Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 251

‫أنت وأنا‬

‫حقوق الطبع والنشر حمفوظة‬ ‫ح‬


‫ملكتب الرتبية العربي لدول اخلليج‬
‫وجيوز االقتباس مع اإلشارة إىل املصدر‬
‫‪5341‬هـ ‪4153 /‬م‬

‫فهرسة مكتبة امللك فهد الوطنية أثناء النشر‪:‬‬


‫مكتب الرتبية العربي لدول اخلليج‬
‫اجليوسي ‪ ،‬حممد بالل‬
‫أنت وأنا‪ :‬مقدمة يف مهارات التواصل اإلنساني ‪/‬حممد بالل اجليوسـي – ط‪4‬‬
‫– الرياض ‪5341 ،‬هـ‬
‫‪ 454‬ص‪ 43 x 56 ،‬سم‬
‫ردمك‪665-6671-51-117-5 :‬‬
‫‪ - 5‬العالقات االنسانية‪- 4 .‬السلوك االجتماعي‪ .‬أ‪ .‬العنوان‪.‬‬
‫‪5341/5761‬‬ ‫ديوي ‪515.4‬‬

‫رقم اإليداع‪5341/5761 :‬‬


‫ردمك‪665-6671-51-117-5 :‬‬

‫‪-2-‬‬
‫مقدمة في مهارات التواصل اإلنساني‬

‫‪‬‬
‫حمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِ ْنتَ لَهُـ ْم وَلَـ ْو نْ ْنـتَ فَ غـا يَلِـيَْ ا بلقَ بلـبِ ال ْنفَ ـوا‬
‫‪ ‬فَبِمَا رَ ْ‬
‫ك‪‬‬
‫حوْ ِل َ‬
‫ِمنْ َ‬
‫(آل عمران‪)516 :‬‬
‫سـ َنةِ َوجَـادِ بل ُهمْ ِبـالَّتِي هِـ َي‬
‫حكب َم ِة وَالب َم ْوعِ َةِ ا بلحَ َ‬
‫‪‬ا ْدعُ إِلَى سَبِي ِل ر َِّبكَ بِا بل ِ‬
‫ك ُه َو َأ ْع َل ُم بِ َمنْ ضَلَّ َع ْن سَبِي ِل ِه َو ُه َو َأ ْع َل ُم بِالب ُمهْتَدِي َن ‪‬‬
‫سنُ إِنَّ ر ََّب َ‬
‫َأحْ َ‬
‫(النحل‪)541 :‬‬
‫ِق تَمْرَ ٍة ‪ ،‬فَِإ ْن َل ْم َتجِدُوا فَ ِب َكلِمَ ٍة طَيِّبَ ٍة"‪.‬‬
‫" اتَّقْوا النَّا َر وَ َل ْو ِبش ِّ‬
‫(حديث شريف)‬
‫"‪ ..‬والك ــالم الرقي ــق مص ــايد القل ــو ‪ ،‬إن من ــه مل ــا يس ــتعطف املستش ــي‬
‫يي ًا ‪ ،‬واملندمل حقدًا ‪ ،‬حتى يطفئ مجرة يي ه‪ ،‬ويستل دفائن حقـد‪..‬‬
‫وإن منه ملا يستميل قلب اللئيم‪ ،‬ويأخذ بسمع الكريم وبصر‪" .‬‬
‫أمحد بن حممد بن عبد ربه األندلسي‬
‫يف " العقد الفريد "‬

‫‪-3-‬‬
‫أنت وأنا‬

‫مكتب الرتبية العربي لدول اخلليج‬


‫ص‪ – )63764( .‬الرياض (‪)55753‬‬
‫تليفون‪11677553511111 :‬‬
‫فانس ‪11677553514546‬‬
‫‪www.abegs.org‬‬
‫‪E-mail: abegs@abegs.org‬‬
‫اململكة العربية السعودية‬

‫‪-4-‬‬
‫مقدمة في مهارات التواصل اإلنساني‬

‫‪-5-‬‬
‫أنت وأنا‬

‫‪-6-‬‬
‫مقدمة في مهارات التواصل اإلنساني‬

‫أصـدر مكتـب الرتبيـة العربـي لـدول اخللـيج نتـا " أنـت وأنـا‪ :‬مقدمـة يف مهــارات‬
‫التواصــل اإلنســاني"‪ ،‬الــذي ألـّفه بتكليــف مــن املكتــب الــدنتور حممــد بــالل اجليوســي‪ ،‬يف‬
‫عام ‪5344‬هـ (‪4114‬م)‪ .‬حتقيقـًا ألحد أهدافه األساسية وهـو " ‪ ..‬تنميـة التعلـيم وتطـوير‪ .‬يف‬
‫الدول األع اء يف املكتب على أسس علمية توانب التطورات املعاصرة‪.‬‬
‫وعلــى الــريم مــن مــرور أن ــر مــن (‪ )54‬عامــًا علــى صــدور هــذ‪ .‬الطبعــة ‪ ،‬ونفــاد‬
‫نســاها إال أن األوســاط الرتبويــة يف الــدول األع ــاء ويف العــا العربــي مازالــت تتنــاول‬
‫الكتا باعتبار‪ .‬منوذجـًا تربويـًا يعتد به يف ن ري من املواقف الرتبوية ‪.‬‬
‫وتلبية ملا يتلقا‪ .‬املكتب مـن طلبـات علـى الكتـا فاقـت نـل التوقعـات‪ ،‬فقـد رأ‬
‫املكتــب إص ــدار طبعــة جدي ــدة منــه‪ ،‬بع ــد أن عهــد إىل م لف ــه بإلقــاء ن ــرة جديــدة عل ــى‬
‫الطبع ــة األوىل لتنقيحه ــا وإض ــافة م ــا ك ــن إض ــافته ‪ ،‬فكان ــت ه ــذ‪ .‬الطبع ــة الـ ـ بـ ـ‬
‫أيدينا‪.‬‬
‫وإنـ إذ أقــدم هــذ‪ .‬الطبعــة فــإن أهيــب املاتصـ واملهــتم بالرتبيــة أن يـ ودا‬
‫املكتــب بــهرائهم وإســهاماتهم وجهــودهم يف هــذا ا ــال افيــوي‪ ،‬حتــى نــدفع معــًا بهــذ‪.‬‬
‫اجلهود إىل ما هو أف ل‪.‬‬
‫آمـ ـالً أن يك ــون الكت ــا مرشـ ـدًا ودل ــيالً للمعلمـ ـ والط ــال وناف ــة الرتب ــوي‬
‫يسد ثغرة يف املكتبة الرتبوية العربية‪.‬‬
‫لتجويد عمليات التواصل‪ ،‬وأن َّ‬

‫واهلل املوفق‪،،،‬‬

‫‪-7-‬‬
‫أنت وأنا‬

‫‪-8-‬‬
‫مقدمة في مهارات التواصل اإلنساني‬

‫أطلق الفالسفة على اإلنسان ألقابـًا متنوعة وفقـًا للاصائص الـ ييـ ‪ .‬عـن‬
‫الكائن ــات األخ ــر ‪ ،‬فق ــالوا‪ :‬إن ــه ن ــائن عاق ــل‪ ،‬ن ــاطق‪ ،‬رمــ ي‪ ،‬الع ــب‪ ،‬ض ــاحك‪ ،‬ص ــانع‬
‫لــودوات‪ .‬وقــالوا – أي ــًا – إنــه نــائن اجتمــاعي ال لــك– حبكــم طبيعتــه – إال أن‬
‫يعيش يف مجاعات سواء أنانت هذ‪ .‬اجلماعـة أسـرة أم قبيلـة أم قريـة أم مدينـة‪ ،‬أم يـري‬
‫ذلك من ضـرو ال تشـكالت االجتماعيـة املاتلفـة‪ .‬ولعلنـا ن ـيف رـة أخـر هـي أنـه‬
‫نــائن تواصــلي‪ ،‬وهــي رــة مرنبــة مــن رــات أخــر نــالنطق والرم يــة والدافعيــة‬
‫واالجتماعية‪ .‬هـذ‪ .‬الصـفة التواصـلية ال حتـدي أحيانـًا وتتوقـف أخـر م ـل سـلونات‬
‫اللع ــب أو ال ــحك أو ص ــناعة األدوات عل ــى س ــبيل امل ــال‪ ،‬ولكنه ــا منس ــوجة يف حي ــاة‬
‫اإلنســان مكانــًا وزمانــًا وفعاليــة‪ ،‬إذ ينــدر أن إلــد اإلنســان يف مكــان أو زمــان ال يتواصــل‬
‫فيهما‪ ،‬نما يصعب أن إلد فعالية ال ارس التواصل فيها أو يست ار‪.‬‬
‫ــد‪ .‬مفعمــًا بالتواصــل‪ .‬تســتيقْ صباحــًا‬ ‫ان ــر إىل يــوم عــادي يف حياتــك‬
‫فتلقي حتية الصباح على أفراد أسرتك وتتلقاها‪ ،‬ثم إنك قـد تقـف أمـام املـرآة وحتـاور‬
‫نفسك نأن تالحْ أن وجهك متعب فتحاول اسـتنتا السـبب‪ ،‬وهـذ‪ .‬عمليـة تنتمـي‬
‫إىل جمال التواصل الذاتي أي تواصل اإلنسان مع ذاته‪ .‬ويف الطريق إىل عملـك تواجـه‬
‫رمــو ًزا اتصــالية شــتى نإشــارات املــرور‪ ،‬أو التعــبريات ال ـ ت هــر علــى وجــو‪ .‬الس ـائق‬
‫الغاض ــب ‪ ،‬أو افرن ــات الــ يش ــري – أحيان ــًا – فيه ــا بع ــق ال ــواقف ليس ــألوك أن‬
‫توصلهم يف طريقك‪ .‬وقد تفتح راديو السـيارة أو حتـاور شاصًـا جيلـس اانبـك‪ .‬ومـا‬
‫أن تصل إىل عملك حتى تنارط يف عمليات تواصلية متتالية مع رؤسائك وزمالئك‬
‫ومرؤوســيك واملتعــامل معــك إرســالًا واســتقبالًا‪ .‬وعنــدما تعــود إىل البيــت ال تتوقــف‬
‫يكــن هنــاك أحــد معــك يف البيــت فقــد‬ ‫عمليــات التواصــل أو االتصــال‪ .‬إذ حتــى لــو‬

‫‪-9-‬‬
‫أنت وأنا‬

‫تتواصل – نما أسلفنا – مع ذاتك‪ ،‬وقد تفتح التلفـاز‪ ،‬وهـو قنـاة اتصـالية‪ ،‬أو تتحـدي‬
‫باهلاتف‪ ،‬أو تقلب صفحات اإلنرتنـت‪ ،‬أو تتفقـد بريـدك اإللكرتونـي‪ .‬وحتـى عنـدما تنـام‬
‫ف مــة فــرص تواصــلية متاحــة مــن خــالل عــا األحــالم حيــث تتلقــى رســائل تواصــلية‬
‫تصــدر عــن الشــعور والالشــعور املاتـ ن ‪ ،‬فــرت نفســك حتــاور أناســًا وتتفاعــل معهــم‪.‬‬
‫وأن ر من هذا نله‪ ،‬فنحن ال نتواصل بـالكالم وحسـب‪ ،‬وإمنـا بافرنـة واإلشـارة‪ ،‬بـل‬
‫إننا نتواصل – أحيانـًا – بالصمت‪ ،‬أال نقول أحيا ًنا‪ :‬إن الصمت أبلغ من الكالم‪.‬‬
‫ليس التواصل مقصو ًرا على حياة األفراد اليومية الراهنـة‪ ،‬فهـو ي ـر جـذور‪.‬‬
‫يف التــاريا الســحيق للبشــرية‪ ،‬وأن ــر مــن هــذا نلــه فــإن للتواصــل وجهــًا إهليـا ‪ .‬فقــد‬
‫تواصل اهلل سبحانه وتعاىل مع مالئكته‪َ  :‬وإِ ْذ ْقلبنَـا ِللبمَالئِكَـةِ اسْـجُدُوا دَ َم َفسَـجَدُوا إِال‬
‫نلِ َمـاتٍ ‪( ‬البقـرة‪ ،)46 :‬ونلـم‬
‫س ‪( ‬الكهف‪ )11 :‬ونلم آدم ‪َ ‬ف َتلَقَّى آ َدمُ مِـن رَّبِّـ ِه َ‬
‫إِ ْبلِي َ‬
‫حممـ ًدا عليــه الســالم مــن خــالل الــوحي يــأمر‪ .‬بفعــل اتصــالي هــو القــراءة‪ :‬اقبـ َر بأ بِاسْـ ِم‬
‫خلَ َق‪( ‬العلق‪.)5 :‬‬
‫ك الَّذِي َ‬
‫ر َِّب َ‬
‫ف ــإذا انتقلن ــا إىل ض ــرو ال قاف ــة املاتلف ــة وج ــدناها ت ــتم م ــن خ ــالل أفع ــال‬
‫اتصالية ما دامت تسـتادم الرمـوز والرسـائل‪ .‬فـالن ر والشـعر والفـن واألم ـال الشـعبية‬
‫والنكــات‪ ،‬رســائل يرســلها مرســل ويتلقاهــا مســتقبل‪ .‬ونــذا التــاريا والسياســة‪ ،‬أنشــطة‬
‫تواصــلية تــدور ب ـ النــاس عــا ال مــان واملكــان‪ .‬وال ختــر املهــن علــى تنوعهــا عــن هــذا‬
‫الســياق االتصــالي‪ :‬فــاملعلم والطبيــب وا ــامي وامل ـ ارع وافــريف‪ ...‬إخل‪ ،‬ال يســتطيع أن‬
‫يعمل من دون اتصال من نوع ما‪ .‬وباختصار‪ ،‬فإن االتصال هـو هـواء افيـاة اإلنسـانية ‪/‬‬
‫االجتماعية ال تكون إال به‪ ،‬وإذا نانت له هذ‪ .‬الصفة فال بد من أن له أهمية قصو ‪.‬‬
‫تنب ــق أهميــة التواصــل مــن ارتباطــه بافاجــات اإلنســانية‪ .‬فاإلنســان نــائن‬
‫يتحــرك يف افيــاة مدفوعــًا حباجاتــه الفي يولوجيــة م ــل الطعــام والشــرا ‪ ،‬وحاجاتــه‬
‫النفسية ‪ /‬االجتماعيـة م ـل افاجـة إىل االنتمـاء واملعرفـة وتقـدير الـذات وحتقيقهـا‪...‬‬

‫‪- 01 -‬‬
‫مقدمة في مهارات التواصل اإلنساني‬

‫إخل‪ .‬ويالبــًا مــا يكــون التواصــل مطيــة إلشــباع هــذ‪ .‬افاجــات‪ .‬فتقــدير الــذات – علــى‬
‫سبيل امل ال – ال يـتم إال مـن خـالل التواصـل مـع ا خـرين الـذين يقـدرون ذاتـك‪ ،‬ومـن‬
‫خــالل التواصــل مــع نفســك إذ تتســاءل عــن ذاتــك وقــدرها يف ن ــر ا خــرين ون ــرك‪.‬‬
‫وافاجة إىل النجاح – على سبيل امل ال – تتطلب االخنراط التواصلي مع ا خرين يف‬
‫املدرس ــة واجلامع ــة والعم ــل‪ .‬ب ــل إن جم ــرد إش ــباع حاج ــة فيســيولوجية نالطع ــام ق ــد‬
‫يتطلب ذهابك إىل السوبر مارنت‪ ،‬وقراءة أراء املواد الغذائية‪ ،‬والتحدي مع البائع‪،‬‬
‫والتحــاور مــع نفســك متســائلًا عــن مــد حاجتــك هلــذ‪ .‬الســلعة أو تلــك‪ ،‬إىل آخــر مــا‬
‫هنــاك مــن هــذ‪ .‬األفعــال االتصــالية‪ .‬ي ــاإ إىل ذلــك أننــا نكيــف أفعالنــا التواصــلية‬
‫ونعــدهلا إلشــباع حاجاتنــا‪ .‬إن الطريقــة ال ـ يُااطَــب بهــا شــاص هــاد ختتلــف عــن‬
‫اطــب بهــا شــاص ياضــب‪ ،‬ويف أثنــاء موقــف اتصــالي تــتغري طرائــق‬ ‫الطريقــة ال ـ‬
‫التواصل وفـق إدراناتنـا وتوقعاتنـا إلشـباع حاجاتنـا‪ .‬التواصـل –إذن – مب ـوي يف نـل‬
‫ــو‬ ‫مك ــان وزم ــان إىل درج ــة أن الن ــاس ألف ــو‪ .‬وتع ــودوا علي ــه‪ ،‬ب ــل إنه ــم ارس ــو‪ .‬عل ــى‬
‫ميكانيكي ال يتطلب يف نـ ري مـن األحيـان الـتفكري والتأمـل‪ .‬و ـن عنـدما نتحـدي أو‬
‫عندما نصنع إشارات بأيدينا أو وجوهنا فإننا ال نفعل ذلك بعـد تفكـري طويـل‪ ،‬بـل إننـا‬
‫منارس ــه بص ــورة تك ــاد تك ــون يري ي ــة‪ .‬إال أن الع ــادة وا لي ــة وإن نانتــا ينح ــان الفع ــل‬
‫سهولة ويس ًرا مرحي ‪ ،‬إال أنهما تغيبـان الدهشـة والتأمـل والتغـيري‪ ،‬وحتـوالن األخطـاء‬
‫إىل ممارسات يومية يري واعية‪ .‬ي اإ إىل ذلـك أن التواصـل لـيس عمليـة بسـيطة إىل‬
‫علنــا نــرنن إىل التعــود عليهــا ملمارســتها‪ ،‬بــل أنهــا – نمــا ســنر – عمليــة‬ ‫درجــة‬
‫معقــدة ختطــئ وتصــيب‪ ،‬وتــنجح وتفشــل‪ ،‬وتوصــل صــاحبها إىل أهدافــه‪ ،‬لكنهــا كــن أن‬
‫تعوقه عن حتقيق هذ‪ .‬األهداإ‪ ،‬وتوقعه يف مشكالت ن رية‪ .‬فإذا أخـذنا بعـ االعتبـار‬
‫– من جهـة – أهميـة التواصـل يف افيـاة‪ ،‬وتعقيـد‪ .‬وصـعوبته – مـن جهـة ثانيـة– فإننـا‬
‫سـ ــنعرإ ضـ ــرورة جعـ ــل التواصـ ــل – ذاتـ ــه – موضوعـ ــًا للدراسـ ــة والتأمـ ــل واملراجعـ ــة‬
‫والتدريب‪.‬‬

‫‪- 00 -‬‬
‫أنت وأنا‬

‫يهــدإ هــذا الكتــا إىل نفــق يبــار العــادة وا ليــة عــن التواصــل‪ ،‬ويســعى إىل‬
‫جعله موضوعـًا للدراسة والبحث‪ ،‬نما يهدإ – عـن طريـق ذلـك – إىل توعيـة القـار‬
‫ــو ي يــد مــن مهاراتــه‬ ‫مببــاد التواصــل وأشــكاله وطرائقــه وأهدافــه ومشــكالته علــى‬
‫التواصلية مبا يسهل له إشباع حاجاته‪ ،‬وحتقيق النجاح والسعادة يف حياته‪.‬‬
‫مث ــة مالح ــة أخ ــرية الفت ــة ومهم ــة‪ .‬فق ــد انش ــغل املفك ــرون الع ــر يف العق ــود‬
‫األخـرية يف حماولـة التوفيـق بـ ثنائيـات شـتى‪ :‬األصـالة واملعاصـرة‪ ،‬الـرتاي وافداثــة‪،‬‬
‫اهلوي ــة والعومل ــة‪ ...‬إخل‪ .‬و ــا مع مه ــم إىل ض ــرورة االخن ــراط يف املعاص ــرة وافداث ــة‬
‫واالنفتاح على العا من دون أن نتالى عن األصالة والـرتاي واهلويـة‪ ،‬وذلـك بالبحـث‬
‫عن مواطن افداثة يف الرتاي لتطويرها وتعميقها‪ .‬وهكذا‪ ،‬فإن فقوق اإلنسان موقفـًا‬
‫مهمـًا ومتمي ًا يف تراثنا كن االنطـالق منـه ملمارسـة حقـوق اإلنسـان افـديث‪ ،‬وللعلـم‬
‫– أي ــًا – مكانــة بــارزة يف تراثنــا‪ ،‬كــن االنطــالق منهــا للمشــارنة يف حرنــة العلــم‬
‫ــو‬ ‫افــديث‪ .‬ويف هــذا الســياق‪ ،‬حيتــل التواصــل مكانــة بــارزة يف الــرتاي العربــي علــى‬
‫جيعله منطلقـًا م اليـا الستئناإ هذا الرتاي وامل ي به إىل آفاق معاصـرة ومسـتقبلية‪.‬‬
‫إن أ ي متصــفح لكتــب الــرتاي العربــي سيكتشــف بيســر مــد احتفــاء العــر بالــذناء‬
‫التواصلي الذي نانوا يدعونه "البالية" أو "البيان"‪ .‬و تكن البالية عنـدهم مفهومـًا‬
‫لغويـ ـا – نمــا هــو شــائع – فحســب‪ ،‬بــل نانــت – هــي بعينهــا – الــذناء التواصــلي‪.‬‬
‫ل ــذلك فق ــد اقتطف ــت يف مط ــالع فص ــول ه ــذا الكت ــا – يي ــًا م ــن ف ــيق الش ــواهد‬
‫الرتاثيــة يف ه ــذا ا ــال‪ ،‬ولعلــي به ــذا أش ــجع القــار إىل الع ــودة إىل املراج ــع األص ــلية‬
‫لالست ادة منها‪ ،‬ونذلك إلشاعة اإلحسـاس بأننـا إذ نهـتم بالتواصـل‪ ،‬فإننـا – بـذلك‬
‫تفــي بهويتن ــا وتراثنــا أ ــا احتف ــاء‪ ،‬باإلضــافة إىل دخولن ــا إىل واحــد م ــن أن ــر‬ ‫–‬
‫اهتمامات املعاصرة برو ًزا ‪.‬‬

‫‪- 02 -‬‬
‫مقدمة في مهارات التواصل اإلنساني‬

‫اســتادمت يف بعــق املواضــع مــن املقدمــة الســابقة مفهــومي االتصــال والتواصــل‬


‫ونأنهما مرتادفان معتمدًا على اخلصائص املشرتنة بينهما‪ ،‬ولكن حيسن ا ن أن نأخـذ‬
‫ــو ينفــي اللــبس واالخــتالط بينهمــا‪ ،‬وحيــدد بدقــة‬ ‫بــالتميي بـ هــذين املفهــوم علــى‬
‫موضوع هذا الكتا ‪.‬‬
‫إن االتصـ ــال ‪ Communication‬مفهـ ــوم عـ ــام يت ـ ــمن أي نـ ــوع مـ ــن أنـ ــواع إرسـ ــال‬
‫‪ Interpersonal‬فهــو نــوع حمــدد مــن‬ ‫الرســائل واســتقباهلا‪ .‬أمــا التواصــل ‪Communication‬‬

‫أنــواع االتصــال‪ ،‬ولــذلك فهمــا يتشــابهان يف بعــق اخلصــائص نتشــابه اجل ـ ء بالكــل‬
‫تلفــان يف خصــائص أخــر ‪ .‬ولتوضــيح هــذا التميي ـ دعونــا نتأمــل يف املواقــف‬ ‫نمــا‬
‫االتصالية التالية‪:‬‬

‫‪- 03 -‬‬
‫أنت وأنا‬

‫لسـان – يف مطلـع العـام الدراسـي – يف نافيرتيـا اجلامعـة تتحـدثان‬ ‫طالبتان‬ ‫‪–5‬‬


‫عن – النشاطات – ال قامتا بها يف العطلة الصيفية املنصرمة‪.‬‬
‫نقاش ب رجل وزوجته حول سلوك ابنتهما املراهقة‪.‬‬ ‫‪–4‬‬
‫مناقشة تدور يف حلقة حبث جامعية ب أستاذة وأربعة من طالبها‪.‬‬ ‫‪–4‬‬
‫اتصال هاتفي تقوم به ربة من ل مع بائع يف سـوبر مارنـت لالستفسـار عـن تـوافر‬ ‫‪–3‬‬
‫سلعة معينة وسعرها‪.‬‬
‫رسـ ــالة مـ ــن طالبـ ــة – تـ ــدرس يف اخلـ ــار – ألبويهـ ــا تتحـ ــدي فيهـ ــا عـ ــن حياتهـ ــا‬ ‫‪–1‬‬
‫ودراستها‪.‬‬
‫بائع متجول ينادي على ب اعته يف السوق‪.‬‬ ‫‪–7‬‬
‫زعــيم مجــاهريي يلقــي خطبــة علــى حشــد نــبري يتــألف مــن عشــرات األلــوإ مــن‬ ‫‪–6‬‬
‫الناس‪.‬‬
‫برنامج إذاعي يبث يف مناسبة ما‪.‬‬ ‫‪–5‬‬
‫التفر – يف البيت – على مسلسل تلف يوني‪.‬‬ ‫‪–6‬‬
‫قراءة صحيفة‪.‬‬ ‫‪–51‬‬
‫هــذ‪ .‬املواقــف – ونـ ري يريهــا بطبيعــة افــال – تت ــمن اتصــالًا‪ ،‬ولكنهــا خــاات‬
‫خمتلفة ألن العمليـات املت ـمنة فيهـا خمتلفـة‪ ،‬و كـن أن تصـنف يف فئـات خمتلفـة وف ًقـا‬
‫ألبعاد حمددة م ل‪:‬‬
‫طبيعة اجلمهور‪ :‬فاملواقف من ‪ 51– 7‬تت من مجهورًا نبريًا – فعليًا أو مفرتضـًا‬ ‫أ)‬
‫– قد يكون املتسوق أو املتفرج أو القراء‪ .‬ويف م ل هذ‪ .‬األحوال فـإن املرسـل ال‬
‫يعــرإ املســتقبل‪ .‬واملرســل يف بعــق افــاالت قــد يكــون فــردًا ‪ ،‬نمــا قــد يكــون يف‬
‫م سس ــة‪ ،‬نم ــا يف‬ ‫ح ــاالت أخ ــر جمموع ــة أو م سس ــة أو ف ــردًا يتص ــرإ لص ــا‬
‫التلفاز أو الصحيفة على سبيل امل ال‪.‬‬

‫‪- 04 -‬‬
‫مقدمة في مهارات التواصل اإلنساني‬

‫وسي االتصال‪ :‬قـد يكـون التصـال وج ًهـا لوجـه نمـا يف املواقـف مـن ‪ 4 – 5‬يف‬ ‫)‬
‫ح أن املواقف ‪ 51 ،6 ،5 ،1 ،3‬تستادم وسيطـًا اتصال ًيا ‪.‬‬
‫يف ضوء هذ‪ .‬التميي ات فإن املقصود بالتواصل –يف هذا الكتا – هو ما جيري يف‬
‫املواقف من ‪ .4 – 5‬وهذا التواصل يتمي عن ضرو االتصال األخر يف النقاط التالية‪:‬‬
‫يكون التواصل ب فرد وآخر أو ب فرد وجمموعة صغرية‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫يكون التواصل وجهًـا لوجه من دون وسي ‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫يعكس التواصل اخلصائص الشاصية لوفراد وأدوارهم وعالقاتهم االجتماعية‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫ومثــة مالح ــة ذات صــلة هنــا تتعلــق برتمجــة املصــطلح‪ .‬فقــد در الــبعق علــى‬
‫ترمجة مصطلح ‪ Interpersonal Communication‬ب ـ " التواصـل بـ الشاصـي " وقـد آثـرت – يف‬
‫مع ــم األحيــان – اال ســتغناء عــن عبــارة " ب ـ الشاصــي " ألن م ــل هــذا الرتنيــب يــري‬
‫مألوإ يف العربية‪ ،‬باإلضافة إىل أن نلمة "التواصل" لوحدها ثرية‪ ،‬وتفيد معنى ال نائية‬
‫والتفاعليــة واالســتمرارية‪ ،‬وه ــي مفــاهيم مرن يــة يف التواص ــل بــاملعنى املقصــود يف ه ــذا‬
‫الكتا ‪.‬‬

‫‪ -‬الكفاية ‪.‬‬ ‫‪ -‬التعلم‪.‬‬ ‫‪ -‬مستمر ‪.‬‬ ‫‪ -‬ذاتي ‪.‬‬ ‫‪ -‬األطـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــراإ ‪:‬‬
‫‪ -‬ال جة ‪.‬‬ ‫‪ -‬إشـ ـ ـ ـ ـ ـ ــباع‬ ‫‪ -‬شائع ‪.‬‬ ‫‪ -‬ثنائي ‪.‬‬ ‫املرسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــل‬
‫‪ -‬السياق ‪.‬‬ ‫افاجات‪.‬‬ ‫‪ -‬معقد ‪.‬‬ ‫‪ -‬ف ــرد ‪ /‬مجاع ــة‬ ‫واملستقبل‪.‬‬
‫‪ -‬التغذية الراجعة‪.‬‬ ‫‪ -‬التأثري‪.‬‬ ‫‪ -‬تفاعلي ‪.‬‬ ‫صغرية ‪.‬‬ ‫‪ -‬العناص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر‪:‬‬
‫‪ -‬التغذية املتقدمة‪.‬‬ ‫‪ -‬املتعة‪.‬‬ ‫‪ -‬دينامي ‪ :‬متغري متعامد‪.‬‬ ‫‪ -‬لف ي ‪.‬‬ ‫الرسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــالة‬
‫‪ -‬اخلاة املشرتنة ‪.‬‬ ‫‪ -‬املساعدة‪.‬‬ ‫‪ -‬مت امن ومتعاقب ‪.‬‬ ‫‪ -‬يري لف ي ‪.‬‬ ‫واملعلومات‪.‬‬
‫‪ -‬مفهوم الذات ‪.‬‬ ‫‪ -‬يري قابل للعكس ‪.‬‬ ‫‪ -‬مقصود ‪.‬‬ ‫‪ -‬القناة ‪.‬‬
‫‪ -‬م ثر ‪.‬‬ ‫‪ -‬يري مقصود‪.‬‬ ‫‪ -‬املعنى‪.‬‬
‫‪ -‬نلي ‪.‬‬
‫‪ -‬أخالقي ‪.‬‬

‫‪- 05 -‬‬
‫أنت وأنا‬

‫تشكل هذ‪ .‬البنية تعريفـًا عامـًا للتواصل كن بسطه على النحو التالي‪:‬‬
‫" التواصــل اإلنســاني عمليــة معلوماتيــة معقــدة‪ ،‬يــتم التعــبري مــن خالهلــا –‬
‫ب ـ مرســل ومســتقبل –عــن املشــاعر واألفكــار والوقــائع‪ ،‬بوســاطة رســالة ذات‬
‫أش ــكال خمتلف ــة‪ ،‬ع ــا قن ــوات خمتلف ــة‪ ،‬به ــدإ حتقي ــق وظ ــائف متنوع ــة‪.‬‬
‫وختتل ــف أش ــكال التواص ــل وف ــق ع ــدة عوام ــل‪ :‬ف ــإذا ن رنـ ـا إلي ــه م ــن زاوي ــة‬
‫األطــراإ الـ تشــارك فيــه فقــد يكــون ذاتيــا (بـ اإلنســان وذاتــه)‪ ،‬أو ثنائيــا‬
‫(يت من فردين)‪ ،‬أو ب فرد ومجاعة صغرية‪ .‬أمـا إذا ن رنـا إليـه حسـب نـوع‬
‫الرسالة‪ ،‬فيكون لف يـا أو يري لف ي‪ .‬نما أنه ينقسـم حسـب نيـة األطـراإ‬
‫املشارنة فيه‪ ،‬إىل مقصود ويـري مقصـود‪ .‬ويتميـ التواصـل بعـدة خصـائص‬
‫منها‪ :‬االستمرارية والشيوع والتفاعلية والدينامية والت امن والتعاقب وعدم‬
‫قابلي ــة العك ــس والت ــأثري والكليـ ــة واألخالقي ــة‪ .‬وحيق ــق التواص ــل وظـ ــائف‬
‫متعــددة منهــا‪ :‬إشــباع افاجــات والتعلــّم والتــأثري واملتعــة واملســاعدة‪ .‬ي ــاإ‬
‫إىل ذل ــك نل ــه أن التواص ــل عرض ــة للت ــأثر بع ــدة عوام ــل منه ــا‪ :‬الكفايـ ــة‬
‫وال جة والسيـاق والتغذيـة الراجعة والتغذية املتقدمـة واخلـاة املشـرتنة‬
‫ومفهوم الذات "‪.‬‬
‫ي عن القول – بطبيعة افال – أن هذ‪ .‬العناصر الـ تشـكل بنيـة التواصـل‬
‫ــو دين ــامي ج ــدلي ب ــالغ التعقي ــد‪ ،‬وأنن ــا إذا قمن ــا‬ ‫تعم ــل يف افي ــاة الواقعي ــة عل ــى‬
‫بتجميدها يف قوالب ومفـاهيم فإننـا نفعـل هـذا أليـراض الدراسـة والتبسـي ‪ .‬وسـتدور‬
‫بقية هذا الفصل حول شرح موج هلذ‪ .‬العناصر مبا يسهل إعطـاء القـار صـورة عامـة‬
‫نلية قبل الدخول املفصل – فيما بعد – يف مباد التواصل وآلياته ومهاراته‪.‬‬

‫التواصـ ــل يتصـ ــل باملعلومـ ــات‪ :‬ن ـــل التواصـ ــل يـ ــدور ح ـــول معلومـ ــات‪ .‬ه ـ ــذ‪.‬‬ ‫‪- 5‬‬
‫املعلوم ـ ــات ق ـ ــد تتص ـ ــل بالوق ـ ــائع افسيـ ـ ــة أو األفك ـ ــار ا ـ ــردة أو املشاعـ ـ ــر‬

‫‪- 06 -‬‬
‫مقدمة في مهارات التواصل اإلنساني‬

‫واألحاسيس‪ .‬إن حماولتك وصف شئ مع لشاص مـا‪ ،‬أو التعـبري عـن فكـرة‬
‫سياسـ ــية‪ ،‬أو ربتـ ــة حانيـ ــة علـ ــى رأس طفـ ــل أو احت ـ ــانه‪ ،‬أو ابتسـ ــامة مشـ ــرقة‬
‫متقبلة‪ ،‬أو ن رة ياضبة نافرة‪ ...‬إخل‪ ،‬نل هذ‪ .‬افوادي أفعـال تواصـلية تنقـل‬
‫املعلومات‪.‬‬
‫املرســل واملســتقبل‪ :‬البــد لكــل حــدي تواصــلي – حتــى يســمى نــذلك – م ــن‬ ‫‪- 4‬‬
‫مرسل ومستقبل‪ .‬إن نلمة ختاطـب بهـا شاصـًا فـال يسـمعها ال تشـكل حدثـًا‬
‫تواصليـا‪ ،‬وإشارة تلوح بها خر فال يراهـا ال تشـكل – أي ًـا – حدثـًا تواصلي ـا‪.‬‬
‫إن نواة هذا افدي تتطلب وجود هذين الطرف بال رورة‪.‬‬
‫الرسـ ــالة‪ :‬إن مـ ــا يـ ــرب املسـ ــتقبل باملرسـ ــل يف النـ ــواة التواصـ ــلية األساسـ ــية هـ ــو‬ ‫‪- 4‬‬
‫الرسالة‪ :‬والرسالة معلومة‪ ،‬تُرسَل وتُستقبَل‪ .‬وللرسائل أشـكال خمتلفـة سـنتطرق‬
‫إليها بالتفصيل عندما نتحدي عن أشكال التواصل‪ .‬لقد درجنا يف اللغـة العربيـة‬
‫ص‬
‫عل ــى اس ــتادام نلم ــة رس ــالة ل ش ــارة إىل ش ــكل معــ م ــن االتص ــال وه ــو نــ ّ‬
‫مكتو يبعث عن طريق الايـد ‪ ،Letter‬ولكـن معنـى الرسـالة ‪ Message‬يف أدبيـات‬
‫االتصال والتواصل أوسع من هذا بك ري‪ .‬إنه أي معلومة ترسل وتستقبل بأي وجـه‬
‫وصورة‪.‬‬
‫ال بـ شـكل الرسـالة‬
‫القناة‪ :‬نل تواصل يـتم عـا قنـاة مـا‪ .‬وال بـد مـن أن منيـ أو ً‬ ‫‪- 3‬‬
‫تلطـان أحيانًـا‪ .‬إن األلفـاظ املسـتادمة‬ ‫والقناة املستادمة يف إرساهلا إذ إنهمـا‬
‫يف رسالة منطوقة هي شكل للتواصل يقال له الشكل اللف ـي‪ .‬أمـا جهـاز الصـوت‪:‬‬
‫الفم وافنجرة واللسان من طرإ املرسـل‪ ،‬واجلهـاز السـمعي مـن طـرإ املسـتقبل‪،‬‬
‫وأموا الصـوت‪ ،‬فهـذ‪ .‬نلـها تشـكل قنـاة تسـمى القنـاة الصـوتية ‪ /‬السـمعية‪ .‬فـإذا‬
‫نانــت الرســالة بصــرية نحرنــات اجلســم – علــى ســبيل امل ــال– فــإن اجلســم‬
‫والبصــر همــا القنــاة اجلســمية ‪ /‬البصــرية‪ .‬ولكــل قنــاة – نمــا كــن أن نالحــْ‬
‫بسهولة – وجهان‪ :‬وجه إرسالي ووجه استقبالي‪ .‬فالكالم املنطـوق يقابلـه راعـه‪،‬‬

‫‪- 07 -‬‬
‫أنت وأنا‬

‫واألشــياء وافرنــات املتحي ـ ة يف املكــان يقابلــها البصــر‪ .‬والوجهــان متنايمــان –‬


‫بال رورة – ي ري أحدهما ا خر‪.‬‬
‫املعنى‪ :‬للتواصـل ظـاهر وبـاطن‪ .‬ال ـاهر هـو الشـكل اخلـارجي نوجـود املرسـل‬ ‫‪- 1‬‬
‫واملســتقبل والرســالة والقنــاة‪ .‬لكــن نــل هــذ‪ .‬املكونــات ليســت نافيــة إلطــالق‬
‫افدي االتصالي يامـًا نما أن تواجد أج اء السـيارة ال يكفـي جلعلـها تسـري‪،‬‬
‫إذ الب ــد م ــن ش ــرارة تش ــعل الوق ــود فيه ــا لتب ــدأ عملي ــة افرن ــة‪ .‬واملعن ــى يف‬
‫التواصل هو الشرارة ال بدونها ال تد افياة يف حادثـة التواصـل‪ .‬ذلـك أنـه‬
‫يــدرك املســتقبل معنــى الرســالة فــإن التواصــل ينقطــع يا ًمــا‪ ،‬نمــا أن‬ ‫إذا‬
‫حرنــة حمــرك الســيارة ســتنقطع إذا فشــلت عمليــة اإلشــعال‪ .‬و تلــف املعنــى‬
‫عن باقي املكونات‪ ،‬يف أن وجود‪ .‬ضم وليس حسي ـا‪ ،‬إنـه روح التواصـل يف حـ‬
‫تشكل املكونات األخر اجلسد‪.‬‬

‫ينصب مفهوم الشكل يف التواصل على الرسالة الـ قـد تتاـذ شـكالً‬
‫دون آخر‪ .‬ومن ب هذ‪ .‬األشكال‪:‬‬
‫حــديث الــذات‪ :Intrapersonal communication :‬تتم هــر الــذات يف ن ـ ري مــن‬ ‫‪- 5‬‬
‫و ثنائي‪ .‬وتت ح هـذ‪ .‬اخلاصـية يف اخلطـا اللغـوي نـأن يقـول‬ ‫األحيان على‬
‫املرء أحيانًـا‪ :‬قلت لنفسي‪ ،‬فكأن هناك اثن يف داخل الـذات‪ ،‬واحـد يقـول وال ـاني‬
‫يستمع‪ ،‬أو يقول سـوّلت لـ ّي نفسـي‪ ،‬أو أقنعـت نفسـي‪ ،‬أو ملتهـا‪ ،‬أو أثنيـت عليهـا‪ ،‬إىل‬
‫آخ ــر ه ــذ‪ .‬العب ــارات الــ تش ــي مب ــل ه ــذ‪ .‬ال نائي ــة‪ .‬وح ــديث ال ــذات أو التواص ــل‬
‫ال ــذاتي – ش ــأنه يف ذل ــك ش ــأن التواص ــل م ــع ا خ ــرين – ل ــه م ــاهر‪ .‬وآليات ــه‬
‫ووظائفــه وعواقبــه وعوائقــه‪ ،‬وهــو علــى صــلة خاصــة مــع مفهــوم الــذات والصــحة‬
‫النفس ــية ل ــذلك فس ــوإ نناقش ــه يف مع ــرض مناقش ــتنا ل ــدور مفه ــوم ال ــذات يف‬
‫التواصل‪.‬‬

‫‪- 08 -‬‬
‫مقدمة في مهارات التواصل اإلنساني‬

‫‪ :Interpersonal‬وهــذا هــو شــكل‬ ‫األشــااص – ‪communication‬‬ ‫التواصــل ب ـ‬ ‫‪- 4‬‬


‫التواصــل الــرئيس الــذي يــتم ب ـ شاص ـ وجهــًا لوجــه‪ ،‬وهــو الــذي سيشــكل‬
‫ا ــور املرن ـ ي يف دراســتنا خصوصًــا أنــه هــو الــذي ّي ـ بدقــة ب ـ مفهــومي‬
‫التواصل واالتصال‪ .‬وال نائية هلـا أولويـة يف التواصـل‪ ،‬إذ حتـى لـو اجتمـع عـدة‬
‫أشااص معـًا‪ ،‬فغالبـًا ما يدور افوار ب اثن ‪.‬‬
‫بي مجاعي‪ :‬وهـو الشـكل الـذي يتاـذ‪ .‬التواصـل عنـدما يكـون بـ فـرد واحـد‬ ‫‪- 4‬‬
‫ومجاعــة‪ ،‬نمــا يف قاعــة الصــف أو يف حماضــرة عامــة‪ ،‬شــريطة ان يكــون عــدد‬
‫افاضرين حمدودًا حتى ال ننتقل من التواصل إىل االتصال‪.‬‬
‫لف ي‪ :‬وهو الشكل الشائع من التواصل حيـث تتاـذ اللغـة اللف يـة مطيـة لـه‬ ‫‪- 3‬‬
‫سواء أنانت منطوقة ‪ /‬مسموعة‪ ،‬أم مكتوبة ‪ /‬مقروءة‪.‬‬
‫حيْ التواصـل يـري اللف ـي مبـا ح ـي بـه قرينـه اللف ـي مـن‬ ‫يري لف ي‪:‬‬ ‫‪- 1‬‬
‫اهتمام‪ ،‬رمبا ألنه حيدي بصـورة شـبه طبيعيـة ويبـدو يف يالـب األحيـان ونأنـه‬
‫يف خلفية التواصل‪ .‬ويشمل التواصل يري اللف ـي نـل ضـرو التواصـل الـ‬
‫ال تس ــتادم األلف ــاظ‪ .‬وبه ــذا املعن ــى ف ــإن حرن ــات اجلس ــم والوج ــه واملالب ــس‬
‫واألل ــوان واملوس ــيقى وإيقاع ــات الص ــوت وطبقات ــه واملك ــان وال م ــان واإلش ــارات‬
‫الرم ية نإشارات املرور والدخان تعتا نلها أمناط تواصـل يـري لف ـي‪ .‬وإذا‬
‫حت ــْ مب ــل م ــا ح ي ــت ب ــه األمن ــاط اللف ي ــة م ــن‬ ‫نان ــت ه ــذ‪ .‬األمن ــاط‬
‫اهتمام‪ ،‬فإن هذا ال يع – بأي حال من األحوال– أنها يري مهمة‪.‬‬
‫مقصــود‪ :‬قــد تكــون الرســالة الـ يطلقهــا شــاص مــا مقصــودة أي موجهــة إىل‬ ‫‪- 7‬‬
‫مستقبل مع بغرض حتقيق هدإ معـ ‪ .‬وهـذ‪ .‬الرسـالة تكـون واعيـة وهادفـة‬
‫بالنس ــبة للمرس ــل‪ .‬نم ــا أن االس ــتقبال ك ــن أن يك ــون مقص ــودًا م ــن خ ــالل‬
‫االستماع واالنتبا‪..‬‬

‫‪- 09 -‬‬
‫أنت وأنا‬

‫يري مقصود‪ :‬وعلى النقيق من الرسالة املقصـودة فـإن الرسـالة يـري املقصـودة‬ ‫‪- 6‬‬
‫ال تكـون واعيـة‪ .‬إن زلـة لسـان أو نلمـة تطلـق يف فـورة ي ـب جاحمـة‪ ،‬أو إشــارة‬
‫عفويــة‪ ،‬أو تعــبريًا ال يكــون مبنــا‪ .‬ومعنــا‪ .‬منســجم هــي أم لــة عــن رســائل يــري‬
‫مقصـودة‪ .‬واإلرسـال واالسـتقبال كــن أن يكونـا مقصـودين أو يـري مقصــودين‪،‬‬
‫وإذا نان اإلرسال املقصود‪ ،‬ونذلك االسـتقبال املقصـود هـي أشـكال واضـحة‬
‫لقص ــدية التواص ــل أو ع ــدمها‪ ،‬ف ــإن االس ــتقبال ي ــري املقص ــود ه ــو االس ــتقبال‬
‫العــارض‪ ،‬نــأن أرــع نلمــة دون قصــد أو باملصــادفة فتنعقــد حادثــة تواصــل‬
‫بسيطة جدًا يري مقصودة‪.‬‬

‫يتمي التواصل املة خصائص ينحـه ماهيتـه اخلاصـة‪ ،‬نمـا تـاز أهميتـه‬
‫وت ئ بعق أبعاد‪ .‬ومن هذ‪ .‬اخلصائص‪:‬‬
‫االســتمرارية‪ :‬ولالســتمرارية يف التواصــل معنيــان‪ :‬أوهلمــا أننــا نتواصــل بصــورة‬ ‫‪- 5‬‬
‫مستمرة عا ال من‪ :‬يف الصباح وال هر واملساء‪ ،‬وتنق ي شهور العمر وسنواته‬
‫و ــن منارط ــون يف عملي ــات التواص ــل‪ .‬واملعن ــى ال ــاني لالس ــتمرارية ه ــو أن‬
‫افادثة التواصلية مرتبطة مبا قبلها وما بعدها‪ .‬فعنـدما يطـرح الطالـب علـى‬
‫ال فإن هذا الس ال يـرتب مبـا يعرفـه الطالـب ومـا ال يعرفـه‪ ،‬أو مبـا‬
‫املدرس س ا ً‬
‫قاله املدرس قبل قليل‪ ،‬نما أنه يرتب خباات الطالب مع هذا املـدرس الـذي‬
‫ســيجيب – بامل ــل – يف ضــوء خــاات ماضــية عــن الطالــب واملوضــوع‪ .‬فحلقــات‬
‫التواصـ ــل مسـ ــتمرة‪ .‬صـ ــحيح أننـ ــا يف بعـ ــق األحيـ ــان نرقمهـ ــا لكـ ــي نفصـ ــل‬
‫مقاطعه ــا‪ ،‬ولكنن ــا إذا ن رن ــا إليه ــا يف ص ــريورتها افي ــة س ــنجد أن التواص ــل‬
‫الراهن مرتب مبا سبقه‪ ،‬ممهد ملا سيلحقه‪.‬‬
‫الشيوع‪ :‬إذا نانت االسـتمرارية مرتبطـة بال مـان فـإن الشـيوع مـرتب باملكـان‪.‬‬ ‫‪- 4‬‬
‫إننــا نتواصــل يف البيــت والشــارع والعمــل وعيــادة الطبيــب والصــيدلية والســوبر‬

‫‪- 21 -‬‬
‫مقدمة في مهارات التواصل اإلنساني‬

‫مارنــت والســيارة‪ ...‬إخل‪ .‬واالســتمرارية ال مانيــة والشــيوع املكــاني همــا اللــذان‬


‫نحان التواصل هذا التغلغل يف النسيج االجتماعي للحياة‪.‬‬
‫ن نقـول عـن عمليـة مـا أنهـا معقـدة إذا نانـت تت ـمن أن ـر مـن‬ ‫التعقيد‪:‬‬ ‫‪- 4‬‬
‫عنصر متداخل يفسرها وحيدد نتائجها‪ .‬والتواصل بهذا املعنى عمليـة معقـدة‬
‫ألنــه يت ــمن عناصــر ن ـ رية نأطرافــه ومكوناتــه وأشــكاله والعوامــل امل ـ ثرة‬
‫فيه‪.‬‬
‫التفاعل‪ :‬والتفاعل وجه من وجو‪ .‬التعقيـد‪ .‬يـ علمـاء االتصـال بـ ضـرب‬ ‫‪- 3‬‬
‫من االتصال‪ :‬األول هو االتصال اخلطي‪ ،‬ويت من رسـالة تتجـه مـن مرسـل إىل‬
‫مستقبل من دون استجابة يف اال ا‪ .‬املعانس‪ .‬وليس هـذا – نمـا أسـلفنا –‬
‫ال ‪ .‬أم ــا ال ــر ال ــاني فه ــو االتص ــال التف ــاعلي حي ــث تنعق ــد حادث ــة‬
‫تواصـ ـ ً‬
‫ال وتغذيـ ــة راجعـ ــة وإرسـ ــاالً تكميليـ ـ ـا‪ ..‬إخل‪ .‬وهـ ــذا‬
‫ال واسـ ــتقبا ً‬
‫التواصـ ــل إرسـ ــا ً‬
‫التواصل هو الذي ندرسه هنا‪ .‬وإذا نان املعنى – نما أشرنا سابقـًا – هـو روح‬
‫التواصل فإن التفاعل هو إيقـاع افيـاة النشـ فيـه‪ .‬إنـه الـذي يـدفع التواصـل‬
‫وينميه وي ريه‪.‬‬
‫الدينامي ــة‪ :‬تعــ الدينامي ــة ال ــتغري والتعام ــد‪ .‬فاف ــدي التواص ــلي م ــتغري ال‬ ‫‪- 1‬‬
‫يســتقر علــى حــال حســبما جيــري ب ـ أطرافــه وحســب تغــري أشــكاله وتــأثريات‬
‫ال م ــا ق ــد يب ــدأ محيم ــًا ث ــم ينته ــي ف ــاترًا‪،‬‬
‫العوام ــل املاتلف ــة علي ــه‪ .‬إن تواصـ ـ ً‬
‫والعكـس جــائ بطبيعــة افــال‪ ،‬ونــذلك قـد يبــدأ بــالرفق وينتهــي بــالقبول‪،‬‬
‫والعكس – أي ًا – جائ ‪ ،‬إنه يتغري نما لو نان ناليدوسكو ‪ .‬أمـا التعامـد‬
‫فهو يعـ أن أجـ اء التواصـل تعتمـد علـى بع ـها‪ ،‬وأن التواصـل نكـل يعتمـد‬
‫على أج ائه‪ .‬إن التواصل يري اللف ي قد ي ند التواصل اللف ي وقد ينفيـه‪،‬‬
‫واملس ـتقبل يعتمــد علــى املرســل‪ ،‬واملعنــى يعتمــد علــى الرســالة‪ .‬بــل إن تغ ـريًا يف‬

‫‪- 20 -‬‬
‫أنت وأنا‬

‫جـ ء مـن التواصـل يغــري‪ .‬نلـه‪ .‬إن ن ـرة ياضـبة أو إشــارة يـري الئقـة أو تــدخل‬
‫عامل ما من العوامل ال ت ثر يف التواصل كن أن يغري التواصل نكل‪.‬‬
‫التـ ـ امن والتعاق ــب‪ :‬م ــن املمك ــن يف التواص ــل أن يك ــون مت امن ــًا‪ ،‬أي أن يبع ــث‬ ‫‪- 7‬‬
‫املرسل رسالته فيتلقاها املستقبل ويأخذ بالرد عليها قبل أن تنتهـي‪ .‬فقـد تبـدأ‬
‫بالتحــدي إىل شــاص مــا‪ ،‬ويف أثنــاء ذلــك تالحــْ ردود الفعــل علــى مالمــح‬
‫وجهــه‪ ،‬فتأخــذ بتعــديل رســالتك – أو ال تأخــذ – يف ضــوء ذلــك‪ .‬ومــن املمكــن‬
‫أي ـًا أن يكون متعاقبـًا يتواىل فيه اإلرسال واالستقبال‪.‬‬
‫عدم قابلية العكس‪ :‬ما أن تصدر الرسـالة عـن الشـاص ويتلقاهـا املرسـل حتـى‬ ‫‪- 6‬‬
‫يغدو من املستحيل استعادتها أو حموها‪ .‬إن نلمة جارحـة تصـدر مـن شـاص‬
‫خر ال يحـى‪ .‬ومـن املمكـن أن يعتـذر املرسـل ويصـفح املسـتقبل‪ ،‬ولكـن الكلمـة‬
‫تبقى‪ .‬أال نقول يف بعق األحيان إننا على اسـتعداد للصـفح ولكننـا لسـنا علـى‬
‫استعداد للنسـيان‪ ،‬إن إدراك هـذ‪ .‬اخلاصـية مهـم حتـى نفكـر برويـة وتعقـل قبـل‬
‫إرسال أي رسالة قد نندم عليها فيما بعد‪.‬‬
‫التأثري‪ :‬ينبع ج ء نبري من أهمية التواصل من إمكانات التأثري ال ينطـوي‬ ‫‪- 5‬‬
‫عليها‪ .‬فبالتواصل قد جيعل البائع زبونه يشرتي السلعة‪ ،‬وبالتواصل قد يقنـع‬
‫ش ــاص آخ ــر بفك ــرة‪ ،‬وبالتواص ــل أي ً ــا ق ــد تع ــاد مي ــا‪ .‬عالق ــة مقطوع ــة إىل‬
‫جماريهــا‪ .‬ونــذلك قــد إلعــل شاصــًا يصــوت لصــافنا‪ ،‬أو يقــوم بعمــل مــا‬
‫حيقق أهدافنا‪ .‬واألم لة ن رية تب قوة التواصل امل ثرة‪.‬‬
‫الكلية‪ :‬تصدر نلية التواصـل عـن نليـة اإلنسـان عمومًـا ‪ .‬فالفعـل التواصـلي‬ ‫‪- 6‬‬
‫ليس فعالً مفردًا مع والً ‪ .‬ان ر على سبيل امل ال لشاص يتحدي‪ ،‬تـرا‪ .‬ينطـق‬
‫بألف ـ ــاظ‪ ،‬ويش ـ ــري بيدي ـ ــه ووجه ـ ــه وجس ـ ــمه‪ ،‬وينفع ـ ــل‪ ،‬وتط ـ ــرأ علي ـ ــه تغ ـ ــريات‬
‫فيسيولوجية داخلية‪ ...‬إ خل‪ .‬إن هـذ‪ .‬الكليـة ت يـد مـن تعقيـد الفعـل التواصـلي‬
‫عله يتأثر املة عوامل متعددة نما سنر فيما بعد‪.‬‬ ‫ألنها‬

‫‪- 22 -‬‬
‫مقدمة في مهارات التواصل اإلنساني‬

‫ي ــل إلين ــا لوهل ــة أن تعل ــم التواص ــل يعـ ـ تعل ــّم نيفي ــة‬ ‫‪ - 51‬األخالقي ــة‪ :‬ق ــد‬
‫و مانيافيلي‪ ،‬فنتوسل مبعسـول‬ ‫استادام مهاراته يف حتقيق أيراضنا على‬
‫طـر علـى بالنـا –‬ ‫الكالم‪ ،‬مفردات وتن يمـًا‪ ،‬إلقناع ا خـرين بأيراضـنا‪ ،‬وقـد‬
‫يف هــذا الســياق – البــائع الــذي يلجــأ إىل شــتى سـُـبل اإلقنــاع لتصــريف ب ــاعة‬
‫ســيئة بســعر يــال‪ .‬ولــيس هنــاك مــا هــو أبعــد عــن افقيقــة مــن هــذا‪ .‬إن تعلــم‬
‫التواصـل ال يعـ تعلــّم الكــذ واملراويــة والتحايــل واخلــداع‪ ،‬إنــه ال يعـ قلــب‬
‫افقــائق‪ .‬إنــه يع ـ – وببســاطة – قــول افقيقــة بصــورة م ـ ثرة فعالــة‪ .‬وقــد‬
‫يقول البعق إن التواصل حمايد و ن الذين نسـتادمه إمـا بصـورة أخالقيـة‬
‫أو يــري أخالقيــة‪ ،‬إال أننــا نف ــل هنــا جعــل البـُـعد األخالقــي ج ـ ءًا مــن الفعــل‬
‫ال تواصـلية إال يف‬
‫التواصلي‪ .‬إن الكذ واخلداع واملراويـة والتمويـه ليسـت أفعـا ً‬
‫ظاهرها وحسب‪ ،‬أما يف حقيقتها فإنها تنتمي إىل عا ال يف والت ليل‪.‬‬

‫حيقــق التواصــل أيراضــًا أو وظــائف متنوعــة‪ .‬وتــرتب هــذ‪ .‬الوظــائف – علــى‬


‫ــو وثيــق حباجــات اإلنســان الفيس ـيولوجية والنفســية وحتقيــق أهدافــه املاتلفــة يف‬
‫افياة‪ .‬لذلك نان التواصـل وسيطـً ا بـ اإلنسـان مـن جهـة وبـ إشـباع حاجاتـه مـن‬
‫جهة أخر ‪ .‬ومهما تنوعت صور الوظائف ال يسعى اإلنسان إىل حتقيقها فإنهـا ترتـد‬
‫إىل افاجــات الفيس ـيولوجية والنفســية‪ ،‬وســنناقش هــذ‪ .‬املســألة بالتفصــيل يف موضــع‬
‫الحق‪ ،‬أما هنا فسنكتفي بإشارة سريعة إىل بعق وظائف التواصل الرئيسة‪:‬‬
‫الــتعلم‪ :‬كّنن ــا التواص ــل م ــن فه ــم أف ــل للع ــا اخل ــارجي‪ :‬ع ــا اف ــوادي‬ ‫‪- 5‬‬
‫واألشياء والناس‪ .‬وعلى الريم من أن مقـدارًا نـبريًا مـن املعلومـات يصـلنا مـن‬
‫وسائل اإلعالم إال أنه يالبـًا ما يناقش أو يتعلـّم أو يستدخل من خالل التفاعل‬
‫ب األشااص‪ .‬ويف الواقع فإن معتقداتنا وا اهاتنـا وقيمنـا تتـأثر بالتواصـل‬
‫أن ر من تأثرها بوسائل اإلعالم أو التعليم املدرسي الرري‪ .‬وأن ر من هذا‪،‬‬

‫‪- 23 -‬‬
‫أنت وأنا‬

‫فــإن التواصــل ي ودنــا بفرصــة للــتعلم عــن أنفســنا‪ ،‬وال ينكــر أحــد مــد أهميــة‬
‫صل بالتحدي عن أنفسنا على‬ ‫مناقشة مشاعرنا وأفكارنا وسلونياتنا‪ .‬إننا‬
‫تغذية راجعة قيمة عن هذ‪ .‬األبعاد‪ .‬ومن خـالل هـذا التواصـل مـع أنفسـنا ومـع‬
‫ا خرين نتعلم نيف نبدو هل الء الذين حيبوننا أو الذين ال حيبوننا وأسـبا‬
‫ذلك‪.‬‬
‫ومثــة طريقــة أخــر نــتعلم بوســاطتها أمــورًا ن ـ رية عــن أنفســنا‪ ،‬وذلــك مــن‬
‫خــالل مقارنــة قــدراتنا وإإلازاتنــا وا اهاتنــا وآرائنــا وقيمنــا وفشــلنا مــع هــذ‪.‬‬
‫العوامل عند ا خرين الذين نعرفهم ونتفاعل معهم‪ .‬والناس يستادمون هذ‪.‬‬
‫التقييمـ ــات املقارنـ ــة بطـ ــرق خمتلفـ ــة‪ .‬فقـ ــد تسـ ــت ري لـ ــد الـ ــبعق دافعيـ ــة‬
‫النتس ــا معرف ــة ومه ــارات جدي ــدة‪ ،‬نم ــا ق ــد يس ــتادمها ال ــبعق ا خ ــر‬
‫النتسا معرفة ومهارة جديدت ‪ ،‬أما يريهـم فقـد يتاـذها مـارات للكسـل‪.‬‬
‫ومــن الواضــح – بغــق الن ــر عــن الطــرق ال ـ نقــيم بهــا أنفســنا أو مــا الــذي‬
‫سـنفعله باملعلومـات الـ إلنيهـا مـن هـذا التقيـيم – أن املقارنـات االجتماعيــة‬
‫أساســية يف تطــوير مفهومنــا عــن ذاتنــا‪ ،‬وهــذ‪ .‬املقارنــات – تــتم إىل حــد نــبري–‬
‫من خالل التفاعالت ب الشاصية‪.‬‬
‫إقامــة العالقــات‪ :‬ال جيــادل أحــد يف أن نســج عالقــات إنســانية ‪ /‬اجتماعيــة هــو‬ ‫‪- 4‬‬
‫ــب ا خ ــرين‬ ‫أح ــد أه ــم حاجاتن ــا الرئيس ــة‪ .‬و ــن نش ــعر بالرض ــا عن ــدما‬
‫وحيبوننــا‪ .‬وم ــل هــذ‪ .‬العالقــات تســاعد يف ختفيــف الوحــدة واالنتئــا نمــا‬
‫علنا نشعر بأنفسـنا‬ ‫يكننا من التشارك يف املتع وزيادتها‪ ،‬باإلضافة إىل أنها‬
‫و أن ر إجيابية‪.‬‬ ‫على‬
‫التأثري‪ :‬لقد أشرنا يف فقرة سابقة إىل أن أحد خصائص التواصـل هـو التـأثري‪.‬‬ ‫‪- 4‬‬
‫ـاول التــأثري يف ا اهــات ا خــرين وســلونهم مــن خــالل‬ ‫و ــن يالبــًا مــا‬
‫تواصــلنا معهــم‪ .‬فقــد نريــب مــنهم أن يصــوتوا لصــافنا‪ ،‬أو أن جيربــوا ن ــام‬

‫‪- 24 -‬‬
‫مقدمة في مهارات التواصل اإلنساني‬

‫محيــة جديــد‪ ،‬أو أن يســتمعوا إىل شــري مــا‪ ،‬أو أن يشــاهدوا فيلمــًا سينمائيـ ـا‬
‫معين ــًا‪ ،‬أو أن يدرس ــوا م ــادة م ــا‪ ،‬أو أن يعتق ــدوا بص ــدق فك ــرة م ــا‪ ...‬إخل وه ــذ‪.‬‬
‫القائمة ال تنتهي‪ ،‬و ن ن جي مقدارًا نبريًا من وقتنا مناـرط يف عمليـات‬
‫إقناع نهذ‪..‬‬
‫اللعب‪ :‬يعرإ اللعب على أنه نل نشاط حـر ممتـع مقصـود لذاتـه‪ .‬وللتواصـل‬ ‫‪- 3‬‬
‫وجهــه الالعــب عنــدما ــارس وفــق هــذ‪ .‬الصــفات‪ .‬إن التحــدي مــع األصــدقاء‬
‫حــول نشــاطات عطلــة نهايــة األس ــبوع‪ ،‬ومناقشــة الرياضــات وضــرو التس ــلية‬
‫األخــر ‪ ،‬وســرد القصــص والنكــات هــي فعاليــات تنــدر ضــمن إطــار التواصــل‬
‫تاجه‬ ‫الالعب‪ .‬وم ل هذ‪ .‬الفعاليات مهمة ألنها ينح حياتنا توازنـًا ضروريـا‬
‫حتى نتافف أحيانـًا من ثقل اجلدية الذي حيي بنا‪.‬‬
‫املســاعدة‪ :‬يقــوم املعــاجلون النفســيون مبســاعدة عمالئهــم عــن طريــق إرشــادهم‬ ‫‪- 1‬‬
‫م ــن خ ــالل التواص ــل‪ .‬إال أن ه ــذا األم ــر ال يقتص ــر عل ــى املع ــاجل النفس ــي‬
‫وحســب‪ .‬فــنحن نواســي أصــدقائنا ونرشــدهم ونقــدم النصــح هلــم يامــًا نمــا‬
‫نفســي أو‬ ‫كــن أن يفعلــوا هــم ذلــك‪ .‬وإلــاح هــذ‪ .‬املهمــة ســواء قــام بهــا معــا‬
‫يري‪ – .‬يعتمد على التمرس مبهارات التواصل‪.‬‬

‫ت ثر يف التواصل عوامل خمتلفة‪ ،‬منهـا مـا هـو ذاتـي يكمـن يف املرسـل‬


‫أو املستقبل‪ ،‬ومنها ما هو خارجي عنهما‪ .‬ومن هذ‪ .‬العوامل‪:‬‬
‫الكفاية‪ :‬والكفاية يف التواصل ضربان‪ :‬نفاية لغوية وأخر تواصلية‪ .‬وعندما‬ ‫‪- 5‬‬
‫ال إىل معرفــة املتواصــل – املرســل‬
‫نتحــدي عــن الكفايــة اللغويــة فإننــا نشــري أو ً‬
‫واملستقبل – باللغة ال يتواصالن بها‪ ،‬أي معرفة ن ام اللغة الصوتي ونيـف‬
‫وية أساسـية‬ ‫ترنب األصوات الفردية لتشكل نلمات ذات معان وترنيبات‬

‫‪- 25 -‬‬
‫أنت وأنا‬

‫ال‬
‫معروفة‪ ،‬ونيف تنسج الكلمات املاتلفـة مـع بع ـها بع ـًا نـي تشـكل مجـ ً‬
‫وعب ــارات وأس ــئلة تس ــتادم ب ــدورها لتش ــكيل نص ــوص معق ــدة ومرنب ــة‪ .‬وم ــن‬
‫مجلــة الكفايــة اللغويــة أي ــًا ييــا عيــو النطــق أو االســتماع‪ .‬أمــا الكفايــة‬
‫التواصلية فتت من– وإن نانـت تعتمـد إىل حـد نـبري علـى الكفايـة اللغويـة‬
‫– معرفة بالقواعد ال حتكم التفاعل التواصلي والقـدرة علـى اسـتادام هـذ‪.‬‬
‫ــو مالئــم وفعــال‪ .‬إن معرفــة نيفيــة خماطبــة بع ــنا بع ًــا‪،‬‬ ‫القواعــد علــى‬
‫ومراعاة الدور الذي تلعبه املكانـة يف حتديـد نيفيـة خماطبـة رئـيس العمـل أو‬
‫الصديق أو ال ميل‪ ،‬والتعامل مع الغ ب الشاصي وي ب ا خرين‪ ،‬والتغلب‬
‫على اخلـوإ مـن التواصـل‪ ...‬إخل هـي الـ تشـكل م ـمون الكفايـة التواصـلية‬
‫ال ـ تت ــمن – فيمــا تت ــمن أي ــًا – معرفــة التفاعــل يــري اللف ــي‪ ،‬ومتــى‬
‫نتحدي أو نصمت‪ ،‬ومالءمة اللمسة وحجم الصوت واعتبارات املكان وال مان‪.‬‬
‫و ــن ن ــتعلم الكفاي ــة التواص ــلية نم ــا ن ــتعلم امله ــارات األخ ــر باملالح ــة‬
‫والتقليـد والتعلــيم املباشـر والــتعلم الـذاتي وا اولــة واخلطـأ‪ ...‬إخل‪ .‬والــبعق‬
‫يتعلم مهارات هذ‪ .‬الكفاية أن ر من يري‪ ،.‬فنجد التواصـل معهـم – عمومـًا –‬
‫أف ــل‪ .‬إذ يبــدو أنهــم يعرفــون مــا يفعلــون ونيــف يفعلونــه‪ .‬إن أحــد األهــداإ‬
‫الرئيســة لدراســة التواصــل هــو حتس ـ مهــارات الدارس ـ التواصــلية‪ ،‬ونلمــا‬
‫حتسنت نفاية الشاص التواصلية نلما زاد عـدد اختياراتـه يف هـذا ا ـال‪.‬‬
‫وهذا يشبه تعلم املفردات فكلما زادت مفرداتك نلما ازدادت فرصك للتعبري‬
‫عن ذاتك‪.‬‬
‫لقــد نشــفت البح ــوي افدي ــة ع ــن عالقــة موجبــة بــ الكفايــة التواص ــلية‬
‫والنجاح يف اجلامعة‪ ،‬وآية ذلك أن ج ءًا نبريًا من إلاح الطالب يعتمد علـى‬
‫األسئلة واملشارنة واملناقشة وهـي أمـور تتطلـب نفايـة تواصـلية‪ .‬لقـد وجـدت‬
‫ـو أقـل‬ ‫حبوي أخر أن الناس ذوي املهـارات التواصـلية املرتفعـة يعـانون علـى‬

‫‪- 26 -‬‬
‫مقدمة في مهارات التواصل اإلنساني‬

‫م ــن أولئ ــك ال ــذين ال يتمتع ــون مب ــل ه ــذ‪ .‬امله ــارات م ــن القل ــق واالنتئ ــا‬
‫والوحــدة‪ ،‬ذلــك أن الكفايــة التواصــلية يكننــا مــن تنميــة عالقــات مشــبعة يف‬
‫حياتنا ختفف من تلك األعراض النفسية السلبية‪.‬‬
‫ال ـ ــجة‪ :‬تتـ ــدخل ال ـ ــجة يف نـ ــل ن ـ ــم االتصـ ــال والتواصـ ــل مهمـ ــا حسـ ــن‬ ‫‪- 4‬‬
‫تصميمها‪ .‬وقد اعتدنا على اعتبار ال جة مفهومًـا رعي ـا‪ ،‬إال أن هـذا املفهـوم‬
‫يتسع يف جمال التواصل ليشمل نل ما يتداخل فيه ويعوقـه‪ .‬وال ـجة كـن‬
‫عــل‬ ‫أن توجـد يف نــل املواقــف التواصــلية فتتــداخل فيهــا وتعوقهــا إىل درجــة‬
‫ســتقبَلة ختتلــف عــن الرســالة املـُـرسَلة‪ .‬وال ــجة قــد يتســبب فيهــا‬
‫الرســالة امل ُ‬
‫املرسل أو املستقبل أو أي ظروإ خارجية مادية أو معنوية‪ .‬ومن أنواعها‪:‬‬
‫ال جة البيئية‪ :‬وهي ال جة املادية الصادرة عن البيئة وتعوق استقبال‬ ‫أ)‬
‫الرســالة ناألص ــوات املرتفعــة‪ ،‬س ــواء أنان ــت أصــوات أن ــاس أم أص ــوات‬
‫آالت‪.‬‬
‫اإلعاقة الع وية‪ :‬نالصمم ونف البصر وعيو النطق املاتلفة‪.‬‬ ‫)‬
‫مشــكالت املعنــى‪ :‬وتنشــأ هــذ‪ .‬املشــكالت عنــدما يســتادم املرســل الكلمــات‬ ‫جـ)‬
‫تلف عن ذاك الذي يدرنه املستقبل‪ .‬إن أحد خصائص املفردات‬ ‫مبعنى‬
‫اللغوية هو أنها قد حتمل أن ر من معنى‪ ،‬وال تفهم إال من خالل السياق‪،‬‬
‫يكن هذا السياق واضحًـا ألطراإ االتصال فإن مشكلة املعنى ت ور‪.‬‬ ‫فإذا‬
‫إن نلمــة "قلــب" قــد تع ـ تلــك امل ــاة املوجــودة يف صــدر اإلنســان‪ ،‬وقــد‬
‫تع ـ إدارة األشــياء رأسـًـا علــى عقــب‪ ،‬وقــد تع ـ املرن ـ ‪ ،‬نمــا قــد حتمــل‬
‫معن ــى عاطفي ـ ـا ن ــأن نق ــول إن فالن ـًـا ال قل ــب ل ــه‪ .‬إن اللغ ــة حافل ــة به ــذ‪.‬‬
‫املعاني‪ ،‬وعدم االنتبا‪ .‬لذلك يف التواصل قد يسبب ضجة تعوقه‪.‬‬
‫اللغــة الفنيــة‪ :‬إذا اســتادم ف ـ مفــردات متاصصــة يف جمــال مــا أمــام‬ ‫د)‬
‫ش ــاص ال يعرفه ــا ف ــإن التواص ــل س ــينقطع‪ .‬وخ ــذ عل ــى س ــبيل امل ــال‬

‫‪- 27 -‬‬
‫أنت وأنا‬

‫صيدالنيـا يشـرح ل بونـه خصـائص عـال مـا بلغـة طبيـة متاصصـة‪ .‬إن‬
‫يك ــن مل ًمـ ـا به ــذ‪ .‬اللغ ــة – ل ــن يفه ــم ش ــي ًئا ‪ .‬إن‬ ‫ه ــذا ال ب ــون – م ــا‬
‫اســتادام رمــوز خمتصــرة – علــى ســبيل امل ــال أي ً ـا – قــد حيــدي م ــل‬
‫هذ‪ .‬ال جة لشاص ال يعرإ مدلوالتها ومن مثة يرتبك التواصل‪.‬‬
‫اإلبهــام‪ :‬ختتلــف الرســائل التواصــلية يف درجــة وضــوحها فقــد ال تكــون‬ ‫ه ـ)‬
‫املفردات مفهومة‪ ،‬وقد تكون العبارات عامة ملتبسة‪ .‬وحيدي هذا أحيانـًا‬
‫ألســبا تعــود للمرســل نــأن ال تكــون الرســالة ذاتهــا واضــحة لديــه‪ ،‬أو‬
‫عنـ ــدما ال تلـ ــك الكفايـ ــة التواصـ ــلية الالزمـ ــة لعرضـ ــها‪ ،‬وقـ ــد تعـ ــود‬
‫األسبا للمسـتقبل الـذي قـد ال تلـك الكفايـة اللغويـة أو التواصـلية‬
‫لفهم الرسالة‪.‬‬
‫املشكالت النحوية‪ :‬لكل لغة ترتيب خاص للكلمـات يف اجلمـل‪ .‬و تلـف‬ ‫و)‬
‫نـا يف الفهـم‬
‫الرتتيب من لغة إىل أخر ‪ ،‬ومن مثة فقـد حيـدي هـذا إربا ً‬
‫ـو‬ ‫صا إذا نان املرسل ال يتقن لغة املستقبل فيتحـدي بهـا علـى‬
‫خصو ً‬
‫رنيك يعوق التواصل‪.‬‬
‫االلتب ــاس التن يم ــي‪ :‬لك ــي تص ــل الرس ــالة بوض ــوح الب ــد م ــن تن ــيم‬ ‫ز)‬
‫ال‬
‫ــو منطقــي‪ .‬وهــذا التن ــيم قــد يأخــذ أشــكا ً‬ ‫أفكارهــا وترتيبهــا علــى‬
‫متنوعــة‪ :‬نــأن يكــون زمانيـ ـا يرتــب افــوادي حســب أوقــات وقوعهــا‪ ،‬أو‬
‫مكانيـا حسب مواقعها بالنسبة لبع ـها بع ًـا‪ ،‬أو منطقي ـا فينتقـل مـن‬
‫البسي إىل املعقد أو من العام إىل اخلاص‪.‬‬
‫ال جة االجتماعية‪ :‬وهي تنجم عن عوامل اجتماعية ينع التحدي يف‬ ‫ح)‬
‫أمور معينة أمام ا خرين‪ .‬إن املرأة ال حتاول استي اح تفصيالت دواء‬
‫نســائي معـ مــن الصــيدالنية قــد تتوقــف عــن الكــالم إذا دخــل رجــل إىل‬
‫الصيدلية‪.‬‬

‫‪- 28 -‬‬
‫مقدمة في مهارات التواصل اإلنساني‬

‫ط) ال جة النفسية‪ :‬تلعب الذات دورًا مهمـًا يف التواصل نمـا سـنر فيمـا‬
‫بعــد‪ ،‬لــذلك فــإن أي اضــطرا يعتــور الــذات قــد يـ ثر يف التواصــل م ــل‬
‫اخلــوإ مــن التحــدي أمــام ا خــرين‪ ،‬ومفهــوم الــذات الســل واإلحبــاط‬
‫والغ ـ ــب‪ .‬إن م ـ ــل ه ـ ــذ‪ .‬األح ـ ــوال النفس ـ ــية تع ـ ــوق إرس ـ ــال الرس ـ ــائل‬
‫واستقباهلا‪ .‬وقد تتفـاقم املشـكالت النفسـية نمـا يف األمـراض العقليـة‬
‫افادة فتعوق االتصال إعاقة نبرية للغاية‪.‬‬
‫إن ال ـ ــجة بك ـ ــل أش ـ ــكاهلا الـ ــ ذنرناه ـ ــا ق ـ ــد تك ـ ــون موج ـ ــودة يف املواق ـ ــف‬
‫التواصلية‪ .‬فكل تواصل معرض ل جة قد تعوقـه‪ .‬وإذا ننـا ال نسـتطيع إلغـاء‬
‫ال جة يامـًا‪ ،‬فإننا نستطيع – على األقل –التافيف منها ومن آثارها‪ .‬ولعل‬
‫مم ــا يس ــهم يف ه ــذا التافي ــف اس ــتادامنا للغ ــة دقيق ــة واض ــحة‪ ،‬ومراعاتن ــا‬
‫خلصائص املستقبل‪ ،‬وحتس مهاراتنا يف اإلدراك واإلصغاء والتغذية الراجعة‬
‫واملتقدمــة‪ ،‬ودعــم مفهومنــا عــن ذاتنــا‪ ،‬ويــري ذلــك مــن الطرائــق الـ نســتطيع‬
‫بوساطتها افد من تأثريات ال جة على التواصل‪.‬‬
‫الس ــياق‪ :‬حي ــدي التواص ــل دوم ــًا يف س ــياق‪ .‬والس ــياق ه ــو البيئ ــة الـ ـ حي ــدي‬ ‫‪–4‬‬
‫التواصــل فيهــا وتـ ثر يف شــكله وحمتــوا‪ ..‬وقــد ال يكــون هــذا الســياق واضحــًا أو‬
‫بار ًزا دومـًا‪ ،‬بل إنه يبدو طبيعيـا إىل درجة أن املرء قد يغفل عنه‪ .‬إنه – أحيا ًنا –‬
‫أشــبه مبوســيقى خلفيــة‪ .‬إال أنــه قــد يكــون – يف أحيــان أخــر – بــار ًزا ســواء يف‬
‫الطرق ال يست ري بها التواصل أو يعوقـه‪ .‬ولكـي نفهـم معنـى السـياق بوضـوح‬
‫فليس علينا إال أن نقارن – علـى سـبيل امل ـال – بـ التواصـل يف بيـت عـ اء‪ ،‬أو‬
‫ملعب لكرة القدم‪ ،‬أو مطعم هاد ‪ ،‬أو حفلة ينائية‪.‬‬
‫وللســياق ثالثــة أبعــاد علــى األقــل‪ :‬مــادي‪ ،‬وزمـ ‪ ،‬ونفســي‪ /‬اجتمــاعي‪ .‬فالغرفــة أو‬
‫القاعة أو افديقة أو الشارع الذي حيدي فيه التواصل – ويشكل البيئـة امللموسـة‬
‫واملشاصة – هو البُـعد املادي‪ .‬أما البُـعد الـ م فهـو يشـري إىل وقـت التواصـل يف‬

‫‪- 29 -‬‬
‫أنت وأنا‬

‫أثناء اليوم‪ ،‬ونذلك إىل موقع الرسالة يف ترتيبها ال م ب الرسائل األخر ‪.‬‬
‫ــاك صــديق لــك بإصــابته بهــذا‬ ‫إن نكتــة عــن مــرض م ـ عج تلقــى – بعــد أن‬
‫املرض – ختتلف يف سياقها – وأثرها بطبيعة افال – عما لو سـردت هـذ‪ .‬النكتـة‬
‫ب ـ جمموعــة نكــات يف ســهرة‪ .‬ويت ــمن البـُـعد النفســي االجتمــاعي أمــورًا م ــل‬
‫مكان ـ ــة املش ـ ــارن يف التواص ـ ــل أو املع ـ ــايري ال قافي ـ ــة واالجتماعي ـ ــة الس ـ ــائدة‬
‫والصـ ــداقة ودرجـ ــة الرريـ ــة يف املوقـ ــف‪ .‬إن التحـ ــدي عـ ــن قـ ــيم متحـ ــررة يف جـ ــو‬
‫حمــافْ‪ ،‬ورفــع الكلفــة بيننــا وب ـ أشــااص تعرفنــا علــيهم حدي ـًـا‪ ،‬واإلفــراط يف‬
‫امل اح أمام رئـيس العمـل الـذي ال تربطنـا بـه سـو عالقـة العمـل‪ ،‬نـل هـذا جيعـل‬
‫التواصل يتم يف سياق يري مالئم ويرتك آثارًا سلبية عليه‪.‬‬
‫وانطالقًـا من تفاعلية التواصل وديناميته كن أن نتوقع بسهولة تداخل وتفاعل‬
‫هــذ‪ .‬الســياقات املاتلفــة فيمــا بيننــا‪ .‬فــإذا ارتفعــت درجــة حــرارة يف يرفــة إىل حــد‬
‫نبري (سـياق مـادي) فـإن هـذا قـد جيعـل النـاس أميـل للتحـدي مـع بع ـهم (بعـد‬
‫نفس ــي اجتم ــاعي)‪ .‬إن أي تغ ــري يف جان ــب م ــن جوان ــب الس ــياق يق ــود إىل تغ ــري يف‬
‫اجلوانب األخر ‪ ،‬وهذا هو ما كن أن نسميه "تكافل السياق "‪.‬‬
‫التغذي ــة الراجع ــة‪ :‬ال يت ــمن التواص ــل – نم ــا رأين ــا – جم ــرد إرس ــال رس ــائل‪،‬‬ ‫‪–3‬‬
‫فهناك أي ًا استقباهلا‪ .‬والرسائل ال يبع ها املستقبل اسـتجابة لرسـائل تلقاهـا‬
‫تســمى تغذيــة راجعــة‪ .‬والتغذيــة الراجعــة – شـأنها يف ذلــك شــأن رســائل أخـر –‬
‫ال متعـددة‪ :‬رعيـة وملسـية وبصـرية‪ .‬فقـد تسـمع ردًا علـى رسـالتك يف‬
‫تتاذ أشكا ً‬
‫صــورة جــوا أو استفســار أو اســتنكار أو قبــول‪ ،‬وقــد تــر الــرد – أو جـ ءًا منــه – يف‬
‫صورة ه ة رأس أو تقطيبة حاجب أو ابتسامة‪ .‬والتغذية الراجعـة ال نتلقاهـا مـن‬
‫ا خرين وحسب‪ ،‬وإمنا من أنفسنا أي ًـا‪ .‬فنحن نسمع ما نقوله ونشعر حبرنات‬
‫أجسامنا ونر ما نكتب‪ ،‬ونعدل تواصلنا يف ضوء هذ‪ .‬التغذية الراجعة الذاتية‪.‬‬
‫تعتمد فعالية التواصل – إىل حد نبري – علـى قـدرتنا علـى االنتبـا‪ .‬للتغذيـة‬
‫الراجعــة واالســتجابة هلــا بصــورة مالئمــة‪ .‬إن املعلمـ الفـاعل – علــى ســبيل‬

‫‪- 31 -‬‬
‫مقدمة في مهارات التواصل اإلنساني‬

‫ــو دقيــق وعلــى تكييــف‬ ‫امل ــال – قــادرون علــى إدراك اســتجابات طالبهــم علــى‬
‫رسائلهم وفقـًا لذلك‪.‬‬
‫التغذيـ ــة املتقدمـ ــة‪ :‬إذا نانـ ــت التغذيـ ــة الراجعـ ــة هـ ــي االسـ ــتجابات املتصـ ــلة‬ ‫‪–1‬‬
‫بالرس ــالة الـ ـ يتلقاه ــا املرس ــل م ــن املس ــتقبل‪ ،‬ف ــإن التغذي ــة املتقدم ــة ه ــي‬
‫اإلشارات اللف ية ويري اللف ية ال يهد ملـا بعـدها‪ .‬فعنـدما تبـدأ نالمـك‬
‫ـاورك‪:‬‬ ‫– على سبيل امل ال – قائالً‪ :‬انت ر حتى تسـمع هـذا‪ ،‬أو عنـدما تقـول‬
‫إنــي اتفــق مع ــك‪ ،‬ولكــن‪ ،..‬فإن ــك تقــدم للمســتقبل تغذي ــة متقدمــة تس ــت ري‬
‫انتباهه وتعد‪ .‬الستقبال الرسالة‪.‬‬
‫اخلــاة املشــرتنة‪ :‬يكــون التواصــل أن ــر فعاليــة مبقــدار مــا تلــك أطرافــه‬ ‫‪–7‬‬
‫ـدهم‬ ‫خاة مشرتنة يف موضوع التواصل‪ .‬خذ ا باء – على سبيل امل ـال –‬
‫يواجهون أحيانـًا صـعوبة يف التواصـل مـع أطفـاهلم بسـبب ييـا هـذا التشـارك‬
‫يف اخل ــاة‪ .‬ف ــال الطف ــل ي ــدرك خ ــاة الراش ــد نم ــا أن الراش ــد نس ــي خاات ــه‬
‫ريا ‪ .‬إن اخل ــاة‬
‫الطفلي ــة‪ .‬ولع ــل ه ــذا م ــا جيع ــل الكتاب ــة لوطف ــال أمـ ـ ًرا عسـ ـ ً‬
‫عــل التواصــل أســرع وتقلــل آثــار ضــجة املعنــى وأثــر الســياق‪ .‬وإذا‬ ‫املشــرتنة‬
‫نانــت م ــل هــذ‪ .‬اخلــاة ال تتــوافر دومــًا بيننــا وب ـ ا خــرين فــإن يف وســعنا‬
‫تهيئــة ال ــروإ إلجيادهــا بــأن ننمــي يف أنفســنا قــو التعــاطف والتوحــد مــع‬
‫ا خرين فنشعر مبا يشعرون به‪ ،‬فن يد من أسبا التشارك وسبله‪.‬‬
‫مفهوم الذات‪ :‬يدور التواصـل بـ ذاتـ ‪ :‬ذات املرسـل وذات املسـتقبل‪ .‬والـذات ال‬ ‫‪–6‬‬
‫تتواصـل فقـ اانبهـا اللغــوي أو العقلـي بـل بكليتهــا نمـا أشـرنا يف موضــوع‬
‫س ــابق‪ ،‬ول ــذلك ن ــان مفه ــوم املتواص ــل ع ــن ذات ــه عنصــرًا أساسي ــا يف عملي ــة‬
‫التواصل‪ .‬ونما سنر يف الفصل التالي فإن من تلك مفهومـًا إجيابيـا عن‬
‫ذاته‪ ،‬ويتمتع بال قة بالنفس‪ ،‬والتقدير املوضـوعي لقدراتـه الشاصـية‪ ،‬وحسـن‬
‫التكيف‪ ،‬فإن فرصه للقيام بتواصل فعال وناجح تغدو أنا بك ري من يري‪..‬‬

‫‪- 30 -‬‬
‫أنت وأنا‬

‫‪- 32 -‬‬
‫مقدمة في مهارات التواصل اإلنساني‬

‫ــن نعــيش يف عــا صــائت‪ .‬عــا ي خــر باألصــوات مــن نــل جــنس ولــون‪:‬‬
‫أص ــوات الطبيع ــة‪ ،‬والعجم ــاوات‪ ،‬واإلنس ــان‪ ،‬واألش ــياء وا الت‪ .‬ولك ــل ص ــوت م ــن ه ــذ‪.‬‬
‫األص ــوات درج ــات ودالالت‪ ،‬ب ــل إن مغازيه ــا ختتل ــف –أي ــًا– ب ــاختالإ الس ــّياق ال ــذي‬
‫ــو عميــق‪،‬‬ ‫تســمع فيــه‪ ،‬ونــذلك بــاختالإ ســامعها‪ .‬يت ـ األصــوات حبياتنــا علــى‬
‫صـا‬
‫وت دي وظائف متنوعة‪ :‬إنها مهمة لبقاء اإلنسان ذاته على قيد افياة‪ .‬وتصـور شا ً‬
‫يعـا الشــارع دون أن يسـمع بــوق ســيارة مسـرعة أصــبحت بقربــه‪ ،‬أو تصـو ًرا م ارعــًا يعــا‬
‫ال مــن دون أن يــتمكن مــن رــاع فحــيح أفعــى تنســل اانبــه أو نشيشــها‪ .‬ثــم إنهــا‬
‫حقـ ً‬
‫مهمة فياتنا االجتماعيـة‪ ،‬ختيـل نفسـك ال تسـتطيع رـاع أصـوات أفـراد أسـرتك أو‬
‫جريانك أو منْ يعملون معك‪ .‬ثم هي مهمة يف حياتنا العاطفية ألننا نسـمع تعـبريات‬
‫اهنــا‪ .‬و ــن نســتادم الســمع‬ ‫مــن حيبــّوننا وهــم يفصــحون عــن مشــاعرهم الطيبــة‬
‫أي ًا يف ق ـاء حاجاتنـا املاتلفـة مـن بيـع وشـراء‪ ،‬أو إإلـاز معـامالت شـتى يف خمتلـف‬
‫مناحي افياة‪ .‬نما أن السمع أساسي يف التعلـّم‪ ،‬ما دام التعليم يعتمد إىل حدّ نبري‬
‫على اللغة اللف ية املنطوقة‪ .‬وأخـريًا ‪ ،‬فـإن للسـمع وظيفـة مجاليـة تطلعنـا علـى عـوا‬

‫‪- 33 -‬‬
‫أنت وأنا‬

‫املوســيقى وفنــون اخلطابــة واإللقــاء الشــعري والــدراما‪..‬اخل‪ .‬إن األصــوات هــي املوســيقى‬
‫التصويرية للعا وافياة‪.‬‬
‫صـ ــحيح أن الصـ ــم يواصـ ــلون حيـ ــاتهم بسـ ـُـبل تعوي ـ ــية خمتلفـ ــة‪ ،‬إال أن ييـ ــا‬
‫األصوات من حياتنا يغلق نافذة أساسية من نوافذنا افسية ال نطـل منهـا علـى العـا ‪،‬‬
‫وحتى تقدر أهميتها فما عليك إال أن حتاول نتابـة نـل األصـوات الـ رعتهـا يف يـوم‬
‫ما‪ ،‬وحتاول نذلك تصور حياتك لو ننـت يـري قـادر علـى االسـتماع إليهـا‪ ،‬وسـتدرك أي‬
‫مهرجان صوتي ذاك الذي نعيش يف وسطه‪ ،‬ونم هو مهرجان حيوي لنا‪.‬‬
‫لعل االستماع يستغرق مع م الوقت الذي نق يه يف النشاطات التواصلية‪ .‬ففـي‬
‫دراس ــت ‪ ،‬أجري ــت األوىل عل ــى راش ــدين (رانكــ ‪5646 ،‬م)‪ ،‬واألخ ــر عل ــى طلب ــة ج ــامعي‬
‫(بارنر وآخرون‪5651 ،‬م) تب أن االستماع احتـل مسـاحة زمنيـة مـن نشـاطاتنا التواصـلية‬
‫أن ر من يري‪ ..‬وقد أندت دراسات أخر نتائج هات الدراست ال يوضحها الشـكالن‬
‫التاليان‪:‬‬

‫وعلى الريم من أهمية السمع واالستماع ال أشرنا إليهـا‪ ،‬إال أن فيهمـا جانبًـا‬
‫ال يامـًا‪ .‬ان ر إىل وجهك يف املـرآة‪ ،‬وتأمـل أذنيـك‪ .‬إنهمـا ال تقعـان يف مكـان بـارز‬
‫م لً‬

‫‪- 34 -‬‬
‫مقدمة في مهارات التواصل اإلنساني‬

‫نالعين ‪ ،‬وإمنا على جان الرأس‪ .‬إنهما ساننتان من ويتان‪ ،‬ال تلفتا االنتبا‪ .‬عـادة‪.‬‬
‫يتغ لوا با ذان نما تغ لـوا بـالعيون‪ .‬إن ا ذان تبـدو‬ ‫فالشعراء –على سبيل امل ال–‬
‫هامش ــية ونس ــولة ال تتح ــرك‪ ،‬ومل ــاذا تفع ــل ذل ــك وه ــي مفتوح ــة ال ب ــا هل ــا تغلق ــه‬
‫وتفتح ــه‪ ،‬فتنس ــل األص ــوات داخل ــها ع ــابرة الص ــيوان لتنق ــر عل ــى الطبل ــة ف ــترتاقص‬
‫ع يمــات األذن علــى أنغامهــا لتنتقــل إىل الــدماا عــن طريــق العصــب الســمعي‪ ،‬ونــل‬
‫ذلك من دون أن تتحرك األذن أو تبـذل أي جهـد مقصـود‪ .‬إنهـا ليسـت نـالعيون تتسـع‬
‫وت يق‪ ،‬تغم ق وتفتح‪ ،‬و يل الن رة نـة ويسـرة‪ ،‬وتـرإ بأجفانهـا‪ ،‬وهلـا شاشـة تعـا‬
‫عن دخيلة صاحبها‪ ،‬وفوق ذلك نلـه فهـي مـوطن مجـالي جـذا ‪ .‬نـال‪ ،‬فلـيس لـوذن‬
‫شيء من هذا‪ ،‬وحتى إذا طرأت عليها تغريات فلن تكون أن ر مـن امحرارهـا‪ ،‬وهـو شـيء‬
‫حيصــل هلــا وال تفعلــه هــي‪ .‬هــذا الكســل ال ــاهر هــو الــذي أشــاع أيلوطــة أن االســتماع‬
‫ري تلقائيـا‪ .‬إن املرء جيلس يف نرسيه الوثري مسرتحيـًا‬ ‫مهمة ال حتتا جلهد وإمنا‬
‫ليسـتمع إىل نشــرة األخبــار‪ ،‬أو يســتمع لشــاص آخـر يتحــدي إليــه‪ ،‬وال حيتــا يف ذلــك‬
‫ح ـا‪ ،‬ألن االسـتماع إذا نـان لـه أن‬
‫إىل بذل جهد نائنـًا ما نان‪ .‬ولكن هذا لـيس صحي ً‬
‫يكــون فعــاالً فــال بــد مــن أن يتم ــل يف "جهــد إجيــابي خملــص مقصــود وشــاق يت ــمن‬
‫ــو متكامــل‬ ‫االنتبــا‪ .‬لرســالة مــا وإدرانهــا مــن وجهــة ن ــر صــاحبها‪ ،‬وفهمهــا علــى‬
‫وتقييمها"‪.‬‬
‫وعملي ــة االس ــتماع الفع ــال معق ــدة ذات جوان ــب عدي ــدة‪ ،‬و ك ــن تقس ــيمها إىل‬
‫ثالثة أقسام رئيسة‪ :‬قبل االستماع‪ ،‬ويف أثنائه‪ ،‬وبعد‪ ،.‬مع مراعـاة أن هنـاك قـدرًا نـبريًا‬
‫من التداخل الواقعي ب هذ‪ .‬األقسام‪ ،‬وأن تقسيمها هو لغايات الدراسة والتبسي ‪:‬‬

‫يتطل ــب االس ــتماع إع ــدا ًدا جيــ ًدا‪ ،‬إع ــدا ًدا للبيئ ــة وإع ــدادًا لل ــذات علـــى النح ــو‬
‫التالي‪:‬‬

‫‪- 35 -‬‬
‫أنت وأنا‬

‫إعــداد البيئــة‪ :‬ال يــتم التواصــل –عمو ًم ـا– يف خــواء‪ .‬إنــه يــتم يف ســياق معقــد‪.‬‬ ‫‪- 5‬‬
‫وأحد جوانب هذا السياق بيئة مادية هادئة ومرحية‪ ،‬ذات درجة حـرارة معتدلـة‪،‬‬
‫وإض ــاءة مناس ــبة‪ ،‬خالي ــة م ــن ال وض ــاء وال ح ــام‪ ،‬وي ــري ذل ــك م ــن املش ــتتات‬
‫وامل عجات إن م ل هذ‪ .‬البيئة تسهل عملية االستماع‪.‬‬
‫إعداد الذات‪ :‬ويت من إعداد الذات اخلطوات التالية‪:‬‬ ‫‪- 4‬‬
‫نــن يف وضــع صــحي مناســب‪ .‬إن اإلنســان يشــبه آلــة موســيقية‪ ،‬فــإذا‬ ‫أ)‬
‫تكــن أوتارهــا م ــبوطة يا ًم ـا فلــن تصــدر األنغــام املطلوبــة‪ .‬فــإذا ننــت‬
‫متوعكـًا‪ ،‬ونـان بإمكانــك تأجيـل جلســة االسـتماع‪ ،‬فــال تـرتدد يف طلــب‬
‫ذل ــك‪ .‬ختي ــل نفس ــك مص ــابًا بن ل ــة ب ــرد‪ ،‬ويتن ــاو علي ــك الس ــعال‬
‫ال باإلضـافة إىل صــداع ي ـغ علــى‬
‫والعطـاس‪ ،‬وحرارتــك مرتفعـة قلــي ً‬
‫رأسك‪ ،‬ثم تصور نيف سـيكون بوسـعك حتقيـق اسـتماع جيـد وفعـال‪.‬‬
‫ولــيس املقصــود بطبيعــة افــال الصــحة اجلســمية فق ـ وإمنــا الصــحة‬
‫النفسية أي ـًا‪ .‬إن إحساسك باإلحباط أو التوتر أو القلق أو االنتئا‬
‫ك ــن أن يع ــوق االس ــتماع الفع ــال‪ ،‬ل ــذلك ح ــاول أن تك ــون يف جلس ــة‬
‫االستماع متحر ًرا من هذ‪ .‬املشاعر السلبية‪.‬‬
‫تــوافر الدافعي ــة لالس ــتماع‪ :‬االســتماع ملوض ــوع ل ــيس لنــا دواف ــع خاص ــة‬ ‫)‬
‫لالستماع إليـه سـيكون ممـالً ومتعبـًا مـن دون فائـدة نـبرية‪ .‬لكـن تـوافر‬
‫الدافعيــة ســوإ يســت ري ســلوك االســتماع والف ــول الــالزم لــه‪ ،‬ثــم إنــه‬
‫سيسهل ظهور االهتمام‪ ،‬ويوفر طاقة نفسـية كـن أن ت ـيع يف امللـل إذا‬
‫تت ــوافر ل ــد املس ــتمع الدافعي ــة الالزم ــة‪ .‬ب ــل إن ه ــذ‪ .‬الدافعي ــة إذا‬
‫ــو مالئ ــم فإنه ــا س ــتبث يف املس ــتمع إحساس ــًا باملتع ــة‪.‬‬ ‫أش ــبعت عل ــى‬
‫وتتــوافر الدافعيــة عنــدما يكــون لنــا أســبا خاصــة لالســتماع إىل رســالة‬

