ‪:‬‬
‫مرتبة التحقق (‪.)5‬‬ ‫مرتبة االستدالل‬ ‫مرتبة التقليد‬

‫املوافقات ‪. 42 – 41 / 1 :‬‬ ‫()‬ ‫‪1‬‬

‫املرجع السابق ‪. 1/42‬‬ ‫()‬ ‫‪2‬‬

‫املرجع السابق ‪. 46 /1‬‬ ‫()‬ ‫‪3‬‬

‫املرجع السابق ‪. 1/52‬‬ ‫()‬ ‫‪4‬‬

‫املرجع السابق (املقدمة الثامنة) ‪. 48-1/47‬‬ ‫()‬ ‫‪5‬‬

‫‪79‬‬
‫الفصل السابع ‪ :‬ميادين التربية اإلسالمية عند اإلمام الشاطبي ‪:‬‬
‫املبحث األول ‪ :‬الرتبية اإلميانية ‪:‬‬
‫إن الرتبية اإلسالمية من حيث هي مستمدة من الوحي ‪ ،‬فإهنا تعتمد على‬
‫غرس اإلميان وتثبيته يف نفسية املكلف ‪.‬‬
‫وتعترب ذلك قضيتها األوىل ‪ .‬وهي هبذا الغرس تثبت يف نفسية املؤمن الرضا‬
‫واالطمئنان الناشئني عن االرتباط باهلل وعن االعتماد عليه واستشعار دعمه ومدده‬
‫والتسليم بقضائه ‪.‬‬
‫فاإلميان اعتقاد مؤثر يف وجدان املؤمن وقلبه ‪ ،‬ويف القرآن آيات كثرية تربط‬
‫طمأنينة القلوب باإلميان وذكر اهلل ‪ ،‬واإلميان باهلل يرتتب عنه يف اإلسالم التزام مبا‬
‫شرعه اهلل من قوانني وما فرضه من عبادات على املكلفني (‪.)1‬‬
‫يقول الشاطيب ‪ " :‬إن إدراك مقاصد العبادات والتشريعات يفيض إىل‬
‫استخالص احلكمة اإلهلية من فرضها ‪ .‬وهذه احلكمة اليت ترمي إىل غاية واحدة‬
‫قصوى وهي صالح أمر املكلفني يف حياهتم الدنيوية ‪ ،‬بإبعاد املفاسد وجلب‬
‫املصاحل وسعادهتم يف اآلخرة لنيل رضوان اهلل تعاىل ‪ .‬وهذا الصالح عماده إخالص‬
‫العبودية هلل وحده وحيمل معاين متعددة منها السعادة والراحة والتوافق واالنسجام ‪.‬‬
‫والعبودية يف اإلسالم إمنا تقوم باالعتقاد القليب ‪ ،‬واهلل إمنا يعبد باالعتقاد‬
‫الذي هو شرط التكليف " ‪.‬‬
‫ويقول رمحه اهلل ‪ " :‬كل ما ثبت فيه اعتبار التعبد فال تفريع فيه ‪ .‬وكل ما‬
‫يثبت فيه اعتبار املعاين دون التعبد فال بد فيه من اعتبار التعبد ألوجه ‪:‬‬

‫() أبو إسحاق الشاطيب ‪ ،‬الفقيه اجملتهد املريب ‪ ،‬ص ‪. 222‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪80‬‬
‫‪ -1‬أن معىن االقتضاء أو التخيري الزم للمكلف من حيث هو مكلف ‪ .‬عرف‬
‫املعىن الذي ألجله شرع احلكم أو مل يعرفه خبالف اعتبار املصاحل فإنه غري‬
‫الزم ‪.‬‬
‫‪ -2‬أن مثَّ أخرى غري ما يدركه املكلف – ال يقدر على استنباطها وال‬
‫التعدية هبا يف حمل آخر وإذا ذاك يكون أخذ احلكم املعلل هبا متعبداً‬
‫به ‪.‬‬
‫ومعىن التعبد به ‪ :‬الوقوف عندما حد الشارع فيه ‪ ،‬من غري زيادة وال‬
‫نقصان (‪.)1‬‬

‫() هتذيب املوافقات ‪ ،‬ص ‪. 181‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪81‬‬
‫املبحث الثاين ‪ :‬الرتبية العقلية ‪:‬‬
‫كان الشاطيب صاحب اجتاه جتديدي يف املنهج العقلي األصويل ‪ ،‬جهد‬
‫الشاطيب التجديدي يف ميدان األصول مل يتجه إىل احملتوى وإمنا أنصب على املنهج‬
‫‪ ،‬أي الطريقة اليت يتعامل هبا العقل مع ما يواجهه من قضايا ‪.‬‬
‫والتعامل مع العقل املسلم إلصالحه يتطلب التصدي لكل العوامل املؤثرة فيه‬
‫كالعقيدة والثقافة واخلرافات وغري ذلك ‪ ،‬فكلها عوامل هلا أمهيتها يف تشكيل العقل‬
‫وجتديد مكوناته ‪ ،‬وبلورة كيفية وطريقة تقوميه لألشياء ‪ ،‬واملتغريات من حوله ‪،‬‬
‫وإذا كانت دراسة هذه األشياء واجبة ‪ ،‬عند دراسة العقل البشري بشكل عام ‪،‬‬
‫فهي صحيحة عند دراسة وحتليل العقل العريب أيضاً (‪.)1‬‬
‫تناول الشاطيب – كسائر األصوليني – قضية العقل وعالقته التبعية بالشريعة‬
‫وأوامرها ودوره يف توجيه السلوك التوجيه السليم كنتيجة من نتائج هذا االرتباط‬
‫بالشريعة اليت تضم له احلدود اليت يتعني عليه مراعاهتا وعدم ختطيها (‪.)2‬‬
‫واستناداً على الشريعة وضع الشاطيب خمططاً للنهوض بالعقل املسلم ‪،‬‬
‫يتضمن اخلطوات التالية ‪:‬‬
‫‪ -‬إحاطة العقل مبقتضيات الشريعة اإلسالمية وحدودها ومبادئها ومقاصدها‪.‬‬
‫‪ -‬تنمية القدرة على التحليل والتمييز والنقد والنظر الشمويل لضمان حسن‬
‫استيعاب الشريعة ‪ .‬وسد الباب أمام ما ميكن أن يتسرب إىل العقل من‬
‫خرافات وأوهام ‪.‬‬

