تفسير ابن عرفة ترقيم الشاملة موافق للمطبوع

You might also like

Download as doc, pdf, or txt
Download as doc, pdf, or txt
You are on page 1of 412

‫بسم اهلل الرحمن الرحيم‬

‫الكتاب ‪ :‬تفسير ابن عرفة المالكى‬


‫المؤلف ‪ :‬أبو عبد اهلل محمد بن محمد بن عرفة الورغمي‬
‫دار النشر ‪ :‬مركز البحوث بالكلية الزيتونية ‪ -‬تونس ‪ 1986 -‬م‬
‫الطبعة ‪ :‬األولى‬
‫تحقيق ‪ :‬د‪ .‬حسن المناعي‬
‫عدد األجزاء ‪2 /‬‬
‫[ ترقيم الشاملة موافق للمطبوع ]‬
‫فائدة ‪ :‬هذا التفسير عبارة عن تقييد لتلميذ اإلمام ابن عرفة وهو األبي على تفسير شيخه‪.‬‬

‫( ‪)1/58‬‬

‫صفحة رقم ‪59‬‬


‫بسم اهلل الرحمن الرحيم‬
‫صلى اهلل علي سيدنا محمد وسلم‬
‫قال سيدنا وبركتنا الشيخ الفقيه العالم العالمة عز األنام الحبر الهمام الصدر المحقق فريد دهره‬
‫ووحيد عصره أبو عبد اهلل محمد بن عرفة المالكي ‪:‬‬
‫علم التفسير ‪ :‬القول في حقيقته ‪ ،‬وموضوعه ‪ ،‬ودليله ‪ ،‬وفائدته ‪ ،‬واستمداده ‪ ،‬وحكمه ‪.‬‬
‫أما حقيقته ‪ :‬فهو العلم بمدلول القرآن وخاصية كيفية داللته ( وأسباب النزول ) والناسخ والمنسوخ ‪.‬‬
‫فقولنا ‪ :‬خاصية كيفية داللته هي إعجازه ومعانيه ( البيانية ) وما فيه من علم البديع ( الذي يذكره )‬
‫الزمخشري ( ومن نحا نحوه ) ‪.‬‬

‫( ‪)1/59‬‬

‫صفحة رقم ‪60‬‬


‫قيل ( البن ) عرفة ‪ :‬غيره من المفسرين لم يذكرها كالطبري الذي هو إمام المفسرين ؟‬
‫فقال ‪ :‬كان مركزا في طبعه وإ ن لم يكتبه ‪.‬‬
‫وموضوعه ‪ :‬القرآن ‪.‬‬
‫ودليله ‪ :‬اللغة ( العربية ) والبيان ‪ ،‬ألن المفسر يفسر اللفظة بمعنى ويستدل عليها بشواهد من الشعر‬
‫وكذلك يستدل على إعرابها ‪.‬‬
‫الدين وأصول الفقه والعربية ‪.‬‬
‫وفائدته ‪ :‬استنباط األحكام والمعاني من أصول ّ‬
‫وحكمه ‪ :‬أنه فرض كفاية وهو اآلن ساقط لحصوله في الكتب وقام به جمع كثير ‪.‬‬
‫لكن الناس على أقسام ‪ - :‬مجتهد مفسر ( كالشيخ عز الدين ) ( ب ) ابن عبد السالم ‪.‬‬
‫ّ‬
‫وآخر مفسر غير مجتهد كسيبويه ( ج ) والفارسي ( د ) والزجاج‬

‫( ‪)1/60‬‬

‫صفحة رقم ‪61‬‬


‫وحصلوا ) أدوات التفسير ‪.‬‬
‫ّ‬ ‫فإنهم لم يحصلوا أدوات االجتهاد (‬
‫والزمخشري ّ‬
‫وآخر مجتهد غير مفسر حسبما ذكر الغزالي ( ب ) في شروط االجتهاد ‪ " :‬إنه ال يلزم المجتهد حفظ‬
‫القرآن كلّه بل إن ( حفظ منه خمسمائة آية ) ( يستدل بها ) ‪ ،‬وهي آيات األحكام ( ج ) ‪.‬‬
‫والمفسر من شروطه ‪ :‬حفظ القرآن كله ‪ ،‬ألن المفسر إذا استحضر آية ال يحل له أن يفسرها‬
‫مبينة فال بد للمفسر من‬
‫الحتمال أن يكون ( هنالك ) آية آخرى ناسخة لها أو مقيدة أو مخصصة أو ّ‬
‫حفظ القرآن كله ‪.‬‬
‫( هذا ) وال حاجة ( له ) بطلبه ألن التفسير من قام به موجود في الكتب ‪.‬‬
‫وأقل التفسير يحتاج فيه إلى المشاركة في العلوم المشترطة في المفسر ما ينقل ليفهم‪.‬‬
‫ونحن اآلن ناقلون ال يلزمنا حفظ القرآن كله ‪.‬‬

‫( ‪)1/61‬‬

‫صفحة رقم ‪62‬‬


‫ولقد كان الفقيه أبو القاسم بن القصير ( أ ) مدرساً بمدرسة ابن اللوز يفسر القرآن فيها ‪ ،‬وكان ال‬
‫يحفظه فأنكر عليه أبو الحسن على العبيدلي ( ب )‪.‬‬
‫وقال له ‪ :‬ال يحل لك التفسير حتى تحفظ القرآن كلّه‪.‬‬
‫فأخذ ذلك منه بالقبول وأقبل على درس القرآن حتى حفظه ‪.‬‬
‫فقيل البن عرفة ‪ :‬كيف يشترط حفظ القرآن في هذا وهو ناقل للتفسير فقط ‪ ،‬وإ نما يشترط ذلك في‬
‫المنقول عنه ؟‬
‫فقال ‪ :‬أال ترى أنا ال نجيز الفتوى ( والتدريس ) لمن ينظر في مسألة واحدة في الكتب حتى يشخص‬
‫جميع مسائل الكتب كلها إذ قد يكون بعضها مقيداً لبعضها‪.‬‬
‫أن فرض الكفاية‬
‫فتحصل من هذا ّ‬
‫ّ‬ ‫فكذلك هذا فلعل مفسراً آخر يستحضر آية تقيدها ‪ ،‬أو نحو ذلك ‪،‬‬
‫باعتبار أصل التفسير ( قد ارتفع ) قبل أن يقع البعض به وفرض الكفاية باعتبار نقل التفسير لم يزل‬
‫باقياً ‪.‬‬
‫قيل البن عرفة ‪ :‬بل نقول ‪ :‬إنه فرض عين ويجب على من يقرأ ( القرآن ) أن يفهم المعنى ؟‬
‫فقال ‪ :‬كان الصحابة في الزمن األول ( يعلمون ) اإلعجام أللفاظ القرآن بدون معانيه ‪ ،‬وإ ن كان قد‬
‫قال الفقهاء ‪ :‬فيما إذا اجتمع األفقه واألقرأ ‪ّ :‬إنه يقدم األفقه ( ج ) ‪ ،‬وحملوا قوله ( صلى اهلل عليه‬
‫وسلم ) ‪:‬‬

‫( ‪)1/62‬‬

‫صفحة رقم ‪63‬‬


‫" يؤم ( القوم ) أقرؤهم " ( أ ) على أن األقرأ في ذلك الزمان هو األعلم ( إذ ) كانوا يتعلمون مع‬
‫التالوة ما يتعلق به من األحكام ‪ ،‬والمعاني قاله ابن بشير ( ب ) وغيره‪.‬‬
‫ويحكى أن سيدي الفقيه الصالح أبا العباس بن عجالن ( ج ) رأى رجالً يضبط المصحف ( باألحمر‬
‫) فأنكر عليه ‪ ،‬وضربه ضربة في وجهه ( بخوصة ) ( د )‪.‬‬
‫ثم لقيه بعد ذلك فجعل يطلب منه ( العفو ) وندم على ( ما فعله له ) ‪ ،‬ورأى ّأنه ال يستحق به تلك‬
‫العقوبة ‪.‬‬
‫ونقل عن العبيدلي أنه كان يمنع المؤدبين الذين ال يحسنون رسم المصحف من اإلقراء‪.‬‬
‫( وهكذا ) كان العمل بتونس ال يقرئ إال من يحسن الضبط ( بقراءة ) ورش ( ه ) وال يباع في‬
‫الكتبيين إال المصحف المصحح ‪.‬‬

‫( ‪)1/63‬‬

‫صفحة رقم ‪64‬‬


‫تفسير االستعاذة‬
‫أعوذ باهلل من الشيطان الرجيم ‪ ( :‬أ )‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬االستعاذة استجارة واالستجارة إبعاد واإلبعاد نفي ( والنفي ) متعلق باألخص ونفي‬
‫األخص ال يستلزم نفي األعم فال يلزم ( من ) االستعاذة من هذا الشيطان المخصوص االستعاذة من‬
‫مطلق الشيطان ‪.‬‬
‫وأجاب بأن قال ‪ :‬النعت على قسمين ‪ :‬نعت تخصيص ونعت لمجرد الذم ‪ ،‬فيقال إن هذا النعت مجرد‬
‫الذم ‪ ( ،‬وكل ) شيطان مرجوم ‪.‬‬

‫( ‪)1/64‬‬

‫صفحة رقم ‪65‬‬


‫قال اإلمام مالك في المدونة ‪ :‬ال يتعوذ في المكتوبة ( قبل القراءة ) ولكن يتعوذ في قيام رمضان ( أ‬
‫عذ باهلل ِم َن‬
‫َت القُرآن فَاستَ ِ‬
‫) وإ ذا بدأ ‪ -‬وقال في المجموعة ( ب ) في قوله تعالى ‪ ( :‬فَإ َذا قََرأ ْ ْ َ ْ‬
‫إن ) قرأ في الصالة ‪.‬‬
‫إن ذلك بعد أم القرآن ( ْ‬ ‫الر ِ‬
‫جيم ) ) ج ) ‪ّ -‬‬ ‫طِ‬
‫ان َّ‬ ‫َّ‬
‫الشي َ‬
‫قال اللّخمي ( د ) ‪ ( :‬الشأن فيمن ) افتَتَح أن ال يتعوذ ورأى ذلك ألن االفتتاح بالتكبير ينوب عنه‬
‫ويجزئ عنه ‪.‬‬
‫أتمها ولم يعد وإ ن لم يكن أطال ففي رجوعه‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬وإ ذا نسى اإلستعاذة فإن أطال القراءة ّ‬
‫إلى اإلستعاذة قوالن‪.‬‬
‫وكره له في العتبية ( ه )‬

‫( ‪)1/65‬‬

‫صفحة رقم ‪66‬‬


‫أن األمر باالستعاذة على الندب ‪.‬‬
‫الجهر باالستعاذة في قيام رمضان ورأى ّ‬
‫ابن رشد ( أ ) ‪ :‬ووجه ما في المدونة االتباع ‪ ،‬وخفف في العتبية ( ب ) أيضاً تعوذ القارئ إذا أخطأ‬
‫في الصالة ألن ( ذلك ) من الشيطان ‪.‬‬
‫وحكى ( أبو عمرو الداني ) في ( بحار البيان ) ( ج ) في كيفيته ثالثة أوجه ‪ ( :‬إما أعوذ باهلل‬
‫السميع العليم من الشيطان الرجيم ‪ ،‬وإ ما أعوذ باهلل من الشيطان الرجيم ‪ ،‬وإ ما أعوذ باهلل من الشيطان‬
‫الرجيم إنه هو السميع العليم ) ( وحكى ) في كتاب ( اإلقناع ) ( د ) أن األولى أن تقول ‪ :‬أعوذ باهلل‬
‫القوي من الشيطان ( الغوي ) ‪.‬‬

‫( ‪)1/66‬‬
‫صفحة رقم ‪67‬‬
‫وقال الشاطبي ( أ ) ‪:‬‬
‫إذا أردت الدهر تقرأ فاستعذ‬
‫جهارا من الشيطان باهلل مسجال‬
‫على ما أتى في النحل يسرا وإ ن تزد‬
‫لربك تنزيها فلست مجهال‬
‫وقد ذكروا لفظ الرسول ولم يرد‬
‫ولو صح هذا النقل لم يبق مجمال‬
‫ب)‬
‫أن اآلي مجملة ( هو خطأ ألن المجلم عند األصوليين هو اللفظ المحتمل معينين فصاعدا‬
‫فظاهره ّ‬
‫على التساوي ‪ ،‬وليست اآلية كذلك بل هي عندهم من قبيل المطلق الذي يصدق بصورة ) ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬وعادتهم يجيبون عنه بأنه من قبيل اإلجمال اللغوي ال االصطالحي ‪.‬‬
‫( ثم قال ) ‪:‬‬
‫وفيه خالف في األصول‪ n‬فروعه‬
‫فال تعد منها باسقا ومظلال‬
‫ج)‬
‫ومراده باألصول إما ( الكتب المطوله ) وإ ما أصول الفقه ‪.‬‬
‫الر ِجيم ‪ :‬هو بمعنى مرجوم فإن أريد المرجوم بالشهب فالنعت للتخصيص والبيان ‪ ،‬وإ ن أريد‬
‫وقوله َّ‬
‫به أنه مرجوم باللّعنة ‪ ،‬والمقت وعدم الرحمة فالنعت للتأكيد ‪ ،‬ألن كل شيطان كذلك ‪.‬‬

‫( ‪)1/67‬‬

‫صفحة رقم ‪68‬‬


‫قلت ‪ :‬وتقدم البن عرفة ( في الختمة الثانية في عام سبعة وخمسين وسبع مائة ) ‪ ،‬قال أبو البقاء ( أ‬
‫) ‪ :‬الشيطان فيعال من شطن يشطن إذا بعد ‪ ،‬ويقال فيه ‪ :‬شاطن وشيطان وسمي بذلك كل متمرد‬
‫لبعد ( غوره ) ( في الشر ) وقيل ‪ :‬هو ( فعالن ) من شاط يشيط إذا هلك ( ب ) ‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬ورد هذا لمخالفة ( قاعدة ) االشتقاق ‪ ،‬ألن الشيطان فيه النون وشاط ال نون فيه ‪-‬‬
‫والرجيم بمعنى مرجوم ( وقيل ) بمعنى فاعل أي يرجم غيره ‪.‬‬
‫ّ‬

‫( ‪)1/68‬‬
‫صفحة رقم ‪69‬‬
‫تفسير البسملة‬
‫الر ِح ِيم ) ‪:‬‬ ‫( بِسِم ِ‬
‫اهلل الرحمن َّ‬ ‫ْ‬
‫قال ابن رشد في البيان ( في رسم نذر سنة ) ‪ :‬لم يختلف قول مالك ‪ّ :‬إنها ال تقرأ في الفريضة ال في‬
‫ّأول الحمد ‪ ،‬وال في ( أول ) السورة التي بعدها ألنها ليست آية منها‪.‬‬
‫( وليست ) من القرآن إال في سورة النمل ‪ :‬وإ نما ثبت في المصحف االستفتاح بها‪.‬‬
‫قال ‪ :‬ويتحصل في قراءتها في أول الحمد في الفريضة أربعة ( وجوه ) ‪ :‬قراءتها للشافعي ‪-‬‬
‫سرا استحبابا ‪.-‬‬
‫وكراهتها لمالك ‪ -‬واستحبابها لمحمد ابن مسلمة ‪ -‬والرابع قراءتها ّ‬
‫وأما النافلة‬

‫( ‪)1/69‬‬

‫صفحة رقم ‪70‬‬


‫فلمالك فيها في الحمد قوالن ‪ ،‬وله فيما عدا الحمد ثالثة ‪ ،‬فله في هذه الرواية القراءة ‪ ،‬وله في رواية‬
‫يخير ‪ -‬انتهى‪.‬‬
‫أشهب عنه عدمها إال أن يقرأ القرآن في صالته عرضا ‪ ،‬وفي المدونة ّأنه ّ‬
‫قال القاضي عماد الدين ‪ :‬ذهب مالك وأبو حنيفة إلى أنها ليست آية من الفاتحة وال من أول كل سورة‬
‫وذهب الشافعي وجماعة إلى أنها آية من الفاتحة وعنه في كونها آية من ( أول ) كل سورة قوالن ‪( :‬‬
‫( فمن أصحابه من حمل القولين على أنها من القرآن في أول كل سورة ‪ ،‬ومنهم من حملها على أنها‬
‫هل هي آية برأسها في أول كل سورة أو هي مع كل آية من أول كل سورة آية ؟ ونقل السهيلي ) )‬
‫في الروض األنف ( عن ) داود وأبي حنيفة أنها آية مقترنة مع السورة ( و ) ‪.‬‬

‫( ‪)1/70‬‬

‫صفحة رقم ‪71‬‬


‫ابن عرفة ‪ :‬قيل البسملة آية من كل سورة‪.‬‬
‫فقال الغزالي في المستصفى‪ : n‬معناه أنها آية مع كل سورة وليست جزءا من كل سورة‪.‬‬
‫وقال غيره ‪ :‬معناه أنها آية أي جزء من كل سورة‪.‬‬
‫وورد في الحديث عن عائشة ها ‪ ( :‬ما كنا نعلم تمام السورة إال بالبسملة ) فظاهره ( أنها ) تكرر‬
‫َي آالء َرِّب ُك َما تُ َك ِّذَب ِ‬
‫ان ( وظاهر غيره من األحاديث أنه لم يت َكرر فإذا‬ ‫إنزالها مع كل سورة مثل ) فَبِأ ِّ‬
‫قلنا ‪ :‬إنها مع أول كل سورة فكيف ( تصح ) قراءة ورش بإسقاطها‪.‬‬
‫قال ‪ :‬لكن يجاب بما ( قال ) ابن الحاجب بتعارض الشبهات ‪ :‬أي أن كل واحد من الخصمين يرى‬
‫أن ما أتى به خصمه شبهة أعني دليال باطال وهما قويان فتعارضت الشبهات‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬وال بد من زيادة ضميمة أخرى وهي اإلجماع على أنها قرآن من حيث الجملة ‪،‬‬
‫فلذلك صح التعارض ‪.‬‬

‫( ‪)1/71‬‬

‫صفحة رقم ‪72‬‬


‫أن عدد آي‬
‫قال بعضهم ‪ :‬والنافي هنا دليله أقوى ‪ ،‬وظاهر كالم ابن عطية في آخر سورة الحمد ( ّ‬
‫أن ( عدد ) آي الحمد سبع‪.‬‬ ‫ألنه قال ‪ :‬أجمع الناس على ّ‬ ‫السور قياسي ال سماعي ) ّ‬
‫ت َعلَْي ِه ْم‬
‫عين آية ‪ -‬أ َْن َع ْم َ‬
‫ين آية ‪َ -‬ن ْستَ ُ‬ ‫الرح ِيم آية ‪َ ( -‬م ِال ِك َي ْوِم ) ّ‬
‫الد ِ‬ ‫رب ) العالمين آية ‪ -‬الر ْحمن ِ‬
‫ّ َ‬ ‫َ‬ ‫( ّ‬
‫ين آية‪.‬‬
‫الضالّ َ‬
‫آية ‪َ -‬والَ ّ‬
‫ونص الغزالي ( في المستصفى ) على أنه مسموع وكذلك قال الزمخشري في أول سورة البقرة في‬
‫تفسير قوله ‪ :‬الم‪.‬‬
‫قال الزمخشري ‪ :‬وذكر الزجاج أنه يفخم ( الَ َمهُ ) وعلى ذلك العرب كلهم وإ طباقهم عليه دليل على‬
‫أنهم ورثوه كابرا عن كابر‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬إنما يفخم في الرفع ‪ ،‬والنصب أما الخفض فال ‪.‬‬

‫( ‪)1/72‬‬

‫صفحة رقم ‪73‬‬


‫قال ابن عرفة ‪ :‬وكان الفقيه أبو عبد اهلل محمد بن سعيد ( بن عثمان ) بن أيوب ( الهزميري ) يحكي‬
‫عن علماء الشافعية بالمشرق أنهم يقسمون البسملة ثالثة أقسام ‪ :‬قسم هي فيه آية في أول الفاتحة ‪،‬‬
‫وقسم هي فيه بعض آية ‪ ،‬وذلك في ( سورة ) النمل ‪ ،‬وقسم بعضها فيه آية ‪ ،‬وهو ‪ ) :‬الرحمن‬
‫الر ِح ِيم (‪.‬‬
‫َّ‬
‫وقدره الزمخشري ( في ) ( بسم اهلل أقرأ وأتلو ) وقدره ابن‬ ‫) بِسِم ِ‬
‫اهلل ( ‪ :‬إما متعلق بفعل أو اسم ّ‬ ‫ْ‬
‫عطية ‪ :‬بِسم اهلل أبتدئ‪.‬‬
‫قال ( ابن عرفة ) ‪ :‬وكان الشيوخ يستصوبون تقدير الزمخشري ‪ ،‬فإنه يجعل ( قراءته ) من أولها‬
‫إلى آخرها مصاحبة السم اهلل تعالى‪.‬‬
‫وقد قال الشيخ عز الدين في قواعده ‪ :‬في قول اإلنسان عند األكل ) بِسِم ِ‬
‫اهلل ( معناه ‪ :‬آكل باسم اهلل ‪،‬‬ ‫ْ‬
‫وليس معناه ‪:‬‬

‫( ‪)1/73‬‬

‫صفحة رقم ‪74‬‬


‫النظم ) أوال ( وهال قال ) نظمت‬
‫أبدأ باسم اهلل ‪ ،‬ولهذا كانوا ينتقدون على الشاطبي في قوله ‪ :‬في ( ّ‬
‫باسم اهلل ( في الذكر أوال ( )‪.‬‬
‫( حتى تكون التسمية مصاحبة له في جميع نظمه ) فإن قلت ‪ِ :‬ل َم قدر الفعل متأخرا ؟ فالجواب ‪:‬‬
‫( ّإنه إنما ) قدره كذلك ليفيد االختصاص ألنهم كانوا يقولون ‪ :‬والالّت والعزى ويبدؤون بآلهتهم ‪،‬‬
‫قُ ّدم اسم اهلل هنا ( للتوجيه والحصر ) كما في إياك نعبد‪.‬‬
‫وابن أبي الربيع وغيره كانوا يقولون ‪ّ :‬إنما قدم بِ ْسِم اهلل ( هنا ) لالهتمام به ‪.‬‬

‫( ‪)1/74‬‬

‫صفحة رقم ‪75‬‬


‫بالرحمان مع أنه أبلغ على الوصف‬ ‫ِ‬ ‫قوله تعالى ‪ ( :‬الرحمن َّ ِ ِ‬
‫الرحيم ( ‪ :‬إن قلت ‪ :‬ل َم قدم الوصف ّ‬
‫بالرحيم فيلزم أن يكون تأكيدا لألقوى باألضعف ‪.‬‬

‫( ‪)1/75‬‬

‫صفحة رقم ‪76‬‬


‫الرحمن لما كان خاصا باهلل تعالى جرى مجرى ( األسماء )‬
‫( فأجيب ) ( بوجهين ) ‪ - :‬األول ‪ّ :‬‬
‫األعالم التي تلي العوامل فقدم على الرحيم ‪.‬‬
‫( ‪)1/76‬‬

‫صفحة رقم ‪77‬‬


‫والرحيم على دقائقها‪.‬‬
‫الرحمن دال على جالئل النعم ّ‬
‫‪ ( -‬الثاني ) ‪ :‬إن ّ‬
‫قاله الزمخشري‪.‬‬
‫بأنهما يختلفان‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬وكان ( يسبق ) لنا تقريره ّ‬

‫( ‪)1/77‬‬

‫صفحة رقم ‪78‬‬


‫الرحمة بإزالة شوكة ‪،‬‬
‫ألن الرحمة باإلنقاذ من الموت أشد من ّ‬
‫( باعتبار ) المتعلق ‪ ،‬فالرحمة قسمان ّ‬
‫فقد يرحم اإلنسان َع ُد ّوهُ باإلنقاذ‬

‫( ‪)1/78‬‬

‫صفحة رقم ‪79‬‬


‫الرحمة األُولى ال‬
‫من الموت وال تطيب نفسه أن يرحمه بإزالة شوكة تؤلمه في ( بدنه ) ( فتقديم ) ّ‬
‫يستلزم هذه بوجه‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬وقرر ابن عرفة لنا في الختمة الثانية السؤال المتقدم ‪ :‬بأن ثبوت األخص يستلزم ثبوت األعم‬
‫ونفي األعم يستلزم نفي األخص ( فيبدأ ) في الثبوت باألعم ‪ ،‬ثم باألخص وفي النفي على العكس‬
‫ورحمان أخص من رحيم‪.‬‬
‫َ‬
‫النعم بالمطابقة وعلى دقائقها بااللتزام وداللة المطابقة‬
‫وقرر لنا جوابه بأن الرحمن دال على كثير ّ‬
‫أقوى من داللة االلتزام فذكر الرحيم بعده ليدل على دقائق النعم بالمطابقة‪.‬‬
‫وإ ليه أشار الزمخشري بقوله ‪ :‬والرحيم أتى به ( كالتّتمة ) ليتناول ما دق منها‪.‬‬
‫كالدبران‬
‫الر ْح َم َن أبلغ لكونه أكثر حروفا قال ‪ :‬وهو من الصفات الغالبة ّ‬
‫ولما ( رأى ) ‪ ،‬وذكر أن ّ‬
‫( والعرب ) لم ( تستعمله ) في غير اهلل أما قول بني حنيفة‬

‫( ‪)1/79‬‬
‫صفحة رقم ‪80‬‬
‫اليمامة‪.‬‬
‫في ( مسيلمة ) الكذاب ‪ :‬رحمان َ‬
‫وقول شاعرهم ‪ :‬وأنت غيث الورى ال زلت رحمانا ‪...‬‬
‫( فباب ) من تعنتهم في كفرهم قال ابن عرفة ‪ :‬هو ال يحتاج إليه ‪ ،‬وكان ( يظهر ) لنا الجواب عنه‬
‫بأن َر ْحمانا في قولهم ‪ :‬رحمان اليمامة ( استعمل مضافا ) ورحمانا في البيت منكرا‪.‬‬
‫المعرف باأللف والالم فخاص باهلل لم يستعمل في غيره ( فانتفى ) السؤال‪.‬‬
‫وأما الرحمن ّ‬
‫وكذا نص إمام الحرمين في اإلرشاد خالفا ( للفاسي )‬

‫( ‪)1/80‬‬

‫صفحة رقم ‪81‬‬


‫الر ِحيم ونحوه في أسئلة ابن‬
‫الر ْح َم ِن ّ‬
‫المختص باهلل مجموع ّ‬
‫ّ‬ ‫في شرح الشاطبية ‪ ،‬فإنه نص على أن‬
‫السيد البطليوسي‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬ونقل لي بعضهم عن القاضي أبي عبد اهلل بن عبد السالم أنه أجاب عن السؤال المتقدم بوجوه‪.‬‬
‫الر ْح َم ِن وفائدته‬
‫أحدها ‪ :‬الجواب المتقدم ‪ :‬أتى بالرحيم على سبيل التتمة ‪ ،‬وقد حصل الغرض بذكر ّ‬
‫تحقق دخول ما يتوهم خروجه‪.‬‬
‫‪ -‬الثاني ‪ :‬مراعاة الفواصل ‪ ،‬عند من يرى أنها من الفاتحة‪.‬‬
‫الرحيم لكنه ذكر ليدل عليه مطابقة ‪.‬‬
‫الرحمن يستلزم ّ‬
‫‪ -‬الثالث ‪ :‬أن ّ‬

‫( ‪)1/81‬‬

‫صفحة رقم ‪82‬‬


‫الرحمن كثر استعماله حتى ُعومل معاملة العلم‬
‫قال ‪ :‬وأجاب ابن أبي الربيع في شرح اإليضاح بأن ّ‬
‫الرحيم فإنه لم يخرج عن كونه صفة‪.‬‬
‫بخالف ّ‬
‫قال ‪ :‬أو تقول إنها ليست للمبالغة‪.‬‬
‫وقول الزمخشري ‪ :‬إن العرب ال تزيد حرفا إال لمعنى ممنوع ‪ ( ،‬وسند ) المنع قولهم في حذر وبطر‬
‫وأشد إنها أبلغ من حاذر وباطر وأشد‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬وأجاب بعض النحاة المعاصرين بأن حذر ناب مناب محذور ‪ ،‬ومحذور أكثر حروفا من حاذر‬
‫بخالف حاذر ‪ ،‬فإنه لم ينب مناب شيء ( حسبما ) نص عليه ابن عصفور في ( مقربه ) في باب‬
‫األمثلة‪.‬‬
‫بأن ذلك فيما عدل فيه عن األصل والقياس إلى غيره كحذر وحاذر فإن‬
‫قلت ‪ :‬وأجاب ابن عرفة ‪ّ :‬‬
‫القياس في اسم الفاعل منه أن يكون على وزن فاعل ( فإنما ) عدل عن ذلك لمعنى وغرض زائد ‪،‬‬

‫( ‪)1/82‬‬

‫صفحة رقم ‪83‬‬


‫وهو إرادة المبالغة ‪ ،‬وأما الذي لم يعدل فيه عن األصل كرحمان ورحيم فنقول األكثر حروفا ( أبلغ )‬
‫ولهذا ( قرر ) القاضي العماد ( رحمن ) أبلغ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬ورحمن ورحيم كالهما معدوالن وحذر معه كذلك بخالف حاذر فما عدل إال للمبالغة‪.‬‬
‫ين مع أن الكفار في جهنم لم تصلهم رحمة‬ ‫ِ‬
‫الراحم َ‬
‫واستشكل الغزالي ( في اإلحياء ) قولهم ‪ :‬أ َْر َح ُم ّ‬
‫بوجه ‪ ،‬وهنالك قال ‪ :‬ما في اإلمكان ( أبدع ) مما كان‪.‬‬
‫وانتقدها الناس عليه‪.‬‬
‫وأجاب ابن عرفة ‪ :‬عن اإلشكال بأن ذلك باعتبار مراعاة جميع الصفات هلل تعالى ألن من صفاته ‪-‬‬
‫النار ونعيم أهل الجنة‪.‬‬
‫شديد العقاب ‪ -‬وذلك صادق بعذاب أهل َ‬
‫فرحمته ( هي ) أشد الرحمة ‪ ،‬وعقابه هو أشد العقاب‪.‬‬
‫وعادتهم يخطئون الغزالي في هذه المسألة ‪ ،‬ويقولون ‪ :‬كل عذاب فالعقل يجوز أن يكون أشد منه في‬
‫الوجود ‪ ،‬وكل نعيم فالعقل يجوز أن يكون هناك أحسن منه‪.‬‬
‫الرحم‬
‫قال الزمخشري ‪ :‬فإن قلت ما معنى وصفه ( بالرحمة ومعناها العطف والحنو ومنه ) ّ‬
‫النعطافها على ما فيها‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬هو مجاز على إنعامه على عباده‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬قالوا كل مجاز ال بد له من حقيقة االّ هذا فإن الرحمة هي العطف‬

‫( ‪)1/83‬‬

‫صفحة رقم ‪84‬‬


‫( والحنو ) ‪ ،‬وذلك ( ما هو ) حقيقته إال في األجسام وتقرر أن غير اهلل ال يطلق عليه اسم الرحمن‬
‫فهو مجاز ال حقيقة له‪.‬‬
‫وتكلم ابن عطية هنا في االسم هل هو عين المسمى أو غيره ؟ قال الفخر ابن الخطيب في نهاية‬
‫أن االسم هو المسمى ‪ ،‬وعن المعتزلة أنه التسمية ‪ ،‬وعن الغزالي أنه‬
‫العقول ‪ :‬المشهور عن أصحابنا ّ‬
‫طولوا في هذا وهو عندي ( فضول ) ألن البحث عن ذلك مسبوق بتصور‬
‫مغاير لهما ‪ ،‬والناس ّ‬
‫ماهية االسم وماهية المسمى ‪ ،‬فاالسم هو االسم الدال بالوضع لمعنى من غير زمان والمسمى هو‬
‫وضع ذلك اللفظ بإزائه ‪ ،‬فقد يكون اللفظ غير المسمى لعلمنا أن لفظ الجواز مغاير لحقيقة ( المجاز‬
‫) ‪ ،‬وقد يكون نفسه ألن لفظ االسم اسم ( للفظ ) الدال على المعنى المجرد ( عن ) الزمان ‪ ،‬ومن‬
‫جملة تلك األلفاظ ( لفظ ) االسم ‪ ،‬فيكون االسم اسما لنفسه من حيث هو اسم‪.‬‬
‫إن السؤال ( سفسطة ) ‪.‬‬
‫وقال غيره ‪ّ :‬‬

‫( ‪)1/84‬‬

‫صفحة رقم ‪85‬‬


‫وقال اآلمدي ( في أبكار األفكار ) ‪ ،‬وهو أحسن من تكلم عليه ألن المسألة لها تعلق باللغة ( وتعلق‬
‫بأصول الدين ) أما اللغة فمن حيث إطالق لفظ ( االسم ) هل المراد به الذات فيكون االسم ( هو )‬
‫ِّك األعلى ( أما تعلقها بأصول الدين فهو ( هل )‬
‫ِّح اسم َرب َ‬
‫المسمى أو اللفظ الدال عليه ك ) َسب ِ‬
‫المعقول ( من الذات ) ( منها ) وحدها أو منها مع اسمها ( أم ال ) ؟ فإن كان ( المعقول ) منهما‬
‫واحدا كان االسم هو المسمى كالعالم والقادر وقال ابن عرفة ‪ :‬والصواب أن المعقول من الذات من‬
‫حيث اتصالها بالصفة غير المعقول منها مجردة عن تلك الصفة ‪ ( ،‬فإنا ) إذا فهمنا من لفظ العالم‬
‫الذات من حيث اتصافها بالعلم استحال اتصافها‬

‫( ‪)1/85‬‬

‫صفحة رقم ‪86‬‬


‫بالجهل ‪ ،‬بخالف قولنا ‪ ( :‬إن المعقول‪ n‬هو الذات القابلة ( لالتصاف ) بالعلم وبضده وال شك أن‬
‫المعقولين متغايران )‪.‬‬
‫وانظر كالم اآلمدي ‪ ،‬فهو طويل نقلته بكامله في آخر سورة الحشر وانظر مختصر ابن عرفة في‬
‫فصل ( الحقيقة ) وما قيدته أنا في أواخر مسلم على حديث ( إن هلل ) تسعا وتسعينا اسما مائة إال‬
‫واحد من أحصاها دخل الجنة‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬وقال ابن عرفة مرة أخرى ‪ :‬منهم من قال ‪ :‬تارة يراد باالسم المسمى مثل ‪ :‬زيد عاقل ‪،‬‬
‫وتارة يراد به التسمية ‪ :‬كزيد ( وزنه فعل ) ‪ ،‬ومنهم من قال ‪ :‬يراد به المسمى ‪ :‬كزيد قادر ‪ ،‬إذا‬
‫أردت الذات‪.‬‬
‫وتارة يراد به الصفة ‪ ،‬فقادر موضوع ألن يولد به القدرة ‪ ،‬وهو صفة من صفات الذات ‪ ،‬واهلل أعلم‬
‫بالصواب ‪.‬‬

‫( ‪)1/86‬‬

‫صفحة رقم ‪87‬‬


‫ِ‬
‫الفاتحة‬ ‫ورة‬ ‫ِ‬
‫تفسَير ُس َ‬

‫( ‪)1/87‬‬

‫صفحة رقم ‪88‬‬


‫صفحة فارغة‬

‫( ‪)1/88‬‬

‫صفحة رقم ‪89‬‬


‫تفسير سورة الفاتحة‬
‫(أ)‬
‫اختلفوا فيها فقال ابن عباس رضي اهلل عنهما وجماعة ‪ّ :‬إنها م ّكية واحتج ( له ) ابن عطية بقوله‬
‫تعالى في الحجر ‪:‬‬

‫( ‪)1/89‬‬
‫صفحة رقم ‪90‬‬
‫المثاني والقُرآن العظيم " ‪.‬‬
‫اك َس ْبعا من َ‬
‫ونقَ َد أتََيَن َ‬
‫َ‬
‫وهي مكية بإجماع وفي حديث أبي بن كعب " إنها السبع المثاني " ‪.‬‬
‫ورده ابن عرفة بقوله تعالى ‪ " :‬والقرآن العظيم " ولم يكن نزل ( حينئذ ) جميعه فال بد أن يكون‬
‫أوقع الماضي موضع المستقبل ‪.‬‬
‫قال ابن عطية ‪ :‬وال خالف أن الصالة ( فرض ) ( كان ) بمكة ‪ ،‬ولم يحفظ ( أنه كانت قط ) صالة‬
‫المين ‪.‬‬ ‫ِ‬
‫الع َ‬‫ب َ‬
‫الح ْم ُد هلل َر ّ‬
‫في اإلسالم بغير َ‬

‫( ‪)1/90‬‬

‫صفحة رقم ‪91‬‬


‫خير المصلي بأن يقرأ بما شاء فلعل‬
‫ورده ابن عرفة ‪ :‬بأن أبا حنيفة لم يشترط قراءة الفاتحة بل ّ‬
‫( ذلك ) ألنها لم تكن في أول اإلسالم واجبة ولعل حديث ‪ " :‬ال صالة لمن يقرأ بفاتحة الكتاب متأخر‬
‫"‪.‬‬
‫قال ( اإلمام ) ‪ :‬وذهب عطاء والزهري وجماعة إلى أنها مدينة ‪ ،‬وقيل أنها نزنلت بمكة والمدينة ‪،‬‬
‫وأبطله القاضي العماد بأنه يجب عليه تحصيل الحاصل وهو محال ‪.‬‬
‫أجاب ابن عرفة بأن التأكيد شائع في كالم العرب وليس فيه تحصيل الحاصل ‪.‬‬
‫أن تَ ُكون ) الفاتحة في القرآن مرتين لتزولها مرتين وكان ( تكرر ) كما‬ ‫فإن قلت ‪ :‬يلزم عليه ( ْ‬
‫َي آالَ ِء َرِّب ُك َما تُ َك ّذَبان ( ‪.‬‬
‫( تكرر ) ) فَبِأ ّ‬
‫فإن قلنا ‪ :‬إنما ذلك إذا نزلت على أنها غير األولى‪.‬‬
‫فقد ذكر األصوليون أن الغيرين يصدقان على المثلين أما إذا نزلت على أنها األولى بعينها فال يلزم‬
‫ذلك فيها ‪.‬‬

‫( ‪)1/91‬‬

‫صفحة رقم ‪92‬‬


‫زاد القاضي العماد في إبطال النزول بمكة والمدينة أنه يلزم منه أن يكون كلما نزل بمكة نزل المدينة‬
‫يعرضه ) القرآن في كل سنة مرة ‪ ،‬وفي األخيرة مرتين‬
‫مرة أخرى ‪ ،‬ألن جبريل عليه السالم كان ( ّ‬
‫فيكون ذلك إنزاال آخر وهذا ال يقوله أحد ‪.‬‬
‫وقال ‪ :‬ولعلهم يعنون بنزولها مرتين ‪ ،‬أن جبريل نزل حين َح َولت القبلة فأخبره عليه الصالة والسالم‬
‫فظنوا‬
‫أن الفاتحة ركن في الصالة كما كانت بمكة ‪ ،‬وأقرأه فيها قراءة لم ( يكن أقرأه بها ) في مكة ّ‬
‫ذلك إنزاالً وهو ضعيف ‪.‬‬
‫هلل ‪...‬‬ ‫قوله تعالى ‪ ( :‬الحم ُد ِ‬
‫َْ‬
‫الح ْم ُد والمدح أخوان‪.‬‬
‫( قال الزمخشري ‪َ :‬‬
‫فقيل ‪ :‬معناه أنهما مترادفان ‪ ،‬وقيل ‪ :‬متقاربان ‪ ،‬وقيل ‪ :‬متغايران ‪ ،‬فالحمد يطلق على اهلل تعالى‬
‫والمدح ال يطلق عليه‪.‬‬
‫وأما الشكر ‪ /‬فحكى أبو حيان فيه ثالثة أقوال قال الطبري ‪ :‬هو الحمد ‪ ،‬وقيل ‪ :‬غيره ‪ ،‬وقيل ‪:‬‬
‫أعم منه ‪ ،‬فالحمد يطلق على الصفات الجميلة والشكر على األفعال الجزيلة‪.‬‬
‫الحمد ّ‬
‫وظاهر كالم الزمخشري قول رابع أن بينهما عموم وخصوص وجه دون وجه‬

‫( ‪)1/92‬‬

‫صفحة رقم ‪93‬‬


‫فالحمد يكون باللّسان على الصفات الجميلة واألفعال الجزيلة والشكر يكون بالقول والفعل والقلب‬
‫على األفعال ( خاصة ) ‪ ،‬واحتجوا له بقول الشاعر ‪ :‬أفادتكم النعماء مني ثالثة ‪...‬‬
‫يدي ‪ ،‬ولساني ‪ ،‬والضمير المحجبا قال ابن عرفة ‪ :‬وعادتهم يتعقبونه بانه لم يسمه شكرا وإ نما سماه‬
‫سماه ( شكرا ) فال دليل فيه‪.‬‬
‫نعماء وعلى تقدير أن لو ّ‬
‫ألن العربي ّإنما يحتج بقوله فيما يرجع إلى نظم الكالم وأحكامه اللفظية اإلعرابية‪.‬‬
‫أما ما يحكم عليه بأنه كذا فال يحتج به كما ذكر في اإلرشاد الرد عليهم في استداللهم على كالم النفس‬
‫( بقول ) األخطل ‪ :‬إن الكالم لفي الفؤاد وإ نما ‪...‬‬
‫ُجعل اللّسان على الفؤاد دليال وذكر هذه األقوال ( األربعة ) ابن هارون في شرح ابن الحاجب‬
‫األصلي ‪.‬‬

‫( ‪)1/93‬‬

‫صفحة رقم ‪94‬‬


‫واأللف والالّم في ( الحمد ) إما للجنس أو ( للعهد ) أو للماهية‪.‬‬
‫ألن اهلل تعالى في األزل حمد‬
‫بأن الحمد يختلف فيه القديم ( والحادث ) ّ‬
‫وقرر القاضي العماد الجنس ّ‬
‫بأن النعم لما كان ( اللّسان ) يستحضرها‬
‫نفسه بنفسه ‪ ،‬فيتناول حمدنا له وحمده هو لنفسه وقرر العهد ّ‬
‫فكأنه يعهدها إلى اهلل تعالى‪.‬‬
‫واختار القاضي العماد أنها للماهية وضعف كونه للجنس ‪ ،‬وقرر بأن اهلل تعالى تعبدنا بحمده ‪ ،‬أي‬
‫نحمده بما حمد به نفسه فالحمد القديم ( مماثل ) ( للحادث ) بمعنى اللفظ المؤدي باللّسان هو المعنى‬
‫القديم الذي وصف اهلل به نفسه ‪ ،‬كما أن القرآن قديم أزلى ‪ ،‬ونحن نعبر عنه ( بألفاظنا الحادثة )‬
‫فالحمد إذا حقيقة واحدة‪.‬‬
‫قال ‪ ( :‬وهذا البحث من نظري ) فإن كان صوابا فمن اهلل وإ ن كان خطأ فمني ومن الشيطان‪.‬‬
‫المعتبر في الحمد صفة الفاعل أو صفة متعلق الحمد ‪ ،‬فإن اعتبرته‬
‫ُ‬ ‫قال ابن عرفة ‪ :‬وحاصله هل‬
‫الحمد من حيث الفاعل فهو حادث وإ ن ( اعتبرته ) من حيث صفة المحمود جاء منها الذي قاله‬
‫العماد‪.‬‬
‫ولما ذكر ( بعضهم ) كونها للجنس قال ‪ :‬إنها دالة على أفرادها مطابقة ‪.‬‬

‫( ‪)1/94‬‬

‫صفحة رقم ‪95‬‬


‫قال ابن عرفة ‪ :‬هذا جار ( الخالف ) في داللة ( العام ) على بعض أفراده هل ( هو ) مطابقة‬
‫تضمن أو التزام ؟ قال ابن عطية ‪ :‬وقرأ سفيان بن عينية ( ورؤبة ) بن العجاج ‪ ( :‬الحمد ) هلل بفتح‬
‫الدال علما على إضمار فعل‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬وقالوا وقراءة الضم أدل على الثبوت ( كقولهم له ) علم ( علم الفقهاء ) بالنصب‬
‫والرفع‪.‬‬
‫أن‬
‫ال َسالَ ٌم ( ( بالرفع في ) الثّاني ليد ّل على ّ‬
‫قال الزمخشري ‪ :‬ومنه قوله تعالى ‪ ( :‬فَقَالُوْا َسالَماً قَ َ‬
‫إبراهيم حياهم بتحية أحسن من تحيتهم ألن الرفع دال على الثبوت‪.‬‬
‫وكذا قال السكاكى في علم البيان ‪.‬‬

‫( ‪)1/95‬‬

‫صفحة رقم ‪96‬‬


‫قال ابن عرفة ‪ :‬وعادتهم يوردون عليه تشكيكا من ناحية أن سالم المالئكة على إضمار ( فعل )‬
‫والدال على إثبات الحقيقة وإ زالة الشك عن الحديث األعم من أن يكون وقوعه منهم‬
‫مؤكد بالمصدر ‪ّ ،‬‬
‫ثابتا ‪ ،‬أو ال ؟ واالسم المرفوع دال على ثبوت وقوع السالم منهم أعم من أن يكون حقيقة أو مجازا ‪،‬‬
‫فتعادال ‪ ،‬فليس أحدهما بأبلغ من اآلخر‪.‬‬
‫قال ‪ :‬وكان يمشي لنا الجواب عنه بأن سالم إبراهيم إنما هو بعد سالم المالئكة ردا عليهم ‪ ،‬والبعدية‬
‫لتوهم ( فيه ) الحدوث ‪ ،‬وأنه ّإنما سلم ردا عليهم‬
‫والتجدد ) ‪ ،‬فلو عبر فيه بالفعل ّ‬
‫ّ‬ ‫تقتضي الحدوث (‬
‫بالسالم‪.‬‬ ‫ِ‬
‫فعبر باالسم ( تنبيها ) على أن ( سالم َي ) عليكم كان ثابت ولو لم تبدؤوني ّ‬
‫ّ‬
‫عبروا فيه بالفعل ( إ ْذ ) ال‬
‫يتوهم فيه البعدية وال أنه جواب َو َر ّد ّ‬
‫وسالم المالئكة لما كان ابتدائيا ال ّ‬
‫ضرورة تدعو إلى التعبير باالسم‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬وأورد بعض نحاة الزمان على هذا إشكالين‪.‬‬
‫‪ -‬األول ‪ :‬كيف يصح حذف الفعل مع أن المصدر مؤكد له والفعل المؤكد يحذف ألن مقام االختصار‬
‫مناف لمقام التأكيد ( فيمنع ) أن ( يكون ) المصدر هنا مؤكدا ؟ ‪ -‬الثاني ‪ ( :‬إنما يمنع ) أن هذا أبلغ‬
‫ألن هذا المصدر نائب مناب الفعل ال مؤكدا له وكأنه لم يحذف من الكالم شيء‬

‫( ‪)1/96‬‬

‫صفحة رقم ‪97‬‬


‫سلمنا أنه مؤكد لكن نقول ‪ :‬هو مؤكد لوجود الفعل وثبوته في نفس األمر على سبيل الثبوت واللزوم ‪،‬‬
‫نظر آخر ‪ ،‬وانظر ما قيدته في سورة الذاريات‪.‬‬
‫أو على سبيل التجدد والحدوث ٌ‬
‫قوله تعالى ‪.( :‬‬
‫الرب ال يطلق هكذا إال على اهلل تعالى فهو في غيره مقيد‬ ‫‪َ .‬ر ِّ‬
‫ب العالمين ( قال الزمخشري ‪ :‬لفظ ّ‬
‫الدار‪.‬‬
‫ورب ّ‬
‫ّ‬ ‫الدابة‬
‫رب ّ‬‫باإلضافة تقول ‪ّ :‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬فإن قلت ‪ :‬قد قال األصوليون كل ما صدق مقيدا صدق مطلقا ؟ فالجواب ‪ :‬أن ذلك‬
‫باعتبار المفعولية وهذا باعتبار اإلطالق اللفظي‪.‬‬
‫األمة ربتها )‪.‬‬
‫وفي حديث مسلم عن عبد اهلل بن عمر عن أبية في أشراط الساعة ( أن تلد َ‬
‫قال ابن عطية ‪ :‬ويروى أنها تعدل ثلثي القرآن‪.‬‬
‫َح ٌد ( على التوحيد فقط ‪ ،‬وإ ما‬
‫والعدل إما في المعاني باشتمالها على التوحيد وغيره ‪َ ،‬و ) ُق ْل ُه َو اهلل أ َ‬
‫أن يكون ( فضال ) من اهلل ال يعلل ‪.‬‬

‫( ‪)1/97‬‬
‫صفحة رقم ‪98‬‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬الرحمن الرحيم (‪.‬‬
‫ين تنبيها على أصل النشأة ‪ ،‬وأنه هو الخالق المبدئ ‪،‬‬ ‫ِ‬
‫العالم َ‬
‫ب َ‬ ‫قال ابن عرفة ‪ :‬قدم أوال الوصف َبر ّ‬
‫الدنيا من النعم واإلحسان ‪ ،‬فلوال رحمة اهلل تعالى لما كان ذلك‪.‬‬
‫ثم ثنى بحال اإلنسان في ّ‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬مالك َي ْوِم الدين (‪.‬‬
‫وفرقوا بين الملك والمالك بأن المالك ّإنما يتصرف في مال غيره‬
‫تنبيها على ( حال ) اآلخرة ّ‬
‫بالمصلحة ‪ ،‬والمالك يتصرف في ماله بالمصلحة وغيرها‪.‬‬
‫قال ابن عطية ‪ :‬وحكى أبو علي في حجة ‪ :‬من قرأ ‪ ) :‬مالك َي ْوِم الدين ( أن أول من قرأ ) مالك َي ْوِم‬
‫الدنانير والطير والبهائم ‪ /‬وال يقال ‪ :‬ملكها‪.‬‬
‫ك ّ‬ ‫الدين ( مروان بن الحكم وأنه يقال ‪ِ :‬‬
‫مال ُ‬
‫بأنها شهادة على ( نفي ) فال تقبل وكأنه قال ‪ :‬لم يقرأ بها أحد‬
‫وقال ابن عرفة ‪ :‬عادتهم يردون األول ّ‬
‫قبل ( مروان )‬

‫( ‪)1/98‬‬

‫صفحة رقم ‪99‬‬


‫وكذلك قالوا في قول ابن خالويه في كتاب ( تفسير ) ليس في كالم العرب كذا‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬وأجابوا بأن الشهادة على النفي من العالم ( مقبولة )‪.‬‬
‫وصح الوصف بملك يوم الدين ألنه بمعنى ( الفكرة ) ( فتعرف ) باإلضافة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫قال الزمخشري ‪:‬‬
‫قال ( القرطبي ) ‪ :‬وليس المراد الملك الحاصل بالفعل ‪ ،‬بل الملك التقديري ألن يوم القيامة ( لم )‬
‫يوجد‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬المراد الملك على ما قال الزمخشري ‪ ( :‬القدرة ) باعتبار الصالحية ال باعتبار‬
‫التنجيز ‪.‬‬

‫( ‪)1/99‬‬

‫صفحة رقم ‪100‬‬


‫قال الزمخشري ‪ :‬أو ألن المراد به زمان ( مستمر ) ‪ ،‬مثل ‪ :‬زيد مالك العبيد فإضافته محضة‪.‬‬
‫اب الجنة ( ) ونادى‬
‫َص َح ُ‬
‫قال ( ويجوز ) أن يكون المعنى ( ملك األمور يوم الدين ) مثل ‪ ) :‬ونادى أ ْ‬
‫اب األعراف ( ‪ -‬فيكون هذا للماضي وعلى األول مجرد قيام الصفة بالموصوف من غير‬
‫َص َح ُ‬
‫أ ْ‬
‫تعرض لزمان مخصوص‪.‬‬
‫ين (‪.‬‬ ‫َّاك َنعب ُد وإِ ي َ ِ‬ ‫ِ‬
‫َّاك َن ْستَع ُ‬ ‫قوله تعالى ‪ ( :‬إي َ ْ ُ َ‬
‫إن قلت ‪ِ :‬ل َم قدمت العبادة على االستعانة مع أن االستعانة سبب فيها ؟ أجاب الزمخشري ‪ :‬بأن‬
‫العبادة وسيلة واالستعانة مقصد فقدمت الوسيلة قبل ( الحاجة )‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬بل الصواب العكس ( فالعبادة ) هي المقصد‪.‬‬
‫فإن المكلف إذا‬
‫قال ‪ :‬وكان يمشي لنا الجواب عن ذلك بأن هذا أقرب لكمال االفتقار وخلوص النية ّ‬
‫فإنه قد تحول نيته بعد‬
‫( أَقَّر ّأوال بأن الَ قُ ْدرة ) له على الفعل إال باهلل ‪ ،‬ثم فعل العبادة ّ‬

‫( ‪)1/100‬‬

‫صفحة رقم ‪101‬‬


‫ويتوهم أن الفعل الواقع منه بقدرته استقالال ‪ ،‬فإذا أقر بعد الفعل بأن االستعانة‬
‫ّ‬ ‫ذلك ( وتزهو نفسه )‬
‫له عليه إال باهلل كان ( نفيا ) للتهمة وأقرب لمقام التذلّل والخضوع‪n.‬‬
‫قلت ‪ :‬وقال بعض الناس العبادة مقصد باعتبار الحكم الشرعي واالستعانة مقصد باعتبار نية المكلف‬
‫في طلبه ألنه ( أخبر ) أنه إنما يعبد اهلل ال غيره ‪ ،‬ثم أخبر أنه ال يستعين على تلك العبادة إال باهلل‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬وأجاب القاضي العماد ( عن ) السؤال بثالثة أوجه ‪ - :‬األول ‪ :‬طلب المعونة من اهلل ال يكون‬
‫إال بعد معرفته ومعرفته هو التوحيد ( وهي ) العبادة‪.‬‬
‫‪ -‬الثاني ‪ :‬يحتمل أن ترجع ( العبادة ) لتوحيد اهلل واالستعانة طلب معونته على حوائج الدنيا‬
‫واالخرة وأول السورة في توحيد اهلل تعالى وآخرها للعبد كما في حديثه ‪... :‬‬
‫الصالة بيني وبين عبدي نصفين )‪.‬‬
‫( قسمت ّ‬
‫قدم العبادة ليكون ما هو هلل بإزاء ما هو هلل ‪ ،‬وما هو للعبد بإزاء ما هو للعبد ‪.‬‬

‫( ‪)1/101‬‬

‫صفحة رقم ‪102‬‬


‫‪ -‬الثالث ‪ :‬طلب المعونة عبادة خاصة وإ ياك نعبد عامة ‪ ،‬والعام مقدم على الخاص قوله تعالى ‪:‬‬
‫( اهدنا الصراط المستقيم (‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬الطّلب من األدنى لألعلى سؤال عند المنطقيين ودعاء عند النحويين‪.‬‬
‫ومنهم من قال ‪ :‬إن كان هلل تعالى فهو دعاء ‪ ( ،‬وإ ن كان ) لغيره ( فهو ) أمر‪.‬‬
‫والهداية ( لها معنيان خاص وعام ) ( فاألعم ) اإلرشاد سواء كان للخير أو للشر ‪ ،‬واألخص‬
‫اإلرشاد إلى طريق الخير والمراد هنا األخص‪.‬‬
‫والصراط قيل ‪ :‬هنا الطريق وقيل ‪ :‬الطريق الموصلة لآلمر المالئم وهو طريق الخير كأنه مأخوذ‬
‫السرط وهو ( اإلبالغ )‪.‬‬
‫من ّ‬
‫صفَهُ على هذا بالمستقيم ألن طريق الخير قسمان قريبة ‪،‬‬
‫واإلنسان ما يتبلغ إال ما هو مالئم له ‪َ ،‬و َ‬
‫نص ( اقليدس ) على أنه أقرب خطين بين نقطتين فالخط المستقيم أقرب من‬‫وبعيدة ‪ :‬فالمستقيم ّ‬
‫المعوج فلذلك وصفه على هذا بالمستقيم‪.‬‬
‫ولما قال ( إياك نعبد ) أوهم أن لإلنسان في العبادة ( ضربا ) من المشاركة‬
‫قال ابن عرفة ‪ّ :‬‬
‫واالختيار ‪ ،‬فعقبه بطلب الهداية‬

‫( ‪)1/102‬‬

‫صفحة رقم ‪103‬‬


‫تنبيها على كمال االفتقار ‪ ،‬وأن كل العبادة والطاعة من اهلل تعالى وليس للعبد عليها قدرة ‪ ،‬فهو دليل‬
‫ألهل السنة‪.‬‬
‫ت َعلَْي ِه ْم ‪...‬‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬أ َْن َع ْم َ‬
‫(‪.‬‬
‫دليل على أن الهداية إلى الطّاعة محض نعمة وتفضل من اهلل تعالى ( ال باستحقاقه ) بوجه ‪ ،‬والمراد‬
‫بالهداية خلق القدرة على الطاعة وعند المعتزلة ( تيسير ) أسباب الفعل والتمكن منه ( ومنح‬
‫األلطاف ) ألنهم يقولون ‪ :‬إن العبد يستقل بأفعاله ويخلقها‪.‬‬
‫قال الزمخشري ‪ :‬فإن قلت ما أفاد الوصف بغير المغضوب مع أنه معلوم من األول ؟ فأجاب ‪ :‬بأن‬
‫اإلنعام يشمل الكافر والمسلم فبين أن المراد به المسلم‪.‬‬
‫ورده ابن عرفة بما تقدم لنا من أن المراد اإلنعام األخص‪.‬‬
‫ّ‬
‫والرجاء‬
‫قال ‪ :‬وإ ّنما الجواب أنه وصف به تنبيها وتحريضا لالنسان على استحضار مقام الخوف ّ‬
‫خشية أن يستغرق في استحضار مقام اإلنعام فيذهل عن المقام اآلخر وأشار إليه ابن الخطيب هنا‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬وغضب اهلل تعالى إما راجع إلرادته من العبد المعصية والكفر أو راجع لخلقه الكفر‬
‫والمعصية في قلبه ‪َ ،‬ه َذا‬