‫‪- 36 -‬‬
‫مقدمة في مهارات التواصل اإلنساني‬

‫به ــا‪ ،‬أو ريب ــة‬ ‫بعينهــا‪ .‬ق ــد يك ــون لنــا فيه ــا مص ــلحة ماديــة‪ ،‬أو هواي ــة‬
‫أصيلة ملساعدة صديق‪ ،‬أو موضوع نريب يف تعلمه‪ ..‬إخل‪.‬‬
‫معرفــة مســبقة مبوضــوع االســتماع‪ :‬إن م ــل هــذ‪ .‬املعرفــة إذا اســتادمت‬ ‫جـ)‬
‫حبكمــة – أي مــن دون أن نســتبق املوضــوع ذاتــه باألحكــام والتقييمــات–‬
‫توفر للمستمع ألفة باملوضوع واستعدا ًدا لـه‪ ،‬و عـل االسـتيعا والفهـم‬
‫أف ل‪.‬‬
‫وفــر الوق ــت ال ــالزم‪ :‬يس ــتغرق االس ــتماع وقتــًا وفق ــًا لع ــدة عوام ــل منه ــا‬ ‫هـ)‬
‫املوض ــوع واملش ــارنون‪ .‬علي ــك – نمس ــتمع – أن تتأن ــد م ــن أن ــك‬
‫يتلــك الوقــت الــالزم‪ ،‬وإال فإنــك ستم ــي الوقــت تن ــر يف ســاعتك‬
‫وليس يف االستماع‪.‬‬
‫هـ ) ضع نفسك يف وضع إصغاء‪ :‬تع نلمـة "يصـغي" –مـن بـ مـا تعنيـه‬
‫– يف اللغـة العربيــة " يـل"‪ ،‬وبالفعــل فـإن االســتماع أو اإلصـغاء يتطلــب‬
‫ل ــس جلس ــة مالئم ــة ال ه ــي باملس ــرتخية الكس ــولة وال ه ــي‬ ‫من ــك أن‬
‫باملشــدودة املتــوترة‪ .‬إن مــيالً بسيطــًا يف ا ــا‪ .‬املــتكلم ي ــعك يف وضــع‬
‫تأه ــب مناس ــب‪ ،‬باإلض ــافة إىل أن ــه يعط ــي املتح ــدي انطباع ــًا إجيابي ـ ـا‬
‫باهتمامك‪.‬‬
‫حدد ما إذا ننت ستسـجل أو تلاـص مـا ستسـمعه‪ ،‬وأعـد املـواد الالزمـة‬ ‫و)‬
‫لذلك‪.‬‬
‫حتريـ ــر الـ ــذات‪ :‬تتـ ــدخل ذواتنـ ــا بطـ ــرق خمتلفـ ــة يف إدراناتنـ ــا نمـ ــا سـ ــنر‬ ‫‪–4‬‬
‫بالتفص ــيل يف الفص ــل اخل ــاص ب ــاإلدراك االجتم ــاعي‪ .‬أي أنن ــا ن ــدرك األم ــور‬
‫ـن‪ .‬إن الرجــل‬ ‫و كـم عليهـا ال بســبب خصائصـها‪ ،‬وإمنــا بسـبب عوامـل فينــا‬
‫ـو خمتلـف عـن رجـل ال‬ ‫الذي حيمل ا اهـًا سلبيـا ضـد املـرأة يـدرنها علـى‬
‫تلـف ع ّمـن ال‬ ‫و‬ ‫بهم على‬ ‫حيمل م ل هذا اال ا‪ ..‬نما أننا ندرك من‬

‫‪- 37 -‬‬
‫أنت وأنا‬

‫حيم ــل هل ــم م ــل ه ــذا الش ــعور‪ .‬وبامل ــل فق ــد نأخ ــذ باالس ــتماع إىل ا خ ــرين‪،‬‬
‫وتفسري ما يقولونه أو يفعلونـه يف ضـوء أفكارنـا املسـبقة وا اهاتنـا وعواطفنـا‬
‫وريباتنا ومصافنا‪ .‬وم ل هذا املوقف الشائع حيمل يف ثنايا‪ .‬إمكانيـة نـبرية‬
‫اهـل لرخـر‪ .‬ولتحقيـق هـذا التحريـر‬ ‫لتشويه ما نستمع إليه‪ ،‬باإلضـافة إىل‬
‫كن االسرتشاد باخلطوات التالية‪:‬‬
‫حترر من شـوايلك الذهنيـة الـ ال عالقـة هلـا باملوضـوع الـذي تسـتمع‬ ‫أ)‬
‫إليه‪ .‬إن شوايل اإلنسان ن رية‪ ،‬وقد تتدخل يف أثناء االستماع فتفسد‪.‬‬
‫عليه‪ .‬لـذلك عليـه أن حيـاول قـدر اإلمكـان التحـرر منهـا حتـى ينصـرإ‬
‫باله إىل االستماع يا ًما‪.‬‬
‫حتــرر مــن أفكــارك املســبقة‪ ،‬ومــن تعصــبك‪ ،‬وا اهاتــك يــري املاتصــة‪.‬‬ ‫)‬
‫خل ــص ذات ــك م ــن ذات ــك‪ ،‬وأع ــدها الس ــتقبال الرس ــالة‪ .‬ويتطل ــب ه ــذا‬
‫التحــرر واالســتعداد وع ًي ـا عمي ًق ـا بالــذات وأحواهلــا وأهوائهــا وأفكارهــا‪.‬‬
‫نمــا يتطلــب – أي ً ـا– إحساســًا عاليــًا باألمانــة واملس ـ ولية واح ــرتام‬
‫صا ما‪ ،‬ولكن إذا ننت سأستمع إليه فإن علي أن‬
‫ا خر‪ .‬قد أنر‪ .‬شا ً‬
‫أحــرر نفســي –ولــو م قتــًا– مــن هــذا الشــعور حتــى أســتطيع تقيــيم مــا‬
‫يقوله يف ضوء املنطـق ولـيس يف ضـوء انفعـالي‪ .‬وعنـدما أعـد ذاتـي علـى‬
‫هذا النحو أيدو جاه ًا للشروع يف عملية االستماع‪.‬‬

‫اإلنص ــات‪ :‬اإلنص ــات ه ــو الس ــكوت م ــن أج ــل االس ــتماع‪ ،‬ل ــيس اإلنص ــات جم ــرد‬ ‫‪- 5‬‬
‫الصمت اخلارجي‪ ،‬أي االمتناع عن الكالم‪ .‬إذ أن هناك إنصاتـًا داخلي ـا يت ـمن‬
‫ص ــمت الش ــوايل األخ ــر – نم ــا ذنرن ــا يف الفق ــرة الس ــابقة – ومنعه ــا م ــن‬
‫يــل إلينــا أنــه يســتمع‪ ،‬لكــن‬ ‫التــدخل‪ .‬قــد يبــدو اإلنســان أمامنــا صــامتًا‪ ،‬وقــد‬

‫‪- 38 -‬‬
‫مقدمة في مهارات التواصل اإلنساني‬

‫ذهنه كن أن ي ج بأفكار شتى ال عالقـة هلـا مبوضـوع االسـتماع‪ .‬إن اإلنصـات‬


‫فعل صمت جذري خارجي وداخلي‪.‬‬
‫التعاطف‪ :‬واملقصود بالتعاطف هو أن ت ع نفسـك يف مكـان املـتكلم‪ ،‬وتـر مـا‬ ‫‪- 4‬‬
‫ال أن نفهم مـا يريـد أن يقولـه‪ ،‬ال أن‬
‫يتحدي عنه من وجهة ن ر‪ ..‬إن املطلو أو ً‬
‫ـن‪ .‬وينطـوي هـذا التعـاطف علـى إقـرار – أولـي– بالتعدديـة‪،‬‬ ‫نفهم ما نريـد‪.‬‬
‫واحرتام للمتح دي‪ ،‬ومنحه فرصة واسعة لقـول مـا يريـد‪ ..‬ولـن يكـون م ـل هـذا‬
‫يكــن املســتمع قــد حــرر ذاتــه علــى النحــو الــذي ســبق‬ ‫التعــاطف ممكنــًا مــا‬
‫ذنر‪ ..‬ويتطلب التعـاطف إحساسـًا عميقـًا بالد وقراطيـة وقـدرة عاليـة علـى‬
‫الصا‪ ،‬نما يتطلب التحلي مبرونة نافية وثقة بالنفس‪ .‬أما الد وقراطية‬
‫فونها تع – من مجلة ما تعنيـه – اإلقـرار حبـق ا خـر يف التعـبري عـن وجهـة‬
‫ن ــر‪ .‬واح ــرتام ه ــذا اف ــق‪ .‬ل ــذلك ف ــإن املتعص ــب أو املتس ــل ال ي ــتقن ف ــن‬
‫االستماع ألنه ال ي من مب ـل هـذا افـق لرخـرين‪ .‬ويتطلـب حتقيـق التعـاطف‬
‫الصا‪ ،‬ألن املستمع ينبغي أن ينت ر حتى يستوعب وجهة ن ر املتحدي نمـا‬
‫يريدها هذا املتحـدي‪ ،‬قبـل أن يـدلي بوجهـة ن ـر‪ .‬هـو‪ .‬لـذلك نـان االسـتماع‬
‫اجليــد صعبــًا علــى العصـ أو املتســرع أو االنــدفاعي‪ .‬ثــم إن التعــاطف يتطلــب‬
‫تــب وجهــات ن ــر ا خــرين‪ ،‬ولــو نــان م ــل هــذا التــب م قتــًا‪ ،‬ولغايــات فهــم‬
‫وجهــات الن ــر هــذ‪ ..‬وهــذا يســتل م مرون ــة يكــن املــرء مــن اخلــرو مــن ذات ــه‬
‫والع ــودة إليه ــا بيس ــر وس ــهولة‪ .‬نم ــا أن الش ــاص القل ــق عل ــى ذات ــه ومكانت ــه‬
‫ــو يــري متــوازن– إىل تونيــد ذاتــه خوفــًا‬ ‫ســيكون متــوترًا وســيندفع – علــى‬
‫عليهــا‪ ،‬فــال يعــود يســمع إال صــوت هــذ‪ .‬الــذات امل ــطربة بــدالً مــن االســتماع‬
‫لرخر‪.‬‬
‫االنتبــا‪ .‬والرتني ـ ‪ :‬االســتماع الفعــال يتطل ـب جه ـ ًدا شاقــًا ال يقــل عــن جهــد‬ ‫‪- 4‬‬
‫املتحدي‪ .‬وينبغي أن يكون هذا االنتبا‪ .‬عميقـًا يصل إىل درجة الرتني ‪ ،‬ثم إنه‬

‫‪- 39 -‬‬
‫أنت وأنا‬

‫ينبغـي أن يكــون شــامالً أي يتجــه إىل الرســائل اللف يــة ويــري اللف يــة‪ ،‬ثــم إنــه‬
‫ينبغي أن يتوجه يف ف ات سـريعة إىل داخـل املسـتمع‪ ،‬حتـى يطمـئن إىل عـدم‬
‫تدخل الذات وشوايلها يف االسـتماع‪ .‬وسـيفيد هـذا االنتبـا‪ .‬الـداخلي يف ضـب‬
‫صا إذا شـرعت يف التـوتر‪ .‬وتلعـب يف شـحذ االنتبـا‪.‬‬
‫وترية انفعال املستمع‪ ،‬خصو ً‬
‫عوامـ ــل عـ ــدة‪ :‬دافعيـ ــة املسـ ــتمع واهتمامـ ــه‪ ،‬حسـ ــن عـ ــرض الرسـ ــالة‪ ،‬ويـ ــرس‬
‫الشاص مبهارة االنتبا‪..‬‬
‫حــافْ علــى التواصــل البصــري بينــك وبـ املتحــدي‪ .‬كنــك اففــاظ علــى‬ ‫‪- 3‬‬
‫التواصل البصري يف أثناء االستماع من حتقيق مهمت أساسيت ‪:‬‬
‫أ) القدرة علـى التقـاط نافـة اإلشـارات يـري اللف يـة الـ يرسـلها املتحـدي‬
‫وتكـون مفيدة يف استكمال الرسالة وتوضيح معناها‪.‬‬
‫) إعط ــاء املتح ــدي انطباع ــًا قو ـ ـيًا باهتم ــام املس ــتمع‪ ،‬وت ــوفري الفرص ــة لـ ــه‬
‫اللتقـ ــاط إش ــارات التغذي ــة الراجع ــة من ــه مم ــا س ــيكون مفيـ ـدًا يف تط ــوير‬
‫الرسالة‪.‬‬
‫عدم املقاطعة‪ :‬املقاطعة هي حتدي املستمع قبل أن يفرا املتحدي مـن نالمـه‪،‬‬ ‫‪- 1‬‬
‫أو يف موقع من افديث ال يصلح لتدخل املستمع‪ .‬وينبغي أن يكون واضحـًا أنه‬
‫ليس نل تدخل من املسـتمع يعتـا مقاطعـة‪ ،‬إذا قـد يتـدخل املسـتمع يف وقـت‬
‫مالئ ــم‪ ،‬ن ــأن يك ــون بــ فق ــرة وفق ــرة‪ ،‬أو لتق ــديم تغذي ــة راجع ــة ض ــرورية‪ .‬إن‬
‫املقاطعـة يـري املدروسـة تشـتت املتحـدي‪ ،‬وقـد تعطيـه انطباعًـا سلبي ـا عـن مـد‬
‫اهتمامك مبا يقوله أو مد احرتامك له‪ .‬ثم إن املقاطعة قد تشـري إىل فشـل‬
‫املســتمع يف حتريــر ذاتــه مــن شــوايلها‪ ،‬وإىل ســعيه إلســقاط هــذ‪ .‬الشــوايل –‬
‫بتس ــرع– عل ــى اف ــديث‪ .‬ي ــاإ إىل ذل ــك أن املقاطع ــة العش ــوائية ق ــد يــ ق‬
‫الرسالة‪ ،‬وتبع ر وحدتها وتكاملها‪ ،‬بل إنهـا قـد تـدفع صـاحبها إىل التوقـف عـن‬
‫إرسـاهلا‪ .‬واملقاطعـة – شـأنها يف ذلـك شـأن نـ ري مـن السـلونات – كـن أن‬

‫‪- 41 -‬‬
‫مقدمة في مهارات التواصل اإلنساني‬

‫تتحول إىل رة ثابتة نسبيـا لد صـاحبها‪ ،‬فـإذا عرفـت عنـه هـذ‪ .‬السـمة‪ ،‬فـإن‬
‫نـ ريين ســيع فون عــن التواصــل معــه ألنهــم يعتقــدون أن م ــل هــذا التواصــل‬
‫سيكون صعبـًا مع هـذا الشـاص ولـن يف ـي إىل نتيجـة مرضـية‪ ،‬بـل إىل ع لـة‬
‫ــو س ــل –‬ ‫تواص ــلية يع ــيش فيه ــا ه ــذا الش ــاص فت ــنعكس علي ــه – عل ــى‬
‫بطبيعة افال‪.‬‬
‫الفهــم‪ :‬إن اشــتقاق نلمــة االســتماع مــن الســمع‪ ،‬أوحــى بــأن االســتماع ظــاهرة‬ ‫‪- 7‬‬
‫صوتية‪ ،‬وافق أن االستماع جهد معريف بكل ما يف الكلمة من معنـى‪ .‬ويتطلـب‬
‫االستماع املهارات املعرفية التالية حتى حيقق أيراضه‪:‬‬
‫حتديد هدإ – أو أهداإ – افديث‪.‬‬ ‫أ)‬
‫حتديد النقاط الرئيسة وييي ها عن النقاط الفرعية‪.‬‬ ‫)‬
‫إدراك عالقة النتائج باملقدمات‪.‬‬ ‫جـ)‬
‫التميي ب الوقائع وا راء‪.‬‬ ‫د)‬
‫حتديد مد االتساق أو التناقق الداخلي‪.‬‬ ‫هـ)‬
‫التلايص‪.‬‬ ‫و)‬
‫توضــح هــذ‪ .‬املهــارات مســتو اجلهــد املطلــو للوصــول إىل اســتماع حقيقــي‪،‬‬
‫نمـا توضــح إىل أي حــد يعتقـد النــاس يف نـ ري مـن األحيــان أنهــم يســتمعون‬
‫دون أن يكونوا نذلك بالفعل‪.‬‬
‫استكمال املعلومات‪ :‬ال يتحقق االستماع على النحـو املطلـو إال بتـوافر صـورة‬ ‫‪- 6‬‬
‫ناملة ملا يريد املتحدي قولـه‪ .‬فـإذا أحـس املسـتمع بـأن مثـة عناصـر ناقصـة يف‬
‫الصورة فعليه استكماهلا بس ال املتحدي يف الوقت املناسب شـريطة أن ال يكـون‬
‫هذا عن طريق املقاطعة‪.‬‬
‫التغذيــة الراجعــة‪ :‬افــدي التواصــلي هــو حــدي تفــاعلي‪ .‬لــذلك فاالســتماع‬ ‫‪- 5‬‬
‫يت من إرسال رسائل للمتحدي يالبـًا ما تكـون يـري لف يـة‪ .‬إن هـ ات معتدلـة‬

‫‪- 40 -‬‬
‫أنت وأنا‬

‫للرأس‪ ،‬أو إشارات بعدم الفهم‪ ،‬أو نل ما يفيد املتابعة وتشـجيع املتحـدي علـى‬
‫مواص ــلة حدي ــه‪ ،‬س ــوإ ي ــدفع عملي ــة التواص ــل إىل األم ــام ألن ــه ي ــمن أن‬
‫املستمع يشارك بالفعل يف التواصـل‪ .‬والتغذيـة الراجعـة كـن أن تـتم يف أثنـاء‬
‫التح ــدي عل ــى النحـ ــو ال ــذي أشـ ــرت إلي ــه‪ ،‬ويف ه ــذ‪ .‬افالـ ــة تس ــمى التغذيـ ــة‬
‫املصـ ــاحبة‪ ،‬إال أن ج ــ ًءا مهمـ ــًا منهـ ــا كـ ــن أن يقدمـ ــه املسـ ــتمع بعـ ــد انتهـ ــاء‬
‫املتحدي‪ ،‬وتدعى التغذيـة الالحقـة‪ ،‬وسنشـري إليهـا يف القسـم اخلـاص مبـا بعـد‬
‫االستماع‪.‬‬
‫أجّــل افكــم‪ :‬يشــعر مع ــم املســتمع بدافعيــة قويــة لتقيــيم مــا يســمعونه –‬ ‫‪- 6‬‬
‫حتــى ل ــو ن ــان هــذا بي ــنهم وبــ أنفس ــهم – قبــل أن ينه ــي املتح ــدي رس ــالته‪.‬‬
‫وتتعارض هذ‪ .‬الدافعية مع مطالب حترير الذات والتعاطف ال أشـرنا إليهـا‪.‬‬
‫ي ــتمكن املس ــتمع م ــن ن ــبح ن عت ــه إىل إطــالق أحك ــام مبك ــرة عل ــى م ــا‬ ‫وإذا‬
‫يسمعه فينبغي أن يراعى أربعة شروط‪:‬‬
‫أال يشتت هذا انتباهه‪.‬‬ ‫أ)‬
‫أال يكون إسقاطـًا لذاته –دون روية– على افديث‪.‬‬ ‫)‬
‫أن تكون هذ‪ .‬األحكام جمرد فرضيات وليس أحكا ًما نهائية‪.‬‬ ‫جـ)‬
‫و مبالغ فيه‪.‬‬ ‫أال ينارط املستمع فيها على‬ ‫د)‬
‫ريا م ــن الص ــا وض ــب ال ــذات‬
‫يتطلــب تأجي ــل افك ــم أو تعليق ــه مق ــدا ًرا ن ــب ً‬
‫واحرتام ا خرين‪ ،‬وهي مهارات – شأنها يف ذلك شأن باقي مهارات التواصل –‬
‫كن التمرس بها‪ .‬وم ل هذا التأجيـل ـنح املسـتمع فرصـة واسـعة للحصـول‬
‫على صورة متكاملة‪ ،‬نما ينصف املتحدي بتوفري التعاطف الالزم معه‪.‬‬
‫‪ - 51‬خــذ بع ـ االعتب ـار أهــدافك مــن االســتماع‪ .‬علــى ال ـريم مــن أن هنــاك قواعــد‬
‫ومهارات مشرتنة لالستماع بغـق الن ـر عـن نـوع االسـتماع أو أهدافـه‪ ،‬إال أن‬
‫هناك قواعد أخر ينبغي الرتني عليهـا وفقـًا لنـوع االسـتماع‪ .‬فـإذا ننـت –‬

‫‪- 42 -‬‬
‫مقدمة في مهارات التواصل اإلنساني‬

‫على سبيل امل ال– أستمع لصديق يبوح لـيّ مبشـكلة ـر بهـا‪ ،‬أو خبطـأ ارتكبـه‪،‬‬
‫فال بد من أن أبدي قد ًرا أنا من التعاطف والـدعم النفسـي وتعليـق األحكـام‬
‫األخالقي ــة‪ .‬أم ــا إذا نن ــت أس ــتمع بغ ــرض النق ــد ف ــال ب ــد م ــن أن أن ــف م ــن‬
‫املهارات املعرفية‪ ،‬وأضيف إليها القدرة على فحص الااه والتيقن من صدق‬
‫الوق ــائع‪ .‬أم ــا إذا ن ــان الس ــمع لالس ــتماع فقـ ـ فعن ــدها يك ــون يف وس ــعي أن‬
‫ال‪.‬‬
‫أسرتخي قلي ً‬
‫‪ - 55‬اس ــرتح يف أثن ــاء االس ــتماع‪ :‬مل ــا ن ــان االس ــتماع جهــ ًدا شاق ــًا نم ــا رأين ــا ف ــإن‬
‫صـا إذا نـان افـديث طـويالً‪ .‬و كـن‬
‫املستمع حباجـة إىل ف ـات راحـة خصو ً‬
‫اقتناص ف ات الراحة هذ‪ .‬بالطرق التالية‪:‬‬
‫ريا عن سرعة الدماا‬
‫سرعة الدماا‪ :‬يتحدي الناس عادة بسرعة تقل ن ً‬ ‫أ)‬
‫فف من العبء امللقى علـى الـدماا‪ ،‬نمـا‬ ‫يف معاجلة املعلومات‪ ،‬وهذا‬
‫نح املستمع فرصة اللتقاط أنفاسه‪.‬‬
‫راحـ ــة الصـ ــمت‪ :‬حيـ ــاول املتحـ ــدي أحيانـ ــًا أن يـ ــريح نفسـ ــه بش ــيء مـ ــن‬ ‫)‬
‫الصمت‪ ،‬وهذ‪ .‬فرصة للمستمع أي ـًا‪.‬‬
‫تشابه األم لة‪ :‬إذا شرع املتحدي يف ضر أم لـة متشـابهة للتـدليل علـى‬ ‫جـ)‬
‫ال‪.‬‬
‫فكرة واحدة‪ ،‬فإن يف وسع املستمع أن يسرتخي قلي ً‬
‫و حريف‬ ‫‪ - 54‬نن طبيعيـا‪ :‬قد يأخذ املرء بتطبيق قواعد االستماع ومهاراته على‬
‫فيفقــد تلقائيتــه‪ ،‬إال أن هــذا سي ــر بالتواصــل‪ .‬إن التمــرس بالقواعــد والتعــود‬
‫عليهــا ســيمكنك مــن تطبيقهــا بيســر وســهولة‪ ،‬وتبــدو طبيعيـ ـا يف ســلونك‪.‬‬
‫وتذنر نفسك نيـف ننـت تقـود السـيارة ألول مـرة عنـدما بـدأت يف التـدر‬
‫على ذلك‪ ،‬وب قيادتك هلا بعد أن يرست بها‪ ،‬وستدرك نيف أن االسـتماع‬
‫و طبيعي أمر ممكن ومتاح‪.‬‬ ‫على‬

‫‪- 43 -‬‬
‫أنت وأنا‬

‫ال‪ ،‬فمـن األف ـل‬


‫‪ - 54‬سجل ما تستمع إليه‪ :‬إذا نان افديث الذي تستمع له مطو ً‬
‫أن تسـجل افـديث‪ .‬إال أنــه مـن املهــم أن حتـدد خطـة التســجيل الـ ســتتبعها‪،‬‬
‫ــو ذي مغـ ـ ‪.‬‬ ‫وأن يك ــون ه ــذا التس ــجيل من م ــًا‪ ،‬ك ــن الع ــودة إلي ــه عل ــى‬
‫و كنـك حتقيـق هـذا باتبـاع تقنيــات التلاـيص الـ حتـدد األفكـار الرئيســية‬
‫وم ــا ين ــدر حتته ــا م ــن ش ــواهد فرعي ــة‪ .‬إن التس ــجيل ال ــذي ال ي ــذنرك مب ــا‬
‫اســتمعت إليــه‪ ،‬وال يعرض ـه أمامــك يف صــورة منطقيــة تعطيــك فكــرة نليــة‬
‫ال حقيـقي ـا‪.‬‬
‫عنه‪ ،‬ليس تسجي ً‬

‫يف هذ‪ .‬املرحلة ينش املستمع الستكمال الصـورة عـن طريقـة توجيـه أسـئلة أو‬
‫مــا ينــدر حتــت التغذيــة الراجعــة الالحقــة ال ـ ينبغــي أن تتســم بالســمات األساســية‬
‫التالية‪:‬‬
‫املباشــرة‪ :‬ال بــد مــن أن تكــون التغذيــة الراجعــة الفعالــة مباشــرة‪ .‬ففــي صــورتها‬ ‫‪- 5‬‬
‫امل الية ترسل التغذية الراجعة بعـد تلقـي الرسـالة مباشـرة‪ .‬والتغذيـة الراجعـة‬
‫– ن ــالتعري – تفق ــد أثره ــا مب ــرور الـ ـ من‪ ،‬ألن الص ــلة بينه ــا وبـ ـ الرس ــالة‬
‫تنقطع‪.‬‬
‫األمانة‪ :‬ينبغـي أن تكـون التغذيـة الراجعـة اسـتجابة أمينـة للتواصـل‪ .‬وال يعـ‬ ‫‪- 4‬‬
‫ه ــذا أن نطل ــق العن ــان للع ــداء أو القس ــوة املكش ــوفة‪ ،‬وال يعـ ـ أي ًـ ـا أن تك ــون‬
‫التغذية الراجعة سلسلة من الرسائل ال قد يريب املتحدي يف راعها ألنهـا‬
‫تديــدا يــرور‪ .‬أو تــدعم موقفــه‪ .‬وإمنــا ينبغــي أن تعــا هــذ‪ .‬التغذيــة عــن فهــم‬
‫املســتمع أو عــدم فهمــه‪ ،‬وعــن النقــاط الـ يتفــق فيهــا مــع املتحــدي أو ال يتفــق‬
‫معها بأمانة وصدق‪.‬‬
‫الفصــل‪ :‬وتع ـ هــذ‪ .‬الســمة الفصــل ب ـ مــا قالــه املتحــدي وب ـ شاصــه‪ ،‬وأن‬ ‫‪- 4‬‬
‫نوجه التغذية ملا قالـه‪ .‬إن املالح ـات السـلبية علـى الشـاص لـن تفيـد افـوار‬

‫‪- 44 -‬‬
‫مقدمة في مهارات التواصل اإلنساني‬

‫وإمنــا ستســمم جــو‪ ،.‬نمــا أن املالح ــات اإلجيابيــة عــن الشــاص – ولــو أنهــا‬
‫أف ــل بك ـ ري مــن الســلبية بطبيعــة افــال – ســتنحرإ عــن حمــور التواصــل‬
‫األساسي وهو املوضوع الذي نان املستمع يصغي إليه‪.‬‬
‫ريا‪ ،‬علين ــا أال ننس ــى أن املتح ــدي مســ ول أي ًــا ع ــن املس ــتمع‪ ،‬فاملتح ــدي‬
‫وأخــ ً‬
‫عـل االسـتماع لـه ميسـرًا وممتعـًا وفعـاالً‪.‬‬ ‫ريا من الشروط الـ‬
‫يستطيع أن يوفر ن ً‬
‫ـو‬ ‫فقد يوفر البيئة املادية‪ ،‬والعرض املنطقي لرسـالته‪ ،‬وتلقـي التغذيـة الراجعـة علـى‬
‫مشجع‪ ،‬ويري ذلك مما سنتطرق إليه يف مهارات العرض والتحدي‪.‬‬

‫‪- 45 -‬‬
‫أنت وأنا‬

‫‪- 46 -‬‬
‫مقدمة في مهارات التواصل اإلنساني‬

‫يق ــال اإلدراك عل ــى ع ــدة مع ــان‪ .‬أوهل ــا "اإلدراك افس ــي"‪ .‬ف ــنحن ن ــدرك ع ــا‬
‫الطبيعة والكائنات افية‪ ،‬وعا األشياء املصنوعة من خـالل حواسـنا وعقولنـا‪ .‬فـنحن‬
‫ننتبه مل ريات معينة ونتعرإ عليها ونفسرها‪ ،‬وقد تكون هـذا املـ ريات – حسـب افـواس‬
‫يـة‪ ،‬أو ترنيبـات متنوعـة‬ ‫ال تـدخل فيهـا – بصـرية أو رعيـة أو ملسـية أو ذوقيـة أو‬
‫منها‪ .‬فأنا أرع صوتـًا وأفسر‪ .‬علـى أنـه صـوت سـيارة‪ ،‬وأشـم رائحـة مجيلـة وأحكـم أنهـا‬
‫رائحــة عطــر‪ ،‬وأر جسمــًا مــن بعيــد فــأعرإ أنــه شــاص قــادم‪ ،‬وهكــذا‪ .‬إن العــا ي ــج‬
‫ـن‪ ،‬أو قـد تفـرض علـى انتباهنـا‪ ،‬فنـدرنها حتـى نستطيــع‬ ‫بامل ريات وقد ننتبه إليهـا‬
‫إشباع دوافعنا وحتقيق أهدافنا والتكيف مع البيئة من حولنـا‪.‬‬
‫واملعنــى ال ــاني ل ـ دراك هــو ‪ :‬اإلدراك اجل ـواني أو الــذاتي‪ ،‬وفيــه ننعطــف علــى‬
‫عليهــا مــرة‪ ،‬ونلومهــا أخــر ‪ ،‬نصــدق‬ ‫اورهــا ونفكــر يف دوافعهــا وأحواهلــا‪ ،‬نـ‬ ‫أنفســنا‬
‫معها تارة‪ ،‬وخنادعهـا وختادعنـا تـارات أخـر ‪ .‬وهلـذا اإلدراك أي ًـا جانـب جسـمي نـدرك‬

‫‪- 47 -‬‬
‫أنت وأنا‬

‫فيه أحوالنا الفسيولوجية املاتلفة م ل األ بأنواعه وارتفاع حـرارة جسـمنا‪ ،‬وإعياءنـا‬
‫ونشاطنا إىل آخر ما هنالك من أحوال جسمية خمتلفة‪.‬‬
‫أمـا املعنـى ال الـث لـ دراك فهـو طريـف يـامق‪ ،‬إنـه اإلدراك مـن دون حــواس أو‬
‫نمــا يســمى‪ :‬اإلدراك ا ــاوز للحــس‪ ،‬نــذلك الــذي يتحــدثون عنــه يف التاــاطر أو‬
‫إدراك األشـياء أو األحــداي الغائبـة‪ ،‬أو حتريــك األجسـام عــن بُـعد‪ .‬وعلــى الـريم مــن أن‬
‫هذا اإلدراك ال ينصاع ملناهج العلم التجري الـدقيق‪ ،‬إال أن هنـاك تيـارًا قو ًيـا يـ من بـه‬
‫وحياول أن ي سس له على أسس علمية صلبة‪.‬‬
‫ومثــة معنــى رابــع ل ـ دراك هــو الــذي سنصــرإ اهتمامنــا إليــه يف هــذا الفصــل‪،‬‬
‫وأقصد بـه‪ :‬اإلدراك االجتمـاعي‪ ،‬وهـو إدراننـا لسـلوك النـاس اللف ـي نمـا تعـا عنـه‬
‫اللغــة‪ ،‬ويــري اللف ــي – نمــا يتبــد يف حرنــات اجلســم والوجــه وتعبرياتهمــا ال ريــة‪،‬‬
‫لياتـه‬ ‫وعمق الصوت وحدتـه وخصائصـه األخـر ‪ ،‬ورـات املكـان‪ .‬وهـذا السـلوك بكـل‬
‫ل رسائل حتمل معلومات ومعان ت ثر على املستقبل بسبل متنوعة‪.‬‬ ‫املاتلفة‬
‫وتكمن أهمية هذا اإلدراك يف النقاط التالية ‪:‬‬
‫اإلدراك االجتمـ ــاعي يـ ــوفر ملسـ ــتقبله مصـ ــدرًا معرفيًـ ــا اجتماعيـ ـ ـا يتم ـ ــل يف‬ ‫‪- 5‬‬
‫معلومـ ــات تفيـ ــد يف إشـ ــباع دوافعـ ــه وحتقيـ ــق أهدافـ ــه وتفـ ــادي ال ـ ــرر واألذ‬
‫والتكيف مع ا خرين‪.‬‬
‫واإلدراك االجتمــاعي يعمــل نمـ ري يســتنهق فــ ّي تغــريات معرفيــة وانفعاليــة‬ ‫‪- 4‬‬
‫وس ــلونية‪ ،‬ق ــد تك ــون إجيابي ــة أو س ــلبية‪ .‬إن ن ــرة بس ــيطة للغاي ــة م ــن أح ــد‬
‫افاضرين قد توحي ليّ بأن مثـة سـرًا حيـاول ا خـرون إخفـاء‪ .‬عـ ‪ .‬نمـا قـد‬
‫أفسر ن رة أخر على أنهـا ن ـرة إعجـا تبعـث ف ـيّ ال هـو والغـرور‪ .‬و كـن أن‬
‫أفسر ابتسامة على أنها حتمل يف ثناياهـا سـارية مبطنـة ممـا يـدفع للقيـام‬
‫ا‪ .‬صاحبها‬ ‫بسلوك عدواني‬

‫‪- 48 -‬‬
‫مقدمة في مهارات التواصل اإلنساني‬

‫إن إلاحنـ ــا يف حتقيـ ــق أهـ ــدافنا يكمـ ــن – فيمـ ــا يكمـ ــن – يف دقـ ــة إدراناتنـ ــا‬ ‫‪- 4‬‬
‫االجتماعيــة ســواء أنانــت إشــارات عــابرة يــري لف يــة‪ ،‬أو تلميحــات لغويــة‪ ،‬أو‬
‫م ثرات صـوتية‪ .‬وسـرعة التقاطنـا هلـذ‪ .‬اإلدرانـات‪ ،‬ودقـة تفسـرينا هلـا مسـألة‬
‫و فعّال‪.‬‬ ‫هامة للتصرإ إزاءها على‬
‫إال أن هناك بعق العوامـل الـ ت يـد مـن فرصـة وقـوع اإلدراك االجتمـاعي يف‬
‫اخلطأ‪ .‬و كن تلايص هذ‪ .‬العوامل يف األبعاد األساسية التالية ال سنشـرحها فيمـا‬
‫يلــي‪ ،‬ونقــدم شــواهد عنهــا مــن األدبيــات يف هــذا ا ــال‪ ،‬ونســوق – بعــد ذلــك – بعــق‬
‫نبها‪ ،‬ونـذلك يف جعـل اإلدراك أن ـر دقـة‬ ‫كن أن تكون مفيدة يف‬ ‫اإلرشادات ال‬
‫وإرهافـًا‪.‬‬
‫ال‪ :‬تباين اإلرسال ‪ /‬االستقبال‪ :‬لـيس اإلدراك االجتمـاعي صـورة فوتويرافيـة‬
‫أو ً‬
‫صــادقة للرســالة االجتماعي ــة نمــا أرادهــا أصــحابها‪ ،‬نمــا أن تفســري املستقب ــل هلــذ‪.‬‬
‫الرســالة ال اث ــل – دومــًا– تفســري املرســل وال نوايــا‪ ..‬وه ـذا مــا نعــا عنــه عــادة بســوء‬
‫التفاهم‪ .‬فقد ال يلقي شاص ما التحية عليّ عنـد دخولـه وأفسـر هـذا علـى أنـه سـلوك‬
‫ال ألنــه‬
‫ينتبــه لوجــودي أصـ ً‬ ‫عــدائي‪ .‬وعنــدما أستوضــح األمــر يتــب ل ـيّ أن الشــاص‬
‫ال نلية بأمر آخر‪.‬‬
‫نان مشغو ً‬
‫حيدي هذا التباين يف ن ري من األحيان من دون قصـد‪ ،‬إال أنـه كـن أن يكـون‬
‫متعمدًا مدبرًا‪ .‬فقد حياول املرسل إخفاء األهداإ افقيقية للرسالة‪ .‬يوضح "المـات‬
‫والمات" هذ‪ .‬ال اهرة على النحو التالي ‪:‬‬
‫" إن الشـاص الــذي حيـاول التــأثري يف مجهـور مــا‪ ،‬أو زعـيم حرنــة سياســية‬
‫تنشــد الســلطة‪ ،‬أو مــروض اخليــول الــذي حيــاول تطويــع فــرس مجــوح‪ ،‬نــل‬
‫ه ال ء هلم نفس اهلـدإ العـام‪ ،‬أال وهـو إحـداي تغـيري يف شـاص أو أن ـر‪ ،‬أو‬
‫حي ــوان (نم ــا يف حال ــة افص ــان) بش ــكل يدرن ــه ه ــذا الش ــاص عل ــى م ـ ِّـر‬
‫الوقت‪ ،‬أو ال يدرنه مطلقًـا‪ .‬فاجلمهور كـن إثارتـه بوسـاطة بـث اإلشـاعات‬

‫‪- 49 -‬‬
‫أنت وأنا‬

‫فــق رئــيس الشــرطة يف رؤيــة ي ــب اجلمهــور‬ ‫الصــامتة املغرضــة‪ ،‬حبيــث‬


‫املتصــاعد‪ .‬و كــن التغلــب علــى قــوة املعارضــة السياســية بــإجراء مفاوضــات‬
‫س ــرية إىل حـ ـ حل ــول االنتااب ــات النهائي ــة‪ ،‬حت ــى ال ك ــن إدراك جم ــر‬
‫األمور الفعلي‪ .‬و كن – نـذلك – اسـتدرا الفـرس إىل املطاوعـة بطريقـة‬
‫يــري مدرنــة‪ ،‬وذلــك ب يــادة حتميــل األثقــال علــى ظهرهــا تــدرجي ًيا (بــدءًا‬
‫بوضــع قمــاش عليهــا أوالً‪ ،‬ثــم بطــاط ‪ ،‬ثــم الســر ‪ ،‬وأخ ـريًا الرانــب نفســه‬
‫قبل أن يست ار لديها عامل الرفق هلذا التغيري (المات والمات‪ ،‬ص‪.)64‬‬
‫ولتاليف عائق تباين اإلرسال‪ /‬االستقبال‪ ،‬ينبغي شحذ انتبا‪ .‬املستقبل لفحص‬
‫يكــن‬ ‫مدرناتــه االجتماعيــة بعنايــة‪ ،‬وعــدم التســرع يف إصــدار أحكــام تفســرها‪ .‬ومــا‬
‫هناك دواع قوية تدعو إىل عكس ذلك‪ ،‬فإن افـرتاض حسـن النيـة‪ ،‬وإتبـاع الرويـة‪ ،‬ومجـع‬
‫قرائن أخر تدعم تفسريًا دون آخر تعد خطوات مهمة لتدقيق اإلدراك االجتماعي‪.‬‬
‫ثانيًـا‪ :‬التبســي املاـل‪ :‬عنــدما نشــكل انطباعـات عــن ا خـرين فإننــا منيــل إىل‬
‫بناء صورة نلية عنهم‪– ،‬ونقوم بتن يم نافة هذا االنطباعات يف هذ‪ .‬الصـورة الكليـة‬
‫حتى ولو نانت انطباعاتنا متناق ة‪ .‬ففالن – على سـبيل امل ـال– اجتمـاعي ونـريم‪،‬‬
‫وآخر أناني ومنطو‪ ،‬وثالث عص عدواني‪ .‬صحيح أن هذ‪ .‬الصـفات قـد تكـون صـحيحة‬
‫يف جانب منها‪ ،‬إال أنها ختت ل ثراء الشاصـية اإلنسـانية وتعقيـدها وتتجاهـل تفاعلـها‬
‫مــع املواق ـف املاتلفــة‪ .‬فقــد يكــون الشــاص عصبيـ ـا يف موقــف وال يكــون ن ــذلك يف‬
‫موقف آخر‪ ،‬نمـا أن العصـبية درجـات ومقـادير‪ ،‬باإلضـافة أن هنـاك أحيانـًا مـا يسـت ري‬
‫أعصا اإلنسان ولكن هـذا ال يكفـي لنعتـه بأنـه عصـ ‪ .‬والطريقـة املالئمـة لـتاليف هـذا‬
‫التبسي ‪ ،‬هي التدر على إدراك التنوع السلوني والنفسـي عنـد ا خـرين‪ ،‬واإلحجـام‬
‫عن اختصار اإلنسـان يف صـفة أو اثنـت ‪ ،‬وافـرص عنـدما نشـكل انطباعًـا عـن شـاص‪،‬‬
‫حتديد هذا االنطباع يف توصيفات حمددة مشروطة بالسياق واملوقف مـن دون االنـدفاع‬
‫إىل حشر الشاصية نلها يف هذا االنطباع‪.‬‬

‫‪- 51 -‬‬
‫مقدمة في مهارات التواصل اإلنساني‬

‫ــو التعمــيم‪ ،‬فقــد نقــوم‬ ‫ثال ــًا‪ :‬التعمــيم اخلــاطئ‪ :‬ين ـ ع اإلدراك االجتمــاعي‬
‫أحيانًا بوضع فئات من الناس يف قالب واحـد علـى أسـاس أن النـاس املتشـابه يف رـة‬
‫مـا سيتصــرفون بطريقــة واحــدة يف الســمات األخــر ‪ .‬وتســمى هــذ‪ .‬ال ــاهرة –أحيا ًنــا –‬
‫التنمي ‪ ،.‬وتتجلى يف صور خمتلفة‪ ،‬منها‪:‬‬
‫ــن منيــل إىل تصــنيف النســاء – مــن حيــث اخلصــائص‬ ‫التنمــي اجلنســي‪:‬‬ ‫‪- 5‬‬
‫الشاص ــية – يف فئ ــة خمتلف ــة ع ــن الرج ــال‪ :‬فالنس ــاء – يف ن ــر الكــ ريين –‬
‫عاطفيـ ــات‪ ،‬يسـ ــتادمن دمـ ــوعهن لتحقيـ ــق أيراضـ ــهن‪ ،‬مـ ــانرات‪ ،‬ثرثـ ــارات‪،‬‬
‫وم هريات‪ .‬أما الرجال‪ ،‬فعقالنيون‪ ،‬نرماء‪ ،‬يتمي ون بالشهامة‪ ،‬والقدرة على‬
‫حــل املشــكالت‪ .‬ولتوضــيح هــذ‪ .‬ال ـاهرة‪ ،‬قــام "ســيمور روزبنــرا" و"روســل جــون "‬
‫(‪5664‬م) بدراســة جمموعــة قصــص قصــرية عنوانهــا "متحــف النســاء" لكاتبهــا‬
‫"ثيــودور دراي ـ " (‪5646‬م)‪ ،‬وهــي جمموعــة قصــص عــن (‪ )51‬امــرأة‪ ،‬ونــل قصــة‬
‫تقدم وصفـًا متماسكـً ا لعدد مـن الرجـال والنسـاء‪ .‬وقـد قـام الباح ـان بتسـجيل‬
‫نــل رــة ماديــة أو نفســية ذنرهــا "درايـ ر" عــن نــل شاصــية حتــى يــروا إذا‬
‫نــان هنــاك منــ مــا تتجمــع حول ــه جمموعــة مــن الس ــمات‪ .‬وقــد انتش ــف‬
‫الباح ــان منطـ خمــتلف مــن الســمات‪ :‬الــنم األول جــذا ‪ ،‬رشــيق‪ ،‬حســي‪،‬‬
‫متفهم‪ .‬أمـا الـنم ال ـاني فكـان شاعري ـا‪ ،‬خملصـًا‪ ،‬حـذرًا‪ ،‬م قفـًا‪ .‬وقـد نـان‬
‫شــاوص الــنم األول نلــهم نســاء‪ ،‬ونــان شــاوص الــنم ال ــاني نلــهم‬
‫رج ــال‪ .‬لق ــد ن ــان ل ـ ـ " درايـ ـ ر " ن ري ــة ض ــمنية يف الشاص ــية تعتم ــد عل ــى‬
‫التنمي ‪.‬‬
‫التنمــي وامل ــرض النفســي‪ :‬ق ــام "دافيــد روزنه ــان" (‪5664‬م) ببحــث اإلج ــراءات‬ ‫‪- 4‬‬
‫التشايصـ ــية املسـ ــتادمة يف قبـ ــول املرضـ ــى يف املصـ ــحات العقليـ ــة‪ .‬ويف هـ ــذا‬
‫البحث انتحل "روزنهان" وسبعة من زمالئه أراءً ومهنـًا يـري حقيقيـة‪ ،‬وذهبـوا‬
‫إىل (‪ )54‬مصــحة عقليــة يف الشــاطئ الشــرقي والغربــي يف الواليــات املتحــدة‬

‫‪- 50 -‬‬
‫أنت وأنا‬

‫األمريكيـ ــة ‪ ،‬وادعـ ــوا أنهـ ــم يعـ ــانون مـ ــن اضـ ــطرا نفسـ ــي‪ ،‬وطلبـ ــوا قبـ ــوهلم يف‬
‫املصحة‪ .‬وحكـى اجلميـع ألطبـائهم يف هـذ‪ .‬املصـحات نفـس القصـة‪ ،‬وهـي أنهـم‬
‫يسمعون أصواتـًا ي ريبـة‪ .‬وفيمـا عـدا ذلـك‪ ،‬نـانوا صـادق يف نـل مـا قـالو‪..‬‬
‫وتوقــف هــ الء ا ربــون ع ــن إب ــداء أي عــرض مرض ــي‪ ،‬وراحــوا يتح ــدثون م ــع‬
‫يعــودوا‬ ‫اجلميــع بصــورة طبيعيــة يامــًا‪ ،‬نمــا أنهــم أخــاوا أطبــائهم بــأنهم‬
‫يشعروا بأي شيء يري عادي‪ .‬وقد اخذوا الدواء مـن األطبـاء‪ ،‬ولكـنهم رمـو‪ .‬مـن‬
‫دون أن يشــعر بهــم أحــد‪ .‬وملــا نــان هنــاك متســع نــبري مــن الوقــت لــد هـ الء‬
‫املرضــى ال ـ ائف ‪ ،‬فق ــد بــدأوا يكتب ــون مالح ــات عمــّا ي ــدور حــوهلم‪ ،‬وراح ــوا‬
‫يفعلون ذلك سرًا‪ ،‬ولكنهم سـرعان مـا أخـذوا يفعلونـه علنـًا بعـد أن انتشـفوا‬
‫أنــه مــا مــن أحــد –يف املستشــفى– يهــتم بهــذا أو يعارضــه‪ .‬وقــد فســر األطبــاء‬
‫واملمرضون سلوك الكتابة هـذا علـى أنـه سـلوك قهـري‪ .‬لقـد قْبـل مع ـم هـ الء‬
‫املرضى ال ائف يف املستشفى على أنهم فصاميون علـى الـريم ممـا أبـدو‪ .‬بعـد‬
‫ذلك من سلوك عاقل يف أثناء إقامتهم‪ .‬وعندما أخرجوا من املستشفى نتب‬
‫علــى تقــاريرهم أنهــم يعــانون مــن مــرض الفصــام‪ .‬وأن ــر مــن هــذا‪ ،‬فــإن هــذ‪.‬‬
‫التجربة كن أن تعكس‪ .‬فإذا نان األطباء قد أخطأوا– يف التجربة األوىل –‬
‫ربـة ثانيـة –‬ ‫عندما ظنوا العقـالء جمـان ‪ ،‬فـإن "روزنهـان" نفسـه‪ ،‬بـيّن – يف‬
‫طئـ ــوا أي ًـ ــا فيحسـ ــبون ا ـ ــان عقـ ــالء‪ .‬ويف هـ ــذا‬ ‫أن االطبـ ــاء كـ ــن أن‬
‫التجربــة ال انيــة‪ ،‬قــام "روزنهــان" بإخبــار إدارة أحــد املستشــفيات العقليــة بأنــه‬
‫سوإ يتقدم هلم خالل األشهر ال الثة التالية شـاص أو أن ـر زاعمـ – مـن‬
‫دون أن يكــون هــذا صــحيحًا – أنهــم مصــابون مبــرض نفســي‪ .‬ومــن ب ـ (‪)564‬‬
‫مري ــًا تق ــدموا للمستش ــفى يف ه ــذ‪ .‬الف ــرتة‪ ،‬اعتق ــد األطب ــاء أن (‪ )35‬م ــنهم‬
‫يرسل أحدًا طوال تلك الفرتة‪.‬‬ ‫م يفون‪ ،‬على الريم من أن "روزنهان"‬

‫‪- 52 -‬‬
‫مقدمة في مهارات التواصل اإلنساني‬

‫و التنمي بعيـدًا‪ .‬فـإذا نـان‬ ‫تنمي املواليد اجلدد‪ :‬قد ي ي هذ‪ .‬الن عة‬ ‫‪- 4‬‬
‫مـن املفهــوم أن نـنم األشــااص الـذين نلمــس سـلونهم أو بعــق ســلونهم‪،‬‬
‫يـق علـى مـيالدهم أيـام‬ ‫فإنه من املدهش أن نـنم املواليـد اجلـدد الـذين‬
‫بل ساعات‪ .‬ووجه الدهشة هنا هـو أن األطفـال عنـدما يولـدون فـإنهم يكونـوا –‬
‫عمومًــا – متشــابه ‪ .‬وأحــد جوانــب التنمــي ال ـ ف هــا البــاح ون يف هــذا‬
‫ا ـ ـال ه ــو التنم ــي اجلنس ــي‪ .‬فق ــد ق ــام "جيف ــري روب ــن" وآخ ــرون (‪5663‬م)‬
‫مبقابلة (‪ )51‬وليدًا و(‪ )51‬وليدة خالل الـ (‪ )43‬ساعة األوىل من والدة أطفاهلم‪،‬‬
‫وطلبوا مـن هـ الء ا بـاء وصـف أبنـائهم مـن خـالل قائمـة معـدة مسبقـًا‪ .‬وأتـت‬
‫نت ــائج ه ــذ‪ .‬الدراس ــة مدهش ــة‪ .‬فق ــد رأ ا ب ــاء واألمه ــات أن األبن ــاء ال ــذنور‬
‫يشــبهون آبــاءهم‪ ،‬وأن البنــات يشــبهن أمهــاتهن‪ .‬وقــد وصــف الوالــدون املولــودات‬
‫علـ ــى أنهـ ــن أرق وأصـ ــغر وذوات مالمـ ــح أدق‪ ،‬وأن انتبـ ــاههن أقـ ــل مـ ــن املواليـ ــد‬
‫الذنور‪ .‬وتبدو املفارقة هنا يف أنه من الصعب أن يبدي الرضـيع يف وقـت مبكـر‬
‫نهذا خصائص مـن تلـك الـ يتحـدي عنهـا الوالـدون‪ ،‬أي أنهـم –ببسـاطة–‬
‫يتايلونها‪.‬‬
‫قد ال يكـون التنمـي خاطئًـا مـن أساسـه‪ ،‬فهنـاك مشـابهات يصـعب إنكارهـا‪– .‬‬
‫ال– خصوصًا إذا نن من ثقافة معينة يتشابهن يف بعق الصفات‬
‫فك ري من النساء م ً‬
‫ــارس به ــا‬ ‫إىل ح ــد م ــا‪ .‬ولك ــن ق ــول ه ــذا ش ــيء‪ ،‬والس ــهولة واالط ــالق والش ــيوع الـ ـ‬
‫التنمي يف اإلدراك االجتماعي شيء آخر‪ .‬إن استنباط شاصية فرد من جمموعة من‬
‫جمرد انتمائه إىل فئة بعينهـا‪ ،‬وإطـالق رـات عليـه ألنـه منـتمذ إىل هـذ‪ .‬الفئـة وحسـب‪،‬‬
‫تعمــيم خــاطئ‪ .‬ونمــا أســلفنا عنــدما حتــدثنا عــن التبســي املاــل – والتعمــيم هــو‬
‫تبسي خمل أي ًا – فإن الشاصية اإلنسانية أينى من أن حتشر يف قوالـب بنـاء علـى‬
‫الفئة الـ اخرتنـا أن ننسـبه إليهـا‪ .‬إن الفـرد – نمـا يشـري ارـه – نـائن فريـد حتـى‬
‫ضمن مجاعته ال قافية‪ ،‬واملسارعة إىل التعميم يتجاهل هذ‪ .‬الفـرادة‪ .‬لـذلك علينـا يف‬

‫‪- 53 -‬‬
‫أنت وأنا‬

‫نل مرة نتواصل فيها مع شـاص‪ ،‬و ـاول إصـدار أحكـام عليـه‪ ،‬أن ن ـع هـذ‪ .‬الفرديـة‬
‫ـاول استكشـافها بأبعادهـا الذاتيـة ولـيس مبجـرد نسـبتها إىل فئــة‬ ‫بعـ االعتبـار‪ ،‬وأن‬
‫معينة‪.‬‬
‫رابعًا‪ :‬سطوة اجل ء‪ :‬ذنرنا يف الفصل األول من هذا الكتا أن أحد خصـائص‬
‫التواصل هي ديناميتـه‪ ،‬وأن للديناميـة معنيـان‪ :‬التغـيري‪ ،‬وتـأثري اجلـ ء مـن الكـل‪ .‬وهـذا‬
‫التأثري هو ما سنبح ه ا ن‪ .‬إن تغـريًا يف خاصـية واحـدة مـن خصـائص املـدرك كـن أن‬
‫تـ ثر يف املــدرَك نكــل‪ .‬إن شــكل الن ــارة الـ ترتــديها ســيدة قــد يعطــي انطباعــًا عنهــا‬
‫خمتلفـًا نلية عمـّا لـو ارتـدت ن ـارة أخـر ‪ ،‬نمـا أن تصـفيفة شـعر معينـة قـد حتـدي‬
‫أثـ ـرًا مم ــاثالً‪ .‬وال ينطب ــق ه ــذا عل ــى اخلص ــائص اجلس ــمية فحس ــب‪ ،‬وإمن ــا ت ــد إىل‬
‫الصفات النفسية‪ ،‬نما يت ح يف مفهوم السمات املرن ية‪ ،‬والـذي يشـري إىل أن بعـق‬
‫السمات النفسية يتلك قدرة نبرية على حتوير إدراننا للشاص الذي حيمل هـذ‪.‬‬
‫ربة يدت نالسـيكية‪ .‬قـدم‬ ‫السمات‪ .‬وقد ب "سولومون آش"(‪5637‬م) هذ‪ .‬القدرة يف‬
‫مــوعت مــن‬ ‫ربتــه قــائمت حتتــوي نــل منهمــا رــات تصــف شاصًــا‬ ‫" آش" يف‬
‫املفحوصـ ‪ .‬ونانــت الصــفات يف القــائمت متطابقــة إال يف صــفة واحــدة منهمــا علــى‬
‫النحو التالي ‪:‬‬
‫ـة‪،‬‬ ‫القائمة (أ) ال قدمت للمجموعة األوىل‪ :‬ذني‪ ،‬بارع‪ ،‬م ابر‪ ،‬دافئ‪ ،‬ذو ع‬ ‫‪-‬‬
‫عملي‪ ،‬حذر‪.‬‬
‫القائم ــة ( ) الـ ـ ق ــدمت للمجموع ــة ال اني ــة‪ :‬ذن ــي‪ ،‬ب ــارع‪ ،‬م ــابر‪ ،‬ب ــارد‪ ،‬ذو‬ ‫‪-‬‬
‫ة‪ ،‬عملي‪ ،‬حذر‪.‬‬ ‫ع‬
‫القائمت ــان – إذن – متطابقت ــان إال يف ص ــف ال ــدإء وال ــاودة‪ .‬ون ــان "آش"‬
‫يطلب من مفحوصـيه تشـكيل صـورة انطباعيـة ختيليـة عـن شاصـية افرتاضـية تتمتـع‬
‫بهذ‪ .‬الصفات‪ .‬وعنـدما فعلـوا ذلـك جـاءت صـفات الشاصـ متباينـة إىل حـد نـبري‪.‬‬
‫فجاءت الشاصية األوىل وال نان الدإء أحد صفاتها‪ ،‬نر ـة‪ ،‬سـعيدة‪ ،‬ذات طبـاع‬

‫‪- 54 -‬‬
‫مقدمة في مهارات التواصل اإلنساني‬

‫طيبــة‪ ،‬مرحــة وإنساني ــة‪ .‬أمــا الشاصــية ال ـ ختيلته ـا ا موعــة ال انيــة وال ـ جــاءت‬
‫"الــاودة" يف قائمــة الصــفات املقدمــة هلــا فكانــت‪ :‬خبيلــة‪ ،‬يــري ســعيدة‪ ،‬يــري مســتقرة‪،‬‬
‫قاســية‪ ،‬وينقصــها حــس املــرح‪ .‬وهكــذا فــإن فرقــًا يف رــة واحــدة فقـ أنــتج شاصــيت‬
‫خمتلفت ‪ ،‬ولكن نل واحدة منهما نانت متماسكة‪.‬‬
‫بيد أن أحد االنتقادات ال وجهت لتجربـة "آش" هـي أنهـا مصـطنعة ويـري مبنيـة‬
‫على إدرانات املفحوصـ لشـاص حقيقـي‪ .‬وللتحقـق مـن صـحة هـذا النقـد قـام هارولـد‬
‫نيلي (‪5611‬م) بدراسة ملـتغري الـاودة ‪ /‬الـدإء‪ ،‬يف سـياق طبيعـي هـو يرفـة الفصـل‪ .‬فقـام‬
‫بإخبار طال يف مساق لعلم النفس يف جامعة أمريكيـة‪ ،‬أن ضـيفًا حماضـرًا سـوإ يـ ورهم‬
‫ويــدير مناقش ـة معهــم‪ .‬وقبــل وصــول ا اضــر قــدم "نيلــي" للطــال وصفـًـا مكتوبـًـا عــن‬
‫يكن واحـدًا لكـل الطـال ‪ .‬فقـد أعطـى نصـفهم هـذا‬ ‫ا اضر ال يف‪ .‬لكن هذا الوصف‬
‫الوصف وقد أدخلـت فيـه صـفة الـدإء‪ ،‬أمـا النصـف ال ـاني فقـد أخـذوا وصفًـا أدخلـت فيـه‬
‫صفة "الاودة"‪ .‬وفيما عدا ذلك نان الوصف متطابقًـا لـد نـل الطـال ‪ .‬وبعـد ذلـك‪،‬‬
‫جــاء ا اضــر ال ــيف – ونــان علــى اتفــاق مــع ا ــر – وقــاد املناقشــة املرتقبــة حب ــور‬
‫"نيلــي" الــذي أخــذ يســجل اســتجابات الطــال وتفاعلــهم مــع ا اضــر ال ــيف‪ .‬وعنــدما‬
‫أنهى ال يف حماضرته‪ ،‬طلب "نيلي" من الطال تسجيل انطباعاتهم عنه‪ ،‬فجاءت هذ‪.‬‬
‫االنطباع ــات م ي ــدة لتجرب ــة "آش"‪ ،‬إذ إن الطــال الــذين تلق ــوا وص ــف ا اض ــر عل ــى أن ــه‬
‫"داف ــئ " رأوا أن ــه بس ــي واجتم ــاعي‪ ،‬وذو طبيعـ ــة طيب ــة وم ــرح وإنس ــاني‪ ،‬ب ــأن ر ممـ ــا رآ‪.‬‬
‫نذلك الذين تلقوا وصفًـا بأنـه بـارد‪ .‬بـل إن هنـاك مـا هـو أن ـر مـن ذلـك‪ .‬فقـد نشـف‬
‫تـ ـ ثر فقـ ـ يف انطباع ــات املفحوصـ ـ ‪ ،‬وإمن ــا يف‬ ‫"نيل ــي" أن ص ــفة ال ــدإء‪ /‬ال ــاودة‬
‫سلونهم أي ًا‪ .‬إذ إن (‪ )% 17‬من الطـال الـذين قيـل هلـم إن ا اضـر "دافـئ" شـارنوا‪ ،‬يف‬
‫يفعل ذلك مـن الطـال الـذين قيـل هلـم إن ا اضـر "بـارد" سـو (‪44‬‬ ‫املناقشة‪ ،‬يف ح‬
‫صــا إذا نانــت يف‬
‫‪ .)%‬بعبــارة أخــر ‪ ،‬ت ـ ثر يف انطباعاتنــا وتشــكيلها قــرائن حمــدودة‪ ،‬خصو ً‬
‫صورة رة مرن ية‪ ،‬باإلضافة إىل أنها ت ثر يف سلوننا أي ًا‪.‬‬

‫‪- 55 -‬‬
‫أنت وأنا‬

‫وما نتعلمه مـن هـذ‪ .‬التجـار هـو أن ننتبـه هلـذ‪ .‬الن عـة فينـا‪ ،‬وأال نـرتك رـة‬
‫ج ئية واحدة ت ثر يف إدراننا الكلي‪ .‬صحيح أن بعق السمات قد تبدو أهم من يريها‬
‫للتواصــل (االجتماعيــة‪ ،‬الــدإء‪ ،‬املرونــة)‪ ،‬ولكــن هــذ‪ .‬الصــفات ينبغــي أال حتجــب عــن‬
‫ناظرينا بقية السمات األخر وقيمتها‪ ،‬وال أن تسطو على بقية الشاصـية لتحورهـا أو‬
‫في حقيقتها عنا‪ .‬لذلك عليّ عنـدما أدرك صـفات شـاص مـا‪ ،‬أو‬ ‫و‬ ‫تشوهها على‬
‫أحاول وصفه‪ ،‬أن أضع نل راته بعـ االعتبـار‪ ،‬وأن أفحـص التفـاعالت بـ خمتلـف‬
‫و موضوعي‪ .‬وبامل ل‪ ،‬فعليَّ أال أسارع إىل افكم على شاص مع‬ ‫هذ‪ .‬السمات على‬
‫بسرعة وفقـًا ملا يلبسه أو وفقـًا للشكل الذي يبدو فيه‪ ،‬فك ري مـن هـذ‪ .‬األحكـام كـن أن‬
‫تكون م للة‪ .‬وبطبيعة افال‪ ،‬فأنا ال أود الذها إىل فصل مطلق ب رات الشاص‬
‫وبينه‪ ،‬أو أن أقول – على سبيل امل ال – أنه ال توجد أي عالقـة بـ مـا يرتديـه الشـاص‬
‫أو ما يبدو عليه وب شاصيته الكلية‪ ،‬ولك أريد التنبيه علـى مقاربـة أي اسـتنتاجات‬
‫برتو وحكمة وحذر‪ ،‬ري ما تت ح صورة الشاصية نلها‪.‬‬
‫ٍّ‬ ‫من هذا النوع‬
‫خامسًــا ‪ :‬االســتدالل ال ائــف ‪ :‬وتشــري هــذ‪ .‬الن عــة يف اإلدراك االجتمــاعي إىل‬
‫ميلنا يف ن ري من األحيان إىل استنتا صفة من أخر من دون وجه حق‪ .‬ونـ ريًا مـا‬
‫ــو ال شــعوري‪ .‬لقــد لــوحْ – علــى ســبيل امل ــال – أن مع ــم الرؤســاء‬ ‫يــتم هــذا علــى‬
‫األمريكي الذين فازوا يف االنتاابات الرئاسية على مد السـت سـنة املاضـية نـانوا‬
‫أطــول مــن منافســيهم‪ .‬وهــذا قــد يعـ أن النــاخب قــاموا باســتنباط القــدرة السياســية‬
‫للــرئيس مــن طولــه‪ ،‬وهــو أمــر ال يســتطيع أحــد – إىل حــد مــا – إنكــار يرابتــه‪ .‬وتتجلــى‬
‫ظاهرة االستدالل ال ائـف هـذا يف عـدة صـور منهـا‪ :‬ن ريـات الشاصـية ال ـمنية‪ ،‬وأثـر‬
‫املكانة‪ ،‬وأثر اجلاذبية‪ ،‬ووهم االسم‪.‬‬
‫ن ريات الشاصية ال منية‪ :‬ن رًا فاجتنا لفهـم ا خـرين‪ ،‬فـنحن منيـل إىل‬ ‫‪–5‬‬
‫بناء مـا كـن تسـميته ن ريـات ضـمنية يف الشاصـية‪ .‬و ـن نشـكل فرضـيات‬
‫حــول الطــرق ال ـ تنــت م فيهــا خصــائص ا خــرين ورــاتهم‪ .‬فنقــول – علــى‬

‫‪- 56 -‬‬
‫مقدمة في مهارات التواصل اإلنساني‬

‫سبيل امل ال – أن األشااص البـدين طيبـون ومرحـون‪ ،‬وأن أصـحا األجسـام‬


‫الرياض ــية منطلق ــون ومس ــيطرون‪ ،‬وأن األش ــااص النح ــيل انطوائي ــون‪ .‬ومل ــا‬
‫نن ــا نقاب ــل أع ــدادًا ن ــبرية م ــن الن ــاس يف حياتن ــا‪ ،‬ف ــإن تش ــكيل فرض ــية ع ــن‬
‫شاص بأنه عدواني أو خبيـل أو متسـامح‪ ..‬إخل جيعلـ أتصـرإ إزاء‪ .‬بطرائـق‬
‫معين ــة تب ــدو ل ــي مالئم ــة أن ــر لتحقي ــق أه ــدايف و ن ــب ال ــرر‪ .‬ويف ه ــذ‪.‬‬
‫العملية‪ ،‬يبـدو أننـا نقـوم – بصـورة تلقائيـة – بتصـنيف النـاس يف فئـات‪ .‬ونـل‬
‫فئة تتمي بسمات منسجمة فيما بينها ‪ :‬ففالن طيب‪ ،‬خفيـف الـدم‪ ،‬اجتمـاعي‬
‫ونريم‪ .‬وفالن آخر‪ ،‬لئيم‪ ،‬خبيل‪ ،‬ومنطو‪ ...‬إخل‪.‬‬
‫أثر املكانة‪ :‬ويشبه أثر الصفة املفـردة أثـر املكانـة‪ .‬فلمكانـة الشـاص املـدرك أثـر يف‬ ‫‪- 4‬‬
‫ربـة‬ ‫تشكيل االنطباع عنه‪ .‬ولتبيان هذا األثر فقد أجر "بول ولسـون" (‪5675‬م)‬
‫قدم خالهلا حماضرًا خلمس جمموعات مـن الطـال ‪ .‬وقبـل دخـول ا اضـر علـى‬
‫ن ــل جمموع ــة ن ــان ا ــر يبل ــغ أف ــراد ا موع ــة بالرتب ــة األناد ي ــة هل ــذا‬
‫ا اضر‪ .‬فأخا إحد ا موعات أن ا اضـر ال ـيف هـو أسـتاذ يف علـم الـنفس‬
‫يف جامعــة راقيــة‪ ،‬أمــا ا موعــة ال انيــة فقــد أخاهــا بأنــه أســتاذ مشـارك جــامعي‬
‫(رتبة أقل من األستاذ)‪ ،‬وأخا ا موعة ال ال ة بأن حماضرهم هو أستاذ مساعد‬
‫(أقـل يف الرتبــة مـن األســتاذ املشـارك)‪ ،‬أمــا ا موعـة الرابعــة فـأخاهم أنــه معيــد‪،‬‬
‫نمــا أبلــغ ا موعــة اخلامســة بــأن ا اضــر هــو طالــب‪ .‬وبعــد أن نــان ا اضــر‬
‫يتحدي ل كـل جمموعـة‪ ،‬نـان ا ـر يسـأل أفـراد ا موعـة عـن تقـديرهم لطـول‬
‫ا اضــر ال ــيف‪ .‬وقــد نشــف "ويلســون" أن هنــاك ارتباطـًـا موجبـًـا ب ـ ارتفــاع‬
‫الرتبــة األناد يــة وتقــدير طــول ا اضــر ال ــيف‪ ،‬فكــان الطــال يقــدرون طــول‬
‫ا اضر حسـب مكانتـه‪ ،‬وجـاءت تقـديراتهم متفاوتـة علـى أسـاس هـذ‪ .‬املكانـة‪ .‬وال‬
‫صل على نتيجة مماثلة إذا طلبنا استنتا املنصب األناد ي مـن‬ ‫يستبعد أن‬
‫طول الشاص‪.‬‬

‫‪- 57 -‬‬
‫أنت وأنا‬

‫بــل إن إدراننــا ملعنــى نــالم ا خــرين وموافقتنــا عليــه تــرتب مبكانــة ه ـ الء‬
‫األش ــااص‪ .‬فف ــي ع ــام ‪5647‬م طل ــب "إرف ــنج ل ــود " م ــن ع ــدد م ــن املفحوصــ‬
‫األمريكي قراءة الفقرة التالية‪" :‬إن أعتقـد أن شيئـًا مـن التمـرد بـ افـ‬
‫وا خر هو أمر حممود وضروري للعا السياسـي ن ـرورة العواصـف للعـا‬
‫الطبيع ــي" وأن يبين ــوا م ــوافقتهم عل ــى ه ــذ‪ .‬العب ــارة أو ع ــدم م ــوافقتهم‪ .‬وق ــد‬
‫ـا املفحوصـ أن قائـل العبـارة هـو "تومـاس‬ ‫الحْ "لود " أنه عنـدما نـان‬
‫جيفرســون" فــإن مع ــم املفحوصـ نــانوا يتفقــون مــع العبــارة‪ ،‬ولكــن عنــدما‬
‫اهم أن قائلها هو "لين " فإنهم نانوا يلون إىل عدم املوافقة‪.‬‬ ‫نان‬
‫أثر اجلاذبية‪ :‬تلعـب جاذبيـة الشـكل دورًا مهمًـا يف تسـهيل االسـتدالل ال ائـف إذ‬ ‫‪- 4‬‬
‫يبـدو أن لـدينا ن عـة لـرب جاذبيـة الشـكل ااذبيـة الـنفس‪ ،‬إىل درجـة أننـا قـد‬
‫نع ـ و ذنــو األطفــال ذوي الشــكل اجلــذا إىل عوامــل موقفي ــة‪ ،‬يف ح ـ نفســر‬
‫ذنــو األطفــال الــذين ال يتمتعــون بهــذا الشــكل علــى أســاس خصــائص ســلبية‬
‫نامن ــة ف ــيهم‪ .‬فف ــي إح ــد الدراس ــات ْق ــدِّمت ملفحوصـ ـ ص ــور ألطف ــال يف‬
‫الســابعة مــن عمــرهم مقرتنــة بتعــداد لــبعق األفعــال الســيئة ال ـ اقرتفوهــا‪،‬‬
‫وطلـ ـ ب م ــن هـ ـ الء املفحوصـ ـ ال ــتكهن بأس ــبا ه ــذ‪ .‬األفع ــال‪ .‬وق ــد ج ــاءت‬
‫االستجابات لتكشف عمـّا يلي ‪:‬‬
‫م ــال املفحوص ــون الراش ــدون إىل إض ــفاء مي ــول م ــادة للمجتم ــع إىل‬ ‫‪‬‬
‫األطفال يري اجلذاب خصوصًا إذا نان الفعل السيء نبريًا‪.‬‬
‫يقومـوا بأفعـال‬ ‫مال املفحوصون إىل االعتقاد بأن األطفال اجلذاب‬ ‫‪‬‬
‫سيئة يف املاضي‪ ،‬وأنهم لن يفعلوا ذلك – على األرجح – يف املستقبل‪.‬‬
‫وهم االسم‪ :‬االسم نلمة يطلقها أهل الشـاص عليـه عنـدما يولـد‪ ،‬وال يوجـد‬ ‫‪- 3‬‬
‫عــادة أي عالقــة منطقيــة ب ـ االســم والطفــل الوليــد‪ .‬ومــع ذلــك فــإن أرــاء‬
‫األشااص ت ثر يف إدراننا هلم‪ .‬وقد بيّن "هربرت هراري" و "جون ماك دافيـد"‬

‫‪- 58 -‬‬
‫مقدمة في مهارات التواصل اإلنساني‬

‫(‪5664‬م) ه ــذ‪ .‬ال ـ ــاهرة يف س ــلوك املعلمـ ـ إزاء الط ــال ‪ .‬فقـ ــد طل ــب هـ ــذان‬
‫الباح ــان مــن عــدد مــن مدرســي املرحلــة االبتدائيــة أن يقيمــوا موضــوعات يف‬
‫التعبري اللغوي‪ ،‬نتبها طـال يف هـذ‪ .‬املرحلـة‪ ،‬وسُـجَّل علـى نـل منهـا االسـم‬
‫يعد شائعًا‪،‬‬ ‫األول للطالب الذي نتبها‪ .‬ونانت بعق األراء قد ة مما‬
‫وبع ــها ا خــر عصريـ ـا ومألوفــًا‪ .‬وقــد وجــد الباح ــان أن موضــوعات التعــبري‬
‫ال محلت أراء قد ـة حصـلت علـى درجـات أقـل –يف هـذا التقيـيم– بغـق‬
‫الن ر عن حمتوياتها‪.‬‬
‫وســواء ننــا نســتدل علــى وجــود رــة أو رــات شاصــية مــن رــة أو رــات‬
‫أخــر ‪ ،‬مــن دون أن يكــون ه نــاك أســاس علمــي هلــذا االســتدالل‪ ،‬أو ننــا نســتدل علــى‬
‫خصــائص الشــاص اجلســمية مــن مكانتــه‪ ،‬أو العكــس‪ ،‬أو نعتقــد أن هنــاك عالقــة ب ـ‬
‫مجال اجلسم ومجال الروح‪ ،‬أو نتأثر باسم الشاص يف افكـم علـى مـا يفعلـه‪ ،‬فإننـا –‬
‫يف نــل هــذا – نقــوم باســتدالالت زائفــة‪ .‬لــذلك نــان مــن ال ــروري أال ننســاق وراء‬
‫ن عات نهذ‪ ،.‬وأن منتلك وعيـا ييي يـا‪ ،‬كننا من التعامل من ا خـرين مبوضـوعية‬
‫أن ر وإنصاإ أنا‪.‬‬

‫سادس ــًا‪ :‬أث ــر الس ــوابق‪ :‬ليس ــت خ ــاات اإلنس ــان مع ول ــة ع ــن بع ــها‪ ،‬ولكنه ــا‬
‫تتبــادل التــأثري والتــأثر‪ .‬وأحــد وجــو‪ .‬هــذا التــأثري هــو تــأثري االنطباعــات أو اإلدرانــات‬
‫الســابقة علــى االنطباعــات واإلدرانــات الالحقــة‪ .‬إن اهلــدوء بعــد ال ــجة‪ ،‬واألمــن بعــد‬
‫وإيقاعـًا علـى الـنفس بسـبب هـذا التعاقـب‬ ‫اخلوإ‪ ،‬والراحة بعد املعاناة‪ ،‬يتلك مغـ‬
‫ال م ‪ .‬إن خااتنا تبقى يف أذهاننا ويارس تأثرياتها على اخلاات الالحقة‪ .‬ويتجلـى‬
‫هذا األثر يف جمال اإلدراك االجتماعي يف ظاهرة يدت شـهرية هـي االنطباعـات األوىل‪.‬‬
‫فاملرء يشكل بصورة مستمرة انطباعات أوىل عـن ا خـرين‪ ،‬ويسـتادم هـذ‪ .‬االنطباعـات‬
‫ربـ ــة حـ ــول أهمي ـ ــة‬ ‫لتكـ ــوين صـ ــورة ع ـ ــنهم‪ .‬وقـ ــد أجـ ــر "س ـ ــولومون آش" (‪5637‬م)‬

‫‪- 59 -‬‬
‫أنت وأنا‬

‫االنطباعات األوىل‪ ،‬فقدم إىل جمموعة من املفحوص قائمة بسمات شاص افرتاضي‬
‫موعـة ثانيـة‬ ‫على النحو التالي‪ :‬ذني‪ ،‬م ابر‪ ،‬اندفاعي‪ ،‬نقـدي‪ ،‬عنيـد‪ ،‬حسـود‪ .‬وقـدم‬
‫القائمــة ذاتهــا ولكــن برتتيــب معكــوس‪ .‬وقــد وجــد "آش" أن ه ـ الء الــذين تلقــوا القائمــة‬
‫ال تبدأ بالصفات افسنة وتنتهي بالصفات السيئة‪ ،‬قـد شـكلوا انطباعـًا إجيابي ـا عـن‬
‫الشاص االفرتاضي الذي قيل هلم أنه حيمل هذ‪ .‬الصـفات أن ـر مـن الشـاص الـذي‬
‫و معكوس‪ ،‬أي من الصـفات السـيئة إىل افسـنة‪ ،‬ممـا جعـل "آش"‬ ‫قدمت صفاته على‬
‫يستنتج أن الصفات األوىل حتدد نيفية تفسري الصفات الالحقة‪.‬‬
‫يســمى هــذا األثــر الــذي ترتنــه االنطباعــات األوىل علــى تفســري االنطباعــات‬
‫الالحقة "أثر األولية" وقد حاول "ابراهام لوشنـ " ( ‪5616‬م) التحقق مـن هـذا األثـر مـرة‬
‫أخــر ‪ ،‬فقــام بإعــداد فقــرت تصــفان شــابًا ارــه "جــيم "‪ ،‬ثــم طلــب مــن جمموعــة مــن‬
‫املفحوص أن يكتبـوا انطباعـاتهم عنـه‪ .‬ويف الفقـرة األوىل (ولنرمـ هلـا بـافرإ "س")‬
‫وصف "جيم" بأنه ودي ومنطلق ومنبسـ ‪ ،‬أمـا يف الفقـرة ال انيـة (ولنرمـ هلـا بـافرإ‬
‫"و") فقد وصفه بأنه خجول وميال لالنع ال ومنطو‪ .‬وأعطيت لبعق املفحوص فقرة‬
‫واحدة من االثنت ‪ .‬ونان من الطبيعي أن ير املفحوصون الذين أعطيت هلم الفقرة‬
‫"س" أن "جــيم" أن ــر وديــة ممــا رآ‪ .‬املفحوصــون الــذين أعطيــت هلــم القائمــة (و)‪ .‬أمــا‬
‫بقية املفحوص فقسموا إىل نصف ‪ ،‬وأعطوا الفقرت معًا‪ .‬لكن النـصف األول تــلقى‬
‫الفقرتي ــن مرتبتي ــن "س‪ ،‬و" أمــا النصــف األول فتلقاهمــا "و‪ ،‬س"‪ ،‬وطلــب مــنهم نتابــة‬
‫انطباعاتهم ال شكلوها عن "جـيم" يف ضـوء الفقـرت ‪ .‬وقـد توصـل لوشين ـ إىل نفـس‬
‫النتيجــة ال ـ توصــل إليهــا " آش"‪ ،‬إذ اعتقــد املفحوصــون– الــذين قــدمت هلــم الســمات‬
‫مرتبــة مــن "س" إىل " و" – أن جــيم أن ــر وديــة ممــا اعتقــد‪ .‬املفحوصــون الــذين رتبــت‬
‫صفاتهم من "و" إىل "س"‪.‬‬
‫ال هـو – دائمًـا‬
‫إال أن الس ال املهم هو‪ :‬هل أثر األولوية مطلـق وهـل مـا يـأتي أو ً‬
‫وأب ـدًا– أبقــى أث ـ ًرا ممــا يــأتي ثانيًــا لقــد حــاول "لوشينـ ـ " اإلجابــة عــن هــذا الس ـ ال‪،‬‬

‫‪- 61 -‬‬
‫مقدمة في مهارات التواصل اإلنساني‬

‫فأضاإ متغريًا جديدًا وهـو أنـه طلـب إىل جمموعـة مـن املفحوصـ – بعـد أن قـدم هلـم‬
‫الفقــرت – بــالرتتيب الســابق – أال يتعجلــوا يف إطــالق أحكــامهم‪ ،‬وأن يرتي ــوا حتــى‬
‫ينتهوا مـن قـراءة الـنص نلـه‪ ،‬وأن يأخـذوا يف اعتبـارهم عنـد تشـكيل انطباعـاتهم نـل‬
‫العناصر الواردة يف الوصف بفقرتيه‪ ،‬ومن البداية للنهاية‪ .‬نما أضاإ تنوي ًعـا جديـدًا‪،‬‬
‫بأن فصل الفقرت عند بعق املفحوص ‪ ،‬وطلـب مـنهم بعـد قـراءة الفقـرة األوىل حـل‬
‫بعــق املســائل الرياضــية‪ ،‬ثــم قــدم هلــم الفقــرة ال انيــة‪ .‬ويف افــالت ‪ :‬حالــة التنبيــه‪،‬‬
‫وحالة الفاصل‪ ،‬يا أثر األولويـة فلـم يكـن هنـاك اخـتالإ يف االنطبـاع الـذي تشـكل يف‬
‫حالــة التنبيــه‪ .‬وأن ــر مــن هــذا‪ ،‬ففــي حالــة الفاصــل بــرز أثــر ال انويــة‪ ،‬أي أن االنطبــاع‬
‫ال اني هو الذي نان أبقى‪.‬‬
‫قد يتب – فيما بعـد – أن االنطباعـات األوىل عـن شـاص مـا نانـت صـادقة‪،‬‬
‫إال أن ه ــذا ال يعـ ـ أن ه ــذ‪ .‬االنطباع ــات دائ ًم ــا وأبـ ـدًا وبال ــرورة ه ــي املنب ــئ الوحي ــد‬
‫الصادق عن شاصية إنسان مـا‪ .‬لـذلك ال بـد مـن التحـرر مـن هـذا األثـر‪ ،‬حتـى يـتمكن‬
‫املدرك من تشكيل صورة تأخذ االنطباعات االوىل وال انية بع االعتبـار‪ ،‬قبـل املسـارعة‬
‫إىل تشكيل أحكام مبكـرة‪ .‬قـد تعمـل االنطباعـات األوىل نفرضـيات كـن اختبارهـا يف‬
‫ضوء خاات الحقـة‪ ،‬شـريطة أن تبقـى يف حـدودها نفرضـيات‪ ،‬وأال تـ ثر يف قـدرة املـرء‬
‫على إدراك االنطباعات التالية بصورة أن ر حيادية وحرية من ا ثار السابقة‪.‬‬
‫ســابعًا‪ :‬التحي ـ الــذاتي‪ :‬مــن مجلــة أوهــام اإلدراك االجتمــاعي‪ ،‬اعتقادنــا بــأن‬
‫الــذات يف هــذا العــا الــذي نعــيش فيــه منفصــلة عــن املوضــوع‪ .‬فهنــاك مُــدرِك (بكســر‬
‫الـراء) وهنــاك ُمــدرَك (بفتحهــا)‪ ،‬ويـ ين لنــا هــذا االعتقــاد الــوهمي أننــا إذ نقــوم بــإدراك‬
‫األشياء أو الناس أو سلوناتهم‪ ،‬فإننا ندرنها نما هي‪ ،‬وليس هناك مـا هـو أبعـد عـن‬
‫افقيقــة مــن هــذا‪ .‬إذ إن ذواتنــا تتــدخل يف إدراناتنــا وختــتل بهــا إىل حــد بعيــد‪ .‬إن‬
‫الشـ ــاص يف إدرانـ ــه – نمـ ــا أشـ ــرنا يف فصـ ــل سـ ــابق – يتـ ــأثر بسـ ــماته الشاصـ ــية‪،‬‬

‫‪- 60 -‬‬
‫أنت وأنا‬

‫ــو‬ ‫بــّهم علــى‬ ‫وانفعاالتــه‪ ،‬ودوافعــه‪ ،‬ومصــافه‪ .‬فــنحن نــدرك الشــكل اخلــارجي ملـنْ‬
‫بـّهم‪ .‬وال يعود هذا االختالإ إىل تباين موضوعي ب أشكاهلم هـم‪،‬‬ ‫خمتلف عمن ال‬
‫وإمنا يعود لعواطفنا إزاءهم‪ .‬وبهذا املعنى فـنحن خنـرتع عاملنـا اإلدرانـي أن ـر مـن أن‬
‫ـا‪ .‬شـاص مـا‪ ،‬أو توقعنــا‬ ‫نكتشفه‪ .‬و ن خنل يف ن ري من األحيان ب عواطفنـا‬
‫بـّهم و ـ مـن قـدر‬ ‫بأنه سيادم مصافنا‪ ،‬بتقييمنا لقدراته‪ ،‬فنعلي من شـأن مـن‬
‫بـّهم‪ .‬وإذا نانت املوضوعية املطلقة يف اإلدراك االجتماعي أسطورة‪ ،‬فـال بـأس‬ ‫منْ ال‬
‫مـ ــن أن إلتهـ ــد لتحقيقهـ ــا بقـ ــدر مـ ــا تسـ ــمح إمكاناتنـ ــا اإلنسـ ــانية‪ .‬إن فحـ ــص الـ ــذات‬
‫وأحواهل ــا‪ ،‬س ــواء م ــا ن ــان منه ــا ر ــات دائم ــة‪ ،‬أو أح ــواالً ع ــابرة‪ ،‬وحت ــري أثره ــا عل ــى‬
‫إدراننا‪ ،‬وحماولتنا فق هذا االشتباك املعقد بـ الـذات واملوضـوع – علـى صـعوبته –‬
‫سوإ يتيح لنا رؤية أدق للعا االجتماعي‪ ،‬وجيعلنـا نتواصـل مـع ا خـرين علـى أسـس‬
‫أن ر صالبة وفعالية‪.‬‬
‫توضح هذ‪ .‬العادات أو الن عات التلقائية ال منارسها يف اإلدراك االجتمـاعي‪،‬‬
‫و موثوق وفعال‪ ،‬وتكشف لنا أننا نـ ريًا مـا نعـيش‬ ‫صعوبة ممارسة هذا اإلدراك على‬
‫يف عــا مــن األوهــام نصــنعه بأنفســنا بســبب يفلتنــا االجتماعيــة ونســلنا اإلدرانــي‬
‫الذي نعنا من بذل اجلهد الالزم لتحقيـق إدراك دقيـق ومرهـف‪ .‬إال أن هـذا األمـر لـن‬
‫يدفع بنا إىل اليأس من قـدرتنا علـى إدراك افقيقـة االجتماعيـة‪ ،‬وهـي قـدرة سـنتطرق‬
‫إىل سُـبل حتسينها بعد أن نوضح العالقات املتبادلة ب اإلدراك االجتماعي والتواصل‪.‬‬

‫ليس املقصود –يف سياق هذا الكتا – حبـث موضـوع اإلدراك االجتمـاعي حبـد‬
‫ذاتــه‪ ،‬فموضــع م ــل هــذا البحــث اخلــالص هــو يف نتــب علــم الــنفس االجتمــاعي الــذي‬
‫حيتــل اإلدراك االجتمــاعي موقعــًا مرن يــا فيــه‪ .‬لكــن مــا يهمنــا هــو صــلة هــذا اإلدراك‬
‫بالتواصل ب الناس‪.‬‬

‫‪- 62 -‬‬
‫مقدمة في مهارات التواصل اإلنساني‬

‫حيمــل اإلدراك االجتمــاعي يف ثنايــا‪ .‬مع ــم عناصــر العمليــة التواصــلية‪ .‬إنــه‬ ‫‪–5‬‬
‫ال رســالة يتلقاهــا مســتقبل مــن مرســل قــد يقصــدها وقــد ال يقصــدها‪ .‬وهــذ‪.‬‬
‫أو ً‬
‫الرسالة قد تكون لف يـة أو يـري لف يـة‪ ،‬حتمـل معلومـات ذات معنـى‪ .‬واإلدراك‬
‫االجتماعي م قـل – ناألفعـال التواصـلية األخـر – بأعبـاء الـذات والسـياق‪،‬‬
‫وعرضة – نذلك – ألنواع ال جة املاتلفة ال أشرنا إليها سابقًا‪.‬‬
‫حيدي اإلدراك االجتماعي يف ن ري من األحيـان يف سـياق العمليـة التواصـلية‬ ‫‪- 4‬‬
‫ط – عن عمد‬ ‫وحيدد – إىل درجة نبرية– مقاصدها ومههلا‪ .‬فاملرسل قد‬
‫– إلجياد إدرانات اجتماعية بعينها لدي املرسل لتحقيق أيراض معينة‪ .‬فقد‬
‫ــو أش ــعر في ــه املس ــتقبل بالطمأنين ــة أو الس ــرور أو ال ه ــو أو‬ ‫أتص ــرإ عل ــى‬
‫اخلوإ‪ ..‬إخل‪ ،‬نما أن إدراني االجتماعي سي ثر يف مهل العمليـة التواصـلية‪،‬‬
‫فــإذا أدرنــت سلونــًا أثــار اشــتباهي مبرســل هــذا الســلوك‪ ،‬فقـد أيــري تواصــلي‬
‫ال‪.‬‬
‫معه أو ألغيه أص ً‬
‫إن إحــد عقبــات التواصــل الفعــال هــي ســوء التفــاهم‪ ،‬أي تبــاين إدراك معنــى‬ ‫‪- 4‬‬
‫الرس ــالة بـ ـ املرس ــل واملس ــتقبل‪ .‬واإلدراك االجتم ــاعي م ــوطن خص ــب لس ــوء‬
‫التفاهم‪.‬‬
‫إذا نان اإلدراك االجتمـاعي يـ دي دورًا أساسي ـا يف التواصـل‪ ،‬فـإن هـذا األخـري‬ ‫‪- 3‬‬
‫ي ـ ثر – بــدور‪– .‬يف اإلدراك‪ .‬فــإذا ننــت يف ســياق تواصــلي صــحي علــى ســبيل‬
‫تلـف عمـّا إذا نـان التواصـل‬ ‫ـو‬ ‫امل ال‪ ،‬فإن هذا سي ثر يف إدرانـاتي علـى‬
‫متوترًا‪.‬‬
‫إن التواصــل يفيــد – أي ًــا – يف توضــيح اإلدرانــات االجتماعيــة‪ ،‬إذ أســتطيع‬ ‫‪- 1‬‬
‫بوســاطة مهــاراتي التواصــلية األخــر أن أوضــح لرخــرين أي ســوء تفــاهم وقــع‬
‫بسبب إدرانات اجتماعية خاطئة وبذلك أسهم يف تصحيحها‪.‬‬

‫‪- 63 -‬‬
‫أنت وأنا‬

‫تسهم صحة اإلدراك االجتماعي ودقته يف صـحة التواصـل ودقتـه وفعاليتـه‪ .‬إن‬
‫الوعي مب الق اإلدراك ون عاته التلقائيـة ال أشرنا إليها يف الصفحات السـابقة كـن‬
‫أن يســهم يف حتسـ اإلدراك‪ .‬إال أن اإلرشــادات التاليــة قــد تبلــور خطــوات مهمــة ل يــادة‬
‫دقة اإلدراك االجتماعي‪.‬‬
‫ـ ــو ال شـ ــعوري‪ ،‬فـ ــأثر‬ ‫يـ ــتم ن ـ ـ ري مـ ــن حـ ــوادي اإلدراك االجتمـ ــاعي علـ ــى‬ ‫‪- 5‬‬
‫االنطباعات السابقة‪ ،‬والتنمي ‪ ،‬واالستدالل ال ائـف يـتم مـن دون وعـي واضـح‬
‫لص ــاحبها بـ ــه‪ .‬لـ ــذلك عليـ ــك أن حتـ ــاول ممارسـ ــة اإلدراك يف إطـ ــار الشـ ــعور‬
‫واالنتبا‪ ،.‬أي أن تكون واعيًا يامًا مبمارساتك اإلدرانية وبتفسرياتك هلا‪.‬‬
‫إن حتسـ اإلدراك يتطلــب شــحذ الــتفكري النقــدي الــذي ال يأخــذ األمــور علــى‬ ‫‪- 4‬‬
‫عواهنها‪ ،‬وال يقبل شيئـًا دون فحص ويحـيص‪ .‬قـد يتطلـب م ـل هـذا الـتفكري‬
‫جه ـدًا شاقــًا – إذا قارنــا‪ .‬بالكســل اإلدرانــي التلقــائي – إال أن مثــار‪ .‬تســتحق‬
‫م ل هذا اجلهد‪.‬‬
‫ال‪ .‬ال حتكــم علــى أســاس انطبــاع واحــد أو رــة واحــدة‪.‬‬
‫لــيكن إدرانــك شــام ً‬ ‫‪- 4‬‬
‫حاول أن ترنب صورة متكاملة اجلوانب إلدرانك‪ .‬ان ر إىل إدراناتك من‬
‫أن ر من جهة‪ ،‬وال بأس أن تستشـري أناسًـا ت ـق بهـم‪ ،‬ليـ ودوك بوجهـة ن ـرهم‬
‫فيما تعتقد‪..‬‬
‫نن صبورًا‪ .‬إن التسرع هو أحد خطايا اإلدراك االجتماعي‪ .‬فال تتعجل بإلقاء‬ ‫‪- 3‬‬
‫أحكامك اإلدرانية منذ الوهلة األوىل‪.‬‬
‫تذنر إن مهارة اإلدراك االجتماعي – شـأنها شـأن املهـارات التواصـلية األخـر‬ ‫‪- 1‬‬
‫– كــن حتســينها بالتــدريب‪ .‬وأن هــذا التــدريب يقــوم يف أساســه علــى الــوعي‬
‫واالنتبا‪ .‬والنقد والقدرة على رؤية األمور من أن ر من زاوية‪.‬‬

‫‪- 64 -‬‬
‫مقدمة في مهارات التواصل اإلنساني‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫تسري الذات يف التواصل سريانـًا قويـًا‪ .‬فمنها يبدأ وإليها ينتهي‪ ،‬وهي واسطته‬
‫ثــم م ـنْ الــذي يتحمــل عــبء‬ ‫وهدفــه‪ .‬اال تبــدأ الرســالة مــن ذات لتتجــه إىل ذات أخــر‬
‫التواصــل أليســت هــي الــذات وأخ ـريًا إالم يرمــي التواصــل إال إليصــال رســالة إىل ذات‬
‫أخــر مســتقبلة‪ ،‬وحتقيــق أهــداإ للــذات املرســلة إنــك لتن ــر يف نــل عناصــر بنيــة‬
‫التواصل فتجد الذات هناك‪ .‬خذ علـى سـبيل امل ـال مكونـات هـذ‪ .‬البنيـة‪ ،‬تـر أن طـريف‬
‫التواص ــل أي املرس ــل واملس ــتقبل ذات ــان‪ ،‬نم ــا أن معن ــى الرس ــالة التواص ــلية ال يك ــون‬

‫‪- 65 -‬‬
‫أنت وأنا‬

‫نذلك إال بالنسبة لذات تدرنه وتفهمه‪ .‬أما قناة التواصل – سواء أنانت صوتية ‪/‬‬
‫رعية‪ ،‬أم مادية ‪ /‬بصرية – فإنها تستل م ذاتـًا ناطقـة ‪ /‬سـامعة‪ ،‬أم ماديـة ‪ /‬مبصـرة‪ ،‬أم‬
‫االثنــت معــًا‪ .‬وبامل ــل‪ ،‬فــإن أشــكال التواصــل حتفــل مبفهــوم الــذات‪ ،‬أفــال يــتم التواصــل‬
‫وهــل كــن تصــور‬ ‫الــذاتي داخــل هــذ‪ .‬الــذات أو ال يــدور التواصــل ال نــائي ب ـ ذات ـ‬
‫ال فإذا انتقلنـا إىل‬
‫ال واستقبا ً‬
‫التواصل اللف ي ويري اللف ي من دون ذات يارسه إرسا ً‬
‫خصائص التواصل‪ ،‬وجدناها لصيقة بذات اإلنسان املتواصل‪ ،‬إذ إن استمرارية التواصل‬
‫وشيوعه وتعقيد‪ .‬وتفاعله وديناميته وت امنه وعدم قابليته لالنعكـاس وتـأثري‪ .‬ونليتـه‬
‫وأخالقيتــه‪ ،‬ال يكــون هلــا معنــى بــدون الــذات‪ .‬ويســهل علــى القــار إدراك وجــود الــذات –‬
‫بامل ل– يف وظائف التواصل والعوامل امل ثرة فيه أي ًا‪.‬‬
‫نل هذ‪ .‬اجلوانب الـ أشـرنا إليهـا تـب أن لـ وم الـذات يف التواصـل هـو لـ وم‬
‫منطق ــي ال يق ــل يف ض ــرورته ع ــن لـ ـ وم ال واي ــا يف امل ل ــث أو املرب ــع‪ .‬إال أن ه ــذا الب ـُـعد‬
‫املنطقي ليس افلقة الوحيدة ال ترب الذات بالتواصل‪ ،‬ف مة حلقة أخر نفسـية‪/‬‬
‫اجتماعية هي ال سننتقل إليها ا ن‪.‬‬