‫() الطريري ‪ ،‬عبد الرمحن ‪ ،‬العقل العريب وإعادة التشكيل ‪ ،‬كتاب املة ‪ ،‬السلسلة رقم ‪ ( 35‬ص ‪. )31‬‬ ‫‪1‬‬

‫املوافقات ‪. 1/88‬‬ ‫()‬ ‫‪2‬‬

‫‪82‬‬
‫‪ -‬التصدي للمناهج الدراسية بكل مكوناهتا املعرفية املنهجية ألمهيتها يف التأثري‬
‫على العقل ومنوه وتشكيله إلعداد وبناء خطة تعليمية حمكمة تنبين على تصنيف‬
‫مر يف املباحث السابقة ‪.‬‬
‫دقيق للعلوم يسرتشد بالشريعة – كما ّ‬
‫‪ -‬الدعوة إىل االجتهاد والنهوض به وتقنينه وحتديد شروطه (‪.)1‬‬
‫إن العقل شرط أساسي إلصدار حكم ما لكن ليس كافياً ألن اإلنسان‬
‫يفكر يف نفس الوقت بعقله وحدسه وعواطفه وشعوره ‪ ،‬وتعقل اإلنسان يفرتض‬
‫تدخل اخليال والعواطف ‪ ،‬فكيف ميكن تربية عقل مؤمن موضوعي وعادل ؟‬
‫الوسائل واخلطوات اليت يعرضها الشاطيب عديدة متنوعة منها ‪:‬‬
‫‪ -‬حتديد املقدمات حتديداً دقيقاً ‪.‬‬
‫‪ -‬حتديد شروط العلم وخصائصه ‪.‬‬
‫‪ -‬تقسيم العلوم وتصنيفها ‪.‬‬
‫‪ -‬تدريب احلس على دقة التمييز وصحته ‪ ،‬ومالحظة األشياء احملسوسة وإدراكها‬
‫على حقيقتها ‪.‬‬
‫‪ -‬تدريب العقل على التفكري املستقيم ‪ ،‬على مجع احلقائق الكامنة يف اجلزئيات‬
‫واملقاصد وحسن االستدالل بعد النظر والتأمل ‪.‬‬
‫‪ -‬حتديد املنهج الصحيح للنظر العقلي وتسديده بدعوة العقل إىل األخذ بأسباب‬
‫العلم ودعوته إىل تدبر حكمة اهلل يف التشريع ‪.‬‬
‫‪ -‬تنقية العقل من األحكام املبنية على الظنون واألوهام ‪.‬‬

‫() أبو إسحاق الشاطيب الفقيه اجملتهد املريب ‪ ،‬ص ‪ 207‬باختصار ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪83‬‬
‫‪ -‬تنمية العقل بالعلم ‪ ،‬لكن ليس كل علم وال كل معرفة على اإلطالق ‪ ،‬فبعض‬
‫العلم يضر بالعقل ‪.‬‬
‫‪ -‬املباعدة بني العقل والتبعية والتقليد ‪ ،‬وتدريب العقل على االجتهاد ‪.‬‬
‫‪ -‬بث روح النقد البنّاء الذي يقف من املسموع واملقروء موقف املسائل‬
‫املمحص‪.‬‬
‫‪ -‬تنمية الرغبة الدائمة يف البحث لدى املكلفني ‪ ،‬وترقية حب االستطالع‬
‫لديهم(‪.)1‬‬
‫ضوابط التربية العقلية ‪:‬‬
‫ذكر الشاطيب يف املقدمة العاشرة ‪ :‬ضابطاً مهماً يف الرتبية العقلية ‪:‬‬
‫" إذا تعاضد النقل والعقل على املسائل الشرعية ‪ ،‬فعلى شرط أن يتقدم‬
‫النقل فيكون متبوعاً ‪ ،‬ويتأخر العقل فيكون تابعاً ‪ ،‬فال مسرح العقل يف جمال النظر‬
‫إال بقدر ما يُ ّسرحه النقل والدليل … ‪:‬‬
‫األول ‪ :‬أنه لو جاز للعقل ختطي مأخذ النقل – مل يكن للحد الذي ح ّده‬
‫النقل فائدة ‪ ،‬ألن الغرض أنه َّ‬
‫حد له ح ّداً ‪ ،‬فإذا جاز تعديه صار احلد غري مقيد‪،‬‬
‫وذلك يف الشريعة باطل ‪.‬‬
‫الثاين ‪:‬ما تبني يف علم الكالم واألصول ‪ ،‬من أن العقل ال حُي ِّسن وال يقبِّح ‪.‬‬
‫الثالث ‪ :‬أنه لو كان كذلك جلاز إبطال الشريعة بالعقل ‪ ،‬وهذا حمال‬
‫باطل(‪.)2‬‬