‫( ‪)1/103‬‬
‫صفحة رقم ‪104‬‬
‫ِع ْن َ‬
‫دنا‪.‬‬
‫وعند المعتزلة راجع إلرادته االنتقام منه ألنهم يقولون أن اهلل تعالى لم يخلق الشر وال أراده ووافقونا‬
‫الداعى ) أنه مخلوق هلل تعالى‪.‬‬
‫في ( ّ‬
‫ت َعلَْي ِه ْم ( بلفظ الفعل ‪ ،‬و ) َغ ْي ِر المغضوب َعلَْي ِه ْم ( بلفظ االسم وهالّ‬
‫فإن قلت لم قال ‪ ) :‬الذين أ َْن َع ْم َ‬
‫ط المنعم عليهم َكما قال ) َغ ْي ِر المغضوب ( ؟ قلت ‪ ( :‬فالجواب أنه ) قصد التنبيه على‬ ‫قال ِ‬
‫ص َرا َ‬
‫التأدب مع اهلل تعالى بنسبة اإلنعام إليه وعدم ( نسبة ) الشر إليه بل أتى به بلفظ المفعول الذي لم يتم‬
‫فاعله فلم ينسب الغضب إليه على معنى الفاعلية وإ ن كان هو الفاعل المختار لكل شيء لكن جرت‬
‫العادة في مقام التأدب أن ينسب للفاعل الخير دون الشر‪.‬‬
‫وأجاب القاضي العماد بوجوه ‪ - :‬األول ‪ :‬من ( ألطاف ) اهلل ( أنه ) إذا ذكر نعمة أسندها ( إليه )‬
‫فقال ‪ ) :‬وإِ َّنآ ِإ َذآ أَ َذ ْقَنا اإلنسان ِمَّنا ر ْحمةً فَ ِرح بِها وإِ ن تُ ِ‬
‫ص ْبهُ ْم َسيَِّئةٌ ( ولذلك قال إبراهيم عليه السالم‬ ‫َ َ َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬
‫‪ ) :‬وإ ذا مرضت فهو يشفين (‬

‫( ‪)1/104‬‬

‫صفحة رقم ‪105‬‬


‫‪ -‬الثاني ‪ :‬إنما قال ‪َ ) :‬غ ْي ِر المغضوب َعلَْي ِه ْم ( ( ليدخل غضبه ) وغضب المالئكة واألنبياء‬
‫أعم ‪ /‬فائدة‪.‬‬‫والمؤمنين فهو ّ‬
‫‪ -‬الثالث ‪ :‬إنما لم يقل صراط المنعم عليهم ألن إبراز ( ضمير ) فاعل النعمة ِذ ْكر وشكر له باللّسان‬
‫وبالقلب ‪ ،‬فيكون ( دعاء ) مقرونا بالشكر والذكر‪.‬‬
‫‪ -‬الرابع ‪ :‬فيه فائدة بيانية ‪ ،‬وهو أنه من ( التفنن ) في الكالم ألنه ( لو أجري ) على أسلوب واحد لم‬
‫يكن فيه تلك ( اللّذاذة ) وإ ذا اختلف أسلوبه ألقى السامع إليه سمعه ( وهو تنبيه ) وطلب احضار ذهنه‬
‫من قريب ومن بعيد‪.‬‬
‫َص َاب َك ِمن َسيَِّئ ٍة فَ ِمن َّن ْف ِس َك‬ ‫ٍ ِ‬ ‫ِ‬
‫َص َاب َك م ْن َح َسَنة فَم َن اهلل َو َمآ أ َ‬
‫( قلت ) ‪ :‬وإ شارة إلى قوله تعالى ‪َّ ( :‬مآ أ َ‬
‫( فالنعمة تفضل ورحمة ‪ ،‬واالنتقام عدل وقصاص‬

‫( ‪)1/105‬‬
‫صفحة رقم ‪106‬‬
‫‪ .‬قلت ‪ :‬ونقل بعضهم أن القاضي ( محمد ) بن عبد السالم الهواري سئل ما السر في أن قيل ‪) :‬‬
‫اهدنِي ؟‬
‫اهدنا الصراط ( ُبنون العظمة والداعي واحد وهو محل تضرع وخضوع ‪ ،‬وهال قال ‪ِ :‬‬
‫بأن المصلّي إن كان واحدا فهو طالب لنفسه ولجميع المسلمين‪.‬‬
‫فأجاب ّ‬
‫حصل ( مناجاة ) اهلل وهي من أعظم األشياء عظم لذلك وهو الجواب‬
‫إن المصلي لما ّ‬ ‫قال ‪ :‬أو تقول ّ‬
‫ين ) واهلل أعلم بالصواب ‪.‬‬ ‫في ( َنعب ُد ‪ِ َ -‬‬
‫ون ْستَع ُ‬ ‫ُْ‬

‫( ‪)1/106‬‬

‫صفحة رقم ‪107‬‬


‫تفسير سورة البقرة‬

‫( ‪)1/107‬‬

‫صفحة رقم ‪108‬‬


‫صفحة فارغة‬

‫( ‪)1/108‬‬

‫صفحة رقم ‪109‬‬


‫تفسير سورة البقرة‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬الم ( قال ابن عطية ‪ :‬اختلف في الحروف التي في أوائل السور فقال الشعبي وسفيان‬
‫الثوري وجماعة ‪ّ :‬إنها من المتشابه الذى انفرد اهلل بعلمه‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬قال الفخر في المحصول ‪ :‬اختلفوا هل يرد في القرآن ما ال يفهم أو ال على قولين ؟‬

‫( ‪)1/109‬‬
‫صفحة رقم ‪110‬‬
‫قال ( السراج ) ‪ :‬في اختصاره إنما ذلك في األلفاظ الحادثة ( وأما ) الكالم القديم األزلي فمجمع‬
‫عليه‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬وهذا ال يحتاج إليه إالّ لو قال ‪ :‬اختلفوا هل يصح أن يرد في القرآن اللفظ المهمل‬
‫الذي ال معنى له ؟ وقوله ‪ :‬ما ال يفهم دليل على أنه عنده معنى وداللة لم تفهم‪.‬‬
‫قال ابن عطية ‪ ( :‬والجمهور ) على أن لها معاني اختلفوا فيها على اثني عشر قوال‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬اعلم أن قول الصحابي إذا كان مخالفا للقياس هو عندهم من قبيل المسند ألن التجاسر‬
‫( على ) التفسير بمثل هذا‬

‫( ‪)1/110‬‬

‫صفحة رقم ‪111‬‬


‫نص أو إجماع‪.‬‬
‫ال يكون إال عن توقيف من ّ‬
‫وقال قوم ‪ :‬هو بحساب ( أبجد ) ( دليل ) على مدة النبي‪.‬‬
‫وذكر السهيلي في الروض األنف حديثا استخرج منه المدة ومن أوائل السور وأسقط المتكرر من‬
‫الحروف‪.‬‬
‫وقال قوم هي أمارة على أن اهلل تعالى وعد أهل الكتاب أنه سينزل على محمد كتابا في أول كل سورة‬
‫منه حروف مقطعة‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬يقال له ‪ :‬ما معنى تلك الحروف ؟ ( فلم يزل ) اإلشكال فيها ‪ ( ،‬وهذه الم مبنية على‬
‫الوقف )‪.‬‬
‫الع َدِد‬
‫فإن قلت ‪ :‬إنما تكون موقوفة قبل الترتيب مثل ‪ :‬واحد ‪ -‬اثنان ‪ -‬ثالثة ‪ -‬إذا أردت مجرد َ‬
‫( وهذه ) جزء كالم ( وقع ) اإلسناد ( فيزول ) الوقف ( ويعرف )‪.‬‬
‫قال ‪ ( :‬في ) الجواب ( إنها ) محكية مثل سائر األسماء المحكية ‪.‬‬

‫( ‪)1/111‬‬

‫صفحة رقم ‪112‬‬


‫قوله تعالى ‪َ ( :‬ذِل َك الكتاب الَ ر ْيب ِف ِ‬
‫يه )‬ ‫َ َ‬
‫أورد الزمخشري هنا سؤاال قال ‪ :‬اإلشارة بذلك للبعيد وهو هنا قريب‪.‬‬
‫وأجاب بأن المراد القرب المعنوي‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬السؤال غير وارد ألنه أجاب في غير هذا الموضع في قوله تعالى ) فذلكن الذي‬
‫ان َب ْي َن ذلك ( ألن اإلشارة بلفظ ( البعيد ) للقريب على سبيل‬ ‫لُمتَُّننِي ِف ِ‬
‫يه ( وفي قوله تعالى ‪َ ( :‬ع َو ٌ‬ ‫ْ‬
‫التَّعظيم وهو معنى ( يذكره ) البيانيون‪.‬‬
‫قال ‪ :‬وعبر عنه باسم اإلشارة دون ضمير الغيبة تنبيها على أنه كالمحسوس المشار إليه فهو دليل‬
‫على عظمته في النفوس‪.‬‬
‫وقوله تعالى ‪ :‬الَ ر ْيب ِف ِ‬
‫يه ‪ :‬إما خبر في هذا معنى النهي وإ ما خبر على بابه والمراد إما نفي وقوع‬ ‫َ َ‬
‫ذلك حقيقة‪.‬‬
‫فيكون عاما مخصوصا بمن ارتاب فيه ‪ ،‬أو المراد ال ينبغي فيه ريب أي ليس بأهل ألن يرتاب فيه‬
‫( أحد )‪.‬‬
‫ب ) وكان بعضهم يتعقبه بأن فيه شبه تهيئة العامل للعمل‬
‫قال ‪ :‬ومن الناس من يقف على ( الَ َر ْي َ‬
‫وقطعه عنه ‪ ،‬ومنهم من وقف‬

‫( ‪)1/112‬‬

‫صفحة رقم ‪113‬‬


‫يه ( ( وعادتهم بأنهم يصوبونه بأنه يبتدئ ) بقوله تعالى ‪ :‬ه ِ ِ‬
‫على ) الَ ر ْيب ِف ِ‬
‫دى لْل ُمتَّق َ‬
‫ين ‪ ( ،‬فجعله )‬ ‫ُ ً‬ ‫ّ‬ ‫َ َ‬
‫خبر مبتدإ مضمر ‪ ،‬أي هو هدى فيكون القرآن كله ( ُهدى ) أي هو نفس الهدى ‪ ،‬فهو أبلغ ممن جعل‬
‫الهدى فيه‪.‬‬
‫ص ِار ِه ْم ِغ َش َاوةٌ‬ ‫ِ‬
‫فإن قلت ‪ :‬أخر المجرور هنا وقدمه في قوله ‪ ) :‬الَ فيهَا َغ ْو ٌل ( ) وعلى أ َْب َ‬
‫الريب باإلطالق‪.‬‬
‫( ( فالجواب ) أن المراد نفي ّ‬
‫فيتناول جميع الكتب من التوراة واإلنجيل والزبور والفرقان ‪ ،‬فليس نفي الريب خاصا بالقرآن فقط‬
‫بل هو ( عام ) بخالف ما لو قيل ال ( فيه ريب ) ‪ ( ،‬ألوهم ) خصوص النفي به وبخالف ‪ ) :‬وعلى‬
‫ِ‬
‫فإن الغشاوة خاصة بأبصارهم دون أبصار المؤمنين‪.‬‬ ‫ص ِار ِه ْم غ َش َاوةٌ ( ّ‬
‫أ َْب َ‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬الذين ُي ْؤ ِمُن َ‬
‫ون بالغيب ‪...‬‬
‫نصب عليه دليل ( فَ ِم َن ) الناس من أجاز النظر في علم‬
‫( ( قال ابن عرفة ) ‪ :‬الغيب ما ( لم ) َي ّ‬
‫النجوم وعلم الهيئة والكسوفات ‪.‬‬

‫( ‪)1/113‬‬
‫صفحة رقم ‪114‬‬
‫وقال أبو العز المقترح في عقيدته ‪ :‬أجمعوا على أن النظر في علم الهيئة محرم‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬إنما ذلك إذا نظر ( فيه ) للحكم ‪ ،‬أما إذا ( نظره ) ليعلم الكواكب ( والنجوم ) فجائز‬
‫‪ ،‬لكن االشتغال بالعبادة وتعلّم ما ينفعه أولى‪.‬‬
‫اه ْم ُي ِنفقُ َ‪n‬‬
‫ون (‪.‬‬ ‫قوله تعالى ‪َ ( :‬و ِم َّما َر َز ْقَن ُ‬
‫إن لفظ الرزق ال يطلق إال على‬ ‫قال القرطبي ‪ :‬اآلية حجة على المعتزلة ويلزمهم الكفر في قولهم ‪ّ :‬‬
‫الحالل ألن من تغذى من صغره إلى كبره بالحرام يلزمهم أن ال يدخل في عموم قوله تعالى ‪َ ( :‬و َما‬
‫َّ‬ ‫ٍِ‬ ‫ِ‬
‫سماه رزقا‬ ‫من َدآبَّة في األرض ِإال َعلَى اهلل ِر ْزقُهَا ( قال ابن عرفة ‪ :‬يكون عاما مخصوصا ( ان ) ّ‬
‫فإن األكثر حالل‪.‬‬
‫مجازا أو من باب التغليب باعتبار األكثر ّ‬
‫وقال غيره ‪ :‬هذا الخالف لفظي ال يبنى عليه كفر أو إيمان ‪.‬‬
‫ُنز َل ِمن قَْبِل َك ‪...‬‬
‫ُنز َل ِإلَْي َك َو َمآ أ ِ‬
‫ون بِ َمآ أ ِ‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬والذين ُي ْؤ ِمُن َ‬
‫(‬

‫( ‪)1/114‬‬

‫صفحة رقم ‪115‬‬


‫إن َعَنى بما أنزل إليك ك ّل القرآن فليس بماض وإ ن أراد بما سبق ( إنزاله‬
‫قال الزمخشري ‪ :‬إن قلت ْ‬
‫) منه فهو إيمان ببعض المنزل واإليمان بالجميع واجب‪.‬‬
‫( ورده ) ابن عرفة ‪ :‬بأنه إنما يجب مع العلم بإنزال ما وسينزل منه‪.‬‬
‫أما مع عدم العلم ‪ /‬فالَ يجب اإليمان إال بما أنزل منه فقط‪.‬‬
‫وأما ما ْلم يعلم في الحال بأنه سينزل ( فلسنا ) بمكلفين باإليمان به‪.‬‬
‫ّ‬
‫وأجاب الزمخشري ‪ :‬أن المراد باإليمان بالجميع ‪ ،‬وعبر بالماضي تغليا لما أنزل على ما سينزل‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬ويلزم على كالم الزمخشري استعمال اللّفظة الواحدة في حقيقتها ومجازها‪.‬‬
‫وفيه خالف عند األصوليين‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬أو يجاب بأن المراد إنزاله من اللّوح المحفوظ إلى سماء الدنيا وقد كان ( حينئذ )‬
‫ماضيا‪.‬‬
‫والذين ُي ْؤ ِم َ‬
‫نون بما‬ ‫َ‬ ‫قال ابن عرفة ‪ :‬وعادة الشيوخ يوردون هنا سؤاال لم أره ألحد وهو هال قيل ‪:‬‬
‫ق في الوجود ( متقدما ) في اللّفظ ؟‬
‫َسَب َ‬
‫ليكون األ ْ‬
‫َ‬ ‫ب‬
‫أنزل من قبلك وما أنزل إليك ( فهو ) األ َْرتَ ُ‬

‫( ‪)1/115‬‬
‫صفحة رقم ‪116‬‬
‫النبي سبب في اإليمان بما أنزل من قبله ‪ ،‬ألن‬
‫قال ‪ :‬وعادتهم يجيبون عنه بأن اإليمان بما أنزل على ّ‬
‫المكلف إن آمن به يسمع القرآن المعجز والسنة المعجزة ويرى سائر المعجزات ‪ ،‬فيطلع ( من ذلك )‬
‫السابقة وصحتها ‪ ،‬فيؤمن بها إيمانا حقيقيا أقوى من إيمانه بها مستندا ألخبار‬
‫على أخبار الكتب ّ‬
‫اليهود وأخبار النصارى عنها ‪ :‬قيل ( له ) ‪ :‬أو يجاب ( عنه ) ‪ :‬بأنه قدم لكونه أشرف وأحد أسباب‬
‫تقدم الشرف‪.‬‬
‫قال ‪ :‬وهال أخر ويكون ( مترقيا ) ؟ قوله تعالى ‪ ( :‬وباآلخرة ‪...‬‬
‫( المنعوت إما النشأة اآلخرة أو الدار اآلخرة أو الملة ( اآلخرة ) ‪ ،‬والموصوف‪ n‬ال يحذف إال إذا‬
‫كانت الصفة خاصة ‪ ،‬وعموما ( هذا ) في نوع الموصوف فال يمنع الخصوص‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪ُ ( :‬ه ْم ُيو ِقُن َ‬
‫ون ( إن قلنا ‪ :‬إن العلوم متفاوتة ‪ ،‬فنقول ‪ :‬اليقين أعالها‪.‬‬
‫وإ ن قلنا ‪ :‬إنها ال تتفاوت في ( أنفسها ) ‪ ،‬فنقول‪ : n‬اليقين منها هو العلم الذي ال يقبل التشكيك‬
‫( وغيره هو العلم القابل للتشكيك ) وهو قسمان ‪ :‬بديهي ‪ ،‬ونظري ‪.‬‬

‫( ‪)1/116‬‬

‫صفحة رقم ‪117‬‬


‫فالتشكيك في األمور الضرورية البديهية غير قادح بوجه ‪ ،‬والتشكيك في النظريات ممكن ( شائع )‪.‬‬
‫ف‬‫وبهذا يفهم اختالف العلماء الذين هم مجتهدون فيصوب أحدهم قوال ويخطئه اآلخر ‪ ( ،‬وقد ) ( أَِل َ‬
‫) الناس التشكيك على كتاب إقليدس في الهندسة‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪ِ ( :‬إ َّن الذين َكفَ ُروْا َس َو ٌ‬
‫آء ‪...‬‬
‫( قال ابن عرفة ‪ :‬لما كان المخاطب في مادة ( أن ينكر ) مساواة ( حالة ) إنذارهم لحالة عدم اإلنذار‬
‫بل ( نقول ) ‪ّ :‬إنها مظنة االنزجار والفالح ( والنجاح ) احتيج إلى تأكيد المساواة بأن قال ابن عطية‬
‫‪ :‬قيل ‪ ( :‬للزارع ) كافر ألنه يغطي الحب ويقال ‪ :‬إذا غطى قلبه بالدين عن ( اإليمان ) أو غطى‬
‫الحق بأقواله وأفعاله ‪.‬‬

‫( ‪)1/117‬‬
‫صفحة رقم ‪118‬‬
‫الدين يجامع القلب فيصح تغطيته إياه ‪ ،‬واعتقاد الحق ال يجامع‬
‫ألن ّ‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬أما األول فظاهر ّ‬
‫اعتقاد الباطل ‪ ،‬بل هو نقيضه وستره ( له ) ال يكون إال مع اجتماعه معه ‪ :‬والفرض أنه ال يجامعه‬
‫وأما باعتبار األفعال فظاهر‪.‬‬
‫يصح اجتماعهما باعتبار اختالف المتعلق ؟ فقال ‪ :‬تحول المسألة وما ( كالمه ) إال‬
‫ّ‬ ‫قيل البن عرفة ‪:‬‬
‫فيما إذا كان متعلق الكفر هو متعلق اإليمان ‪ ( ،‬فحينئذ ) ( تتعلق ) التغطية‪.‬‬
‫قيل له ‪ :‬تكون التغطية مجازا ‪ ،‬عبر به عن ( معاندة ) أحد االعتقادين لآلخر ؟ فقال ‪ :‬إنما هو مخبر‬
‫مما َذا هي مشتقة ؟ فما حقه أن يأتي إالّ الحقيقة اللّغوية ‪ ،‬وأما المجاز‬
‫عن أصل العقيدة أي هذه اللفظة ّ‬
‫فليس بأصلي‪.‬‬
‫واختلف األصوليون في األلف والالم الداخلة على الموصول فقيل ‪ :‬إنها للجنس ويكون عاما‬
‫مخصوصا كأكثر عمومات القرآن‪.‬‬
‫وقيل ‪ :‬إنها مطلقة فتكون للحقيقة أعني الماهية ‪ ،‬فال يحتاج إلى تخصيص ‪ ،‬ويحتمل أن تكون للعهد ‪.‬‬

‫( ‪)1/118‬‬

‫صفحة رقم ‪119‬‬


‫أهم أهل القليب ببدر ‪،‬‬
‫إن ) اآلية نزلت في قادة األحزاب وهم ّ‬
‫الربيع بن أنس ‪ّ ( :‬‬
‫ابن عطية ‪ :‬وقال ّ‬
‫وفي بعض النسخ وأهل القليب ببدر‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬وهو الصحيح فإن غزوة األحزاب متأخرة عن بدر ‪ ،‬وأهل القليب ببدر قتلوا فلم يبق‬
‫منهم أحد لألحزاب‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬إالّ أن يريد باألحزاب الجماعة وال يريد به الغزوة‪.‬‬
‫قال اإلمام ابن الخطيب ‪ :‬واآلية دليل على جواز تأخير البيان ( عن ) وقت الحاجة ‪ ،‬فإنها لم ( تبين‬
‫) متعلقها‪.‬‬
‫ورده ابن عرفة بأنها ليس المراد بها التكليف ( فيحتاج ) إلى بيان وإ نما هي تخويف وإ نذار ‪،‬‬
‫والعموم أدعى ( لحصول ) التخويف من الخصوص ‪.‬‬

‫( ‪)1/119‬‬
‫صفحة رقم ‪120‬‬
‫قوله تعالى ‪َ ( :‬ءأَن َذ ْرتَهُ ْم ‪...‬‬
‫( أنكر الزمخشري هنا قراءة ورش وجعلها لحنا وكفره الطيبي‪.‬‬
‫السبع ) ( قراءات ) أخبار آحاد وليس بمتواتر‪.‬‬‫وظاهر كالم الطيبي هذا أن ( ّ‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬وحاصل ( كالم ) ( الناس ) فيها أنها على وجهين ‪ :‬فأما ما يرجع إلى آحاد الكلم‬
‫كملك‬

‫( ‪)1/120‬‬

‫صفحة رقم ‪121‬‬


‫ومالك ويخدعون ويخادعون فهو متواتر اتفاقا من غير خالف منصوص ‪ ،‬إال أن ظاهر كالم‬
‫الداودي على ما نقل عنه ( األنباري ) أنها غير متواترة‪.‬‬
‫ّ‬
‫وأما ما يرجع إلى كيفية النطق بها من إعراب وإ مالة وكيفية وقف ففيه ثالثة أقوال ‪ :‬األول نقل‬
‫( األنباري ) شارح البرهان عن أبي المعالي أنها متواترة وأنكره عليه وهو اختيار الشيخ أبي عبد‬
‫اهلل محمد بن سالمة من أشياخنا ‪.‬‬

‫( ‪)1/121‬‬

‫صفحة رقم ‪122‬‬


‫( الثاني ) ّأنها متواترة عند القراء فقط ( نقله المازري في شرح البرهان واختاره شيخنا ابن عرفة‪.‬‬
‫الثالث ‪ :‬أنها غير متواترة ) قاله ابن العربي في العواصم والقواصم ( واألنباري ) وابن رشد في‬
‫كتاب الصالة األول وفي كتاب ( الجامع ) الرابع من البيان والتحصيل ‪.‬‬

‫( ‪)1/122‬‬

‫صفحة رقم ‪123‬‬


‫قال ابن عرفة ‪ :‬وهو اختيار الشيخ أبي إسحاق إبراهيم ( الجزرى ) وشيخنا القاضي أبي عبد اهلل‬
‫محمد بن عبد السالم وصاحبنا الفقيه أبي العباس أحمد بن إدريس ( البجائي )‪.‬‬
‫َءأن َذ ْرتَهُ ْم ‪ :‬استفهام في معنى الخبر أو معنى المصدر أي إنذارك وعدم إنذارك سواء‪.‬‬
‫َنذرتَهُ ْم إما فاعل وإ ما خبره ( ويصح ) أن يكون مبتدأ ألنه يكون الخبر‬
‫وءأ ْ‬
‫اء ) مبتدأ َ‬
‫وس َو ٌ‬
‫قال ‪َ ( :‬‬
‫أفاده المبتدأ ‪ ،‬فال فائدة ( فيه )‪.‬‬
‫ورده ابن عرفة ‪ :‬بأنه يفيد التسوية إ ْذ لَع ّل المراد إنذارك وعدم إنذارك مختلفان‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬والصواب أنه على ‪ /‬حذف مضاف أي سواء عليهم جواب ) َءأَن َذ ْرتَهُ ْم أ َْم لَ ْم تُ ِنذ ْر ُه ْم‬
‫(‪.‬‬
‫ويكون استفهاما حقيقة ألن االستفهام في قوله مجاز ( والمصدر ) يحتاج إلى‬

‫( ‪)1/123‬‬

‫صفحة رقم ‪124‬‬


‫تصير ) الفعل مقدرا بالمصدر وهو ( بمنزلة ) قول‪.‬‬
‫( أداة ) ( ّ‬
‫إما معه ) أو قبله ولذلك هنا جواب ( األمرين ) عندهم سواء‪.‬‬
‫قيل ‪ :‬يشتمل على إنذار وجوابه ( ّ‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬الَ ُي ْؤ ِمُن َ‬
‫ون (‪.‬‬
‫هو احتراز ألنه قد يكون االختيار ( باستواء ) الحالتين عندهم يقتضي مبادرتهم إلى اإليمان وعدم‬
‫( توقّفهم ) على اإلنذار فاحترز من ذلك ( ببيان ) أنهم على العكس‪.‬‬
‫قيل البن عرفة ‪ :‬إن ( ابن فورك ) أبطل بهذه اآلية قاعدة التحسين والتقبيح ؟ قال ‪ :‬ألن اهلل تعالى‬
‫أخبر أن اإلنذار ال ينفع فيهم ‪ ،‬وقد أمر بإنذارهم ‪ ،‬ومراعاةُ األصلح ( تقتضي ) عدم تكليفهم وعدم‬
‫إنذارهم ‪.‬‬

‫( ‪)1/124‬‬

‫صفحة رقم ‪125‬‬


‫فإن هؤالء المخبر عنهم بذلك‬
‫( فقال ) ‪ ( :‬تقدم ) ذلك في جواز تكليف ما ال يطاق وهذا متفق عليه ّ‬
‫معينين فليست هذه كقضية أبي لهب وإ ّنما الخالف يخبر عن معينين ( بعدم ) اإليمان وتكليفهم‬
‫غير ّ‬
‫باإليمان كقضية أبي لهب فليس في هذه اآلية دليل بوجه‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪َ ( :‬ختَ َم اهلل على ُقلُوبِ ِه ْم ‪...‬‬
‫( قرر ابن عرفة وجه المناسبة بين هذه اآلية وبين ما قبلها ( بأنها ) سبب فيه ‪ ،‬كأنه قيل ‪ِ :‬ل َم ال ينفع‬
‫اإلنذار فيهم ؟ فقيل ‪ :‬بسبب الختم على قلوبهم‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬هكذا قرره بعضهم‪.‬‬
‫األولى تقدير هذه اآلية على ما قبلها ‪ ،‬ألنها سبب فيه وكان يمشي لنا فيه )‬
‫ويرد عليه ( أنه كان يكون ْ‬
‫المانِ ِع في القابل‬
‫بأن امتناع تأثير الفعل في المفعول إما ( لخلل ) في الفاعل أو َ‬
‫إن كان تقرير المناسبة ّ‬
‫فقد يضرب بالسيف شجاع قوي ويكون على المضروب مصفّح من حديد فال يؤثر فيه شيئا ‪ ،‬فأخبر‬
‫هنا أن ( تعذر ) تأثير اإلنذار فيهم ال‬

‫( ‪)1/125‬‬

‫صفحة رقم ‪126‬‬


‫بتوهم أنه ( إلخالل ) ( واقع في الرسول ) في تبليغه بوجه بل لمانع فيهم هو ( الطبع ) على قلوبهم‪.‬‬
‫وفسر ابن عطية الختم بثالثة أوجه ‪ :‬االول ‪ :‬أنه ( حسي ) حقيقة ‪ ،‬فإن القلب على هيئة الكف‬
‫ينقبض مع زيادة الضالل كما ينقبض الكف إصبعا إصبعا‪.‬‬
‫وأن ما خلق اهلل في قلوبهم من الكفر‬
‫الضالل في قلوبهم ) ( ّ‬
‫الثاني ‪ّ :‬أنه مجاز ( عبارة عن خلق ّ‬
‫سماه ختما )‪.‬‬
‫والضالل واإلعراض عن اإليمان ّ‬
‫الثالث ‪ّ :‬إنه مجاز في اإلسناد كما ( يقال ) ‪ ،‬أهلك المال فالنا وإ ّنما أهلكه ( سوء تصرفه فيه )‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬وسكت ابن عطية عن هذا الثالث وهو إنما يناسب مذهب المعتزلة ولما جاءت اآلية‬
‫مصادمة لمذهبهم تأولها الزمخشري وأطال وقال ‪ :‬إنه مجاز واستعارة ‪.‬‬

‫( ‪)1/126‬‬

‫صفحة رقم ‪127‬‬


‫وقال ابن عرفة ‪ :‬فجعله تمثيال‪.‬‬
‫قال ‪ :‬والفرق بين التشبيه والتمثيل واالستعارة أن إطالق الصفة على الموصوف‪ n‬إن كان بأداة التشبيه‬
‫َس ِد ‪ ،‬وإ ال فإن كان بواسطة ما يدل على التمثيل فهو تمثيل نحو ‪ :‬زيد األسد‬
‫فهو تشبيه مثل ‪ :‬زيد كاأل َ‬
‫ويفر في الحرب‪.‬‬
‫يكر ) ّ‬
‫‪ ،‬وإ ن لم يكن بواسطة فهو استعارة مثل ‪ :‬رأيت أسدا ( ّ‬
‫وظاهر كالم الطيبي ّأنه ال فرق بين التشبيه والتمثيل‪.‬‬
‫قال ‪ :‬واآلية حجة لمن يقول ‪ :‬إن العقل في القلب ‪ ،‬ولو كان في الدماغ لقال ‪ :‬ختم اهلل على أدمغتهم‪.‬‬
‫ألن ) السمع والبصر طريقان إليه‬
‫فإن قلت ‪ :‬لم قدم القلب واألصل تأخيره ؟ قلت ‪ :‬لوجهين ‪ :‬إما ( ّ‬
‫فما يلزم من الختم ( عليهما ) الختم عليه ‪ ،‬إذ لعلّه يعلم ( المعقوالت ) بقلبه‪.‬‬
‫ويلزم من الختم على القلب عدم االنتفاع بمدركات السمع ؛ وإ ما ألن المدركات قسمان ‪ :‬وجدانيات‬
‫ومحسوسات‪.‬‬
‫فما يلزم من نفي المحسوسات نفي الوجدانيات ( بخالف ) العكس‪.‬‬
‫( قال ) ‪ :‬وأجاب ( الطيبي ) بأن ( األمور ) المدركات على ثالثة أقسام ‪ :‬معقوالت‪ ، n‬ومسموعات ‪،‬‬
‫ومبصرات ‪.‬‬

‫( ‪)1/127‬‬

‫صفحة رقم ‪128‬‬


‫قال ‪ :‬فإن المعقوالت أغمض وإ دراكها ( أصعب ) والمحسوسات أبين وإ دراكها أهون ‪ ،‬فقدم الختم‬
‫على القلب ليكون تأسيسا ‪ ،‬إذ ال يلزم من عدم إدراكهم الدليل الصعب الغميض عدم إدراكهم الدليل‬
‫البين الظاهر‪.‬‬
‫( ( وقال بعض الناس ‪ ( :‬نص ) أفالطون وأرسطو وغيرهما على أن المعقوالت فرع المحسوسات‬
‫) ) ‪ ،‬ونفي الفرع ال يستلزم نفي األصل بخالف العكس‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬وعلى َس ْم ِع ِه ْم ‪...‬‬
‫( إفراد السمع إما ألمن اللبس أو ألنه مصدر ( مبهم ) ( يحتمل القليل والكثير )‪.‬‬
‫أو إلضافته إلى ( المجموع فأغنى عن جمعه أو ألن الكالم على حذف مضاف قدره الزمخشري ‪:‬‬
‫( وعلى ) حواس سمعهم ‪ ،‬وابن عطية ‪ :‬على ( مواضع ) سمعهم‪.‬‬
‫( وضعف ابن عرفة األول بأنه أمن اللبس أيضا في القلوب فهال قيل ‪َ ) :‬ختَ َم‬

‫( ‪)1/128‬‬

‫صفحة رقم ‪129‬‬


‫اهلل على ُقلُوبِ ِه ْم } وضعف الثاني بأن الختم إذا كان ( حقيقة ) كأول تأويالت ابن عطية ‪ :‬فيه أنه‬
‫حسي فال يصح تعلقه ( بالسمع ) ألن ( المصدر ) معنى من المعاني إال أن يتجوز في الختم ‪ ( ،‬أو )‬ ‫ّ‬
‫يتجوز في السمع فيراد به محله‪.‬‬
‫أن‬
‫قال الزمخشري ‪ ( :‬والبصر ) نور العين ‪ ،‬وهو ما يبصر به الرائي ويدرك به المرئيات ‪ ،‬كما ّ‬
‫البصيرة نور القلب وهو ما ( به ) يستبصر ويتأمل‪.‬‬
‫إن ) هذا ال يجري على قواعده وإ نما يتم على مذهب أهل‬
‫إن ابن ( راشد ) قال ‪ّ ( :‬‬
‫قيل البن عرفة ‪ّ :‬‬
‫السنة ؟ ( فقال ) ‪ :‬بل هو ( يحتمل ) ( األمرين ) ‪ ،‬ألن ذلك النور هل هو بأشعة تنفصل من الرائي‬
‫للمرئي ‪ ،‬أو يحتمل المذهبين ؟‬

‫( ‪)1/129‬‬

‫صفحة رقم ‪130‬‬


‫قال ‪ :‬وإ عادة حرف الجر دليل على أن لكل واحد منهما ( ختما ) ( يخصه ) فهو يمنزله ( الكلّية ) الَ‬
‫الكل‪.‬‬
‫يم ) للتّهكم‪.‬‬ ‫اب ع ِظيم ( قال ابن عرفة ‪ِ ( :‬‬
‫العظ ُ‬
‫َ‬ ‫قوله تعالى ‪َ ( :‬ولَهُ ْم َع َذ ٌ َ ٌ‬
‫قال الزمخشري ‪ :‬والعظيم نقيض الحقير ‪ ،‬والكبير نقيض الصغير ‪ ،‬والعظيم فوق الكبير ‪ ،‬كما أن‬
‫الحقير دون الصغير‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬هذا ينتج له العكس ( ألن ) نفي ( األبلغ ) يحصل ( بثبوت ) ( أدون نقائضه ) ‪،‬‬
‫ونفي ( احقر ) العذاب يصدق ( بثبوت ) العذاب العظيم وإ ن كان في نفسه صغيرا ‪ ،‬أما العذاب‬
‫الصغير يصدق عليه أنه عذاب عظيم ألن نفي ( األبلغ ) في الحقارة عنه منتف ‪ ،‬فإذا كان ضد‬
‫الحقير عظيما لزم أن يكون الكبير أعظم من العظيم قطعا ‪ ،‬ألنه إذا انتفى عن العذاب اسم الحقارة‬
‫ثبت له نقيضه وهو ( العظم ) وإ ن كان في نفسه صغيرا‪.‬‬
‫( ( وإ ذا‬

‫( ‪)1/130‬‬

‫صفحة رقم ‪131‬‬


‫انتفى عنه ما فوق الحقارة وهو ( الصغر ) ثبت له ما فوق ذلك وهو ( الكبر ) ( وكان ) أعظم من‬
‫العظيم‪.‬‬
‫‪ /‬ويؤيد ذلك ( اختيارهم ) في تكبير الصالة عند اإلحرام لفظ ‪ :‬اهلل أكبر ( ولم يختاروا ) اهلل العظيم‬
‫فدل على أن الكبير أعظم من العظيم ) )‪.‬‬
‫السميع أو الكبير ونحو‬
‫الصالة باهلل العظيم أو ّ‬
‫قلت ‪ :‬هذا عند مالك خالفا ألبي حنيفة فإنه أجاز دخول ّ‬
‫ذلك والزمخشري حنفي المذهب‪.‬‬
‫امَّنا باهلل ‪...‬‬ ‫ِ‬
‫قوله تعالى ‪َ ( :‬وم َن الناس َمن َيقُو ُل َء َ‬
‫( قال ابن عرفة ‪ :‬ذكر أوال ( المؤمنين ) ( أهل ) التقوى والصفات الحسنة ‪ ،‬ثم ( الكافرين ) أهل‬
‫النفاق ) الموجب للحلول في الدرك‬
‫الضالل والصفات‪ n‬القبيحة ثم المتصفين بأقبح من ذلك وهو ( ّ‬
‫األسفل من النار‪.‬‬
‫أو يقال ‪ :‬ذكر أوال من اتصف باإليمان البسيط‬

‫( ‪)1/131‬‬

‫صفحة رقم ‪132‬‬


‫بالدين المركب من أمرين وهو اإليمان‬
‫( ( ثم من ( اتصف ) بالكفر البسيط ) ) ‪ ،‬ثم من اتصف ّ‬
‫ظاهرا والكفر باطنا ‪ ،‬والمركب متأخر عن البسيط في ( المرتبة )‪.‬‬
‫واأللف ولالم في ( الناس ) للعموم ( في ) أنواع بني آدم و ( من ) للتبعيض في أشخاص تلك‬
‫األنواع‪.‬‬
‫إما من اليهود أو من المنافقين فإن كان من اليهود فهو قول ( حقيقي ) موافق لالعتقاد‬
‫وهذا القول ّ‬
‫ألنهم ( قد ) ّادعوا‬
‫آمنا بوجود اهلل واليوم ( اآلخر ) ( وما هم بمؤمنين ) ّ‬ ‫ومعناه ‪ :‬من يقول ّ‬
‫ث ثَالَثَ ٍة ( ( وإ ن ) كان من المنافقين فمعناه ‪:‬‬
‫( ال ّشريك ) فقالوا ‪ُ ) :‬ع َز ْيٌر ابن اهلل ( ) قالوا ِإ َّن اهلل ثَ ِال ُ‬
‫آمنا ( بوحدانية ) اهلل ‪ ،‬ويجري هذا على الخالف في ( الكالم ) ( النفسي ) ‪،‬‬ ‫الناس من يقول ّ‬ ‫من ّ‬‫َو َ‬
‫تعمد الكذب ‪ ،‬ويكون اإلعتقاد فيه‬
‫هل يمكن فيه ّ‬

‫( ‪)1/132‬‬

‫صفحة رقم ‪133‬‬


‫تصور‬
‫قسموا العلم إلى ّ‬
‫مخالفا للعلم ‪ ،‬أو ال يمكن ذلك ؟ و ( هي ) مسألة تكلّم عليها األصوليون لما ّ‬
‫وإ لى تصديق‪.‬‬
‫فإن ( قلنا ) بجواز الكذب في الكالم النفسي ‪ ،‬فيكون هذا قوال حقيقيا بألسنتهم وقلوبهم ‪ ،‬وإ ن منعنا‬
‫وقوع الكذب فيه ‪ ،‬فيكون قوال باللسان فقط قال ابن ( عرفة ) ‪ ( :‬ليس فيها دليل عليهم ) وانظر‬
‫ألن‬
‫عبروا بلفظ يد ّل عليه باللّزوم ال بالمطابقة ( ّ‬
‫كيف لم يصرحوا باإليمان ( بالرسول ) مطابقة بل ّ‬
‫كف األذى ( عنهم ) ال اإليمان حقيقة‪.‬‬
‫مقصودهم ) ّ‬
‫قال ابن عطية‪.‬‬
‫إن اإليمان قول باللسان وإ ن لم يعتقد بالقلب‪.‬‬
‫الكرامية في قولهم ‪ّ :‬‬
‫ّ‬ ‫رد على‬
‫وفي اآلية ّ‬
‫إن اإليمان قول باللّسان ( يخالفه )‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬ليس فيها دليل عليهم ألنهم لم يقولوا ‪ّ :‬‬
‫ألن اإلعتقاد‬
‫( ( اإلعتقاد بالقلب ‪ ( ،‬وإ نما قالوا ‪ّ :‬إنه قول باللّسان ) عري عن اإلعتقاد بالقلب ال ّ‬
‫بالقلب يخالفه القول باللّسان ) ) ‪ ،‬بمعنى أنه يقوله‬

‫( ‪)1/133‬‬

‫صفحة رقم ‪134‬‬


‫بلسانه ‪ ،‬وال ( يعتقد ) بقلبه شيئا ال هو وال نقيضه ( هكذا ) حكى ( عنهم ) الشهرستاني في ( النحل‬
‫) والملل وليست اآلية كذلك‪.‬‬
‫عز‬
‫أن مذهبهم كما قال ابن عطية وألزمهم نسبة الكذب إلى اهلل ّ‬ ‫نص الطبري هنا على ّ‬ ‫( قيل له ) ‪ّ :‬‬
‫وج ّل‪.‬‬
‫ِ‬
‫الرد عليهم ) َو َما ُهم بِ ُم ْؤ ِمن َ‬
‫ين‬ ‫امنا ) بلفظ الفعل وفي ّ‬
‫قال الزمخشري ‪ :‬فإن قلت ‪ :‬لم قال عنهم ( َء ّ‬
‫بأنهم‬
‫فرد عليهم ّ‬ ‫إن مقصودهم اإلخبار ) ) باالتصاف باإليمان ‪ّ ،‬‬ ‫( بلفظ االسم ؟ ( وأجاب ) ‪ّ ( ( :‬‬
‫ليسوا من نوع المؤمنين ‪ ،‬وال من جنسهم بوجه‪.‬‬
‫األعم‬
‫ّ‬ ‫أخص ‪ ،‬ونفي‪n‬‬
‫ّ‬ ‫أعم واالسم‬
‫أن الفعل ّ‬
‫ومما يؤ ّك ُد السؤال ّ‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬وهذا الجواب ضعيف ‪ّ ،‬‬
‫األخص ‪.‬‬
‫ّ‬ ‫أخص من نفي‬
‫ّ‬

‫( ‪)1/134‬‬

‫صفحة رقم ‪135‬‬


‫لما ( كان ) مقصدهم‬‫أن المنافقين ّ‬
‫( فهال ) كان األمر بالعكس ‪ ،‬فهو األولى ؟ قال ‪ ( :‬والجواب ) ّ‬
‫عبروا بما يدل على ( االتصاف ) بمطلق اإليمان ال‬
‫يعبروا بلفظ صريح في اإليمان بل ّ‬‫التورية لم ّ‬
‫الدوام عليه‪.‬‬
‫بأخصه ) ‪ ،‬و ( أتوا ) بالفعل الماضي ليد ّل على وقوعه وانقطاعه وعدم ّ‬‫ّ‬ ‫(‬
‫وأنهم لم يتّصفوا باإليمان ( النافع بل بإيمان ال ينفع ‪ ،‬لم ينف عنهم‬
‫ولما كان المقصود الرد عليهم ّ‬
‫ألن اإليمان الشرعي ) الموجب‬
‫مطلق ) اإليمان ألنهم قد آمنوا ظاهرا فنفى عنهم اإليمان الشرعي ( ّ‬
‫النافع لهم في‬
‫أن ذلك اإليمان ّ‬
‫لعصمة دمائهم وأموالهم قد اتّصفوا ( به ) ظاهرا ‪ ،‬فأخبر اهلل تعالى ّ‬
‫والسبى ال ينفعهم في اآلخرة فلذلك نفاه ( عنهم ) بلفظ االسم‪.‬‬‫الدنيا بالعصمة من القتل ّ‬
‫امُنوْا ‪...‬‬ ‫ِ‬
‫ون اهلل والذين َء َ‬
‫قوله تعالى ‪ُ ( :‬ي َخاد ُع َ‬
‫إما تفسير لما قبلها أو استئناف ‪.‬‬
‫( قال الزمخشري ‪ ( :‬في ) هذه الجملة ّ‬
‫( ‪)1/135‬‬

‫صفحة رقم ‪136‬‬


‫األول يكونون َوصفوا بأمرين ‪ :‬بعدم اإليمان‬
‫قال اإلمام ابن عرفة ‪ :‬الفرق بينهما أنه على ّ‬
‫( وبالخداع )‪.‬‬
‫ألنهم‬
‫فكأن قائال يقول ‪ :‬لم حكم عليهم بعدم اإليمان فقيل ‪ّ :‬‬
‫وعلى الثاني وصفوا بعدم اإليمان ّ‬
‫يخادعون اهلل‪.‬‬
‫آمنا وال موضع لها ‪ ،‬أو‬
‫نصه ‪ ( ( :‬يخادعون ( مستأنفة ) ‪ ،‬أو بدل من ( يقول ) ّ‬
‫حيان ما ّ‬
‫قال أبو ّ‬
‫حال من فاعل يقول ( فموضعها ) نصب ) )‪.‬‬
‫قال ‪ :‬وأجاز أبو البقاء كونها حاال من الضمير في المؤمنين‪.‬‬
‫قال ‪ :‬واعترض بأنه يلزم منه نفى اإليمان المقيَّد بالخداع ‪ ،‬وهو فاسد ألن المقيَّد بقيد إذا نفى فله‬
‫طريقان ‪ :‬إما نفي المقيِّد فقط وإ ثبات المقيَّد وهو األكثر ‪ ،‬فيلزم إثبات اإليمان ‪ ،‬ونفي الخداع وهو‬
‫فاسد‪.‬‬
‫وإ ما نفيهما معا ( فيلزم ) نفي اإليمان ( والخداع ) وهو فاسد‪.‬‬
‫آمنا محكي ( بنقول ) فيلزم أن يكونوا‬
‫آمنا ألن ّ‬
‫قال ‪ :‬ومنع أن تكون الجملة حاال من الضمير في ّ‬
‫أخبروا عن أنفسهم بأنهم يخادعون وهو باطل ‪ ،‬وأيضا فلو كان من قولهم لكان يخادع بالنون ( انتهى‬
‫)‪.‬‬

‫( ‪)1/136‬‬

‫صفحة رقم ‪137‬‬


‫إن عمرا منطلق وهو كاذب ‪ ،‬فالجملة األخيرة في موضع‬ ‫وأجاب ابن عرفة بأنك تقول ‪ :‬قال زيد ‪ّ :‬‬
‫ون اهلل ( مقوال لهم بوجه‪.‬‬ ‫ِ‬
‫الحال مع أنها ليست من قول زيد ‪ ( ،‬فال ) يلزم من ذلك أن يكون ) ُي َخاد ُع َ‬
‫فبالضرورة ) ّانها من قولهم‪.‬‬
‫ّ‬ ‫امنا ) مخادعين اهلل (‬
‫بأن المعنى يقول ‪َ ( :‬ء ّ‬‫ورد بعضهم هذا ّ‬‫قلت ‪ّ :‬‬
‫الضمير الفاعل في ( َيقُو ُل )‪.‬‬‫ون ) حاال من ّ‬ ‫ِ‬
‫يتم هذا الجواب ( إن ) لو كان ( ُي َخاد ُع َ‬
‫قال ‪ :‬وإ ّنما ّ‬
‫ألنه إنما أخذه من المفهوم‪.‬‬ ‫قال ‪ :‬وقوله يلزم إثبات اإليمان ونفي‪ n‬الخداع ليس كذلك ‪ّ ،‬‬
‫ألنه مفهوم ) خرج مخرج الغالب ‪ِ ،‬إذ الغالب عليهم الخداع ‪ ،‬فال‬ ‫ونحن نقول ‪ :‬ال مفهوم ( له ّ‬
‫إن المفهوم ( منتفى ) بالنص (‬
‫الزكاة أو يقال ‪ّ :‬‬
‫يوجدون غير مخادعين ‪ ،‬كما ورد ‪ :‬في سائمة الغنم ّ‬
‫السياق‪.‬‬
‫على تفسير ) في غير هذه اآلية أو معلوم من ّ‬
‫صح‬
‫يصح وقوع الخديعة باهلل مع أنه عالم بك ّل شيء ؟ وكيف ّ‬
‫ّ‬ ‫وأورد الزمخشري سؤاال قال ‪ :‬كيف‬
‫وقوعها ( فيه ) مع أنه يستحيل عليه القبيح ؟‬

‫( ‪)1/137‬‬

‫صفحة رقم ‪138‬‬


‫ثم ع ّذبهم في اآلخرة‬
‫الدنيا وعصم دماءهم وأموالهم ّ‬
‫نعمهم في ّ‬
‫لما ) ّ‬
‫وأجاب ( بأجوبة أحدها ) بأنه ( َّ‬
‫( كان ) ذلك شبه الخديعة‪.‬‬
‫قال ‪ :‬وكذلك المؤمنون ( معهم )‪.‬‬
‫نتصور ) الخديعة من المؤمنين ألنهم عصموهم في الدنيا خاصة ‪ ،‬واآلخرة ال‬
‫ّ‬ ‫قال ابن عرفة ‪ :‬ال (‬
‫حكم ‪ /‬لهم ( فيها )‪.‬‬
‫يتصور باعتبار ّأنهم عالمون بهم ومع هذا ( تركوا ) قتالهم‪.‬‬
‫ّ‬ ‫قيل ( له ) ‪ :‬قد‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬وعادتهم يوردون هنا سؤاال وهو أنه عبر عن ( نفيهم ) عن المؤمنين في قوله ‪) :‬‬
‫ِ‬
‫ين ( بالوصف المقتضي ( أعلى ) درجات الفالح ‪ ( ،‬فدل على اختصار الفالح فيه ) ‪،‬‬ ‫َو َما ُهم بِ ُم ْؤ ِمن َ‬
‫ولو أريد ‪ :‬وما هم بمؤمنين اإليمان الكامل ‪ ،‬للزم عليه حصول بعض الفالح لهم والغرض ( أنهم )‬
‫لم يحصل لهم من شيء ( فإذا ثبت ) أن الفالح منحصر في مسمى المؤمنين ال في مسمى من آمن ‪،‬‬
‫ألن المنافقين يصدق عليهم أنهم ممن آمن ؟‬
‫فهال قيل ‪ :‬يخادعون اهلل والمؤمنين ‪ّ ،‬‬

‫( ‪)1/138‬‬

‫صفحة رقم ‪139‬‬


‫قال ‪ ( :‬والجواب أن المراد اإلخبار عنهم بكونهم يخادعون اهلل تعالى ) وكل من اتصف بمطلق‬
‫اإليمان حتى أنهم ( يخادعون ) بعضهم فيظن بعضهم في بعض أنه غير منافق فيخادعه والكل‬
‫منافقون‪.‬‬
‫ون (‪.‬‬
‫قوله ‪َ ) :‬و َما َي ْش ُع ُر َ‬
‫نفى عنهم الشعور ‪ ،‬وهو مبادئ اإلدراك‪.‬‬
‫( فبنفي ) ( مبادئ ) اإلدراك ينتفي كل اإلدراك من باب أحرى‪.‬‬
‫ض ‪...‬‬ ‫قوله تعالى ‪ِ ( :‬في ُقلُوبِ ِهم َّم َر ٌ‬
‫( قال ابن عرفة ‪ :‬هذا احتراز ألنه لما أخبر ( عنهم ) أنهم يخادعون اهلل ‪ ،‬والمخادع على نوعين‬
‫فالغالب عليه أن يكون صاحب فكر ونظر ودهاء يدبر األمور التي يخدع بها عدوه ‪ ،‬ومنهم من‬
‫يخادع على غير أصل وذلك موجب ( االستهزاء ) به وعالمة على سخافة عقله فأخبر اهلل تعالى أن‬
‫المنافقين من القسم الثاني‪.‬‬
‫وقال الطبري ‪ :‬إن في اعتقاد قلوبهم مرضا‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬بل المرض في القلوب أنفسها كما قلناه‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬فََز َاد ُه ُم اهلل َم َرضاً ‪...‬‬
‫(‬

‫( ‪)1/139‬‬

‫صفحة رقم ‪140‬‬


‫أشد منه‪.‬‬
‫الفاء للسبب ( وفيه ) العقوبة على الذنب بذنب ّ‬
‫والزيادة عليه إن كانت مثله لزم اجتماع المثلين في المح ّل الواحد وهو‬
‫فإن قلت ‪ :‬هذا مرض واحد ّ‬
‫الضدين َّ‬
‫والنقيضين ‪ :‬فأجيب بوجوه ‪ :‬االول ‪ :‬قال ابن عرفة ‪ّ :‬إنما يمتنع‬ ‫ّ‬ ‫باطل كما يمتنع اجتماع‬
‫بالنوع أو بالجنس ‪ ،‬فاشتركا في جنس المرض و ( تغايرا ) في‬
‫ذلك في الواحد بال ّشخص وهذا واحد ّ‬
‫الفصل ( واجتماع الغيرين جائز )‪.‬‬
‫الضمير في زادهم عائد على ذواتهم ال على قلوبهم ‪ ،‬إذ لو كان عائدا‬
‫الثاني ‪ :‬قال ابن عرفة أيضا ‪ّ :‬‬
‫على القلوب لقال ( فزادها ) اهلل مرضا‪.‬‬
‫وهو أولى‪.‬‬
‫الزيادة ‪ ،‬وال‬
‫فصحت ّ‬
‫ّ‬ ‫األول‬
‫فإن نزل المرض بجميع ذواتهم فمح ّل الثاني ( أوسع ) من مح ّل المثل ّ‬
‫يلزم منه اجتماع المثلين إالّ أن يقال ‪ّ :‬إنه على حذف مضاف تقديره فزاد اهلل قلوبهم ( مرضا )‪.‬‬
‫صحة اجتماع المثلين ( أنه ) يخلق جوهرا‬
‫الثالث ‪ :‬قال بعض الطّلبة ‪ :‬ذكر اإلسفراييني وغيره في ّ‬
‫المنعم وعذاب المع ّذب‪.‬‬
‫آخر يكون فيه المثل اآلخر زيادة في نعيم ّ‬
‫أن كما تقدم ( ال‬
‫قال ابن عرفة ‪ّ :‬إنما ذلك في المثلين حقيقة ‪ ،‬وهذان مختلفان في الفصل بينهم غير ّ‬
‫مثالن ) ‪.‬‬

‫( ‪)1/140‬‬
‫صفحة رقم ‪141‬‬
‫يم ( إما بمعنى مؤلم كقولك ( تحية بينهم ضرب وجيع ) ‪ ،‬أو بمعنى‬ ‫قوله تعالى ‪ ( :‬ولَهم ع َذ ٌ ِ‬
‫اب أَل ٌ‬ ‫َ ُْ َ‬
‫مؤلَّم ‪ ،‬فيكون األلم حاال ( بالعذاب ) مجازا أو تنبيها على ّ‬
‫شدته ( مثل‪.‬‬
‫وش ْعر َشاعر )‪.‬‬ ‫ج ّد ِج ّده ) ‪ِ ( -‬‬
‫َ‬
‫يل لَهُ ْم الَ تُ ْف ِس ُدوْا ِفي األرض ‪...‬‬
‫قوله تعالى ‪َ ( :‬وإِ َذا ِق َ‬
‫( هذا القول واقع ( فيما مضى ) ودائم في المستقبل ‪ ،‬ودوامه محقق ولذلك دخلت عليه إذا ألنه من‬
‫باب تغيير ( المنكر ) فهو واجب‪.‬‬
‫وحذف الفاعل قصدا للعموم والشيوع ( في القائل ) وألن القائل عظيما أو حقيرا ال يقبلون منه‪.‬‬
‫وفائدة ذكر المجرور وهو في األرض ( التنبيه ) على أن إفسادهم عام في اإلعتقاد الديني وفي األمر‬
‫يعم ) في جلب المؤلم ودفع ( المالئم ) شرعا‪.‬‬
‫الدنيوي ‪ ،‬والفساد ( ّ‬
‫ظرف زمان ‪ ،‬وحكى المبرد أنها للمفاجأة نحو ‪ :‬خرجت فإذا زيد ‪ ،‬ظرف‬‫عطية ‪ :‬و ( إذا ) َ‬
‫قال ابن ّ‬
‫لتضمنها ( الجهة ) ‪ ،‬وظرف الزمان ال يكون إخبارا عن ( الجثة ) ‪.‬‬
‫ّ‬ ‫مكان‬

‫( ‪)1/141‬‬

‫صفحة رقم ‪142‬‬


‫قال ابن عرفة ‪ ( :‬وتقدم لنا ) إبطال كونها ظرف مكان ألنه يلزم عليه مفاجأة من بالمشرق لمن‬
‫بالمغرب ) وال يلزم ذلك في الزمان‪.‬‬
‫ابن عطية ‪ :‬وقال سلمان ( الفارسي ) لم ( يجئ ) هؤالء بعد‪.‬‬
‫ابن عطية ‪ :‬ومعناه لم ينقرضوا بل يجيئون في كل زمان‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬والقول‪ : n‬إما لفظي وهو األظهر ‪ ( ،‬وبعيد ) أن يكون نفسيا وال يمتنع الحتمال ( أن‬
‫يخلق اهلل جل جالله ) في خواطرهم النهي عن ذلك وعدم امتثال ذلك النهي‪.‬‬
‫وأورد الزمخشري سؤاال قال ‪ :‬كيف يصح أن يقام مقام الفاعل جملة ( الجملة ) ال تكون فاعلة ؟‬
‫صوا في باب الحكاية على عمل القول في الجملة المحكية مثل ‪ :‬قال زيد إن‬
‫بأنهم َن ّ‬
‫ورده ابن عرفة ّ‬
‫ّ‬
‫عمرا منطلق‪.‬‬
‫واحتجوا بقوله ‪:‬‬

‫( ‪)1/142‬‬
‫صفحة رقم ‪143‬‬
‫الرواسما ‪...‬‬
‫َمتَى تَقُول القلص ّ‬
‫يدنين ّأم قاسم وقاسما فإذا صح تعدي ( القول إلى ) الجملة على المفعولية صح إقامة ذلك المفعول‪n‬‬
‫مقام الفاعل‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬أال ِإَّنهُ ْم ُه ُم المفسدون ‪...‬‬
‫( قال ابن عرفة ‪ :‬أَالَ تنبيه والتنبيه ال يؤتى إال في األمر الغريب وكونهم ال يشعرون من األمر‬
‫الغريب‪.‬‬
‫ام َن الناس ‪...‬‬ ‫ِ‬ ‫قوله تعالى ‪َ ( :‬وإِ َذا ِق َ‬
‫يل لَهُ ْم َءامُنوْا َك َمآ َء َ‬
‫( قال الفخر ( الخطيب ) ‪ :‬بدأ بالنهى عن الفساد ألنه راجع لدفع المؤلم ثم عقبه باألمر باإليمان‬
‫لرجوعه إلى جلب المصالح ‪ ،‬ألن دفع المفاسد آكد من جلب المصالح‪.‬‬
‫إن النظر واجب ( بالعقل ) ( إذ لو كان واجبا )‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬واآلية عندي حجة لمن يقول ‪ّ :‬‬
‫بالشرع لما كلفوا باإليمان بل كانوا يكلفون بالنظر‪.‬‬
‫فإن قلت ‪ :‬ليس هذا بأول تكليفهم فلعلهم كلّفوا به بخطاب آخر قبل هذا ؟ ( قلنا ) ‪ :‬اآلية خرجت‬
‫ذمهم وال ّذم ( األغلب ) فيه أنه إنما يقع على المخالفة في األصل ال في الفرع ‪.‬‬
‫مخرج ّ‬