‫عندما تنطلق الرسـالة مـن الـذات املرسـلة فإنهـا ال ختـر حـرة طليقـة خالصـة‬
‫من نل شـائبة‪ ،‬ولكنهـا تت الـل شـغاإ الـذات النفسـية واجلسـمية فتكتسـب مالحمهـا‪،‬‬
‫وتصطبغ بألوانها‪ ،‬أي أن الرسالة إذ تنطلق من الذات فإمنا تفعل ذلـك وهـي مرتعـة –‬
‫نمـ ــا إسـ ــفنجة مغموسـ ــة يف املـ ــاء– حباجـ ــات املرسـ ــل وراتـ ــه الشاصـ ــية وعاداتـ ــه‬
‫وا اهاته ووعيه بذاته‪ .‬ويف املقابل‪ ،‬فإن هذ‪ .‬الرسالة إذ تصل للمسـتقبل‪ ،‬فإنـك تراهـا‬
‫يــر بــذات الشــغاإ قبــل أن تصــل إىل مســتقرها يف عقــل املســتقبل ووجدانــه‪ .‬وببســاطة‬
‫شــديدة‪ ،‬فإنــه ال توجــد رســالة خالصــة أبـدًا ال يف إرســاهلا وال يف اســتقباهلا‪ ،‬فكــل رســالة‬
‫تنطلــق مشــوبة وتُتلقــى مشــوبة أي ًــا‪ .‬ومــن العناصــر ال ـ تشــو الرســالة‪ :‬افاجــات‪،‬‬
‫واالنفعــاالت‪ ،‬ورــات الشاصــية‪ ،‬واال اهــات‪ ،‬ومفهــوم الــذات‪ ،‬والــوعي بــه‪ .‬بــل إن هــذ‪.‬‬

‫‪- 66 -‬‬
‫مقدمة في مهارات التواصل اإلنساني‬

‫العالقــة يتــد لرتب ـ ب ـ التواصــل وب ـ فعاليــات للــذات تتصــل بعالقتهــا بــا خرين‪،‬‬
‫نتونيــد الــذات‪ ،‬وبوحهــا مبكنوناتهــا‪ ،‬ثــم خوفهــا مــن التعــبري أمــام ا خــرين‪ .‬وســوإ‬
‫نتطرق –فيما يلي– إىل هذ‪ .‬العوامل‪.‬‬

‫اإلنسا ن نائن دافعـي‪ ،‬يسـلك بـدفع مـن حاجاتـه املاتلفـة‪ .‬فهـو يأنـل حتـت‬
‫وطأة افاجة إىل الطعام‪ ،‬ويشر فاجته إىل املاء‪ ،‬وينام ألنه حيتا للنوم‪ ،‬وأن ر مـن‬
‫هــذا‪ ،‬فعنــدما أقطــع الشــارع‪ ،‬فإنــك ترانــي أن ــر نــة ويســرة خوفــًا مــن أن تصــدم‬
‫سيارة‪ ،‬وإذ أفعل هذا‪ ،‬فإني أشبع حاج لومن‪ ،‬ال أشبعها أي ًا عندما أمسك سلكـًا‬
‫نهربائي ـا حبـذر شـديد‪ ،‬أو عنــدما أقفـل بـا بـي بإحكــام‪ ..‬إخل‪ .‬ومثـة حاجـات نفســية‬
‫أي ًا‪ .‬فأنا أقيم عالقات اجتماعية خمتلفة نـي أشـبع حـاج لالنتمـاء‪ ،‬وأرد علـى أي‬
‫إهانــة توجــه ل ـيّ نــي أشــبع حــاج لتقــدير الــذات‪ .‬وقــد أقلــب يف هــذا الكتــا أو ذاك‬
‫إشباع ــًا ف ــاج إىل املعرف ــة‪ ،‬نم ــا أزور معرض ــًا تشكيلي ـ ـا وأتأم ــل لوحات ــه إشباع ــًا‬
‫فاج للتذوق اجلمالي‪ .‬والدوافع أو افاجات حترك السلوك طلبـًا ل شباع وتوجهه‬
‫حيث يكون هذا اإلشباع متاحـًا وممكنـًا‪ ،‬ثم إنها حتافْ على قوة السـلوك واسـتمراريته‬
‫حتى يتم سد افاجـة أو إشـباع الـدافع سـواء أنـان فسيولوجي ـا أو نفسي ـا‪ .‬وباختصـار‪،‬‬
‫ف ــإن ن ــل س ــلوك ه ــادإ –إذن– يس ــعى إىل إش ــباع داف ــع – أو أن ــر– س ــواء ن ــان‬
‫فسيولوجيـ ـا أو نفسيـ ـا‪ .‬وملــا نــان التواصــل سلونــًا هادفــًا فإنــه يســعى بال ــرورة إىل‬
‫إشباع دافع أو أن ر‪ .‬و كننا إي اح هـذ‪ .‬العالقـة بـ التواصـل والدافعيـة علـى النحـو‬
‫التالي‪:‬‬
‫اإلنسان نائن اجتماعي ال يعـيش متوحـدًا وال معـ والً‪ .‬صـحيح أننـا نسـعى –‬ ‫أ)‬
‫يف بعق األحيان– للوحدة والع لة‪ ،‬ولكن م ـل هـذا السـعي م قـت يقصـد منـه‬
‫التاف ــف م ــن ا ث ــار اجلانبي ــة لالجتم ــاع وال وض ــاء‪ .‬ف ــإذا ي ــدا ه ــذا النــ وع‬
‫للوحدة قويًا‪ ،‬وانتسى طابع االستمرارية‪ ،‬فقد يكون م شرًا الضطرا نفسـي‬

‫‪- 67 -‬‬
‫أنت وأنا‬

‫ناالنتئ ــا ‪ .‬أم ــا يف أحوالن ــا العادي ــة ف ــنحن نس ــعى للتواص ــل م ــع ا خ ــرين‬
‫والتفاعـ ــل معهـ ــم يف سـ ــياقات خمتلفـ ــة‪ :‬يف البيـ ــت والشـ ــارع والعمـ ــل واملقهـ ــى‬
‫والنــادي‪ ..‬إ خل‪ .‬لــذلك فــإن يف وســعنا التحــدي عــن دافــع اجتمــاعي تواص ــلي‬
‫أصيل ينبع من طبيعتنا البشرية‪.‬‬
‫ثم إن إشباع دوافعنا املاتلفة يتطلب –يف نـ ري مـن األحيـان– القيـام بأفعـال‬ ‫)‬
‫تواص ــلية‪ .‬ص ــحيح أنــ إذا ش ــعرت ب ــاجلوع وأن ــا وح ــدي يف البي ــت‪ ،‬فق ــد أق ــوم‬
‫بإعداد وجبة وحدي من دون أن أتواصل مـع ا خـرين‪ ،‬إال أن علينـا أال نغفـل أن‬
‫ال– من تواصل ذاتي بي وب نفسي‪ .‬فإذ آخذ‬
‫لو –أو ً‬ ‫هذا املوقف املتوحد ال‬
‫بالتســاؤل عمــّا أريــد أن آنلــه يف هــذ‪ .‬الوجبــة‪ ،‬فــإني أخنــرط يف تواصــل ذاتــي‪:‬‬
‫أســأل ذاتــي وأجيبهــا‪ .‬ثــم إن هــذا املوقــف –ثانيًــا– لــيس إال موقفــًا مــن مجلــة‬
‫مواقف‪ ،‬ويف هذ‪ .‬املواقـف ترانـي اخنـرط يف أفعـال تواصـلية بينيـة مـع ا خـرين‬
‫بغي ــة س ــدّ حاجـ ــاتي أو إش ــباع دوافعـ ــي‪ .‬إن ــ إذ أح ــادي العامـ ــل يف السـ ــوق أو‬
‫الــدنان نــي أطلــب منــه الســلعة ال ـ أريــدها‪ ،‬أو إذ حتــادي ربــة البيــت أفــراد‬
‫أســرتها وحتــاورهم حــول الوجبــة ال ـ يريــدونها فــإن –وإياهــا– نناــرط يف‬
‫أفعال تواصلية‪ .‬فـإذا ارتفعنـا يف سـلم افاجـات‪ ،‬وجـدنا اإلنسـان يتواصـل علـى‬
‫وجو‪ .‬شتى حتى يشعر باالنتماء وتقدير الذات‪ ،‬م ل املراهـق الـذي حيـاور أهلـه‬
‫طالبــًا مــنهم أن يعــاملو‪ .‬نرجــل نــبري ولــيس نمجــرد طفــل صــغري‪ .‬بعبــارة‬
‫أخر ‪ ،‬فنحن نتاذ التواصل مطية إلشباع دوافعنا املاتلفة‪.‬‬
‫ثم إن إشباع الدوافع يف ي إىل حالة من التـوازن والرضـى اجلسـمي والنفسـي‬ ‫جـ)‬
‫حترر اإلنسان‪ ،‬و عله أن ر قدرة على نسج عالقات تواصلية مرحية وممتعة‪.‬‬
‫إن سد افاجات هو شكل مهم للغايـة مـن أشـكال افريـة‪ ،‬ألن افاجـات أيـالل‬
‫تشــبع‪ .‬وختيــل نفســك وأنــت تســتمع إىل‬ ‫عــل اإلنســان يرســف فيهــا إذا‬
‫حماض ــرة يف الفلس ــفة أو قص ــيدة م ــن الش ــعر‪ ،‬وأن ــت تت ــور جوعً ــا‪ ،‬أو ختي ــل‬

‫‪- 68 -‬‬
‫مقدمة في مهارات التواصل اإلنساني‬

‫نفسك واقفـً ا يف متحف تتطلـع إىل رائعـة مـن روائـع الفـن التشـكيلي والـدماء‬
‫تكــاد تتجمــد يف عروقــك مــن الــاد‪ ،‬فــال شــك يف أنــك ستســار مــن ا اضــر‬
‫الفيلسوإ عندما يردد مقولة "ديكارت"‪ :‬أنا أفكر إذن أنا موجود‪ ،‬لتحـل حملـها‬
‫–بين ــك وبــ ذات ــك– قال ــة مع ــدتك يف حالته ــا الراهن ــة‪ :‬أن ــا آن ــل إذن أن ــا‬
‫موجـود‪ .‬وسـوإ تعتقــد أن تغـ ل الشــاعر برييـف مــن اخلبـ ســيكون أجـد مــن‬
‫التشبيب بوجه حمبوبته‪ ،‬نما أنك سوإ تعتقد –ثال ـًا– وأنـت تر ـف بـردًا‬
‫يف املتحــف‪ ،‬أن أمجــل األعمــال الفنيــة طربـًـا هــي مــدفأة ترتاقــص فيهــا ألســنة‬
‫ــر التواص ــل ع ــن ه ــذ‪ .‬ال ــرؤ ‪ .‬إذ إن ــك ال تس ــتطيع امل ــي يف‬ ‫الل ــهب‪ .‬وال‬
‫تواصل م مر وبناء‪ ،‬بينما و مسامعك من الـداخل أصـوات ضـفادع بطنـك‬
‫وهي يو عاملـك الـذاتي ضـجة يـري ممتعـة بنقيقهـا‪ .‬وإذا تناولـت يـداءً ثقـيالً‬
‫وذهبـت إىل اجتمـاع بعـد‪ ،.‬فقـد يسـتيقْ دافـع النـوم يف صـورة نعـاس يغالبــك‬
‫ال مـن أن تفـتح فمـك متحدثـًا‪ ،‬فسـوإ تـر مهمتـه تقتصـر علـى‬
‫وتغالبه‪ ،‬وبد ً‬
‫الت ــاؤ ‪ ،‬وبــدالً مــن أن تفــتح عينيــك علــى اتســاعهما لتتلقــى شــتى صــنوإ‬
‫التواصــل البصــري‪ ،‬فــإن جفونــك ت قــل ليتالشــى التواصــل مــا ب ـ الت ــاؤ‬
‫واإليماض‪.‬‬
‫ال يقتصــر األمــر علــى تــأثري الــدوافع الفسـيولوجية علــى التواصــل‪ ،‬بــل يتعــدا‪.‬‬
‫إىل الدوافع النفسية‪ :‬ان ر ماذا جيري لقدرتك علـى التواصـل عنـدما تتلقـى‬
‫إهانة من شاص مـا‪ ،‬فيتعـرض دافعـك لتقـدير ذاتـك للتهديـد‪ ،‬أال حتـس أن‬
‫أبــوا افــوار قــد صــفقت بعنــف وأوصــدت ليحــل حملــها الغ ــب والعــدوان‬
‫وباملقابــل‪ ،‬ان ــر إىل شــاص آخــر يتســلل إىل قلبــك وعقلــك بكلمــات لطيفــة‬
‫تفيق بافب واالحرتام‪ ،‬أفال تشعر –وقـد أشـبعت حاجتـك لتقـدير ذاتـك –‬
‫أن أب ــوا نفس ــك أش ــرعت عل ــى مص ــاريعها تتلق ــى رس ــالته وتتم ل ــها نم ــا‬
‫يُرتشف نأس من املاء القراح‪ ،‬وتبادلـه رسـالته بأحسـن منهـا وقـس علـى هـذا‬

‫‪- 69 -‬‬
‫أنت وأنا‬

‫ـو مالئــم ومعقـول‪ ،‬حتــرر‬ ‫يف بقيـة الـدوافع‪ :‬إذ نلمــا ْأشـبع واحــد منهـا علــى‬
‫ٍّ‪ ،‬ويدا أن ر قـدرة علـى االخنـراط يف عـا التواصـل اإلجيـابي‬
‫اإلنسان من يِل‬
‫امل مر‪.‬‬
‫ثم إن إعاقة إشباع الدوافع ينجم عنها حالة جسـمية نفسـية تسـمى اإلحبـاط‪.‬‬ ‫د)‬
‫واإلحباط حالة مـن ال ـيق والتـوتر تتجلـى يف صـور نفسـية وجسـمية م عجـة‬
‫للغاية‪ .‬إال أن ما هو أخطر مـن هـذا‪ ،‬هـو أن مـا يـنجم عـن اإلحبـاط –يف نـ ري‬
‫من األحيان– هو العدوان‪ .‬فاإلحباط هـو املصـدر الـرئيس لتحريـك الن وعـات‬
‫العدوانيــة عنــد اإلنســان‪ .‬ذلــك أن اإلحبــاط – إذا اشــتد – يغلــق أبــوا التــدبر‬
‫والتبص ــر والروي ــة وال ــتفكري بالب ــدائل وتأجي ــل اإلش ــباع وحس ــن التكي ــف‪ ،‬مم ــا‬
‫يندر حتت ما ندعو‪ .‬عادة‪ :‬السلوك العقالني‪ ،‬ليفتح أبـوا العـدوان والغ ـب‬
‫واالندفاعيــة واملــرارة أو االنســحا أو خــداع الــذات ممــا ينــدر حتــت مــا نــدعو‪:.‬‬
‫الســلوك يــري العقالنــي الــذي يعطــل التواصــل‪ .‬أال يقــول الغاضــب –يف فــورة‬
‫يعد ير شيئـًا أمامـه أال يتفـو‪ .‬بكلمـات وعبـارات ي ـل –بعـد‬ ‫ي به– أنه‬
‫يكــن واعيــًا بهــا‪.‬‬ ‫أن يهــدأ– يتســاءل نادمــًا نيــف جــرت علــى لســانه ونأنــه‬
‫لــذلك نــان التحــرر مــن اإلحبــاط النــاجم عــن إعاقــة إشــباع الــدوافع شرطــًا‬
‫مهمًا إلبقاء مناخ التواصل صحيـا وم مرًا‪.‬‬
‫وتـ ـ ثر ال ــدوافع – إض ــافة إىل ذل ــك نل ــه – عل ــى إدرانن ــا لرخ ــرين‪ ،‬وعل ــى‬ ‫هـ)‬
‫اهن ــا‪ ،‬وه ــي أم ــور‬ ‫تفس ــرينا لس ــلونهم واس ــتنباطنا لنواي ــاهم ومش ــاعرهم‬
‫ت ثر– طبيعة افـال– علـى التواصـل‪ .‬ان ـر علـى سـبيل امل ـال إىل دافـع افـب‬
‫وني ــف يفع ــل أفاعيل ــه يف حت ــوير اإلدراك االجتم ــاعي إىل درج ــة أن ــه حي ــول‬
‫حيوانــً ا إىل حيــوان آخــر‪ ،‬أال نقــول‪ :‬القــرد يف ع ـ أمــه ي ـ ال إن افــب يغــري‬
‫صورة ا بو فيجعلها مجيلة يف ن ـر ا ـب حتـى لـو نانـت يـري ذلـك‪ .‬وال‬
‫يكتفــي افــب – يف حتي ـ ‪ .‬الصــارخ – بتغــيري الصــور‪ ،‬بــل إنــه يــوفر األعــذار أو‬

‫‪- 71 -‬‬
‫مقدمة في مهارات التواصل اإلنساني‬

‫يوجــد الــتهم‪ .‬أال يقــول امل ــل الشــع ‪" :‬حبيبــك يبلــع لــك ال ـ ل ‪ ،‬وعــدوك‬
‫ــي إىل أبعــد مــن هــذا بك ـ ري‪ ،‬إذا حيــول‬ ‫يتمنــى لــك الغل ـ " بــل إن افــب‬
‫األ إىل نوع من افلو اللذيذة‪ ،‬أال يقول امل ل‪" :‬إن ضر افبيب زبيـب" قـد‬
‫تكون هذ‪ .‬أم ال شعبية تصلح للتداول اليـومي‪ ،‬ولكنهـا ال تصـلح لالقتبـاس يف‬
‫نص ي عم أنه علمي‪ .‬إال أن علينا أال ننسى أن التواصل ليس أمرًا يـدور يف بـر‬
‫عاجي‪ ،‬إنـه يبـدأ مـن افيـاة اليوميـة بـ النـاس وينتهـي إليهـا‪ .‬وعنـدما نـدرس‬
‫ف هــا أو منــتحن بهــا أو نرددهــا‪ ،‬وإمنــا نــي‬ ‫قواعــد‪ .‬ومهاراتــه فل ـيس نــي‬
‫وهلــا إىل أدلــة عمــل وســلوك يف حياتنــا اليوميــة‪ .‬واألم لــة مــن دوافــع أخــر‬
‫متوافرة‪ ،‬فالشاص الذي حترنه دوافع عدوانية قويـة يـل إىل إدراك انتقـاد‬
‫ا خــرين لــه علــى أنــه فعــل عــدواني‪ ،‬والشــاص الــذي حترنــه دوافــع الســلطة‬
‫فــي مــا‬ ‫القويــة يــدرك ا خــرين علــى أنهــم أقــل منــه يف القــدرة والكفايــة‪ .‬وال‬
‫مل ل هذ‪ .‬املشاعر من أثر سل على التواصل‪.‬‬
‫وتـ ـ ثر ش ــدة ال ــدافع ال ــذي نتواص ــل م ــن أج ــل إش ــباعه عل ــى تقوي ــة جهودن ــا‬ ‫و)‬
‫التواص ــلية‪ .‬ف ــإذا نان ــت ال ــدوافع تس ــت ري الس ــلوك وتوجه ــه وحت ــافْ عل ــى‬
‫استدامته‪ ،‬فإن دوافعنا ال نتواصل من أجل إشباعها ت يد – حسـب شـدتها –‬
‫قوة اجلهـد التواصـلي‪ .‬فـافرض –علـى سـبيل امل ـال– أنـ أريـب ريبـة قويـة يف‬
‫افصــول علــى عمــل مــا‪ ،‬فســرتاني –عندئــذ– أبــذل جهـدًا خمصوصًــا ل عــداد‬
‫للمقابلــة املطلوب ــة للحص ــول عل ــى ه ــذا العم ــل‪ .‬واف ــرض –عل ــى س ــبيل امل ــال‬
‫أي ًا– أن أريد إصالح خلل اعـرت العالقـة بـي وبـ صـديق أحـرص عليـه‪،‬‬
‫فإنك تراني أبذل جهودًا تساوي هـذا افـرص‪ .‬وباملقابـل‪ ،‬فـإن التواصـل كـن‬
‫أن ي يد مـن الدافعيـة‪ ،‬فالبـائع البـارع الـذي يعـرض م ايـا ب ـاعته علـى مشـرت‬
‫بطريقة جذابة ي يد من دافعية هذا املشرتي لشراء تلك السلعة‪.‬‬

‫‪- 70 -‬‬
‫أنت وأنا‬

‫ـو أن ـر‬ ‫و علنا معرفتنا بـدوا فع ا خـرين نصـوا رسـائلنا التواصـلية علـى‬ ‫ز)‬
‫ت ــأثريًا وإقنا ًع ــا‪ .‬إن األم الـ ـ تع ــرإ ول ــع ابنه ــا بال ــذها إىل مدين ــة املاله ــي‬
‫تســتطيع اســتادام هــذا الولــع يف حف ـ ‪ .‬علــى الدراســة والتحصــيل اجليــد عــن‬
‫طريــق وعــدها لــه باصــطحابه إىل املكــان الــذي حيبــّه إذا بــذل جه ـدًا أنــا يف‬
‫الدراسة‪ ،‬وحقق نتائج أف ل يف امتحاناته‪.‬‬
‫وأخريًا‪ ،‬فإن معرفتنا بدوافعنا ال تطفو على سطح وعينا‪ ،‬وحماولتنـا معرفـة‬ ‫ح)‬
‫دوافعنا الـ ختتبـئ وراء أبـوا مـا قبـل الشـعور‪ ،‬أو سـراديب الالشـعور‪ ،‬وفهمنـا‬
‫هلذ‪ .‬الدوافع جيعلنا أن ر قدرة على فهمها وضبطها‪ ،‬وعلى حتس تواصلنا‪.‬‬
‫فإذا أحس األ – الذي يسارع إىل إيقاع العقـا البـدني بابنـه نلمـا أخطـأ –‬
‫بأن مسارعته هـذ‪ .‬تكشـف عـن دافـع عـدواني قـوي لديـه أن ـر ممـا تكشـف عـن‬
‫كـن حتقيقهـا بوسـائل أن ـر عقالنيـة وحب ـا‬ ‫حرص علـى مصـلحة ابنـه الـ‬
‫وإنســانية‪ ،‬فإنــه س ـرياجع نفســه وي ــب دافعيــة العــدوان لديــه ليفــتح قنــوات‬
‫تواصلية –أن ر إلوعًا – مع ابنه امل طهد‪.‬‬
‫عالقــة الــدوافع بالتواصــل –إذن– وثيقــة تبادليــة‪ :‬فالــدوافع ت ـ ثر يف تواصــلنا‬
‫إجيابًــا وســلبًا‪ ،‬وتواصــلنا ي ـ ثر يف دوافعنــا ســواء باســت ارتها أو زيادتهــا‪ ،‬أو بتهــدئتها أو‬
‫إشباعها‪.‬‬

‫االنفعاالت –ببساطة– حاالت نفسية‪ /‬جسمية سارة أو منفرة تنجم عن إشباع‬


‫الدوافع أو إعاقة هذا اإلشباع‪ .‬فإذا إلمت عن إشباع دافع نانت ممتعة‪ ،‬أمـا إذا إلمـت‬
‫لت يف صورة إحباط م عج‪ .‬إن االنفعاالت هي أصداء الدوافع‪ .‬ان ر على‬ ‫عن إعاقته‬
‫س ــبيل امل ــال إىل نفس ــك وق ــد انتش ــفت أن ــك حص ــلت عل ــى عالم ــة س ــيئة يف أح ــد‬
‫امتحاناتــك‪ .‬إن هــذا س ــيعوق دافــع النج ــاح والتفــوق لــديك‪ ،‬وس ــوإ تشــعر –نتيج ــة‬
‫لذلك– حبالة نفسية سيئة تصـاحبها تـوترات جسـمية أي ـًا‪ .‬وقـس علـى هـذا يف نـل‬

‫‪- 72 -‬‬
‫مقدمة في مهارات التواصل اإلنساني‬

‫دوافعن ــا‪ .‬إن الف ــرح وافم ــاس والطمأنين ــة واملتع ــة‪ ،‬انفع ــاالت تص ــاحب إش ــباع دواف ــع‬
‫ئــ از انفعــاالت تصــاحب إعاق ــة‬ ‫ن ـ رية‪ ،‬والغ ــب وافق ــد والكراهيــة واخل ــوإ واال‬
‫دوافع ن رية أي ـًا‪.‬‬
‫واالنفعاالت قـد تكـون خفيفـة‪ ،‬معتدلـة أو شـديدة‪ ،‬ويتوقـف ذلـك علـى عوامـل‬
‫تتصل بالشاص واملوقف ونوع الدافع‪ .‬فإذا اشتد االنفعال رأيته يعطل التفكري‪ ،‬ويفقد‬
‫اإلنســان رشــد‪ ،.‬فــال يعــود يــدري مــا يقــول وال مــا يفعــل‪ .‬ويصــطبغ التواصــل – يف هــذ‪.‬‬
‫افالــة –ب صــبغة انفعاليــة خترجــه عــن هدوئــه وهدفيتــه وتــأثري‪ ..‬بــل إن اإلنســان قــد‬
‫يتلفْ حتت وطأة انفعـال الغ ـب بـأقوال‪ ،‬ويـأتي بأفعـال ذات عواقـب وخيمـة قـد ينـدم‬
‫عليها لوقت طويل فيما بعد‪ .‬وإذا نان تأثري الغ ـب واضـح علـى التواصـل بشـدة‪ ،‬فـإن‬
‫هــذا ال يقلــل –بطبيعــة افــال– مــن أثــر االنفعــاالت األخــر علــى التواصــل‪ ،‬حتــى لــو‬
‫نانت تسري بب ء‪ .‬إن انفعاالت م ل افب والكراهية واف ن واملـرارة والسـعادة (الـ‬
‫ك ــن تعريفه ــا بأنه ــا انفع ــال نل ــي يش ــري إىل إش ــباع دافع ــي واس ــع)‪ .‬تـ ـ ثر نل ــها يف‬
‫ال –إىل الفارق ب الطريقة ال حتـادي بهـا شاصـًا حتبـّه‪ ،‬وتلـك‬
‫التواصل‪ .‬ان ر م ً‬
‫ال حتادي بها شاصـًا تكرهه‪ .‬وان ر –أي ـًا – نيف تعا عن نفسك وأنت يارق يف‬
‫حـ ن عميــق‪ ،‬ونيــف تفعــل ذلــك والفــرح يفــيق مــن قلبــك‪ .‬إن وعينــا بانفعاالتنــا –‬
‫نوعينا بدوافعنا– جيعلنا أن ر قدرة على التعامل معها‪ ،‬وضبطها‪ ،‬وافد من آثارهـا‬
‫السلبية على التواصل مع ا خرين‪.‬‬
‫االنفعاالت –إذن– ت ثر يف التواصل‪ ،‬إال أن هذا ليس هو الوجه الوحيد لعالقة‬
‫التواصل باالنفعاالت‪ .‬إذ إم هناك وجهـًا آخـر هـو‪ :‬توصـيل االنفعـاالت‪ .‬فـنحن نريـب يف‬
‫ن ري من األحيان يف توصيل انفعاالتنا لرخرين‪ ،‬وهـذا أمـر مهـم حق ـا‪ .‬إن االنفعـاالت‬
‫تنتمــي إىل مكــامن تلقائيــة يف أنفس ـنا‪ ،‬وألنهــا تلقائيــة فإننــا منيــل –عنــدما نراهــا يف‬
‫لـت‬ ‫ا خرين ويف أنفسنا – إىل تصديقها‪ .‬ثم إن االنفعاالت إذا اتصلت بشاص آخـر‬
‫يف صورة عواطف‪ ،‬وللعواطف مكانة أثرية يف حياتنا‪ ،‬من املهـم أن نعـا عنهـا وأن نتلقـى‬

‫‪- 73 -‬‬
‫أنت وأنا‬

‫تعبريات ا خرين عنها‪ ،‬ناهيك عمـّا تب ـّه يف افياة من إثارة ومحاسـة ومجاليـة‪ .‬ان ـر‬
‫إىل ســرور الطفــل بلعبــة جديــدة‪ ،‬أو ســعادته عنــدما تعــا لــه أمــه عــن حبــّها‪ ،‬وان ــر إىل‬
‫سعادة الطالب بنجاحه‪ .‬صـحيح أن االنفعـاالت اف ينـة ال يلـك نفـس األثـر البهـيج‪،‬‬
‫بل إنها قد تكسو عـا اإلنسـان بلـون رمـادي‪ ،‬وتلقـي عليـه ظـالالً مـن اإلحبـاط واليـأس‬
‫والتشاؤم‪ .‬ولكن علينا –يف هذا الشأن – أال ننسى أمورًا ثالثة‪ :‬األول هو أن افـ ن جـ ء‬
‫ال يتج أ من نسيج العا الذي نعيش فيه‪ ،‬ومن مثة البد لنا من أن نتوقعـه‪ .‬أمـا األمـر‬
‫ال اني فهو أن افـ ن لـيس شـرًا نلـه‪ ،‬فهـو يعمـق ن رتنـا إىل العـا ‪ ،‬ويرهـف نفوسـنا‪،‬‬
‫وجيعلنا أن ر تعاطفـًا مع ا خرين وحساسية ملشاعرهم‪ ،‬ثم إنـه جيلـو –ثال ـًا– معنـى‬
‫و أقو وأشد‪.‬‬ ‫س بوقع الفرح على‬
‫الفرح عن طريق الت اد‪ ،‬فنح ُ‬
‫ي يــد التعــبري عــن االنفعــاالت مــن معرفــة النــاس ببع ــهم‪ ،‬و ــنح املعــا راحــة‬
‫فـف مـن همـوم الـنفس‪ ،‬وي يـد يف نـ ري مـن حاالتـه‬ ‫نبرية‪ .‬فالتعبري عـن االنفعـال‬
‫من عمق التواصل‪ .‬ان ر على سبيل امل ل عن أثر تعبري الـ و عـن حبـّه ل وجتـه‪ ،‬أو األم‬
‫البنهــا أو ابنتهــا نيــف يبــث إحساســًا بالرضــى عنــد الطــرف ‪ .‬وان ــر – أي ًــا– إىل‬
‫شــاص أثقلتــه همــوم افيــاة واضــطرابات الــنفس‪ ،‬فــراح يعــا عــن هــذ‪ .‬اهلمــوم‪ ،‬ومــا‬
‫حتدثه من انفعاالت باألسـى واليـأس لصـديق أو طبيـب نفسـي‪ ،‬أال حيـسّ –نمـا يقـال‬
‫أحيانـًا– بأنه ي يح صارة عن صدر‪..‬‬
‫إال أن التعبري عن االنفعاالت ليس متاحـًا دومـًا‪ ،‬فهناك مثة عوائق حتول دونه‪،‬‬
‫و كن حتديد ثالثة من هذ‪ .‬العوائق‪:‬‬
‫القواعــد االجتماعيــة‪ :‬فقــد ينــع القواعــد االجتماعيــة التعــبري الصــريح عــن‬ ‫أ)‬
‫االنفعــاالت‪ .‬فالرجولــة –علــى ســبيل امل ــال – تق ــي أال يبكــي الرجــال‪ ،‬بــل إن‬
‫الطفل إذا بكى ذنر‪ .‬أبو‪ .‬بأنـه رجـل وأن عليـه أال يبكـي‪ ،‬أمـا الفتـاة فـال يوضـع‬
‫عليهــا م ــل هــذا اف ــر‪ .‬فــإذا حــاول الرجــل التعــبري عــن انفعاالتــه –علــى هــذا‬
‫النحو– فقد يشعر بالذنب وال عف‪.‬‬

‫‪- 74 -‬‬
‫مقدمة في مهارات التواصل اإلنساني‬

‫اخلوإ من إظهار ال عف‪ :‬ي هر التعـبري االنفعـالي جانبـًا منـا جيعلنـا أن ـر‬ ‫)‬
‫عرضة للهجوم من ا خرين‪ .‬إنه يكشف ضعفنا وحاجتنا لرخرين‪ ،‬ثـم إنـه قـد‬
‫اتــة الــبعق مم ـنْ ال حيملــون لنــا مشــاعر إجيابيــة‪ .‬لــذلك‪ ،‬فقــد‬ ‫يســت ري‬
‫تعلمنا آلية منارسها –يف بعق األحيان– تسمى اإلنكار‪ .‬فقد نـر أحيانـًا أننـا‬
‫ياضــبون‪ ،‬و ــاول إبــراز المباالتنــا بــدل التعــبري الصــريح عــن خيبــة أملنــا‪ .‬إن‬
‫إنكار ما نشعر به يع أننا ننكر ج ءًا من أنفسـنا‪ ،‬وإنكـار الـذات لـه آثـار سـلبية‬
‫على تقديرها واحرتامها‪ .‬ولقد راقبت يف واحدة مـن النـدوات سـلوك سـيدة مـن‬
‫اف ور‪ ،‬حتدثت – عندما أرادت أن تعلق على ما قاله ا اضر – لوقت طويـل‬
‫نسبيـ ـا‪ ،‬فقــام مــدير اجللســة بإيقافهــا بشــيء مــن الغل ــة‪ .‬وقــد الح ــت مــد‬
‫اإلحب ــاط ال ــذي ف ــق بالس ــيدة م ــن إم ــارات ي ــري لف ي ــة ن ــامحرار وجهه ــا‬
‫الشــديد‪ .‬وعنــدما حــاول بعــق اف ــور –فيمــا بعــد– مواســاتها بعــد انتهــاء‬
‫الن ــدوة‪ ،‬حاول ــت أن ت ه ــر ع ــدم اهتمامه ــا مل ــا ح ــدي عل ــى الــريم م ــن أن ن ــل‬
‫ســلونها يــري اللف ــي يشــي بعكــس ذلــك‪ ،‬أي أنهــا نفــت تعبريهــا االنفعــالي‬
‫حتى ختفف من وطأة افر الذي شعرت به أمام مجهـور نـبري‪ ،‬وحتـى ت هـر‬
‫مب هر قوي أمام نفسها‪ ،‬وأمام من حاولوا مواساتها‪ .‬ولعلـه نـان مـن األجـد‬
‫أن تذهب بعـد نهايـة اجللسـة إىل مـديرها‪ ،‬لتحـتج علـى الطريقـة الـ عوملـت‬
‫بها‪ .‬وقد نان هناك احتمال نبري أن يعتذر هلـا‪ ،‬فيافـف هـذا مـن إحباطهـا‪،‬‬
‫ويعيــد هلــا مــاء وجههــا باإلضــافة إىل أنهــا تكــون قــد عــات عــن انفعاهلــا‪ ،‬و‬
‫ترتنه خم ونـًا داخل صدرها ي غ عليها لفرتة يصعب التكهن بها‪.‬‬
‫االفتقار للقدرات التواصـلية‪ :‬كـن التعـبري عـن االنفعـاالت بفجاجـة ت يـد األمـر‬ ‫جـ)‬
‫سوءًا‪ .‬فلو أن السيدة –الـ أشـرت إليهـا يف الفـرتة السـابقة– انفجـرت ياضـبة يف‬
‫أثنــاء اجللســة خلســرت ق ــيتها يامـًـا‪ ،‬وأعطــت انطباعـًـا عــن نفســها بالعصــبية‬
‫والســالطة و ســوء التصــرإ‪ .‬إن التعــبري الفــج يشــبه الطعــام النيــئ الــذي يصــعب‬

‫‪- 75 -‬‬
‫أنت وأنا‬

‫ه ــمه وقــد ي ـ دي إىل اإلصــابة بــاملرض‪ .‬ون ـ ري مــن النــاس‪ ،‬نتيجــة النــدفاعهم‬
‫وعج هم عن ضب ذواتهم وافتقارهم للمهـارات التواصـلية املالئمـة‪ ،‬يعـاون عـن‬
‫انفعاالتهم بهذ‪ .‬الطرق البدائية الفجة‪ ،‬فياسرون ق يتهم األصلية‪ ،‬هـذا إذا‬
‫ترتتب آثار عكسية ترتد عليهم لت يد الط بلة‪ .‬ويف مقابـل ذلـك إلـد أن بعـق‬
‫الناس ال يعاون أصالً عن عـواطفهم ن ـرًا لعـدم يرسـهم مبهـارات هـذا التعـبري‪.‬‬
‫بـ ــل إن بعـ ــق األزوا وال وجـ ــات –علـ ــى سـ ــبيل امل ـ ــال– قـ ــد ال يعـ ــاون –حبريـ ــة‬
‫ا‪ .‬بع هم‪ .‬صحيح أنه يبدو أن هـذ‪ .‬املسـألة تعـود إىل‬ ‫ونفاية– عن مشاعرهم‬
‫تباين يف أمناط امل ا والشاصية أوالً‪ ،‬مما جيعل بعق النـاس يتميـ ون بالـدإء‬
‫واللط ــف والعاطفي ــة‪ ،‬بينم ــا جيع ــل يريه ــم يتميـ ـ ب ــالاودة واخلش ــونة وض ــعف‬
‫الن عة العاطفية‪ ،‬إال أنه ال كن إنكار أن عـدم التحلـي باملهـارات الالزمـة للتعـبري‬
‫االنفعــالي قــد يفســد الــدإء‪ ،‬وي يــد مــن شــدة الــاودة وفــرط اخلشــونة‪ ،‬وهــو أمــر‬
‫جيعل العالقـة تتعـرض خلطـر حقيقـي‪ .‬إن التعـبري االنفعـالي –إذا جـاء يف مكانـه‬
‫وزمانه وطرائقه املالئمة – بناءٌ بال رورة‪ ،‬فهو ي يد من دإء العالقة وإلاحها‪.‬‬

‫يقص ــد بالشاص ــية مجل ــة أبع ــاد أو ر ــات ثابت ــة نسبيـ ـا ل ــد الش ــاص ينح ــه‬
‫ــن‬ ‫هويتــه – نشــاص – ب ـ النــاس‪ .‬و ــن نصــف شاصــيات بع ــنا‪ ،‬أو شاصــياتنا‬
‫بوســاطة هــذ‪ .‬األبعــاد والســمات‪ .‬إننــا نقــول –م ـ الً– إن فال ًنــا عص ـ أو هــاد ‪ ،‬نــريم أو‬
‫خبيل‪ ،‬منبس أو منطو‪ ،‬مقدام أو مرتدد‪ ،‬مرتب أو فوضـوي‪ ،‬مسـتقر أو م ـطر ‪ ،‬إىل آخـر‬
‫هذ‪ .‬السمات ال يي شاصًـا عن آخر‪ .‬و ن نستدل علـى رـات النـاس مـن سـلونهم‪.‬‬
‫وق ــد نتس ــرع أحيان ـًـا فنطل ــق ر ــة عل ــى ش ــاص م ــن موق ــف واح ــد‪ ،‬إال أن الص ــحيح ه ــو‬
‫مالح ــة الش ــاص يف أحوال ــه النفس ــية املاتلف ــة ويف س ــياقات خمتلف ــة حت ــى نس ــتطيع‬
‫اســتنباط الســمة الـ حتكــم ســلونه بصــورة أساســية‪ .‬والشاصــية تتحــدد – شــأنها شــأن‬
‫أبعاد ن رية – بتفاعـل بـالغ التعقيـد بـ الوراثـة والبيئـة‪ ،‬فهنـاك أسـس وراثيـة للمـ ا أو‬

‫‪- 76 -‬‬
‫مقدمة في مهارات التواصل اإلنساني‬

‫الشاصــية اإلنســانية‪ ،‬فصــفات م ــل العصــبية أو االنتئابيــة أو العدوانيــة أو االنطــواء أو‬


‫رـا يف تشـكيل الشاصـية سـواء‬
‫االنبساط هلا أسس وراثية‪ .‬نما أن البيئـة تلعـب دورًا حا ً‬
‫من حيث النماذ الـ تقـدمها‪ ،‬أو االحباطـات الـ تسـببها‪ ،‬أو التع يـ ات الـ توفرهـا‪ ،‬أو‬
‫الفــرص الـ تتيحهــا أو حتجبهــا‪ .‬والشاصــية هــي نتــا تفاعــل أشــبه مــا يكــون بالتفاعــل‬
‫الكيمياوي البالغ التعقيد ب عناصر الوراثة والبيئة‪.‬‬
‫وقد اختلف علماء النفس يف ماهية السمات ال تشكل شاصـية الفـرد وعـددها‪،‬‬
‫ســة أبعــاد تــدعى يف األدبيــات الســلونية‬ ‫إال أن اال ـا‪ .‬افــديث يف هــذا املوضــوع حيــدد‬
‫املعاصرة "األبعاد اخلمسة الكا " وهذ‪ .‬األبعاد هي‪:‬‬
‫بعـد االنبســاط يف مقابـل االنطــواء‪ :‬وهـذا البُـعد يـرتاوح بـ الن عـة االجتماعيــة‪،‬‬ ‫أ)‬
‫وحب افديث واملرح والعاطفية وحب املغامرة مـن جهـة‪ ،‬وبـ الـتحفْ والصـمت‬
‫وافذر واالنطواء من جهة أخر ‪.‬‬
‫سهولة املعشر يف مقابـل صـعوبته‪ :‬وهـو بُـعد يـرتاوح بـ الطبيعـة الوديـة واللطـف‬ ‫)‬
‫والتعــاون وال قــة واملســاعدة مــن جهــة‪ ،‬وب ـ ســهولة االســت ارة والقســوة والشــك‬
‫وعدم التعاون والعناد‪ ،‬من جهة أخر ‪.‬‬
‫افــ م يف مقاب ــل اإلهم ــال‪ :‬وي ــرتاوح ه ــذا البع ــد بــ الن ــام والرتتي ــب والعناي ــة‬ ‫جـ)‬
‫واالن ــباط واملسـ ـ ولية والدق ــة م ــن جه ــة‪ ،‬وبـ ـ الفوض ــى والالمب ــاالة والقس ــوة‬
‫والشك وعدم التعاون والعناد‪ ،‬من جهة أخر ‪.‬‬
‫االستقرار االنفعالي يف مقابل االضطرا االنفعالي‪ :‬وهو بُـعد يرتاوح ب اهلـدوء‬ ‫د)‬
‫والت ــوازن واخلل ــو م ــن املا ــاوإ واهل ــواجس العص ــابية م ــن جه ــة‪ ،‬وبــ العص ــبية‬
‫والقلق واالست ارة واملااوإ املرضية‪ ،‬من جهة أخر ‪.‬‬
‫االنفتــاح للاــاة يف مقابــل االنغــالق عليهــا‪ :‬وهــو بعــد يــرتاوح ب ـ القــدرة علــى‬ ‫هـ)‬
‫التاي ــل والعاطفيـ ــة واالهتمـ ــام باجلوان ــب العقليـ ــة مـ ــن جه ــة‪ ،‬وبـ ـ الفجاجـ ــة‬
‫واملباش ــرة يف إدراك الواق ــع‪ ،‬وض ــعف افساس ــية والقس ــوة والس ــطحية‪ ،‬م ــن جه ــة‬
‫أخر ‪.‬‬

‫‪- 77 -‬‬
‫أنت وأنا‬

‫تل ــف الن ــاس يف ام ــتالنهم هل ــذ‪ .‬األبع ــاد‪ ،‬إال أن ــه م ــن الس ــهل مالح ــة م ــد‬
‫عالق ــة ه ــذ‪ .‬األبع ــاد بالتواص ــل وتأثره ــا ب ــه‪ :‬إن ــك ال تس ــتطيع – عل ــى س ــبيل امل ــال – أن‬
‫تنارط يف تواصل مع شاص متحفْ صموت وحـذر‪ ،‬بـنفس اليسـر الـذي تفعـل فيـه هـذا‬
‫مع شاص آخر يقف على قطب حسن املعشر واالنبساط املقابل‪ .‬وقس على هذا يف نافـة‬
‫األبع ــاد األخ ــر ‪ .‬بعب ــارة أخ ــر ‪ ،‬علين ــا أن نأخ ــذ يف افس ــبان خص ــائص شاص ــية ا خ ــر‬
‫عندما نتواصل معه‪ ،‬إذا أردنـا لتواصـلنا أن يكـون م مـرًا أن ـر‪ .‬ي ـاإ إىل ذلـك أن علينـا‬
‫ــن‪ ،‬وملــد تداخلــها يف تواصــلنا وتأثريهــا عليــه‪،‬‬ ‫أن نكــون واع ـ خلصائصــنا الشاصــية‬
‫وواع ملد التباين ب شاصياتنا وشاصيات ا خرين‪ ،‬ومد تأثري هذا االختالإ على‬
‫التواصــل إجيا ًبــا وسلبـًـا‪ .‬بــل إن هــذ‪ .‬اخلصــائص تســهم يف حتديــد نوعيــة العمــل املناســب‬
‫لشــاص مــا‪ .‬إن شاصـًـا متحف ـًا حــذرًا وصموتًـا قــد ال يصــلح يف موقــع يتعامــل فيــه مــع‬
‫اجلمهور‪ ،‬ألنه سوإ ي ري شكوك أفراد هذا اجلمهـور‪ ،‬ويعطـيهم انطباعًـا بعـدم التعـاون‪ ،‬يف‬
‫حـ ــ أن شاص ـ ـًـا آخ ـ ــر يتس ـ ــم باالنبس ـ ــاط واالجتماعي ـ ــة والول ـ ــع بالتح ـ ــدي والتفاع ـ ــل‬
‫االجتمـ ــاعي سـ ــيكون أف ـ ــل يف موقـ ــع نهـ ــذا‪ .‬إن عـ ــدم أخـ ــذنا يف افسـ ــبان هـ ــذا امل ـ ـ يج‬
‫الكيمياوي املعقـد مـن شاصـية املرسـل وشاصـية املسـتقبل‪ ،‬واالخـتالإ بينهمـا‪ ،‬والسـياق‬
‫الــذي يــتم فيــه التواصــل‪ ،‬ســوإ جيعــل تواصــلنا سطحيـ ـا تنقصــه املعرفــة‪ ،‬وتبقــى نتائجــه‬
‫اسن الصدإ أو مساوئها يف الغالب‪.‬‬ ‫عرضة‬

‫ا‪ .‬شاص أو ق ية أو مفهوم مصحو باستحسـان‬ ‫اال ا‪ .‬موقف ثابت نسبيـا‬


‫أو استهجان‪ .‬فإذا نان مصحوبًـا باستحسان نان ا اهًـا إجيابيـا‪ ،‬أما إذا نان مصحوبًـا‬
‫باستهجان فهو ا ا‪ .‬سل ‪.‬‬
‫يتشكل ن ري مـن ا اهـات املـرء وفقـًا لعوامـل عقالنيـة ويـري عقالنيـة‪ ،‬ويبـدأ‬
‫هــذا التشــكل يف الطفولــة املبكــرة‪ ،‬ويرســا ويغــدو مستعصيــا علــى التغــيري‪ ،‬لكــن هــذا ال‬
‫نــع تشــكل ا اهــات بعــد ذلــك أو إمكانيــة تعديلــها علــى ال ـريم مــن صــعوبة ذلــك‪.‬‬

‫‪- 78 -‬‬
‫مقدمة في مهارات التواصل اإلنساني‬

‫وتتشــكل اال اهــات مــن خــالل خــاات الشــاص وتواصــله مــع األشــااص املهم ـ يف‬
‫حياته‪ ،‬ثم ما تلبث أن تتداخل بقـوة يف حيـاة الشـاص التواصـلية‪ .‬ولتوضـيح آليـة هـذا‬
‫ال مــا ولــد وعــاش يف‬
‫التشــكل والتــأثري‪ ،‬دعونــا ن ــر م ــاالً حمسوســًا‪ .‬لنفــرض أن طف ـ ً‬
‫بيئة تر يف املرأة نائنـًا قاصرًا‪ ،‬ورأ هذا الطفل والـد‪ .‬يتصـرإ – وفـق هـذ‪ .‬الرؤيـة –‬
‫مع والدته‪ ،‬وأحس بالتميي ب اإلخوة واألخوات على أساس اجلنس‪ ،‬يف هذا البيت‪ .‬يف‬
‫ـا‪ .‬املـرأة‪ .‬وعنـدما‬ ‫م ل هذ‪ .‬ال روإ‪ ،‬يرجح أن يتشكل لد هـذا الطفـل ا ـا‪ .‬سـل‬
‫يتواصل هذا الطفل – يف أثناء منو‪– .‬صبيـا ومراهقـًا وراشدًا مع املرأة‪ ،‬فسوإ يدرنها‬
‫نكــائن ســل ‪ ،‬وســيحدد خياراتــه وقنواتــه التواصــلية معهــا علــى هــذا األســاس‪ .‬وســوإ‬
‫يتحـ ــول هـ ــذا اال ـ ــا‪– .‬بعـ ــد أن يتصـ ــلب ويـ ــتكلس – إىل موقـ ــف متعصـ ــب يتمسـ ــك‬
‫بتنميطات ثابتة إزاء هذا الكائن‪ .‬وسيحد هذا التنمي ال ابت من إمكانية قيام عالقـة‬
‫صحية ندية مع النساء الالتي يلتقي بهن هذا الشـاص‪ ،‬بـدءًا مـن زميلتـه يف اجلامعـة‬
‫والعمل‪ ،‬إىل زوجته يف البيت‪ ،‬وأخريًا إىل ابنته‪ .‬وأن ر من هذا‪ ،‬فسـيكون جـ ء مـن هـذا‬
‫اال ا‪ .‬ال شعوريـا لي تأثري‪ .‬على صاحبه من دون أن حيس به‪.‬‬
‫يف ضوء هذا‪ ،‬البد للمرء مـن أن يفحـص املـرء ا اهاتـه‪ ،‬ويتـب مـد تأثريهـا‬
‫عل ــى اختيارات ــه وخاات ــه التواص ــلية‪ ،‬نم ــا الب ــد م ــن أن يتنب ــه ال اه ــات ا خ ــرين‬
‫وتأثريها على تواصلهم‪ .‬إن م ل هذا االنتبـا‪ .‬ي يـل نـ ريًا مـن سـوء الفهـم بـ النـاس‪،‬‬
‫نما حيرر التواصل من حتي اته‪ ،‬ويطلقه يف ا ا‪ .‬املوضوعية قدر اإلمكان‪.‬‬

‫أما الذات فهي الشاصية نما يراها صاحبها – ويقيّمها – من الداخل‪ .‬وللذات‬
‫صــور عديــدة معق ــدة‪ ،‬فهنــاك إدرانــي لص ــورتي نمــا يراهــا أن ــاس خمتلفــون يف مواق ــف‬
‫خمتلفة‪ ،‬وهناك صوري نما أدرنها أنا يف مواقف خمتلفة‪ ،‬ثم هناك صورتي نمـا أريـد‬
‫هلا أن تكـون‪ .‬بعبـار ة أخـر ‪ ،‬يشـبه مفهـوم الـذات قاعـة بهـا مرايـا خمتلفـة مسـتوية ومقعـرة‬

‫‪- 79 -‬‬
‫أنت وأنا‬

‫تلف مع املرايا األخر ‪ ،‬أو يشـبهها علـى‬ ‫و‬ ‫وحمدبة‪ ،‬أنّى التفت فيها رأيت نفسي على‬
‫النحو التالي‪:‬‬
‫صـ ــورتي عـ ــن ذاتـ ــي نمـ ــا أدرنهـ ــا أنـ ــا‪ :‬وتشـ ــرتك يف ترنيـ ــب هـ ــذ‪ .‬الصـ ــورة‬ ‫أ)‬
‫اســتعدادات وراثيــة وعوامــل بيئيــة‪ .‬وتشــكل االســتعدادات الوراثيــة بيئــة خصــبة‬
‫لنمـو مفهــوم إجيــابي أو سـل عــن الــذات‪ .‬إال أن مـا هــو مهــم حق ـا هــو العوامــل‬
‫البيئيــة‪ .‬فــاخلاات ال ـ أمــر بهــا‪ ،‬والعقوبــات ال ـ أتعــرض هلــا‪ ،‬والتع ي ـ ات‬
‫اإلجيابيــة والســلبية ال ـ أحصــل عليهــا‪ ،‬واســتجابات ا خــرين املاتلفــة ل ـيّ‪،‬‬
‫سواء أنانت لف ية أم يري لف يـة‪ ..‬إخل تصـنع صـورة لـيّ "نمـا أدرنهـا أنـا"‬
‫وتت من هذ‪ .‬الصورة نيفية إدراني لسماتي الشاصية‪ ،‬وقـدراتي املاتلفـة‪.‬‬
‫وجــاذبي يف عيــون ا خــرين‪ .‬ومــا هــو مهــم –هنــا– هــو أن هــذ‪ .‬الصــورة قــد ال‬
‫تطابق يف ن ري من جوانبها صورتي نما يدرنها ا خرين‪.‬‬
‫صورتي عن ذاتي نما أراها يف عيون ا خرين‪ :‬ثم إني قد امتلك تصـورًا ي يـد‬ ‫)‬
‫يف وضوحه أو ينقص عـن صـورتي يف عيـون ا خـرين أو م ايـاهم‪ .‬قـد اعتقـد أن‬
‫ق ــدراتي –نم ــا أدرنه ــا أن ــا– حم ــدودة‪ ،‬ولكـ ـ أش ــعر أن الن ــاس م ــن ح ــولي‬
‫يعتقدون أن قدراتي متمي ة‪ ،‬وقد أمتلك صـورة أخالقيـة سـيئة عـن نفسـي مـع‬
‫وعي ــي يف الوق ــت ذات ــه أن الن ــاس ال يعرف ــون ه ــذ‪ .‬الص ــورة "افقيقي ــة" ويت ــد‬
‫إمكانية هذا التباين إىل خمتلف أرجاء الذات‪.‬‬
‫صــورتي عــن ذاتــي نمــا أريــدها أن تكــون‪ :‬اإلنســان يف واحــد مــن أبعــاد‪ .‬املهمــة‬ ‫جـ)‬
‫اوز ذاته صاعدًا إىل مستويات يعتقـد أنهـا أعلـى‪ .‬إنـه‬ ‫نائن يتطلع دومًا إىل‬
‫يعي ذاته نكائن حمدود ال يسـتطيع الوصـول إىل املطلـق يف املعرفـة أو امل ـالي‬
‫يف السمات والسلوك‪ ،‬ولكنـه مـع هـذا حيـاول أن يقـرت مـن هـذا امل ـالي وذلـك‬
‫املطلق قدر ما يستطيع‪ .‬إن هناك جوانبـًا ن رية يف شاصـياتنا قابلـة للتغـيري‬
‫ــة والصــا والــذناء‪ .‬فقــد أحــس أن ـ ال أخطـ نمــا‬ ‫بف ــل الــوعي والع‬

‫‪- 81 -‬‬
‫مقدمة في مهارات التواصل اإلنساني‬

‫جيــب فيـاتي‪ ،‬وأقــرر أن علـيّ أن أتعلــّم نيفيــة التاطــي حتــى تغــدو حيــاتي‬
‫أن ــر عقالني ــة‪ ،‬وق ــد أدرك يف ذات ــي عيوب ــًا أخالقي ــة‪ ،‬وأق ــرر أن أختل ــص منه ــا‬
‫ال لذات م الية أسعى إليها‪.‬‬
‫وصو ً‬
‫هذ‪ .‬املرايا ال الي‪ ،‬تعكس أمامي يف بعق افاالت صورًا متشـابهة‪ ،‬ويف بع ـها‬
‫ا خــر صــورًا متباينــة فيمــا بينهــا‪ .‬فقــد يكــون هنــاك اخــتالإ نــبري بـ صــورتي نمــا‬
‫أدرنها أنا‪ ،‬وصورتي نما يدرنها ا خرون‪ ،‬أو ب الصورة األوىل‪ ،‬وصورتي نما أريد‬
‫هلا أن تكون‪ .‬فإذا نانت االختالفات ب هذ‪ .‬الصور نبرية‪ ،‬فإن هذا سـيرتك صـاحبها‬
‫واقعـً ا يف أزمـة هويـة حقيقيـة‪ ،‬وستصـا ذاتـه بشـروخ عميقـة‪ .‬فـإذا ننـت أعتقـد –علـى‬
‫سبيل امل ال– أني بالغ الذناء‪ ،‬ولك أملس يف سلوك ا خرين أنهـم ال يعتقـدون ذلـك‬
‫ـو سـيء التكيـف‬ ‫البتة‪ ،‬فإن ذلك سوإ حيدي قطيعة بي وبينهم‪ ،‬وسأتصـرإ علـى‬
‫مــع ا خــرين‪ .‬وان ــر –علــى ســبيل امل ــال أي ًــا – إذا ننــت أعتقــد أنــي أريــد أن أنــون‬
‫صــا متوازنــًا يف ســلوني الشاصــي واالجتمــاعي بينمــا أنــا يف واقعــي الــراهن بعيــد‬
‫شا ً‬
‫جدا عن هذ‪ .‬الصورة‪ ،‬أال حيتمل أن يف ي هذا إىل إحساس نبري بالقصور والذنب‬
‫والسـ ال ا ن هــو‪ :‬نيــف ي ـ ثر هــذا التصــور عــن الــذات يف التواصــل لنتايــل‬
‫شاصًا يشعر بعدم الكفاية االجتماعية‪ ،‬ويعتقد أنه ال تلك املهارات الالزمـة إلقامـة‬
‫عالقات ثريـة مـع ا خـرين‪ ،‬أال يلجـأ هـذا الشـاص إىل االنطـواء وإىل تقلـيص خااتـه‬
‫التواصلية ن رًا للقلق الذي كن أن يشعر بـه إذا اخنـرط يف م ـل هـذ‪ .‬العالقـات وإذا‬
‫ننت اعتقد أن ذنـائي حمـدود فسـوإ أعتقـد أن مع ـم ا خـرين أن ـر ذنـاءً مـ ‪،‬‬
‫وت عف قدرتي التفاوضية معهم إذا احتجت هلا‪ .‬وبصورة عامة فإن الشـاص إذا نـان‬
‫تلك تصورًا سلبيـا عن نفسه‪ ،‬فإن عالقاته مع ا خرين ستكون فقرية ألنها لن تكـون‬
‫ن ّديــة‪ ،‬أو أنهــا ســتكون عدوانيــة حتــى يســتطيع هــذا الشــاص إخفــاء هــذ‪ .‬الصــفات يف‬
‫نفسه‪.‬‬

‫‪- 80 -‬‬
‫أنت وأنا‬

‫تتباين الذات يف مد معرفتها من قبل صاحبها ويف مد هذ‪ .‬املعرفة من قبل‬


‫ال‪ .‬و كن‬
‫ال‪ ،‬وقد يعرف الناس ن ريًا أو قلي ً‬
‫ا خرين‪ .‬فقد أعرإ نفسي ن ريًا أو قلي ً‬
‫ي يل هذ‪ .‬املعرفة‪ :‬معرفة الذات من قبل صاحبها‪ ،‬ومعرفتهـا مـن قبـل ا خـرين الـذين‬
‫يتعاملون معـه‪ ،‬بتقسـيم الـذات إىل أربـع منـاطق يلاصـها "منـوذ جوهـاري" (نسـبة إىل‬
‫افروإ األوىل من أراء واضعيه‪" :‬جوزيف لوفت"؛ "وهاري إإلهام" ‪5661‬م)‪.‬‬

‫دعونا نن ر مليًا يف مناطق هذا النموذ ‪:‬‬


‫الذات امل يئة‪ :‬وي ل هذ‪ .‬املسـاحة مـن الـذات نـل الـدوافع واألفكـار واملشـاعر‬ ‫أ)‬
‫واال اهات والقيم ال يعيها صـاحبها يف نفسـه‪ ،‬والـ يعرفهـا ا خـرون عنـه‬
‫نــذلك‪ ،‬فقــد أعــرإ أنــي نــريم ويعــرإ ا خــرون ذلــك‪ ،‬وأعــرإ أنــي مغــامر‬
‫ويعــرإ ا خــرون ع ـ ذلــك‪ ،‬وأعــرإ أنــي امتلــك ا اهــات ســلبية ضــد املــرأة‬
‫ويعــرإ ا خــرون ع ـ ذلــك‪ .‬وهــذ‪ .‬املســاحة ت ــيق وتتســع حســب الشــاص‬
‫وا خــرين والســياق‪ .‬فــإذا أنســت لرخــرين ووثقــت بهــم وسّــعتُ هــذ‪ .‬املســاحة‪،‬‬
‫فغ ــدوا يعرف ــون عــ م ــا أعرف ــه ع ــن نفس ــي‪ ،‬وهك ــذا أب ــدو شفاف ــًا أم ــام نفس ــي‬
‫وأمامهم‪ .‬أما إذا شعرت إزاءهم بفتور أو ريبة‪ ،‬فإن هذ‪ .‬املنطقة تـتقلص‪ ،‬وتنقـل‬
‫نـ ـ ري م ــن املعلوم ــات الـ ـ فيه ــا إىل منطق ــة ال ــذات اخلفي ــة‪ ،‬الـ ـ يعرفه ــا‬
‫صاحبها ولكن ا خرين جيهلونها‪.‬‬

‫‪- 82 -‬‬
‫مقدمة في مهارات التواصل اإلنساني‬

‫ال ــذات العمي ــاء‪ :‬وه ــذ‪ .‬املس ــاحة معتم ــة أم ــام ص ــاحبها ولكنه ــا م ــاءة أم ــام‬ ‫)‬
‫ال إني أتكلم بانفعاليـة زائـدة‪ ،‬أو إنـي أقـاطع‬
‫ا خرين‪ .‬فقد يالحْ ا خرون م ً‬
‫ا خــرين‪ ،‬أو أنــي أقــوم –عــادة– بتعــبري يــري لف ــي منطــي علــى وجهــي‪ ،‬أو أنــي‬
‫ـو منطـي‪ ،‬إال أنـي ال أعـي هـذ‪ .‬افـاالت ف ـيّ‪.‬‬ ‫أنرر عبارة معينة ن ريًا علـى‬
‫فــإذا اتســعت هــذ‪ .‬املنطقــة‪ ،‬أصــبح النــاس يعرفــون عـ أمــورًا ال أعرفهــا أنــا عــن‬
‫نفسي‪.‬‬
‫الذات اخلفية‪ :‬وعلى العكس من ذلك‪ ،‬فهناك أمور نـ رية أعرفهـا عـن نفسـي‬ ‫جـ)‬
‫ولكن ا خرين ال يعرفونها ع ّ‪ .‬فقد أعرإ أني أخاإ من األمانن املغلقة‪ ،‬أو‬
‫أني أعاني من قلق عام‪ ،‬أو أنـي سـبق وعوجلـت مـن مـرض نفسـي‪ ،‬أو أنـي متـ و‬
‫سرًا‪ ،‬وال يعرإ ا خرون ذلك ع ‪.‬‬
‫الــذات املعتمــة‪ :‬وهــذ‪ .‬منطقــة ال أعرفهــا أنــا وال يعرفهــا ا خــرون‪ ،‬وهــي منطقــة‬ ‫د)‬
‫تكون عادة يف حي الالشعور‪ ،‬واخلاات املوجودة فيها قـد تكـون خـاات مكبوتـة‬
‫من ــذ الطفول ــة‪ ،‬وق ــد تك ــون خ ــاات أخفيه ــا فيم ــا قب ــل الش ــعور‪ .‬والف ــرق بـ ـ‬
‫الالشــعور ومــا قبــل الشــعور‪ ،‬هــو أن اخلــاات الدفينــة يف الالشــعور يصــعب أن‬
‫يصل إليها صاحبها – ناهيكم عن ا خـرين– فهـي منسـية إىل حـد نـبري‪ ،‬أمـا‬
‫تلك املوجودة فيما قبل الشعور فهي قريبة نسبي ـا مـن الـوعي‪ ،‬أسـتطيع بشـيء‬
‫مــن اجلهــد والرتنيـ الوصــول إليهــا‪ ،‬يامــًا نمــا أشــعر بال ــيق أحيانــًا مــن‬
‫دون أن أعرإ السبب‪ ،‬لك إذا فكرت ملي ـا فسـأتذنر أن أحـد زمالئـي وجـه لـيّ‬
‫نلمة قاسية يف الصباح أفسدت عل ّي يومي‪.‬‬
‫ه ــذ‪ .‬املن ــاطق األرب ــع يف "ناف ــذة جوه ــاري" ليس ــت ذات مس ــاحة واح ــدة عن ــد ن ــل‬
‫النــاس‪ ،‬وال هــي واحــدة عنــد الشــاص الواحــد بالنســبة لكــل النــاس أو لكــل األوقــات‪ .‬إنهــا‬
‫سائلة متحرنـة يكـا بع ـها علـى حسـا بعـق‪ ،‬وتنتقـل خـاات مـن بع ـها إىل بعـق‪.‬‬
‫إنها نافذة ديناميكية متغرية وليسـت ثابتـة‪ .‬ومـا يهمنـا يف النافـذة هـو عالقتهـا بالتواصـل‪.‬‬

‫‪- 83 -‬‬
‫أنت وأنا‬

‫فال شك يف أنه من السهل على شاص تتسـع املسـاحة امل ـيئة يف نفسـه أن يقـود عمليـات‬
‫تواصــل إجيابيــة‪ :‬إنــه يعــرإ ذاتــه‪ ،‬ويعرفــه ا خــرون‪ ،‬لــذلك لــن ي ــيع الوقــت يف حمــاوالت‬
‫استكشـاإ – قـد تكـون صــعبة – هلـذ‪ .‬الـذات ســواء مـن قبـل صــاحبها أو مـن قبـل ا خــرين‪.‬‬
‫ولن يكون هناك –أي ًـا– تنـاقق يف معرفـة املـرء لذاتـه ومعرفـة ا خـرين لـه‪ ،‬ممـا يقلـص‬
‫إىل حد نبري من حدوي سوء التفاهم‪ .‬أما إذا أخذت املساحات األخر تتسع على حسـا‬
‫املنطقــة امل ــيئة فســوإ يتع ــر التواصــل‪ .‬فــإذا ننــت تعــرإ عــن ذاتــك أمــورًا ال يعرفهــا‬
‫ا خرون‪ ،‬فسيأخذون بالتواصل معـك علـى أسـس ال يعرفونهـا‪ ،‬وسـتأخذهم ال نـون بـك‬
‫إذا أحسـّوا أنك ختفي شيئًـا ما‪ .‬وينطبق الشيء ذاته إذا نـان ا خـرون يعرفـون عنـك مـا‬
‫ال تعرفه عـن نفسـك (املنطقـة العميـاء) إذ إنهـم سيتصـرفون إزاءك بطريقـة يـري مفهومـة‬
‫لديك‪ ،‬وستحس بأنهم ي لمونك ألنهم يتهمونك بأشياء ال تعتقد أنها فيك حقـا‪.‬‬
‫ليس املقصود –وال من املمكن طبعـًا – أن يكشف اإلنسان عن نـل زوايـا نفسـه‬
‫أمــام ن ــل النــاس ويف ن ــل األوق ــات واملواقــف‪ .‬ولك ــن املقص ــود – واملمكــن أي ــًا – ه ــو‬
‫االنتبا‪ .‬إىل هذ‪ .‬األبعاد يف وعي الذات‪ ،‬وحماولة أن يكون التواصل شفافـًا قدر اإلمكـان‪،‬‬
‫ـو أف ـل‪ .‬واإلرشـادات التاليـة كـن أن‬ ‫وبذلك تقل مشكالته وتتحقـق أهدافـه علـى‬
‫تكون مفيدة يف زيادة وعيك لذاتك‪.‬‬
‫ســل نفســك عــن ذاتــك‪ :‬يفــرتض أن أن ــر النــاس قــدرة علــى معرفــة دخيلــة‬ ‫أ)‬
‫شــاص مــا‪ ،‬هــو هــذا الشــاص ذاتــه‪ ،‬فهــو األقــر إىل ذاتــه‪ ،‬أطــراإ الليــل وآنــاء‬
‫النهار‪ .‬ولكن املشكلة هي يف أننا –أحيانـًا– ال نبذل اجلهـد الكـايف‪ ،‬فـإذا إلحنـا‬
‫ــاوز بعــق هــذ‪ .‬املشــكالت بالتــدر‬ ‫فيــه فإنــه قــد يكــون م لـمــًا‪ .‬إال أنــه كــن‬
‫على معرفتنا لذاتنا‪ .‬والنشاط التالي منوذ عن نشاطات كن أن تساعدك –‬
‫إذا قمت بها – يف حماولة الولو إىل ذاتك ومعرفتها‪.‬‬
‫خذ ورقة وعنونها بس ال‪" :‬مـن أنـا " ثـم انتـب يف أول نـل سـطر منهـا عبـارة‪:‬‬
‫يب يف نل مرة من هذ‪ .‬املـرات املـة مفيـدة‬ ‫من أنا وبعد ذلك‪ ،‬حاول أن‬

‫‪- 84 -‬‬
‫مقدمة في مهارات التواصل اإلنساني‬

‫طــر ببالــك‪،‬‬ ‫تصــف فيهــا ذاتــك‪ .‬حــاول أال تكــون متحيـ ًا‪ ،‬وانتــب نــل مــا‬
‫سواء أنانت الصفة إجيابية أو سلبية‪.‬‬
‫خ ــذ ورق ــة أخ ــر ‪ ،‬واقس ــمها –عمودي ـ ـا – إىل قس ــم متس ــاوي ‪ .‬عن ــون أح ــد‬
‫العمــودين‪" :‬نقــاط قــوة" وعنــون ال ــاني‪" :‬نقــاط ضــعف"‪ .‬ثــم امــو نــل قســم‬
‫بأسرع ما كنك‪.‬‬
‫بعد أن تقوم مبا سبق‪ ،‬خذ ورقة ثال ة وعنونها‪ :‬نيف أحسّن ذاتي ثـم أنمـل‬
‫ــس‬ ‫مجلــة‪ ،‬أريــد أن أحسّــن ذاتــي‪ ،‬يف أول نــل ســطر فيهــا‪ ،‬وانتــب –خــالل‬
‫دقائق– ما تستطيع من سلونات تريد حتسينها يف نفسك‪.‬‬
‫ليســت النشــاطات املــذنورة ســو أم لــة‪ ،‬واملهــم هــو أن تبــدأ حــوارًا مــع ذاتــك‬
‫حول ذاتك‪ ،‬حوارًا يتسـم بالشـجاعة واألمانـة ويهـدإ إىل التغـيري‪ .‬وملـا نانـت‬
‫بعق جوانب شاصية اإلنسان كن أن تتغري عا مواقف خمتلفة‪ ،‬فالبد من‬
‫ال يوانب هذ‪ .‬التغريات يف الشاصية والسلوك‪.‬‬
‫أن يكون هذا افوار متص ً‬
‫استمع لرخرين‪ :‬لرخرين وجهات ن ـر فينـا‪ ،‬يعـاون عنهـا أحيانـًا صـراحة أو‬ ‫)‬
‫ضمنـ ــً ا‪ ،‬وبصـ ــورة لف يـ ــة ويـ ــري لف يـ ــة‪ .‬وقـ ــد ال تكـ ــون وجهـ ــات الن ـ ــر هـ ــذ‪.‬‬
‫صحيحة‪ ،‬أو قد ال تكون مطابقة لوجهـة ن ـر آخـرين عنـا‪ ،‬أو لوجهـة ن رنـا يف‬
‫أنفســنا‪ .‬إال أن علينــا أال ننســى أننــا نشــكل مفهومنــا عــن ذواتنــا إىل حــد نــبري‬
‫من خالل ا خرين‪ .‬وسلوك هـ الء وآراءهـم فينـا جيـب أن ت خـذ بعـ االعتبـار‬
‫إذا أردنا أن نفهم أنفسـنا أن ـر‪ .‬صـحيح أن هـذ‪ .‬ا راء ينبغـي أال تكـون املصـدر‬
‫الوحيــد ملعرفتنــا ألنفســنا‪ ،‬أو للطريــق ال ـ جيــب أن نســلكها‪ ،‬ألن هــذا ســوإ‬
‫يلغي هويتنا‪ ،‬ولكن هذا ال ينفي أنها جيـب أن ت خـذ بعـ االعتبـار‪ ،‬وأن توضـع‬
‫موضع تأمل وتدبر‪.‬‬
‫فــتش بهمــة ونشــاط عــن معلومــات عــن ذاتــك‪ :‬وقــد ال يكفــي جمــرد االســتماع‬ ‫ج ـ)‬
‫لرخرين‪ ،‬أو مالح تهم‪ ،‬لتوفري معلومات عن ذاتـك‪ .‬لـذلك عليـك أن تقـوم‬

‫‪- 85 -‬‬
‫أنت وأنا‬

‫بنشاط إجيابي يف هذا الصدد‪ .‬سل أصدقاءك بلباقة – ومـن دون إن ـار – ويف‬
‫السياق املالئم عن رأيهم يف تصرفك يف بعق املواقف‪ .‬كنك مـ الً أن تسـأل‬
‫أختــك عــن رأيهــا يف الطريقــة ال ـ ناقشــت فيهــا والــدتك‪ ،‬وعمــّا إذا ننــت‬
‫عصبيـا يف هذ‪ .‬املناقشة‪ .‬وم ل هذ‪ .‬االستفسارات والتسـاؤالت كـن أن تسـاعد‬
‫يف تقليص مساحة الذات العمياء‪.‬‬
‫ان ر يف ذواتك املاتلفة‪ :‬ما من شاصـ حولــك يريانـك بطريقـة واحــدة‪.‬‬ ‫د)‬
‫أي ان صورتـ ـ ــك ليس ـ ـــت واحـ ـ ــدة عن ـ ـــد والـ ـ ــدك أو والـ ـ ــدتك أو إخوتـ ـ ــك أو‬
‫أص ــدقائك أو جريان ــك أو الع ــامل مع ــك‪ ،‬ألن ن ــل رؤي ــة م ــن ه ــذ‪ .‬ال ــرؤ‬
‫اه ــك‪ ،‬وس ــياق تواص ــالته‬ ‫يص ــويها ص ــاحبها وف ــق عالقت ــه بـــك ومش ــاعر‪.‬‬
‫معــك‪ ،‬وتوقعاتــه منــك‪ .‬لــذلك ســيكون مــن املفيــد أن حتــاول رؤيــة نفســك –‬
‫خر – بعيون نل واحد من هـ الء‪ .‬قـد ال يكـون ذلـك ممكنـًا دائمـًا‬ ‫من ح‬
‫إال أنه سيكون مفيدًا يف معرفتك لذاتك أن ر‪.‬‬
‫وسع ذاتك امل ـيئة‪ :‬عنـدما تتحـدي مـع آخـرين –قـريب منـك– عـن ذاتـك‪،‬‬ ‫ه ـ)‬
‫فإنك تتيح لنفسك فرصة أنا يف وعي ذاتك‪ .‬ذلك أنـك عنـدما تتحـدي‬
‫علــها موضوعــًا‪ ،‬وهــذا كنــك مــن رؤيتهــا أن ــر‪ .‬ثــم إن‬ ‫عــن ذاتــك فإنــك‬
‫حتــدثك عــن ذاتــك يســت ري ا خــرين ويشــجعهم علــى التحــدي عنهــا‪ ،‬فت يــد‬
‫معرفتـك بهـا‪ ،‬باإلضــافة إىل أن هـذا ينشــر يف جـو التواصـل مناخــًا مـن ال قــة‪،‬‬
‫جيعله عمومـًا أف ل‪.‬‬
‫ان ر إىل ذاتك بع الرضى والتقدير‪ :‬يف أثنـاء حماوالتـك ملعرفتـك ذاتـك‬ ‫و)‬
‫ال حت من قدرها‪ .‬قد يكون فيها بعق العيو ‪ ،‬ولكن ال تنس أننا نلنا بشـر‪،‬‬
‫وال خنلــو مــن العيــو ‪ .‬إن وجــود عيــو يف ذاتــك ال يلغــي هــذ‪ .‬الــذات‪ ،‬ولكنــه‬
‫ينبغي أن يستنهق قواها للتالص من تلك العيو ‪ .‬إن الكمـال املطلـق لـيس‬
‫أحــد م ايــا اإلنســان‪ ،‬ولكــن القــدرة علــى تغــيري الــذات و اوزهــا هــي – مــن دون‬

‫‪- 86 -‬‬
‫مقدمة في مهارات التواصل اإلنساني‬

‫شك– إحد هذ‪ .‬امل ايـا‪ .‬ال تشـعر باليـأس إذا ملسـت يف نفسـك نقيصـة مـا‪ ،‬أو‬
‫إذا ملســت بعــق الســلبية يف ن ــرات ا خــرين لــك‪ ،‬فكــل هــذا جـ ء مــن الشــرط‬
‫اإلنس ــاني‪ ،‬وم ــا علي ــك إال أن يـ ـارس اجلـ ـ ء ال ــاني م ــن ه ــذا الش ــرط‪ ،‬وه ــو‬
‫حماولة التغـيري‪ .‬ميـ بوضـوح بـ الـذات وبـ العيـب الـذي فيهـا‪ .‬الـذات نـل‬
‫والعيــب جـ ء‪ ،‬فــال جيــوز أخــذ الكــل اريــرة اجلـ ء‪ ،‬وإال فــإن التغــيري ســيتطلب‬
‫إلغاء الذات نكل‪.‬‬

‫إذا نان التواصل ال جيري إال يف سياق خارجي مع من مكـان وزمـان وأشـااص‬
‫آخــرين بكــل مــا تت ــمنه هــذ‪ .‬األبعــاد مــن جوانــب وتفاصــيل‪ ،‬وإذا نــان معنــى التواصــل ال‬
‫يتحدد إال ضمن هذا السياق اخلارجي‪ ،‬الذي قد يكون مواتيًـا أو يـري مـوات للتواصـل‪ ،‬فـإن‬
‫هناك –باملقابل– سياقًـا داخليًـا معينًـا هو افياة الداخليـة للمتواصـل بكـل مـا تت ـمنه‬
‫مــن دوافــع ورــات ومفهــوم ذات نمــا أســلفنا‪ .‬ومــن مجلــة هــذ‪ .‬افيــاة الداخليــة بعــد ذو‬
‫ولي أنا تنارط فيه نل األبعاد الداخليـة األخـر ‪ ،‬ويـوفر سياقًـا –مواتيًـا أو‬ ‫طابع‬
‫يــري مــوات – لعمليــة التواصــل‪ ،‬وهــذا البعــد هــو‪ :‬الصــحة النفســية‪ ،‬أو التكيــف النفســي‪،‬‬
‫للمرســل أو املســتقبل علــى حــد ســواء‪ .‬والتكيــف النفســي مبعنــا‪ .‬العميــق والواســع مفهــوم‬
‫متعــدد األوجــه فلســفي وجســمي ونفســي واجتمــاعي‪ .‬إنــه يعـ –فلسفيــا– إ انـًـا عميقـًـا‬
‫بقيمة افياة وأهميتها وا يازًا لصافها (لـذلك نـان الـتفكري يف االنتحـار عنـد بعـق‬
‫الناس هو اهت از قوي هلذا املبدأ‪ ،‬وللصحة النفسية بالتالي)‪ .‬ثم إنه يع أي ًـا امتالنًـا‬
‫ملعنــى عميــق فيــاة اإلنســان‪ ،‬وتــوافر أهــداإ إنســانية‪ ،‬يســعى إليهــا يف جهــد دؤو لتحقيــق‬
‫الــذات ويت ــمن البـُـعد الفلســفي نــذلك موقفـًـا متفــائالً ين ــر يف نصــف الكــو امللــيء‬
‫أن ر مما ين ر يف نصفه الفارا‪ ،‬ويستطيع رؤية تباشري الفر وس عتمة الشدة‪ ،‬ويـ من‬
‫أن ال ــربة ال ـ ال تقتــل فإمنــا تــدفع صــاحبها إىل األمــام‪ .‬وباإلضــافة إىل اإل ــان بقيمــة‬
‫افيــاة ومعناهــا وأهــدافها والتفــاؤل فيهــا‪ ،‬فــإن التكيــف النفســي يســتل م إدرانـًـا عميقـًـا‬

‫‪- 87 -‬‬
‫أنت وأنا‬

‫للش ــرط اإلنس ــاني ال ــذي حيك ــم وج ــود اإلنس ــان عل ــى األرض‪ .‬إن ه ــذا اإلنس ــان إذ يقلـ ـب‬
‫صفحات نتا حياته ويعيشها يومًـا يف إثر يوم سيجد صفحات بهيجة ملونة يشيع فيها‬
‫افبور‪ ،‬إال أنه سيجد أي ًـ ا صـفحات رماديـة وأخـر سـوداء نقشـت عليهـا نصـوص الفشـل‬
‫واملــرض واأل واملــوت‪ ،‬ســواء اتصــل ذلــك بالشــاص ذاتــه أو بــأع اء عليــه‪ .‬إن قبــول هــذا‬
‫الشــرط‪ ،‬والســعي للتعــايش معــه وفهمــه و ــاوز‪ .‬يشــكل أي ـًـا شرطـًـا مهمًــا مــن شــروط‬
‫الصحة النفسية‪ .‬ثم إن حالة مـن الرضـى عـن الـذات وعـن عالقاتهـا وتقـدمها وارتقائهـا يف‬
‫ضــوء استبصــار عميــق هلــذ‪ .‬الــذات يف حاجاتهــا وراتهــا وقــدراتها‪ ،‬يشــكل شرطـًـا آخــر مــن‬
‫ش ــروط الص ــحة النفس ــية‪ .‬وال ك ــن أن نغف ــل – باإلض ــافة إىل ذل ــك نل ــه – أن وضع ـًـا‬
‫ال مـن‬
‫صحيـا ونفسيـا متوازنًـا يسـهل علـى املـرء عمليـات التكيـف النفسـي واالجتماعيـة بـد ً‬
‫هدر طاقة نفسية عالية ملواجهة املرض‪ .‬وتشكل االرتباطات االجتماعية األساسية يف حيـاة‬
‫اإلنس ــان‪ ،‬والــ تتم ــل يف األدوار املتع ــددة نــ و أو عام ــل أو أ أو أم أو ص ــديق – الب ـُـعد‬
‫االجتماعي األساسي للصحة النفسية‪ .‬إن الوفاء بأيراض هذ‪ .‬األدوار على النحو املطلو‬
‫هو أحد ال مانات املهمة لتحقيق التكيف النفسي اإلجيابي‪.‬‬
‫تش ــكل ه ــذ‪ .‬األبع ــاد متهخ ــذة األس ــاس الق ــوي الزده ــار حال ــة الرض ــى الــ ييــ‬
‫الصحة النفسية‪ .‬إال أن املسـألة الـ جيـب أن تبقـى منـا علـى بـال‪ ،‬هـي أن هـذ‪ .‬األبعـاد وإن‬
‫عل مهمة التكيف يسرية‪ ،‬ومشاعر الرضى متاحة‪ ،‬إال أنها ليست – وحدها – هي‬ ‫نانت‬
‫الـ ـ تص ــنع "الص ــحة النفس ــية"‪ ،‬نم ــا أن ييابه ــا ال يعـ ـ – بال ــرورة – ت ــدمريًا هل ــذ‪.‬‬
‫الصحة‪ .‬بل قد يكون األمر –أحيانًـا– على النقيق من ذلك‪ .‬فعمليات التكيف ال تست ار‬
‫وتستنهق إال عندما يتهدد واحد من هذ‪ .‬األبعاد‪ .‬عندئذ ي هر التكيف ال ن مـرة لريـاح‬
‫ال يتطلــب‬
‫هبــت نمــا تشــتهي الســفن‪ ،‬وإمنــا بوصــفه ن ــاالً يف وجــه ريــاح معانســة‪ ،‬ن ــا ً‬
‫ــة املاض ــية‪ ،‬وال ــذناء‪ ،‬والق ــدرة عل ــى ح ــل املش ــكالت‪ .‬ويف‬ ‫تل ــك الرؤي ــة الفلس ــفية‪ ،‬والع‬
‫ــو– إال عنــدما تتهــدد‬ ‫افقيقــة فــإن معرنــة الصــحة النفســية ال تتجلــى –علــى أوضــح‬
‫هذ‪ .‬الصحة‪.‬‬

‫‪- 88 -‬‬
‫مقدمة في مهارات التواصل اإلنساني‬

‫ي ثر هذا السياق اإلنساني الداخلي –سياق الصـحة النفسـية– علـى التواصـل‬


‫بعمــق‪ .‬لقــد أشــرنا سابقــًا إىل تــأثري إحبــاط الــدوافع علــى التواصــل‪ ،‬واإلحبــاط تهديــد‬
‫خمــيم دومــًا علــى الصــحة النفســية‪ .‬إن الشــاص القــادر علــى التكيــف تلــك مع ــم‬
‫طاقاته النفسية متاحة لـه للتعامـل مـع مطالـب التواصـل وأعبائـه‪ .‬إن تواصـل املتفائـل‬
‫مع ا خرين ينشر يف جو هـذا التواصـل روحـًا بهيجـة تسـهل حتقيـق أيراضـه‪ .‬نمـا أن‬
‫تواص ــل الش ــاص املتح ــرر م ــن االض ــطرابات واملا ــاوإ النفس ــية يك ــون أن ــر طالق ــة‬
‫وموضـوعية مــن تواصـل شــاص يـرزح حتــت وطـأة م ــل هـذ‪ .‬االضــطرابات‪ .‬إن التواصــل‬
‫حيمل يف ثنايا‪ .‬صحة صاحبه النفسية‪ ،‬فيتلون بها مهما نانت هذ‪ .‬األلوان‪.‬‬
‫وباملقابل‪ ،‬ونما ت ثر الصحة النفسية يف التواصـل‪ ،‬فـإن التواصـل بـدور‪ .‬يـ ثر‬
‫على صـحة اإلنسـان النفسـية‪ .‬إن أمنـاط التواصـل بـ الطفـل وأبويـه والبيئـة ا يطـة‬
‫بــه‪ ،‬هــي ال ـ تصــوا –إىل حــد نــبري– صــحته النفســية‪ .‬فــإذا نــان التواصــل األســري‬
‫دافئـًا حمبـًا متفهمـًا يشيع فيه االحرتام –احرتام الصغار للكبار واحرتام الكبار للصغار‬
‫– فــإن الصــحة النفســية ســتجد تربــة خصــبة للغايــة ترتعــرع فيهــا وت دهــر‪ .‬تســهم يف‬
‫ـو يـدعم تكيفـه‪ .‬ويسـتمر هـذا التـأثري علـى‬ ‫التافيف من أعبـاء املـرء ا لنفسـية‪ ،‬علـى‬
‫مد حياة املرء‪ ،‬إذ نلما نانت عالقاته التواصلية أن ر ثراء وإشباعًا‪ ،‬نلما انعكس‬
‫و إجيابي‪ .‬بل إن بعق أفعال التواصل – م ل البوح–‬ ‫هذا على صحته النفسية على‬
‫و يدعم تكيفه‪.‬‬ ‫تسهم يف التافيف من أعباء املرء النفسية‪ ،‬على‬

‫العــا االجتمــاعي مكــون مــن أنــا وآخــر‪ .‬ويف بعــق األحيــان ال ينســجم هــذان‬
‫القطب ــان‪ .‬فلك ــل أفك ــار‪ .‬وآراؤ‪ .‬ومش ــاعر‪ .‬ورات ــه ومص ــافه‪ .‬واألن ــا أو الف ــرد يواج ــه‬
‫و‬ ‫و عدواني أو على‬ ‫ا خرين ب رو خمتلفة من االستجابة‪ .‬فقد يواجههم على‬
‫مساير فينصاع –لسبب أو خر– لريباتهم وآرائهم‪ ،‬وقد يواجههم مبا كـن أن نسـميه‬

‫‪- 89 -‬‬
‫أنت وأنا‬

‫موقفــًا ال هــو بالعــدواني وال هــو باملنصــاع‪ ،‬وإمنــا بالتونيــد الــذاتي‪ ،‬وهــو ســلوك كــن‬
‫الشــاص مــن التصــرإ وفــق مــا يــرا‪ .‬مالئمــًا وصحيحــًا مــن وجهــة ن ــر‪ ،.‬مــن دون أن‬
‫يصــادر حقــوق ا خــرين يف هــذا الشــأن‪ .‬وبعبــارة أخــر ‪ ،‬فــإن الســلوك التونيــدي هــو‬
‫سلوك كن الشاص من التصرإ وفق مصلحته‪ ،‬وأن يعا عن وجهـة ن ـر‪ .‬ومشـاعر‪.‬‬
‫اخلاصــة مــن دون أن يســبب لــه هــذا قلقــًا‪ ،‬ومــن دون أن جيعلــه حيجــب هــذا افــق عــن‬
‫ا خــرين‪ .‬والشــاص الــذي يفعــل هــذا ســك ب مــام أمــور‪ .‬بـ يديــه‪ ،‬ويشــعر بال قــة‪،‬‬
‫تلقــائي يف التعــبري عــن مشــاعر‪ ،.‬ويالبــًا مــا حيــوز علــى إعجــا ا خــرين‪ .‬ومثــة ثــالي‬
‫خصائص يي الشاص امل ند لذاته‪:‬‬
‫االنفتاح‪ :‬إنك ترا‪ .‬يعا عن ذاته بصراحة‪ ،‬ينارط يف عالقات تواصـلية يكـون‬ ‫أ)‬
‫االنفتاح أحد أبرز معاملها‪.‬‬
‫التحرر مـن القلـق‪ :‬يشـعر نـ ريون باإلحبـاط نتيجـة إلحجـامهم عـن تونيـد‬ ‫)‬
‫ا‪ .‬هذا املوقف‪ .‬أما الفرد امل ند‬ ‫ذواتهم‪ ،‬وقد يشعرون بالذنب والندم أحيانـًا‬
‫لذاتـ ــه فيبـ ــادر إىل التعـ ــبري عـ ــن آرائـ ــه ومشـ ــاعر‪ .‬املاتلفـ ــة فيحـ ــرر ذاتـ ــه مـ ــن‬
‫الصراعات الداخلية‪ ،‬ومن اإلحساس بعدم الفعالية أو الصغار أمام ا خرين‪.‬‬
‫ال بات‪ :‬يقف امل ند لذاتـه –ب بـات– مدافعـًا عـن وجهـة ن ـر‪ .‬ومـا يعتقـد أنـه‬ ‫جـ)‬
‫حق له‪ ،‬حتى لو أد هذا إىل إثارة شيء مـن التـوتر مـع ا خـرين‪ .‬والفـرد الـذي‬
‫يتمتع بهذ‪ .‬السمة تصعب إخافته نما يصعب اإلحياء له أو إقناعه‪.‬‬
‫إال أن التونيد الـذاتي لـيس آليـة بسـيطة وال هـو يعمـل يف خـواء‪ .‬إنـه يتـأثر –‬
‫من جهـة – بالسـياق أو املوقـف‪ ،‬ومـن جهـة أخـر بسـمات الفـرد الشاصـية‪ .‬فالشـاص‬
‫امل ند لذاته قد حيجم –خمتارًا– يف بعـق األحيـان عـن ممارسـة هـذا التونيـد ألنـه‬
‫قــد يعتقــد أن هــذا لــن تكــون لــه أهميــة نــبرية يف ســياق بعينــه‪ ،‬أو ألنــه قــد يســبب أذ‬
‫نفسيـ ـا لشــاص آخــر مــن دون مــار قــوي‪ .‬نمــا أن التونيــد الــذاتي يكتســب قــوة أو‬
‫ضعفـًا من شبكة عالقاته مع السمات األخر للشـاص‪ .‬فـإذا نـان شـاص مـا ذنيـًا‪،‬‬

‫‪- 91 -‬‬
‫مقدمة في مهارات التواصل اإلنساني‬

‫ال و تلك قدرًا نبريًا من اللطف‪ ،‬فإن تونيد‪ .‬لذاته يتجلى يف صورة أف ل مما‬
‫فعا ً‬
‫يكن الشاص تلك هذ‪ .‬الصفات‪.‬‬ ‫لو‬
‫يــل‬ ‫يــرتب التونيــد الــذاتي بالتواصــل‪ ،‬وهــذا هــو ســبب اهتمامنــا بــه‪ .‬فقــد‬
‫إلينــا –ألول وهلــة– أن التونيــد الــذاتي قــد يعرقــل التواصــل ألن نــل شــاص ســوإ‬
‫و ا خر بسبب هـذا التونيـد‪ .‬إال أن‬ ‫طو‬ ‫يتمرتس وراء وجهات ن ر‪ .‬اخلاصة‪ ،‬وال‬
‫األمر ليس نذلك‪ ،‬فالتونيد الذاتي جيعـل التواصـل بـ ذاتـ ممتعـًا‪ .‬إنـه تواصـل‬
‫صادق ال جمـال للمجاملـ ة ال ائفـة فيـه‪ ،‬وال مكـان للمسـايرة الـ تلغـي إحـد الـذات‬
‫األخر ‪ .‬إنـه يسـت ري القـو إلقنـاع ا خـر‪ ،‬ويرفـع مـن سـوية التواصـل وافجـج‬ ‫لصا‬
‫املســتادمة منــه‪ ،‬نمــا أنــه ي يــد مــن فرصــك لتحقيــق مــا تريــد‪ .‬مــا دمــت تتمســك‬
‫برأي ــك‪ .‬وإذا ن ــان التوني ــد ال ــذاتي ال يعــ العدواني ــة‪ ،‬فإن ــه أي ــًا ال يعــ العن ــاد‬
‫األعمى‪ ،‬فالتونيد فعل واع ذني‪ ،‬يقوم على احـرتام الـذات وا خـر يف الوقـت ذاتـه‪ ،‬وال‬
‫يستبعد إمكانية تغيري وجهة الن ر إذا اقتنع صاحبها بذلك‪ .‬أما العنـاد ففعـل دفـاعي‬
‫يكشف عن خوإ من تواصل حي وحقيقي‪.‬‬
‫ونمــا يف بــاقي مهــارات التواصــل‪ ،‬فــإن يف وســعك التعــرإ علــى التونيــد يف‬
‫ـو فعـال‪ .‬واإلرشـادات التاليـة‬ ‫ذاتك ويف ا خـرين‪ ،‬وعلـى التـدر علـى ممارسـته علـى‬
‫كن أن تكون مفيدة لك يف هذا ا ال‪.‬‬
‫حلل سلوك ا خرين التونيـدي‪ :‬الحـْ سـلوك ا خـرين‪ ،‬وانتبـه لتونيـدهم‬ ‫أ)‬
‫لذاتهم‪ ،‬ومي ب تونيد الذات والعدوانية والعناد‪ .‬مي ب األشااص الذين‬
‫تعــرفهم مــن حيــث تونيــدهم لــذواتهم‪ ،‬ونيــف يقومــون بــذلك‪ .‬وســتجعلك‬
‫ه ــذ‪ .‬املالح ــات والتص ــنيفات عل ــى ألف ــة أن ــر بتوني ــد ال ــذات و ليات ــه‬
‫الس ــلونية‪ ،‬وس ــيكون ه ــذا منطلق ــًا مالئم ــًا لاللتف ــات إىل توني ــدك ال ــذاتي‬
‫أي ـًا‪.‬‬

‫‪- 90 -‬‬
‫أنت وأنا‬

‫حلل سلونك‪ :‬بعد أن تكون قد انتسبت بعق األلفـة بسـلونات التونيـد‬ ‫)‬
‫الذاتي عند ا خرين‪ ،‬كنك أن تلتفت إىل ذاتك لتتساءل‪ :‬هل أؤند ذاتـي‬
‫ومتى ونيف ومـع َمـ ْن اذنـر لنفسـك شـواهد عـن تعـبريك عـن التونيـد‬
‫الذاتي فهل‪ ،‬تعا عن ذاتك لف يـا أو بطريقة يري لف ية‪ ،‬ثم سل نفسـك إن‬
‫ننت م ندًا لذاتك‪ ،‬أم عدوانيـا‪ ،‬أم عنيدًا‪.‬‬
‫سجل سلوناتك‪ :‬حتتفْ الكتابـة بافيـاة علـى الـورق بـدالً مـن أن ت ـيع يف‬ ‫جـ)‬
‫زوايا النسيان‪ ،‬ثم إنها ت ع خاات هذ‪ .‬افياة أمامنا –نموضوعات– فنغدو‬
‫أقدر على رؤيتهـا وحتليلـها‪ .‬حـاول أن تسـجل يوميـًا املـرات الـ أنـدت ذاتـك‬
‫تفعــل فيهــا ذلــك‪ ،‬وســجل –أي ــًا– املــرات ال ـ‬ ‫فيهــا بنجــاح‪ ،‬واملــرات ال ـ‬
‫حاولـت أن تكــون فيهــا م نـدًا لــذاتك‪ ،‬ولكنــك خرجـت عــن طــورك فتصــرفت‬
‫بعدوانيــة‪ ،‬أو تصــرفت بعنــاد يــري مــار‪ .‬إن م ــل هــذا التســجيل الكتــابي ســوإ‬
‫يكون مفيدًا يف ثالثة وجو‪:.‬‬
‫إنه سيجعلك تنتبه إىل سلوناتك وحتدد فيما إذا نانت تونيديـة أو‬ ‫‪‬‬
‫يري ذلك‪.‬‬
‫سـ ــوإ كنـ ــك مـ ــن متابعـ ــة التحسـ ــن الـ ــذي يطـ ــرأ علـ ــى سـ ــلونك‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫فيشجعك هذا على متابعة تقدمك‪.‬‬
‫سوإ يكشف لك عن اجلوانب ال حتتا لتحس أنا‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫تدر على السـلونات التونيديـة‪ :‬مثـة طـرق نـ رية للتـدر علـى م ـل هـذ‪.‬‬ ‫د)‬
‫الســلونات إال أن أن رهــا شيوعــًا هــو أن ختتــار موقفــًا تتصــرإ فيــه –عــادة–‬
‫و يري تونيدي‪ ،‬ثـم تبـدأ مبمارسـة التونيـد الـذاتي يف صـورة بسـيطة‬ ‫على‬
‫و ختييلي‪ ،‬وتأخذ يف االنتقال إىل صور أن ـر تعقيـدًا‬ ‫من هذا السلوك على‬
‫وواقعيــة‪ .‬دعونــا –علــى ســبيل امل ــال– نقــول إن لــديك صــعوبة يف التحــدي يف‬
‫الفصـ ــل الدراسـ ــي أمـ ــام املـ ــدرس والطـ ــال ‪ ،‬وأنـ ــك تريـ ــد التغلـ ــب علـ ــى هـ ــذ‪.‬‬