‫() املرجع السابق ‪ ،‬ص ‪ 224 – 223‬باختصار ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫() املوافقات ‪. 61 /1‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪84‬‬
‫املبحث الثالث ‪ :‬الرتبية املهنية االجتماعية ‪:‬‬
‫يقسم الشاطيب املقاصد إىل نوعني ‪:‬‬
‫‪ -1‬مقاصد أصلية الحظ للمكلف فيها ‪ .‬وهي الضروريات ‪ ،‬وفيها يقوم الفرد‬
‫مبصاحل عامة مطلقة ال ختتص حبال دون حال أو وقت دون وقت وهي‬
‫قسمان‪:‬‬
‫( أ ) املقاصد األصلية العينية ‪ ،‬وهي حفظ احلقوق اخلمسة ‪.‬‬
‫(ب) املقاصد األصلية الكفائية ‪ ،‬وهي القيام برعاية املصاحل العامة ومحاية‬
‫احلقوق جلميع اخللق (‪.)1‬‬
‫‪ -2‬مقاصد تابعة ‪ ،‬وفيها يراعى حظ املكلف وحتقيقه ملصاحله اخلاصة إلشباع ما‬
‫جبل عليه من الغرائز ‪ .‬وما فطر عليه من طباع ‪ ،‬واالستمتاع باملباحات‬
‫وسد اخلالف (‪.)2‬‬
‫ويضيف الشاطيب أن الدار دنيا مزرعة لآلخرة اليت فيها النعيم األبدي‬
‫والشقاء األبدي لكن أسباب التنعم والشقاء فيها إمنا تكتسب يف الدنيا بالرجوع‬
‫إىل ما حده الشارع أو اخلروج عنه (‪.)3‬‬
‫ويضيف الشاطيب أيضاً ‪ :‬أن الشرع جعل االحرتاف والتكسب على اجلملة‬
‫مطلوباً طلب الندب ال طلب الوجوب ‪ ،‬وكثرياً ما يأيت يف معرض اإلباحة إال أننا‬

‫() املوافقات ‪. 177/ 2‬‬ ‫‪1‬‬

‫() املرجع السابق ‪. 178 / 2‬‬ ‫‪2‬‬

‫() املرجع السابق ‪. 2/179‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪85‬‬
‫لو فرضنا أخذ الناس له كأخذ املتدرب حيث يسعهم الرتك ألمثوا ألن العامل ال يقم‬
‫إال بالتدبري واالكتساب (‪.)1‬‬
‫فحكم االحرتاف والاكتساب هو حكم املندوب باجلزء الواجب كفاية‬
‫بالكل‪ ،‬فيصبح التأثيم برتك الكل مع كونه مندوباً باجلزء ‪.‬‬
‫ويف اكتساب املكلف بالتجارات والصناعات واإلجارات – وغري ذلك من‬
‫املعامالت قياماً مبصاحل الغري عن طريق مصلحته الشخصية ‪ ،‬ومصاحل الغري جاءت‬
‫عرضاً ‪ .‬فاهلل عز وجل هيأ الناس للحياة االجتماعية ‪ ،‬ودعاهم للتكسب ورغبّهم‬
‫فيه ‪ ،‬وجعل فيهم استعداداً للعمل املنتج القائم على التعاون مما يثري واقع احلياة‬
‫الدنيا يف هذا العامل الدنيوي الذي ال يقوم إال بالتدبري واالكتساب (‪.)2‬‬

‫() املرجع السابق ‪. 2/181‬‬ ‫‪1‬‬

‫() املرجع السابق ‪. 2/181‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪86‬‬
‫املبحث الرابع ‪ :‬الرتبية األخالقية اجلمالية ‪:‬‬
‫ذكر الشاطيب يف املقدمة الرابعة … " كل مسألة مرسومة يف أصول الفقه‬
‫ال ينبين عليها فروع فقهية أو آداب شرعية ‪ ،‬أو ال تكون عوناً يف ذلك ‪ ،‬فوضعها‬
‫يف أصول الفقه عادية … " (‪.)1‬‬
‫فجعل اآلداب الشرعية مما ينبين على أصوله الفقه ‪ ،‬وليس الفروع الفقهية‬
‫فحسب ‪ ،‬وهذا يبني جبالء أن نظرته إىل األصول أوسع وأمشل من نظر مجهور‬
‫األصوليني ‪.‬‬
‫ويف حديثه عن ترجيح املذهب الفقهي املعني تناول ناحية أخالقية سلوكية‬
‫جليلة ‪ ،‬وفقد مسألة كاملة يف بيان " أن كثرياً من الناس جتاوزوا الرتجيح بالوجوه‬
‫اخلالصة إىل الرتجيح ببعض الطعن على املذاهب املرجوحة عندهم أو على أهلها‬
‫القائلني هبا " (‪.)2‬‬
‫وقد تناوهلا تناوالً علمياً يدفع التقليد الشائع يف كثري من العلوم = ومنها‬
‫الشرعية – من عزل الكالم يف العلم عن الكالم يف اخللق ‪.‬‬
‫ومن املواضع اجلليلة اليت تضمنت لفتات أخالقية تربوية هتذيبية مجالية‪:‬‬
‫ما جاء يف املسائل الثالث األوىل فيما يتعلق باجملتهد من جهة فتواه ‪ ،‬حيث‬
‫بنّي يف األوىل ‪ " :‬أن املفيت قائم يف األمة مقام النيب صلى اهلل عليه وسلم " (‪.)3‬‬
‫الثانية ‪ " :‬أن الفتوى حتصل من جهة القول والفعل واإلقرار " (‪.)4‬‬

