Professional Documents
Culture Documents
الفكر التربوي عند الامام الشاطبي
الفكر التربوي عند الامام الشاطبي
الفكر التربوي عند الامام الشاطبي
1
الفصل التمهيدي :
أوالً :أمهية البحث .
ثانياً :مشكلة البحث .
ثالثاً :منهج البحث .
رابعاً :الدراسات السابقة .
خامساً :التعريف ببعض املصطلحات .
2
املبحث السادس :وفاته وثناء العلماء عليه .
3
املبحث األول :أقسام العلم ( تصنيف العلوم ) .
املبحث الثاين :مفهوم التعلم .
املبحث الثالث :ركائز التعليم األساسية ( املعلم– الطالب – املنهج
الرتبوي ) .
املبحث الرابع :عوامل التعلم .
املبحث اخلامس :طرق ووسائل التعلم .
الفصل السابع :ميادين التربية اإلسالمية عند اإلمام الشاطبي .
املبحث األول :الرتبية اإلميانية .
املبحث الثاين :الرتبية العقلية .
املبحث الثالث :الرتبية املهنية واالجتماعية .
املبحث الرابع :الرتبية األخالقية واجلمالية .
النتائج والتوصيات .
الفهرس
أ – فهرس المصادر والمراجع .
ب – فهرس الموضوعات .
ويف اخلتام أمحد اهلل تعاىل ،وهو للحمد أهل ،أن وفقين إلجناز هذا العمل
على ما فيه من ضعف البشر ،وقصر النظر .
كما أشكر أستاذي الدكتور /حممود عطا ،فالشكر له موصول غري مقطوع
،والتقدير له ممدود غري جمذوذ ،وجزاه اهلل صاحلة ،ونضر منه وجهاً وبوأه من
اجلنة غرفاً .
4
وآخر دعوانا أن احلمد هلل رب العاملني ،والصالة والسالم على أشرف
اخللق أمجعني سيدنا حممد وعلى آله وصحبه أمجعني .
5
الفصل التمهيدي :
مشكلة البحث وأهميته :
متهيد:
الرتبية اإلسالمية جمموعة متناسقة مرتابطة من املفاهيم والقيم الفاعلة يف نفس
املؤمن وروحه حىت وإن كان على غري وعي كامل هبا ،أو على غري قدرة على
صياغتها وترتيبها وعرضها .
فاملسلم املؤمن،الذي ميارس شعائر دينه،ويعيش بفكره وسلوكه على مستوى
من اخللق يكاد يكون فطرة له ،فهو يؤمن أن اهلل الرمحن الرحيم يراه ويسمعه يف
كل حلظة ،ويف كل حركاته وسكناته ،ويؤمن أن اهلل أقرب إليه من حبل الوريد
،وأن مسئوليته عن نواياها وأفعاله مسئولية خلقية كاملة ،وأنه وحده حيمل طائره
يف عنقه .
وهلذا يصل املسلم املؤمن إىل درجة من الرتبية اليت نسميها الرتبية اإلسالمية.
وبالنظر إىل تاريخ الرتبية اإلسالمية خاصة فيما يتعلق بتاريخ الفكر الرتبوي
اإلسالمي .جيد هناك قيادات فكرية إسالمية قامت بتجديد الفكر اإلسالمي
وتأصيله واملسامهة فيه .فضالً عن نشوء مدارس يف الفكر اإلسالمي متنوعة مثل
املدرسة اليت متثل االجتاه الفقهي وأخرى متثل االجتاه الصويف وثالثة متثل االجتاه
الفلسفي الكالمي ،ورابعة متثل االجتاه العلمي التجرييب .وخامسة متثلت يف الفكر
األصويل البعيد عن علم الكالم .
وشخصية البحث متثل االجتاه األخري وهي الفكر األصويل .ويُعد من
األصوليني احملققني عاش يف القرن الثامن اهلجري بغرناطة .قال عنه أمحد بابا
السوداين التنبكيت يف ترمجته ( :اإلمام العالمة احملقق القدوة احلافظ اجلليل اجملتهد ،
6
كان أصولياً /مفسراً حمدثاً لغوياً بيانياً نظّاراً ورعاً صاحلاً زاهداً سنياً إماماً مطلقاً
حبّاثاً مدققاً جدلياً بارعاً يف العلوم ،من أفراد العلماء احملققني اإلثبات وأكابر
األئمة املتفننني الثقات ،له القدم الراسخ واإلمام العظمى يف الفنون فقهاً وأصوالً
وتفسرياً وحديثاً وعربية وغريها مع التحري والتحقيق ..على قدم راسخ من
الصالح والعفة والتحري والورع ) (.)1
ويظهر من هذا النص سعة علم الشاطيب واطالعه ،وتوثيقه وحتقيقه وورعه .
وقد احتل مكانة بارزة يف أحباث الدارسني وخاصة يف علم األصول أما جانب
الفكر الرتبوي فقد كانت هناك اجتهادات ومقاالت من بعض الباحثني أعطت
هذه الشخصية عناية فائقة .
أوالً :أمهية البحث :
مما يعزر أمهية هذا البحث أن اإلمام الشاطيب مارس التعليم يف دور الطالب
ودور الصاحب ودور املعلم يف فرتة حياته ،مما أعطى فكره الرتبوي أمهية وخاصة
يف جانب أصول الرتبية اإلسالمية .
" واملتأمل يف ت راث الش اطيب العلمي جيده من الشخص يات ذات املواهب
والقدرات املتعددة ،اليت عرفها تارخينا .صحيح إن أهم ما وصلنا من تراثه كتابان
فقط ،ومها /املوافق ات واالعتص ام ،ولكن الكتب كالن اس تتف اوت فيما بينها
تفاوت اً كبرياً ،وقد جاء يف احلديث " ليس شيء خرياً من ألف مثله إال اإلنسان "
.
() الشاطيب ،أبو إسحاق إبراهيم بن موسى 1421 ،هـ – 2001م ،فتاوى اإلمام الشاطيب ،حتقيق وتقدمي 1
7
ويف هذا قال الشاعر :
()1
وواحد كاأللف إن أمر عنا" والناس ألف منهمو كواحد
واستناداً إىل ما تقدم ميكن القول بأن اإلمام الشاطيب كان حيتل مكانة
مرموقة بني املفكرين الرتبويني الذين أثروا الفكر الرتبوي اإلسالمي بالعديد من
اآلراء واألفكار اجليدة ،يقول السيد حممد رشيد رضا – رمحه اهلل : -
" ومن أراد أن يعرف فضل اإلسالم ومساحته وسهولته ومرونته فليأخذه من
ينبوعه ،وليستعن على فهمه هبؤالء احلكماء الذين يشددون يف إنكار البدع
ويدعون املسلمني إىل السنة اليت كان عليها السلف " (.)2
لذا تكمن أمهية البحث يف النقاط التالية :
أن اإلمام الشاطيب احتل مكانة بارزة يف أحباث الدارسني وخاصة احملققني -
لفكرة ودوره اإلصالحي .
أن الشاطيب يعترب علماً من أعالم الرتبية والتعليم . -
أنه يعترب رائداً يف جتديد وتشكيل العقلية اإلسالمية . -
أنه أسس املنهج االستقرائي واالستنتاجي . -
يعترب أحد رواد احلركة اإلصالحية اليت تزعمها يف املغرب العريب . -
أن فكر الشاطيب حيتوي على جوانب أصيلة تعكس الروح اإلسالمية يف احملافظة -
على الثوابت وحماربة ومقاومة البدع واخلرافات .
() القرضاوي ،يوسف 1412 ،هـ – 1991م ،الرتبية عند اإلمام الشاطيب ،حولية كلية الشريعة 1
8
-أنه ارتكز يف فكره على ما يسمى باالجتهاد املقاصدي " الذي حقق التحول
من عقلية التلقني والتلقي إىل عقلية التفكري واالستنتاج واالستدالل
واالستقراء والتحليل والنقد واملوازنة واالستشراف املستقبلي وعدم القبول ألي
فكر أو اجتهاد بغري سلطان أو بغري برهان حتت شعار (هاتوا برهانكم) (.)1
ثانياً :مشكلة البحث :
ميكن بلورة مشكلة البحث يف التساؤل التايل :
-1ما هي العوامل اليت أثرت يف فكر اإلمام الشاطيب ؟
-2ما املصادر اليت كونت فكر الشاطيب الرتبوي ؟
-3ما املنهجية التجديدية اليت جاء هبا ومتيز ؟
-4ما مقاصد الرتبية اإلسالمية عند اإلمام الشاطيب ؟ وما تطبيقاهتا ؟
-5كيف صنّف العلم ؟ وما مفهومه ؟ وما ركائزه ؟ وطرقه ووسائله .
-6ما نظرته يف ميادين الرتبية ؟
.كتاب األمة العدد ( 1/16 ، )65من تقدمي عمر عبيد حسنة .
9
تعترب الدراسات الرتبوية عن اإلمام الشاطيب قليلة ومع ذلك فهناك :
" -1نظرية الرتبية عند الشاطيب" -دراسة حتليلية لكتاب املوافقات -وهو حبث
تكميلي لنيل درجة املاجستري من كلية الرتبية جبامعة أم القرى من إعداد –
جويرب ماطر جنم الثبييت إشراف الدكتور بشري التوم .وحتدثت الرسالة عن
ماهية الرتبية عند الشاطيب وموضوعها وصلتها بالعلوم األخرى مث عن مبادئ
عرج بعدها إىل نظريات الرتبية وأهداف الرتبية ووسائلها.
الرتبية وأسسها مث ّ
-2عصر اإلمام الشاطيب .لـ أ.د أبو القاسم سعد اهلل .
-3أصالة اإلمام الشاطيب يف املغرب جذرياً وثقافياً .أ .عبد الرمحن اجلياللي .
-4موافقات أيب إسحاق الشاطيب واستمرارية تأثريها يف مؤلفات العصر احلديث
.الشيخ .حممد املنوي .
-5مشروعية اإليثار يف الشريعة اإلسالمية وضوابطه عند اإلمام الشاطيب
أ.د .حممد سعيد رمضان البوطي .
-6نظرات يف فقه الدعوة عند اإلمام الشاطيب .أ.د بلقاسم لوينس .
-7موقف اإلمام الشاطيب من االحنراف يف جمايل االجتهاد والتقليد :أ.د .حممد
أبو األجفان .
-8مقاومة أيب إسحاق للبدع :الشيخ حممد املختار السالمي .
-9الشاطيب وفكره األصويل بني اإلبداع واإلتباع .أ.د عبد احلميد العلمي
(دبلوم الدراسات العليا يف الدراسات اإلسالمية،كلية اآلداب بفاس،املغرب) .
10
-10اإلمام الشاطيب عقيدته وموقفه من البدع وأهلها :رسالة علمية "ماجستري"
لـ عبد الرمحن آدم علي ،مطبوع ،مكتبة الرشد ،الرياض ،شركة الرياض
للنشر والتوزيع 1418 .هـ – 1998م .
" -11اإلمام الشاطيب واخلصائص العامة لفكره " الباحث :متيم احلواين .جملة
دار احلديث احلسنية املغربية نشر البحث يف العددين . 14 ،13
" -12الفقيه األصويل املفيت إبراهيم أبو إسحاق الشاطيب " حبث لألستاذ
عبد القادر العافية ،جملة دعوة احلق – الرباط – اململكة املغربية ،العدد (
)297سنة 1413هـ – 1993م .
" -13الرتبية عند الشاطيب " لـ أ.د .يوسف القرضاوي – نشر يف حولية كلية
الشريعة والدراسات اإلسالمية جبامعة قطر ،العدد التاسع 1412 ،هـ –
1991م .
" -14الفكر الرتبوي عند اإلمام الشاطيب " مقالة لـ أ.د حممد الدسوقي .جملة
املنهل ،العدد (1416 )526هـ – 1995م .
" -15الشاطيب جمدد العقلية اإلسالمية " لـ الزبري مهداد – مقالة جملة العامل العدد
(1421 ، )19هـ .
" -16الشاطيب وآراء تربوية متجددة " لـ الزبري مهداد – مقالة يف جملة الفيصل ،
العدد (1418 ، )251هـ – 1997م .
" -17منهج الرتبية والتعليم عند الشاطيب " مقالة لـ عبد اجلليل بادو ،منشورة يف
جملة املريب – تطوات – اململكة املغربية – العدد (1994 ، )4م .
وهناك حبوث علمية متخصصة يف علم األصول مثل :
11
" -1نظرية املقاصد عند اإلمام الشاطيب " رسالة علمية حمكمة .د .أمحد
الريسوين له طبعتان ،الطبعة األوىل :دار الكلمة للنشر والتوزيع – مصر –
املنصورة 1418 ،هـ – 1997م .الطبعة الثانية :املعهد العاملي للفكر
اإلسالمي ،نشر وتوزيع الدار العاملية للكتاب اإلسالمي 1412 ،هـ –
1992م .
" -2الشاطيب ومقاصد الشريعة " رسالة علمية حمكمة ،د .محادي العبيدي.
دار قتيبة – دمشق – بريوت ،الطبعة األوىل 1412 ،هـ – 1992م .
" -3قواعد املقاصد عند اإلمام الشاطيب " رسالة علمية حمكمة ،
د .عبد الرمحن إبراهيم الكيالين ،دار الفكر للطباعة والنشر ،دمشق ،
املعهد العاملي للفكر اإلسالمي 1421 ،هـ .
" -4منهج البحث األصويل عند اإلمام الشاطيب " دراسة وتطبيقاً رسالة مقدمة
لنيل درجة الدكتوراه .إعداد فوزية بنت حممد بن عبد اهلل القثامي ،لقسم
الفقه وأصوله ،إشراف األستاذ الدكتور حممود عبد الدامي 1411هـ –
1990م .
" -5أدلة األحكام الشرعية يف أصول الشاطيب " ،حممد عبد اهلل العجالن ،
رسالة جامعية بكلية الشريعة ،قسم أصول الفقه ،جامعة اإلمام حممد بن
سعود ،الرياض 1398 ،هـ .
" -6االستقراء عند اإلمام الشاطيب " حبث لـ نعمان جغيم ،منشور يف جملة
التجديد – اجلامعة اإلسالمية العاملية مباليزيا ،السنة الرابعة ،العدد السابع
– 1420هـ – 2000م .
12
" -7أمنوذج مقرتح لقراءة نظرية املقاصد عند اإلمام الشاطيب " لـ عبد اهلل اجليوسي
.منشور يف جملة التجديد – اجلامعة اإلسالمية العاملية مباليزيا – السنة الرابعة ،
العدد الثامن 1421 ،هـ – 2000م .
" -8االستقراء يف مناهج النظر اإلسالمي " منوذج " املوافقات لإلمام الشاطيب .لـ "
يونس صواحلي " .منشور يف جملة إسالمية املعرفة تصدر من املعهد العاملي للفكر
اإلسالمي ،السنة األوىل ،العدد الرابع 1416هـ– 1996م .
" -9منهج الدرس الداليل عند اإلمام الشاطيب " لألستاذ عبد احلميد العلمي ،من
مطبوعات وزارة األوقاف والشؤون اإلسالمية ،اململكة املغربية 1422 ،هـ –
2001م .
خامساً :التعريف ببعض املصطلحات :
-الفكر الرتبوي :هو التصور املتكامل لفلسفة الرتبية وأصوهلا وأسسها وغايتها
وأهدافها (.)1
-االستقراء التام " املعنوي " " :أدلة ظنية تضافرت على معىن واحد حىت أفادت فيه
القطع .)2( " ..
-مقاصد الشريعة :وهي املعاين امللحوظة يف األحكام الشرعية ،واملرتتبة عليها ،
سواء أكانت تلك املعاين حكماً جزئية أم مصاحل كلية أم مسات إمجالية ،وهي
تتجمع ضمن هدف واحد هو تقرير عبودية اهلل ومصلحة اإلنسان يف الدارين " (.)3
() احلجاجي ،حسن بن علي بن حسن ( 1408هـ – 1988م ) الفكر الرتبوي عند ابن القيم ،دار حافظ 1
13
الفصل األول :عصر اإلمام الشاطبي وأثره في تكوين فكره
التربوي .
املبحث األول :احلالة السياسية (:)1
إن اإلمام الشاطيب – رمحه اهلل – وقد عاش يف ظل مملكة غرناطة اإلسالمية
يف القرن الثامن اهلجري وهي مدينة " البرية " وكانت غرناطة تابعة هلا ،مث خربت
البرية أيام الفنت اإلسالمية ،وانتقل أهلها منذ أيام الفتنة الرببرية عام 400هـ .فما
بعدها ،وجلأوا إىل مدينة غرناطة ،فصارت عاصمة وحاضرة الصقع وأم املصر .
نشأة مملكة غرناطة اإلسالمية :
كانت مملكة غرناطة قد لبثت يف ظل الدولة األموية قاعدة متواضعة من
قواعد األندلس اجلنوبية ،ووقعت يومئذ يف نصيب الرببر ،واستوىل عليها زعيم
صنهاجة زاوي بن زيري ،واختذها دار ملكه ،واستمر احلكم يف ذريته إىل أن عرب
املرابطون البحر إىل األندلس يف سنة 483هـ ،واستولوا على غرناطه ،وعلى
قواعد األندلس األخرى ،واستمر املرابطون يف حكم األندلس 60عاماً،فلما
اهنارت دولتهم يف املغرب جاز املوحدون املتغلبون عليهم إىل األندلس سنة
541هـ .واستولوا على القواعد والثغور .
فاضطر املرابطون إىل تسليم غرناطة إليهم سنة 541هـ ،فاستمر املوحدون
يف احلكم على املغرب واألندلس إىل أن ساءت أحوال دولتهم ،وتبلور األمر فاهتز
سلطاهنم يف املغرب ،كما اهتز كذلك يف األندلس .
1أنظر )1( :اإلمام الشاطيب ،عقيدته وموقفه من البدع وأهلها ،رسالة ماجستري ،عبد الرمحن بآدم علي ،
مكتبة الرشد ،وشركة الرياض 1418 ،هـ – 1998م .
( )2الشاطيب ومقاصد الشريعة 1412 ،هـ – 1992م ،الدكتور محادي العبيدي ،دار قتيبة ،بريوت ،دمشق .
14
فكانت هذه الظروف ساحنة لظهور حممد بن يوسف بن هود اجلذامي ،
وكان ينتمي إىل بيت عريق يف الزعامة وامللوكية ،وكانت دعوته وجوب العمل
على حترير األندلس من املوحدين والنصارى معاً ،فعمل على إهناء سلطان
املوحدين يف األندلس يف وقت ال تعينه الظروف على االحتفاظ باألندلس ،وتوىف
سنة 651هـ .
ويف هذا الوقت واجلو مضطرب ،واألحوال سيئة ،ظهر حممد بن يوسف
النصري املعروف بابن األمحر ،مؤسس مملكة غرناطة اإلسالمية ،وعرفت دولتهم
بالدولة النصرية ،وملوكهم مبلوك بين النصر ،أو بين األمحر.
وهكذا نشأت مملكة غرناطة الصغرية من غمر الفوضى اليت ساءت البالد
على أثر اهنيار سلطان املوحدين ،فقد كافح السلطان حممد بن يوسف كفاحاً
بالغاً يف سبيل توطيد مملكته واستقرارها .