‫‪- 92 -‬‬
‫مقدمة في مهارات التواصل اإلنساني‬

‫لــس يف فصــل دراســي ثــم حــاول أن‬ ‫ال– بتصــور نفســك‬


‫الصــعوبة‪ .‬ابــدأ –أو ً‬
‫تشــعر باالســرتخاء يف أثنــاء هــذا التصــور‪ .‬ومــا أن حتقــق هــذا‪ ،‬حتــى يغــدو يف‬
‫وس ــعك االنتق ــال إىل اخلط ــوة التالي ــة‪ ،‬وه ــي أن تتص ــور امل ــدرس وه ــو يط ــرح‬
‫عليــك س ـ االً‪ .‬وعنــدما تغــدو قــادرًا علــى ختيــل هــذا املوقــف والبقــاء يف حالــة‬
‫يــب عـن هــذا السـ ال‪ .‬نــرر‬ ‫اسـرتخاء يف أثنائــه‪ ،‬حــاول ختيـل نفســك وأنــت‬
‫هــذا التــدريب حتــى ت ديــه مــن دون أن تشــعر بــالتوتر‪ .‬ثــم تصــور نفســك وأنــت‬
‫تب ــادر – تلقائي ـ ـا وم ــن دون سـ ـ ال – إىل التع ــبري ع ــن رأي ــك يف الفص ــل‪ ،‬وه ــو‬
‫الســلوك الــذي تشــعر بصــعوبة يف القيــام بــه‪ ،‬وواصــل هــذ‪ .‬التصــور حتــى تشــعر‬
‫براحــة تامــة يف أثنائــه‪ .‬قــد يكــون هــذا التــدريب عقليــا وتقــوم بــه بصــمت‪ ،‬ولكــن‬
‫يب بصوت عال عن الس ال املتايل‪ ،‬وواصـل‬ ‫كن إضافة بُـعد صوتي له بأن‬
‫ذل ــك حت ــى تفعل ــه بيس ــر وس ــهولة‪ .‬ث ــم ح ــاول –ن ــي تغ ــدو قريب ــًا م ــن األداء‬
‫الواقعي– أن تفعل ذلك أمام أصدقاء مقرب إليك‪ .‬وسوإ تكـون بعـد ذلـك‬
‫نلــه – يف أيلــب ال ــن – جــاه ًا ملمارســة هــذ‪ .‬املهــارة التواصــلية يف مواقعهــا‬
‫الفعلية‪.‬‬
‫مارس التونيد الذاتي بالفعل‪ :‬تلـك هـي اخلطـوة الصـعبة بالنسـبة لشـاص‬ ‫ه ـ)‬
‫يــب عــن‬ ‫ال ي نــد ذاتــه‪ ،‬وهــي أن ــارس هــذا التونيــد بالفعــل‪ .‬حــاول أن‬
‫س ـ ال تكــون متأن ـدًا –بالفعــل – مــن صــحته‪ .‬فــإذا إلحــت يف ذلــك ن ـافئ‬
‫ال)‪ ،‬واجعل املكافأة سريعة‪ .‬وعندما‬
‫نفسك بشيء حتبـّه (قطعة من افلو م ً‬
‫يــارس الســلوك املريــو ‪ ،‬اســأل أصــدقاءك عــن انطباعــاتهم‪ ،‬فغالبــًا مــا تكــون‬
‫داعمـة لـك‪ .‬وال تـنس أنـك قـد تتعـرض للفشـل يف ا ـاوالت األوىل‪ ،‬وهـو أمـر‬
‫ت ـك لتكــرار ا اولــة‬ ‫ينبغــي أال ي ـ ري اإلحبــاط لــديك‪ ،‬بقــدر مــا يســت ري ع‬
‫واالستفادة من الفشل‪.‬‬

‫‪- 93 -‬‬
‫أنت وأنا‬

‫إال أن عليــك يف أثنــاء ممارســة ســلوك تــدربت عليــك حدي ــًا أن تكــون حــذرًا‬
‫وتراعي العوامل املاتلفة األخر ‪ :‬نالسـياق والشـاص ا خـر‪ .‬إذ قـد يغـدو تونيـدك‬
‫لذاتك ضربـًا من العدوان نتيجة لعدم يرسك بهذا ال ـر مـن السـلوك‪ ،‬فتسـتدعي‬
‫من ا خرين استجابات قد ت يد من إحباطك وخماوفك‪.‬‬

‫املعلوم ــات واملش ــاعر واألفك ــار واال اه ــات املتص ــلة ب ــذواتنا الــ ت ــدور يف داخلن ــا‬
‫حتتــل مراتــب خمتلفــة فيمــا يتصــل بإمكانيــة نقلــها لرخــرين‪ .‬فهنــاك أمــور نتحــدي عنهــا‬
‫حبريــة – مــن دون حــر – ملع ــم النــاس‪ ،‬وهنــاك أمــور نتحــدي عنهــا مــن دون حــر لــبعق‬
‫الناس‪ ،‬لكن هنـاك أمـورًا نشـعر بـافر إذا حتـدثنا بهـا ألحـد‪ .‬وعلـة ذلـك أن ذواتنـا مثينـة‬
‫بالنسبة لنا‪ ،‬والتحدي عن بعق املشاعر واالنفعاالت واألفكار قد ي ري ي ب من حولنـا أو‬
‫ساريتهم أو نفورهم منا‪ ،‬وقد يعرضنا ل دانة واالتهام‪ ،‬أو قد ي هرنـا يف صـورة ضـعيفة أو‬
‫يري مقبولة اجتماعيـ ا‪ .‬إال أن ن ريًا من هـذ‪ .‬األمـور إذا بقيـت تعتمـل يف داخلنـا فإنهـا قـد‬
‫ت يد من ال غ النفسي‪ ،‬وقـد تتفـاقم فتف ـي إىل حـاالت مـن القلـق أو القهـر أو الشـعور‬
‫بالــذنب‪ ،‬وتســد علينــا أبــوا حــل املشــكالت‪ ،‬وت ــفي مناخـًـا مــن االضــطرا عل ـى عالقتنــا‬
‫ب ــا خرين‪ .‬ل ــذلك ن ــان الب ــوح مهم ــة ص ــعبة‪ ،‬ال ب ــد م ــن ام ــتالك ال ــوعي به ــا ومه ــارات‬
‫ممارستها‪.‬‬
‫والبــوح هــو توصــيل معلومــات عــن ذاتــك لشــاص آخــر تعتقــد أنــه ال يعرفهــا‪.‬‬
‫وينبغي مالح ة اجلوانب التالية يف هذا التعريف‪:‬‬
‫إن هذ‪ .‬املعلومات قد تتاذ صـورًا شـتى‪ ،‬فقـد تكـون بوحًـا لف ي ـا صرحيـًا‪ ،‬وقـد‬ ‫أ)‬
‫تكون حرنـات يـري لف يـة‪ ،‬وقـد تكـون اعرتافـات مكتوبـة‪ .‬نمـا أنهـا قـد تكـون‬
‫حوادي أو مشاعر أو أفكار أو قرارات‪.‬‬
‫تك ــن‬ ‫ــن نعتق ــد أن ه ــذ‪ .‬املعلوم ــات جدي ــدة بالنس ــبة ملــنْ نب ــوح ل ــه‪ ،‬ف ــإذا‬ ‫)‬
‫نذلك فقدت قيمتها إىل حـد نـبري‪ .‬إال أنـه مـن املمكـن أن يكـون هـذا ا خـر‬

‫‪- 94 -‬‬
‫مقدمة في مهارات التواصل اإلنساني‬

‫عارفـًا مبا نبوح له به من دون أن ندري‪ .‬ويف هـذ‪ .‬افالـة يفيـد البـوح يف ترسـيا‬
‫عالقة جديدة معه‪ ،‬ويف التافيف عن أنفسنا‪ .‬إال أن الغالب األعم هـو أن تكـون‬
‫املعلومة جديدة حتى تكون بوحـًا‪.‬‬
‫أن يكون هناك شـاص آخـر‪ .‬ففـي بعـق األحيـان قـد نبـوح ألنفسـنا بـأمور عـن‬ ‫جـ)‬
‫أنفسنا‪ ،‬ويكون التواصل يف هذ‪ .‬افالـة ذاتي ـا جواني ـا‪ .‬وعلـى الـريم مـن أهميـة‬
‫هذا البوح اجلواني‪ ،‬إال أن الغالب يف البوح التواصلي أن يكون مع شاص آخر‪.‬‬

‫البوح املتبادل‪ :‬يالبـًا ما يكـون البـوح متبـادالً‪ .‬فالشـاص يبـوح لرخـر –عـادة–‬ ‫أ)‬
‫إذا نان هذا ا خر قد باح له قبل ذلك‪ .‬وهكذا يسري البوح –حل ونيـا– فيبدأ‬
‫الشاص ببوح ما‪ ،‬فيشجع هذا ا خر‪ ،‬فيبوح بدور‪ ،.‬وهكـذا تتسـع دائـرة البـوح‪.‬‬
‫وعادة ما يكون هذا البوح التبادلي أن ر محيمية من يري‪..‬‬
‫حجــم اجلمهــور‪ :‬حيــدي البــوح عــادة يف مجاعــات صــغرية أن ــر مــن حدوثــه يف‬ ‫)‬
‫مجاع ــات ن ــبرية‪ ،‬ويالب ــًا م ــا ال تتج ــاوز اجلماع ــة اث ــن ‪ .‬ف ــالب وح يس ــتطيع‬
‫مالح ة رد فعـل املبـاح لـه وتغذيتـه الراجعـة‪ ،‬فيكيـف بوحـه يف ضـوء هـذا‪ ،‬وهـو‬
‫أمر يصعب القيام بـه مـع أن ـر مـن شـاص‪ .‬ثـم إن وجـود شـاص واحـد نبـوح‬
‫له‪ ،‬ال ينقل مكنونات الذات دفعة واحدة من مكامن النفس إىل العراء املكشـوإ‬
‫أمام عدد نبري من الناس‪ ،‬وإمنا يبقيه حمصورًا ب شاص ‪ ،‬فيحافْ علـى‬
‫و يسهل البوح‪.‬‬ ‫خصوصيته على‬
‫املوضوع‪ :‬هنـاك موضـوعات يصـعب البـوح بهـا أن ـر مـن يريهـا‪ ،‬نتلـك الـ‬ ‫جـ)‬
‫تكشـ ــف عـ ــن ضـ ــعف فينـ ــا مـ ــن النـ ــوع الـ ــذي قـ ــد يسـ ــت ري شـ ــفقة ا خـ ــرين أو‬
‫س ــاريتهم‪ ،‬أو يهــ ص ــورتنا االجتماعي ــة أمــامهم‪ .‬ف ــالبوح ب ــبعق املوض ــوعات‬
‫يهــدد ذات الب ـ وح أن ــر مــن بع ــها ا خــر‪ .‬بعبــارة أخــر ‪ ،‬فــإن البــوح بــأمور‬
‫إجيابيــة أســهل مــن البــوح بــأمور ســلبية‪ ،‬نمــا أن البــوح بــأمور ســلبية يتطلــب‬

‫‪- 95 -‬‬
‫أنت وأنا‬

‫ال قــة أن ــر مــن البــوح بــأمور إجيابيــة‪ .‬وجيعلنــا البــوح مبــا هــو إجيــابي أن ــر‬
‫جاذبية يف عيون ا خرين‪ ،‬يف ح أن البوح مبا هو سل ال حيقق هذا اهلـدإ‪،‬‬
‫خصوصًا إذا نان ذلـك يف مراحـل مبكـرة مـن العالقـة‪ ،‬أو إذا نـان هـذا البـوح‬
‫لشاص يريب نسبيـا‪.‬‬
‫اجلــنس‪ :‬النســاء ب وحــات أن ــر مــن الرجــال‪ ،‬ولكــن النســاء والرجــال يبوحــون‬ ‫د)‬
‫و متساو‪ .‬والنساء أن ر بوحـًا من الرجال عمّـا ي ـايقهم‬ ‫بأمور سلبية على‬
‫ــا‪ .‬أص ــدقائهم‪.‬‬ ‫يف شــرنائهم وعالقــاتهم الس ــابقة وخمــاوفهم ومش ــاعرهم‬
‫ويعطي الرجال والنساء أسبابـًا خمتلفـة لتجنـب البـوح ولكـنهم يشـرتنون يف‬
‫الســبب الــرئيس لــذلك‪ ،‬وهــو اخلــوإ مــن إعطــاء صــورة يــري مريــو فيهــا عــن‬
‫الذات‪ .‬وملا نانـت هـذ‪ .‬الصـورة تلعـب دورًا مهمـًا يف قبـول الشـاص أو إلاحـه‪،‬‬
‫فــإن هــذا اخلــوإ يغــدو مفهومــًا‪ .‬أمــا األســبا األخــر فتاتلــف ب ـ الرجــال‬
‫والنس ــاء‪ .‬فالرج ــال يتحرج ــون م ــن الب ــوح ألن ه ــذا ق ــد يكش ــف ع ــن ض ــعف يف‬
‫ياسكهم السلوني‪ ،‬أو ألن هذا قـد يفقـدهم سـلطتهم علـى ا خـرين‪ ،‬أو نـي‬
‫ال تتــأثر عالقــاتهم بهــم‪ .‬أمــا النســاء فــيحجمن عــن البــوح ألن هــذا البــوح قــد‬
‫يعطي ا خـرين معلومـات قـد يسـتادمونها ضـدهن‪ ،‬أو ألنـه قـد يشـكل م شـرًا‬
‫علــى اضــطرا انفعــالي‪ ،‬أو ألنــه كــن أن يـ ذي عالقــة مــا‪ .‬إن الســبب الــرئيس‬
‫الــذي جيعــل النســاء يتجــنه الب ــوح هــو ريبــتهن يف تفــادي األذ الشاص ــي‪،‬‬
‫وحتاشي املشكالت ال قد تصيب العالقات نتيجة مل ل هذا البوح‪.‬‬
‫املبـاح لــه‪ :‬وتـ ثر عالقتنــا مـع الشــاص الــذي ســنبوح لـه يف إمكانيــة هــذا البــوح‬ ‫هـ )‬
‫وتكــرار‪ ..‬وتشــري الدراســات إىل أننــا نبــوح أن ــر مل ـنْ هــم قريبــون منــا‪ :‬إخوتنــا‪،‬‬
‫بـّهم‬ ‫ـبهم أن ـر ممـنْ ال‬ ‫عائلتنا‪ ،‬وأصدقاءنا املقرب ‪ .‬نما أننا نبوح ملنْ‬
‫بغــق الن ــر عــن القرابــة أو القــر ‪ .‬و ــن نــذلك أميــل إىل البــوح ألنــاس‬
‫يقبلوننـ ــا ويفهموننـ ــا‪ ،‬يتسـ ــمون بالـ ــدإء‪ ،‬وي هـ ــرون الـ ــدعم‪ .‬نمـ ــا أن طـ ــول‬

‫‪- 96 -‬‬
‫مقدمة في مهارات التواصل اإلنساني‬

‫العالق ـ ــة ي ي ـ ــد م ـ ــن احتم ـ ــاالت الب ـ ــوح‪ .‬وط ـ ــال اجلامع ـ ــة أمي ـ ــل إىل الب ـ ــوح‬
‫ألصدقائهم أن ر من آبائهم‪ .‬وتبـوح طالبـات اجلامعـة ألمهـاتهن وصـديقاتهن‬
‫أن ر من آبائهن‪ .‬ويبوح األزواح لبع هم أن ـر مـن بـوحهم ألي شـاص آخـر‪.‬‬
‫واألشااص املت وجون يبوحون ألصدقاء أقـل ممـا يفعـل يـري املتـ وج ‪ .‬إال إن‬
‫الـ ــ وا ال يلع ـ ــب نف ـ ــس ال ـ ــدور بالنس ـ ــبة للنس ـ ــاء‪ ،‬فه ـ ــو ال يـ ــ ثر يف ب ـ ــوحهن‬
‫لصديقاتهن‪ ،‬وقد يكون مرد هذا أن النساء ـنحن للعالقـات الشاصـية قيمـة‬
‫أنا مما يفعل الرجال‪ ،‬والنتيجة هي أن النساء يواصلن صداقاتهن حتـى لـو‬
‫أرض ــيت حاج ــاتهن افميم ــة ع ــن طري ــق الـ ـ وا ‪ ،‬بينم ــا ق ــد يس ــمح الرج ــال‬
‫للصداقات بال مور‪.‬‬

‫ال– أن يبوح مبكنونات نفسـه لشـاص آخـر مثـة فوائـد‬


‫ملاذا ينبغي للمرء –أص ً‬
‫ـو عـابر يف مطلـع حتـدثنا عـن البـوح‪ ،‬ونفصـل القـول‬ ‫أو مثار ن رية أشرنا إليها على‬
‫فيها –بعق الشيء– فيما يلي‪:‬‬
‫معرفــة الــذات‪ :‬يكشــف لــك بوحــك عــن من ــور جديــد لــذاتك‪ ،‬ويتــيح لــك‬ ‫أ)‬
‫فهمـً ا أعمق لسـلونك‪ ،‬إن الشـاص ذو الصـحة النفسـية افسـنة بـ وح لعـدد‬
‫قليل من األشااص املهم له‪ ،‬وإىل حـد متوسـ للبيئـة االجتماعيـة األوسـع‬
‫نسبيـا‪ .‬أما األشااص ذوي التكيف السيء فإنك تراهم مفرط يف بوحهم أو‬
‫أنهم ال يبوحون أبدًا‪ .‬إن ما ي األشااص األسوياء هو البـوح االصـطفائي أو‬
‫البوح املعتدل‪.‬‬
‫القــدرة علــى التكيــف‪ :‬تتحســن القــدرة علــى التعامــل مــع املشــكالت‪ ،‬وخصوصــًا‬ ‫)‬
‫مشــكالت اإلحســاس بالــذنب‪ ،‬مــن خــالل البــوح‪ .‬إن أح ـد املاــاوإ الكــبرية عنــد‬
‫الناس هو خوفهم من أال يكونـوا موضـع قبـول بسـبب سـر عميـق يف حيـاتهم‪ ،‬أو‬
‫بســبب خطــأ ارتكبــو‪ ..‬وملــا ننــا نعتقــد إن م ــل هــذ‪ .‬األمــور قــد تعرضــنا للنبــذ‪،‬‬

‫‪- 97 -‬‬
‫أنت وأنا‬

‫يتقبـل ا خـرون بوحنـا بانفتـاح وتعـاطف‪،‬‬ ‫س بالذنب والقلـق‪ .‬فـإذا‬ ‫فإننا‬


‫فســوإ تتفــاقم إحساســات الــذنب والقلـق فينــا‪ .‬وبــالعكس‪ ،‬فــإذا أحسنــّا اختيــار‬
‫م ــن نب ــوح ل ــه‪ ،‬وني ــف نفع ــل ذل ــك‪ ،‬ومت ــى‪ ،‬فق ــد نتاف ــف م ــن وط ــأة ه ــذ‪.‬‬
‫اإلحساسات‪.‬‬
‫فعاليــة التواصــل‪ :‬ــنح البــوح التواصــل محيميــة وفعاليــة أنــا‪ ،‬وي يــد مــن‬ ‫جـ)‬
‫فرصنا لفهم بع نا‪ ،‬ولتبادل خماوفنا ومسراتنا ومشاعرنا عمومًا‪ .‬بل إننـا قـد‬
‫ال إذا باح أمامنا مبكنونات ذاته‪.‬‬
‫صا ما حقـا إ ّ‬
‫ال نفهم شا ً‬
‫الصــحة اجلســمية‪ :‬يبــدو أن الب ـ وح أقــل عرضــة للمــرض‪ .‬فــالبوح حيمــي –‬ ‫د)‬
‫فيمــا يبــدو– اجلســم مــن التــوترات ال ـ ترافــق الكتمــان‪ .‬إن ال ــغ النفســي‬
‫الــذي يصــاحب الكتمــان يـ ثر يف اجلهــاز العصـ ‪ ،‬نمــا يـ ثر يف عــدة وظــائف‬
‫فـف –نمـا‬ ‫جسمية‪ ،‬م ل ضغ الدم واهل ـم ويـري ذلـك‪ .‬بـل إن الكتمـان‬
‫أشارت بعق الدراسات– من املناعة يف وجه ن ري من األمراض‪.‬‬

‫يكن للبوح خماطر‪ ،.‬ملـا نانـت هنـاك مشـكلة فيـه أصـالً‪ .‬وبصـورة عامـة‪،‬‬ ‫لو‬
‫فكلما نانت املغامن املمكنة نبرية‪ ،‬نانت املغارم املمكنة نبرية نذلك‪ .‬فـال بـد مـن‬
‫موازنــة ال مــار واملاــاطر قبــل االخنــراط يف بــوح ذاتــي ذي مغ ـ ‪ .‬واملاــاطر أنــواع‪ ،‬فقــد‬
‫يفق ــد امل ــرء – نتيج ــة للب ــوح– عمل ــه‪ ،‬أو يع ــاق تقدم ــه ال ــوظيفي‪ ،‬أو حيات ــه األس ــرية‬
‫واالجتماعية أو أي جانب آخر من جوانب حيـاة املـرء‪ .‬إن املرشـح السياسـي الـذي يصـرح‬
‫اطر به صـورته يف عيـون ناخبيـه‪ ،‬نمـا أن املعلمـ‬ ‫بأنه نان يراجع طبيبـًا نفسيـا‬
‫الذين يبوحون بأسـرار عـن ممارسـات ال يتوقـع ا تمـع أن يقومـوا بهـا قـد يطـردون مـن‬
‫املهنـ ــة نلـ ــها‪ .‬بـ ــل إن البـ ــوح قـ ــد يسـ ــبب مشـ ــكالت يف العالقـ ــات افميمـ ــة والطويلـ ــة‪.‬‬
‫فالصــراحة الفجــة املنفلتــة هلــا آثــار ســيئة‪ .‬واملــرء يســتطيع أن يتايــل بســهولة نيــف‬
‫كــن أن ي ـ ثر اعــرتاإ مــا يف عالقــة زوجيــة‪ .‬إن نــل التواصــل يــدور حــول اختيــارات‪،‬‬

‫‪- 98 -‬‬
‫مقدمة في مهارات التواصل اإلنساني‬

‫واختيارات البـوح صـعبة ألن آثـار‪ .‬كـن أن تكـون مهمـة‪ ،‬وال كـن التوقـع بهـا بسـهولة‪.‬‬
‫فالبوح قد يأتي لشاص ما مبغامن نـبرية‪ ،‬إال أنـه قـد يفـرض علـى آخـر مغـارم ثقيلـة‪.‬‬
‫وينبغي على البـ و ح أال ينسـى أن الرسـائل التواصـلية ال تقبـل العكـس‪ ،‬لـذلك عليـه أن‬
‫يرتو قبل اختاذ قرار البوح‪.‬‬

‫إرشــادات تتصــل بــالبوح‪ ،‬وقتــه ونيفيتــه‪ :‬ليســت هنــاك قاعــدة ذهبيــة ت ــمن‬ ‫أ)‬
‫حتقي ــق الب ــوح أله ــداإ إجيابي ــة‪ ،‬فعل ــى ن ــل ام ــر أن يتا ــذ ق ــرار‪ .‬اخل ــاص‬
‫بالبوح‪ .‬إال أن اإلرشادات التالية قد ختفف من املااطر وت يد من ال مار‪.‬‬
‫عل ــه‬ ‫ع ــل بوح ــك يـ ـ ذي ا خ ــرين‪ ،‬وال‬ ‫ل ــيكن بوح ــك مفيـ ـدًا‪ :‬ال‬ ‫‪‬‬
‫وسيلة ملعاقبة ذاتك‪ ،‬ولكن اجعله مطية لتحس عالقاتـك بـا خرين‪،‬‬
‫أو رفع معنوياتك‪ ،‬أو افصول على العون‪.‬‬
‫لــيكن بوحــك مالئمــًا‪ :‬ينبغــي أن يكــون البـوح مالئمًــا للســياق وللعالقــة‬ ‫‪‬‬
‫ب الب وح واملباح له‪ .‬سل نفسك ما إذا نـان الوقـت وال مـان مناسـب‬
‫للبــوح‪ ،‬أو مــا إذا نــان مــن األف ــل ترتيــب زمــان ومكــان أف ــل‪ .‬ثــم إن‬
‫و طبيعي مع املوقف والعالقة‪ .‬فإذا نـان‬ ‫البوح ينبغي أن يتطور على‬
‫البوح محيمـًا‪ ،‬فال بد أن تكون العالقـة محيمـة‪ ،‬ولـن يكـون مـن املالئـم –‬
‫على سـبيل امل ـال – أن يـأتي بـوح مـن هـذا النـوع يف بـوانري العالقـة‪ .‬إن‬
‫البــوح ل ــيس معلقــًا يف خ ــواء‪ ،‬لكنــه يكتس ــب جــدوا‪ .‬وإلاح ــه‪ ،‬أو عقم ــه‬
‫وفشــله مــن ســياق زمــاني‪ ،‬مكــاني ونفســي مــرتب بتــاريا العالقــة ذاتهــا‬
‫وعمقها‪.‬‬
‫ال تنس بوح ا خر‪ :‬أع ا خر – مـن خـالل بوحـك– فرصـة ملبادلتـك‬ ‫‪‬‬
‫جيـر م ـل هـذا التبـادل فأعـد تقيـيم بوحـك‪ .‬فقـد يكـون‬ ‫البوح‪ .‬فـإذا‬
‫عدم التبادل إشارة تنبيه ني يعن الن ر أن ر يف مالءمة ا خـر هلـذا‬

‫‪- 99 -‬‬
‫أنت وأنا‬

‫الب ــوح‪ .‬ولتجن ــب امل ــي بعيـ ـدًا يف ب ــوح م ــن ط ــرإ واحـ ـد‪ ،‬ق ــم ب ــالبوح‬
‫تدرجييـا‪ ،‬وعلى دفعات‪ ،‬حتى يكون يف وسـعك مراقبـة التغذيـة الراجعـة‬
‫من املستقبل‪ ،‬ونـي تـتمكن مـن الرتاجـع يف الوقـت املالئـم إذا شـعرت أن‬
‫بوحك ليس يف مكانه‪.‬‬
‫وازن ب مغامن البوح ومغارمه‪ :‬ال تكن اندفاعي ـا يف بوحـك‪ ،‬فقـد تـدفع‬ ‫‪‬‬
‫مثن ــًا باه ــًا إذا حب ــت مبوض ــوع ي ــري مناس ــب يف وق ــت ي ــري مناس ــب‪ ،‬أو‬
‫لشاص يري مناسب‪ .‬تأمل مليـًا يف عواقب البوح‪ ،‬وتصرإ يف ضوء هذا‪،‬‬
‫إذ ال جدو من بوح ي يد من مشكالتك ويعمقها‪.‬‬
‫إرشــادات تتصــل باالســتجابة لبــوح ا خــرين‪ :‬إذا بــاح لــك أحــد مبكنونــات ذاتــه‪،‬‬ ‫)‬
‫فتلك –يف العادة– عالمة ثقة وحب‪ .‬فإذا أردت أن تقوم – نمـا جيـب – بهـذ‪.‬‬
‫الوظيفــة االســتقبالية البالغــة األهميــة‪ ،‬فقــد تكــون اإلرشــادات التاليــة مفيــدة‬
‫لك‪:‬‬
‫ال‪ :‬عنــدما تســتمع لبــوح شــاص آخــر‪ ،‬افعــل‬
‫نــن مستمعــًا نشطــًا وفعــا ً‬ ‫‪‬‬
‫ذل ــك بفعالي ــة‪ ،‬واس ــتمع ملس ــتويات املعن ــى املاتلف ــة‪ .‬ن ــن متعاطف ــًا‪،‬‬
‫ولــيكن ذهنــك وقلبــك مفتــوح ‪ .‬أعــد صــياية مــا قالــه الب ـ وح حتــى‬
‫تتأند من فهمـك ألفكـار‪ .‬ومشـاعر‪ .‬الـ حيـاول توصـيلها لـك‪ .‬عـا‬
‫ــو‬ ‫عــن تفهم ــك ملشــاعر امل ــتكلم حت ــى تتــيح ل ــه فرص ــة رؤيتهــا عل ــى‬
‫موضــوعي أمامــه مــن خــالل عيــون ا خــرين‪ .‬اطــرح أســئلة حتــى تتأنــد‬
‫من فهمك‪ ،‬وتبدي اهتمامك وانتباهك‪.‬‬
‫شجع الب وح وادعمه‪ :‬عا عن دعمك لرخر يف أثنـاء بوحـه وبعـد‪ ..‬وال‬ ‫‪‬‬
‫تسارع إىل التقييم‪ ،‬فليس هذا وقته‪ .‬ال تقـل لـه مـ الً‪" :‬مـا نـان عليـك‬
‫أن تقول هذا" أو "لقد نانـت يلطـة فادحـة تلـك الـ ارتكبتهـا"‪ .‬رنـ‬
‫علــى فهمــك وتعاطفــك مــع مــن يبــوح لــك‪ .‬اتــرك لــه حتديــد ســرعة‬

‫‪- 011 -‬‬


‫مقدمة في مهارات التواصل اإلنساني‬

‫بوحه‪ ،‬وال تطارد‪ .‬بأسئلة تشي بف ـولك أن ـر ممـا تشـي بتعاطفـك‪.‬‬


‫وليكن دعمك واضحـًا ملن يبوح لـك مـن خـالل اسـتجاباتك اللف يـة‪،‬‬
‫ويــري اللف يــة‪ .‬حــافْ علــى التواصــل البصــري معــه‪ ،‬وا ــن با اهــه‪.‬‬
‫وإذا طرحت أسئلة فلتكن ذات مغ ‪ ،‬تردد أصداء أفكار‪ .‬ومشاعر‪..‬‬
‫حــافْ علــى ســرية البــوح‪ :‬إذا بــاح شــاص لــك‪ ،‬فونــه يريــد منــك أن‬ ‫‪‬‬
‫تعرإ هذ‪ .‬املشاعر واألفكار دون يريك مـن النـاس‪ .‬لقـد فعـل ذلـك ألنـه‬
‫ــو خ ــاص‪ .‬ف ــإذا أفش ــيت أفكــار‪ .‬ومش ــاعر‪ .‬لرخ ــرين‪،‬‬ ‫ي ــق ب ــك عل ــى‬
‫فــاألرجح أن حتــدي نتــائج ســيئة‪ ،‬لعــل منهــا ع ـ وإ هــذا الشــاص عــن‬
‫البوح لك –أو لغريك– مرة أخر ‪ .‬وإذا عرإ آخرون بهذا فقد تنعون‬
‫عن البوح لك‪ ،‬باإلضافة إىل تعرض عالقاتك بهـم إىل خطـر حقيقـي‪.‬‬
‫إن خيانة هذ‪ .‬ال قة –عن قصد أو يري قصد– تهدم أساس تلك اخلاة‬
‫افميمة ال تعد رننـًا رئيسـًا من أرنان التواصل‪.‬‬
‫ال تستغل البوح ضد صاحبه‪ :‬يكشف ن ري من حاالت البـوح عـن بعـق‬ ‫‪‬‬
‫اهلشاش ــة أو ال ــعف ل ــد البـ ـ وح‪ .‬ف ــإذا اس ــتادمنا ه ــذا الب ــوح ض ــد‬
‫صاحبه فإننا سناون ال قة ال وضعها فينا‪ .‬لذلك‪ ،‬فمهمـا اشـتد بنـا‬
‫الغ ــب فعلينــا أن نقــاوم إيــراء اسـتادام البــوح نســالح ضــد صــاحبه‪،‬‬
‫ألننــا إذا اســتادمنا م ــل هــذا الســالح فــإن مــهل العالقــة ســيكون سيئــًا‬
‫ــن أنفســنا– بالــذنب والنــدم‬ ‫للغايــة‪ ،‬باإلضــافة إىل أننــا قــد نشــعر –‬
‫ألننا تصرفنا على هذا النحو‪.‬‬

‫يلعــب ا خــرون يف حياتنــا أدوارًا متعــددة‪ .‬فعنــدما نكــون صــغارًا فــإنهم يكونــون‬
‫مص ــدرًا للطع ــام والش ــرا والرعاي ــة اليومي ــة‪ ،‬وإذ نك ــا تـ ـ داد دائ ــرة ا خ ــرين ال ــذين‬
‫يتدخلون يف حياتنا ناألقار واجلريان واألقران واملعلم ‪ ،‬ويكونون يف بعق األحيـان‬

‫‪- 010 -‬‬


‫أنت وأنا‬

‫مصدرًا للدعم والتع ي ‪ .‬إال أن ه الء ا خرين قـد يكونـوا – يف أحيـان أخـر – مصـدرًا‬
‫للاــوإ والتهديــد‪ .‬إن ن ــرات ا خــرين وأقــواهلم ومــواقفهم وتقييمــاتهم لنــا تلعــب –‬
‫ــو ســالب‪،‬‬ ‫ــو موجــب أو علــى‬ ‫نلــها– أدوارًا تســهم يف تشــكيل ســلوننا ســواء علــى‬
‫وسوإ يكـون ثـار هـذ‪ .‬األدوار علـى شاصـياتنا آثـار باقيـة‪ .‬وينطبـق هـذا بوضـوح علـى‬
‫ق ية اخلوإ من التواصل‪ .‬فإذا نانت خـاات الشـاص يف ماضـيه‪ ،‬خصوصـًا عنـدما‬
‫ال‪ ،‬إجيابية محيدة تشجع على التعبري عن الذات‪ ،‬وتبث ال قة يف النفس‪ ،‬فـإن‬
‫نان طف ً‬
‫هــذا ســيجعل صــاحبها مقدامــًا يف املواقــف التواصــلية املاتلفــة‪ .‬وعلــى العكــس‪ ،‬فــإذا‬
‫نانــت تك ــر يف حياتــه مواقــف أحبطــت فيهــا حماوالتــه التواصــلية‪ ،‬فإنــه س ــين ع إىل‬
‫نب أي حماوالت أخر ‪.‬‬
‫ينبع اخلوإ من التواصل إما من رات شاصية عامة ن عف ال قـة بـالنفس‪،‬‬
‫أو اخلــوإ مــن ا خ ــرين‪ ،‬أو االنطــواء‪ ،‬أو م ــن عيــو يف النطــق‪ ،‬أو م ــن افتقــار إىل مه ــارات‬
‫التواص ــل املطلوب ــة‪ .‬ويش ــري ه ــذا اخل ــوإ إىل حال ــة م ــن الت ــوتر واالرتب ــاك م ــن التفاع ــل‬
‫نبـه‪ .‬وهـذا اخلـوإ يشـري إىل حقيقـة مهمـة‪ ،‬وهـي أن‬ ‫و جيعلـه حيـاول‬ ‫التواصلي على‬
‫ا خرين قد يلعبون دورًا خميفًـا‪ .‬إال أن هذا اخلوإ ينبع يالبًـا مـن داخـل الشـاص أن ـر‬
‫مما يصدر عن ا خرين حقـا‪.‬‬
‫يتجلى اخلوإ من التواصل يف صورة رة عامة ت هر لد الشاص يف خمتلف‬
‫املواقـف التواصــلية الـ يتعــرض هلـا‪ ،‬ســواء أنــان ذلـك يف الفصــل الدراسـي‪ ،‬أو لقــاء مــع‬
‫يربــاء ألول مــرة أو يف حفلــة‪ ..‬إخل‪ .‬وقــد يتجلــى أي ـًـا يف خــوإ مــن مواقــف بعينهــا‪ ،‬نــأن‬
‫اإ من التعبري عن ذاته يف الفصل الدراسي‪ ،‬ولكنه ال يشعر بذلك يف مواقف أخر ‪.‬‬
‫واخلوإ من التواصل درجات‪ .‬فهناك أناس متحررون من هذا اخلـوإ‪ ،‬يلـون‬
‫إىل التواصــل يف مناســبات ومواقــف شــتى‪ ،‬ويســتمتعون بــه وينجحــون فيــه‪ .‬وهنــاك علــى‬
‫الطــرإ ا خــر أنــاس يــتملكهم اخلــوإ يف ن ـ ري مــن األحيــان‪ ،‬فيعــانون مــن اإلحبــاط‬
‫واالضــطرا ويفشــلون يف حتقيــق أهــدافهم ال ـ تعتمــد علــى التواصــل‪ .‬وب ـ ه ـ الء‬

‫‪- 012 -‬‬


‫مقدمة في مهارات التواصل اإلنساني‬

‫وأولئك مجهور نبري –لعلـه مع منـا– يتفـاوت يف درجـات هـذا اخلـوإ وأنواعـه زيـادة‬
‫ونقصانًا‪.‬‬
‫يتجلى اخلـوإ مـن التواصـل يف سـلونات معينـة‪ ،‬نمـا تـنجم عنـه سـلونات‬
‫معينة‪ ،‬ومنها‪:‬‬
‫تناقص يف تكرار وقوة واحتمال االخنراط يف تفاعالت تواصلية‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫ن ــب ه ــذ‪ .‬التف ــاعالت‪ .‬وحت ــى إذا أج ــا اخل ــائف عل ــى االخن ــراط يف م ــل ه ــذ‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫التفاعالت‪ ،‬فإنه يفعل ذلك يف أضيق افدود املمكنة‪.‬‬
‫يتحــدي اخلــائفون أقــل‪ ،‬ويتجنبــون احــتالل مواقــع مـ ثرة وبــارزة‪ ،‬نــأن يكونــوا يف‬ ‫‪-‬‬
‫الصفوإ األوىل يف فصل دراسي أو اجتماع‪.‬‬
‫نب أدوار القيادة‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫نب التواصل البصري مع املتحدث خصوصًا إذا طرح س ال يتطلب اإلجابة‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫ــا‪ .‬املدرس ــة‪ ،‬وضــعف يف التحصــيل‪ ،‬وزيــادة يف احتم ــال‬ ‫ظهــور ا اهــات ســلبية‬ ‫‪-‬‬
‫التسر ‪.‬‬
‫تناقص جاذبيتهم االجتماعية‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫نب تولي وظائف تتطلب تواصالً (نالتدريس أو العالقات العامة)‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫ضعف الريبة يف التقدم واالرتقاء‪ ،‬رمبـا بسـبب ازديـاد التواصـل عنـد حصـول م ـل‬ ‫‪-‬‬
‫هذا التقدم‪.‬‬
‫يكون رضاهم عن أعماهلم أقل –يف الغالب– من يريهم‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫ال تعـ نــل هـذ‪ .‬امل ــاهر أن حيــاة اإلنسـان تتوقــف عنــد خوفـه مــن التواصــل‪،‬‬
‫فك ـ ري مــن النــاس الــذين تــتملكهم خمــاوإ التواصــل يســتمرون يف حيــاتهم‪ ،‬ويتــدبرون‬
‫أمرهم‪ ،‬إال أنهم يشعرون بتوتر أنا ومشكالت أن ر‪ ،‬نما أنهم ال يستمتعون نـ ريًا‬
‫اهلوا هذا اخلوإ‪ ،‬و حياولوا التحرر منه بانتسا مهـارات تواصـلية‬ ‫حبياتهم إذا‬
‫فعالة‪.‬‬

‫‪- 013 -‬‬


‫أنت وأنا‬

‫ينجم اخلوإ من التواصل عن عدة عوامل‪ ،‬منها‪:‬‬


‫اإلفتقار للمهارات واخلاات التواصـلية‪ :‬فكلمـا زادت هـذ‪ .‬اخلـاات يف حياتنـا‪،‬‬ ‫‪-‬‬
‫نلما ازددنا وعيًا أن ـر مبطالـب التواصـل‪ ،‬والعكـس صـحيح بطبيعـة افـال‪.‬‬
‫ل ــذلك نلم ــا امتلكن ــا مه ــارات تواص ــلية أن ــر‪ ،‬أمكنن ــا أن نق ــوم بالتواص ــل‬
‫فف إىل حد بعيد من‬ ‫بنجاح أنا‪ .‬وثراء هذ‪ .‬اخلاات‪ ،‬وتنوع هذ‪ .‬املهارات‬
‫خماوفه‪.‬‬
‫درجة التقييم‪ :‬نلما أدرك املرء أنه عرضة للتقييم من قبل ا خرين زاد خوفه‬ ‫‪-‬‬
‫من التواصل‪ .‬و كن مالح ة ذلك يف مقابالت العمل على سبيل امل ال‪.‬‬
‫مفه ــوم ال ــذات‪ :‬يـ ـ داد خوفن ــا م ــن التواص ــل إذا زاد إحساس ــنا بأنن ــا أق ــل مم ــن‬ ‫‪-‬‬
‫سنتواصل معهـم‪ ،‬سـواء يف مهاراتنـا التواصـلية أو يف خااتنـا أو يف مكانتنـا‪ .‬إن‬
‫ــو أن ــر إجيابيــة‪ ،‬واالرتقــاء مبهاراتنــا التواصــلية ســوإ‬ ‫إدراك ذواتنــا علــى‬
‫جيعلنــا نشــعر بأننــا أنــداد مــع ا خــرين‪ ،‬و نحنــا قــدرة أنــا علــى التفاعــل‬
‫الناجح معهم‪.‬‬
‫درجة ال هور‪ :‬نلما زاد عدد اجلمهور الذي نتحدي إليه‪ ،‬ونلما نـان انتبـا‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫هذا اجلمهور مسلطـًا علينا‪ ،‬نلما زادت فرصة ظهور هذا اخلوإ‪.‬‬
‫درجــة الغمــوض‪ :‬نلمــا زاد يمــوض موقــف مــا‪ ،‬وقلــت قــدرتنا علــى التوقــع مبــا‬ ‫‪-‬‬
‫سينتهي إليه‪ ،‬نلما زاد اخلوإ من التواصل‪ .‬لذلك فإن التواصل مع الغرباء‬
‫قد ي ري خماوفنا ألن معرفتنا بهم تكون قليلة فت يد درجة الغموض‪.‬‬
‫خــاات النجــاح أو الفشــل الســابقة‪ :‬نمــا يف جمــاالت أخــر مــن افيــاة‪ ،‬فــإن‬ ‫‪-‬‬
‫خاات التواصل السابقة إذا نانت ناجحة‪ ،‬فإنها تتحـول إىل عوامـل مشـجعة‬
‫لالخنراط يف خاات جديدة‪ .‬نما أن اخلـاات الفاشـلة تـ رع – يف نـ ري مـن‬
‫األحيان – شيئـًا من اخلوإ التواصلي يف املستقبل خشية تكرار الفشل‪.‬‬

‫‪- 014 -‬‬


‫مقدمة في مهارات التواصل اإلنساني‬

‫قــد يكــون مــن الصــعب حمــو اخلــوإ التواصــلي يامًــا‪ ،‬إال أنــه كــن التافيــف‬
‫منه إىل حد نبري‪ .‬واإلرشادات التالية قد تكون مفيدة يف هذا السبيل‪:‬‬
‫زد من خااتك ومهاراتك التواصلية‪ :‬ان ر يف نفسـك – نكـائن تواصـلي–‬ ‫‪-‬‬
‫مليـًا‪.‬‬
‫افحــص خماوفــك‪ :‬أنواعهــا ومواقفهــا ودرجاتهــا‪ .‬حــاول أن تفكــر يف أســبابها‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫ـاوز هـذ‪.‬‬ ‫شارك يف دورات تدريبية عن مهارات االتصـال‪ .‬اسـتادم إرادتـك يف‬
‫املااوإ‪ .‬ارفع من وترية مغامراتك التواصلية‪ ،‬ففي بعق األحيان – نما يف‬
‫جماالت أخر من افياة – من املناسب أن تدفع بنفسك يف مواقف تواصـلية‬
‫حمسوبة‪.‬‬
‫تدر مسبقـًا وتأهب‪ :‬نلما زاد تدريبك واستعدادك ملواجهة مهمة مـا‪ ،‬نلمـا‬ ‫‪-‬‬
‫ننت مسرتحيـًا أن ر يف مواجهتها‪ ،‬وقادرًا علـى تـولي أعبائهـا بكفايـة أنـا‪.‬‬
‫فـإذا ننـت تشـعر بـافر أو اخلـوإ مـن إلقـاء نكتـة‪ ،‬تـدر علـى ذلـك ذهنيــا‪،‬‬
‫وافعل ذلك‪ ،‬أحيانـًا أمام املرآة حتى حتس بالراحة يف إلقائها‪.‬‬
‫ــو‬ ‫رنـ ـ عل ــى النج ــاح‪ :‬فك ــر بنفس ــك‪ ،‬وباملهم ــات املطروح ــة علي ــك عل ــى‬ ‫‪-‬‬
‫إجيابي‪ .‬احشد طاقاتك ألداء املهمات ال أنت بصددها‪ ،‬واصـرإ عـن ذهنـك‬
‫ال فإنك ت يد مـن احتمـاالت هـذا‬
‫أفكار الفشل‪ ،‬ألنك إذا تصورت نفسك فاش ً‬
‫الفشل‪ .‬ورمبا نان العكس صحيحـًا أي ًـا‪ .‬فأنـت ت يـد مـن ح ـوظ إلاحـك‬
‫إذا وضعت نفسك يف مناخ النجاح‪ .‬وال تنس أنك إذا فشلت يف مرة سابقة فال‬
‫يع هذا أنك ستفشل بال رورة‪.‬‬
‫تهلف مع املوقف الذي ختـاإ منـه‪ :‬تعـرّإ علـى املوجـودين يف م ـل هـذا املوقـف‪،‬‬ ‫‪-‬‬
‫وتعرإ على القو الفاعلة فيه‪ ،‬وتعايش معه لفرتة أطول‪ ،‬وسوإ ختفـف هـذ‪.‬‬
‫األلفة من يموض املوقف وجدته‪ ،‬وهي عوامل ت يد – عادة – من اخلوإ‪.‬‬

‫‪- 015 -‬‬


‫أنت وأنا‬

‫ســا عميقــًا‪ ،‬حتــرك‪ ،‬اســتادم الســبورة م ـ الً‪ ،‬فهــذ‪.‬‬


‫حــاول االســرتخاء‪ :‬خــذ نف ً‬ ‫‪-‬‬
‫النشاطات ختفف من القلق الذي حتس به‪.‬‬
‫ال ختــف مــن اخلــوإ‪ :‬إن مع ــم خماوفنــا – نمــا ذنرنــا – تنبــع مــن داخلنــا‪،‬‬ ‫‪-‬‬
‫لذلك ففي وسعنا إنهاءها إذا توافرت لنا اإلرادة الكافية والتدريبات املالئمة‪.‬‬

‫‪- 016 -‬‬


‫مقدمة في مهارات التواصل اإلنساني‬

‫ــامرني أدنــى شــك يف أن نــل مــن ألــّف نتا ًب ـا يف التواصــل‪ ،‬توقــف‬ ‫ال يكــاد‬
‫طويالً عندما أراد أن يكتب القسم اخلاص باللغة اللف ية‪ .‬فهو – من جهة– يشـعر أنـه‬
‫لو نتا عن التواصل من فصل – أو أن ر– عن اللغـة اللف يـة‪ .‬وم ـل‬ ‫ال يعقل أن‬
‫هــذا الشــعور مــار يامــًا‪ ،‬إذ إن مع ــم التواصــل يــتم مــن خــالل هــذ‪ .‬اللغــة‪ .‬إال أن هــذا‬
‫األمر ذاته – من جهة ثانية – ي ري صعوبة حقيقية‪ .‬فالعالقة ب اللغة والتواصل تكاد‬
‫تشبه العالقة ب امل لث وزوايا‪ ،.‬أو ب املربع وأضالعه‪ ،‬عالقة منطقية يصـعب فصـلها‪،‬‬

‫‪- 017 -‬‬


‫أنت وأنا‬

‫مما جيعل اللغة اللف ية حاضرة ح و ًرا قويًـا نـل جنبـات التواصـل‪ :‬ألـيس االسـتماع‬
‫استماع ــًا للغ ــة لف ي ــة ث ــم أال ي ــتم اإلدراك االجتم ــاعي م ــن خ ــالل اللغ ــة وحتـ ــى‬
‫تصــوراتنا عــن ذواتنــا ال ـ ت ـ ثر يف التواصــل‪ ،‬فإنهــا تصــاا لغويـ ـا‪ ،‬أي أن نــل فصــل يف‬
‫التواصل هو فصل عن اللغة‪ .‬وحتى عندما نتحدي عن اللغة يري اللف ية نما تتبد‬
‫يف تعــبريات الوجــه وحرنــات اجلســم‪ ،‬فإننــا نفعــل ذلــك مبحاولــة ترمجــة اللغــة يــري‬
‫اللف ية إىل مفردات لف ية‪ .‬فكيف نفرد فصالً يف نتا عن التواصل ل ّلغـة اللف يـة‪،‬‬
‫وهذ‪ .‬اللغة مب وثة يف نل أرجاء التواصل بعبـارة أخـر نيـف إلعـل مـا هـو نـل يف‬
‫الكل جمرد ج ء يف ذلك الكل‬
‫ثــم إن إفــراد فصــل عــن اللغــة يف نتــا عــن التواصــل قــد يســوق املــرء للتحــدي‬
‫عنها بوصفها موضوعـًا للـّغويات‪ ،‬وهو ما تكرس له عـادة نتـب خاصـة‪ .‬إال أن مـا نريـد‪.‬‬
‫لـ ــيس اللغـ ــة نمـ ــا يدرسـ ــها العلمـ ــاء املتاصصـ ــون فيهـ ــا‪ ،‬أو نمـ ــا تناقشـ ــها نتـ ــب‬
‫متاصصة تبحث يف بنيتها وداللتها و وها وترانيبها‪ ،‬فما نسـعى إليـه هـو حبـث دور‬
‫اللغة اللف ية يف التواصل اإلنساني‪.‬‬
‫لعل هذا اإلحرا هو الذي جيعـل الفصـول اخلاصـة باللغـة اللف يـة يف نتـب‬
‫التواصــل ختتلــف –يف حمتواهــا– عــن بع ــها بع ًـا‪ .‬وهــذا االخــتالإ وإن نــان ي ــري‬
‫املوضــوع مــن خــالل مقاربتــه مــن جوانــب أو زوايــا خمتلفــة‪ ،‬إال أنــه يشــي بوجــود أزمــة يف‬
‫حتديد املوضوع‪ .‬ولعلي –هنا– أحاول املروق من هذا اإلحرا ‪ ،‬فأيكن من التحـدي عـن‬
‫اللغة بوصفها فعالً تواصليـا ‪ ،‬وأحبث يف خصائصـها مبـا هـي نـذلك‪ ،‬وليسـت مبـا هـي‬
‫موضــو ًعا للمهــتم باللغويــات عمومــًا‪ .‬ولعــل األمــر يقت ــي –أوالً– تعريفًـا خمتصـرًا‬
‫خبصائص اللغة ووظائفها الرئيسة‪ ،‬لننتقل بعـد ذلـك إىل دورهـا التواصـلي ومعيقاتـه‬
‫وسُـبل إرهافه وجعله فعاالً‪.‬‬

‫‪- 018 -‬‬


‫مقدمة في مهارات التواصل اإلنساني‬

‫لــن أنــون منســا ًقا وراء أي مبالغــة علــى اإلطــالق إذا قلــت أن اللغــة قــد تكــون‬
‫أع ــم انتشــاإ ‪ /‬اخــرتاع يف تــاريا اإلنســانية‪ .‬و كــن توضــيح هــذا القــول مــن خــالل‬
‫اخلصائص التالية‪:‬‬
‫األسـس الطبيعيــة للـّغة‪ :‬للغــة أســس طبيعيـة مــا نــان كـن أن تكـون بــدونها‪.‬‬ ‫‪–5‬‬
‫وهذ‪ .‬األسس موجودة –أصالً– نج ء من أجه ة اجلسم ووظائفها‪ .‬فهناك –‬
‫أوالً– جهــاز صــوتي قــوي ومــرن موجــود يف منطقــة الفــم ويســتند إىل الــرئت ‪.‬‬
‫وتكمــن قــوة هــذا اجلهــاز يف القــدرة علــى إصــدار أصــوات‪ ،‬والتالعــب حبجمهــا‬
‫وحدتها وسرعتها وتباينها مـن خـالل حـبس اهلـواء وإطالقـه باسـتادام افلـق‬
‫واللسان و ألسنان والشفت ‪ ،‬ممـا كنهـا مـن إصـدار أصـوات متمـاي ة‪ .‬صـحيح‬
‫أن هذ‪ .‬القدرة كن أن تتحسن بالتدريب‪ ،‬إال أنها موجودة أصالً عنـد اإلنسـان‬
‫ــو طبيعــي–‬ ‫الــذي انتشــفها فيمــا بعــد‪ .‬ويوجــد لــد اإلنســان ثانيــًا –علــى‬
‫جهاز رعي متطـور قـادر علـى نقـل األصـوات وإيصـاهلا للـدماا الـذي ي ـم يف‬
‫ترنيبته املعقدة –ثال ـًا– مناطق خاصة بالنشاط اللغـوي يف النصـف األيسـر‬
‫من ــه‪ ،‬ف ــإذا وض ــعنا يف االعتب ــار –رابع ــًا– تط ــور ه ــذا ال ــدماا ورقي ــه نس ــبة إىل‬
‫الكائنات افية األخـر مبـا جيعـل صـاحبه –اإلنسـان– يتمتـع بقـدرات واسـعة‬
‫على التفكري االستداللي واالستقرائي واإلبداعي‪ ،‬وأضفنا –خامسـًا– الطبيعة‬
‫االجتماعية ل نسان مبا يوجد لديه حاجات عميقة للتواصل‪ ،‬فإننا سـنجد أن‬
‫الطبيعة استكملت عدتها لتحقيق الفتح الع يم‪.‬‬
‫القـوة الرم يـة‪ :‬إال أن الشـرارة الـ جعلـت هـذ‪ .‬العناصـر تأخـذ يف العمـل علــى‬ ‫‪–4‬‬
‫ــو مرتانــب‪ ،‬وهــي شــرارة ظهــرت –يف أيلــب ال ــن– مبصــادفة يــري واعيــة‪،‬‬
‫كــن أن يشــحن العقــل البشــري بهــا‬ ‫نانــت يف انتشــاإ القــوة الرم يــة الـ‬
‫تعد هذ‪ .‬األصوات جمرد أصـوات‪ ،‬وإمنـا راحـت تغـدو رمـوزًا‬ ‫هذ‪ .‬األصوات‪ .‬إذ‬

‫‪- 019 -‬‬


‫أنت وأنا‬

‫تدل على أشياء وأفعال وحاالت وعالقات‪ .‬ولكن األصوات – ال ستسمى فيمـا‬
‫بعــد حروفــًا –تبقــى حمـدودة بالنســبة للتك ــر –يــري ا ــدود– لتلــك األشــياء‬
‫واألفعال وافاالت والعالقات‪ ،‬فاهتد اإلنسان –ذلك الكائن الذني املبدع–‬
‫إىل ترنيــب افــروإ مــع بع ــها بع ــًا ليصــنع نلمــات‪ .‬وملــا نانــت ســيالة‬
‫افياة متصلة متتابعة تتعاقـب فيهـا افـوادي زماني ـا وتتحايـث مكاني ـا مبـا ال‬
‫يكفي لكلمة أو نلمات منفصلة أن تعا عنهـا‪ ،‬فقـد انب قـت النصـوص –وهـي‬
‫ل نســان‪ .‬وملــا نانــت‬ ‫ــو ذي مغ ـ‬ ‫مجلــة نلمــات تــرتب فيمــا بينهــا علــى‬
‫الطبيعــة من مــة وفــق قــوان تــتحكم بهــا وليســت فوضــى ضــاربة‪ ،‬فقــد جــاءت‬
‫ـوًا‪ ،‬ي ــب أزمنتهــا وحاالتهــا‬ ‫اللغــة مســاوقة هلــا يف ن امهــا الــذي يســمى‬
‫وروابطها‪.‬‬
‫ـو ال يصـدق‬ ‫وراح هذا الكائن املدهش – الذي بدأ مبجرد أصـوات– يتوالـد علـى‬
‫حتى يدا ن امًا بالغ التعقيد حـافالً باالسـتعارات والتشـبيهات واملرادفـات‪ ...‬اخل‪.‬‬
‫وانتقــل مــن نونــه جمــرد إشــارات بســيطة –تعــا عــن حاجــات أساســية– ليصــبح‬
‫جماالً مجاليـا وعلميـا وعمليـا بالغ اإلرهاإ والتعقيد واإلحياء‪.‬‬
‫يتاذ أبعاد‪ .‬الكاملـة إال عنـدما أدرك اإلنسـان‬ ‫الكتابة‪ :‬إال أن الفتح الع يم‬ ‫‪–4‬‬
‫بذنائــه املتميـ أنــه إذا نانــت األصــوات كــن أن تكــون رمــو ًزا‪ ،‬فــإن اخلطــوط‬
‫ك ــن أن تك ــون ن ــذلك أي ًـ ـا‪ ،‬وأن ــر م ــن ه ــذا‪ ،‬فإن ــه ك ــن جع ــل الرم ــوز‬
‫املنطوقة‪ ،‬تدل على الرموز املكتوبة‪ .‬ويامـًا نما استادمت تلوينات األصـوات‬
‫لصناعة افروإ املنطوقة فقد استادمت أشكال اخلطوط املاتلفـة لصـناعة‬
‫افــروإ املكتوبــة‪ ،‬ثــم تواضــع النــاس علــى جعــل أصــوات منطوقــة بعينهــا تــدل‬
‫علــى خطــوط مرســومة بعينهــا‪ ،‬وعلــى جعــل نلمــات صــوتية معينــة تــدل علــى‬
‫نلمــات مكتوبــة م عينــة‪ ،‬فــانب ق جمــال جديــد ي ـ حافــل هــو جمــال اللغــة‬
‫املكتوبة‪ ،‬وبدالً من أن تتالشى اللغة اللف ية مبجرد نطقها‪ ،‬أو مبجـرد أن تهـب‬

‫‪- 001 -‬‬


‫مقدمة في مهارات التواصل اإلنساني‬

‫عليها رياح اإلنكار والنسـيان‪ ،‬ضـمنت أن تسـتقر مـاد طويلـة‪ ،‬فتسـجل خـاات‬
‫اإلنسان املاتلفة سواء على صعيد الفرد أو ال قافة‪.‬‬
‫امتداد اللغة‪ :‬ويتلـك اللغـة ثـراء داخليًـا هـائالً يتجلـى يف امتـدادها‪ ،‬أي قـدرتها‬ ‫‪–3‬‬
‫على التعبري عن حوادي يف أزمنة سابقة أو أزمنة آتيـة متوقعـة‪ ،‬ويف أمـانن قريبـة‬
‫أو أم ــانن بعيـ ــدة‪ .‬نمـ ــا يتجلـ ــى يف قـ ــدرة املفـ ــردات علـ ــى التحـ ــرك عـ ــا معـ ــانذ‬
‫خمتلف ــة‪ ،‬وخصوص ـًـا عن ــدما انتش ــفت ق ــدرة ه ــذ‪ .‬املف ــردات عل ــى التع ــبري ع ــن‬
‫العوا املعنوية والنفسية وا ردة استنادًا إىل العوا املادية‪ ،‬وبهذا يكنت اللغة‬
‫مــن تك يــف ذاتهــا إىل أقصــى حــد مســتادمة ا ــاز واالســتعارة‪ .‬إننــا نقــول‪" :‬املــاء‬
‫يغلــي" وهــذا معنــى مــادي ملمــوس نــرا‪ .‬رأي العـ ‪ ،‬ونقيســه ونصــفه مبصــطلحات‬
‫علمية موضوعية‪ .‬ولكننا نقول أي ًا إن "املشاعر تغلي" و "األحداي تغلي" و"الرأي‬
‫العام يغلي"‪ ،‬و"قلب األم يغلي"‪ ،‬و"األسعار تغلي"‪..‬إخل‪ .‬وإذا نانت الكلمة الواحـدة‬
‫كن تشري إىل مفاهيم متعـددة‪ ،‬فـإن املفهـوم الواحـد كـن أن يشـار إليـه بكلمـات‬
‫خمتلفة‪ ،‬فهناك "الطاولة واملن دة" و"الشباك والنافذة" "األ والوجع"‪ ،‬و"الكـرم‬
‫والسااء واجلود"‪ ،‬إىل آخر ما هنـاك مـن مرتادفـات لغويـة‪ .‬فـإذا أضـيفت حرنـات‬
‫الش ــكل ن ــالفتح وال ــم والكس ــر –نم ــا يف اللغ ــة العربي ــة – زاد ع ــدد الكلم ــات‬
‫بصورة نبرية‪.‬‬
‫السياق‪ :‬ال يقتصر هذا ال راء على االستعارات واملرتادفـات ويـري ذلـك ممـا أشـرنا‬ ‫‪–1‬‬
‫إليــه‪ ،‬إال أن الكلمــات تكتســب معــا ذن وألــوان وظــالل جديــدة‪ ،‬حســب الســياق الــذي‬
‫تـُـنطق فيــه‪ ،‬والــذي ي ــم العالقــات ب ـ املرســل واملســتقبل واملوقــف‪ .‬إن نلمــة يف‬
‫سياق مازح تع شيئًـا خمتلفًـا عمـّا تعنيـه يف سـياق جـاد‪ ،‬ونلمـة مـن أم البنتهـا‬
‫تع شيئًـا آخر يامًـا من شاص آخر هلذ‪ .‬االبنة‪.‬‬
‫من املمكن أن من ي بعي ًدا يف تبيان مواطن تعقد اللغـة وثرائهـا‪ ،‬ولكننـا سـنقع‬
‫نبــه‪ ،‬وه ــو حتويــل ه ــذا الفصــل إىل فص ــل يف نتــا ع ــن‬ ‫ــاول‬ ‫يا ًم ـا فيم ــا ننــا‬

‫‪- 000 -‬‬


‫أنت وأنا‬

‫اللغوي ــات‪ .‬إال أن األبع ــاد الـ ـ ذنرناه ــا نمج ــرد أم ل ــة تكف ــي – يف أيل ــب ال ــن –‬
‫لتوضــيح تعقيــد اللغــة‪ ،‬وهــو تعقيــد وإن نــان يـ ري اإلعجــا والدهشــة‪ ،‬فإنــه لــه نــواتج‬
‫سليبة يف بعق األحيان تعوق التواصل‪.‬‬

‫ال ــتفكري‪ :‬ح ــاول أن تفك ــر ب ــأي أم ــر‪ ،‬وح ــاول أن تفع ــل ه ــذا م ــن دون اس ــتادام‬ ‫‪–5‬‬
‫–‬ ‫الكلم ــات‪ ،‬وس ــتلمس –بيس ــر– ص ــعوبة ه ــذا األم ــر‪ .‬ب ــل إن بع ــق الب ــاح‬
‫متأثرين بهـذ‪ .‬العالقـة العميقـة بـ اللغـة والـتفكري وحـدوا بينهمـا‪ .‬إن وضـوح‬
‫ــاول نقــل أفكارنــا لبع ــنا – وهــي إحــد‬ ‫اللغــة يعكــس وضــوح الــتفكري‪ ،‬وإذ‬
‫مهمات التواصل الرئيسة – فال بد من أن نستادم لغة واضحة مبينة‪.‬‬
‫ال للتــداول‪ :‬اللغــة ن ــام رم ـ ي‪ ،‬حيــول العــا إىل من ومــات‬
‫جعــل العــا قــاب ً‬ ‫‪–4‬‬
‫رم يـة‪ .‬وبف ــل هـذا الرتميـ يغــدو يف وسـعنا حتليــل العـا وترنيبــه‪ ،‬وفصــل‬
‫عناصــر‪ .‬ووصــلها‪ ،‬واســتدعاء أشــياء مــن املاضــي‪ ،‬وتوقــع أشــياء يف املســتقبل‪ .‬إن‬
‫اللغة يكننا من التالعب بالعا نما يتالعب طفل بكريات صغرية‪.‬‬
‫اخرتاع عوا جديدة‪ :‬اللغة ال تر ّم العا أو ي له فقـ ‪ ،‬إنهـا خترتعـه أي ًـا‬ ‫‪–4‬‬
‫س ــواء أن ــان ذلـ ــك بت ــب حج ــج مـ ــن دون أخ ــر ‪ ،‬أم باملبالغ ــة أم الكـ ــذ ‪ ،‬أم‬
‫التايل‪ ،‬أم يسيل الدماا‪ .‬ومـن املمكـن تـ ي أمـر – باللغـة– وتشـويه أمـر آخـر‬
‫باللغة أي ًا‪.‬‬
‫التــأثري‪ :‬يســتطيع خطيــب مفــو‪ .‬أن حيــرض اجلمــاهري علــى القيــام مبــا يريــد‪،.‬‬ ‫‪–3‬‬
‫و كن لبائع بارع أن يقنع الناس بشراء سـلعته‪ ،‬ويسـتطيع وسـي خـري فصـيح‬
‫أن يصلح ذات الب نما يستطيع وسي شرير أن يشعل نار فتنة‪.‬‬
‫التعــبري‪ :‬و ــن نعــا باللغــة عمــّا يــدور يف عقولنــا‪ ،‬أو جيــيش يف قلوبنــا‪ ،‬ســواء‬ ‫‪–1‬‬
‫نان ذلك أفكار أو مشاعر أو حاجات أو أماني أو مشكالت أو خمـاوإ أو همـوم‬
‫أو توقعات‪.‬‬

‫‪- 002 -‬‬


‫مقدمة في مهارات التواصل اإلنساني‬

‫الوصف‪ :‬إذا نان التعبري ينصب على دخائل النفس‪ ،‬فإن الوصف ينصب علـى‬ ‫‪–7‬‬
‫العـ ــا اخلـ ــارجي‪ .‬فباللغـ ــة نصـ ــف األشـ ــياء الطبيعيـ ــة والصـ ــناعية والنـ ــاس‬
‫ا خرين‪.‬‬
‫املتعــة‪ :‬يف اللغــة مســاحة واســعة للمتعــة ســواء أنــان ذلــك بــاألد بأجناســه‬ ‫‪–6‬‬
‫املاتلفة من شعر ومسرح وقصة قصرية ورواية أم حتى بال رثرة ب األصـدقاء‬
‫وسرد النكات‪.‬‬
‫الــتعلم‪ :‬يــتم مع ــم الــتعلم –مبعنــا‪ .‬الواســع– ســواء نــان ذلــك يف البيــت أم‬ ‫‪–5‬‬
‫املدرســة‪ ،‬أم يــري ذلــك مــن ســياقات الــتعلم املاتلفــة‪ ،‬بوســاطة اللغــة إىل حــد‬
‫نبري‪.‬‬
‫التواصــل‪ :‬ويقصــد بالتواصــل تبــادل املعلومــات بوســاطة اللغــة اللف يــة ويــري‬ ‫‪–6‬‬
‫اللف ي ــة بـ ـ شاصـ ـ أو أن ــر‪ ،‬س ــواء أنانـ ـت ه ــذ‪ .‬املعلوم ــات معرفي ــة أم‬
‫عاطفية أو سلونية‪ .‬وتبدو أهمية هـذ‪ .‬الوظيفـة يف ضـوء اجتماعيـة اإلنسـان‪،‬‬
‫ويف أهمية اللغة لق اء حوائجه املاتلفة‪.‬‬
‫مــن املمكــن أن من ــي دون نهايــة تقري ًبــا يف تعــداد وظــائف اللغــة ألنهــا مب وثــة يف‬
‫نل جنبات افياة وثناياها وشقوقها‪ .‬فاللغة –أي ًا– أداة تدين‪ ،‬ومطية تـذّنر‪ ،‬ووسـي‬
‫ختطي ‪ ،‬وينبوع إحياء ويري ذلك مما حيف به عاملنا اخلارجي وعاملنا اإلنساني أي ًا‪.‬‬
‫ـو‬ ‫هذا التعقد والتك ر يف خصائص اللغة ويف وظائفها جيعل استادامها على‬
‫فعال ودقيق مسألة ليست يسرية على اإلطالق‪ .‬صحيح أننا نتحدي يف مع م الوقـت علـى‬
‫ــو يك ــاد يك ــون تلقائيـ ـا وآليـ ـا‪ ،‬إال أن علين ــا أن نق ــر –أي ـًـا – أنن ــا ن ـ ريًا م ــا نفش ــل يف‬
‫حتقي ــق أيراض ــنا ألس ــبا لغوي ــة‪ ،‬ونـ ـ ري م ــا نق ــع ض ــحايا لس ــوء الفه ــم والتف ــاهم‪ ،‬ب ــل‬
‫النقطاع العالقات ألسبا تتصل باستادامات خاطئة للتواصل اللف ي‪ .‬لذلك ال بد إذا‬
‫نــان لنــا أن نســتادم هــذا االخــرتاع املــدهش مــن أن نتــدر علــى املهــارات ال ـ ت ـ من لنــا‬
‫حتقيق أيراضنا بوساطته على النحو الذي نريبه‪.‬‬

‫‪- 003 -‬‬


‫أنت وأنا‬

‫من املمكن يامـًا أن ي للنا الوجه السهل للغة‪ ،‬فنعتقد أن استادامها مسـالة‬
‫ال حتتــا جلهــد خــاص‪ .‬فهــاهم أولئــك نــل النــاس يتحــدثون ويتواصـلون مــن دون أن‬
‫يدرسوا مساقـًا يف مهارات التواصل‪ .‬إال أن جمـرد التحـدي والتواصـل لـيس هـو الغـرض‬
‫النهائي‪ ،‬فاملهم هو حتقيق أهداإ التواصل مـن خـالل ترنيـب رسـالة فعالـة وتقـد ها‬
‫و ناجح‪ .‬واللغـة بوصـفها ن امـًا رم ي ـا معقـدًا متناشبـًا مـع الـذات‪ ،‬ذات املرسـل‬ ‫على‬
‫واملستقبل‪ ،‬ومع عالقتهما‪ ،‬ومع سياق التواصل‪ ،‬كن أن تف ي – إذا استادمت خبفة‬
‫ومــن دون تــدبر – إىل إحبــاط الرســالة التواصــلية ومقاصــدها‪ ،‬بــل وجعلــها تنقلــب ضــد‬
‫أهـدافها املنشــودة‪ .‬ومثــة عوائــق نـ رية كــن أن تشــوش التواصــل اللف ــي وتعطلــه‪ .‬إن‬
‫نـب‬ ‫اولة تفاديها‪ .‬وينبغي أن يكون واضحـًا أن‬ ‫معرفة هذ‪ .‬العوائق مسألة جوهرية‬
‫هذ‪ .‬العوائق أو إزالتها هو مس ولية مشرتنة ب املرسل واملستقبل‪.‬‬

‫اإلبهــام اللغــوي‪ :‬إذا ننــت تتحــدي بلغــة ال تتقنهــا‪ ،‬أو إذا ننــت تســتمع هلــذ‪.‬‬ ‫أ)‬
‫ريا فـدوي هـذا النـوع مـن اإلبهـام‪ .‬فقـد ت ـطر‬
‫اللغة‪ ،‬فإن هنـاك احتمـاالً نـب ً‬
‫أحيانــًا للتحــدي باللغــة اإلإللي يــة مــع أجــن علــى الــريم مــن أنــك قــد ال‬
‫تعرإ من هذ‪ .‬اللغة إال الن ر اليسري‪ ،‬نما أنك قد تستمع أحيانـًا إىل أجـن‬
‫يتحدي بهذ‪ .‬اللغـة معـك‪ .‬وبامل ـل‪ ،‬فقـد تتحـدي بالعربيـة إىل شـاص أجـن‬
‫ليس متمك ًنا من هذ‪ .‬اللغة‪ .‬ويف نل هـذ‪ .‬افـاالت يلقـى علـى عـائق املتحـدي‬
‫واملســتمع مس ـ ولية مك ف ــة لتجن ــب اإلبهــام اللغ ــوي وإزالت ــه‪ .‬وأف ــل طريق ــة‬
‫لتحقيـق هــذا‪ ،‬هـي التحــدي بــب ء ومجـل قصــرية مبســطة‪ ،‬والتأنـد مــن فهــم‬
‫املستمع أوالً بأول‪ ،‬واالستعانة باللغة يري اللف ية قدر اإلمكان‪ ،‬ثـم التأنـد –‬
‫ريا– من أن الرسالة وصلت نما يريدها صاحبها‪.‬‬
‫أخ ً‬

‫‪- 004 -‬‬


‫مقدمة في مهارات التواصل اإلنساني‬

‫اإلبهـ ــام الـ ــتق ‪ :‬لكـ ــل ختصـ ــص لغتـ ــه الفنيـ ــة اخلاصـ ــة ال ـ ـ جيـ ــدها يـ ــري‬ ‫)‬
‫املتاصص صعبة ويري مفهومة‪ .‬إن الصيدالني الذي حياول شرح دواء معـ‬
‫وترنيبــه بلغــة متاصصــة ل بــون يــري متاصــص يف الصــيدلة‪ ،‬ســوإ يوجــد‬
‫عند هذا املستقبل حالة من اإلبهام التق ‪ .‬نما أن استادام م ـل هـذ‪ .‬اللغـة‬
‫يف موضـ ــع ها يـ ــري املناس ـ ــب قـ ــد يربـ ــك املس ـ ــتمع الـ ــذي كـ ــن أن ي ـ ــرتدد يف‬
‫االستي ـاح في يــد الطـ بلــة‪ .‬لـذلك ينبغــي أن حيـاول املرســل املتاصــص أن‬
‫يرتجــم مفرداتــه التقنيــة إىل مفــردات أن ــر بســاطة وشيوعــًا‪ ،‬وأن يوســع مــن‬
‫الشرح والتبسي قدر االستطاعة حتى يتمكن من توصـيل رسـالته للمسـتقبل‬
‫و فعال‪.‬‬ ‫على‬
‫إبهام املعنى‪ :‬اللغة –نما أسلفنا– ن ام رم ي‪ ،‬وأحد مشكالت هـذا الن ـام أن‬ ‫جـ)‬
‫املعن ــى ال يك ــون مت من ــًا نل ــه يف الرمـ ـ ‪ ،‬وإمن ــا تبق ــى ف ــوائق من ــه يف قل ــب‬
‫املتحــدي‪ ،‬بــل إن هــذ‪ .‬الفــوائق قــد يــتم إنشــاؤها يف قلــب املســتقبل‪ .‬فقــد أقــول‬
‫نفــس الكلمــة علــى ســبيل اهلجــوم أو امل ـ اح أو التــودد أو التلمــيح‪ .‬إن املقاصــد‬
‫تبقـى – يف نـ ري مـن األحيــان – خفيـة‪ .‬ثـم أن لرمــوز اللغـة خاصـية تلغرافيــة‬
‫فائقة‪ .‬إن نلمة واحدة قد تشري إىل مفهوم بالغ ال راء والتعقيـد قـد يكـون لـه‬
‫مع ــان متع ــددة‪ ،‬وق ــد يتطل ــب فهم ــه مع ــارإ نـ ـ رية‪ .‬ان ــر إىل نلم ــة م ــل‬
‫"السعادة"‪ ،‬وحاول تعريفها وستلمس صعوبة ذلك‪.‬‬
‫اإلبهــام ال قــايف‪ :‬ختتلــف ال قافــات يف ســلونها اللف ــي ويــري اللف ــي‪ ،‬بــل إن‬ ‫د)‬
‫بيئات خمتلفـة يف ثقافـة واحـدة قـد تسـتادم املفـردة الواحـدة مبعـان خمتلفـة‬
‫بل ومتناق ة‪ .‬إن أبنـاء الـوطن العربـي يتحـدثون العربيـة‪ ،‬ولكـن معـاني بعـق‬
‫تلف عن معانيهـا يف قطـر آخـر‪ ،‬وهـذا قـد يف ـي إىل‬ ‫املفردات يف قطر عربي‬
‫سوء التفاهم‪ .‬ومـن مثـة‪ ،‬فـإذا ننـت تتحـدي لشـاص مـن بيئـة ثقافيـة أخـر‬
‫تلــف معناهــا ب ـ‬ ‫فعليــك أن تكــون حــذرًا يف اســتادام مفــردات عاميــة قــد‬

‫‪- 005 -‬‬


‫أنت وأنا‬

‫بيئتك وبيئتـه‪ .‬نمـا أنـك إذا ننـت تسـتمع لـه فعليـك أن تتحلـى باالنتبـا‪.‬‬
‫إىل هذ‪ .‬اخلاصية‪ ،‬حتى تتمكن من تفسري نلماته يف إطار بيئته هو‪.‬‬
‫إبهام التغذية الراجعة‪ :‬التغذية الراجعة هـي نـل سـلوك يقـوم بـه املسـتقبل –‬ ‫ه ـ)‬
‫يف أثن ــاء التواص ــل– ويك ــون مفيــدًا للمرس ــل يف توض ــيح حال ــة ه ــذا املس ــتقبل‬
‫التواصلية‪ :‬هل فهم الرسالة هل اندهش منها هل استنكرها هل هو منتبـه‬
‫هلــا هــل هــو رايــب يف اســتمرارها هــل يريــب يف التعليــق عليهــا وتتاــذ هــذ‪.‬‬
‫التغذية أشكاالً لف ية ويري لف ية‪ .‬فإذا حجب املستقبل عن املرسل م ـل هـذ‪.‬‬
‫التغذيــة الراجعــة‪ ،‬فــإن هــذا املرســل ســيجد نفســه يف حالــة إبهــام بشــأن مصــري‬
‫رسالته سواء من حيث فهم املستقبل أو قبوله هلا‪ .‬وبطبيعة افال‪ ،‬فإن املرسـل‬
‫ريا مــن‬
‫–ذاتــه– قــد ال ينتبــه إىل إشــارات التغذيــة الراجعــة فتفقــد رســالته نـ ً‬
‫ــو جيعل ــها أن ــر هدفي ــة‬ ‫معناه ــا ألنه ــا ال تسرتش ــد به ــذ‪ .‬التغذي ــة عل ــى‬
‫وإلو ًعا‪.‬‬
‫إبهــام تــوهم املعرفــة‪ :‬حيــدي هــذا اإلبهــام يال ًبـا عنــدما حيــاول شــاص مــا شــرح‬ ‫و)‬
‫ق ية علمية أو إنسانية خر‪ .‬فإذا نان املرسل يـري ملـم يامًـا بأبعـاد مـا يـود‬
‫أن يقوله‪ ،‬فإنه سيبعث برسالة ناقصة وسطحية‪ ،‬نما سيعطي انطباعـًا سيئـًا‬
‫عن نفسه‪.‬‬
‫وعدم املالءمة كن أن حيدي ب الرسالة واملستقبل‪ ،‬وب‬
‫الرسالة والسياق‪ ،‬وب الرسالة يري اللف ية والرسالة اللف ية‪.‬‬
‫عدم مالءمة الرسالة للمستقبل‪ :‬يعتا أخذ خصائص املسـتقبل وحالتـه بعـ‬ ‫أ)‬
‫طا مه ًم ـا لنجــاح التواصــل‪ .‬فــإذا نانــت الرســالة أصــعب م ــن أن‬
‫االعتبــار شــر ً‬
‫يتلقاه ــا املس ــتقبل‪ ،‬أو نان ــت تتع ــارض بش ــدة م ــع قناعات ــه الس ــابقة‪ ،‬أو ن ــان‬
‫يكــن مهتمــًا بهــا‪ ،‬فــإن هــذا‬ ‫م اجــه النفســي ال جيعلــه مســتع ًدا لتلقيهــا‪ ،‬أو‬
‫نله سيعوق التواصل‪.‬‬

‫‪- 006 -‬‬


‫مقدمة في مهارات التواصل اإلنساني‬

‫عدم مالءمة الرسالة للسياق‪ :‬إن إلقاء نكتة يف عـ اء‪ ،‬أو طـرح موضـوع جـدي –‬ ‫)‬
‫حيت ــا هل ــدوء ملناقش ــته – يف جلس ــة ص ــاخبة ال تنش ــد إال التس ــلية‪ ،‬أو إث ــارة‬
‫موضــوع حيمــل حساســية خاصــة يف وجــود نســاء‪ ،‬أو التحــدي عــن موضــوعات‬
‫حم نة يف مناسبة سعيدة‪ ،‬نل هذا يعـوق التواصـل وحيـب مقاصـد‪ .‬ويعطـي‬
‫انطبا ًعا سلبيـا عن املرسل‪.‬‬
‫عــدم مالءمــة اإلشــارات يــري اللف يــة للرســالة اللف يــة‪ :‬إن ررــك ابتســامة‬ ‫جـ)‬
‫بـاردة وصـفراء علـى وجهـك وأنـت ترحــب لف ي ـا بشـاص مـا‪ ،‬ونفيـك بأنــك‬
‫مرتبك على الريم من أن هذا يبدو على وجهك بوضوح‪ ،‬وشروعك يف إعداد‬
‫حقيبتك على مكتبك‪ ،‬أو ن رك إىل ساعتك بينما ت ند لف يـا أنك يري‬
‫ريا يف رسالتك اللف ية‪.‬‬
‫مستعجل‪ ،‬سوإ يشكك املستقبل ن ً‬

‫الفهـم مــرتب إىل حــد نــبري بالن ـام‪ ،‬لــذلك ينبغــي أن تتمتــع‬
‫الرس ــالة بتن ــيم دقي ــق واض ــح حت ــى ك ــن أن ينتق ــل معناه ــا إىل املس ــتقبل‪ .‬و ك ــن‬
‫حتقيق التن يم بعدة وسائل منها‪:‬‬
‫التقديم للرسالة بفكرة جمملة عن م مونها وحتديد هدفها‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫تقسيم الرسالة إىل أقسام أو جماالت متماي ة منطقية‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫تبيان العالقات ب أقسامها‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫سوق الشواهد التطبيقية الالزمة لتوضيح النقاط الن رية‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫تقديم خالصة أخرية‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫مراقبة التغذية الراجعة للمستقبل وتعديل الرسالة يف ضوئها‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫إن الرتتيــب والتسلســل‪ ،‬والرتني ـ ‪ ،‬والتميي ـ ب ـ العــام واخلــاص‪ ،‬واجلــوهري‬


‫واهلامشي‪ ،‬والـرب بـ الرسـالة وأي رسـائل سـابقة متصـلة بهـا‪ ،‬والتمييـ بـ الغايـات‬
‫والوســائل‪ ،‬واألص ــول والفــروع‪ ،‬واملف ــاهيم والشــواهد‪ ،‬نل ــها وســائ منطقي ــة مالئم ــة‬
‫لتوصيل فعال للرسائل‪.‬‬

‫‪- 007 -‬‬


‫أنت وأنا‬

‫التواصل – نمـا أسـلفنا يف الفصـل األول – فعـل‬


‫نل ــي ينا ــرط في ــه اإلنس ــان بكليت ــه‪ .‬وأح ــوال ال ــذات املاتلف ــة مب ــا يف ذل ــك نوازعه ــا‬
‫ومغالطاتها سواء أنانت لد املرسل أم املستقبل– ت ثر يف التواصل و كـن أن تعوقـه‪.‬‬
‫ومن هذ‪ .‬النوازع واملغالطات‪:‬‬
‫ص ـا إذا نــان سلبيـ ـا – مــن‬
‫فــرط االنفعــال‪ :‬يعطــل االنفعــال الشــديد – خصو ً‬ ‫أ)‬
‫عملية إرسال الرسـالة التواصـلية أو تلقيهـا‪ .‬إن الغ ـب – علـى سـبيل امل ـال –‬
‫يفــرا الرســالة مــن عقالنيتهــا وهــدوئها ليحوهلــا إىل جمــرد تفريــغ لشــحنات‬
‫انفعالية‪ ،‬يسيء إىل التواصل وأطرافه أن ر مما تق ي إىل حتقيق أهدافه‪.‬‬
‫الشــرود والتشــتت‪ :‬االنتبــا‪ .‬يتطلــب بــذل جهــد مــن املســتقبل‪ ،‬وقــد يغــدو هــذا‬ ‫)‬
‫اجلهد مرهقـًا فيتافف اإلنسان منه ويروح يفكر بأمور أخر ‪ .‬نما أن املرء ال‬
‫يتلقــى رســائل مــن اخلــار فقـ ‪ ،‬ولكنــه يتلقــى رســائل مــن داخلــه‪ ،‬أفكــار شــتى‬
‫تت ـار وتتصـارع وتـروح و ـيء فتعطـل عليـه االنتبـا‪ .‬والتلقـي‪ .‬ومثـة عوامــل‬
‫متع ــددة تس ــهل الش ــرود والتش ــتت‪ :‬فق ــد ال تك ــون الرس ــالة الـ ـ يس ــتمع ل ــه‬
‫الشاص م رية الهتمامه‪ ،‬وقد تكون هناك عوامل ضجيج يف املكان‪ ،‬وقـد يكـون‬
‫املســتقبل ميــاالً للشــرود والتشــتت بصــورة عامــة‪ ،‬وقــد يكــون مشــغوالً بــأمر آخــر‬
‫مع ‪.‬‬
‫االرتباك التواصلي‪ :‬حيدي االرتباك التواصلي إما نتيجة ملفاجأة تعقد اللسان‬ ‫جـ)‬
‫أو نتيجــة خلــوإ مــن التواصــل‪ .‬وحتــدي املفاجــأة عنــدما يبعــث إليــك مرســل‬
‫صـا إذا نانـت خمالفـة لتوقعاتـك وآمالـك‪ ،‬وبـدالً‬
‫برسالة يري متوقعـة خصو ً‬
‫من أن تنشغل بـالتفكري يف نيفيـة التعامـل مـع الرسـالة اجلديـدة بهـدوء‪ ،‬فـإن‬
‫انفعاالتك تطفو على السطح إما يف صورة ي ب‪ ،‬أو خيبة‪ ،‬أو ما شابه ذلـك‪،‬‬
‫فتتعطل سيالة التواصـل املناسـبة لتحـل حملـها ثـورة أو انسـحا ‪ .‬أمـا اخلـوإ‬
‫مــن اجلمهــور – وقــد أشــرنا إليــه سابقــًا – فهــو مشــكلة يعــاني منهــا نـ ري مــن‬

‫‪- 008 -‬‬


‫مقدمة في مهارات التواصل اإلنساني‬

‫الناس‪ ،‬إذ ما أن يبدأ املرء حيسّ بأن عليه أن يتواصل مع آخـرين يربـاء نسبي ـا‪،‬‬
‫د‪ .‬يتلع م وال يعود يع ـر علـى الكلمـات املناسـبة‪ .‬إن الـوعي بأنـك –‬ ‫فإنك‬
‫نمسـ ــتقبل – حتـ ــت وطـ ــأة املفاجـ ــأة – وضـ ــبطك ألعصـ ــابك وتن يمـ ــك‬
‫و فعال‪.‬‬ ‫ألفكارك سيمكنك من متابعة التواصل على‬
‫مغالطــة افــرتاض التماثــل‪ :‬النــاس نائنــات فريــدة‪ ،‬لكــل مــنهم وجهــة ن ــر‪.‬‬ ‫د)‬
‫وزاويته ال يطل منها على أمور هـذا العـا ‪ .‬وقـد نسـارع يف بعـق األحيـان –‬
‫حتى من دون أن نشعر – إىل افرتاض أن ا خرين يعرفون ما نعرفـه‪ ،‬ونأخـذ يف‬
‫التواصل معهم علـى هـذا األسـاس‪ ،‬فقـد يبـدأ طبيـب بالتحـدي عـن م ـاعفات‬
‫مرض ما ونأن ا خرين يعرفون وصف هذا املرض م لـه يامـًا‪ .‬وقـد نفـرتض‬
‫أن املوضوع الذي يهمنا يهـم ا خـرين أي ـًا‪ ،‬فنأخـذ بالتحـدي عنـه مـن دون أن‬
‫نالحْ ملل املستقبل وال مباالتهم وضيقهم‪.‬‬
‫اخل ــوع لتــداعي الرتابطــات الذاتيــة‪ :‬حيــدي التواصــل يف نـ ري مــن األحيــان‬ ‫ه ـ)‬
‫وفقــًا ملبــدأ االســتدعاء املتبــادل‪ :‬يتحــدي شــاص عــن موضــوع فيســتدعي هــذا‬
‫عند املستقبل موضوعـًا مشابهًـا فيتحدي عنه لنسمع هذا افوار‪:‬‬
‫لقد أم يت إجازة الصيف املاضي يف رحلة إىل النمسا‪.‬‬ ‫املرسل‪:‬‬
‫املستقبل‪ :‬النمسا لقد زرتها أنا أي ًا‪.‬‬
‫حقـا هل شاهدت مدينة املالهي يف فيينا‬ ‫املرسل‪:‬‬
‫املستقبل‪ :‬نعم‪ ،‬ولكن والت دي ني أنا منها‪ ،‬هل شاهدتها‬

‫قد يكون هذا افـوار مقبـوالً ‪ .‬إال أن مـا حيـدي هـو إننـا ننسـى مبـدأ االسـتدعاء‬
‫طر ببالي من قريب‬ ‫املتبادل لنا ع – بدالً عنه – ملبدأ الرتابطات الذاتية‪ ،‬فكل شئ‬
‫أو بعيد أحتدي عنه‪ .‬فقد يستمر افديث السابق على النحو التالي‪:‬‬
‫أشاهد والت دي ني‪.‬‬ ‫نال‪،‬‬ ‫املرسل‪:‬‬

‫‪- 009 -‬‬


‫أنت وأنا‬

‫املستقبل‪ :‬إنها مجيلة‪ ،‬ولكنها تعطل األوالد عن الدراسة‪.‬‬


‫الدراسة‪ ..‬لقد ننت أنر‪ .‬الدراسة وأنا صغري‪.‬‬ ‫املرسل‪:‬‬
‫املستقبل ‪ :‬هل ننت تكرهها نلها أم مواد معينة‬
‫إن الدراسة ال تف ي حتمـًا إىل النجاح يف افياة‪.‬‬ ‫املرسل‪:‬‬
‫ـع لتـداعي الرتابطـات الذاتيـة فيحـدي عـن‬ ‫نالحْ هنـا أن "املرسـل " أخـذ‬
‫األمور ال ختطر ببالـه‪ ،‬مـن دون أن يناـرط يف حـوار تبـادلي حقيقـي‪ ،‬وهـذا يـ دي إىل‬
‫االبتعاد تدرجييـا عن ب رة افوار‪ .‬وقد يصـل األمـر إىل أن يبـدو املتحـدي ونأنـه حيـاور‬
‫نفسه فق ‪ .‬إن التواصل شبكة ينبغي ضفرها بإتقـان بـ املرسـل واملسـتقبل فـال ت هـر‬
‫فيها خيوط يريبة أو متقطعة‪.‬‬
‫ال ينحصــر ت ــأثري ال ــذات علــى املتح ــدي وإمن ــا تــد إىل املس ــتقبل أي ًــا فق ــد‬
‫ينشغل هذا األخري بإعداد افجج ال سريد بها على املرسل‪ ،‬فـال يعـود يسـمع الرسـالة‬
‫بدق ــة‪ ،‬وق ــد يرنــ املس ــتقبل – أي ًــا – عل ــى أم ــور ثانوي ــة يف اف ــديث أو يف حرن ــات‬
‫املرسل مما يفوت عليه الرسالة األساسية‪.‬‬
‫إن التحــرر مــن هــواجس الــذات ونوازعهــا وتــدخالتها يــري الشــرعية أمــر مهــم‬
‫للغاية ل صغاء الفعال – نما سبق وذنرنا – ول رسال الفعال أي ـًا‪.‬‬

‫نل جوانب السلوك اإلنساني كن أن ت د بصورة فجة أو مبتذلة‪ ،‬أو بصـورة‬


‫أنيقة ينح السلوك مجالية عالية وتشيع يف مناخه أجواء من الرقي والتح ر‪ .‬ولـيس‬
‫السلوك التواصلي است ناءً من هذ‪ .‬القاعدة‪ ،‬فهنـاك مـا كـن أن نـدعو‪ .‬آدا التواصـل‬
‫ومجالياته‪ .‬وأول هذ‪ .‬ا دا – ال ال ينح التواصل مستو أخالقي ـا ومجالي ـا رفيعـًا‬
‫عله أن ر فعالية أي ًا – هي حسـن اختيـار املفـردات والتعـبريات علـى‬ ‫وحسب‪ ،‬وإمنا‬
‫و يعلي من شأن املستقبل وي ند احرتامه‪ .‬فبدالً مـن أن أقـول لشـاص‪ :‬إن نالمـه‬

‫‪- 021 -‬‬


‫مقدمة في مهارات التواصل اإلنساني‬

‫فارا‪ ،‬كن أن أطلب منه أن ين ر إىل األمر من وجهة ن ر أخـر ‪ ،‬وبـدالً مـن أن أقـول‬
‫أحسن التعبري عن وجهة ن ـري‪ ،‬وبـدالً مـن‬ ‫له‪ :‬إنك ال تفهم فإني أقول له‪ :‬لعلي‬
‫ريا – إنـي ال أريـد أن أر وجهـه‪ ،‬كـن أن اقـرتح عليـه –بتهـذيب – أال‬
‫أن أقول له – أخ ً‬
‫نتقابل لفرتة مـن الوقـت ري مـا يعيـد نـلٌ منـا الن ـر يف موضـوع اخلـالإ بيننـا‪ .‬ولعـل‬
‫هذا هو ما عنـا‪ .‬امل ـل الشـع الشـهري والصـادق‪" :‬املنـاطق سـعادة"‪ ،‬إن اللطـف والدماثـة‬
‫ورقة الكالم مفاتيح تواصلية بالغة الفعالية‪ .‬وسنعود إىل هذا األمـر بشـيء مـن التوسـع‬
‫يف فصل الحق‪.‬‬
‫وباإلضــافة إىل الفجاجــة يف املفــردات‪ ،‬هنــاك م الــق تواصــلية نـ رية كــن أن‬
‫نبها‪.‬‬ ‫يقع فيها املرء‪ ،‬وفيما يلي استعراض لبع ها ولكيفية‬
‫التحـدي إىل أعلـى وإىل أسـفل‪ :‬الســلطة تن ـيم اجتمـاعي وإداري قـوي وراســا‪،‬‬ ‫أ)‬
‫ففــي نــل م سســة تن ــيم هرمــي‪ ،‬تلــك األشــااص الــذين حيتلــون مواقــع‬
‫عاليــة فيهــا ســلطة أنــا‪ .‬وهــذا أمــر يكــاد أن يكــون طبيعيـ ـا‪ ،‬نــاهيكم عــن أنــه‬
‫مطلو فسن إدارة العمل وتن يمه‪ .‬إال أن املشكلة تكمن يف أن السلطة أفرزت‬
‫أمناطــًا تواصــلية خاصــة‪ ،‬فالشــاص الــذي يف املرتبــة األعلــى يتحــدي بلهجــة‬
‫ختتلف عن هلجة الذي حيتل مرتبة أدنى يف هذا الرتاتب اهلرمي‪ .‬ويتسـع هـذا‬
‫الرتاتــب إىل امل سســة االجتماعيــة نكــل‪ ،‬وتــروح الســلطة تنــب علــى ال ــروة أو‬
‫املعرفة أو الـذناء أو الشـهرة‪..‬إخل‪ ،‬وهـذا املعنـى الواسـع مفهـوم أي ـًا‪ ،‬فالنـاس‬
‫تتفــاوت ح ــوظهم مــن ه ـذ‪ .‬األمــور‪ .‬إال أن املشــكلة هــي أن الســلطة – ســواء يف‬
‫امل سســات االجتماعي ــة ال ــيقة أو يف ا تم ــع علــى اتس ــاعه – أف ــرزت أمن ــاط‬
‫تواصل لف ية ويري لف ية خاصة بها‪ ،‬فأصبح الذين حيتلون املواقع القياديـة‬
‫تلــف يامــًا عــن خطــا أولئــك‬ ‫الســلطوية يســتادمون خطابً ـا تواصليـ ـا‬
‫الذين يشـ غلون املواقـع األدنـى‪ .‬وقـد يعكـس اخلطـا مـن األعلـى إىل األدنـى يف‬
‫ن ري من األحيان تعاليـًا قد يصل إىل حد اإلهانـة‪ ،‬نمـا قـد يعكـس اخلطـا‬