‫املوافقات ‪. 1/29‬‬ ‫()‬ ‫‪1‬‬

‫املوافقات ‪. 4/193‬‬ ‫()‬ ‫‪2‬‬

‫املرجع السابق ‪. 4/178 ،‬‬ ‫()‬ ‫‪3‬‬

‫املرجع السابق ‪. 4/179‬‬ ‫()‬ ‫‪4‬‬

‫‪87‬‬
‫الثالثة ‪ " :‬أن الفتيا ال تصح من خمالف ملقتضى العلم " (‪.)5‬‬
‫ومن ألطف األمثلة وأدقها يف هذا الباب ما جاء يف تقسيم الشاطيب " حتقيق‬
‫املناط " وهو مصطلح أصويل صرف – إىل قسمني ‪:‬‬
‫أحدمها ‪ :‬ما مساه حتقيق املناط العام ‪ .‬وهو املعىن املعروف املتداول يف كتب‬
‫األصول ‪.‬‬
‫الثاين ‪ :‬هو معىن جديد على كتب األصول ‪ ،‬وهو حتقيق املناط اخلاص‪.‬‬
‫وعرفه بأنه نظر يف كل مكلف بالنسبة إىل ما وقع عليه من الدالئل التكليفية‬ ‫ّ‬
‫حبيث يتعرف منه مداخل الشيطان ومداخل اهلوى واحلظوظ العاجلة(‪.)2‬‬
‫لذا األخالق عند الشاطيب ليست غاية يف حد ذاهتا ‪ ،‬بل هي وسيلة خادمة‬
‫لألصول الضروري حمققة ملصاحل الدين والدنيا األساسية اليت يرتتب عن اخللل فيها‬
‫خلل يف نظام احلياة كله ‪ ،‬وهي املسماة باحلقوق اخلمسة اليت بيَّنها الشرع (‪.)3‬‬
‫ويف تصنيف املقاصد رتبها الشاطيب يف طبقات ثالث ‪:‬‬
‫طبقة الضروريات مث احلاجيات مث التحسينيات ‪ ،‬وقال بعد تعريف هذه‬
‫املقاصد وترتيبها ‪ :‬أن جمموع احلاجيات والتحسينيات ينتهض أن يكون كل منها‬
‫كفرد من أفراد الضروريات ‪ ،‬وذلك أن كما الضروريات من حيث هي‬
‫ضروريات إمنا حيسن موقعه حيث يكون فيها على املكلف سعة وبسط من غري‬
‫تضييق وال حرج وحيث يبقى معها خصال معاين العادات ومكارمة األخالق‬
‫مكملة األطراف موفرة الفصول – حيث يستحسن ذلك أهل العقول(‪.)4‬‬

‫املرجع السابق ‪. 4/184‬‬ ‫()‬ ‫‪5‬‬

‫املرجع السابق ‪. 4/98‬‬ ‫()‬ ‫‪2‬‬

‫املرجع السابق ‪. 2/24‬‬ ‫()‬ ‫‪3‬‬

‫املوافقات ‪. 2/23‬‬ ‫()‬ ‫‪4‬‬

‫‪88‬‬
‫ويف تعريف املصاحل التحسينية ‪ ،‬يقول عنها ‪ :‬إهنا األخذ مبا يليق من حماسن‬
‫العادات وجتنب األحوال املدلسات اليت تأنفها العقول الراجحات ‪ ،‬وجيمع ذلك‬
‫قسم مكارم األخالق ‪ ،‬وهي ‪ :‬جارية فيما جرى فيه األوليات ‪.‬‬
‫ففي العبادات كإزالة النجاسة وباجلملة الطهارة كلها وأخذ الزينة ‪.‬‬
‫ويف العادات كآداب األكل والشرب وجُم انبة املآكل النجسة ‪.‬‬
‫ويف املعامالت كاملنع من بيع النجاسات وفضل املاء والكأل وسلب العبد ‪.‬‬
‫ويف اجلنابات كمنع قتل احلر بالعبد أو قتل النساء والصبيان ‪.‬‬
‫فهذه األمور راجعة إىل حماسن زائدة على أصل املصاحل الضرورية واحلاجية إذ‬
‫ليس فقداهنا مبخل بأمر ضروري وال حاجي ‪ ،‬وإمنا جرت جمرى التحسني والتزيني (‪.)1‬‬
‫واجلمال يكون يف األخالق والرتكيب واملظهر والبنية ‪ ،‬وكما دعا اإلسالم‬
‫إىل مكارم األخالق وحث على التمسك هبا ‪ ،‬فإنه دعا إىل االهتمام باجلانب‬
‫اجلمايل يف احلياة اإلنسانية ويف عاداته وعباداته ‪ .‬وأمر بالعناية مبظهر املسلم‬
‫واحلرص على التجمل فيه وأخذ الزينة ‪.‬‬
‫واخللق يكون يف الصورة ويف ترتيب احللقة الباطنة واألفعال ‪ ،‬ومجال األفعال‬
‫املالئمة ملصاحل اخللق وقاضية جللب املنافع وصرف الشر عنهم(‪.)2‬‬
‫فجم ال األخالق كوهنا على الص فة احملم ودة من العلم واحلكمة والع دل‬
‫والعفة وكظم الغيظ – وجم ال األفع ال وجودها مالئمة ملص احل اخللق وقاض ية‬
‫جللب املنافع فيهم وصرف الشر عنهم ومجال اخللقة يدركه البصر ويلقيه إىل القلب‬
‫مالئماً ‪.‬‬

‫() املرجع السابق ‪ 10 – 2/9‬باختصار ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫() حممود ‪ .‬علي عبد احلليم‪1413 ،‬هـ – ‪1992‬م‪ ،‬تربية الناشئ املسلم ‪ ،‬دار الوفاء ‪ ،‬ط‪ : 2‬املنصورة ‪،‬‬ ‫‪2‬‬