وكانت احلياة السياسة فاسدة يف ذلك العهد ،يقول لسان الدين بن
اخلطيب " :وىل بعد (الغالب بأمر اهلل مؤسس الدولة) ولده ومسيه السلطان أبو
عبد اهلل ،وطالت مدته إىل أن تويف عام واحد وسبعمائة وويل بعده ولده ومسيه أبو
عبد اهلل حممد ،وخلع يوم الفطر من عام مثانية وسبعمائة ،وتويف يف شوال عام
أحد عشر وسبعمائة ،وويل بعده خالعه أخوه نصر أبو اجليوش ،وارتبك أمره ،
وطلب األمر ابن عم أبيه السلطان أبو الوليد إمساعيل ،فتغلب على دار اإلمارة يف
ثاين ذي القعدة من عام ثالثة عشر وسبعمائة ،وانتقل نصر خملوعاً إىل مدينة وادي
أش وتويف عام اثنني وعشرين وسبعمائة ،ومتادى ملك السلطان أيب الوليد إىل
الثالث والعشرين من رجب عام مخسة وعشرين وسبعمائة ،وثبت على ابن عمه
15
يف طائفة من قرابته فقتلوه ببابه ،وخاب فيما أملوه سعيهم فقتلوا كلهم يومئذ ،
وتوىل أمره ولده حممد ،واستمر إىل ذي احلجة من عام أربعة وثالثني وسبعمائة ،
وقتل بظاهر جبل الفتح بأيدي جنده من املغاربة ،وتوىل الأمر بعده أخوه أبو
احلجاج يوسف ،ودام ملكه إىل يوم عيد الفطر من عام مخسة ومخسني وسبعمائة
،وترامى عليه يف صالته ممرور مبدية فقتله " .
دب يف جهاز الدولة بُ ْعي َد وفاة مؤسسها .فقد استمر
فيالحظ أن الفساد َّ
الصراع الدموي على السلطة دون هوادة إىل زين السلطان حممد اخلامس امللقب
بالغين باهلل .ومل يسلم عهد هذا األمري من االضطرابات اخلطرية بالرغم مما عرف
وفر إىل مراكش وعرفت غرناطة أحداثاًبه من قوة وحزم .فقد حني عن اإلمارة ّ
دامية دامت ثالث سنوات حدثت فيها انقالبات متوالية حمورها الصراع على
السلطة :
االنقالب األول حدث يف رمضان سنة 460هـ وانتهى بفرار السلطان
الغين باهلل إىل املغرب وتوىل أخوه إمساعيل الثاين مكانه .واالنقالب الثاين حدث
يف شعبان سنة 761هـ قتل فيه إمساعيل الثاين وتوىل امللك قاتله وزوج شقيقته أبو
سعيد الربميخو .أما االنقالب الثالث الذي حدث يف سنة 763هـ ،فأفضى فيه
األمر إىل عودة الغين باهلل إىل عرشه ،وقتل الربميخو على يد ملك قشتالة بدور
األول امللقب بالقاسي .
هذه األحداث كانت تدور يف حميط عفن من الدسائس والقتل والنهب
فانعكس ذلك على احلياة اليومية فأفسدها ،وبات االحنالل اخللقي طابعاً عاماً هلا
16
سيما على عهد الربميخو الذي كان مدمناً على احلشيش ،فانتشرت هذه الآفة بني
الناس جهاراً ،وأخذوا يفاضلون بينها وبني اخلمر .
عاش الشاطيب هذه األحداث كلها ،وخاصة تلك الفرتة العصيبة اليت
استمرت ثالث سنوات ولكننا ال جند صدى هلا فيما يكتبه الشاطيب يف تلك الفرتة
بالذات .
إننا ال منلك املعطيات اليت متكننا من تفسري هذا املوقف السليب الذي وقفه
الشاطيب من األحداث اليت كانت هتز عصره ،ولعله اكتفى يف ذلك باملوقف
الفكري الذي يتلخص عنده يف أن مصدر الفساد اخللقي واالضطراب االجتماعي
إمنا هو اخلروج عن السنة اليت هي املنهج العملي للحياة اإلسالمية والعمل بالبدع ،
ويعرب هو عن هذا املوقف الفكري الذي كان يصفه فيقول :
" كثرت البدع وعم ضررها واستطار شررها ،ودام االنكباب على العمل
هبا ،السكوت من املتأخرين عن اإلنكار هلا .وخلقت بعدهم خلوف جهلوا أو
غفلوا عن القيام بغرض القيام فيها ،فصارت كأهنا سنن مقررات ،وشرائع من
صاحب الشرع حمررات .فاختلط املشروع بغريها ،فعاد الراجع إىل حمض السنة
كاخلارج عنها " (.)1
17
املبحث الثاين :احلالة االجتماعية واالقتصادية (:)1
قال لسان الدين ابن اخلطيب يف وصفه احلالة االجتماعية يف مملكة غرناطه
اإلسالمية " :يسكن مبملكة غرناطة العرب والرببر واملهاجرة ،وكانوا مجيعاً
يتمتعون متتع األخوة ،والصداقة وكان اجملتمع الغرناطي يعيش يف رخاء وسعة ،
لكثرة ما لديهم األقوات يف الشتاء والصيف وكان احتفاهلم باألعياد ،أنيقاً ،
وكانوا يعشقون مباهج احلياة ،واحلفالت العامة ،وكانت احلياة لديهم كأهنا
سلسلة من األعياد املتواصلة ،وكانت مظاهر التحضر بارزة يف بعض عوائدهم
وتصرفاهتم ،مثل عنايتهم الفائقة بفاخر اللباس يف الرتبية وأناقة املظهر ،فتبصرهم
يف املساجد أيام اجلمع كأهنم األزهار املفتحة ،يف البطاح الكرمية ،حتت األهوية
املعتدلة " فقد أدى األمر بكثري منهم إىل أن غالوا وبالغوا يف الرتف ،واحنرفوا عن
منهج االعتدال املشروع ،فانتشر الغناء وذاع ،وخاصة يف املنتديات واملقاهي
العامة ،حيث يلتقي الشباب بكثرة .
كذلك قد بلغ التفنن يف الزينة عند النساء ذروته حبيث يلفت النظر ،حىت
إن لسان الدين ابن اخلطيب خاف من أن يكون ذلك ابتالء من اهلل وفتنة ،فدعا
اهلل بأن يسرتهم على ذلك وال يسلبهم لطفه .
وقد توفرت لغرناطة اخلربة يف الصناعة والفالحة نتيجة لتتابع اهلجرات اليت
قام هبا كثري من املسلمني الذين سقطت مدهنم على أيدي النصارى ،حىت قويت
() أنظر :منهج البحث األصويل عند اإلمام الشاطيب – رسالة دكتوراه 1411 ،هـ – 1990م ،مقدمة 1
إىل كلية الشريعة والدراسات اإلسالمية جبامعة أم القرى ،من إعداد فوزية بنت حممد القثامي ،ص – 10
. 13
وكتاب .اإلمام الشاطيب عقيدته وموقفه من أهل البدع .مرجع سابق ،ص .28-28
18
بذلك صالت اقتصادية وجتارية بينها وبني دول أخرى متجاورة ،وازدهرت
احلركة التجارية وال سيما التجارة اخلارجية إىل أن صارت غرناطة من أعظم
املراكز التجارية يف أوربا ..ألهنا كانت تتمتع بثرواهتا املعدنية الكثرية كاحلديد
والذهب والفضة وغريها .لكن مظاهر الرتف هذه مل تدم .
حيث انعكس ذلك على احلياة االجتماعية ،فاضطرب حبل األمن وتزعزع
،فانقلب عليهم األمر وسلب اهلل منهم نعمة األمن والرخاء والسعة وتسرب إليهم
الضعف والضيق يف احلياة ،فأذاقهم اهلل لباس اجلوع واخلوف مبا كانوا يصنعون .
ولعل من أقوى ما يربز لنا هذا املظهر من حياة سكان غرناطة يف ذلك
الوقت أمران :عجز بني مال املسلمني عن القيام مبهامه ،وتفكري كثري منهم يف
التبادل التجاري مع العدو األسباين .
مما سبق يتبني أن لسقوط دولة اإلسالم يف األندلس أسباب منها :
-1الثورات الداخلية املستمرة بني أفراد أسرة بين نصر .
-2الثورات اخلارجية من العدو النصراين .
-3انغماس أهايل غرناطة يف اللهو اخلواص منهم والعوام مما أبعدهم عن جوهر
الدين .
19
املبحث الثالث :احلالة التعليمية والثقافية (:)1
أوالً :اهتمام الأمراء بالعلم والعلماء :
جند أن الفرتة اليت عاشها اإلمام الشاطيب – رمحه اهلل تعاىل – يف غرناطة
وهي تقريباً من سنة 720هـ إىل 790هـ من أخصب الفرتات العلمية يف عصر
الدولة النصرية اليت عاش اإلمام الشاطيب رمحه اهلل يف ظلها .فقد بلغت احلركة
الثقافية ذروهتا يف عهد السطان أيب احلجاج يوسف بن إمساعيل النصري 733 ( .
هـ – 755هـ ) فنجد أنه ال يوجد علم إال وكان فيه نوابغ بل وجند أن من األمراء
من عُرف بعلمه وحبه للعلماء كأيب احلجاج يوسف تويف سنة 755هـ ،فقد كان
عاملاً أديباً شغوفاً بالعلوم ،كما عُرف األمر أبو الوليد إمساعيل بن السلطان يوسف
الثاين تويف سنة ( )805حبثه لألدباء والعلماء بل قد اشتهر بأدبه وبارع نشره فهو
صاحب كتاب ( نثري اجلمان يف شعر من نظمين وإياه الزمان ) وقد ألفه سنة 776
هـ .
أما منصب الوزارة فلم يكن يسند إل ملن هو معروف بعلمه وأدبه ،ومن
بني الوزراء الذين ظهروا يف هذه الدولة وكانوا معروفني بالكتابة والشعر واألدب
مثل الوزير أبو عبد اهلل بن زمرك وابن اخلطيب والوزير بن احلكيم اللخمي .
ثانياً :مراكز العلم يف مملكة غرناطة :
قد حظيت مملكة غرناطة يف تلك الفرتة مبؤسستني علميتني كبريتني ،
تقومان مبواصلة أداء مهمتها العلمية والدينية .
() أنظر :إىل منهج البحث األصويل عند اإلمام الشاطيب .مرجع سابق ،ص ، 27 – 14واإلمام الشاطيب 1
20
( أ ) اجلامع األعظم :هذا اجلامع الذي تنتظم فيه حلقات الدروس ،ويقصد
للتعلم كما يقصد للتعبد ،مجع كثري من الطالب النابغني محلوا أعباء
التدريس على أكتافهم واشتهروا فيما بعد بالعلم واملعرفة والتدين والتقوى
والصالح .كما حظي هذا اجلامع باملدرسني املشهورين يف ذلك العصر ،
ومن أشهر مدرسيه أبو سعيد فرج بن لب ،شيخ الشيوخ يف عصره ،وأبو
بكر أمحد بن جزي وغريمها .
(ب) املدرسة النصرية :هذه املدرسة تعد من مفاخر السلطان أبي احلجاج
يوسف األول ،اليت تدل على مدى اهتمامه البالغ بالعلم واملعرفة واعتنائه
بالعلماء وقد استمرت هذه املدرسة على بث العلم واملعرفة إىل آخر عهد
املسلمني باألندلس ،وكذا اجلامع األعظم ،قال لسان الدين ابن اخلطيب
يف وصفه للمدرسة النصرية " :جاءت نسيجة وحدها هبجة وصدراً وظرفاً
وفخامة ".
وكان للمدرسة النصرية واجلامع األعظم دوراً عظيماً يف إبقاء شعلة اإلسالم
مضيئة يف تلك الديار ،فقد قام العلماء بأعباء التعليم والدعوة يف تلك
املؤسستني وغريمها من املساجد .هذا جبانب تأليفهم املصنفات املختلفة
العلوم والفنون والقيام بأعباء اإلفتاء واالجتهاد يف إعطاء النوازل املستجدة
حكمها الشرعي .
ثالثاً :املناظرات العلمية :
املناظرات العلمية هي سبيل من سبل اإلثراء العلمي يف كل عصر واملراد هبا
املناقشات العلمية املفيدة وتبادل اآلراء مما يؤدي إىل انتشار العلم بني الناس
21
ومعرفة اآلراء املختلفة مع بيان األدلة ،وقد برز هذا النوع من طرق التعليم
يف عصر اإلمام الشاطيب بل كان هو أحد فرسان هذا اجملال ،ومن املسائل
اليت متت املناظرات حوهلا :
-1مسألة مراعاة اخلالف يف املذهب املالكي .
-2كما وقع أيضاً بني اإلمام أبو العباس القباب واإلمام العقباين مناظرات
ومراجعات يف مسائل مجعها العقباين ومسّاها لباب اللباب يف مناظرة القباب.
رابعاً :جهود علماء غرناطة يف مجيع ميادين احلياة :
يقول الشيخ حممد الطاهر بن عاشور :
" االحنطاط الذي أصيب به جسم األندلس مل يؤثر تأخراً سريعاً ،بل
كانت القوة السالفة شديدة املقاومة له ،وكان العلماء من سائر الفنون .متوافرين
يف بالد األندلس ،وهذه طائفة كانت يف عصر واحد ما منها إال إمام يعىن إليه ،
ويعتمد يف علمه عليه مثل ابن جزي ،وابن لب يف الفقهاء ،والشاطيب يف األصول
وفلسفة الشريعة ،وابن اخلطيب يف رجال القلم والسياسة ،إمنا كان القضاء األخري
على العلم باألندلس يف القرن التاسع " (.)1
خامساً :الشاطيب وابن خلدون يف عصر واحد :
ذكر السيد حممد رشيد رضا يف مقدمة االعتصام :
" لوال أن هذا الكتاب ألّف يف عصر ضعف العلم والدين يف املسلمني لكان
مبدأ هنضة جديدة إلحياء السنّة ،وإصالح شئون األخالق ،واالجتماع ،ولكان
املصنف هلذا الكتاب لصنوه كتاب " املوافقات " الذي مل يسبق إىل مثله سابق
() بن عاشور ،حممد الطاهر ( ،د.ت) ،أليس الصبح بقريب ،الشركة التونسية للتوزيع ،ص . 79 1
22
أيضاً – من أعظم اجملددين يف اإلسالم ،فمثله كمثل احلكيم االجتماعي عبد
الرمحن بن خلدون ،كل منهما جاء مبا مل يسبق إىل مثله ،ومل تنتفع األمة كما
كان جيب – بعلمه – " (.)1
قدم ابن خلدون على غرناطة ويف الثامن من ربيع األول سنة 764هـ،
وكان لقدومه صدى عظيم ،إذ احتفى مبقدمه السلطان حممد املغين باهلل نفسه ،
ووزيره لسان الدين بن اخلطيب وال جند الشاطيب يشري إىل شيء من ذلك .
وقد بقى ابن خلدون بغرناطة إىل منتصف سنة 766هـ ،وكان سبب
قدومه إبرام صلح بني ملكي غرناطة واملغرب من جهة ،وبني بطرو الطاغية ملك
قشتالة من جهة ثانية .
فلخص كتاب
يف أثناء هذه املدة قام ابن خلدون بأعمال علمية هامة ّ ،
" احملصول " للرازي وشرح ألفية يف أصول الفقه نظمها صديقه لسان الدين بن
اخلطيب .
فكال الرجلني كانا يف تلك الفرتة مستقلني بعلم األصول الذي كان الشغل
الشاغل للشاطيب ومع ذلك ال جند أياً منهما يذكره ،وال جنده يذكر أحداً منهما
كما تقدم .
س :ملاذا مل يذكر أحدمها اآلخر يف مصنفاته ؟ ! .
الواقع أن تفسري مثل هذه الظاهرة حمري ،سيما أن هؤالء جتاوزت شهرهتم
األندلس وهم ما يزالون أحياء .
23
لكن يلوح أن هذه اجلفوة كان الشاطيب مصدرها ،فالرجل اشتهر مبيل إىل
الزهد وصدوف شديد عن متع احلياة ،رأى يف ابن خلدون وابن اخلطيب إقباالً
على الدنيا وانصرافاً إىل لذاهتا ،وكان ندميني للسلطان ،فرغبت نفسه عنهما ،
والرجل كان حريصاً على التمسك خبلق العفة والزهد ،يف حني أن ابن خلدون
يرى جارية إسبانية مجيلة يف قصر السلطان فتعجبه ،فيهديه السلطان إياها ،ويهنئه
ابن اخلطيب بذلك ،مرسالً إليه شعراً يُ ُّ
عد مما يسمى اليوم باألدب املكشوف .
ذلك كله يدل على تفاخر الطباع ،واختالف األمزجة ،وافرتاق الوجهة
بني الشاطيب من جهة ،وبني ابن خلدون وابن اخلطيب من جهة ثانية ،فقد
عايشهما وعيشاه يف غرناطة فلم يذكر أياً منهما يف كتابه الذي ألّفه على شكل
مذكرات شخصية ومساه " اإلفادات والإنشادات " .
ومل يذكره ابن خلدون يف كتابه " التعريف بابن خلدون ورحلته غرباً
وشرقاً " الذي تعرض فيه لذكر من لقيه بغرناطة ،ومل يذكره ابن اخلطيب يف كتبه
عن غرناطة ورجاهلا … (.)1
() الشاطيب ومقاصد الشريعة ،مرجع سابق ،ص 88 – 87باختصار . 1
24
الفصل الثاني :سيرته وحياته العلمية (:)1
املبحث األول :امسه ونسبه وشهرته :
هو أبو إسحاق إبراهيم بن موسى ابن حممد اللخمي ،الغرناطي ،املعروف
بالشاطيب ،وقد جعله حممد خملوف من الطبقة السادسة عشرة من طبقات الفقهاء
املالكية بفرع األندلس (.)2
واتفق املرتمجون له على أنه نشأ بغرناطة وتويف هبا ،ولكن موطن آبائه كان
مدينة شاطبة ،فقد جلأت أسرته إىل غرناطة ملا سقطت هذه املدينة بيد ملك "
أراقون " األسباين الذي غزاها سنة 1239م .وتقع شاطبة اليت ينتسب إليها
صاحبنا بشرق األندلس على شاطئ البحر األبيض مبقاطعة " بلنسية " وكانت
تعرف بصنع الورق (.)3
والدته :
ال أحد من املرتمجني له استطاع أن حيدد تارخياً مضبوطاً لوالدته ،فالتنبكيت
الذي يُعد مرجعاً أصلياً يف ترمجته ،يصرح بأنه مل يقف على تاريخ ملولده (.)4
() من أهم مصادر ترمجة الشاطيب :برنامج اجملاري :ص – 122 – 116وهو تلميذ ،وهو من أقدم من 1
ترجم له ،ونيل االبتهاج للتنبكيت :ص ، 46وشجرة النور الزكية ملخلوف :ص . 231ومقدمة د.حممد
أبو األجفان لكتاب اإلفادات واإلنشادات ،ص 53 – 11ولكتاب فتاوى اإلمام الشاطيب (، )96-29
وكتاب نظرية املقاصد عند اإلمام الشاطيب لـ د .أمحد الريسوين ( )107-79وكتاب الشاطيب ومقاصد الشريعة
حلمادي العبيدي ( ، )116-11وكتاب اإلمام الشاطيب :عقيدته وموقفه من البدع وأهلها لعبد الرمحن آدم
علي ، )86-15( .وجملة املوافقات العدد األول (ذو احلجة 1412هـ) ،ص .379-91وقد مشل ()16
حبثاً عن الشاطيب وكتاب املوافقات ،واجمللة يصدرها املعهد الوطين العايل ألصول الدين باجلزائر .
() العبيدي ،محادي 1412 ،هـ – 1992م ،الشاطيب ومقاصد الشريعة ،دار قتيبة ،بريوت ،دمشق ، 2
() التنبكيت ،أمحد بابا السوداين 1329 ،هـ ،نيل االبتهاج بتطريز الديباج ،مكتبة السعادة ،مصر ،ص46 4
.