‫‪- 020 -‬‬


‫أنت وأنا‬

‫مــن األدنــى إىل األعلــى خ وعــًا قــد يصــل إىل حــد املذلــة‪ .‬إال أن هنــاك قاعــدة‬
‫مهمة يف ا دا واألخالق التواصلية تفيد أن تفاوت اف وظ واملراتب ال يعـ‬
‫بــأي صــورة مــن الصــور تفاوتــًا يف اجلــدارة والكرامــة اإلنســانية‪ ،‬لــذلك ينبغــي‬
‫على "األعلى" و "األدنى" استادام خطا تواصلي يفيد احرتام ا خر واحرتام‬
‫الذات يف آن واحد‪ .‬إن مفهوم املساواة اإلنسانية يقع يف قلب التواصل اإلنسـاني‬
‫افقيقــي‪ .‬ويتجاهــل ن ـ ريون هــذا املبــدأ‪ ،‬ويســتادمون الســلطة اسـتادامــًا‬
‫تعسفي ـ ـا يف إصـ ــدار األوام ــر ومن ـــع اف ــوار وإلغـ ــاء التواص ــل اخلـ ــالق‪ .‬بـ ــل إن‬
‫ن ريين – أي ـًا – مم ْن هم يف املوقع األدنى‪ ،‬يلج ون خلطا يعتمـد الت لـف‬
‫والتملـق والنفــاق وإبــداء ال ـعة نــي يبقــوا مطمئـن إىل مصــائرهم‪ ،‬أو نــي‬
‫ي ــمنوا ألنفس ــهم افص ــول عل ــى مكاس ــب أن ــا‪ ،‬أو ن ــي يه ــدئوا إحساسًـ ـا‬
‫بــالنقص لــديهم‪ .‬وســنعود إىل هــذا املوضــوع لنناقشــه – بتفصــيل أنــا– مــن‬
‫زاويته األخالقية عندما نتحدي عن األخالق يف التواصل‪.‬‬
‫التجاه ــل‪ :‬وه ــو منــ تواص ــلي نتجاه ــل في ــه ح ــور ش ــاص م ــا أو نالم ــه‪،‬‬ ‫)‬
‫ونتصــرإ علــى أســاس أنــه يــري موجــود‪ ،‬أو أن مــا يقولــه ال يســتحق االنتبــا‪ .‬أو‬
‫تلـف عـن الـرفق‪ .‬فعنـدما نـرفق شاصًـا مـا فإننـا ال‬ ‫االهتمام‪ .‬والتجاهل‬
‫نتفــق معــه‪ ،‬ونــاز عــدم ريبتنــا يف قبــول مــا يقولــه الشــاص أو يفعلــه‪ ،‬أمــا يف‬
‫ملا يقوله أو يفعله‪ .‬وهذا التجاهل قد‬ ‫التجاهل‪ ،‬فإننا ننكر الشاص وأي مغ‬
‫نبـه‬ ‫يتم عن قصد أو من دون قصـد‪ ،‬وهـو سـلوك يـ ذي التواصـل‪ ،‬وال بـد مـن‬
‫وممارسة "القبول" وهو من تواصلي ال نقـر فيـه بوجـود شـاص آخـر فحسـب‪،‬‬
‫ولكننــا نعــا عــن قبولنــا لــه‪ .‬و كــن إظهــار الفــرق ب ـ القبــول والتجاهــل مــن‬
‫خالل اجلدول التالي‪:‬‬

‫‪- 022 -‬‬


‫مقدمة في مهارات التواصل اإلنساني‬

‫ــو لف ــي ويــري ‪ –5‬يتجاهــل وجــود ا خــر ومــا يقولــه‪ ،‬ويبــدو‬ ‫‪ –5‬يقــر بوجــود ا خــر علــى‬
‫يري مبال بالشاص وما يقوله‪.‬‬ ‫لف ـ ـ ــي‪ ،‬نم ـ ــا يقـ ـ ــر بإسـ ـ ــهام ا خـ ـ ــر يف‬
‫التواصل سواء باالتفاق معه أو مناقشته‪.‬‬

‫‪ –4‬حيـ ــافْ علـ ــى التواصـ ــل البصـ ــري‪ ،‬وعلـ ــى ‪ –4‬ال يقوم بأي تواصل يري لف ي‪ ،‬ويتجنـب‬
‫التواص ــل البص ــري‪ ،‬نم ــا يتجن ــب مل ــس‬ ‫أمنـ ـ ــاط التواصـ ـ ــل اجلسـ ـ ــمية املاتلفـ ـ ــة‬
‫ا خر‪.‬‬ ‫املالئمة ال تفيد اإلقرار با خر‪.‬‬

‫يناـ ــرط يف حـ ــوار تواصـ ــلي حيـ ــث يكـ ــون ‪ –4‬يناـ ــرط يف حـ ــوار ذاتـ ــي حيـ ــث يتحـ ــدي‬ ‫‪–4‬‬
‫ش ــاص واح ــد ويس ــتمع ش ــاص واح ــد‪،‬‬ ‫الطرفـ ــان متحـ ــدث ومسـ ــتمع ‪ ،‬وحيـ ــث‬
‫وحيث ال يوجد تفاعل حقيقي أو احرتام‬ ‫يــنغمس االثنــان يف هــذا افــوار‪ ،‬ويهتمــان‬
‫أو اهتمام حقيقي متبادل‪.‬‬ ‫ببع ها وحيرتمان بع هما‪.‬‬

‫‪ –3‬يع ــا ع ــن مش ــاعر‪ .‬اخلاص ــة‪ ،‬ويتجاه ــل‬ ‫‪ –3‬يعكس مشاعر ا خر إلظهار التفهم‪.‬‬
‫ــو‬ ‫مشـاعر ا خـرين‪ ،‬أو يسـتجيب علـى‬
‫ينقصه الدإء‪.‬‬

‫‪ –1‬يستوضـ ــح –عـ ــن طريـ ــق األسـ ــئلة– أفكـ ــار ‪ –1‬ال يعـ ـ ــا إال عـ ـ ــن نفسـ ـ ــه‪ ،‬ويتجاهـ ـ ــل أي‬
‫يموض يف مالح ات ا خر‪.‬‬ ‫ا خر ومشاعر‪..‬‬

‫‪ –7‬يأخذ مطالب ا خر بع االعتبار‪ ،‬وجييب ‪ –7‬يتجاهـ ـ ــل مطالـ ـ ــب ا خـ ـ ــر‪ ،‬ويفشـ ـ ــل يف‬
‫اوالت ا خر التواصلية‪.‬‬ ‫االستجابة‬ ‫عن أسئلته أو مكاملاته اهلاتفية أو رسائله‪.‬‬

‫يش ــجع ا خ ــر عل ــى التع ــبري ع ــن أفك ــار‪ –6 .‬يقاطع تعـبري ا خـر عـن نفسـه‪ ،‬أو جيعـل‬ ‫‪–6‬‬
‫هذا التعبري صعبًا‪.‬‬ ‫ومشاعر‪..‬‬

‫ـ ــو هامشـ ــي‪ ،‬وحيـ ــول‬ ‫ــو مباشــر وتــام ملــا يقولــه ‪ –5‬يسـ ــتجيب علـ ــى‬ ‫‪ –5‬يســتجيب علــى‬
‫الرسالة إىل ا ا‪ .‬آخر‪.‬‬ ‫ا خر‪.‬‬

‫‪- 023 -‬‬


‫أنت وأنا‬

‫االستبعاد‪ :‬لعل إحد أن ـر العـادات اللف يـة إزعاجـًا وإفسـادًا للتواصـل‪ ،‬هـي‬ ‫جـ)‬
‫حتــدي مجاعــة متجانســة مــع بع ــها‪ ،‬يف ح ــور شــاص يريــب عــن اجلماعــة‪،‬‬
‫مــن دون مراع ــاة ذل ــك‪ .‬فعنــدما تلتق ــي جمموع ــة مــن األطب ــاء –عل ــى س ــبيل‬
‫امل ال– مـن دون وجـود آخـرين يربـاء عـن املهنـة ال ت ـور مشـكلة مـن هـذا النـوع‪.‬‬
‫ولكن إذا نان أحد اف ور ليس طبيبـًا‪ ،‬وفشلت جمموعة األطباء يف التكيف‬
‫مــع هــذا الوضــع – نمــا حيــدي يالبــًا – فــإن مســألة االســتبعاد ت ــور‪ .‬وحيــدي‬
‫هذا يف جمموعـات مهنيـة أخـر ناملدرسـ أو ا ـام ‪ ،‬حيـث يشـعر الغريـب‬
‫بأنه مستبعد ومتجاهل‪ ،‬مما يورثه شـعورًا سيئـًا‪ ،‬يسـتجيب لـه بطـرق خمتلفـة‬
‫قــد يكــون االنســحا مــن اجللســة أحــدها‪ .‬و كــن أن ينطبــق الشــيء ذاتــه علــى‬
‫ا موعــات اللغويــة املاتلف ــة ال ـ يرتت ــب علــى ظــاهرة االس ــتبعاد فيهــا آث ــار‬
‫فـف‬ ‫مشابهة ملا حيدي يف ا موعات املهنية السابقة‪ .‬وال يلغي االسـتبعاد أو‬
‫من آثار‪ .‬إال مبـدأ "ال ـم"‪ .‬ويشـري هـذا املبـدأ إىل مسـ ولية نـل املشـارن يف‬
‫ــو فع ــال مب ــا يف ذل ــك‬ ‫التفاع ــل ع ــن ض ــمان مش ــارنة اجلمي ــع في ــه عل ــى‬
‫الغريــب‪ .‬وهنــاك عــدة طــرق ل ــم الغربــاء إىل التفاعــل الــدائر م ــل سـ اله عــن‬
‫انطباع يـري املتاصصـ عـن هـذ‪ .‬املهنـة‪ ،‬أو إجـراء مقارنـات بـ مهنتـه ومهنـة‬
‫ا موعـ ــة‪ ،‬أو توضـ ــيح بعـ ــق املفـ ــردات والتفاصـ ــيل املهنيـ ــة لـ ــه واالسـ ــتجابة‬
‫لتساؤالته‪ ،‬نما كن أي ًا تغيري موضوع افديث حبيث يغدو مشرتنـًا ب‬
‫نل األطراإ‪.‬‬
‫التحدي عن النفس وعن ا خرين‪ :‬يتحدي ن ري من الناس ويتصرفون نمـا‬ ‫د)‬
‫لــو أنهــم مرن ـ العــا ‪ .‬فهــم يتحــدثون عــن أنفســهم باســتمرار‪ :‬عــن مهــنهم‬
‫وإإل ــازاتهم وخططه ــم وهواي ــاتهم ومش ــكالتهم وإلاح ــاتهم‪ ،‬وال يس ــألون ع ــن‬
‫ططــون‪ .‬وباملقابــل فهنــاك أنــاس‬ ‫ا خــرين وال نيــف يفكــرون أو يشــعرون أو‬
‫يتاــذون مــن التكــتم شــعا ًرا هلــم‪ ،‬فــال يتحــدثون عــن أنفســهم إطالقــًا‪ ،‬ولكنــك‬

‫‪- 024 -‬‬


‫مقدمة في مهارات التواصل اإلنساني‬

‫تــراهم يريبــون يف معرفــة نــل شــيء عــن ا خــرين‪ .‬وي ـ ري هــذا املوقــف شــك‬
‫ا خــرين يف الشــاص‪ ،‬واعتقــادهم بأنــه ال يريــب حقــا يف أي تواصــل حقيقــي‪.‬‬
‫وحتل هـذ‪ .‬املواقـف املتطرفـة – سـواء أنانـت تطرفـًا يف التحـدي عـن الـذات أو‬
‫تكتمــًا يف هــذا –باتبــاع مبــدأ "التــوازن" ووفقــًا هلــذا املبــدأ ال بــد مــن أن نراعــي‬
‫اهلــه فســا حــدي نا عــن أنفســنا‪ ،‬وال أن‬ ‫ا خــر يف تواصــلنا‪ ،‬فــال منعــن يف‬
‫نصمت تارن له افبل على الغار يتحـدي عـن نفسـه‪ .‬إن تواصـالً متوازنـًا‪،‬‬
‫نسبيـا نح هـذ‪ .‬اخلـاة االجتماعيـة إثـارة أنـا‪ ،‬وإحساسـًا بال قـة والرضـى‬
‫أعمق‪ ،‬وشعو ًرا بأن نل طرإ قـد أسـهم يف التفاعـل بقسـ وافـر‪ .‬صـحيح أننـا‬
‫يف بعــق األحيــان قــد نســهب يف التحــدي عــن خــاة م ـ رية مررنــا بهــا‪ ،‬إال أننــا‬
‫سـنتيح لرخـرين أي ًـا – سـواء يف هــذ‪ .‬املـرة أو يف مـرات أخـر – التحـدي عــن‬
‫خااتهم امل رية هلم‪.‬‬
‫النقـ ــد وال نـ ــاء‪ :‬تت ـ ــمن عمليـ ــة التواصـ ــل عمو ًم ــا –فيمـ ــا تت ـ ــمن – قيـ ــام‬ ‫هـ)‬
‫املتواصل بإصدار أحكام نقدية أو بال ناء‪ .‬والنقد ج ء مهم ونافع يف تفاعلنـا‬
‫التواصــلي عمومــًا‪ .‬لكــن املشــكلة ت ــور عنــدما يكــون النقــد يــري مالئــم أو مبــالغ‬
‫في ــه‪ .‬وع ــدم املالءم ــة أو املبالغ ــة ي ه ــران يف وج ــو‪ .‬عدي ــدة‪ :‬يف م ــمون النق ــد‬
‫وشــكله‪ ،‬وطبيعــة املصــاحبات يــري اللف يــة‪ ،‬واملفــردات اللف يــة ذاتهــا‪ ،‬واملكــان‬
‫و جيعل النقد يفقد وظيفته ويايته التواصلية‪.‬‬ ‫وال مان‪ ،‬على‬
‫وينطبق الشيء ذاته على املديح أو ال نـاء‪ .‬فمـا مـن إنسـان إال ويريـب – بصـورة‬
‫ظــاهرة أو يــري ظــاهرة –يف تلقــي املــديح‪ ،‬نمــا أننــا نمرســل نقــوم بإصــدار‬
‫أحكام مديح أو ثناء ب اف وا خر‪ .‬لكـن املـديح أي ًـا قـد يكـون يـري مالئـم‬
‫أو مبالغ فيه إىل درجة أن املمدوح قد ال يصدقه‪ ،‬باإلضافة إىل أنه يفقد قيمته‬
‫ن ناء‪ ،‬ويعطي انطباعـًا سلبيـا عن املرسل يرتاوح ب الكذ والتملق والنفـاق‬
‫وسوء التقدير‪.‬‬

‫‪- 025 -‬‬


‫أنت وأنا‬

‫إن تفادي هذ‪ .‬املواقف املتطرفة سواء نانت نق ًدا أو ثنـا ًء يسـتل م إعمـال مبـدأ‬
‫"التقيــيم املنصــف"‪ .‬وســوإ نحــك هــذا املبــدأ حساســية مرهفــة بـ املواقــف‬
‫املاتلفة للتميي بـ جماملـة عـابرة وثنـاء عـادي وثنـاء مبـالغ فيـه‪ .‬نمـا أنـه‬
‫سيمكنك من ممارسة نقد إجيابي متحرر من العدوانية والف اظـة‪ ،‬يسـهم يف‬
‫إثراء التواصل وليس يف شحنه باجلفاء وقطعه‪.‬‬
‫اللغ ــة العدواني ــة‪ :‬ك ــن للكلم ــات أن تك ــون ورو ًدا يف ــوح عبريه ــا‪ ،‬ف ــيمالً ج ــو‬ ‫و)‬
‫التواصل عط ًرا‪ ،‬و كن أن تكون سهامـًا ي ق التواصل وال ترتك سو املرارة يف‬
‫صدور أطرافه ال تنغرس فيها هذ‪ .‬السهام‪ .‬والكلمات والتعـبريات واألحاديـث‬
‫ال تصف املشاعر واألفكـار والوقـائع فحسـب‪ ،‬ولكنهـا تصـنعها أي ـًا‪ .‬إنهـا سـالح‬
‫ذو حدين –نما يقال– ومن مثة فال بد مـن اسـتادامها بعنايـة‪ .‬ومثـة قواعـد‬
‫كن أن تساعد يف استادام محيد للّغة يب تواصالً م م ًرا‪ ،‬ومنها‪:‬‬
‫ال توجه –بصورة فجة – مالح ـات للنـاس عـن عيـو تتصـل بشـكلهم‪ .‬إذ‬ ‫‪‬‬
‫لن تستفيد شيئـًا من أن تقول خر‪ :‬إنك الح ت أنه يعر قلـيالً‪ ،‬وال أن‬
‫هناك حـوالً يف عينيـه‪ ،‬وال أنـه حيـرك فمـه بطريقـة يريبـة عنـدما يأنـل‪،‬‬
‫وال أنه قصري جدا أو طويل جدا‪ ،‬أو ما شابه ذلـك‪ ،‬فلـن تسـتفيد مـن هـذا‬
‫شيئــًا إجيابيـ ـا‪ ،‬ونــل مــا ســتفعله هــو أنــك ســتجرح ا خــر‪ ،‬وتســيء إىل‬
‫تواصلك معه‪.‬‬
‫حـا سلبي ـا يسـيء إىل ا خــر‪ .‬إن‬
‫ال تفـرط يف املـ اح‪ ،‬خصوصًـا إذا نـان م ا ً‬ ‫‪‬‬
‫النكات كن أن تتحول إىل إهانات مبطنة‪ .‬إن الشاص كـن أن يتحمـل‬
‫دعابة لطيفة عنه‪ ،‬ولكن من املشكوك فيه أن يتحمل أن ر من هذا‪.‬‬
‫ال تكرر سـرد حكايـة تعتقـد أنهـا تسـبب حرجًـا لرخـر‪ .‬فقـد يتحملـها مـرة‬ ‫‪‬‬
‫واحدة‪ ،‬ولكنه – إذا تكررت – سيعتاها إشارة عدوانية‪.‬‬

‫‪- 026 -‬‬


‫مقدمة في مهارات التواصل اإلنساني‬

‫وجــه نقــدك إىل ســلونات مفــردة قــام بهــا الشــاص‪ ،‬ولكــن ال توجــه هــذا‬ ‫‪‬‬
‫النقــد إىل شاصــه نكــل‪ .‬فــإذا أخطــأ شــاص عاتبــه علــى هــذا اخلطــأ‪،‬‬
‫ولكـن ال تنــدفع يف توجيــه نعــوت نليــة لــه نــأن تقــول لــه‪ :‬إنــك ســيء أو‬
‫شرير‪.‬‬
‫استادم التعبري اإلجيابي يـري املباشـر إذا أردت أن توجـه نقـدًا خـر‪ .‬فـإذا‬ ‫‪‬‬
‫نانــت صــديقتك ترتــدي ثو ًبــا تعتقــدين أنــه يــري الئــق‪ ،‬فبإمكانــك أن‬
‫تقــولي هلــا‪ :‬إنهــا نانــت تبــدو أمجــل ب وبهــا ا خــر الــذي نانــت ترتديــه‬
‫باألمس‪.‬‬
‫ال شيء يشحن اللغة بالعـداء م ـل الغ ـب والعصـبية والتسـرع وافـرتاض‬ ‫‪‬‬
‫ســوء النيــة‪ .‬فــإذا شــعرت بهــذ‪ .‬املشــاعر‪ ،‬اضــب نفســك‪ ،‬وحــاول تأجيــل‬
‫افوار إىل وقت آخر تكون أن ر هدوءًا فيه‪ ،‬وأن ر قدرة على تب األمور‬
‫على حقيقتها‪.‬‬
‫اســأل أصــدقائك املقــرب مــا إذا نانــت هلــم مالح ــات علــى ســلونك‬ ‫‪‬‬
‫اللغوي‪ .‬اسأهلم مـ الً‪ :‬هـل أعـا عـن نفسـي حبـدة هـل اسـتادم مفـردات‬
‫عدائية هل أحتدي بسرعة نبرية أو بب ء مبالغ فيه‬
‫عامل الناس مب ل ما حتب أن يعاملوك به‪ .‬ضـع نفسـك مكـانهم‪ ،‬وتصـور‬ ‫‪‬‬
‫شعورك وأنت تتلقى رسالة م ل ال بع ت بها إليهم‪.‬‬
‫ريا‪ ،‬فاللغة نما ذنرنا ثروة فريدة ال ن ري هلا‪ ،‬واألمر يعود لنا يف مسـألة‬
‫وأخ ً‬
‫ــو مت ــدبر مقص ــود وإنس ــاني يس ــهم يف جع ــل‬ ‫اس ــتادامها‪ :‬فه ــل سنس ــتادمها عل ــى‬
‫التواصل م م ًرا وممتعـًا‪ ،‬أم أننا سنقطع باألداة األوىل للتواصل‪ ،‬أوصـال التواصـل ذاتـه‪،‬‬
‫ـو جيعلـه‬ ‫فنكون نمن يستادم عقا ًرا معدا إلنقاذ افيـاة – بصـورة خاطئـة – علـى‬
‫يق ي على افياة ذاتها‪.‬‬

‫‪- 027 -‬‬


‫أنت وأنا‬

‫علينا أال ننسى أن فجاجة التواصل وم القه ليست قد ًرا ال فكاك منه‪ ،‬إذ كن‬
‫ـو جيعلنـا منـارس تواصـالً‬ ‫بالدرس والوعي والتـدريب‪ ،‬الـتالص منهـا تدرجيي ـا علـى‬
‫نقيـ ـا مــن الشــوائب قــدر اإلمكــان‪ ،‬تواص ـالً ي ــري افيــاة‪ ،‬ويبــث يف أرجائهــا إحساســات‬
‫ــو إجيــابي‪ ،‬يعــود‬ ‫ا بــة والرضــى واملتعــة‪ ،‬و ّكــن أطرافــه مــن حتقيــق أهــدافهم علــى‬
‫باخلري عليهم مجيعـًا‪.‬‬

‫‪- 028 -‬‬


‫مقدمة في مهارات التواصل اإلنساني‬

‫ليس التواصل حكرًا على اللغة اللف ية‪ .‬ف مة وسـائ أخـر مهمـة تسـتادم‬
‫يف إرسال الرسائل التواصلية وتلقيها وهي‪ :‬اجلسم والصوت واملكان‪ .‬وبصورة عامة فكـل‬
‫رسالة تواصلية يبعث بها عن طريق يري الطريق اللف ية تعتا رسالة يري لف ية‪.‬‬

‫‪- 029 -‬‬


‫أنت وأنا‬

‫وحتــى نــدرك مــد شــيوع التواصــل يــري اللف ــي وأهميتــه‪ ،‬فلــيس علينــا إال أن‬
‫نتص ــور أنفس ــنا نتح ــدي م ــن دون أن يب ــدو عل ــى وجوهن ــا أي تغ ــيري‪ ،‬وم ــن دون أن نش ــري‬
‫اهلنـا‬ ‫رك أجسـامنا‪ .‬وبامل ـل فحتـى نتـب مـد خسـارتنا إذا‬ ‫بأيدينا‪ ،‬ومن دون أن‬
‫التواصل اللف ي فليس علينا إال نتصور أنفسنا نسـتمع إىل أنـاس ال نـراهم‪ ،‬ونتجاهـل‬
‫خصائص أصواتهم‪ .‬وتكتمل الصورة ال تكاد تكون مستحيلة ح منتنع عن اسـتنتا‬
‫أي معلومـ ــات كـ ــن أن تكـ ــون مت ـ ــمنة يف خصـ ــائص املكـ ــان أو األلـ ــوان أو املالبـ ــس أو‬
‫املوس ــيقى‪ .‬إن اإلش ــارة ي ــري اللف ي ــة والكلم ــة اللف ي ــة ص ــنوان مرتابط ــان يس ــهم –‬
‫نالهما–يف توصيل رسالة متكاملة حتفل باملعنى وافياة‪.‬‬
‫و كن تصنيف التواصل يري اللف ي إىل قسم رئيس ‪ ،‬األول هـو "اإلشـارة"‪،‬‬
‫أي التواصل من خالل الكائن اإلنساني ذاته‪ ،‬ويندر يف هذا القسم التواصل حبرنـات‬
‫اجلســم وتعــبريات الوجــه وتلوينــات الصــوت‪ ،‬وافــواس األخــر ‪ .‬أمــا القســم ال ــاني فهــو‬
‫"النص ــبة"‪ ،‬أي التواص ــل م ــن خ ــالل املك ــان وامل ــواد املص ــنوعة واجلمالي ــات‪ ،‬ن ــاأللوان‬
‫واملوسيقى‪.‬‬

‫مفــردات اإلشــارات اجلســمية‪ :‬تنقســم اإلشــارات التواصــلية اجلســمية إىل أربــع‬ ‫‪- 5‬‬
‫فئات‪:‬‬
‫الكلمــة اجلســمية‪ :‬هــي إشــارة جســمية تــدل علــى نلمــة لف يــة حمــددة‪.‬‬ ‫أ )‬
‫فعن ــدما ت ــع ب ــاطن ظف ــر اإلبه ــام حت ــت أح ــد أس ــنان الف ــك األعل ــى ث ــم‬
‫حترنــه إىل اخلــار بســرعة نسبيـ ـا‪ ،‬فهــذا يع ـ أنــك "مفلــس"‪ ،‬والكلمــة‬
‫ذاتهــا ك ــن اإلش ــارة هلــا حبرن ــة جس ــمية شــهرية ه ــي إدخ ــال الي ــدين يف‬
‫اجليـ ــب وإخـ ــرا بطانتهمـ ــا‪ .‬ورفـ ــع الطالـ ــب إصـ ــبع السـ ــبابة يف الفصـ ــل‬

‫‪- 031 -‬‬


‫مقدمة في مهارات التواصل اإلنساني‬

‫الدراس ــي يش ــري إىل نلم ــة لف ي ــة مفاده ــا‪ :‬أري ــد أن أتكل ــم‪ .‬ورف ــع الي ــد‬
‫وبســطها با ــا‪ .‬اخلــار والتلــويح بهــا تعـ وداعـًـا‪ .‬والكلمــات اجلســمية –‬
‫شأنها يف ذلك شأن الكلمات اللغويـة تصـنع باتفـاق أفـراد اجلماعـة‪ .‬نمـا‬
‫أنها وإن نانـت مسـتقرة املعنـى يف جيـل أو أجيـال معينـة – إال أنهـا عرضـة‬
‫للـ ــتغري‪ .‬لـ ــذلك فـ ــإن الكلمـ ــات اجلسـ ــمية يف ثقافتـ ــك الراهنـ ــة ليسـ ــت‬
‫بال رورة هي ذاتها ال نانت تدل على نفس املعنى منذ (‪ )411‬سنة على‬
‫س ــبيل امل ــال‪ ،‬أو تل ــك الـ ـ تس ــتادم يف ثقاف ــة أخ ــر ‪ .‬إن ال ــدائرة الـ ـ‬
‫يص ــنعها فرنس ــي ب ــم إبهام ــه وس ــبابته تعـ ـ للفرنس ــي "ص ــفرًا" أو "ال‬
‫شيء" أما يف اليابان فإنها تع "املال"‪ ،‬نما أنها تشـري إىل معـان خمتلفـة‬
‫يف ثقافــات أخــر ‪ .‬ي ــاإ إىل ذلــك أن هــذ‪ .‬الكلمــات اجلســمية كــن أن‬
‫تنشر من ثقافة إىل أخر ‪ ،‬يامًا نما تنتقل بعق الكلمات اللف ية‪.‬‬
‫) املوض ــحات‪ :‬وه ــي أفع ــال ي ــري لف ي ــة ت ــرتب مباش ــرة ب ــالكالم لتوض ــحه‪.‬‬
‫فعنــدما نتحــدي فــنحن نســتادم إشــارات ن ـ رية بأيــدينا لنم ــل بهــا مــا‬
‫نقولـ ــه بطريقـ ــة أو بـ ــأخر ‪ ،‬أو لنحـ ــدد بهـ ــا مكان ـًـا‪ ،‬أو لنصـ ــف بوسـ ــاطتها‬
‫انفعاالً أو شعورًا‪ .‬ونكاد نفعل ذلك بصورة ال شعورية‪ ،‬إنها ج ء من عـدتنا‬
‫التواصلية‪ .‬فعنـدما أحتـدي عـن مسـائل تتصـل باالتسـاع فقـد أفـتح ذراعـي‬
‫علــى امتــدادهما‪ ،‬أمــا عنــدما أحتــدي عــن الصــغر فــإني أ أصــابعي علــى‬
‫بع ــها‪ .‬وعنــدما أريــد أن أصــف نيــف صــعدتُ أو نيــف ن ل ـتُ‪ ،‬أو نيــف‬
‫وصلتُ إىل مكان ما‪ ،‬فإني استادم إشارات خمتلفة‪ .‬قد ال تكون املوضحات‬
‫حمــددة بدقــة نالكلمــات اجلســمية‪ ،‬وقــد ال يســتادمها اجلميــع بــنفس‬
‫الطريقة‪ ،‬فلكل منا طريقته ومناسباته يف استادامها‪.‬‬
‫جـ) املوجهات‪ :‬وهي مجلة اإلشارات الوجهية واجلسمية والصوتية ال يقوم‬
‫بها املستمع استجابة للمتحدي متابعة وموافقة واسـتنكارًا‪ ..‬إخل‪ .‬وهـذ‪.‬‬
‫افرنات تعطي املتحدي تغذية راجعة مهمة يكيف رسالته يف ضوئها‪.‬‬

‫‪- 030 -‬‬


‫أنت وأنا‬

‫حرنــات التكيــف‪ :‬وهــي افرنــات ال ـ يقــوم بهــا الشــاص للــتالص‬ ‫د)‬


‫مــن ضــيق جســمي م ــا (حــك الــرأس)‪ ،‬أو للتافي ــف مــن القلــق نهــ ِّ‬
‫اول ضـب هـذ‪ .‬افرنـات عنـدما نكـون بـ‬ ‫القدم املتصل‪ ،‬و ن‬
‫الناس فنجعلها أن ر ان باطـًا وهدوءًا‪ ،‬مع مالح ة أنها تك ـر عنـدما‬
‫تكون مشاعرنا سلبية‪.‬‬
‫‪ - 4‬الكلم ــات اجلس ــمية والكلم ــات اللف ي ــة‪ :‬يالب ــًا م ــا تعم ــل الرس ــائل اللف ي ــة‬
‫ــو مش ــرتك حيق ــق ي ــرض الرس ــالة الكل ــي‪.‬‬ ‫والرس ــائل ي ــري اللف ي ــة عل ــى‬
‫ويتفاعل هذا ال ربان من الرسائل على ست طرق رئيسة‪:‬‬
‫التأنيد‪ :‬يالبـًا ما يستادم التواصل يري اللف ي لتأنيد ج ء معـ‬ ‫أ)‬
‫مــن الرســالة اللف يــة‪ .‬فقــد ترفــع صــوتك لتأنيــد نلمــة أو عبــارة‪ ،‬أو‬
‫ت ر بقب تك على املن دة لت ند تصميمك‪.‬‬
‫ال من املعـاني قـد ال‬
‫اإلنمال‪ :‬كن أن ي يف التواصل يري اللف ي ظ ً‬ ‫)‬
‫تكفــي الرســالة اللف يــة لنقلــه‪ .‬وهكــذا‪ ،‬فقــد تبتســم وأنــت تســرد قصــة‬
‫ل حياء بأنها مرحة‪ .‬أو تقطب حاجبيـك وتهـ رأسـك عنـدما تتحـدي‬
‫عن خداع شاص لك‪.‬‬
‫التنــاقق‪ :‬قــد تعــارض رســالتك اللف يــة حبرنــات يــري لف يــة نــأن‬ ‫جـ)‬
‫تغم بعينك وأنت تسرد قصة لتشري إىل أنها يري حقيقية‪ ،‬أو أن ترحب‬
‫بشاص لف يـا يف ح أن مالمح وجهك ال تشي مب ل هذا الرتحيب‪.‬‬
‫التوجيــه‪ :‬قــد تســتادم اإلشــارات يــري اللف يــة ل ــب تــدفق الرســائل‬ ‫د)‬
‫اللف يــة‪ ،‬نمــا تفعــل عنــدما تفــتح شــفتيك وتــنح لومــام‪ ،‬أو تشــري‬
‫بيـ ــديك عنـ ــدما تريـ ــد التحـ ــدي‪ ،‬أو عنـ ــدما حتـ ــس بـ ــأن أح ـ ـدًا سـ ــوإ‬
‫تنـ ــه‬ ‫يقاطعـ ــك فتقـ ــوم حبرنـ ــة أو حرنـ ــات نـ ــي تقـ ــول‪ :‬إنـ ــك‬
‫نالمك بعد‪.‬‬

‫‪- 032 -‬‬


‫مقدمة في مهارات التواصل اإلنساني‬

‫ـو‬ ‫التكرار‪ :‬يف وسعك أن تكرر أو تعيد صـياية الرسـالة اللف يـة علـى‬ ‫هـ)‬
‫يري لف ي‪ .‬فتستطيع –علـى سـبيل امل ـال– أن تتبـع عبارتـك‪ :‬هـل هـذا‬
‫مناسب بتعبريات وجهية تفيد التساؤل‪.‬‬
‫االستبدال‪ :‬ويف وسـعك أي ًـا أن تسـتادم التواصـل يـري اللف ـي نـي‬ ‫و)‬
‫حيل حمل الرسالة اللف ية‪ ،‬نـأن تهـ رأسـك إىل األعلـى بـدلًا مـن أن‬
‫تقول ال‪.‬‬

‫خـ ــالل تفاعالتنـ ــا التواصـ ــلية تنقـ ــل وجوهنـ ــا رسـ ــائل‪ ،‬خصوصًـ ــا رسـ ــائل عـ ــن‬
‫ئــ از‬ ‫انفعاالتن ــا م ــل انفع ــاالت الس ــعادة والدهش ــة واخل ــوإ والغ ــب وافــ ن واال‬
‫واالحتقار واالهتمام وافرية والتصميم‪.‬‬
‫يــدرس الب ــاح ون ه ــذ‪ .‬التعــبريات‪ ،‬وتش ــابهها واختالفه ــا ب ـ الن ــاس بتقس ــيم‬
‫الوجه إىل ثالي مناطق للتعبري االنفعالي وهي‪ :‬اجلبهة وافاجبـان‪ ،‬العيـون واجلفـون‪،‬‬
‫واملنطقة السفلى من الوجه بدءًا من قنطرة األنف إىل الذقن‪ .‬وبعق التعـبريات أن ـر‬
‫وضوحـًا من يريها‪ .‬فقد تعرّإ املفحوصون من بعـق الدراسـات علـى تعـبريات السـعادة‬
‫بدقة ترتاوح ب (‪ ،)% 511–11‬والدهشة مـن (‪ ،)%57 – 45‬وافـ ن مـن(‪ )%55–56‬وت هـر‬
‫دراســات يف هــذا ا ــال أن النســاء والبنــات أن ــر دقــة يف افكــم علــى معنــى التعــبريات‬
‫الوجهية من الرجال واألوالد‪.‬‬
‫ـاول ضـبطها حدوثــًا‬ ‫و ـن نعـي هـذ‪ .‬التعـبريات علـى وجوهنــا أحيانـًا‪ ،‬وقـد‬
‫ال وإخفـاء لتحقيـق أهـدافنا‪ ،‬واجلـدول التـالي يوضـح حمـاوالت ال ـب‬
‫ومبالغة وتقلي ً‬
‫هذ‪:.‬‬

‫‪- 033 -‬‬


‫أنت وأنا‬

‫املبالغـ ـ ــة يف إظهـ ـ ــار الدهشـ ـ ــة عندم ـ ـ ــا يفاجئ ـ ـ ــك‬ ‫املبالغة يف إظهار الشعور‬ ‫التك يف‬
‫علهم يسرون‪.‬‬ ‫أصدقاؤك حبفلة حتى‬
‫يتل ــق أخب ــارًا‬ ‫إخف ــاء فرح ــك يف ح ــور ش ــاص‬ ‫التقليل من إظهار الشعور‬ ‫التافيف‬
‫مفرحة م لك‪.‬‬
‫إخفاء شعورك باف ن حتى ال حت ن ا خرين‪.‬‬ ‫إخفاء الشعور‬ ‫التحييد‬
‫التعبري عـن السعادة حـتى ختفي خيبـة أملـك لعـدم‬ ‫تغطية تعا ما بتعبري خمالف‬ ‫التمويه‬
‫تلقيك هديـة توقعتها‪.‬‬

‫ــو خمتلــف وفقــًا للســياق الــذي تــتم فيــه‪.‬‬ ‫وتــدرك التعــبريات الوجهي ـة علــى‬
‫فعندما قْدِّم وجه مبتسم ين ر إىل وجـه نئيـب‪ ،‬قـدر املشـاهد الـذي قـدم لـه الوجـه أنـه‬
‫لئيم وساخر‪ ،‬أما عنـدما قْـدِّم الوجـه ذاتـه وهـو ين ـر إىل وجـه مقطـب‪ ،‬فقـد حُكِـم عليـه‬
‫بأنه مسا وودي‪.‬‬
‫ييـ التعــبريات الوجهيــة أي ــًا االســتجابات الـ تســمح ثقافــة مــا بإظهارهــا‬
‫علنـًا وتلك ال ال تسمح بها‪ .‬ففي إحد الدراسات شاهد طـال أمريكيـون ويابـانيون‬
‫فيلمًا يصور عملية جراحية‪ .‬وسـجلت أشـرطة فيـديو لتعـبريات الطـال الوجهيـة أثنـاء‬
‫مشاهدتهم للفيلم وحدهم‪ ،‬ونـذلك عنـدما شـاهدو‪ .‬مـع آخـرين‪ .‬وقـد أظهـر الطـال‬
‫األمريك يون واليابـانيون اسـتجابات متماثلـة عنـدما نـانوا لوحـدهم‪ .‬أمـا عنـدما نـان‬
‫هناك آخرون فقد أظهر الطال األمريكيون تعبريات وجهية تشـي بعـدم املتعـة‪ ،‬يف حـ‬
‫ي هروا أي انفعاالت عميقة‪.‬‬ ‫أن الطال الياباني‬

‫بينما تقبع األذنان خاملت على طريف الوجه‪ ،‬وخاليت من أي أثر للحرنـة‬
‫أو النشاط – باست ناء إمحرارهما أحيانـًا – فـإن العيـن حتـتالن مكانـة بـارزة يف أعلـى‬

‫‪- 034 -‬‬


‫مقدمة في مهارات التواصل اإلنساني‬

‫منتصــف الوجــه‪ :‬شاشــتان ملونتــان تغم ــان وتفتحــان بــدرجات متفاوتــة‪ ،‬وتتحرنــان‬
‫نة ويسرة‪ ،‬ويتفاوت حجمهما وشكلهما ولونهما عنـد النـاس بصـورة الفتـة‪ ،‬باإلضـافة‬
‫إىل أنهمــا تعكس ــان األحــوال الص ــحية والنفســية للم ــرء‪ .‬لقــد ش ــكلت مجاليــة العي ــون‬
‫وق ــدرتهما التعبريي ــة موض ــوعات أث ــرية للش ــعراء والكت ــا ‪ ،‬ف ــالعيون أداة تواص ــل حي ــة‬
‫وفعالة‪.‬‬
‫وظــائف ن ــرة الع ـ ‪ :‬حــدد البــاح ون يف جمــال التواصــل يــري اللف ــي عــدة‬ ‫‪- 5‬‬
‫وظائف مهمة ت ديها ن رة الع ‪ ،‬منها‪:‬‬
‫مراقبة التغذية الراجعة‪ :‬عندما تتحدي مع شاص ما‪ ،‬فأنت تن ـر إىل‬ ‫أ)‬
‫الشــاص ونأنــك تســأله عمــّا يفكــر فيــه‪ ،‬أو نأنــك حت ــّه علــى أن‬
‫يســتجيب ملــا قلتــه‪ ،‬نمــا أنــك تن ــر إىل املــتكلم حتــى تشــعر‪ .‬بأنــك‬
‫تستمع إليه‪ .‬وقد لوحْ أن املسـتمع ين ـرون إىل املـتكلم بـأن ر ممـا‬
‫ين ر املتكلمـون إىل املسـتمع‪ .‬وتـرتاوح النسـبة املئويـة للتفاعـل البصـري‬
‫يف أثناء االستماع من(‪ ،)%61 –74‬أما يف أثناء افديث فتكون بـ (‪–45‬‬
‫‪ ،)%35‬فإذا انعكس الوضع فإن التواصل ي طر ‪.‬‬
‫) ا اف ة على االهتمام واالنتبا‪ :.‬عندما تتحدي مع شاصـ أو ثالثـة‬
‫فأنــت حتــافْ علــى التواصــل البصــري حتــى ت ــمن انتبــا‪ .‬املســتمع‬
‫واهتم ــامهم‪ .‬وعن ــدما ال ينتب ــه أح ــد ل ــك فم ــن ا تم ــل أن ت ي ــد م ــن‬
‫تواصــلك البصــري معــه علــى أمــل أن ي يــد هــذا مــن اهتمامــه‪ .‬وعنــدما‬
‫حت ــاول أن تق ــول شيئ ــًا مهم ــًا‪ ،‬فأن ــت تن ــر برتنيـ ـ إىل مس ــتمعيك‪،‬‬
‫ونأنك يارس ضربـًا من السلطة البصـرية‪ ،‬مانعـًا إيـاهم مـن االنتبـا‪.‬‬
‫إىل أي شيء آخر‪.‬‬
‫جـ) اإليذان بتبـادل الـدور يف افـديث‪ :‬كـن للتواصـل البصـري أن يفيـد يف‬
‫إخب ــار الط ــرإ ا خ ــر يف اف ــديث ب ــأن قن ــاة التواص ــل مفتوح ــة‪ ،‬وإن يف‬

‫‪- 035 -‬‬


‫أنت وأنا‬

‫ال‪ ،‬ثـم ين ـر إىل طالـب‬


‫وسعه أن يتحدي ا ن‪ .‬فعندما يطرح املعلـم سـ ا ً‬
‫مع ‪ ،‬فإن هذا يشـري – مـن دون أي رسـالة لف يـة– إىل أن هـذا الطالـب‬
‫هــو الــذي ســيجيب‪ .‬ويفــرتض –عــادة– أن مــن تنتهــي الن ــرة عنــد‪ .‬هــو‬
‫الذي سريد‪.‬‬
‫توضــيح طبيعــة العالقــة‪ :‬يســاعد التواصــل البصــري علــى تــب مــا إذا‬ ‫د)‬
‫نانـت العالقـة بـ شاصـ سـلبية أو إجيابيـة‪ .‬فعنـدما حتـب شاصًــا‬
‫أنــه‬ ‫مــا‪ ،‬فأنــت ت يــد مــن تواصــلك البصــري معــه‪ .‬ويــر أحــد البــاح‬
‫عندما جياوز التواصل البصري (‪ )%71‬من تفاعل ما‪ ،‬فإن الناس يف هـذ‪.‬‬
‫افالـ ــة يكونـ ــون مهـ ــتم ببع ـ ــهم أن ـ ــر مـ ــن اهتمـ ــامهم بالرسـ ــائل‬
‫اللف يـ ــة املتبادلـ ــة‪ .‬و كـ ــن للتواصـ ــل البصـ ــري أن يكشـ ــف عـ ــن ن عـ ــة‬
‫سلطوية‪ .‬فالشاص العادي ين ر –نما أسلفنا– عندما يسمع أن ـر‬
‫مما يفعل ذلك عندما يـتكلم‪ .‬فـإذا أراد أحـد أن ـارس سـلطة يف أثنـاء‬
‫افديث‪ ،‬فإنه يعكس هـذا الـنم ‪ ،‬وحيـافْ علـى تواصـل بصـري أنـا‬
‫عندما يتحدي‪ ،‬وتواصـل بصـري أقـل عنـدما يسـتمع‪ .‬نمـا أن التواصـل‬
‫البص ــري يش ــري أي ً ــا إىل طبيع ــة العالق ــة بـ ـ شاصـ ـ ‪ :‬أه ــي ودودة‪،‬‬
‫عدوانية‪ ،‬أو ال مبالية‪.‬‬
‫التع ــويق ع ــن املسـ ـافة املكاني ــة‪ :‬يقص ــر التواص ــل البص ــري املس ــافات‬ ‫هـ)‬
‫املكانية والنفسية أي ًا‪ .‬فـإذا ننـت يف حفلـة مـا‪ ،‬والتقـت ن راتـك مـع‬
‫آخر‪ ،‬فإن املسافة تقصر حتى لو نانت بعيدة‪.‬‬
‫وظائف التجنب البصري‪ :‬أن تن ر يف ا ا‪ .‬شـاص بعينـه فهـذا – نمـا رأينـا‬ ‫‪- 4‬‬
‫– لــه أن ــر مــن مغ ـ ‪ .‬وأن تشــيح بن ــرك عــن شــاص بعينــه فهــذا لــه أي ًــا‬
‫أن ر من مغ ‪.‬‬

‫‪- 036 -‬‬


‫مقدمة في مهارات التواصل اإلنساني‬

‫ا اف ــة علــى تــوازن الن ــر واإلشــاحة‪ :‬ال ين ــر املرســل واملســتقبل إىل‬ ‫أ)‬
‫بع هما –عادة– طوال فرتة التواصل دون انقطاع‪ .‬فكـأن هنـاك فواصـل‬
‫راحة البد منها‪ .‬وتتفاوت مدة هذ‪ .‬التواصل وفقـًا العتبارات خمتلفة‪.‬‬
‫ختفيف افر ‪ :‬يصعب علـى شـاص مـذنب أن ين ـر مباشـرة إىل عـي‬ ‫)‬
‫شــاص لــه عالقــة بهــذا افــر ‪ .‬إن الطالــب الــذي ضــب وهــو يغــش‪ ،‬أو‬
‫االبــن الــذي نــذ علــى والــد‪ ،.‬أو املوظــف الــذي أهمــل يف أداء واجبــه‪،‬‬
‫يصــعب علــيهم الن ــر يف وجــه املــدرس أو األ أو املــدير علــى التــوالي‪ .‬إن‬
‫هذ‪ .‬اإلشاحة تعـبري عـن االعـرتاإ بالـذنب والنـدم القرتافـه‪ .‬أمـا إذا قـرر‬
‫هـ الء إنكــار مــا فعلــو‪ ،.‬فــإنهم يتعمــدون عــدم اإلشــاحة بن ــرهم مبالغــة‬
‫منهم يف تأنيد براءتهم‪.‬‬
‫جـ) االلتـ ـ ام ب ــالقيم الديني ــة واالجتماعي ــة وال قافي ــة‪ :‬حت ــدد ه ــذ‪ .‬الق ــيم‬
‫قواع ــد إلش ــاحة الن ــر‪ .‬نغ ــق الرج ــل طرف ــه ع ــن ام ــرأة‪ ،‬ون ــذلك‬
‫ا اف ة على خصوصية الناس عمومًـا‪ .‬فـإذا رأيـت شاصـ يتجـادالن‬
‫بشيء من افدة‪ ،‬فقد أشيح ببصري عنهما حتى ال يبدو ن ـري إليهمـا‬
‫اخرتاقـًا خلصوصية موقفهما‪.‬‬
‫االنسجام مع السلوك اإلنساني العام‪ :‬و ـن نقـوم بهـذا بصـورة تكـاد أن‬ ‫د)‬
‫تكـ ــون طبيعيـ ــة‪ .‬فالنـ ــاس –عمو ًمـ ــا – ال حيملقـ ــون يف وجـ ــو‪ .‬بع ـ ــهم‪،‬‬
‫خصوصًا إذا نـانوا ال يعرفـون بع ـهم‪ .‬وحتـى لـو نـان أحـدنا حيملـق‬
‫يكـن‬ ‫يف شاص آخر من دون أن حيس‪ ،‬فإنـه سـرعان مـا يت ـاهر بأنـه‬
‫ين ر إليه إذا أحس به‪ .‬إن العيون أدوات قارة يف حماجرها‪ ،‬لكنها تعطـي‬
‫انطباع ــًا قوي ــًا ب ــاخرتاق ح ــدود ا خ ــرين‪ ،‬ولنتجن ــب إعط ــاء م ــل ه ــذا‬
‫االنطباع امل عج للناس فإننا نشيح بأبصارنا عنهم‪.‬‬

‫‪- 037 -‬‬


‫أنت وأنا‬

‫أن ــن مهتم ــًا بش ــيء أو‬ ‫التعــبري ع ــن الالمب ــاالة وع ــدم االهتم ــام‪ :‬إذا‬ ‫هـ)‬
‫بشــاص فــإني ال أن ــر إليــه‪ ،‬وإذا ننــت مهتمــًا بــه وال أريــد إظهــار هــذا‬
‫االهتمام فإني أشيح ببصري أي ـًا‪.‬‬
‫التعــبري عــن الغ ــب‪ :‬ونشــيح بأبصــارنا عــن النــاس تعــبريًا عــن اســتيائنا‬ ‫و)‬
‫مــنهم لســبب مــا‪ .‬وحتــى عنــدما يتااصــم اثنــان ويلتقيــان بالصــدفة يف‬
‫مكان ما‪ ،‬فإنهما ال ين ران إىل بع هما بع ًا‪.‬‬
‫وهك ــذا ف ــإن الن ــر أو اإلش ــاحة حيم ــالن رس ــائل تواص ــلية ذات مغـ ـ ‪ ،‬وأدوات‬
‫تعبريي ــة‪ ،‬وخمف ــات للح ــر والقل ــق‪ ،‬وال ب ــد م ــن اس ــتادام ه ــات األداتـ ـ‬
‫و مدروس ضمانًـا لتحقيق أهدافنا التواصلية‪.‬‬ ‫املهمت على‬
‫اتساع الب ب ‪ :‬نانت النساء يف القـرن اخلـامس عشـر والسـادس عشـر ت ـعن‬ ‫‪- 4‬‬
‫نقاطــًا مــن قطــرة يقــال هلــا‪" :‬ســت افســن" يف عيــونهن‪ ،‬حتــى تتســع حــدقاتها‪،‬‬
‫فيبدين أن ر جاذبية مما لو نانت حدقاتهن صغرية‪ .‬وقد قام أحد البـاح‬
‫بإجراء رتـوش علـى ب بـ ي سـيدة يف صـورة‪ ،‬حبيـث يبـدوان يف نسـاة أوسـع‪ ،‬ويف‬
‫أخ ــر أض ــيق‪ .‬وطل ــب م ــن جمموع ــة م ــن املفحوصــ افك ــم عل ــى شاص ــية‬
‫السيدة يف الصورت ‪ ،‬فحكـم علـى السـيدة يف الصـورة ذات الب بـ ين الصـغريين‬
‫بأنها باردة املشاعر‪ ،‬قاسية‪ ،‬وأنانية‪ ،‬أما صـاحبة الب بـ ين الواسـع ‪ ،‬فقـد حكـم‬
‫يسـتطيعوا‬ ‫عليها بأنها أن ر أنوثـة ورقـة‪ .‬وعلـى أيـة حـال‪ ،‬فـإن املفحوصـ‬
‫تعليــل أحكــامهم‪ .‬وتفســري ذلــك أن اســتجابة النــاظر مل ــل هــذ‪ .‬اخلصــائص يف‬
‫تعــد‬ ‫العيــون تبــدو يــري واعيــة‪ .‬وعلــى الــريم مــن أن هــذ‪ .‬القطــرة التار يــة‬
‫تستادم‪ ،‬فإن صناعة أدوات التجميل حققت مكاسب نبرية من سلع مشـابهة‬
‫م ــل‪ :‬ال ــالل والكحــل واجلفــون الصــناعية وعدســات العيــون‪ ،‬ونلــها تـ دي –‬
‫نمــا يف ــرتض – الغــرض ذات ــه‪ .‬ويكش ــف اتســاع ب بــ ي الع ـ – أي ً ــا– ع ــن‬
‫اهتمام صاحبهما ودرجـة اسـت ارته االنفعاليـة‪ .‬فالعينـان تتسـعان عنـدما يهـتم‬

‫‪- 038 -‬‬


‫مقدمة في مهارات التواصل اإلنساني‬

‫الشــاص بشــيء مــا‪ ،‬أو عنــدما يســت ار انفعاليـ ـا‪ .‬ولعــل هــذا هــو الســبب الــذي‬
‫كم فيه على أصحا العيون الواسعة بأنهم أن ر اهتمامًا بنا‪.‬‬

‫اللمس ضر قوي من ضرو التعبري التواصلي‪ ،‬فاألم حتت ن ابنها‪ ،‬واملـدرس‬


‫يرب ــت عل ــى نت ــف طالب ــه‪ ،‬والن ــاس يتص ــافحون م ــع بع ــهم بع ً ــا‪ ،‬وي ــري ذل ــك م ــن‬
‫سلونات ملسية تشي مبعان تواصلية‪ .‬و كن للمس أن يوصل ثالثة معان رئيسة‪:‬‬
‫املش ــاعر اإلجيابي ــة‪ :‬نال ــدعم والتق ــدير واف ــب‪ ،‬وي ــتم التع ــبري عنه ــا ملسي ـ ـا‪،‬‬ ‫‪- 5‬‬
‫خصوصًا ب الناس الذين تربطهم عالقات محيمة‪.‬‬
‫ــث علــى ســلوك مــا‪ ،‬أو نوقــف سلونــًا آخــر‪ .‬واللمــس –بهــذا‬ ‫ال ــب ‪ :‬نــأن‬ ‫‪- 4‬‬
‫املعنى– يوحي بالسلطة‪ .‬فيبدأ صاحب السلطة األعلـى بـاللمس (نـأن ي ـع‬
‫يد‪ .‬على نتف صاحب السلطة األدنى)‪ ،‬وباملقابل‪ ،‬سيكون مـن عدم اللياقـة أن‬
‫يبدأ صاحب السلطة األدنى مب ل هذا السلوك‪.‬‬
‫الطقوس‪ :‬ويرن هذا املعنى على حتيات االستقبال والتوديع‪ ،‬م ـل املصـافحة‬ ‫‪- 4‬‬
‫أو التقبيل‪.‬‬
‫و ــن نســعى –يف بعــق األحيــان– إىل ملــس ا خــرين نمــا أننــا قــد نريــب أو ال‬
‫نــب‬ ‫ــاول‬ ‫منــانع يف أن يلمســنا ا خــرون‪ ،‬باإلضــافة إىل أننــا –يف مناســبات أخــر – قــد‬
‫نب اللمس يرتب –نما تشري نتائج بعق البحوي– على‬ ‫ملس ا خرين لنا‪ .‬ويبدو أن‬
‫افون –أي ًا–‬ ‫افون من التواصل اللف ي‬ ‫و موجب باخلوإ من التواصل‪ .‬فالذين‬
‫نـب اللمـس وضـعف اإلفصـاح عـن الـذات‪.‬‬ ‫من اللمس‪ .‬نما أن هناك ارتباطًـا عاليًـ ا بـ‬
‫فاللمس واإلفصـاح هـي أشـكال محيمـة مـن التواصـل‪ ،‬والنـاس الـذين يـرتددون يف االقـرتا‬
‫مــن شــاص آخــر عــن طريــق اإلفصــاح الــذاتي‪ ،‬يــرتددون أي ًــا يف االقــرتا منــه عــن طريــق‬
‫اللمــس‪ .‬ويبــدو أن امليــل لتجنــب التواصــل يتاــذ صــورة ن عــة معممــة منطبقـًـا علــى نــل‬
‫أشكال التواصل‪.‬‬

‫‪- 039 -‬‬


‫أنت وأنا‬

‫و تلف سلوك اللمس من ثقافـة إىل أخـر ‪ .‬فـالطال األمريكيـون –علـى سـبيل‬
‫امل ـال– يلمسـون أن ـر بكـ ري مـن الطــال اليابـاني ‪ ،‬الـذين حيـاف ون دو ًمـا علـى مســافة‬
‫بـ ـ بع ــهم‪ .‬وتش ــري بع ــق الدراس ــات يف منطق ــة الش ــرق األوسـ ـ إىل أن تالم ــس أف ــراد‬
‫اجلنس الواحد –عالنية– شائع جدا‪ ،‬فقد يسري رجالن –يف هذ‪ .‬املنطقة – متكاتف (يـد‬
‫الواحد فوق نتف ا خر)‪ ،‬بينما يعتا م ل هذا السلوك يري مقبول يف الواليـات املتحـدة‬
‫األمريكيــة‪ .‬والنــاس يف – الشــرق األوس ـ وأمريكــا الالتينيــة– يلمســون بع ــهم يف أثنــاء‬
‫الك ــال م أن ــر م ــن ح ــارات أخ ــر نأوروب ــا الش ــمالية وآس ــيا‪ .‬ونتيج ــة ل ــذلك ي ــرتك‬
‫األوروبيون الشماليون واليابانيون انطباعًـا بأنهم باردو املشاعر‪ ،‬وميالون إىل االبتعاد‪.‬‬

‫ال تكم ــن املع ــاني يف الكلم ــات الـ ـ ينطقه ــا الن ــاس أو يف حرن ــات أجس ــامهم‪ ،‬أو‬
‫تعــبريات وجــوههم وحســب‪ .‬فك ـ ري مــن املعــاني والرســائل حيملــها صــوت املتحــدي‪ :‬ســرعته‬
‫وارتفاعــه وعمقــه وحدتــه‪ .‬وخمتلــف األصــوات نال ــحك أو التــأو‪ ،.‬أو مــا عــا منهــا عــن‬
‫الفهم أو الدهشة أو االستنكار أو السارية‪ ،‬تنتمي إىل ما يسمى "اللغة املوازية"‪.‬‬
‫ويبدو أننا نستنتج أمورًا معينة من اللغة املوازية‪ .‬فقد نسـتدل مـن أصـوات النـاس‬
‫علــى معلومــات عــن حــالتهم الراهنــة‪ ،‬أو خصائصــهم اجلســمية أو رــاتهم الشاصــية أو‬
‫حتى مران هم الوظيفية‪ .‬ويبدو أن الناس يتفقون يف تقديراتهم حول هذا املوضـوع‪ ،‬ممـا‬
‫يشري إىل وجود انطباعات تنميطية تشتق من اللغة املوازية‪.‬‬
‫وتلع ــب اخلص ــائص اللغويـ ـة املوازي ــة دورًا يف تس ــهيل اإلقن ــاع‪ .‬فال ــذين يتح ــدثون‬
‫بسرعة –خصوصًا يف اخلطابـات املوجهـة للجمهـور – تلكـون فرصـة أنـا يف إقنـاع هـذا‬
‫اجلمهور‪ .‬فقد اتفق أن ـر املفحوصـ – يف بعـق الدراسـات مـع صـاحب الصـوت األسـرع‪،‬‬
‫واعتاو‪ .‬أن ر ذناءً وموضوعية وإقناعًا‪ .‬بل أن سرعة التحدي قد ت يد من درجة الفهم‪،‬‬
‫شريطة أن تبقى السرعة يف حدود معينـة‪ ،‬أي أال تكـون سـرعة مبال ًغـا بهـا‪ ،‬وإال فـإن النتـائج‬
‫ستكون سيئة للغاية‪.‬‬

‫‪- 041 -‬‬


‫مقدمة في مهارات التواصل اإلنساني‬

‫الصـمت أداة اتصــال‪ ،‬فهـو كــن أن يكـون داالً وبليغًـا‪ .‬إنـه قــد يعـا عــن الرضــى أو‬
‫الرفق أو االحتجا أو اخلوإ أو اف ن‪ ..‬اخل‪ .‬والصمت ي دي عدة وظائف منها‪:‬‬
‫إتاحـ ــة الوقـ ــت للـ ــتفكري‪ ،‬وتهيئـ ــة املرسـ ــل ل رسـ ــال ونـ ــذلك تهيئـ ــة املسـ ــتقبل‬ ‫أ)‬
‫لالستماع‪.‬‬
‫العقا أو إظهار الالمباالة‪.‬‬ ‫)‬
‫استجابة للقلق أو اخلجل أو التهديد‪.‬‬ ‫جـ)‬
‫تفادي التواصل ملنع نتائج سلبية‪.‬‬ ‫د)‬
‫توصيل املشاعر‪.‬‬ ‫هـ)‬
‫اإلشعار بعدم وجود شيء يقال‪.‬‬ ‫و)‬

‫يالب ــً ا م ــا نس ــارع إىل تص ــديق الرس ــائل ي ــري اللف ي ــة أن ــر م ــن الرس ــائل‬
‫اللف ية‪ .‬ان ر – على سبيل امل ال– إىل طفل حياول إنكار أنه نسـر طبقـًا مثينـًا‪ .‬ثـم‬
‫قارن – يف خيالك – ب ما يقوله‪ ،‬وب التعبريات ال تبدو على وجهه ويف صوته‪ .‬بل‬
‫إن األم عن ــدما ال تص ــدق ابنه ــا فيم ــا يقول ــه‪ ،‬فإنه ــا تق ــول ل ــه‪ :‬ض ــع عين ــك يف ع ــي ‪،‬‬
‫ونأنها تريـد قـراءة الرسـالة يـري اللف يـة ألنهـا تصـدقها أن ـر‪ .‬وبصـورة عامـة‪ ،‬تفيـد‬
‫الدراسات أنه عندما تتعـارض الرسـائل اللف يـة ويـري اللف يـة‪ ،‬فإننـا نصـدق األخـرية‪.‬‬
‫ويشــري "دال ليــذرز" (‪ 5657‬م)‪ ،‬وهــو عــا يف جمــال الســلوك يــري اللف ــي‪ ،‬إىل أن هــذا‬
‫السلوك أن ر فعالية بأربع مرات من السلوك اللف ي يف تـأثري‪ .‬علـى االنطباعـات بـ‬
‫األشااص‪ ،‬وأن ـر أهميـة بعشـر مـرات يف التعـبري عـن ال قـة‪ .‬ويـر عـا بـارز آخـر هـو‬
‫"الــات مهرابيــان" (‪5675‬م)‪ ،‬أن األثــر الكلــي للرســالة ال ـ تعــا عــن املشــاعر هــي نتــا‬
‫املعادلة التالية‪ 1.16 :‬لف ي ‪1.45+‬صوتي ‪ 1.11 +‬وجهي‪.‬‬

‫‪- 040 -‬‬


‫أنت وأنا‬

‫تساعدنا القرائن يري اللف ية على معرفة ما إذا نـان الشـاص يكـذ ‪ ،‬نمـا‬
‫أننا نستع بها الستكشاإ افقيقـة الكامنـة الـ حيـاول الشـاص إخفاءهـا‪ .‬وي هـر‬
‫نـ ـ ري م ــن البح ــوي أن النس ــاء أف ــل م ــن الرج ــال يف ق ــراءة الس ــلوك ي ــري اللف ــي‪،‬‬
‫والكشـف –مـن خاللـه– عـن افقيقـة الـ قـد حيـاول الشـاص إخفاءهـا‪ .‬ولعـل السـر‬
‫الكامن وراء تصديقنا للرسائل يري اللف ية أن ر من الرسائل اللف ية‪ ،‬هو أننا نشعر‬
‫أن الكلمات تقع ضـمن جمـال النشـاط اإلرادي املقصـود لصـاحبها‪ :‬فهـو يقـول مـا يشـاء‬
‫و ف ي ما يشاء‪ .‬أمـا حرنـات اجلسـم‪ ،‬وتعـبريات الوجـه‪ ،‬وإيقاعـات الصـوت‪ ،‬فـإن جـ ءًا‬
‫ـعها إلرادتـه‬ ‫نبريًا منها يقع يف ا ال التلقـائي الـالإرادي‪ .‬وحتـى إذا أراد املـرء أن‬
‫وقصد‪ ،.‬فإنه سيجد صعوبة ال يستهان بها يف ذلك‪.‬‬
‫تاز أهمية قـراءة الرسـائل يـري اللف يـة يف الكشـف عـن الكـذ واخلـداع‪ .‬وقـد‬
‫حدد الباح ون عـددًا مـن السـلونات الـ تصـاحبها‪ .‬فالكـاذ يتحـرك أقـل ممـا يفعـل‬
‫و أبطـأ (رمبـا نـي حيبـك الكذبـة بعنايـة)‪ ،‬ويقـرتإ أخطـاء‬ ‫الصادق‪ ،‬ويتحدي على‬
‫– هــي أن الكــاذ‬ ‫لف يــة أن ــر‪ .‬وأف ــل م شــر للكــذ – نمــا يــر بعــق البــاح‬
‫يس ــتادم نلم ــات أق ــل خصوص ــًا عن ــد إجاب ــة األس ــئلة‪ ،‬وتتا ــذ إجابات ــه ص ــورة مج ــل‬
‫قصــرية‪ ،‬ويــرتو قبــل اإلجابــة عــن األســئلة‪ ،‬ويســتادم فــرتات صــمت أن ــر يف أثن ــاء‬
‫التواصــل‪ ،‬ويســتادم أن ــر مم ـنْ يقولــون الصــدق عبــارات م ــل‪" :‬ومــن هــذا القبيــل" أو‬
‫"نما تعرإ"‪ ،‬نما يشري – أقل من الصادق – إىل حوادي وأشااص حمددين‪.‬‬

‫ال يقتصــر التواصــل يــري اللف ــي علــى اجلســم والصــوت فق ـ ‪ ،‬ولكنــه ينتشــر‬
‫كن أن تنقل رسائل ذات معان شتى‪ .‬ويسمى هـذا الـنم‬ ‫أي ًا يف املكان واألشياء ال‬
‫من التواصل النصبة أو افال أو الداللة‪.‬‬

‫‪- 042 -‬‬


‫مقدمة في مهارات التواصل اإلنساني‬

‫املكــان عنصــر مهــم يف التواصــل بـ النــاس‪ ،‬ريــم أننــا نــادرًا مــا ننتبــه هلــذا‪ .‬و يـ‬
‫"ادوارد هال" أحد أبرز علماء التواصل املكـاني ‪ Proxemics‬بـ أربـع مسـافات رئيسـة تعكـس‬
‫من ـ العالقــة ب ـ املتواصــل ‪ .‬ونــل مــن هــذ‪ .‬املســافات هلــا نقطــة بدايــة ونقطــة نهايــة‪،‬‬
‫فيصــبح لــدينا – علــى هــذا النحــو– مثــاني مســافات تواصــلية‪ .‬واملســافات األربــع الرئيســة‬
‫تقابل أربعة أمناط أساسية من العالقات هي‪ :‬افميمة‪ ،‬الشاصية‪ ،‬االجتماعية‪ ،‬العامة‪.‬‬
‫املســافة افميمــة‪ :‬منطقــة البدايــة – يف هــذ‪ .‬املســافة – تت ــمن اللمــس الفعلــي‪،‬‬ ‫‪- 5‬‬
‫وتــرتاوح بـ (‪ )31 –51‬ســم تفصــل ب ـ املتواصــل ‪ .‬ويف هــذ‪ .‬افالــة يكــون هنــاك‬
‫إحساس قوي با خر‪ .‬فكل فرد حيس بصوت ا خر ويلمسـه ويكـاد يسـمع أنفاسـه‪،‬‬
‫وتستادم منطقة البداية يف هـذ‪ .‬املسـافة لنشـاطات محيمـة للغايـة‪ ،‬نـاألم الـ‬
‫حتت ن ابنها لتهدئته ومحايتـه‪ ،‬وال يعمـل السـلوك اللف ـي –يف هـذ‪ .‬املسـاحة–‬
‫و ثانوي‪ .‬أما منطقة النهاية يف هذ‪ .‬املسـافة فتسـمح لنـا بلمـس ا خـر‬ ‫إال على‬
‫عن طريق مد األيدي‪ .‬واملسـافة افميمـة – يف مـنطق البدايـة والنهايـة فيهـا –‬
‫ال تعتا مالئمـة للغربـاء بسـبب الشـعور بعـدم املالءمـة واالن عـا الـذي قـد يـ ري‪.‬‬
‫اخرتاق ه الء الغرباء هلذ‪ .‬املسافة‪.‬‬
‫املســافة الشاصــية‪ :‬نــل واحــد منــا حيــي نفســه بفقاعــة واقيــة حتــدد مســافته‬ ‫‪- 4‬‬
‫الشاصــية‪ ،‬وهــي حتميــه وينــع مالمســة ا خــرين لــه‪ .‬وتــرتاوح هــذ‪ .‬املســافة مــن‬
‫(‪ )541 –31‬سم‪.‬‬
‫ويكون التالمس – يف منطقة البداية من هذ‪ .‬املسـافة – ممكنًـا‪ ،‬ولكـن عـن طريـق‬ ‫‪- 4‬‬
‫م ــد األي ــدي‪ .‬ويف ه ــذ‪ .‬افال ــة‪ ،‬ك ــن أن نس ــمح خ ــرين لص ــيق بن ــا ب ــدخول‬
‫فقاعتنـا‪ .‬أمـا يف منطقتهـا النهائيـة فـال يكـون الـتالمس ممكنًـا إال بصـعوبة‪ ،‬ومــن‬
‫مثــة فــإن هــذ‪ .‬املرحلــة حتــدد مبعنــى مــن املعــاني حــدود ســيطرتنا علــى األشــياء‪.‬‬
‫و كن أن تلعب رائحة العطر – على سبيل امل ال – دورًا يف هذا ا ال‪ ،‬إذ أن أحد‬

‫‪- 043 -‬‬


‫أنت وأنا‬

‫وظائفه هي إخفاء رائحة اجلسم‪ ،‬أما وظيفته ال ابتة فهي حتديد حدود الفقاعة‬
‫حبيث ال يقرت الشاص أن ر‪.‬‬
‫املســافة االجتماعيــة‪ :‬وتــرتاوح هــذ‪ .‬املســافة مــن (‪ )471 – 541‬ســم‪ ،‬حيــث ال نعــود‬ ‫‪- 3‬‬
‫ق ــادرين عل ــى إدراك تفاص ــيل بص ــرية ن ــان إدرانه ــا يف متناولن ــا يف املس ــافت‬
‫السابقت ‪ .‬ومنطقة البداية يف هذ‪ .‬املسافة هي البعد الـذي نـ دي فيـه عمـالً يـري‬
‫شاصي أو نتفاعل يف جلسة اجتماعية‪ .‬أما منطقة النهاية يف تلك املسافة فهـي‬
‫تلك ال تكون تعامالت العمـل فيهـا أن ـر رريـة مـن تلـك الـ تنجـ يف أول‬
‫هذ‪ .‬املسافة‪ .‬ففـي يـرإ مـوظف مـن مسـتو عـال – علـى سـبيل امل ـال– توضـع‬
‫املكاتب حبيـث يبقـى املراجعـون بعيـدين مبـا يتفـق مـع هـذ‪ .‬املسـافة‪ .‬وعلـى خـالإ‬
‫املسافة افم يمة‪ ،‬حيـث ال يكـون للتواصـل البصـري أهميـة نـبرية‪ ،‬فـإن التواصـل‬
‫البص ــري يف املس ــافة االجتماعي ــة مه ــم‪ ،‬وإال ف ــإن التواص ــل – برمت ــه – س ــيتبدد‪.‬‬
‫ويكون الصوت يف هذ‪ .‬املسافة أعلى مما هو يف يريها‪ .‬نما أن هذ‪ .‬املسافة تفسح‬
‫لنا حرية أنا يف افرنة والشعور‪.‬‬
‫املســافة العامــة‪ :‬وتــرتاوح هــذ‪ .‬املســافة مــن (‪ ) 611 –471‬ســم‪ .‬ويف أول هــذ‪ .‬املســافة‬ ‫‪- 1‬‬
‫يب ــدو الش ــاص حممي ــا مكاني ــا‪ ،‬ويف وس ــعه أن يتا ــذ إج ــراءات دفاعي ــة إذا ش ــعر‬
‫بالتهديد‪ .‬أما يف آخرها فنحن ال نر ا خـرين نـأفراد منفصـل وإمنـا نجـ ء‬
‫م ــن املك ــان نك ــل‪ .‬وي ــرتك الن ــاس ع ــادة – تلقائي ـ ـا – مس ــافة (‪ )41‬قدم ـًـا ح ــول‬
‫األشااص املهم ‪ ،‬ويبدو أن هذا حيدي بوجود حـراس أو بدونـه‪ .‬وبطبيعـة افـال‬
‫ف ــإن الن ــاس يب ــالغون يف آخ ــر ه ــذ‪ .‬املس ــافة يف س ــلونهم وص ــوتهم‪ ،‬نم ــا يفع ــل‬
‫املم لون على املسرح‪.‬‬

‫ويتص ــل ه ــذا ال ــر م ــن التواص ــل بالرس ــائل الــ تبع ــث به ــا أش ــياء م ــن ص ــنع‬
‫اإلنسان‪ ،‬م ل التصميم الداخلي للمكان‪ ،‬واللون‪ ،‬واملالبس‪ ،‬وا وهرات‪ ،‬وتصـفيفة الشـعر‪،‬‬
‫واملوسيقى‪.‬‬

‫‪- 044 -‬‬


‫مقدمة في مهارات التواصل اإلنساني‬

‫التصــميم الــداخلي للمكــان‪ :‬املكــان نــاطق‪ :‬مســاحته‪ ،‬تصــميم بنائــه‪ ،‬ن افتــه‪،‬‬ ‫‪- 5‬‬
‫أناقت ــه أو تص ــميمه ال ــداخلي‪ .‬وه ــذ‪ .‬األم ــور نل ــها‪ ،‬يف املك ــان‪ ،‬ك ــن أن تنق ــل‬
‫رسائل تواصلية‪ .‬وقد حاول "إبراهام ماسـلو" و "نوربـت منتـ " – يف دراسـة يـدت‬
‫نالسيكية – (‪5617‬م) حتديد ما إذا نانت الشروط اجلمالية لغرفـة تـ ثر يف‬
‫أحكام الناس الـذين جيلسـون فيهـا‪ .‬واسـتادمت يف هـذ‪ .‬الدراسـة ثـالي يـرإ‪:‬‬
‫يرفــة مجيلــة التن ــيم واألثــاي وطــالء اجلــدران‪ ،‬وال انيــة عاديــة‪ ،‬أمــا ال ال ــة‬
‫فقبيحة متساة‪ .‬وقام طال يف الغرإ ال الي بتقييم عشر صور ألعمال فنية‬
‫من حيث مد الطاقة املتوافرة فيها أو ييابها‪ ،‬أو من حيث التعاسة أو السعادة‬
‫ال تعا عنهـا‪ .‬ونمـا كـن أن يتوقـع املـرء‪ ،‬فقـد حكـم الطـال يف – الغرفـة‬
‫اجلميلة – على األعمال الفنية بأنها مفعمة بالطاقة والسعادة‪ ،‬وجاءت أحكام‬
‫الطال يف الغرفـة القبيحـة علـى نقـيق ذلـك‪ ،‬أمـا أحكـام الطـال يف الغرفـة‬
‫العادية فجاءت وسطًا ب ه الء وأولئك‪.‬‬
‫وعلينــا أن نتســاءل ا ن نيــف ت ـ ثر مجاليــات البيئــة علــى النــاس يف ســياقات‬
‫خمتلفة‪ :‬يف املدارس واملستشفيات واملكاتب والسـجون‪ ،‬ونيـف كـن لتحسـ‬
‫ـو ي يـد مـن اإلنتـا وحيسـن اال اهـات‬ ‫هذ‪ .‬اجلماليات أن ي ثر فـيهم علـى‬
‫واملشاعر و فف من صعوبات افياة‪.‬‬
‫التواص ــل الل ــوني‪ :‬ت ــرتب املش ــاعر يف حياتن ــا العادي ــة ب ــاأللوان‪ ،‬ونع ــا عنه ــا‬ ‫‪- 4‬‬
‫أحيان ـًـا بهــذ‪ .‬الطريقــة البصــرية‪ .‬فــاف ن مــرتب بــاللون األســود‪ ،‬الــذي يعــا‬
‫أي ًا عن مد ررية املناسبة‪ ،‬أما الفرح فريتب باللون الوردي‪ .،‬وقد ال تكون‬
‫عالقة املشاعر ببقية األلوان واضـحة يا ًمـا‪ ،‬اال أن النـاس يف ثقافـات خمتلفـة‪،‬‬
‫يعتقدون بوجود هذ‪ .‬العالقة‪ .‬فاللون األمحر يف الص يسـتادم لالحتفـاالت‬
‫واملناسبات الفرحة‪ ،‬بينما يعـا عنـد قبائـل الشـريوني مـن اهلنـود افمـر عـن‬
‫ة‪ .‬و ن نقول‪ :‬امحّرت عينه ونع بهذا أنه ي ب واعت م الشر‪ .‬ويقـول‬ ‫اهل‬

‫‪- 045 -‬‬


‫أنت وأنا‬

‫املصــريون‪ :‬يومــك أبــيق توقعًــا للاــري‪ ،‬ونعتقــد أن ألــوان اجلــن تــرتاوح ب ـ‬


‫األزرق واألمحر‪ ،‬نما ن ن أن األزرق نع افسد‪ .‬وهنـاك م شـرات تـدل علـى‬
‫أن األلوان ت ثر علينـا في يولوجيًـا‪ .‬فحرنـات التـنفس تت ايـد يف وجـود اللـون‬
‫األمحر‪ ،‬وتتناقص باللون األزرق‪ .‬نما يك ر رمش العـ عنـدما تتعـرض للـون‬
‫األمح ــر‪ ،‬ويتن ــاقص أم ــام الل ــون األزرق‪ .‬وتتواف ــق ه ــذ‪ .‬النت ــائج م ــع توقعاتن ــا‬
‫الشائعة عن الطبيعة امل رية للون األمحـر‪ ،‬والطبيعـة املهدئـة للـون األزرق‪ .‬وقـد‬
‫نشفت إحد الدراسات عن حدوي اخنفاض يف ضغ الدم وحتسن يف األداء‬
‫األناد ي‪ ،‬بعد تغيري لون جدران إحد املدارس مـن الاتقـالي واألبـيق إىل‬
‫األزرق‪.‬‬
‫وت ثر األلوان أي ًا على إدراناتنا وسلوننا‪ .‬إن يالإ سلعة ما – علـى سـبيل‬
‫امل ال – ي ثر يف قرار شرائها‪ .‬ويف إحد التجار ‪ ،‬حكم املفحوصون علـى قهـوة‬
‫مأخوذة من علبة صفراء على أنها خفيفـة‪ ،‬بينمـا حكمـوا علـى القهـوة ذاتهـا –‬
‫عنــدما أخــذت مــن علبــة بنيــة – علــى أنهــا ثقيلــة جــدا‪ .‬أمــا عنــدما أخــذت مــن‬
‫علبة محراء‪ ،‬فقد وصفت بأنها ينية‪ .‬وعنـدما نانـت العلبـة زرقـاء‪ ،‬فقـد حكـم‬
‫على مذاق القهوة بأنه معتدل‪ .‬ولعل هذا يطرح علينا تسـاؤالً عـن ألـوان بعـق‬
‫املالب ــس الرري ــة املرتبط ــة ب ــاملهن واملناس ــبات‪ :‬ن ــال و األس ــود للمح ــام‬
‫وخرجيي اجلامعات‪ ،‬واألبيق لوطباء‪ ،‬واألخ ر للجـراح ‪ .‬وهـل هـي أن ـر‬
‫‪.‬‬ ‫مناسبة أليراضها من ألوان أخر‬
‫املالبــس وال ينــة‪ :‬ت ـ دي املالبــس أيراضــًا متنوعــة‪ ،‬فهــي حتميــك مــن حــرارة‬ ‫‪- 4‬‬
‫الطقـ ــس وبرودتـ ــه‪ ،‬وأحيانً ــا مـ ــن األذ ( نمـ ــا يف بعـ ــق الرياضـ ــات)‪ .‬نمـ ــا‬
‫تســاعدك علــى إخفــاء أج ـ اء مــن جســمك ملبيــة وظيفــة اخلجــل وافيــاء‪.‬‬
‫وللمالب ــس وج ــه ثق ــايف‪ ،‬فه ــي تع ــا ع ــن انتم ــاءات ثقافي ــة رئيس ــية وفرعي ــة‪.‬‬
‫فاألينياء ال يلبسون نالفقراء‪ ،‬ونذلك املوظفـون الـذين يرمـ هلـم أحيانـًا‬

‫‪- 046 -‬‬


‫مقدمة في مهارات التواصل اإلنساني‬

‫بأصــحا الياقــات البي ــاء‪ ،‬يف مقابــل العمــال الــذين يشــار إلــيهم علــى أنهــم‬
‫أصــحا الياقــات ال رقــاء‪ .‬ومــن املمكــن أن يســتنتج النــاس بعــق صــفاتك مــن‬
‫مالبسك‪ .‬وسواء أنانت استنتاجاتهم صحيحة أو خاطئـة‪ ،‬فإنهـا سـوإ تـ ثر‬
‫يف الطريقـة الـ يفكــر بهــا النــاس عنــك ويســتجيبوا لــك‪ .‬نمــا حيكــم علــى‬
‫طبقتــك االجتماعيــة وجــديتك‪ ،‬وا اهاتــك‪ ،‬وتقليــديتك‪ ،‬و ديــدك‪ ،‬إىل‬
‫حــد مــا مــن مالبســك‪ .‬ويوجــد بعــق املتاصص ـ يف هــذا ا ــال كــنهم أن‬
‫يش ــريوا عل ــى الن ــاس مب ــا يلبس ــو‪ .‬حت ــى يعط ــوا انطباع ــًا أن ــا باملص ــداقية‬
‫والكف ــاءة‪ ،‬ويس ــهل عل ــيهم ذل ــك –بالت ــالي – النج ــاح‪ .‬وحيك ــم الط ــال عل ــى‬
‫املدرس الذي يرتدي مالبس يري ررية‪ ،‬نما أشارت بعـق البحـوي‪ ،‬علـى أنـه‬
‫أن ــر ودا ومعقوليــة ومحاســة ومرونــة‪ .‬أمــا إذا ارتــد مالبــس رريــة‪ ،‬فــإنهم‬
‫اضرته‪ ،‬وأف ل معرفة وتن يمًا‪.‬‬ ‫يشعرون إنه أن ر إعدادًا‬
‫وتنقل ا وهرات وافلي – أي ًا– رسائل معينة‪ ،‬ناوامت اخلطبة‪ ،‬أو خوامت‬
‫التاــر أو امليــداليات املاتلفــة‪ .‬وإذا ارتــديت ســاعة فــاخرة وف هــا ا خــرون‬
‫فسوإ يستنتجون أنك ي ‪ ،‬نما سـيحكم علـى الشـا الـذي يعلـق يف عنقـه‬
‫ــو خمتلــف عــن آخــر ال يفعــل ذلــك‪ .‬وا ــوهرات ال ـ‬ ‫سلســلة ذهبيــة علــى‬
‫تلبســها امــرأة تنقــل رســائل عــن مســتواها املــادي وذوقهــا اجلمــالي‪ .‬بــل إن قصــة‬
‫الشعر وتصفيفه تشي بأمور عن صـاحبتها‪ :‬نالريبـة يف اإلبهـار‪ ،‬أو الالمبـاالة‬
‫بامل هر‪ ،‬أو التعبري عن رـات معينـة‪ ،‬فالرجـال الـذين يطيلـون شـعرهم أن ـر‬
‫مــن الــالزم حيكــم علــيهم بــأنهم أقــل حماف ــة مــن أولئــك الــذين ال يفعلــون‬
‫ذل ــك‪ .‬وامل ــرأة الـ ـ تق ــص ش ــعرها قص ــة ذنوري ــة تعط ــي انطباع ــًا برف ــها‬
‫جلنسها وسعيها للتحرر من تبعات انتمائها هلذا اجلنس‪.‬‬
‫املوسيقى‪ :‬واملوسيقى – أي ًا – وسي تواصلي معـا‪ .‬فاملوسـيقى الـ حتبهـا‬ ‫‪- 3‬‬
‫تكش ـ ــف ع ـ ــن خص ـ ــائص في ـ ــك‪ :‬فم ـ ــن يس ـ ــتمتع باالس ـ ــتماع إىل املوس ـ ــيقى‬

‫‪- 047 -‬‬


‫أنت وأنا‬

‫تلــف عــن ذلــك الــذي يســتمتع باملوســيقى الشــبابية اخلفيفــة‪.‬‬ ‫الكالســيكية‬


‫وتستادم السينما والتلف يون والراديو املوسيقى نعنصـر "تصـويري" أساسـي‬
‫يع ــا ع ــن االنفع ــاالت واملش ــاعر املاتلف ــة‪ .‬نم ــا أن أص ــحا املت ــاجر الك ــا‬
‫(السوبر مارنت)‪ ،‬ي عون موسيقى خفيفة هادئة يف أثناء ساعات النهار حتى‬
‫يشــجعوا ال بــائن علــى التجــول بهــدوء ب ـ الرفــوإ واملمــرات‪ ،‬ممــا ي يــد مــن‬
‫احتمال الشعور بالراحة واملتعة وي يد من فرص شرائهم للسـلع املعروضـة‪ .‬أمـا‬
‫عنــدما يقــرت موعــد اإليــالق فــإن املوســيقى تغــدو ســريعة حتــى حتــث ال بــائن‬
‫على إنهاء مشرتياتهم بسرعة‪.‬‬
‫يت ـح لنــا ممــا سـبق أن اجلســم والصــوت واملكـان واألشــياء تلعــب دورًا تواصليــا‬
‫مهمـًا وثريًا يستحق االنتبا‪ .‬هلا لتن يمها وإرهافها وجعلها تسهم – يف املهمـة‬
‫و حيقق أهدافها‪.‬‬ ‫التواصلية – على‬

‫‪- 048 -‬‬


‫مقدمة في مهارات التواصل اإلنساني‬

‫ه ــذا الش ــيء العجي ــب ال ــذي حي ــدي يف ن ــل زم ــان ومك ــان‪ ،‬ك ــن أن يتن ــوع‬
‫تا فيه إىل أي أجه ة أو مواد‪ .‬حيدي يف يرفة مصـنوعة‬ ‫م مونه من دون نهاية‪ ،‬وال‬
‫رهـا حيوانـات‪ ،‬أو يف طـائرة حدي ـة‪ ،‬بـ طفلـ‬ ‫من صفيح أو قصر فام‪ ،‬أو يف عربة‬
‫أو ب شيا ‪ ..‬إخل‪.‬‬
‫تعـرإ ا ادثـة علـى أنهـا "تفاعـل اجتمـاعي يـري ررـي نسبي ـا يـتم فيـه تبـادل‬
‫ــو يــري آلــي وبتعــاون مــن نــل األطــراإ"‪ .‬وفحــص‬ ‫األدوار بـ املســتمع واملــتكلم علــى‬
‫ا ادث ــة ي ودن ــا بفرص ــة ممت ــازة للن ــر إىل الرس ــائل اللف ي ــة وي ــري اللف ي ــة نم ــا‬
‫نس ــتادمها يف تواص ــلنا الي ــومي‪ .‬وس ــوإ نبح ــث يف ه ــذا الفص ــل عملي ــة ا ادث ــة‪ :‬م ــا‬
‫املب ــاد الــ نتبعه ــا يف ا ادث ــة‪ ،‬وني ــف ن ــديرها (افتتاحه ــا‪ ،‬اس ــتمرارها‪ ،‬انتهاؤه ــا)‪،‬‬
‫ونيف مننع مشكالتها‪ ،‬ونعاجلها إذا حدثت‪.‬‬

‫‪- 049 -‬‬


‫أنت وأنا‬

‫ـس خطـوات ‪ :‬االفتتـاح‪ ،‬التغذيـة املتقدمـة‪ ،‬العمـل‪،‬‬ ‫تتألف هذ‪ .‬العمليـة مـن‬
‫التغذية الراجعة‪ ،‬واخلتام‪.‬‬
‫االفتتـاح ‪ :‬واخلطــوة األوىل هــي افتتــاح ا ادثـة‪ ،‬ويكــون ذلــك –عــادة– ب ــر‬ ‫‪- 5‬‬
‫مــن ضــرو التحيــة‪ .‬وهــي ال ـ ت ســس عالقــة ب ـ شاص ـ وتفــتح القنــوات‬
‫لتفاعــل أنــا‪ .‬والتحيــة كــن أن تكــون لف يــة أو يــري ذلــك‪ .‬إن ابتســامة أو‬
‫قبلــة أو مصــافحة كــن أن يكــون هلــا نفــس دور "الســالم علــيكم" أو "مرحبًــا" أو‬
‫"أهلًا وسهال"‪.‬‬
‫ويف ا ا دث ــة العادي ــة‪ ،‬ف ــإن التحي ــة ت ــرد بتحي ــة مش ــابهة م ــن حي ــث الرري ــة‬
‫والشــدة‪ .‬وعنــدما ال حيــدي هــذا‪ ،‬أي عنــدما يشــيح ا خــر بوجهــه‪ ،‬أو يســتجيب‬
‫باود لتحيتك الدافئة‪ ،‬فأنـت تـدرك أن هنـاك مثـة مشـكلة مـا‪ .‬واالفتتاحيـات‬
‫تكــون عــادة متســقة مــع اجل ـ ء الــرئيس مــن ا ادثــة‪ .‬فــإذا نانــت االفتتاحيــة‬
‫تشي بالدإء واملرح والود فلن يكون ما بعدها يف الغالب باردًا أو ح ينـًا‪.‬‬
‫ــن نعطــي عــادة ضــربًا مــن التغذيــة‬ ‫التغذيــة املتقدمــة‪ :‬يف اخلطــوة ال انيــة‬ ‫‪- 4‬‬
‫املتقدمة‪ .‬ومن خالل هذ‪ .‬التغذية‪ ،‬نعطي الشاص ا خر فكرة عامـة عـن بـ رة‬
‫ا ادثــة‪" .‬أريــد أن أحــدثك عــن باســم‪ ،‬هــل رعــت مــا جــر معــه يف الفصــل‬
‫أمس "‪ .‬والتغذية املتقدمة قد حتدد نغمـة ا ادثـة "أنـا مكتئـب حق ـا وحباجـة‬
‫للحديث معـك" أو أنهـا حتـدد الوقـت املطلـو ‪" :‬لـن يسـتغرق مـا سـأقوله لـك‬
‫أن ر من دقيقة"‪.‬‬
‫العمــل‪ :‬يف اخلطــوة ال ال ــة نتحــدي عــن العمــل‪ ،‬وهــو جــوهر أو ب ـ رة ا ادثــة‪.‬‬ ‫‪- 4‬‬
‫و"العمل" يستادم لتأنيد أن مع م ا ادثات هدفية الوجهة ‪ :‬فقد نتحـادي‬
‫لنتعلــّم أو نفــتح عالقــة أو ن ـ ثر أو نلعــب أو نســاعد‪ .‬ومصــطلح "العمــل" عــام‪،‬‬
‫حبيــث تنطــوي حتتــه نــل أنــواع التفــاعالت‪ ،‬فهــو يــتم مــن خــالل تبــادل ألدوار‬

‫‪- 051 -‬‬


‫مقدمة في مهارات التواصل اإلنساني‬

‫املــتكلم واملســتمع‪ .‬والتفــاعالت املاتصــرة يــري املطولــة يي ـ مع ــم ا ادثــات‬


‫افســنة‪ .‬والعمــل أطــول خطــوات ا ادثــة‪ ،‬يــتم التحــدي واالســتماع فيــه عــن‬
‫املوضوع الرئيس‪.‬‬
‫التغذي ــة الراجع ــة‪ :‬وه ــي عك ــس التغذي ــة املتقدم ــة‪ .‬وهن ــا‪ ،‬أن ــت تنعط ــف عل ــى‬ ‫‪- 3‬‬
‫ا ادثة الـ جـرت‪ ،‬لتشـري أنـه فيمـا يتعلـق بـك فـإن العمـل قـد مت‪ .‬وهـذا قـد‬
‫يت من تعليقـًا أو اقرتاحـًا أو قرارًا‪ .‬وقد ال يكون العمل قد مت بالنسبة للطرإ‬
‫األول فيستأنف ا ادثة إي احـًا أو تعليقـًا أو إضافة‪.‬‬
‫االختت ــام ‪ :‬واخلط ــوة اخلامس ــة واألخ ــرية ه ــي عك ــس اخلط ــوة األوىل‪ .‬وي ــتم‬ ‫‪- 1‬‬
‫ـو ي هـر مـد رضـى الشـاص‪.‬‬ ‫االختتام بكلمة وداع أو ما يشـبه ذلـك علـى‬
‫ال‪.‬‬
‫وقد هد االختتام للمستقبل ل ر موعد جديد م ً‬

‫إال أن ا ادثات قـد ال تنقسـم بسـهولة إىل هـذ‪ .‬اخلطـوات اخلمـس‪ ،‬فغالبـًا مـا‬
‫يت اخلطوتان األوليان‪ ،‬نـأن تصـادإ شاصـًا فتحييـه وتقـول مباشـرة‪ :‬ارـع هـذ‪.‬‬
‫افكاي ــة‪ .‬نم ــا ك ــن أن تت ــداخل خط ــوات التغذي ــة الراجع ــة واالختت ــام ن ــأن تق ــول‬
‫لشاص ما ‪":‬علىَّ أن أفكر أن ر يف هذ‪ .‬املسألة‪ ،‬إىل اللقاء "‪.‬‬
‫ونما أشرنا‪ ،‬فالعمل هو أطول ج ء من ا ادثة‪ .‬أما االفتتاح واالختتام فهما‬
‫متمــاثالن يف مــدتهما‪ ،‬ونــذلك التغذيــة املتقدمــة والتغذيــة الراجعــة‪ .‬فــإذا اضــطربت‬

‫‪- 050 -‬‬


‫أنت وأنا‬

‫ــو حــاد‪ ،‬فســرعان مــا ينتابــك إحســاس أن هنــاك مشــكلة مــا‪ .‬فعنــدما‬ ‫هــذ‪ .‬املــدة علــى‬
‫يستادم شاص مـا – علـى سـبيل امل ـال– تغذيـة متقدمـة مطولـة أو افتتاحيـة قصـرية‬
‫جدا‪ ،‬يتكون لديك انطباع أن ما سيقوله جدي للغاية‪.‬‬
‫يســاعدنا هــذا النمــوذ اخلماســي علــى حتديــد عيــو مهــارات ا ادثــة‪ ،‬وعلــى‬
‫التميي ـ ب ـ ا ادثــة الفعالــة ويــري الفعالــة‪ .‬ان ــر علــى ســبيل امل ــال إىل التجــاوزات‬
‫التالية‪ ،‬ونيف كن أن تدمر حمادثة بأنملها ‪:‬‬
‫اس ــتادام افتتاحي ــات تفتق ــر إىل افساس ــية (م ــل مالح ــات س ــلبية عل ــى‬ ‫‪‬‬
‫الشكل)‪.‬‬
‫استادام تغذية متقدمة طويلة جدا‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫حذإ التغذية املتقدمة قبل نقل خا سيء‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫ال)‪.‬‬
‫االنتقال إىل مرحلة العمل من دون املرور باالفتتاح (التحية م ً‬ ‫‪‬‬
‫يسمعه أو يهتم به‪.‬‬ ‫حذإ التغذية الراجعة مما يوحي للمرسل أن املستقبل‬ ‫‪‬‬
‫حــذإ االختتــام املناســب مبــا يــرتك انطباعًــا لــد املســتقبل أن املرســل ياضــب‬ ‫‪‬‬
‫منه أو م طر ‪.‬‬
‫إعطاء تغذية متقدمة م للة‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫وينبغــي اإلشــارة إىل أن مــدد هــذ‪ .‬اخلطــوات قــد ختتلــف بــاختالإ ال قافــات أو‬
‫األشااص‪.‬‬

‫خالل حمادثاتنا نعمل وفقـًا ملبدأ التعاون‪ ،‬أي أن املتكلم واملستمع يتفقان على‬
‫نتفق على التعاون فإن التواصـل‬ ‫التعاون يف حماولة فهم ما يقوله نل منهما‪ .‬فإذا‬
‫ال أصالً‪ .‬ويتحقـق التعـاون – إىل حـد نـبري –‬
‫يكن مستحي ً‬ ‫سيكون صعبًا للغاية‪ ،‬إن‬
‫باستادام أربع مسلمات للمحادثـة‪ ،‬وهـي مبـاد يتبعهـا املسـتمعون واملتحـدثون‪ .‬وعلـى‬