‫مصر ‪ ،‬ص ‪. 312‬‬

‫‪89‬‬
‫الخاتمة وأهم النتائج ‪:‬‬
‫أمحد اهلل عز وجل وأشكره على توفيقه يل يف كتابة هذا البحث ‪ ،‬وعلى‬
‫عونه يل على إمتامه على هذه الصورة ‪.‬‬
‫وأختم حبثي هذا بعرض أهم النتائج اليت توصلت إليها من خالله ‪ ،‬وهي‬
‫كاآليت ‪:‬‬
‫‪ -1‬اتسمت بيئة الشاطيب بفساد احلكم السياسي ‪ ،‬وضعف الوازع الديين ‪،‬‬
‫وانتشار البدع نتيجة جلهل أكثر الناس حبقيقة الدين ‪.‬‬
‫‪ -2‬مل ُيعرف تاريخ والدة الشاطيب ‪ ،‬فاملرتمجون له مل يكتبوا تاريخ والدته‪.‬‬
‫‪ -3‬عدم خروج الشاطيب من غرناطة ومل يذكر له رحلة علم أو رحلة ألداء‬
‫احلج ‪.‬‬
‫‪ -4‬حارب التعصب املذهيب والتقليد الأبائي ‪.‬‬
‫‪ -5‬محل الشاطيب لواء دعوة إصالحية جعل قوامها الرجوع إىل الكتاب والسنة‬
‫وسري السلف الصاحل ‪.‬‬
‫‪ -6‬أنه – رمحه اهلل – قد بلغ درجة عالية يف معرفة مقاصد الشريعة ‪.‬‬
‫‪ -7‬املتأمل يف تراثه – رمحه اهلل – جيده من الشخصيات ذات املواهب‬
‫والقدرات املتعددة ‪.‬‬
‫‪ -8‬ابتعد الشاطيب – رمحه اهلل – عن طرق التأليف التقليدية ‪ ،‬والعمل املكرور‬
‫‪ ،‬واستخدم املنهج االستقرائي الذي برع وأبدع فيه ‪.‬‬
‫‪ -9‬انتقل بأدلة علم األصول من أدلة ظنية إىل أدلة قطعية باستخدام املنهج‬
‫االستقرائي ‪.‬‬

‫‪90‬‬
‫‪ -10‬برزت استقالليته العلمية وعدم تبعيته لآلخرين من خالل مواقفه‬
‫ومؤلفاته ‪.‬‬
‫‪ -11‬هنض بالرتبية اإلسالمية عن طريق مقاصد الشريعة اإلسالمية ‪.‬‬
‫‪ -12‬أن صربه – رمحه اهلل – وحتمله يف حماربة البدع قد بلغ ذروه ‪.‬‬
‫‪ -13‬امتاز تصنيفه للعلوم باجلدة واألصالة والبعد عن التقليد ‪.‬‬
‫‪ -14‬انتقد منهج املناطقة وعلماء الكالم ‪.‬‬
‫‪ -15‬استطاع أن يكون مفاهيم أساسية عن مسات املعلم وشروطه وعن الطالب‬
‫واملنهج الدراسي ‪.‬‬
‫‪ -16‬ربط أصول الشريعة باآلداب اإلسالمية ‪ ،‬وحصر العلم والبحث على ما فيه‬
‫منفعة دنيوية وأخروية ‪.‬‬
‫‪ -17‬تفتيق مباحث ومسائل جديدة يف علم األصول هلا عالقة قوية يف الرتبية‬
‫واآلداب ‪.‬‬
‫‪ -18‬مشولية مقرراته األصولية لكافة أركان الدين ‪.‬‬
‫‪ -19‬وضع خطوات وضوابط للرتبية العقلية ‪ ،‬وجعل العقل تابعاً للشرع غري‬
‫مستقل ‪.‬‬
‫‪ -20‬غاص – رمحه اهلل – يف أسرار الشريعة وجوهرها دون الوقوف عند‬
‫ظواهرها وربطها بالرتبية االجتماعية املهنية والرتبية اإلميانية ‪.‬‬
‫‪ -21‬اتسم طرحه باملوضوعية والتجرد واالعتدال والتوسط ‪.‬‬
‫وآخر دعوانا أن احلمد هلل رب العاملني وصلى اهلل وسلم وبارك على نبينا‬
‫حممد وعلى آله وصحبه أمجعني ‪.‬‬