25
واستنتج حممد أبو األجفان يف مقدمته لفتاوى الشاطيب اليت مجعها وحققها
أن والدته كانت قبل سنة 720هـ ،وأداه إىل هذا االستنتاج أن وفاة أسبق
شيوخه أيب جعفر أمحد الزيات كانت سنة 728هـ ،على معىن أنه عند وفاة هذا
الشيخ البد أن يكون الشاطيب يافعاً ،يف مقتبل الشباب (.)1
" ولكن ابن الزيات هذا مل يكن شيخاً للشاطيب وإمنا كان من أهل مالقه ،
يزور غرناطة بني احلني واحلني ،فيتحلق حوله الناس ،مستمعني ملواعظه ،وكان
الرجل من أهل التصوف والزهد،وأرجح أن يكون مولد الشاطيب قريباً من سنة
730هـ واستند يف ذلك إىل أنه كان صديقاً لداً للشاعر ،الوزير ابن زمرك الذي
ولد سنة .)2(" 733كما أن الشاطيب نفسه يذكر أنه يف سنة ست ومخسني
وسبعمائة كان صغري السن ،وكان يومئذ تلميذاً البن الفخار البريي ،الذي كان
معجباً بذكائه،وإثارته ملسائل يف اللغة ال يستطيع التنبه إليها من كان يف مثل سنه (.)3
() أبو األجفان ،حممد 1421 ،هـ – 2001م ،فتاوى اإلمام الشاطيب ،ط ، 4مكتبة العبيكان ،ص. 44 1
() العبيدي ،محادي ،الشاطيب ومقاصد الشريعة ،مرجع سابق ،ص . 12 2
() الشاطيب ،أبو إسحاق إبراهيم بن موسى 1408 ،هـ – 1988م ،اإلفادات واإلنشادات ،ط، 3 3
دراسة وحتقيق الدكتور حممد أبو األجفان .مؤسسة الرسالة ،بريوت ،ص . 144 – 143
26
املبحث الثاين :نشأته وتعليمه :
وبغرناطة نشأ الشاطيب وترعرع ،فقد حتدث مرتمجوه عن شيوخه الغرناطيني
والوافدين عليها ،وعن نشاطه العلمي هبا ،ومل يشريوا إىل مكان آخر عاش به أو
رحلة قام هبا ( ، )1كما أنه مل يذكر أحد أنه غادر األندلس للحج أو طلب العلم
باملشرق ،على عادة مواطنيه ،وال جند تعليالً هلذا إال أن تكون تلك األسباب العادية
من فقر أو مرض هي اليت حالت بينه وبني ذلك .ومهما يكن من أمر فإن أسرته تبدو
متواضعة ،مل ينبغ منها أحد غريه ( .)2خاض أبو إسحاق ميدان طلب العلم منذ حداثة
سنه ،وكان انكبابه على الدراسة ال يقتصر على فن دون فن،وال ينحصر يف علم دون
آخر " .مل أزل منذ فتق للفهم عقلي ووجه شطر العلم طليب أنظر يف عقلياته وشرعياته،
أصوله وفروعه ،مل اقتصر فيه على علم دون علم ،وال أفردت عن أنواعه نوعاً دون
آخر" (.)3
وهكذا تدرج يف تلقي دراسته مبتدئاً باجلانب األصويل " :عمالً واعتقاداً مث
بفروعه املبنية على تلك األصول " (.)4
وشرط هذا التحقق أن يتم التعليم عن طريق مالزمة الشيوخ وجمالستهم مع
إمكان الرجوع إىل التأليف واملصنفات إذا كان أصحاهبا من املتقدمني فاملتأخر عنده "
ال يبلغ من الرسوخ يف علم ما بلغه املتقدم " (.)5
() الشاطيب ،أبو إسحاق إبراهيم بن موسى ،املوافقات يف أصول الشريعة ،شرح الشيخ عبد اهلل دراز ، 5
27
وكان يرى أن إحدى طرقه الكتساب العلم هي " :أخذه عن أهله احملققني به
على الكمال التمام " (.)6
املبحث الثالث :شيوخه وتالميذه :
أوالً :شيوخه الغرناطيون (:)2
-أبو عبد اهلل حممد بن علي بن أمحد بن الفخار اخلوالين البريي (754هـ) يقول
عنه تلميذه ابن اخلطيب " :اإلمام اجملمع على إمامته يف فن العربية املفتوح عليه
من اهلل تعاىل فيها حفظاً واطالعاً واضطالعاً ونقالً وتوجيهاً ،مبا ال مطمع فيه
لسواه " .
-أبو جعفر أمحد بن آدم الشقوري :الفقيه النحوي الفرضي الذي كان يدرس
بغرناطة " كتاب سيبويه " .
-أبو سعيد فرج بن قاسم بن أمحد بن لب التغليب (ت )782مفيت غرناطة
وخطيب جامعها واملدرس مبدرستها النصرية .
ثانياً :شيوخه الوافدون (:)3
-أبو القاسم ممد بن أمحد الشريف احلسين السبيت ،قاضي اجلماعة املتوىف بغرناطة
سنة 760هـ .رئيس العلوم اللسانية وشارح مقصورة حازم القرطاجني .
-أبو عبد اهلل حممد بن أمحد الشريف التلمساين .أعلم أهل وقته وإمام املالكية
يف زمانه .ت 771هـ .
-أبو عبد اهلل املقري املتوىف سنة 759هـ .
() املرجع السابق . 1/64 ، 6
() فتاوى اإلمام الشاطيب ،مرجع سابق ،ص 46باختصار . 2
() اجليزاين ،حممد حسني 1421 ،هـ ،هتذيب املوافقات يف أصول الفقه ،دار ابن اجلوزي للنشر والتوزيع 3
28
-مشس الدين أبو عبد اهلل حممد بن أمحد بن مرزوق اخلطيب التلمساين(ت. )781
29
املبحث الرابع :ثقافته وجهوده العلمية :
كان اإلمام الشاطيب – رمحه اهلل – من العلماء العاملني الذين مجعوا بني
العلوم الشرعية والنقلية ،وكان يتمتع بثقافة واسعة .
وقد عرفنا يف مقدمته لكتاب االعتصام أنه – رمحه اهلل – مل يقتصر على فن
دون فن وإذا ما تصفحنا كتابه " اإلفادات واإلنشادات " ،لوجدنا أنه
أورد فيه من الفوائد العلمية ما يدل على تنوع الفنون اليت تلقاها وأجادها .
قال – رمحه اهلل – يف مقدمة كتابه املذكور :
" أيها األخر الصفي ،الصديق الويف ،أعانك اهلل وسددك ،فإين مجعت لك
يف هذه األوراق مجلة من اإلفادات املشفوعة باإلنشادات ،مما تلقيته عن شيوخنا
األعالم ،وأصحايب من ذوي النبل واإلفهام ،قصدت بذلك تشويق املتفنن يف
املعقود وحماضرة املستزيد من نتائج القرائح والعقول " (.)1
وقد قام الدكتور حممد أبو األجفان حبصر موضوعات اإلفادات.
فهي كاآليت :
" حد العلم وشروطه ،حنو وصرف ،بالغة ،لغة وأدب ،تفسري ،حديث ،
سر تشريع أصول فقه ،عقيدة وكالم ،منطق وجدل ،فلك ،حساب ،تغذية ،
طب " (.)2
جهوده العلمية :
قال أمحد بابا " :له تأليف جليلة مشتملة على أحباث نفيسة ،وانتقادات ،
وحتقيقات شريفة " (.)3
30
وقال أيضاً " :ألف تأليف نفيسة اشتملت على حتريرات للقواعد وحتقيقات
ملهمات الفوائد " (.)1
وقد حصرت مؤلفات الشاطيب – رمحه اهلل – وهي كما يلي :
-1شرح جليل على اخلالصة يف النحو " :املقاصد الشافية يف شرح خالصة الكافية
" خمطوط .
-2كتاب اجملالس :شرح كتاب البيوع من صحيح البخاري " خمطوط " .
-3شرح رجز ابن مالك يف النحو " خمطوط " .
-4عنوان االتفاق يف علم االشتقاق " أتلف " .
-5أصول النحو " أتلف " .
-6اإلفادات واإلنشادات " .مطبوع بتحقيق الدكتور حممد أبو األجفان " .
-7املوافقات يف أصول الشريعة " :مطبوع " .هناك نسخة بتحقيق الشيخ عبد اهلل
دراز .ونسخة أخرى مطبوعة أيضاً بتحقيق الشيخ مشهور آل سلمان .
-8رسالة يف األدب " ليست مطبوعة " .
-9فتاوى اإلمام الشاطيب :قام جبمع هذه الفتاوى لإلمام الشاطيب د .حممد أبو
األجفان من كتب مطبوعة وخمطوطة .
-10االعتصام " مطبوع " بتحقيق الشيخ حممد رشيد رضا (.)2
قال عنه الشيخ حممد رشيد رضا":وكتاب االعتصام "ال ن ّد له يف بابه ،فهو
ممتع مشبع ،وإن مل يتمه املصنف – رمحه اهلل تعاىل " (.)3
() اإلمام الشاطيب عقيدته وموقفه من البدع وأهلها ،مرجع سابق ،ص . 77 – 70 2
31
املبحث اخلامس :شخصيته وصفاته اخللقية :
32
– 4اهتمامه بنفسه وتربيته هلا :فيحملها على :
" املشي مع اجلماعة اليت مسّاها رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم بالسواد
األعظم ،يف الوصف الذي كان عليه هو وأصحابه وترك البدع اليت نص عليها
العلماء أهنا بدع وأعمال خمتلفة " (.)1
- 5كان الشاطيب – على ما يبدو – يكره التعامل والتعنت ،واالعرتاض ،
واجلدل (.)2
- 6طيب القلب ،رقيق النفس ،إنساين النزعة إىل حد بعيد ..ونفس رحبة
ممتلئة شفقه وحباً للناس ،ولغري الناس مما خلق اهلل من حيوان ،وتواضع
جم ،وسعي لنفع كل من كان يف حاجة إىل النفع " (.)3
- 7عدم اجملاملة أو املهادنة يف احلق :
" وقول من قال لكم :ال تعمل إال برضى الناس ،ويكفي يف جواب هذا
القول ما جاء عن النيب صلى اهلل عليه وسلم :من التمس رضى الناس
بسخط اهلل سخط اهلل عليه ،وأسخط عليه الناس ،ومن التمس رضي اهلل
بسخط الناس ،رضي اهلل عنه ،وأرضى عنه الناس " (.)4
- 8اإلنصاف وحسن الظن باآلخرين :
" إن زلة العامل ال يصح اعتمادها من جهة وال األخذ هبا تقليداً له ،وذلك
ألهنا موضوعة على املخالفة للشرع ،ولذلك عدت زلة ،وإال فلو كانت
33
معتداً هبا مل جيعل هلا هذه الرتبة ،وال نسب صاحبها الزلل فيها ،كما أنه
ال ينبغي أن ينسب صاحبها إىل التقصري ،وال أن يشنع عليه هبا ،وال
ينتقض من أجلها ،أو يعتقد فيه أال تدام على املخالفة حبثاً ،فإن هذا كله
خالف ما تقتضي رتبته يف الدين .)1( " ..
- 9املثابرة على اتباع احلق :
" وعلى الجملة ،فالزمان زمان وقوع ما أخرب عنه الصادق املصدوق ..وإن
املستمسك فيه بدينه كالقابض على اجلمر ولكن األجر فيه – حبول اهلل
جزيل ورب العزة حبفظ احلوزة كفيل ،ال عليكم ،فإن اهلل معكم ،ما
قصدمت وجه اهلل بأعمالكم ،وثابرمت على اتباع احلق واملشي على طريق
الصواب ،ورضى املخلوق ال يغين من اهلل شيئاً ،واهلل سبحانه يتوالين
وإياكم مبا توىل عباده الصاحلني " (.)2
- 10عدم التسرع يف إصدار األحكام " :وقف وقفة املتخريين ال وقفة املتحيرين
إال إذا اشتبهت املطالب ،ومل يلح وجه املطلوب للطالب ،فال عليك من
اإلحجام " إن جل اخلصوم " (.)3
() فتاوى اإلمام الشاطيب ،مرجع سابق ،ص . 240 : 2
34
املبحث السادس :وفاته وثناء العلماء عليه :
( أ ) وفاته :
أمجع مرتمجوه على أن وفاته كانت سنة 790هـ – 1388م .وعنّي
اجملاري الشهر وهو شعبان ،وعنّي أمحد بابا السوداين اليوم وهو الثالثاء الثامن
منه(.)1
(ب) ثناء العلماء عليه :
قال أمحد بابا السوداين :
" اإلمام العالمة احملقق القدوة احلافظ اجلليل اجملتهد ،كان أصولياً مفسراً
فقيهاً حمدثاً لغوياً بيانياً نظّاراً ورعاً صاحلاً زاهداً سنيِّاً إماماً مطلقاً حبّاثاً مدققاً
جدلياً بارعاً يف العلوم ،من أفراد العلماء احملققني اإلثبات وأكابر األئمة املتفننني
الثقات ،له القدم الراسخ واإلمامة العظمى يف الفنون فقهاً وأصوالً وتفسرياً
وحديثاً وعربية وغريها مع التحري والتحقق ..على قدم راسخ من الصالح والعفة
والتحري والورع .)2( " ..
قال عنه تلميذه أبو عبد اهلل اجملاري األندلسي :
" الشيخ اإلمام العالمة الشهري نسيج وحده وفريد عصره " (.)3
ونعته احلجوي بـ :
35
" اإلمام احلافظ اجلليل اجملتهد من أفراد احملققني األثبات وأكابر املتفننني فقهاً
وأصوالً وعربية وغريها " (.)4
قال الشيخ حممد رشيد رضا – رمحه اهلل – كتاب االعتصام :
" لوال أن هذا الكتاب ألف يف عصر ضعف العلم والدين يف املسلمني لكان مبدأ
هنضة جديدة إلحياء السنّة ،وإصالح شئون األخالق واالجتماع ،ولكان
املصنف هبذا الكتاب ولصنوه كتاب " املوافقات " الذي مل يسبق إىل مثله سابق
أيضاً من أعظم اجملددين يف اإلسالم … " (.)2
36
الفصل الثالث : Lمصادر الفكر التربوي عند اإلمام الشاطبي :
املبحث األول :القرآن والسنة :
ليس أدل على متكن هذا املصدر يف الشاطيب من كتابه الفذ " االعتصام"
الذي مل يُصنَّف مثله يف أصول االتباع واالبتداع ،فهو على حد قول الشيخ حممد
رشيد رضا " ال ن ّد ل يف بابه " (.)1
ولعل أقوى مثل على تعظيم الشاطيب هلذين املصدرين أنه يف تأصيله لنظرية
املقاصد كان حريصاً على رد كل صغري وكبري إىل النصوص الشرعية واستفتاء
قواعده من أحوال النيب صلى اهلل عليه وسلم وصحابته .
ومن األمور اليت أوالها الشاطيب عناية بالغة :منزلة العقل من النقل وهي
مزلة أقدام ومفرق طرق يف باب االتباع ،وقد حذا الشاطيب حذو األئمة الراسخني
من أئمة السنّة ،فبني أن األدلة الشرعية ال تنايف قضايا العقل ،وأن النقل والعقل
إذا تعاضدا على املسائل الشرعية فعلى شرط أن يكون العقل تابعاً للنقل ومكمالً
له غري مستقل بالداللة (.)2
وأن العقل إذا مل يكن متبعاً للشرع فهو نوع من اتباع اهلوى (.)3
وأن التحسني والتقبيح العقليني هي من مسات املبتدع (.)4
37
ويف عالقة القرآن بالسنة يقول الشاطيب " :فكل واحد من الكتاب والسنة
يعضد بعضه بعضاً ويشد بعضه بعضاً فهما عنده متكامالن متالزمان ال تعارض
بينهما ،وال اختالف وال يغين أحدمها عن اآلخر " (.)5
لذا فهو يستمد أخالقه وفكره من كتاب اهلل وسنة رسول اهلل صلى اهلل عليه
وسلم ويتأسى منها بالصحابة رضي اهلل عنهم وهذا ما جعله ينصرف عما كان
الناس يتهافتون عليه من املناصب العامة ،حريصني يف ذلك على ما تتيحه هلم هذه
املناصب من شهرة أو جاه أو مال .
" فرتدد النظر بني أن اتبع السنّة على شرط خمالفة ما اعتاد الناس ،فالبد من
حصول حنو مما حصل ملخالفيت العوائد ،ال سيما إذا ادعى أهلها أن ما هم عليه
هو السنّة ال سواها ..وبني أن اتبعهم على شرط خمالفة السنّة والسلف الصاحل "
(.)2
38
املبحث الثاين :اإلمجاع :
من مصادر الفكر الشاطيب ما أمجع عليه العلماء وخاصة سلف األمة من القرون
املفضلة األوىل وقد أشار يف مواضع متعددة من كتابيه االعتصام واملوافقات إىل هذا
املفهوم "ومن ههنا اعتمد الناس يف الداللة على وجوب هذا على داللة اإلمجاع ألنه
قطعي وقاطع هلذه الشواغب.وإذا تأملت أدلة كون اإلمجاع حجة أو خرب الواحد أو
القياس حجة فهو راجع هذا املساق (ويقصد االستقراء املعنوي )؛ألن أدلتها مأخوذة
من مواضع تكاد تفوت احلصر ،وهي مع ذلك خمتلفة املساق ال ترجع إىل باب واحد
… " (.)1
يعلق الشيخ عبد اهلل دراز " :أي فبدل أن يسردوا األدلة اجلزئية فيؤخذ يف
مناقشة كل دليل يورد باملناقشات املشار إليها يعدلون عن هذا الطريق القابل للمشاغبة
إىل طريق ذكر اإلمجاع القاطع للشغب .وما ذلك إال ألن كل دليل على حدته ظين ال
يفيد القطع " (.)2
فنجد أن اإلم ام الش اطيب اس تند إىل اإلمجاع ك دليل ألنه يفيد القطع يف جمم وع
أدلته وألنه شبيه بالتواتر املعنوي .
وكثرياً ما يستند الشاطيب يف فكره باالستدالل على ما فهمه السلف الصاحل ما
أمجعوا عليه وما قاموا به من طريقة للتعلم والتعليم ،ويف ذلك يقول " :وعلى هذا
مر السلف الصاحل يف بث الشريعة للمؤالف واملخالف ومن نظر يف استدالهلم النحو ّ
على إثبات األحكام التكليفية ،علم أهنم قصدوا أيسر الطرق وأقرهبا إىل عقول الطالبني
،لكن من غري ترتيب متكلف وال نظم مؤلف بل كانوا يرمون بالكالم على عواهنه ،
وال يبالون كيف وقع يف ترتيبه ،إذا كان قريب املأخذ ،وسهل امللتمس " (.)3
() املرجع السابق " 1/25 ،يف اهلامش " . 2
39
املبحث الثالث :أقوال الصحابة وفعلهم :
من مصادر فكر الشاطيب فعل الصحابة وأقواهلم ،يقول رمحه اهلل " سنة
الصحابة رضي اهلل عنهم سنّة يعمل عليها ويرجع إليها ومن الدليل على ذلك :
-1ثناء اهلل عليهم من غري مثنوية ومدحهم بالعدالة .
-2ما جاء يف احلديث كقوله " :فعليكم بسنيت وسنة اخللفاء الراشدين املهديني
متسكوا هبا وعضوا عليها بالنواجذ " .