‫‪- 052 -‬‬


‫مقدمة في مهارات التواصل اإلنساني‬

‫الــريم مــن أن أرــاء هــذ‪ .‬املبــاد قــد تبــدو لنــا جديــدة فــإن يف وســعنا مالح تهــا يف‬
‫خاتنا االجتماعية اليومية‪.‬‬
‫املسلمة األوىل‪ :‬مسلّمة الكم‪ :‬يتبع املتحدثون مسلمة الكم‪ .‬فهـم يتعـاونون بـأن‬ ‫‪‬‬
‫يكونوا م ودين باملعلومات لتوصيل املعنى املقصـود‪ .‬وهكـذا فـإن املـتكلم ي ـمن‬
‫عل املعنى أن ـر وضوحـًا وحيـذإ مـا عـدا ذلـك‪ .‬وباتبـاع‬ ‫نالمه معلومات‬
‫هــذا املبــدأ فــإن املــتكلم ال يعطــي معلومــات مبــالغ يف قلتهــا أو ن رتهــا‪ .‬و ــن‬
‫الفون هـذا املبـدأ عنـدما حيـاولون وصـف حادثـة ثـم يسـتطردون‬ ‫نر الناس‬
‫إلعطائنا معلومات يري ضرورية‪ .‬فرت املستقبل يطلب من املرسـل – ضـمنًا أو‬
‫صراحة– أن يسرد ما حدي يامًا‪ .‬نما قد حيذإ املتحدي معلومات ضرورية‬
‫ال عن تفاصيل مهمة لفهم افادثة‪.‬‬
‫في طر املستقبل للتدخل متسائ ً‬
‫املسلمة ال انية‪ :‬مسلـّمة الكيف‪ :‬فاملتحدثون يتعاونون بأن يقولوا ما يعرفـوا أو‬ ‫‪‬‬
‫يفرتض ــوا أن ــه ص ــحيح‪ ،‬وبع ــدم ق ــول م ــا يعتق ــدون أن ــه ل ــيس ل ــذلك‪ .‬وعن ــدما‬
‫نتحــدي فإننــا نفــرتض أن معلومــات املتحــدي صــحيحة أو أنهــا نــذلك علــى‬
‫رق ــون ه ــذا املب ــدأ س ــواء‬ ‫ح ــد عل ــم امل ــتكلم‪ .‬وعن ــدما نتح ــدي م ــع أش ــااص‬
‫بالكــذ أو املبالغــة أو التافيــف مــن مشــكالت جديــة‪ ،‬فإننــا ال نعــود ن ــق بهــم‪،‬‬
‫ونروح نتساءل عمـّا هو صحيح يف نالمهم وما هو زائف‪.‬‬
‫املسلمة ال ال ة‪ :‬مسلـّمة الصـلة‪ :‬ويتعـاون املرسـل واملسـتقبل بالتحـدي عمـا هـو‬ ‫‪‬‬
‫ذو صــلة با ادثــة‪ .‬وهكــذا فــإذا نــان املــتكلم يتحــدي عــن باســم وليلــى وقــال‬
‫ال‪ :‬إن املـال يسـبب مشـكالت للعالقـات‪ ،‬فإننـا نفـرتض –حتـى دون أن نفكـر–‬
‫م ً‬
‫ـالفون هـذا املبـدأ‪،‬‬ ‫أن للتعليق صـلة بباسـم وليلـى‪ .‬ونـر بعـق النـاس ممـن‬
‫فيبتعدون ن ريًا عن املوضوع الرئيس‪ ،‬أو يدخلون تعليقات ال صلة هلا به‪.‬‬
‫املسلمة الرابعة‪ :‬مسلـّمة الطريقة أو املالءمة ‪ :‬ويتبع املتحـادثون مبـدأ املالءمـة‬ ‫‪‬‬
‫عندما يتعاونون على أن يكونوا واضح ‪ ،‬ونذلك بتجنب اإلبهام‪ ،‬وباإلجيـاز‬

‫‪- 053 -‬‬


‫أنت وأنا‬

‫النس يري املاـل‪ ،‬وتن ـيم أفكـارهم يف تعاقـب منطقـي‪ .‬وهكـذا‪ ،‬فـإن املتحـدي‬
‫يستادم مصطلحات يفهمها املستمع‪ ،‬وحيـذإ أو يوضـح املصـطلحات الـ ال‬
‫يفهمهــا‪ .‬و ــن نــر هــذ‪ .‬املســلمة يف التعــاون الواضــح الــذي يتجلّــى عنــدما‬
‫نكيف نالمنـا وفقـًا للمسـتمع الـذي نتحـدي إليـه‪ .‬فعنـدما نتحـدي مـ الً إىل‬
‫صديق محيم‪ ،‬فإننا نشري إىل أشااص وخاات مشـرتنة‪ ،‬أمـا إذا حتـدثنا إىل‬
‫ــذإ هــذ‪ .‬اإلشــارات أو نوضــحها‪ ،‬وعنــدما نتحــدي إىل‬ ‫يريــب‪ ،‬فإننــا إمــا أن‬
‫طفل فإننا نبس مفرداتنا‪.‬‬
‫وبطبيعة افال فإن هذ‪ .‬املسلمات بسيطة للغاية و ن نتبعها –يف ن ري مـن‬
‫األحي ــان– م ــن دون تفك ــري‪ .‬وعل ــى الــريم م ــن ذل ــك فإنن ــا خنالفه ــا يف أحي ــان أخ ــر ‪،‬‬
‫وعنــدما نفعــل ذل ــك فــإن التواص ــل يكــون أقــل مغــ ‪ ،‬ويصــبح باع ــًا علــى اإلحب ــاط‬
‫وال يق‪.‬‬

‫علـ ــى املسـ ــتمع واملتحـ ــدث أن يعملـ ــوا معًـ ــا جلعـ ــل ا ادثـ ــة خـ ــاة فعالـ ــة‬
‫ومرضية‪ .‬و كن حتقيـق ذلـك بـإدارة ا ادثـات علـى أسـس معينـة‪ ،‬مـن حيـث ‪ :‬بـدؤها‪،‬‬
‫ا اف ة عليها‪ ،‬وإقفاهلا‪.‬‬

‫يتمي بدء ا ادثة بشيء من الصعوبة‪ .‬فغالبًا ال نكون متأندين مـاذا ينبغـي‬
‫ــاو املســتمع‪ ،‬أو أال‬ ‫أن نقــول أو ال نقــول‪ ،‬ونيــف نفعــل ذلــك‪ .‬فقــد خنـاإ مــن عــدم‬
‫ــاوز‬ ‫نُفهــم علــى النحــو الــذي نريبــه‪ .‬و كــن ل رشــادات التاليــة أن تكــون ذات عــون يف‬
‫صعوبة البدء‪.‬‬
‫املرجعية الذاتية‪ :‬قل شيئـًا ما عن نفسك‪ :‬نارك أو منصبك أو خـاة مـا‬ ‫أ)‬
‫– ذات صلة – مررت بها‪.‬‬

‫‪- 054 -‬‬


‫مقدمة في مهارات التواصل اإلنساني‬

‫ال عليه‪.‬‬
‫مرجعية ا خرين‪ :‬قل شيئًا ما عن ا خر أو اطرح س ا ً‬ ‫)‬
‫املرجعية العالئقية‪ :‬قل شيئًا ما عن نليكما‪.‬‬ ‫جـ)‬
‫املرجعيــة الســياقية‪ :‬قــل شــيئًا مــا عــن الســياق املــادي أو النفســي االجتمــاعي أو‬ ‫د)‬
‫ال م ‪ .‬نأن تسأل‪ :‬هـل لـديك وقـت أو أن تقـول‪ :‬هـذ‪ .‬اللوحـة مجيلـة‪ ،‬هـذا‬
‫املكان لطيف‪.‬‬
‫وال تـ ـ ــنس قاعـ ـ ــدت مهمـ ـ ــت ‪ :‬األوىل‪ :‬أن تكـ ـ ــون إجيابيـ ـ ـ ـا يف مالح تـ ـ ــك‬
‫االفتتاحية‪ ،‬وال انية ‪ :‬أن ال تفصح عن نفسك بإفراط يف بداية ا ادثة‪.‬‬

‫ولتحقي ــق ه ــذا علين ــا أن نرنـ ـ علـ ــى ع ــامل ‪ :‬تب ــادل األدوار بـ ـ املتحـ ــدي‬
‫قـق هـذا التبـادل يف‬ ‫ال من التحدي مـع الـذات‪ .‬و ـن‬
‫واملستمع‪ ،‬واستادام افوار بد ً‬
‫األدوار مــن خــالل قــرائن لف يــة ويــري لف يــة متنوعــة تشــعر بهــذ‪ .‬التبادليــة‪ .‬واالنتبــا‪.‬‬
‫هلذ‪ .‬القرائن يساعدنا على ا اف ة على تبادلية ا ادثـة‪ .‬وهنـاك أنـواع خمتلفـة مـن‬
‫هذ‪ .‬القرائن منها‪:‬‬
‫قرائن املتكلم‪ :‬يوجه املتكلمـون حـدي هم مـن خـالل نـوع مـن القـرائن‪ :‬قـرائن‬ ‫أ)‬
‫ا اف ة على الدور‪ ،‬وقرائن تسليم الدور ‪:‬‬
‫قرائن ا اف ة‪ :‬وهـي مصـممة لـتمك املتحـدي مـن ا اف ـة علـى دور‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫س قرائن من هذا النوع‪ ،‬هي‪:‬‬ ‫نمتحدي‪ .‬وهناك‬
‫ينتـه بعـد وأن لديـه‬ ‫‪ .5‬أخذ نفس عميـق مسـموع ل شـعار بـأن املتحـدي‬
‫ما يقوله أي ًا‪.‬‬
‫‪ .4‬متابعة املالمح أو اإلشارات ال تفيد أن الفكرة ملّا تكتمل بعد‪.‬‬
‫ــو يــوحي لــه بتســلم دور‬ ‫نــب التواصــل البصــري مــع املســتمع علــى‬ ‫‪.4‬‬
‫املتحدي‪.‬‬
‫‪ .3‬ا اف ة على إيقاع اخلطا ل شارة إىل أن هناك للحديث بقية‪.‬‬

‫‪- 055 -‬‬


‫أنت وأنا‬

‫نب أ ي وقفات صـوتية قـد تـوحي للمسـتمع أن املتحـدي قـد فـرا مـن‬ ‫‪.1‬‬
‫الكالم‪.‬‬
‫ويف مع م افاالت فإننا نتوقع أن حيافْ املتحدي على وترية تكلم خمتصرة‪،‬‬
‫وأن يرتك الدور – باختيار‪ – .‬للمستمع عندما يشري املستمع لريبته بهذا‪ .‬أما‬
‫مــن يسرتســل يف افــديث متجــاهالً ريبــة املســتمع يف القيــام بهــذا الــدور‪ ،‬فإنــه‬
‫ال متمرن ًا على ذاته‪.‬‬
‫يعتا متحدثـًا مم ً‬
‫قرائن تسليم الدور ‪ :‬وهي تلـك القـرائن الـ يتلقاهـا املسـتمع وتفيـد أن‬ ‫‪‬‬
‫املتكلم قد انتهى دور‪ ،.‬ويريب يف تغيري الـدور مـع املسـتمع‪ .‬وهـذ‪ .‬القـرائن‬
‫توجه ملستمع حمدد ني يتوىل دور املتحدي‪ .‬وهكـذا – علـى سـبيل امل ـال‬
‫– فف ـي نهايــة مجلــة مــا ي ــيف املتحــدي قرينــة لغويــة موازيــة م ــل "آ‪" .‬‬
‫وهي إشارة ألحد املستمع ني يأخـذ دور املـتكلم‪ ،‬و كـن أن حتـدي أثـرًا‬
‫مشابهـ ــً ا بتافـ ــيق إيق ـ ــاع صـ ــوتك‪ ،‬أو بص ـ ــمت مطـ ــول‪ ،‬أو بالتواص ـ ــل‬
‫البصري مع املسـتمع‪ ،‬أو طـرح سـ ال عـام‪ ،‬أو بهـ ِّ الـرأس يف ا ـا‪ .‬مسـتمع‬
‫حمدد)‪.‬‬
‫وبنفس الطريقـة الـ نتوقـع فيهـا مـن املـتكلم أن يسـلم دور‪ .‬فإننـا نتوقـع‬
‫مــن املســتمع أن يقــوم بــدور املــتكلم‪ .‬وه ـ الء الــذين حيجمــون عــن القيــام‬
‫بهذا الـدور يعطـون انطباعًـا عـن أنفسـهم بعـدم الريبـة يف تـولي مسـ ولية‬
‫مشــرتنة عــن افــديث‪ .‬وعلــى ســبيل امل ــال‪ ،‬فعنــدما حللــت فكتوريــا دي‬
‫فرانسيسـ ــكو (‪5655‬م) التجـ ــاوزات الشـ ــائعة وجـ ــدت أن أن رهـ ــا – عنـ ــد‬
‫ــاوزًا ت ــمنت عــدم‬ ‫املت ـ وج – عــدم االســتجابة‪ .‬فـ ـ(‪ )%31‬مــن (‪)131‬‬
‫االستجابة لدعوة تولي دور املتحدي‪ .‬و(‪ )%75‬مـن هـذ‪ .‬التجـاوزات قـام بهـا‬
‫رجال‪ ،‬يف ح أن النساء نـن مسـ والت عـن (‪ .)%44‬وتت ـمن التجـاوزات‬
‫األخر ‪ :‬املقاطعة‪ ،‬وتأخري االستجابة‪ ،‬أو ابتسارها إىل حد نبري‪ .‬وتقول‬

‫‪- 056 -‬‬


‫مقدمة في مهارات التواصل اإلنساني‬

‫دي فرانسيس ــكو أن ــه به ــذ‪ .‬التج ــاوزات الــ يقرتفه ــا الرج ــال –يال ًب ــا ‪-‬‬
‫فإنهم يسكتون النساء يف التفاعالت ال وجية‪.‬‬
‫قرائن املستمع ‪ :‬كن للمستمع أن يوجه ا ادثة باستادام ثالثة أمنـاط مـن‬ ‫)‬
‫القرائن ‪ :‬قرائن طلب الدور‪ ،‬قرائن إنكار الدور‪ ،‬وقرائن القنوات الراجعة‪.‬‬
‫ق ــرائن طل ــب ال ــدور ‪ :‬وه ــي الق ــرائن الـ ـ تش ــعر املتح ــدي بريبت ــك يف‬ ‫‪‬‬
‫التحدي‪ ،‬وقد تفعل هذا أحيانـًا مباشـرة نـأن تقـول‪ :‬أريـد أن أقـول شيئـًا‪،‬‬
‫أو كن أن تفعل هذا بأسـاليب صـوتية‪ .‬و كـن أي ـًا اسـتادام حرنـات‬
‫الوجه والفم‪ ،‬أو بإشارة باليد‪ ،‬أو با ناءة لومام‪.‬‬
‫قرائن إنكار الدور ‪ :‬وبها تشري إىل تـرددك يف التحـدي‪ ،‬نـأن تقـول بصـوت‬ ‫‪‬‬
‫مــرتدد‪ :‬ال أعــرإ‪ ،‬أو تتمــتم بصــوت مــبهم يشــري إىل أنــك ال يلــك شيئــًا‬
‫تقوله‪ .‬وينكر املستمع دور‪ .‬ا تمل نمتحدي بتجنب التواصل البصـري‬
‫مع املتحدي الذي يريب منك أن تأخذ بالتحـدي‪ ،‬أو بـأن تشـغل نفسـك‬
‫بسلوك ال يتفق مع الكالم‪ ،‬نالسعال أو يري ذلك‪.‬‬
‫قرائن القنوات الراجعة‪ :‬وتستادم هذ‪ .‬القـرائن لتوصـيل أمنـاط متنوعـة‬ ‫‪‬‬
‫من املعلومات إىل املتحدي من دون أن يتبنى املستمع دور املتحدي‪ .‬وهناك‬
‫أربع قرائن من هذا النوع‪:‬‬
‫تســتطيع التعــبري عــن اتفاقــك مــع املتحــدي مــن خــالل االبتســامات أو‬ ‫‪-‬‬
‫ه ّات الرأس بعيدًا عن املوافقة‪ ،‬أو من خـالل تعليقـات بالغـة االختصـار‬
‫م ل "نعـم"‪" ،‬صـحيح"‪" ،‬طب ًعـا"‪ ،‬أو جمـرد إشـارات صـوتية‪ .‬وبامل ـل كـن‬
‫أن تعا عن رف ك ملا يقوله الشاص بإشارات مماثلة‪.‬‬
‫تسـ ــتطيع إظهـ ــار درجـ ــة انـ ــدماجك أو مللـ ــك مـ ــن املتحـ ــدي‪ .‬فوضـ ــع‬ ‫‪-‬‬
‫االنتبا‪ .‬اجلسمي‪ ،‬واال ناء لومام‪ ،‬وترني التواصل البصـري‪ ،‬سـوإ‬
‫يشري إىل مد اندماجك يف ا ادثة‪ ،‬نمـا كـن للوضـع يـري املنتبـه‬

‫‪- 057 -‬‬


‫أنت وأنا‬

‫واال ناء إىل اخللف و نـب الـتالمس البصـري أن يكشـف عـن ضـعف‬
‫اندماجك‪.‬‬
‫تستطيع أن تعطـي املتحـدي قـرائن تهدئـة نـأن تطلـب منـه التمهـل يف‬ ‫‪-‬‬
‫افــديث‪ ،‬أو بوض ــع ي ــدك ق ــر أذنــك واال ن ــاء إىل األم ــام‪ ،‬أو ق ــرائن‬
‫تســريع نه ـ الــرأس املتواصــل‪ ،‬و كــن أن تكــون هــذ‪ .‬القــرائن لف يــة‬
‫تُطلب مباشرة من املتحدي‪.‬‬
‫طلــب التوضــيح‪ .‬فتعــبري وجــه حــائر رمبــا يكــون مم وجـًـا مــع ا نــاءة‬ ‫‪-‬‬
‫بسيطة لومـام قـد يشـري للمتحـدي حباجتـك للتوضـيح‪ ،‬و كـن فعـل‬
‫الشيء ذاته بطلب لف ي مباشر يف صورة أسئلة‪.‬‬
‫اف ــوار اخلط ــي واف ــوار التف ــاعلي ‪ :‬تق ــوم ا ادث ــة الفعال ــة عل ــى التواص ــل بــ‬ ‫جـ)‬
‫شاص نحوار تفاعلي وليس نحوار خطي‪ .‬ويشري افـوار اخلطـي إىل ذلـك‬
‫ال ـر مـن التواصـل الــذي يـتكلم فيـه شـاص واحــد بينمـا يصـغي ا خــرون‪ ،‬وال‬
‫يكــون هنــاك تفاعــل بـ املشــارن ‪ .‬والرتنيـ يف هــذا ال ــر مــن افــوار يكــون‬
‫فق على شاص واحد يتكلم‪ .‬أمـا افـوار التفـاعلي فهـو – نمـا يفيـد ارـه –‬
‫يتطلب تفاعالً ب شاص ‪ ،‬فكل شاص يتحدي ويستمع‪ ،‬يرسل ويستقبل‪ .‬ويف‬
‫التواصـ ــل التفـ ــاعلي هنـ ــاك اهتمـ ــام عميـ ــق بالشـ ــاص ا خـ ــر وبالعالقـ ــة ب ـ ـ‬
‫املتحادث ‪ .‬وهدإ افوار هو الفهم والتعاطف املتبادل‪ .‬فهنـاك احـرتام للشـاص‬
‫ا خر‪ ،‬ليس بسبب مـا يسـتطيع الشـاص أن يفعلـه أو يعطيـه ولكـن – ببسـاطة–‬
‫ألن هذا الشاص إنسـان‪ ،‬ومـن مثـة فهـو يسـتحق أن يعامـل بصـدق وإخـالص‪ .‬ويف‬
‫افوار اخلطي‪ ،‬أنت توصل مـا كـن أن حيقـق أهـدافك وينفعـك‪ ،‬أمـا يف افـوار‬
‫الت فاعلي‪ ،‬فأنت حترتم ا خـر وحريتـه يف التعـبري عـن ذاتـه دون قسـر أو خـوإ مـن‬
‫عقا أو ضغ اجتماعي‪ .‬واملتواصل التفـاعلي حيـرتم ا خـرين وقـراراتهم‪ ،‬إنـه –‬
‫على حد تعبري نارل روجـرز – حيـرتم ا خـرين دون شـروط‪ ،‬سـواء اتفـق معهـم أو‬
‫اختلف‪.‬‬

‫‪- 058 -‬‬


‫مقدمة في مهارات التواصل اإلنساني‬

‫جـا مـن‬
‫إن اختتام ا ادثة صعب تقري ًبـا نافتتاحهـا‪ ،‬ويال ًبـا مـا يكـون جـ ءًا م ع ً‬
‫كن أن ختفف من هذا اإلزعا ‪:‬‬ ‫التفاعل التواصلي‪ .‬وهذ‪ .‬بعق االقرتاحات ال‬
‫ـو يقفلـها‪.‬‬ ‫تأمل يف ا ادثة ال ننت منارطًـا فيها وخلصها باختصار علـى‬ ‫أ)‬
‫قــل مـ الً‪" :‬أنــا ســعيد أنــي التقيتــك وعرفــت مــا الــذي جــر يف االجتمــاع‪ ،‬وســوإ‬
‫أراك –بإذن اهلل – يف االجتماعات املقبلة‪.‬‬
‫عا مباشرة عن الريبة يف إنهـاء ا ادثـة للقيـام بأشـياء أخـر ‪ .‬قـل –علـى سـبيل‬ ‫)‬
‫امل ال– أني أحب مواصلة افديث معك ولكن علي أن انطلق مسرعًا‪ ،‬سـوإ أراك‬
‫فيما بعد‪.‬‬
‫أشــر إىل تواصــالت مقبلــة ‪ :‬قــل علــى ســبيل امل ــال ‪ :‬ملـاذا ال إلتمــع االســبوع املقبــل‬ ‫جـ)‬
‫ونواصل افديث‬
‫اطلب اإلقفال ‪ :‬اسأل املستمع م الً‪ :‬هل استطعت أن أوضح النقـاط الـ طلبتهـا‬ ‫د)‬
‫م‬
‫عا عن استمتاعك بالتفاعل‪ ،‬قل م الً‪ " :‬لقد استمتعت حقـا بافديث معك‪.‬‬ ‫هـ)‬
‫ومهم ــا نان ــت الطريق ــة الـ ـ تس ــتادمها إلنه ــاء ا ادث ــة‪ ،‬ينبغ ــي أن يك ــون‬
‫واضحًا للشاص ا خر أنك حتاول القيام بذلك‪ .‬وقد ت طر الستادام أسـاليب أن ـر‬
‫مباشرة مع مَ ْن ال تلكون حساسية نافية لوساليب يري املباشرة ال أشرنا إليها‪.‬‬

‫‪ - 5‬ضمانات الوقاية ‪:‬‬


‫إذا ننت تريب يف أن يفهمـك ا خـرون بدقـة فالبـد مـن تـوفري بعـق ال ـمانات‬
‫ســة أنــواع مــن ال ــمانات وهــي‪ :‬الفصــل والــدعم‬ ‫يف ا ادثــة لتحقيــق ذلــك‪ .‬وهنــاك‬
‫واال راإ املنهجي وال قة وتعليق افكم‪.‬‬

‫‪- 059 -‬‬


‫أنت وأنا‬

‫الفصــل‪ :‬وهــذ‪ .‬ال ــمانة تســاعدك علــى فصــل ذاتــك عــن رســالتك‪ ،‬حبيــث إذا‬ ‫أ)‬
‫رف ــق مس ــتمعوك الرس ــالة ال يرف ــوك أن ــت أي ً ــا‪ ،‬ف ــيمكن أن تق ــول قب ــل أن‬
‫تتحدي‪ :‬هذ‪ .‬ليست وجهة ن ري‪ ،‬ولك أريد نقلها لكم‪.‬‬
‫الدعم‪ :‬وتساعدك هذ‪ .‬ال ـمانة علـى إبـراز م هالتـك أو راتـك الـ تـدعم‬ ‫)‬
‫ما تقوله‪ :‬نأن تقول‪ :‬إن ضد التعصب يامـًا‪.‬‬
‫اال ــراإ املنهجــي‪ :‬ويع ـ طلــب اإلذن مــن املســتمع لال ــراإ عــن بعــق‬ ‫جـ)‬
‫املعــايري االجتماعيــة (اعــرإ أن هــذا لــيس مكا ًنــا مالئمًــا ملناقشــة أم ـور العمــل‪،‬‬
‫ولكن‪.)..‬‬
‫ال قــة‪ :‬وهــي أن ت نــد إمســانك بناصــية املنطــق الــذي ســتاهن فيــه علــى‬ ‫د)‬
‫حجت ــك (اعـ ــرإ أنك ــم ت نـ ــوني جمنونـ ــًا ولك ــن دعـ ــوني أق ــدم لكـ ــم الـ ــدليل‬
‫القاطع)‪.‬‬
‫طلــب تعليــق افكــم‪ :‬وذلــك بــأن تطلــب مــن املســتمع اإلنصـات لــك قبــل أن‬ ‫هـ)‬
‫يصدروا حكمًا أو ينهوا ا ادثة‪.‬‬

‫معاجلة مشكالت ا ادثة (االعتذار)‬ ‫‪- 4‬‬


‫فحصنا فيما سبق مفهوم عدم قابلية العكس‪ ،‬الذي يفيد أنه ما أن يقال شـيء‬
‫فــإن حمــو‪ .‬يغ ــدو مســتحيالً‪ .‬ل ــذلك فالبــد مــن يف بع ــق األحيــان م ــن إصــالح األث ــر‬
‫الســل لــبعق الرســائل‪ .‬ولعــل االعتــذار هـو أن ــر ضــرو هــذا االصــالح شــيوعًا‪ ،‬وهــو‬
‫يصلح لكل ضرو السلوك البشـري‪ ،‬ولـيس للمحادثـة فقـ ‪ .‬و ـن نـتعلم منـذ نعومـة‬
‫و كن أن يرتك أثرًا سلبيـا‪ ،‬فإن االعتذار قد يكـون‬ ‫أظفارنا أننا عندما نتصرإ على‬
‫مفيدًا يف تاير ما فعلنا‪ ..‬واالعتذار يلعـب دورًا رئيسـًا يف حياتنـا‪ ،‬سـواء أنـان هـذا مـع‬
‫أنفســنا أم مــع ا خــرين‪ .‬يع ـرّإ االعتــذار علــى أنــه تفســري أو فعــل يقلــل مــن العواقــب‬
‫الســلبية ألداء مــا‪ ،‬وحيــافْ – بــذلك – علــى صــورة إجيابيــة للــذات وا خــرين‪ .‬وتبــدو‬

‫‪- 061 -‬‬


‫مقدمة في مهارات التواصل اإلنساني‬

‫ــالف مــا هــو متوقــع منــا‪ ،‬أو‬ ‫األعــذار مالئمــة عنــدما نقــول شــيئًا أو نــتهم بقــول شــيء‬
‫فــف مــن ا ثــار‬ ‫يتعــارض مــع مــا يعتــا‪ .‬ا خــرون مالئمــًا أو صحيحًـ ـا‪ .‬واالعتــذار‬
‫كن اسـتئنافها‬ ‫السلبية للرسالة‪ ،‬ويعود بهثار إجيابية على عملية التواصل ذاتها‪ ،‬ال‬
‫–بعد ذلك– بصورة عادية‪.‬‬

‫‪- 060 -‬‬


‫أنت وأنا‬

‫‪- 062 -‬‬


‫مقدمة في مهارات التواصل اإلنساني‬

‫يه ــدإ التواص ــل يف أح ــد أن ــر وظائف ــه أهمي ــة إىل الت ــأثري‪ ،‬وأب ــرز أش ــكال ه ــذا‬
‫التـأثري هــو اإلقنــاع‪ .‬واإلقنــاع هــو جعــل ا خــر يقبــل بوجهــة ن ــرك خمتــارًا ولــيس مريمًـا‪،‬‬
‫وذلــك مــن خــالل اســتادامك جلملــة حجــج ووســائل متنوعــة‪ .‬و ــن نناــرط يوميــا يف‬
‫ــاوالت إقنــاع مــن‬ ‫حمــاوالت إقنــاع يف أمــور صــغرية ونــبرية‪ ،‬ونتعــرض يوميـ ـا – بامل ــل–‬
‫ا خ ــرين‪ .‬ويت ــد ه ــذ‪ .‬ا ــاوالت عل ــى مس ــاحة افي ــاة االجتماعي ــة‪ :‬يف البي ــت واملدرس ــة‬
‫والعمــل‪ ...‬إخل‪ .‬وتعتــا القــدرة علـى اإلقنــاع مهــارة تواصــلية بــارزة‪ ،‬تفيــد َمـ ْن يتمتعــون بهــا‬
‫على مساحة افياة االجتماعية أي ًـا‪.‬‬
‫وهن ــاك أربع ــة عوام ــل رئيسـ ـة مت ــمنة يف التواص ــل اإلقن ــاعي‪ ،‬وه ــي املرس ــل‪،‬‬
‫الرسالة‪ ،‬املستقبل‪ ،‬املوقف أو السياق‪.‬‬
‫وسنمر على هذ‪ .‬العوامل واحدًا تلو ا خر بقصد توضيحها‪:‬‬

‫املكانــة أو املصــداقية‪ :‬يتوقــف اقتناعنــا مبســألة مــا علــى مــا إذا نــان الــذي يقــوم‬ ‫‪- 5‬‬
‫بعملي ــة اإلقن ــاع خ ــبريًا يف جم ــال ه ــذ‪ .‬املس ــألة‪ .‬وعل ــى س ــبيل امل ــال فق ــد طل ــب‬
‫هوفالن ــد ووي ــس (‪5615‬م) م ــن مفحوصــ أم ــريكي أن يق ــرأوا مقال ــة ع ــن م ــد‬
‫موع ــة م ــنهم أن نات ــب املقال ــة ه ــو روب ــرت‬ ‫عملي ــة الغواص ــات النووي ــة‪ ،‬وقي ــل‬
‫أوبنها ر‪ ،‬وهو عا بارز شارك يف صناعة القنبلـة النوويـة‪ .‬أمـا ا موعـة ال انيـة‬

‫‪- 063 -‬‬


‫أنت وأنا‬

‫فقي ــل هل ــم أن الكات ــب ه ــو ش ــاص ع ــادي‪ .‬ونم ــا ك ــن أن نتوق ــع فق ــد ع ــات‬
‫ا موع ــة األوىل ع ــن اقتن ــاع أن ــا م ــن ال اني ــة‪ .‬وق ــد ن ــررت ه ــذ‪ .‬التجرب ــة يف‬
‫موضــوعات خمتلفــة اجتماعيــة وطبيــة ويــري ذلــك‪ .‬إال أن أثــر مصــداقية املرســل‬
‫نعام ــل ق ــوي ل ــيس مطلق ـًـا‪ ،‬إذ إن ــه يتوق ــف فيم ــا يب ــدو عل ــى م ــد ق ــوة ص ــلة‬
‫تكن صلة املفحوص مبوضوع اال ا‪ .‬قويًـا‪ ،‬أي إذا‬ ‫املفحوص باملوضوع‪ .‬فإذا‬
‫يكن اهتمامه به نـبريًا فـإن املصـداقية يكـون هلـا أثـر‪ .‬وعلـى النقـيق مـن ذلـك‪،‬‬
‫فإذا نان اهتمام املفحوص نـبريًا فـإن املصـداقية تكـون أقـل أثـرًا‪ ،‬ألن املفحـوص‬
‫–يف هذ‪ .‬افالة‪ ،‬يكون مهتمًـا إىل حد نبري مب مون الرسالة‪ ،‬ويندر حتت هذا‬
‫املوضــوع ق ــية صــلة اال ــا‪ .‬مبفهومنــا عــن ذاتنــا‪ ،‬فكلمــا نانــت الصــلة أنــا‬
‫نانت مقاومة اإلقنـاع أن ـر‪ .‬وتـرتب مصـداقية املرسـل أو مكانتـه أي ًـا بسـياق‬
‫ربــة يف خمتــا فــإن مصــداقية خــبري قــوي‬ ‫عمليــة اإلقنــاع‪ .‬فــإذا نــان الســياق‬
‫تكون أن ر من مصداقية األقران‪ ،‬ولكـن يبـدو أن العكـس هـو الصـحيح يف افيـاة‬
‫الواقعيـة‪ .‬وبعـق األقـران يبــدون أن ـر تـأثريًا مـن بع ــهم ا خـر‪ .‬ويف دراسـة قــام‬
‫بها "الزار سفيلد" (‪5635‬م) لسلوك التصويت يف الواليات املتحـدة األمريكيـة تـب‬
‫يتأثروا بوسائل اإلعالم مباشرة‪ ،‬ولكن بصورة يري مباشـرة‬ ‫أن أيلبية املنتاب‬
‫م ــن خ ــالل األق ــران ال ــذين يعت ــاونهم عل ــى دراي ــة مب ــل ه ــذ‪ .‬األم ــور‪ .‬ويب ــدو أن‬
‫الرسائل تنتقل من وسائل اإلعـالم إىل "قـادة الـرأي" ومـنهم إىل ا خـرين‪ .‬وتسـمى‬
‫هذ‪ .‬ا لية‪ :‬فرضية السريان ثنائي اخلطوة‪ .‬ومن املمكـن أن تكـون أي ًـا ثالثيـة أو‬
‫ال إىل اجلمهـور‪ .‬ويلعـب التشـابه‬
‫رباعية اخلطوة من مصادر اإلعـالم املباشـرة وصـو ً‬
‫ب ـ املرســل واملســتقبل دورًا يف هــذا‪ ،‬فكلمــا زاد التشــابه نلمــا زاد إ ــان املســتقبل‬
‫مبصداقية املرسل‪.‬‬
‫اجلاذبيــة‪ :‬وجاذبيــة املرســل وخصائصــه الشاصــية اإلجيابيــة األخــر نحــسِّ‬ ‫‪- 4‬‬
‫املرح ت دي دورًا يف اإلقنـاع‪ .‬ومرسـل ال تلـك خصـائص اجلاذبيـة الالزمـة قـد‬
‫حي ــدي أثـ ـرًا عكسي ـ ـا‪ ،‬فيتبن ــى املس ــتقبل نق ــيق آراء املرس ــل‪ ،‬وه ــذا م ــا جيع ــل‬

‫‪- 064 -‬‬


‫مقدمة في مهارات التواصل اإلنساني‬

‫املرش ــح لالنتاابـ ــات الرئاس ــية األمريكيـ ــة –علـ ــى س ــبيل امل ـ ــال– يهتمـ ــون‬
‫مب هرهم وجاذبيتهم الشاصية‪.‬‬
‫املوثوقية‪ :‬ويتصل هذا اجلانب مبقاصد املرسل ودوافعـه خصوصًـا مـد تسـاؤل‬ ‫‪- 4‬‬
‫املستقبل عمـّا إذا نان املرسل يقصد التأثري فيه وعمـّا إذا نانت هناك أسبا‬
‫خارجية تدفعه لذلك (مسألة النية)‪ .‬وقد أوضح "والسرت وفسـتنجر" (‪5674‬م)‬
‫أنه إذا اعتقد املفحوصون أن ما رعو‪ .‬إمنا نان عن طريق العرض واملصادفة‬
‫فـإن إمكانيـة اقتنـاعهم تـ داد‪ ،‬خصوصًــا إذا نـانوا مهـتم باملوضـوع‪ ،‬ورعــو‪.‬‬
‫يعرض بصورة مالئمة‪ .‬والسبب واضح‪ ،‬فاملرسل العـارض ال يشـتَبه يف نوايـا‪ .‬يف‬
‫املقام األول ومن مثة فهو موثوق أن ر‪ ،‬نما أن اإلرسال العارض ال يست ري يف‬
‫نفس املستقبل حججـًا م ـادة‪ ،‬بـل إن املسـتقبل إذا أعلـم مسبقـًا أن هنـاك نيـة‬
‫لتغ ــيري رأي ــه ف ــإن ف ــرص إقناع ــه تت ــاءل إىل ح ــد ن ــبري‪ ،‬وأخـ ـريًا ف ــإن إدراك‬
‫املرسـل جيعـل اقتناعـه بهـا أن ـر‬ ‫املستقبل للرسالة على أنهـا خمالفـة ملصـا‬
‫سهولة‪.‬‬
‫الســلوك يــري اللف ــي‪ :‬تشــري بعــق الدراســات إىل املســافة املكانيــة ب ـ املرســل‬ ‫‪- 3‬‬
‫واملســتقبل تلعــب دورًا يف إلــاح اإلقنــاع أو فشــله‪ .‬فــإذا وقــف املرســل علــى مبعــدة‬
‫من (‪ )51–53‬قدمًا من املسـتقبل فـإن فـرص إلـاح اإلقنـاع تكـون أنـا ممـا لـو‬
‫وقف على مبعدة قدم أو أقل‪ ،‬ونأن يف االقرتا ال ائد اخرتاق للاصوصية‬
‫عل املستقبل يت ايق‪.‬‬

‫اجلوانـب يــري اللف يــة‪ :‬والطريقــة الـ تقـدم بهــا الرســالة تـ دي دورًا يف إقنــاع‬ ‫‪- 5‬‬
‫املســتقبل بهــا‪ .‬فــإذا قــدمت بطريقــة واثقــة فــإن فــرص إلــاح اإلقنــاع بهــا تكــون‬
‫أنــا‪ .‬وقــد تالعبــت التجــار بدرجــة ثقــة تقــديم الرســائل ووصــلت إىل هــذ‪.‬‬
‫النتيجــة‪ ،‬وهــي أنــه نلمــا نــان التقــديم واثقــًا نلمــا نــان اإلقنــاع أن ــر‬

‫‪- 065 -‬‬


‫أنت وأنا‬

‫تأثريًا‪ .‬ويصحب هذا اجلانب يري اللف ي بعق الكلمات ال تعا عنه‪ ،‬نـأن‬
‫يقول املرسل أنه متأند يامًا‪ ،‬وال شك لديه‪ ،‬وعلى يق ‪ ..‬إخل‪.‬‬
‫صـراحة الرسـالة أو ضـمنيتها‪ :‬أيهمـا أن ـر فاعليـة يف اإلقنـاع‪ :‬رسـالة صــرحية‬ ‫‪- 4‬‬
‫ــو يــري مباشــر يبــدو أن ذلــك‬ ‫واضــحة‪ ،‬أم رس ـالة يســتنتج م ــمونها علــى‬
‫يتوقــف علــى املســتو العقلــي أو التعليمــي للمســتقبل‪ ،‬فــإن نــان مناف ــًا‪،‬‬
‫فاملباشرة والصراحة أجد ‪ ،‬أما إذا نان مستوا‪ .‬مرتفعـًا‪ ،‬فإن ت ـم الرسـالة‬
‫ــو يســت ري االســتنتا قــد يكــون أن ــر إلوعــًا‪ .‬إن لالّمباشــرة أهميتهــا‬ ‫علــى‬
‫وسحرها أحيانـًا‪.‬‬
‫مستو القوة االنفعاليـة‪ :‬وهـذا اجلانـب مـن الرسـالة يتصـل بالسـ ال التـالي‪ :‬إىل‬ ‫‪- 4‬‬
‫أي حد ي دي اخلوإ دورًا يف اإلقنـاع هـل إلقـاء الـروع يف قلـو النـاس مــن مـرض‬
‫الســرطان – علــى ســبيل امل ــال– جيعلــهم ي منــون بأهميــة اإلقــالع عــن التــدخ ‪..‬‬
‫وأن ر من هذا‪ ،‬فهل جيعلهم هذا اخلـوإ يـذهبون بالفعـل إىل الفحـص الـدوري‪،‬‬
‫وجيعــل املــدخن مــنهم يقلعــون عــن التــدخ بالفعــل بعبــارة أخــر هــل يســهل‬
‫اخلوإ اإلقناع وإذا نان األمر نذلك فما هي درجة التاويـف املطلوبـة لقـد‬
‫حـ ــاول "جـ ــاينس وفيشـ ــباخ" (‪5614‬م) اإلجابـ ــة عـ ــن هـ ــذ‪ .‬األسـ ــئلة‪ ،‬فألـ ــّفا أربـ ــع‬
‫ريبيــة وواحــدة ضــابطة)‪ .‬وقــدم‬ ‫جمموعــات مــن طــال املرحلــة ال انويــة (ثــالي‬
‫ا ربان للمجموعات التجريبية رسالة واحدة عن أهميـة العنايـة باألسـنان إال أن‬
‫الفرق ب ا موعات نان يف التالعب بدرجة التاويف عمـّا كـن أن حيـدي إذا‬
‫أهم ــل امل ــرء العناي ــة بأس ــنانه‪ .‬فت ــمنت الرس ــالة املوجه ــة إىل ا موع ــة األوىل‬
‫"جمموعة اخلوإ الشديد" (‪ )65‬إشارة إىل ا ثـار السـيئة لعـدم العنايـة باألسـنان‪،‬‬
‫مب ــا يف ذل ــك األ الن ــاتج ع ــن اإلهم ــال‪ ،‬وع ــن املعاجل ــة‪ ،‬باإلض ــافة إىل اإلص ــابة‬
‫بأمراض نـالعمى والسـرطان‪ .‬أمـا ا موعـة ال انيـة "جمموعـة اخلـوإ املعتـدل"‬
‫فقد ت منت الرسالة املوجهة إليها (‪ )36‬إشارة من هذا النوع‪ ،‬و تتلق جمموعـة‬

‫‪- 066 -‬‬


‫مقدمة في مهارات التواصل اإلنساني‬

‫اض ــرة ع ــن‬ ‫اخل ــوإ القلي ــل س ــو (‪ )55‬إش ــارة‪ .‬واس ــتمعت ا موع ــة ال ــابطة‬
‫و‬ ‫العيون‪ .‬وقبل بدء التجربة مو املفحوصون استبانة عن عاداتهم وا اهاتهم‬
‫العناي ــة باألس ــنان‪ ،‬وق ــدمت هل ــم االس ــتبانة ذاته ــا بع ــد التجرب ــة مباش ــرة‪ .‬وبع ــد‬
‫التجر بـة بأسـبوع نانـت نتيجـة التجربـة طريفـة‪ .‬لقـد يـري اخلـوإ –تصاعدي ـا–‬
‫و العناية باألسنان‪ ،‬إذا جاء تغري اال ا‪ .‬متناسبًـا طردي ـا‬ ‫ا اهات املفحوص‬
‫مع درجة اخلوإ‪ ،‬إال أن ما يلفت االنتبا‪ .‬هو أن تناسب اخلوإ مـع الـتغري الفعلـي‬
‫يف السلوك (نتغيري الفرشاة وزيارة الطبيب بالفعل بعد التجربـة) جـاء عكسي ـا‪.‬‬
‫فـ ـ (‪ )%5‬فق ـ مــن جمموعــة اخلــوإ الشــديد حــدي تغــري يف ســلونها يف اال ــا‪.‬‬
‫املريــو ‪ ،‬يف ح ـ أن (‪ )%44‬مــن جمموعــة اخلــوإ املعتــدل‪ ،‬و (‪ )%46‬مــن جمموع ـة‬
‫اخل ــوإ القلي ــل تغ ــري س ــلونهم فعلي ـ ـا يف اال ــا‪ .‬املري ــو ‪ .‬اخل ــوإ –إذن– ق ــد‬
‫جيعلـك تنتبــه لرســالة مـا وتغــري ا اهــك يف ضـوئها‪ ،‬لكــن هــذا اخلـوإ ذاتــه قــد‬
‫يكف السلوك الذي يعا عـن تغـري اال ـا‪ ،.‬ويشـبه هـذا الوضـع إىل حـد مـا خـوإ‬
‫املريق من الذها إىل الطبيب خشية أن يسمع أنه مصا بـداء مميـت‪( ،‬اخلـوإ‬
‫يقطع افيل)‪ .‬لكن – ونما يف مع م النتائج ال يتوصـل إليهـا علمـاء الـنفس‬
‫ــاربهم‪ ،‬ف ــإن ه ــذ‪ .‬النت ــائج ليس ــت مطلق ــة‪ ،‬نم ــا أنه ــا مش ــوبة‬ ‫االجتم ــاعي يف‬
‫بتحف ات‪ .‬والتحفْ األول‪ ،‬هو أنه إذا صاحب التاويف الشـديد شـرح للطريقـة‬
‫نب ا ثار السيئة‪ ،‬واقتناع من املفحوص بأن هذ‪ .‬الطريقة ممكنـة‬ ‫ال يتم بها‬
‫وفعالــة فــإن الســلوك يــتغري حتــى حتــت وطــأة اخلــوإ الشــديد‪ .‬ونلمــا نانــت‬
‫التعليمات أن ر حتديدًا أو دقة نلما نان التغري يف السلوك أنا‪ .‬والتحفْ‬
‫ال اني هو أنه يف مواقف اخلوإ الشديد أو القليل فإن الرسالة كن أن تفشـل يف‬
‫إحــداي أي تغــيري يف اال ــا‪ ،.‬ناهيــك عــن تغــيري الســلوك‪ .‬ويف هــذا الصــدد فــإن‬
‫ــل العالقــة ب ـ‬ ‫"مــانجواير" (‪5675‬م) وجــد أن هنــاك منحن ـى علــى شــكل قبــة‬
‫اخلوإ وتغيري اال ا‪ .‬على النحو التالي‪:‬‬

‫‪- 067 -‬‬


‫أنت وأنا‬

‫حالة اخلوإ الطفيف‪ :‬ويف هذ‪ .‬افالة ال يست ري الرسالة املسـتقبل وال‬ ‫أ)‬
‫ينتبه إليها‪.‬‬
‫حالة اخلوإ املعتـدل‪ :‬يت ايـد االنتبـا‪ .‬واالسـت ارة بت ايـد اخلـوإ‪ ،‬ولكـن‬ ‫)‬
‫اخلوإ يبقى ضمن حدود معقولة‪.‬‬
‫فـإن زاد اخلــوإ عــن حــد‪ .‬وأصــبح شـديدًا فــإن االنتبــا‪ .‬يقــل بفعــل آليــات‬ ‫جـ)‬
‫دفاعية ناإلنكار الذي جيعل املرء ينسى نل شيء فيما بعد‪.‬‬
‫أمــا الــتحفْ ال الــث فيتصــل بــالفروق الفرديــة و كــن تســميته بدرج ــة اخلــوإ‬
‫األصليـة‪ ،‬فبعق الناس –عمومًا ‪ -‬أن ر خوفًـا من بعق‪ ،‬نما أن هذا التميي‬
‫قد يكون موجودًا بالنسبة ملوضـوعات مـن دون أخـر ‪ .‬وهـذ‪ .‬مسـألة تتصـل بسـرعة‬
‫اخلــوإ وافساســية لــه‪ .‬بــل إن عالقــة اخلــوإ بتغــيري اال ــا‪ .‬هلــا بعــد آخــر‪ .‬فقــد‬
‫وج ــد "انس ــكو" وزم ــالء‪ .‬أن اس ــت ارة خ ــوإ معت ــدل ن ــان فع ــاالً بالنس ــبة لتع ــديل‬
‫ا اهات املدخن ‪ ،‬بينمـا نانـت اسـت ارة اخلـوإ الشـديد أن ـر فعاليـة بالنسـبة‬
‫و عدم التدخ ‪.‬‬ ‫لغري املدخن لتدعيم ا اهاتهم‬

‫‪7‬‬
‫‪ 1‬درجات‬
‫تغيـري‬ ‫‪4‬‬
‫‪ 4‬اال ـا‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪5‬‬

‫‪5 4 4 3 1 7‬‬

‫‪- 068 -‬‬


‫مقدمة في مهارات التواصل اإلنساني‬

‫تلك –إذن– هي العالقة ب اخلوإ وتغـري اال اهـات‪ ،‬عالقـة معقـدة تـب أن‬
‫اخل ــوإ ال يفع ــل فعل ــه إال بالعالق ــة م ــع م ــتغريات أخ ــر ‪ ،‬نتوض ــيح طرائ ــق‬
‫نــب ا ثــار الســيئة‪ ،‬وشــدة اخلــوإ أو ضــعفه‪ ،‬والفــروق الفرديــة‪ ،‬واهلــدإ مــن‬
‫الرسالة‪ :‬أهو تعديل ممارسة فعلية أم الوقاية منها‪.‬‬
‫أحاديــة اجلانــب مقابــل ثنائيــة اجلانــب‪ :‬أيهمــا أقــو أث ـرًا يف املســتقبل‪ :‬رســالة‬ ‫‪- 3‬‬
‫تعــرض افجــة املطلوبــة أم رســالة تعــرض باإلضــافة إىل ذلــك حجــج خصــوم‬
‫املرس ــل وتفن ــدها تت ــح ه ــذ‪ .‬املس ــألة يف الدعاي ــة‪ ،‬فأيهم ــا أف ــل أن تع ــرض‬
‫منتوج ـ ــك وت ـ ــب م اي ـ ــا‪ ،.‬أم تعرض ـ ــه وتقارن ـ ــه مبنتوج ـ ــات منافس ـ ــة وت ـ ــب‬
‫أف ـ ــليته تلـ ــك هـ ــي أحاديـ ــة اجلانـ ــب مقابـ ــل ثنائيـ ــة اجلانـ ــب يف االتصـ ــال‬
‫اإلقن ــاعي‪ .‬لق ــد ح ــاول (هوفالن ــد وزم ــالؤ‪5636 ،.‬م) اإلجاب ــة ع ــن ه ــذا الســ ال‬
‫موعت من اجلنود (حوالي ‪ )411‬سلسلة نشرات إذاعيـة فحواهـا أن‬ ‫فقدموا‬
‫إنهاء افر مع اليابان (يف افر العاملية ال انية) سوإ يستغرق عام علـى‬
‫األقــل‪ .‬وتلقــت ا موعــة األوىل مــن اجلنــود رســالة أحاديــة اجلانــب‪ ،‬يف حيــث‬
‫تلقــت ا موعــة ال انيــة رســالة ثنائيــة اجلانــب‪ .‬وبصــورة عامــة‪ ،‬فــإن الرســالت‬
‫ا‪ .‬هذ‪ .‬املسألة‪ ،‬إال أن هـذا األثـر –‬ ‫أحدثتا نفس التغيري يف ا اهات اجلنود‬
‫يكن مطلقـًا‪ .‬إذ عندما‬ ‫ار علم النفس االجتماعي –‬ ‫نما هي العادة يف‬
‫أْخـذ املسـتو التعليمـي بعـ االعتبـار ظهـرت اختالفـات مهمـة‪ .‬فلقـد أحــدثت‬
‫الرسالة ال نائية أثرًا أنا لد ذوي املستو التعليمـي األعلـى حيـث أحـدثت‬
‫الرسالة األحادية أثرًا أنا لد ذوي املستو التعليمي األدنى‪ .‬ولعـل السـبب‬
‫يف ذل ــك ه ــو – نم ــا ذه ــب (ه ــاس ولن ــدر‪5664 ،‬م) ه ــو أن ا موع ــة املتعلم ــة‬
‫نانــت علــى درايــة بــافجج امل ــادة‪ ،‬ومــن مثــة فقــد لعــب رف ــها يف الرســالة‬
‫ال نائي ــة اجلان ــب دورًا يف إدرانه ــم‪ .‬وق ــد وج ــد "هوفالن ــد وزم ــالؤ‪ ".‬أي ً ــا أن‬
‫اجلنود الذي نانت مواقفهم األصلية مشـابهة لفحـو الرسـالة تـأثروا أن ـر‬

‫‪- 069 -‬‬


‫أنت وأنا‬

‫بالرســالة األحاديــة يف ح ـ تــأثر املعارضــون بالرســالة ال نائيــة‪ ،‬نمــا أن هــذ‪.‬‬


‫األخرية تكون أوقع أثرًا إذا نان املستقبل على ألفة باملوضوع‪.‬‬
‫تسلس ــل الع ــرض (األولوي ــة وال انوي ــة أو األس ــبقية وافداث ــة)‪ .‬وتتص ــل ه ــذ‪.‬‬ ‫‪- 1‬‬
‫املسألة بسابقتها‪ .‬فإذا اعتمد املرسل على رسالة ثنائيـة اجلانـب‪ ،‬فمـاذا يعـرض‬
‫ال ‪ ،‬ومـ ــاذا يعـ ــرض ثان ًيـ ــا أيبـ ــدأ بوجهـ ــة الن ـ ــر ال ــ يريـ ــد إيصـ ــاهلا‬
‫فيهـ ــا أو ً‬
‫للمستقبل أم بوجهة الن ر امل ادة هلا ‪ .‬تلك هي –نما هو واضح ‪ -‬نساة‬
‫مــن مشــكلة األولويــة وال انويــة ال ـ ناقشــناها يف ســياق اإلدراك االجتمــاعي‪.‬‬
‫ونمــا كــن أن نتــذنر فقــد نــان لوولويــة األثــر األبقــى‪ ،‬إال أن (هوفالنــد‬
‫وزمالؤ‪5616 ،.‬م) رأوا أن م ل هذا األثر مشروط بعدة عوامل‪ ،‬منها‪:‬‬
‫تقديم اجلانب من الشـاص ذاتـه‪ ،‬وأال يكـون املسـتقبل علـى علـم مسـبق‬ ‫‪-‬‬
‫بــأن الرســالة ثنائيــة‪ .‬وقــد وجــد (روزنــو وروبنســون‪5676 ،‬م)‪ ،‬أنــه عنــدما ال‬
‫يكــون املفحوصــون علــى ألفــة واهتمــام مبوضــوع اال ــا‪ .‬فــإن أثــر افداثــة‬
‫يـل إىل ال هـور‪ ،‬أمـا إذا نـانوا علـى م ـل هـذ‪ .‬األلفـة فـإن األولويـة هــي‬
‫ال ت هر‪ .‬نما أن وجود فرتة زمنيـة نامنـة تفصـل بـ شـقي الرسـالة‬
‫األول وال ــاني يكــون هلــا نفــس األثــر الــذي الح نــا‪ .‬يف مســألة األســبقية‬
‫وافداثــة يف اإلدراك االجتمــاعي‪ ،‬أي أنهــا تقلــل مــن أثــر األولويــة وتقــوي‬
‫أثر افداثة‪.‬‬

‫مثــة عوامــل وخصــائص لــد مســتقبل الرســالة تـ ثر يف قابليتــه لالقتنــاع بهــا‪،‬‬


‫ومنها‪:‬‬
‫مستو التعليم‪ :‬وي ثر هـذا اجلانـب علـى تلقـي الرسـالة وقابليـة االقتنـاع بهـا‪،‬‬ ‫‪- 5‬‬
‫نما شاهدنا يف تأثر ذوي املستو التعليمي املرتفع بالرسائل ثنائية اجلانـب‪،‬‬

‫‪- 071 -‬‬


‫مقدمة في مهارات التواصل اإلنساني‬

‫ولعل السبب يف هذا أنهم مُهي ون أن ر للتعامل مع رسائل معقدة نسبي ـا‪ ،‬وال‬
‫يريبون أن حيسوا أنهم اقتنعوا بسهولة‪.‬‬
‫ــا‪ .‬موضــوع أو شــاص‬ ‫ا اهـات املســتقبل‪ :‬اال اهــات هــي آراء ثابتـة نسبيــا‬ ‫‪- 4‬‬
‫مصــحوبة باالستحســان أو االســتهجان‪ .‬فــإذا نانــت لــد املســتقبل ا اهــات‬
‫معارضــة للــرأي اجلديــد فإنــه ســيبدي –عمو ًمــا– مقاومــة لالقتنــاع‪ .‬ذلــك أن‬
‫لال ا‪ .‬أربع وظائف رئيسة‪:‬‬

‫تــوفر اال اهــات معنــى خلاتنــا وتوجهــا‪ ،‬وتــوفر أط ـرًا مرجعيــة للحكــم علــى‬ ‫معرفية‬
‫األحداي والق ايا‪.‬‬
‫ــن نســتدعي اســتجابات مريوبــة مــن ا خــرين بتمتعنــا با اهــات مريوبــة‬ ‫تكيفية (نفعية)‬
‫اجتماعيـا‪.‬وهكذا ترتب اال اهات مبكافهت مهمة‪.‬‬
‫صــا يف النــواحي القيميــة‪ ،‬ومــن‬
‫اال اهــات تعــا عــن موقفنــا مــن ذاتنــا‪ ،‬وخصو ً‬ ‫تعا عن القيمة‬
‫مثة فهي مهمة يف تكوين إحساسنا بالكرامة الشاصية‪.‬‬
‫تســاعدنا اال اهــات يف محايــة أنفســنا مــن االعــرتاإ بنقائصــنا الشاصــية‪.‬‬ ‫الدفاع عن األنا‬
‫ســا‬
‫فاإلنكــار يتــيح لنــا الــدفاع عــن مفهومنــا عــن ذاتنــا‪ ،‬والتعصــب بعطينــا إحسا ً‬
‫بالتمي بل التفوق‪.‬‬

‫وهذ‪ .‬الوظائف تفسر سـبب سـهولة االقتنـاع أو صـعوبته‪ .‬أي أنـه إذا جـاء االقتنـاع ملبيًـا‬
‫هلذ‪ .‬الوظائف فإنه سيغدو سهلًا‪ ،‬والعكس صحيح‪.‬‬
‫مقاومة اإلقناع‪ :‬هناك عـدة عوامـل تـ دي دورًا يف جعـل املسـتقبل يقـاوم االقنـاع‬ ‫‪- 4‬‬
‫ومنها‪:‬‬
‫لقــاح اإلقنــاع‪ :‬يامًــا نمــا حتمــي اللقاحــات الطبيــة الفــرد مــن اإلصــابة‬ ‫‪‬‬
‫ببعق األمـراض‪ ،‬فـإن التعـرض –يف وقـت مبكـر–فجـة م ـادة لقناعـات‬
‫الفرد يقوي – فيما بعد– مقاومته ل قناع‪.‬‬
‫نلما زاد الت امنا برأي أو ا ا‪ .‬نلما زادت صعوبة اقتناعنا بنقي ه‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫‪- 070 -‬‬


‫أنت وأنا‬

‫التحــذير املبكــر مبحــاوالت اإلقنــاع امل ــاد ي يــد قــوة الــدفاع عــن االلت ـ ام‬ ‫‪‬‬
‫واالستعداد بافجج الالزمة‪.‬‬
‫نلمــا زادت معرفتنــا بــرأي نلمــا زادت قــدرتنا علــى الــدفاع عنــه‪ ،‬وقلــت‬ ‫‪‬‬
‫الفه‪.‬‬ ‫فرصة االقتناع مبا‬
‫عن ــدما حي ــس امل ــرء مبحاول ــة ا خ ــرين ال ــغ علي ــه لتع ــديل قناعات ــه‬ ‫‪‬‬
‫فغالبً ــا م ــا يق ــوم ب ــرد فع ــل مع ــانس ق ــوي (تغ ــري اال اه ــات الس ــل )‬
‫(النكاية) ألنه حيس بتهديد الستقالليته‪.‬‬
‫ذر من أن نعلق يف وضع نتمسك فيه با اهاتنـا علـى‬ ‫إال أننا جيب أن‬ ‫‪‬‬
‫و يري ذني (العناد)‪ .‬ويبدو أن أف ل طريقة للتعلـّم نيف ندافع عن‬
‫اول تب الرأي امل اد وتكوين افجج الالزمـة‬ ‫آرائنا وا اهاتنا هي أن‬
‫له‪.‬‬
‫القبول والرفق‪ :‬نلما نانت املسافة ب اال ا‪ .‬الذي يتبنا‪ .‬املستقبل وذاك‬ ‫‪- 3‬‬
‫الذي يـود املرسـل إقناعـه بـه نـبرية‪ ،‬نلمـا نانـت فرصـة االقتنـاع أقـل‪ .‬أي أن‬
‫الرسالة القناعية يف هذ‪ .‬افالة تقع خار دائرة القبول وداخل دائـرة الـرفق‪.‬‬
‫وقد وجد (شريف وهوفالند‪5675 ،‬م) أن األحكام يـري املقبولـة (الـ تقـع خـار‬
‫دائرة القبـول) ييـل ألن ُتـدرك مـن املسـتقبل علـى أنهـا عدائيـة أن ـر ممـا هـي‬
‫عليه حق ـا‪ ،‬يف حـ أن تلـك الـ ال تبتعـد نـ ريًا عـن دائـرة القبـول كـن أن‬
‫تدخل تدرجييـ ا يف تلـك الـدائرة‪ .‬ونلمـا نـان موقـف املـرء متطرفـًا‪ ،‬ونلمـا‬
‫ازداد ارتباط ــه باال ــا‪( .‬عالقت ــه االنفعالي ــة في ــه قوي ــة) نلم ــا نان ــت دائ ــرة‬
‫القبــول ض ــيقة‪ ،‬ودائ ــرة ال ــرفق واس ــعة‪ ،‬نمــا يك ــون هن ــاك إحس ــاس بعدائي ــة‬
‫اال ا‪ .‬اجلديد‪ ،‬وتغدو قابلية اال ا‪ .‬للتعديل ضعيفة‪.‬‬
‫الفــروق الفرديــة‪ :‬ويقصــد بــالفروق الفرديــة يف هــذا ا ــال اجلــنس‪ ،‬التقــدير‬ ‫‪- 3‬‬
‫الذاتي والذناء‪ .‬لقد أشارت بعق الدراسات إىل أن النساء أسهل اقتناعـًا مـن‬

‫‪- 072 -‬‬


‫مقدمة في مهارات التواصل اإلنساني‬

‫الرجال‪ .‬ولكن هذ‪ .‬النتيجة قد تكون راجعة إىل اختيار موضـوعات ذات طبيعـة‬
‫مــذنرة نالسياســة واالقتصــاد يف بعــق الدراســات (آرونســون‪5667 ،‬م)‪ .‬وقــد‬
‫أنــدت دراســات الحقــة هــذا‪ ،‬وتــب أنــه إذا نانــت النســاء تقتنــع باملوضــوعات‬
‫ال تعـد مـذنرة‪ ،‬فـإن الرجـال يسـهل اقتنـاعهم مبوضـوعات م ن ـة م ـل إدارة‬
‫املن ل والعالقات العائلية‪ .‬وإذا نان مفهوم املرء عن ذاته مرتفع فإنه يل إىل‬
‫الت ــأثري يف ا خ ــرين ويص ــعب اقتناع ــه‪ ،‬والعك ــس ص ــحيح‪ ،‬وينطب ــق ه ــذا عل ــى‬
‫الرجال‪ .‬أما بالنسبة للنسـاء فـإن هنـاك مـا يـدل أن الوضـع خمتلـف‪ .‬ذلـك أن‬
‫النساء ذوات التقدير املتدني عن ذواتهن قد يبـدين اقتناعـًا أقـل (أهـو ميكـان م‬
‫دفــاعي )‪ ،‬يف ح ـ أن النســاء ذوات التقــدير املتوس ـ لــذواتهن يبــدين أن ــر‬
‫قابلية لالقتناع‪.‬‬

‫املواق ــف ي ــري الرري ــة تس ــهل االقتن ــاع أن ــر م ــن املواق ــف الرري ــة‬
‫نا اضرات وامل يرات‪ ،‬ورمبا نـان ذلـك بسـبب االخـتالإ يف إدراك مصـدر الرسـالة‬
‫وأهدافــه‪ ،‬نمــا أن لعــب األدوار يســهل االقتنــاع‪ .‬فاألشــااص الــذين يلعبــون دور مصــا‬
‫بالسرطان ي هرون تغريًا أنا يف ا اهاتهم وسلوك التدخ لديهم مـن املفحوصـ‬
‫الذين استمعوا فق إىل شري مسجل عن املوضوع‪.‬‬

‫‪- 073 -‬‬


‫أنت وأنا‬

‫‪- 074 -‬‬


‫مقدمة في مهارات التواصل اإلنساني‬

‫ذنرنا يف موضع سابق أن إقامـة العالقـات الوثيقـة وافميمـة واحـدة مـن أهـم‬
‫أه ــداإ التواص ــل‪ ،‬وه ــي ن ــذلك حاج ــة نفس ــية ملح ــة‪ ،‬يش ــعر امل ــرء – يف ييابه ــا –‬
‫بالوح ــدة واالنتئ ــا ‪ ،‬ويس ــوء تص ــور‪ .‬ع ــن ذات ــه‪ .‬وعل ــى ال ــريم م ــن اخ ــتالإ العالق ــات‬
‫التواصــلية يف انواعهــا وســياقاتها ومســتوياتها‪ ،‬إال أنــه كــن حتديــد وظــائف ومراحــل‬
‫عامة هلا‪.‬‬

‫على الريم من أن نل عالقة ت دي وظائف خمتلفة ألناس خمـتلف ‪ ،‬فـإن يف‬


‫دد بعق الوظائف العامة ال ت ديها مع م العالقات‪.‬‬ ‫وسعنا أن‬
‫ـب أن‬ ‫تبديد الوحدة‪ :‬يساعد االتصال با خرين على تبديد الوحدة‪ .‬فـنحن‬ ‫‪- 5‬‬
‫ــس أن آخــر يهــتم بنــا وحيبــّنا وحيمينــا‪ .‬والعالقــات الوثيقــة تــوفر م ــل هــذ‪.‬‬
‫األحاسيس‪ .‬ويف حماولة لتبديد الوحـدة‪ ،‬فـإن بعـق النـاس حييطـون أنفسـهم‬
‫مبعارإ متعددين‪ .‬وإذا نانت هذ‪ .‬العالقات السطحية تفيد يف التافيف من‬

‫‪- 075 -‬‬


‫أنت وأنا‬

‫الوحدة‪ ،‬فإن عالقة واحدة محيمية حتدي نتـائج أف ـل‪ ،‬لـذلك فـنحن نسـعى‬
‫لتأسيس هذ‪ .‬العالقات افميمة‪.‬‬
‫تــوفري االســت ارة‪ :‬حيتــا اإلنســان لالســت ارة‪ ،‬ومــن دونهــا يتعــرض ثــار ســلبية‬ ‫‪- 4‬‬
‫ــو ال ــوء‪ ،‬فــإن الكائنــات اإلنســانية‬ ‫نــبرية‪ .‬ويامــًا نمــا تتوجــه النباتــات‬
‫و االست ارة‪ .‬والتواصل اإلنسـاني أحـد أهـم الطـرق لتـوفري م ـل هـذ‪.‬‬ ‫تتوجه‬
‫االسـت ارة‪ .‬و ـن نكائنــات إنسـانية لـدينا حاجــات واهتمامـات نـ رية نلــها‬
‫ال وانفعـ ــاالت و نلـ ــها تناـ ــرط يف‬
‫تنشـ ــد االسـ ــت ارة‪ .‬إن لـ ــدينا حواسـ ــًا وعق ــ ً‬
‫عمليات است ارة‪ ،‬نأن نستمتع مبمارسـة الرؤيـة والسـمع‪ ،‬ونـذلك بـالتفكري‬
‫وافوار واملناقشة‪ ،‬وبالرياضة‪ ،‬والسرور وال ـحك‪ ،‬والبكـاء أحيانـًا‪ .‬ويف بعـق‬
‫األحيان حتد ال قافة من ممارسة هذ‪ .‬االنفعاالت لسبب أو خـر‪ ،‬ولكـن علينـا‬
‫أن نعا عنها حبرية‪.‬‬
‫معرفة الذات‪ :‬و تا لالتصـال بـا خرين – أي ًـا– ألن هـذا يتـيح لنـا معرفـة‬ ‫‪- 4‬‬
‫أنفسنا من خالهلم‪ .‬وإدراننـا لـذاتنا يتـأثر – إىل حـد نـبري– مبـا نعتقـد‪ .‬يف‬
‫رأي الناس فينا‪ ،‬فإذا نان أصدقاؤنا يرونا دافـئ ونرمـاء‪ ،‬فسـوإ نن ـر إىل‬
‫أنفسنا هكذا يف الغالب‪ .‬ويتيح لنـا االتصـال بـا خرين معرفـة ذواتنـا مـن زوايـا‬
‫متعــددة‪ ،‬ســواء باملقارنــة بيننــا وبـ ا خــرين يف جوانــب خمتلفــة أو مــن خــالل‬
‫استجابتهم لنا‪.‬‬
‫تقدير الذات‪ :‬فباالتصال با خرين كن أن ن يد من تقديرنا لذاتنا وقيمتنـا‪،‬‬ ‫‪- 3‬‬
‫وي داد هذا الدور بنوعية األشااص الذين نتصل بهـم‪ ،‬ونوعيـة العالقـات بيننـا‬
‫وبينهم‪ .‬فإذا نانت عالقات مشبعة مع أشااص حيملون لنا التقـدير والـدعم‬
‫فال شك أن صورتنا عن ذاتنا سرتتقي‪.‬‬
‫ب أن يشـارننا ا خـرون بهجتنـا‪ ،‬فنقـيم‬ ‫زيادة املتعة وختفيف األ ‪ :‬فنحن‬ ‫‪- 1‬‬
‫حف ــالت للمناس ــبات الس ــعيدة ون ــدعو إليه ــا الن ــاس‪ ،‬ون ــذلك عن ــدما نش ــعر‬

‫‪- 076 -‬‬


‫مقدمة في مهارات التواصل اإلنساني‬

‫بــاأل أو اف ـ ن فإننــا قــد نلجــأ لرخــرين لتافيــف هــذا افـ ن‪ ،‬يامًــا نمــا‬
‫ف ـن مـن خماوفنـا وآالمنـا‪ .‬وعنـدما‬ ‫ننا نلجأ ألمهاتنا و ن صغار نـي‬
‫نكا حيل الصديق حمل األم‪.‬‬

‫تتأسس العالقات عا مراحل‪ ،‬فنحن ال نغدو أصدقاء محـيم مـن اللقـاء األول‪،‬‬
‫وإمنــا نــب م ــل هــذ‪ .‬العالقــة افميمــة تــدرجييًا خــالل سلســلة مــن اخلطــوات أو املراحــل‪.‬‬
‫وينطب ــق الش ــيء ذات ــه عل ــى بقي ــة أن ــواع العالق ــات‪ .‬وختل ــق ظ ــاهرة "اف ــب م ــن أول ن ــرة"‬
‫اســت ناءً مــن منــوذ املرحلــة يف العالقــات‪ .‬لــذلك كــن أن نقــول أن منــوذ املراحــل ي ـ‬
‫س مراحل رئيسية لتطور‬ ‫مع م العالقات ملع م الناس مع م الوقت‪ .‬و كن أن نتب‬
‫العالقــات ب ـ النــاس هــي‪ :‬االتص ــال‪ ،‬االخنــراط واختبــار الشــريك‪ ،‬افميميــة وااللت ـ ام‬
‫ــر أطــراإ العالقــة منهــا يف أي مرحلــة مــن‬ ‫التواصـلي‪ ،‬التــدهور‪ ،‬االنفصــال‪ .‬و كــن أن‬
‫مراحلها‪ ،‬فتنقطع هذ‪ .‬العالقة‪ .‬والنموذ التالي يب هذ‪ .‬املراحل‪:‬‬

‫‪- 077 -‬‬


‫أنت وأنا‬

‫تصــف هــذ‪ .‬املراحــل العالقــات نمــا هــي‪ ،‬وال يقصــد منهــا تقيــيم العالقــات أو‬
‫تقرير نيـف ينبغـي أن تكـون‪ .‬ونـل مرحلـة كـن أن تقسـم إىل قسـم ‪ :‬األول مبـدئي‬
‫وال اني نهائي‪.‬‬
‫املرحلــة األوىل‪ :‬االتصــال‪ :‬يف القســم األول مــن هــذ‪ .‬املرحلــة يكــون هنــاك ضــر‬ ‫‪- 5‬‬
‫مـن االتصـال اإلدرانـي‪ ،‬فـنحن نـر شاصًـا أو نسـمعه‪ ،‬ومـن هنـا نأخـذ صـورة‬
‫ماديـة عــن الشـاص‪ :‬جنســه‪ ،‬عمـر‪ .‬التقــري وطولـه‪ .‬وبعــد هـذا اإلدراك يكــون‬
‫هناك عـادة تواصـل تفـاعلي‪ .‬هنـا يكـون االتصـال سطحي ـا وال شاصـي نسبي ـا‪.‬‬
‫ويف هذ‪ .‬املرحلة نتبادل معلومات أساسية يهيدية ألي اخنراط ن يـف‪ .‬وهنـا‬
‫‪ ،‬فإننـا‬ ‫نبدأ أي ـًا التفاعل وننشغل يف دعوة للتواصـل‪ .‬ووفقـًا لـبعق البـاح‬
‫نقــرر يف هــذ‪ .‬املرحلــة ويف الــدقائق األوىل مــا إذا ننــا ســنتابع التواصــل أم ال‪.‬‬
‫وامل هــر اخلــارجي – يف مرحلــة االتصــال – مهــم بصــورة خاص ـة ألنــه هــو مــا‬
‫و حمسوس‪ .‬ومـع ذلـك‪ ،‬فمـن خـالل السـلونات اللف يـة ويـري‬ ‫ي هر على‬
‫اللف يــة‪ ،‬فــإن صــفات م ــل الصــداقة والــدإء واالنفتــاح والديناميــة تنكشــف‪.‬‬
‫فإذا أحببنا الفرد وأردنا متابعة العالقة فإننـا ننتقـل إىل املرحلـة ال انيـة وهـي‪:‬‬
‫االخنراط ‪.‬‬
‫املرحلة ال انية‪ :‬االخنراط‪ :‬ويف هذ‪ .‬املرحلة ينمو إحساس بالتبـادل واالتصـال‪.‬‬ ‫‪- 4‬‬
‫وهنــا إلــر و ــاول أن نتعلــّم أن ــر حــول الشــاص ا خــر‪ .‬ويف القســم األول‬
‫مــن االخنــراط جيــري نــوع مــن االختبــار‪ .‬فــنحن نريــب يف أن نــر مــا إذا نــان‬
‫حكمنا األولي الذي قد نكون شكلنا‪ .‬يف املرحلة األوىل صحيحـًا‪ .‬لذلك نسـأل‬
‫أسئلة م ل‪ :‬أين تعمل ما ختصصك وألننا نريب يف التعرإ على الشـاص‬
‫أن ر‪ ،‬فإننا نواصـل اخنراطنـا عـن طريـق تك يـف تسـاؤلنا‪ .‬ويف هـذ‪ .‬املرحلـة ال‬
‫ــاول – فق ـ – أن نعــرإ الشــاص أن ــر‪ ،‬ولكننــا نبــدأ أي ــًا بالكشــف عــن‬
‫ـ ــو‬ ‫أنفسـ ــنا‪ .‬ويف هـ ــذ‪ .‬املرحلـ ــة أي ـ ــًا نبـ ــدأ يف التشـ ــارك يف نشـ ــاطنا وعلـ ــى‬

‫‪- 078 -‬‬


‫مقدمة في مهارات التواصل اإلنساني‬

‫ي هيـ ــدي‪ .‬وإذا بـ ــدأ منـ ــاخ مـ ــن الصـ ــداقة يف التكـ ــون‪ ،‬فقـ ــد ينمـ ــو التشـ ــارك يف‬
‫صـ ــا مـ ــن خـ ــالل‬
‫اهتماماتنـ ــا املتبادلـ ــة‪ .‬وخـ ــالل عمليـ ــة العالقـ ــة‪ ،‬ولكـ ــن خصو ً‬
‫االخن ــراط ومراح ــل افميمي ــة األوىل‪ ،‬فإنن ــا خنت ــا ش ــرناءنا‪ ،‬و ــاول أن‬
‫نكتشــف شــعورهم إزاء العالقــة‪ .‬ومــن ب ـ الطرائــق ال ـ نســتادمها لتحقيــق‬
‫هذا االختبار الطرائق التالية‪:‬‬
‫املباشــرة‪ :‬أي بالس ـ ال املباشــر أو اإلفصــاح املباشــر علــى أمــل أن يبادلنــا‬ ‫أ)‬
‫الشريك الشيء ذاته‪.‬‬
‫ن خن ع شريكنا لسـلونات سـلبية متنوعـة علـى افـرتاض‬ ‫التحمل‪:‬‬ ‫)‬
‫أنه إذا حتملها فإنه سيكون جادًا بشأن العالقة‪.‬‬
‫اإلحيــاء يــري املباشــر‪ :‬ختتلــف أنــواع اإلشــارات الـ تشــري إىل جــديتنا يف‬ ‫جـ)‬
‫العالقة‪ .‬فبع ها قد يكون مباشرًا‪ ،‬وبع ها ا خر ال يكون نذلك‪.‬‬
‫العـرض العـام‪ :‬نـأن أعـرّإ ا خــرين علـى الشـريك بوصـفه "صــديقي"‬ ‫د)‬
‫وأالحْ ردَّ فعله على ذلك‪.‬‬
‫ن ننأ بأنفسنا أحيانـًا عن شريكنا ني نعـرإ أنـه مهـتم‬ ‫االنفصال‪:‬‬ ‫هـ)‬
‫بالعالقة‪.‬‬
‫الطرإ ال الث‪ :‬نسأل أصدقاء مشرتن عن مشاعر الصـديق اجلديـد‬ ‫و)‬
‫اهنا‪.‬‬
‫املرحلــة ال ال ــة‪ :‬افميميــة‪ :‬ويف هــذ‪ .‬املرحلــة نلت ـ م أن ــر فــأن ر بالشــاص‬ ‫‪- 4‬‬
‫ا خــر‪ ،‬ون ســس عالقــة يكــون فيهــا هــذا الشــاص هــو أف ــل صــديق أو أقــر‬
‫صديق لنا‪ .‬وتنقسم هذ‪ .‬املرحلة إىل قسم ‪ :‬الت ام تواصلي يلت م فيـه االثنـان‬
‫و خاص‪ ،‬وارتباط اجتماعي حيث يغدو هذا االلت ام علنيـا أمام األسـرة‬ ‫على‬
‫أو األصدقاء‪ .‬كن أن يتاذ االلت ام عدة أشكال‪ :‬فقد يكون ارتباطـًا أو زواجـًا‪،‬‬
‫وقــد يكــون الت امــًا مبســاعدة الشــاص‪ ،‬أو الوجــود يف صــحبته‪ .‬و تلــف نــوع‬

‫‪- 079 -‬‬


‫أنت وأنا‬

‫االلتـ ام بنــوع العالقــة ونـوع الفــرد‪ .‬ولكــن املهــم هــو أن هــذا االلتـ ام خــاص‪ :‬إنــه‬
‫التـ ام ال نــرتب بــه خبفــة أو مــع نــل النــاس‪ .‬ومرحلــة افميميــة ال يــنح إال‬
‫ألنــاس قلــيل يف وقــت مــا وأحيانــًا لشــاص واحــد أو شاصـ أو ثالثــة ورمبــا‬
‫أربعة‪ ،‬ونادرًا ما يكون لدينا أن ر من أربعة أصدقاء محيم ‪ .‬وبطبيعة افال‪،‬‬
‫فلــيس نــل شــاص يســعى للحميميــة‪ .‬فبع ــنا يســعى إليهــا بالفعــل‪ ،‬بينمــا‬
‫اإ آخرون من عواقبها ويتجنبوها‪.‬‬
‫املرحلــة الرابعــة‪ :‬التــدهور‪ :‬تتســم هــذ‪ .‬املرحلــة ومــا يليهــا (االنفصــال) ب ــعف‬ ‫‪- 3‬‬
‫ــو جــدي – بانتهــاء العالقــة‪ .‬وتتم ــل‬ ‫الــرواب ب ـ األطــراإ وتهــدد – علــى‬
‫بداية التدهور بشعور بعدم الرضى الذاتي‪ ،‬فقد نبدأ بالشعور بأن هـذ‪ .‬العالقـة‬
‫ليســت باألهميــة الـ نعتقــدها‪ ،‬ونأخــذ بالت ــايق مــن التفاعــل اليــومي الــذي‬
‫و سل ‪ .‬فإذا استمر هذ‪ .‬ال يق‬ ‫تفرضه‪ ،‬ويرتاء لنا مستقبل العالقة على‬
‫أو ت اي ــد‪ ،‬فإنن ــا نوي ــل ه ــذ‪ .‬املرحل ــة لنص ــل إىل الت ــدهور الب ــي ‪ .‬عن ــد ذل ــك‬
‫ال‪ ،‬ويقــل الوقــت الــذي نق ــيه معــًا‪.‬‬
‫ننســحب ويتاــذ نــل منــا طريقــًا منفصـ ً‬
‫وعنــدما نك ــون م ًع ــا يس ــود الص ــمت‪ ،‬ويقــل اإلفص ــاح ع ــن ال ــذات‪ ،‬ويق ــل الق ــر‬
‫النفسي‪ ،‬وتغدو الن اعات أن ر شيوعـًا‪ ،‬ويصـبح حلـها أن ـر صـعوبة‪ ،‬أو تبقـى‬
‫من دون حلّ أو سعي فلـّها‪ .‬فإذا استمرت العالقة يف التـدهور علـى هـذا النحـو‬
‫من دون حماوالت جادة إلصالحها‪ ،‬فإنها تدخل مرحلتها األخرية‪ :‬االنفصال‪.‬‬
‫املرحلــة اخلامســة‪ :‬االنفصــال‪ :‬ويف هــذ‪ .‬املرحلــة تتقطــع أواصــر العالقــات ب ـ‬ ‫‪- 7‬‬
‫األفــراد‪ .‬ويف البدايــة فــإن هــذ‪ .‬املرحلــة تتاــذ شــكل االنفصــال البــي ‪ ،‬فيبتعــد‬
‫ال‪ ،‬فقـد يسـعى‬
‫الطرفان عن بع هما‪ .‬فـإذا نانـت هـذ‪ .‬العالقـة هـي الـ وا مـ ً‬
‫أحــد الطــرف أو نليهمــا إىل الطــالق‪ .‬أي أن االنفصــال ســينتقل إىل مرحلــة‬
‫إعالن اجتماعي أو إعـالن عـام‪ ،‬ويعـود نـل شـاص فياتـه الفرديـة املسـتقلة‪.‬‬
‫ثم مـا تلبـث هـذ‪ .‬املرحلـة أن تف ـي إىل الـوداع حيـث تصـبح العالقـة جـ ءًا مـن‬

‫‪- 081 -‬‬


‫مقدمة في مهارات التواصل اإلنساني‬

‫املاضي‪ .‬ويف بعق األحوال‪ ،‬فإن هـذا الوضـع يشـعر املـرء بالراحـة‪ ،‬فلقـد انتهـى‬
‫أخـ ـريًا ن ــل ش ــيء‪ .‬لكن ــه يف ح ــاالت أخ ــر يـ ـ ري القل ــق الش ــديد واإلحب ــاط‬
‫واإلحســاس بالــذنب والنــدم والعدوانيــة وافســرة علــى الوقــت الــذي ضــاع يف‬
‫العالقة والعواطف ال بذهلا الشاص فيها‪ .‬ويبدأ الطرفان يف مواجهـة ذيـول‬
‫النــ اع القانوني ــة واالجتماعي ــة‪ .‬وين ــر بع ــق الن ــاس إىل أنفس ــهم –يف ه ــذ‪.‬‬
‫املرحل ــة ‪ -‬ن ــأفراد مس ــتقل ‪ ،‬ويأخ ــذون يف تأس ــيس حي ــاة خمتلف ــة س ــواء‬
‫لوح ــدهم أو بص ــحبة ش ــاص جدي ــد‪ ،‬أم ــا بع ــهم ا خ ــر فق ــد يع ــيش عل ــى‬
‫ذنري ــات العالق ــة املنتهي ــة‪ :‬أم ــانن اللق ــاء املاض ــية‪ ،‬رس ــائل اف ــب الس ــابقة‬
‫والغرق يف حبائل الذانرة‪.‬‬
‫كــن التح ـرك عــا املراحــل الســابقة يف أربعــة ا اهــات‪ :‬اال ــا‪ .‬األول يفيــد‬
‫إمكانيــة اخلــرو مــن العالقــة عنــد نــل مرحلــة‪ ،‬أمــا اال ــا‪ .‬ال ــاني فيفيــد إمكانيــة‬
‫االنتقــال إىل مرحلــة تاليــة قــد تكــون أعمــق‪ ،‬مــن االخنــراط إىل افميميــة علــى ســبيل‬
‫امل ال‪ .‬أما اال ا‪ .‬ال الث فيمكن أن يكون عكسيـا نأن تعود العالقة من افميميـة إىل‬
‫االخنراط‪ .‬وبامل ل فإذا يت تسوية اخلالفـات يف أثنـاء مرحلـة التـدهور فـإن الشاصـ‬
‫قد يعودا إىل املرحلة افميمية‪ .‬ومن املمكن أي ـًا أن نقف عن بعـق املراحـل – ذهابـًا‬
‫ــاوزًا ســريعًا‬ ‫أو إيابًــا – علــى الــريم مــن أن هــذا قــد ال يكــون قف ـ ًا مبقــدار مــا يكــون‬
‫للمراحــل‪ .‬لــذلك فــإن نــل مرحلــة قــد تطــول أو تقصــر قبــل االنتقــال إىل مــا يليهــا أو‬
‫العـودة إىل مــا يســبقها‪ .‬أمــا اال ــا‪ .‬الرابــع فهــو ا ــا‪ .‬اســتقراري‪ .‬فالعالقــة قــد تتوقــف‬
‫عند أي مرحلة من املراحل ال تتعداها إىل ما بعدها‪ ،‬وال تعود إىل ما قبلها‪ .‬فقد تستقر‬
‫عند مرحلة افميمية‪ ،‬أو كن أن تبقى عند مرحلة االتصال‪ ،‬مـن دون أن ي ـي أبعـد‬
‫من هذا‪.‬‬
‫ــس بنم ــو ه ــذ‪ .‬العالق ــة‪ ،‬س ــواء يف‬ ‫وعن ــدما نتق ــدم ع ــا ه ــذ‪ .‬املراح ــل فإنن ــا‬
‫كــن أن يتواصــل الطرفــان حوهلــا‪ ،‬أو الــدخول‬ ‫اتســاعها‪ ،‬أي يف اتســاع املوضــوعات ال ـ‬

‫‪- 080 -‬‬


‫أنت وأنا‬

‫إىل أعماق شاصية بع هما‪ .‬فاالتسـاع والعمـق م شـران علـى تقـدم العالقـة‪ .‬ويتفـاوت‬
‫مــد اتســاع العالقــة حســب د ومتهــا‪ ،‬نمــا يــرتب هــذا االتســاع والعمــق طرديـ ـا مــع‬
‫تقدم مراحلها‪ .‬ففي مرحلـة االتصـال األوىل تكـون ا ـاالت الـ يـدور حوهلـا االتصـال‬
‫حمــدودة‪ ،‬وال يفصــح الطرفــان عــن نفســيهما إال بصــورة ســطحية يامــًا‪ .‬ولكــن مــا أن‬
‫تتقدم العالقة إىل مراحلها التالية فإنها تتوسع وتتعمق‪ .‬وبامل ـل عنـدما تأخـذ العالقـة‬
‫بالتدهور فإن حرنة التوسع والتعمق تنعكس‪.‬‬

‫‪- 082 -‬‬


‫مقدمة في مهارات التواصل اإلنساني‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫مــا الــذي جيعــل النــاس ينشـدّون إىل بع ــهم بع ًــا ومــا الــذي ي ــمن أســبا‬
‫بعب ــارة أخ ــر ‪ ،‬ه ــل هن ــاك تفسـ ـري لنم ــو بع ــق‬ ‫افي ــاة لعالق ــة وال ي ــمنها ألخ ــر‬
‫العالقات دون يريها‬
‫هنــاك ثــالي ن ريــات تفســر منــو العالقــات‪ :‬ن ريــة التجــاذ ‪ ،‬ن ريــة التع ي ـ ‪،‬‬
‫ن رية التعادل‪.‬‬

‫‪- 083 -‬‬


‫أنت وأنا‬

‫نلن ــا ق ــد ينج ــذ إىل أش ــااص وال ينج ــذ إىل يريه ــم‪ .‬وبطريق ــة مماثل ــة‬
‫فــبعق النــاس ينجــذبون لنــا بينمــا ال يفعــل ا خــرون ذلــك‪ .‬وإذا نــان لنــا أن نفحــص‬
‫وهم بالشيء ذاته‪ ،‬فمـن ا تمـل‬ ‫الناس الذين ننجذ إليهم‪ ،‬وه الء الذين ال نشعر‬
‫أن ينــت م ه ـ الء وأولئــك يف أمنــاط خمتلفــة حتــى مــن دون أن نعــي ذلــك‪ .‬وينجــذ‬
‫مع ـم النــاس لرخـرين علــى أســاس أربعـة عوامــل رئيســية‪ :‬اجلاذبيــة (امل هــر اجلســمي‬
‫والشاصية)‪ ،‬القر ‪ ،‬التشابه‪ ،‬والتكامل‪ .‬وال ينفي هذا – بطبيعة افال– وجود عوامل‬
‫فرعية أخر ن رية‪.‬‬
‫‪ - 5‬اجلاذبية‪ :‬امل هر اجلسـمي والشاصـية‪ :‬عنـدما أقـول‪":‬إنـي أجـد هـذا الشـاص‬
‫جذابــًا" ففــي الغالــب أعـ ‪ :‬إنــي أجــد‪ .‬جذابــًا مــن حيــث الشــكل‪ ،‬أو ‪:‬إنــي أجــد‪.‬‬
‫ــب األشــااص اجلــذاب‬ ‫جذابــًا مــن حيــث الســلوك والشاصــية‪ .‬ويالبــًا مــا‬
‫أن ــر م ــن األشـ ــااص ي ــري اجل ــذاب ‪ ،‬و ـ ــب األش ــااص ال ــذين تلكـ ــون‬
‫شاصية لطيفة أن ر من ه الء الذين ال تلكون م ل هذ‪ .‬الشاصـية‪ ،‬علـى‬
‫تلــف مــن شــاص إىل آخــر‪ .‬و ــن ننســب –‬ ‫الــريم مــن أن تعريــف اجلاذبيــة‬
‫عــادة– صــفات إجيابيــة للنــاس الــذين إلــدهم جــذاب ‪ ،‬وصــفات ســلبية للنــاس‬
‫الــذين إلــدهم علــى خــالإ ذلــك‪ .‬وقــد أنــدت عــدة دراســات هــذ‪ .‬املالح ــة‬
‫املعروفة‪ ،‬فعندما شاهد رجال ونساء صور لرجال ونساء يتفـاوتون يف اجلاذبيـة‪،‬‬
‫فقد توقع املشاهدون أن يكون أصحا الصور اجلذابة أن ر إثارة ولطفـًا وقـوة‬
‫وتواضعـًا واجتماعية ونفاية‪ ،‬وأن ر سعادة يف زواجهم‪ ،‬وإلاحـًا يف أعمـاهلم‪.‬‬
‫يتوقع ــوا أن يتمت ــع أص ــحا الص ــور األق ــل‬ ‫يف حــ أن املش ــاهدين أنفس ــهم‬
‫جاذبية بهذ‪ .‬اخلصائص‪.‬‬
‫ـدهم‬ ‫ـدهم جـذاب فمـن ا تمـل أن‬ ‫‪ - 4‬القـر ‪ :‬إذا ن رت إىل الناس الـذين‬
‫مــن أولئــك الــذين تعــيش أو تعمــل بــالقر مــنهم‪ .‬وعنــدما قــام بــاح ون بدراســة‬

‫‪- 084 -‬‬


‫مقدمة في مهارات التواصل اإلنساني‬

‫تشكل الصداقات يف سكن جامعي‪ ،‬وجدوا أنها تأثرت إىل حد نبري باملسافات ب‬
‫الغرإ ال يعيش الناس فيها‪ ،‬وبتقابل هذ‪ .‬الغرإ‪ .‬فكلما تقاربت يرإ الطال‬
‫زادت فرص تشكل الصداقات بينهم‪ ،‬نما أن الطال الذين عاشـوا يف يـرإ تطـل‬
‫على املمرات والصالة شكلوا صداقات أن ر من ه الء الذين نانت يرفهم تطـل‬
‫على الشارع‪ .‬نما تتش كل صـداقات أن ـر بـ الطـال الـذين يعيشـون يف طـابق‬
‫واحد‪ .‬بل إنه يف بعق السـكنات اجلامعيـة املاتلطـة يف الواليـات املتحـدة حـدثت‬
‫زجيات أن ر ب الطال والطالبات الذين نانت يرفهم متقاربة‪.‬‬
‫يوفر القر الشرط اجلغـرايف األول لقيـام‬ ‫ملاذا ي ثر القر على التجاذ‬
‫العالقة‪ ،‬ثم إنه يوفر فرصـًا لتفاعل أنـا‪ ،‬وي يـد مـن إحسـاس األلفـة مـع‬
‫ــاههم نغربــاء‪ ،‬وقــد نشــرتك يف‬ ‫األشــااص‪ ،‬ممــا يقلــل مــن خماوفنــا‬
‫سياقات أنـا (مشـكالت مشـرتنة) باإلضـافة إىل أن توقعاتنـا اإلجيابيـة‬
‫يــرون أن جمــرد رؤيتنــا املتكــررة‬ ‫مــنهم تغــدو أنــا‪ .‬بــل إن بعــق البــاح‬
‫ــوهم‪ .‬وبطبيعــة افــال‪ ،‬فــإن‬ ‫علنــا نشــكل ا اهــات اجيابيــة‬ ‫لرخــرين‬
‫الق ــر ل ــيس شرط ــًا مطلق ــًا‪ ،‬ف ــإذا ن ــان اللق ــاء األول ي ــري موف ــق ف ــإن‬
‫اللقاءات التالية –علـى الـريم مـن القـر – قـد ال ت يـد التجـاذ ‪ ،‬بـل إنهـا‬
‫قد تنقصه على عكس ما تفعله اللقاءات األوىل اإلجيابية أو ا ايدة‪.‬‬
‫التش ــابه‪ :‬ل ــو ن ــان لن ــا أن نص ــنع أص ــدقاءنا‪ ،‬لب ــدوا مش ــابه لن ــا يف أفعالن ــا‬ ‫‪- 4‬‬
‫وتفكرينا‪ .‬فباالإلذا إىل مـنْ يشـبهونا فإننـا ن نـد ألنفسـنا أننـا نسـتحق أن‬
‫ينجذ ا خرون لنا وأننا جذابون‪ .‬وعلى الريم مـن أن هنـاك اسـت ناءات فإننـا‬
‫ــب الن ــاس ال ــذين يش ــبهونا يف الق ــدرة واخلص ــائص اجلس ــمية‬ ‫– عمومً ــا –‬
‫والذناء واال اهات‪ ..‬إخل‪ ،‬فغالبـًا ما ننجذ إىل صورة مرآوية ألنفسنا‪ .‬ومن‬
‫أهم نقاط التشابه ال تسبب التجاذ هي اال اهات‪ .‬فنحن ننجـذ بصـورة‬
‫بــّه ويكرهــون مــا نكرهــه‪ ،‬ونلمــا زادت‬ ‫خاصــة إىل النــاس الــذين حيبــّون مــا‬

‫‪- 085 -‬‬


‫أنت وأنا‬

‫ـو‬ ‫أهمية اال ا‪ .‬لنا زادت أهمية التشابه‪ .‬وعلى سبيل امل ال‪ ،‬فإن اال اهات‬
‫ـو الـدين أو‬ ‫أنواع الطعام أو األثاي تكون –عادة ‪ -‬أقل اهمية من اال اهات‬
‫تلفـون فيمـا بيـنهم يف أمـور مهمـة سـوإ‬ ‫تنشئة األطفال‪ .‬وال وا بـ أنـاس‬
‫ينتهــي –يالبــًا – بــالطالق أن ــر مــن زجيــات ب ـ أشــااص يتشــابهون فيمــا‬
‫بينهم يف م ل هذ‪ .‬األمور‪.‬‬
‫التكامل‪ :‬إال أن أهمية التشـابه ينبغـي أال تصـرفنا يامـًا عـن أهميـة االخـتالإ‬ ‫‪- 3‬‬
‫والتكامــل‪ .‬إن شاصــًا تلــك ن عــة لالنقيــاد والتبعيــة كــن أن ينجــذ إىل‬
‫شاص يل له هذ‪ .‬الن عة‪ ،‬أي إىل شـاص حيـب القيـادة والسـلطة‪ ،‬نمـا قـد‬
‫ينجــذ شــاص يتمتــع بــذناء ن ــري إىل آخــر يتمتــع بــذناء عملــي بف ـل‬
‫هذا اإلحساس بالتكامل‪.‬‬
‫عوامل وخصـائص أخـر ‪ :‬إذا نانـت اخلصـائص الـ سـبق ذنرهـا مـن قـر‬ ‫‪- 1‬‬
‫وتشــابه وتكامــل هــي عوامــل تـ ثر يف اإلــذابنا أو عــدم اإلــذابنا لرخــرين‪ ،‬فــإن‬
‫ــو يــري مقصــود‪ .‬فــنحن إلــد أنفســنا قــريب مــن‬ ‫هــذ‪ .‬العوامــل تعمــل علــى‬
‫ا خرين أو متشـابه أو متكـامل معهـم‪ .‬إال أن هنـاك أمـورًا كـن أن نفعلـها‬
‫و مقصود‪ ،‬فتجعل الناس حيبـّوننا أن ـر‪ .‬و ـن نعتقـد أن هنـاك عـدة‬ ‫على‬
‫عــل الشـاص أن ــر جاذبيــة مـن يــري‪ ،.‬وبالتـالي كــن للشــاص أن‬ ‫صـفات‬
‫حياول التحلي بهذ‪ .‬الصفات إذا ريب يف أن يكون حمبوبـًا‪ .‬وقد استنتجت هذ‪.‬‬
‫س ــئل فيه ــا النــاس ع ــن الص ــفات أو الس ــلونات الــ‬
‫الصــفات م ــن دراس ــات – ُ‬
‫عل صاحبها حمبوبًا‪ ،‬ومنها ‪:‬‬ ‫يعتقدون أنها‬
‫‪ -‬اإلي ار‪ :‬مساعدة ا خرين‪.‬‬
‫‪ -‬القيادية‪ :‬القدرة على القيادة‪ ،‬واإلقرار بقدرة ا خرين عليها‪..‬‬
‫‪ -‬املساواة‪ :‬أن تتصرإ على أنك مساو لرخرين‪.‬‬
‫‪ -‬الذات املسرتحية‪ :‬أن ت هر ارتياحك وسرورك عندما تكون مع ا خر‪.‬‬