‫‪91‬‬
‫املصادر واملراجع ‪:‬‬
‫أوالً ‪ :‬الكتب ‪:‬‬
‫‪ -1‬ابن عاشور ‪ ،‬حممد الطاهر ‪( ،‬د‪.‬ت) ‪ ،‬أليس الصبح بقريب ‪ ،‬ط‪، 1‬‬
‫الشركة التونسية للتوزيع ‪ ،‬تونس ‪.‬‬
‫‪ -2‬التنبكيت ‪ ،‬أمحد بابا ‪1329 ،‬هـ ‪ ،‬نيل االبتهاج بتطريز الديباج ‪ ،‬مكتبة‬
‫السعادة ‪ ،‬مصر ‪.‬‬
‫‪ -3‬الثبييت ‪ ،‬جويرب ماطر جنم ‪ ،‬نظرية الرتبية ‪ ،‬حبث لتكميل املاجستري (غري‬
‫منشورة ) كلية الرتبية – جامعة أم القرى ‪ ،‬مكة املكرمة ‪ ،‬إشراف الدكتور‬
‫بشري التوم ‪.‬‬
‫اجليزاين ‪ ،‬حممد بن حسن ‪ ،‬صفر ‪1421‬هـ ‪ ،‬هتذيب املوافقات أليب إسحاق‬ ‫‪-4‬‬
‫إبراهيم بن موسى الشاطيب ‪ ،‬دار ابن اجلوزي ‪ ،‬الدمام ‪ ،‬السعودية ‪.‬‬
‫احلجاجي ‪ ،‬حسن بن علي بن حسن ‪1408 ،‬هـ – ‪1988‬م ‪ ،‬الفكر‬ ‫‪-5‬‬
‫الرتبوي عند ابن القيم‪ ،‬توزيع دار حافظ للنشر والتوزيع‪ ،‬جدة‪ ،‬السعودية ‪.‬‬
‫اخلادمي ‪ ،‬نور الدين بن خمتار ‪ ،‬مجادي األوىل ‪1419‬هـ – ‪1998‬م ‪،‬‬ ‫‪-6‬‬
‫االجتهاد املقاصدي ‪ ،‬حجيته ‪ ..‬ضوابطه ‪ ..‬جماالته ‪ ،‬كتاب األمة سلسلة‬
‫تصدر عن وزارة األوقاف والشئون اإلسالمية – قطر – العدد (‪. )65‬‬
‫الريسوين ‪ ،‬أمحد ‪1418 ،‬هـ – ‪1997‬م ‪ ،‬نظرية املقاصد عند اإلمام‬ ‫‪-7‬‬
‫الشاطيب ‪ ،‬دار الكلمة للنشر والتوزيع ‪ ،‬املنصورة ‪ ،‬مصر ‪ ،‬ط‪. 1‬‬
‫الشاطيب ‪ ،‬أبو إسحاق إبراهيم بن موسى ‪ ،‬املوافقات يف أصول الشريعة‬ ‫‪-8‬‬
‫شرح وخرج أحاديثه عبد اهلل دراز ‪ ،‬دار الكتب العلمية ‪ ،‬بريوت ‪ ،‬لبنان‪.‬‬

‫‪92‬‬
‫‪ -9‬الشاطيب‪ ،‬أبو إسحاق إبراهيم بن موسى ‪1417 ،‬هـ – ‪1997‬م ‪،‬‬
‫املوافقات يف أصول الشريعة‪،‬حتقيق أبو عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان ‪،‬‬
‫تقدمي الشيخ بكر بن عبد اهلل أبو زيد ‪ ،‬دار ابن عفان للنشر والتوزيع اخلرب ‪،‬‬
‫السعودية ‪ ،‬ط‪. 1‬‬
‫‪ -10‬الشاطيب ‪ ،‬أبو موسى إبراهيم بن موسى ‪1402 ،‬هـ – ‪1982‬م ‪،‬‬
‫االعتصام‪ ،‬تعريف العالمة السيد حممد رشيد منشئ جملة املنار‪ ،‬دار املعرفة ‪،‬‬
‫بريوت ‪ ،‬لبنان ‪.‬‬
‫‪ -11‬الشاطيب ‪ ،‬أبو إسحاق إبراهيم بن موسى ‪1408 ،‬هـ – ‪1988‬م ‪،‬‬
‫اإلفادات واإلنشادات ‪ .‬دراسة وحتقيق الدكتور حممد أبو األجفان ‪ ،‬ط‪، 3‬‬
‫مؤسسة الرسالة ‪ ،‬بريوت ‪ ،‬لبنان ‪.‬‬
‫‪ -12‬الشاطيب ‪ ،‬أبو إسحاق إبراهيم بن موسى ‪1421 ،‬هـ – ‪2001‬م ‪ ،‬فتاوى‬
‫اإلمام الشاطيب ‪ ،‬مجع وحتقيق حممد أبو األجفان ‪ ،‬ط‪ ، 4‬مكتبة العبيكان ‪،‬‬
‫الرياض ‪ ،‬السعودية ‪.‬‬
‫‪ -13‬الطريري ‪ ،‬عبد الرمحن ‪ ،‬العقل العريب وإعادة التشكيل ‪ ،‬كتاب األمة ‪،‬‬
‫سلسلة تصدر من وزارة الشؤون اإلسالمية ‪ ،‬قطر ‪ ،‬رقم (‪ ، )35‬ط‪. 1‬‬
‫‪ -14‬العبيدي ‪ ،‬محادي ‪1412 ،‬هـ – ‪1992‬م ‪ ،‬الشاطيب ومقاصد الشريعة ‪،‬‬
‫دار قتيبة للطباعة والنشر والتوزيع ‪ ،‬بريوت ‪ ،‬دمشق ‪ ،‬ط‪. 1‬‬
‫‪ -15‬علي ‪ ،‬عبد الرمحن آدم ‪1418 ،‬هـ – ‪1998‬م ‪ ،‬اإلمام الشاطيب عقيدته‬
‫وموقفه من البدع وأهلها ‪ ،‬مكتبة الرشد ‪ ،‬الرياض ‪ ،‬شركة الرياض للنشر‬
‫والتوزيع ‪ ،‬السعودية ‪ ،‬ط‪. 1‬‬