‫( ‪)1/143‬‬

‫صفحة رقم ‪144‬‬


‫قال ابن عرفة ‪ :‬ولكن يمكن أن يجاب عنه بوجهين ‪ :‬األول ‪ :‬أن اآلية خرجت مخرج التقسيم بين‬
‫وضده‪.‬‬
‫ّ‬ ‫الشيء‬
‫( واإليمان ) نقيض الكفر ‪ ،‬وليس بينهما اشتراك ‪ ،‬والنظر ال ( يناقض ) الكفر ألنه يكون صحيحا‬
‫ويكون فاسدا ‪ ( ،‬فقد ) ينظر المكلف فيهتدي ‪ ،‬وقد ينظر فيضل‪.‬‬
‫ألنه‬ ‫فالنظر اشتراك بين الكفر واإليمان فألجله لم يقل ‪َ :‬وإِ َذا ِق َ‬
‫يل ( لَهُ ْم ) انظروا كما نظر الناس ‪ّ ( ،‬‬
‫) ال يدل صريحا على تكليفهم بالنظر الصحيح‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬إن النفوس مجبولة على النظر في غرائب األمور فلو كلفوا بالنظر ألشبه ذلك ( تحصيل‬
‫الحاصل )‪.‬‬
‫قيل البن عرفة ‪ :‬أو يجاب بأن تكليفهم باإليمان وذمهم على عدمه يستلزم تكليفهم بالنظر‪.‬‬
‫قال ‪ ( :‬والكاف ) منهم من جعلها ( نعتا ) ( لمصدر ) ( محذوف ) أي إيمانا ( شبيها ) ( بإيمان )‬

‫( ‪)1/144‬‬
‫صفحة رقم ‪145‬‬
‫الناس والمشبه بالشيء والمشبه بالشيء ال يقوى قوته ‪ ،‬ففيه حجة لمن يقول ‪ :‬إن اإليمان يزيد‬
‫وينقص ( فكلفوهم ) بتحصيل أقل ما يكفي منه ‪ ،‬فلم يقبلوا ذلك‪.‬‬
‫قال أبو حيان ‪ :‬ومنهم من أعربه حاال من اإليمان أي آمنوا اإليمان كما آمن الناس ألن اإليمان‬
‫المقدر يعرف باأللف والالم‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬وال يحتاج إلى ( هذا ) ( ألن ) سيبويه قال في قوله تعالى ‪ ( :‬فَ َمهِّ ِل الكافرين أ َْم ِهْلهُ ْم‬
‫وصح إتيانها منه وإ ْن كان نكرة ( ألنه ) لما‬ ‫ّ‬ ‫ُر َو ْيداً ( إن ُر َويدا حال من المصدر المقدر وهو إمهال‬
‫ينطق به أشبه المضمر في المعرفة ‪ ( ،‬فكذلك يكون هذا )‪.‬‬
‫ام َن السفهآء أال ِإَّنهُ ْم ُه ُم السفهآء ‪...‬‬ ‫ِ‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬أَُن ْؤم ُن َك َمآ َء َ‬
‫( أجابوا بعدم االمثتال مع ذكر الموجب لذلك ‪ ،‬فأما أن يريدوا بالسفهاء المؤمنين فيكون ( جرأة )‬
‫منهم ومباهتة ‪ :‬أي أنتم‬

‫( ‪)1/145‬‬

‫صفحة رقم ‪146‬‬


‫سفهاء ضعفاء فال نتبعكم ‪ ،‬أو لم يقصدوا أعيان المؤمنين بل قالوا هذا على سبيل المبالغة والجدل‬
‫السفهاء فلسنا‬
‫فيقول لهم المؤمنون على ‪ :‬هذا نعم ‪ ،‬نقول بموجبه ‪ ( :‬ونحن ) لم نأمركم بإيمان ّ‬
‫بسفهاء ‪ ،‬وعلى األول ( ال ) يحسن أن يقول لهم ذلك المؤمنون ألنهم ( مباهتون ) ويقولون ‪ :‬أنتم هم‬
‫السفهاء‪.‬‬
‫قال الزمخشري ‪ :‬وإ نما أطلقوا عليهم ذلك باعتبار الغالب ألن أتباع النبي صلّى اهلل عليه وسلم في‬
‫أول اإلسالم كان أكثرهم فقراء‪.‬‬
‫قيل البن عرفة ‪ :‬إنما كان هذا في المدينة‪.‬‬
‫( قال ) ‪ :‬كان أكثر المهاجرين معه فقراء‪.‬‬
‫ون ( إما ألن الفساد‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬
‫ون ( ‪ ،‬وتلك ) ال َي ْش ُع ُر َ‬
‫قال الزمخشري ‪ :‬وختمت اآلية بقوله ‪ ) :‬ولكن ال َي ْعلَ ُم َ‬
‫في األرض ( أمر ) محسوس فناسب الشعور الذي هو ( أوائل ) اإلدراك واإليمان معنوي يناسب‬
‫العلم ‪ ( ،‬وإ ما لتقدم السفه وهو جهل ‪ ،‬فناسب ذكر العلم طباقا ) ‪.‬‬

‫( ‪)1/146‬‬
‫صفحة رقم ‪147‬‬
‫ام َن الناس (‪.‬‬ ‫ِ‬
‫قال ابن عرفة وانظر هل فيها دليل على أن التقليد كاف لقوله ‪ ) :‬آمُنوْا َك َمآ َء َ‬
‫( الظاهر أنه ليس فيها دليل ألن المراد ‪ :‬انظروا لتؤمنوا كما آمن الناس ) ألن األمر باإليمان أمر‬
‫بما هو من لوازمه ‪ ،‬ومقدماته ‪ ،‬ومفعول ( يعلمون ) إما عاقبة أمرهم أو المراد ال يعلمون صحة ما‬
‫أمروا ( به ) أو ال يعلمون علما نافعا ‪ ،‬وحذف المفعول‪ ( n‬قصدا ) لهذا العموم‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬وفي هذه آيتان ‪ ،‬آية من اهلل تعالى بعلمه ذلك ( مع أنهم ) أخفوه ‪ :‬وآية أخرى‬
‫بإعالمه به محمدا‪.‬‬
‫امَّنا ‪...‬‬
‫ءامُنوْا قالوا َء َ‬
‫وقال جل ذكره ‪َ ) :‬وإِ َذا لَقُوْا الذين َ‬
‫( ( إنما ) اعبر بإذا اعتبارا باألمر العادى ألنهم ( مجاورون ) لهم ( وقريبون منهم ) فهم في مظنة‬
‫أن يكون لقاؤهم لهم محقق الوقوع‪.‬‬
‫امَّنا (‪.‬‬
‫امُنوْا قالوا َء َ‬
‫فإن قلت لم قال ‪َ ) :‬وإِ َذا لَقُوْا الذين َء َ‬
‫ولم يقل إذا لقيهم الذين آمنوا ‪ ،‬وأي فرق بين قولك ‪ :‬لقيني زيد ولقيت زيدا ‪ ،‬مع أنه أمر نسبي ‪ ،‬فإن‬
‫من لقيته لقيك ؟ قال ابن عرفة ‪ :‬فرق بعضهم بينهما بأن المتالقيين إن كانت ألحدهما مندوحة عن‬
‫اللقاء ‪ ،‬ويجد ملجأ أو مقرا فهو مفعول‪ ، n‬واآلخر الذي لم يجد ملجأ وال مقرا بل اضطر إلى لقاء‬
‫صاحبه يستحسن أن‬

‫( ‪)1/147‬‬

‫صفحة رقم ‪148‬‬


‫يكون فاعال للقاء ‪ ،‬والمنافقون‪ n‬كانوا يكرهون لقاء المؤمنين ‪ ،‬وإ ذا لقوهم في طريق يحيدون عنهم ‪،‬‬
‫فلذلك كانوا في اآلية فاعلين ألنهم مضطرون إلى اللّقاء‪.‬‬
‫اطينِ ِه ْم قالوا ِإَّنا َم َع ُك ْم ‪...‬‬
‫قال جل ذكره ‪ ) :‬وإِ َذا َخلَوْا إلى َشي ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ألن )‬
‫عبر في األول بالفعل وفي الثاني باالسم ؟ وأجاب بأنهم عبروا بالفعل ( ّ‬ ‫( قال الزمخشري ‪ :‬لم ّ‬
‫مقصودهم اإلخبار بتحصيل مطلق اإليمان ‪ ،‬ولم يلتزموا تحصيل أعاله ‪ ،‬وأخبروا أشياطينهم بحقيقة‬
‫أمرهم على جهة الثبوت‪.‬‬
‫عبروا بالفعل لكونهم ّنزلوا أنفسهم منزلة البريء‬
‫بأنهم ( ّإنما ) ّ‬
‫وتقدم الجواب عنهم ّ‬
‫قال ابن عرفة ‪ّ :‬‬
‫مقرين َّ‬
‫بأن المؤمنين يتهمونهم بالكفر وينكرون‬ ‫الذي يقبل قوله وال يتّهم ‪ ،‬فلو أ ّكدوا كالمهم لكانوا ّ‬
‫عليهم زعمهم أنهم مؤمنون ‪ ،‬فأرادوا أن ال يوقعوا ألنفسهم ريبة ‪ ،‬بل يخبرون بذلك على البراءة‬
‫األصلية خبر من يكتفي منهم بأدنى ( العبارة ) ويقبل كالمه ‪ ،‬وال ينكر عليه‪.‬‬
‫وقولهم لشياطينهم ‪ِ ( :‬إَّنا َم َع ُك ْم ) أكدوا ذلك ألمرين ‪ :‬إما لكون ( ذلك محبوبا لهم ) ‪ ،‬فبالغوا فيه كما‬
‫( يبالغ )‬

‫( ‪)1/148‬‬

‫صفحة رقم ‪149‬‬


‫ألنهم أظهروا اإلسالم ( فخشوا أن‬
‫اإلنسان ( في مدح ما ) هو محبوب ( له ) ‪ ،‬وإ ما تقرير لمعذرتهم ّ‬
‫لنيتهم )‪.‬‬
‫يتوهم فيهم أصحابهم ّأنهم مسلمون ‪ ،‬فبالغوا في تمهيد العذر ( ّ‬
‫) ّ‬
‫قال ابن عطية ‪ :‬قال ال ّشافعي وأصحابه ‪ :‬إنما منع رسول اهلل صلّى اهلل عليه وسلّم من قتل المنافقين (‬
‫يجب ما كان قبله فمن قال ‪:‬‬
‫لما ) كانوا يظهرونه من اإلسالم بألسنتهم مع العلم بنفاقهم ألن اإلسالم ّ‬
‫إن عقوبة الزنادقة أشد من عقوبة الكفار فقد خالف الكتاب والسنة‪.‬‬
‫ألن اهلل َنهَاهم عن‬
‫كف رسول اهلل عليه وسلّم عن قتل المنافقين مع العلم بهم ‪ّ ،‬‬
‫قال الشافعي ‪ّ :‬إنما ّ‬
‫قتلهم إذا أظهروا اإليمان فكذلك هو الزنديق‪.‬‬
‫النبي صلى اهلل عليه وسلّم كان يعلم أن المنافقين يموتون على نفاقهم‬
‫أن ّ‬‫قال ابن عرفة ‪ :‬الفرق بينهما ّ‬
‫وكفرهم والزنديق ال يقدر أحد منا أن يعلم وفاته على الزندقة‪.‬‬
‫ىء بِ ِه ْم ‪...‬‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬اهلل َي ْستَ ْه ِز ُ‬
‫(‬

‫( ‪)1/149‬‬

‫صفحة رقم ‪150‬‬


‫قال ابن عرفة ‪ :‬هذا تشريف واعتناء بمقام النبي حيث ( تولى ) اهلل عقوبتهم ( بنفسه ) ولم يقل ‪:‬‬
‫مالئكة اهلل يستهزئون بهم‪.‬‬
‫بأنه )‬
‫فقدره ) المعتزلة ( ّ‬
‫قال ( ابن عرفة ) ( وأوردوا ) هنا سؤاال في إسناد االستهزاء إلى اهلل ( ّ‬
‫بأن االستهزاء ملزوم بالجهل ل‬
‫وقدره ) أهل السنة ‪ّ /‬‬ ‫قبيح ‪ ،‬وصدور القبح من اهلل تعالى محال ‪ّ ( ،‬‬
‫ون ِم َن الجاهلين ( والجهل على اهلل تعالى‬
‫َن أَ ُك َ‬
‫َعو ُذ باهلل أ ْ‬ ‫قوله تعالى ‪ ( :‬قالوا أَتَتَّ ِخ ُذَنا ُه ُزواً قَ َ‬
‫ال أ ُ‬
‫محال فاالستهزاء في حقه محال‪.‬‬
‫وأجاب ابن عطية بثالثة أوجه ‪ :‬إما أنه مجاز ( المقابلة ) كقولك ‪ :‬قَالُوا ‪ :‬اقترح شيئا نجد لك طبخه‬
‫قلت ‪ :‬اطبخوا لي جبة وقميصا ‪.‬‬

‫( ‪)1/150‬‬

‫صفحة رقم ‪151‬‬


‫وقول لبيد ‪ :‬أَال ال َيجهلن أحد علينا ‪...‬‬
‫فنجهل فوق جهل الجاهلينا وإ ما بأنه يفعل بهم من اإلمالء بالنعم كفعل المستهزئ ‪ ،‬أو يفعل بهم في‬
‫اآلخرة ما هو في ( تأويل ) البشر كفعل المستهزئ ‪ ،‬حسبما روي أن النار تجمد كما تجمد األهالة‬
‫وهي الشحم ( فيمشون ) عليها يظنونها منجاة فتخسف بهم‪.‬‬
‫قال الزمخشري ‪ :‬هال قيل ‪ :‬اهلل مستهزئ بهم كما قالوا هم ‪ :‬إنما نحن مستهزؤون ؟ وأجاب بأن‬
‫الفعل يفيد حدوث االستهزاء وتجدده وقتا بعد وقت‪.‬‬
‫( فرده ) ابن عرفة بأن دوامه عليهم أشد وأشنع‪.‬‬
‫التجدد يقتضي تنويعه واختالفه عليهم‬
‫ّ‬ ‫قال ‪ :‬ويجاب عليه بأن‬

‫( ‪)1/151‬‬

‫صفحة رقم ‪152‬‬


‫شيئا بعد شيء فال يستهزئ بهم بنوع واحد‪.‬‬
‫تجدده فإنه إذا‬
‫وتدرب عليه بخالف ّ‬
‫وأجاب الطيبي بأن دوام العذاب فيه توطين لهم ‪ ،‬فقد تألفه نفوسهم ّ‬
‫ارتفع عنهم يرجون انقطاعه ( وإ ذا ) عاد إليهم كان أشد عليهم‪.‬‬
‫قيل البن عرفة ‪ :‬نقل بعض الشيوخ عن األستاذ ابن نزار أنه كان ينهى عن الوقف على ) ِإَّن َما َن ْح ُن‬
‫ىء بِ ِه ْم ( مقابل لما قبله فالصواب إيصاله ( به ) ؟ فقال ابن‬
‫ون ( ألن قوله ) اهلل َي ْستَ ْه ِز ُ‬
‫ُم ْستَ ْه ِز ُء َ‬
‫عرفة ‪ :‬كان غيره يختار في مثل هذا الوقف في الفصل بين كالم اهلل وكالمهم كما ينهى عن الوقف‬
‫على ( َّإنا َم َع ُك ْم )‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬أولئك الذين اشتروا الضاللة بالهدى ‪...‬‬
‫( اإلشارة بلفظ البعيد إلى القريب ( للبعد ) من جهة المعنى‪.‬‬
‫وفسر ابن عطية الشراء بأوجه متقاربة ‪ ،‬إنها عبارات مختلفة فاألوالن‪ n‬في كالمه راجعان لنفس‬
‫المعنى ‪ ،‬واألخيران ( لكيفية ) ( صدق ) اللّفظ على ذلك المعنى ‪.‬‬
‫( ‪)1/152‬‬

‫صفحة رقم ‪153‬‬


‫قال ابن عرفة ‪ :‬وأدخل الذين للحصر‪.‬‬
‫قال أبو حيان ‪ :‬ودخول الفاء في خبر الموصول‪ n‬ال يجوز إال إذا كان الموصول‪ n‬عاما‪.‬‬
‫( ويشترط ) أن يكون فيه معنى التعليل للخبر وعادتهم يردون عليه ب قوله تعالى ‪ ( :‬الذي َخلَقَنِي‬
‫ين ( ألنه ليس بعام وال ( هو ) علة في الخبر ‪ ،‬إذ ليس ( الخلق ) علة في الهداية وإ ال لزم‬ ‫فَهَُو َي ْه ِد ِ‬
‫عليه مذهب المعتزلة‪.‬‬
‫قال ‪ :‬وهنا سؤال وهو ِل َم أثبت الضاللة دون الهدى والمناسب العكس أو كان يقال اشتروا ( الضالل‬
‫) بالهدى ( فهو ) أبلغ في ال ّذ ّم القتضائه أنهم اشتروا الضالل الكثير بخالف الضاللة الواحدة فإنها ال‬
‫ذموا على أخذ الواحدة من الضالل‬
‫تفيد ذلك الذم ؟ قال ‪ :‬والجواب بوجهين ‪ :‬أحدهما ‪ :‬أنهم إذا ّ‬
‫( فأحرى ) أن يذموا على كثيره‪.‬‬
‫بدلوا الهدى الكثير الشريف فأخذوا عوضه الشيء القليل من‬
‫الثاني ‪ :‬أن هذا أشنع من حيث إنهم ّ‬
‫مقداره الحقير في ذاته‪.‬‬
‫إما أنه يعد حاصال ألجل تمكنهم‬
‫فإن قلت ‪ :‬الهدى الذين اشتروا الضاللة به لم يكن لهم بوجه ؟ قلنا ‪ّ :‬‬
‫منه أو هو حاصل‬

‫( ‪)1/153‬‬

‫صفحة رقم ‪154‬‬


‫بالفعل لحديث ‪ ( :‬كل مولود يولد على الفطرة ) أو المراد المنافقون وقد حصل لهم الهدى ( بالنطق‬
‫خلوهم مع شياطينهم‪.‬‬
‫) اللّساني فخالفوا بالفكر االعتقادي ( وبكفرهم ) بلسانهم عند ّ‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬فَ َما َربِ َحت تِّ َج َارتُهُ ْم ‪...‬‬
‫( فإن قلت ‪ :‬هال قيل ‪ :‬فخسرت تجارتهم ‪ ،‬فهو أصرح ألن عدم الربح ال يستلزم الخسران ؟‪.‬‬
‫ذموا على عدم الربح فأحرى أن يذموا على الخسران‪.‬‬ ‫بأنهم إذا ّ‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬عادتهم يجيبون ّ‬
‫ين ( ( قال ابن عطية ‪ :‬قيل ‪ :‬معناه في شرائهم هذا ‪ ،‬وقيل معناه على‬ ‫ِ‬
‫قوله تعالى ‪َ ( :‬و َما َك ُانوْا ُم ْهتَد َ‬
‫اإلطالق ‪ ،‬وقيل ‪ :‬في سابق علم اهلل )‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬وتقدم لنا أن الصواب غير هذا كلّه وهو أن الخسارة في التجارة تارة تكون ألجل‬
‫حوالة األسواق برخص أو ألجل الجهل بمحاولة البيع والشراء أو ألجل الفساد وتبذير المال بإنفاقه‬
‫في غير مصلحة أو فيما ال يحل ‪ ،‬فلما أخبر عن هؤالء بالخسارة في ( تجارتهم ) ( بقي ) أن يتوهم‬
‫أنهم من القسم األول الذين‬

‫( ‪)1/154‬‬

‫صفحة رقم ‪155‬‬


‫لهم عذر في الخسارة ألن ذلك أمر جبري ( ليس من قبلهم وال لهم فيه اختيار بوجه فاحترز عن ذلك‬
‫ين ( حتى يتيقن أنهم من قسم من كانت خسارته في التجارة من قبل نفسه‬ ‫ِ‬
‫بقوله ‪َ ) :‬و َما َك ُانوْا ُم ْهتَد َ‬
‫وسبب فساده وقبح تصرفه وهذا أصوب من قول الزمخشري ‪ :‬إذ المراد بذلك إضاعتهم رأس المال‬
‫ونظره ابن عطية بمنع مالك االشتراء على أن ( يتخير ) المبتاع فيما تختلف ( آحاده ) ويمتنع‬
‫التفاضل فيه‪.‬‬
‫ابن عرفة ‪ :‬الخيار واالختيار في آخر كتاب الخيار منع فيها أن يشتري الرجل عدد شجرة شجرة‬
‫مثمرة يختاره اتّفق الجنس أو اختلف ‪ ،‬وتدخله المفاضلة في الجنس الواحد وبيع الطعام قبل قبضه إن‬
‫كان على الكيل ‪ ،‬ألن من خير بين شيئين يعد متنقال فيدع هذه وقد ملك اختيارها أو يأخذ هذه وبينهما‬
‫فضل في الكيل ‪ ،‬وكذلك منعه في الجنس الواحد المختلف الثمن من غير الطعام للفرد فإن اتفقت حاده‬
‫أو استوت قيمته جاز االختيار وان اختلف منع‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪َ ( :‬مثَلُهُ ْم َك َمثَ ِل الذي استوقد َناراً ‪...‬‬
‫( قال ابن عرفة ‪ :‬كيف شبه ( الجمع ) بالواحد‪.‬‬
‫بأنه كلية روعي فيها آحادها ‪ ،‬أو المراد بالموصول‪ n‬الجمع أو هو واحد‬
‫فأجيب ّ‬

‫( ‪)1/155‬‬

‫صفحة رقم ‪156‬‬


‫بالنوع ال بالشخص ‪ ،‬والتشبيه يستدعي مشبها ومشبها به ووجه التشبيه نتيجتة ‪ ،‬كما أن القياس‬
‫التمثيلي يقتضي فرعا وأصال وعلة جامعة ونتيجة وهي الحكم ‪ ،‬فالمشبه المنافقون والمشبه به‬
‫مستوقد النار‪.‬‬
‫ووجه التشبيه حكى فيه ابن عطية حمسة أقوال ( ونتيجته ) هو الخسران والندم‪.‬‬
‫ور ِه ْم ‪...‬‬
‫ب اهلل بُِن ِ‬
‫قوله تعالى ‪َ ( :‬ذ َه َ‬
‫( قال السهيلي في الروض ‪ :‬إن قلت ‪ :‬لم عداه هنا بالباء‪.‬‬
‫َه َل البيت ( فعداه بنفسه ؟ فأجاب‬
‫ب َعن ُك ُم الرجس أ ْ‬ ‫وقال في سورة األحزاب ‪ِ ) :‬إَّنما ي ِر ُ ِ ِ‬
‫يد اهلل لُي ْذه َ‬ ‫َ ُ‬
‫بأن الباء تقتضي الصاحب ‪ ،‬فإذا قلت ‪ :‬ذهبت بزيد ‪ ،‬فأنت أذهبته وذهبت معه والنور محبوب شرعا‬
‫فناسب اسناد الذهاب إليه باعتبار الفهم والتصور وإ ن كان في حق اهلل تعالى محاال لكنه على معنى‬
‫والرجس مذموم‬
‫صفّاً ( ّ‬
‫صفّاً َ‬
‫ُّك والملك َ‬
‫آء َرب َ‬
‫يليق به ‪ ،‬كما وصف نفسه بالمجيء في قوله ‪َ ) :‬و َج َ‬
‫شرعا وطبعا فناسب إبعاده عنه ( وعدم ) إسناده إليه‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬وفي ( التعدية ) بالباء التي للمصاحبة نوع زيادة وإ شعاره ( بدوام ) الذهاب ‪،‬‬
‫ومالزمته بسبب مالزمة‬

‫( ‪)1/156‬‬

‫صفحة رقم ‪157‬‬


‫فاعل الذهاب له ‪ ،‬فال يزال ذاهبا عنهم فهو أشد في عقوبتهم حتى ال يتصور رجوعه ( إليهم ) بوجه‪.‬‬
‫وتكلم الطيبى ( هنا ) ( في الضياء ) والنور‪.‬‬
‫قال الزمخشري ‪ :‬النور ضوء النهار وضوء كل شيء ‪ ،‬وهو نقيض الظلمة ‪ ،‬والضياء إفراط اإلنارة‬
‫‪ ،‬فالنور عنده زيادة في الضياء‪.‬‬
‫آء والقمر ُنوراً ‪...‬‬ ‫ِ‬
‫قال تعالى ‪ُ ) :‬ه َو الذي َج َع َل الشمس ضَي ً‬
‫بأن الضياء هنا ( مثبت ) والنور منفي‪.‬‬
‫( وقدره صاحب المثل السائر ّ‬
‫والقاعدة استعمال األخص في الثبوت واألعم في النفي فإذا ثبت أعلى الضياء فأحرى أدناه ‪ ،‬وإ ذا‬
‫ِ‬
‫ومبادُئهُ )‬ ‫انتفى أقل النور (‬

‫( ‪)1/157‬‬

‫صفحة رقم ‪158‬‬


‫فأحرى أكثره أعاله‪.‬‬
‫وتعقب عليه صاحب الفلك الدائر بأن يعقوب ابن السكيت نص في ( إصالح ) المنطق على أن‬
‫الضياء هو النور ال فرق بينهما‪.‬‬
‫وقال بعضهم ‪ :‬قول ‪ :‬من قال ‪ :‬إن القمر مستمد من نور الشمس مخالف لمذهب أهل السنة ‪ ،‬وال يتم‬
‫إال على مذهب الطبائعية‪.‬‬
‫ور السماوات واألرض‬
‫ورد بعضهم على الفخر الخطيب في سورة النور عند قول اهلل تعالى ‪ ) :‬اهلل ُن ُ‬
‫( قال فيها ‪ :‬إن النور هو الضوء الفياض من الشمس‪.‬‬
‫يتم إال على القول بالطّبع والطبيعة‪.‬‬
‫( قال ) ‪ :‬ما ّ‬
‫وأجاب ابن عرفة بأنه أخطأ في العبارة فقط ‪ ،‬ومراده أنه نور يخلقه اهلل في القمر عند مقابلة الشمس‬
‫‪ ،‬ومذهب أكثر أهل السنة أن الظلمة أمر وجودي ‪ ،‬وذهب الحكماء والفالسفة إلى أنها أمر عدمي‪.‬‬
‫ات ‪...‬‬‫قوله تعالى ‪ ( :‬وتَر َكهم ِفي ظُلُم ٍ‬
‫َ‬ ‫َ َ ُْ‬
‫ص ٌّم ُب ْك ٌم ُع ْم ٌي ‪...‬‬
‫( قول اهلل تعالى ‪ُ ) :‬‬
‫( اآلية‬

‫( ‪)1/158‬‬

‫صفحة رقم ‪159‬‬


‫قال ابن عطية ‪ :‬األصم هو من ال يسمع‪.‬‬
‫واألبكم من ال ينطق وال يفهم ‪ ،‬واألخرس من ( يفهم ) وال ينطق‪.‬‬
‫وقيل ‪ :‬األبكم واألخرس واحد‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬تقدم في األصول‪ n‬أنه إذا ( تعارض الترادف ) والتباين ( فالتباين ) أولى وانظر ( ما‬
‫معنى ) كونهما سواء هل يرد األبكم إلى األخرس أو بالعكس ( وعادتهم ) يقررونه بأن معنى كونهما‬
‫سواء أن األبكم واألخرس هو الذي ال ينطق سواء فهم أو لم يفهم ‪ ،‬ولو فسرناه برد األخرس إلى‬
‫ألنه يكون األصم من ال يسمع واألخرس واألبكم من ال ينطق‬
‫األبكم للزم عليه اإلهمال والتعطيل ‪ّ ،‬‬
‫وال يفهم ‪ ( ،‬ويبقى ) من يفهم وال ينطق واسطة بينهما مهمال‪.‬‬
‫قيل ( له ) ‪ :‬إنا نجد األخرس هكذا ؟ ( فقال ) ‪ :‬قد يكون في الشيوخ الصم من تعطل فهمه‪.‬‬
‫قال ‪ :‬والترتيب في اآلية ( قدوره ) بوجهين ‪ :‬إما أنه على حساب الوجود الخارجي ألن المكلف‬
‫يسمع قول النبي ‪:‬‬

‫( ‪)1/159‬‬

‫صفحة رقم ‪160‬‬


‫أني رسول من عند اهلل فينطق ويقول‪ n‬له ‪ :‬ما دليل صدقك ( فيريه ) انشقاق القمر ( أو َغيره ) من‬
‫اآليات‪.‬‬
‫يصدر ) عن الشخص وهو منفعل ‪ ،‬ومنها ما ( يصدر ) عنه وهو فاعل ‪،‬‬
‫ُ‬ ‫وإ ما ألن األمور منها ( ما‬
‫فحاسة السمع من ( قبيل ) قسم المنفعل ال من قسم الفاعل ‪ ،‬ألن اإلنسان يسمع الشيء من غيره ‪،‬‬
‫وليس له فعل ‪ ،‬وحاسة النطق من ( قسم ) الفاعل ألنه ال يتكلم إال باختياره إن أراد ( تكلم ) وإ ال‬
‫سكت ‪ ،‬وحاسة البصر جامعة ( لالمرين ) فالنظرة الفجائية من قسم المنفعل ال من قسم الفاعل ال‬
‫تسبب ( لإلنسان ) فيها ‪ ،‬وما عداها من قسم الفاعل‪.‬‬
‫فبدأ أوال ( بقسم المنفعل ) ألن الكالم في شيء مخلوق حادث واألصل في الحادث االنفعال‪ n‬ال الفعل ‪،‬‬
‫وهما خبر مبتدأ محذوف ‪ ،‬وحسن حذف المبتدأ لكون الخبر ال يصح إال له وتعدد الجنس فيه خالف‬
‫ومنهم من كان يجعله‬
‫ْ‬ ‫فمنعه بعضهم ‪ ،‬وأجازه آخرون بشرط كون الجميع في معنى خبر واحد ‪،‬‬
‫بأن الذي منع من التعدد إنما منع حيث يكون الخبران متناقضين‬
‫خالفا ومنهم من يجمع بين القولين ّ‬
‫كقولك ‪ :‬زيد قائم قاعد ‪ ،‬أو متحرك ساكن‪.‬‬
‫والذي أجازه بشرط الجمعية معنى واحد ‪ ،‬هكذا مراده ‪ ،‬ألن النقيضين ال يجتمعان في معنى واحد‬
‫بوجه‪.‬‬
‫قال اهلل تعالى ‪ ) :‬فَهُ ْم الَ َي ْر ِج ُع َ‬
‫ون (‬

‫( ‪)1/160‬‬

‫صفحة رقم ‪161‬‬


‫قال أبو البقاء ‪ :‬جملة مستأنفة ‪ ،‬وقيل ‪ :‬في موضع نصب على الحال فتعقبه أبو حيان بأن ما بعد الفاء‬
‫ال يكون حاال‪.‬‬
‫ألن الفاء للترتيب ‪ ،‬والحال مقارنة ال ترتيب فيها‪.‬‬
‫قال ‪ّ :‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬الحكم بكون الفاء تمنع عمل ما قبلها فيما بعدها صحيح إال أن هذا التعليل باطل ألنا‬
‫نقول ‪ :‬تكون الحال مقدرة ال محصلة قال ‪ :‬وقوله ‪ :‬فهم ال يرجعون‪.‬‬
‫قيل ‪ :‬إنه خبر وقيل دعاء‪.‬‬
‫صم حقيقة ‪ ،‬فإن أريد به المجاز فال يصح الدعاء عليهم‬
‫يتم كونه دعاء إال ّأنهم ّ‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬ال ّ‬
‫به‪.‬‬
‫قيل البن عرفة ‪ :‬وال يصح كونه حقيقة ألن مقتضاه لم يقع‪.‬‬
‫للنبي والمالئكة‪.‬‬
‫الدعاء ليس من اهلل ( فيلزم حصول متعلقه ) بل هو ( أمر ) ّ‬
‫فقال ‪ّ :‬‬
‫للداعي مطلوبه ‪ ،‬وقد ال يستجاب له ‪ ،‬ويثاب‬
‫فالدعاء عليهم بهذا اللفظ ال يلزم وقوعه فإنه تحصل ّ‬
‫ّ‬
‫الدعاء‪.‬‬
‫على ّ‬
‫قال ابن عطية ‪ :‬وقال غيره ‪ ،‬معناه ‪ :‬ال يرجعون ‪ ،‬ما داموا على الحال التي ( وصفهم بها )‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬هذا تحصيل الحاصل ‪.‬‬
‫( ‪)1/161‬‬

‫صفحة رقم ‪162‬‬


‫قيل له ‪ :‬قد قال أهل المنطق ‪ :‬كل كاتب محرك يده ما دام كاتبا ‪ ،‬ولم يجعلوه تحصيل الحاصل‪.‬‬
‫فقال ‪ ( :‬هؤالء ) ينظرون إلى المعنى ‪ ،‬والنحوي كالمه في صحة تركيب ( األلفاظ )‬
‫( واالصطالحان ) متباينان‪.‬‬
‫صي ٍ‬
‫ِّب ِّم َن السمآء ‪...‬‬ ‫قال اهلل تعالى ‪ ) :‬أ َْو َك َ‬
‫( قالوا ‪ :‬أو هنا ( تحتمل معانيها ) الخمسة‪.‬‬
‫ك من حيث ذاته يحتمل ثالثة معان‬
‫قاالبن عرفة ‪ :‬وجعلها للتفصيل أصوب من جعلها للشك فإن الش ّ‬
‫وإ ن كان ذلك احتماال ضعيفا‪.‬‬
‫تقول ‪ :‬زيد قائم أو قاعد تشك ‪ :‬هل هو قائم أم ال ؟ ثم تشك هل هو قاعد أم ال ؟ ويحتمل أن يكون‬
‫غير ذلك وال ينحصر األمر إال في دخولها بين نقيضين مثل زيد متحرك أو ساكن ‪ ،‬ويبعد كونها‬
‫للتخيير أو اإلباحة ألنهما أكثر ما يكونان في الطلب ‪ ،‬وهذا خبر ‪ ،‬ويبعد الجمع بينهما هنا باعتبار‬
‫الزمان ألن الناظر أوال ينظر ‪ /‬إلى مستوقد النار فيشبههم به ثم ينظر إلى المطر النازل في الظلمات‬
‫فيشبههم به ‪ ،‬وهو على حذف مضاف‪.‬‬
‫صيب ‪ ،‬وإ ن جعلناه واحدا بالنوع‬ ‫استَ ْوقَ َد َّ‬
‫النار جمعا ( في التقدير ) قلنا ‪ :‬أو كأهل ّ‬ ‫‪ .‬فإن جعلنا الذي ْ‬
‫صيب ‪.‬‬
‫قدرنا المضاف أو كذي ّ‬

‫( ‪)1/162‬‬

‫صفحة رقم ‪163‬‬


‫وأورد الزمخشري سؤاال قال ‪ :‬ما الفائدة في قوله ‪ ( :‬من ) السماء ؟ وكأنه إخبار بالمعلوم ( كقولك‬
‫) ‪ :‬الماء فوقنا واألرض تحتنا ولذلك منع سيبويه االبتداء بالنكرة كقولك ‪ :‬رجل قائم ‪ ،‬إذ ال فائدة‬
‫فيه‪.‬‬
‫وأجاب بجواب ال ينهض‪.‬‬
‫قال شيخنا اإلمام ابن عرفة ‪ :‬وعادتهم يجيبون بأن فائدة التنبيه على كثرة ما فيه من الهول ألن‬
‫حصول األلم والتأثير بشيء ينزل من موضع مرتفع بعيد االرتفاع أشد من حصوله مما ينزل من‬
‫موضع دونه فى االرتفاع‪ ، n‬فأخبر اهلل تعالى أن هذا المطر ينزل من السماء البعيدة ‪ ،‬فيكون تأثيره‬
‫وتأثير رعده ‪ ،‬وبرقه وصواعقه أشد‪.‬‬
‫ات ‪...‬‬ ‫قال اهلل تعالى ‪ِ ) :‬ف ِ‬
‫يه ظُلُ َم ٌ‬
‫( ( يحتمل أن يكون من باب القلب ألن المطر ينزل في الظلمات ألن الظلمات فيه ) يحتمل أن يكون‬
‫َعَن ِاق ِه ْم‬
‫الظلمات في المطر حقيقة واألول أظهر و ( كذا ) تقدم لنا في قوله تعالى ‪ِ ( :‬إ ِذ األغالل في أ ْ‬
‫َعَن ِاق ِه ْم‬
‫والسالسل ( وفي قوله ‪ِ ) :‬إَّنا َج َعْلَنا في أ ْ‬

‫( ‪)1/163‬‬

‫صفحة رقم ‪164‬‬


‫َغالَالً فَ ِه َى ِإلَى األذقان فَهُم ُّم ْق َم ُح َ‬
‫ون ( وتقدم لنا أنه من باب القلب ( فإن أعناقهم ) هي التي في‬ ‫أْ‬
‫أن األغالل ضيقة جدا ( فتحصر )‬ ‫األغالل ال العكس ‪ ،‬وتقدم الجواب عنه بأنه ( حقيقة ) على ّ‬
‫أعناقهم وتدخل فيها حتى تصير األغالل مضروبة في أعناقهم‪.‬‬
‫ق ‪...‬‬
‫ات َو َر ْع ٌد َوَب ْر ٌ‬ ‫قوله تعالى ‪ِ ( :‬ف ِ‬
‫يه ظُلُ َم ٌ‬
‫( هذا الترتيب باعتبار األعم األغلب في الوجود لوجود الظالم في كل دورة ألن كل يوم معه ليلة ‪،‬‬
‫وذكر الرعد بعده ألنه أكثر وجود من البرق ألن البرق ال بد معه من الرعد ‪ ،‬والرعد قد يكون معه‬
‫الرعد في ( الظّلمة ) أشد على‬
‫برق وقد ال يكون ‪ ،‬أو ألن الرعد في ( الظّلمة ) أشد على النفوس من ّ‬
‫الرعد في الضوء ‪ ( ،‬واآلية خرجت ) مخرج التخويف فابتدأ ( فيها ) بما هو أشد ( في )‬
‫النفوس من ّ‬
‫التخويف‪.‬‬
‫َصابِ َعهُ ْم ‪...‬‬
‫ون أ َ‬
‫قوله تعالى ‪َ ( :‬ي ْج َعلُ َ‬
‫الشد لها ‪ ،‬حتى‬
‫( ولم يقل ‪ :‬أنامل أصابعهم والمجعول إنما هي األنامل إشارة إلى شدة جعلها وقوة ّ‬
‫كأنهم يجعلون اإلصبع كلّها ‪.‬‬
‫ّ‬

‫( ‪)1/164‬‬

‫صفحة رقم ‪165‬‬


‫يتأملوا ويهتدوا حتى‬
‫وأنهم لم ّ‬
‫وقال ابن عرفة ‪ :‬وجمع األصابع إشارة إلى شدة تحيرهم وخوفهم ّ‬
‫يجعلوا إصبعا واحدة ( ( وهي السبابة فهم تارة يجعلون هذا وتارة هذا حتى ( يجعلوا ) الجميع ) )‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪ِّ ( :‬م َن الصواعق َح َذ َر الموت ‪...‬‬
‫( أي حذرا من أن يقرع ذلك الصوت أسماعهم فيموتون‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬واختلفوا في وجه التشبيه ( فهو عندي كما قرره ) بعضهم راجع لتشبيه محسوس‬
‫أي ‪ :‬أن المنافقين في خوفهم وفي حيرتهم مشبهون بمن يدركه هذا الصيب والرعد والبرق‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬واهلل ُم ِحيطٌ بالكافرين ( ( هذه ) تسلية ّ‬
‫للنبي صلى اهلل عليه وسلّم‪.‬‬
‫إما المنافقين أي ال تهتم بأمرهم فاهلل يكفيكهم فإنه محيط بهم إحاطة هالك في الدنيا‬
‫والمراد بالكافرين ّ‬
‫( وعذاب ) في اآلخرة ‪ ،‬أو المراد عموم الكافرين هؤالء منهم ‪ ،‬وهذا كاالحتراس ألنه لما أخبر‬
‫يسد أذنيه خشية ) الموت ‪ ،‬والخائف‬
‫شبههم بمن ( ّ‬
‫عنهم ّأنهم في غاية الخوف والحذر من المؤمنين ّ‬
‫في ( مظنة ) ( السالمة ألنه يكون على حذر من عدوه وتحرز منه ويرتكب أسباب النجاة فأخبر اهلل‬
‫تعالى ّأنهم ليسوا من هذا القبيل‬

‫( ‪)1/165‬‬

‫صفحة رقم ‪166‬‬


‫بل ال نجاة لهم مما هم خائفون منه فاهلل محيط بهم إحاطة إهالك وانتقام‪.‬‬
‫ص َار ُه ْم ‪...‬‬
‫ف أ َْب َ‬
‫ط ُ‬
‫اد البرق َي ْخ َ‬
‫قوله تعالى ‪َ ( :‬ي َك ُ‬
‫ق ( فصل بينهما بجملة اعتراض‬
‫ات َو َر ْع ٌد َوَب ْر ٌ‬ ‫( قال ابن عرفة ‪ :‬هذا من ( تمام ) قوله ‪ِ ) :‬ف ِ‬
‫يه ظُلُ َم ٌ‬
‫وهي قوله ) واهلل ُم ِحيطٌ بالكافرين ( أتت ( مشددة ) لما قبلها‪.‬‬
‫قال ‪ :‬واختلفوا في كاد فقيل ‪ ( :‬نفيها ) إيجاب ‪ ،‬وإ يجابها نفي‪.‬‬
‫قال ابن الحاجب ‪ :‬إذا دخل النفي عليها فهي كاألفعال ( على االصح وقيل ‪ :‬إنها تقتضي الثبوت مع‬
‫الماضي والمستقبل ‪ ،‬وقيل ‪ :‬مع الماضي لالثبات ومع االستقبال كاألفعال ) وانظر أبا حيان ‪.‬‬

‫( ‪)1/166‬‬

‫صفحة رقم ‪167‬‬


‫قال ابن عرفة ‪ :‬الظّاهر عندي أن ( الخالف ) لفظي يرجع إلى ( الوفاق ) فمن رده النفي إلى‬
‫المقاربة جعلها كسائر األفعال ومن رده إلى نفس الفعل الذي تعلقت به المقاربة قال نفيها إثبات‬
‫وإ ثباتها نفي‪.‬‬
‫ظلمة ( ال يزيلها ) إالّ شدة‬
‫فإن قلت ‪ :‬هال قال ‪ :‬كلما أنار لهم مشوْا فيه ؟ ( والجواب ‪ :‬أنه لشدة ) ال ّ‬
‫لشدة ( الضوء ) عقب شدة الظلمة إذ هو ( أشد في التخويف‬
‫الضوء ( وقليل ) النور ال يزيلها ‪ ،‬أو ّ‬
‫)‪.‬‬
‫( فإن قلت ) ‪ :‬هال قيل ‪ :‬وإ ذا ذهب ضوؤه عنهم قاموا فإن ذهاب الضوء يكون بحصول مطلق‬
‫( الظلمة ) حسبما تقدم أن الضوء هو إفراط اإلنارة‪.‬‬
‫بأن الحالتين ال واسطة بينهما ‪ :‬فإما ظالم شديد وإ ما ضوء شديد وهذا أبلغ في التخويف ‪،‬‬
‫والجواب ّ‬
‫وهو معاقبة ظالم شديد ( بضوء شديد ) سريع الذهاب يعقبه أيضا ظالم شديد‪.‬‬
‫فإن قلت ‪ :‬ما أفاد قوله فيه مع أن المعنى يهدي إليه ؟‬

‫( ‪)1/167‬‬

‫صفحة رقم ‪168‬‬


‫قلنا ‪ :‬أفاد أنهم ال يمشون إال في موضع الضوء خاصة ‪ ،‬وال يستطيعون المشي في غيره‪.‬‬
‫أن تلك الظّلمات عقوبة فهي ظلمة عليهم‬
‫هم ) ؟ قلنا ‪ :‬التنبيه على ّ‬ ‫فإن قلت ‪ :‬ما أفاد قوله ( َعلَْي ْ‬
‫وألجلهم فليست على غيرهم بوجه‪.‬‬
‫ص ِار ِه ْم ‪...‬‬ ‫ِ‬
‫ب بِ َس ْمع ِه ْم َوأ َْب َ‬
‫آء اهلل لَ َذ َه َ‬
‫قوله تعالى ‪َ ( :‬ولَ ْو َش َ‬
‫( فإن قلت ‪ :‬هال علقت المشيئة بما ( تحذروا ) منه ‪ ،‬وهو الموت ألنهم لم يتحذروا من الصمم‬
‫والعمى ؟ والجواب ‪ :‬أن الموت أمر غالب عام متكرر في العادة ليس ألحد مقدرة عن التحرز منه‬
‫وادعاء الحذر منه ) ( بالتحرز )‬
‫( وأما ذهاب السمع والبصر فهو نادر ليس بعام يمكن المخالفة فيه ّ‬
‫والتحصن بأسباب النجاة فلذلك أسندت ( المشيئات ) إليه‪.‬‬
‫بسد سمعهم فلذلك أسند الذهاب إليه‪.‬‬
‫يتحرزوا من الموت أالّ ّ‬
‫قلت ‪ ( :‬أو ) ألنهم لم ّ‬
‫حجة لمن يقول ‪ :‬إن القدرة ( تتعلق ) بالعدم اإلضافي ألن المعنى ‪ :‬لو شاء اهلل‬
‫قال الطيبي ‪ :‬واآلية ّ‬
‫أن يعدم سمعهم لعدمه ‪.‬‬

‫( ‪)1/168‬‬

‫صفحة رقم ‪169‬‬


‫ورده ابن عرفة ‪ :‬بأن القدرة إنما تعلقت بإيجاد نقيض السمع والبصر في المحل ‪ ،‬فانعدم السمع‬
‫ّ‬
‫والبصر إذ ذاك لوجود نقيضهما ال لكون القدرة تعلقت بإعدامهما‪.‬‬
‫قال الطيبي ‪ :‬في مناسبة هذه اآلية ّإنه لما تقدم أن الرعد سبب ‪ /‬إلذهاب سمعهم والبرق سبب‬
‫إلذهاب سمعهم والبرق سبب إلذهاب بصرهم ّنبه بهذا على ّأنه ليس بسبب عقلي فيلزم وال ينفك بل‬
‫هو سبب عادي بخلق اهلل تعالى ولم يقع ولو شاء أن يقع لوقع‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪ِ ( :‬إ َّن اهلل على ُك ِّل َش ْي ٍء قَِد ٌير ( قال ابن التلمساني ‪ :‬ال خالف ألن المعدوم باعتبار‬
‫التقرر في األزل ال يصدق عليه شيء واختلفوا في اإلطالق اللّفظي ( فذهب المعتزلة إلى أنه يطلق‬
‫عليه شيء ) ومنعه أهل السنة‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬وقال اآلمدي في أبكار األفكار ‪ :‬هما مسألتان ‪ - :‬أحدهما ‪ :‬هل يطلق على المعدوم شيء أم‬
‫ال وال ( ينبني عليها ) كفر وال إيمان ؟ والثانية ‪ :‬هل المعدوم تقرر في األزل أم ال ؟‬

‫( ‪)1/169‬‬

‫صفحة رقم ‪170‬‬


‫أن له تقررا في األزل ويلزمهم الكفر وقدم العالم‪.‬‬
‫فذهب المعتزلة إلى ّ‬
‫قال الزمخشري ‪ ( :‬في ) أن الشيء يطلق على الممكن والمستحيل‪.‬‬
‫قدير للزم تحصيل‬ ‫ٍ‬
‫موجود ٌ‬ ‫وظاهر اآلية حجة المعتزلة ألنه لو كان المراد أن اهلل على كل ( شيء )‬
‫الحاصل‪.‬‬
‫العرض ) ال يبقى زمانين ؟ ( قلت‬
‫فإن قلت ‪ :‬يصح تعليق القدرة بالموجود عند من ( يقول ) ‪ :‬إن ( َ‬
‫) ‪ :‬إن كانت القدرة متعلقة ( بالعرض الموجود ) فيلزم تحصيل الحاصل ‪ ،‬وإ ن تعلقت بإيجاد‬
‫العرض الذي يخلقه ( هو ) حين التعلق معدوم فيلزم تعلقها بالمعدوم‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬وأجيب بثالثة أوجه ‪ :‬الجواب األول ‪ :‬أجاب القرافي في شرح األربعين البن الخطيب بأن‬
‫المشتق كاسم الفاعل ال خالف في صحة ( صدقه )‬

‫( ‪)1/170‬‬

‫صفحة رقم ‪171‬‬


‫حقيقة في الحال ( مجاز ) في االستقبال‪.‬‬
‫( واختلفوا ) في صدقه عن الماضي‪.‬‬
‫قال ‪ :‬هذا إذا كان ( محكوما ) به ‪ ،‬وأما إذا كان متعلق الحكم فال خالف في صحة صدقه على‬
‫األزمنة الثالثة حقيقة ( نحو القائم في الدار ) ( قال ) ‪ :‬وكذلك لفظة شيء إن كان محكوما به كقولنا‬
‫‪ :‬المعدوم شيء ‪ ،‬ففيه التفصيل المتقدم ‪ ،‬وإ ن كان متعلق الحكم كهذه اآلية فال خالف أنه يصدق على‬
‫المستقبل حقيقة‪.‬‬
‫الجواب الثاني ‪ :‬قال ابن عرفة ‪ :‬القدرة تتعلق بالممكن لعدم المقدر الموجود كما يفهم ( من ) معنى‬
‫اح ٍد ِّم ْنهُ َما ِم ْاَئةَ َجْل َد ٍة ( المراد من حصل منه الزنا ( بالفعل‬
‫قوله تعالى ) الزانية والزاني فاجلدوا ُك َّل و ِ‬
‫َ‬
‫) ‪ ،‬ومن سيحصل منه الزنا يصدق عليه في الحال ّأنه زان ( باعتبار ) على تقدير ( وجوده ) ‪ ،‬وهذا‬
‫كما ( يقول ) المنطقيون ‪ :‬القضية الخارجية والقضية الحقيقية ويجعلون ( القضية ) الخارجية عامة‬
‫في األزمنة الثالثة مثل كل أسود مجمع للبصر وكل أبيض ( مفرق ) للبصر‪.‬‬
‫بالسواد مطلقا في الماضي والحال واالستقبال ‪.‬‬
‫والمراد ( به ) كل موصوف ّ‬

‫( ‪)1/171‬‬

‫صفحة رقم ‪172‬‬


‫فإن قلت ‪ ( :‬هال ) يلزمكم تخصيصه بالممكن الذي علم اهلل تعالى أنه يوجد وال ( يصدق ) ( على‬
‫الممكن الذي علم اهلل ) أنه ال يوجد ؟ قلنا ‪ :‬نعم وصح إطالق الحدوث عليه ألن اآلية خطاب للعوام‬
‫ولو كان خطابا للخواص لتناولت الممكن باإلطالق الذي علم هلل أنه ( لم يوجد ) فالمراد ‪ :‬اهلل قادر‬
‫على كل شيء موجود ألن الخطاب للعوام‪.‬‬
‫ونظيره الوجهان ( المذكوران ) في االستدالل على وجود الصانع‪.‬‬
‫قالوا ‪ :‬ثم دليل اإلمكان يخاطب به الخواص ‪ ،‬ودليل الحدوث بخاطب به الجميع‪.‬‬
‫وأشار الطيبي إلى هذا وزاد جوابا آخر ‪ ،‬وهو ثالث ‪ ،‬وهو الجواب الثالث ‪ :‬أن لفظة شيء تصدق‬
‫على الموجود عند ( وجود ) أول جزء منه فيصح تعلق القدرة به ( إذ َذاك )‪.‬‬
‫قالوا ‪ :‬وهذا العموم مخصوص بالمستحيل ‪.‬‬

‫( ‪)1/172‬‬

‫صفحة رقم ‪173‬‬


‫وقال ابن فورك ‪ :‬ال يحتاج إلى تخصيصه ألنك إذا قلت ( لآلخر ) كل مما في هذا البيت فال ( تأكل‬
‫) إال مما هو مطعوم ‪ ،‬وما ليس بمطعوم ال تأكله‪.‬‬
‫وكذلك هو الذي وقع به التخصيص اللّفظُ يأباه فال يحتاج إلى إخراجه منه‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ّ ( :‬إنا إن اعتبرنا لفظ شيء من حيث اإلفراد وجب التخصيص ( وإ ن ) اعتبرناه من‬
‫حيث التركيب لم يحتج إلى تخصيصه‪.‬‬
‫قال ابن الخطيب ‪ ) :‬لو كان ( لفظ ) شيء عاما في الموجود والمعدوم لما صدق على الموجود شيء‬
‫ألن اآلية دلّت على أن تعلق القدرة في العدم فال يصدق عليه بعد الوجود شيء (‪.‬‬
‫وأبطله ابن عرفة بأنه ما صار موجودا حتى ثبت له ذلك االسم ( في ) العدم وتعلقت به القدرة‬
‫وصدق عليه لفظ شيء )‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬ياأيها الناس اعبدوا َرَّب ُك ُم ‪...‬‬
‫( قال ابن عرفة ‪ :‬هذا التفات من الغيبة إلى الخطاب ألنه تقدم الكالم بين المسلمين والمنافقين بلفظ‬
‫الغيبة ثم أقبل على الجميع بالنداء وهو خطاب لمشركي مكة‪.‬‬
‫قال القاضي العماد ‪ ( ( :‬في ) هذا اضطراب وتناقض ألن جعله التفاتا يقتضي خطاب جميع الناس‬
‫مسلمهم وكافرهم ) ‪.‬‬

‫( ‪)1/173‬‬

‫صفحة رقم ‪174‬‬


‫وأجاب ابن عرفة ‪ :‬بأنه خطاب لجميع الناس الذين منهم مشركو مكة‪.‬‬
‫قال ‪ :‬وإ ذا قلنا إن السورة مدنية كيف يخاطب مشركو مكة ؟ إال أن يقال ‪ :‬إنه خطاب للجميع ويتناول‬
‫مشركي مكة وإ ن كانوا غالبين من باب تغليب المخاطب على الغائب‪.‬‬
‫قال ‪ :‬وحرف النداء اما اسم فعل ألنادي وأنادي إما خبر أو إنشاء والصحيح أنه إنشاء في معنى‬
‫يحد‪.‬‬
‫الخبر يدل عليه قول الفقهاء ‪ :‬إن من قال لرجل ‪ ( :‬يا زان ) ّإنه ّ‬
‫ويا نداء للبعيد ويستعمل في القريب مجازا‪.‬‬
‫( قال ) ‪َ :‬‬
‫وقيل إنه ( وضع ) أيضا للقريب فيكون مشتركا فيتعارض االشتراك والمجاز فالمجاز ( أولى )‪.‬‬
‫وعلى ما قال ابن الخطيب في القدر المشترك ‪ :‬يكون للقدر المشترك بينهما وهو أول من تكلّم به‬
‫أعني ابن الخطيب‪.‬‬
‫وقال بعضهم ‪ :‬لم تعرف العرب القدر المشترك بوجه‪.‬‬
‫ورده بعضهم بتفريق الجزولي بين علم الجنس وعلم الشخص‪.‬‬
‫قال ‪ :‬وحرف النداء جرى مجرى أداة التعريف فلذلك لم تدخل على ما فيه األلف والالم إال بواسطة‬
‫أي ‪.‬‬

‫( ‪)1/174‬‬

‫صفحة رقم ‪175‬‬


‫صح ) دخوله‬
‫يردون بقولك ‪ :‬يا ‪َ /‬ر ُجل فلو كان ( للتعريف ) ( لما ّ‬
‫قال ( ابن عرفة ) ‪ :‬وعادتهم ّ‬
‫على النكرة‪.‬‬
‫وأجاب بأن النكرة غير مقبل عليها ‪ ،‬والتعريف في المنادى إنما هو ( بما فيه من ) معنى اإلقبال‪.‬‬
‫ألنهم ) يتناولهم التكليف‬
‫اس ( إن ) أريد به أهل مكة فيدخل غيرهم من باب خطاب التسوية ‪ّ ( ،‬‬
‫والن ُ‬
‫ّ‬
‫كما قال اللّخمي في أول كتاب النكاح‪.‬‬
‫امُنوْا ( مدني‪.‬‬
‫قال مجاهد ‪ ) :‬ياأيها الناس ( حيث وقع ( فهو ) مكي و ) ياأيها الذين َء َ‬
‫ب‪.‬‬
‫الر ّ‬
‫الناس بلفظ ّ‬
‫( قال الطّيبي ) أكثر اقتران ّ‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬ألنه تكليف للجميع من المؤمنين والكافرين ‪ ،‬فحسن فيه وصف التربية ( باإلحسان )‬
‫واإلنعام على سبيل التهييج‬

‫( ‪)1/175‬‬

‫صفحة رقم ‪176‬‬


‫لالمتثال‪.‬‬
‫ولما كان اآلخر خطابا لمن حصل له اإليمان بالفعل لم يحتج إلى ذلك التأكيد‪.‬‬
‫اعُب ُدو ‪ :‬حمله ابن عطية على التوحيد‪.‬‬
‫َو ْ‬
‫وحمله الزمخشري على الطاعات‪.‬‬
‫ألن ) من جملة الناس‬
‫طبري ‪ :‬وفيها حجة ألهل السنة القائلين بوقوع تكليف ماال يطاق ( ّ‬
‫قال ال ّ‬
‫المنافقون المخبر عنهم بأن اهلل ختم على قلوبهم ( وسمعهم )‪.‬‬
‫ورده ابن عرفة بأن هذا ليس من محل النزاع )‪.‬‬
‫( ّ‬
‫فقد استثنى ابن التلمساني في شرح المعالم ( الفقهية ) في المسألة الرابعة عشر من باب األوامر‬
‫استثناء المحال عقال كالكون في محلين في وقت واحد ‪ ،‬والمحال عادة‪.‬‬
‫يصح التكليف به ( إالّ مع التمكن ومع القدرة عليه‪.‬‬
‫ّ‬ ‫كالطيران في الهواء فقال ‪ :‬هذا ال‬
‫كما يحكى عن الركراكي وغيره من الصالحين وهذا )‬