‫‪- 086 -‬‬


‫مقدمة في مهارات التواصل اإلنساني‬

‫‪ -‬ا اف ــة علــى قواعـد التحــدي‪ :‬اتبــاع قواعــد األد والتعــاون يف التحــدي‬
‫مع ا خرين‪.‬‬
‫‪ -‬الدينامية‪ :‬أن يبدو اإلنسان نشطـًا متحمسًا وديناميـا‪.‬‬
‫‪ -‬التش ــجيع عل ــى اإلفص ــاح‪ :‬يسـ ــت ري ا خ ــرين ويش ــجعهم للتح ــدي عـ ــن‬
‫أنفسهم وا خرين‪.‬‬
‫نما يفصح عن ذاته أي ًا‪.‬‬
‫‪ -‬إثارة املتعة‪ :‬ي ند أن النشاطات مع ا خرين ممتعة وإجيابية‪.‬‬
‫‪ -‬ضم ا خرين‪ :‬ي م ا خرين يف نشاطاته االجتماعية‪.‬‬
‫‪ -‬افميمية‪ :‬يعطيك انطباعـًا قويًا بافميمية‪.‬‬
‫‪ -‬الستماع‪ :‬االستماع لرخرين بانتبا‪ .‬ونشاط‪.‬‬
‫‪ -‬االهتمام يري اللف ي‪ :‬يوحي باالهتمام با خرين يف إشاراته ومالحمه‪.‬‬
‫‪ -‬التفاؤل‪ :‬يبدو متفائالً وإجيابيـا‪.‬‬
‫‪ -‬االسـ ــتقاللية الشاصـ ــية‪ :‬يبـ ــدو لرخـ ــرين نفـ ــرد مسـ ــتقل وقـ ــادر علـ ــى‬
‫التفكري بصورة حرة‪.‬‬
‫‪ -‬األهمية الشاصية‪ :‬ي ري اهتمام ا خرين يف التقر منه والتعرإ عليه‪.‬‬
‫‪ -‬مكافئ‪ :‬يبدو أنه قادر على منح املكافهت لرخرين الذين يتعاملون معه‪.‬‬
‫‪ -‬يشــجع ذات ا خــر‪ :‬ي هــر احرتامًــا لرخــرين ويســاعد ا خــرين علــى أن‬
‫يشعروا بصورة إجيابية ا ا‪ .‬أنفسهم‪.‬‬
‫‪ -‬حريص على التواصل‪ :‬يرتب مناسبات للقاءات متكررة‪.‬‬
‫‪ -‬افساسية‪ :‬يوحي بالدإء والتعاطف مع ا خر‪.‬‬
‫‪ -‬الدعم‪ :‬ي هر يف تواصله الدعم لرخرين‪.‬‬
‫‪ -‬املوثوقية‪ :‬يبدو لرخرين على أنه شريف وموثوق‪.‬‬

‫‪- 087 -‬‬


‫أنت وأنا‬

‫تــذهب ن ريــة التع ي ـ إىل أننــا نطــور العالقــات مــع مــن يكافئونــا ونتجنــب أو‬
‫نقطع العالقات مع ه الء الذين ال يكافئونا أو الذين يعاقبونا‪.‬‬
‫واملكافهت أو التع ي ات قـد تكـون اجتماعيـة يف صـورة ثنـاء أو مـدح‪ ،‬أو قـد تكـون‬
‫مادي ــة (ماليــة‪ ،‬عيني ــة‪ ..‬إخل)‪ ،‬ولك ــن للمكاف ــأة آثاره ــا الس ــلبية‪ ،‬ف ــإذا بول ــغ فيه ــا تفق ــد‬
‫قيمتها‪ ،‬وقد تـ دي إىل آثـار سـلبية‪ .‬والنـاس الـذين يكافئونـك بصـورة متصـلة يفقـدون‬
‫جــاذبيتهم وتقــل قيمــتهم‪ .‬وإذا نــان للمكافــأة أن تعمــل‪ ،‬فالبــد مــن أن تــدرك علــى أنهــا‬
‫مكافــأة أصــيلة وليســت مدفوعــة باهتمامــات أنانيــة‪ .‬فالبــائع الــذي يســهم يف مــدحيك‬
‫لتشجيعك على الشراء لن يكون ملدحيه القيمة ال ستكون ملـديح من ـ ‪ .‬عـن الغـرض‪.‬‬
‫ويلعب الرتتيب الذي حيدي فيـه التع يـ ومـا يصـاحبه مـن تقييمـات سـالبة أو موجبـة‪،‬‬
‫دورًا مه ًمــا يف هــذا ا ــال‪ .‬فقــد أجريــت دراســة جلعــل املفحوصـ فيهــا يســمعون – عــن‬
‫ص ــا يتحــدثون عــنهم بص ــورة عارضــة‪ .‬ومتَّ إجــراء التجرب ــة يف‬
‫طريــق الصــدفة – أشاا ً‬
‫أربعة شروط نل منها يت من سبعة أحاديث ‪:‬‬
‫الشرط اإلجيابي‪ :‬ا ادثات السبع نلها إجيابية‪.‬‬ ‫‪- 5‬‬
‫الشرط السل ‪ :‬ا ادثات السبع نلها سلبية‪.‬‬ ‫‪- 4‬‬
‫الشــرط الســل ‪ /‬اإلجيــابي‪ :‬ا ادثــات ال ـ الي األوىل ســلبية واألربــع التاليــة‬ ‫‪- 4‬‬
‫إجيابية‪.‬‬
‫الشرط اإلجيابي ‪ /‬السل ‪ :‬ا ادثات ال الي األوىل إجيابية وا ادثات األربع‬ ‫‪- 3‬‬
‫التالية سلبية‪.‬‬
‫وقــد رأ املفحوصــون أن الشــاص الــذي حتــدي يف الشــرط الســل اإلجيــابي‬
‫( )‪ ،‬نــان أن ــر جاذبيــة بالنســبة هلــم‪ ،‬وتــال‪ .‬الشــرط اإلجيــابي (أ)‪ ،‬وثــال هم الشــرط‬
‫الســل ( )‪ ،‬ورابعهــم الشــرط اإلجيــابي الســل ‪ .‬وتنطبــق مســألة الرتتيــب هــذ‪ .‬علــى‬
‫املكافـهت أي ًــا‪ .‬فقــد لــوحْ أن ال يــادة يف املكافــهت هلــا أثــر أنــا مــن املكافــهت ال ابتــة‪.‬‬

‫‪- 088 -‬‬


‫مقدمة في مهارات التواصل اإلنساني‬

‫ب شاصًا مـا إذا نـان مكافهتـه لنـا تت ايـد خـالل الـ من أن ـر ممـا لـو نـان‬ ‫فنحن‬
‫يكافئنا بصورة ثابتة متصـلة‪ .‬وبـالعكس فـ إن تنـاقص املكافـهت لـه أثـر أقـو مـن العقـا‬
‫ال ابت‪ .‬نما أننا ننجذ أن ر للشاص الذي يغري رأيه فينا ما دام النتيجة النهائية‬
‫ــو‬ ‫إجيابيــة‪ .‬ومــن ناحيــة أخــر فقــد يــدرك الشــاص الــذي يقيمنــا يف البدايــة علــى‬
‫و سل على أنه خائن ونكرهـه‪ ،‬أن ـر ممـا نكـر‪ .‬شاصـًا نـان علـى‬ ‫إجيابي ثم على‬
‫اهنا‪.‬‬ ‫الدوام سلبيـا‬
‫وإذا نـ ــان مـ ــن املفهـ ــوم أن حتـ ــب النـ ــاس الـ ــذين يكـ ــافئوك وتسـ ــعى لتطـ ــوير‬
‫ب‬
‫عالقاتك معهم‪ ،‬فإنك ييل أي ـًا لتنمية عالقـات مـع النـاس الـذين تكـافئهم‪ .‬وحتـ ّ‬
‫ربــة ربــح‬ ‫النــاس الــذين تقــدم هلــم معروفــًا‪ ،‬ونأننــا يف هــذا نــار مكافأتنــا هلــم‪ .‬ويف‬
‫ال طْلب من ثل هم أن يعيدو‪ .‬نمعروإ خاص للمجر ‪ ،‬أمـا ال لـث‬
‫املفحوصون فيها ما ً‬
‫ال اني فطُـلب منهم إعادته لقسم علم النفس نمساهمة يف يويـل أحباثـه‪ ،‬أمـا ال لـث‬
‫ال الث‪ ،‬فلم يطلب منهم إعادة شيء على اإلطالق‪ .‬وفيما بعد‪ ،‬سُئل املفحوصون إىل أي‬
‫حد أحبوا ا ر ‪ ،‬فتب أن أفراد ال لث األول أحبـّو‪ .‬أن ر من يريهم ونأنهم يارون‬
‫سبب إعادة املكافأة له‪.‬‬

‫هذ‪ .‬الن رية تقول إننا نطور العالقات و افْ عليها إذا نان معدل املكافهت‬
‫– مقارن ــة بالتك ــاليف الـ ـ نتحمل ــها– مساوي ــًا هل ــذا املع ــدل عن ــد الط ــرإ ا خ ــر يف‬
‫العالقة‪ .‬والعالقة املتعادلة هي تلك ال حيصل فيها نل طرإ على مكاسـب معادلـة‬
‫للتكاليف ال يتحملها‪ .‬فـإذا بـذلتَ يف عالقـة مـا أن ـر ممـا فعـل الطـرإ ال ـاني‪ ،‬فـإن‬
‫التعادل يتطلب أن حتصل على مكافـهت أنـا‪ .‬أمـا إذا نـان مـا بـذلتما‪ .‬متعـادالً‪ ،‬فـإن‬
‫املكافهت ينبغي أن تكـون نـذلك‪ .‬ولكـن إذا نانـت العالقـة يـري متعادلـة‪ ،‬أي إذا ننـت‬
‫تتجشــم مشــقة أنــا يف العالقــة بينمــا حيصــد الطــرإ ال ــاني مكاســب أنــا‪ ،‬فــإن‬

‫‪- 089 -‬‬


‫أنت وأنا‬

‫املعادلة ختتل‪ ،‬وت طر العالقة‪ .‬تاز ن رية التعادل مصادر االضطرا وعدم الرضى‬
‫يف العالقــات ال ـ نراهــا نــل يــوم‪ .‬ففــي زوا تقليــدي –علــى ســبيل امل ــال– قــد يكــون‬
‫الرجل واملرأة يعمالن خار املن ل طوال اليوم ولكن قد يكون على املرأة أن تقوم – أي ًـا‬
‫– بالقس األنـا مـن األعمـال املن ليـة‪ .‬وهـذا يعـ أن ال وجـة تتجشـم عنـاء أنـا‪.‬‬
‫ووفقـًا لن رية التعادل‪ ،‬فإن ال وجة لن تكون راضـية بسـبب هـذا افيـف‪ .‬و كـن الع ـور‬
‫على أم لة مشابهة أي ـًا يف سياقات العمل املاتلفة‪.‬‬
‫ــاول دوم ــًا افص ــول عل ــى عالق ــات متعادل ــة‬ ‫ت ن ــد ن ري ــة التع ــادل أنن ــا‬
‫و افْ عليها يف ح أننا نتجنـب العالقـات املاتلـة و ـاول اخلـرو منهـا‪ .‬وبطبيعـة‬
‫و افميميـة‪ ،‬ونلمـا‬ ‫افال‪ ،‬فكلما تعمق اإلحساس بالتعادل نلما ا هت العالقة‬
‫قل هذا االحساس أخذت العالقة بالتدهور‪ .‬وعلينـا أن نتنبـه إىل أننـا يف بعـق األحيـان‬
‫ن لم شرناءنا يف العالقات مبحاولتنا افصول على مكاسب أن ر منهم يف العالقـة‪،‬‬
‫وهــو أمــر يعــرض العالقــة للاطــر‪ .‬وبصــورة عامــة فــنحن نشــعر بــال لم إذا وقــع علينــا‬
‫س به لو أوقعنا‪ .‬على ا خرين‪.‬‬ ‫بأن ر مما‬

‫لع ــل أن ــر جوانـ ــب العالق ــات أهميـ ــة وأن ره ــا ص ــعوبة هـ ــي ب ــدؤها‪ :‬لقـ ــاء‬
‫ــو أو آخ ــر إىل مرحل ــة تالي ــة ق ــد تك ــون‬ ‫الش ــاص‪ ،‬تق ــديم نفس ــك‪ ،‬واالنتق ــال عل ــى‬
‫اخلرو من العالقة أو التقدم إىل مرحلة أن ر محيمية‪ .‬ويتألف اللقاء األول من سـت‬
‫خطوات ‪:‬‬
‫عـ ــل مـ ــن‬ ‫فحـ ــص امل شـ ــرات ‪ :‬واخلطـ ــوة األوىل هـ ــي فحـ ــص الصـ ــفات ال ــ‬ ‫‪- 5‬‬
‫الشــاص الــذي تريــب يف مقابلتــه اختيــارًا مالئمًــا‪ .‬فــبعق امل شــرات ظــاهرة‬
‫يس ــهل فحص ــها ناجلم ــال أو ط ــراز املالب ــس ال ين ــة أو م ــا ش ــابه ذل ــك‪ .‬وأم ــا‬
‫امل ش ـ ــرات األخ ـ ــر فه ـ ــي نامن ـ ــة يص ـ ــعب الوص ـ ــول إليه ـ ــا بص ـ ــورة عام ـ ــة‪،‬‬

‫‪- 091 -‬‬


‫مقدمة في مهارات التواصل اإلنساني‬

‫نالشاصية والصحة وال روة واملوهبة والذناء‪ .‬وامل شرات تقول لك من هو‬
‫الشــاص وتســاعدك علــى تقريــر مــا إذا ننــت ستواصــل العالقــة بعــد اللقــاء‬
‫األول‪.‬‬
‫جاه ي ــة الط ــرإ ا خ ــر للق ــاء‪ :‬ويعــ ه ــذا امل ش ــر تقييم ــك مل ــد اس ــتعداد‬ ‫‪- 4‬‬
‫الشاص ا خر للتفاعل معك يف اللقاء‪.‬‬
‫ــو لف ــي ويــري لف ــي‪ .‬وباإلمكــان هنــا‬ ‫افتتــاح املقابلــة‪ :‬ابــدأ املقابلــة علــى‬ ‫‪- 4‬‬
‫الن ــر إىل شــيئ ‪ :‬احبــث عــن موضــوع ي ـ ري اهتمامكمــا ثــم حــاول أن تعــرإ –‬
‫تتلق‬ ‫ثانيًا – ما إذا نان ا خر مستعدًا للمشارنة يف توسيع العالقة‪ .‬فإذا‬
‫يكــن هنــاك تواصــل بصــري بينكمــا‪،‬‬ ‫ســو إجابــات مــن منـ نعــم ‪ /‬ال‪ ،‬أو إذا‬
‫عندها يكون لديك إشارة قوية إىل أن هذا الشاص لـيس علـى اسـتعداد لبـدء‬
‫عالقــة يف الوقـت الــراهن‪ .‬أمــا إذا اســتجا مطــوالً‪ ،‬وســألك أســئلة بــدور‪ ،.‬فــإن‬
‫هذا كن أن يفسر على أنه تشجيع على استمرار التواصل‪.‬‬
‫ال وادخلـه يف املقابلــة ‪ :‬واملوضـوع املتكامــل هـو ذاك الــذي‬
‫اخـرت موضوعـًا متكــام ً‬ ‫‪- 3‬‬
‫ي ـ ري اهتمامــك واهتمــام الشــاص ا خــر‪ ،‬وحيقــق تكاملكمــا‪ .‬وبصــورة عامــة‬
‫كــن الع ــور علــى هــذ‪ .‬املوضــوعات مــن خــالل حتليــل معلومــات حــرة وأســئلة‬
‫وإجابــات‪ .‬لــذلك‪ ،‬ان ــر إىل معلومــات تتصــل بالشــاص الــذي تالح ــه و‬
‫ت ــدخل بع ــد يف اف ــوار‪ ،‬نا ــامت خت ــر أو س ــرتة أو زي‪ .‬وبامل ــل ف ــإن مالح ــة‬
‫عارضة قد تكشف عن مهنة شاص أو عن جمال دراسي أو اهتمامـات رياضـية‪.‬‬
‫ون ــل ه ــذ‪ .‬املالح ــات ق ــد تتاـ ــذ منطلق ــات لتفاع ــل أوس ــع‪ .‬ان ــر وانتبـ ــه‬
‫للمعلومات ال يكنك مـن االسـتمرار وت ـري التواصـل مبوضـوعات جديـدة‪.‬‬
‫وأن ر من هذا‪ ،‬اطرح أسئلة تاز االهتمام وال تعكس ف ولية شديدة‪.‬‬
‫اترك انطباعـًا حسنـًا‪ :‬أي انطباعًا يدعو للتواصل وي ري االهتمام‪ ،‬وأبرز وجوهًا‬ ‫‪- 1‬‬
‫عل الطرإ ا خر يواصل التواصل‪.‬‬ ‫من ذاتك‬

‫‪- 090 -‬‬


‫أنت وأنا‬

‫رتــب للقــاء ثــان‪ :‬إذا شــعرت أن اللقــاء يســري علــى مــا يــرام حــاول أن ترتــب للقــاء‬ ‫‪- 7‬‬
‫ثان‪.‬‬
‫ال بصريـا‪ :‬إن التواصل البصري هو اإلشارة يري اللف يـة األوىل الـ‬
‫أقم تواص ً‬ ‫‪- 6‬‬
‫ترسل‪ .‬والعيون تشي باالنتبا‪ .‬للشاص ا خر واالهتمام به‪.‬‬
‫يف أثن ــاء التواص ــل البص ــري ابتس ــم وع ــا أن ــر ف ــأن ر ع ــن اهتمام ــك يف‬ ‫‪- 5‬‬
‫استجاباتك للشاص ا خر‪.‬‬
‫رنـ انتباهــك‪ ،‬ولــيكن بقيــة ا ــال بعيـدًا عنــه‪ ،‬ولكــن حــاذر أن تبــالغ يف هــذا‬ ‫‪- 6‬‬
‫الرتني ني ال ت ايق الشاص ا خر‪.‬‬
‫‪ - 51‬حــافْ علــى مســافة ماديــة مالئمــة بينكمــا‪ ،‬ال تكــون قريبــة إىل درجــة ت ــايق‬
‫ا خر وال بعيدة ت عف التواصل‪.‬‬
‫‪ - 55‬اختذ وضعًا جسميـا منفتحًا يعا عن ريبة يف الدخول يف تفاعل مع الشاص‬
‫نبه ألنه قد يـوحي لرخـر أنـك ال‬ ‫ا خر‪ .‬إن تكتيف اليدين هو وضع ينبغي‬
‫تريد أن يقرت منك‪.‬‬
‫ــو يشـجع‬ ‫ــو ظـاهر لكــل العالمــات الـ يبــديها ا خــر علـى‬ ‫‪ - 54‬اسـتجب علــى‬
‫التواصل‪.‬‬
‫‪ - 54‬ع ز سلونات ا خر اإلجيابية‪.‬‬
‫‪ - 53‬ال تبالغ يف السلوك يري اللف ي وا ه بسرعة إىل السلوك اللف ي‪.‬‬
‫‪ - 51‬قدم نفسك بصورة ال تشي بالسذاجة‪.‬‬
‫‪ - 57‬رن حمادثتك على الشاص ا خر‪ ،‬واجعلـه يناـرط يف افـديث بالتحـدي‬
‫عن نفسه وهذا يتيح لك فرصة ملعرفته‪.‬‬
‫‪ - 56‬تبادل مع ا خر عبارات ا املـة‪ ،‬وحـاول أن تكـون هـذ‪ .‬العبـارات خملصـة‪ ،‬وإذا‬
‫د م ل هذ‪ .‬العبارات فقد يكون من األف ل مغادرة املوقف‪.‬‬
‫‪ - 55‬نن حيويـا‪ :‬يف سلونك اللف ي ويري اللف ي‪.‬‬

‫‪- 092 -‬‬


‫مقدمة في مهارات التواصل اإلنساني‬

‫أند اإلجيابيات وتفاد السلبيات‪.‬‬ ‫‪- 56‬‬


‫‪ - 41‬ادخل يف العالقات تدرجييـا وتبادلي ـا‪ .‬فـأي إفصـاح سـريع ومبـالغ فيـه يف بدايـة‬
‫العالقة ي ثر سلبًا عليها‪.‬‬
‫‪ - 45‬أند على األمـور املشـرتنة بينـك وبـ الطـرإ ا خـر وعلـى أي شـيء ي هـر‬
‫التشابه بينكما‪.‬‬
‫تف ــاد األس ــئلة الـ ـ ل ــيس هل ــا إجاب ــة س ــو نع ــم أو ال‪ ،‬وتف ــاد أي ً ــا ه ــذ‪.‬‬
‫ـو‬ ‫اإلجابات‪ .‬اطرح أسئلة من النـوع الـذي كـن أن جييـب الشـاص ا خـر عنـه علـى‬
‫مطــول نسبيـ ـا‪ .‬وأج ـب أنــت أي ــًا بالطريقــة ذاتهــا‪ .‬وحــاذر أن تكــون أســئلتك يف صــورة‬
‫حتقيق‪.‬‬

‫‪- 093 -‬‬


‫أنت وأنا‬

‫‪- 094 -‬‬


‫مقدمة في مهارات التواصل اإلنساني‬

‫"‬

‫–‬
‫–‬

‫احتل ــت دراس ــة مفه ــوم "ال ــذناء" يف الق ــرن العش ــرين – مكان ــة أث ــرية يف عل ــم‬
‫ال ــنفس‪ ،‬س ــواء م ــن حي ــث حماول ــة تعق ــب أص ــوله‪ ،‬أو النف ــاذ إىل ماهيت ــه‪ ،‬أو يف الس ــعي‬
‫لتص ــميم أدوات لقياس ــه‪ .‬واش ــتعلت عل ــى أرض عل ــم ال ــنفس مع ــارك ش ــتى بــ علم ــاء‬
‫"الــذناء" نــان مــن أبرزهــا تلــك ال ـ احتــدمت ب ـ مــن رأوا يف الــذناء قــدرة عامــة‬
‫واحدة لد املـرء‪ ،‬إذا تـوافرت نـان ذني ـا يف خمتلـف نشاطاتــه العقليـة ســواء أنانـت‬
‫تتـوافر يـاض‬ ‫إدرانـًا‪ ،‬أو مالح ة‪ ،‬أو تذنرًا‪ ،‬أو معرفة لغويـة‪ ،‬أو حسابية‪..‬إخل‪ ،‬وإذا‬
‫الــذناء مــن نــل هــذ‪ .‬اجلوانــب‪ ،‬وبـ مــن رأوا أن الــذناء قــدرات متفرقــة‪ ،‬قــد يتفــوق‬
‫املرء يف واحدة منها‪ ،‬من دون أن يكون متفوقـًا يف الباقي بال رورة‪.‬‬
‫وإذا نان البحث عن حقيقة الذناء سـوإ يسـتمر ويتواصـل‪ ،‬فإننـا نسـتطيع‬
‫القــول ‪:‬إن القــرن العشــرين أســدل ســتارته – يف املشــهد األخــري مــن هــذ‪ .‬املعــارك – علــى‬

‫‪- 095 -‬‬


‫أنت وأنا‬

‫نصر م زر للمعسكر الذي ا از للذناءات املتعددة‪ ،‬بل – وأن ر من هـذا – للمعسـكر‬


‫الــذي رأ أن الــذناء‪ ،‬أو الــذناءات‪ ،‬ال تقتصــر علــى ا ــاالت املعرفيــة التقليديــة مــن‬
‫لغة ورياضيات‪ ،‬أو على العمليات العقلية فق م ل اإلدراك والفهـم واالسـتيعا ‪ ،‬وإمنـا‬
‫يتد لتشمل حتت عباءتها‪ ،‬ذناءات أدائية وعملية نانت تصنف يف املاضـي علـى أنهـا‬
‫"مواهب" خاصة‪.‬‬
‫فها هو "هوارد ياردنر" يذهب – وقد انق ى من القرن العشرين جلـه – إىل أن‬
‫هن ــاك س ــبعة ذن ــاءات ه ــي‪ :‬ال ــذناء اللغ ــوي‪ ،‬ال ــذناء املنطق ــي الرياض ــي‪ ،‬ال ــذناء‬
‫املكاني‪ ،‬الذناء املوسيقي‪ ،‬الذناء افرني‪ ،‬الذناء اجلواني (أي قدرة اإلنسان علـى‬
‫معرفت ــه ذات ــه)‪ ،‬وال ــذناء بــ الشاص ــي‪( ،‬أي ق ــدرة اإلنســان عل ــى معرف ــة ا خ ــرين)‪.‬‬
‫وجدإ "سرتبنر " يف ميـا‪ .‬التعدديـة ذاتهـا‪ ،‬فتحـدي عـن ذنـاء حتليلـي‪ ،‬وآخـر إبـداعي‪،‬‬
‫وثالث عملي‪ .‬ومـا هـي إال ب ـع سـنوات حتـى أضـاإ "يوملـان" الـذناء االنفعـالي‪ .‬وبـدا‬
‫املشــهد ونــأن الــذناء حتــول إىل نــا ٍد رفيــع املســتو ‪ ،‬ين ــم إليــه يف نــل يــوم أع ــاء‬
‫جـدد‪ .‬فهــل يقبـل النــادي – يــا تــر – طلــب ان ــمام ع ــو جديــد لــه يــدعى‪" :‬الــذناء‬
‫كــن أن يتقــدم بهــا هــذا الــذناء للحصــول‬ ‫التواصــلي" دعونــا نفحــص األوراق ال ـ‬
‫على الع وية‪.‬‬
‫يتس ــم "ال ــذناء التواص ــلي" –يف املق ــام األول– بأن ــه ذن ــاء مرن ــب ومعق ــد‬
‫يتــألف مــن ذنــاءات ورــات وا اهــات متعــددة‪ ،‬لعــل مــن أبرزهــا‪ :‬الــذناء اجلــواني‪،‬‬
‫الذناء ب الشاصي‪ ،‬الذناء االنفعالي‪ ،‬الذناء اللغوي‪ ،‬والذناء الفكاهي‪.‬‬
‫والـذناء التواصـلي هــو نتـا نيميـاء بالغــة التعقيـد نا ـة عــن امتـ ا هــذ‪.‬‬
‫الذناءات مبقادير ووجو‪ .‬شتى‪ ،‬ثم تفاعلها –أي ـًا– مع سياقات افياة ال ال حـدود‬
‫هلـا‪ .‬وسـنحاول فيمـا يلـي فحـص نـل واحـد مـن هـذ‪ .‬الـذناءات‪ ،‬ونيفيـة إسـهامه يف‬
‫الذناء التواصلي‪.‬‬

‫‪- 096 -‬‬


‫مقدمة في مهارات التواصل اإلنساني‬

‫يتميـ اإلنســان عــن ســائر الكائنــات افيــة يف خصــائص شــتى‪ ،‬لعــل مــن أبرزهــا‬
‫ال التواصل معها‪ ،‬وسا يورها‪ ،‬وتقييمهـا‪ ،‬بـل ويف‬
‫و ذاته حماو ً‬ ‫قدرته على االنعطاإ‬
‫بعــق األحيــان مســاءلتها ولومهــا أو ال نــاء عليهــا‪ .‬وتكــاد "معرفــة الــذات" أن ترتقــي إىل‬
‫مستو ف يلة نا حيث عليهـا الـدين والفلسـفة وعلـم الـنفس‪ ،‬باعتبارهـا مفتاحًـا‬
‫رئيس ــًا للص ــالح والف ــَهم والطمأنين ــة النفس ــية‪ .‬إال أن ال ــدعوة إىل ف ــيلة م ــا ال تعــ‬
‫س ــهولة ممارس ــتها‪ .‬ف ــالوقوإ أم ــام م ــرآة ال ــنفس – أو فلنق ــل مراياه ــا– مهم ــة خط ــرة‬
‫تتطلب جرأة وإقدامًا‪ ،‬وصدقـًا وأمانة‪ .‬ذلك أن املرء قد ير يف هذ‪ .‬املرايـا صـورًا تتهـدد‬
‫تقدير‪ .‬لذاته‪ ،‬وتعرضه لشقاء افقيقة ومشقتها‪ ،‬مما جيعلـه يسـتادم حـيالً خمتلفـة‬
‫– تسمى يف علم النفس "آليات الدفاع – حتى يتجنب هذ‪ .‬املشقة وذلـك الشـقاء‪ ،‬لكـن‬
‫مثن هذا التجنب قد ال يقل عن تكاليف املواجهة‪ ،‬وهو مثن قد يت ـمن امل ـي يف حيـاة‬
‫زائفة‪ ،‬عرضة للمتاعب النفسية‪ ،‬ولسوء التواصل مع ا خرين‪.‬‬
‫صـا عنـدما نلمـح فيهـا مـا ال يسـرنا‪،‬‬
‫نعم‪ ،‬نم هي صعبة مواجهة الذات‪ ،‬خصو ً‬
‫وما ال يديدا مشاعر ال هو والرضى فينا‪ .‬فمـن لديـه اسـتعداد أن يعـرتإ –علـى سـبيل‬
‫امل ال– حتى لو أمام نفسه بأنه ليس بالوسامة ال ينشدها أو بأنه خبيـل‪ ،‬أو لئـيم‪ ،‬أو‬
‫حسود‪ ،‬أو يفتقر إىل الذناء أو الشجاعة‪ ،‬أو أنه يكر‪ .‬ا خرين‪ ،‬أو أنـه يفتقـر إىل مهـارة‬
‫التاطي فياته وإدارتها ومن منا على استعداد أن يعرتإ بأنه تلك قدرًا نبريًا‬
‫م ــن العدواني ــة أو املكيافيلي ــة‪ ،‬أو الل ــهاي وراء مص ــافه‪ ،‬أو افتق ــار‪ – .‬م ــا دمن ــا يف ه ــذا‬
‫السياق – ملهارات تواصلية من منا يتصد لالعرتاإ مبرنبـات الـنقص واالضـطرا‬
‫النفسي ال تعصف بـه وحتـى لـو امتلـك املـرء الشـجاعة للوقـوإ أمـام مرايـا الـذات‪،‬‬
‫فهل يتمتع باملهارة الالزمة ال يكنه مـن مواجهـة آليـات الـدفاع م ـل‪ :‬الكبـت واإلنكـار‬
‫واإلسقاط واإلزاحة والتاير ويري ذلك‬

‫‪- 097 -‬‬


‫أنت وأنا‬

‫يعـ ـرّإ "ه ــوارد ي ــاردنر" ال ــذناء اجل ــواني عل ــى أن ــه‪" :‬توج ــه امل ــرء إىل حيات ــه‬
‫الشعورية اخلاصة‪ ،‬أو ساحة مشاعر‪ .‬وانفعاالته‪ ،‬والقدرة على التميي املباشـر بـ هـذ‪.‬‬
‫املشــاعر‪ ،‬ثــم تســميتها واحتباهلــا يف عالمــات رم يــة‪ ،‬واالســتناد إليهــا نوســائ لفهــم‬
‫السلوك وتوجيهه"‪ .‬ويتكـون هـذا الـذناء مـن مجلـة خصـائص سـوإ نراجـع فيمـا يلـي‬
‫بع ًا منها‪:‬‬
‫الوعـي‪ :‬وتعـ هـذ‪ .‬اخلاصـية الـوعي بأهميـة معرفـة الـذات عمومًـا‪ ،‬ثـم معرفـة‬ ‫‪- 5‬‬
‫عالقة الذات بالعا ‪ ،‬وأخريًا معرفة عالقة وعي الذات بالتواصل‪.‬‬
‫أهميــة معرفــة الــذات عمو ًمــا‪ :‬ملــاذا ينبغــي أن يعــرإ املــرء ذاتــه وملــاذا جيــب‬ ‫أ)‬
‫علي ــه أن يغ ــذ اخلط ــى يف ه ــذا ال ــدر ا ف ــوإ باألش ــواك واملا ــاطر أال‬
‫يستطيع املرء أن يواصل حياته –ببساطة– وعينا‪ .‬مفتوحتان علـى العـا‬
‫اخلارجي وحسب‪ ،‬حيـاول يف سـاحاته أن يشـبع ريباتـه وحيقـق أهدافـه‪ ،‬مـن‬
‫دون أن ي ــيف إىل مهامــه الوجوديــة مهمــة عســرية أخــر هــي التنقيــب يف‬
‫أعمــاق ذاتــه وملــاذا ال يكتفــي اإلنســان – إذا نــان عليــه أن يعــرإ ذات ــه –‬
‫يك ــن‬ ‫مبعرفــة ســطحية‪ ،‬نتلــك ال ـ يتمتــع بهــا مع ــم النــاس – إن‬
‫نلهم – من دون أن يبذلوا يف حتصيلها جهدًا يذنر فأي شاص يعرإ‬
‫أحيانًـا أنــه مت ــايق أو ســعيد‪ ،‬أنــه ياضــب أو هــاد ‪ ،‬أنــه حيـب هــذا أو يكــر‪.‬‬
‫ـس بهـا مجي ًعـا‪ .‬مـن‬ ‫ذاك‪ ،‬إىل آخر هذ‪ .‬افاالت الشـعورية املباشـرة الـ‬
‫املمكــن – بطبيعــة افــال– أن يكفــي هــذا النـ ر اليســري مــن املعرفــة بالــذات‬
‫ملواصــلة افيــاة‪ ،‬ولكنهــا ســتكون حيــاة ســطحية يغمرهــا اجلهــل وال يــف‪،‬‬
‫ب فيها املرء خب عشواء‪ ،‬من دون أن يعرإ –حقـا– ملاذا تصرإ علـى‬
‫ه ــذا النح ــو أو ذاك‪ .‬إن ــه س ــيعيش حيات ــه يريب ـًـا ع ــن ذات ــه‪ ،‬ف ــال ه ــو يع ــرإ‬
‫دوافعــه وال انفعاالتــه وال راتــه وال مــواطن قلقــه‪ ،‬وســيكون دومـًـا ضــحية‬
‫هذ‪ .‬القو ‪ ،‬بدالً من أن يكون سيدها وسيد مصري‪ .‬أي ًا‪ .‬ولن تكون حياته‬

‫‪- 098 -‬‬


‫مقدمة في مهارات التواصل اإلنساني‬

‫الئقة –حق ـا– بإنسـان‪ ،‬حبـا‪ .‬اهلل نعمـة التعقـل والتبصـر‪ ،‬فلـم يسـتادمها‬
‫يف معرفة أقر الناس إليه‪ ،‬معرفة ذاته‪.‬‬
‫عالقــة الــذات بالعــا ‪ :‬ثــم إن اهلــدإ مــن معرفــة املــرء لذاتــه ال يقتصــر‬ ‫)‬
‫علــى هــذ‪ .‬األبعــاد الـ قــد تبــدو فلســفية‪ ،‬تــروق ألولئــك املنطــوين مــن‬
‫الناس على أنفسهم‪ ،‬والذين ع فوا عن افياة اخلارجية افية املـوارة –‬
‫لســبب أو خــر– وراحــوا يتــدلون علــى حبــال االســتبطان يغوصــون إىل‬
‫أعماق أنفسهم ألسبا ن رية جمردة‪ .‬نال‪ ،‬ف مة سبب "خارجي" قـوي‬
‫جيعــل مــن معرفــة الــذات هدفــًا إنسانيــا حيويـ ـا‪ ،‬ويكمــن هــذا الســبب يف‬
‫تلــك العالقــة األخــاذة ب ـ اإلنســان والعــا ‪ ،‬ب ـ الــذات واملوضــوع‪ .‬إن‬
‫اإلنس ــان ال يق ــف أم ــام الع ــا الطبيع ــي واإلنس ــاني ليدرن ــه إدران ــًا‬
‫حمايـدًا ويتعــرإ علــى خصائصــه الكامنــة‪ ،‬ولكــن الــذات تتــدخل تــدخالً‬
‫قويـا لتصنع العا ذاته أو لتكون ج ءًا منه‪ .‬ان ر –علـى سـبيل امل ـال–‬
‫إىل شاص جيلسان يف يرفة واحدة‪ ،‬تر أحدهما مت ايقـًا من درجة‬
‫ح ــرارة الغرف ــة‪ ،‬وا خ ــر س ــعيدًا به ــا‪ ،‬أو إىل شاصـ ـ يتن ــاوالن طعام ــًا‬
‫معينـً ا فيجـد‪ .‬أحـدهما لذيـذًا‪ ،‬بينهمـا ال جيـد‪ .‬ا خـر نـذلك‪ .‬وان ـر‬
‫إىل طفل جيلـس بـ امـرأت ‪ ،‬األوىل أمـه‪ ،‬وال انيـة يريبـة عنـه‪ ،‬وسـرت‬
‫األوىل فيه أمجل األوالد وأن رهم ذناء‪ ،‬يف ح ترا‪ .‬الغريبة عاديـا أو‬
‫دون ذلك‪ .‬بل ان ر إىل ادراننا للناس –عمومًا– من حولنا‪ ،‬فك ريًا ما‬
‫نغــدق املــديح علــى مـنْ حيققــون لنــا مصــلحة مــا‪ ،‬يف ح ـ أننــا ال نفعــل‬
‫ذلـك ملـنْ ال حيقــق لنـا م ـل هــذ‪ .‬املصـلحة‪ .‬إن ذاتنـا تصــنع العـا علــى‬
‫هواها‪ ،‬بل إنها تشوهه يف ن ري من األحيان‪ ،‬لـذلك نـان ال بـد مـن أن‬
‫نك ــون عل ــى وع ــي دقي ــق ب ــذاتنا إذا أردن ــا أن يك ــون وعين ــا بالع ــا –م ــن‬
‫حولنا– دقيقـًا‪.‬‬

‫‪- 099 -‬‬


‫أنت وأنا‬

‫جـ) عالقة معرفة الذات بالتواصل‪ :‬لقـد جعلنـا الـذناء اجلـواني جـ ءًا مـن‬
‫ال ــذناء التواص ــلي‪ ،‬وه ــذا يعـ ـ أن لل ــوعي بال ــذات أهمي ــة تواص ــلية‪.‬‬
‫وبالفعل فإن معرف لذاتي تلعب دورًا حيوي ـا يف تواصـلي مـع ا خـرين‪.‬‬
‫ان ر على سبيل امل ال إىل شاص ال يعي أنـه يقـاطع ا خـرين يف أثنـاء‬
‫نالمهم‪ ،‬أو ال يعـي أن صـوته مرتفـع أن ـر ممـا ينبغـي‪ ،‬أو أنـه تلـك‬
‫ن عة تسلطية علـى َمـ ْن حولـه‪ .‬إن م ـل هـذا الشـاص لـن يعـرإ السـبب‬
‫وراء ع وإ الناس عن االخنـراط معـه يف عمليـات تواصـلية‪ .‬وشـاص ال‬
‫يعـي أنــه حيــاول تونيــد ذاتـه بــأي مثــن‪ ،‬لــن يعـرإ ســبب ت ــايق النــاس‬
‫من ــه‪ .‬ولق ــد ض ــربنا أم ل ــة متنوع ــة ع ــن ت ــدخل ال ــذات يف التواص ــل يف‬
‫الفصـل الـذي أفردنــا‪ .‬هلـذا الغــرض‪ .‬ونلمـا زاد جهــل اإلنسـان بدوافعــه‬
‫وانفعاالت ــه ورات ــه ومش ــكالته النفس ــية‪ ،‬نلم ــا أص ــبح دور ال ــذات يف‬
‫التواصل ضحية هلذا اجلهل‪ ،‬مع نل ما يرتتب على هذا مـن اضـطرا‬
‫عميــق يف العالقــات مــع ا خــرين‪ .‬إ ــان حبيــاة واعيــة متبصــرة بــذاتها‬
‫جديرة أن يعيشها اإلنسان‪ ،‬ومعرفة –بأفاعيل الـذات–يف صـناعة العـا‬
‫وحت ــوير‪ .‬وفق ــًا لنوازعه ــا‪ ،‬ث ــم دور ال ــذات افي ــوي يف التواص ــل‪ ،‬نلـ ـها‬
‫تشــكل منطلقــًا معرفيـ ـا أساسيـ ـا للشــروع يف معرفــة الــذات‪ ،‬أو –بعبــارة‬
‫أخــر – يف العمــل علــى تنميــة الــذناء اجلــواني‪ ،‬الــذي سيف ــي بــدور‪.‬‬
‫إىل معرفة عميقة بها‪ ،‬ليصب فيما بعد يف تواصل ذني م مر‪.‬‬
‫الشــجاعة‪ :‬ليســت افيــاة دومًــا مكانــًا رخي ــًا نســتلقي فيــه نمــا نفعــل عل ــى‬ ‫‪- 4‬‬
‫أرجوحة تهت بهدوء وس دوحة يناء‪ ،‬ال يقطـع هـدوءها سـو أياريـد الطيـور‬
‫ورقصات النسيم وبوح الورود بأرجيها الفواح‪ .‬إن افياة –يف مع ـم األحيـان –‬
‫وضـها اإلنسـان نمـا لـو نـان علـى مرنـب تعصـف الـريح‬ ‫مغامرة نا ‪،‬‬
‫بأشرعته‪ ،‬وتتقاذفه األموا من دون شفقة وال رمحـة‪ ،‬وهـو يقـف متشب ـًا بكلتـا‬

‫‪- 211 -‬‬


‫مقدمة في مهارات التواصل اإلنساني‬

‫ة واألمـل أحيانـًا‪ ،‬واليـأس والقنـوط‬ ‫يديه بدفة السفينة‪ ،‬ومتأرجحـًا ب الع‬


‫أحيانـًا أخر ‪ .‬ولعله ما من أحد جيادل يف حاجـة اإلنسـان وهـو علـى ظهـر هـذا‬
‫املرنب ‪ /‬افياة إىل الشجاعة‪ .‬والشجاعة املطلوبة صـنفان‪ :‬خـارجي‪ ،‬ملواجهـة‬
‫خمــاطر العــا اخلــارجي وهمومــه‪ ،‬وداخلــي – وهــو مــا يهمنــا هنــا– ملواجهــة‬
‫يــرق هــذا لصــاحبها‪ .‬ويا ًمــا نمــا يتاــذ‬ ‫الــذات واإلقــرار مبــا فيهــا حتــى لــو‬
‫قائد قـرارًا باقتحـام موقـع حصـ علـى الـريم مـن نـل املاـاطر ا يقـة‪ ،‬فـإن‬
‫علــى اإلنســان أن يتاــذ قــرارًا بالــدخول إىل ذاتــه‪ ،‬لكــن ال لكــي يــدمرها –نمــا‬
‫حيـاول هـذا القائـد– وإمنـا ليتعـرإ علـى قاعاتهـا ودهالي هـا ومـا جيـري فيهــا‪.‬‬
‫ــي امل ــرء يف مهمت ــه ه ــذ‪ .‬م ــن دون أن جي ــه أو‬ ‫والش ــجاعة مطلوب ــة حت ــى‬
‫يتااذل إذا رأ يف نفسه صورًا سوإ تسيئ لتقدير‪ .‬لذاته‪ ،‬ومن دون أن يرتـد –‬
‫خائفـًا– إىل تصـور زائـف عـن هـذ‪ .‬الـذات كـن أن يكـون خمـدرًا لـبعق الوقـت‬
‫ولكنــه – ناملاــدر– م ـ ذ علــى املــد الطويــل‪ .‬ان ــر – علــى ســبيل امل ــال–‬
‫لشاص استجمع أطراإ شـجاعته للولـو إىل ذاتـه‪ ،‬ومـا أن م ـى يف ممراتهـا‬
‫حتـى راحـت تطالعـه صـور عـن نقائصـه وذنوبـه‪ ،‬فتهتـ صـورته عـن هـذ‪ .‬الــذات‪،‬‬
‫نمــا تهت ـ صــورة علــى جــدار يرفــة يف مبنــى أخــذ يرتاقــص علــى إيقــاع زل ـ ال‬
‫قوي‪ ،‬فتكاد تسق وتتكسر‪ ،‬فرتا‪ .‬يرتـد – وقـد د اخلـوإ يف أوصـاله – عائـدًا‬
‫إىل صورة نسجتها أوهامه ونرجسيته من خيوط زائفة واهية‪ .‬ثـم ان ـر –علـى‬
‫س ــبيل امل ــال– أي ــًا إىل ش ــاص آخ ــر دخ ــل إىل دهليــ ذات ــه‪ ،‬وراح ــت الص ــور‬
‫ـي‬ ‫السلبية تطالعه واحدة تلـو األخـر ‪ ،‬لكنـه يسـتجمع أطـراإ شـجاعته و‬
‫ال فهمها‪ .‬لذلك نانت الشجاعة مكونـًا مـن‬
‫يف طريقه حمدقـًا بالصور حماو ً‬
‫مكونات الذناء اجلواني يصعب من دونها أن يقوم مبهمتـه اخلطـرة‪ ،‬وسـيبقى‬
‫أسري األوهام ال ست ثر بطبيعة افال يف تواصله مع ا خرين‪.‬‬

‫‪- 210 -‬‬


‫أنت وأنا‬

‫الصدق‪ :‬إذا نان الوعي بأهمية معرفة الـذات شـرط معـريف لالنطـالق علـى درو‬ ‫‪- 4‬‬
‫هذ‪ .‬املعرفـة‪ ،‬وإذا نانـت الشـجاعة رـة شاصـية ضـرورية ملواجهـة خمـاطر هـذ‪.‬‬
‫ال ــدرو ‪ ،‬ف ــإن الص ــدق ف ــيلة أخالقي ــة جي ــدر التحل ــي به ــا ن ــي تك ــون املواجه ــة‬
‫حقيقيـة‪ .‬وهــذ‪ .‬الف ــيلة تقت ــي أن يواجــه املــرء حقيقــة ذاتــه مــن دون رتــوش وال‬
‫أقنعة‪ ،‬مهما نان هذا م لـمًـا يف بعـق األحيـان‪ .‬وسـوإ توضـع هـذ‪ .‬الف ـيلة يف‬
‫إطارها األوسع عندما تتحدي – فيما بعد– عن التالق التواصلي‪.‬‬
‫الفطنــة‪ :‬إال أن الصــدق قــد ال يكفــي – وحــد‪ –.‬لتحقيــق مواجهــة أصــيلة مــع‬ ‫‪- 3‬‬
‫الــذات‪ ،‬تكشــف خفاياهــا مهمــا نانــت‪ ،‬إذ ال بــد مــن أن يتجلــى الباحــث يف ذاتــه‬
‫وعنها بفطنة جوانية‪ .‬وتبدو أهمية هذ‪ .‬الفطنة عندما تبـدأ الـذات يف ممارسـة‬
‫مناوراتها ومراوياتها وحيلها وخدعها‪ ،‬ال إلخفاء حقيقـة الـذات عـن ا خـرين‪،‬‬
‫وإمنا إلخفاء هذ‪ .‬افقيقة عـن صـاحبها‪ .‬ذلـك أن اإلنسـان جُبـل –فيمـا جُبـل‬
‫عليه– على ن عة عامة للتنصل من املسـ ولية وانتحـال املعـاذير حتـى يتافـف‬
‫من تبعات أخطاء أو ذنو اقرتفها‪ ،‬وعلى قدرة على قلـب افقـائق أو إبـداهلا أو‬
‫إخفائهــا‪ ،‬إذا نــان هــذا يســاعد‪ .‬علــى ا اف ــة علــى صــورة نفســه أمــام نفســه‬
‫ســليمة مــن يــري ســوء‪ .‬وهــو يلجــأ يف القيــام بهــذ‪ .‬املهــام املشــبوهة إىل "آليــات‬
‫الدفاع" وهي مجلة حيل يتم نسجها يف منطقة نفسية تسمى "قبـل الشـعور" –‬
‫وأحيانـًا يف منطقة تسمى "الالشعور"‪ ،‬حبيث حتقق أهداإ الفرد يف التافيـف‬
‫من املس ولية‪ ،‬أو يف ا اف ة على صورة ذاته أمام نفسه‪ .‬أي أن املرء قد ال يعي‬
‫أنــه قــد قــام بنفســه بنســج هــذ‪ .‬افيلــة أو تلــك‪ ،‬إال أن يتعــه بالفطنــة ســوإ‬
‫كن ــه م ــن أن ينف ــذ إىل "م ــا قب ــل الش ــعور" ويكش ــف ع ــن بني ــة ه ــذ‪ .‬افي ــل‬
‫ومس وليته عنها‪ .‬وفيما يلي بعق من هذ‪ .‬افيل أو ا ليات الدفاعية‪:‬‬
‫أ ‪ -‬التاير‪ :‬هذ‪ .‬آلية نفسية شائعة‪ .‬فاملرء حياول أن يفتش عن أسـبا تعفيـه‬
‫من مس ولية خطأ ارتكبه أو ذنب اقرتفه‪ .‬فالطالب الذي يفشل يف امتحان‬

‫‪- 212 -‬‬


‫مقدمة في مهارات التواصل اإلنساني‬

‫ما‪ ،‬قد يلقي اللوم على صعوبة االمتحان‪ ،‬أو التشدد يف تصـحيحه‪ ،‬أو عـدم‬
‫شرح مدرس املادة مبـا يكفـي‪ .‬واللـص الـذي سـطا علـى بيـت أو متجـر‪ ،‬يـار‬
‫سلونه ب يق ذات اليد‪ ،‬أو تأثري األقران السيء عليـه‪ ،‬أو إهمـال أبويـه لـه‪،‬‬
‫أو عــدم التكافــل االجتمــاعي‪ .‬ولــيس نــل ســبب يســوقه فــرد هــو بال ــرورة‬
‫تايــر زائــف‪ ،‬فقــد يكــون صــحيحًا بالفعــل‪ ،‬ويف هــذ‪ .‬افالــة يكــون تفس ـريًا‬
‫وليس تايرًا‪.‬‬
‫اإلسـقاط‪ :‬ويـارس هـذ‪ .‬افيلــة عنـدما يعـ و الشــاص صـفات سـلبية فيــه‬ ‫)‬
‫إىل أشــااص آخ ــرين‪ .‬ف ــإذا نــان الف ــرد – عل ــى ســبيل امل ــال – مشحونـًـا‬
‫ـا‪ .‬ا خـرين نالكراهيـة أو افقـد أو الغـرية‪،‬‬ ‫بعواطف أو مشـاعر سـوداء‬
‫أو افس ــد‪ ،‬فإن ــك ت ــرا‪ .‬ي ــتهم ا خ ــرين ب ــأنهم ه ــم ال ــذي حيمل ــون ه ــذ‪.‬‬
‫العواطــف أو املشــاعر‪ ،‬وذلــك حتــى ال تبــدو صــورته أمــام ذاتــه بهــذا اللــون‬
‫الكا ‪.‬‬
‫اإلزاح ــة‪ :‬إذا واج ــه اإلنس ــان إحباط ـًـا م ــا‪ ،‬ف ــإن ه ــذا يس ــت ري لدي ــه ش ــحنة‬ ‫جـ)‬
‫عدوانيــة قويــة‪ .‬فــإذا نــان مصــدر اإلحبــاط شاصـًـا‪ ،‬فــإن األرجــح أن يغــدو‬
‫هــذا الشــاص هدف ـًـا هلــذ‪ .‬الشــحنة تفــرا عليــه يف صــورة عــدوان مــادي أو‬
‫يكن يف وسع ا ب أن يعتـدي علـى هـذا‬ ‫لف ي أو رم ي‪ .‬ولكن ماذا لو‬
‫الشاص الذي سبب له اإلحباط‪ ،‬ألن هذا قد جير عليه أذ أنا ان ـر‬
‫إىل املوظـ ــف الـ ــذي عاقبـ ــه مـ ــدير‪ .‬حبسـ ــم مـ ــن راتبـ ــه‪ ،‬إنـ ــه سـ ــوإ حيـ ــس‬
‫ط ــر ببال ــه أن ينفج ــر يف وج ــه م ــدير‪ .‬ياضـ ـبًا‪ ،‬ولكن ــه‬ ‫باإلحب ــاط‪ ،‬وق ــد‬
‫سـرعان مـا يقـدر العواقـب السـيئة املمكنـة لفعلتـه‪ ،‬فـيك م ي ـبه ويي ــه‪.‬‬
‫وعندما يعود إىل البيت‪ ،‬وي به ويي ه ما زاال يعتمالن يف نفسه‪ ،‬فإنه قـد‬
‫يصب جام مشاعر‪ .‬ال ائرة على زوجته أو ابنه ألي هفوة يرتكبانها أو حتـى‬
‫بدون هفوة‪.‬‬

‫‪- 213 -‬‬


‫أنت وأنا‬

‫اهل الشاص لسمات سلبية فيه أو ألفعـال‬ ‫اإلنكار‪ :‬ويقصد بهذ‪ .‬ا لية‬ ‫د)‬
‫اهــه‪ ،‬وذلــك حتــى‬ ‫ســلبية يقــوم بهــا‪ ،‬أو الســتجابات ا خــرين الســلبية‬
‫حيافْ على صورة لنفسه أو لرخرين ال تتعارض مـع مـا يريـب فيـه‪ .‬فقـد‬
‫تنكر زوجة – م الً – نـل اإلشـارات الـ حتـس بهـا مـن قبـل زوجهـا والـ‬
‫وهــا‪ ،‬ألن إقرارهــا بهــا ســوإ يكــون مب ابــة‬ ‫ت نــد هلــا أن عواطفــه فــرتت‬
‫كـن أن تنـ ل عليهـا‪ .‬وقـس علـى هـذا‪ ،‬يف أمـور خمتلفـة يف‬ ‫الصاعقة الـ‬
‫يـل إليـه أنـه لـو أقـر‬ ‫سـياقات افيـاة‪ ،‬حيـث يغـق املـرء الطـرإ عـن أمـور‬
‫بها‪ ،‬فإن صورته عن نفسه سوإ تهت أو تنكسر‪.‬‬
‫ال حيت ــا امل ــرء إلعم ــال فك ــر ن ــبري حت ــى ي ــدرك عالق ــة ه ــذ‪ .‬ا لي ــات الدفاعي ــة‬
‫بالتواصــل‪ ،‬إذ ستســوء عالقــة الطالــب مــع أســتاذ‪ ،.‬وت ــطر عالقــة املوظــف مــع‬
‫زوجته‪ ،‬وستواصل عالقة ال وجة ال تنكر فتور مشاعر زوجهـا إزاءهـا يف التـدهور‬
‫دون أن تقوم بأي نشاط إجيابي إلعادة ترميم هـذ‪ .‬العالقـة‪ .‬وتقت ـي األمانـة مـن‬
‫ه الء –ومن يريهـم ‪ -‬أن يواجهـوا دخائـل أنفسـهم يف هـذ‪ .‬املواقـف – ويف يريهـا‬
‫– بأمانــة‪ ،‬حتــى يتمكنــوا مــن معاجلــة مشــكالتهم وفــق معطيــات حقيقيــة صــلبة‪،‬‬
‫وليس وفق أوهام سرعان ما ينهار أي شيء يبنو‪ .‬فوقها‪.‬‬
‫إرادة التغيري‪ :‬ليس اهلدإ من معرفة الذات جمرد هـدإ ن ـري خـالص‪ ،‬وإمنـا‬ ‫‪- 1‬‬
‫املقصــود أن تتحــول هــذ‪ .‬املعرفــة إىل قــوة لتغــيري املــرء لنفســه يف اجلوانــب الـ‬
‫يعتقد أنها سلبية‪ .‬إن جمرد معرفة الذات والتوقف عند هذا افد‪ ،‬سوإ ت يـد‬
‫من إحساسات العج والسلبية عند املرء‪ ،‬و عله يغوص أن ر وأن ر يف جلة‬
‫القنوط واليأس‪ .‬ولكـن إذا ت ـافرت مـع هـذ‪ .‬املعرفـة إرادة قويـة لالسـتفادة مـن‬
‫هــذ‪ .‬املعرفــة لتغــيري مصــري املــرء‪ ،‬عنــد ذلــك ينب ــق األمــل مــن قلــب اليــأس‪،‬‬
‫وتشرق البسمة على شفا‪ .‬الدمعة‪ ،‬وتتفجر القوة من مكامن ال عف‪.‬‬

‫‪- 214 -‬‬


‫مقدمة في مهارات التواصل اإلنساني‬

‫وإذ تتوافر هذ‪ .‬الشروط‪ ،‬ويأخذ املرء يف تنميـة لواقطـه االستشـعارية اجلوانيـة‬
‫ملعرفــة مــا يــدور بــداخل نفســه‪ ،‬فــإن ذنــاء‪ .‬اجلــواني ي دهــر‪ ،‬وتــروح مياهــه تتــدفق يف‬
‫عالقـات املــرء التواصــلية لتمنحهــا أصــالة ود ومــة وإلوعــًا‪ .‬بــل إن هــذا الــوعي بالــذات‬
‫سوإ يسهم يف سعادته وصحته النفسية‪ ،‬فها هو "ماير" يقول‪:‬‬
‫"إن لد أولئك البشر الذين يدرنون حالتهم النفسية يف أثناء معايشتها‪،‬‬
‫ــل إدرانهــم‬ ‫ــص حيــاتهم االنفعاليــة‪ .‬و‬ ‫بعــق افنكــة املتفهمــة فيمــا‬
‫الواضح النفعاالتهم أساسًـا لسماتهم الشاصية‪ .‬هم شاصيات استقاللية‪،‬‬
‫واثقــة مــن إمكاناتهــا‪ ،‬ويتمتعــون بصــحة نفســية جيــدة‪ ،‬و يلــون أي ـًـا إىل‬
‫الن ــر للحي ــاة ن ــرة إجيابي ــة‪ .‬وعن ــدما يتك ــدر مـ ـ اجهم ال جي ــرتون ه ــذ‪.‬‬
‫االنفعاالت وال تستبد بأفكارهم‪ ،‬وهم أي ًا قادرون على اخلرو من مـ اجهم‬
‫الس ــيء يف أس ــرع وق ــت ممك ــن‪ .‬باختص ــار‪ ،‬تس ــاعدهم عقالني ــتهم عل ــى إدارة‬
‫عواطفهم وانفعاالتهم"(االقتباس موجود عند‪ :‬يوملان‪ ،‬ص‪.)63‬‬

‫إذا نــان الــذناء اجلــواني ينصــب علــى معرفــة املــرء بذاتــه‪ ،‬فــإن الــذناء ب ـ‬
‫الشاصــي يتجــه – نمــا يع ّرفــه "هــوارد يــاردنر" – إىل اخلــار ‪ ،‬إىل األفــراد ا خــرين‪.‬‬
‫والق ــدرة املرن ي ــة –يف ه ــذا ال ــذناء – ه ــي الق ــدرة عل ــى مالح ــة التمييـ ـ ات بـ ـ‬
‫األشااص وممارستها‪ ،‬خصوصـًا ب أم جتهم وطبائعهم ودوافعهم ومقاصدهم"‪.‬‬
‫لقــد تطرقنــا يف فصــل "اإلدراك االجتمــاعي"‪ ،‬إىل إدراك املــرء لرخــرين‪ ،‬إال أن‬
‫الف ــارق بـ ـ ال ــذناء بـ ـ الشاص ــي واإلدراك االجتم ــاعي‪ ،‬ه ــو أن ال ــذناء جه ــد واع‬
‫مقصود يقوم به صاحبه ملعرفة دخائل ا خرين‪ ،‬حيث إن السـمة األساسـية لـ دراك هـو‬
‫أنه يتم –يف مع م األحيـان – عفـو اخلـاطر ومـن دون جهـد نقـدي‪ .‬وإذا نـان اإلنسـان‬
‫ــع يف اإلدراك االجتمــاعي جلملــة آليــات يــري واعيــة م ــل األولويــة وال انويــة‪ ،‬وأثــر‬
‫الس ــمة املفـ ــردة‪ ،‬والس ــمة املرن يـ ــة‪ ،‬والتنمـ ــي ‪ ،‬إىل آخ ــر مـ ــا يدرس ــه علمـ ــاء الـ ــنفس‬

‫‪- 215 -‬‬


‫أنت وأنا‬

‫ـ ــع حميطـ ــه‬ ‫االجتمـ ــاعي‪ ،‬فـ ــإن املـ ــرء إذ ـ ــارس ذنـ ــاء‪ .‬ب ـ ـ الشاصـ ــي فإمنـ ــا‬
‫االجتمــاعي للفحــص النقــدي املتــأني‪ ،‬ويــب ســلوناته التواصــلية علــى أســاس هــذا‬
‫الفحص‪.‬‬
‫كن أن مني يف الذناء ب الشاصي ثالثة مكونـات أساسـية هـي‪ :‬الفراسـة‪،‬‬
‫افصافة‪ ،‬والكياسة‪.‬‬
‫الفراســة‪ :‬وتشــمل الفراســة االجتماعيــة مجلــة قــدرات اســتداللية تــدور حــول‬ ‫‪- 5‬‬
‫استنباط ما يدور يف دخيلة ا خرين من خالل قرائن خارجية‪ .‬و كن تصنيف‬
‫هذ‪ .‬القدرات يف ثالي فئات‪:‬‬
‫الق ــدرة عل ــى إدراك املع ــاني اخلبيئ ــة وال ــدالالت البعي ــدة والتلميح ــات‬ ‫أ)‬
‫العابرة للرسائل اللف ية‪.‬‬
‫القدرة علـى اسـتنباط أفكـار ا خـرين ودوافعهـم وانفعـاالتهم مـن خـالل‬ ‫)‬
‫الرسائل اللف ية‪.‬‬
‫القدرة علـى اسـتنباط أفكـار ا خـرين ودوافعهـم وانفعـاالتهم مـن خـالل‬ ‫جـ)‬
‫القرائن يري اللف ية بأنواعها املاتلفة‪.‬‬
‫وتش ــري بع ــق الدراس ــات إىل أن النس ــاء يتم ــتعن بفراس ــة اجتماعي ــة أن ــر م ــن‬
‫الرجـال‪ ،‬فهــن –علــى ســبيل امل ــال – أقــدر علــى نشــف الكــذ مــن الرجــال‪ ،‬نمــا‬
‫ت إحـد الباح ـات –يف‬ ‫أنهن أن ر براعة يف قراءة القرائن يري اللف ية‪ .‬وقد‬
‫تفسري هذ‪ .‬الااعة – منحى تار يـا‪ .‬فهي تر أن املرأة عاشت عا العصور حتت‬
‫ســلطة الرجــل‪ ،‬لــذلك فقــد نانــت دومـًـا – تراقــب مالحمــه نــي تتعــرإ علــى‬
‫موقفه منها‪ ،‬ما دام هذا املوقف سيحدد مصريها‪ .‬وقـد أنسـبها هـذا دربـة يف هـذ‪.‬‬
‫القــدرة‪ ،‬علــى نقــيق الرجــل الــذي نــان ســك زمــام أمــور‪ .‬بيديــه‪ ،‬فلــم يكــن لــه‬
‫حاجــة مب ــل هــذ‪ .‬الفراســة‪ .‬وهــذا ال يعـ بطبيعــة افــال أن الرجــال ال يتمتعــون‬
‫بهـذ‪ .‬الفراســة‪ ،‬فبع ــهم تلكهــا إىل درجــة عاليـة‪ ،‬وبع ــهم ا خــر يفتقــر إليهــا‪.‬‬

‫‪- 216 -‬‬


‫مقدمة في مهارات التواصل اإلنساني‬

‫والنتيجة ال أشرنا إليها حول تفوق النساء علـى الرجـال يف هـذا هـي نتيجـة مت‬
‫التوصل إليها على أسس إحصائية‪ ،‬وليس على أسس مطلقة بطبيعة افال‪.‬‬
‫إن مـ ـنْ تل ــك م ـ ـل ه ــذ‪ .‬الفراس ــة يت ــيح لنفس ــه مص ــدرًا ثري ــًا للمعلوم ــات‬
‫عل ــه يتا ــذ قرارات ــه بش ــأن العالق ــات م ــع ا خ ــرين‬ ‫التواص ــلية الـ ـ س ــوإ‬
‫و مستنري ي من له حتقيق أهدافه‪.‬‬ ‫والتعامل معهم على‬
‫افصــافة‪ :‬إذا نانــت الفراســة فعــل إدراك اســتداللي مــن ال ــاهر إىل البــاطن‪،‬‬ ‫‪- 4‬‬
‫فــإن افصــافة فعــل تقــدير وموازنــة ومالءمــة‪ .‬إن افصــافة هــي واســطة عقــد‬
‫الذناء ب الشاصي‪ .‬فهل ينبغي – على سبيل امل ال – أن أقول هـذ‪ .‬العبـارة‬
‫يف هذا املوقف‪ ،‬أو أنـه مـن األف ـل أن احـتفْ بهـا لنفسـي ومـا أف ـل طريقـة‬
‫إلبــالا شــاص مع ـ خبــا مــا وهــل هــذ‪ .‬هــي اللح ــة املالئمــة لبــدء إعــادة‬
‫ترميم عالقة أم أنـه مـن األف ـل االنت ـار قلـيالً وهـل ينبغـي أن تسـتمر هـذ‪.‬‬
‫العالقة أو تنتهي وهل سي ري هذا التعليق الـذي تبـادر إىل ذهـ – إذا قلتـه –‬
‫أثرًا طيبـً ا‪ ،‬أم أنه سـي خذ علـى حممـل السـوء هـذ‪ .‬التسـاؤالت ونـ ري يريهـا‬
‫تعــا عــن مســألة افصــافة االجتماعيــة‪ ،‬وهــي يف مجلتهــا تــدور حــول مالءمــة‬
‫الفعــل التواصــلي بالنســبة ملـنْ يســتقبله‪ ،‬وللســياق الــذي يــدور فيــه‪ ،‬ولوهــداإ‬
‫الـ ينبغــي حتقيقهــا‪ .‬ويتطلــب افكــم التواصــلي افصــيف تقــديرات معقــدة‬
‫تأخذ نل هذ‪ .‬العناصر بع االعتبار‪.‬‬
‫‪ - 3‬الكياسة‪ :‬وهي حسن التصرإ التواصلي‪ ،‬والدماثة واللطف والتهذيب واالحرتام‬
‫لت هذ‪ .‬الكياسة يف سلوك لف ي رفيـع يتم ـل يف الشـكر أو االعتـذار أو‬ ‫وسواء‬
‫حســن توجيــه النقــد‪ ،‬أو يف ســلوك يــري لف ــي يعطــي انطباعــًا بال قــة وا بــة‬
‫واالحــرتام‪ ،‬فإنهــا تعتــا عطــر التواصــل مــن دون أن يعـ هــذا – بــأي صــورة مــن‬
‫الصــور – أنهــا حليــة ت يينيــة‪ .‬إن الكياســة أداة تواصــلية فعالــة‪ ،‬والعبــارة املســتقاة‬
‫من "العقد الفريد" وال بدأت هذا الكتا بها تشي ببالية بهذا املعنى املهم‪.‬‬

‫‪- 217 -‬‬


‫أنت وأنا‬

‫ويقصد بهذا الذناء علـى وجـه التحديـد مـا نانـت العـر تـدعو‪" .‬الباليـة"‪.‬‬
‫إن القدرة على اختيار املفـردات املالئمـة ذات الداللـة القويـة للتعـبري عـن موضـوع معـ‬
‫م ــن دون تفص ــيل ف ــفاض مم ــل‪ ،‬وم ــن دون ابتس ــار ال يعط ــي للمس ــتمع إال معلوم ــات‬
‫ضــئيلة جم ـ أة ال فائــدة منهــا‪ ،‬ي ــل نــواة الــذناء اللغــوي‪ .‬إن القــدرة علــى اســتادام‬
‫مفــردات ثريــة أنيقــة معــاة موحيــة‪ ،‬واســتعارات وتشــبيهات وجمــازات مالئمــة‪ ،‬وترتيــب‬
‫ــو منطقــي واضــح وبســي بالنســبة للمســتمع‪ ،‬وطــرح أســئلة‬ ‫الرســائل اللف يــة علــى‬
‫معــاة‪ ،‬واإلدالء بتعليقــات ذنيــة‪ ،‬نــل هــذا يعــا عــن الــذناء اللغــوي‪ .‬وختيــل مــد‬
‫تأثري شاص قادر على سرد افوادي وعـرض الق ـايا بأسـلو جـذا يشـد مَـ ْن حولـه‪،‬‬
‫وتصور مد قدرته على التأثري يف ا خرين‪ ،‬وعند ذلك تعـرإ قيمـة الـذناء اللغـوي‪.‬‬
‫والفصل الذي أفردنا‪ .‬للتواصل اللف ي هو يف افقيقة عـن الـذناء اللغـوي ومهاراتـه‬
‫املتنوعة‪.‬‬

‫يعــرإ "دانييــل يوملــان" الــذناء االنفعــالي علــى أنــه القــدرة علــى حــثِّ الــنفس‬
‫على االستمرار يف مواجهة اإلحباطات والتحكم يف النـ وات‪ ،‬وتأجيـل اإلحسـاس بإشـباع‬
‫النفس وإ رضـاءها‪ ،‬والقـدرة علـى تن ـيم حالـة املـرء النفسـية‪ ،‬ومنـع األسـى أو األ مـن‬
‫شلِّ القدرة على التفكري‪ ،‬والقدرة على التعاطف والشعور باألمل (يوملان‪ ،‬ص ‪.)11‬‬
‫إذا نــان هــذا هــو التعريــف العــام للــذناء االنفعــالي‪ ،‬فــإن مــا يهمنــا منــه هــو‬
‫عالقته املباشرة بالتواصل‪ ،‬أو ما كن أن نسميه الذناء االنفعالي يف التواصل‪.‬‬
‫س ــة مكونــات أساسي ــة تتصــل بافالــة االنفعاليــة‬ ‫يتجلــى هــذا الــذناء يف‬
‫للمرء – سواء بسـماته ال ابتـة أو باسـتجاباته املوقفيــة – ممـا يـ ثر يف أفعالـه وعالقاتـه‬
‫التواصلية وهذ‪ .‬املكونات هي‪:‬‬

‫‪- 218 -‬‬


‫مقدمة في مهارات التواصل اإلنساني‬

‫الروية‪ :‬وهي م يج من اهلدوء والتأني والتـدبر قبـل اإلقـدام علـى فعـل تواصـلي‬ ‫‪- 5‬‬
‫ما‪ .‬إن التفكري عملية بالغة السرعة‪ ،‬وعلى الريم من أن هلذ‪ .‬السـرعة فوائـدها‬
‫يف حل املشكالت الطارئـة‪ ،‬إال أن هلـا سـلبياتها أي ًـا‪ ،‬لـذلك فـإن الـرتوي يعـ‬
‫تهدئة سرعة الفكر وتقليب الن ر يف األفعـال التواصـلية املقبلـة سـواء أنانـت‬
‫ال‪ .‬ويصــعب علــى شــاص انــدفاعي متســرع أن يــرتو ‪،‬‬
‫ال أم نانــت اســتقبا ً‬
‫إرســا ً‬
‫لذلك فإن أخطاء‪ .‬التواصلية تكون ن رية‪.‬‬
‫افلــم‪ :‬وافلــم هــو القــدرة علــى ض ــب الــنفس عنــد الغ ــب‪ .‬والغ ــب ه ــو‬
‫القنبلــة املتفجــرة يف التواصــل‪ .‬وقــد انتهــت "تــايس" يف دراســتها إىل أن الغ ــب‬
‫هــو أســوأ م ــاهر افيــاة النفســية الـ يصــعب الســيطرة عليهــا‪ .‬والغ ـب هــو‬
‫أن ر هذ‪ .‬افاالت يواية وح ـا على العواطـف السـلبية‪ .‬ذلـك ألن املونولـو‬
‫الداخلي الذي حيث على الغ ب واملار أخالقيـا‪ ،‬و عقل الغاضب بالذرائع‬
‫املقنعــة ليصــب جــام ي ــبه‪ .‬والغ ــب لــيس م ــل اف ـ ن‪ ،‬ألنــه انفعــال يولــد‬
‫الطاقة والتنبه‪ .‬فالغ ب لديه قدرة على اإليواء وافف ‪ ،‬ورمبا نـان هـذا هـو‬
‫الس ــبب يف األفك ــار الش ــائعة عن ــه بأن ــه يص ــعب ال ــتحكم في ــه أو أن ــه ال ينبغ ــي‬
‫ن ــّمه‪ .‬بــل أن ــر مــن ذلــك‪ ،‬أن التنفي ــس بالغ ــب يطهــر الــنفس وهــو يف‬
‫مصلحة الغاضب(يوملان‪ ،‬ص ‪.)65‬‬
‫وافلــم كــن صــاحبه مــن القيــام بــاخلطوات التاليــة عنــد حــدوي ش ـيء ي ـ ري‬
‫ي به‪:‬‬
‫يشعر بسرعة أنـه ابتـدأ يغ ـب‪ ،‬إنـه يشـعر بـالتغريات النفسـية واجلسـمية‬ ‫‪-‬‬
‫ال تطرأ عليه‪ .‬ثم إنه يأخذ بالشعور بتصاعد هذا الغ ب‪.‬‬
‫يطل ــق افل ــيم آلي ــة مهدئ ــة تس ــتند إىل وعي ــه العمي ــق با ث ــار الس ــلبية‬ ‫‪-‬‬
‫للغ ب‪.‬‬

‫‪- 219 -‬‬


‫أنت وأنا‬

‫يأخــذ افلــيم – بســرعة – بتقليــب الن ــر يف أف ــل االســتجابات املمكنــة‬ ‫‪-‬‬
‫ملنع انفجار الغ ب‪ .‬نأن يغادر املكان – على سـبيل امل ـال – ‪ ،‬أو أن يبـدأ‬
‫عله أقل إثارة للغ ب‪.‬‬ ‫مبقاربة مصدر الغ ب بصور عقالنية‬
‫إن م ــا يس ــهل ممارس ــة "افل ــم" ه ــو مــ ا ه ــاد معت ــدل يعتم ــد عل ــى التأم ــل‬
‫والتدبر بأن ر مما يعتمد على االستجابات االنفعالية افادة‪.‬‬
‫التعاطف‪ :‬إذا نانت افصافة هـي واسـطة عقـد الـذناء بـ الشاصـي‪ ،‬فـإن‬ ‫‪- 4‬‬
‫التعــاطف واســطة عقــد الــذناء االنفعــالي‪ .‬ويقصــد بالتعــاطف قــدرتك علــى‬
‫الشعور مبشاعر ا خرين‪ ،‬ألـمـًا وفرحـًا وضيقـًا وإحباطـًا‪ ..‬إخل‪ .‬ويتفاوت الناس‬
‫يف هذ‪ .‬القدرة‪ ،‬نما يتفـاوتون يف يريهـا‪ .‬وقيمـة التعـاطف هـي يف قدرتـه علـى‬
‫زيادة فهمنا للناس إىل حد نبري‪ ،‬معرفي ـا وعاطفي ـا‪ .‬وتقويـة أواصـر العالقـات‬
‫ب ـ األفــراد‪ .‬بــل إن التعــاطف ســيكون املنبــع األساســي لف ــيلة أخالقيــة هــي‬
‫اإلي ار‪ .‬ان ر – على سبيل امل ال – إىل شاص ال حيسّ مبشاعر ا خرين‪ ،‬إنه‬
‫ير شاصـًا يتأ فال يتحرك يف داخله شيء‪ ،‬ويـر آخـر يفشـل فـال يشـعر إال‬
‫بالالمبــاالة‪ .‬مــن الســهل توقــع طبيعــة عالقــات هــذا الشــاص التواصــلية مــع‬
‫ا خرين‪.‬‬
‫البهج ــة‪ :‬والبهج ــة ه ــي نق ــيق االنتئ ــا ‪ .‬واالنتئ ــا ه ــو اض ــطرا نفس ــي‬ ‫‪- 3‬‬
‫يتجلــى يف ميــل شــديد للوحــدة‪ ،‬واخنفــاض تقــدير الــذات‪ ،‬وعــدم القــدرة علــى‬
‫االس ــتمتاع مبب ــاهج افيـ ـاة‪ ،‬وانع ــدام معن ــى افي ــاة للمكتئ ــب‪ ،‬وعن ــدما يبل ــغ‬
‫االنتئا أقصـى درجاتـه فقـد يف ـي إىل االنتحـار‪ .‬إن قيـام عالقـات تواصـلية‬
‫بناءة وممارسة الذناء االنفعالي إلقامتها ومحايتها واالستمتاع بهـا‪ ،‬تتطلـب‬
‫حالة من البهجة تغمر النفس‪ ،‬و عل املرء منفتحـًا على ا خرين‪.‬‬
‫الطمأنينــة‪ :‬والطمأنينــة نق ــيق القلــق‪ .‬والقلــق ه ــو اضــطرا نفســي يتم ــل يف‬ ‫‪- 1‬‬
‫حالة من التوتر وال يق من دون سبب معروإ‪ .‬ويصبح القَلِق شـديد العصـبية ال‬

‫‪- 201 -‬‬


‫مقدمة في مهارات التواصل اإلنساني‬

‫يعرإ االسـتقرار ممـا يـ ثر يف عالقاتـه التواصـلية إىل حـد نـبري‪ .‬ويـنعكس قلقـه‬
‫على سلونه اللف ي ويري اللف ي مما جيعل ا خرين يعاملو‪ .‬حبيطة وحذر‪.‬‬
‫ولعل ــه ك ــن الق ــول أن ال ــذناء االنفع ــالي ه ــو الص ــحة النفس ــية‪ ،‬وم ــن دون‬
‫خصائص هذ‪ .‬الصحة ومكوناتها يصعب االخنراط يف التواصل‪.‬‬

‫يامـًا نما عرإ الفالسفة اإلنسان خبصائصه الرئيسة الـ ييـ ‪ .‬عـن بقيـة‬
‫الكائنــات افيــة‪ ،‬فقــالوا إنــه نــائن عامـل‪ ،‬نــاطق‪ ،‬صــانع‪ ،‬العــب‪ ،‬اجتمــاعي‪ ..‬إخل‪ ،‬فقــد‬
‫عرفو‪ – .‬أي ـًا – بأنه نائن ضاحك‪ .‬وتكمن أبـرز قيمـة نفسـية لل ـحك يف ارتباطـه‬
‫بالفرح أو السرور‪ ،‬فرتا‪ – .‬لذلك – ينشـر حولـه أطيافـًا مـن البهجـة تسـري يف املواقـف‬
‫الـ حيــدي فيهــا‪ ،‬ويف النــاس الــذي حيــدي بيــنهم‪ ،‬ومــن مثــة يف أرجــاء عمليــة التواصــل‬
‫ذاتهــا‪ .‬و ــن نعــرإ أن اخلــاة الســارة تصــيب ب ــر مــن العــدو النفســية – أو نمــا‬
‫يف ل علماء النفس تسميتها‪ ،‬باالرتباط الشرطي – نـل مـا حيـي بهـا‪ ،‬فيغـدوا هـذا‬
‫الكل بدور‪ .‬م ريًا للسرور وباع ـًا على البهجة‪.‬‬
‫و عل ــى ال ــريم م ــن أن ال ــحك ق ــد ي ــنجم ع ــن الديدي ــة اجلس ــمية‪ ،‬أو ع ــن‬
‫استنشــاق يــاز يقــال لــه‪ :‬يــاز ال ــحك‪ ،‬أو عــن املــرور خبــاات إجيابيــة ســارة تقــوم علــى‬
‫إش ــباع ال ــدوافع املاتلف ــة‪ ،‬أو ت ــوافر التع يـ ـ ات عل ــى أنواعه ــا‪ ،‬إال أن االنب ــاق األص ــيل‬
‫واملتمي لسلوك ال حك‪ ،‬ال يكون إال عن الفكاهة‪ .‬والفكاهة تقوم على حادثة حمكيـة‬
‫أو مباشرة‪ ،‬لف ية أو إحيائية‪ ،‬تت ـمن – يف جوهرهـا – مفارقـة مـن نـوع خـاص‪ .‬وأقـول‬
‫تكــن مفجعــة‪ .‬دعونــا‬ ‫مــن نــوع خــاص‪ ،‬ألن بعــق املفارقــات كــن أن تكــون ح ينــة إن‬
‫ال – إىل افادثة التالية‪:‬‬
‫نن ر – م ً‬
‫" أرادت ماتيلــد نــرابرتي الصــبية البالغــة مــن العمــر أربعــة عشــر عامـًـا أن‬
‫تفاجئ أباها مبقلـب م ـحك‪ ،‬فاختبـأت يف دوال املالبـس نـي ختـر منـه‬

‫‪- 200 -‬‬


‫أنت وأنا‬

‫وه ــي تص ــيح "ب ــوو" يف اللح ــة الـ ـ يع ــود وال ــدها م ــن س ــهرة م ــع بع ــق‬
‫األصدقاء‪ .‬لكن "بوبي نرابرتي" وزوجته نان يعتقـدان أن "ماتيلـدا" خـار‬
‫املن ل عند أصحابها‪ ،‬ومن ثم فعندما رع األ أصواتًـا عنـد دخولـه املنـ ل‪،‬‬
‫ا ه إىل املكان الذي ي ع فيه مسدسه عيار (‪ ،)416‬متجهًا إىل حجرة ابنتـه‬
‫"ماتيلــدا" لي ــب املتســلل بداخلــها‪ .‬وعنــدما قفـ ت "ماتيلــدا" مــن الــدوال‬
‫تلعب مداعبة أباها هذرًا‪ ،‬أطلق "نـاربرتي" النـار‪ ،‬فأصـابها يف رقبتهـا‪ ،‬حيـث‬
‫فارقــت افي ـاة بعــد اثــن عشــر ســاعة مــن افــادي" (يوملــان‪ ،‬ص ‪ .)56‬هــذ‪.‬‬
‫مفارقــة م دوجــة مفجعــة‪ .‬فق ـد أرادت "ماتيلــدا" أن ت ـ ري البهجــة يف نفســها‬
‫ونفس أبويهـا‪ ،‬فتسـببت يف فجيعـة‪ ،‬وأراد والـدها أن حيمـي أسـرته فقتـل أحـد‬
‫أفرادها‪ .‬ولن جيد أحد – بطبيعة افال – يف هذ‪ .‬املفارقة ما ي حك‪.‬‬
‫املفارقــة ال ــاحكة – إذن – هــي مــن نــوع خــاص‪ .‬وتــنجم خصوصــيتها مــن أنهــا‬
‫ليسـت م ذيــة‪ ،‬وإذا نانــت نــذلك‪ ،‬فــإن األذ فيهـا يكــون خفيفــًا للغايــة‪ ،‬أو أنــه يكــون‬
‫ال برمته‪ ،‬أو أنه بعيد نل البعد عن سامع الفكاهة‪.‬‬
‫متاي ً‬
‫إال أنه إذا نانت آثار الفكاهة تتجلى يف ال حك‪ ،‬فإن أصوهلا أعمق مـن هـذا‬
‫بكـ ري‪ ،‬وقــد ال تكــون هــذ‪ .‬األصــول م ــحكة علــى اإلطــالق‪ .‬ذلــك أن الفكاهــة قــد تكــون‬
‫متنف سًــا لــدوافع مكبوتــة‪ ،‬نمــا يف الفكاهــة اجلنســية أو السياســية‪ ،‬وقــد تكــون مطيــة‬
‫لـدوافع وانفعـاالت عدوانيـة خبي ـة‪ ،‬م ـل الكراهيـة وافقـد والغـرية وافسـد‪ ،‬نمـا قــد‬
‫تكــون وســيلة إلثبــات القــوة والتفــوق‪ ،‬ونــل ذلــك مــن خــالل م هــر بــر هــو الفكاهــة‪،‬‬
‫نمــا تتجلــى يف التعــريق خبصــائص ا خــرين وقــدراتهم وإلاحــاتهم وع ــراتهم‪ ،‬بــل‬
‫ومصــائبهم مــن خــالل امل ـ اح‪ .‬وقــد حبــث علــم الــنفس التحليلــي بعمــق يف هــذ‪ .‬املكــامن‬
‫النفسية للفكاهة‪ ،‬وهي عمومـًا فكاهة قاية تصدر عن دوافع وانفعاالت نامنة‪ ،‬تنتمي‬
‫إىل اجلانــب ال ــعيف أو الشــرير أو يــري افســاس مــن الطبيعــة اإلنســانية‪ ،‬وهــي فكاهــة‬
‫خبي ة جيدر باإلنسان أن يتعاىل عنها نلية‪.‬‬

‫‪- 202 -‬‬


‫مقدمة في مهارات التواصل اإلنساني‬

‫لك ــن هن ــاك ضرب ــً ا آخ ــر م ــن الفكاه ــة ه ــو الفكاه ــة افمي ــدة‪ ،‬فكاه ــة تلي ــق‬
‫باإلنسان‪ ،‬وتصلح ألن تكون حلو فياتنا وحلية هلا‪ .‬وهذ‪ .‬الفكاهة هي الـ نقصـدها‬
‫عندما نتحدي عن الفكاهة يف التواصل‪ :‬فكاهـة مبدعـة‪ ،‬ذنيـة‪ ،‬إجيابيـة‪ ،‬تصـب يف نهـر‬
‫التواصل فت ريه و عل مياهه أن ر عذوبة وجاذبيـة وبريقـًا‪ .‬وهـذ‪ .‬الفكاهـة هـي الـ‬
‫تشـ ــكل واسـ ــطة عقـ ــد الـ ــذناء الفكـ ــاهي الـ ــذي سـ ــننتقل ا ن للتحـ ــدي عـ ــن ماهيتـ ــه‬
‫ومكوناته‪.‬‬

‫على الريم من أن تعريف "امل ـحك" مهمـة حتـدت الفالسـفة وعلمـاء الـنفس‬
‫عــا القــرون‪ ،‬ن ـرًا لتنوعــه وتعقيــد‪ .‬وتعــدد مســتوياته‪ ،‬ون ـرًا ألن تشــريح امل ــحك‬
‫ال حبد ذاتـه – وهنـاك عـدة‬
‫سيكولوجيـا واجتماعيـا وفسيولوجيـا يتطلب نتابـًا مستق ً‬
‫نتب يف هذا ا ال – فإن يف وسعنا أن نعـرإ الـذناء الفكـاهي – أليراضـنا اخلاصـة‬
‫هنا – على أنه مجلة القـدرات الـ يكـن املـرء مـن إدراك املفارقـة ال ـاحكة وصـناعتها‬
‫وســردها‪ .‬ويتفــاوت النــاس – نمــا نعــرإ – يف مــد امــتالنهم هلــذا الــذناء‪ .‬نمــا‬
‫يتفاوتون يف يتعهم بالذناءات األخر ‪.‬‬
‫والــذناء الفكــاهي التواصــلي هــو ذنــاء عقلــي ســياقي‪ .‬ومــن حيــث هــو ذنــاء‬
‫عقلي فإنـه يتم ـل يف مجلـة عمليـات عقليـة م ـل القـدرة علـى إدراك املفارقـات واملقارنـة‬
‫والتشــبيهات وا ــازات واملعــاني‪ .‬وهــو ذنــاء جيــد جمالــه افــي يف ســياق بعينــه‪ ،‬يُعمــل‬
‫نفســه في ــه‪ ،‬فه ــو ي ــدرك املفارق ــة يف ه ــذا الس ــياق‪ .‬وتص ــدر مقوم ــات ال ــذناء الفك ــاهي‬
‫التواصلي من هات الصفت األساسيت ‪ :‬التعقل والسياق‪ ،‬على النحو التالي‪:‬‬
‫ســرعة البديهــة‪ :‬ملــا نــان الــذناء الفكــاهي سياقيــا‪ ،‬أي إنــه يــرتب بســياق معـ‬ ‫‪- 5‬‬
‫يشــكل ا ــال افيــوي للفكاهــة التواصــلية‪ ،‬وملــا نانــت الســياقات تــتغري وتتحــول‬
‫بســرعة‪ ،‬فــال بــد لصــاحب الــذناء الفكــاهي مــن إدراك املفارقــة ال ــاحكة بســرعة‬

‫‪- 203 -‬‬


‫أنت وأنا‬

‫قبل أن ينق ي السياق‪ ،‬وتفقد الفكاهة جماهلا ومناسبتها‪ .‬وهذا ما جيعل سرعة‬
‫البديهة مهمة للذناء الفكاهي‪ .‬إن سرعة البديهة – ببساطة – هي سرعة إدراك‬
‫املفارقة واست مارها يف املوقف التواصلي قبل انتهاء هذا املوقف‪.‬‬
‫القدرة اإلبداعية‪ :‬النكتة فعل إبداعي أصيل‪ .‬وال أقصد بهـذا النكتـة الـ يسـردها‬ ‫‪- 4‬‬
‫الشــاص بعــد أن يســمعها مــن آخــر‪ ،‬ولكــن املقصــود هــو القــدرة علــى إدراك املوقــف‬
‫ال احك وصناعة الفكاهة امل حكة‪ .‬إن نل نكتة تتألف مـن قسـم رئيسـي ‪:‬‬
‫القسم األول يبدأ بعرض عادي يتحدي عن شـاص أو موقـف يكـون مألوفًـا عـادة‪،‬‬
‫وال ينبــئ بش ـيء عــن نهايتــه‪ .‬أمــا القســم ال ــاني فهــو القســم اإلبــداعي حقـ ـا‪ ،‬إنــه‬
‫و مفارقة م حكة‪ .‬إن صناعة النكتة تشبه‬ ‫ينحرإ عن املألوإ واملتوقع ويتجه‬
‫ن م الشعر أو نتابة القصة أو القصيدة‪ ،‬إن فيها جـدة وأصـالة جيعالنهـا تنتمـي‬
‫إىل عــا اإلبــداع حبــق‪ .‬لــذلك نــان الشــاص الــذي يتمتــع بــذناء فكــاهي "‬
‫مبدعًـا " بهذا املعنى‪.‬‬
‫حــس املــرح‪ :‬كــن الن ــر إىل هــذا املكــون مــن مكونــات الــذناء الفكــاهي علــى أنــه‬ ‫‪- 4‬‬
‫البعد االنفعالي هلذا الذناء‪ .‬وجيعل هذا البعد صاحبه أن ـر مـيالً لالسـتمتاع‬
‫بالفكاهة وال حك‪ ،‬وأن ر بعدًا عن الغرق يف جلة االنتئا والتشـاؤم‪ .‬و كـن‬
‫اوز مواقف التوتر والن اع‪ ،‬وامليـل أن ـر إىل نشـر أجـواء‬ ‫هذا افس صاحبه من‬
‫وديـة حــوهلم‪ .‬ولــيس يري ًبــا أن تشــري األدبيـات الـ تبحــث يف ســيكولوجية اإلبــداع‬
‫إىل أن حس املرح هو أحد اخلصائص ال يتمتع بها املبدعون‪.‬‬
‫قد تشـكل هـذ‪ .‬اخلصـائص الـ الي‪ :‬سـرعة البديهـة‪ ،‬والقـدرة اإلبداعيـة‪ ،‬وحـس‬
‫امل ــرح‪ ،‬املكون ــات املرن ي ــة لل ــذناء الفك ــاهي‪ .‬إال أن عم ــل ه ــذ‪ .‬املكون ــات واخلص ــائص‬
‫يس ــتل م دعمً ــا ورعاي ــة م ــن بقي ــة أن ــواع ال ــذناء التواص ــلي‪ .‬إذ أن الفكاه ــة التواص ــلية‬
‫ال – ذناءً جوانيًا‪ ،‬جيعل املرء واعيـًا للدوافع ال تكمن وراء فكاهته‪ ،‬وهذا‬
‫تتطلب – أو ً‬
‫كنه من ضب الدوافع السوداء لديه ومنعها من تشجيع العقل على إنتا فكاهة من‬

‫‪- 204 -‬‬


‫مقدمة في مهارات التواصل اإلنساني‬

‫الل ــون ذات ــه‪ .‬وال ــذناء اجل ــواني أي ً ــا جيع ــل امل ــرء ق ــادرًا عل ــى إدراك بع ــق النق ــائص‬
‫و كنه من أن ي حك علـى نفسـه يف بعـق األحيـان ولكـن مـن‬ ‫اإلنسانية فيه على‬
‫دون إفراط‪ ،‬وهو أمر يعلم اإلنسان التواضع أي ـًا‪ ،‬وجيعله يقـيم مـع نفسـه عالقـة وديـة‬
‫مرحــة تســهم يف بنــاء صــحته النفســية‪ .‬نمــا تتطلــب الفكاهــة –ثانيــًا – ذنــا ًء ب ـ‬
‫شاصــي‪ .‬فهــو ــنح الــذناء الفكــاهي بصــرية مــن خــالل إدراك اســتجابات ا خــرين‬
‫للفكاهة‪ ،‬ومن خالل إطالقهم للفكاهة أي ًـا‪ ،‬حبيـث يتعـرإ املـرء علـى دوافـع ا خـرين‬
‫و يقدم تغذية راجعة مثينة‪ .‬أما الذناء اللغوي – ثال ـًا – فيكاد‬ ‫وردود أفعاهلم على‬
‫أن يكــون مــن مكونــات الــذناء الفكــاهي ذاتــه‪ .‬ذلــك أن مع ــم الفكاهــة يــتم بوســاطة‬
‫اللغة‪ ،‬بل إن ن ريًا مـن الفكاهـة يسـتادم اللغـة ذاتهـا مـادة للفكاهـة‪ .‬إن ثـراء املفـردات‬
‫والطالقة اللف ية‪ ،‬يدعمان الذناء الفكاهي أي ًا‪ .‬ويلعب الذناء العـاطفي – رابعـًا‬
‫– دورًا مهمـًا‪ ،‬سواء من حيث توفري البعد االنفعالي للـذناء الفكـاهي وهـو حـس املـرح‪،‬‬
‫ال‬
‫عــل اإلنســان أن ــر تفــاؤ ً‬ ‫أو مــن حيــث تــوفري أرضــية مســتقرة مــن الصــحة النفســية‬
‫واستمتاعـًا بالفكاهة‪ .‬وال ننسى بطبيعة افـال أن التعـاطف كـن املـرء مـن اإلحسـاس‬
‫ـ ــو يسـ ــهم يف بنـ ــاء العالقـ ــات‬ ‫مبشـ ــاعر ا خـ ــرين‪ ،‬فيوجـ ــه فكاهتـ ــه يف ضـ ــوئها علـ ــى‬
‫التواصلية ال يف هدمها‪ .‬أما الذناء االستداللي – خامسًا – فهو الذي كن املـرء مـن‬
‫إجراء حمانمات عقلية فكاهية‪ .‬واالستدالل مقرونًا باإلبداع هو الـذي يـ ري اإلعجـا‬
‫بالفكاهة العقلية ويعطي انطباعًا قويًا بذناء صاحبها‪.‬‬

‫حتقق الفكاهة الناجحة يف التواصل عدة وظائف إجيابية‪ ،‬منها‪:‬‬


‫لت هـذ‪.‬‬ ‫إشاعة السرور‪ :‬ت ري الفكاهة الناجحة مشاعر إجيابية مريوبة‪ .‬وسواء‬ ‫‪- 5‬‬
‫سـا بالسـرور‬
‫املشاعر يف ابتسامات هادئة‪ ،‬أو يف قهقهات جملجلـة‪ ،‬فإنهـا تبـث إحسا ً‬
‫ينتقــل – نمــا ذنرنــا سابقـًـا – إىل الســياق الــذي حتــدي فيــه‪ ،‬فت يــد مــن متعــة‬
‫التواصل وتيسر حتقيق أيراضه‪.‬‬

‫‪- 205 -‬‬


‫أنت وأنا‬

‫حتريك اخليـال‪ :‬والفكاهـة العقليـة املبدعـة تـ ري اخليـال‪ ،‬وتنشـ ملكـات العقـل‬ ‫‪- 4‬‬
‫العليــا‪ ،‬فيــنعكس هــذا علــى الســياق التواصــلي‪ ،‬فريفــع مــن ســويته‪ ،‬ويرتقــي بــه إىل‬
‫مراتب عقلية رفيعة‪.‬‬
‫فف مـن‬ ‫معاجلة املشكالت يف جو مقبول‪ :‬إن إبراز جانب ضاحك يف مشكلة ما‬ ‫‪- 4‬‬
‫وطأتها ومن حجمها‪ ،‬وقـد يبـدو حلـها – عندئـذ – أسـهل مـن ذي قبـل‪ .‬بـل إن هـذا‬
‫قد جيعل املشـكلة ذاتهـا تتبـدد عنـدما ال يعـود هلـا الـوزن الـذي نـان ي نـه الـذين‬
‫يعانون منها سابقًـا‪.‬‬
‫زيادة جاذبية املتواصل‪ :‬لك صاحب الذناء الفكاهي جاذبية أن ر مـن يـري‪..‬‬ ‫‪- 3‬‬
‫فهو من جهة يشيع السرور فيمنْ حوله‪ ،‬فتقرتن شاصيته بهذا السـرور فتكتسـب‬
‫جاذبيـة أن ــر يف عيـون ا خــرين‪ .‬ثــم إن النكتـة العقليــة اللماحـة عنــدما تــأتي يف‬
‫مكانها وزمانها فإنها تكشف عن ذناء صاحبها‪ ،‬فت داد جاذبيته بالنسبة لنا‪.‬‬
‫ختفيف التوتر‪ :‬من الطبيعي أن ختفف الفكاهة الناجحة مـن التـوتر النـاجم عـن‬ ‫‪- 1‬‬
‫اإلحبــاط والغ ــب والن ـ اع‪ .‬إذ إن الســرور الــذي تســت ري‪ .‬هــذ‪ .‬الفكاهــة‪ ،‬كــن أن‬
‫فف إىل حد نبري من هذ‪ .‬املشاعر السلبية‪.‬‬
‫تسهيل التعلم‪ :‬إن الفكاهة الذنيـة الراقيـة ا سـوبة يف فصـل دراسـي تبـدد امللـل‬ ‫‪- 7‬‬
‫س املـرح هـو‬
‫و التعلـّم‪ .‬وتشري ن ري من الدراسات إىل أن حـ ّ‬ ‫وحتسن اال اهات‬
‫أحد خصائص املعلم اجليد‪.‬‬
‫زي ــادة األلف ــة‪ :‬تب ــدي الفكاه ــة شيئ ـًـا م ــن األج ــواء الرري ــة‪ ،‬وتق ــر الن ــاس م ــن‬ ‫‪- 6‬‬
‫بع ــهم‪ ،‬وختفــف مــن حتف هــم‪ ،‬فت يــد األلفــة واملــودة بيــنهم‪ ،‬و عــل العالقــات‬
‫أن ر بساطة ودفئًا‪.‬‬

‫تنش ـأ م ال ــق الفكاه ــة مــن مص ــدرين رئيس ـ ‪ :‬األول ه ــو ال ــدوافع الــ تكم ــن‬
‫وراءهـا‪ ،‬وال انيــة مــن ييــا الــذناء وافصـافة عنهــا‪ .‬ويتجلــى املصــدر األول يف إطــالق‬