‫‪93‬‬
‫‪ -16‬القثامي ‪ ،‬فوزية بنت حممد بن عبد اهلل ‪1411 ،‬هـ – ‪1990‬م ‪ ،‬منهج‬
‫البحث األصويل عند اإلمام الشاطيب – رسالة دكتوراة (غري منشورة) ‪،‬‬
‫كلية الشريعة والدراسات اإلسالمية جامعة أم القرى مبكة املكرمة ‪ ،‬إشراف‬
‫األستاذ الدكتور حممود عبد الدامي ‪.‬‬
‫‪ -17‬الكيالين ‪ ،‬عبد الرمحن إبراهيم ‪1421 ،‬هـ – ‪2000‬م ‪ ،‬قواعد املقاصد‬
‫عند اإلمام الشاطيب عرضاً ودراسة وحتليالً ‪ ،‬املعهد العاملي للفكر اإلسالمي‬
‫سلسلة الرسائل اجلامعية رقم (‪ ، )35‬دار الفكر للطباعة والتوزيع ‪ ،‬دمشق‬
‫‪ ،‬سورية ‪ ،‬ط‪. 1‬‬
‫‪ -18‬حممود ‪ ،‬علي عبد احلليم ‪1413 ،‬هـ – ‪1992‬م ‪ ،‬تربية الناشئ‬
‫املسلم ‪ ،‬ط‪ ، 2‬دار الوفاء للطباعة والنشر والتوزيع ‪ ،‬املنصورة ‪ ،‬مصر ‪.‬‬
‫‪ -19‬ياجلن ‪ ،‬مقداد ‪1420 ،‬هـ – ‪1999‬م ‪ ،‬مناهج البحث وتطبيقاهتا يف الرتبية‬
‫اإلسالمية سلسلة كتاب تربيتنا (‪ )13‬دار عامل الكتب للطباعة والنشر‬
‫والتوزيع ‪ ،‬الرياض ‪ ،‬السعودية ‪.‬‬

‫‪94‬‬
‫ثانياً ‪ :‬الدوريات ‪:‬‬
‫‪ -1‬بادو ‪ ،‬عبد اجلليل ‪1414 ،‬هـ – ‪ ، 1994‬مقالة ‪ :‬منهج الرتبية والتعليم‬
‫عند اإلمام الشاطيب ‪ ،‬جملة املريب ‪ ،‬تطوان ‪ ،‬تصدر من اململكة املغربية ‪،‬‬
‫العدد (‪ ، )4‬ص ‪. 6‬‬
‫‪ -2‬بنمسعود ‪ ،‬عبد اجمليد ‪1416 ،‬هـ – ‪1995‬م ‪ ،‬مقالة ‪ :‬حترك القيم‬
‫اإلسالمية حول الكليات اخلمس ويف إطار العقيدة ‪ ،‬جملة الفيصل ‪ ،‬العدد‬
‫(‪ ( )230‬ص ‪ ، )29 – 28‬السعودية ‪.‬‬
‫‪ -3‬جغيم ‪ ،‬نعمان ‪1420 ،‬هـ – ‪1995‬م ‪ ،‬حبث عن االستقراء عند اإلمام‬
‫الشاطيب ‪ ،‬جملة التجديد ‪ ،‬تصدر من اجلامعة اإلسالمية العاملية مباليزيا‪ .‬العدد‬
‫السابع‪ ،‬السنة الرابعة ‪ ،‬ص (‪. )224 – 201‬‬
‫‪ -4‬اجليوس ‪ ،‬عبد اهلل ‪1421 ،‬هـ – ‪2000‬م ‪( ،‬حبث عن أمنوذج مقرتح لقراءة‬
‫نظرية املقاصد عند اإلمام الشاطيب ) جملة التجديد ‪ ،‬تصدر من اجلامعة اإلسالمية‬
‫العاملية مباليزيا ‪ .‬العدد الثامن ‪ ،‬السنة الرابعة ‪ ،‬ص (‪. ) 255 – 235‬‬
‫‪ -5‬محود ‪ ،‬حممد ‪1411( ،‬هـ – ‪1990‬م ) ‪ ( ،‬دراسة موضوع االجتهاد يف‬
‫مواكبة املستجدات بالنظر ملقاصد الشريعة ) ‪ ،‬جملة دعوة احلق ‪ ،‬تصدر من‬
‫وزارة األوقاف والشئون اإلسالمية ‪ ،‬الرباط ‪ ،‬اململكة املغربية ‪ ،‬العدد (‬
‫‪ ، )280‬ص (‪. )86-80‬‬
‫‪ -6‬الدسوقي ‪ ،‬حممد ‪1416 ،‬هـ – ‪1995‬م ‪( ،‬الفكر الرتبوي عند اإلمام‬
‫الشاطيب ) ‪ ،‬جملة املنهل ‪ ،‬العدد (‪ ، )526‬ص (‪. )81 – 76‬‬

‫‪95‬‬
‫‪ -7‬صواحلي ‪ ،‬يونس ‪1416 ،‬هـ – ‪1996‬م ‪ ( ،‬االستقراء يف مناهج النظر‬
‫اإلسالمي ‪ :‬منوذج " املوافقات" لإلمام الشاطيب ‪ ،‬جملة إسالمية املعرفة تصدر من‬
‫املعهد العاملي للفكر اإلسالمي ‪ ،‬العدد الرابع ‪ ،‬السنة األوىل‪،‬ص (‪. )91 – 59‬‬
‫‪ -8‬العافية ‪ ،‬عبد القادر ‪1413 ،‬هـ – ‪1993‬م ‪ ( ،‬الفقيه األصويل املفيت‬
‫إبراهيم أبو إسحاق الشاطيب ) ‪ ،‬جملة دعوة احلق تصدر من وزارة األوقاف‬
‫والشئون اإلسالمية ‪ ،‬الرباط ‪ ،‬اململكة املغربية ‪ ،‬العدد ‪، )297( ،‬‬
‫السنة (‪ ، )34‬ص (‪. )57– 43‬‬
‫‪ -9‬القرضاوي‪ ،‬يوسف‪1412 ،‬هـ – ‪1991‬م ‪ ،‬الرتبية عند اإلمام الشاطيب ‪،‬‬
‫حولية كلية الشريعة والدراسات اإلسالمية جبامعة قطر ‪ .‬العدد التاسع ‪،‬‬
‫ص ( ‪. ) 32 – 2‬‬
‫‪ -10‬مهداد‪ ،‬الزبري ‪1418 ،‬هـ– ‪1997‬م ‪ "،‬الشاطيب وآراء تربوية متجددة " ‪،‬‬
‫جملة الفيصل ‪ ،‬عدد (‪ ، )251‬ص (‪. )61-58‬‬
‫‪ -11‬مهداد‪ ،‬الزبري‪1420 ،‬هـ – ‪1999‬م ‪ "،‬أبو إسحاق الشابطي الفقيه اجملتهد‬
‫املريب " ‪ ،‬جملة اإلحياء ‪ ،‬تصدرها رابطة علماء املغرب ‪ .‬العدد الرابع عشر ‪،‬‬
‫ص (‪. )238 – 193‬‬
‫‪ -12‬مهداد‪ ،‬الزبري‪1421،‬هـ – ‪2000‬م ‪" ،‬الشاطيب جمدد العقلية اإلسالمية" ‪،‬‬
‫جملة العامل ‪ ،‬العدد التاسع عشر ‪ ،‬ص (‪. )35-34‬‬