‫( ‪)1/176‬‬

‫صفحة رقم ‪177‬‬


‫( ليس ) من ذلك القبيل بل يصح التكليف به وإ ن كان غير واقع في علم اهلل تعالى‪.‬‬
‫وحمل الزمخشري ( الترجي ) على الوجوب وهو المناسب لمذهب المعتزلة ألنهم يقولون ‪ :‬إن‬
‫ت الجن واإلنس ِإالَّ ِلَي ْعُب ُد ِ‬
‫ون ( قال ابن‬ ‫الطائع يجب على اهلل أن يثيبه وكما قالوا في قوله ‪َ ) :‬و َما َخلَ ْق ُ‬
‫فسرنا العبادة بالتوحيد كما قال ابن عطية بيكون في اآلية دليل على أن النظر واجب‬
‫عرفة ‪ :‬وإ ذا ّ‬
‫بالعقل ‪ ،‬ولو وجب بالشرع ألمروا أوال بالنظر ثم بالتوحيد‪.‬‬
‫فإن فسرنا العبادة بفعل التكاليف الشرعية من الصالة والزكاة وغير ذلك كما قال الزمخشري فيكون‬
‫فيها دليل على أن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة إال أن يقال ‪ :‬إنهم كلفوا بااليمان وبفروعه ضربة‬
‫واحدة‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬الذي َج َع َل لَ ُك ُم األرض ِف َراشاً ‪...‬‬
‫أن اهلل تعالى خلقهم ‪ ،‬وعقّبه ببيان ما هو من ضروريات األجسام المخلوقة وهو الخبر‪.‬‬
‫( أخبرهم ّ‬
‫وعبر عنه بالفراش تنبيها على أنه نعمة لهم كالفراش الذي ينام عليه اإلنسان ‪ ،‬ويتلذذ به ‪ ،‬ويطمئن‬
‫ّ‬
‫إليه ‪.‬‬

‫( ‪)1/177‬‬

‫صفحة رقم ‪178‬‬


‫قال الزمخشري ‪ :‬والموصول إما منصوب صفة للنعت كالذي خلقكم أو على المدح والتعظيم أو رفع‬
‫على االبتداء وفيه ما في النصب من المدح‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬ال يكون فيه ما في النصب إال إذا كان خبرا ( لمبتدإ ) مضمر ألن معناه الممدوح‬
‫الذي جعل لكم وأما إذا كان مبتدأ فال يفيد ذلك التعظيم الذي في النصب بل دونه ألنه إذا جعله خبرا‬
‫يقدر المبتدأ معرفا باأللف والالم فيفيد الحصر والتعظيم ‪ ،‬وإ ن جعله مبتدأ ( يقدر ) خبره نكرة‪.‬‬
‫فإن قلت ‪ :‬هال قيل ‪ :‬الذي جعل لكم ولمن قبلكم ( كما قيل ) الذي َخلَقَ ُك ْم والذين ِمن قَْبِل ُك ْم )‬
‫فالجواب من أوجه‪.‬‬
‫( َ‬
‫إما أن يجاب بأنه من ( الحذف ) من ( الثاني ) لداللة ( األول ) عليه ‪ ،‬أو ( بأن )‬
‫قال ابن عرفة ‪ّ :‬‬
‫حصول العلم بخلق اهلل لهم ال يستلزم العلم بخلق اهلل لمن قبلهم لزوما عقليا ‪ ،‬بخالف‬

‫( ‪)1/178‬‬

‫صفحة رقم ‪179‬‬


‫االخبار بجعل األرض فراشا لهم بعد أن ذكر أن اهلل ( خلقهم ) وخلق من قبلهم فإنه ال يستلزم عقال (‬
‫جعلها فراشا لمن قبلهم كما جعلت فراشا لهم ) أو يجاب ( بأنه من تغليب المخاطب على الغائب )‪.‬‬
‫ثم بخلق‬
‫فامتن عليهم بخلقهم ‪ّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫أو بأن اآلية خرجت مخرج االمتنان ( بما هو مأوى المخاطبين )‬
‫آبائهم الذين هم سبب فيهم ‪ ،‬ثم جعل األرض لهم فراشا ( ألنها ) سبب في دوام وجودهم ونعمة لهم ‪،‬‬
‫ولم ‪ ،‬يحتج إلى ذكر كونها فراشا لمن قبلهم ألن االمتنان ( إنما ) هو لها ‪ ،‬وإ ّنما المخاطبون‬
‫( األحياء ‪ ،‬ومن ) قبلهم قد ماتوا وانتفى عنهم التكليف‪.‬‬
‫كروية ) والكرة الحقيقية ال يمكن أن ( يوجد ) فيها خط مستقيم بوجه‬
‫ّ‬ ‫قال ابن عرفة ‪ :‬واألرض (‬
‫حسبما برهن عليه إقليدس‪.‬‬
‫قال ابن الخطيب في األربعين ‪ :‬لما استدل على بطالن الجوهر الفرد قال ‪ :‬إن الكرة الحقيقية إذا ما‬
‫مست جزءا من األرض فإن قلنا ‪:‬‬
‫ّ‬

‫( ‪)1/179‬‬

‫صفحة رقم ‪180‬‬


‫إن ذلك الجزء ال ينقسم فهو الجوهر الفرد وإ ن قلنا ‪ :‬إنه ينقسم لزم أن يكون في الكرة خط مستقيم‬
‫ّ‬
‫وهو باطل‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬فالصواب أن الكرة محددة ( بكور ) أخر ( وضع عليها ) ( كما تأخذ ) رطال من‬
‫شمع فتصنع من نصفه كرة وتأخذ ( باقيه ) تضعه على أجنابها ( تسويها به ) وكذا تعرض األرض‬
‫قال ‪ ( :‬قبة أزين ) في وسط األرض‪.‬‬
‫وذكروا أنه ال يعيش هناك أحد لكثرة ما فيها من الحرارة‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬وقال الشيخ عبد الخالق ‪ :‬والحكماء لما قاسوا األرض اختلف عليهم وسطها الحقيقي‪ n‬لكن‬
‫االختالف في مواضع قريب بعضها من بعض فبنوا عليه القبة على مواضع مسافتها ثالثة أميال حتى‬

‫( ‪)1/180‬‬

‫صفحة رقم ‪181‬‬


‫تحققوا‪ n‬أنها احتوت على وسط األرض الحقيقي قال ‪ :‬ورأيت رجال رجال أعجميا أخبر أنه رآها‬
‫وسمع فيها األفالك ودوي حركتها‪.‬‬
‫وأخبروا عن الحكيم ( فيتاغوش ) أنه أتى عليه وقت تروحن فيه وصعد إلى قريب السماء فسمع‬
‫حس األفالك ( قال ) ‪ :‬ويسمع أحسن من ذلك الحس فنزل ( واستنبط صنعة الديباج ) مما رأى في‬
‫السماء واهلل أعلم‪.‬‬
‫وقبة ( أزين ) بينها وبين جبل سرنديب درجتان ألن عرضه درجتان في اإلقليم األول وهو عامر‬
‫وصححوه‪.‬‬
‫ّ‬ ‫والدرج يقابله في األميال مائة ميل على ما عليه األكثرون‬
‫وقيل ‪ :‬مائة وثمانية وقيل ‪ :‬ستة وستون‪.‬‬
‫ومن يكن في القبة يظهر له القطبان محاذيين لألفق ‪.‬‬

‫( ‪)1/181‬‬

‫صفحة رقم ‪182‬‬


‫قيل البن عرفة ‪ :‬إن الفخر في المباحث المشرقية ذكر أن األرض على الماء ( وجهتها الموالية )‬
‫للماء كروية وأعالها مسطح ولوال ذلك لما استقرت على الماء واهلل أعلم‪.‬‬
‫َخ َر َج بِ ِه ِم َن الثمرات ِر ْزقاً لَّ ُك ْم ‪...‬‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬فَأ ْ‬
‫( المراد بالرزق المباح فهو عند المعتزلة من مادة اللّفظ على أصلهم وعندنا من ( ناحية ) أن اآلية‬
‫خرجت مخرج االمتنان واالمتنان إنما يكون بالحالل ( ال بالحرام )‪.‬‬
‫ون ( أي وأنتم تعلمون اهلل‪.‬‬ ‫قوله تعالى ‪ ( :‬فَالَ تَ ْج َعلُوْا ِللَّ ِه أ َ‬
‫َنداداً َوأَنتُ ْم تَ ْعلَ ُم َ‬
‫قيل البن عرفة ‪ :‬فيه دليل على أن كفرهم عناد ؟ قال ‪ :‬ال‪.‬‬
‫َّ‬
‫بل هم عارفون باهلل ألنهم قالوا في األصنام ) َما َن ْعُب ُد ُه ْم ِإال ِلُيقَِّرُب َ‬
‫ونآ ِإلَى اهلل ( وهم جاهلون بما يبطل‬
‫عبادتهم األصنام للتقرب أو ( نقول ) ( المعنى )‬

‫( ‪)1/182‬‬

‫صفحة رقم ‪183‬‬


‫لكنهم ) لم يهتدوا ( للعثور على الوجه )‬
‫وأنتم تعلمون اآليات والدالئل التي تدلكم على عبادته ‪ّ ( ،‬‬
‫الذي منه يدل ( الدليل إن كان ارتباط الدليل بالمدلول عقال أو يقول ‪ :‬علموا الدليل ‪ ،‬وعثروا على‬
‫الوجه الذي منه يدل ) ‪ ،‬ولم يحصل لهم العلم بالمدلول بناء على ارتباط الدليل بالمدلول عادي‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪َ ( :‬وإِ ن ُكنتُ ْم ِفي َر ْي ٍب ‪...‬‬
‫لما تقدم الكالم معهم في اإليمان بتوحيد اهلل واإليمان بالرسالة عقب ذلك بما جرت‬ ‫( قال ابن عرفة ‪ّ :‬‬
‫به العادة ( في المخاطبة ) بالجدل ‪ ،‬وهو ( أنكم ) وقع منكم شك في البرهان الذي أتاكم به الرسول‬
‫دليال على صحة رسالته فعارضوه ‪ ،‬وهذا أحد أنواع الجدل وهو إما القدح في دليل الخصم ‪ ،‬أو‬
‫معارضته بدليل آخر‪.‬‬
‫( قيل ) ‪ :‬البن عرفة ‪ :‬هم ادعوا أن القدح في الدليل فهال عجزوا بذلك ؟ فقال ‪ ( :‬قد ) نجد الخصم‬
‫شيا إال ما يمكن أن يكون فيه‬
‫يدعي دعاوي ( جملة ) ويقدح في دعاوي خصمه ‪ ،‬وال يقبل منها ّ‬
‫شبهة‪.‬‬
‫قال ‪ :‬واألظهر أن الريب هو عدم الجزم بالشيء ‪ ،‬فتناول الظن والشك والوهم ‪ ،‬ألن اإليمان ال‬
‫يحصل إال بالجزم اليقيني ‪ ،‬وما عداه كله ليس بإيمان ‪.‬‬

‫( ‪)1/183‬‬

‫صفحة رقم ‪184‬‬


‫وعبر ب ( إن ) دون ِإ َذا ألن المراد ( التنبيه ) عن حالهم ‪ ،‬وانها مذمومة شرعا فعبر عنها لما‬
‫قال ‪ّ :‬‬
‫يقتضي عدم الوقوع وإ ن كانت واقعة‪.‬‬
‫وأورد الزمخشري أن ّنزل يقتضي التنجيم ‪ ،‬وأنزل يقتضي اإلنزال دفعة واحدة‪.‬‬
‫وأجاب ( عن ذلك ) بأن المراد أنه نزل شيئا بعد شيء‪.‬‬
‫ال الذين َكفَ ُروْا لَ ْوالَ ُن ِّز َل َعلَْي ِه القرءان ُج ْملَةً‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬ونقضوا‪ n‬هذا ب قوله تعالى ‪َ ( :‬وقَ َ‬
‫و ِ‬
‫اح َدةً ( وتقدم الجواب عنه‪.‬‬ ‫َ‬
‫قال التلمساني ‪ :‬من أن اللّفظ ( قد ) يدل على المعنى بظاهره وال ( يظهر ) ( بخالفه ) في بعض‬
‫الصور‪.‬‬
‫ِّت بِ ِه‬
‫فإن قلت ‪ :‬ما الحكمة في تنزيله منجما ؟ ( قلنا ) ‪ :‬علله بعضهم بما في اآلية وهي ‪َ ) :‬ك َذِل َك ِلُنثَب َ‬
‫فُ َؤ َاد َك (‬

‫( ‪)1/184‬‬

‫صفحة رقم ‪185‬‬


‫قال ابن عرفة ‪ :‬يرد عليه أنه من الجائز أن يثبت اهلل تعالى به فؤادك صلّى اهلل عليه وسلم مع نزوله‬
‫جملة واحدة‪.‬‬
‫قال ‪ :‬ويمكن تعليله بأن ذلك األظهر فيه كمال الداللة على صدقه ألن العادة أن رسول الملك إذا كذب‬
‫مرة واحدة وبعيد أن ( يكرر ) الكذب خشية التفطن منه والعلم به فلو أنزل عليه في‬
‫عليه إنما يكذب ّ‬
‫مرة واحدة لقويت التهمة في حقه فلما تكرر إنزاله مرارا كان ذلك ادعى لجواب تصديقه‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬على َع ْب ِدَنا ‪...‬‬
‫الرسول من جنس البشر وعلى طبعهم (‬
‫أن ّ‬
‫السنة من ّ‬
‫( ولم يقل على رسولنا تنبيها على ما يقوله أهل ّ‬
‫وأن وصف الرسالة أمر اختص ) اهلل به من شاء من عباده وليست في ذواتهم زيادة ( موجبة )‬
‫ّ‬
‫بوجه‪.‬‬
‫وقال القرطبي ‪ :‬إنما قال ذلك ألن العبودية تقتضي التذلل والخضوع وال شك أن التذلل للبارئ جل‬
‫وعال هو أشرف األشياء‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬نمنع ذلك بل ( وصف الرسالة أفضل منه ) فهال قيل ‪ :‬مما نزلنا على رسولنا ؟‬
‫وقال بعضهم ‪ :‬إنما ذلك تنبيها على ّأنهم إذا ذموا على مخالفته مع استحضار كونه عبدا فأحرى أن‬
‫يذموا على ذلك مع استحضار كونه رسوال من عند اهلل ‪.‬‬

‫( ‪)1/185‬‬

‫صفحة رقم ‪186‬‬


‫و ( قرئ ) ) ِّم َّما َن َّزْلَنا على َع ْبِدَنا (‪.‬‬
‫فإن قلت ‪ :‬إنما هم في ريب مما َن َز َل على عبدنا هذا فقط ‪ ،‬قلنا ‪ :‬الشك في المنزل على هذا شك في‬
‫ك في‬
‫ك في أحدهم ش ّ‬
‫المنزل على من قبله ألن الكل رسل من عند اهلل يصدق بعضهم بعضا فالش ّ‬
‫الجميع‪.‬‬
‫ور ٍة ِّمن ِّم ْثِل ِه ‪...‬‬ ‫ِ‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬فَأْتُوْا ب ُس َ‬
‫( قال ابن عرفة ‪ ( :‬قال ابن عطية ) ‪ :‬قال األكثرون ‪ :‬مثل نظمه ووصفه وفصاحة معانيه ال‬
‫يعجزهم إال ( التأليف ) الذي خص اهلل به القرآن ‪ ،‬وبه وقع اإلعجاز عند الحذاق‪.‬‬
‫وقال بعضهم ‪ :‬من مثله في غيوبه وصدقه وقدمه ( في التحدي وقع عند هؤالء بالقديم )‪.‬‬
‫نص ) عليه الفخر وإ مام الحرمين في‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬إن قلت ‪ :‬هذا ( الخالف ) مخالف لما ( ّ‬
‫اإلرشاد من أن المعجزة‬

‫( ‪)1/186‬‬

‫صفحة رقم ‪187‬‬


‫من شرطها أن تكون حادثة ألنها ( إن ) كانت قديمة استحال أن يأتي بها الرسول ‪ ( ،‬أو تكون )‬
‫دليال على صدقه ألن الرسول حادث‪.‬‬
‫تحدى بها الرسول ‪،‬‬
‫( قلت ) ‪ :‬القديم هنا ليس هو كل المتحدى به هو جزء من أجزاء المعجزة التي ّ‬
‫فالرسول تحدى بكالم ال مثل له في صدقه وإ خباره بالغيوب وأن مدلوله ( هو القديم )‪.‬‬
‫قال المقترح وابن بزيزة في شرح اإلرشاد ‪ :‬اختلفوا هل يجوز أن تعلم صحة الرسالة بغير المعجزة‬
‫( أم ال ) ؟‬

‫( ‪)1/187‬‬

‫صفحة رقم ‪188‬‬


‫فأجاز القاضي أبو بكر الباقالني وابن فورك في تأليفه في األصول‪ n‬ومنعه إمام الحرمين هذا في‬
‫الجواز‪.‬‬
‫وأما الوقوع فلم يقع في الوجود إال مع المعجزة ( اتفاقا ) وكان بعضهم يقول ‪ :‬هذا إنما ال ينبغي‬
‫الخوض فيه ألنه كالم لغير فائدة ال ينبغي عليه كفر وال إيمان‪.‬‬
‫( وكان الشيخ الصالح الزاهد أبو محمد عبد الهادي نقل عنه بعضهم أنه قال ‪ :‬يجوز في العقل أن‬
‫يخلق اهلل خلقا أكرم عليه من نبيه محمد فسمع بذلك ) الشيخ الصالح أبو الحسن علي بن المنتصر‬
‫الصوفي فأنكره اإلنكار التام وألزمه إلزاما‬

‫( ‪)1/188‬‬

‫صفحة رقم ‪189‬‬


‫شنيعا‪.‬‬
‫واجتمع بابن عبد السالم القاضي فخفف أمره حتى وقعت بين الشيخين وحشة عظيمة ‪ /‬بسبب قوله‬
‫نبيه محمد صلى اهلل عليه وسلّم‪.‬‬ ‫يجوز أن يخلق اهلل عقال أكرم من ّ‬
‫ين ( يحتمل أن يريد بالشهادة أي‬ ‫ون اهلل ِإن ُك ْنتُم ِ ِ‬
‫آء ُكم ِّمن ُد ِ‬
‫صادق َ‬
‫ْ ْ َ‬ ‫( قوله تعالى ‪ ( :‬وادعوا ُشهَ َد َ‬
‫االستصراخ لالجتماع والتعاون على اإلتيان بمثله ويحتمل أن يريد فأتوا بمثله واستحضروا شهداءكم‬
‫ال شاهدا واحدا يشهدون لكم أنه من عند اهلل‪.‬‬
‫وعبر ( بِإ ْن ) تنبيها على أن صدقهم في ذلك محال )‪.‬‬ ‫ّ‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬فَِإن لَّ ْم تَ ْف َعلُوْا َولَن تَ ْف َعلُوْا ‪...‬‬
‫( قال ابن عرفة ‪ :‬لما أمرهم بالعبادة على لسان نبيه المقارنة للبرهان الدال على صدقه ( وهو القرآن‬
‫بأنهم إن لم ( يفعلوا ) ذلك ( فليأتوا ) بسورة من مثله قال هنا ‪ :‬فإن عجزتم ولم تقدروا‬
‫) وعجزهم ّ‬
‫على معارضته فاعلموا أن الرسول صادق فيجب عليكم اإليمان به ( ثم قال ) ‪ ) :‬فاتقوا النار‬
‫( ( فأقام ) مقام السبب الذي هو منه في ثالث رتبة أي ‪ :‬فإن لم تفعلوا تبين لكم أن ذلك معجزة وإ ذا‬
‫تبين أنه معجزة دل ذلك على صدقه فمهما أخبر به ‪ ( ،‬فيكون سببا في اإليمان به ) وفي تصديقه‬
‫واإليمان به سبب في اتّقاء النار ‪.‬‬

‫( ‪)1/189‬‬

‫صفحة رقم ‪190‬‬


‫الزمخشري ‪ :‬فإن قلت ‪ :‬امتناع معارضتهم القرآن واجب هال قيل ‪ :‬فإذا لم تفعلوا ؟ وأجاب‬
‫قال ّ‬
‫بوجهين ‪ :‬األول أنه ساق ذلك على حسب نيتهم وقصدهم وأنهم كانوا يزعمون أنهم يقدرون على‬
‫معارضته‪.‬‬
‫الثاني ‪ّ :‬انه ته ّكم بهم كقول الفارس النحرير لمن دونه ‪ ( :‬إن غلبتك في كذا )‪.‬‬
‫السكوني هذا اإلطالق ( لئال ) يلزم عليه أن‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬وأنكر الشيخ أبو علي عمر بن خليل ّ‬
‫يسمي اهلل تعالى متهكما ‪ ،‬وأسماؤه تعالى توقيفية‪.‬‬
‫وكان بعضهم يرد عليه بإجماع المسلمين على ورود المجاز في القرآن مع امتناع أن يقال فيه سبحانه‬
‫وتعالى متجوز ‪.‬‬

‫( ‪)1/190‬‬

‫صفحة رقم ‪191‬‬


‫فقال ابن عرفة ‪ :‬والصحيح أن الته ّكم يطلق على معنيين ‪ :‬تقول تارة هذه القصيدة التي هي‬
‫( للمعري ‪ :‬هو فيها ) متهكم وتارة تقول فهمنا منها التهكم ‪ ،‬وال يلزم منه أن يكون ( المعري ) هو‬
‫فيها متهكم بل التهكم باعتبار ما فهمنا نحن وعلى األول يكون هو متهكما ‪ ،‬فإطالق التهكم على‬
‫البارء ج ّل وعال بالمعنى األول باطال قطعا ‪ ،‬وبالثاني ( حق )‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬ويظهر ( لي ) عن السؤال جواب ثالث ‪ ،‬وهو أن هذا على سبيل التعظيم‬
‫بالمخاطبات ‪ ،‬وهو أن يظهر أحد الخصمين آلخر أنه مغلوب ‪ ،‬أو شاك في الغلبة أو متوقع لها وال‬
‫( يريه ) انه محقق أنه الغالب له لئال ( يتحرز منه ) أو يرجع عن مخاصمته بدليل قوله تعالى ( َولَن‬
‫تَ ْف َعلُوْا )‪.‬‬
‫فإن لَّ ْم تَ ْف َعلُوْا في الماضي َولَن تَ ْف َعلُوْا في المستقبل‪.‬‬
‫قال القرطبي ‪ :‬معناه ْ‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬فإن قلت ‪ :‬لم تخلص الفعل للماضي ( وإ ن ) تخلصه لالستقبال وهما متباينان ؟‬
‫( ‪)1/191‬‬

‫صفحة رقم ‪192‬‬


‫أن ( لم ) خلصت الفعل ( ( ولن ) ) دخلت على الجملة فخلصتها‪.‬‬ ‫فالجواب ‪ّ :‬‬
‫قال بعض الناس ‪ :‬فإذا قلت ‪ :‬إن لم يقم زيد قام عمرو فلم يقم مستقبل باعتبار ما مضى‪.‬‬
‫والمعنى أن يقدر في المستقبل أنه لم يقم ( زيد ) فيما مضى فقد قام عمرو‪.‬‬
‫نت ُقْلتُهُ فَقَ ْد َعِل ْمتَهُ ( ألن الشرط يخلص الفعل لالستقبال‬
‫ونظيره ما أجابوا به في قوله تعالى ) ِإن ُك ُ‬
‫والمعنى يدل على أنه ماض‪.‬‬
‫قالوا ‪ :‬المراد أن ( يقول ) في المستقبل إني إن قلته فيما مضى فقد عملته فكذلك هنا‪.‬‬
‫فإن قلت ‪ :‬لم عدلوا في قولك ‪ :‬إن قام زيد قام عمرو إلى لفظ الماضى واألصل أن يعبروا بالمستقبل‬
‫لفظا ومعنى ؟ قلت ‪ :‬إما لتحقيق قيامه في المستقبل حتى كأنه واقع أو التفاؤل بذلك أو للتنبيه على أن‬
‫قيامه محبوب مراد وقوعه‪.‬‬
‫فإن قلت ‪ ( :‬كان يلزمهم ) أن يعبروا بإذا ( موضع إن ) ؟ قلت ‪ :‬إذا ال تدخل إال على المحقق‬
‫وقوعه وإ ن تدخل على الممكن وقوعه ‪ ،‬وعلى المحال مثل ) ُق ْل ِإن َك َ‬
‫ان للرحمن َولَ ٌد فَأََن ْا أ ََّو ُل‬
‫العابدين ( فإن أعم من أن تكون في هذا وفي هذا ‪.‬‬

‫( ‪)1/192‬‬

‫صفحة رقم ‪193‬‬


‫ود َها الناس والحجارة ‪...‬‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬فاتقوا النار التي َوقُ ُ‬
‫( قال ابن عباس هما ‪ :‬هي حجارة الكبريت‪.‬‬
‫( ( قال ) بن عرفة ‪ :‬معناه مقارنة الناس لها أي هي نار شديدة دائمة ( حالة ) حلول أجسامهم‬
‫النار في الوقود‪.‬‬
‫الرطبة فيها كما لو كان فيها ) فإنها ال تزال أبدا تشتعل كاشتعال ّ‬
‫وقال الزمخشري ‪ :‬عرف النار هنا ونكرها في سورة التحريم ألن تلك االية نزلت أوال بمكة وهذه‬
‫نزلت بالمدينة بعد ما عرفوا ( النار ) وتقررت عندهم‪.‬‬
‫قيل البن عرفة ‪ :‬هذا مردود بما تقدم للزمخشري عن إبراهيم بن علقمة والبن عطية عن مجاهد أن‬
‫كل شيء نزل فيه يا أيها الناس فهو مكي ويا أيها الذين آمنوا فهو مدني وصوب‪ n‬ابن عطية ( قوله )‬
‫آمُنوا بخالف قوله في أيها الناس‬ ‫َِّ‬
‫ين َ‬‫في يا َأيهَا الذ َ‬
‫( ‪)1/193‬‬

‫صفحة رقم ‪194‬‬


‫الزمخشري إن تلك اآلية‬
‫فقال ابن عرفة ‪ :‬قال ابن عطية ‪ :‬ان سورة التحريم مدنية بإجماع لكن يقول ّ‬
‫منها فقط نزلت بمكة ‪ ،‬فيكون دليال على تقدم نزولها على هذه وهو المراد‪.‬‬
‫ِّ‬
‫قوله تعالى ‪َ ( :‬وَبش ِر الذين َء َ‬
‫امُنوْا ‪...‬‬
‫(‬

‫( ‪)1/194‬‬

‫صفحة رقم ‪195‬‬


‫قال الزمخشري ‪ :‬معطوف إما على ) فاتقوا النار ( أو على الجملة ( كلها )‪.‬‬
‫حيان األول بأن ( فاتقوا ) جواب الشرط وموضعه جزم وبشر ال يصح أن يكون جوابا‬
‫واعترض أبو ّ‬
‫َّ‬
‫ألنه أمر بالبشارة مطلقا مطلقا إال على تقدير أن لم تفعلوا‪.‬‬
‫ورده المختصر بوجهين ‪ :‬األول نص الفارسي وجماعة في مثل زيد ضربته وعمرو كلمته أنه‬
‫معطوف على الجملة الصغرى مع أن عمرو كلمته يمتنع أن يون خبرا ( عن ) زيد لعدم الرابط فكذا‬
‫ال يصح أن يعطف على الجواب ما ليس جوابا‪.‬‬
‫رب ال تدخل إال على النكرة‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬ونظيره رب شاة وسلخها مع أن ّ‬
‫وأجاب المختصر عن قوله ألنه أمر بالبشارة مطلقا ( بأن ) الواقع عدم الفعل جزما ( ولهذا قال ) ‪:‬‬
‫( َولَن تَ ْف َعلُوْا ) فليس ثم تقدير ‪ :‬إن فعلتم فال ( تبشير واقع بل ) األمر بالبشارة واقع مطلقا‪.‬‬
‫وارتضى ابن عرفة األول ‪ ،‬وضعف الثاني بالفرق بين جواب الشرط وغيره ‪ ،‬فإن المشاركة في‬
‫العطف جواب الشرط المعنى يقتضيها‬

‫( ‪)1/195‬‬

‫صفحة رقم ‪196‬‬


‫[ و ] بخالف العطف ( على غيره ) فإنه قد يكون مراعاة ‪ /‬لمقتضى اللفظ وأما الشرط فالمعنى فيه‬
‫يؤكد االرتباط‪.‬‬
‫الرابط إال أن يقول ‪ :‬وعمرو‬
‫قلت ‪ :‬ورد غيره األول بأن ( الصغرى عاطفة ) على الكبرى لعدم ّ‬
‫أكرمته في داره‪.‬‬
‫قال ‪ :‬وقول سيبويه ‪ :‬إنه ( معطوف ) على الصغرى ليس على ظاهره إن لم يتعرض إلصالح اللّفظ‬
‫ولو سئل عنه لقال ال بد من الربط‪.‬‬
‫وقال الفارسي ‪ :‬إنه محمول على الصغرى في النصب ومعطوف على الكبرى وال يلزم من الحمل‬
‫على الصغرى أن يكون معطوفا عليها ّإنما روعي في المشاركة اللّفظية فقط‪.‬‬
‫( ابن عرفة ) ‪ :‬نص عليه ابن الصفار وابن عصفور في شرح اإليضاح وشرح الجمل الكبير ‪.‬‬

‫( ‪)1/196‬‬

‫صفحة رقم ‪197‬‬


‫قال ‪ :‬وأما رب شاة وسلخها فضمير النكرة عندهم نكرة كما تقول ( ربه رجال )‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬واحتج ابن عصفور ( للفارسي ) بأن العرب الحظوا المناسبة في كثير من كالمهم واختاروا‬
‫التصب في ( ضربت القوم حتى زيدا ضربته ) مع أنه غير معطوف ألن حتى ال تعطف الجمل‬
‫وبالنصب‬
‫وكذلك اختاروا في زيد ضربته إذا كان جوابا لمن قال ‪ :‬أيهم ضربت ‪ ،‬بالرفع أن يرتفع ‪ّ ،‬‬
‫نص ) على أنه ليس معطوفا على‬ ‫أن ينتصب ‪ ،‬فقد الحظوا المناسبة في عدم العطف وهذا كله ( ّ‬
‫الصغرى ( بوجه بل محموال عليها في النصب للمشاركة بين ( الجملة ) وبين ما يليها خاصة )‪.‬‬
‫قال ابن عطية ‪ :‬األغلب استعمال البشارة في الخير وقد تستعمل في الشر مقيدة به فمتى أطلقت فهي‬
‫في الخبر‪.‬‬
‫قال الزمخشري ‪ :‬البشارة اإلخبار بما يظهر سرور المخبر به أو عنه‪.‬‬
‫اب أَِل ٍيم ( فمن العكس في الكالم الذي يقصد به االستهزاء الزائد في‬
‫قال ‪ :‬و ( أما ) ) فََب ِّش ْر ُهم بِ َع َذ ٍ‬
‫ْ‬
‫المستَ ْه َزإ به وتألمه ‪.‬‬
‫غيظ ْ‬

‫( ‪)1/197‬‬

‫صفحة رقم ‪198‬‬


‫قال ابن عرفة ‪ :‬جعله الزمخشري من قسم المنفرد ‪ ،‬وابن عطية من قسم المشترك‪.‬‬
‫نص األصوليون في التعارض أن اإلفراد ( أولى )‪.‬‬
‫قال الزمخشري ‪ :‬ومن ثم قال العلماء فيمن قال ِ‬
‫لعبيده ‪ ( :‬أيكم بشرني بقدوم فالن فهو حر ) ‪،‬‬
‫فبشروه فرادى فعتق أولهم ‪ ،‬ولو قال ‪ :‬أيكم أخبرني ( بقدوم فالن فهو حر ) م ‪ ،‬فأخبروه فرادى‬
‫عتقوا كلهم‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬عوائدهم يقولون ‪ :‬ال فرق بينهما فإن اإلخبار الثاني بعد األول لم يفد شيئا فهو‬
‫تحصيل الحاصل فليس بإخبار في الحقيقة‪.‬‬
‫قال ‪ :‬لكن يجاب عنه بأن في اإليمان والنذور من المدونة ما نصه ‪ ( :‬ومن حلف لرجل إن ِ‬
‫علم كذا‬
‫يبر حتى يعلمه أو يخبره ( مع أن ) إخباره لم يفد شيئا‪.‬‬
‫ليخبرنه ) فعلماه جميعا لم ّ‬
‫ّ‬ ‫منه أو‬
‫ليعلّ ّ‬
‫المسر‬ ‫لتكتمنه ثم أسره‬
‫ّ‬ ‫قال ‪ :‬فإن كتب إليه وأرسل إليه رسوال بر ولو أسر إليه ٍ‬
‫رجل ( سرا ) وأحلفه‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫( آلخر ) فذكره االخر للحالف فقال الحالف ‪ :‬ما ظننت أنه أسره لغيري َحَنث مع أن الحالف لم‬
‫يخبره بشيء بل أفهمه بما هو تحصيل الحاصل‪.‬‬
‫‪ ( .‬وفي كتاب العتق الثاني من المدونة )‪.‬‬
‫ومن قال ألمته ‪ :‬أول ولد تلدينه حر‪.‬‬
‫فولدت‬

‫( ‪)1/198‬‬

‫صفحة رقم ‪199‬‬


‫ولدين في بطن واحد عتق أولهما خروجا ‪ ،‬فإن خرج األول ميتا لم يعتق الثاني عند مالك‪.‬‬
‫وقال ابن شهاب ‪ :‬يعتق الثاني إذ ال يقع على الميت عتق‪.‬‬
‫قال الزمخشري ‪ :‬فإن قلت ‪ :‬أي فرق بين الم الجنس الداخلة على المفرد والداخلة على المجموع ؟‬
‫وأجاب بما حاصله ّأنها إذا دخلت على المجموع تفيد العموم في أنواع ملك المجموع ال في أفراده‬
‫وإ ذا دخلت على المفرد أفادت العموم في األشخاص وفي الجمع وهو نوع من جوابه في قوله تعالى )‬
‫ب ِإَّني َو َه َن العظم ِمِّني ( ولم يقل العظام‪.‬‬
‫َر ِّ‬
‫وذلك أن الصالحات أصله صالحات فيحتمل أن يكون مخرجي الزكاة فقط ألنهم عملوا الصالحات‬
‫وبعد دخول األلف والالم صار يتناول مخرجي الزكاة والمصلي والصائم إلى غير ذلك‪.‬‬
‫الصالحات يتناول الفعل والقول‪ n‬واإلعتقاد ألن العلماء فهموا قوله ‪ ( :‬إنما األعمال‬
‫قال ‪ ( :‬وعملوا ) ّ‬
‫بالنيات ) على العموم ألن الفخر في المحصول قال ‪ :‬أجمع الناس على أنه مخصوص بالنية والنظر‬
‫‪ ،‬فلوال أن العمل يصدق على النية لما احتاجوا إلى استثنائها من الحديث فيكون في اآلية عطف العام‬
‫على الخاص ‪.‬‬

‫( ‪)1/199‬‬
‫صفحة رقم ‪200‬‬
‫ات ‪...‬‬ ‫قوله تعالى ‪ ( :‬جَّن ٍ‬
‫َ‬
‫( قوله تعالى ‪ُ ( :‬كلَّ َما ُر ِزقُوْا ِم ْنهَا ‪...‬‬
‫الجنات وأنهارها على األكل لوجهين إما ألن منفعة ( التنعيم ) بالنظر‬
‫قدم ذكر ّ‬ ‫( قال ابن عرفة ‪ّ :‬‬
‫إليها سابقة على منفعة األكل منها وإ ما ألن األنهار مصلحة لثمرها وسبب في تكونه قال ‪ :‬وعموم‬
‫( كلما ) إن أريد به اإلطالق في ثمار الجنة فتكون القبيلة صادقة على ما سوى أول مأكول منها ألنه‬
‫ليس قبله شيء‪.‬‬
‫( قال ) ‪ :‬وقولهم في ( ُكلَّما ) إنها في موضع الحال إن أريد به أنهم بحيث ( لو رزقوا منها شيئا‬
‫قالوا ذلك فتكون حاال محصلة ‪ ،‬وإ ن أريد أنهم رزقوا بالفعل فتكون حاال مقدرة ألنهم لم يحصل لهم‬
‫جميعه في الحال ) قال الزمخشري ‪ :‬كلما ‪ ،‬وإ ما ‪ ،‬صفة أو استئناف أو خبر مبتدإ‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬كونها خبر مبتدأ ال يخرج عن اإلعرابين األولين ألنه حينئذ يصلح أن تكون الجملة‬
‫صفة أو استئنافا‪.‬‬
‫قال ابن عطية ‪ :‬في اآلية رد على من يقول ‪ :‬إن الرزق من شرطه التملك ‪ ،‬ذكره بعض األصوليون‬
‫ببين ‪.‬‬
‫‪ ،‬قال ابن عطية ‪ :‬وليس عنده ّ‬

‫( ‪)1/200‬‬

‫صفحة رقم ‪201‬‬


‫أن الرد عليه باآلية غير ّبين وليس المراد‬
‫أن القول غير ّبين أو ّ‬
‫قل ابن عرفة ‪ :‬انظر هل معناه ّ‬
‫المسألة التي اختلف فيها أهل السنة والمعتزلة فقالت المعتزلة ‪ :‬الرزق ال يطلق إال على الحالل‬
‫وقالت أهل السنة ‪ :‬الرزق يطلق على الحالل وعلى الحرام‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬ألن الخالف هنا أخص من ذلك الخالف ألنه تحرز ( منه ُر َّد بقوله ) من شرطه‬
‫( التملك ) فمن رزق شيئا ينتفع به ( وال يملكه كالضيف عند اإلنسان إذا قدم له طعاما فإنه يأكل منه‬
‫وال يحل ‪ /‬له أن يتصدق منه شيء ‪ ،‬وال يعطي منه لقمة ألنه ال يملك ) غير االنتفاع‪ n‬به فقط‪.‬‬
‫مؤبدا كالحبس ‪ ،‬وتارة يكون موققا كالعارية ونحوها‪.‬‬‫قال مالك ‪ :‬االنتفاع تارة يكون ّ‬
‫قوله تعالى ‪ِ ( :‬من ثَ َم َر ٍة ِّر ْزقاً ‪...‬‬
‫(‬
‫قال الزمخشري ‪ِ ( :‬من ) الثّانية البتداء الغاية ‪ ،‬أو البيان ‪ ،‬كقولك ‪ :‬رأيت منك أسدا تريد أنت أسد‪.‬‬
‫وتعقبه أبو حيان بأن ( ِم ْن ) البيانية لم يثبتها المحققون ولو صحت المتنعت هنا إذ ليس قبلها ما‬
‫معرفة ‪ ،‬مثل قوله تعالى ‪ ( :‬فاجتنبوا الرجس ِم َن األوثان ( وال نكرة مثل ‪ :‬من‬‫تكون بيانا له الَ ْ‬
‫ض ِرب من رجل‪.‬‬ ‫تَ ْ‬
‫( وقدروها ) مع المعرفة بالذي ُهو ‪ ،‬ومع النكرة بضمير عائد عليها أي هو رجل‪.‬‬
‫فإن قال ‪ :‬تكون بيانا للنكرة بعدها ( أى‬

‫( ‪)1/201‬‬

‫صفحة رقم ‪202‬‬


‫كلما رزقوا منها من ثمرة )‬
‫( خالف ) األصل بالتقديم والتأخير ‪ ،‬وأما رأيت منك أسدا ف ( من ) البتداء الغاية أو للغاية ابتدائها‬
‫وانتهائها‪.‬‬
‫وأجاب ابن عرفة ‪ :‬بأنه ( ال يريد ) وأنها لبيان الجنس بل للتبيين وسماه بعضهم التجريد‪.‬‬
‫َس ِاو َر ِمن َذ َه ٍب ( للبيان‪.‬‬ ‫َّ ِ ِ‬
‫ونقل بعض الطلبة أن ابن مالك جعل في قوله تعالى ‪ُ ( :‬ي َحل ْو َن فيهَا م ْن أ َ‬
‫قلت ‪ :‬وقال بعضهم ‪ :‬لم يذكر أحد أنها للتبيين ‪ ،‬وما معناها إال ( بيان ) الجنس‪.‬‬
‫وذكر البيانيون أنها تكون للتجريد وهو للتبعيض مثل ‪ :‬لي من زيد صديق حميم ‪ ،‬كأنك جردت عن‬
‫اد ( وقوله ) لَهُ ْم ِفيهَا َد ُار الخلد ( وأنشد عليه ابن‬
‫صفاته رجال صديقا وكذا قوله ‪ ) :‬لَهُم ِّمن َجهََّن َم ِمهَ ٌ‬
‫عطية في سورة آل عمران في قوله ) َوتُ ْخ ِر ُج الحي ِم َن الميت ( قوله الشاعر ‪ :‬أفاءت بنو مروان‬
‫ظلما دماءنا ‪...‬‬
‫وفي اهلل إن لم ينصفوا حكم عدل‬

‫( ‪)1/202‬‬

‫صفحة رقم ‪203‬‬


‫وكأنه جرد من صفات اهلل تعالى حاكما عدال‪.‬‬
‫قال الزمخشري ‪ :‬ومعناه هذا مثل الذى رزقناه إذ ال يصح أن يكون ( ذات الحاضر عندهم ) الذات‬
‫الذي رزقوه ذات في الدنيا‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬ومعناه أن هذا الذي أكلناه هو الذي رزقناه أوال ‪ ،‬وهو الذي شاهدناه حين األكل ‪،‬‬
‫أن اإلنسان إذا أكل شيئا يرجع كما كان أوال )‪.‬‬
‫على ما ورد ّ‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬وعلى القول بإجازة إعادة المعدوم بعينه يصح ذلك وهو مذهبنا‪.‬‬
‫طهََّرةٌ ‪...‬‬ ‫قوله تعالى ‪َ ( :‬ولَهُ ْم ِفيهَآ أ َْز َو ٌ‬
‫اج ُّم َ‬
‫( أي مخلصة من الشين والدنس المعنوي والحسي المتصل والمنفصل‪ n‬فليس ( لهن ) ذنوب وال نتن‬
‫رائحة وال حيض وال بصاق وال مخاط بوجه‪.‬‬
‫قال الزمخشري ‪ :‬فإن قلت ‪ :‬هال جاءت الصفة مجموعة لموصوفها‪ n‬؟ قلت ‪ ( :‬هما لغتان ) يقال ‪:‬‬
‫النساء فعلن ‪ ،‬والنساء فاعالت ‪.‬‬

‫( ‪)1/203‬‬

‫صفحة رقم ‪204‬‬


‫قال ابن عرفة ‪ :‬يرد عليه أن النساء اسم جمع لفظه مفرد ‪ ،‬بخالف هذا فإنه جمع صريح‪.‬‬
‫وإ نما يجاب بما قال المبرد في المقتضب ‪ :‬من أن جمع السالمة ال ينعت إال بالجمع وجمع التكسير‬
‫ينعت بالمفرد والجمع‪.‬‬
‫الزمخشري ‪ :‬إنما قال ( مطهرة ) ولم يقل طاهرة ‪ ،‬إشارة إلى أن تطهيرهن من قبل اهلل تعالى ليس‬
‫لهن فيه تكسب وال اختيار بوجه‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬وهذا كله تقدم إما على التوزيع أو لكل واحد منهم أزواج وهو الظاهر‪.‬‬
‫قال ‪ :‬والبيانيون منهم من يختار في مثل هذه ( المجرورات ) والضمائر ‪ ( ،‬الفصل ) ومنهم من‬
‫يختار ( الوصل ) وعليه أنشد ‪ :‬وتسعدني في غمرة بعد غمرة ‪...‬‬
‫صبوح لها منها عليها شواهد وكان يقول على األول ‪ :‬ولهم أزواج مطهرة ( فيها )‬

‫( ‪)1/204‬‬

‫صفحة رقم ‪205‬‬


‫َج ٌل ُّم َس ًّمى ِع َ‬
‫ندهُ ( قال ‪ :‬النكرة إذا‬ ‫قال ‪ :‬وأورد الزمخشري سؤاال في قوله تعالى في األنعام ‪َ ) :‬وأ َ‬
‫وصفت في األصل تقدم خبرها المجرور عليها‪.‬‬
‫قلنا ‪ :‬وهذه اآلية جاءت على األصل الذي قال ( فال سؤال فيها )‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪ِ ( :‬إ َّن اهلل الَ َي ْستَ ْحى أَن َي ْ‬
‫ض ِر َ‬
‫ب َمثَالً َّما ‪...‬‬
‫( قال ابن عرفة ‪ :‬الحياء هو ( استقباح ) فعل الشيء بحالة ما دون نقص فيه ‪ ،‬واالستحياء ( استقباح‬
‫) فعله لنقص فيه‪.‬‬
‫قال الزمخشري ‪ :‬فإن قلت ‪ :‬كيف وصف به القديم وال يجوز عليه التغير والخوف ؟ وفي حديث‬
‫إن اهلل كريم حي يستحي إذا رفع العبد يديه أن يردهما صفرا حتى يضع‬
‫سلمان قال رسول اهلل ‪ّ ( :‬‬
‫فيهما خيرا )‬

‫( ‪)1/205‬‬

‫صفحة رقم ‪206‬‬


‫أجاب أنه على سبيل التمثيل مثل تركه كتغييب العبد من العطاء بترك من يمتنع من رد المحتاج حياء‬
‫منه‪.‬‬
‫والمعنى هنا ال يترك ضرب المثل بالبعوض ترك من يستحى أن يتمثل بها‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬فجعله من باب العدم و ( الهلكة ) ‪ ،‬مثل زيد ال ( يبصر ) ال من السلب واإليجاب‬
‫ِمثل الحائط ال يبصر‪.‬‬
‫وقال صاحب المثل السائر في قوله ‪ ( :‬إذا لم تستح فاصنع ما شئت ) إنه يفهم على وجهين ‪ :‬إما إذا‬
‫لم تفعل فعال تستحي منه فاصنع ما شئت على سبيل التخبير واإلباحة ‪ ،‬وإ ما إذا لم تتصف بالحياء‬
‫ألجل جرمك وتعديك الحدود الشرعية ولم تبال ما أتت فاعل فاصنع ما شئت على سبيل التهديد‬
‫والوعيد واإلنذار‪.‬‬
‫ض ِر َ‬
‫ب ) ( في اآلية ) بوجهين ‪ :‬إما بمعنى يذكر مثال ‪ ،‬وإ ّما بمعنى يصوغ كضرب‬ ‫قال ‪ :‬وفسر ( َي ْ‬
‫الصائغ الدراهم بمعنى صاغها‪.‬‬
‫قال ‪ :‬وحكمة ضرب المثل بهذا أن لفظ القرآن صحيح فصيح فضرب اهلل المثل فيه ابتالء لعباده ‪،‬‬
‫فالمحق يأخذ بالقبول ‪ ،‬والمبطل يعانده فيه‪.‬‬
‫السنن ) المألوف عند ( العرب ) الفصحاء في صحيح األمثال فحق المنصف‬
‫وهذا جرى على ( ّ‬
‫منهم ( أن يقبل المثل )‬

‫( ‪)1/206‬‬

‫صفحة رقم ‪207‬‬


‫( وعلى ) هذا فردهم لذلك فيه ومعاندتهم فيه محض مباهتة ‪ ،‬وهي طريقة المغلوب إذا لم يجد ملجأ‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬فَ َما فَ ْوقَهَا ‪...‬‬
‫( قيل ‪ :‬أي ‪ ،‬ما دونها ‪ ،‬وقيل ‪ :‬ما هو أعظم منها‪.‬‬
‫حده ( التنازع ) ( أن يتقدم اسم ويتأخر عنه عامالن ) فصاعدا‬
‫وانتقد ابن الصائغ على ابن عصفور ّ‬
‫‪ ،‬وقال ‪ّ :‬إنه غير جامع ‪ ،‬ال يتناول األسئلة تكون فيها ثالثة عوامل ‪ ،‬ألن ( الفاء ) تقتضي الجمع‪.‬‬
‫يفسر إال بمعنى االول ‪ ،‬وهو أن المراد ما‬
‫ومنهم من جعلها بمعنى ( أ َْو ) فعلى ما ق ابن الصائغ ال ّ‬
‫ويصح ) تفسير الفوقية باألمرين‪.‬‬
‫ّ‬ ‫أن ( الفاء ) بمعنى ( أو ) (‬
‫دون ( البعوضة ) فيتم المثل وعلى ّ‬
‫امُنوْا ‪...‬‬
‫َما الذين َء َ‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬فَأ َّ‬
‫(‬

‫( ‪)1/207‬‬

‫صفحة رقم ‪208‬‬


‫وقال الزمخشري ‪ ( :‬أما ) حرف فيه معنى ( الشرط ) ولذلك ‪ /‬يجاب بالفاء وفائدته أنه يزيد الكالم‬
‫تأكيدا‪.‬‬
‫قال ‪ :‬وفي ( قولك ) ‪ :‬أما زيد فذاهب‪.‬‬
‫معناه عند سيبويه مهما يكن من شيء فزيد ذاهب وتفسيره يفيد أمرين ‪ :‬التأكيد والشرطية‪.‬‬
‫( قال ابن عرفة ‪ :‬أراد أنه يفيد ملزومية الشرط للجزاء أي زيد مالزم للذهاب ‪ ،‬فكأنه لم يزل ذاهبا )‬
‫أما ) ّأنه لما تقدم ( اإلخبار ) بأن اهلل تعالى ال يستحي أن يضرب مثال‬ ‫وفائدة دخول الفاء على ( ّ‬
‫وأنه ال يمتنع منه عقّبه ببيان‬
‫وكان اإلخبار بذلك ال يقتضي وقوع ضرب المثل بل جوازه في حقّه ‪ّ ،‬‬
‫ون أََّنهُ الحق (‪.‬‬
‫أن ذلك واقع منه لقوله تعالى ) فََي ْعلَ ُم َ‬
‫وعبر عن المؤمنين بالفعل تنبيها على أن من أتّصف بمطلق اإليمان يعلم ذلك فأحرى من حصل له‬
‫ظن )‬ ‫ِ‬
‫اإليمان القوي الكامل ويستفاد من عمومه في المؤمنين أن اإلعتقاد الحاصل للمقلد عْل ٌم ( الَ ّ‬
‫وهو الصحيح عندهم‪.‬‬
‫ون أََّنهُ الحق ‪...‬‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬فََي ْعلَ ُم َ‬
‫( قال ابن عرفة ‪ :‬الحق في القرآن كثيرا ك قوله تعالى ‪َ ( :‬ما َخلَ ْقَنا السماوات واألرض َو َما َب ْيَنهُ َمآ‬
‫ِإالَّ بالحق ( فمن يفهمه على ظاهره يعتزل ألن مذهب المعتزلة مراعاة األصلح‬

‫( ‪)1/208‬‬

‫صفحة رقم ‪209‬‬


‫على قاعدة التحسين والتقبيح ‪ ،‬فالصواب أن يقال في تفسير ( الحق ) هو األمر الثابت في نفس األمر‬
‫الذي دل الدليل الشرعي على ثبوته ‪ ،‬أو يقال ‪ ( :‬إنما هو ) الثابت بدليل شرعي ‪ ،‬أو مدلول الكالم‬
‫القديم األزلي‪.‬‬
‫الموجود ويعم اإلعتقاد والقول والعمل‬
‫ُ‬ ‫قال ابن العربي في شرح األسماء الحسنى ‪ :‬الحق في اللغة هو‬
‫ثم قال ‪ :‬والمختار أن الحق ما له فائدة مقصودة ‪ ،‬والباطل ( ضده ) سواء كان ( موجودا ) أو‬
‫معدوما قال تعالى ‪َ ) :‬ما َخلَ ْقَنا السماوات واألرض َو َما َب ْيَنهُ َمآ ِإالَّ بالحق ( أي لفائدة مقصودة وهي‬
‫اطالً ( و قوله تعالى ‪ ( :‬أَفَ َح ِس ْبتُ ْم أََّن َما َخلَ ْقَنا ُك ْم‬
‫ت ه َذا ب ِ‬
‫الثواب والعقاب ل قوله تعالى ‪َ ( :‬ربََّنا َما َخلَ ْق َ َ َ‬
‫َعَبثاً ( وانظر ما قيدته في الزمر واألحقاف والتغابن وعم‪.‬‬
‫قال أبو حيان ‪ :‬والفاء الداخلة على جواب ( أما ) فحقها التقديم فيقال ‪ :‬أما زيد فذاهب ‪ ،‬ألنه هو‬
‫الجواب لكنها لو قدمت للزم عليه وجود المعطوف دون المعطوف عليه ‪.‬‬

‫( ‪)1/209‬‬

‫صفحة رقم ‪210‬‬


‫َما ) فيها معنى الشرط ‪ ،‬والفاء كذلك فكرهوا اجتماع (‬
‫وكذا قال الفارسي وأبو البقاء وابن هشام ‪ ( :‬أ َّ‬
‫حرفي ) شرط ‪ ،‬كما كرهوا اجتماع حرفي تأكيد‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ِ :‬إَّن َما امتنع عندي لما فيه من إيهام اإلتيان بالجزاء دون الشرط‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪ِ ( :‬من َّرِّب ِه ْم ‪...‬‬
‫( لم يقل من اهلل تنبيها على أنه رحمة منه ونعمة لهم ‪ ( ،‬لكونه ) نصب لهم عليه األدلة والطرق إلى‬
‫العلم به‪.‬‬
‫ون َما َذآ أ ََر َاد اهلل بهذا َمثَالً ‪...‬‬
‫َما الذين َكفَ ُروْا فََيقُولُ َ‬ ‫قوله تعالى ‪َ ( :‬وأ َّ‬
‫ق ِم ْن َرِّب ِه ْم ويقولون ذلك بألسنتهم ‪،‬‬ ‫ون أََّنهُ َ‬
‫الح ّ‬ ‫آمُنوا فََي ْعلَ ُم َ‬
‫ين َ‬
‫( اآلية ( فيها ) حذف التقابل أي فَأ َّ َِّ‬
‫َما الذ َ‬
‫ون َما َذا أ ََر َاد اللَّهُ بِهَ َذا ( َمثَال‪.‬‬
‫ين َكفَ ُروا فََيقُولُ َ‬
‫وأ َّ َِّ‬
‫َما الذ َ‬ ‫َ‬
‫ويعتقدون‬

‫( ‪)1/210‬‬

‫صفحة رقم ‪211‬‬


‫ذلك بقلوبهم ولذلك لم يقل في الكافرين ‪ :‬بماذا أراد ربنا بهذا مثال ) ويمكن أن تكون هذه الجملة في‬
‫موضع الحال من األولى ‪ ،‬وهو أصوب مو كونها استئنافا ‪ ،‬ألن ( المؤمنين ) إذا ( اعتقدوا ) أنه‬
‫الحق حالة وجود المخالف والمعاند ( لهم ) فيه فأحرى أن يعتقدوا صحته مع عدم المخالف‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬وسلكوا في هذه العبارة طريق الجدل ( عند الجدليين ) ألنهم لو قالوا ذلك ( أمرنا‬
‫بالرد ) عليهم ‪ ،‬فالضرب في رجوعهم بالمباهتة والتبكيت‪.‬‬
‫( وأتوا ) في الجواب بلفظ ظاهره االستفهام ومعناه اإلنكار كما يأتي المجادل المغلوب بلفظ ( يموه‬
‫به ويحيد به ) عن الجواب‪.‬‬
‫وقوله ‪َ ) :‬ما َذآ أ ََر َاد اهلل بهذا َمثَالً ( قال الزمخشري ‪ :‬فيه وجهان ‪ :‬إما أن ( ذا ) اسم موصول‪n‬‬
‫بمعنى الذي مرفوع على االبتداء أو خبره مع صلته ‪ ،‬وإ ما أن ( ماذا ) كلمة واحدة كلها وهي في‬
‫موضع نصب بأن إذا ‪.‬‬

‫( ‪)1/211‬‬

‫صفحة رقم ‪212‬‬


‫قال ابن عرفة ‪ :‬وكان ابن الحباب يحكى عن ( بعضهم ) أنه كان يقول في قوله تعالى ) َوإِ َذا ِق َ‬
‫يل لَهُم‬
‫َنز َل َرُّب ُك ْم قَالُوْا َخ ْيراً‬
‫ين اتقوا َما َذآ أ َ‬ ‫اطير األولين ( ( بالرفع ‪ ) :‬و ِق َ َِِّ‬
‫َنز َل رُّب ُكم قَالُوْا أ ِ‬
‫يل للذ َ‬ ‫َ‬ ‫َس ُ‬ ‫َ‬ ‫َّما َذآ أ َ َ ْ‬
‫( قال ‪ :‬النصب في جهة المؤمنين أرجح ‪ ،‬والرفع للكافرين أرجح كما هو في اآلية‪.‬‬
‫ووجهه أنه حيده منهم عن الجواب ألن الكافرين لو نصبوا أساطير األولين لكان المعنى أنزل )‬
‫أساطير األولين فيكونوا مقرين باإلنزال ( وإ ذا ) رفعوه فيكون المعنى هو أساطير األولين ‪ ،‬وحادوا‬
‫عن الجواب على مقتضى‪ n‬السؤال والمؤمنون أجابوا على مقتضى السؤال فقالوا ‪ :‬أنزل خيرا فأقروا‬
‫باإلنزال ‪ ،‬وأنه خير في نفسه ‪ ،‬فحصلوا المطلوب وزيادة‪.‬‬
‫وكذلك ( يجيء الرفع في هذه اآلية أرجح في جهة الكافرين ) ‪ ،‬ويحتمل أن يكون ( ماذا أراد اهلل )‬
‫في موضع الحال ‪ ،‬ويحتمل أن يوقف على ( ماذا )‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪َ :‬و ( َمثَال ) إما تمييز أو حال ‪ ،‬وإ ما منصوب على المخالفة كما قال ابن منصور في‬
‫عد ) المنصوبات ‪.‬‬ ‫شرح مقربه لما ( ّ‬