-3أن مجهور العلماء قدموا الصحابة عند ترجيح األقاويل ،وذلك أن السلف
واخللف من التابعني ومن بعدهم يهابون خمالفة الصحابة ،ويتكثرون
مبوافقتهم ،فنجدهم إذا عينوا مذاهبهم ّقووها بذكر من ذهب إليها من
الصحابة " (.)1
ومل يكتف الشاطيب هبذا النهج العملي يف اتباع السلف ،وإمنا قرر هذا
األصل بصورة نظرية ،وبني عظيم نفعه وبركته وشدة حاجة علماء الشريعة
أصوالً وفروعاً إليه ،ومثال ذلك :
يتمثل يف قوله " :ويطلق أيضاً لفظ السنّة على ما عمل عليه الصحابة وجد
ذلك يف الكتاب والسنّة أومل يوجد ،لكونه اتباعاً للسنة ثبتت عندهم مل تنقل إلينا
،أو اجتهاداً جمتمعاً عليه فهم أو من خلفائهم ،فإن إمجاعهم إمجاع ،وعمل
خلفائهم راجع أيضاً إىل حقيقة اإلمجاع ،من جهة محل الناس عليه حسبما اقتضاه
النظر املصلحي عندهم " (.)2
() هتذيب املوافقات يف أصول الفقه ،مرجع سابق ،ص . 318 1
40
املبحث الرابع :القياس :
يقول الشاطيب " :وأما جمال القياس .فإنه يقع يف الكتاب العزيز أصول
تشري إىل ما كان من حنوها أن حكمه حكمها .
فإذا كان كذلك وجدنا يف الكتاب أصالً وجاءت السنّة مبا يف معناه ،أو ما
يلحق به أو يشبهه أو يدانيه ،فهو املعىن ههنا .
وله أمثلة :
حرم اجلمع بني األختني وجاءت يف القرآن " وأحل لكم ما ( أ ) أن اهلل تعاىل ّ
وراء ذلكم " فجاء هنيه عليه الصالة والسالم عن اجلمع بني املرأة وعمتها أو
خالتها من باب القياس ،ألن املعىن الذي ألجله ذم اجلمع بني أولئك
موجود هنا .وقد يروى يف هذا :فإن ( فإنكم إذا فعلتم ذلك قطعتم
أرحامكم ) والتعليل يشعر بوجه القياس .
( )2أن اهلل وصف املاء الطهور بأنه أنزل من السماء ،وأنه أسكنه ويف األرض ،
ومل يأت مثل ذلك يف ماء البحر ،فجاءت السنّة بإحلاق ماء البحر بغريه من
املياه بأنه ( الطهور ماؤه ،احلل ميتته ) " (.)1
لكن الشاطيب مل يرتكز كثرياً على هذا النوع من االستدالل وإمنا استطاع
أن ينتقل به من الداللة الظنية إىل الداللة القطعية ،حيث كان املنهج عند
األصوليني السابقني يقوم على االستنباط والقياس اللذين يعتمدان على التأويل
والظن ،واجتهد الشاطيب يف استبدال منهج يقوم على االستنتاج واالستقراء
املستندين إىل أسس عقلية به ،متاماً كما هو الشأن يف الرياضيات احلديثة (.)2
() هتذيب املوافقات ،مرجع سابق ،ص . 314 1
() بادو ،عبد اجلليل 1994 ،م ،منهج الرتبية والتعليم عند اإلمام الشاطيب ،جملة املريب تطوان ،اململكة 2
41
أصل األصول ،بإعادة بناء العلم على القطع بدل الظن .وبعدما
فالشاطيب ّ
كان األصوليون يعتمدون يف بناء األحكام على استنباط املعاين من النصوص ،
وقياس ما ليس فيه نص ،وكانوا يرددون بأن الشريعة يف جمملها تقوم على الظن .
برهن الشاطيب وبطريقة ذكية ،أن األصول تقوم على القطع والدليل على قطعيتها
أهنا راجعة إىل كلية الشريعة ،وما كان كذلك فهو قطعي(.)1
() مهداد ،الزبري 1418 ،هـ – 1997م ،الشاطيب وآراء تربوية متجددة ،جملة الفيصل .العدد (، )251 1
42
املبحث اخلامس :مقاصد الشريعة :
منذ املقدمات األوىل لكتاب " املوافقات " ( )1بدأ الشاطيب بغري مسائل
املقاصد ،ويتكئ عليها يف تدعيم وتوضيح آرائه األصولية .
ففي املقدمة األوىل ،اليت خصصها للقول بأن أصول الفقه يف الدين قطعيه
ال ظنية ،جعل أقوى حجة على هذا القول ،هو كون أصول الفقه راجعة إىل
كليات الشريعة ،وكليات الشريعة ال ميكن أن تكون إال قطعية ،قال " :وأعين
بالكليات هنا الضروريات واحلاجيات والتحسينات " (.)2
وقطعية هذه الكليات مسألة ال يرقى إليها جدال ،بل هي يف أعلى درجات
القطع " :فقد اتفقت األمة ،بل سائل امللل على أن الشريعة وضعت للمحافظة
على الضروريات اخلمس ،وهي :الدين ،والنفس ،والنسل ،واملال ،والعقل "
وعلمها عند األمة كالضروري " (.)3
وعند تطرقه إىل حديث عن السنة – بعد احلديث عن القرآن – وقف وقفة
أخرى واستخدم فيها النظرة املقاصدية يف الربط بني أدلة الشريعة ،قرآناً وسنة ،
ويف الربط بني مناحي البناء التشريعي بكلياته وجزئياته (.)4
مث سأل سؤاالً :مب حتفظ الضروريات " :واحلفظ هلا يكون بأمرين :
() وهي ثالث عشرة مقدمة ،قال عنها " :متهيد املقدمات احملتاج إليها قبل النظر يف مسائل الكتاب " وهي 1
() الريسوين ،أمحد 1418 ،هـ – 1998م ،نظرية املقاصد عند اإلمام الشاطيب ،دار الكلمة للنشر 4
43
-1ما يقيم أركاهنا ويثبت قواعدها ،وذلك عبارة عن مراعاهتا من جانب
الوجود .
-2ما يدرأ عنها االختالل الواقع أو املتوقع فيها ،وذلك عبارة عن مراعاهتا من
جانب العدم فأصول العبادات راجعة إىل حفظ الدين من جانب الوجود
كاإلميان والنطق بالشهادتني ،والصالة .
والعادات راجعة إىل حفظ النفس والعقل من جانب الوجود أيضاً ،
واملعامالت راجعة إىل حفظ النسل واملال من جانب الوجود وإىل حفظ النفس
والعقل أيضاً لكن بواسطة العادات (.)1
لذا ذهب الشاطيب إىل أن من أسباب االبتداع يف الدين " راجعة يف
التحصيل إىل وجه واحد :وهو اجلهل مبقاصد الشريعة " ( )2وأن " زلة العامل أكثر
ما تكون عند الغفلة عن اعتبار مقاصد الشرع .)3( " ..ولذلك نص على القاعدة
العامة وهي " من مل يتفقه يف مقاصد الشريعة فهمها على غري وجهها " (.)4
44
املبحث السادس :املصاحل املرسلة :
لعل هذا املصدر له عالقة باملصدر الذي قبله من حيث أن مقاصد الشريعة
ّ
رعاية املصاحل .كما قال :
" مقاصد الشارع يف بث التشريع أن تكون مطلقة عامة ،وال ختتص بباب
دون باب ،وال مبحل دون حمل ،وال مبحل وفاق دون حمل خالف ،وباجلملة يف
املصاحل مطرد مطلقاً يف كليات الشريعة وجزئياهتا ومن الدليل على ذلك أن
األحكام مشروعة ملصاحل العباد ،ولو اختصت مل تكن موضوعة للمصاحل على
اإلطالق " (.)1
لذا جند الشاطيب يبين بعض فتاويه على هذه املسألة وهي اعتبار املصاحل
املرسلة .حيث نقل من كتاب " العتبية " من مساع ابن القاسم قال :وسألت
مالكاً عن معاصر الزيت ،زيت اجلحالن والفجل :يأيت هذا بأرادب وهذا
بأخرى .حىت جيتمعوا فيها ،فيعصرون مجيعاً .قال :إمنا يكره هذا ألن بعضه
خيرج أكثر من بعض .فإذا احتاج الناس إىل ذلك .فأرجو أن يكون خفيفاً ألن
الناس البد هلم مما يصلحهم .والشيء الذي ال جيدون عنه بداً وال غىن ،فأرجو
أن يكون هلم يف ذلك سعة إن شاء اهلل ،وال أرى به بأساً .قال :والزيتون مثل
ذلك .)2( " ..
وهذا النص لإلمام مالك ،ليس جمرد مثال فقهي ملراعاة املصلحة وبناء
األحكام عليها ،ولكنه – إذا تؤمل – يؤصل ويقعد للمسألة ونظائرها وهلذا
جند الشاطيب قد بىن عليه فتواه يف جتويز ما كان يفعله الناس من خلط ألباهنم
() هتذيب املوافقات ،ص . 127 – 126 1
45
لالشرتاك والتعاون على استخالص جبنها ،جتنباً لكثرة املشقة والكلفة ( .)1مع أن
هذا العمل – كسابقه – ال خيلو من غىن وتفاضل ..وقد ختم الشاطيب فتواه بقوله
" :والظاهر جوازه عمالً هبذا األصل املقرر يف املذهب " ،مما يؤكد أن هذا
املسلك ( املصاحل املرسلة ) عريق عند اإلمام الشاطيب .
حيث يقرر – أي الشاطيب – هذا األمر يف موضع آخر " ،فإنه اسرتسل فيه
اسرتسال املدل العريق يف فهم املعاين املصلحية ،نعم ،مع مراعاة مقصود الشارع
أن ال خيرج عنه ،وال يناقض أصالً من أصوله … " (.)2
46
الفصل الرابع :منهجيته العلمية والتربوية :
املبحث األول :استقالليته العلمية واجتهاده :
ذكر الشيخ حممد رشيد رضا يف مقدمة االعتصام :
" والعلماء املستقلون يف هذه األمة ثلة من األولني ،وقليل من اآلخرين،
واإلمام الشاطيب من هؤالء القليل … " (.)1
إن البحوث اليت فتقها الشاطيب ال تتصف باجلدة فحسب ،إذ ليس كل
جديد محيداً وإمنا هي مع اجلدة – على غاية اجلدوى لعظم الثمرة اليت تظهر من
ورائها ،مث هو يف طرحه هلا قد حتلى بقدر عظيم من اجل ّدية والعمق ،فكانت
جامعة بني اجلدة واجلدوى واجلدية،وهي صفات ال جيمع بينها إال جمدد مبتكر فذ .
وقد كان الشاطيب مستنداً يف كل ما يقرره إىل األصول الشرعية الصحيحة
مؤيداً مقرراته األصولية والرتبوية بنصوص الكتاب والسنة ،وإفهام السلف،مقدراً
ما قد يتعرض به على كتابه لكثرة ما احتواه من مبتكرات مستقلة من أهنا "شيء
ما مُس ع مبثله،وال ألف يف العلوم الشرعية األصلية أو الفرعية ما نسج على منواله"
(.)2
وقد أجاب – رمحه اهلل – أمر قررته اآليات واألخبار ،وشيد أركانه أنظار
النظّار … " (.)3
فجر ينبوعها الشاطيب وجعلته من
لذا سوف أعرض بعض املسائل اليت ّ
األئمة املستقلني يف جودة الطرح واألصالة يف الرأي :
47
( -1أصول االتباع وأصول االبتداع ) :وهي مادة مثينة واسعة ،ومن رجع
إليها وتأملها علم مقدار ما حرم منه علم األصول حىت جاء الشاطيب وهي
حمتوى كتابه الكبير " االعتصام " وهو من أعظم مبتكرات الشاطيب .
( -2نظرية املقاصد الشرعية واملصاحل واملفاسد ) (.)1
( -3بيان أن هذه الشريعة أمية ) ( :)2وقد بىن عليها قواعد جليلة ويف فهم
الشريعة مل يسبق إليها .
( -4داللة الكالم يكون باعتبارين ،داللته على املعىن األصلي ،وداللته على
املعىن التبعي ) ( :)3وفيه فوائد عظيمة وقواعد استنتاجية دقيقة .
( -5نفي التكليف بأنواع املشاق ) ( :)4ورغم تداوله يف كالم األصوليني إال
أنه طرقه من جهات جديدة نافعة ،وتوسع فيها توسعاً كبرياً .
( -6األمة تتبع النيب صلى اهلل عليه وسلم يف املناقب كما تتبعه يف التكليفات ) (.)5
وهو حبث جديد نافع ،وقد أسس عليه قواعد كثرية .
( -7حكم العمل مبقتضى الكرامات والرؤى املنامية وخاصة رؤية النيب صلى
اهلل عليه وسلم يف املنام إذا تعلق حبكم شرعي ) ()6وهو مفيد جداً وقد بناه
على البحث السابق .
() أنظر رسالة الريسوين نظرية املقاصد عند الشاطيب ،ورسالة العبيدي .الشاطيب ومقاصد الشريعة ،ورسالة 1
48
( -8عمومية الشريعة ألحكام الغيب ،والشهادة ،والظاهر ،والباطن) (.)1
-9وكذلك نادى يف املقدمة الرابعة بضرورة احملافظة على مباحث علم أصول
الفقه باالحرتاز من خلطه ببعض العلوم اليت جيب أن تؤخذ مسلمة من
مظاهنا جاء ذلك عند ما قال " وعلى هذا خيرج عن أصول الفقه كثري من
املسائل اليت تكلم عليها املتأخرون وأدخلوها فيها " ( .)2ويقصد بذلك علم
الكالم واألصول املنطقية .
-10دعوته إىل قطعية األدلة الفقهية (.)3
49
املبحث الثاين :جتديده وانطالقه من مقاصد الشريعة اإلسالمية :
قال الشيخ بكر بن عبد اهلل أبو زيد – عن كتاب املوافقات :
" والكتاب وضعه هذا اإلمام ،ليكون ( وسيلة إىل فقه االستبناط ) حبذق
اللسان ،وتشخيص علم املقاصد ،إال أنه ويف حقيقته ،فقه يف الدين ،
ومقال متميز يف توظيف االستقراء الكلي لفهم نصوص الوحيني وعلم متكامل
بنظام الشريعة وأسس التشريع ومقاصده يف مصاحل العباد يف الدارين " (.)1
ال أملك – أن أويف هذا املبحث حقه من النظر يف هذا املقام ،وإال ضيعنا
حقوق مباحث كثرية ،خاصة أنين أتكلم يف أصل من أصول الشريعة كما يصفه
الشاطيب ،لذا سوف أورد قطوف مقاصدية الشاطيب وهي كما يلي :
-1تكاليف الشريعة ترجع إىل حفظ مقاصدها يف اخللق ،وهذه املقاصد ال
تعدو ثالثة أقسام ( :أحدها ) :أن تكون ضرورية و ( الثاين ) أن تكون
حاجية ،و(الثالث) :أن تكون حتسينية " (.)2
-2املقاصد الضرورية يف الشريعة أصل للحاجية والتحسينية " (.)3
" -3املصاحل اجملتلبة شرعاً واملفاسد املستدفعة إمنا تعترب من حيث تقام احلياة
الدنيا للحياة األخرى ،ال من حيث أهواء النفوس يف جلب مصاحلها
العادية أو درء مفاسدها العادية " (.)4
() الشاطيب ،أبو إسحاق إبراهيم بن موسى 1417 ،هـ – 1997م ،املوافقات يف أصول الشريعة حتقيق 1
مشهور آل سلمان ،تقدمي بكر أبوزيد ،دار ابن عفان للنشر والتوزيع – اخلرب – السعودية /1 ،ط .
() املوافقات يف أصول الشريعة حتقيق عبد اهلل دراز . 2/7 2
50
" -4األمر يف املصاحل مطرد مطلقاً يف كليات الشريعة وجزئياهتا " (.)5
" -5من مقصود الشارع يف األعمال دوام املكلف عليها " (.)2
وإىل ما ال هناية من القواعد .فيالحظ أن نصيب املقاصد من كتاب
املوافقات هو مخس أقسام الكتاب وهو القسم الثالث ،وهو يزيد كمياً عن ربع
الكتاب .ولقد اتسم نظر الشاطيب وحبثه يف املقاصد بالدقة والعمق ،وقوة
االستدالل ،وحتري ما وراءه عمل ،مع التفرد والسبق إىل عشرات القواعد الكلية
اليت مل تُ ْسبَق إليها ،مما يعد فتحاً جديداً يف علم األصول .
لذا كان من أعظم خصال الشاطيب اليت صبغت يف املقاصد أنه كان قاصداً فيما
يقرره ،متلمساً سبيل األولني ،فلم تأخذه أهبة التجديد إىل اخلروج عن حد االعتدال
والتوسط ،وهذا من أكرب اآليات على قوة نفسه وعظيم إخالصه وشدة تواضعه .
فهو يرمحه اهلل – جنده يُبدي ويعيد يف هذه القضية ،ويلح على ضرورة
اجلمع يف النظر بني جزئيات الشريعة وكلياهتا وأن " من أخذ باجلرائي معرضاً عن
كلية فهو خمطئ ،كذلك من أخذ بالكلي معرضاً عن جزئية " (.)3
ولذلك فشأن الراسخني ،تصدر الشريعة صورة واحدة خيدم بعضها بعضاً
،كأعضاء اإلنسان إذا صورت صورة مثمرة ..فكان العضو الواحد يعطي يف
مفهوم أحكام الشريعة حكماً حقيقياً فمتبعه متبع متشابه " (.)4
() املوافقات يف أصول الشريعة حتقيق عبد اهلل دراز . 3/5 3
() تصدير أمحد الربسوين لكتاب قواعد املقاصد عند اإلمام الشاطيب لـ د .عبد الرمحن الكيالين 1421 ،هـ 4
– 2000م ،دار الفكر ،دمشق،سورية من سلسلة إصدارات املعهد العاملي للفكر اإلسالمي رقم (،)35ص
. 10-9
51
املبحث الثالث :اعتماده على املنهج االستقرائي *:
وهذا من ألزم خصائص املنهج عند الشاطيب ،فإنه بنّي يف مقدمة
" املوافقات " أنه اعتمد على االستقراءات الكلية ،بل إنه بلغ باالستقراء أن جعله
خاصة كتابه (.)1
ويعرف الشاطيب االستقراء بأنه " :تصفح جزئيات ذلك املعىن لثبت من
جهتها حكم عام :إما قطعي وإما ظين " مث يردف " :وهو أمر مسلَّم عن أهل
العلوم العقلية والنقلية ،فإذا مت االستقراء حكم به مطلقاً يف كل فرد يقدَّر " (.)2
واالستقراء الذي غلب على الشاطيب هو ما مسّاه " االستقراء املعنوي "
وصفته أنه " " ال يثبت بدليل خاص ،بل بأدلة منضاف بعضها إىل بعض ،خمتلفة
األغراض ،حبيث ينتظم من جمموعها أمر واحد جتتمع عليه األدلة " (.)3
ومن صفته أيضاً – كما يتحصل من كالمه ومسلكه :أنه مبين على ملح
املعىن املشرتك من مقتضيات أدلة كثرية مما قد يكون ظاهراً أو خفياً ،صرحياً أو
ضمنياً ،مما يعتمد يف استخراجه على القرائن والدربة ودوام النظر(.)4
وهذا النوع من االستقراء على هذه الصفة يفيد القطع عند الشاطيب وإن
كانت جزئياته يف ذاهتا ظنية ،ألهنا " تضافرت على معىن واحد حىت أفادت منه
أنظر إىل " االستقراء عند اإلمام الشاطيب " حبث لـ نعمان جيغم منشور يف جملة التجديد .اجلامعة *
اإلسالمية العاملية مباليزيا ،السنة الرابعة ،العدد السابع 1420 ،هـ – 2000م .وحبث " االستقراء يف
مناهج النظر اإلسالمي " منوذج املوافقات لإلمام الشاطيب لـ يونس صواحلي " منشور يف جملة إسالمية
املعرفة تصدر من املعهد العاملي للفكر اإلسالمي .السنة األوىل ،العدد الرابع 1416 ،هـ – 1996م.