‫‪96‬‬
‫الفهرس‬
‫الصفحة‬ ‫املوضوع‬
‫‪1‬‬ ‫املقدمة‬
‫‪6‬‬ ‫الفصل التمهيدي‬
‫‪6‬‬ ‫مشكلة البحث وأمهيته‬
‫‪14‬‬ ‫الفصل األول ‪ :‬عصر اإلمام الشاطيب وأثره يف تكوين فكره الرتبوي‬
‫‪14‬‬ ‫املبحث األول ‪ :‬احلالة السياسية‬
‫‪17‬‬ ‫املبحث الثاين‪ :‬احلالة االجتماعية واالقتصادية‬
‫‪20‬‬ ‫املبحث الثالث ‪ :‬احلالة التعليمية والثقافية‬
‫‪25‬‬ ‫الفصل الثاين‪ :‬سريته وحياته العلمية‬
‫‪25‬‬ ‫املبحث األول‪ :‬امسه ونسبه وشهرته‬
‫‪27‬‬ ‫املبحث الثاين‪ :‬نشأته وتعليمه‬
‫‪28‬‬ ‫املبحث الثالث‪ :‬شيوخه وتالميذه‬
‫‪30‬‬ ‫املبحث الرابع ‪ :‬ثقافته وجهوده العلمية‬
‫‪32‬‬ ‫املبحث اخلامس‪ :‬شخصيته وصفاته اخللقية‬
‫‪35‬‬ ‫املبحث السادس‪ :‬وفاته وثناء العلماء عليه‬
‫‪37‬‬ ‫الفصل الثالث‪ :‬مصادر الفكر الرتبوي عند اإلمام الشاطيب‬
‫‪37‬‬ ‫املبحث األول‪ :‬القرآن والسنة‬
‫‪39‬‬ ‫املبحث الثاين ‪ :‬اإلمجاع‬
‫‪40‬‬ ‫املبحث الثالث‪ :‬أقوال الصحابة وفعلهم‬
‫‪41‬‬ ‫املبحث الرابع‪ :‬القياس‬
‫‪43‬‬ ‫املبحث اخلامس‪ :‬مقاصد الشريعة‬
‫‪45‬‬ ‫املبحث السادس‪ :‬املصاحل املرسلة‬
‫‪47‬‬ ‫الفصل الرابع ‪ :‬منهجيته العلمية والرتبوية‬
‫‪47‬‬ ‫املبحث األول‪ :‬استقالليته العلمية واالجتهادية‬

‫‪97‬‬
‫‪50‬‬ ‫املبحث الثاين ‪ :‬جتديده وانطالقه من مقاصد الشريعة اإلسالمية‬
‫‪52‬‬ ‫املبحث الثالث‪ :‬اعتماده على املنهج االستقرائي‬
‫‪57‬‬ ‫املبحث الرابع ‪ :‬مواجهته للخرافات واألباطيل واالستناد إىل احلجج والرباهني‬
‫وحماربته البدع‬
‫‪59‬‬ ‫الفصل اخلامس‪ :‬مقاصد الرتبية اإلسالمية عند اإلمام الشاطيب‬
‫‪59‬‬ ‫املبحث األول‪ :‬مقاصد الشريعة‬
‫‪63‬‬ ‫املبحث الثاين‪ :‬بعض التطبيقات الرتبوية على مقاصد الشريعة اإلسالمية‬
‫‪64‬‬ ‫املبحث الثالث‪ :‬أهداف الرتبية اإلسالمية عند الشاطيب‬
‫‪65‬‬ ‫الفصل السادس‪ :‬العلم والتعلم عند اإلمام الشاطيب‬
‫‪65‬‬ ‫املبحث األول‪ :‬أقسام العلم (تصنيف العلوم)‬
‫‪68‬‬ ‫املبحث الثاين ‪ :‬مفهوم التعلم‬
‫‪70‬‬ ‫املبحث الثالث‪ :‬ركائز التعليم األساسية‬
‫‪80‬‬ ‫املبحث الرابع ‪ :‬عوامل تعلم العلم‬
‫‪81‬‬ ‫الفصل السابع ‪ :‬ميادين الرتبية اإلسالمية عند اإلمام الشاطيب‬
‫‪81‬‬ ‫املبحث األول ‪ :‬الرتبية اإلميانية‬
‫‪83‬‬ ‫املبحث الثاين ‪ :‬الرتبية العقلية‬
‫‪86‬‬ ‫املبحث الثالث‪ :‬الرتبية املهنية االجتماعية‬
‫‪88‬‬ ‫املبحث الرابع ‪ :‬الرتبية األخالقية اجلمالية‬
‫‪91‬‬ ‫اخلامتة وأهم النتائج‬
‫‪93‬‬ ‫املصادر واملراجع‬
‫‪98‬‬ ‫الفهرس‬

‫‪98‬‬

You might also like