‫( ‪)1/212‬‬

‫صفحة رقم ‪213‬‬


‫قال ابن عطية ‪ :‬ومعنى كالمهم هذا اإلنكار بلفظ االستفهام‪.‬‬
‫وقال الزمخشري في قولهم ( َما َذا ) استرذال واستحقار‪.‬‬
‫وقال ابن عرفة ‪ ( :‬عادة ) ابن المنير ينتقد عليه ذلك ألنه إساءة أدب ال بنبغي أن يفسر القرآن به وال‬
‫( يحكي ) عن ( الكافرين ) في الكالم القبيح إال ما هو نص كالمهم مثل ) َوقَالَ ِت اليهود َي ُد اهلل‬
‫ض ُّل بِ ِه َكثِيراً ‪...‬‬
‫م ْغلُولَةٌ ( قوله تعالى ‪ ( :‬ي ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫( قال ابن عرفة ‪ :‬هذا لف ونشر ألنه لما تقدم ذكر المثل وذكر ( بعده ) الفريقين عقبه ببيان َّأنه‬
‫يضل به قوما ‪ ،‬ويهدي به آخرين‪.‬‬
‫َما الذين َشقُوْا فَِفي النار‬ ‫واللَّف والنشر قسمان ‪ :‬موافق ك قوله تعالى ‪ ( :‬فَ ِم ْنهُ ْم َشِق ٌّي َو َس ِع ٌ‬
‫يد فَأ َّ‬
‫( ومخالف كقوله تعالى ) َي ْو َم‬

‫( ‪)1/213‬‬

‫صفحة رقم ‪214‬‬


‫وههُ ْم ( قال ‪ :‬وحكمة ذلك في ( الجمع ) االهتمام‬ ‫ض ُو ُجوهٌ َوتَ ْس َو ُّد ُو ُجوهٌ فَأ َّ‬
‫َما الذين اسودت ُو ُج ُ‬ ‫تَْبَي ُّ‬
‫بمقام التخويف واإلنذار ‪ ،‬فلذلك بدأ بأهل الشقاوة في اآليتين‪.‬‬
‫وقال ابن عرفة ‪ :‬وكان بعضهم يقول ‪ :‬هذه اآلية إذا ( بنينا ) على ( القول ) الصحيح فإن ارتباط‬
‫الدليل بالمدلول عادي وهو مذهب الشيخ أبي الحسن األشعري ‪ ،‬وقد نصوا على أن الحق ال يستلزم‬
‫الباطل بوجه ‪ ،‬وإ نما يستلزم حقا مثله‪.‬‬
‫وجاءت هذه اآلية بعد ذكر ضرب المثل الذي جعله اهلل دليال للمكلفين على صحة الرسالة ‪ ،‬ثم عقبه‬
‫ض ُّل بِ ِه َكثِيراً ( ‪ ،‬فجعل الدليل الحق مستلزما للضالل فإذا بنينا على‬
‫ببيان أنه دليل ( حق ثم قال ‪ ) :‬ي ِ‬
‫ُ‬
‫أن ارتباط الدليل بالمدلول عادي يكون ‪ /‬الحق بهذه اآلية قد يستلزم الضالل كما قالوا إنه ) يستلزم‬
‫الحق‪.‬‬
‫وغاية ما فيه أن يقال ‪ :‬الغالب ( عليه ) استلزم الحق وقد يستلزم الباطل ‪.‬‬
‫أن المثل الذي هدى اهلل به المؤمنين أضل به بقية الكافرين ‪ ،‬وهو‬
‫( ( قال ابن عرفة واقتضت اآلية ّ‬
‫سبب في الشيء ونقيضه ‪،‬‬

‫( ‪)1/214‬‬

‫صفحة رقم ‪215‬‬


‫وهذا هو عين مذهب أهل ( السنة ) ‪ ،‬ألن جميع األشياء كائنة بإرادة اهلل وقدرته ‪.‬‬
‫وأراد الزمخشري سؤاالً ( أ ) قال ‪ :‬إن قلت ‪ :‬لم قال ‪ " :‬يضل به كثيراً " وهم قليلون قال تعالى ‪) :‬‬
‫َّالح ِ‬
‫ات َو َقليِ ٌل َّما ُه ْم ( ؟‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َِّ‬ ‫وقلي ٌل ِم ْن ِعّب ِاد َ َّ‬
‫آمُنوا َو َعملُوا الص َ‬
‫ين َ‬
‫ور ( وقال ‪ ) :‬الذ َ‬
‫ي الش ُك ُ‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬السؤال غير وارد ألن الشكور أخص من الشاكر ‪ ،‬والشاكر مهدي فال يلزم من كون‬
‫الشاكر قليالً أن يكون المهدي قليالً‪.‬‬
‫الصالحات وهو أخص ممن اتصف بمطلق‬ ‫قال ‪ :‬واآلية األخرى تقتضي نسبة العلة لمن آمن وعمل ّ‬
‫ت بِ ُم ْؤ ِمنِين (‪.‬‬
‫صَ‬ ‫الن ِ‬
‫اس َولَ ْو َحَر ْ‬ ‫وما أَ ْكثَُر َّ‬
‫اإليمان ومطلق االهتداء فلو قدر السؤال ب قوله تعالى ‪َ ( :‬‬
‫لكان صحيحاً متوجها ‪.‬‬
‫قيل البن عرفة ‪ :‬إنما السؤال غير وارد على مذهبنا ‪ ،‬وأما عند الزمخشري وسائر المعتزلة فهو‬
‫وارد ألن المؤمن عندهم هو الذي عمل‪.‬‬
‫قال ‪ :‬بل هو غير وارد عندهم ألن من آمن اإليمان الحقيقي‪ n‬الكامل ( واخترمته المنية ) إثر ذلك ولم‬
‫الصالحات هو مؤمن باتفاق منا ومنهم ‪.‬‬
‫يمض عليه زمن عمل ( فيه ) ّ‬

‫( ‪)1/215‬‬

‫صفحة رقم ‪216‬‬


‫الناس كإبل مائة ال تكاد تجد فيها‬
‫زاد الزمخشري في تمثيل القليل قوله ( صلى اهلل عليه وسلم ) ‪ّ " :‬‬
‫راحلة‪.‬‬
‫قال كذلك ( قوله ) وجدت الناس أخبر تقله أي أخبر أحدهم ببعضه ‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬وهو تسليم للسؤال‪.‬‬
‫فأجابه عنه الزمخشري ‪ :‬بأنهم كثيرون في أنفسهم‪.‬‬
‫ال سيما فيما قالوا في جمع الكثرة ‪ :‬إنه يتناول مع العشرة فما دون ذلك والقلة ( هي ) فما في‬
‫الترجيح في العدالة إنه ترجح التي هي أعدل لشرفها‪.‬‬
‫وإ سناد فعل اإلضالل إلى اهلل تعالى حقيقه ‪.‬‬
‫وجعله الزمخشري مجازاً على قاعدة التحسين والتقبيح عندهم ثم استدل لذلك بحكاية عن مالك بن‬
‫دينار ّأنه دخل على محبوس مقيد بين يديه ( دجاج ) ( وأخبصه ) فقال له ‪ :‬هذه وضعت القيود على‬
‫رجلك ‪.‬‬

‫( ‪)1/216‬‬
‫صفحة رقم ‪217‬‬
‫ابن عرفة ‪ :‬وهذا من أنواع الدليل ( المسمى ) في علم المنطق بالخطأ ‪ ،‬ألنه جعل ( استحالة ) نسبة‬
‫األضالل إلى اهلل تعالى كاستحالة نسبة وضع القيد في رجل المحبوس إلى الدجاج ( ولألخبصة ) قال‬
‫‪ :‬فكما أطلقه هناك مجازاً فكذلك هنا ( استحقاقاً ) لمذهبه ( وجرياً ) على عادته الفاسدة ‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫وما ُيض ّل بِه إالّ الفَاس َ‬
‫قين ( ‪.‬‬ ‫قوله تعالى ‪َ ( :‬‬
‫تقدم للزمخشري في قوله تعالى ‪ ( :‬هدى ِ‬
‫ين ( سؤال ‪ ،‬قال ‪ :‬المتقي مهتد فكونها هدى له‬‫للمتَّق َ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫( تحصيل ) الحاصل ‪ ،‬وأجاب بأن المراد الصائرين ( للتقوى ) وهو ُهدى بإعتبار الزيادة في‬
‫الهداية‪.‬‬
‫َما الَّذيِ َن‬ ‫ِ‬
‫ءامُنوا فََز َادتْهُ ْم إيِ َماناً َو ُه ْم َي ْستَْبش ُر َ‬
‫ون َوأ َّ‬ ‫ذين َ‬
‫وكذا السؤال هنا وجوابه قول تعالى ‪ ) :‬فَأ َّ َّ‬
‫َما ال َ‬
‫ض فََزادتَتْهُ ْم ِر ْج ًسا (‪.‬‬
‫ءامُنوا َّم َر ٌ‬
‫َ‬
‫ون َع ْه َد اهلل ِمن َب ْع ِد ِميثَ ِاق ِه ‪...‬‬
‫ض َ‬ ‫قوله تعالى ‪ ( :‬الذين َينقُ ُ‬
‫(‬

‫( ‪)1/217‬‬

‫صفحة رقم ‪218‬‬


‫حكى ابن عطية في هذه الجملة خالفا هل هي استئأنفا أو من تمام ما قبلها ؟ قال ابن عرفة ‪ :‬إن‬
‫راعينا مقام التخويف وترتّب ال ّذم على كل وصف من هذه األوصاف‪ n‬جعلناه كالما آخر مستأنفا ‪،‬‬
‫وإ ن راعينا مناسبة اللَّفظ فترد لما قبلها‪.‬‬
‫واختلفوا في العهد ما هو ؟ ابن عرفة ‪ :‬والظاهر أن نقض العهد راجع إلى اإلقرار بوحدانية اهلل‬
‫تعالى‪.‬‬
‫وقطع ما أمر اهلل به أن يوصل راجع إلى اإلقرار بالرسالة‪.‬‬
‫وأشار إليه ابن عطية فهم مكلفون بشهادة أن ال إاله إال اهلل وأن ( يصلوها ) بشهادة أن محمدا رسول‬
‫اهلل فخالفوا في األمرين فعهد اهلل هو الدليل الدال على وحدانيته ونقضه هو المخالفة فيه‪.‬‬
‫إن العهد هو ما أخذه اهلل تعالى على ( بني آدم حين أخرجهم من‬ ‫المتأولين ّ‬
‫ّ‬ ‫ابن عطية ‪ :‬وقال بعض‬
‫حينذ ليسوا‬ ‫كالذر ) َوأَ ْشهَ َد ُه ْم على أَنفُ ِس ِه ْم أَلَ ْس ُ‬
‫ت بَِرِّب ُك ْم ؟ قَالُوْا بلى ( وضعفه الفخر بأنهم ّ‬ ‫ظهر آدم ّ‬
‫مكلفين فال يعاقبون على نقض ذلك العهد )‪.‬‬
‫وأجاب ابن عرفة بأن قال ‪ :‬ال مانع من أنهم كلفوا ( حينئذ ) باإليمان فآمنوا والتزموا العهد ونسوه ‪،‬‬
‫ثم ذكروا بذلك في الدنيا بهذه اآلية وأنظارها ‪ ،‬فمنهم من تذكر وآمن ‪ ،‬ومنهم من بقي فيعاقب ألجل‬
‫( ‪)1/218‬‬

‫صفحة رقم ‪219‬‬


‫ذلك ( ونظيره ) عندنا أن القاضي إذا حكم بحكم ونسيه فذكره فيه شاهد واحد فإنه ينفذه بشهادته‬
‫ويرجع إليه وكذلك هذا‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪ِ ( :‬من َب ْع ِد ِميثَ ِاق ِه ‪...‬‬
‫( أي من بعد توثقه وإ برامه‪.‬‬
‫ابن عطية قيل ‪ّ :‬إنها ألهل الكتاب ‪ ،‬وقيل ‪ :‬لجميع الكفار ‪ ،‬وقيل ‪ :‬لمن آمن ( ثم ) كفر‪.‬‬
‫ابن عرفة ‪ :‬الظاهر تناولها لكل من صلح صدق هذا اللفظ عليه ‪ ،‬قيل ‪ :‬لتدل على مبادرتهم بالنقص‬
‫في أول ( أزمنته البعيدة )‪.‬‬
‫أبو البقاء ‪ ( :‬من ) البتداء الغاية في الزمان عند من أجازه وزائدة عند من منعه وهو ضعيف ( ال‬
‫متناع ) زيادتها في الواجب‪.‬‬
‫قال الصفاقسي ‪ :‬هذا ليس بشيء ألن القبلية والبعدية من صفات الزمان ‪ ،‬فكأن ( من ) ( تدخل )‬
‫على الزمان فال يحتاج إلى زيادتها‬

‫( ‪)1/219‬‬

‫صفحة رقم ‪220‬‬


‫قال ابن عرفة ‪ :‬ال يليق به على علمه فإن ابن عصفور وغيره قد تأولوها في مثل هذا على حذف‬
‫مضاف تقديره مصدرا ‪ ،‬وأعربوا ( قبل ) و ( بعد ) إذا انتصبا ظرفي زمان صريحين وقالوا ‪:‬‬
‫ظرف الزمان هو اسم الزمان أو عدده أو ما قام مقامه نحو ‪ :‬أتيتك طلوع الشمس أو ما أضيف إليه‬
‫إذا كان هو أو بعضه‪.‬‬
‫ِ‬
‫َم َر اهلل بِه أَن ُي َ‬
‫وص َل ‪...‬‬ ‫ون َمآ أ َ‬
‫ط ُع َ‬
‫قوله تعالى ‪َ ( :‬وَي ْق َ‬
‫( قال ابن عرفة ‪ :‬فيه عندي حجة لمن يقول إن لفظ أمر إنما يطلق على الواجب فقط ‪ ،‬وأما المندوب‬
‫الذم ( فمن ) يقول ‪ :‬إن‬
‫فغير مأمور به إن زعم أنه إلجماعنا على المراد به هنا ( الوجوب ) لترينه ّ‬
‫المندوب مأمور به إن زعم ّأنه حقيقة لزمه االشتراك‪.‬‬
‫وإ ن جعله مجازا لزمه المجاز ‪ ،‬وهما معا على خالف األصل‪.‬‬
‫ابن عرفة ‪ :‬والصحيح عندي في األمر اشتراط االستعالء فقط ( الَ ) العلو خالفا للمعتزلة وبعض‬
‫أهل السنة‪.‬‬
‫ون ِفي األرض ‪...‬‬ ‫ِ‬
‫قوله تعالى ‪َ ( :‬وُي ْفس ُد َ‬
‫( إن أراد بالفساد األمر األعم من القول والفعل واالعتقاد فيكون ذلك من عطف العام على الخاص‬
‫( وإ ن أريد به ) الفعل فقط فتكون من عطف الشيء على ما هو مغاير له‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬أولئك ُه ُم الخاسرون (‬

‫( ‪)1/220‬‬

‫صفحة رقم ‪221‬‬


‫شبهوا ) بمن اشترى‬
‫عبر بالخسران ألنهم بالعهد والميثاق حصل لهم الفوز والنجاة ‪ ،‬فلما نقضوه ( ّ‬
‫سلعة للتجارة وكان بحيث إن بادر بيعها لربح فيها ربحا كثيرا فتركها حتى كسد سوقها وباعها‬
‫بالبخس والخسران‪.‬‬
‫أن مرتكب الكبيرة غير مخلد في النار القتضائها حصر‬
‫قيل البن عرفة ‪ :‬هذه اآلية تدل على ّ‬
‫الخسران في هؤالء ألن البناء على المضمر يفيد الحصر ؟ فقال ‪ :‬يقول الزمخشري ‪ :‬إنه لمطلق‬
‫ون باهلل ‪...‬‬ ‫ين ِم َن النار ( قوله تعالى ‪َ ( :‬ك ْي َ‬
‫ف تَ ْكفُُر َ‬ ‫الربط ال للحصر كما قال في ) َو َما ُهم بِ َخ ِار ِج َ‬
‫أن المراد بما قبلها المخالفة في توحيد اهلل تعالى واإليمان‬ ‫( قال ( ابن عطية ) ‪ :‬هذه اآلية دليل على ّ‬
‫إما على سبيل الخصوصية أو مع غيره وهو األصل ( وغيره تابع له )‪.‬‬
‫به ّ‬
‫ف ) سؤال عن حال ومعناها معنى الهمزة ( لكن السؤال بالهمزة ) عن الذات ‪،‬‬ ‫الزمخشري ‪َ ( :‬ك ْي َ‬
‫والسؤال بكيف عن صفة الذات فيستلزم السؤال عنها ‪.‬‬

‫( ‪)1/221‬‬

‫صفحة رقم ‪222‬‬


‫وبخوا بالهمزة ؟ وأجاب ‪ :‬بأنه إذا أنكر عليهم‬
‫وبخوا بكيف ‪ ،‬وهال ّ‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬فإن قلت ‪ :‬لم ّ‬
‫الكفر في حال من األحوال فيلزم إنكار نفس الكفر من باب أحرى ‪ ،‬ألن كل موجود ال ينفك عن صفة‬
‫فنفي الصفة يستلزم نفيه بطريق البرهان‪.‬‬
‫ق ابن عرفة ‪ :‬هذا استدالل بنفي الملزوم على نفي الالزم وهو باطل عندهم ويقال له ‪ :‬الصفة تابعة‬
‫لموصوفها ‪ ،‬وال يلزم من نفي التابع نفي المتبوع بل العكس ( الذي يلزم ) قيل البن عرفة ‪ :‬هذا تابع‬
‫الزم ال ينفك عنه ( المتبوع ) فنفيه يستلزم نفيه ؟ فقال ‪ :‬قصارى أمره أنه د ّل على نفي المتبوع‬
‫باللزوم ألن داللته عليه بواسطة نفي الصفة والهمزة تدل على نفيه بالمطابقة‪.‬‬
‫قيل البن عرفة ‪ :‬الكفر في ذاته ال ينفك عن ( حال ) من األحوال فعموم النفي في حاالته يستلزم‬
‫( انتفاءه هو معها بخالف نفيه هو في ذاته ؟ فقال ‪ :‬نفيه في ذاته يستلزم انتفاء حاالته ‪ ،‬وأيضا‬
‫فالهمزة تدل على إنكار نفي الكفر بالمطابقة ‪ ،‬وكيف بواسطة داللتها على ( إنكار ) نفي صفته‬
‫وداللة المطابقة أقوى من داللة االلتزام ‪.‬‬

‫( ‪)1/222‬‬

‫صفحة رقم ‪223‬‬


‫والنفي بكيف‬
‫النفي بالهمزة مطلق في الشيء ّ‬
‫( قال ) ‪ :‬وكان ( يظهر ) لنا في الجواب عنه تقدير بأن ّ‬
‫عام في جميع حاالت الشيء‪.‬‬
‫وداللة العام أقوى من داللة المطلق ألن الهمزة تدل على إنكار كفرهم في حالة ما ‪ ،‬وكيف تدل على‬
‫إنكار جميع أحوال كفرهم‪.‬‬
‫أن الميتة والخمر عندنا محرمان ‪ ،‬لكن الميتة مباحة للمضطر بخالف الخمر على‬
‫وتقريبه بالمثال ّ‬
‫المشهور‪.‬‬
‫ونص في كتاب الصالة األول ( من العتبية ) في أول رسم تأخير صالة العشاء ‪ ،‬فتقول‪ n‬لالنسان ‪:‬‬
‫أتأكل الميتة وهي محرمة ؟ وال تقول له ‪ :‬كيف تأكل الميتة وهي محرمة ‪ ،‬وال تقول له ‪ :‬أتشرب‬
‫الخمر وهو محرم ؟ هذا المختار عندهم‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬وبدليل من غص بلقمة ولم يجد ما ( يدفعها ) به إال الخمر ( وخاف الموت )‪.‬‬
‫أن ذلك ( ال ) يجوز له وأجازه غيره غيره ‪.‬‬
‫قال ابن رشد ‪ :‬الظاهر من قول أصبغ ّ‬

‫( ‪)1/223‬‬

‫صفحة رقم ‪224‬‬


‫قال ابن عرفة ‪ :‬ومثله الزمخشري بقولك ( أتطير ) بغير جناح ؟ وكيف تطير بغير جناح ؟ قال ابن‬
‫عرفة ‪ :‬هذا المثال ال يطابق اآلية ‪ّ ،‬إنما ( يطابقها ) أن يقول ‪ :‬أتطير وأنت مكسور الجناح من غير‬
‫ضرورة تدعوك لذلك ألن الطيران بال جناح مستحيل بالبديهة ‪ ( ،‬وكفر هؤالء ) ليس بمحال‪.‬‬
‫ف ) سؤال عن جميع‬‫أن ( َك ْي َ‬
‫( قلت ) ‪ :‬والحاصل أن الزمخشري وال ّشيخ ابن عرفة اتّفقا على ّ‬
‫األحوال ( واختلفا ) في الهمزة فهي عند الزمخشري سؤال عن حقيقة الشيء ‪ ،‬وعند ابن عرفة‬
‫مطلقة في السؤال عن ذاته وعن أحواله تصدق بصورة من صور ذلك‪.‬‬
‫ظني أن كالم سيبويه موافق لما قال ابن عرفة‪.‬‬
‫وقال بعض ال ّشيوخ ‪ :‬ومن ّ‬
‫َحَيا ُك ْم ‪...‬‬
‫قوله تعالى ‪َ ( :‬و ُكنتُ ْم أ َْم َواتاً فَأ ْ‬
‫( قال ابن عرفة ‪ :‬إن قلت ما الفرق بين هذا وبين ما تقدم في قوله تعالى ‪ ( :‬ياأيها الناس اعبدوا َرَّب ُك ُم‬
‫الذي َخلَقَ ُك ْم والذين ِمن قَْبِل ُك ْم ( وهل هو تكرار أم ال ؟ قلنا ‪ :‬ليس‬

‫( ‪)1/224‬‬

‫صفحة رقم ‪225‬‬


‫بتكرار وتلك إرشاد للنظر في دليل الوحدانية واإليمان ‪ ،‬وبعد ( تقرر ) ( اإليمان ) ذلك جاءت هذه‬
‫توبيخا لمن نظر في الدليل ولم يعمل بمقتضاه‪.‬‬
‫ابن عرفة ‪ :‬وفي قوله ‪َ ) :‬و ُكنتُ ْم أ َْم َواتاً ( دليل على أن الموت أمر عدمي ‪ ،‬فإنه أخبر أنهم كانوا‬
‫متّصفين بالموت حالة كونهم عدما صرفا ‪ ،‬والوجود ال يجامع العدم على المشهور ‪ ،‬وإ نما يجامع‬
‫وجودا مثله‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬وأتى في الدليل بأمرين ‪ :‬أحدهما ( مروي ) مشاهد ‪ ،‬وهو وجودهم بعد عدمهم ‪،‬‬
‫وموتهم بعد ذلك ثم عطف عليه أمرا آخر نظريا ال يعلم إال من جهة الرسل وهو حياتهم بعد ذلك ‪،‬‬
‫ورجوعهم إلى اهلل ‪ ،‬والعطف يقتضي التسوية فهو إشارة إلى أن ذلك األمر النظري اعتقدوه حقا كأنه‬
‫ضروري ( فليكن ) ( عندهم ) مساويا للضرورة‪.‬‬
‫ال هذا الكتاب الَ ي َغ ِادر ص ِغيرةً والَ َكبِيرةً ِإالَّ‬
‫ون ياويلتنا م ِ‬
‫َ‬ ‫ُ ُ َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫ونظيره العطف في قوله تعالى ) َوَيقُولُ َ‬
‫اها ( ( قالوا ‪ :‬أفاد عطف الكبيرة التسوية في اإلحصاء بينها وبين الصغيرة فالمراد أنه ال يدع‬ ‫ص َ‬‫َح َ‬ ‫أْ‬
‫شيئاً إال أحصاه )‪.‬‬
‫َحَيا ُك ْم ) بالفاء ) ثَُّم ُي ِميتُ ُك ْم ثَُّم ُي ْحيِي ُك ْم ( بثم ؟‬
‫قال الزمخشري ‪ :‬فإن قلت ‪ :‬لم عطف ( فَأ ْ‬

‫( ‪)1/225‬‬

‫صفحة رقم ‪226‬‬


‫فأجاب بأن اإلحياء األول غير متراخ عن الموت ‪ ،‬ولذلك كان اإلحياء الثاني متراخ عن الموت ورده‬
‫بأنه إن أراد أول أزمنة الموت فاإلحياء األول متراخ عنه فهال عطف بثم ؟ ( وإ ن ) أراد‬
‫ابن عرفة ‪ّ :‬‬
‫آخر أزمنة الموت فاإلحياء الثاني ( عقيبه ) من غير تراخ بوجه‪.‬‬
‫قيل له ‪ :‬اإلحياء األول ليس بينه وبين الموت الذي قبله فاصل بوجه ‪ ،‬وبينه وبين الموت الذي بعده‬
‫فواصل ‪ ،‬وهي التكاليف التي أمرنا الشرع بها‪.‬‬
‫ممتدا ) متراخيا ‪ ،‬فعطف عليه الموت بثم‪.‬‬ ‫فلما كانت معتبرة شرعا جعل زمن الحياة ( ّ‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬هذا ( يعكر ) عليكم في قوله تعالى ‪ ( :‬ثَُّم ُي ْحيِي ُك ْم ( ألنه ليس بينه وبين الموت الذي‬
‫قبله أيضا فاصل‪.‬‬
‫قال ‪ :‬وإ ن كان ( يظهر ) لنا الجواب عن ذلك السؤال بأن الموت األول لسنا نشاهده ‪ ،‬وال ( نحن )‬
‫نعلمه إال من جهة الخبر والعلم به إن تطاول زمانه يأتينا دفعة واحدة يجعل ( كأنه شيء واحد والحياة‬
‫الدنيا مشاهدة لنا ضرورية وزمانها ال نعلمه دفعة واحدة ) وإ نما نعلمه شيئا بعد شيء إذ ال يدري‬
‫أحدنا مقدار عمره ما هو ؟ فاإلماتة متراخية عنه فاعتبر ( فيه ) التراخي ‪ ،‬والحياة الثانية أيضا إنما‬

‫( ‪)1/226‬‬

‫صفحة رقم ‪227‬‬


‫نعلمها من جهة الشرع وهو إنما أخبر بها بعد حصول الموت األول وتقرره في جميع الناس حتى ال‬
‫يبقى أحدهم منهم إال مات فحياة أولهم موت متأخر عن موت آخرهم فاعتبروا فيها التراخي لهذا‬
‫المعنى‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬وقرر بعض الشيوخ كالم الزمخشري بأن الموت األول ال ( بداية ) له بوجه فهو عدم مستمر‬
‫غير مسبوق بشيء فروعي فيه آخره وأنه شيء واحد فعطفت عليه ( الحياة ) ( بالفاء ) إشارة إلى‬
‫سرعة التكوين والحياة األولى ( زمنها ) متطاول والخطاب ( باآلية ) إنما هو ( لالحياء ) فهو مدة‬
‫حياتهم ‪ ،‬وقد بقيت منها بقية ولها مبدأ ومنتهى ‪ ،‬فاعتبر فيها التراخي ‪ ،‬والموت الثاني عدم مسبوق‬
‫بوجود قبله ومرتفع بوجود بعده فهو ( محصول له ) مبدأ ومنتهى فُروعي أيضا فيه التراخي فلذلك‬
‫عطفت عليه الحياة الثانية بثم واهلل أعلم‪.‬‬
‫وأورد الزمخشري سؤاال على مذهبه ( في اشتراط البنية ) فقال ‪ :‬كيف قيل ‪ :‬لهم أموات في حال‬
‫ميت فيما تصح فيه الحياة من ( البناء )‪.‬‬
‫كونهم جمادا ‪ ،‬وإ ّنما يقال ‪ّ :‬‬
‫وهذا على مذهبه‬

‫( ‪)1/227‬‬

‫صفحة رقم ‪228‬‬


‫اشتراط البنية وهي ( البلة ) والرطوبة المزاجية ( وال يرد السؤال على مذهبنا بوجه )‪.‬‬
‫ق لَ ُكم ‪...‬‬
‫قوله تعالى ‪ُ ( :‬ه َو الذي َخلَ َ‬
‫( أتت هذه غير ( مفصولة ) وحقها أن تكون مفصولة بحرف العطف لمغايرتها لما قبلها‪.‬‬
‫بأنها أتت تفسيرا ودليال على الجزء األخير من الجملة ( المتقدمة ) وهي قوله ) ثَُّم ِإلَْي ِه‬
‫لكن يجاب ‪ّ :‬‬
‫ون ( أي الدليل على ( إعادتهم ورجوعهم ) إليه أنه خلق جميع ما في األرض ومن ( قدر )‬ ‫تُْر َج ُع َ‬
‫على خلق الجميع اوال ال يستحيل عليه إعادتهم ثانيا‪.‬‬
‫قيل البن عرفة ‪ :‬أو يقال ‪ :‬األول دليل على الخلق ‪ ،‬وهذه دليل على العلم واألصوليون‪ n‬ما استدلوا‬
‫على ثبوت العلم إال بالخلق والقدرة ؟ قال ابن عرفة ‪ ( :‬والضمائر ) منهم من قال ‪ :‬إنها كلية ‪ ،‬وقيل‬
‫‪ :‬إنها ( جزئية ) والصحيح أنها باإلطالق األعم كلية ( وأما باالستعمال ) األخص فضمير المتكلم‬
‫والمخاطب جزئيان‬

‫( ‪)1/228‬‬

‫صفحة رقم ‪229‬‬


‫وضمير ( الغائب ) إن عاد على كلي فهو كلي مثل اإلنسان هو حيوان ناطق‪.‬‬
‫وإ ن عاد على جزئي فهو جزئي مثل ‪ :‬زيد هو قائم‪.‬‬
‫وقوله تعالى ‪ ( :‬لَ ُك ْم ) قال الزمخشري ‪ :‬الالّم للتعليل ‪ ،‬وهو اعتزال‪.‬‬
‫وقدره بعض المأخرين على مذهب أهل السنة بأنه مجاز والمراد بأن ذلك بحيث لو ( صدر ) من‬
‫غيره لكان ألجل مصلحتكم ( وانتفاعكم ) وراعى في هذا األمر المناسب المالئم لالنسان‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬وهذا هو تعليل أفعال اهلل ‪ ،‬وفيه خالف ‪ ،‬وأما أحكامه فمعللة‪.‬‬
‫قال ابن عطية ‪ :‬واحتج بها من يقول ‪ :‬إن األشياء على اإلباحة و ( قيه ) ثالث أقوال ‪ :‬ثالثها الوقف‪.‬‬
‫ورده ابن عرفة بوجهين ‪:‬‬
‫وقال الطيبي ‪ :‬ال حجة في ذلك إ ْذ لعله خطاب المجموع بالمجموع ّ‬

‫( ‪)1/229‬‬

‫صفحة رقم ‪230‬‬


‫‪ -‬األول ‪ :‬أنه إحداث قول لم يقل به أحد ‪ ،‬وهو أن بعض األشياء على الحظر أي المنع ‪ ،‬وبعضها‬
‫على اإلباحة‪.‬‬
‫‪ -‬الثاني ‪ :‬ان ( المضمرات ) كلّية ال ك ّل ( فالخطاب ) بالمجموع لكل واحدة ال للمجموع‪.‬‬
‫قال ابن عطية ‪ :‬ويرد على القائلين بالباحة بكل حظر في القرآن وعلى القائلين بالحظر بكل إباحة‬
‫في القرآن‪.‬‬
‫النص على‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬هذا ( يلزمهم ) ولهم أن يقولوا ‪ :‬إن األشياء على الحظر ما لم يرد ّ‬
‫اإلباحة‪.‬‬
‫ويقول ‪ :‬اآلخرون على اإلباحة ما لم ( يقع ) النص على الحظر‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬والقول‪ n‬بالوقف هو مذهب المعتزلة وهو المختار عند أهل السنة لكن ديلنا نحن‬
‫السمعية‪.‬‬
‫الدالئل ّ‬
‫يعارض ّ‬
‫ودليل المعتزلة ( شبهة ) تعارض الدالئل العقلية‪.‬‬
‫( قال ابن عرفة ) ‪ :‬وهذا إن كان مجرد اإلنعام واالمتنان باألمر الدنيوي فالمخاطبون ( ب ( لَ ُك ْم ) )‬
‫الديني ) فهم داخلون قال تعالى ‪) :‬‬ ‫غير داخلين في عموم ما في األرض ‪ ،‬وإ ن أريد به االعتبار ( ّ‬
‫ون (‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وفي أَنفُس ُك ْم أَفَالَ تُْبص ُر َ‬

‫( ‪)1/230‬‬

‫صفحة رقم ‪231‬‬


‫قوله تعالى ‪َّ ( :‬ما ِفي األرض َج ِميعاً ‪...‬‬
‫ق األرض ِفي َي ْو َم ْي ِن‬ ‫ون بالذي َخلَ َ‬ ‫ِ‬
‫( قيل البن عرفة ‪ :‬هذا معارض ل قوله تعالى ‪ُ ( :‬ق ْل أَئَّن ُك ْم لَتَ ْكفُُر َ‬
‫اس َي ِمن فَ ْو ِقهَا َوَب َار َك ِفيهَا َوقَ َّد َر ِفيهَآ أَ ْق َواتَهَا في‬ ‫ب العالمين وجع َل ِفيها رو ِ‬
‫َ ََ‬ ‫َ ََ‬ ‫َنداداً َذِل َك َر ُّ‬
‫ون لَهُ أ َ‬
‫َوتَ ْج َعلُ َ‬
‫ين ( قال ابن عرفة ‪ :‬خلق بعضها مجتمعا وبعضها ( متفرقا ) ووقع التنكير‬ ‫َّام سو ِّ ِِ‬ ‫ِ ٍ‬
‫آء للسَّآئل َ‬‫أ َْرَب َعة أَي َ َ ً‬
‫في هذه اآلية ( فما ) خلق منها مجتمعا فهو أبلغ وأدل على كمال القدرة ‪ ،‬ألن من قدر على أحداث‬
‫أشياء مجتمعة في حالة‬

‫( ‪)1/231‬‬

‫صفحة رقم ‪232‬‬


‫واحدة ( هو قادر على احداثها متفرقة شيئا بعد شيء من باب أحرى‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬ووجه السؤال المتقدم أن ظاهر هذه اآلية أن األرض وما فيها خلقت مجتمعة في حالة واحدة ‪،‬‬
‫النص على‬
‫( وظاهر هذا ) أنها خلقت مفرقة وجميعا هنا ‪ ،‬فيقتضي االجتماع في حالة واحدة ‪ ،‬فوقع ّ‬
‫ما خلق منها ( مجتمعا ) ‪ ( ،‬فقد قال أبو حيان ‪ ( :‬جميعا ) حال من الموصول‪ ، n‬وهو ما أتى مجتمعا‬
‫) وترادف كال في العموم وال تفيد االجتماع في الزمان بخالف جميعا‪.‬‬
‫ونبه سيبويه على أنها بمنزلة ُك ّل معنى واستعماال واستشهد له‬
‫وعدها ابن مالك في ألفاظ التأكيد قال ‪ّ :‬‬
‫أبو حيان بقول ‪ :‬امرأة ترقص ولدها‪.‬‬
‫فداك حي خوالن جميعهم وهمذان وكذلك آل قحطان واألكرمون عدنان ( قال المختصر ) ‪ :‬فعلى‬
‫ون ( قال ابن‬ ‫رأيه تعرب جميعا هنا توكيدا للمفعول ونظيره قوله تعالى ‪ ( :‬فَ َس َج َد المالئكة ُكلُّهُ ْم أ ْ‬
‫َج َم ُع َ‬
‫عصفور ‪ :‬وفيها أن التأكيد بكل يقتضي اإلحاطة ‪ ،‬والتأكيد بأجمع يقتضي االجتماع في حالة واحدة‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬وتقدم لنا الرد عليه أنه لو اقتضى الجمعية في الزمان للزم انتصابه على الحال ‪.‬‬

‫( ‪)1/232‬‬

‫صفحة رقم ‪233‬‬


‫َّ ِ َّ‬
‫ون‬ ‫وكذا قال الزمخشري في قوله تعالى في سورة يس ) َوإِ ن ُك ٌّل ل َّما َجميعٌ ل َد ْيَنا ُم ْح َ‬
‫ض ُر َ‬
‫( ( الزمخشري ) إن قلت ‪ :‬هذه اآلية تقتضي تقدم خلق األرض على خلق السماء ‪ ،‬وقوله في سورة‬
‫السماء ‪( ) ،‬‬ ‫ِ‬
‫اهآ ( يقتضي تأخر ( خلق ) األرض على ( خلق ) ّ‬ ‫النازعات ‪ ) :‬واألرض َب ْع َد َذل َك َد َح َ‬
‫واآليتان متعارضتان ) ؟ فالجواب ‪ :‬بأن ( خلق األرض متقدم على خلق السماء ) ودحوها وتسويتها‬
‫متأخر عن خلق السماء‪.‬‬
‫ورده القاضي العماد بأن هذه اآلية تقتضي تقدم ( خلق ) جميع ما في األرض على خلق السماء ‪،‬‬
‫دحوها متقدما على خلق‬ ‫ِ‬
‫وخلق ما في األرض متأخر عن ( َدحوها ) وتسويتها بال شك ‪ ،‬فيكون ُ‬
‫السماوات فما زال السؤال واردا‪.‬‬
‫ق األرض ِفي َي ْو َم ْي ِن ( ثم قال ‪ ) :‬ثَُّم استوى‬ ‫ِ‬
‫وكذلك قوله في فصلت ‪ُ ) :‬ق ْل أَئَّن ُك ْم لَتَ ْكفُُر َ‬
‫ون بالذي َخلَ َ‬
‫ان ( وال جواب عنه إال أن يكون ثم للمهلة المعنوية ‪ ،‬وهي بعد ما بين المنزلتين‬ ‫ِإلَى السمآء َو ِه َي ُد َخ ٌ‬
‫‪.‬‬

‫( ‪)1/233‬‬

‫صفحة رقم ‪234‬‬


‫قيل البن عرفة ‪ :‬أو يجاب بعكس ما قال الزمخشري ‪ ،‬وهو أنه ُخِلقت السماوات واألرض ملتصقة ‪،‬‬
‫ثم خلقت األرض ودحيت ‪ ،‬ثم فصلت السماوات وصيرت سبعا واهلل أعلم ؟ فقال ‪ :‬هذا يمكن لكن‬
‫أن األرض خلقت كالفهر وعالها الدخان فخلقت منه السماوات يرده ما‬
‫( األثر ) الذي أورده هنا ّ‬
‫ذكره الشيخ الزمخشري ونقله عن الحسن وللفخر في األربعين في ذلك كالم طويل وليس فيه خبر‬
‫صحيح‪.‬‬
‫ُّك ِلْل َمالَئِ َك ِة ‪...‬‬
‫ال َرب َ‬ ‫ٍ ِ‬ ‫ِّ‬
‫قوله تعالى ‪َ ( :‬و ُه َو بِ ُكل َش ْيء َعل ٌ‬
‫يم ( قوله تعالى ‪َ ( :‬وإِ ْذ قَ َ‬
‫ُّك ِلْل َمالَئِ َك ِة ( هذه لنا فيها وجه مناسبة لما قبلها ) هو أنه لما قدم‬ ‫ال َرب َ‬
‫( قال ابن عرفة ‪َ ) ( :‬وإِ ْذ قَ َ‬
‫االمتنان عليهم بخلقهم وجعل األرض لهم فراشا عقبه ببيان السبب فيهم وفي خلق أهلهم وهو آدم‬
‫()‪.‬‬

‫( ‪)1/234‬‬

‫صفحة رقم ‪235‬‬


‫وقرر الطيبي وجه المناسبة بأمرين إما أنه ّترق فمن عليهم بأمرين خلقهم ثم خلق أباهم آدم عليه‬
‫السالم‪.‬‬
‫ق لَ ُكم َّما ِفي األرض َج ِميعاً ( قال ‪ :‬فما‬
‫بأنه داخل في عموم قوله ) ُه َو الذي َخلَ َ‬
‫ورده ابن عرفة ّ‬
‫المناسبة إال ما ( قلناه )‪.‬‬
‫قال أبو حيان ‪ :‬والظرفية الزمة ِإل ْذ ‪ ،‬إن يضاف إليها زمان نحو َي ْو َمئٍِذ ‪َ ) ،‬ب ْع َد ِإ ْذ َه َد ْيتََنا ( قال ابن‬
‫عرفة ‪ :‬بل هو ظرف مطلقا إذ ال يمتنع إضافة الزمان وتكون من إضافة األعم إلى األخص أو‬
‫األخص إلى األعم أو يكون بينهما عموم وخصوص من وجه دون وجه كقولك ‪ :‬جئتك في أول ساعة‬
‫من يوم الجمعة فأول أخص من ساعة‪.‬‬
‫حيان في إعراب ( ِإ ْذ ) ثمانية أقوال ‪ ،‬رابعها أنه ظرف في موضع خبر المبتدأ ( تقديره )‬
‫وذكر أبو ّ‬
‫ُّك‪.‬‬ ‫ابتدأ خلقكم ِإ ْذ قَ َ‬
‫ال َرب َ‬
‫أن‬
‫( ورده ) ابن عرفة بأن زمن االبتداء ليس هو زمن هذه المقالة بل بعدها قال ‪ :‬فيكون الصواب ّ‬
‫تقديره ( سبب ) ابتداء خلقكم‪.‬‬
‫قال ‪ :‬واألصح أن العامل فيها ) قَالُوْا أَتَ ْج َع ُل (‪.‬‬
‫اع ٌل ِفي األرض‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬يرد عليه أن قولهم ذلك إنما كان جوابا عن قوله تعالى ) ِإِّني ج ِ‬
‫َ‬
‫َخِليفَةً ( فليس مقارنا له بل هو بعده بال شك إال أن يقال ‪ :‬إن ما قارب الشيء ( له ) حكمه‬

‫( ‪)1/235‬‬

‫صفحة رقم ‪236‬‬


‫وهذا مع قطع النظر عن الكالم القديم األزلي ألنه يستحيل عليه الزمان ويستحيل نسبة ( التقدم )‬
‫والتأخر إليه‪.‬‬
‫ق ابن عطية ‪ :‬قال ابن عباس هما ‪ :‬كانت الجن قبل بني آدم ( في األرض ) فأفسدوا ‪ ،‬وسفكوا‬
‫الدماء ‪ ،‬فبعث اهلل إليهم قبيال من المالئكة ‪ ،‬فقتلت بعضهم وهربت باقيهم ‪ ،‬وحصروهم إلى البحار ‪،‬‬
‫ّ‬
‫ورؤوس الجبال ‪ ،‬وجعل آدم وذريته خليفة‪.‬‬
‫الجن أجسام كبني آدم ألجل القتل والمبالغة فيه‪.‬‬ ‫ق ابن عرفة ‪ :‬هذا يدل على أن ّ‬
‫إن الالّم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ق لَ ُكم َّما في األرض َجميعاً ( ّ‬
‫قيل البن عرفة ‪ :‬كيف يفهم هذا مع قوله تعالى ) ُه َو الذي َخلَ َ‬
‫في ( لَ ُكم ) تقتضي اختصاصه بنا ؟ فقال ‪ :‬لعل الالّم هنا ليست لالختصاص ولو سلمنا أنها‬
‫لالختصاص يكون ما في األرض لهم ‪ ( ،‬ويلزم منه ) كونه قاصرا عليهم فهو خلق لهم وال ينافي أن‬
‫يكون ( خلقا ) لغيوهم‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬وظاهره أنه ( قيل ) لهم ذلك مباشرة ( ونص المحدثون ) على أن الراوي إذا قال ‪:‬‬
‫السماع مباشرة أو بواسطة ( لكن الصحابي )‬
‫قال رسول اهلل ‪ :‬إنه من قبيل المسند لكنه عندهم يحتمل ّ‬
‫إنما يروى عن صحابي‬

‫( ‪)1/236‬‬

‫صفحة رقم ‪237‬‬


‫عدوه من المسند ‪ ،‬وفي هذه زيادة الالم ( في ) للمقول له كقولك ‪ :‬قال لي فالن ‪ :‬كذا‪.‬‬
‫فلذلك ّ‬
‫فهو أصرح في الداللة على المباشرة من ( األول )‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪َ ( :‬خِليفَةً ‪...‬‬
‫( قال الحسن ‪ :‬سماه خليفة ألن كل قرن وجيل يخلفه الجيل الذي قبله واألول مخلوف وما بعده‬
‫خالف‪.‬‬
‫وقال ابن مسعود ه ‪ :‬معناه خليفة في الحكم بين عبادي بالحق ( وبأوامري ) يعنى آدم ومن قام‬
‫مقامه من ذريته‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬إنما يتناول هذا األنبياء فقط ألنهم هم الَّذين ( يتلقون ) الذكر مع المالئكة وغيرهم ال‬
‫يرى المالئكة بوجه ‪.‬‬

‫( ‪)1/237‬‬
‫صفحة رقم ‪238‬‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬قَالُوْا أَتَ ْج َع ُل ِفيهَا َمن ُي ْف ِس ُد ِفيهَا ‪...‬‬
‫( فسره ابن عطية بوجوه‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬أظهرها أن المالئكة طلبوا أن يكون الخليفة منهم ‪ ،‬فأثنوا على أنفسهم وذموا غيرهم‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪َ ( :‬وَي ْسِف ُ‬
‫ك الدمآء ‪...‬‬
‫ان ( فجعله بعض األصوليين من‬ ‫( هذا ( العطف ) كما هو في قوله تعالى ) ِفي ِهما فَ ِ‬
‫اكهَةٌ َوَن ْخ ٌل َو ُر َّم ٌ‬ ‫َ‬
‫عطف الخاص على العام ‪ ، /‬وجعله بعض المتأخرين من عطف ( المقيد على المطلق ) ‪ ،‬وهو‬
‫المعبر عنه بعطف األخص على األعم‪.‬‬
‫قال ‪ :‬ألن ( فاكهة ) نكرة في سياق الثبوت فال تعم ‪ ،‬وكذلك الفعل هنا موجب فهو مطلق‪.‬‬
‫قيل البن عرفة ‪ :‬أخذ بعضهم من هذه اآلية أنه يجوز لالنسان أن يتحدث بما هو يفعل من أفعال‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الخير والطاعة ‪ ،‬كما قال يوسف عليه السالم ) اجعلني على َخ َزآئ ِن األرض ِإِّني َحفيظٌ َعل ٌ‬
‫يم ( ‪.‬‬

‫( ‪)1/238‬‬

‫صفحة رقم ‪239‬‬


‫فقال ابن عرفة ‪ :‬ليس في هذه اآلية دليل ألن اهلل تعالى عالم بكل شيء ‪ ،‬فما أخبروه إال بما هو عالم‬
‫به ‪ ،‬أو تقول إنما معنى اآلية أتجعل فيها من يفسد فيها ونحن إذ ذاك ( نسبح ) بحمدك ونقدس لك ‪،‬‬
‫وال يمنعنا إفساده من ذلك ألن المالئكة معصومون فيكون استفهاما ( عن ) بقاء تسبيحهم ( معه )‪.‬‬
‫فضلهم‬
‫واختلفوا في كيفية عصمة المالئكة فقيل ‪ :‬إنهم ال يستطيعون فعل الشر بوجه ‪ ،‬وهو قول من ّ‬
‫على جميع بني آدم‪.‬‬
‫وقيل ‪ :‬إنهم متمكنون من فعل الشر ‪ ،‬وعصموا منه وهو الصحيح‪.‬‬
‫ون ( غير مطابق ( للسؤال ) لهذا التفسير‪.‬‬
‫َعلَ ُم َما الَ تَ ْعلَ ُم َ‬
‫قيل البن عرفة ‪ :‬الجواب ) إني أ ْ‬
‫قال ‪ ( :‬سألوا عن جزأين ) ‪ :‬وهما هل يكون الخليفة مفسدا ؟ وهل يكونون إذ ذاك هم يسبحون ؟‬
‫فأجيبوا عن الجزء األول فقط‪.‬‬
‫ءاد َم األسمآء ُكلَّهَا ‪...‬‬
‫قوله تعالى ‪َ ( :‬و َعلَّ َم َ‬
‫( قال ابن عرفة ‪ :‬فيه دليل على أفضلية العلم ‪ ،‬وأنه أشرف األشياء ‪ ،‬ألن اهلل تعالى جعل السبب في‬
‫استحقاقه للخالفة كونه عالما مع وجود أن المالئكة ُشرفوا بالقوة العملية وهي التسبيح والتقديس ‪،‬‬
‫ولكن القوة العملية ال تنفع إالّ ( بالعلم ) وآدم أعلم منهم‪.‬‬
‫وقال اهلل تعالى ‪:‬‬
‫( ‪)1/239‬‬

‫صفحة رقم ‪240‬‬


‫يم ( ( ( فهو يتناول المخلوقات كلها إذ ال ينبغي الكمال إال هلل فهو المختص‬ ‫) وفَو َ ِّ ِ ِ ٍ ِ‬
‫ق ُكل ذي عْلم َعل ٌ‬ ‫َ ْ‬
‫بالعلوم ‪ ،‬وليس فوقه شيء‪.‬‬
‫وجعل بعضهم عمومها مخصوصا ( خوف ) التسلسل ) )‪.‬‬
‫والصواب أنها باقية على عمومها ‪ ،‬والقوقية أمر اعتباري‪.‬‬
‫فإذا نسبت بعض الطلبة إلى بعض تجد أحدهم أعلم بالفقه ‪ ،‬وآخر أعلم منه بالنحو ‪ ،‬وآخر بأصول‬
‫الدين ‪ ،‬فيصدق أن فوق كل ذي علم عليم ( باإلطالق ) ‪.‬‬
‫ولقد اختلف األصوليون في ( واضع ) اللّغة على ( تسعة ) مذاهب ‪ :‬األول ‪ :‬مذهب الشيخ أبي‬
‫الحسن األشعري وابن فورك وأتباعهما أن الواضع هو اهلل تعالى وضعها ‪ ( ،‬ووقف عباده عليها )‬
‫بأن علّمها بالوحي إلى بعض األنبياء ‪ ،‬أو خلق األصوات والحروف في جسم وأسمع ذلك الجسم‬
‫واحدا أو جماعة ‪ ،‬أو خلق األصوات والحروف في جسم وأسمع ذلك الجسم واحدا أو جماعة ‪ ،‬أو‬
‫خلق علما ضروريا لبعض الناس ‪ ( ،‬بأن واضعا ) وضع تلك األلفاظ بإزاء تلك المعاني ثم الذي‬
‫حصل له العلم بها علّم غيره كحال الوالدات مع ( أوالدهن )‬

‫( ‪)1/240‬‬

‫صفحة رقم ‪241‬‬


‫الثاني ‪ :‬أن الوضع اصطالحي من الناس وهو مذهب أبي هاشم المعتزلي ومن وافقه‪.‬‬
‫الثالث ‪ :‬قول األستاذ أبي اسحاق اإلسفراييني يعني أن البداية من اهلل ( والتتمة ) من الناس ‪ ،‬وهو‬
‫مذهب قوم ‪ ،‬ونقل أيضا عنه قول آخر ‪ :‬إن القدر المحتاج إليه من اهلل وغيره محتمل نقله عنه الشيخ‬
‫ابن الحاجب في مختصريه الكبير والصغير وشمس الدين الدمشقي والقول الذي قبله نقله عنه ابن‬
‫الخطيب في المحصول وتاج الدين في ( الحاصل ) والقرافي‪.‬‬
‫الرابع ‪ :‬أن البداية ( من اهلل ) ( والتتمة ) من اهلل وهو مذهب قوم‪.‬‬
‫الصميري المعتزلي أن ( األلفاظ ) تد ّل على المعاني بذواتها داللة‬
‫الخامس ‪ :‬مذهب عباد ابن سلمان ّ‬
‫طبيعية من غير وضع ‪.‬‬

‫( ‪)1/241‬‬
‫صفحة رقم ‪242‬‬
‫قال ابن يونس في العتق األول في فصل ما يلزم من ألفاظ العتق وما ال يلزم ما نصه ‪ :‬واختلفوا فيمن‬
‫أراد أن يقول ادخلي الدار فقال ‪ :‬أنت حرة أو أنت طالق فقيل ‪ :‬يلزمه وال يعذر بالغلط وقيل ‪ :‬ال‬
‫يلزمه‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬القول باللّزوم ال يتم إال على مذهب عباد ( الصميري ) الذي يجعل بين اللفظ‬
‫ومدلوله مناسبة طبيعية‪.‬‬
‫قال القرافي ‪ :‬عزاه ( اآلمدي ) ألرباب علم التكسير وهم أهل علم الرياض في الهندسة والمساحة‬
‫من فنون الحساب وهذا تفريع على مذهب من يعتقد أن الحروف مشتملة على ( الحرارة ) والبرودة‬
‫والرطوبة واليبوسة والخواص الغريبة وأنها صالحة لمداواة األمراض وأحداثها‪.‬‬
‫السادس ‪ :‬للقاضي أبي بكر الباقالني واإلمام فخر الدين في المحصول الوقف في الجميع إال في فساد‬
‫مذهب عباد‪.‬‬
‫قال القرافي في شرح المحصول ‪ :‬قال المازري فائدة الخالف في هذه المسألة يقع في جواز قلب‬
‫اللّغة أما ما يتعلق باألحكام الشرعية فقلبه محرم اتفاقا وما ال تعلق له بالشرع‪.‬‬
‫فإن قلنا ‪ :‬إن اللّغة توقيفية‬

‫( ‪)1/242‬‬

‫صفحة رقم ‪243‬‬


‫امتنع تغيرها ‪ ،‬وإ ن قلنا ‪ :‬اصطالحية جاز تغيرها‪.‬‬
‫وعلى القول بتجويز األمرين وهو الوقف اختلفوا‪.‬‬
‫فقال بعضهم ‪ :‬يجوز التغير ومنعه عبد الجليل الصابوني الحتمال ( التوقيف ) ( فإن اهلل ) أوجب‬
‫الرباني‪.‬‬
‫السامعين أن ال ينطقوا إال بالموضوع ّ‬
‫على ّ‬
‫وقال الغزالي في البسيط في كتاب النكاح ‪ :‬إذا أظهروا ( الصدق ) ( البين ) وعبروا بها عن ألف‬
‫( الجمع ) فيخرج جواز ذلك على كون اللّغة توقيفية أو اصطالحية ‪ ،‬انتهى ‪ :‬وقال ابن عبد النور في‬
‫شرح الحاصل ‪ :‬منهم من قال ‪ :‬فائدة الخالف لو سب أحد واضع اللغة وقال ‪ :‬هذه لغة سوء أو أن‬
‫واضعها كذا ‪ ،‬فإن قلنا أنها توقيفية ( قتل ) وإ ال ّأدب‪.‬‬
‫وقال القاضي عبد الحميد بن أبي الدنيا ‪ :‬في شرح عقيدته ليس لهذا االختالف إال فائدة واحدة وهي‬
‫أنه إذا قال قائل ‪ :‬قتل فالن فالنا‪.‬‬
‫فإن قلنا ‪ :‬إنه توقيف فيكون ذلك مجازا ‪ ،‬وإ ن قلنا ‪ :‬اصطالحا‬

‫( ‪)1/243‬‬

‫صفحة رقم ‪244‬‬


‫( فمن ) لم يثبت ( إال فعل ) اهلل يقول ‪ :‬أخطأ المصطلحون ألن القتل واإلحياء وكل فعل إنما هو‬
‫بخلق اهلل وهو القاتل‪.‬‬
‫وأبطل ابن الحاجب وغيره مذهب عباد بأنه لو كان بين االسم والمسمى ارتباط طبيعي لما صح‬
‫وضع اللفظ لشيء ونقيضه على سبيل البدل ‪ ،‬وقد وجدنا القرء موضوعا للطهر والحيض وهما‬
‫وضده أو نقيضه مناسبة طبيعية وقال‬ ‫ّ‬ ‫ضدان ) على طرفي النقيض وليس بين الشيء‬ ‫نقيضان ( أو ّ‬
‫ابن الحاجب ‪ :‬احتج األشعرية بدليلين أحدهما قوله تعالى ) َو َعلَّ َم َء َاد َم األسمآء ُكلَّهَا ( فأسند تعليمها (‬
‫( إليه وكذلك األفعال والحروف إذ ال قائل بالفرق ولو أنها كانت اصطالحية لما أسند ( تعليمها ) إليه‬
‫) ) واعترض عليه بوجوه ‪ :‬األول ‪ :‬أن ذلك ( إعالم ) ال تعليم أعني أنه فعل يصلح ألن ينشأ عنه‬
‫العلم ولذلك يقال ‪ :‬علَّمته فتعلم ( أو ) لم يتعلّم‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬أن المراد إيجاد العلم لكن المراد ( تعلم ) شيء ثبت باصطالح قوم خلقهم اهلل قبل آدم فعلمه‬
‫تلك االصطالحات السابقة كما يعلم أحدنا الطّلبة النحو والفقه ( والطب ) ‪.‬‬

‫( ‪)1/244‬‬

‫صفحة رقم ‪245‬‬


‫الثالث ‪ :‬لم ( ال ) يجوز أن يكون مراده اإلعالم بحقائق األشياء ومنافعها ‪ ،‬مثل أن يعلّمه أن ( حقيقة‬
‫والفر ) والجمل للحمولة ويعين ذلك‬‫وللكر ّ‬ ‫ّ‬ ‫) الخيل ( تصلح ) لكذا ‪ ،‬أو أنها ( تصلح للركوب ) (‬
‫ضهُ ْم ( ولو ( أريد ) األسماء لقلل عرضها واجاب ال ّشيخ ابن الحاجب عن الجميع بأن‬ ‫قوله ) ثَُّم َع َر َ‬
‫ذلك خالف ( الظاهر ‪ ،‬ألن ) األصل ( بالتعليم ) إيجاد العلم ( ال اإللهام ) واألصل عدم اصطالح‬
‫آء هؤالء ( فأضاف‬‫سابق والمراد باألسماء األلفاظ ال الحقائق لقوله جل ذكره ‪ ) :‬أَنبُِئونِي بِأَسم ِ‬
‫َْ‬
‫ضهُ ْم )‬
‫األسماء إلى هؤالء ‪ ،‬فلو كان المراد الحقائق للزم إضافة الشيء إلى نفسه والضمير في ( َع َر َ‬
‫للمسميات‪.‬‬
‫قال ابن عطية ‪ :‬قال ابن عباس وقتادة ومجاهد ‪ :‬أي علّمه اسم كل شيء من جميع المخلوقات ‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬في هذه العبارة نظر‪.‬‬
‫والصواب ان كان يبدل ( المخلوقات بالمعلومات ) ليدخل تحتها ( المعدوم ) الممكن والمستحيل فإنه‬
‫قد علمه اسمه وليس مخلوقا هلل ‪.‬‬