‫‪- 206 -‬‬


‫مقدمة في مهارات التواصل اإلنساني‬

‫العنــان للفكاهــة العدوانيــة اهلجوميــة‪ ،‬وهــو أمــر يســمم العالقــات ويفســدها يف نهاي ــة‬
‫األمر‪ .‬أما املصدر ال اني فيتجلى يف امل الق التالية‪:‬‬
‫الته ــريج‪ :‬وه ــو االخن ــراط يف حماول ــة متص ــلة إلض ــحاك ا خ ــرين – م ــن دون‬ ‫‪- 5‬‬
‫مناس ــبة – بوس ــائل لف ي ــة وي ــري لف ي ــة م ــن دون مراع ــاة لنوعي ــة الفكاه ــة‬
‫ومستواها‪ .‬وإذا نان من املمكن فهم هذا السلوك يف مسرحية نوميدية –من‬
‫دون املوافقة عليه بال رورة طبعـًا – أو االستمتاع به أحيانـًا يف السريك عنـدما‬
‫يقوم به حمرتفون يف سياق ترفيهي‪ ،‬فإنه ليس مقبـوالً علـى اإلطـالق يف وسـ‬
‫اجتمــاعي تواصــلي عــادي‪ .‬إذ باإلضــافة إىل أن َم ـ ْن يقــع يف م لــق التهــريج قــد‬
‫يســئ إىل ا خــرين‪ ،‬فإنــه ســيعطي انطباعًــا سيئــًا عــن ذاتــه‪ .‬واألرجــح أن هــذا‬
‫السلوك ينجم عن حاجة عميقة السرتضاء ا خرين وافصول على إعجـابهم‬
‫ب ــأي مث ــن‪ .‬واملش ــكلة يف أن الـ ـ من س ــيكون باه ــًا يدفع ــه امله ــر م ــن ص ــورته‬
‫اإلجيابية ب الناس‪.‬‬
‫السردية‪ :‬تسيطر على بعق الناس عادة سرد النكات بصورة مستمرة‪ ،‬مبناسـبة‬ ‫‪- 4‬‬
‫ويري مناسبة‪ .‬وعلى الريم مـن أن الشـاص الـذي ـارس هـذ‪ .‬العـادة تلـك‬
‫ذانــرة فكاهيــة كـن أن تســهم إذا اســتادمت بفطنــة يف ذنائــه الفكــاهي‪ ،‬إال‬
‫أنهــا – يف ن ـ ري مــن األحيــان – تعطــي انطباعــًا سلبيـ ـا عــن الشــاص لعــدة‬
‫ال – ال يبدع الفكاهة‪ ،‬ثم إنه –ثانيـًا – ال يراعي السيــاق‪ ،‬وهـو‬
‫أسبا ‪ .‬فهو – أو ً‬
‫– ثال ـًا – حتت وطأة عادته قد ينـدفع إىل سـرد نكـات يـري مالئمـة‪ ،‬ونـل هـذ‪.‬‬
‫أمور تسئ له شاصيـا‪.‬‬
‫السماجة‪ :‬تتوقف براعة النكتة وقدرتها على إثـارة ال ـحك علـى عـدة عوامـل‬ ‫‪- 4‬‬
‫تتصــل بصــاحبها والســياق الــذي تلقــى فيــه‪ ،‬والــذين يســتمعون هلــا‪ ،‬باإلضــافة‬
‫تراع الفكاهة نل هذ‪ .‬العناصر بعناية فقـد‬ ‫بطبيعة افال إىل بنيتها‪ .‬فإذا‬

‫‪- 207 -‬‬


‫أنت وأنا‬

‫تكــون رجــة ثقيلــة ال ــل‪ ،‬بــل إنهــا قــد تعطــي انطباعًــا – أي ًــا – بــأن قائلــها‬
‫ثقيل ال ل أي ـًا‪.‬‬
‫التكرار‪ :‬اخلاصية الرئيسة للعمل اإلبداعي جدته‪ .‬فإذا افتقـدت اجلـدة مـا عـاد‬ ‫‪- 3‬‬
‫إبداعيـ ـا‪ .‬وق ــد قلــت إن الفكاه ــة فع ــل إبــداعي‪ ،‬ب ــل إن قــدرتها عل ــى اإلض ــحاك‬
‫مرتب اـدتها‪ ،‬فـإذا راح صـاحبها يكررهـا‪ ،‬فإنهـا تفقـد هـذ‪ .‬القـدرة‪ ،‬بـل وتـ ري‬
‫مشاعر سلمية معانسة‪.‬‬
‫عــدم املالءمــة‪ :‬إن مالءمــة النكتــة للســياق وللمســتمع‪ ،‬ومراعاتهــا للاصــائص‬ ‫‪- 1‬‬
‫البنيويــة ال ـ تشــكل الفكاهــة‪ ،‬يعتــا شرطــًا ضروريـ ـا لنجاحهــا‪ .‬إن نكتــة يــري‬
‫مالئمة للمستمع سوإ تعتـا عدوانيـة أو رجـة‪ ،‬ونكتـة يـري مالئمـة للسـياق‬
‫ولبنيــة النكتــة قــد تعتــا تهرجيــًا‪ ،‬نمــا أن نكتــة ال تالئــم املعــايري األخالقيــة‬
‫واالجتماعية السائدة يف السياق‪ ،‬سوإ تعتا خرقـًا لقواعد األد واللياقة‪.‬‬
‫وأخ ـريًا‪ ،‬ف مــة صــفات أخــر ت ــاإ إىل هــذ‪ .‬الــذناءات املاتلفــة فت يــد مــن‬
‫فاعليتها‪ ،‬وتيسر مهمة الذناء التواصلي‪ ،‬م ـل اجلاذبيـة الشاصـية للمرسـل‪ ،‬ويتعـه‬
‫ببعق اخلصائص النفسية واألخالقية‪ ،‬م ل املصداقية والكرم واإلي ار‪ ،‬ويري ذلك من‬
‫الصــفات – ال ـ ســبق وأشــرنا إليهــا – وال ـ ت يــد مــن ثقتنــا بالنــاس‪ ،‬و عــل تلقينــا‬
‫لرسائلهم التواصلية أن ر ترحيبًا وتصديقـًا‪.‬‬
‫يتفـ ــاوت النـ ــاس يف يـ ــتعهم بالـ ــذناء التواصـ ــلي مبقـ ــدار مـ ــا يكـ ــون امل ـ ـ يج‬
‫الكيماوي النفسي لكل هـذ‪ .‬العناصـر الـ ذنرناهـا‪ ،‬م جيًـا متوازنًـا وناجحًـا‪ ،‬فـإذا زاد‬
‫عنصر منها أو قل مقدار‪ .‬يف امل يج‪ ،‬شحب الذناء التواصلي‪ ،‬ومبقـدار مـا يكـون املـ يج‬
‫ينيًـا‪ ،‬وحيًا‪ ،‬مبقدار ما يتألق هذا الذناء‪ ،‬وحيقق الوظائف املتوخاة منه‪.‬‬

‫‪- 208 -‬‬


‫مقدمة في مهارات التواصل اإلنساني‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫لعلــه مــا مــن جمــال مــن جمــاالت افيــاة اإلنســانية إال وتطــرح ق ــية األخــالق‬
‫في ــه‪ ،‬وتـ ـ ري أس ــئلة ش ــتى‪ .‬فق ــد دار ج ــدل طوي ــل ع ــن عالق ــة األخ ــالق ب ــالفن‪ ،‬والعل ــم‪،‬‬
‫والسياسة‪ ،‬والتجارة‪ ،‬والرياضة‪ ..‬اخل‪ .‬وعلة إفاح هذا اهلاجس األخالقي‪ ،‬يف نـل هـذ‪.‬‬
‫امليادين‪ ،‬واضحة بينة ‪ :‬إن األخـالق هـي ضـمانة اسـتمرار افيـاة االجتماعيـة اإلنسـانية‪،‬‬
‫وضمانة حماف ة هذ‪ .‬امليادين على ذاتها‪ ،‬بل وعلى اإلنسان أي ـًا‪.‬‬
‫ف ــإذا ب ــدأنا ب ــالفن – عل ــى س ــبيل امل ــال– فإنن ــا إل ــد‪ .‬ق ــد ي ــدا‪ ،‬إذا انس ــحبت‬
‫ال من أن يكون تعـبريًا عـن أرقـى مـا‬
‫ال مفتوحـًا لكل من هب ود ‪ .‬وبد ً‬
‫األخالق منه‪ ،‬ابتذا ً‬

‫‪- 209 -‬‬


‫أنت وأنا‬

‫يف اإلنسان من ختيل ومجالية وفرح‪ ،‬فإنـه سـيغدو ف حـًا ملـا هـو أدنـى فيـه‪ .‬أمـا إذا وقـع‬
‫الطالق ب العلـم واألخـالق‪ ،‬فـإن الشـيطان سـيدخل إىل عقـل العـا وخمتـا‪ .‬ليبـدع‬
‫آالت الدمار إرضا ًء لن عات القوة واألنانيـة والعـدوان لديـه‪ ،‬أو ليعبـث بالكـائن اإلنسـاني‬
‫تلبيــة خليــال مــريق جــامح‪ .‬ويف نلتــا افــالت ســريتد العلــم علــى العــا – يامــًا‬
‫نمــا يرتــد الســحر علــى الســاحر – فيق ــي عليــه‪ ،‬وعلــى أرواح إنســانية ن ـ رية‪ .‬ومــا‬
‫التفن ن يف صناعة األسلحة الفتانـة الـ نراهـا‪ ،‬وهـواجس العبـث الشـريرة باجلينـات‪،‬‬
‫إال بع ً ــا م ــن ه ــذ‪ .‬الوسوس ــة الـ ـ س ــتتحول إىل ص ــياح يص ــم ا ذان – وق ــد حتول ــت‬
‫تتدخل األخالق لرتسـم األطـر واملعـايري واألهـداإ‪.‬‬ ‫األسلحة إىل ذلك بالفعل – ما‬
‫وقل الشيء ذاته عن السياسة‪ .‬فقد شاع أن السياسة واألخـالق متمانعـان‪ ،‬وأنـه إذا دخـل‬
‫أح ــدهما م ــن الب ــا ‪ ،‬فس ــرعان م ــا س ــيار ا خ ــر م ــن الناف ــذة‪ ،‬ألن للسياس ــة منطق ــًا‬
‫ال – حق ـا –‬
‫حتكمه املصلحة والسلطة واملناورة‪ .‬ولكن إذا نـان منطـق السياسـة منفصـ ً‬
‫عــن منطــق األخــالق‪ ،‬فهــذا يعـ أننــا ســنعيش يف يابــة مــو بــالوحوش املفرتســة الـ‬
‫يلــتهم أقواهــا أضــعفها‪ .‬وإذا نــان هنــاك يف العــا ألــف ســبب وســبب ي نــد لنــا هــذ‪.‬‬
‫املقولــة الوحشــية‪ ،‬فــإن علــة ذلــك هــو ييــا األخــالق عــن السياســة‪ ،‬ولــيس اســتحالة‬
‫اجلم ــع بــ امل ــنطق – منط ــق األخ ــالق ومنط ــق السياس ــة‪ .‬ذل ــك أن ش ــبق الس ــلطة‬
‫والتس ــل يري ــد أن يفص ــل سياس ــة عل ــى ه ــوا‪ .‬يـ ـ عم أن هل ــا منطق ــًا طبيعي ـ ـا جي ــايف‬
‫األخالق‪ .‬ويالبـًا ما يكون م ل هذا السياسي أبـرز ضـحايا منطقـه امل عـوم‪ .‬فـإذا انتقلنـا‬
‫إىل جمال التجارة‪ ،‬وجدنا من يرو أنها شطارة‪ ،‬وأن الكذ فيها فهلوة وضرورة ال تكون‬
‫إال بهما‪ .‬ونمـا يف السياسـة‪ ،‬فـإن املـروج مل ـل هـذ‪ .‬الرؤيـة حيـاولون القـول‪:‬إن الكـذ‬
‫هــو ج ـ ء ال يتج ـ أ مــن منطــق التجــارة‪ ،‬وهــم يهــدفون – مــن وراء ذلــك – إىل إس ــباا‬
‫الشــرعية علــى هــذا املنطــق‪ ،‬وجعلــه متطلبــًا عاديــًا مــن متطلبــات هــذ‪ .‬املهنــة‪ ،‬ولــيس‬
‫نقيصة ورذيلة‪ ،‬من دون أن يعرفوا – ولعلهم يعرفـون– أنهـم بهـذا ال جيعلـون بـ الـربح‬

‫‪- 221 -‬‬


‫مقدمة في مهارات التواصل اإلنساني‬

‫والسرقة إال خيطـًا واهيـًا تبـدو خيـوط العنكبـوت أمامـه أمراسـًا يلي ـة مفتولـة‪ ،‬ولكـن‬
‫حاشا هلل أن تكون مهنة‪ ،‬رأ فيها الرسول (‪ )‬تسعة أعشار الرزق‪ ،‬على هذا النحو‪.‬‬
‫فــإذا أتينــا إىل الرياضــة‪ ،‬وجــدنا نــل مهــتم جــاد بهــا ي نــد أهميــة األخــالق‬
‫الرياضية‪ .‬إن اخلداع والكذ والقسوة‪ ،‬سواء تبـدت يف تعـاطي املنشـطات‪ ،‬أو يف حماولـة‬
‫خداع افكام‪ ،‬أو يف حتويل املباريات اجلميلة إىل معارك حربية‪ ،‬أو يف انتقال اجلمـاهري‬
‫مـن التشــجيع افماســي الفــرح‪ ،‬إىل مهرجـان للبــذاءة والعدوانيــة والتاريــب‪ .‬أقــول‪ :‬إن‬
‫ال– مــن مكانتهــا الرفيعــة إىل أصــوهلا‬
‫نــل هــذا‪ ،‬يق ــي علــى الرياضــة ويعيــدها –ن ـ و ً‬
‫العد وانيـة الفجـة املهلكـة‪ ،‬بعــد نـل مـا بذلتـه وهــي تتسـلق معـار اإلعـالء أو التســامي‪،‬‬
‫حسب رأي فرويد‪.‬‬
‫وبعبارة خمتصرة‪ ،‬فإن األخالق هي ضمانة افياة اإلنسـانية‪ ،‬وعلينـا أال نـدخر‬
‫وسع ــًا يف تأني ــد ا ت ــو األخالق ــي للنش ــاط اإلنس ــاني‪ ،‬وال يف الس ــعي إىل ب ــث روح‬
‫األخالق وقيمها وممارساتها يف نل سلوننا‪.‬‬
‫ليس التواصل است نا ًء من نل هذا‪ ،‬بل لعله يأتي يف مطلعه وعلى قمته‪ .‬وهو‬
‫جيد – نما يف ا ـاالت األخـر – مـن يشـكك يف أخالقيتـه‪ ،‬ويتسـاءل‪ :‬أليسـت دراسـة‬
‫ال– وسـائل تسـهل علـى هـذا‬
‫املرء لقواعد التواصل‪ ،‬وتدربه على مهاراتـه وفنونـه هـي –أو ً‬
‫املتدر خداع ا خرين مبعسول الكالم‪ ،‬ويقلب افقـائق لتحقيـق أيراضـه اخلاصـة أو‬
‫ال نكون – بتعليم مهارات التواصل– قد وفرنا للكذ واخلداع والتالعـب أساسـًا علمي ـا‬
‫وأناد ي ـا‪ ،‬ومنحنـا هــذ‪ .‬اخلصـائص الســلبية شـهادة جـدارة‪ ،‬بعــد أن جردتهـا األخــالق‬
‫من نل شـهادة ثـم أال تسـعى دراسـة مهـارات التواصـل – فيمـا تسـعى إليـه– ثانيـًا إىل‬
‫تعليم املرء ضب الـنفس عنـد الغ ـب‪ ،‬وهـو أمـر قـد يعـ ختلينـا عـن خصـائص طاملـا‬
‫أعلى تراثنا من شـأنها‪ ،‬م ـل افميـة والناـوة والكرامـة‪ ،‬وجيعلنـا نطـأطئ رؤوسـنا أمـام‬
‫ــي أبعــد مــن هــذا‪ ،‬فيجعلنــا نــرتك األذ يلحــق بالشــرإ‬ ‫اإلهانــة بــل لعــل األمــر‬

‫‪- 220 -‬‬


‫أنت وأنا‬

‫الرفيع من دون أن تراق على جوانبه نقطة دم واحدة‪ ،‬بل رمبا نقطـة مـاء واحـدة ونـل‬
‫ذل ــك إنرا ًمـ ــا ملهـ ــارات التواصـ ــل‪ ،‬وسعيـ ــا للتـ ــبجح بامتالننـ ــا للـ ــذناء العـ ــاطفي‬
‫خصوصًا والتواصل عمومـًا‪ .‬وبعبـارة واحـدة‪ ،‬ألسـنا خنبـئ – باسـتادام هـذ‪ .‬املهـارات –‬
‫ضعفنا وعج نا عن الرد املباشر على اإلهانة‬
‫ليس هناك ما هو أبعد عن افقيقة من هذا‪ ،‬فليست الااعـة التواصـلية يش ـا‬
‫وخداعـًا‪ ،‬وليس افلم واملداراة ضعفـًا وختـاذالً‪ ،‬ولكـن مـا يـ ين لنـا هـذا االعتقـاد أمـران‬
‫اثن ــان‪ :‬األول‪ :‬ه ــو ذل ــك التج ــاور –ب ــل االتص ــال اجل ــدلي – بــ الق ــيم‪ ،‬حبي ــث يــ دي‬
‫اإلفراط أو التفري يف أحدها إىل االنقال إىل ضـدها‪ .‬وقـد نـان "أرسـطو" يعتقـد أن‬
‫الف ـيلة وسـ بـ رذيلــت ‪ .‬فال نـاء املنصـف املالئـم علــى شـاص معـ ف ـيلة‪ ،‬فــإذا‬
‫بالغن ــا يف ذل ــك‪ ،‬فإنن ــا س ــننتقل إىل قيم ــة س ــلبية ه ــي املداهن ــة أو الري ــاء أو النف ــاق‪.‬‬
‫ونــذلك – يف املقابــل – فإننــا إذا حجبنــا هــذا ال نــاء ع ّم ـ ْن يســتحقه فإننــا نكــون قــد‬
‫انتقلنــا إىل قيمــة ســلبية هــي العدوانيــة أو إنكــار ف ــل ا خــرين‪ .‬لــذلك فــإن املــرء قــد‬
‫طئ فيال ب املداراة ا مودة والكذ الذميم‪ ،‬ألن نهاية األوىل تكاد أن تقع على‬
‫ختوم بداية ال اني‪ .‬وقل األمـر ذاتـه عـن إمكانيـة اخللـ بـ الصـدق افميـد والصـدق‬
‫الفج‪ ،‬وب تونيد الذات والعدوانية‪ ،‬وب التواضع وتصغري الذات‪ ،‬وب حسِّ الفكاهة‬
‫اللطيف والتهريج املمجو ‪ .‬أي أن املشكلة تكمن هنا يف عج املرء – رمبـا حبسـن نيـة –‬
‫عن التميي ب نهاية سلوك إجيابي وبداية سلوك سل ‪ ،‬وحتديد النقطة الـ ينتهـي‬
‫األول عنــدها ليبــدأ ال ــاني‪ .‬فــإذا فشــل املــرء يف رســم هــذ‪ .‬افــدود‪ ،‬يــدت القــيم الســلبية‬
‫واإلجيابية بالنسبة له متداخلة يامـًا نبقع زيت متجاورة ومتمددة‪ ،‬تبدأ منفصلة ثم‬
‫ال تلبث أن تتداخل فال يعود من املمكن التميي بينها‪.‬‬
‫م ــل هــذا االخــتالط حيــدي يالبــًا حبســن نيــة‪ ،‬أو بســوء نيــة ال شــعوري‪ .‬فــاملرء‬
‫فيه قد ارس قيمـً ا سـلبية و"ال يعـرإ" أنـه يفعـل ذلـك‪ ،‬أو أنـه يفعـل ذلـك ألسـبا ال‬
‫شعورية ال حيس بها‪ .‬فقد ينارط املرء يف الت لـف لشـاص آخـر وهـو يعتقـد أنـه يقـوم‬

‫‪- 222 -‬‬


‫مقدمة في مهارات التواصل اإلنساني‬

‫مـن وراء هـذا الت لـف فيمـا قبـل‬ ‫في ريبته يف حتقيق مصا‬ ‫بسلوك ودي‪ ،‬أو أنه قد‬
‫الشــعور‪ ،‬أو رمبــا قــد تكــون هــذ‪ .‬الريبــات يف مــواطن ال شــعورية أعمــق يف الــنفس‪ .‬إال أن‬
‫األمر ال اني الـذي يـ ين لنـا أن الااعـة التواصـلية هـي جمـرد يـشّ وخـداع‪ ،‬وأن افلـم‬
‫واملــداراة همــا يف واقــع األمــر ضــعف وختــاذل‪ ،‬يكمــن يف ســبب أن ــر خب ــًا‪ ،‬هــو ذلــك‬
‫عل املرء "ي من" يف قرارة نفسـه‪ ،‬أن الكـذ شـطارة‪،‬‬ ‫االنقال يف القيم واملعايري‪ ،‬الذي‬
‫يكن "ي من" بهذا حقـا‪ ،‬فقد يـر أن‬ ‫واخلداع فهلوة‪ ،‬وافلم ضعفـًا ومذلة‪ .‬وحتى لو‬
‫هــذ‪ .‬هــي حــال الــدنيا هــذ‪ .‬األيــام‪ ،‬ومــن أراد أن يعــيش فيهــا فعليــه أن يفعــل ذلــك وفــق‬
‫قيمهــا الشــائعة‪ ،‬ولــيس وفــق أي قــيم ن ريــة عفــا ال مــان عليهــا‪ ،‬وال تســمن أو تغـ مــن‬
‫جوع‪ .‬وهذا االنقال يف القيم التواصلية ج ء من انقال عام يف نل قيم افياة‪ .‬فقـد‬
‫حلَّ الفن السـريع السـطحي حمـل الفـن الرفيـع‪ ،‬وفقـد العلـم مكانتـه وأفسـحها للمـال‪،‬‬
‫ويا اجلوهر وراء امل هر‪ ،‬وما عادت اللبا تبدو خلف القشور‪.‬‬
‫عل ــى ال ــريم م ــن ش ــيوع ه ــذ‪ .‬ال ــرؤ املاتلط ــة ع ــن التواص ــل‪ ،‬إال أنه ــا ليس ــت‬
‫تلــف – وال يقــل أهميــة– عــن دور‪ .‬يف‬ ‫حقيقيــة‪ .‬ذلــك أن دور التالــق يف التواصــل ال‬
‫ا ـاالت األخــر الـ ضــربنا أم لـة عــن بع ـها‪ ،‬فهــو ضـمانة التواصــل النهائيــة يف أال‬
‫ينقل ــب علـ ــى ذاتـ ــه وعلـ ــى األطـ ــراإ املش ــارنة فيـ ــه‪ .‬صـ ــحيح أن التواصـ ــل األخالقـ ــي‬
‫والتواصل يري األخالقي يستادمان فنيات متشـابهة – بـل تكـاد تكـون متطابقـة – مـن‬
‫استماع وحتدي وحوار وإقناع‪ ،‬إال أن هذا التشابه يقتصـر علـى الشـكل وامل هـر فحسـب‪،‬‬
‫يامـًا نتشابه قارورت يف الشكل يامـًا‪ ،‬لكـن إحـداهما مليئـة بسـم زعـاإ‪ ،‬يف حـ أن‬
‫األخر مرتعة مباء قراح‪.‬‬
‫وملا نانت مهمة القيم والف ائل األخالقيـة هـي ضـب العالقـات بـ النـاس‪،‬‬
‫فــإن مع ــم هــذ‪ .‬القــيم والف ــائل تواصــلية بال ــرورة‪ ،‬إال أن بعــد التواصــل يب ــدو يف‬
‫ــو كــن مــن التحــدي عنهــا بوصــفها قيمًــا وف ــائل‬ ‫بع ــها أن ــر مــن يريهــا علــى‬
‫أخالقية تواصلية يشد التمسك بها من أزر التواصل‪ ،‬و نحه عمقـًا واستمرارية ودفئـًا‬

‫‪- 223 -‬‬


‫أنت وأنا‬

‫ومصــداقية‪ .‬ولكــل ف ــيلة مــن هــذ‪ .‬الف ــائل آفــة إذا أصــابتها خنــرت التواصــل‪ ،‬فــإذا‬
‫ال‪ ،‬مبتسرًا‪ ،‬بـاردًا‪ ،‬ال يـوحي بال قـة أو الصـدق‪ .‬كننـا‬
‫استفحلت واستشرت جعلته ضح ً‬
‫القول أن الف ائل األخالقية يف التواصل تصدر عن ثـالي قـيم مرن يـة هـي ‪ :‬الصـدق‬
‫واملســاواة والتســامح‪ ،‬ولكــل مـن هــذ‪ .‬القــيم وتلــك الف ــائل آفــات تتهــددها‪ .‬وســنعرض‬
‫فيما يلي هذ‪ .‬القيم و لياتها وف ائلها‪ ،‬ونذلك لرفات ال حتيق بها‪.‬‬

‫إذا نانت افقيقة هي – نما يقول الفالسفة – مطابقة ما يف األذهان ملا يف‬
‫األعيــان‪ ،‬وينصــب أساســًا علــى العالقــة املعرفيــة بـ اإلنســان والعــا ‪ ،‬فــإن الصــدق هــو‬
‫مطابقة املقال لواقع افال‪ ،‬أو مطابقة ال اهر للباطن‪ ،‬ويدور – يف املقام األول– حـول‬
‫العالقة ب الناس‪.‬‬
‫وإذا نــان الصــدق يف صــور‪ .‬افميــدة هــو واســطة العقــد يف ف ــائل التواصــل‪،‬‬
‫فإن نقي ه‪ ،‬الكـذ ‪ ،‬هـو شـر آفاتـه‪ .‬واملاطـ رقـم (‪ )5‬يـب تفـاريق الصـدق والكـذ يف‬
‫التواصل‪.‬‬
‫للصدق – نما يت ح من هذا املاط ثالثة أقسام عامة ‪:‬‬
‫األول‪ :‬صدق الكالم‪.‬‬
‫ال اني‪ :‬صدق العمل‪.‬‬
‫ال الث‪ :‬صدق العالقات وااللت امات‪.‬‬
‫ويتم ــل ص ــدق العم ــل يف ف ــيلة األمان ــة‪ ،‬أم ــا ص ــدق العالق ــات وااللت ام ــات‬
‫ف ــيكمن يف ف ــيلة الوف ــاء أو اإلخ ــالص‪ .‬وعل ــى ال ــريم م ــن األهمي ــة الواض ــحة هل ــذين‬
‫الصــدق يف التواصــل‪ ،‬إال أن صــدق الكــالم هــو األن ــر شيوعــًا يف هــذا ا ــال‪ ،‬لــذلك‬
‫لله بتفصيل أنا من يري‪..‬‬ ‫سوإ‬

‫‪- 224 -‬‬


‫مقدمة في مهارات التواصل اإلنساني‬

‫‪- 225 -‬‬


‫أنت وأنا‬

‫ينقسم صدق الكالم إىل ثالثة أنواع ‪:‬‬


‫الصدق افميد‪ :‬وهو الصدق املطلو يف حياتنا‪ ،‬وفيه يطـابق املقـال واقـع افـال‪،‬‬ ‫‪- 5‬‬
‫وهذا الصدق –يف عمومه– محيد‪ ،‬وينقسم – بدور‪ –.‬إىل نوع فرعي ‪:‬‬
‫الصــدق البســي ‪ :‬وهــذا الصــدق ال يت ــمن أن ــر مــن قــول افقيقــة‬ ‫أ)‬
‫ببساطة‪ ،‬ويعا عنـه – عـادة – بإجابـات خمتصـرة مـن نـوع "نعـم" أو "ال"‬
‫وجيري عادة يف مواقف تتسم بالبساطة‪ .‬وهذا النوع هو الذي يطلب من‬
‫ال حمــددًا عـن سـعر ســلعة مـا‪ ،‬أو إذا ســئل‬
‫البـائع أن يلت مـه إذا ســئل سـ ا ً‬
‫صيدالني عن تـوافر دواء مـا‪ ،‬أو عـن مكـان صـنعه‪ ..‬إخل‪ .‬وال يتطلـب هـذا‬
‫ال ــر م ــن الص ــدق جهـ ـدًا أو براع ــة خاص ــة‪ ،‬ولكن ــه ب ــالغ األهمي ــة يف‬
‫العالقات ب الناس‪.‬‬
‫الصدق الذني‪ :‬وهو الصـدق املطلـو – تواصلي ـا– عنـدما تعـرض ق ـية‬ ‫)‬
‫صادقة‪ ،‬ولكن عرضها يتطلب ذناءً يف طريقة العرض من حيث وضـوحها‬
‫وتسلسلها والتشويق الذي ت ري‪ ،.‬إىل آخـر مـا هنـاك مـن مهـارات التواصـل‪.‬‬
‫ــو ذنــي‬ ‫واملهـم هــو أن تكــون الق ــية صــادقة يامًـا‪ ،‬ولكــن عرضــها علــى‬
‫وجــذا يســهل إقنــاع ا خــرين بهــا‪ .‬وافقيقــة هــي أن هــذا الصــدق يقــع يف‬
‫قلب مهارات التواصل‪ ،‬بل إنه أحد ا االت الرئيسة ال تتجلى فيها هـذ‪.‬‬
‫املهارات‪ .‬ولعل من املمكن تسميته "البالية"‪.‬‬
‫الصــدق الفــج‪ :‬ويع ـ هــذا الصــدق قــول افقيقــة مــن دون مراعــاة أيــة ظــروإ‬ ‫‪- 4‬‬
‫حميطة‪ ،‬مما قد يرتتب عليه أذ أو ضرر للشاص ذاته أو لغري‪..‬‬
‫إفاق ال رر بالذات‪ :‬قد يتعرض املرء – من دون وجه حق– خلطـر نـبري‬ ‫أ)‬
‫إذا قــال افقيق ــة‪ .‬وعلــى ال ـريم م ــن أن هــذ‪ .‬ليس ــت حالــة ش ــائعة إال أنه ــا‬
‫ممكنة‪ .‬ويف هذ‪ .‬افالة ينبغي أن يكون لد املـرء مـن افصـافة مـا جيعلـه‬
‫حيجم عن قول افقيقة محاية لذاته‪.‬‬

‫‪- 226 -‬‬


‫مقدمة في مهارات التواصل اإلنساني‬

‫إفاق ال رر با خر‪ :‬وهذ‪ .‬هي افالة األن ر شيوعـًا‪ ،‬إذ قد ي ل لسـان‬ ‫)‬
‫املــرء فيفشــي س ـرًا‪ ،‬أو جيــرح شــعورًا‪ ،‬أو ي ـ ري ي بــًا‪ ،‬ونــل هــذا مــن دون‬
‫قصــد‪ .‬ويعــود الصــدق الفــج بنوعيــه إىل ضــر مــن الغفلــة االجتماعيــة‪.‬‬
‫ول ــيس م ــن ال ــروري –بطبيع ــة اف ــال– أن تك ــون ه ــذ‪ .‬الغفل ــة ر ــة‬
‫شاصية ثابتة لد املرء‪ ،‬وإمنا قد ين لق أي شاص فيها يف ف ة مـن‬
‫ف ــات ييــات الــوعي والتنبــه االجتمــاعي‪ .‬وقــد تكــون املشــكلة أحيانــًا‬
‫فيمــا يقولــه الفــرد‪ ،‬أو يف الطريقــة ال ـ يقولــه بهــا‪ .‬ويف بعــق األحيــان‬
‫يتاذ هذا ال ر من الصدق الفج موضوعـًا للفكاهة وال حك‪.‬‬
‫الصدق اخلبيث‪ :‬إذا نان الصدق الفج مفهومـًا‪ ،‬فإن الصدق اخلبيث قد يبـدو‬ ‫‪- 4‬‬
‫لنــا متناق ــًا ذاتيـ ـا‪ ،‬يامــًا نالــدائرة املربعــة‪ .‬لكــن هــذا اإلحســاس باملفارقــة‬
‫سياف عندما نفهم معنى هذا الصدق الذي يتم ل يف ال رب التالي ‪:‬‬
‫مباش ــر ‪ :‬ويه ــدإ ه ــذا ال ــر م ــن الص ــدق اخلبي ــث املباش ــر إىل إي ــذاء‬ ‫أ)‬
‫ا خــر مبواجهتــه – عــن عمــد – إمــا بعيــو موجــودة فيــه فع ـالً بقصــد‬
‫إهانت ــه و رحي ــه‪ ،‬أو مبكاش ــفته –ع ــن عم ــد أي ً ــا– مبش ــاعر املتح ــدي‬
‫السلبية إزاء‪ ..‬والفرق ب الصدق اخلبيث املباشر‪ ،‬والصـدق الفـج الـذي‬
‫يلحــق ال ــرر بــا خر‪ ،‬هــو أن األول متعمــد مقصــود‪ ،‬يف ح ـ أن ال ــاني‬
‫ليس نذلك‪ .‬وهذا هو السبب يف أن األول يعتا وقاحة بينمـا ال يعـدو‬
‫ال اني أن يكون يفلة‪.‬‬
‫يــري مباشــر ‪ :‬إذا نــان الصــدق اخلبيــث املباشــر يوجــه إىل املســتهدإ ذاتــه‪،‬‬ ‫)‬
‫فـإن هنـاك ضربًـا يــري مباشـر حيـاول النيـل مــن املسـتهدإ عـن طريـق نقــل‬
‫معلومــات صــادقة كــن أن تلحــق األذ بــه إىل ا خــرين‪ .‬ومــن صــور هــذا‬
‫الصــدق‪ ،‬الغيبــة‪ ،‬وهــي التحــدي عــن شــاص بســوء موجــود فيــه يف ييابــه‪،‬‬
‫والوشاية‪ ،‬وهي نقل خا صحيح عـن شـاص لصـاحب سـلطة جـائر كـن‬

‫‪- 227 -‬‬


‫أنت وأنا‬

‫أن يوقــع األذ بهــذا الشــاص بســبب هــذا اخلــا‪ ،‬والنميمــة وهــي الســعي‬
‫بالشــر ب ـ النــاس بنقــل أقــوال صــحيحة تفوهــوا بهــا‪ ،‬ولكنهــا تــوير صــدر‬
‫بع ــهم علــى بعــق‪ .‬وحمــور الصــدق اخلبيــث نلــه صــحة اخلــا وســوء‬
‫النية‪.‬‬
‫وآفــة الصــدق هــي نقي ــه‪ :‬الكــذ ‪ ،‬وهــو خمالفــة املقــال لواقــع افــال‪ .‬وينقســم‬
‫الكذ إىل ثالثة أنواع عامة هي ‪:‬‬
‫األول‪ :‬نــذ الكــالم ‪ :‬وهــو األن ــر شيوعـًـا يف التواصــل‪ ،‬لــذلك ســنتحدي عنــه‬
‫بتفصيل أنا من يري‪..‬‬
‫الف باطن عمل ما ظاهر‪ ،.‬أو مـا يـ عم صـاحبه‬ ‫ال اني‪ :‬نذ العمل‪ :‬وهو أن‬
‫يري مشروعة له‪ ،‬ويسمى عادة الغش‪.‬‬ ‫عنه‪ ،‬لتحقيق مصا‬
‫ال الث‪:‬نــذ العالقــات‪ :‬وهــو خمالفــة الســلوك للعهــود واملواثيــق الـ التـ م بهــا‬
‫الشاص‪ ،‬وذلك لتحقيق أيراض شاصية أنانية‪ ،‬ويسمى عـادة‪ :‬الغـدر أو‬
‫اخليانة‪.‬‬
‫ونما أسلفت‪ ،‬فإن أن ر هذ‪ .‬األنواع شيوعًا يف التواصل هـو نـذ الكـالم‪ .‬وينقسـم‬
‫هذا الكذ – بدور‪ –.‬إىل ثالثة أشكال ‪:‬‬
‫الكذ اخلبيث‪ :‬وهو إخفاء حقيقة ما‪ ،‬أو استبداهلا‪ ،‬أو اختالقهـا‪ ،‬أو تشـويهها بقصـد‬ ‫‪- 5‬‬
‫حتقيق مهر خاصة ومشبوهة‪ .‬وينقسم هذا الكذ إىل نوع ‪:‬‬
‫الكــذ اخلبيــث املباشــر‪ :‬وينصــب هــذا الكــذ علــى املســتهدإ منــه مباشــرة‪،‬‬ ‫أ)‬
‫وذلك بقصد ت ليله‪ .‬وقـد تكـون هـذ‪ .‬افقيقـة الـ يقـوم الكـاذ بالتالعـب‬
‫بها – بالصور ال ذنرناها– حادثة أو قـو ً‬
‫ال أو شـعورًا أو وعـدًا‪ ،‬وينـدر حتـت‬
‫هـذا الكــذ نـل ضــرو الت ــليل املمكنـة‪ ،‬ومنهــا‪ :‬النفـاق واملداهنــة والت لــف‬
‫والتملق‪ ،‬باإلضافة إىل أشكال أخـر نـ رية‪ .‬ويهـدإ هـذا الت ـليل عـادة إىل‬
‫حتقيق مكاسب شاصية – يالبًا– ما تكون يري مشروعة –لصاحبه‪.‬‬

‫‪- 228 -‬‬


‫مقدمة في مهارات التواصل اإلنساني‬

‫الكذ اخلبيث يري املباشر ‪ :‬وهذا النوع من الكذ يقوم على نقل أخبار‬ ‫)‬
‫سيئة يري صحيحة عن شاص لشاص آخر‪ ،‬وذلـك إمـا إلفـاق األذ‬
‫بــه أو لتحقيــق مكاســب شاصــية‪ .‬ويــدعى هــذا الكــذ "البهتــان"‪ ،‬ووجــه‬
‫التشــابه ب ـ الغيبــة والبهتــان هــو أن نليهمــا يــري مباشــر‪ ،‬ويت ــمنان‬
‫سوء النية‪ .‬أما الفرق بينهما ففي صحة اخلا املنقول‪ ،‬إذ إنه يف الغيبـة‬
‫ص ــحيح‪ ،‬أم ــا يف البهت ــان فه ــو ل ــيس ن ــذلك‪ .‬إال أن االث ــن خبي ــان‬
‫يناران يف التواصل نما ينار السوس يف اخلشب‪.‬‬
‫ســا باملفارقــة‬
‫الكــذ افميــد (املــداراة)‪ :‬ســوإ ي ـ ري تعــبري "الكــذ افميــد" إحسا ً‬ ‫‪- 4‬‬
‫يشــبه ذلــك الــذي أثــار‪" .‬الصــدق اخلبيــث"‪ ،‬إال أن هــذا اإلحســاس ســوإ يتبــدد‪،‬‬
‫عندما ندرك أهمية الكذ افميد‪ ،‬أو ما كن تسميته باملداراة‪ .‬ذلك أن افيـاة‬
‫االجتماعيــة ليســت بســيطة إىل درجــة يســتطيع املــرء فيهــا أن يكــون صادقًـا دومـًـا‪.‬‬
‫ففــي بعــق األحــوال قــد ي ــطر املــرء إىل أن يكــون مقالــه خمالفـًـا لواقــع افــال‪،‬‬
‫ويتاذ هذا االضطرار أشكاالً أربعة‪:‬‬
‫نـب االصـطدام‬ ‫التقية‪ :‬وهي تت من الكـذ للاـالص مـن شـر داهـم‪ ،‬أو‬ ‫أ)‬
‫بسفيه‪.‬‬
‫الرأف ــة‪ :‬ويف بع ــق األح ــوال ق ــد ي ــطر امل ــرء إىل إخف ــاء حقيق ــة م ــا ع ــن‬ ‫)‬
‫ـا املــريق مبرضــه الع ــال إذا‬ ‫شــاص رأفــة بــه‪ ،‬نالطبيــب الــذي ال‬
‫الحــْ أن م ــل هــذا اخل ــا ك ــن أن يســبب ل ــه انهي ــارًا نفسيـ ـا ي ي ــد م ــن‬
‫فداحة مرضه‪.‬‬
‫إصالح ذات الـب ‪ :‬وهـو نقـيق النميمـة‪ ،‬فـإذا نـان هنـاك حكـيم يتوسـ‬ ‫جـ)‬
‫بـ صـديق أو زوجـ ‪ ،‬فـال داعـي أن ينقــل بينهمـا مـا ي يـد يف اهلـوة الـ‬
‫تفصلهما عن بع هما‪ ،‬حتى لو نان ما سينقله صحيحًـا‪.‬‬

‫‪- 229 -‬‬


‫أنت وأنا‬

‫الكياس ــة‪ :‬وه ــي م ــا تقت ــيه مطال ــب اللياق ــة االجتماعي ــة‪ ،‬نتوجي ــه‬ ‫د)‬
‫يكــن م ــمونها صــحيحًا يامًــا‪ ،‬فــإذا زارك‬ ‫جماملـة لطيفــة حتــى لــو‬
‫شـاص يف وقـت يـري مناســب‪ ،‬وسـألك إذا نـان قــد سـبب لـك إزعاجًــا‪،‬‬
‫فقد ييل إىل إنكار ذلك إنسجامًا مع دواعي الكياسة‪.‬‬
‫الكذ العابث‪ :‬وهو عمومـًا نذ يري حممود‪ ،‬ارسـه بعـق النـاس مـن أجـل‬ ‫‪- 4‬‬
‫ندرجـه يف الكـذ اخلبيـث فالخـتالإ أهـدافهما‪.‬‬ ‫التسلية وامل اح‪ .‬وإذا ننـا‬
‫نبه‪ ،‬ومن أم لته برنامج الكامريا اخلفية‪.‬‬ ‫ولكن هذا ال ينفي أنه جيدر بنا‬
‫ماذا نستنتج من نل هذ‪ .‬التفاريق للصدق والكذ‬
‫إن ن ــل ض ــرو الص ــدق –عمومً ــا– ض ــرورية للتواص ــل ومفي ــدة ل ــه باس ــت ناء‬ ‫‪- 5‬‬
‫الصدق الفج والصدق اخلبيث‪ ،‬فهما م ذيان له‪.‬‬
‫إن نل ضرو الكذ – عمومـًا– ضارة بالتواصل وم ذية له‪ ،‬باسـت ناء الكـذ‬ ‫‪- 4‬‬
‫افميد فهو مفيد له‪.‬‬
‫أن أهــم تفــاريق الصــدق والكــذ ال ـ تــاز يف مه ـارات التواصــل وتتجلــى مــن‬ ‫‪- 4‬‬
‫خاللــه هــي‪ :‬الصــدق الــذني (الباليــة) والكــذ افميــد (املــداراة)‪ ،‬فكالهمــا‬
‫يكشفان عن براعة تواصلية خاصة‪ ،‬يي من يتمتعون بالذناء التواصلي‪.‬‬

‫املســاواة قيمــة جوهري ــة يف الــدين واألخــالق والسياس ــة واالجتمــاع اإلنس ــاني‪.‬‬
‫ص ــحيح أن الن ــاس يتف ــاوتون يف ح ــوظهم م ــن ال ــذناء واملوهب ــة وال ــروة والس ــلطة‬
‫واجلمال‪ ،‬لكن هذ‪ .‬أعراض ال يس اجلوهر اإلنسـاني النقـي الـذي يتسـاو النـاس فيـه‬
‫مجيعــً ا‪ .‬إال أن م ــا حي ــدي ع ــادة هــو أنن ــا ق ــد نعتق ــد أن تفــاوت األع ــراض يعــ تف ــاوت‬
‫اجلواهر اإلنسانية‪ .‬ويصدر هذا االعتقـاد ال ائـف عـن ثعبـان ‪ ،‬األول هـو‪ :‬األنانيـة الـ‬
‫قد ت ين لنـا الولـوا يف سـوء اسـتادام األعـراض افسـنة الـ يتلكهـا يف التمييـ بـ‬
‫الذات وا خر‪ ،‬وال اني‪ ،‬هو ال غ االجتماعي الذي جيعل الشـاص الـذي ال تلـك‬

‫‪- 231 -‬‬


‫مقدمة في مهارات التواصل اإلنساني‬

‫م ل هـذ‪ .‬األعـراض يتـوهم أنـه أقـل مـن يـري‪ .‬يف اجلـوهر اإلنسـاني‪ ،‬وأنـه سـيبقى طـوال‬
‫عمر‪ .‬نالع ال ال تعلو على افاجب‪.‬‬
‫تتجلى قيمة املساواة يف ف ائل خمتلفـة تقابلـها آفـات خاصـة بهـا علـى النحـو‬
‫التالي‪:‬‬
‫ف يلة التواضع وآفتهـا الكـا‪ :‬التواضـع يف جـوهر‪ .‬إقـرار باملسـاواة علـى الـريم‬ ‫‪- 5‬‬
‫مــن تبــاين األعــراض‪ .‬إنــه إ ــان عميــق بهــذ‪ .‬املســاواة‪ .‬فــإذا يــا هــذا اإل ــان‬
‫واعتقــدنا أن تفـاوت األعــراض موجــب لتفــاوت اجلــواهر‪ ،‬فــإن هــذا يعـ أن آفــة‬
‫الكا قد استشـرت واسـتفحلت‪ ،‬وراحـت آثارهـا تتاـذ صـورًا شـتى لف يـة ويـري‬
‫لف ية ‪ :‬فنـر ر العمـل يتحـدي بلهجـة سـلطوية مـع العامـل‪ ،‬والغـ يتعـاىل‬
‫علــى الفقــري‪ ،‬واجلميلــة ختتــال علــى َم ـ ْن هــي أقــل منهــا مجــاالً‪ ..‬إخل‪ .‬بــل لقــد‬
‫اطــب‬ ‫تأسس ـت قواعــد اجتماعيــة وســلونية ملمارســة الكــا‪ ،‬فنــر "األدنــى"‬
‫اطــب األول بارـه مباشــرة‪ .‬و تــد هــذا‬ ‫"األعلـى" بلقبــه‪ ،‬بينمــا هـذا األخــري‬
‫التميي إىل خمتلف جنبات السلوك‪ .‬وي ثر هذا الكا علـى عالقـات التواصـل‪،‬‬
‫ويبــث فيهــا احساســات اإلحبــاط وافســد والصــغار‪ .‬لــذلك فــإن علــى املــرء أن‬
‫يتمرس – لتحقيق تواصل أخالقي– بالتعامل مع اجلوهر اإلنسـاني البسـي ‪،‬‬
‫و نب م اهر الكا املاتلفة‪.‬‬
‫ف ــيلة اإلقــرار حبريــة ا خــر‪ ،‬وآفتهــا التســل ‪ :‬يشــكل احــرتام حريــة ا خــر يف‬ ‫‪- 4‬‬
‫إدارة حياته على النحو الذي يرا‪ .‬مناسـبًا‪ ،‬ويف اختـاذ القـرارات الـ يكنـه مـن‬
‫ذلــك‪ ،‬ف ــيلة أساســية يف التواصــل‪ .‬ذلــك أن م ــل هــذا اإلقــرار حبريــة ا خــر‬
‫واحرتامه ــا يس ــبغ عل ــى التواص ــل ذات ــه إحساس ــًا عميق ــًا بافري ــة واألص ــالة‪،‬‬
‫وجيعل ــه مرحي ــًا ألطراف ــه‪ .‬ف ــإذا أص ــابت ه ــذ‪ .‬افري ــة آف ــة التس ــل ‪ ،‬انقل ــب‬
‫التواصل إىل عالقة يري متوازنة‪ ،‬تقـوم علـى القهـر والقسـر ومـا يرتتـب عليهمـا‬
‫من إحباط وخوإ‪ ،‬ونذ خبيث م ل النفاق واملداهنة‪.‬‬

‫‪- 230 -‬‬


‫أنت وأنا‬

‫ف يلة اإلقرار حبق ا خر يف معرفة افقيقـة وآفتـه الكـذ ‪ :‬وقـد حتـدثنا عـن‬ ‫‪- 4‬‬
‫هذا املوضوع بالتف يل يف سياق افديث عن الصدق والكذ ‪.‬‬
‫ف يلة احرتام الذات وآفتها الصغار ‪ :‬قد تتمكن –يف بعق األحيان – من املرء‬ ‫‪- 3‬‬
‫مش ــاعر ال ــنقص ذات األص ــول الالش ــعورية العميق ــة أو ذات األص ــول الواعي ــة‪.‬‬
‫ي اإ إىل ذلك أن املرء قد ين لق يف أخذ اجلواهر اريرة األعراض‪ ،‬فيعتقـد‬
‫ـرد أنهـم يتمتعـون بـأعراض أن ـر منـه‪.‬‬ ‫أن جوهر ا خرين أهـم مـن جـوهر‪.‬‬
‫وقــد تســري هــذ‪ .‬املشــاعر يف الســلوك لتتبــد يف صــورة صــغار حيــس بــه املــرء‬
‫ــو جيعــل‬ ‫ويتصــرإ وفقــًا ل ـه‪ ،‬فــرتا‪ .‬يبــدي م ــاهر اخل ــوع املاتلفــة‪ ،‬علــى‬
‫ا خـ ــرين يويلـ ــون يف التس ـ ــل عليـ ــه‪ ،‬أو يـ ــدفعهم إىل الش ـ ــعور بامللـ ــل من ـ ــه‪،‬‬
‫واإلحساس بفقر العالقة معه‪ .‬وسوإ يدخل سلوك الصغار وشعور‪ .‬صاحبه يف‬
‫و حيب مسـاعيه يف حياتـه‬ ‫دائرة مفرية‪ ،‬ي داد إحساسه بالصغار فيها على‬
‫و عله فريسة لالضطرا النفسي والنبذ االجتماعي‪.‬‬
‫ف ــيلة اإلنصــاإ وآفاتهــا املكــابرة‪ :‬ويع ـ اإلنصــاإ اإلقــرار حبقــوق ا خــرين‪،‬‬ ‫‪- 1‬‬
‫واالعـ ــرتاإ خبصائصـ ــهم وقـ ــدراتهم وإإلـ ــازاتهم اإلجيابيـ ــة‪ ،‬وتوجيـ ــه الشـ ــكر‬
‫وال ن ــاء هل ــم حي ــث يس ــتحقونه‪ ،‬نم ــا يعـ ـ اع ــرتاإ امل ــرء حب ــدود‪ .‬وعيوب ــه‬
‫وأخطائــه وعــدم الــرتدد يف االعتــذار عمــّا يرتكبــه فيهــا‪ .‬وآفــة اإلنصــاإ املكــابرة‪،‬‬
‫وتت ــمن دفــن الــرأس يف الرمــال حتــى ال يقــر املــرء باجيابيــات ا خــرين‪ ،‬نمــا‬
‫ي ــدفع امل ــرء إىل اإليغ ــال يف اخلط ــأ‪ ،‬ورف ــق االعت ــذار لـم ــَ ْن أخط ــا يف حق ــِّهم‪.‬‬
‫وواضح أن هذ‪ .‬ا فة تسمم التواصل وتقطع أواصر‪..‬‬

‫ليس التسامح ف يلة تواصلية ألنـه حيـافْ فقـ علـى اسـتمرارية العالقـات‪،‬‬
‫و فف من التـوتر الـذي كـن أن يكتنفهـا‪ ،‬ولكنـه ف ـيلة ل الثـة أسـبا أخـر ‪ :‬األول‬
‫هــو أن اإلنســان نــائن معــرض للاطــأ والســهو وال لــل واالنفعــال‪ ،‬فــذلك مــن مجلــة‬

‫‪- 232 -‬‬


‫مقدمة في مهارات التواصل اإلنساني‬

‫طبيعته‪ ،‬والوعي بهذا األمر يشجع على التسـامح مـع أخطائـه‪ .‬أمـا السـبب ال ـاني فهـو‬
‫تواصــلي بصــورة حمــددة‪ .‬لقــد ملســنا مــد تعقيــد العمليــة التواصــلية وتك ــر عواملــها‪،‬‬
‫لذلك فإن الوقوع يف أخطاء تواصلية يصبح واردًا يامـًا يف ضوء هذا التعقـد والتك ـر‪.‬‬
‫أما السبب ال الث فهـو أن ال ـروإ األسـرية واملدرسـية واالجتماعيـة قـد ال تتـيح للمـرء‬
‫تعل ــم امله ــارات التواص ــلية وممارس ــتها باتق ــان‪ ،‬ف ــرتا‪ .‬ين ل ــق يف أخط ــاء نـ ـ رية‪ ،‬م ــل‬
‫الصدق الفج‪ .‬فإذا أخذنا نـل هـذ‪ .‬األسـبا بعـ االعتبـار‪ ،‬فـإن قـدرتنا علـى التسـامح‬
‫ت ـ داد وتتســع‪ .‬أمــا إذا يكنــت آفــة افقــد مــن نفوســنا‪ ،‬فســوإ يغــدو طعــم افيــاة يف‬
‫أفواهنا مرًا‪ ،‬ومشهدها أمام عيوننا أسودًا‪ ،‬وسيتحول الناس إىل أعـداء يرتبـص بع ـهم‬
‫ببعق‪.‬‬
‫ــاور الف ـائل وا فــات الــذي حتـدثنا عنــه يف البدايــة‪،‬‬ ‫إال أن علينـا أال ننســى‬
‫حبيث قد ينتقل املرء من ف يلة إىل آفة من دون أن يشعر‪ ،‬نأن ينتقل املرء من املداراة‬
‫وهي نذ محيد إىل املداهنة وهي نذ خبيث‪ ،‬أو ينتقل من صدق ذني إىل نـذ‬
‫خبيــث‪ .‬ورمبــا بــالغ املــرء يف احــرتام ا خــر فجــاوز‪ .‬إىل تصــغري الــذات‪ ،‬بــل رمبــا بــالغ يف‬
‫تقدير الذات فتجاوز‪ .‬إىل الكا‪ .‬لذلك فإننا نلمس هنا افاجـة إىل وجـود نـوع جديـد‬
‫مــن الــذناء هــو الــذناء األخالقــي‪ .‬فــإذ نــان ال ــمري يــوفر حســن النيــة الــالزم‪ ،‬فــإن‬
‫الذناء ي ب حرنة املرء األخالقية‪ ،‬ويشحذ رؤيته للتاـوم وافـدود بـ الف ـائل‬
‫وا فات‪.‬‬

‫‪- 233 -‬‬


‫أنت وأنا‬

‫‪- 234 -‬‬


‫مقدمة في مهارات التواصل اإلنساني‬

‫على الريم من أن املرء ال يستبعد – على اإلطالق– وجود أصـول وراثيـة للـذناء‬
‫اه ــل دور‬ ‫التواص ــلي مبكونات ــه املاتلف ــة‪ ،‬إال أن ه ــذا ال يعــ – عل ــى اإلط ــالق أي ً ــا –‬
‫البيئة يف تشكيل هذا الذناء سواء انصرإ هذا التشكيل للاري أو الشـر‪ .‬إذ أن اإلنسـان –‬
‫نما يذهب "بيرت مدور" يف عبارة بليغـة – هـو نتـا الوراثـة مائـة باملئـة‪ ،‬ونتـا البيئـة مائـة‬
‫باملائة أي ًـا‪ .‬صحيح أن توافر مجلة جينات تواصلية – قد تكشف عنها اخلريطـة اجلينيـة‬
‫عـل تعلـم السـلوك التواصـلي سلسًـا ويسـريًا‪،‬‬ ‫يف العقود املقبلة يف هذا القـرن – كـن أن‬
‫ن رًا لت افر الطبيعة والرتبية‪ ،‬إال أن االستسالم لسطوة هاجس الوراثة سيجعل اإلنسان‬
‫عــاج ًا عــن الــتحكم يف مصــري‪ ..‬ثــم إن خ ــوع اإلنســان للوراثــة يف اخلصــائص الســلونية‬
‫تلــف عــن خ ــوع افيــوان‪ ،‬فاإلنســان قــادر – بف ــل االرتقــاء الفريــد لدماي ـه – علــى‬
‫التأمل يف نفسه وعلى مغالبة هوا‪ .‬الوراثي‪ ،‬بل وقـادر أن حيـدي تغـريات مهمـة يف سـلونه‪.‬‬
‫ثــم إنــه منفــتح علــى الــتعلم والتطــور‪ ،‬ولــيس منغلقـًـا علــى برنــامج وراثــي صــارم يــتحكم يف‬
‫نــل تفاصــيل هــذا الســلوك‪ .‬لــذلك – وحتــى لــو نانــت هنــاك أصــول موروثــة للــذناء‬
‫التواص ــلي – ف ــإن الرتبي ــة والتعل ــيم ك ــن أن يلعب ــا دورًا حيوي ـ ـا يف تنمي ــة ه ــذا ال ــذناء‬
‫وتطوير‪..‬‬
‫ال – املة عوامل منها‪:‬‬
‫يتأثر الطفل يف منو‪ .‬داخل جدران من له – أو ً‬
‫النماذ املتاحة للطفل للمالح ة والتقليد‪.‬‬ ‫‪- 5‬‬

‫‪- 235 -‬‬


‫أنت وأنا‬

‫توافر أشااص مالئم يتوحد الطفل معهم ويتقمص شاصيتهم‪.‬‬ ‫‪- 4‬‬
‫إشباع افاجات اجلسمية والنفسية‪.‬‬ ‫‪- 4‬‬
‫ال وا والعقا ‪.‬‬ ‫‪- 3‬‬
‫ي ــرتب من ــو ال ــذناء التواص ــلي ومهارات ــه املاتلف ــة به ــذ‪ .‬العوام ــل مجي ًع ــا‪،‬‬
‫وسنلقي ن رة عجلى عليها‪ ،‬وعلى الوجو‪ .‬ال ت ثر فيها على التواصل‪.‬‬

‫األطفال مراقبـون نشـطون‪ ،‬حتـرنهم دوافـع قويـة للف ـول واالستكشـاإ‪ .‬ثـم‬
‫إن لــديهم ن عــة قويــة لتقليــد مــا يرونــه‪ .‬فــإذا تــوافر لــديهم يف البيــت أبــوان يتمتعــان‬
‫بذناء تواصلي مرتفع‪ ،‬و ارسـان مهـارات التواصـل بكفايـة‪ ،‬فـإن الطفـل سـيبدأ بـتعلم‬
‫أول دروسه يف التواصـل افسـن منـذ نعومـة أظفـار‪ ،.‬ومـن دون جهـد يـذنر‪ .‬بـل إن هـذا‬
‫السلوني التلقائي لوبوين فيما بينهما‪ ،‬ومع طفلـهما‪ ،‬ومـع ا خـرين‪ ،‬سـوإ ينشـر يف‬
‫أرجاء البيت مناخـًا تواصليـا يفوح فيه نالعطر الذي سوإ يتنشقه الطفـل أنـى ذهـب‬
‫يف هذا البيت‪ ،‬وسوإ يتم له الطفل على مهل يف سـياقات طبيعيـة‪ ،‬فيـتمكن مـن نفسـه‬
‫و يكاد يكون ال شعوريا‪.‬‬ ‫وينبث يف سلونه على‬
‫وعلينــا أال ننســى أن هنــاك أشااصًــا آخــرين يف البيــت ســيقدمون منــاذ أخــر‬
‫للمالح ة والتقليد‪ ،‬قد تكون يف بعـق األحيـان أقـو يف تأثريهـا مـن األبـوين‪ ،‬وهـ الء‬
‫األشــااص ه ــم اإلخ ــوة واألخ ــوات‪ ،‬ب ــل األقــار والــ وار‪ .‬ويتف ــاوت ت ــأثري هــ الء مب ــد‬
‫تواجدهم يف البيت‪ ،‬أو بنوعية التأثري الذي قد ارسو‪ .‬خـالل تفاعلـهم مـع الطفـل‪ .‬إن‬
‫وع ــي األب ــوين ب ــدورهما ننم ــاذ للمالح ــة والتقلي ــد‪ ،‬وإدرانهم ــا ل ــدور ا خ ــرين‬
‫ننماذ مماثلة‪ ،‬سـوإ ي يـد مـن اهتمامهمـا بتك يـف النمـاذ افسـنة يف سـلونهما‪.‬‬
‫إن افــوار اهلــاد ب ـ ال ـ وج ‪ ،‬و نــب التعــبري الفــج عــن الغ ــب‪ ،‬وحســن االســتماع‬
‫والتحــدي مــع ا خــرين‪ ،‬نــل هــذا مــن شــأنه أن يــاز منــاذ مالئمــة للطفــل يقلــدها‬

‫‪- 236 -‬‬


‫مقدمة في مهارات التواصل اإلنساني‬

‫وحيتذيها‪ .‬وال تقتصـر منـاذ املالح ـة والتقليـد علـى النـاس الـذين هـم مـن فـم ودم‪،‬‬
‫وإمن ــا يتع ــد ذل ــك إىل النم ــاذ التايلي ــة‪ ،‬نتل ــك الـ ـ يراه ــا الطف ــل يف نت ــب‬
‫األطف ــال وأف ــالم التلف ــاز وألع ــا افاس ــو ‪ .‬إن الطف ــل يكتس ــب نـ ـ ريًا م ــن الع ــادات‬
‫التواصــلية مــن النمــاذ الـ تقــدمها وســائل ال قافــة واإلعــالم‪ .‬فــإذا نانــت األفــالم –‬
‫عل ــى س ــبيل امل ــال– م ــن الن ــوع املبت ــذل ال ــذي يك ــر في ــه الص ــياح وس ــفيه الك ــالم وف ــج‬
‫صـا إذا حـدي‬
‫التعامل‪ ،‬فإن الطفل يغدو معرضـًا ملاـاطر انتسـا هـذا السـلوك‪ ،‬خصو ً‬
‫نل هذا يف سياق نوميدي مقرتن ب حك األبـوين واإلخـوة‪ ،‬ممـا قـد يعطـي الطفـل‬
‫إنطباعًـ ــا بـ ــأن هـ ــذ‪ .‬السـ ــلونات إجيابيـ ــة‪ ،‬ويسـ ــهل ي لـ ــها وتقليـ ــدها‪ .‬تـ ــوفر النمـ ــاذ‬
‫اإلجيابيــة املبكــرة فرصــة تعلــم ثريــة‪ ،‬خصوصًــا أنهــا تــتم يف ســياقات طبيعيــة‪ ،‬ويف ســن‬
‫مالئمـة هلـذ‪ .‬الـتعلم‪ ،‬وسـتغ –إذا حتققـت – عـن جهـود تعلـيم يف املسـتقبل لـن تكـون‬
‫ـو العـادات السـيئة الـ‬ ‫بنفس السهولة‪ ،‬با إلضافة إىل أنه قـد تل مهـا جهـود إضـافية‬
‫ترسات‪.‬‬

‫ال يقتصـر انتســا الطفـل للســلونات واال اهـات والعــادات علـى املالح ــة‬
‫ـي إىل أبعـد مـن هـذا‪ .‬فـإذا ت ـافر حـب الطفـل ألبيـه وإعجابـه بـه‬ ‫والتقليد‪ .‬إذ إنـه‬
‫وإدران ــه للتش ــابه بينهم ــا ف ــإن التعل ــّم باملالح ــة س ــيتحول إىل ق ــوة هائل ــة حق ـ ـا‪ .‬إذ‬
‫ســيتوحد الطفــل بأبيــه و الفتــاة بأمهــا فيحــذوان حــذوهما يف نــل مــا يفعالنــه‪ ،‬فكــأن‬
‫االبــن وأبيــه يازجــا ليغــدوا شاصــًا واحـدًا‪ ،‬ويــروح الطفــل يتشــر ســلوك والــد‪ .‬نمــا‬
‫تلـك ذنـاء تواصلي ـا مرهفـًا‬ ‫جيذ مغناطيس قوي برادة افديـد‪ .‬فـإذا نـان األ‬
‫يتجل ــى يف مه ــارات س ــلونية تواص ــلية رفيع ــة وفعال ــة‪ ،‬فإنه ــا س ــتنتقل بس ــهولة وق ــوة‬
‫و يكاد يكون يف مع مه ال شعوريـا– إىل االبن‪ .‬تـاز آليـات التقليـد‬ ‫مدهشت –على‬
‫والتوحد مسـ ولية األبـوين الكـا يف تـوفري منـاخ تواصـلي صـحي‪ ،‬ومنـاذ إجيابيـة يف‬

‫‪- 237 -‬‬


‫أنت وأنا‬

‫البيت‪ ،‬فإذا تـو افرت م ـل هـذ‪ .‬النمـاذ ‪ ،‬وسـاد البيـت م ـل هـذا املنـاخ‪ ،‬فـإن الطفـل سـوإ‬
‫يقطع شوطـًا نبريًا يف رحلة تعلم التواصل اإلجيابي دون صعوبة تذنر‪.‬‬

‫ذنرنا يف موضع سابق من هذا الكتا عالقة الصحة النفسية بكل من مفهوم‬
‫الــذات والتواصــل‪ .‬وتــرتب الص ــحة النفســية إىل حــد بعي ــد للغايــة باشــباع افاج ــات‬
‫اجلسمية والنفسية‪ ..‬توفر الصحة النفسية واجلسمية تربة خصبة تيسر تعلـم مهـارات‬
‫التواص ــل‪ .‬إن األث ــر املباش ــر إلعاق ــة إش ــباع افاج ــات عمو ًم ــا ه ــو اإلحب ــاط‪ ،‬والنتيج ــة‬
‫ال وشيوعـًا يف افدوي نتيجة ل حباط هـي العـدوان‪ ،‬والعـدوان مـع نـل‬
‫األن ر احتما ً‬
‫ـ ق التواصــل أشــالء‪ ،‬يف ح ـ أن الطمأنينــة اجلســمية‬ ‫متعلقاتــه مــن ي ــب وهيــا‬
‫عـل املـرء أن ـر اسـتعدادًا ملمارسـة‬ ‫والنفسية النامجة عـن اإلشـباع املالئـم للحاجـات‪،‬‬
‫ـو خــاص بإشــباع افاجــات‬ ‫مهـارات تواصــلية إجيابيــة وفعالـة‪ .‬وإذ يهــتم األبــوان علــى‬
‫النفسية لد الطفل م ل افاجـة إىل افـب واالنتمـاء وتقـدير الـذات واللعـب‪ ،‬فإنهمـا‬
‫ســيمنحان حياتــه النفســية هــدوءًا وســعادة‪ ،‬جيعالنــه أن ــر قــدرة علــى التواصــل مــع‬
‫ـو مطمـئن وودود‪ .‬وعلـى نقـيق ذلـك‪ ،‬فـإذا عـانى الطفـل مـن إحبـاط‬ ‫ا خرين على‬
‫هــذ‪ .‬افاجــات يف طفولتــه‪ ،‬نــأن يشــعر أنــه يــري مريــو بــه‪ ،‬أو يكــون هنـاك مثــة يييـ‬
‫بين ــه وبــ اخوت ــه‪ ،‬أو تع ــرض ملعامل ــة س ــيئة‪ ،‬أو إذا ن ــان البي ــت ذات ــه تعص ــف ب ــه ري ــاح‬
‫اخلالإ والتـوتر‪ ،‬فـإن هـذا سـيرتك يف نفسـه مـرارة وسـوداوية تـنعكس علـى عالقاتـه مـع‬
‫ا خرين‪.‬‬

‫تذهب إحد قواعد علم النفس الشهرية إىل أن السلوك الـذي يكافـأ يـل إىل‬
‫االســتقرار والتكــرار‪ ،‬أم ــا الســلوك ال ــذي ال حي ــى مب ــل هــذ‪ .‬املكاف ــأة فإنــه ي ــل إىل‬
‫ر السـلوك التواصـلي عـن هـذ‪ .‬القاعـدة الذهبيـة‪ .‬إن اهتمـام األبـوين‬ ‫االنطفاء‪ .‬وال‬

‫‪- 238 -‬‬


‫مقدمة في مهارات التواصل اإلنساني‬

‫مبكافــأة الســلونات التواصــلية اإلجيابيــة عن ـد أطفاهلمــا ســوإ يلعــب دورًا أساسيـ ـا يف‬
‫ترس ــيا الس ــلوك التواص ــلي‪ .‬إن إعط ــاء الطف ــل انطباع ــًا واضح ــًا بالتق ــدير والرض ــى‬
‫عندما يستمع بصورة جيدة‪ ،‬أو عندما يتحدي بصـورة مالئمـة‪ ،‬أو عنـدما ي ـب نفسـه‬
‫عند الغ ب أو عندما يقر خبطئه‪ ،‬سوإ نحه مكافـأة مثينـة سـوإ تسـهم يف انطفـاء‬
‫السلونات السلبية‪ ،‬يف ح أن التـواني عـن السـعي لغـرس بـدائل عنهـا‪ ،‬سـوإ جيعلـها‬
‫تســتفحل وتستشــري‪ .‬وبطبيعــة افــال فلــيس املقصــود بالعقــا هــو العقــا البــدني أو‬
‫امله للطفل‪ ،‬وإال فإن هذا الطفـل قـد يعتقـد أن هـذ‪ .‬هـي الطريقـة املناسـبة للتوجيـه‪،‬‬
‫وقد ارسها يف املستقبل مع أوالد‪ ..‬إن العقا العقالنـي املتبصـر يشـكل – حبـد ذاتـه–‬
‫ســا‬
‫فرصــة ســا ة لتعلــيم التواصــل أي ًــا‪ .‬فعنــدما أعطــي الطفــل –إذا أخطــأ– إحسا ً‬
‫عمي ًقــا بــأني أحبــّه حبـ ـا مجـ ـا‪ ،‬وأن اعرتاضــي ال ينصــب عليــه مبقــدار مــا ينصــب علــى‬
‫الســلوك اخلــاطئ الــذي اقرتفــه فق ـ ‪ ،‬وعنــدما اســتادم لغــة حانيــة وحازمــة عنــدما‬
‫أحتدي معه وأشرح له خطأ‪ .‬وأوجهه‪ ،‬وامتنع عن أي سلوك يشعر‪ .‬باإلهانة أو يشـعل يف‬
‫ثنايا‪ .‬ي بـًا مكبوتـًا ال حتمد عواقبه‪ ،‬أقول‪ ،‬مبقدار ما أفعـل ذلـك نلـه‪ ،‬فـإني أعطيـه‬
‫درسـًا يف التواصل الفعال واإلجيابي‪.‬‬
‫فــإذا انتقــل الطفــل – ثانيًــا– إىل املدرســة‪ ،‬فــإن ا ليــات ذاتهــا ســوإ تعمــل يف‬
‫تعليمه التواصل الفعال أو السل ‪ .‬وسيلعب املعلم الدور البارز هنا‪ ،‬فهو النمـوذ الـذي‬
‫يالحـْ ويقلــد وحيتـذ ‪ ،‬وهــو نـذلك موضــوع افـب الــذي كـن أن يتوحــد الطالــب‬
‫معــه‪ ،‬وهــو – باإلضــافة إىل هــذا وذاك– تلــك صــالحية ال ــوا والعقــا ‪ .‬فــإذا نــان‬
‫املعلم منوذجـًا تواصليـا فعـاالً ي ـر بسـلونه ذاتـه – األم لـة التواصـلية افسـنة مـن‬
‫حت ــدي و اس ــتماع وروي ــة وتع ــاطف وق ــدرة عل ــى اف ــوار‪ ..‬اخل‪ ،‬ف ــإن الطف ــل ‪ /‬الطال ــب‬
‫سيح ى يف هذ‪ .‬افالة بفرصـة ثريـة ملواصـلة رحلتـه التواصـلية الناجحـة‪ .‬ي ـاإ إىل‬
‫ذلك أن الطفل سينارط يف املدرسة يف حبر من التواصل‪ ،‬وسياتا مهاراته يف ذلك‪،‬‬
‫وسريوح أقرانه يعرضون عليه مناذ شتى –إجيابية وسلبية– يف التواصل سـيتأثر بهـا‪،‬‬

‫‪- 239 -‬‬


‫أنت وأنا‬

‫وستس ــهم يف بن ــاء شاص ــيته التواص ــلية‪ .‬ل ــذلك يرتت ــب عل ــى املعلمــ واإلداريـ ـ يف‬
‫املدرسة أن يعوا أدوارهم ننمـاذ تواصـلية مهمـة‪ .‬ويف هـذا السـبيل تـاز أهميـة تـدريب‬
‫املعلم على مهـارات التواصـل الفعـال –قبـل اخنـراطهم يف اخلدمـة ويف أثنائهـا – مـن‬
‫خ الل حماضرات وورش عمل ويري ذلـك يف وسـائ التـدريب‪ ،‬فـريوح املـدرس ينتقـل يف‬
‫سنوات عمله عا مستويات التدريب املاتلفة مرتقيـا مـن العـام إىل اخلـاص‪ ،‬وإذ يتسـع‬
‫وعيــه التواصــلي ويتعمــق‪ ،‬فإنــه يبــدأ مبعاجلــة عيوبــه التواصــلية‪ ،‬وانتســا املهــارات‬
‫املطلوبة‪ .‬وسوإ ي داد اهتمامه بهذ‪ .‬املهـارات عنـدما تصـبح رن ًنـا أساسي ـا يف اإلشـراإ‬
‫الرتبوي على املعلم توجيهـًا وتقييمـًا‪.‬‬
‫فإذا أتينا إىل املنـاهج املدرسـية‪ ،‬فـإن مهـارات التواصـل كـن أن تعلـم بأسـلوب‬
‫أساســي يشــبهان إىل حــد نــبري أســاليب تعلــيم الــتفكري والرتبيــة البيئيــة واملواطنــة‪.‬‬
‫فإمــا أن ُتشَـ َّـر دروس التواصــل ومهاراتــه يف املــواد املاتلفــة‪ ،‬وتنســج يف ســياق هــذ‪ .‬املــواد‬
‫ــو طبيعــي‪ ،‬فتجــد يف دروس اللغ ــة العربيــة واللغــة اإلإللي يــة واالجتماعي ــات‬ ‫علــى‬
‫والعلوم‪ ،‬إملاعات شتى للتواصل‪ ،‬يتم إعدادها بذناء‪ ،‬حبيث تنسـل إىل وعـي الطفـل وال‬
‫وعيه خبفة ومن دون عنت أو اصطناع‪ ،‬وإما أن تفرد مادة خاصة ملهارات التواصل تتـدر‬
‫عــا ســنوات الدراســة‪ ،‬يامًــا نمــا تتــدر املــواد األخــر ‪ .‬ويف ــل يف هــذا املقــام اتبــاع‬
‫األســلوب معــًا ضمانــًا لتحقيــق اهلــدإ املنشــود‪ .‬ونــم مــن املفيــد أن يكــون بـ نتــب‬
‫الطفــل املدرســية نتــا عــن التواصــل‪ ،‬يعــد بصــورة جذابــة ومشــوقة‪ ،‬ويُــدرَّس بطرائــق‬
‫عملية تشد انتبا‪ .‬الطفل ويتعه‪.‬‬
‫وإذا نان التعاون ب البيت واملدرسة قد يدا بديهية ال جيادل أحـد فيهـا‪ ،‬فـإن‬
‫هــذا التعــاون كــن أن تــد لتعلــيم الطفــل مهــارات التواصــل‪ .‬لــذلك كــن أن تقــيم‬
‫املدرسة بعق ا اضرات والندوات وورش العمل ل يادة وعي ا باء واألمهـات بالتواصـل‬
‫و جيعل الطفل يعيش يف مناخات تواصلية فعالة‪ ،‬سـواء أنـان هـذا يف‬ ‫وفنياته‪ ،‬على‬

‫‪- 241 -‬‬


‫مقدمة في مهارات التواصل اإلنساني‬

‫البي ــت أم يف املدرس ــة‪ ،‬وت ــدعم امل سس ــتان بع ــهما يف ه ــذا ا ــال‪ ،‬ب ــدل م ــن أن ت ــيع‬
‫إحداهما ما صنعته األخر ‪.‬‬
‫فـ ــإذا انتقـ ــل الطالـ ــب إىل اجلامعـ ــة اختـ ــذت دراسـ ــته للتواصـ ــل أبعـ ــادًا أن ـ ــر‬
‫ختصصــا باملــادة ال ـ سيدرســها‪ .‬و ــن إلــد اليــوم أن اجلامعــات بكلياتهــا املاتلفــة –‬
‫راحت ت ري مناهجها مبساقات عن التواصل‪ ،‬وهذا أمر طبيعي‪ ،‬إذ مهما نان ختصص‬
‫الطالب فال بد مـن أنـه حمتـا للتواصـل سـواء أنـان معلمـًا أو صيدالني ـا أو طبيبـًا أو‬
‫مهندسـًا‪ .‬ي اإ إىل ذلك أن الطالب يكون قد اقرت –نسبيـا من تشكيل أسرة‪ ،‬وسوإ‬
‫تقوم اجلامعة بدور اجتماعي مهم عنـدما ت يـد مـن وعـي هـذا الطالـب بأبعـاد التواصـل‬
‫األس ــري وفنيات ــه‪ ،‬وه ــو أم ــر ك ــن أن يس ــاعد يف إث ــراء ه ــذ‪ .‬العالق ــات –يف املس ــتقبل–‬
‫وصيانتها ومحايتها من التفكك‪ .‬بل إن التواصل يـرتب إىل حـد نـبري باملواطنـة‪ ،‬مـا‬
‫دام ك ــن أن يوج ــه امل ــرء إىل أس ــاليب التفاع ــل اإلجي ــابي م ــع امل ــواطن ا خ ــرين يف‬
‫خمتلف مواقعهم‪.‬‬
‫فإذا انتقلنا إىل ا تمع – على اتساعه – ثال ًا‪ ،‬فإن امل سسات املهنية املاتلفة‬
‫سـتتحمل مسـ ولية يف تـدريب العــامل فيهـا علــى مهـارات التواصــل‪ ،‬وسـوإ يعــود هــذا‬
‫باخلري على امل سسات ذاتها‪ ،‬وعلى منْ يتعاملون معها‪ .‬بل إن رب ارتقاء العامل املهـ‬
‫باجتياز‪ .‬لـدورات تدريبيـة يف التواصـل سـيمنح األمـر جديـة‪ ،‬شـريطة أن ينفـذ بأسـاليب‬
‫عــل العــامل يســارعون إليهــا بــريبتهم‪ ،‬ال أن ين ــروا إليهــا نعــبء إضــايف‬ ‫مشــوقة‬
‫ثقيل‪.‬‬
‫وعلى الصعيد االجتماعي ذاته‪ ،‬فإن على وسائل االتصال اجلماهريي بأشكاهلا‬
‫املاتلف ــة مســ ولية ب ــارزة يف ه ــذا امل ــمار‪ .‬فباإلض ــافة للمحاض ــرات والن ــدوات وس ـُـبل‬
‫اإلعالم األخر ‪ ،‬فإن وعي م لفي الدراما التلفازية بأهمية مهارات التواصل سـيجعلهم‬
‫ي منوها يف أعماهلم املاتلفة سواء أنانت موجهة للصـغار أو الكبـار‪ ،‬نمـا سـيح هم‬

‫‪- 240 -‬‬


‫أنت وأنا‬

‫ـو جـذا يـ ين للنـاس تقليـدها‪ .‬وال‬ ‫نـب تقـديم منـاذ تواصـلية سـلبية علـى‬ ‫على‬
‫يقتصر األمر بطبيعة افـال علـى الـدراما‪ ،‬وإمنـا تتعـدا‪– .‬بـل وتسـبقه– بـرامج افـوار‬
‫املاتلفـة‪ ،‬فــإذا أتــت هــذ‪ .‬الــاامج مراعيــة دا التواصــل ومهاراتــه‪ ،‬وخاليــة مــن اهليــا‬
‫واالنفعال واملقاطعة والشتم والسارية وما إىل ذلك من م اهر تواصـلية سـلبية‪ ،‬فـإن‬
‫التلف ــاز س ــيقوم مبهم ــة اجتماعي ــة حيوي ــة‪ .‬ول ــن يفوتن ــا هن ــا اإلش ــارة إىل أن ص ــفحات‬
‫اإلنرتنت حتفل مبواد ثرية للغاية يف جمال مهارات التواصل والتدر عليها‪.‬‬
‫ويت ــد املسـ ـ ولية ذاته ــا إىل ن ــل م ــن يتص ــل باجلم ــاهري عمو ًم ــا ناطب ــاء‬
‫املس ـ ــاجد ال ـ ــذين جي ـ ــب أن ي ـ ــربوا يف س ـ ــلونهم التواص ـ ــلي نفس ـ ــه‪ ،‬ويف م ـ ــواع هم‬
‫ونصــائحهم أم لــة صــافة يف افــق علــى التواصــل الفعــال‪ ،‬خصوصًــا وأن م ــل هــذا‬
‫التواصل يقـع يف صـلب ديننـا افنيـف وآيـات القـرآن الكـريم‪ ،‬واألحاديـث الشـريفة الـ‬
‫رصــعت صــفحات هــذا الكتــا بــبعق منهــا‪ ،‬شــواهد ب ـارزة ناصــعة عــن قــيم التواصــل‬
‫وف ائله‪.‬‬

‫‪- 242 -‬‬


‫مقدمة في مهارات التواصل اإلنساني‬

‫لــيس التواصــل الفعــال جمــرد شــرط ال ينــى عنــه ألداء وظــائف خمتلفــة م ــل‬
‫التعلم وإقامة العالقات وإشباع افاجات وحتقيق األهداإ‪ ،‬ولكنه – أي ًا – دوح ناضـر‬
‫إذا لقى ما يستحقه من العناية‪ ،‬فإن من ر‪ .‬اجلذا ‪ ،‬وعبري ورود‪ ،.‬ومثار أشجار‪ .‬الدانية‬
‫وقطوفهـا‪ ،‬سـوإ تعـم علـى َمـ ْن يهتمــون بـه‪ ،‬ويعيشـون يف مهـب نسـائمه‪ ،‬ويتفيــأون وارإ‬
‫ظالله‪ .‬ومن هذ‪ .‬ال مار ‪:‬‬

‫تتفكك ن ري مـن الـرواب ال وجيـة واألسـرية‪ ،‬والـرواب بـ النـاس عمومًـا‪،‬‬


‫بسبب افتقارهم إىل مهارات التواصل الفعال‪ .‬إن االستسالم للغ ـب‪ ،‬وييـا التعـاطف‬
‫مع ا خـر‪ ،‬وضـعف االسـتماع‪ ،‬والعـي عـن التعـبري اللف ـي املالئـم‪ ،‬نـل ذلـك كـن أن‬
‫قه ــا‪ .‬ل ــذلك ي ــوفر التمت ــع مبه ــارات‬ ‫ي ــوهن العالق ــات وال ــرواب االجتماعي ــة ب ــل و‬
‫تواصلية عالية فرصة واسعة إلنشاء العالقات االجتماعية‪ ،‬وا اف ة عليهـا‪ ،‬ومعاجلـة‬
‫آفاتها‪ .‬لنن ر على سبيل امل ال إىل العالقات ال وجية‪ :‬رجل وامرأة لكل منهما ترنيبـة‬
‫وراثية خمتلفة‪ ،‬وتاريا خاص به‪ ،‬وعاشا يف بيئة خمتلفـة‪ ،‬يتاـذان قـرارًا بـالعيش معًـا‪،‬‬
‫ويفــرتض أن هــذا القــرار أبــدي‪ ،‬إنهمــا ســيواجهان افيــاة معًــا‪ ،‬ويربيــان أطفاهلمـا م ًعــا‪.‬‬
‫تواجــه هــذ‪ .‬العالقــة صــعوبات شــتى‪ ،‬وهــذا أمــر طبيعــي‪ ،‬إال أن هــذ‪ .‬الصــعوبات كــن‬
‫اوزهــا بتواصــل مح ــيم متعــاطف‪ .‬ت ــر نــم مــن األزوا جيلس ــون – عنــدما تواج ــه‬
‫عالقـ ــتهم صـ ــعوبات – ويتحـ ــاورون بهـ ــدوء‪ ،‬وحيـ ــاولون النفـ ــاذ إىل عواملهمـ ــا املتبادلـ ــة‪،‬‬
‫والتعاطف مع مشاعرهما املاتلفـة تـر نـم يفعلـون هـذا بـدل التـورط يف شـجار لـن‬
‫يف ي إال إىل التوتر واملرارة‪ ،‬ورمبا الكراهية يف نهاية األمر‪ .‬نـم مـن ال جيـات سـقطت‬

‫‪- 243 -‬‬


‫أنت وأنا‬

‫بسبب ييا الذناء العاطفي واالجتمـاعي‪ ،‬وبسـبب ضـعف افساسـية ل شـارات الـ‬
‫يصدرها ا خر شعوريـا أو ال شعوريـا ‪.‬‬
‫ال تقل عالقات األبوين مع أطفاهلما تأثرًا بالتواصل عـن العالقـة ال وجيـة‪ .‬إن‬
‫التنشئة فعل تواصلي إىل حد نبري‪ .‬فقد ينسى ا باء أهمية تواصل م مـر مـع األبنـاء‬
‫ليلجــأوا بــدل ذلــك إىل التمــرس وراء تســل ياشــم باســم الســلطة األبويــة‪ .‬نــم مــن‬
‫ــو ي ـ ري اخل ــوإ واإلحبــاط يف نف ــوس‬ ‫ا بــاء يســتبد به ــم الغ ــب فينفج ــرون علــى‬
‫أطفــاهلم ون ــي جيل ــس ا ب ــاء م ــع هــ الء األطف ــال فيس ــتمعون هل ــم بص ــا ومه ــارة‪،‬‬
‫ويتعاطفون معهم‪ ،‬وحيـاوروهم بعقالنيـة وباملقابـل عنـدما يكـا األبنـاء وقـد فشـلوا يف‬
‫تعل ــّ م امله ــارات التواص ــلية ن ــم س ــي ريون م ــن م ــرارة ل ــدي ا ب ــاء ن ـ ـرًا هل ــذا العجـ ـ‬
‫التواصلي الذي يبدو ونأنه سداد دين سل ‪ ،‬أو انتقام آجل ال شعوري ب األجيال‪.‬‬
‫و تد أثر التواصل إىل العالقـات بـ األصـدقاء واملعـارإ‪ ،‬بـل إن ف ـة تواصـلية‬
‫ناجح ــة س ــريعة ك ــن أن ت ــرتك أثــرًا طيب ـًـا يف ال ــنفس‪ .‬إن ح ــوارًا سريع ـًـا م ــع ب ــائع يتس ــم‬
‫بالذناء والفكاهة واللطف‪ ،‬ي ري السرور يف النفس على الريم من أنه سريع وعابر‪.‬‬

‫يستطيع الشاص الذي يتمتع بذناء تواصلي مرتفع توسيع نطاق عالقاتـه‪،‬‬
‫ن رًا لااعته يف نسج العالقات من خالل تواصل فعال‪ ،‬نما يكنه هذ‪ .‬الااعة أي ًـا‬
‫من تعميق هذ‪ .‬العالقات مع ا خرين‪ ،‬ن رًا ألنه ي ري يف نفوسهم اإلعجا واملصـداقية‬
‫وال قــة‪ .‬وعلــى هــذا النحــو تتوســع شــبكة عالقاتــه وتتعمــق مــع نــل النــواتج النفســية‬
‫اإلجيابية مل ل هذ‪ .‬العالقات‪.‬‬

‫الناس يف واحدة من وظائفهم املهمة بالنسبة للذات مرايا‪ .‬فنحن نتعـرإ علـى‬
‫نفوســنا يف نـ ري مــن األحيــان مــن خــالل مراقبــة اســتجابات النــاس لنــا‪ ،‬ســواء أنانــت‬

‫‪- 244 -‬‬


‫مقدمة في مهارات التواصل اإلنساني‬

‫هــذ‪ .‬االســتجابات لف يــة أم يــري لف يــة‪ .‬وامــتالك مهــارات تواصــلية فعالــة كننــا مــن‬
‫التقـاط هــذ‪ .‬االسـتجابات بف ــل ذنائنــا التواصـلي‪ ،‬ثــم إن ن ــرة عالقاتنـا‪ ،‬تتــيح لنــا‬
‫علنا نتحقق من صدق صورتنا عن ذاتنـا مـن خـالل الرتنيـب بـ صـور‬ ‫مرايا أن ر‬
‫متعددة‪ .‬ي اإ إىل ذلك أن ثقة النـاس بنـا واقتنـاعهم مبصـداقيتنا الـ انتسـبناها‬
‫عـل النـاس أن ـر حريـة يف التعـبري عـن وجهـات‬ ‫من خالل مهاراتنا التواصلية‪ ،‬سوإ‬
‫شوا ردود فعلنا الغاضبة أو العصبية‪.‬‬ ‫ن رهم بنا من دون أن‬

‫تصب نـ ري مـن مهـارات التواصـل يف نهـر الد وقراطيـة‪ :‬إن حسـن االسـتماع‪،‬‬
‫واحرتام الرأي ا خـر‪ ،‬والقبـول مببـدأ افـوار‪ ،‬وفنيـات توجيـه النقـد البنـاء وتلقيـه‪ ،‬هـي‬
‫مه ــارات د وقراطي ــة باإلض ــافة إىل أنه ــا مه ــارات وق ــيم تواص ــلية‪ .‬ف ــإذا انتش ــرت ه ــذ‪.‬‬
‫األخــرية وأصــبحت ج ـ ءًا مــن العــادات العقليــة واالنفعاليــة والســلونية للنــاس‪ ،‬فــإن‬
‫الد وقراطية تتلقى دعمـًا تواصليـا يسهم يف بنائهـا نمـا تسـهم الـدعائم االقتصـادية‬
‫والسياسية والفلسفية األخر ‪.‬‬

‫تت ــمن مع ــم املهــن يف ا تمــع مكونًــا تواصــليًا قويًــا‪ .‬إن العامــل يف مصــنعه‪،‬‬
‫وامل ــدير يف مكتب ــه‪ ،‬واملعل ــم – ون ــذلك الطال ــب – يف مدرس ــته‪ ،‬والطبي ــب يف عيادت ــه‪،‬‬
‫والص ــيدالني يف ص ــيدليته‪ ،‬والب ــائع يف متج ــر‪ ...‬إخل‪ .‬حيت ــاجون إىل مه ــارات تواص ــلية‬
‫عالية مادام عملهم يت من العالقات مع ا خرين‪ .‬إن أي واحد من ه الء سـوإ يفشـل‬
‫يتمتــع بهــذ‪.‬‬ ‫يف عملــه – أو يف أحســن الفــروض ســوإ يواجــه صــعوبات نــأداء – إن‬
‫املهارات‪ .‬و كننا أن نتايل مواقف شتى يف هذ‪ .‬املهن املاتلفة يـ دي فيهـا االفتقـار إىل‬
‫املهارات التواصلية‪ ،‬إىل نتائج حمرجة أو حمبطة أو – حتى – م ذيـة للغايـة‪ .‬ان ـر إىل‬
‫ـا مري ـه مبرضـه‬ ‫معلم ال جييد التعبري عما جيب قوله‪ ،‬أو طبيب ال يعرإ نيـف‬

‫‪- 245 -‬‬


‫أنت وأنا‬

‫ـو يفهمـه‬ ‫اخلطري‪ ،‬أو الصيدالني الذي ال يستطيع شرح طريقـة اسـتادام دواء علـى‬
‫املــريق‪ ،‬أو إىل بــائع فــْ ال يــوحي بال قــة واملصــداقية‪ ،‬وســرت النتــائج الســلبية ال ـ‬
‫ســترتتب علــى ممارســاتهم ســواء بالنســبة لرخــرين أو بالنســبة لعملــهم أي ًــا‪ .‬وختيــل‬
‫على النقيق‪ ،‬ممارسات تواصلية إجيابية يقوم بها ه الء املتاصصـون‪ ،‬وسـرت نيـف‬
‫سوإ ستساعدهم مهاراتهم يف حتقيق أهدافهم وإشاعة جو من الرضى حوهلم‪.‬‬

‫ال شــك يف أن نـ ريًا مــن اإلحباطــات والصــراعات ووجــو‪ .‬االضــطرا والتــوتر‬


‫النفسي على اختالإ أنواعها وشدتها تـنجم – إىل حـد نـبري عـن أسـبا تواصـلية‪ .‬إن‬
‫كـن أن تتشـكل لـد األطفـال مـن جـراء معاملـة قاسـية ينقصـها‬ ‫العقد النفسية ال‬
‫ك ــن أن ت ــنجم ع ــن فش ــل العالق ــات املاتلف ــة‬ ‫التع ــاطف وال ــتفهم‪ ،‬واالحباط ــات الــ‬
‫نافــب وال ـ وا والصــداقة‪ ،‬تلحــق أذ نــبريًا بالصــحة النفســية‪ .‬ون ـرًا لالرتبــاط‬
‫الوثيـق بـ الصــحة النفسـية واجلســمية فــإن آثـارًا ســلبية ســوإ تلحـق أي ــًا بالصــحة‬
‫اجلسمية‪ .‬لذلك فإن التمتع مبكونات الذناء التواصلي املاتلفة‪ ،‬مـن ذنـاء جـواني‬
‫واجتماعي وعاطفي‪ ،‬تسهم يف زيـادة فـرص العالقـات اإلجيابيـة البنـاءة‪ ،‬وحـل املشـكالت‬
‫التواصلية عمومًا‪ ،‬وهذا ينعكس بدور‪ .‬على الصحة النفسـية واجلسـمية أي ـًا‪ ،‬فيغيـب‬
‫االنتئا وتتحقق الطمأنينة التواصلية‪.‬‬

‫إن حياة ترتاجـع فيهـا الن اعـات واالنفعـاالت السـلبية‪ ،‬وتتقـدم فيهـا العقالنيـة‬
‫والتفاهم والعالقات اإلجيابية هي مـن دون شـك أن ـر متعـة وأمانًـا‪ .‬أمـا املتعـة فتنـتج‬
‫عــن تك يــف النشــاطات االجتماعيــة املرتتبــة علــى توســع العالقــات التواصــلية وعمقهــا‪،‬‬
‫وينجم األمن عن اإلحساس مبحـي تواصـلي ودود ويـري معـاد‪ ،‬كـن البـوح عـن الـذات‬
‫فيه‪ ،‬وتتالشى ييوم الوحدة الداننة وسجف االنتئا القاية‪.‬‬

‫‪- 246 -‬‬


‫مقدمة في مهارات التواصل اإلنساني‬

‫أبو حامد حممد بن حممد الغ الي‪ .‬إحياء علوم الدين‪ .‬ا لد ال الث‪ :‬نتا‬ ‫‪- 5‬‬
‫شرح عجائب القلب‪ .‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪.‬‬
‫أمحـد بـن حممـد بـن عبـد ربــه األندلسـي‪ .‬العقـد الفريـد‪ .‬حتقيـق‪ :‬عبـد القــادر‬ ‫‪- 4‬‬
‫شاه ‪ .‬اجل ء ال اني‪ :‬نتا املرجانة‪ .‬املكتبة العصرية‪ ،‬صيدا‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫أبــو ع مــان عمــرو بــن حبــر اجلــاحْ‪ .‬ا اســن واألضــداد‪ .‬دار مكتبــة اهلــالل‪،‬‬ ‫‪- 4‬‬
‫بريوت‪ ،‬لبنان‪.‬‬
‫أبو ع مان عمرو بن حبر اجلاحْ‪ .‬البيان والتبـي ‪( .‬ا لـد األول)‪ .‬دار مكتبـة‬ ‫‪- 3‬‬
‫اهلالل‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪.‬‬
‫ألالّإ‪ .‬منشـورات‬
‫علي بن أمحد بن ح م األندلسي‪ .‬طـوق افمامـة يف األْلـف وا ْ‬ ‫‪- 1‬‬
‫املتوس ومنشورات نتابة‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪.‬‬

‫دانييل جوملان‪ .‬الذناء العاطفي‪ .‬ترمجة‪ :‬ليلى اجلبالي‪ .‬عـا املعرفـة (‪،)474‬‬ ‫‪- 5‬‬
‫ا لس الوط لل قافة والفنون وا دا ‪ ،‬الكويت‪ ،‬أنتوبر‪4111 ،‬م‪.‬‬
‫وليام المات‪ ،‬واالس المات‪ .‬علم النفس االجتماعي‪ .‬ترمجة‪ :‬د‪ .‬سـلو املـال‪،‬‬ ‫‪- 4‬‬
‫دار الشروق‪ ،‬القاهرة‪5664 ،‬م‪.‬‬

‫‪- 247 -‬‬


‫أنت وأنا‬

1. Berko, R.M. , Wolvin, A.D. and Wolvin, D.R. Communicating.


Boston, Houghton Mifflin Company, 1989
2. Burton, G. And Dimbleby, R. Between Ourselves. London,
Edward Arnold, 1993.
3. Civikly, Jean M. Messages. New York, Random House, 1974.
4. Devito, Joseph A. The interpersonal communication Book.
New York, Harper Collins, 1992.
5. Gross, Richard D. Psychology. London , Hodder & Stoughton,
1992.
6. Harper, Nancy. Human Communication theory. New Jersey,
Hayden, 1979.
7. Hartley, Peter. Interpersonal Communication.London ,
Routledge, 1993.
8. Heap, R. A and Rohde, N. Interpersonal Communication. Utah,
Brigham Young University , 1974.
9. Hogg, M. A. And Vaughan, G.M. Social Psychology. London,
Prentice Hall , 1998.
10. Knapp, Mark L. Nonverbal Communication in Human
Interaction. New York, Holt, Rinhart and Winston, Inc.
11. Robbins, S. P. And Hunsaker, P.L. Training in Interpersonal
Skills. New Jersey, Prentice Hall , 1996.
12. Tindall, W.N. , Beardsley, R.S., and Kinbetlin, C.L.
Communication Skills in Pharmacy Proctice. London , Lea and
Febiger, 1994.

- 248 -
‫مقدمة في مهارات التواصل اإلنساني‬

‫‪- 249 -‬‬

You might also like