() املوافقات يف أصول الشريعة ،حتقيق عبد اهلل دراز . 1/19 ، 1
52
القطع فإن لالجتماع من القوة ما ليس لالفرتاق ،وألجله أفاد التواتر
القطع " (.)1
وإذاً تكاثرت األدلة على الناظر عضد بعضها ببعض فصارت مبجموعها
مفيدة للقطع " (.)2
أما عن ممارسة الشاطيب االستقراء يف حبثه فذلك أمر يتطلب بياناً أو إثباتاً ،
فحسب الناظر يف " املوافقات " أن يرمي ببصره حيث شاء ليلتقط لفظة االستقراء
ومشتقاهتا ،وهي من أجل أن يتلفظ هبا صاحبها البد أن تسبقها معاناة وتتبع أو
بعبارة الشاطيب " :تصفح " ( – )3لعشرات أو مئات من األدلة بعقل واع متدبر
حىت يصح له أن يقول " :استقرأت " وحسيب هنا أن أحيل إىل موضع مما
استعرض الشاطيب فيه بعض مفردات املسألة املستقرأة – وال أقول كلها – وذلك
يف تقرير أن األمة قد أعطيت من مجيع املزايا واملناقب اليت أعطيها رسول اهلل صلى
اهلل عليه وسلم إال ما وقع استثناؤه ،فقد أثبت ذلك باالستقراء ،وذكر أن ذلك
ظهر يف مواضع كثرية ،وأنه اقتصر على ثالثني وجهاً ،مث مضى يبني هذه املواضع
الثالثني على التفصيل … " (.)4
53
الشاطيب ومشكالت االستقراء :
ظهر ما عرف " مبشاكل االستقراء ،بعد عصر اإلمام الشاطيب ،وبالتحديد
يف عصر الفيلسوف الربيطاين دايفد هيوم فمنذ ذلك الوقت والدليل االستقرائي
معدود ضمن األدلة غري الربهانية يف نظر الفالسفة الغربيني ويلخص كارل بوبر
اعرتاض هيوم على الدليل االستقرائي فيقول إن " هيوم أثار مشكلتني لالستقراء :
مشكلة منطقية ومشكلة نفسية :
-1المشكلة المنطقية :كيف نعتقد يف قضايا مل يجرهبا مبجرد أننا جربنا
مثيالهتا ؟ ال جيب االعتقاد يف ذلك مهماً كان تكرار التجارب الواقعة حتت
حسنا .
-2المشكلة النفسية :ما الذي جيعل الناس يعتقدون أن مامل جُي رب يتطابق
متاماً مع ما مت جتريبه ؟ جييب هيوم بأن سبيل ذلك هو العادة اليت ُجبل عليها
الناس .
لقد حاول فالسفة كثريون إجياد حلول ملشكالت االستقراء ،ومن هؤالء
جون ستيوارت مل حيث طرح قضية من أعقد القضايا اليت تواجه الدليل
االستقرائي يف ميدان العلوم الطبيعية ،وهو ما يعرف مبشكلة الدوران يف الدليل
االستقرائي ،فمل يرى أن االستقراء يقوم على مبدأ إطراد الطبيعية ومبدأ االطراد
بدوره يقوم على االستقراء.ذلك أنه كلما احتجنا إىل إثبات اطراد الطبيعية مطردة.
وعليه يذهب (مل) إىل أن االستقراء يزودنا بتوسيغ (
) Justificationفقط ،لكنه ال يقدم لنا برهاناً على االطراد .وهذا الرأي
54
الذي يذهب إليه (مل) ميهد الطريق أمامنا لعرض أراء الشاطيب حول قطعية الدليل
االستقرائي ،فلقد حاول – رمحه اهلل – تربير االستقراء على مستويني :
-1مستوى الطبيعة (العادة الوجودية) :نالحظ أن الشاطيب كان سابقاً لـ
(مل) يف الكالم على االستقراء بوصفه مبدأ يعتمد عليه إلثبات اطراد
الطبيعة فهو يرى أن " العوائد ضربات بالنسبة إىل وقوعها يف الوجود :
أحدمها العوائد العامة اليت ال ختتلف حبسب الأعصار واألمصار واألحوال
العامة اليت ال ختتلف حبسب األعصار واألمصار واألحوال .ويضيف
صاحب املوافقات أن " الضرب الأول راجع إىل عادة كلية أبدية ،وضعت
عليها الدنيا وهبا قامت مصاحلها يف اخللق حسبما بّين ذلك االستقراء .
ومن خالل املماثلة بني الطبيعة والشريعة بالنسبة إىل الضرب األول من
العوائد ،يقرر أبو إسحاق أنه " على وفاق ذلك جاءت الشريعة أيضاً "
وهذا -يف رأيي -أول تسويغ يقدمه الشاطيب للدليل االستقرائي يف ميدان
الطبيعيات .
-2مستوى الشريعة :حتدث الشاطيب عما يعرف مبناقضة إحدى اجلزئيات بعد
ثبوت الكلي كلياً وهو ما يشبه متاماً قضية مناقضة حالة معينة للقانون الذي
ثبت باالستقراء عند الفالسفة فهو يصرح بأن الكليات الثالث إذا كان قد
شرعت للمصاحل اخلاصة هبا فال يرفعها ختلف أحاد الجزئيات ،ويؤكد يف
موضع أخر أن " ال اعتبار مبعارضة اجلزئيات يف صحة وضع الكليات
للمصاحل " .
مث ختم الباحث بأهم النتائج اليت أمكن التوصل إليها يف هذا املوضوع :
55
-1إن االستقراء عند الشاطيب منهج متكامل اخلطوات وليس جمرد عملية
تتبع .
-2االستقراء عند الشاطيب دليل عقلي يدور ضمن إطار الشريعة .
-3مزج الشاطيب املفهوم األرسطي لالستقراء بالتواتر املعنوي ،مقرتحاً ما
أمساه باالستقراء املعنوي .
-4االستقراء عند الشاطيب يفيد القطع ما دامت مسوغاته قائمة .
-5أنصب شغل الشاطيب على اقتناص القطعيات من الظنيات .
-6مل يكن الشاطيب حريصاً على تطبيق االستقراء بقدر ما كان حريصاً
على إظهار املعامل املنهجية له .
-7حديث الشاطيب عن االستقراء يف جمال ما أمساه العادات الكلية
الوجودية جعله يسلكه يف إطار سنين .
-8مل يوفق يف كثري من تفسرياته كما يعرف " مبشاكل كل االستقراء" .
-9إن االستقراء عند الشاطيب استبناطي وقياسي يف الوقت نفسه .
-10االستقراء عند الشاطئ مجعي أكثري وليس بالضرورة استغراقياً.
-11جتاوز الشاطيب كثرياً من املفاهيم اخلاصة بقطعية الدليل االستقرائي .
-12حلول الشاطيب بعض مشكالت االستقراء يف جمال الشرعيات ميكن
تطبيقها يف ميدان الطبيعيات ،لو مت إجياد منهج جترييب متكامل حيقق
هذا الغرض .
-13إن القطع الذي نسبه الشاطيب لالستقراء ال يعين بالضرورة إفادته
اليقني املطلق ،بل هو قطع يف إطار ما وضعه الشارع للتعبد(. )1
() صواحلي ،يونس 1416 ،هـ1996-م ،االستقراء يف مناهج النظر اإلسالمي :منوذج "املوافقات" لإلمام 1
56
املبحث الرابع :مواجهته للخرافات واألباطيل واالستناد إىل احلجج والرباهني
وحماربته للبدع :
ذكر الشيخ يوسف القرضاوي يف وصف أصناف العلماء :
" الصنف اآلخر ،هو اجملدد للعلم ،ذو النظرة املستقلة ،والفكرة املتميزة ،
ممن خلع ربقة التقليد وحرر نفسه من أثار لتبعية لآلخرين ،سواء من السابقني أم
من املعاصرين ،وال يقبل دعوى من غري برهان ،وال يأخذ قوالً إال ببينة ..
واإلمام أبو إسحاق الشاطيب ..من هؤالء اجملددين من العلماء املستقلني " (.)1
كانت غرناطة يف عصر الشاطيب جممع فلول اهلزائم األندلسية وملتقى آفات
اجتماعية واحنرافات دينية وخلقية كما اتضح يف دراسة عصره .
حيث قام الشاطيب بالتحذير من خطر البدع وتوضيح األدلة على حترميها
ومقاومتها .ومل تزده احملنة اليت جلبها له موقفه هذا إال رسوخاً يف احلق وثباتاً على
درب الدين ومضيّاً يف املقاومة ،فهو يقول :
علي من اإلنكار ما وقع ما هدى اهلل إليه – واحلمد هلل – مل أزل
" وملا وقع َّ
أتتبع البدع اليت نبه عليها رسول اهلل صلى اهلل وسلم وح ّذر منها ،وبني أهنا ضالله
وخروج عن اجلادة وأشار العلماء إىل متييزها والتعريف جبملة منها ،لعلي أجتنبها
فما استطعت وأحبث عن السنن اليت كادت تطفئ نورها تلك احملدثات لعلي أجلو
() القرضاوي ،يوسف 1412 ،هـ – 1991م ،الرتبية عند اإلمام الشاطيب ،حولية كلية الشريعة 1
57
بالعمل سناها ،وأعد يوم القيامة فيمن أحياها ،إذا ما من بدعة حتدث إال ومبوت
من السنن ما هو يف مقابلتها ،حسبما جاء السلف يف ذلك (.)1
وكان الشاطيب يفرق بني املتصوفني وبني الفقراء املبتدعني الذين ظهروا يف
بيئة وانتحلوا أموراً غريبة أدخلوها يف إطار العبادة ،وكان يشدد النكري عليهم
ويظهر ما هم عليه من الباطل (.)2
وقد ألف كتاب االعتصام للرد على أهل األهواء من املبتدعة ،وهذا
الكتاب عبارة عن دعوة إصالحية قوامها الرجوع بأمة اإلسالم إىل كتاب اهلل وسنة
رسوله صلى اهلل عليه وسلم وترك ما سوامها ،وما سوامها إال ابتداع مصدره
اهلوى .يقول الدكتور محادي العبيدي :
" إن كتاب االعتصام مُي ثل الدعوة اإلصالحية اليت قامت على السلفية ،
واليت ظهرت يف املشرق على يد ابن تيمية ،وظهرت يف املغرب على يد الشاطيب
واليت تنحصر يف إصالح األمة اإلسالمية على أساس العمل بالكتاب والسنة كما
كان عليه الوضع يف صدر اإلسالم على عهد رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم
وعهد اخللفاء الراشدين من بعده " (.)3
() الشاطيب ،أبو إسحاق إبراهيم بن موسى 1408 ،هـ – 1988م ،اإلفادات واالنشادات ،حتقيق 2
الدكتور حممد أبو األجفان ،ط ، 3مؤسسة الرسالة ،بريوت ،لبنان ،ص . 178 – 176
() الشاطيب ومقاصد الشريعة :ص . 114 3
58
الفصل الخامس :مقاصد التربية اإلسالمية عند اإلمام الشاطبي
املبحث األول :ومقاصد الشريعة
يتحدث اإلمام الشاطيب عن مقاصد الشريعة :
" إن تكاليف الشريعة ترجع إىل حفظ مقاصدها يف اخللق ،وهذه املقاصد
ال تعدو ثالثة أقسام:
أحدها " :أن تكون ضرورية "
الثاين " :أن تكون حاجية "
الثالث " :أن تكون حتسينية " .فأما الضرورية فمعناها أهنا ال بد منها يف قيام
مصاحل الدين والدنيا ،حبيث إذا فقدت مل جتر مصاحل الدنيا على استقامة بل على
فساد وهتارج وفوت حياة .ويف األخرى فوت النجاة والنعيم والرجوع باخلسران
املبني .واحلفظ هلا يكون بأمرين:
أحدمها :ما يقيم أركاهنا ويثبت قواعدها ،وذلك عبارة عن مراعاهتا من جانب
الوجود .
الثاين :ما يدرأ عنها االختالل الواقع أو املتوقع فيها .وذلك عبارة عن مراعاهتا من
جانب العدم"(.)1
من خالل هذا النص نستخلص بعض التوجيهات الرتبوية :
توجه تربوي يقوم على إقرار عبودية اإلنسان هلل عز وجل (فالشرع إمنا جاء
بالتعبد)( )2وهو ما ترشد إليه اآلية الكرمية (وما خلقت اجلن واإلنس إال
ليعبدون) (الذريات )56 :
59
وهذا التوجه يتضمن تربية الفرد حىت يكون منبع خري جلماعته ،جيسد
بسلوكه وفكره معاين العبودية الشاملة من العلم واألميان والعمل.
التوجه الثاين :ضمان مصلحة العباد ،يقول الشاطيب( :أينما توجد املصلحة
فثم شرع اهلل ) وهذه موجب خدمة هذه املصاحل ومحايتها واحلفاظ عليها ،
ألن املصاحل مبينة على حفظ الضروريات اخلمس(.)1
التوجه الثالث :إقرار احلاكمية هلل عز وجل ،فالشارع هو اهلل ،وهو ضامن
العدالة وحامي املصاحل وسيد العباد املتحكم فيهم(. )2
وإذا تبني أن مقاصد الشريعة هي إقامة مصاحل املكلفني الدنيوية واألخروية على
نظام يكونون فيه عباداً هلل اختباراً كما هم اضطراراً .
فهذا يعين أن إقامة مصاحل املكلفني ال تنتهي بانتهاء مرحلة الطفولة ،فرتة تأثري
الوسائل واملؤسسات الرتبوية عادة ،بل هي ممتدة من امليالد أو قبله إىل الوفاة أو
بعدها ،باعتبار رعاية احلامل وتزويد املسلم مبا يواجه به من امتحان املالئكة يف
قربه.
ومن هنا تأيت أمهية الرتبية املقاصدية اليت هي ( توجيه سلوك امللكف الخراجه
من راعية هواه ليكون عبداً هلل اختياراً كما هو اضطراراً ،حبث السلوكيات
العقلية واالنفعالية والبدنية اليت حتقق مصاحله يف العاجل واآلجل)(.)3
وأهداف هذه الرتبية ال ختضع للمتغريات االجتماعية واالقتصادية والسياسية بل
حتددها الشريعة وتستنبط من مقاصدها .
60
وهذا االستقراء نابع من كون الرتبية اإلسالمية جزءاً مما أوحى به اهلل عز
وجل إىل الرسول حممد صلى اهلل عليه وسلم ،أوحاها موضوعاً وأهدافاً.
ومرونتها من مرونة االجتهاد املقاصدي الذي يواكب احلياة بكافة
مستجداهتا األساسية واالقتصادية واالجتماعية ،وجيعل املسلمني يف مستوى
مواجهة هذه املستجدات والتعامل معها (.)1
ويتبني لنا من كالم الشاطيب أن اهلدف من تكاليف الشريعة يتمحور حول
صيانة جمموعة من املقاصد املرتبطة باحلياة االجتماعية والضرورية لإلنسان
وحفظها سواء منها الضرورية أو التحسينية(.)2
وصيانة هذه املقاصد يكون بإقامة أركاهنا وتثبت قواعدها ،وبرعاية
الشروط اليت حتمي كياهنا وحتافظ عليه يف صفة السالمة والكمال والتوازن
وبدرء االختالل الواقع أو املتوقع فيها باحليلولة دون ما من شأنه أن يعرضها
للتلف والضعف والنقصان ويستفاد من كل ذلك أن حفظ تلك املقاصد يتم
من خالل تشبع األفراد بنظام عن القيم يتصف بالكمال .ومن خصائص
الكمال أن تكون تلك القيم مالمسة لشغاف الفطرة اليت فطر اهلل الناس
عليها لصيقة هبا ال تنفك عنها وهذا النظام القيمي اإلسالمي هو قوام القوام
الرتبوي اإلسالمي وتشكل منه النظام االجتماعي ويقوم على أساس راسخ
من اإلميان باهلل واإلقرار بالعبودية اخلالصة له (.)3
)(1هداء الزبري 1420 ،هـ ـ 1999م أبو اس من الشاطيب الفقيه اجملتهد املريب ،جملة االحياء تصدر من رابطة علماء
املغرب ،العدد الرابع عشر ،ص ( )203نقالً من مقاصد الرتبية االسالمية ضمن اعمال الدروة الثانية للجامعة
الصيفية للصحورة االسالمية الرباط وزارة االوقاف 1994م.
))2بنمسعود ،عبد اجمليد 1416 ،هـ 1995م ،حترك القيم اإلسالمية حول الكليات اخلمس يف إطار العقيدة جملة
الفيصل ،العدد ( ، )230ص .28
)) 3املرجع السابق .ص 28
61
والقيم الرتبوية اإلسالمية من تعاون وتكافل وصدق يف القول إخالص يف
العمل واحرتام لكرامة اإلنسان وغريها ،ال ميكن أن تينع وتزدهر إىل يف ظل
االعتقاد الصادق يف اهلل ومراقبته بصفة دائمة ،وهذه الشرط الكفيل بضمان
احلفاظ على املقاصد اليت رمت إليها الشريعة اإلسالمية .
والقيم اإلسالمية ترتبط بصلة وثيقة مع الكليات اخلمس ومتتد لتنسج خيوطاً مع
دائرتني أخريني هي دائرة احلاجيات والتحسينات ،فهذه القيم تنشر اجنحتها على
سلوك االنسان يف جوانبة الدقيقة لتضمن هلا االرتقاء والتدرج يف مستويات الكمال
والذوق الرفيع (.)1
وسيلة الشريعة يف إقامة املصاحل وعلى هذا النظام هي الرتبية املقاصدية اليت
ترشد امللكف وتوجهه وتضبط سلوكه وتزوده باملعايري القادرة للتمييز بني املصاحل
واملفاسد واحلفاظ على التوازن والنظام الكوين .
62
املبحث الثاين :بعض التطبيقات الرتبوية على مقاصد الشريعة اإلسالمية:
-1توجيه املعلمني واملتعلمني إىل حتقيق مقاصد العلوم حسب وجهة نظر اإلسالم
ملقاصد العلوم ،وحسب القواعد األصولية وهي حتقيق اخلريات ودفع الشرور عن
الناس ،ويتم ذلك أوالً بتعليمها من أجل استخدامها لتحقيق اخلريات ودفع
الشرور عنهم .
-2توجيه املتعلمني إىل اإلكثار من النيات احلسنة وحتسني مقاصدهم من تعلم العلوم
وتعليمها بإصالح أنفسهم وأوالدهم وجمتمعهم وصناعة ما تلزم صناعته هلم
وألمتهم مبشروعات خرية .
-3توجيه املعلمني واملتعلمني إىل املسارعة إىل اإلسهام يف تقدم األمة باألعمال العلمية.
-4تربية الشباب على املسارعة إىل اخلريات ومكافحة الشرور واملفاسد ،وذلك
بالعلم واألمر باخلري والنهي عن الشرور وتدريبهم على ذلك يف املدرسة .
-5تبصري املتعلمني مبقاصد كل علم يتعلمونه ،وتبصريهم بوسائل حتقيق هذه املقاصد
،إذ السلوك من غري حتديد اهلدف قد يؤدي إىل عدم حتقيق األهداف وكذلك
جيب تبصريهم بكيفية حتقيق هذه املقاصد.
-6إبعاد الناشئني عن كل ما يضرهم ويفسدهم .
-7توجيه املتعلمني إىل حتقيق مقاصد الشريعة يف تعلم العلوم.
-8توجيه املتعلمني إىل العمل مبا يتعلمون يف كل امليادين وتعليم ما يتعلمونه وعدم
كتمان العلوم واملعارف .
-9تدريب الطالب على جلب املصاحل ألنفسهم و إزالة املفاسد واإلضرار باآلخرين.
-10توجيه املعلمني واملتعلمني على احملافظة على دينهم وأنفسهم وعقوهلم وأمواهلم
وأعراضهم واالبتعاد عن كل ما يضر هذه الكليات اخلمس (..)1
)(1ياجلن ،مقداد (1999-1419م) مناهج البحث وتطبيقاهتا يف الرتبية اإلسالمية ،دار عامل الكتب ،الرياض
السلسلة ( )2ص 63بتصرف واختصار.