‫( ‪)1/245‬‬

‫صفحة رقم ‪246‬‬


‫قال ابن عرفة ‪ :‬وهذا بناء على أن المراد باالسم التسمية ال المسمى‪.‬‬
‫أن اهلل علّمه ولم يعلمهم ‪ ،‬وما كان تقوم الحجة عليهم إال‬
‫قيل البن عرفة ‪ :‬كيف فضل آدم عليهم مع ّ‬
‫لو علّموا فلم يتعلّموا وعلّم آدم فتعلم ؟ فقال في جوابه ‪ :‬هذا تفضيل من قبل ذات المعلم والتفضيل هنا‬
‫ين (‪.‬‬ ‫وقع باالختصاص من اهلل تعالى فقط قوله تعالى ‪ِ ( :‬إن ُكنتُم ِ ِ‬
‫صادق َ‬‫ْ َ‬
‫اقتضت اآلية أن الثابت في نفس األمور صدق ذلك وهو عدم صدقهم مع أنهم معصومون من الكذب‬
‫وغيره‪.‬‬
‫وأجيب بأن الكذب عندنا هو الخبر غير المطابق لما في نفس األمر سواء كان عمدا أو سهوا‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬ال يحتاج إلى هذا ( وكانوا يجيبون عن ) السؤال بأن األصل الذي ( يعرض ) فيه‬
‫التصديق والتكذيب منتف عنهم فإنهم ال يجيبون بشيء ‪ ( ،‬فلم يعتقدوا ) خبرا ( حتى ) يقال فيهم ‪:‬‬
‫إن اعتقادهم مخالف لما في نفس األمر فيكون اإلخبار عنه كذبا ‪ ،‬أو موافقا فيكون اإلخبار عنه صدقا‬
‫ّ‬
‫( بوجه )‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬قَالُوْا ُس ْب َح َان َك ‪...‬‬
‫(‬

‫( ‪)1/246‬‬

‫صفحة رقم ‪247‬‬


‫( أتى ) ( بالتنزيه ) المقتضي لنفي ما ( قد ) يتوهم من ( آن ) اهلل تعالى طلب منهم الجواب عما علم‬
‫ّأنهم جاهلون به والواحد ( منا ) إذا سأل صاحبه عن مسألة يعلم منه ّأنه ( يجهلها ) فإنه يتوهم فيه‬
‫ّأنه ّإنما سأله اختبارا وتعجيزا له واستحقارا به‪.‬‬
‫فقالوا ‪ :‬ننزهك ( عن ) أن ينسبك أحد لمثل هذا ويتوهم فيك شيئا منه‪.‬‬
‫وأيضا يكون التسبيح نفيا للشبهة العارضة في تكليف ما ال يطاق ألن مذهبنا جوازه ‪ ،‬وأن اهلل تعالى‬
‫يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد‪.‬‬
‫ومنعه المعتزلة لهذه الشبهة وهي حجة تكليف اهلل الخلق بما يعلم أنهم ال يقدرون عليه‪.‬‬
‫قيل البن عرفة ‪ :‬لعل مراد المالئكة تتزيهه عن عدم العلم الثابت لهم ؟ فقال ‪ :‬ما قلت لكم أنسب‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪ِ ( :‬إَّن َك أ َ‬
‫َنت العليم الحكيم ( قال ابن عرفة ‪ :‬الوصف بالحكيم إشارة إلى الوجه الذي‬
‫اختص به ( آدم ) بالعلم دونهم فمعناه ‪ :‬أنت تضع األشياء في محلها أو يكون المراد ( االمتنان )‬
‫بالعلم ودليل العلم وهو الحكمة ألن األصوليين عدوها من أسباب العلم ‪.‬‬

‫( ‪)1/247‬‬

‫صفحة رقم ‪248‬‬


‫َس َمآئِ ِه ْم ‪...‬‬
‫آء َاد ُم أَنبِْئهُم بِأ ْ‬
‫ال َي َ‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬قَ َ‬
‫قدم النداء على األمر فيكون المراد تنبيه المخاطب واستحضار ذهنه لما يلقى‬
‫( قال ابن عرفة ‪ :‬إذا ّ‬
‫إليه ‪ ،‬وإ ن قدم األمر على النداء كان ذلك دليال على تأكيد طلبه وأنه هو ( االسم ) ( المقصود ) كما‬
‫ورد في الحديث الصحيح في غزوة بدر لما برز من صف المشركين عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة‬
‫عمهم فقال النبي ‪ ( :‬قم يا‬
‫والوليد بن عتبة وطلبوا أن يكون المباشر ( لهم ) بالقتال مثلهم من بني ّ‬
‫حمزة ‪ ،‬قم يا علي ‪ ،‬قم يا عبيدة بن الحارث ) وكذلك في حديث األنصار حيث قام منهم خطيب فقال‬
‫النبي ‪ ( :‬قل ( يا أباحية ) )‪.‬‬
‫ّ‬
‫ال أَلَ ْم أَ ُقل لَّ ُك ْم ‪...‬‬
‫َس َمآئِ ِه ْم قَ َ‬
‫َهم بِأ ْ‬
‫َنبأ ُ‬
‫قوله تعالى ‪َ ( :‬فلَ َّمآ أ َ‬
‫اآلية (‬

‫( ‪)1/248‬‬

‫صفحة رقم ‪249‬‬


‫( فإن قلت ‪ :‬هالّ قيل ‪ :‬فأنبأهم بأسمائهم‪.‬‬
‫فقال ‪ ) :‬أَلَ ْم أَ ُقل لَّ ُك ْم ( اآلية ؟ قلت ‪ :‬الجواب ما قال بعضهم ‪ :‬من أن حكمته اإلشعار بترتيب‬
‫المجازات على الفعل ( فيؤخذ ) منه جواز ( الثناء ) على اإلنسان بما فيه من المحاسن لكن في غيبته‬
‫لئال يقع ( في نفسه ) كبر وعجب وإ ن كان ( اإلنسان ) هنا سالما من ذلك‪.‬‬
‫اللغة ِ‬
‫والح ْكمة أفضل من علم العبادة فضال عن علم الشريعة ‪/‬‬ ‫قال الطيبي ‪ :‬ويؤخذ من اآلية أن علم َ‬
‫ألن آدم عليه السالم فضل على المالئكة الختصاصه بعلم األسماء وهذا راجع إلى حفظ اللغة وهم لم‬
‫يحتجوا إال بكمال التسبيح والتقديس‪.‬‬
‫فقال ابن عرفة ‪ّ :‬إنما يؤخذ منه أن علم اللّغة له فضل وشرف ال أنه أفضل من العبادة‪.‬‬
‫َس َمآئِ ِه ْم ( نبوءة ( آلدم ) عليه‬
‫َهم بِأ ْ‬
‫َنبأ ُ‬
‫قال ابن عطية ‪ :‬قال بعض العلماء في قوله تعالى ‪َ ( :‬فلَ َّمآ أ َ‬
‫السالم إذ أمره اهلل أن ينبيء المالئكة بما ليس عندهم من علم اهلل‪.‬‬
‫إن آدم عليه السالم رسول ‪ ،‬ورد هذا ( بوجوه ) ‪:‬‬
‫احتج بها من قال ‪ّ :‬‬
‫وكذا قال ابن الخطيب ‪ّ :‬إنه ّ‬
‫األول ‪ :‬قال الفخر الرازي ‪ :‬األنبياء معصومون‪ n‬وهو قد أهبط بعد ذلك من الجنة ألكله من الشجرة‬
‫فال يصح كونه رسوال ‪.‬‬

‫( ‪)1/249‬‬

‫صفحة رقم ‪250‬‬


‫الثاني ‪ :‬قال ابن عرفة ‪ :‬الرسول مأمور بتبليغ التكاليف ألمته ‪ ،‬والمالئكة ليسوا مكلفين بإجماع ‪،‬‬
‫وأيضا فالتبليغ إنما هو مع الغيبة واهلل تعالى خاطب المالئكة خطاب مشافهة فال فائدة في اإلرسال‬
‫إليهم‪.‬‬
‫ون (‬
‫ون َو َما ُكنتُ ْم تَ ْكتُ ُم َ‬
‫َعلَ ُم َما تُْب ُد َ‬
‫ب السماوات واألرض َوأ ْ‬ ‫ال أَلَ ْم أَ ُقل لَّ ُك ْم إني أ ْ‬
‫َعلَ ُم َغ ْي َ‬ ‫قوله تعالى ‪ ( :‬قَ َ‬
‫‪.‬‬

‫( ‪)1/250‬‬

‫صفحة رقم ‪251‬‬


‫قال ابن عرفة ‪ :‬كان الشيخ ابن عبد السالم تعالى يقول في هذه اآلية الكريمة ‪ :‬إنه لم يتقدم في اآلية (‬
‫ك الدمآء ( إلى قوله‬ ‫التي قبلها ) أنه قال لهم هذا ألن المتقدم إنما هو ) أَتَ ْج َع ُل ِفيهَا َمن ُي ْف ِس ُد ِفيهَا َوَي ْسِف ُ‬
‫تعلمون ( قال الشيخ ابن عبد السالم ‪ :‬ينبغي عندي أن يوقف عند قوله ) أَلَ ْم أَ ُقل لَّ ُك ْم ( أي ( أَلَ ْم )‬ ‫َ‬ ‫)‬
‫ون‪.‬‬ ‫أَ ُقل لَّ ُك ْم ِإّني أ ْ‬
‫َعلَ ُم َما الَ تَ ْعلَ ُم َ‬
‫ب السماوات واألرض ( ؟ قلت ‪ :‬والظاهر عندي أن الوقف عند قوله ‪) :‬‬ ‫َعلَ ُم َغ ْي َ‬
‫ثم يبتدئ ‪ ) :‬إني أ ْ‬
‫ب السماوات واألرض ( ‪ ،‬ال يعلمونه هم فكأنه قال ‪ِ :‬إّني أ ْ‬
‫َعلَ ُم‬ ‫ألن ) َغ ْي َ‬
‫ب السماوات واألرض ( ّ‬ ‫َغ ْي َ‬
‫ون ( ألن هذا ال يتسلط عليه القول إذ لم يقله لهم‬‫ون َو َما ُكنتُ ْم تَ ْكتُ ُم َ‬
‫َعلَ ُم َما تُْب ُد َ‬
‫ون ويبتدئ ) َوأ ْ‬
‫َما الَ تَ ْعلَ ُم َ‬
‫أصال‪.‬‬
‫ون ( قال ابن عرفة ‪ :‬عادتهم يوردون هنا سؤاال مذكورا في‬
‫ون َو َما ُكنتُ ْم تَ ْكتُ ُم َ‬
‫قوله تعالى ‪َ ( :‬ما تُْب ُد َ‬
‫إما َح ْذف كان من الفعلين ‪ ،‬أو‬ ‫ِ‬
‫اء هذا هكذا ( مع ) صالحية األربعة أوجه ّ‬
‫جنس االئتالف وهو ‪ :‬ل َم َج َ‬
‫ذكرهما فيهما معا أو ذكرها مع األول دون الثاني ‪ ،‬أو العكس‪.‬‬
‫فلم اختص اختص بها الثاني دون األول ؟ قال ‪ :‬وتقدم لنا الجواب عنه بأنه قصد بالعطف التسوية‬
‫ص ِغ َيرةً َوالَ َكبِ َيرةً‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بين علم اهلل تعالى الظاهر والخفي كما في قوله تعالى ) َمال هذا الكتاب الَ ُي َغاد ُر َ‬
‫َّ‬
‫اها ( وعلم األمر الظاهري في الحال أقرب من علم ما كان ماضيا في الباطن وجهل األمر‬ ‫ص َ‬ ‫ِإال أ ْ‬
‫َح َ‬
‫أشد من جهل األمر الحالي الخفي ( فقرن ) علمه الظّاهر الّذي في أعلى درجات‬
‫الخفي ّ‬
‫ّ‬ ‫الماضي‬
‫( الجالء ) والوضوح بعلمه األمر الخفي الباطن الذي في أنهى درجات الخفاء إشارة إلى استواء‬
‫ون ) دون‬
‫علمه فيهما ‪ ،‬وأنه ليس بينهما عندي في ذلك تفاوت بوجه فلذلك قرنت كان ب ( تَ ْكتُ ُم َ‬
‫ون )‪.‬‬
‫( تُْب ُد َ‬
‫قيل البن عرفة ‪ :‬ولو ( قصد ) التّسوية لبدأ ( بِ َما ُكنتُ ْم تَ ْكتُ ُم َ‬
‫ون ) ألن معرفة الخفي يستلزم ( معرفة )‬
‫الجلي ‪ ،‬فال تكون للعطف فائدة إال التسوية وأما اآلن فالعطف تأسيس وفائدة ظاهرة‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬جاء هذا على األصل فال سؤال فيه‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪َ ( :‬وإِ ْذ ُقْلَنا ِلْل َمالَئِ َك ِة اسجدوا أل ََد َم (‬

‫( ‪)1/251‬‬

‫صفحة رقم ‪252‬‬


‫قال ‪ ( :‬اختلفوا ) هل المراد السجود حقيقة أو اإليماء إليه أو الخضوع ؟ وسبب الخالف أن الخضوع‬
‫فعبر عن الخضوع بلوازمه وهذا‬
‫بكون بأمور ‪ ،‬ففسره بأقصاها وهو السجود الستلزامه الخضوع ّ‬
‫( يشبه ) ما قالوه ( في تعارض ) الحقيقة المرجوحة والمجاز ‪ ،‬ألن القاعدة الثابتة المقررة في أن‬
‫السجود حقيقة إنما هو بوضع الجبهة في األرض فإطالقه ( هنا ) على الخضوع مجاز راجح‬
‫استصحابا لتلك القاعدة ‪ ،‬وكون المراد به حقيقة هو نسبة المشبه ‪ ،‬لكن ( ِإ ْن ) نظرنا إلى ( ّ‬
‫أن ) هذه‬
‫بالسجود آلدم ( فنأخذ ) األمر على حقيقته‬
‫إن اهلل تبارك وتعالى أمر ّ‬‫األمور جعلية شرعية فنقول ‪ّ :‬‬
‫والمعتزلة على ( قاعدة ) التحسين والتقبيح يقولون ‪ :‬إن السجود ليس حقيقة بل هو بمعنى الخضوع‪.‬‬
‫ومنهم من جعله تكرمة وجعل آدم كالقبلة فكما أن الصالة للقبلة تكرمة لها فكذلك هذا ‪ ،‬واحتج‬
‫بعضهم بهذا أن األنبياء أفضل من المالئكة‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬إنما يؤخذ منه تشريف آدم وتكرمته ‪ ،‬ال أنه أفضل وإ نما يلزم ذلك لو كان السجود له‬
‫لذاته‪.‬‬
‫ونقل ابن عطية ‪ :‬أن األكثرين على المالئكة أفضل من بني آدم وعكس الفخر الخطيب ‪.‬‬
‫( ‪)1/252‬‬

‫صفحة رقم ‪253‬‬


‫َّ ِ‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬فَ َس َج ُدوْا ِإال ِإْبل َ‬
‫يس ‪...‬‬
‫( حكى اآلمدي في شرح الجزولية قوال ‪ :‬بأن االستثناء من اإلثبات ليس بنفي‪.‬‬
‫قال الرازي في المعالم ‪ :‬اتفق الناس على أن االستثناء من اإلثبات نفي واختلفوا في العكس‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬وحصل بعضهم فيه ثالثة أقوال ‪ :‬قيل ‪ :‬االستثناء من النفي إثبات ومن اإلثبات ‪ ،‬نفي وقيل ‪:‬‬
‫ليس بإثبات وليس بنفي ‪ ،‬وقيل ‪ :‬من اإلثبات نفي ومن النفي ليس بإثبات‪.‬‬
‫قال القرافي في شرح المحصول ‪ :‬ذهب بعض األدباء إلى أن االستثناء من اإلثبات اثبات واحتج‬
‫َّ ِ‬ ‫بقوله تعالى ) فَ َس َج َد المالئكة ُكلُّهُ ْم أ ْ‬
‫ون ِإال ِإْبل َ‬
‫يس ( أي فلو كان نفيا لما احتيج إلى قوله ( أََبى )‪.‬‬ ‫َج َم ُع َ‬
‫وكان الشيخ ابن عبد السالم يرده بأنها أفادت أن امتناعه من السجود لم يكن لعجز ( بعذر ) وال ألنه‬
‫أكره عليه بل استكبارا وعنادا لعنه اهلل‪.‬‬
‫وقال اآلمدي ‪ :‬قيل أنه إثبات في الوجهين ‪ ،‬وقيل ‪ :‬نفي في ‪ /‬الوجهين ‪ ،‬وقيل ‪ :‬من اإلثبات نفي ‪،‬‬
‫ومن النفي ليس بإثبات ‪.‬‬

‫( ‪)1/253‬‬

‫صفحة رقم ‪254‬‬


‫ق عن أَم ِر رب ِ‬
‫ِّه‬ ‫وقال الطيبي ‪ :‬إن الترتيب هنا معنوي وفي قوله ‪ِ ) :‬إالَّ ِإْبِليس َك ِ‬
‫ان م َن الجن فَفَ َس َ َ ْ ْ َ‬
‫َ َ‬
‫الحسي الوجودي‪.‬‬
‫( باعتبار اللفظ واألمر ّ‬
‫قال ابن عطية ‪ :‬قال جمهور المتأولين ‪ :‬كان من الكافرين في علم اهلل تعالى‪.‬‬
‫بالحس ) ( وكان )‬
‫ّ‬ ‫قال ابن عرفة ‪ :‬إن أرادوا ّأنه إذ ذاك كفر بهذا الفعل وكان قبل ذلك مؤمنا (‬
‫كافرا في علم اهلل تعالى وقيل ‪ :‬إنه كان كافرا بالحس ‪ ،‬وشؤم كفره أوجب متناعه من السجود‪.‬‬
‫واختلف هل كفره عناد ( أم ال ) ؟ فمنهم من قال ‪ :‬يستحيل صدور المعصية من العالم حالة كونه‬
‫عالما ألن العلم يقتضي ترجيح ( طرق السالمة ) ( على طريق الهالك ) فأبطل الكفر عنادا وهي‬
‫قاعدة الفخر وغيره‪.‬‬
‫إن كفره كان عنادا‪.‬‬
‫ومنهم من قال ‪ّ :‬‬
‫أن ارتباط الدليل بالمدلول هل هو عقلي أو عادي‬
‫قيل البن عرفة ‪ :‬ويمكن تقرير هذا بما قالوا ‪ :‬من ّ‬
‫فقد يعلم الدليل وال ينتج له العلم بالمدلول ؟ فقال ‪ :‬نعم ولكن ما ذكروا ( هنا ) إال األول ‪.‬‬
‫( ‪)1/254‬‬

‫صفحة رقم ‪255‬‬


‫قال ابن عطية ‪ :‬روى ابن القاسم عن اإلمام مالك ه إن أول معصية كاتت الحسد والكبر والشح ‪،‬‬
‫حسد إبليس آدم وتكبر عليه ( وشح آدم في أكله من شجرة قد نهى على قربها )‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬وهذا بعينه من كتاب الجامع األول من العتبية‪.‬‬
‫وقال فيه ابن رشد ‪ :‬الحسد من ( الذنوب ) العظام وهو أن ( يكره ) أن يرى النعمة على غيره ‪،‬‬
‫ويتمنى انتقالها عنه إليه ‪ ،‬والغبطة أن يتمنى مثلها فقط مع بقائها عند صاحبها فالغبطة مباحة والحسد‬
‫محظور قال ‪ ( :‬ال حسد إال في اثنين رجل أتاه اهلل القرآن فهو يقوم به آناء الليل وأطراف النهار ‪،‬‬
‫ورجل آتاه اهلل ماال فهو ينفق منه آناء اللّيل وأطراف النهار ) انتهي‪.‬‬
‫واالستثناء في اآلية منقطع‪.‬‬
‫ومنهم من يرى الحسد على وجهين ‪ - :‬محظور إن كان فيه ( بغي )‪.‬‬
‫وهو أن يريد اإلضرار ( بالمحسود ) بزوال النعمة عنه ‪.‬‬

‫( ‪)1/255‬‬

‫صفحة رقم ‪256‬‬


‫‪ -‬وجائز إن لم يكن معه بغي كالحسد في الخير فإنه مرغب فيه إذ ال بغي فيه والحسد في المال إن لم‬
‫يكن معه بغي جاز ‪ :‬والشح قسمان ‪ :‬فالشح بالواجبات حرام ‪ ،‬وبالمندوبات مكروه‪.‬‬
‫قال ‪ :‬وقوله في آدم ( فَ َش ّح ) أي فَشح أن يأكل من ثمار الجنة التي أباح اهلل له األكل منها فلم يأكل‬
‫وشحا بها‪.‬‬
‫ّ‬ ‫منها ( ابقاء عليها )‬
‫َنت َو َز ْو ُج َك ‪...‬‬
‫آء َاد ُم اسكن أ َ‬
‫قوله تعالى ‪َ ( :‬و ُقْلَنا َي َ‬
‫(‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ ( :‬الجمع ) من قوله تعالى ‪ ،‬وزيادة ( قلنا ) في بعض اآليات تنبيها على تشريف‬
‫القول وتعظيمه واالهتمام به‪.‬‬
‫ين ( والتعظيم‬‫ِِ‬ ‫فرد عليه ب قوله تعالى ‪ ( :‬و ُقْلَنا لَهم ادخلوا الباب س َّجداً ( ) ُقْلَنا لَهم ُك ُ ِ‬
‫ونوْا ق َر َدةً َخاسئ َ‬ ‫ُْ‬ ‫ُ‬ ‫ُُ‬ ‫َ‬
‫للقول ال للمفعول‪ n‬له ‪ ،‬ففيه تهويل وتفخيم لذلك األمر‪.‬‬
‫والسكنى ال تفيد التأبيد‪.‬‬
‫قال في المدونة في أواخر كتاب الهبات ‪ :‬ومن قال لرجل ‪ :‬داري هذه لك صدقة سكنى فإنما له‬
‫السكنى فقط دون رقبتها ‪ ،‬وأما إن قال هذه الدار لك ولعقبك سكناها فإنها ترجع إليه ملكا بعد‬
‫اتقراضهم‪.‬‬
‫فإن مات فأولى الناس به يوم مات وإ لى ورثتهم ألنهم هم ورثته ‪.‬‬

‫( ‪)1/256‬‬

‫صفحة رقم ‪257‬‬


‫قال ابن عطية ‪ :‬اختلف ( َمتَى ) خلقت حواء من ضلع آدم ؟ ثم قال ‪ :‬عن ابن عباس هما أنه سألوه‬
‫لم سميت حواء ؟ قال ‪ :‬ألنها خلقت من حي‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬قال بعضهم ‪ :‬المناسب لهذا أن ( كان ) يكون اسمها حيا ؟ وأجيب بأنه اشتقاق أكبر‬
‫‪ ،‬ومنهم من قال ‪ :‬سميت حواء ألن امرأة الرجل تحوي عليه وتستحمله ‪ ،‬فيدخل طوعها ويسمع منها‬
‫في أغالب أمره‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪َ ( :‬و ُكالَ ِم ْنهَا َر َغداً ‪...‬‬
‫(‪.‬‬
‫عز الدين بن عبد السالم في إعجاز القرآن وغيره قال ‪ :‬إنه على‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬رأيت تأليفا للشيخ ّ‬
‫حذف مضاف تقديره ‪ :‬و ُكالَ من ثمارها رغدا‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬هذا إن اعربنا ( رغدا ) نعتا للمصدر فتكون ( من ) للتبعيض والثمر ليس هو بعض‬
‫أبر فإنه للبائع وال يتناوله‬
‫الجنة إنما الجنة هي األشجار واألرض بدليل أن من باع جنة فيها ثمر قد ّ‬
‫البيع إال بالشرط فليس األكل من الجنة ‪.‬‬

‫( ‪)1/257‬‬

‫صفحة رقم ‪258‬‬


‫قيل البن عرفة ‪ :‬هذه حقيقة شرعية ؟ فقال األصل موافقة الشيء للغة حتى يدل الدليل على خالف‬
‫ذلك‪.‬‬
‫قال وإ ن أعربنا ( رغدا ‪ ( :‬نعنا ) للمفعول‪ n‬مقدرا أي ) َو ُكالَ ِم ْنهَا ( ( مأكوال ) رغدا وتكون ) من (‬
‫َنت‬
‫آء َاد ُم اسكن أ َ‬
‫للغاية أعني البتدائها وانتهائها فال يحتاج إلى تقدير المضاف وقال في األعراف ) َوَي َ‬
‫ث ِش ْئتُ َما ( فعطف بالفاء وهنا بالواو‪.‬‬
‫َو َز ْو ُج َك الجنة فَ ُكالَ ِم ْن َح ْي ُ‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬يجاب بأن تكون هذه نزلت قبل تلك االية فعبر هنا باللَّفظ األعم وهو الواو المحتلة‬
‫ثم خوطب هناك باللفظ األخص الدال على إباحة األكل‬
‫ألن يكون األكل عقب السكنى وبعدها بتراخ ّ‬
‫بعقب السكنى ليكون الكالم تأسيسا مقيدا‪.‬‬
‫وأجاب الفخر في درة التنزيل ‪ :‬بأن األكل من الموضع ال يكون إال بعد دخوله له إما قبل سكناه أو‬
‫بعده واألعراف وردت بعد قوله ‪ ) :‬اخرج ِم ْنهَا َم ْذ ُءوماً َّم ْد ُحوراً ( ( خطابا للشيطان ) ثم قال ‪) :‬‬
‫َنت َو َز ْو ُج َك الجنة ( معناه ‪ :‬ادخْلها أنت دخول سكنى وهي اإلقامة مع طول مكث‬ ‫آء َاد ُم اسكن أ َ‬
‫َوَي َ‬
‫الدخول ) متقدم في الرتبة على األكل وآية البقرة لم يتقدم فيها ما يدل‬ ‫فناسب العطف بالفاء ألن ( ّ‬
‫على الدخول ‪ ،‬فالمراد اسكن حقيقة‪.‬‬
‫وتأخر األكل على السكنى ليس بالزم ‪.‬‬

‫( ‪)1/258‬‬

‫صفحة رقم ‪259‬‬


‫ث ِشْئتُ َما ‪...‬‬
‫قوله تعالى ‪َ ( :‬ح ْي ُ‬
‫( قال ابن عرفة ‪ :‬قالوا ‪ :‬إنه على التوزيع أي يأكل واحد منكما من حيث شاء ‪ ،‬ألن األكل متوقف‬
‫على اجتماعهما معا على المشيئة ألن المضمرات عندنا كلية ( وصيغة ) األمر هنا لالمتنان ‪ ،‬وعبر‬
‫عنه ابن عطية باإلذن‪.‬‬
‫إما للندب أو اإلباحة والظاهر ما قلناه‪.‬‬
‫قال الشيخ الفخر ‪ّ :‬‬
‫قوله تعالى ‪َ ( :‬والَ تَ ْق َرَبا هذه الشجرة ‪...‬‬
‫النهي عن أكل الشجرة نهى عنه بلفظ يقتضي‬
‫( قال ابن عطية ‪ :‬قال بعض الحذاق ‪ :‬إن اهلل لما أراد ّ‬
‫األكل والقرب منه‪.‬‬
‫قال ابن عطية ‪ :‬وهذا مثال لسد الذرائع‪.‬‬
‫النهي عن الشيء ألجل غيره وهو النهي عما هو سبب في‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬فرق بين سد الذرائع وبين ّ‬
‫غيره ‪ ،‬فسد الذرائع هو االمتناع مما لم ينه عنه خشية الوقوع في ما نهى عنه ‪ ،‬ومنها ( بياعات )‬
‫اآلجال المختلف فيها التي هي ذريعة للوقوع في المحرم ولوال ّأنها مختلف فيها ما كان ذريعة‬
‫فالذريعة ( هنا ) هو أن يقارب قرب األكل من الشجرة ألنه نهى عن قرب القرب‪.‬‬
‫والنهي على الكراهة ‪.‬‬
‫قال ابن الخطيب ‪ّ :‬‬

‫( ‪)1/259‬‬
‫صفحة رقم ‪260‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬بل على التحريم لقوله ) وعصى َء َاد ُم َربَّهُ فغوى ( والظلم الخروج عن الحد إما‬
‫الصغائر‪.‬‬ ‫بكفر أو ارتكاب أمور أدناها ّ‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬فَأ ََزلَّهُ َما الشيطان َع ْنهَا ‪...‬‬
‫َّروهُ بأمرين إما ( أوقعهما ) في الزلَّة واإلثم فالضمير‬ ‫َّ‬
‫اءا ‪ ،‬فأ ََزلهُ َما ‪ ،‬فس ُ‬
‫( أي فسكنا ‪ ،‬وأكال حيث َش َ‬
‫للجنة‪.‬‬
‫في ( عنها ) للجنة ‪ ،‬أو للشجرة فهو معنوي ‪ ،‬وإ ما حسي من الزوال فالضمير في ( عنها ) ّ‬
‫وقرأ حمزة ‪ ،‬فَأ ََزلَّهُ َما وهو نص في الزوال الحسي فتكون ( ّ‬
‫مرجحة ) ( إلرادته ) في القراءة‬
‫األولى‪.‬‬
‫قال ابن عطية ‪ :‬لما دخل إبليس آلدم سأله عن حاله فقال ( له ) ‪ :‬ما أحسن هذا لو أن خلدا ( كان )‬
‫فوجد به السبيل إلى إغوائه‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬هذا إلهام ( للنطق ) بما وقع في الوجود حيث قال ابليس ) َه ْل أ َُدلُّ َك على َش َج َر ِة‬
‫الخلد ( كما قال‬

‫( ‪)1/260‬‬

‫صفحة رقم ‪261‬‬


‫ون ( فقالوا له ‪ِ ) :‬إَّنا َذ َه ْبَنا َن ْستَبِ ُ‬ ‫ِ‬
‫ق‬ ‫اف أَن َي ْأ ُكلَهُ الذئب َوأَنتُ ْم َع ْنهُ َغافلُ َ‬
‫َخ ُ‬
‫يعقوب عليه السالم لبنيه ) َوأ َ‬
‫اعَنا فَأَ َكلَهُ الذئب ( ( وكما قال الشاعر ‪ :‬احفظ لسانك أن تقول فتبتلى ) ‪...‬‬ ‫ند متَ ِ‬ ‫وتَر ْكَنا يوس َ ِ‬
‫فعَ َ‬ ‫َ َ ُ ُ‬
‫أن النهي للكراهة أو المنهي عنها شجرة واحدة‬
‫إن البالء موكل بالمنطق وأكله من الشجرة إما لظنه ّ‬
‫ّ‬
‫بالشخص وهذه من نوعها فقط‪.‬‬
‫زاد ابن عطية ‪ :‬إن حواء سقته الخمر فأكل في حال السكر‪.‬‬
‫يؤمن ) من الخروج‬
‫قيل البن عرفة ‪ :‬خمر الجنة ال يسكر فقال ‪ :‬إن تلك الجنة ( التي ) من دخلها ( ّ‬
‫( منها ) ولع ّل هذه إذ ذاك ( كان ) خمرها مسكرا‪.‬‬
‫أن جميع ما يصدر عن‬
‫قلت ‪ :‬أو كان الخمر من غيرها وأدخل ( فسقي منها ) قال ‪ :‬ومذهب مالك ّ‬
‫السكران من طالق وقذف وقتل وزنا وسرقة كلّه يلزمه ويؤاخذ به وهي ( أول ) مسألة في العتبية‬
‫ّ‬
‫من النكاح األول ‪.‬‬

‫( ‪)1/261‬‬
‫صفحة رقم ‪262‬‬
‫قيل له ‪ :‬إنما هذا اللزوم بعد تحريم الخمر وقد كانت حينئذ حالال فيعذر شاربها ؟ فقال ‪ :‬حفظ العقول‬
‫فالسكر حرام وإ نما يجوز فيها ما ال يسكر‪.‬‬
‫من الكليات الخمس التي اتفقت‪ n‬جميع الملل عليها ّ‬
‫قوله تعالى ‪َ ( :‬و ُقْلَنا اهبطوا ‪...‬‬
‫(‪.‬‬
‫األنسب أن يكون الخطاب بواسطة وهو األغلب فيمن يواقع األمر المرجوح‪.‬‬
‫ض ُك ْم ِلَب ْع ٍ‬
‫ض َع ُد ٌّو ‪...‬‬ ‫قوله تعالى ‪َ ( :‬ب ْع ُ‬
‫( ابن عطية ‪ :‬هو في موضع الحال فألزمه أبو حيان أن تكون العداوة مأمورا بها ألن الحال داخله‬
‫في األمر‪.‬‬
‫وأجاب ابن عرفة ‪ :‬بأن ذلك حيث يكون الحال غير ( واقعة ) حين الخطاب باألمر ( إال ) إذا كانت‬
‫واقعة فاألمر بها تحصيل الحاصل كقولك ‪ :‬وزيد ( ضاحك )‪.‬‬
‫أكرم زيدا ض ِ‬
‫احكا‪.‬‬ ‫َ‬
‫والعداوة حينئذ بين آدم وإ بليس موجودة‪.‬‬
‫أو تقول ‪ :‬إنها مأمور بها وال يلزم عليه شيء لكن هذا إن كان إبليس داخال في األمر ‪.‬‬

‫( ‪)1/262‬‬

‫صفحة رقم ‪263‬‬


‫قال ابن عطية ‪ :‬المخاطب بالهبوط آدم وحواء وإ بليس والحية ؟ وقال الحسن ‪ :‬آدم وحواء‬
‫والوسوسة‪.‬‬
‫قال ‪ ( :‬ابن عرفة ‪ :‬أي عدو الوسوسة )‪.‬‬
‫وقال غيره ‪ :‬والحية‪.‬‬
‫ألن إبليس قد كان إهبط‪.‬‬
‫إن ) األمر آلدم وحواء وإ بليس ‪ ،‬فيكون في اآلية دليل على جواز إطالق ( لفظ‬
‫قال ‪ :‬وإ ذا قلنا ‪ّ ( :‬‬
‫البعض ) على أكثر من النصف‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬فتلقى َء َاد ُم ‪...‬‬
‫(‪.‬‬
‫معطوف على قلنا ‪ :‬والفاء للتعقيب أي ( يعقب ) إن قلنا له ذلك تلقّى فهي إشارة إلى سرعة إلهام اهلل‬
‫تعالى له المبادرة بالتوبة‪.‬‬
‫قال ابن عطية ‪ :‬تلقاها إما بإقباله عليها أو إلهامه إليها‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬واإللهام إما حضور ذلك ( بباله ) من ( غير ) تكلّف نظر أو علمه بها بعد تكلّف‬
‫النظر‪.‬‬
‫ّ‬
‫قال ‪ :‬والتفعل يقتضي إما ( تكلف ) الفعل بمشقة وإ ما للتَّ ِ‬
‫ناهي إلى أعلى درجاته وهو هنا يحتمل‬ ‫ّ‬
‫األمرين وتقدم المجرور للتشريف ‪.‬‬

‫( ‪)1/263‬‬

‫صفحة رقم ‪264‬‬


‫بالنصب ( و َكِل َم ٌ‬
‫ات ) بالرفع‪.‬‬ ‫آد َم ) ّ‬
‫وقرأ ابن كثير ‪َ ( :‬‬
‫بالرفع ظاهرة ألنه هو فاعل التلقي ( فكلفه ) التلقي والقصد إليه و‬ ‫قال ابن عرفة ‪ :‬قراءة الجماعة ّ‬
‫وأما قراءءة ابن كثير فتقتضي‪ n‬أن آدم عليه السالم أتاه التلقي هجما‬
‫( إمعان ) النظر ( فيه ظاهر ) ‪ّ ،‬‬
‫من غير نظر ‪ ،‬فيمكن ( فهمه ) على أنه أتته أ ََوائِل درجات النظر بالبديهة ألن المعقوالت‪ n‬فرع‬
‫المحسوسات ‪ ،‬فأول درجات النظر مدرك معلوم بالبديهة ال يفتقر إلى تقدم شيء قبله ( لئال ) يلزم‬
‫عليه التسلسل ‪ ،‬وتنكير ( كلمات ) للتشريف والتعظيم كما قال الزمخشري في قوله تعالى ‪ ( :‬والفجر‬
‫معينات معلومات فرد عليه ‪ /‬بمنافاة التنكير للتعيين‪.‬‬
‫ألنها ّ‬ ‫ولََي ٍ‬
‫ال َع ْش ٍر ( وقال ‪ :‬ن ّكرت ّ‬ ‫َ‬
‫وأجيب بأنها لشرفها وعظمها صارت معلومات في الذهن فلم تحتج إلى تعريف وكذلك هنا‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪ِ ( :‬إَّنهُ ُه َو التواب الرحيم ( تنبيه على أن توبته ( ال تخص آدم ) بل توبته ورحمته عامة‬
‫‪.‬‬

‫( ‪)1/264‬‬

‫صفحة رقم ‪265‬‬


‫ِ‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬فَِإ َّما َيأْتَيَّن ُكم ِّمِّني ُه ً‬
‫دى ‪...‬‬

‫( قال الزمخشري ‪ :‬إن قلت لم ِج َ‬


‫يء بكلمة الشك وإ تيان الهدى كائن ال محالة لوجوبه ‪ ،‬قلت ‪ :‬فائدته‬
‫اإلعالم ( بأن اإليمان ) باهلل ( وتوحيده ) ال يشترط فيه بعثة الرسل ؟ قال ابن عرفة ‪ :‬هذا السؤال‬
‫الرسل واجب عقال‪.‬‬
‫إن إرسال ّ‬
‫إنما يرد على مذهبه ألنه يقول ‪ّ :‬‬
‫إما من جهة‬
‫وجوابه ضعيف ‪ ،‬بل هو مؤكد للسؤال ( وبيانه ) أن يقول ‪ :‬إتيان الهُدى محقق الوقوع َّ‬
‫العقل المقتضي لوجوب بعثة الرسل ‪ ( ،‬أو ) من جهة ( الوجود ) الخارجي ألن التوحيد موجود‬
‫( فإتيان ) الهدى محقق‪.‬‬
‫قال ‪ :‬فحقه ( كان ) أن يجيب بما ( عادته ) أن ( يجيب ) به‪.‬‬
‫أن هذا على عادة الملوك ( في خطاباتهم أن يعبروا عن األمر المحقق الوقوع باللفظ المحتمل )‬
‫وهو ّ‬
‫ألن خطاباتهم كلّها محققة ‪.‬‬

‫( ‪)1/265‬‬

‫صفحة رقم ‪266‬‬


‫وأجاب الطيبي ‪ :‬أن الشك راجع ( إلى اتّباع الهدى ) ال إلى نفس الهدى واإلتباع غير محقق‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬وهذا كله ال يحتاج إليه على مذهبنا ألن إرسال الرسل إنما يجب ( عندنا ) بالشرع ال‬
‫بالعقل ‪ ،‬ولم يكن حينئذ شرع بوجه فكان األمر محتمال‪.‬‬
‫قال الطيبي ‪ :‬أكد أول الفعل ب ( إما ) وأخره بالنون الشديدة‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬قد قالوا في قول ابن دريد في مقصورته ‪ :‬أما ترى رأسي ( حكى ) لونه ‪...‬‬
‫إن تََر‬
‫طرة صبح تحت أذيال الدجى ( ( إما ) زائدة للتأكيد ) ونابت مناب تكرير الفعل فكأنه قال ‪ْ :‬‬
‫ّ‬
‫تََر‪.‬‬
‫وكذلك هنا تأكيد أوله مناف تكريره وتأكيد آخره راجع إلى تحقيق وقوعه وتثبيته‪.‬‬
‫ف َعلَْي ِه ْم َوالَ ُه ْم َي ْح َزُن َ‬
‫ون (‬ ‫قوله تعالى ‪ ( :‬فَالَ َخ ْو ٌ‬

‫( ‪)1/266‬‬

‫صفحة رقم ‪267‬‬


‫قالوا ‪ :‬سبب الخوف مستقبل وسبب الحزن ماض فإن قلت ‪ :‬على هذا كان يقال ‪ :‬فال ( حزن )‬
‫عليهم وال يخافون فهو أرتب ليعبر عن المستقبل ( بصيغة ) المستقبل‪.‬‬
‫( قال ) ‪ :‬فالجواب عن ذلك أنه إشارة إلى ( تكرر ) الحزن منهم المرة بعد المرة ‪ ،‬وتذكر اإلنسان‬
‫أمرا ( مضى ) أقرب من تذكره أمرا مستقبال وتأسفه على الماضي المحقق الوقوع أشد من حزنه‬
‫يتكرر تذكره الماضي ) شيئا بعد شيء ‪ ( ،‬بل ) فمهما تذكره يحزن عليه‬ ‫ألنه ( ّ‬ ‫على المستقبل ‪ّ ،‬‬
‫فعبر عنه بالفعل المقتضي للتجدد وليس كذلك المستقبل بوجه‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬والذين َكفَ ُروْا َو َك َّذُبوْا بِ َآياتَِنآ ‪...‬‬
‫(‪.‬‬
‫( ‪)1/267‬‬

‫صفحة رقم ‪268‬‬


‫النعم‬
‫قال ابن عطية ‪ :‬أفاد قوله ( ك ّذبوا ) أن المراد ( بالكفر ) ( الشرك ) فيخرج ( كفر ) ّ‬
‫والمعاصي‪.‬‬
‫الجَّن ِة ُه ْم‬
‫اب َ‬ ‫َص َح ُ‬
‫ِ‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬وفي اآلية عندي حذف التقابل والمعنى ‪ :‬فَ َمن تَبِ َع ُه َد َ‬
‫اي فَ ُأولئ َك أ ْ‬
‫ذين َكفَ ُروا َو َك َّذُبوا بِ َآياتَِنا‬ ‫َّ‬
‫ون ( أي ال حزن عليهم ) َوال َ‬ ‫ف َعلَي ِه ْم َوالَ ُه ْم َي ْح َزُن َ‬ ‫ون ‪َ ،‬والَ َخ ْو َ‬ ‫ِ‬
‫فيهَا َخال ُد َ‬
‫ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ون وعليهم الخوف وهم يحزنون‪.‬‬ ‫الن ِار ُه ْم فيهَا َخال ُد َ‬
‫اب َّ‬‫َص َح ُ‬
‫أ ُْولئ َك أ ْ‬
‫ص ِّدقاً لِّ َما َم َع ُك ْم ‪...‬‬ ‫قوله تعالى ‪ ( :‬وء ِ‬
‫امُنوْا بِ َمآ أ َ‬
‫ت ُم َ‬
‫َنزْل ُ‬ ‫ََ‬
‫(‪.‬‬
‫الرسل واإليمان بهم ) والمراد بقوله ( َوأ َْوفُوْا بِ َع ْه ِدي‬ ‫قال ابن عرفة ‪ :‬الظّاهر أن المراد به تصديق ( ّ‬
‫) اإليمان باهلل وتوحيده‪.‬‬
‫ت بَِرِّب ُك ْم ( قيل البن عرفة ‪ :‬اإليمان ( بالرسل ) يستلزم التوحيد ؟ فقال ‪ :‬الصحيح‬
‫والعهد يوم ) أَلَ ْس ُ‬
‫أن التوحيد واجب بالعقل ال بالسمع ‪.‬‬

‫( ‪)1/268‬‬

‫صفحة رقم ‪269‬‬


‫فقال الطيبي ‪ :‬هذا من عطف الخاص على العام ( أو من عطف األخص على األعم ) ألن الوفاء‬
‫بالعهد مطلق‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪َ ( :‬والَ تكونوا ‪...‬‬
‫(‪.‬‬
‫دليل لمن يقول ‪ :‬إن األمر بالشيء ليس نهيا عن ضده ‪ ،‬ألنه داخل في ضمن قوله ) وء ِ‬
‫امُنوْا (‪.‬‬ ‫ََ‬
‫قال ابن عطية ‪ :‬وهذا ( من ) مفهوم الخطاب الذي المذكور فيه والمسكوت عنه حكمها واحد‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ ( :‬بمعنى ) أنه يدل بمفهوم الموافقة ‪ ،‬وهو مفهوم أحرى على ( النهي ) على كفرهم‬
‫( على اإلطالق )‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬ليس هذا مفهوم الموافقة ( وإ ّنما هو فهم مثل الحكم ) المنطوق به في المسكوت عنه‬
‫‪ ،‬ذكره ابن التلمساني في المسألة السابعة من باب األوامر ( ونسبه ) إلى ظن وقطع‪.‬‬
‫قال الزمخشري ‪ :‬ومعنى اآلية ‪ :‬وال تكونوا مثل أول كافر به ‪.‬‬
‫( ‪)1/269‬‬

‫صفحة رقم ‪270‬‬


‫قال ابن عرفة ‪ :‬إنما قال ذلك ألن كفرهم به قد وقع في الوجود إما قبل كفر غيرهم أو بعده ‪ ،‬فالنهي‬
‫عنه من تكليف ما ال يطاق وهو ( عنده ) غير جائز فلذلك قدر المضاف‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪َ ( :‬والَ تَ ْشتَُروْا بِ َآياتِي ثَ َمناً َقِليالً ‪...‬‬
‫(‪.‬‬
‫عظم اآليات بالجمع واإلضافة إليه إضافة تشريف وحقر الثمن باإلفراد ‪ ،‬والوصف بالقلة ‪ ،‬فهو حقير‬
‫في قدره ( وفي صفته )‪.‬‬
‫ون الناس بالبر ‪...‬‬
‫ْم ُر َ‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬أَتَأ ُ‬
‫( االستفهام معناه التقرير والتوبيخ‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬فرق بعضهم بينهما بأن التقرير لمن أنعمت عليه ولم يحسن إليك‪.‬‬
‫والتوبيخ لمن أحسنت إليه وأساء إليك‪.‬‬
‫وجمع األنفس جمع قلة تحقيرا لها ‪ ،‬ألن اآلية خرجت مخرج ال ّذ ّم ‪ ،‬والواو في ( تنسون ) يجب ( أو‬
‫يترجح ) أن يكون واو الحال ( إذ ) لو لم تكن من تمام ( األول ) للزم عليه تسلط اإلنكار على كل‬
‫واحدة من الجملتين على انفرادها ‪ ،‬واألمر بالمعروف مطلوب شرعا ال يوبخ أحد ( على ) فعله فما‬
‫اإلنكار إال على من يأمر بالبر حالة عدم اتصافه به‪.‬‬
‫فإن قلت المضارع ال يقع حاال إال بغير واو إالّ فيما ش ّذ من قولهم ‪ ( :‬قمت وأصك عينه ) ؟ قلنا ‪:‬‬
‫نس ْو َن أنفُ َس ُك ْم ‪.‬‬
‫هو على اضمار المبتدأ أي وأنتُ ْم تَ َ‬

‫( ‪)1/270‬‬

‫صفحة رقم ‪271‬‬


‫( قيل ) البن عرفة ‪ :‬لعل اإلنكار تسلط على الجمع بين األمرين أي أتجمعون بين األمر بالبر‬
‫ونسيان أنفسكم ؟ ( فقال ) ‪ :‬ظاهر اللفظ باالتصاف أن داللته على ذلك المعنى إنما هو من ناحية‬
‫كون تلك الجملة حاال فقط‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬وأيضا فما يدل على إنكار الجمع بينهما إال لو كان ( تنسون ) منصوبا كما قالوا في ‪ :‬الَ تَْأ ُك ِل‬
‫َّم َك َوتَ ْش َر ِب اللََّب َن‪.‬‬
‫الس َ‬
‫ون ( أي العقل الذي يصدكم عن ارتكاب ما منع الشرع‬ ‫ِ‬
‫ون الكتاب أَفَالَ تَ ْعقلُ َ‬
‫قوله تعالى ‪َ ( :‬وأَنتُ ْم تَ ْتلُ َ‬
‫ٍ‬
‫منتف عنهم‬ ‫منه وهو العقل النافع وليس المراد العقل التكليفي ألنه ثابت ‪ ،‬وهذا هو الذي اختص منه‬
‫ألن المعنى ‪ :‬أتجهلون فال تعقلون ؟ انتهى‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪َ ( :‬وإِ َّنهَا لَ َكبِ َيرةٌ ِإالَّ َعلَى الخاشعين (‪.‬‬
‫تأهب وبصبرة فال يظهر له حين العمل اال ما دخل‬
‫اإلعالم بذلك حين التكليف ليكون المكلّف على ّ‬
‫عليه ‪ ،‬والخشوع هو استحضار التقصير في العمل وفق المجازاة عليه‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬بل الخشوع رقة في القلب سببها الخوف ‪ ،‬وانظر في أسئلة الشيخ ابن رشد في أول مسألة من‬
‫كتاب الصالة‪.‬‬
‫ون أََّنهُم ُّمالَقُوْا َرِّب ِه ْم ‪...‬‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬الذين َيظُُّن َ‬
‫(‪.‬‬

‫( ‪)1/271‬‬

‫صفحة رقم ‪272‬‬


‫قالوا ‪ :‬معناه يعلمون‪.‬‬
‫الظن على بابه مصروف لزمن ( المالقاة ) أي هم‬
‫قال ابن عرفة ‪ ( :‬الذي يظهر ) لي أن ّ‬
‫يستحضرون الموت ويظنونه في كل زمن واقعا بهم‪.‬‬
‫إن أبا بكر وعمر جلسا ذات يوم مع النبي ‪ ،‬فقال أبو بكر ه ‪ :‬إني إذا‬
‫قال القشيري أبو طالب ‪ّ :‬‬
‫سيدنا عمر ه ‪ :‬إذا أمسيت ال أدري هل أصبح أم ال ؟ فقال‬
‫أصبحت ما أدري هل أمسي أم ال ؟ وقال ّ‬
‫ظنا‪.‬‬
‫‪ :‬وإ ذا صعدت النفس ال أدري هل أرده أم ال ؟ ( ألنهم يعتقدون المعاد علما ال ّ‬
‫فقال ‪ :‬يكون مثل ‪ :‬علفتها تبنا وماء باردا ‪ ،‬وتعلمون ّأنهم إليه راجعون )‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬فإن قلت ‪ :‬جاء في اآلية التصديق قبل التّصور ألنه حكم على الخاشعين بأن الصالة‬
‫ليست عليهم كبيرة قبل أن يبين حقيقتهم وما أراد بهم ‪.‬‬

‫( ‪)1/272‬‬

‫صفحة رقم ‪273‬‬


‫فالجواب أَّنا ( إذا ) جعلنا ) الذين َيظُُّن َ‬
‫ون ( نعتا للخاشعين فال سؤال ‪ ،‬ألنه من تمامه وكأنه شيء‬
‫واحد ‪ ،‬وإ ن جعلناه مقطوعا للرفع أو للنصب فالسؤال وارد‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬وتقدم لنا غير مرة أن التصور باعتبار حقيقة الماهية واإلحاطة بها ال يشترط تقدمه على‬
‫التصديق‪.‬‬
‫يل اذكروا نِ ْع َمتِي التي أ َْن َع ْم ُ‬
‫ت َعلَْي ُك ْم ‪...‬‬ ‫قوله تعالى ‪َ ( :‬ي َابنِي ِإ ْس َرائِ َ‬
‫(‪.‬‬
‫الذكر باللسان والقلب‪.‬‬
‫واختلفوا في الذكر باللسان فقط هل هو معتبر ( أم ) ال ؟ ووجه مناسبتها لما قبلها أن اهلل تعالى كلفهم‬
‫بالصالة ( وأعلمهم ) بمشقتها وكان ذلك سببا في قنوطهم ( وإ ياسهم ) ‪ ،‬وقلة ( طمعهم ) في الوفاء‬
‫من عليهم نعما في الماضي فليتذكروها‬
‫بها والخروج من عهدتها ‪ ،‬وعقب ذلك ببيان أن اهلل تعالى ّ‬
‫لتذهب عنهم األمور العادية ‪ ،‬ويكونوا على بصيرة من الطمع والرجاء في فضل اهلل تعالى وإ نعامه‬
‫عليهم في المستقبل باإلعانة على تحصيل تلك العبادة من غير مشقة ( وجهد )‪.‬‬
‫جد إليهم‪.‬‬
‫قال ‪ :‬وإ نما نسبهم إلى يعقوب إن كان لهم أجداد غيره أنبياء ألنه أقرب ّ‬
‫ألن يعقوب‪ n‬ابن إسحاق بن إبراهيم عليه السالم وعليهم‪.‬‬
‫يم بالبشرى ( ثم قال‬ ‫ِ ِ‬
‫ت ُر ُسلَُنآ إ ْب َراه َ‬
‫آء ْ‬
‫قال اهلل تعالى ‪َ ) :‬ولَقَ ْد َج َ‬

‫( ‪)1/273‬‬

‫صفحة رقم ‪274‬‬


‫وب ( فإن قلت ‪ :‬ما الفائدة في‬ ‫اق و ِمن ور ِ‬
‫آء ِإ ْس َح َ‬
‫اق َي ْعقُ َ‪n‬‬ ‫ض ِح َك ْ‬
‫ت فََب َّش ْرَن َ ِِ‬ ‫ِ‬
‫اها بإ ْس َح َ َ َ َ‬ ‫) وامرأته قَآئ َمةٌ فَ َ‬
‫ت ( َعلَْي ُك ْم ( ) ولو أسقطت لقيل ‪ :‬اذكروا نعمتي ( عليكم ) لما اختل المعنى ؟‬ ‫قوله ‪ ) :‬التي أ َْن َع ْم ُ‬
‫فالجواب ‪ :‬أنه أفاد اختصاص تلك النعمة بهم ‪ ،‬وأنهم مقصودون بها ‪ ،‬أي اذكروا نعمتي التي جعلتها‬
‫خاصة لكم ‪ ،‬ألنه أنعم عليهم نعما كثيرة ‪ ،‬وذكرهم بما اختصهم به منها دون ما ( شاركهم ) الغير‬
‫( فيه ) ‪ ،‬وأيضا فاإلنعام على الشخص يطلق على ما ناله مباشرة وبواسطة كاإلنعام على قريبه‬
‫وصديقه ( فذ ّكروا ) بما أنالهم من النعمة مباشرة‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪َ ( :‬وأَِّني فَ َّ‬
‫ضْلتُ ُك ْم َعلَى العالمين (‪.‬‬
‫قال ابن عطية ‪ :‬أي على ( عالمي ) زمانهم ‪.‬‬

‫( ‪)1/274‬‬

‫صفحة رقم ‪275‬‬


‫الجم الغفير‪.‬‬
‫قال الزمخشري ‪ :‬أي على ّ‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬جعله ابن عطية عاما في األشخاص ‪ ،‬خاصا في األزمان ( وجعله ) الزمخشري‬
‫بالعكس ‪ ،‬والتخصيص في الزمان أولى ألن العام في األشخاص مطلق في األزمنة واألحوال ‪،‬‬
‫وفرق المنطقيون بين الكلية الدائمة والكلية المطلقة‪.‬‬
‫( قرره ) ابن عرفة مرة أخرى فقال ‪ :‬األلف ( والالم ) عند ابن عطية للعهد ‪ ،‬وعند الزمخشري‬
‫للجنس ‪ ،‬ونظيره كقولك ‪ :‬كل إنسان أبيض ‪ ،‬إن أردت ( اعتبار ) األمر الذهني فهو كاذب ‪ ،‬وإ ن‬
‫( كان ) باعتبار الوجود الخارجي فهو صادق إذا كان أهل زمانك كلهم بيضا‪.‬‬
‫زاد الفخر الرازي ‪ :‬أنه عام في األشخاص واألزمان ‪ /‬مطلق في أنواع التفضيل‪.‬‬
‫فضلوا عليهم ( لفرع ) واحد إما بالتنصيص على أن منهم األنبياء والملوك قال تعالى ) َوإِ ْذ‬ ‫فلعلّهم ّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ال موسى لقَ ْو ِمه َياقَ ْوِم اذكروا ن ْع َمةَ اهلل َعلَْي ُك ْم ِإ ْذ َج َع َل في ُك ْم أَنبَِي َ‬
‫آء َو َج َعلَ ُكم ُّملُوكاً ( فقال ابن عرفة ‪( :‬‬ ‫قَ َ‬
‫هذه داللة ظاهرة ( وليست نصا ) وال ينبغي أن يصرح بكونهم أفضل من أمة محمد وال في خصلة‬
‫واحدة ‪.‬‬

‫( ‪)1/275‬‬

‫صفحة رقم ‪276‬‬


‫قال ابن عرفة ‪ :‬والنعمة تحتمل أن يراد بها أمر حسي والتفضيل‪ n‬معنوي فيكون الكالم تأسيسا ‪ ،‬أو أن‬
‫وأني فضلتكم من عطف الخاص على العام أو مطلقة تصدق على‬
‫يكون عاما في جميع النصح فيكون ّ‬
‫واحدة غير معينة فيكون من عطف األخص على األعم وهو المقيد على المطلق‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬واتقوا َي ْوماً ‪...‬‬
‫(‪.‬‬
‫أي اتّقوا عذاب يوم‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬ال بد من تقدير ( هذا ) المضاف ألن اليوم إن أعربته مفعوال لزمك تكليف ما ال‬
‫يطاق ألن يوم القيامة ال بد لهم منه ‪ ،‬فال يصح تكليفهم بأن يجعلوا بينهم وبينه وقاية ‪ ،‬وإ ن أعربته‬
‫ألنه ليس محال‪.‬‬ ‫ظرفا لم يصح أمرهم بالتقوى فيه ّ‬
‫اعةٌ ‪...‬‬ ‫ِ‬ ‫قوله تعالى ‪ ( :‬الَّ تَ ْج ِزي َن ْف ٌس َعن َّن ْف ٍ‬
‫س َشْيئاً َوالَ ُي ْقَب ُل م ْنهَا َشفَ َ‬
‫(‪.‬‬
‫أي جزاء ( تستقل به فيبطل استدالل المعتزلة بها على نفي الشفاعة العظمى أو الجزاء راجع إلى )‬
‫النصرة ألن اإلنسان ال ( يفزع ) إلى الشفاعة إال إذا لم يقدر على النصرة ال بيده وال بجنده ‪ ،‬فإن علم‬
‫أنه عاجز تشفع ‪ ،‬فإن لم يقبل منه افتدى بالمال ‪.‬‬
‫( ‪)1/276‬‬

‫صفحة رقم ‪277‬‬


‫قال ابن عطية ‪ :‬وهذه إنما هي في الكافرين لإلجماع ولتواتر الحديث بالشفاعة‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬قال ابن الصالح ‪ :‬لم يصح من ( أحاديث ) الشفاعة غير حديثين‪.‬‬
‫وجود َحاتم‪.‬‬ ‫علي ُ‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬فعلى هذا يكون التواتر فيها معنويا ال لفظيا لتواتر شجاعة ّ‬
‫اعةٌ َوالَ ُي ْؤ َخ ُذ ِم ْنهَا َع ْد ٌل ( ( وفي اآلية األخرى ) ) َوالَ ُي ْقَب ُل ِم ْنهَا َع ْد ٌل‬ ‫ِ‬
‫وقال هنا ‪َ ) :‬والَ ُي ْقَب ُل م ْنهَا َشفَ َ‬
‫فأخر ( الفداء ) بالمال هنا عن الشفاعة وقدمه ( هناك )‪.‬‬ ‫اعةٌ ( ّ‬ ‫َوالَ تَنفَ ُعهَا َشفَ َ‬
‫بأن ذلك على حسب حال الناس فواحد يرغب في‬ ‫قلت ‪ :‬ولقد أجاب الفخر الخطيب ( عن ذلك ) ّ‬
‫المال ( ويشح به ) فيأتي بالشفيع ‪ ،‬وآخر يرغب في ( الجاه والحرمة ) فيهون عليه ( بذل ) المال‬
‫صيانة لحرمته ‪.‬‬