63
املبحث الثالث :أهداف الرتبية اإلسالمية عند الشاطيب:
يقول األمام الشاطيب " :إن املكلف حني يفهم مراد الشرع من قيام أحوال الدنيا يسلك
يف حياته مسلكاً يتحدد ملقتضى هذه املعرفة من اإلقدام على العمل أو تركه(. )1
ضمن وسائل حتقيق الرتبية املقاصدية أهدافها :
-1توعية املكلف وتبصريه حبقيقة الوجود باخلالق واملخلوقات وما بينها من عالقة.
-2رسم منهج للسلوك الفردي واجلماعي الكفيل بتحقيق املصاحل ورعايته هادياً إىل
األسلوب األصلح يف املمارسة والتطبيق والتفكري)2(.
-3احملافظة على الكليات اخلمسة (الدين والنفس والعقل واملال والنسل)(.)3
-4إخراج املكلفني من دواعي أهوائهم(.)4
-5جلب املصاحل للعباد ودفع املفاسد لتقام احلياة الدنيا واحلياة األخرى .
إن صالح الدين غاية تتفرع عنها ثالثة أهداف :
-1تنشئة أجيال مسلمة مؤمنة مستنرية ،تعبد اهلل وتستعينه وتسلك مهتدية بالصراط
املستقيم الذي هنجه يف حياته رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم والصحابة الربرة رضوان
اهلل عليهم ،حىت تنعم باجلنة اليت أعدها اهلل .
-2تعهد الذات البشرية عقالً وديناً حىت حتقق كماهلا وتسمو بنفسها والعلم أحد وسائل
تكميل الذات وترقية اإلنسان بإخراجه من داعية هواه وتقييد أعماله مبقتضى أحكام
العلم ،فالعلم حاكم.
-3تعمري احلياة على األرض وتنميتها ومحايتها .وهو واجب يتحقق بالعمل اإلنتاجي
واالستثمار ومحاية احلياة يدفع ما يتهددها(.)5
)(1املوافقات .2/202
)(2أبو إسحاق الشاطيب ،الفقيه اجملتهد املريب .مرجع سابق ،ص .201
)(3هتذيب املوافقات ص .115
)(4املرجع السابق ص .157
)(5أبو إسحاق الشاطيب الفقيه اجملتهد املريب ،مرجع سابق ،ص .205
64
الفصل السادس :العلم والتعلم عند االمام الشاطبي
املبحث األول :أقسام العلم (تصنيف العلوم)
لتص نيف العل وم عند الش اطيب غاية تربوية تعليمية ،فهو مل حيص ما ك ان
س ائداً يف عص ره من عل وم ومع ارف مثلما فعل كثري ممن خاض وا يف ه ذه الفن
فأحصوا العلوم وزينوها وبوبوها وعنوا بتعريف حدودها ومناهجها وتفريعاهتا .
فتصنيف العلوم عند الشاطيب تصنيف فقهي أصويل .معايريه حمددة يف الغاية
العملية من العلم واملعرفة .
انطلق يف تص نيفه من حتديد ش روط العلم ومع ايريه الثابتة وراعي يف تقس يم
العل وم م دى حتقق ه ذه املع ايري فيها وتوافرها على الش روط الدقيقة اليت توضح
الفرق بني ما هو قطعي وما هو ظين .
قسم الشاطيب يف املقدمة التاسعة( )1العلم إىل ثالثة أقسام :ـ
ففي القسم األول رتب األصل املعتمد وهو العلم القطعي الراجع
إىل أصل قطعي وتوضع الش ريعة يف ه ذه الطبقة ألهنا قطعية منزلة على ه ذا
الوج ه ،ل ذلك ك انت حمفوظة يف أص وهلا وفروعها وهو ما ترشد إليه اآلية
الكرمية (إنا حنن نزلنا ال ذكر وإنا له حلافظون) ألهنا ترجع إىل حفظ املقاصد
اليت يتم هبا صالح الدارين .
فهي علم أصل راسخ األس اس ث ابت األرك ان ألنه العلم هبا مس تفاد من
االستقراء العام الناظم ألشقائها حىت تصري يف العقل جمموعة يف كليات مطردة عامة
ثاتبة حاكمة غري حمكومة .
خ واص العلم القطعي املرتب يف ه ذه الطبقة ثالث :العم وم واإلط راد،
الثبوت من غري زوال ،احلاكمية القانونية .
65
القسم الث<<اني :م رتب فيه العلم الظين أينما ك ان قطعي اً يف األصل لكنه ختلف
يف خاص ية أو أك ثر من اخلواص الثالث الس ابقة .ومن األمثلة اليت يس وقها
الشاطيب للتخلف يف هذه اخلواص:
-واستخراج احلكم ملا ال يعقل على اخلصوص يف التعبدات .
-ولزوم ما ال يلزم من الكيفيات يف كل األخبار.
-التأنق الزائد يف طلب احلديث.
-األخذ من الرؤيا باعتبارها وسيلة علم.
-بناء الفروع العلمية على املسائل اليت خيتلف فيها.
-االستناد على األشعار يف حتقيق املعاين العلمية العملية .
-االستدالل بكالم املتصوفني.
-محل بعض العلوم على بعض قواعده ،كحمل الفقه على اللغة .
والقسم الث< <<الث :ويضم ما ليس من ص لب العلم وال من ملحه ،أي العل وم
اليت ال ترجع إىل أصل قطعي وال ظين كالسفسفطة والسحر.
وي ذكر الش اطيب أن العلم املص نف يف القسم األول ،ميكن أن يتقهقر عن
طبقته إذا أخضع ملنهج العل وم األخ رى املرتبة يف الطبق ات ال دنيا ،فيختل ب ذلك
شرط من شروطه الثالثة األساسية ،كالفقيه يبين فقهه على مسألة حنوية أو قاعدة
حس ابية ،ف العلوم وإن ك ان خيدم بعض ها بعض اً وتتكامل فيما بينها ،فال جيب
التذرع هبذه القاعدة للخلط بني العلوم ،فلكل علم مناهجه اخلاصة به .
"من خالل هذا التصنيف ،نستخلص معامل ملا كان سائدا يف الواقع الثقايف
العلمي يف عصر املؤلف ،وحتدياته املتمثلة يف شيوع اخلرافات وانتشار البدع وآراء
املتص وفة وم ذاهبهم .وهيمنة التقليد يف أبشع ص وره .ه ذا هو الواقع ال ذي ح رص
66
الش اطيب على نق ده وتص حيحه وتنقيته ،وتوجيه العقلية اإلس المية حنو االختب ار
والتمحيص والتدقيق ،بعد تربية هذه العقلية وتزويدها باملعايري الدقيقة بني املعارف
والعلوم ،وكيفية التعامل بالنقد والتمحيص والبحث الدقيق(. )1
حنا الش اطيب يف تقس مية العل وم منحى تأص يلياً بإخض اع العل وم للض وابط
الشرعية اإلسالمية وهذا املنحى خمتلف كلي اً مع املنهج التقليدي الذي كان سائداً
لدى الفالسفة قبله أمثال الفارايب وابن سينا(. )2
)(1مهداد ،الزبري 1421 ،هـ 2001-م ،الشاطيب جمدد العقلية اإلسالمية ،جملة العامل العدد التاسع عشر ص . 35
)(2املرجع السابق ،ص .35
67
املبحث الثاين :مفهوم التعلم(:)1
أول ما يتحدث عنه الشاطيب من قضايا الرتبية حتديد املهمة األساسية للتعلم
وقد ذكر يف أك ثر من موض وع أن العلم يف اإلس الم ليس ترف اً عقلي اً ،وال متعة
ذهنية ،وال غاية يف ذاته ،وإمنا هو وسيلة للعمل والتطبيق.
قال يف املقدمة الثامنة:
" العلم ال ذي هو العلم املعترب ش رعاً ،أعين ال ذي م دح اهلل ورس وله أهله
على اإلطالق هو العلم الب اعث على العمل ال ذي ال خيلى ص احبه جاري اً مع ه واه
كيفما ك ان بل هو املقيد لص احبه مبقتض اه ،احلامل له على قوانينه طوع اً أو
كرهاً(. )2
وقال يف املقدمة السابقة :
"العلم وسيلة من الوسائل ليس مقصوداً لنفسه من حيث النظر الشرعي وإمنا
هو وسيلة إىل العمل ،وكل ما ورد يف فضل العلم فإمنا هو ثابت للعلم من جهة ما
هو مكلف للعمل به (.)3
يرى الشاطيب أن املثابرة على طلب العلم والتفقه فيه وعدم االجتزاء باليسري
منه جير إىل العمل به ،ويلجئ إليه ،ويس وق يف ه ذا بعض اآلث ار منها ما قاله
اإلم ام الث وري " :كنا نطلب العلم لل دنيا فجرنا إىل اآلخ رة"..وما قاله احلس ن" :
لقد طلب أق وام العلم ما أرادوا به اهلل وما عن ده فم ازال هلم حىت أرادو به اهلل وما
عنده "(.)4
1انظر اىل املقدمة اخلامسة 1/31واملقدمة السابعة 1/41والثامنة 1/47من املوافقات يف اصول الشريعة
2املوافقات .1/47
3املرجع السابق .1/44
4املرجع السابق 53-1/52
68
من أجل احملافظة على هذه الغاية للرتبية حيذر الشاطيب من االشتغال بالعلوم
اليت ال تتعلق هبا مثرة تكليفية ،فهي اليت دخلت على األمة الفتنة واخلروج عن
الصراط املستقيم ،وجعلتها فرقاً متدابرة وشيعاً متناحرة ويقول:
"ومل يكن أصل التف رق إال هبذا الس بب حيث ترك وا االقتص ار من العلم ما يعين
وخرجوا إىل ما ال يعين ،فذلك فتنة على املتعلم والعامل"(. )1
وما قاله الش اطيب عن مهمة العلم ليس مقص وراً على ما يس مى ب العلم
الش رعي أو العلم اخلاص ببي ان احلالل واحلرام من األحك ام ،وإمنا يش مل كل علم
ن افع لإلنس ان وأن العمل ب العلم ينبغي أن يك ون يف خدمة عبودية اإلنس ان لبارئه ،
فال حييد به عن طريق احلق العدل.
69
املبحث الثالث :ركائز التعليم األساسية :
أوالً :املعلم :
هو الواسطة لنقل العلم إىل عقل الطالب وقلبه .ومن أجل ذلك بعث اهلل
رسله هداة ومعلمني للبشرية .
يقول الشاطيب يف ( املقدمة الثانية عشرة ) (:)1
" من أنفع طرق العلم املوصلة إىل غاية التحقق به :أخذه عن أهله
املتحققني به على الكمال والتمام .وذلك أن اهلل خلق اإلنسان ال يعلم شيئاً مث
علمه وبصره وهداه طرق مصلحته يف احلياة الدنيا ،غري أن ما علمه من ذلك
ضربني :ضرب منها ضروري ،داخل عليه من غري علم :من أين ؟ وال كيف؟
بل هو مغروز فيه من أصل اخللقة ،كالتقامه الثدي ومصه له عند خروجه من
البطن إىل الدنيا …
" وكالمنا من ذلك فيما يفتقر إىل نظر وتبصر ،فال بد من معلم فيها .وإن
كان للناس قد اختلفوا :هل ميكن حصول العلم دون معلم أم ال ؟
فاإلمكان مسلم ،ولكن الواقع يف جماري العادات أن البد من املعلم .وهو
متفق عليه يف اجلملة ،وإن اختلفوا يف بعض التفاصيل …
فإذا تقرر هذا فال يؤخذ إال ممن حتقق به .وهذا أيضاً واضح يف نفسه ،
وهو أيضاً متفق عليه بني العقالء ،إذ من شروطهم يف العامل ،بأي علم اتفق :
-أن يكون عارفاً بأصوله وما ينبين عليه ذلك العلم .
-قادراً على التعبري عن مقصوده فيه .
70
-عارفاً مبا يلزم عنه .
-قائماً على دفع الشبه الواردة عليه فيه .
فإذا نظرنا إىل ما اشرتطوه ،وعرضنا أئمة السلف الصاحل يف العلوم الشرعية
وجدناهم قد اتصفوا هبا على الكمال .
عالمات المعلم الحق :
" وللعامل احملقق بالعلم – عند الشاطيب – أمارات وعالمات وهي ثالث:
إحداهما :العمل مبا علم حىت يكون قوله مطابقاً لفعله ،فإن كان خمالفاً له
فليس بأهل ألن يؤخذ عنه ،وال أن يقتدى به يف علم .
الثانية :أن يكون ممن رباه الشيوخ يف ذلك العلم ،ألخذه عنهم ،ومالزمته
هلم ،فهو اجلدير بأن يتصف مبا اتصفوا به من ذلك .وهكذا كان شأن السلف
الصاحل .فأول ذلك مالزمة الصحابة رضي اهلل عنهم لرسول اهلل صلى اهلل عليه
وسلم وأخذهم بأقواله وأفعاله ،واعتمادهم على ما يرد فيه ،كائناً ما كان …
وحسبك من صحة هذه القاعدة أنك ال جتد عاملاً اشتهر يف الناس األخذ
عنه إال وله قدوة اشتهر يف قرنه مبثل ذلك ،وقلما وجدت فرقة زائغة ،وال أحد
خمالف للسنة ،إال وهو مفارق هلذا الوصف .
وهبذا الوجه وقع التشنيع على ابن حزم الظاهري،وأنه مل يالزم األخذ عن
الشيوخ،وال تأدب بآداهبم،وبضد ذلك كان العلماء الراسخون كاألئمة األربعة وأشباههم .
الثالثة< :االقتداء مبن أخذ عنه ،والتأدب بآدابه ،كما علمت من اقتداء
الصحابة بالنيب صلى اهلل عليه وسلم،واقتداء التابعني بالصحابة وهكذا يف كل قرن (.)1
ثانياً :الطالب :
71
قد عين به إمامنا الشاطيب كما عين بسائر أركان الرتبية ،بل عنايته به أبلغ
وأعمق ومقولته هنا إحدى بدائعه وروائعه اليت سبق هبا عصره ،وترك لنا فيها ما
يعرب عن إمامته وإبداعه يف أكثر من جمال .
وأبرز ما التفت هنا إليه ،ونبه عليه هو ما يتعلق بنظرية (التوجيه الرتبوي )
وتوزيع الطالب والناشئني على التخصصات من العلوم واألعمال املختلفة وفق
القدرات الذهنية والبدنية ،واالستعدادات الفطرية ،وامليول املهنية ،فال يرغب
طالب على علم مل يتهيأ له عقلياً وال نفسياً ،وال يوجه إىل عمل ال يالئم مواهبه
وتطلعاته واستعداداته الفكرية واجلسمية وذلك بعد أخذ القدر الالزم من العلم
الذي هو فرض عني على كل مسلم .
فهذا مفروغ منه ،وهو أشبه مبا يسمى يف عصرنا (التعليم اإللزامي ) إمنا
الكالم هنا يف فرض الكفاية الواجب على جمموع األمة فيما يتعلق بالعلوم
والصناعات اليت حتتاج إىل ختصص (.)1
والشاطيب هنا يركز على ضرورة إقامة فروض الكفاية الواجبة على األمة
بإقامة القادرين على أدائها وهتيئتهم للقيام هبا على الوجه املرضي .
" … إن اهلل عز وجل خلق اخللق غري عاملني بوجوه مصاحلهم ال يف الدنيا
وال يف اآلخرة أال ترى قول اهلل تعاىل { :واهلل أخرجكم من بطون أمهاتكم ال
تعلمون شيئاً [ } ..النحل ]78 :مث وضع فيهم العلم بذلك على التدريج والرتبية
،تارة باإلهلام ،كما يلهم الطفل التقام الثدي ومصه ،وتارة بالتعليم فطلب الناس
بالتعلم والتعليم جلميع ما يستجلب به املصاحل ،وكافة ما تدرأ به املفاسد ،إهناضاً
ملا جبل فيهم من تلك الغرائز الفطرية ،واملطالب اإلهلامية ،ألن ذلك كاألصل
للقيام بتفاصيل املصاحل – كان ذلك من قبيل األفعال أو األقوال أو العلوم
() القرضاوي ،الرتبية عن اإلمام الشاطيب ،مرجع سابق ،ص . 29 – 28 1
72
واالعتقادات أو اآلداب الشرعية أو العادية – ويف أثناء العناية بذلك يقوي يف كل
واحد من اخللق ما فطر عليه ،وما أهلم له من تفاصيل األحوال واألعمال ،فيظهر
فيه وعليه ،ويربز فيه على أقرانه ،فمن مل يهيأ تلك التهيئة ،فال يأيت زمان التعقل
إال وقد جنم على ظاهره ما فطر عليه يف أوليته .فرتى واحداً قد هتيأ لطلب العلم
،وآخر لطلب الرياسة ،وآخر للتصنع ببعض املهن احملتاج إليها ،وآخر للصراع
والنطاح … إىل سائر األمور .
فعند ذلك ينتهض الطلب على كل مكلف يف نفسه من تلك املطلوب ات مما
هو ن اهض فيه ويتعني على الن اظرين فيهم االلتف ات إىل تلك اجله ات ،ف رياعوهنم
حبسبها ويراعوهنم إىل أن خترج يف أيديهم على الص راط املستقيم ،ويعينوهنم على
القي ام هبا ،وحيرض وهنم على ال دوام عليها ،حىت ي ربز كل واحد فيما غلب عليه
ومال إليه من تلك اخلطط .
فإذا فرض مثالً واحد من الصبيان ظهر عليه حسن إدراك ،وجودة فهم،
وفور حفظ ملا يسمع – وإن كان مشاركاً يف غري تلك األوصاف ميل به حنو ذلك
القصد .وهذا واجب على الناظر فيه من حيث اجلملة ،مراعاة ملا يرجى فيه من
القيام مبصلحة التعليم فطلب بالتعلم وأدب باآلداب املشرتكة جبميع العلوم .والبد
أن ميال منها إىل بعض فيؤخذ به ،ويعان عليه ،ولكن على الرتتيب الذي نص
عليه ربانيو العلماء فإذا أدخل يف ذلك البعض ،فمال به طبعه إليه على اخلصوص
،وأحبه أكثر من غريه ،ترك وما أحب ،وخص بأهله ،فوجب عليهم إهناضه
فيه ،حىت يأخذ منه ما قدر له ،من غري إمهال له وال ترك ملراعاته .مث أن وقف
هنالك فحسن ،وإن طلب األخذ يف غريه أو طلب به ،فعل معه فيه ما فعل قبله ،
وهكذا إىل أن ينتهي …
73
فأنت ترى أن الرتقي يف طلب الكفاية ليس على ترتيب واحد ،وال هو
على الكافة بإطالق ،وال على البعض بإطالق ،وال هو مطلوب من حيث
املقاصد دون الوسائل ،وال بالعكس بل ال يصح أن ينظر فيه نظر واحد ،حىت
يفصل بنحو من هذا التفضيل ويوزع يف أهل اإلسالم مبثل هذا التوزيع .وإال مل
ّ
ينضبط القول فيه بوجه من الوجوه .واهلل أعلم وأحكم (.)1
هذه هي نظرية الشاطبي التربوية االجتماعية يف توزيع القوى البشرية على
التخصصات العلمية والعملية واملهنية وفق القدرات واالستعدادات .
وهو يتوجه هلذه النظرية إىل ثالث أصناف :
-1أويل األمر ومن يف حكمهم ،الذين يتعني عليهم االلتفات إىل حاجات
اجملتمع وجهاهتا املختلفة .ومراعاة أوىل الناس هبا ،وتوجيههم إليها .
وإعانتهم على القيام هبا .وحتريضهم على الدوام فيها .