‫( ‪)1/277‬‬

‫صفحة رقم ‪278‬‬


‫وأجاب الفقيه أبو جعفر أحمد بن إبراهيم ( ابن الزبير ) العاصمي الثقفي بأن هذه اآلية تقدمها )‬
‫ون الناس بالبر ( مظنة االمتثال والقبول‪ n‬فيكون مظنة لترجي األمرين بالبر ‪ ( ،‬وأن يشفع )‬
‫ْم ُر َ‬
‫أَتَأ ُ‬
‫ونهُ ْم أَلَ ْم َن ُكن َّم َع ُك ْم ( فقد‬
‫اد َ‬
‫فيهم يوم القيامة من امتثل أمرهم أال ترى قوله تعالى في المنافقين ) ُيَن ُ‬
‫نسبوا المؤمنين بالكون معهم فأحرى أن يتعلق هؤالء بالحظ على الخير والداللة عليه فكان اآلكد هنا‬
‫نفي الشفاعة ‪ ،‬فبدأ ( به ) ولم يتقدم في اآلية األخرى ما يستدعي هذا فبدأ بالفدية التي عهد في الدنيا‬
‫أنها أمكن في التّخلص‪.‬‬
‫السنة على أنها في الكفار‬
‫واحتج بها المعتزلة على إنكار الشفاعة وحملها أهل ّ‬
‫ّ‬ ‫قال ابن عرفة ‪:‬‬
‫خاصة ( بهم ) لما تقدم‪.‬‬
‫قال اإلمام الرازي ‪ :‬بل هي حجة على المعتزلة‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬ال ُي ْنفَى إال ما هو قابل للنفي والكفار ليسوا بقابلين للشفاعة بوجه بخالف العصاة ‪.‬‬

‫( ‪)1/278‬‬
‫صفحة رقم ‪279‬‬
‫اؤَنا ِع َ‬
‫ند اهلل ( فقد ادعوا‬ ‫الدعوى لقولهم ‪ ) :‬هؤالء ُشفَ َع ُ‬
‫وأجاب ابن عرفة ‪ :‬بأنهم قابلون لها باعتبار ّ‬
‫أن لهم شفعاء‪.‬‬
‫ال ِف ْر َع ْو َن ‪...‬‬
‫َّيَنا ُكم ِّم ْن ء ِ‬
‫َ‬ ‫قوله تعالى ‪َ ( :‬وإِ ْذ َنج ْ‬
‫(‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬معطوف على ( ا ْذ ُك ُروا ) ( عطف الجملة ) أو على ( نِ ْع َمتِ َي ) ( فالعامل ) فيه‬
‫( ا ْذ ُك ُروا ) ( المتقدم ) على الفعل في المفعول‪ n‬به ‪ ،‬أو عطف على ( َعلَْي ُك ْم ) ( فالعامل ) فيه‬
‫( أنعمت ) ( عمل ) الفعل في الظرف‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬وهذا ( باطل ) ألن ( أنعمت ) في صلة الموصول‪ n‬فكذلك معمولها وما عطف عليه وقد‬
‫ون ُك ْم‬
‫وم َ‬
‫( فصل ) بينهما بأجنبي وهو ) واتقوا يوما ال تجزي نفس عن نفس شيئا ( قوله تعالى ‪َ ( :‬ي ُس ُ‬
‫سواء العذاب ‪...‬‬
‫(‪.‬‬
‫السوم مفرد في اللّفظ مر ّكب في المعنى ألنه طلب ( البغي ) على الغير فمعناه مركب‬
‫قال الطيبي ‪ّ :‬‬
‫من الطلب ( واإلضرار ) بالغير ‪.‬‬

‫( ‪)1/279‬‬

‫صفحة رقم ‪280‬‬


‫قال ابن عرفة ‪ :‬ال يسمى هذا مركبا إنما المركب عندهم ( ما كان ) كلفظ مركب ولفظ مجمل ولفظ‬
‫النسبة‪.‬‬
‫( فإنها ) ال تعقل إال بالشيئين المناسبين‪.‬‬
‫قال ابن عطية ‪ :‬وإ نما نسب الفعل إلى ( آل فرعون وهم ) إنما فعلوه بأمره ( لمباشرتهم ذلك )‪.‬‬
‫قال الطبري ‪ :‬إن من أمره ظالم بقتل أحد فقتل إنه المأخوذ به ( ال ) اآلمر‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬هذا هو المشهور عندنا وذكره الشيخ ابن رشد في البيان والتحصيل وأظنه في كتاب‬
‫السلطان واللّخمي في ( الغصب ) وذكره ابن يونس فر فروع آخر الغصب عن ابن أبي زيد ( من‬
‫قدم رجال إلى ظالم ّإنه يغرمه ماال يجب عليه ‪ ،‬انظرها‬
‫أخبر لصوصا أو غاصبا بظهر رجل ‪ ،‬ومن ّ‬
‫) ‪ ،‬وفي الحج الثالث إذا دل محرم على صيد محرما أو حالال فقتله المدلول‬

‫( ‪)1/280‬‬
‫صفحة رقم ‪281‬‬
‫عليه فال شيء على الدال وإ ن أمر بقتله فعليه جزاء واحد وإ ن كان المأمور عبدا وإ الّ فال‪.‬‬
‫هذا هو المشهور‪.‬‬
‫ونقل ابن يونس عن أشهب في كتاب ابن المواز ‪ :‬أنه إن دل محرما على صيد فقتله فعلى كل واحد‬
‫منهما جزاء وإ ن دل حالال فال شيء على الدال‪.‬‬
‫وقال التونسي ‪ :‬الصواب بأن الجزاء لئال يبقى الصيد بال جزاء ألنه إذا وجب ( الجزاء ) حيث يكون‬
‫المدلول محرما فأحرى إذا كان حالال وهو عكس ‪ /‬المشهور‪.‬‬
‫وذكر ابن بشير األول والثالث وزاد إن دل حالال وجبت عليه ( الدية ) إذ ال يمكن إسقاطها‪.‬‬
‫وإ ن دل حراما لم تجب الستقالل المدلول بها فجاءت أربعة أقوال‪.‬‬
‫وإ ن أمسك الصيد لرجل فقتله قال في المدونة ‪ :‬إن كان القاتل حالال ّأداه الماسك وإ ن كان حراما‬
‫( ّأداه ) القاتل ‪.‬‬

‫( ‪)1/281‬‬

‫صفحة رقم ‪282‬‬


‫وقال سحنون ‪ :‬ال شيء على الماسك‪.‬‬
‫ابن يونس ‪ :‬وقال التونسي ‪ :‬وانظر هل يلزم على مذهب أشهب إذا دل أحد على مال رجل فأخذه ‪،‬‬
‫أو على قتله فقتله ؟ فإنه يقتص منه ويغرم المال ألنه لم يتوصل إليه إال بداللته‪.‬‬
‫آء ُك ْم ‪...‬‬
‫ون أ َْبَن َ‬
‫ِّح َ‬
‫قوله تعالى ‪ُ ( :‬ي َذب ُ‬
‫( كانوا أضروهم بقتل الذكور النقطاع النسل وإ حياء النساء لإلذالل والمعرة وقد كانوا هم ( يكرهون‬
‫) استحياءهم خوف المعرة واإلذالل‪.‬‬
‫ون ( بالواو وهنا بغير واو‪.‬‬
‫ِّح َ‬
‫وقال في سورة إبراهيم ‪َ ) :‬وُي َذب ُ‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬الجواب ( إما ) بأن العطف بالواو ( تفسير ) كما قال الشيخ ابن رشد في المقدمات‬
‫ون ) معطوفا‬
‫ِّح َ‬ ‫ون النبي َويِقُولُ َ‪n‬‬
‫ون ُه َو أُ ُذ ٌن ( وإ ما بأن يكون ( َوُي َذب ُ‬ ‫في قوله تعالى ‪َ ( :‬و ِم ْنهُ ُم الذين ُي ْؤ ُذ َ‬
‫على فعل مقدر يكون ذلك الفعل تفسير األول ‪ ،‬وإ ال فالقصة واحدة ‪.‬‬

‫( ‪)1/282‬‬
‫صفحة رقم ‪283‬‬
‫فإما أن يكون الثاني هو األول فيهما ‪ ،‬أو مغايرا ( له فيهما ) ألن العطف يقتضي ( المغايرة ‪ ،‬وعدم‬
‫العطف ) يقتضي الموافقة فكيف الجمع بينهما ؟ قلت ‪ :‬وتقدم لنا الجواب في الختمة الثانية في سورة‬
‫المنة في ) آية البقرة ( وقعت من اهلل تعالى‬
‫إبراهيم حيث قال ابن عرفة ‪ ( :‬وعادتهم ) يجيبون بأن ( ّ‬
‫َّيَنا ُك ْم ) فأسند الفعل إلى نفسه ( والملك ) ( لكل ) األشياء ( عنده ) حقير فلذلك أتى بالجملة‬
‫) ( َنج ْ‬
‫( يذبحون ) مفسرة لألول غير معطوفة فكأنها شيء واحد إذ ال يستعظم األشياء إال العاجز فاأللف‬
‫دينار ال قدر لها عند الغني وهي عند الفقير ( مال جليل )‪.‬‬
‫ال موسى ِلقَ ْو ِم ِه‬
‫وأما سورة إبراهيم فاالمتنان فيها من موسى عليه السالم ألن أول اآلية ( ) َوإِ ْذ قَ َ‬
‫اذكروا نِ ْع َمةَ اهلل َعلَْي ُك ْم ( فهي حكاية صدرت من موسى لقومه ) ‪ ،‬فناسب المبالغة بالعطف ( فيها )‬
‫المقتضي ( للتعدد ) والمغايرة لتكثر أسباب االمتنان ‪.‬‬

‫( ‪)1/283‬‬

‫صفحة رقم ‪284‬‬


‫قلت ‪ :‬وأجاب صاحب درة التنزيل بأن آية إبراهيم وقعت في خبر عطف على خبر آخر قبله وهو )‬
‫ال موسى ِلقَ ْو ِم ِه ( فيبقى معنى العطف في‬
‫َخ ِر ْج قَ ْو َم َك ( ) َوإِ ْذ قَ َ‬ ‫ِ‬
‫َولَقَ ْد أ َْر َسْلَنا موسى بِ َآياتَنآ أ ْ‬
‫َن أ ْ‬
‫ون ) ألنه هو وما عطف عليه داخل في جملة معطوفة فالمقام مقام فصل وأما آية البقرة أخبر‬ ‫ِّح َ‬
‫( َُي َذب ُ‬
‫فيها بخبر واحد وهو إخباره عن ( نفسه ) بإنجائه بني إسرائيل فلذلك لم يعطف وأخبر في إبراهيم‬
‫بخبرين معطوفين فلذلك عطف‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬وأيضا فالجمل المتقدمة في البقرة طلبية وهي ) َي َابنِي ِإ ْس َرائِ َ‬
‫يل اذكروا ( ( واتَّقُوْا ) ‪ ،‬وجملة (‬
‫ِّحون ) خبرية فليست مشاكلة لها بخالف في سورة إبراهيم فإنها كلها خبرية وقد نص ابن أبي‬ ‫ُي َذب َ‬
‫الربيع على أن المشهور أنه ال يعطف الخبرية على الطلبية وال العكس‪.‬‬
‫وأجاب القاضي أبو جعفر أحمد بن إبراهيم بن الزبير بأن هذه اآلية مشتملة على استيفاء القصص ‪،‬‬
‫وسورة إبراهيم على إيجاز القصص ‪ ،‬واألمران سائغان عند العرب قال شاعرهم ‪ :‬يرمون‬
‫( بالخطب ) الطوال وتارة ‪...‬‬
‫( رمي ) المالحظ خيفة الرقباء‬

‫( ‪)1/284‬‬
‫صفحة رقم ‪285‬‬
‫النساء ألن القصد‬
‫فذكر في البقرة سوء العذاب مجمال ‪ ( ،‬ثم ) البينة ( بذبح ) الذكور وإ حياء ّ‬
‫ون ُك ْم ( سواء‬
‫وم َ‬ ‫ِ‬
‫اإلطناب بدليل زياده ) َوإِ ْذ فََر ْقَنا ب ُك ُم البحر ( وأشار في السورة األخرى بقوله ‪َ ) :‬ي ُس ُ‬
‫العذاب ( ) إلى جملة ما ( امتحنوا ) به من فرعون وقومه من استخدامهم وإ ذاللهم باألعمال الشاقة‬
‫وذبح الذكور واستحياء النساء ثم جرد منها ( أعظمها ) امتحانا ‪ ،‬فعطفه ألنه مغاير لما قبله فقال ‪:‬‬
‫ان‬
‫ون ) إشعارا ( بشدة ) األمر فيه ‪ ،‬وهو مما أجمل فيه ‪ ،‬كما ورد في قوله تعالى ‪َ ( :‬من َك َ‬ ‫ِّح َ‬
‫( َوُي َذب ُ‬
‫َع ُد ّواً لِّلَّ ِه ومالئكته َو ُر ُسِل ِه َو ِج ْب ِر َ‬
‫يل َو ِمي َك َ‬
‫ال ( خصصهما بالذكر إعالما بمكانهما‪.‬‬
‫َنج ْيَنا ) ( فالجواب ‪ :‬بأن‬‫َّيَنا ) وفي األعراف ( ) أ َ‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬فإن قلت ‪ :‬لم قال هنا ‪َ ( :‬نج ْ‬
‫القصد هنا كثرة تعداد وجوه اإلنعام ( فيه ) ( فبدأ ) ب ) ياأيها الناس ( اعبدوا ) َرَّب ُك ُم ( إلى آخرها‬

‫( ‪)1/285‬‬

‫صفحة رقم ‪286‬‬


‫َّيَنا ُك ْم‬
‫يل ( فلما كان موضع تعداد النعم ناسب التضعيف في ( َنج ْ‬ ‫إس َرائِ َ‬ ‫ِ‬
‫وكلها إنعام ‪ ،‬ثم قال ‪َ ) :‬يا َبني ْ‬
‫ون ) فر ِ‬
‫وع َي مناسبة اللّفظ‬ ‫ون ) األعراف إنما فيها ( ُيقَتِّلُ َ ُ‬
‫ِّح َ‬
‫) وأيضا فهو مناسب للتضعيف في ( ُي َذب ُ‬
‫فيما بعد ‪ ،‬والمعنى فيما قبل ‪ ،‬انتهى‪.‬‬
‫آء ُك ْم ) تسمية للشيء بما‬ ‫ِ‬
‫ساؤ ُك ْم ) ولم يقل ‪ :‬ببناتكم كما قال ‪ ( :‬أ َْبَن َ‬ ‫قال ابن عرفة ‪ :‬وإ نما قال ‪ ( :‬ن ُ‬
‫يؤول إليه ‪ ،‬وإ شارة إلى قصدهم المعرة ‪ ،‬واستحقار ( بناتكم )‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يم ( البالء ‪ :‬إما قدر مشترك بين الخير والشر أو لفظ‬ ‫قوله تعالى ‪َ ( :‬و ِفي َذل ُكم بالء ِّمن َّرِّب ُك ْم َعظ ٌ‬
‫مشترك ‪ ،‬ويجيء فيه تعميم المشترك ( فيبتلى اإلنسان ) بالخير ليشكر ‪ ،‬و ( الشر ) ليصبر‪.‬‬
‫ض ِل َربِّي ليبلونيا َءأَ ْش ُك ُر أ َْم أَ ْكفُُر ( قال ابن عطية ‪ ( :‬معناه ) االمتحان‬‫قال اهلل تعالى ) هذا ِمن فَ ْ‬
‫واالختبار‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬في هذه العبارة قلق ‪ ،‬وينبغي أن يفهم ( بما ) قال الزمخشري في غير هذا الموضع‬
‫‪ :‬إنه يفعل بهم فعل المختبر ألن االختبار من لوازمه الجهل ‪ ،‬وهو مستحيل عن اهلل ‪.‬‬

‫( ‪)1/286‬‬

‫صفحة رقم ‪287‬‬


‫َنج ْيَنا ُك ْم ‪...‬‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬فَأ َ‬
‫( قال البسيلي ‪ :‬في تفسير قوله تعالى ‪ ( :‬فأنجيناكم ) قدم اإلنجاء وإ ن كان دفع المؤلم آكد مراعاة‬
‫للترتيب الوجودي ألن اإلنجاء متقدم على إغراق آل فرعون‪.‬‬
‫ين لَْيلَةً ‪...‬‬ ‫ِ‬
‫اع ْدَنا موسى أ َْرَبع َ‬
‫قوله تعالى ‪َ ) : /‬وإِ ْذ َو َ‬
‫( قال ابن عرفة ‪ :‬يمتنع أن يكون أربعين ليلة ( ظرفا ) ألن ظرف الزمان المحدود ( العمل ) فيه‬
‫كله ‪ ،‬ويمتنع أن يكون ( مفعوال ) ‪ ،‬ألنها ليست هي ( الموعودة ) إنما الموعود موسى عليه السالم‪.‬‬
‫قال الزمخشري ‪ :‬وعده اهلل الوحي ‪ ،‬ووعده موسى ( المجيء للميقات ) ‪ ( ،‬فكأنه ) مواعدة من‬
‫الجانبين ‪ ،‬وأبطله الطيبي بأن فيه تقدير مضافين معطوفين‪.‬‬
‫وهو باطل‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬إنما يريد واعدنا موسى مناجاة أربعين ( ليلة ) ‪ ،‬ومالقاة أربعين ليلة ‪ ،‬والمناجاة‬
‫تستلزم مجيء موسى إلى الميقات ‪ ،‬ألنها بعد األربعين ألن اهلل تعالى جعل له عبادة هذه األربعين‬

‫( ‪)1/287‬‬

‫صفحة رقم ‪288‬‬

‫ليلة ( و ) ِو َ‬
‫صال صيامها كلها ليال ونهارا سببا في مناجاته إياه بعدها بما طلب من التوراة والصحف‬
‫واأللواح‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬ثَُّم اتخذتم العجل ِمن َب ْع ِد ِه ‪...‬‬
‫( منع أبو حيان عود الضمير إلى الوعد للتناقض ‪ ،‬ألن ( ثَُّم ) للتراخي و ( ِمن ) في ( ِمن َب ْع ِد ِه )‬
‫( تقتضي ) ابتداء الغاية فهي ألول أزمنة البعدية‪.‬‬
‫وأجاب ابن عرفة ‪ :‬بأن األولية مقولة بالتشكيك ‪ ،‬أال تراهم يؤرخون بأوائل الشهر في العشرة‬
‫( األول ) كلّها‪.‬‬
‫( قيل له ) ‪ :‬ابتداء الغاية ما ( يصدق ) إال على أول جزء‪.‬‬
‫ون ( أي ال شبهة لكم في اتخاذه ‪ ،‬بل ذلك محض ظلم منكم وتعنت‪.‬‬ ‫قوله تعالى ‪ ( :‬وأَنتُم َ ِ‬
‫ظال ُم َ‬ ‫َ ْ‬
‫ون (‪.‬‬ ‫َّ‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬لَ َعل ُك ْم تَ ْش ُك ُر َ‬
‫قال ابن عطية ‪ :‬الترجي مصروف للمخاطب أي ( َعفَ ْوَنا )‬

‫( ‪)1/288‬‬
‫صفحة رقم ‪289‬‬
‫( عنكم ) لتكونوا بحيث ( يترجى ) المخاطب ( بها ) شكركم عليه‪.‬‬
‫وفسره الزمخشري على مذهبه باإلرادة‪.‬‬
‫ال موسى ِلقَ ْو ِم ِه َياقَ ْوِم ِإَّن ُك ْم َ‬
‫ظلَ ْمتُ ْم أَنفُ َس ُكم ‪...‬‬ ‫قوله تعالى ‪َ ( :‬وإِ ْذ قَ َ‬
‫لتقيده ( باتخاذ ) العجل‪.‬‬ ‫( الظلم هنا المراد به الكفر ّ‬
‫يم َانهُم بِظُْلٍم (‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫امُنوْا َولَ ْم يلبسوا إ َ‬
‫يم ( وقال ج ّل ذكره ‪ ) :‬الذين َء َ‬ ‫قال اهلل تعالى ‪ِ ) :‬إ َّن الشرك لَظُْل ٌم َعظ ٌ‬
‫هو مطلق فلذلك أشكل على الصحابة هم ‪َ ،‬وقَالوا ‪ :‬أيَُّنا لم يلبس إيمانه بظلم ؟ قال ابن عرفة ‪ :‬وقدم‬
‫المجرور هنا على المفعول‪ ، n‬واألصل تأخيره عنه ‪ ،‬وال ( يقدم ) إال لنكتة ( تتوخى ) والحكمة في‬
‫ذلك أن النداء إقبال على المنادى ‪ ،‬وتخصيص له فلو قيل ‪ ( :‬وإ ذ ) قال موسى ‪ :‬يا قوم إنكم ظلمتم‬
‫أنفسكم لقومه‪.‬‬
‫لما كان‬

‫( ‪)1/289‬‬

‫صفحة رقم ‪290‬‬


‫ال موسى ِلفَتَاهُ ال أ َْب َر ُح ( فإن تقديم المجرور هناك ( بمعنى‬
‫لقومه فائدة بخالف قوله تعالى ‪َ ( :‬وإِ ْذ قَ َ‬
‫) آخر وهو االعتناء بالمقول‪ n‬له وتشريفه ‪ ،‬واالهتمام به وتخصيصه بتلك المقالة دون غيره ‪ ،‬وبين (‬
‫ظلَ ْمتُ ْم أ َْنفُ َس ُكم ( أن اهلل تعالى منزه عن أن يناله شيء من ظلمهم ‪ ،‬وإ نما ضرر ذلك راجع‬
‫بقوله ) ‪َ ) :‬‬
‫( إليهم )‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬وهذا ( يشبه المحدود ) ‪ ،‬فإنه ال تنفع فيه الشفاعة ‪ ،‬وال ( تسقطه ) التوبة كما قال‬
‫أن الحد ال يرتفع ألن الحق هلل تعالى ‪،‬‬
‫اإلمام مالك ه في المحارب ‪ :‬إذا قتل ( أحدا ) فعفا عنه وليه ‪ّ ،‬‬
‫فلذلك قال ‪ ) :‬فاقتلوا أَنفُ َس ُك ْم ( وهذا بيان للتوبة ‪ ( ،‬و ) الفاء ( للتسبيب أو للتعقيب )‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪َ ( :‬ذِل ُك ْم َخ ْيٌر لَّ ُك ْم ‪...‬‬
‫( اإلشارة‬

‫( ‪)1/290‬‬

‫صفحة رقم ‪291‬‬


‫إلى التوبة بشرطها ‪ ،‬وهو القتل ‪ ،‬و ( خير ) هذا إما ( فعل ) ‪ ،‬ألن ( ضده ) وهو عدم التوبة ال خير‬
‫ألن ضده المشارك له في مطلق الخيرية هو التوبة مع علم قتل األنفس ‪.‬‬ ‫ِ‬
‫فيه ‪ ،‬أو أفعل من ‪ّ ،‬‬
‫اب َعلَْي ُك ْم ‪...‬‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬فَتَ َ‬
‫يسرها لكم‪.‬‬
‫( إما علم أنكم تتوبون ‪ ،‬وإ ما على المعنى ألهمكم ( للتوبة ) أو ّ‬
‫قوله تعالى ‪ِ ( :‬إَّنهُ ُه َو التواب الرحيم ( قال ابن عرفة ‪ :‬الوصف بالرحيم دليل لنا على المعتزلة في‬
‫إبطال قاعدة التحسين والتقبيح ‪ ،‬وأن اهلل تعالى ال يجب عليه شيء القتضائها أن توبته على ( العصاة‬
‫) محض رحمة منه وتفضل‪ ( n‬ألن ) الدليل اقتضى وجوب ذلك عليه ‪ ،‬قال اإلمام فخر الدين الرازي‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬يقال ‪ :‬إنه إنما لم يقل ‪ :‬فقتلوا ألن توبتهم ( ملزومة ) لقتلهم ( أنفسهم ) ‪ ،‬فال يبق‬
‫للقتل بعد ذلك محل ‪ ،‬ألنهم قد ماتوا حين التوبة ‪.‬‬

‫( ‪)1/291‬‬

‫صفحة رقم ‪292‬‬


‫قوله تعالى ‪َ ( :‬وإِ ْذ ُقْلتُ ْم ياموسى لَن ُّن ْؤ ِم َن لَ َك ‪...‬‬
‫ألنه من قول السبعين ‪ ،‬وقد كانوا آمنوا به ‪ ،‬وفيه دليل‬
‫( أي لن ندوم على اإليمان لك فليس هو ردة ‪ّ ،‬‬
‫على أن رؤية اهلل سبحانه وتعالى ممكنة جائزة عقال لطلبهم ذلك‪.‬‬
‫فإن قلت ‪ :‬لم يقم الدليل على صحة طلبهم ‪ ،‬فلعلهم آخطؤوا في الطلب ؟ قلنا ‪ :‬نص العميدي في‬
‫الجدل وغيره إذا وقع الشك في شيء إنما يحمل على األمر الغالب فيه ‪ ،‬والغالب في هؤالء أنهم ما‬
‫يطلبون إال األمر الممكن عقال ‪ ،‬فأخبر الشارع أنه غير واقع‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬واستشكل القرطبي تكليفهم بعد إحيائهم من الصعق ( لسقوط ) التكليف بالصعق وإ ذا‬
‫سقط ال يرجع‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ ( :‬وعندي ) ال إشكال ( فيه ) وهو كمن أحرم بالحج وعنده طائر في قفص ‪ ،‬فإنه‬
‫مكلف ( بإرساله ‪ ،‬فإذا أزال إحرامه عادت اإلباحة ‪ ،‬كما كانت أول مرة‪.‬‬
‫وكذلك النائم حالة نومه غير مكلف ) فإذا استيقيظ عاد التكليف‪.‬‬
‫ون (‬
‫قوله تعالى ‪َ ( :‬وأَنتُ ْم تَنظُ ُر َ‬

‫( ‪)1/292‬‬

‫صفحة رقم ‪293‬‬


‫الصاعقة )‬
‫َخ َذتْ ُكم ) فهي إشارة إلى أن ( ّ‬
‫قال ( ابن عرفة ) ‪ ( :‬حال ) من الضمير المفعول‪ n‬في ( أ َ‬
‫نالتهم ‪ /‬على غفلة فصادفتهم ثابتين في النظر واألبصار والعقول ‪ ،‬ولو علموا بها قبل ذلك ألذهب‬
‫أبص َار ُهم وبصائرهم فلم تصادف عندهم إثباتا بوجه ‪ ،‬والمراد بذلك أو أجزاء ( الصاعقة‬
‫الوهم عنهم َ‬
‫)‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪َ ( :‬وإِ ْذ ُقْلَنا ادخلوا هذه القرية ‪...‬‬
‫( قال ابن عرفة ‪ :‬هذا إما خطاب لهم مباشرة أو بواسطة‪.‬‬
‫ألن اهلل تعالى لم يباشرهم بالخطاب إال على لسان نبيه إال أن يكون الخطاب‬
‫واألول ‪ ( :‬يمتنع ) ّ‬
‫لجماعة أنبياء وهو بعيد‪.‬‬
‫والثاني ‪ :‬أيضا ممتنع ألنهم غائبون عن الخطاب ‪ ،‬وفعل اآلمر الغائب إنما يكون بالالم فكيف ( يقول‬
‫) ‪ْ ( :‬اد ُخلُوا )‪.‬‬
‫الرسول لهم منزل منزلة خطاب اهلل لهم قال اهلل تعالى ‪َّ ) :‬من‬
‫وأجيب باختيار أنه مباشرة ‪ ،‬وأن قول ّ‬
‫اع اهلل ( وكما يقول الملك ‪ :‬بنيت داري ‪ ،‬وكاتبت فالنا ( بكذا ) وهو لم يفعله‬
‫ط َ‬‫ُي ِط ِع الرسول فَقَ ْد أَ َ‬
‫بنفسه ‪ ،‬إنما فعله أعوانه وخدمه ‪.‬‬

‫( ‪)1/293‬‬

‫صفحة رقم ‪294‬‬


‫قال ابن عرفة ‪ :‬والقرية إن أريد بها بيت المقدس فصيغة أفعل للطلب ‪ ،‬وإ ن أريد بها ( أريحا ) فهي‬
‫لالباحة‪.‬‬
‫قيل البن عرفة ‪ :‬هذا أمر ورد عقب الحظر فهو لإلباحة ( مطلقا ) ؟ فقال ‪ :‬لم يرد عقب الحظر‬
‫القولي ‪ ،‬وإ نما ( ورد ) عقب ( الحظر ) الجبري ( المعلن ) بالبقاء في أرض وعدم التمكن في‬
‫الخروج عنها أربعين سنة ولم يقع هنالك نهي بالقول حتى يكون هذا أمر بعده‪.‬‬
‫ِ‬
‫ال فَِإَّنهَا ُم َح َّر َمةٌ َعلَْي ِه ْم أ َْرَبع َ‬
‫ين َسَنةً ( فقال ‪ :‬هذا إخبار عن واقع ‪ ،‬ألنهم‬ ‫قيل له ‪ :‬قد قال تعالى ‪ ) :‬قَ َ‬
‫كلفوا بالبقاء فيها وعدم الخروج بل منعوا من ذلك فمقامهم ليس باختيارهم ألجل التكليف به ‪ ،‬بل‬
‫جبرا واضطرارا ألجل عدم قدرتهم على الخروج‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬وعموم ( حيث شئتم ) مخصوص بالمساجد ‪ ( ،‬فإنه ) يمتنع األكل فيها ‪.‬‬

‫( ‪)1/294‬‬
‫صفحة رقم ‪295‬‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬وادخلوا الباب ُس َّجداً ‪...‬‬
‫( أعيد لفظ ( ْاد ُخلُوا ) ( ألجل وصفهم ) سجدا فليس بتكرار ‪ ،‬والمراد بالسجود الركوع لتعذر‬
‫الدخول حالة السجود أو يكون حاال مقدرة ‪ ،‬فيكون الدخول سابقا على السجود‪.‬‬
‫واحتج ابن التلمساني على أن الواو ال تفيد ترتيبا بكون المقدم هنا مؤخرا في سورة األعراف ‪ ،‬فلو‬
‫كانت الواو للترتيب للزم عليه ‪ :‬إما التنافي بين اآليتين ‪ ،‬أو المجاز في أحدهما ‪ ،‬وأجاب بأنه قصد‬
‫الزبير ) بأنه‬
‫تكليفهم ( ( بأن يقولوا ‪ :‬حطة ( حال كونهم ) قبل السجود وبعده ‪ ،‬وأجاب أبو جعفر ( ّ‬
‫قصد تكليفهم ) ) بالجمع بين السجود والقول‪ n‬في حالة واحدة ألن كال األمرين حصل له وصف‬
‫( االهتمام ) بالتقديم‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪َّ ( :‬ن ْغِف ْر لَ ُك ْم َخ َ‬
‫ط َايا ُك ْم ‪...‬‬
‫الرازي ‪ :‬يحتج بها على المعتزلة في قولهم ‪ :‬إن قبول التوبة واجب عقال ألجل ما‬ ‫( قال الفخر ّ‬
‫اشتملت عليه من أوصاف االمتنان بتعداد‬

‫( ‪)1/295‬‬

‫صفحة رقم ‪296‬‬


‫( النعم ) ‪ ،‬فغفران الخطايا نعمة وتفضل ( ال ّانه ) واجب ألجل التوبة‪.‬‬
‫ورده ابن عرفة ‪ :‬بأنهم يقولون ‪ :‬إن االمتنان بهذه النعمة سبب لطريق التوبة والخطايا مرتفعة‬
‫بالتوبة‪.‬‬
‫تضمن الكالم السابق حصول المغفرة لهؤالء‬ ‫قوله تعالى ‪َ ( :‬و َسَن ِز ُ‬
‫يد المحسنين ( قال ابن عرفة ‪ :‬لما ّ‬
‫وعدم المؤاخذة بالذنب فقط من غير زيادة على ذلك أفاد هذا أن المحسنين لهم مع ذلك ثواب جزيل‬
‫أن ) الزيادة إنما هي لمن بالغ في‬ ‫وعبر عنهم باالسم تهييجا على االتصاف بذلك وإ شارة إلى ( ّ‬
‫لينالَها ) من حصل مطلقة وأدناه‪.‬‬ ‫اإلحسان وحصل منه الحظ ( الوافر ) ( َ‬
‫فإن قلت ‪ :‬لم قال هنا ‪َ ) :‬وإِ ْذ ُقْلَنا ادخلوا هذه القرية فَ ُكلُوْا ( ‪ ،‬وفي األعراف ) َوإِ ْذ ِق َ‬
‫يل لَهُ ُم اسكنوا‬
‫هذه القرية َو ُكلُوْا ( قلت ‪ :‬نقل ( لي ) عن القاضي أبي عبد اهلل محمد بن عبد السالم أنه قَال ‪ :‬إن‬
‫كانت القصة واحدة ‪ ،‬وتلك مكررة بهذه ‪ ،‬فعبر‬

‫( ‪)1/296‬‬
‫صفحة رقم ‪297‬‬
‫فيها ب ( قيل لهم ) عن ( ُقْلَنا ) التي في هذه ‪ ،‬وأخبر بما بعد الدخول وهو السكنى ( اللتزامها ) ّإياه‬
‫وان ( كانا ) قصتين فتلك بعد هذه‪.‬‬
‫وأجاب أبو جعفر ( الزبير ) بأنهم أمروا أوال بالوسيلة وهو الدخول ‪ ،‬ثم أمروا ( بالمقصد ) وهو‬
‫السكنى‪.‬‬
‫قال الشيخ أبو جعفر ‪ :‬وعطف هنا بالفاء ألن األكل من الموضع ( ال يكون ) إال بعد الدخول عليه‬
‫ألن السكنى قد تقارن األكل ‪ ،‬وقد يتأخر عنه ‪ ،‬وقد يتقدم ( عليه )‬
‫وعطف في األعراف ( بالواو ) ّ‬
‫قال ابن عبد السالم ‪ :‬أو هما قصتان أو يقال ‪ :‬لما فيهم التعقيب من األول لم يحتج إلى إعادته في‬
‫ث ِشْئتُ ْم َر َغداً (‪.‬‬
‫الثانية وقال هنا ‪َ ) :‬ح ْي ُ‬
‫وأسقط في األعراف ( رغدا ) ألن السكنى يفهم منها المالزمة والدوام وعطفها على األمر باألكل‬
‫من حيث شاء ‪ ،‬وأشعر بدوام األكل من غير مانع ( فتحصل ) فيه معنى الرغد ( فأغنى ) عن ذكره‬
‫هناك وقال هنا ) َّن ْغِف ْر لَ ُك ْم َخ َ‬
‫ط َايا ُك ْم ( ‪،‬‬

‫( ‪)1/297‬‬

‫صفحة رقم ‪298‬‬


‫وفي األعراف على قراءة الجماعة غير أبي عمرو وابن عامر ‪َ ( ،‬ن ْغِف ْر لَ ُك ْم ) َخ َ‬
‫ط َايا ُك ْم ‪ ،‬مجموعة‬
‫جمع سالمة وألن آية البقرة ( بنيت ) على كثرة تعداد النعم فناسبت جمع الكثرة وآية األعراف لم‬
‫يبالغ فيها بكثرة تعداد النعم فناسبت جمع القلة وهو جمع السالمة‪.‬‬
‫وقلت ‪ :‬ونقل ‪ /‬لي عن القاضي ابن عبد السالم أجاب بأن آية البقرة صدرت ب ( ِإ ْذ ُقْلَنا ) المكنى به‬
‫يل لَهُ ُم ( بحذف الفاعل فناسب جمع القلة ‪،‬‬‫عن اهلل تعالى فناسب جمع الكثرة ( ولما ذكر ) هنا ) َوإِ ْذ ِق َ‬
‫يد ) بالواو وفي األعراف بغير واو ألن البقرة بولغ فيها بتعداد ما لم يبالغ في‬ ‫وقال هناك ( َو َسَن ِز ُ‬
‫ين على َما تَقَ ّدم من تعداد النعم بالعفو وزيادة اإلحسان‪.‬‬ ‫ِِ‬
‫الم ْحسن َ‬‫األعراف ‪ ،‬أي ولنجزي ُ‬
‫ظلَ ُموْا قَ ْوالً َغ ْي َر الذي ِق َ‬
‫يل لَهُ ْم ‪...‬‬ ‫قوله تعالى ‪ ( :‬فََب َّد َل الذين َ‬
‫(‬

‫( ‪)1/298‬‬
‫صفحة رقم ‪299‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬يكون القول بذاته مصروفا ( لنقيض ) ال ّشيء ‪ ،‬فينصرف إلى ذلك الشيء باعتبار‬
‫ظلَ ُموْا ) ولم يقل ‪ :‬فََب َّد َل الظالمون ‪ ،‬ألن تعليق الذم على الوصف‬
‫ين َ‬ ‫َِّ‬
‫وعّبر ب ( الذ َ‬
‫حال المخاطب ‪َ ،‬‬
‫ذمهم على ) تبديل القول يستلزم ( ذمهم )‬
‫األعم يستلزم الذم على األخص من باب أحرى ‪ ( ،‬وكذلك ّ‬
‫على تبديل الكالم ( من باب أحرى ) ألنه إذا ( بدل ) أحد قرار المركب انتفى عنه التركيب‪.‬‬
‫فإن قلت ‪ :‬هؤالء إنما بدلوا غير القول الذي قيل لهم ‪ ،‬ومن بدل غير ( ما ) قيل له يذم ‪ ،‬وإ ّنما يذم‬
‫من بدل ال ما قيل له ( بغيره ) ؟ فالجواب بوجوه ‪ :‬إما بأن في اآلية حذفا ‪ ،‬أي فبدل الذين ظلموا‬
‫فقالوا قوال غير الذي قيل لهم ‪ ،‬ويكون ذلك تفسيرا للتبديل كيف هو ‪ ،‬وإ ما بأن ( يشوب ) ( بدل )‬
‫معنى أتى أي فأتى الذين ظلموا قوال غير الذي قيل لهم ‪ ،‬وإ ما بأن يكون ( بدل ) ( تعدى ) إلى الثاني‬
‫على إسقاط حرف الجر أي فبدل الذين ظلموا قوال بغير الذي قيل لهم‪.‬‬
‫وذكر أبو حيان أن البدل قد يتعدى إلى المبدل وهو المعطي بنفسه وإ لى ( المبدل به ) وهو المأخوذ‬
‫بواسطة حرف الجر وأنشد عليه ‪:‬‬

‫( ‪)1/299‬‬

‫صفحة رقم ‪300‬‬


‫وبدلت والدهر ذو تبدل ‪...‬‬
‫( هيفا ) دبورا بالصبا والشمأل والتقدير هنا فبدل الذين ظلموا قوال غير الذي قيل لهم بالقول الذي‬
‫قيل لهم‪.‬‬
‫اهم بِ َجَّنتَْي ِه ْم َجَّنتَْي ِن ( ق ابن عرفة ‪ :‬وأخذ منه منع نقل الحديث‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬وهو كقوله ‪َ ) :‬وَب َّدْلَن ُ‬
‫بالمعنى ‪ ( ،‬ورد بأنهم ) إنما ذموا على تبديل اللّفظ والمعنى‪.‬‬
‫و ( أجيب ) بأن الذم إنما علل ( بتبديلهم القول ‪ ،‬والقول‪ n‬إنما يطلق على اللفظ فقط ) وأيضا فلعل هذه‬
‫اللّفظة متعبد بها فلذلك ذموا على تبديلها‪.‬‬
‫( ورده ) ابن عرفة ( بأنه يلزمكم ) التعليل بأمرين‪.‬‬
‫ظلَ ُموْا ( فعمم ثم خصص ذلك العموم‬ ‫قال القاضي أبو جعفر بن الزبير ‪ :‬وقال هنا ) فََب َّد َل الذين َ‬
‫باألعراف بزيادة منهم ألن المخاطبين ليسوا سواء في االمتثال قال اهلل ‪ِّ ) :‬م ْنهُ ُم المؤمنون َوأَ ْكثَُر ُه ُم‬
‫َنزْلَنا‬
‫الفاسقون ( ولذلك أعاد الظاهر فقال ‪ ) :‬فَأ َ‬

‫( ‪)1/300‬‬
‫صفحة رقم ‪301‬‬
‫ظلَ ُموْا ( ( التختص ) العقوبة بالظالمين ‪ ،‬ولو قال ‪ :‬عليهم الحتمل العموم وهو غير‬ ‫َعلَى الذين َ‬
‫مقصود‪.‬‬
‫ون ( وأجاب بأنه‬ ‫قال ‪ :‬فإن قلت لم قال هنا ‪ ) :‬بِما َك ُانوْا ي ْفسقُون ( وفي األعراف ) بِما َك ُانوْا ي ِْ‬
‫ظل ُم َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ َ‬ ‫َ‬
‫في البقرة وصفهم أوال بالوصف األعم الصادق على أدنى المعاصي وأعالها وهو الظلم ثم باألخص‬
‫ون ( ثم قال هنا ‪ِ ) :‬ر ْجزاً ِّم َن السمآء بِ َما‬ ‫ونا ولكن كانوا أَنفُسهم ي ِْ‬
‫ظل ُم َ‬ ‫َ ُْ َ‬ ‫ظلَ ُم َ‬
‫وهو الفسق فقال ‪َ ) :‬و َما َ‬
‫ون ( ثم بالفسق فقال ‪) :‬‬ ‫َك ُانوْا ي ْفسقُون ( وفي األعراف وصفهم بالظلم في قوله ‪ ) :‬بِما َك ُانوْا ي ِْ‬
‫ظل ُم َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ َ‬
‫ون ( قوله تعالى ‪َ ( :‬وإِ ِذ‬ ‫ِ‬
‫ت َحاض َرةَ البحر ( إلى قوله ) بِ َما َك ُانوْا َي ْف ُسقُ َ‬ ‫َو ْسَئْلهُ ْم َع ِن القرية التي َك َان ْ‬
‫ِ ِ‬
‫اك الحجر ‪...‬‬ ‫ص َ‬ ‫استسقى موسى لقَ ْو ِمه فَ ُقْلَنا اضرب ب َ‬
‫ِّع َ‬
‫( أخذ منه اإلمام المازري جواز استسقاء المخصب للمجدب ألن موسى لم ينله من االحتياج وقد‬
‫استسقى لهم‪.‬‬
‫ورده ابن عرفة بأنه نبي مرسل إليهم وهو معهم فليس مثل هذا ‪.‬‬

‫( ‪)1/301‬‬

‫صفحة رقم ‪302‬‬


‫قوله تعالى ‪:‬‬
‫) فانفجرت ‪...‬‬
‫( أجاز الزمخشري أن تكون الفاء جواب شرط مقدر أي فإن ضربت فقد ( انفجرت ) ‪.‬‬
‫ورده أبو حيان بأن الشرط ال يحذف ‪ ،‬وإ ن سلم ( فيلزمه ) فساد المعنى والتركيب ألن الشرط‬
‫وجوابه مستقبالن ( وانفجرت ) ماض لفظا ومعنى ( إذ ال تدخل الفاء على الماضي إال إذا كان دعاء‬
‫أو ماضيا لفظا ومعنى ) وألنه المفهوم من اآلية‪.‬‬
‫ض َّم ٌن معنى الشرط فليس فيه حذف ‪ ،‬ومنع فساد المعنى‬ ‫بأن ( اضرب ) أمر ُم َ‬ ‫( وأجاب المختصر ) ّ‬
‫ت ُر ُس ٌل ِّمن قَْبِل َك ( قال فجوابه محذوف أي فإن‬
‫وك فَقَ ْد ُك ِّذَب ْ‬
‫والتركيب بأنه ك قوله تعالى ‪َ ( :‬وإِ ن ُي َك ِّذُب َ‬
‫كذبوك فاصبر ألنه كذبت رسل من قبلك‪.‬‬
‫فسر أو لم ينكر ونحوه ‪ ،‬فإنه قد انفجرت ‪ ،‬أي أردنا وحكمنا أنها انفجرت ‪.‬‬
‫وان ضربت ّ‬

‫( ‪)1/302‬‬
‫صفحة رقم ‪303‬‬
‫ٍ‬
‫ماض وعبر عنه بالمستقبل ألجل ( التصديق ) فهو‬ ‫قال ابن عرفة ‪ :‬وقد يقال إن يكذبوك ( فعل )‬
‫حكاية مستقبل مضى ‪ ،‬أي كان مستقبال فصار ماضيا ‪ ،‬وال سيما أنهم حين نزول اآلية كان التكذيب‬
‫قد وقع منهم ألنها ليست من أول ما نزل وكذلك قوله تعالى ‪ِ ( :‬إن َي ْم َس ْس ُك ْم قَ ْر ٌح فَقَ ْد َم َّس القوم قَ ْر ٌح‬
‫ِّمثْلُهُ ( قالوا ‪ :‬أنزلت في غزوة بدر ‪ ،‬وقد كان ذلك واقعا قبلها‪.‬‬
‫ويمكن أن يكون معنى ( تلك ) اآلية وأن يدوموا على تكذيبك وال يزال الشرط مستقبال ‪ ،‬وقول‬
‫الصفاقسي ‪َّ :‬‬
‫أن ( اضرب ) مضمن معنى الشرط‪.‬‬
‫قال الزمخشري ‪ :‬جعل الفاء جواب الشرط ( مقدر ) ألنها جواب شرط مفهوم من األمر فلم يتوارد‬
‫على محل واحد‪.‬‬
‫اح ٍد ‪...‬‬
‫طع ٍام و ِ‬ ‫قوله تعالى ‪ ( :‬وإِ ْذ ُقْلتُم ياموسى لَن َّن ْ ِ‬
‫صب َر على َ َ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫( اإلقبال بالخطاب تأكيد لما تضمنه الكالم من المدح واإلكرام أو الذم والتوبيخ‪.‬‬
‫( قوله )‪.‬‬
‫صبَِر )‬ ‫) لَن َّنصبِر على َ ٍ ِ ٍ‬
‫ط َعام َواحد ( ( أنظر ما فيه ) من الجفاء والغلظة والجهل لقولهم ‪ ( :‬لَن َّن ْ‬ ‫ْ َ‬
‫َّك ) ولم يقولوا ( َربََّنا ) وجعلوه واحدا إما‬
‫ولقولهم ( َرب َ‬

‫( ‪)1/303‬‬

‫صفحة رقم ‪304‬‬


‫من جهة أنه كله ( خبز ) ( أو ) إدام للخبز ‪ ،‬وليس فيه خبز بوجه ‪ ،‬وإ ما من ( أجل ) تكرر كل يوم‬
‫بعينه من غير أن يتبدل‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪ِ ( :‬من َب ْقِلهَا َو ِقثَّآئِهَا ‪...‬‬
‫(‪.‬‬
‫قيل ‪ /‬البن عرفة ‪ :‬هل هذا ترق بدأوا بالبقل ثم بالفوم وهو القمح ؟ فقال ‪ ( :‬بعيد ) لقوله ( وبصلها )‬
‫فهو في هذا ٍّ‬
‫تدل‪.‬‬
‫ون الذي ُه َو أدنى بالذي ُه َو َخْيٌر ‪...‬‬ ‫ِ‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬أَتَ ْستَْبدلُ َ‬
‫(‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬كان الشيخ أبو عبد اهلل بن سالم يقول ‪ :‬إن هؤالء لم يطلبوا ذلك بدال من طعامهم بل‬
‫احٍد ( ولم يقولوا ‪ :‬لن نحب هذا الطعام فكيف أنكر‬‫طع ٍام و ِ‬ ‫زيادة عليه لقولهم ‪ ) :‬لَن َّن ْ ِ‬
‫صب َر َعلَى َ َ َ‬
‫طعام الذي طلبوه فإنه ينقص أكلهم من‬
‫عليهم استبداله ؟ قال ‪ :‬وتقدم الجواب عنه بأنهم إذا أكلوا من ال ّ‬
‫الطّعام األول بقدر ما أكلوا من هذا فقد حصلت لهم ( المبادلة ) في ذلك المقدار فمن كان يأكل رطال‬
‫المن‬
‫من ّ‬

‫( ‪)1/304‬‬

‫صفحة رقم ‪305‬‬


‫والسلوى قبل ذلك يصير اآلن يأكل ( منه ) نصف رطل أو أقل‪.‬‬
‫نعم إنهم ( يجتمعون ) في ملك واحد‪.‬‬
‫وح ْوز واحد وال يجتمع ذلك في ( بطن ) واحد إالّ على الصفة التي ذكرنا‪.‬‬
‫َ‬
‫قيل البن عرفة ‪ :‬قد ( ال ) يأكل اإلنسان من ( الخبز ) واإلدام ‪ ،‬والخبز أكثر ( مما ) يأكل من كل (‬
‫واحد ) منها على انفراده ؟ فقال ‪ :‬وكذلك ( أيضا ) يأكل من العسل إذا ( عقد ) وصنع ( خبيصا أو‬
‫نحوه ) كثيرا‪.‬‬
‫قيل البن عرفة ‪ :‬أو يجاب بأنهم طلبوا النقلة من ذلك الموضع ( إلى موضع ينبت فيه البقل والقثاء‬
‫والفوم وما قام الدليل على أن ذلك الموضع ) المنتقل إليه ينزل عليهم فيه المن والسلوى وكأنهم طلبوا‬
‫االستبدال ‪.‬‬

‫( ‪)1/305‬‬

‫صفحة رقم ‪306‬‬


‫صراً ( من كالم موسى‬ ‫ِ‬
‫فقال ( ابن عرفة ) ‪ :‬هذا صحيح لو كان ( هذا ) من كالمهم ألن ) اهبطوا م ْ‬
‫عليه السالم عن اهلل تعالى ‪ ،‬فالذم إنما هو على طلبهم االستبدال وطلب ( االستبدال ) ليس من‬
‫كالمهم‪.‬‬
‫( ( بل ( من ) داللة الحال واألمر العادي ) ) فهو الزم قولهم ‪ ،‬ألن تلك األرض لم تجر العادة‬
‫بإنباتها تلك األشياء ( فطلبهم تلك األشياء ) يستلزم طلبهم النقلة منها إلى أرض تُنبِتُها وال ينزل فيه‬
‫المن والسلوى‪.‬‬
‫والذم إنما هو على سؤالهم‪.‬‬
‫بنص في أنهم‬
‫قيل البن عرفة ‪ :‬هذا كله على تسليم السؤال ‪ ،‬ولنا أن نمنعه ونقول ‪ :‬إن سؤالهم ليس ّ‬
‫طلبوا الزيادة بل ( هو ) ظاهر في ذلك فقط ؟ والجواب ( أنهم لهم ) نص في طلبهم االستبدال وإ نما‬
‫عبروا عنه بلفظة محتملة احتماال مرجوحا ‪ ،‬وربما ينافيه‪.‬‬
‫ّ‬
‫ومعنى كالمهم ‪ :‬لن نصبر على هذا الطعام ألنه طعام واحد بل نرجع إلى أطعمتنا المعتادة المتعودة‪.‬‬
‫فقال ابن عرفة ‪ :‬هذا هو الحق واهلل أعلم‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬الذي ُه َو أدنى ‪...‬‬
‫(‪.‬‬

‫( ‪)1/306‬‬

‫صفحة رقم ‪307‬‬


‫والمن والسلوى ينزل عليهم بال كلفة ‪ ( ،‬أو ) أنه‬
‫ّ‬ ‫سماه ( أ َْدَنى ) لكونه يأتيهم بعد تكليف ومشقة ‪،‬‬
‫حالل محض أو بأنه أل ّذ وأطيب ‪ ،‬أو أنه الذي أمرهم اهلل به ففي أكله الشكر عليه نعمة وأجر‪.‬‬
‫قلت لشيخنا ابن عرفة ‪ :‬مساق اآلية يقتضي أنه فيه دناءة قليلة مع أنه خير كله ؟ فقال ‪ :‬ال يريد الذي‬
‫هو أدنى من طعامكم ( هذا ‪ ،‬بل يريد الذي هو أدنى ) باإلطالق فليس في المن والسلوى دناءة‪.‬‬
‫قال القرطبي ‪ :‬يؤخذ من اآلية تفضيل المستلذات الدنيوية ‪ ،‬وأنها مباحة راجحة ليس فيها مرجوحية‬
‫بوجه ألجل وصفها بالخير‪.‬‬
‫( فرده ) ابن عرفة بأنه يلزم من ذلك رجحانها ‪ ،‬فلعل وصفها‪ n‬بالخير ألجل أنها تنال بال مشقة وال‬
‫تكلف‪.‬‬
‫ت َعلَْي ِه ُم الذلة والمسكنة ‪...‬‬
‫ض ِرَب ْ‬
‫قوله تعالى ‪َ ( :‬و ُ‬
‫(‪.‬‬
‫( قال ابن عرفة ) ‪ :‬المسكنة إن كانت من أقسام الفقر فهي مغايرة ( للذلة ) ‪ ،‬وإ ن لم تكن من أقسامه‬
‫فيكون المسكين هو الذي يسأل ‪ ،‬والذلة مسكنة من غير سؤال ‪ ،‬وضرب الذلة عليهم يطلق يصدق‬
‫بصورة إما في عصر من األعصار وهو زمن بعثة نبينا‬

‫( ‪)1/307‬‬

‫صفحة رقم ‪308‬‬


‫تعم الذلة اليهود في كل بلد ‪ ،‬أو يكون في بعض البالد ‪ ،‬أو في زمن‬
‫سيدنا محمد إلى اآلن ( وكذا ) ّ‬
‫عيسى وما بعده إلى اآلن وسجل عليهم بوصف الغضب ‪ ،‬وكونه من اهلل تعالى فهو أشد عليهم‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ون بِ َآيات اهلل َوَي ْقتُلُ َ‬
‫ون النبيين ‪...‬‬ ‫قوله تعالى ‪َ ( :‬ذل َك بِأََّنهُ ْم َك ُانوْا َي ْكفُُر َ‬
‫(‪.‬‬
‫ذمهم على قبح ما صدر منهم في ( قوتهم ) العلمية والعملية ‪ ،‬و ( جمع ) األنبياء‬
‫قال ابن عرفة ‪ّ :‬‬
‫مبالغة في كثرة قتلهم ‪ ،‬وكذلك جمع الضمير في ( يقتلون ) ‪ ،‬أو يكون حقيقة‪.‬‬
‫وقد قال اإلمام مالك ه في جامع العتيبية ‪ :‬بلغني أنه مات في مسجد ( الخيف ) كذا كذا كذا نبي ماتوا‬
‫كلهم بالقمل والجوع‪.‬‬
‫( قال ابن رشد ) ‪ :‬لزهدهم في الدنيا أو آلن اهلل تعالى يبتلي عباده المؤمنين باإلذاية ليصبروا ( فيه )‬
‫فيعظم أجرهم عند اهلل‪.‬‬
‫قال ابن عطية ‪ :‬من همز النبيء فهو عنده من ( اإلنباء ) إذا أخبر ‪.‬‬

‫( ‪)1/308‬‬

‫صفحة رقم ‪309‬‬


‫قال ( ابن عرفة ) ‪ :‬معناه كونه يخبر الناس بأنه يوحى إليه على الجملة‪.‬‬
‫والرسول يبلغهم األحكام والشرائع ويدعوهم إلى اإليمان‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬بِ َغ ْي ِر الحق ‪...‬‬
‫(‪.‬‬
‫الدعوى ‪،‬‬
‫ما الفائدة فيه مع أن قتل األنبياء ال يكون إال كذلك ؟ وأجاب الزمخشري بأنه الحق باعتبار ّ‬
‫كما إذا تخاصم رجالن فكل واحد منهما يزعم أنه على الحق ولدعواه مرجح ‪ ( ،‬وهم يقتلون ) وال‬
‫يستندون في ( قتلهم ) إلى شبهة بوجه ‪ ،‬وهم بحيث لو سئلوا عن موجب ذلك لم يستحضروا له سببا‪.‬‬
‫ق ( فهو مطلق وهذا ( معرف ) بالعهد أي بغير الحق المعهود في‬ ‫وفي سورة آل عمران ) بِ َغ ْي ِر َح ٍّ‬
‫النبيئين ال يكون إالّ بغير ذلك الحق‪.‬‬
‫الدعاوى ال الحق الثابت في نفس األمر ألن قتل ّ‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬ذلك بِ َما َع َ‬
‫صوْا ‪...‬‬
‫(‪.‬‬
‫و ‪ /‬إن كانت اإلشارة إلى المشار إليه أوال فهو من التعليل بعلتين فأكثر ( فيجيء ) فيه تعداد ( العلل‬
‫يصح‬
‫ّ‬ ‫‪ ،‬والعلل ) الشرعية‬

‫( ‪)1/309‬‬

‫صفحة رقم ‪310‬‬


‫تعددها مطلقا ‪ ،‬وكذلك العقلية ( تتعدد ) لكن بالنوع ال بالشخص ‪ ،‬وإ ن كانت اإلشارة إلى العلة‬
‫ّ‬
‫األولى فيكون من تعليل المعصية بمعصية أخرى‪.‬‬
‫فإن قلت ‪ :‬إذا كانتا علتين فهال عطف بالواو ولم ( يكرر ) سم اإلشارة بكأن يقال ‪ :‬وبما عصوا ؟‬
‫فالجواب ‪ :‬أنه إشارة إلى أن كل واحدة منهما علة مستقلة يحسن التعليل بها‪.‬‬
‫فإن قلت ‪ :‬لم أُ ّكدت األولى دون الثانية بأن ؟ قلنا ‪ ( :‬الغرابة ) القتل ‪ ،‬وعدم تكرره بخالف المعصية‬
‫ويتجدد شيئا فشيئا ‪ ،‬ونفي ( أكثريته ) ال يدعيه أحد‪.‬‬
‫ّ‬ ‫فإنه يكثر تكرره ‪،‬‬
‫واالعتداء ّ‬
‫قال الطيبي ‪ :‬على أن القتل واالعتداء علتان ( تكون ) األولى للمصاحبة بمعنى مع ‪ ،‬والثانية للسبب‪.‬‬
‫وفيه ( تقديم ) وتأخير ‪ ،‬أي ذلك بكفرهم ( وعصيانهم ) مع قتلهم النبيئين بغير الحق‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬الصواب إنما للسبب مطلقا وال يحتاج إلى تقديم وال ( إلى ) تأخير‪.‬‬
‫ام َن باهلل واليوم اآلخر ‪...‬‬
‫قوله تعالى ‪َ ( :‬م ْن َء َ‬
‫(‬