-2األساتذة واملعلمني ،واملشرفني على التعليم ،فعليهم أن يوجهوا الصبيان
بعد أن يأخذوا القدر املشرتك من األدب والعلوم – إىل ما يليق بكل منهم ،
فإذا مال بعضهم إىل علم على اخلصوص ،وأحبه فوجب عليهم إهناضه فيه ،
حىت يأخذ فيه ما قدر له .
-3الطلبة أنفسهم ،حيث ينبغي أن يتوجه كل منهم إىل طلب ما هو متهيئ له
ومناسب الستعداده ،وما يرى نفسه أنه سيجلي فيه وينفع األمة ،ويسد
الثغرة ،فهنا يصبح فرض الكفاية فرض عني عليه ،فيجب استكمال أدواته
،والسري فيه إىل غاية الشوط املقدور عليه (.)2
() املوافقات . 181 – 1/179 1
() الرتبية عند الشاطيب ،مرجع سابق ،ص 32-31باختصار . 2
74
ثالثاً :املنهج الرتبوي :
اشرتط اإلمام الشاطيب يف املنهج الرتبوي معياراً مهماً وهو :ما يرتتب على
العلم أو املنهج الدراسي من فائدة عملية للدين أو الدنيا ،وذلك حىت يكون العلم
نافعاً .
أما العلم النظري البحث ،والذي ال يقوم إال على اجلدل واالفرتاض ،وال
يرتتب عليه عمل ما ،ال روحي وال بدين ،فهو مضيعة للجهد ومتلفة للعمر وهو
رأس مال اإلنسان .
يقول الشاطيب يف (املقدمة اخلامسة) :
" كل مسألة ال ينبين عليها عمل ،فاخلوض فيها خوض فيما ال يدل على
استحسانه دليل شرعي .وأعين بالعمل :علم القلب ،وعمل اجلوارح ،من حيث
هو مطلوب شرعاً " (.)1
وعندما صنف الشاطيب العلوم جنده أقام تصنيفاً ّميز فيه بني أنواع العلوم
على أساس ارتباطها بالعمل والعبادة وهو ما حرره من التأثري اليوناين الذي كان
حاضراً يف تصانيف غريه ،وتصنيف الشاطيب يفيد يف بناء منهاج دراسي ينسجم
مع واقع اجملتمع اإلسالمي وحاجتهم الثقافية ،ويسهل طلب العلم واملعرفة على
املسلم مبا يتناسب مع الغايات السامية حلياته كما رمستها عقيدته هلذا جاء هذا
الرتتيب مبثابة برنامج تعليمي ديين .
قاعدة هذا الرتتيب هو مدى استقامة العلوم وأغراضها مع ميزان الشرع
الذي جاء أساساً بالتعبد ،كما بسط احلديث عنه يف فصول كتابه (املوافقات) .
75
هلذا سيكون املنهاج الدراسي يكتسب بعداً دينياً شرعياً واضحاً .يؤدي إىل
استجالء احلقيقة الدينية يف خمتلف مظاهرها ،يبدو فيه ترتيب العلوم واقعياً .
وتكامل املواد الدراسية ممكناً وهادفاً إىل مساعدة املتعلم على إدراك مضامني تلك
املواد ومتثلها (.)1
رابعاً :وسائل وطرق التعليم :
- 1التبسيط والبعد عن التكلف :
ال يكون املعلم من أهل العلم احملققني به ،حىت يكون لديه طريقة صحيحة
لتوصيل العلم ملن يطلبه ،وهذا ما عينت به الرتبية احلديثة أبلغ عناية .
وهذا ما التفت إليه الشاطيب املريب ،ووجه أنظار العلماء والدارسني إليه
بقوة ودلل عليه ببيانه الناصع وحججه البالغة .
فهو يرى أن الطريقة املناسبة جلمهور الناس املقدورة ألوساطهم ،هي اليت
تقوم على التقريب والتيسري يف فهم احلقائق العلمية وإفهامها ،ال على التعمق يف
التعاريف الفلسفية واالستدالالت املنطقية اليت يصعب على اجلمهور هضمها .
فنجده يقول :
مر السلف الصاحل يف بث الشريعة للمؤالف واملخالف
" وعلى هذا النحو ّ
ومن نظر يف استدالهلم على إثبات األحكام التكليفية ،علم أهنم قصدوا أيسر
الطرق وأقرهبا إىل عقول الطالبني ،لكن من غري ترتيب متكلف ،وال نظم مؤلف ،
بل كانوا يرمون الكالم على عواهنه وال يبالون كيف وقع يف ترتيبه ،إذا كان
قريب املأخذ ،سهل امللتمس … وأما إذا كان الطريق مرتباً على قياسات مركبة
() الشاطيب جمدد العقلية اإلسالمية ،مرجع سابق ،ص . 35 1
76
أو غري مركبة ،إال أن يف إيصاهلا إىل املطلوب بعض التوقف للعقل ،فليس هذا
الطريق بشرعي ،وال جتده يف القرآن ،وال يف السنّة وال يف كالم السلف الصاحل ،
فإن ذلك متلفة للعقل وحمارة له قبل بلوغ املقصود ،وهو خبالف وضع التعليم ،
وألن املطالب الشرعية إمنا هي – يف عامة األمر -وقتية ،فالالئق هبا ما كان يف
الفهم وقتياً " (.)1
– 2مراعاة الفروق الفردية :
قال رمحه اهلل … " :ويتصور ذلك فيمن يتبجح بذكر املسائل العلمية ملن
ليس من أهلها ،أو ذكر كبار املسائل ملن ال حيتمل عقله إال صغارها ،على ضد
الرتبية املشروعة ،ومن أجلها قال علي رضي اهلل عنه " :حدثوا الناس مبا يفهمون
،أحتبون أن يكذب اهلل ورسوله " (.)2
وقد يصري ذلك فتنة على بعض السامعني (.)3
وقال " :وإذا عرض للقسم األول ( يعين ما كان من صلب العلم ) أن يعد
من الثالث ،فأوىل أن يعرض للثاين ( ما هو من امللح ) أن يُعد من الثالث ألنه
أقرب إليه من األول فال يصح للعامل يف الرتبية العلمية إال احملافظة على هذه املعاين ،
وإال مل يكن مربياً ،واحتياج هو إىل عامل يربيه " (.)4
وهلذا قرر إمامنا الشاطيب إحدى القواعد الرتبوية األساسية اليت انتهى إليها
فالسفة الرتبية يف العصر احلديث.وهي قاعدة مراعاة الفروق الفردية بني املتعلمني .
() املوافقات 41 – 40 / 1 ،باختصار . 1
() رواه البخاري موقوفاً على علي بن أيب طالب يف كتاب العلم – باب من خص بالعلم قوماً دون قوم 2
77
– 3إذا تقرر آخذ العلم من أهله املتحققني به – كما اتضح يف املبحث السابق
فلذلك طريقان (:)1
( أ ) املشافهة ،وهي أنفع وأسلم ،ففي جمالس العلماء يفتح للمتعلم ماال
يفتح له دوهنم .
(ب) مطالعة كتب املصنفني ،وهو طريق نافع بشرطني .
-1فهم مقاصد العلم ،ومعرفة اصطالحات أهله ،وهذا ال حيصل إىل
باملشافهة فالكتب وحدها ال تفيد الطالب منها شيئاً دون فتح
العلماء.
-2أن يتحرى كتب املتقدمني من أهل العلم فإهنم أقعد به من غريهم من
املتأخرين .
فالشاطيب يرى أن التلقي هو أمثل الطرق وأنفعها ألخذ العلم ،وأن الكتب
وحدها ال تعين ،وأن مطالعتها ال حيقق الغاية إال إذا كان طالب العلم على
دراية مبصطلحات تلك الكتب ،وهو لن يقف عليها دون أن يكون قد
قطع الدراسة شوطاً يؤهله ألن يستقل بكسب املعرفة عن طريق القراءة
بشرط أن يكون ما يقرؤه من املؤلفات أصيالً يف بابه يعرب عن رسوخ يف
العلم وإحاطته به (.)2
() الدسوقي ،حممد 1416 ،هـ – 1995م ،الفكر الرتبوي عند اإلمام الشاطيب ،جملة املنهل ،العدد ( 2
، )526ص . 81
78
املبحث الرابع :عوامل تعلم العلم :
العامل< األول " :أن الشرع إمنا جاء بالتعبد ،وهو املقصود من بعثة األنبياء
عليهم الصالة والسالم ،كقوله تعاىل { :يا أيها الناس اتقوا ربكم }[النساء… ] 1:
{ ألر * كتاب أحكمت آياته مث فصلت من لدن حكيم خبري * أال تعبدوا إلا اهلل }
[ هود .)1( ]1 :
العامل< الثاني :ما جاء من األدلة الدالة على أن روح العلم هو العمل ،وإال
فالعلم عارية وغري منتفع .فقد قال اهلل تعاىل { :إمنا خيشى اهلل من عباده العلماء}
[ فاطر .)2( ]28:
العامل الثالث :أن العلم مجال ومال ورتبة ال توازيها رتبة ،وأهله أحياء أبد
الدهر ..إىل سائر ما له يف الدنيا من املناقب احلميدة ،املآثر احلسنة ،واملنازل الرفيعة (.)3
العامل< الرابع :أن املثابرة على طلب العلم ،والتفقه فيه ،وعدم االجتزاء
باليسري منه جير إىل العمل به ويلجئ إليه (.)4
العامل< الخامس :فهم مقاصد الشريعة وكماهلا .
العامل< السادس :التمكن من االستنباط بناء على فهمه فيها .
ولبلوغ العاملين :السالفي الذكر مير الفقيه مبراحل ثالث يرتىب عرب درجاهتا
حىت يصل إىل رتبة الرسوخ اليت تؤهله لالجتهاد واإلفتاء والرتبية ،هذه الدرجات
يعرضها الشاطيب مرتبة على الشكل التايل :
مرتبة التحقق (.)5 مرتبة االستدالل مرتبة التقليد
79
الفصل السابع :ميادين التربية اإلسالمية عند اإلمام الشاطبي :
املبحث األول :الرتبية اإلميانية :
إن الرتبية اإلسالمية من حيث هي مستمدة من الوحي ،فإهنا تعتمد على
غرس اإلميان وتثبيته يف نفسية املكلف .
وتعترب ذلك قضيتها األوىل .وهي هبذا الغرس تثبت يف نفسية املؤمن الرضا
واالطمئنان الناشئني عن االرتباط باهلل وعن االعتماد عليه واستشعار دعمه ومدده
والتسليم بقضائه .
فاإلميان اعتقاد مؤثر يف وجدان املؤمن وقلبه ،ويف القرآن آيات كثرية تربط
طمأنينة القلوب باإلميان وذكر اهلل ،واإلميان باهلل يرتتب عنه يف اإلسالم التزام مبا
شرعه اهلل من قوانني وما فرضه من عبادات على املكلفني (.)1
يقول الشاطيب " :إن إدراك مقاصد العبادات والتشريعات يفيض إىل
استخالص احلكمة اإلهلية من فرضها .وهذه احلكمة اليت ترمي إىل غاية واحدة
قصوى وهي صالح أمر املكلفني يف حياهتم الدنيوية ،بإبعاد املفاسد وجلب
املصاحل وسعادهتم يف اآلخرة لنيل رضوان اهلل تعاىل .وهذا الصالح عماده إخالص
العبودية هلل وحده وحيمل معاين متعددة منها السعادة والراحة والتوافق واالنسجام .
والعبودية يف اإلسالم إمنا تقوم باالعتقاد القليب ،واهلل إمنا يعبد باالعتقاد
الذي هو شرط التكليف " .
ويقول رمحه اهلل " :كل ما ثبت فيه اعتبار التعبد فال تفريع فيه .وكل ما
يثبت فيه اعتبار املعاين دون التعبد فال بد فيه من اعتبار التعبد ألوجه :
() أبو إسحاق الشاطيب ،الفقيه اجملتهد املريب ،ص . 222 1
80
-1أن معىن االقتضاء أو التخيري الزم للمكلف من حيث هو مكلف .عرف
املعىن الذي ألجله شرع احلكم أو مل يعرفه خبالف اعتبار املصاحل فإنه غري
الزم .
-2أن مثَّ أخرى غري ما يدركه املكلف – ال يقدر على استنباطها وال
التعدية هبا يف حمل آخر وإذا ذاك يكون أخذ احلكم املعلل هبا متعبداً
به .
ومعىن التعبد به :الوقوف عندما حد الشارع فيه ،من غري زيادة وال
نقصان (.)1
81
املبحث الثاين :الرتبية العقلية :
كان الشاطيب صاحب اجتاه جتديدي يف املنهج العقلي األصويل ،جهد
الشاطيب التجديدي يف ميدان األصول مل يتجه إىل احملتوى وإمنا أنصب على املنهج
،أي الطريقة اليت يتعامل هبا العقل مع ما يواجهه من قضايا .
والتعامل مع العقل املسلم إلصالحه يتطلب التصدي لكل العوامل املؤثرة فيه
كالعقيدة والثقافة واخلرافات وغري ذلك ،فكلها عوامل هلا أمهيتها يف تشكيل العقل
وجتديد مكوناته ،وبلورة كيفية وطريقة تقوميه لألشياء ،واملتغريات من حوله ،
وإذا كانت دراسة هذه األشياء واجبة ،عند دراسة العقل البشري بشكل عام ،
فهي صحيحة عند دراسة وحتليل العقل العريب أيضاً (.)1
تناول الشاطيب – كسائر األصوليني – قضية العقل وعالقته التبعية بالشريعة
وأوامرها ودوره يف توجيه السلوك التوجيه السليم كنتيجة من نتائج هذا االرتباط
بالشريعة اليت تضم له احلدود اليت يتعني عليه مراعاهتا وعدم ختطيها (.)2
واستناداً على الشريعة وضع الشاطيب خمططاً للنهوض بالعقل املسلم ،
يتضمن اخلطوات التالية :
-إحاطة العقل مبقتضيات الشريعة اإلسالمية وحدودها ومبادئها ومقاصدها.
-تنمية القدرة على التحليل والتمييز والنقد والنظر الشمويل لضمان حسن
استيعاب الشريعة .وسد الباب أمام ما ميكن أن يتسرب إىل العقل من
خرافات وأوهام .
() الطريري ،عبد الرمحن ،العقل العريب وإعادة التشكيل ،كتاب املة ،السلسلة رقم ( 35ص . )31 1
82
-التصدي للمناهج الدراسية بكل مكوناهتا املعرفية املنهجية ألمهيتها يف التأثري
على العقل ومنوه وتشكيله إلعداد وبناء خطة تعليمية حمكمة تنبين على تصنيف
مر يف املباحث السابقة .
دقيق للعلوم يسرتشد بالشريعة – كما ّ
-الدعوة إىل االجتهاد والنهوض به وتقنينه وحتديد شروطه (.)1
إن العقل شرط أساسي إلصدار حكم ما لكن ليس كافياً ألن اإلنسان
يفكر يف نفس الوقت بعقله وحدسه وعواطفه وشعوره ،وتعقل اإلنسان يفرتض
تدخل اخليال والعواطف ،فكيف ميكن تربية عقل مؤمن موضوعي وعادل ؟
الوسائل واخلطوات اليت يعرضها الشاطيب عديدة متنوعة منها :
-حتديد املقدمات حتديداً دقيقاً .
-حتديد شروط العلم وخصائصه .
-تقسيم العلوم وتصنيفها .
-تدريب احلس على دقة التمييز وصحته ،ومالحظة األشياء احملسوسة وإدراكها
على حقيقتها .
-تدريب العقل على التفكري املستقيم ،على مجع احلقائق الكامنة يف اجلزئيات
واملقاصد وحسن االستدالل بعد النظر والتأمل .
-حتديد املنهج الصحيح للنظر العقلي وتسديده بدعوة العقل إىل األخذ بأسباب
العلم ودعوته إىل تدبر حكمة اهلل يف التشريع .
-تنقية العقل من األحكام املبنية على الظنون واألوهام .
() أبو إسحاق الشاطيب الفقيه اجملتهد املريب ،ص 207باختصار . 1
83
-تنمية العقل بالعلم ،لكن ليس كل علم وال كل معرفة على اإلطالق ،فبعض
العلم يضر بالعقل .
-املباعدة بني العقل والتبعية والتقليد ،وتدريب العقل على االجتهاد .
-بث روح النقد البنّاء الذي يقف من املسموع واملقروء موقف املسائل
املمحص.
-تنمية الرغبة الدائمة يف البحث لدى املكلفني ،وترقية حب االستطالع
لديهم(.)1
ضوابط التربية العقلية :
ذكر الشاطيب يف املقدمة العاشرة :ضابطاً مهماً يف الرتبية العقلية :
" إذا تعاضد النقل والعقل على املسائل الشرعية ،فعلى شرط أن يتقدم
النقل فيكون متبوعاً ،ويتأخر العقل فيكون تابعاً ،فال مسرح العقل يف جمال النظر
إال بقدر ما يُ ّسرحه النقل والدليل … :
األول :أنه لو جاز للعقل ختطي مأخذ النقل – مل يكن للحد الذي ح ّده
النقل فائدة ،ألن الغرض أنه َّ
حد له ح ّداً ،فإذا جاز تعديه صار احلد غري مقيد،
وذلك يف الشريعة باطل .
الثاين :ما تبني يف علم الكالم واألصول ،من أن العقل ال حُي ِّسن وال يقبِّح .
الثالث :أنه لو كان كذلك جلاز إبطال الشريعة بالعقل ،وهذا حمال
باطل(.)2
84
املبحث الثالث :الرتبية املهنية االجتماعية :
يقسم الشاطيب املقاصد إىل نوعني :
-1مقاصد أصلية الحظ للمكلف فيها .وهي الضروريات ،وفيها يقوم الفرد
مبصاحل عامة مطلقة ال ختتص حبال دون حال أو وقت دون وقت وهي
قسمان:
( أ ) املقاصد األصلية العينية ،وهي حفظ احلقوق اخلمسة .
(ب) املقاصد األصلية الكفائية ،وهي القيام برعاية املصاحل العامة ومحاية
احلقوق جلميع اخللق (.)1
-2مقاصد تابعة ،وفيها يراعى حظ املكلف وحتقيقه ملصاحله اخلاصة إلشباع ما
جبل عليه من الغرائز .وما فطر عليه من طباع ،واالستمتاع باملباحات
وسد اخلالف (.)2
ويضيف الشاطيب أن الدار دنيا مزرعة لآلخرة اليت فيها النعيم األبدي
والشقاء األبدي لكن أسباب التنعم والشقاء فيها إمنا تكتسب يف الدنيا بالرجوع
إىل ما حده الشارع أو اخلروج عنه (.)3
ويضيف الشاطيب أيضاً :أن الشرع جعل االحرتاف والتكسب على اجلملة
مطلوباً طلب الندب ال طلب الوجوب ،وكثرياً ما يأيت يف معرض اإلباحة إال أننا
85
لو فرضنا أخذ الناس له كأخذ املتدرب حيث يسعهم الرتك ألمثوا ألن العامل ال يقم
إال بالتدبري واالكتساب (.)1
فحكم االحرتاف والاكتساب هو حكم املندوب باجلزء الواجب كفاية
بالكل ،فيصبح التأثيم برتك الكل مع كونه مندوباً باجلزء .
ويف اكتساب املكلف بالتجارات والصناعات واإلجارات – وغري ذلك من
املعامالت قياماً مبصاحل الغري عن طريق مصلحته الشخصية ،ومصاحل الغري جاءت
عرضاً .فاهلل عز وجل هيأ الناس للحياة االجتماعية ،ودعاهم للتكسب ورغبّهم
فيه ،وجعل فيهم استعداداً للعمل املنتج القائم على التعاون مما يثري واقع احلياة
الدنيا يف هذا العامل الدنيوي الذي ال يقوم إال بالتدبري واالكتساب (.)2
86
املبحث الرابع :الرتبية األخالقية اجلمالية :
ذكر الشاطيب يف املقدمة الرابعة … " كل مسألة مرسومة يف أصول الفقه
ال ينبين عليها فروع فقهية أو آداب شرعية ،أو ال تكون عوناً يف ذلك ،فوضعها
يف أصول الفقه عادية … " (.)1
فجعل اآلداب الشرعية مما ينبين على أصوله الفقه ،وليس الفروع الفقهية
فحسب ،وهذا يبني جبالء أن نظرته إىل األصول أوسع وأمشل من نظر مجهور
األصوليني .
ويف حديثه عن ترجيح املذهب الفقهي املعني تناول ناحية أخالقية سلوكية
جليلة ،وفقد مسألة كاملة يف بيان " أن كثرياً من الناس جتاوزوا الرتجيح بالوجوه
اخلالصة إىل الرتجيح ببعض الطعن على املذاهب املرجوحة عندهم أو على أهلها
القائلني هبا " (.)2
وقد تناوهلا تناوالً علمياً يدفع التقليد الشائع يف كثري من العلوم = ومنها
الشرعية – من عزل الكالم يف العلم عن الكالم يف اخللق .
ومن املواضع اجلليلة اليت تضمنت لفتات أخالقية تربوية هتذيبية مجالية:
ما جاء يف املسائل الثالث األوىل فيما يتعلق باجملتهد من جهة فتواه ،حيث
بنّي يف األوىل " :أن املفيت قائم يف األمة مقام النيب صلى اهلل عليه وسلم " (.)3
الثانية " :أن الفتوى حتصل من جهة القول والفعل واإلقرار " (.)4
87
الثالثة " :أن الفتيا ال تصح من خمالف ملقتضى العلم " (.)5
ومن ألطف األمثلة وأدقها يف هذا الباب ما جاء يف تقسيم الشاطيب " حتقيق
املناط " وهو مصطلح أصويل صرف – إىل قسمني :
أحدمها :ما مساه حتقيق املناط العام .وهو املعىن املعروف املتداول يف كتب
األصول .
الثاين :هو معىن جديد على كتب األصول ،وهو حتقيق املناط اخلاص.
وعرفه بأنه نظر يف كل مكلف بالنسبة إىل ما وقع عليه من الدالئل التكليفية ّ
حبيث يتعرف منه مداخل الشيطان ومداخل اهلوى واحلظوظ العاجلة(.)2
لذا األخالق عند الشاطيب ليست غاية يف حد ذاهتا ،بل هي وسيلة خادمة
لألصول الضروري حمققة ملصاحل الدين والدنيا األساسية اليت يرتتب عن اخللل فيها
خلل يف نظام احلياة كله ،وهي املسماة باحلقوق اخلمسة اليت بيَّنها الشرع (.)3
ويف تصنيف املقاصد رتبها الشاطيب يف طبقات ثالث :
طبقة الضروريات مث احلاجيات مث التحسينيات ،وقال بعد تعريف هذه
املقاصد وترتيبها :أن جمموع احلاجيات والتحسينيات ينتهض أن يكون كل منها
كفرد من أفراد الضروريات ،وذلك أن كما الضروريات من حيث هي
ضروريات إمنا حيسن موقعه حيث يكون فيها على املكلف سعة وبسط من غري
تضييق وال حرج وحيث يبقى معها خصال معاين العادات ومكارمة األخالق
مكملة األطراف موفرة الفصول – حيث يستحسن ذلك أهل العقول(.)4
88
ويف تعريف املصاحل التحسينية ،يقول عنها :إهنا األخذ مبا يليق من حماسن
العادات وجتنب األحوال املدلسات اليت تأنفها العقول الراجحات ،وجيمع ذلك
قسم مكارم األخالق ،وهي :جارية فيما جرى فيه األوليات .
ففي العبادات كإزالة النجاسة وباجلملة الطهارة كلها وأخذ الزينة .
ويف العادات كآداب األكل والشرب وجُم انبة املآكل النجسة .
ويف املعامالت كاملنع من بيع النجاسات وفضل املاء والكأل وسلب العبد .
ويف اجلنابات كمنع قتل احلر بالعبد أو قتل النساء والصبيان .
فهذه األمور راجعة إىل حماسن زائدة على أصل املصاحل الضرورية واحلاجية إذ
ليس فقداهنا مبخل بأمر ضروري وال حاجي ،وإمنا جرت جمرى التحسني والتزيني (.)1
واجلمال يكون يف األخالق والرتكيب واملظهر والبنية ،وكما دعا اإلسالم
إىل مكارم األخالق وحث على التمسك هبا ،فإنه دعا إىل االهتمام باجلانب
اجلمايل يف احلياة اإلنسانية ويف عاداته وعباداته .وأمر بالعناية مبظهر املسلم
واحلرص على التجمل فيه وأخذ الزينة .
واخللق يكون يف الصورة ويف ترتيب احللقة الباطنة واألفعال ،ومجال األفعال
املالئمة ملصاحل اخللق وقاضية جللب املنافع وصرف الشر عنهم(.)2
فجم ال األخالق كوهنا على الص فة احملم ودة من العلم واحلكمة والع دل
والعفة وكظم الغيظ – وجم ال األفع ال وجودها مالئمة ملص احل اخللق وقاض ية
جللب املنافع فيهم وصرف الشر عنهم ومجال اخللقة يدركه البصر ويلقيه إىل القلب
مالئماً .
() حممود .علي عبد احلليم1413 ،هـ – 1992م ،تربية الناشئ املسلم ،دار الوفاء ،ط : 2املنصورة ، 2
89
الخاتمة وأهم النتائج :
أمحد اهلل عز وجل وأشكره على توفيقه يل يف كتابة هذا البحث ،وعلى
عونه يل على إمتامه على هذه الصورة .
وأختم حبثي هذا بعرض أهم النتائج اليت توصلت إليها من خالله ،وهي
كاآليت :
-1اتسمت بيئة الشاطيب بفساد احلكم السياسي ،وضعف الوازع الديين ،
وانتشار البدع نتيجة جلهل أكثر الناس حبقيقة الدين .
-2مل ُيعرف تاريخ والدة الشاطيب ،فاملرتمجون له مل يكتبوا تاريخ والدته.
-3عدم خروج الشاطيب من غرناطة ومل يذكر له رحلة علم أو رحلة ألداء
احلج .
-4حارب التعصب املذهيب والتقليد الأبائي .
-5محل الشاطيب لواء دعوة إصالحية جعل قوامها الرجوع إىل الكتاب والسنة
وسري السلف الصاحل .
-6أنه – رمحه اهلل – قد بلغ درجة عالية يف معرفة مقاصد الشريعة .
-7املتأمل يف تراثه – رمحه اهلل – جيده من الشخصيات ذات املواهب
والقدرات املتعددة .
-8ابتعد الشاطيب – رمحه اهلل – عن طرق التأليف التقليدية ،والعمل املكرور
،واستخدم املنهج االستقرائي الذي برع وأبدع فيه .
-9انتقل بأدلة علم األصول من أدلة ظنية إىل أدلة قطعية باستخدام املنهج
االستقرائي .
90
-10برزت استقالليته العلمية وعدم تبعيته لآلخرين من خالل مواقفه
ومؤلفاته .
-11هنض بالرتبية اإلسالمية عن طريق مقاصد الشريعة اإلسالمية .
-12أن صربه – رمحه اهلل – وحتمله يف حماربة البدع قد بلغ ذروه .
-13امتاز تصنيفه للعلوم باجلدة واألصالة والبعد عن التقليد .
-14انتقد منهج املناطقة وعلماء الكالم .
-15استطاع أن يكون مفاهيم أساسية عن مسات املعلم وشروطه وعن الطالب
واملنهج الدراسي .
-16ربط أصول الشريعة باآلداب اإلسالمية ،وحصر العلم والبحث على ما فيه
منفعة دنيوية وأخروية .
-17تفتيق مباحث ومسائل جديدة يف علم األصول هلا عالقة قوية يف الرتبية
واآلداب .
-18مشولية مقرراته األصولية لكافة أركان الدين .
-19وضع خطوات وضوابط للرتبية العقلية ،وجعل العقل تابعاً للشرع غري
مستقل .
-20غاص – رمحه اهلل – يف أسرار الشريعة وجوهرها دون الوقوف عند
ظواهرها وربطها بالرتبية االجتماعية املهنية والرتبية اإلميانية .
-21اتسم طرحه باملوضوعية والتجرد واالعتدال والتوسط .
وآخر دعوانا أن احلمد هلل رب العاملني وصلى اهلل وسلم وبارك على نبينا
حممد وعلى آله وصحبه أمجعني .
91
املصادر واملراجع :
أوالً :الكتب :
-1ابن عاشور ،حممد الطاهر ( ،د.ت) ،أليس الصبح بقريب ،ط، 1
الشركة التونسية للتوزيع ،تونس .
-2التنبكيت ،أمحد بابا 1329 ،هـ ،نيل االبتهاج بتطريز الديباج ،مكتبة
السعادة ،مصر .
-3الثبييت ،جويرب ماطر جنم ،نظرية الرتبية ،حبث لتكميل املاجستري (غري
منشورة ) كلية الرتبية – جامعة أم القرى ،مكة املكرمة ،إشراف الدكتور
بشري التوم .
اجليزاين ،حممد بن حسن ،صفر 1421هـ ،هتذيب املوافقات أليب إسحاق -4
إبراهيم بن موسى الشاطيب ،دار ابن اجلوزي ،الدمام ،السعودية .
احلجاجي ،حسن بن علي بن حسن 1408 ،هـ – 1988م ،الفكر -5
الرتبوي عند ابن القيم ،توزيع دار حافظ للنشر والتوزيع ،جدة ،السعودية .
اخلادمي ،نور الدين بن خمتار ،مجادي األوىل 1419هـ – 1998م ، -6
االجتهاد املقاصدي ،حجيته ..ضوابطه ..جماالته ،كتاب األمة سلسلة
تصدر عن وزارة األوقاف والشئون اإلسالمية – قطر – العدد (. )65
الريسوين ،أمحد 1418 ،هـ – 1997م ،نظرية املقاصد عند اإلمام -7
الشاطيب ،دار الكلمة للنشر والتوزيع ،املنصورة ،مصر ،ط. 1
الشاطيب ،أبو إسحاق إبراهيم بن موسى ،املوافقات يف أصول الشريعة -8
شرح وخرج أحاديثه عبد اهلل دراز ،دار الكتب العلمية ،بريوت ،لبنان.
92
-9الشاطيب ،أبو إسحاق إبراهيم بن موسى 1417 ،هـ – 1997م ،
املوافقات يف أصول الشريعة،حتقيق أبو عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان ،
تقدمي الشيخ بكر بن عبد اهلل أبو زيد ،دار ابن عفان للنشر والتوزيع اخلرب ،
السعودية ،ط. 1
-10الشاطيب ،أبو موسى إبراهيم بن موسى 1402 ،هـ – 1982م ،
االعتصام ،تعريف العالمة السيد حممد رشيد منشئ جملة املنار ،دار املعرفة ،
بريوت ،لبنان .
-11الشاطيب ،أبو إسحاق إبراهيم بن موسى 1408 ،هـ – 1988م ،
اإلفادات واإلنشادات .دراسة وحتقيق الدكتور حممد أبو األجفان ،ط، 3
مؤسسة الرسالة ،بريوت ،لبنان .
-12الشاطيب ،أبو إسحاق إبراهيم بن موسى 1421 ،هـ – 2001م ،فتاوى
اإلمام الشاطيب ،مجع وحتقيق حممد أبو األجفان ،ط ، 4مكتبة العبيكان ،
الرياض ،السعودية .
-13الطريري ،عبد الرمحن ،العقل العريب وإعادة التشكيل ،كتاب األمة ،
سلسلة تصدر من وزارة الشؤون اإلسالمية ،قطر ،رقم ( ، )35ط. 1
-14العبيدي ،محادي 1412 ،هـ – 1992م ،الشاطيب ومقاصد الشريعة ،
دار قتيبة للطباعة والنشر والتوزيع ،بريوت ،دمشق ،ط. 1
-15علي ،عبد الرمحن آدم 1418 ،هـ – 1998م ،اإلمام الشاطيب عقيدته
وموقفه من البدع وأهلها ،مكتبة الرشد ،الرياض ،شركة الرياض للنشر
والتوزيع ،السعودية ،ط. 1
93
-16القثامي ،فوزية بنت حممد بن عبد اهلل 1411 ،هـ – 1990م ،منهج
البحث األصويل عند اإلمام الشاطيب – رسالة دكتوراة (غري منشورة) ،
كلية الشريعة والدراسات اإلسالمية جامعة أم القرى مبكة املكرمة ،إشراف
األستاذ الدكتور حممود عبد الدامي .
-17الكيالين ،عبد الرمحن إبراهيم 1421 ،هـ – 2000م ،قواعد املقاصد
عند اإلمام الشاطيب عرضاً ودراسة وحتليالً ،املعهد العاملي للفكر اإلسالمي
سلسلة الرسائل اجلامعية رقم ( ، )35دار الفكر للطباعة والتوزيع ،دمشق
،سورية ،ط. 1
-18حممود ،علي عبد احلليم 1413 ،هـ – 1992م ،تربية الناشئ
املسلم ،ط ، 2دار الوفاء للطباعة والنشر والتوزيع ،املنصورة ،مصر .
-19ياجلن ،مقداد 1420 ،هـ – 1999م ،مناهج البحث وتطبيقاهتا يف الرتبية
اإلسالمية سلسلة كتاب تربيتنا ( )13دار عامل الكتب للطباعة والنشر
والتوزيع ،الرياض ،السعودية .
94
ثانياً :الدوريات :
-1بادو ،عبد اجلليل 1414 ،هـ – ، 1994مقالة :منهج الرتبية والتعليم
عند اإلمام الشاطيب ،جملة املريب ،تطوان ،تصدر من اململكة املغربية ،
العدد ( ، )4ص . 6
-2بنمسعود ،عبد اجمليد 1416 ،هـ – 1995م ،مقالة :حترك القيم
اإلسالمية حول الكليات اخلمس ويف إطار العقيدة ،جملة الفيصل ،العدد
( ( )230ص ، )29 – 28السعودية .
-3جغيم ،نعمان 1420 ،هـ – 1995م ،حبث عن االستقراء عند اإلمام
الشاطيب ،جملة التجديد ،تصدر من اجلامعة اإلسالمية العاملية مباليزيا .العدد
السابع ،السنة الرابعة ،ص (. )224 – 201
-4اجليوس ،عبد اهلل 1421 ،هـ – 2000م ( ،حبث عن أمنوذج مقرتح لقراءة
نظرية املقاصد عند اإلمام الشاطيب ) جملة التجديد ،تصدر من اجلامعة اإلسالمية
العاملية مباليزيا .العدد الثامن ،السنة الرابعة ،ص (. ) 255 – 235
-5محود ،حممد 1411( ،هـ – 1990م ) ( ،دراسة موضوع االجتهاد يف
مواكبة املستجدات بالنظر ملقاصد الشريعة ) ،جملة دعوة احلق ،تصدر من
وزارة األوقاف والشئون اإلسالمية ،الرباط ،اململكة املغربية ،العدد (
، )280ص (. )86-80
-6الدسوقي ،حممد 1416 ،هـ – 1995م ( ،الفكر الرتبوي عند اإلمام
الشاطيب ) ،جملة املنهل ،العدد ( ، )526ص (. )81 – 76
95
-7صواحلي ،يونس 1416 ،هـ – 1996م ( ،االستقراء يف مناهج النظر
اإلسالمي :منوذج " املوافقات" لإلمام الشاطيب ،جملة إسالمية املعرفة تصدر من
املعهد العاملي للفكر اإلسالمي ،العدد الرابع ،السنة األوىل،ص (. )91 – 59
-8العافية ،عبد القادر 1413 ،هـ – 1993م ( ،الفقيه األصويل املفيت
إبراهيم أبو إسحاق الشاطيب ) ،جملة دعوة احلق تصدر من وزارة األوقاف
والشئون اإلسالمية ،الرباط ،اململكة املغربية ،العدد ، )297( ،
السنة ( ، )34ص (. )57– 43
-9القرضاوي ،يوسف1412 ،هـ – 1991م ،الرتبية عند اإلمام الشاطيب ،
حولية كلية الشريعة والدراسات اإلسالمية جبامعة قطر .العدد التاسع ،
ص ( . ) 32 – 2
-10مهداد ،الزبري 1418 ،هـ– 1997م "،الشاطيب وآراء تربوية متجددة " ،
جملة الفيصل ،عدد ( ، )251ص (. )61-58
-11مهداد ،الزبري1420 ،هـ – 1999م "،أبو إسحاق الشابطي الفقيه اجملتهد
املريب " ،جملة اإلحياء ،تصدرها رابطة علماء املغرب .العدد الرابع عشر ،
ص (. )238 – 193
-12مهداد ،الزبري1421،هـ – 2000م " ،الشاطيب جمدد العقلية اإلسالمية" ،
جملة العامل ،العدد التاسع عشر ،ص (. )35-34
96
الفهرس
الصفحة املوضوع
1 املقدمة
6 الفصل التمهيدي
6 مشكلة البحث وأمهيته
14 الفصل األول :عصر اإلمام الشاطيب وأثره يف تكوين فكره الرتبوي
14 املبحث األول :احلالة السياسية
17 املبحث الثاين :احلالة االجتماعية واالقتصادية
20 املبحث الثالث :احلالة التعليمية والثقافية
25 الفصل الثاين :سريته وحياته العلمية
25 املبحث األول :امسه ونسبه وشهرته
27 املبحث الثاين :نشأته وتعليمه
28 املبحث الثالث :شيوخه وتالميذه
30 املبحث الرابع :ثقافته وجهوده العلمية
32 املبحث اخلامس :شخصيته وصفاته اخللقية
35 املبحث السادس :وفاته وثناء العلماء عليه
37 الفصل الثالث :مصادر الفكر الرتبوي عند اإلمام الشاطيب
37 املبحث األول :القرآن والسنة
39 املبحث الثاين :اإلمجاع
40 املبحث الثالث :أقوال الصحابة وفعلهم
41 املبحث الرابع :القياس
43 املبحث اخلامس :مقاصد الشريعة
45 املبحث السادس :املصاحل املرسلة
47 الفصل الرابع :منهجيته العلمية والرتبوية
47 املبحث األول :استقالليته العلمية واالجتهادية
97
50 املبحث الثاين :جتديده وانطالقه من مقاصد الشريعة اإلسالمية
52 املبحث الثالث :اعتماده على املنهج االستقرائي
57 املبحث الرابع :مواجهته للخرافات واألباطيل واالستناد إىل احلجج والرباهني
وحماربته البدع
59 الفصل اخلامس :مقاصد الرتبية اإلسالمية عند اإلمام الشاطيب
59 املبحث األول :مقاصد الشريعة
63 املبحث الثاين :بعض التطبيقات الرتبوية على مقاصد الشريعة اإلسالمية
64 املبحث الثالث :أهداف الرتبية اإلسالمية عند الشاطيب
65 الفصل السادس :العلم والتعلم عند اإلمام الشاطيب
65 املبحث األول :أقسام العلم (تصنيف العلوم)
68 املبحث الثاين :مفهوم التعلم
70 املبحث الثالث :ركائز التعليم األساسية
80 املبحث الرابع :عوامل تعلم العلم
81 الفصل السابع :ميادين الرتبية اإلسالمية عند اإلمام الشاطيب
81 املبحث األول :الرتبية اإلميانية
83 املبحث الثاين :الرتبية العقلية
86 املبحث الثالث :الرتبية املهنية االجتماعية
88 املبحث الرابع :الرتبية األخالقية اجلمالية
91 اخلامتة وأهم النتائج
93 املصادر واملراجع
98 الفهرس
98