‫( ‪)1/310‬‬

‫صفحة رقم ‪311‬‬


‫امُنوْا ( و ( َما ) عطف عليه فجيء فيه استعمال اللفظ ( الواحد ) في حقيقته‬
‫بدل من ) الذين َء َ‬
‫عبر به‬
‫ءام َن ( مجاز في حقهم ‪ّ ،‬‬
‫حصلوا ) اإليمان ‪ ،‬فقوله ‪َ ) :‬م ْن َ‬
‫ومجازه ‪ ،‬ألن المؤمنين ( ّ‬
‫والصابئين إن شاء فهو حقيقة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫المداومة على اإليمان ( وإ يمان اليهود والنصارى‬
‫ويمكن أن يراد بالجميع المداومة على اإليمان ) ‪ ،‬ألن النصارى إذا داموا على اإليمان بملة نبيهم‬
‫يؤمنون ( بمحمد ) ألن ( من ) ملة نبيهم عليه السالم اإليمان بملة سيدنا محمد ‪ ،‬وإ ن لم يؤمنوا به فلم‬
‫يؤمنوا بملّتهم ( قط ) انتهى‪.‬‬
‫ص ِالحاً ‪...‬‬ ‫ِ‬
‫قوله تعالى ‪َ ( :‬و َعم َل َ‬
‫(‪.‬‬
‫قال ( ابن عرفة ) ‪ :‬أي فيمن لم ( تخترمه ) المنية‪.‬‬
‫َج ُر ُه ْم ِع َ‬
‫ند َرِّب ِه ْم ‪...‬‬ ‫قوله تعالى ‪َ ( :‬فلَهُ ْم أ ْ‬
‫(‪.‬‬
‫هذا ثواب ( تفضلى ) سماه أجرا إشعارا بتأكده حتى كأنه واجب كأجرة األجير على عمله ‪.‬‬

‫( ‪)1/311‬‬
‫صفحة رقم ‪312‬‬
‫ف َعلَْي ِه ْم َوالَ ُه ْم َي ْح َزُن َ‬
‫ون ( ‪.‬‬ ‫قوله تعالى ‪َ ( :‬والَ َخ ْو ٌ‬
‫عبر عن الخوف باالسم ‪ ،‬وعن الحزن بالفعل ‪ ،‬ألن الخوف يتعلق بالمستقبل ‪ ،‬والحزن بالماضي ‪،‬‬
‫وتذكر اإلنسان لألمر المستقبل وتألمه منه وخوفه أشد من تألمه من الماضي يعرض له التناسي إذا‬
‫يشتد ( الخوف ) منه متى قرب أمره ‪ ،‬ويتزايد أمره ويتأكد ثبوته في النفس ‪،‬‬
‫بعد أمره ‪ ،‬والمستقبل ّ‬
‫ففي كل واحد منهما على ما هو عليه‪.‬‬
‫ألنه ( يتجدد زيادة ) ؟ قلنا ‪ :‬التجديد تأكيد لثبوت الخوف ( في النفس ) ‪،‬‬ ‫فإن قلت ‪ :‬هال كان بالفعل ّ‬
‫وليس هو ( أمرا ) مغايرا لألول‪.‬‬
‫َخ ْذَنا ِميثَاقَ ُك ْم ‪...‬‬
‫قوله تعالى ‪َ ( :‬وإِ ْذ أ َ‬
‫( قال ابن عرفة ‪ :‬الواو إما عاطفة ‪ ،‬والعامل فيه ( ا ْذ ُك ُروا ) المتقدم أو استئناف ( والعامل فيه‬
‫( اذكروا ) ) مقدر‪.‬‬
‫( والَّذي قرره المفسرون ) عند قول اهلل ّ ‪ُ ) :‬خ ُذوْا َمآ َءاتَْيَنا ُكم بِقَُّو ٍة (‪.‬‬
‫اآلية‪.‬‬
‫وقدر الفخر ابن الخطيب وجه مناسبتها لما قبلها ( بأنها ) نعمة ‪.‬‬

‫( ‪)1/312‬‬

‫صفحة رقم ‪313‬‬


‫ادوْا ( إلى آخره ‪،‬‬
‫امُنوْا والذين َه ُ‬ ‫قال ابن عرفة ‪ :‬الصواب أنها وعظ ‪ ،‬ألن قبلها ) ( َّ‬
‫إن ) الذين َء َ‬
‫وهو وعظ ونعمة ( لجميع الملل )‪.‬‬
‫ولما كانت بنو إسرائيل أقرب الناس إلى اإليمان واالتباع لوجهين ‪ :‬إما ألن ملّتهم أقدم من ( ملة )‬
‫النصارى ‪ ،‬وإ ما ألنهم كانوا أكثر أهل المدينة ‪ ،‬فإيمانهم سبب في إيمان غيرهم وتعنتهم ( وفرارهم )‬
‫ّ‬
‫سبب في امتناع غيرهم أ ّكد ذلك بإعادة الوعظ لهم بخصوصيتهم في هذه اآلية ‪ ،‬ولذلك ( كررت )‬
‫قصتهم في القرآن ( في ) غير ما سورة أكثر ( مما ) تكرر غيرها من القصص‪.‬‬ ‫ّ‬
‫و قوله تعالى ‪ِ ( :‬ميثَاقَ ُك ْم ( إما أن يريد ميثاق آبائكم ‪ ( ،‬أو ) المراد المخاطبون ( الموحدون )‬
‫( حين ) ما أنالوه ‪ ،‬والمراد الجميع ألن أخذ الميثاق كان على آبائهم ‪ ،‬وعلى من يأتي ( بعدهم ) من‬
‫ذريتهم إلى قيام الساعة ‪.‬‬
‫وضعف الثاني بقوله ‪َ ) :‬و َرفَ ْعَنا فَ ْوقَ ُك ُم الطور ‪...‬‬
‫(‪.‬‬
‫بأن المراد رفعنا فوق آبائكم وفوقكم ‪.‬‬
‫وأجاب ابن عرفة ‪ّ :‬‬
‫( ‪)1/313‬‬

‫صفحة رقم ‪314‬‬


‫قال أبو حيان ‪ :‬حال من الطور‪.‬‬
‫وضعف كونه حاال من الضمير في ( رفعنا ) لما يلزم عليه من إيهام كون الرافع في مكان‪.‬‬
‫فإن ( قلت ) ‪ :‬الفوقية تستلزم الرفع ؟ قلنا ‪ :‬قد يكون إنسان فوق آخر بمقدار قامة فيقال ( رفعته )‬
‫عليه إذا علوت ( به ) عليه مقدار قامتين ‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪َ ( :‬و َرفَ ْعَنا ‪...‬‬
‫(‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬إما حال ‪ ،‬أي أخذنا ميثاقكم في هذه الحالة أو المراد أخذنا عليكم الميثاق فلم تقبلوا ‪،‬‬
‫فرفعنا فوقكم الطور‪.‬‬
‫كما قال المفسرون في سبب نزول اآلية‪.‬‬
‫قال ابن عطية ‪ :‬خلق اهلل وقت سجودهم اإليمان في قلوبهم ‪ ،‬ألنهم آمنوا كرها وقلوبهم غير مطمئنة‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬المذهب العتبار اإليمان الجبري ‪ ،‬ولذا يجبر الكفار على اإليمان ( ويقاتلون عليه )‬
‫بالسيف ‪ ،‬وإ ّنما ( تعتبر ) النية ( واإلرادة ) في الثواب والقبول المرتب عليه ‪ ،‬وكما قالوا في الزكاة‬
‫‪ :‬إنها تؤخذ من أربابها جبرا ‪.‬‬

‫( ‪)1/314‬‬

‫صفحة رقم ‪315‬‬


‫قال ابن عطية ‪ :‬اإليمان المتفق عليه الذي ال شبهة فيه وال ريبة وليس قصده اإليمان المخرج من‬
‫( عهدة ) التكليف‪.‬‬
‫( ( قوله تعالى ‪ ( :‬واذكروا ما ِف ِ‬
‫يه ‪...‬‬ ‫َ‬
‫(‪.‬‬
‫ابن عطية ‪ :‬أي ( تدبروه ) وال تنسوه ‪ ،‬وامتثلوا أوامره ( ووعيده ) ) )‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬أو اذكروه لغيركم وعلموه له‪.‬‬
‫قيل البن عرفة ‪ :‬ال يناسب أن ( يعلل ) هذا بالتّقوى ‪ ،‬فإنه قد يكون المعلم غير متَّ ٍ‬
‫ق ( هلل ) ؟ فقال ‪:‬‬
‫قد يكون ( تذكيره ) لغيره سببا في ( انزجاره هو ) ‪ ،‬وتذكيره في نفسه‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬ثَُّم تََولَّْيتُم ‪...‬‬
‫( ( ( قال ابن عرفة ‪ ( :‬ثَُّم ) إما لبعدها ما بين منزلة ( اإليمان والكفر ) أو للمهلة حقيقة ) ) ‪.‬‬

‫( ‪)1/315‬‬

‫صفحة رقم ‪316‬‬


‫قيل البن عرفة ‪ :‬الحقيقة متعذرة ‪ /‬فإن ( من ) البتداء الغاية ‪ ،‬وليس بين أول أزمنة البعدية وآخر‬
‫أخ ِذ الميثاق ) تراخ بوجه ؟ قال ابن عرفة ‪ :‬األولية مقولة بالتشكيك في أزمنة البعدية‪.‬‬
‫أزمنة ( ْ‬
‫قيل البن عرفة ‪ :‬هذا يرجح أن المراد أخذنا ميثاق آبائكم ألن المخاطبين لما ( أسلموا ) لم يرتد منهم‬

‫أحد ؟ فقال ابن عرفة ‪ :‬يفهم هذا كما ي ْفهم في قوله تعالى ‪ ( :‬والذين كفروا أ َْوِلَي ُ‬
‫آؤ ُه ُم الطاغوت‬
‫ونهُم ِّم َن النور ِإلَى الظلمات ( ألنه لم يحصل لهم النور فقط ‪ ،‬لكن لما كانت أدلته واآلثار التي‬
‫ُي ْخ ِر ُج َ‬
‫هي سبب فيه سهلة ُمتيسرة ( قريبة ) لفهمهم ال مشقة عليهم ( فيها ) فصاروا كأنهم حصل لهم‬
‫ردة وخروج من النور‬
‫اإليمان بالفعل لحصول ( أثره ) أي شرائطه وأسبابه ‪ ( ،‬فعدم ) إيمانهم كأنه ّ‬
‫إلى الظلمات‪.‬‬
‫ض ُل اهلل َعلَْي ُك ْم َو َر ْح َمتُهُ ‪...‬‬
‫قوله تعالى ‪َ ( :‬فلَ ْوالَ فَ ْ‬
‫(‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬هذا ليس بتكرار ‪ ،‬بل فضل اهلل راجع إلى قبول التّوبة ‪ ( ،‬ورحمته ) راجعة إلى‬
‫أن فضل اهلل‬
‫نفس التوبة ‪ ،‬أو ّ‬

‫( ‪)1/316‬‬

‫صفحة رقم ‪317‬‬


‫راجع إلى الثواب واإلنعام ‪ ،‬ورحمته أعم من ذلك ( تتناول ) رفع المؤلم فقط ‪ ،‬أو دفعه مع ( جلب )‬
‫المالئم ‪ ،‬فهو من عطف األعم على األخص‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪َ ( :‬ولَقَ ْد َعِل ْمتُ ُم الذين اعتدوا ِمن ُك ْم ِفي السبت ‪...‬‬
‫( فرق الفخر في المحصول بين العلم والمعرفة ‪ ،‬أن العلم من قسم التصديق والمعرفة من التصور‪.‬‬
‫فرد ) عليه بقوله ‪ :‬عرفت زيدا أبا من هو ؟ وأجيب بأن متعلق العلم تصديق ومتعلق المعرفة‬
‫( ّ‬
‫تصور‪.‬‬
‫الر ْح َمن ‪ ،‬انتهى‪.‬‬
‫وانظر ما قيدت في سورة ّ‬
‫قوله ) ِفي السبت (‪.‬‬
‫السبت‪.‬‬
‫السبت أو ( في ) حكم ّ‬
‫( قال ابن عطية ) ‪ :‬والسبت أي في يوم ّ‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬االعتداء إنما يتعلق بحكم اليوم ال بنفس اليوم فال بد من ( تقرير ) لفظ الحكم ‪.‬‬

‫( ‪)1/317‬‬

‫صفحة رقم ‪318‬‬


‫السبوت وهو الراحة والدعة ‪ ،‬وإ ما بمعنى القطع‪.‬‬
‫إما من ّ‬
‫السبت ّ‬
‫ابن عطية ‪ّ :‬‬
‫ألن الراحة إما تحصل بقطع الشواغل والمشوشات ‪ ،‬أو هما‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬هما راجعان للقطع ّ‬
‫متغايران تغاير العلة والمعلول فالقطع سبب في الراحة‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ ( :‬واعلم أن ) هذا انذار لهؤالء الحاضرين أي ( أولئك ) عوقبوا بالمسخ مع أنهم‬
‫مؤمنون بموسى ‪ ،‬ومعصيتهم إنما هي بالتعدي في السبت ( وفيها سوى الكفر ) فهؤالء الكافرون‬
‫بالرسول الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة واإلنجيل فمعصيتهم أشد‪.‬‬
‫ين (‪.‬‬ ‫ِِ‬
‫قوله تعالى ‪َ ( :‬خاسئ َ‬
‫ونوْا ) ومنع أبو حيان والطيبي أن يكون حاال من ) ِق َر َدةً ( إذ لو كان‬
‫( قيل ) ‪ :‬حال من فاعل ( ُك ُ‬
‫حاال منها لقيل ‪ :‬خاسئة‪.‬‬
‫ورده ابن عرفة بجواز ‪ :‬من كانت أمك ‪ ،‬ومن كان ( أمك ) ؟‬

‫( ‪)1/318‬‬

‫صفحة رقم ‪319‬‬


‫فقد أجازوا تذكير اسم كان مراعاة للفظ ( مع أن خبره مؤنث ) فلذلك يصح إتيان الحال جمع سالمة‬
‫بالياء والنون من خاسئة وإ ن كان جمع ما ال يعقل لكونه خبرا عن مذكر عاقل‪.‬‬
‫قال ابن عطية ‪ :‬وثبت أن الممسوخ ال ينسل وال يأكل وال يشرب وال يعيش أكثر من ثالثة أيام‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬وقول اإلمام مالك ه ‪ :‬إن القرد ال يؤكل ألنه مسخ يريد أنه شبيه ( بالممسوخ )‬
‫وعلى صفته‪.‬‬
‫وخرج مسلم في كتاب ( الزهد ) والرقائق في صحيحه عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة قال‬
‫ّ‬
‫الفأر إذا وضع‬
‫رسول اهلل ( ( فقدت ) أمة من بني إسرائيل ال ( يدرى ) ما فعلت ( وإ ني ألراها ) إال َ‬
‫لها ألبان اإلبل ال تشربه فإذا وضع لها ألبان الشاء شربته ) قلت ‪ :‬وخرجه اإلمام البخاري في كتابه ‪.‬‬
‫( ‪)1/319‬‬

‫صفحة رقم ‪320‬‬


‫( ابن عطية ) ‪ :‬ظاهره أن الممسوخ ينسل ‪ ،‬فإذا كان أراد هذا فهو ظن منه ال مدخل له في التبليغ ثم‬
‫أوحي إليه بعده أنه ال ينسل‪.‬‬
‫قلت ‪ ( :‬وكذا تأوله ابن رشد في كتاب الجامع الثالث من البيان‪.‬‬
‫النخل فلم يثمر ذلك العام إال‬
‫ونظير هذا نزوله عليه السالم على مياه بدر ‪ ،‬وأمره لهم بترك تذكير ّ‬
‫الصالة والسالم ‪ ( :‬إذا أخبرتكم برأي من أمور دنياكم فإنما أنا بشر وأنتم أعلم‬
‫يسيرا فقال لهم عليه ّ‬
‫بدنياكم )‪.‬‬
‫وخرج مسلم في كتاب الصيد والذبائح عن جابر ابن عبد اهلل قال ‪ :‬أتى رسول اهلل بضب‬
‫( قلت ) ‪ّ :‬‬
‫فأبى أن يأكل منه وقال ‪ ( :‬ال أدري لعله من القرون التي مسخت )‪.‬‬
‫وخرج أيضا عن أبي نضرة عن أبي سعيد قال ‪ ( :‬قال ‪ :‬رجل يا رسول اهلل ّإنا بأرض مضبة فما‬
‫تأمرنا ؟ قال ‪ :‬ذكر لنا أن أمة من بني إسرائيل مسخت ) ( فلم يأمر ولم ينه )‪.‬‬
‫وفي رواية ( غضب ‪ :‬اهلل على ( سبط ) من بني إسرائيل فمسخهم دواب يدبون في األرض ‪ :‬فال‬
‫أدري لعل هذا منها ‪ ( ،‬فلست ) آكلها وال أنهى عنها ) ‪.‬‬

‫( ‪)1/320‬‬

‫صفحة رقم ‪321‬‬


‫قال ابن عرفة ‪ :‬فإن قلت ‪ :‬يعارض حديث مسلم ‪ ،‬أي هذا الحديث ألنه أفاد بأن ( الممسوخ ) ال‬
‫يعيش أكثر من ثالثة ( أيام ) ؟ فيجاب بأن مراده في الضب أنه مثل المسخ‪.‬‬
‫قيل البن عرفة ‪ ( :‬مثل المسخ ) كونه شبيها ال يوجب تحريمه ؟ فقال ‪ :‬حرمه ألنه مسخت أمة على‬
‫صفته ( فلوال أنه مستقبح مستكره عند اهلل لما مسخت تلك األمة على صفته )‪.‬‬
‫فقيل له ‪ :‬أو يكون هذا الكالم منه قبل أن يوحى إليه لحديث ‪ :‬أن ( الممسوخ ) ال يعيش أكثر من‬
‫والضب ( حيوان ) يشبه الحرضون إال أن لونه أسود وسيره غير مسرع يكون في‬
‫ّ‬ ‫ثالثة أيام‬
‫الصحاري‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬وخرج مسلم في آخر كتاب القدر عن عبد اهلل بن مسعود ه قال رجل ‪ :‬يا رسول اهلل القردة‬
‫النبي صلى اهلل عليه وسلّم ‪ ( :‬إن اهلل ( لم ) يهلك قوما ويعذب‬
‫والخنازير هي مما مسخ ؟ فقال ‪ّ /‬‬
‫قوما فيجعل لهم نسال ‪ ،‬وإ ن القردة والخنازير كانوا قبل ذلك )‪.‬‬
‫( ذكره في باب ضرب اآلجال وقسم األرزاق ‪ ،‬انتهى ) ‪.‬‬

‫( ‪)1/321‬‬

‫صفحة رقم ‪322‬‬


‫وهذا إنذار للموجودين ( حين ) نزول اآلية‪.‬‬
‫أي القوم المتقدمون منكم عوقبوا مع أنهم مؤمنون بعيسى عليه السالم ‪ ،‬ومعصيتهم إنما كانت في‬
‫الفروع ‪ ،‬وأنتم كافرون فمعصيتكم أشد وعقوبتكم أشد‪.‬‬
‫وجعل ابن التلمساني شارح المعالم صيغة أفعل هنا للتكوين كما قال ابن عطية‪.‬‬
‫اها ‪...‬‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬فَ َج َعْلَن َ‬
‫( ابن عطية ‪ :‬المراد إما جعلنا العقوبة أو المسخة أو األمة الممسوخة أو القردة أو القرية ‪ ،‬وقيل ‪ :‬أو‬
‫الحيتان وفيه ُب ْع ٌد‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬لِّ َما َب ْي َن َي َد ْيهَا ‪...‬‬
‫(‪.‬‬
‫ابن عطية ‪ :‬عن السدي قيل ‪ :‬لما قبلها من ذنوب القوم وما بعدها من يذنب بعد ذلك ( مثل تلك‬
‫الذنوب )‪.‬‬
‫وقيل ‪ :‬لما بين يديها أي لما قبلها من األمم ‪ ،‬وما خلفها أي لما بعدها من األمم ‪ ،‬ألن ( مسختهم )‬
‫ذكرت في كتب من تقدمهم من األمم ‪ ،‬وعلموا بها فاعتبروا وانزجروا‪.‬‬
‫ِ‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬إ َّن اهلل َيأ ُ‬
‫ْم ُر ُك ْم أَن تَ ْذَب ُحوْا َبقََرةً ‪...‬‬
‫(‬

‫( ‪)1/322‬‬

‫صفحة رقم ‪323‬‬


‫يتوصل (‬
‫ّ‬ ‫قال ابن عرفة ‪ :‬هذا األمر ( على الوجوب ) على تقدير عدم العفو من أولياء القتيل ألن ما‬
‫إلى الواجب ) إالّ به فهو واجب‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬قالوا أَتَتَّ ِخ ُذَنا ُه ُزواً ‪...‬‬
‫( هذا على سبيل الغفلة والذهول من غير تأمل ‪ ( ،‬وإ ن ) قالوه بعد تأمل فهو كفر ‪ ،‬ألن نسبة‬
‫االستهزاء إلى النبيء كفر‪.‬‬
‫و قوله تعالى ‪ ( :‬اهلل َي ْستَ ْه ِزئُ بِ ِه ْم ( من مجاز المقابلة َك ) َو َم َك ُروْا َو َم َك َر اللَّهُ ( ال أنه حقيقة ‪،‬‬
‫وقُ ِرىء ( َيتَّ ِخ ُذَنا ) بياء الغيبة ‪ ،‬فإن كان فاعله عائدا على اهلل تعالى فهو أشد في الكفر والتعنت ‪ ،‬وإ ن‬
‫كان عائدا على موسى عليه السالم فهو أخف من ( اقترانه ) ( بتاء ) الخطاب ألنهم حينئذ ( يكون )‬
‫قالوا ذلك بعضهم لبعض في ( حالة ) غيبة موسى عنهم ‪ ،‬ولم يباشروه بهذه المقالة‪.‬‬
‫ون ِم َن الجاهلين (‪.‬‬
‫َن أَ ُك َ‬
‫َعو ُذ باهلل أ ْ‬
‫ال أ ُ‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬قَ َ‬
‫من باب نفي الشيء بنفي الزمه ‪ ،‬ألن االستهزاء ملزوم للجهل فينتفي األمران ‪ :‬االستهزاء والجهل ‪،‬‬
‫وجميع ما هو من لوازم الجهل ‪ ،‬ولو نفي االستهزاء وحده لما نفي الجهل وال ما ( عد ) من لوازمه ‪.‬‬

‫( ‪)1/323‬‬

‫صفحة رقم ‪324‬‬


‫قيل البن عرفة ‪ :‬قد يكون االستهزاء مع العلم ؟ فقال ‪ :‬من غير ( النبيء أما من النبيء المعصوم )‬
‫فَالَ ‪ ،‬واالستعاذة باهلل فيها إقرار بالتوحيد ونسبة كل األمور إليه ّ‪.‬‬
‫ِ َّ‬ ‫ِ‬
‫ف َعِّني‬ ‫ب ِإلَ َّي م َّما يدعونني ِإلَْيه َوإِال تَ ْ‬
‫ص ِر ْ‬ ‫َح ُّ‬ ‫ال َر ِّ‬
‫ب السجن أ َ‬ ‫قلت ‪ :‬ونظير اآلية قوله تعالى ‪ ( :‬قَ َ‬
‫ِّن لََّنا َما ِه َي ‪...‬‬ ‫ب ِإلَْي ِه َّن َوأَ ُكن ِّم َن الجاهلين ( قوله تعالى ‪ ( :‬قَالُوْا ادع لََنا َرب َ‬
‫َّك ُيَبي َ‬ ‫َك ْي َد ُه َّن أ ْ‬
‫َص ُ‬
‫( قال الطيبي ‪ :‬إنما يسأل ب ( ما ) عن جنس الشيء أو نوعه فكأنهم اعتقدوا أنها خارجة عن جنس‬
‫البقرة إذ لم يعهد في البقرة إحياء الموتى‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬هو مثل قول المنطقيين ‪ :‬الجنس هو المقول على كثيرين ( ( مختلفين بالحقيقة ‪ ،‬في‬
‫النوع ) المقول على كثيرين متفقين في الحقيقة ) ) في جواب ما هو ؟ وكقول‪n‬‬
‫جواب ما هو ؟ و ( ّ‬
‫ابن مالك في أول المصباح ‪ :‬إن السؤال بما هو ؟ يكون عن حقيقة الشيء ‪.‬‬

‫( ‪)1/324‬‬

‫صفحة رقم ‪325‬‬


‫وأورد الفخر هنا سؤاال قال ‪ :‬إن السؤال ب ( ما ) ( إنما ) هو عن الحقيقة فكيف سألوا عن الصفة ؟‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬وجوابه ظاهر على مذهبه ( ألنه ) قال في تأليفه في المنطق كاآليات البينات‬
‫فصح )‬
‫ّ‬ ‫والمحصول ( وغيرهما ) ‪ ( :‬إن ) األمر الالزم العرضي حكمه كحكم الذاتي مثال األلوان (‬
‫السؤال ( هنا ) بما هي ؟ ألن الصفة هناك كالذاتي وأما عندنا فنقول‪ n‬السؤال عن الذات بصفتها ‪ ،‬أو‬
‫السؤال عن حقيقة تلك الصفة ( فهو ) سؤال عن الحقيقة‪.‬‬
‫ون (‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬فافعلوا َما تُ ْؤ َم ُر َ‬
‫أن‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬اختلف األصوليون في لفظ األمر هل هو أبلغ من صيغة افعل أو ال ؟ فقيل ‪ّ :‬‬
‫أمرتك بالقيام أبلغ من قم ‪ ،‬ألن صيغة افعل ‪ ،‬قد تكون لإلباحة ( كما في قوله جل ذكره ) َوإِ َذا َحلَْلتُ ْم‬
‫فاصطادوا (‬

‫( ‪)1/325‬‬

‫صفحة رقم ‪326‬‬


‫وللوجوب بخالف األمر ‪ ،‬فإن لفظ أمرتك ال يكون لإلباحة )‪.‬‬
‫وقيل ‪ :‬إن قم أبلغ ‪ ،‬واستدلوا بهذه اآلية‪.‬‬
‫ون ( وإ ال ( كان يلزم ) عليه تأكيد األقوى‬
‫فلوال أنه أبلغ لما احتيج إلى قوله ) فافعلوا َما تُ ْؤ َم ُر َ‬
‫( باألضعف ) ؟ والجواب بأن القرينة هنا أفادت أن صيغة افعل للوجوب ‪ ،‬فهو من تأكيد األقوى‬
‫بالقوي‪.‬‬
‫واحتج بها بعض األصوليين على ( صحة ) تأخير البيان عن وقت الحاجة‪.‬‬
‫ّ‬
‫وقال اآلخرون ‪ :‬بل هو تأخير إلى وقت الحاجة‪.‬‬
‫( ( أو يجاب ) بقول ابن عباس ه ( إنهم ) إنما أمروا بذبح بقرة ( على اإلطالق ) ‪ ،‬فلو بادروا‬
‫وذبحوا من غير سؤال لحصل لهم الغرض ‪ ،‬ولكن شددوا فشدد ( اهلل ) عليهم‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬فَ ِاقعٌ لَّ ْوُنهَا ‪...‬‬
‫جده ‪ ،‬وجعله الطيبي مجازا ‪،‬‬
‫جد ّ‬ ‫( لم يقل فاقعة مع ّأنه من صفة البقرة ( جعلوه ) مبالغة مثل ‪ّ :‬‬
‫ورده ابن عرفة بأنه آكد ‪ ،‬والتأكيد ينافي المجاز أال ترى أن أهل السنة ) ) استدلّوا على‬

‫( ‪)1/326‬‬

‫صفحة رقم ‪327‬‬


‫وقوع الكالم من اهلل لموسى ب قوله تعالى ‪َ ( :‬و َكلَّ َم اهلل موسى تَ ْكِليماً ( ألنه ( مؤكد ) بالمصدر‬
‫والتأكيد ( ينفي ) المجاز‪.‬‬
‫ط ِهيراً ( قوله تعالى‬
‫طهَِّر ُك ْم تَ ْ‬
‫ذكره اإلمام المازري في شرح التلقين في كتاب الطهارة في قوله ‪َ ) :‬وُي َ‬
‫ون (‪.‬‬ ‫‪َ ( :‬وإِ َّنآ ِإن َش َ‬
‫آء اهلل لَ ُم ْهتَ ُد َ‬
‫احتج بها الفخر على أن جميع األشياء من الخير والشر مخلوقة هلل تعالى ومرادة له‪.‬‬
‫ورده ابن عرفة ‪ /‬بإجماعنا على أن الداعي خلق اهلل تعالى فيقول‪ n‬الخصم ‪ :‬نحمل اآلية عليه‪.‬‬
‫ال ِإَّنهُ َيقُو ُل ِإَّنهَا َبقََرةٌ الَّ َذلُو ٌل تُثِ ُير األرض ‪...‬‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬قَ َ‬
‫( فسره الزمخشري بوجهين ‪ :‬إما نفي اإلشارة فهو على إضمار ( الَ ) أي ال تثير األرض وال تسقي‬
‫الحرث ‪ ،‬وإ ما على إثبات اإلشارة ونفي السقي أي هي تحرث وال تسقي‪.‬‬
‫ورد هذا بأنها إذا انتفى عنها ّأنها ذلول ثبت كونها صعبة غير ٍ‬
‫مذللة فال تطاق ال إلى الحرث وال إلى‬
‫سقي‪.‬‬
‫وأُجيب عنه بأن ذلوال من أبنية المبالغة فما انتفى عنها إال األخص‬

‫( ‪)1/327‬‬

‫صفحة رقم ‪328‬‬


‫( ( من ) الذلة فهو نفي ( لالخص ) ‪ ،‬ولم ينتف عنها مطلق الذلة ( فهي متوسطة ) فلوال كانت‬
‫صعبة جدا ما حرثت وال سقت ‪ ،‬ولو كانت ذليلة ) ) فهي منقادة ال صعبة وال مذللة‪.‬‬
‫وقال الطيبي ‪ :‬يحتمل أن يكون من نفي الشيء بنفي الزمه مثل قول امرىء القيس ‪ :‬على الَ ِح ٍب ال‬
‫يهتدى بمناره ‪...‬‬
‫ابن عطية ‪ :‬إنما ذلك حيث يذكر الزم الشيء فقط فيكون نفيه نفيا للملزوم وهنا ( ذكر ) ( الملزوم )‬
‫والزمه منفيين فليس من ذلك القبيل إال لو قيل ‪ :‬ال تثير األرض وال تسقي الحرث ولم يقل ‪ :‬ال‬
‫ذلول‪.‬‬
‫أن ) نفي ( الذلّة ) عنها ونفي السقي يستلزمان نفي ( إثارتها ) األرض‬ ‫ورد هذا بأن مراد الطيبي ( ّ‬
‫‪ ،‬ألن اإلثارة في ( اآلية ) مثبتة غير منفية ‪ ،‬وهو مثل قول اهلل تعالى ‪َ ) :‬والَ ُيَنبُِّئ َك ِم ْث ُل َخبِ ٍ‬
‫ير (‬

‫( ‪)1/328‬‬

‫صفحة رقم ‪329‬‬


‫قال الزمخشري ‪ :‬إنه مثل قوله‪.‬‬
‫على الَ ِحب ال يهتدى بمناره ‪...‬‬
‫( ( أي ليس هناك خبير فينبئك ‪ ،‬وكذا ( كمثل ) قولهم هذا يوم ( ال ) ينادي وليد أي ليس فيه وليد‬
‫لوغ من ُنب َّو ِ‬
‫ته ‪...‬‬ ‫فينادي ) ) ومثل قول صاحب البردة ‪ :‬فذلك حيِ َن ُب ٍ‬
‫ُ‬
‫فليس ي ْن َكر حا ُل ِ‬
‫محتلِم أي ليست له حال محتلم فتنكر‪.‬‬ ‫ُ‬
‫فإن قلت ‪ :‬ال ّذلة واإلثارة متالزمان ؟ قلنا ‪ :‬الذلة في اآلية منفية ‪ ،‬واإلثارة مثبتة ‪ ،‬و ( ال ) يتم ما قال‬
‫الطيبي إال إذا ( أعرب ) ( تثير األرض ) صفة ل ( ذلول ) فمعناه ال ذلول مثيرة ( األرض ) أي‬
‫ليست مثيرة األرض فيكون ذلوال كمعنى البيت المتقدم أي ليس له منار يهتدي ( به ) ‪ ،‬وإ ن أعربناه‬
‫صفة للبقرة أو استئنافا أو حاال ( فما يجيء ) فيه ذلك التفسير ‪ ،‬وإ ذا كان صفة ل ( ذلول ) فيكون‬
‫النفي مسلطاً على الموصوف‪ n‬وصفته ‪ ( ،‬وقصده ) ثبوت أحدهما فتكون إما ذلول غير مثيرة‬

‫( ‪)1/329‬‬

‫صفحة رقم ‪330‬‬


‫وال مسقية وإ ما ذلول فقط كقولك ‪ :‬ال رجل صالح في الدار‪.‬‬
‫وضده احتمال كونه ‪ :‬فيها رجل غير صالح ‪ ( ،‬أو أنها ليس ) فيها أحد‪.‬‬
‫المشخصة يمكن تعريفها بالخاصة ‪ ،‬ألن‬
‫ّ‬ ‫قال ابن عرفة ‪ :‬وأخذوا من اآلية أن األمور الجزئية‬
‫التعريف بالخواص إنما يكفي عندهم في األمور الكلية ‪ ،‬أما الجزئية فإنها تعرف بتعيينها واإلشارة‬
‫إليها ‪ ،‬إذ في الممكن أن يكون في الوجود غيرها مختصا بتلك الصفات‪.‬‬
‫قال ‪ :‬وعادتهم يجيبون بأن الزمان والمكان هنا معينان ‪ ،‬فلذلك اكتفى بالتعريف بالخواص ولو كان‬
‫الزمان ( ُم ْبهَما ) لقلنا ‪ :‬في الجائز أن يوجد من هو على تلك الصفة في زمن من األزمان ‪ ،‬أو في‬
‫غير ذلك المكان إما في ذلك الزمان وإ ما في ذلك المكان ( فيتعين ) أن الموصوف شيء واحد ال‬
‫يحتمل غيره‪.‬‬
‫واحتجوا بهذه اآلية على أبي حنيفة ه ألنه ( يمنع ) السلم في الحيوان على الصفة ‪ ،‬وقال ‪ :‬ال‬
‫( تخصصه ) الصفة ‪ ،‬فنقل عنه القرطبي هنا وابن يونس المنع في الحيوان باإلطالق ‪ ،‬ونقل عنه‬
‫غيرهما أنه خصص ذلك ( ببني ) آدم ‪.‬‬

‫( ‪)1/330‬‬

‫صفحة رقم ‪331‬‬


‫قال ابن عرفة ‪ :‬وله أن يجيب بأن الغرور في البيع معتبر ‪ ،‬وهذا ليس ببيع ( فال ) يلزم من جواز‬
‫االكتفاء ( بالصفة ) هنا االكتفاء بها هنالك‪.‬‬
‫انتهى‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪َ ( :‬وإِ ْذ قَتَْلتُ ْم َن ْفساً ‪...‬‬
‫( قال ابن عرفة ‪ِ :‬ل َم نسب ( القتل ) إلى الجميع والقاتل ّإنما هو واحد ؟ قال ‪ :‬وأجيب بأنه راعى في‬
‫ذلك من رضي ( بفعله )‪.‬‬
‫يتم لو كان ظاهرا بحيث علم به البعض ورضي ( بالقتل ) أما هذا ( فهو واحد‬
‫قال ابن عرفة ‪ّ :‬إنما ّ‬
‫منهم ) ‪ ،‬وقد قتل واحد منهم غيلة فلم يعلم به أحد ( حتى ) يقال ‪ّ :‬إنه رضي بقتله‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬وإ نما الجواب أنه جمعهم باعتبار الدعوى ألن المتهم ( بالقتل ) ينفيه عن نفسه‬
‫ويدعيه ( على ) غيره وذلك الغير ينفيه أيضا عن نفسه ويدعيه ( عليه ) ‪.‬‬

‫( ‪)1/331‬‬

‫صفحة رقم ‪332‬‬


‫قال الزمخشري ‪ ( :‬خوطبوا مخاطبة ) الجماعة لوجود القتل فيهم‪.‬‬
‫قال ‪ :‬فإن قلت ‪ :‬لم يذكر القصة ( على ترتيبها ) ؟ فهال قدم ذكر القتيل والضرب ببعض البقرة على‬
‫األمر بذبحها ؟ ثم قال ‪ :‬هالّ قدم األمر بالقتل ثم الذبح ثم الضرب ؟ قال ابن عرفة ‪ :‬ظاهر كالمه هذا‬
‫أن‬
‫أن األولى تقديم ال ّذبح ولكن جوابه ّ‬
‫( متناقض ) ألنه قال ‪ :‬األولى بتقديم الضرب ثم رجع إلى ّ‬
‫األمر بالذبح ( متقدم ) على الذبح‪.‬‬
‫انتهى‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬واهلل ُم ْخ ِر ٌج َّما ُكنتُ ْم تَ ْكتُ ُم َ‬
‫ون (‪.‬‬
‫لم يقل ‪ :‬ما كنتم تجحدون ‪ ،‬ألن الجاحد للشيء المنكر له قد يكون على الحق فيكون موافقا لظاهره‬
‫بخالف الكاتم ( فإن ) باطنه مخالف لظاهره فهو على الباطل بال شك‪.‬‬
‫أن اهلل تعالى يظهر جميع األشياء من الخير والشر‪.‬‬
‫قال الفخر الرازي ‪ :‬يؤخذ من عمومه ّ‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬يلزم عليه ( الخلف ) في الحبر ألن اهلل تعالى يستر على العبيد كثيرا من المعاصي ‪.‬‬

‫( ‪)1/332‬‬

‫صفحة رقم ‪333‬‬


‫قال الرازي ‪ :‬هو عام مخصوص ألن المراد ما كنتم تكتمون ‪ /‬من أمر القتل ‪ ،‬واحتج بها الفقهاء في‬
‫ث ) يوجب القسامة‪.‬‬
‫قول القتيل ‪ ( :‬دمي ) عند فالن ‪ّ ،‬إنه ( لَ ْو ٌ‬
‫الميت ‪ :‬دمي عن فالن ‪ ،‬لم يختلف قول اإلمام‬
‫قال ابن رشد في المقدمات في كتاب القسامة ‪ :‬قول ّ‬
‫مالك ‪ :‬إنه لوث في العمد يوجب القسامة والقَ َود عدال أو مسخوطا‪.‬‬
‫البر بأن هذه اآلية ( معجزة‬
‫( وخالفه ) الجمهور ‪ ،‬وحجة اإلمام مالك ه هذه اآلية ‪ ،‬وأبطله ابن عبد ّ‬
‫لنبي وآية له فال يصح االستدالل بها )‪.‬‬
‫وأجاب ابن رشد ‪ :‬بأن اآلية إنما كانت في اإلحياء ‪ ،‬وأما في قوله بعد أن حيى ‪ :‬فالن قتلني ‪ ،‬فليس‬
‫فيه آية‪.‬‬
‫وقد كان اهلل قادرا على أن يحيي غيره من األموات فيقول ‪ :‬إن فالنا قتل فالنا‪.‬‬
‫( قلت ) ‪ :‬ورده ابن عرفة بأن موسى عليه السالم أخبرهم أن الميت يحيا ويخبرهم بمن قتله فكان‬
‫األمر كذلك فكال األمرين آية ‪.‬‬

‫( ‪)1/333‬‬

‫صفحة رقم ‪334‬‬


‫الميت يحيا ( فصار حيا )‪.‬‬
‫وقد قال األصوليون ( إذا ) قال النبي ‪ :‬دليل صدقي أن هذا ّ‬
‫( ( وقال ‪ :‬هذا الرجل كاذب‪.‬‬
‫إن ) ذلك دليل على كذبه‪.‬‬
‫فقال القاضي أبو بكر الباقالني ‪ّ ( :‬‬
‫وقال اإلمام ) ) ال يكون دليال على كذبه‪.‬‬
‫وأما إن قال ‪ :‬دليل صدقي أن هذا الميت يحيا ويقول‪ n‬لكم ‪ :‬إني صادق ‪ ( ،‬فيحيا ) فيقول ‪ :‬إنه‬
‫قالوا ‪ّ :‬‬
‫صادق ‪ ،‬فال خوف بينهم أنه دليل على صدقة‪.‬‬
‫يصح القياس عليه‪.‬‬
‫ّ‬ ‫فكذلك هذا ( هو ) معجزة ( بال ) شك ‪ ،‬فهو خاص بهذه القضية ال‬
‫وجعل الفقهاء وجود القتيل في محلة قوم لوثا يوجب القسامة‪.‬‬
‫وكانوا يحكون أن مسجد الشماسين بتونس كان دار لبعض الموحدين وبجواره قوم لهم ولد صغير‬
‫يجلس على باب الدار بكسوة رفيعة ففقدوه ‪ ،‬فبحثوا عليه فوجدوه ميتا بمطمور تلك الدار ‪ ،‬فرأوا ذلك‬
‫لوثا فعوقب الموحد وهدمت داره وبنيت مسجدا‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬فَ ُقْلَنا اضربوه بِبع ِ‬
‫ضهَا ‪...‬‬ ‫َْ‬
‫(‬

‫( ‪)1/334‬‬
‫صفحة رقم ‪335‬‬
‫عين لنا ذلك‬
‫يتعنتوا ) في هذا ولو مكن اهلل إبليس منهم لقالوا ( لموسى ) ‪ّ :‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬لم ( ّ‬
‫البعض ما هو ؟ وانظر قضية عمر ابن عبد العزيز مع األمير‪.‬‬
‫لما أمروا بذبح بقرة مطلقة انتصبوا للسؤال ‪ :‬على أى بقرة هي‬
‫وأورد ( ابن عرفة هنا سؤاال قائال ‪ّ :‬‬
‫‪ ،‬واألمر دائر بين أن يكون هذا منهم تعنتا أو استرشادا فإذا تقرر هذا فألي شيء لم يسألوا هنا ما هو‬
‫البعض الذي يضربون به ميتهم فيحيِ َي ؟ وأجيب ‪ :‬بأن تفاوت أفراد الجنس والصنف ثابت بخالف‬
‫أجزاء الك ّل من حيث هو كل‪.‬‬
‫وأجيب أيضا بأنهم قادرون على أن يضربوا بكل بعض من أبعاض تلك البقرة حتى يوافقوا البعض‬
‫المراد بخالف اآلخر فإنهم غير قادرين على ذبح جميع البقر كلها‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬وهذا قريب من األول‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪َ ( :‬ك َذِل َك ُي ْح ِي اهلل الموتى ‪...‬‬
‫(‪.‬‬
‫أفرد الخطاب والمخاطبون جماعة ‪ :‬إما لقلة من يتأثر بهذه اآلية ( منهم ) ‪ ،‬ثم جمعهم في قوله‬
‫( َوُي ِري ُك ْم ) اعتبارا ( بظاهر ) األمر ‪ ،‬وإ ما ألن المخاطب واحد بالنوع‪.‬‬
‫واستقرأ الفخر الرازي من اآلية‬

‫( ‪)1/335‬‬

‫صفحة رقم ‪336‬‬


‫فوائد كثيرة ‪ :‬منها أن الزيادة في خطاب نسخ له‪.‬‬
‫ومنها أن النسخ قبل الفعل ( جائز وإ ن لم يجز ) قبل وقت الفعل وإ مكانه ألدائه إلى ( البدء )‪.‬‬
‫ورد ابن عرفة األول بأنها زيادة على النص‪.‬‬
‫ّ‬
‫بنص ) خالفا ألبي حنيفة‪.‬‬
‫والصحيح أنها ليست ( ّ‬
‫وقال الطيبي ‪ :‬إنه من باب ( تقييد ) المطلق ‪ ،‬أو تخصيص العام ‪ ،‬ألن البقرة مطلقة‪.‬‬
‫وب ُكم ‪...‬‬
‫ت ُقلُ ُ‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬ثَُّم قَ َس ْ‬
‫( جعل الزمخشري العطف ب ( ثم ) لبعد ما بين منزلة اإليمان والكفر‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬وال ( يبعد ) أن تكون على بابها‪.‬‬
‫ثم ) على‬
‫( فرد عليه بأن جعل ) بعد ذلك البتداء الغاية ( فتناقض ) مهلة ( ثم ) ؟ فأجاب بأن داللة ( ّ‬
‫المهلة نص ال يحتمل غيره ‪ ،‬فهو أقوى من داللة ( من ) على ابتداء الغاية ‪.‬‬
‫( ‪)1/336‬‬

‫صفحة رقم ‪337‬‬


‫وقال أبو حيان ‪ :‬السياق يقتضي أنها لبعد ما بين المنزلتين‪.‬‬
‫رجحوا الداللة باللّفظ على الداللة المفهومة من السياق‪.‬‬
‫ورده ابن عرفة بأن األصوليين ّ‬
‫زمن ) هم فيه مؤمنون ؟ فقال ‪ :‬نعم‬
‫مر عليهم ( َ‬
‫قيل البن عرفة ‪ :‬يلزم ( على ما قلت ) أن يكونوا ّ‬
‫الرسول موسى بين أظهرهم ‪ ،‬وظاهر اآلية أن العقل في‬‫وهو المناسب وهو الزمن الذي كان فيه ّ‬
‫القلب‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬فَ ِه َي كالحجارة أ َْو أَ َش ُّد قَ ْس َوةً ‪...‬‬
‫(‪.‬‬
‫منع أبو حيان أن تكون الكاف بمعنى ( مثل ) محتجا بأنه ليس مذهب سيبويه‪.‬‬
‫وأجاب ابن عرفة بأن ذلك إنما هو إذا جعلها حرفا‪.‬‬
‫ونحن نقول ‪ :‬إنها اسم‪.‬‬
‫وأورد الشيخ الطيبي ‪ :‬ان القلوب شبهت بالحجارة مع أن المشبه بالحجارة إنما هو قسوتها ( شبيهة )‬
‫بقسوة الحجارة‪.‬‬
‫وأجاب ‪ :‬بأن التشبيه في الحقيقة راجع للقسوة ‪ ،‬أي ( صلبت ) وخلت من ( اإلنابة ) واإلذعان‬
‫( آليات اهلل تعالى ) ‪.‬‬

‫( ‪)1/337‬‬

‫صفحة رقم ‪338‬‬


‫قاله ( ابن عطية )‪.‬‬
‫أخبر ) بمن قتله ومات قالوا ‪ :‬كذب‪.‬‬
‫قال ابن عباس هما ‪ :‬المراد قلوب ( ورثة ) القتيل لَ ّما ( َ‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬فالمراد ّأنها دامت على القسوة ‪ ،‬أو زادت قسوتها ألنهم لم يزالوا قبل ذلك منكرين‬
‫للقتل ‪ ،‬قال ‪ :‬ويضعف هذا بأنه لما قتل قاتل القتيل انقطعت تلك القسوة فلم يبق من هو متصف بها‪.‬‬
‫السكاكي هذا من ( ترشيح ) المجاز‪.‬‬ ‫وجعل ّ‬
‫َّر ِم ْنهُ األنهار ‪...‬‬ ‫ِ‬
‫قوله تعالى ‪َ ( :‬وإِ َّن م َن الحجارة لَ َما َيتَفَج ُ‬
‫(‪.‬‬
‫قال الطيبي ‪ّ :‬إنها تذليل لما قبلها ألنها في معناها‪.‬‬
‫أشد من الحجارة ودليل عليه‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬الصواب أنها تعليل أو بيان للوجه الّذي كانت به ّ‬
‫وهذا تدلي أو ترقي ال ّذ ّم وهو أولى من العكس ألن الحجارة التي تتفجر منها ( األنهار ) أفضل‬
‫وأعلى من الحجارة التي تنشق فيخرج منها الماء‪.‬‬
‫ويلزم من كونها أشد قسوة من التي تنشق فيخرج منها الماء أن تكون أشد قسوة من المتفجرة عن‬
‫األنهار فلذلك أتى به بعده‪.‬‬
‫ولو قيل ‪ :‬إن من الحجارة لما ( ينشق ) فيخرج ( منها ) الماء ‪ ،‬وإ ن منها لما يتفجر منه األنهار لكان‬
‫تأكيدا‪.‬‬
‫انتهى ‪.‬‬

‫( ‪)1/338‬‬

‫صفحة رقم ‪339‬‬


‫قوله تعالى ‪َ ( :‬وإِ َّن ِم ْنهَا لَ َما َي ْهبِطُ ِم ْن َخ ْشَي ِة اهلل ‪...‬‬
‫(‪.‬‬
‫ألن الحجارة‬
‫أن األفضلية ثبتت للجنس بثبوتها لبعض أفراده ّ‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬يؤخذ من اآلية ّ‬
‫الموصوفة بذلك هي بعض من كل ‪ ،‬وقد ثبت التفضيل للجميع بقوله ‪ :‬فهي كالحجارة ‪ ،‬ولم يقل فهي‬
‫كالحجارة الموصوفة بكذا ‪ ،‬والحجارة عام إما باأللف والالم ( أو ) بالسياق فقد فضل عليهم جميع‬
‫الحجارة‪.‬‬
‫قيل البن عرفة ‪ :‬هذا تقسيم مستوفى فليس ( من الحجارة ) شيء إال داخل فيه ؟ فقال ‪ :‬الحجارة التي‬
‫تتفجر منها األنهار ‪ ،‬والتي تنشق عن الماء ال قساوة فيها بوجه ‪ ،‬وهم ّإنما ُذ ّموابمشاركتهم لألحجار‬
‫في القساوة مع الزيادة عليها فقد فضلت عليهم الحجارة القاسية لكونها من جنس ما هو غير قاس‪.‬‬
‫قيل له ‪ :‬فكل ما نراه من األحجار ساقطا من فوق ‪ ،‬هال تقول ‪ :‬إنه ( هبط ) من خشية اهلل ؟ فقال ‪( :‬‬
‫( اآلية إنما دلت على ( أن ) بعض الحجارة يهبط ) ) من خشية اهلل ال كلها ‪ ،‬وكل ما نراه هابطا‬
‫يجوز أن يكون هبوطه من خشية اهلل‪.‬‬
‫ص ِّدعاً ِّم ْن‬ ‫ِ‬ ‫ٍ َّ‬
‫َنزْلَنا هذا القرءان على َجَبل ل َرأ َْيتَهُ َخاشعاً ُّمتَ َ‬
‫قال الفخر ‪ :‬وهذا مثل قوله تعالى ‪ ( :‬لَ ْو أ َ‬
‫َخ ْشَي ِة اهلل (‬

‫( ‪)1/339‬‬
‫صفحة رقم ‪340‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬ليست مثلها ألن تلك شرطية ‪ ،‬والشرط قد يتركب من المحال بخالف هذه‪.‬‬
‫قال ‪ :‬وقوله ‪ِ ) :‬م ْن َخ ْشَي ِة اهلل ( هو قيد في الجميع ‪ ،‬ألن تفجر األنهار أيضا من خشية اهلل‪.‬‬
‫ون أَن ُي ْؤ ِمُنوْا لَ ُك ْم ‪...‬‬
‫ط َم ُع َ‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬أَفَتَ ْ‬
‫النبي والمؤمنين ‪ ( ،‬أو على اإلنكار فيتناول المؤمنين‬
‫( استفهام على ( سبيل ) االستغراب فيتناول ّ‬
‫فقط )‪.‬‬
‫ونهُ ‪...‬‬
‫ون َكالَ َم اهلل ثَُّم ُي َح ِّرفُ َ‬
‫قوله تعالى ‪َ ( :‬ي ْس َم ُع َ‬
‫(‪.‬‬
‫( ابن عطية ‪ :‬قال ابن إسحاق ‪ :‬وهم السبعون الّذين سمعوا كالم اهلل مع موسى ‪ ،‬ثم بدلوه‪.‬‬
‫ابن عطية ) ‪ :‬وهذا ضعيف وخطأ ألن فيها ( إذهابا ) لفضيلة موسى في اختصاصه ( بالتّكليم )‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬بل هو مقرر للفضيلة ألنهم ( إنما ) سمعوا كالم اهلل بحضرته من أجله وعلى سبيل‬
‫التّبعية له‪.‬‬
‫وغيروا ‪ ،‬فالسماع‬
‫وقيل ‪ :‬المراد سماعهم تالوة التوراة والصحف من موسى ‪ ،‬وكونهم بدلوا فيها ّ‬
‫األول حقيقة وهذا شبه مجاز في المسموع ال في‬

‫( ‪)1/340‬‬

‫صفحة رقم ‪341‬‬


‫السماع ‪ ،‬ألن مسموعهم ليس هو كالم اهلل تعالى ‪ ،‬إنما هو كالم موسى عليه السالم ‪ ،‬ومدلوله‬
‫نفس ّ‬
‫كالم اهلل ‪ ،‬ونظيره سماعك كالم زيد من ناقل ( نقله عنه )‪.‬‬
‫قال الزمخشري ‪ :‬والمراد ( بالتحريف ) ما يتلونه من التوراة ‪ ،‬ثم يحرفونه كما حرفوا صفة رسول‬
‫اهلل وآية الرجم‪.‬‬
‫مدرسهم يده عليها فقط ؟ فقال ‪ :‬المراد بالتحريف‬
‫قيل البن عرفة ‪ :‬لم يبدلوا آية الرجم إنما وضع ّ‬
‫الكتم أو عدم العمل بمقتضاها‪.‬‬
‫قيل البن عرفة ‪ :‬إن الشيخ أبا علي ناصر الدين البجائي المشذالي كان يحتج بهذه اآلية على إثبات‬
‫العمل بالقياس ‪ ،‬وقرره بأنه سجل على هؤالء بالكفر قياسا على أحبارهم ومن سلف ( منهم ) الذين‬
‫إما مشافهة أو بواسطة ؟ فقال ابن عرفة ‪ :‬إنما فيها استحالة‬
‫شاهدوا اآليات البينات وسمعوا كالم اهلل ّ‬
‫ثبوت المعنى وهو اإليمان لوجود المانع ( منه ) وهو أحبارهم ( يحدثونهم ) بتحريف من سلف‬
‫( منهم ) وكفرهم ‪.‬‬
‫( ‪)1/341‬‬

‫صفحة رقم ‪342‬‬


‫والالم في قوله ) ُي ْؤ ِمُنوْا لَ ُك ْم ( األصوب ( أن تكون بمعنى ( مع ) ويبعد كونها ) للتعليل أي يؤمنوا‬
‫ألجلكم ألن مفهومه حصول اإليمان منهم بسبب آخر غير المؤمنين‪.‬‬
‫امُنوْا ‪...‬‬
‫قوله تعالى ‪َ ( :‬وإِ َذا لَقُوْا الذين َء َ‬
‫( عبر ب ( إذا ) مع أنهم يكرهون لقاء المؤمنين لوجهين ‪ :‬إما لعلم اهلل تعالى أنهم ال بد لهم من لقائهم‬
‫بد ( لهم ) من لقائه ‪ ،‬وإ نما قال )‬
‫ألن النبي عليه السالم مأمور بتبليغ الوحي لهم ولغيرهم فال ّ‬
‫‪ ،‬وإ ما ّ‬
‫َوإِ َذا لَقُوْا ( ولم يقل وإ ذا أتوا ‪ ،‬إشارة إلى أن لقاءهم للمؤمنين إنما يكون فجأة غير مقصود ( ومن‬
‫امَّنا ( من غير تأكيد ّنزلوا أنفسهم منزلة البريء ( الغير متّهم ) ‪ ،‬ولم يذكروا‬ ‫خبثهم ّأنهم ) ) قالوا َء َ‬
‫بمن آمنوا حتى يبقى الكالم مطلقا يفهمه المخاطب على شيء ‪ ،‬ويقصد به المتكلم شيئا آخر‪.‬‬
‫ونهُم بِ َما فَتَ َح اهلل َعلَْي ُك ْم ِلُي َحآجُّو ُكم بِ ِه ِع ْن َد َرِّب ُك ْم ‪...‬‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬قالوا أَتُ َح ِّدثُ َ‬
‫(‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬هذا من رؤسائهم المنكرين عليهم قصور اإلنكار والمناسب لحالهم المبالغة في‬
‫اإلنكار ( عليهم ) ألنهم ما أنكروا عليهم إال التحدث الموجب للحاجة فمفهومه أنهم أباحوا ( لهم )‬
‫مطلق الحديث مع المؤمنين لكن يبقى النظر ‪ /‬هل الالم في ( ِلُي َحآجُّو ُكم ) تعليل للحديث أو لإلنكار ؟‬
‫( وهل ) الالم سابقة على الهمزة ‪،‬‬

‫( ‪)1/342‬‬

‫صفحة رقم ‪343‬‬


‫( ثم ) دخلت الهمزة على الحديث ألجل ( المصاحبة ) فأنكرته بعلته أو الهمزة سابقة فدخل التعليل‬
‫بعدها فكان علة اإلنكار ؟ ( وهل ) قبل حديثهم ألجل ( المحاججة ) هو المنكر أو المراد أن الحديث‬
‫في ( اإلطالق ) وأنكر ( خوف ) المحاجة به ؟ وجعل أبو حيان الالم في ( ِلُي َحآجُّو ُك ْم ) للصيرورة‬
‫بناء عنده على أنه تعليل للتحدث وإ ذا جعلناها لإلنكار ( تبقى ) الالم ( على بابها ) من التعليل‬
‫الحقيقي‪ n‬ويكون اإلنكار بليغا ال قصور فيه بوجه‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬ورده بعضهم بأنه على هذا يكون المعنى ال تحدثوهم بما فتح اهلل عليكم لئال يحاجوكم به عند‬
‫ربكم ‪ ،‬فيكون الرؤساء أقروا ( أن ) للمؤمنين عليهم حجة بذلك يوم القيامة ‪ ،‬وهم إنما غرضهم‬
‫( التمويه ) على العوام ‪ ،‬وتنفيرهم من اإليمان فكيف يقرون لهم بصحة هذا الدين ؟‬
‫( ‪)1/343‬‬

‫صفحة رقم ‪344‬‬


‫وأعرب الطيبي ( ِع َ‬
‫ند َرِّب ُك ْم ) بدال ( مما ) ) فَتَ َح اهلل َعلَْي ُك ْم ( ألنه هو‪.‬‬
‫ورده ابن عرفة ‪ :‬إنما يكون ( ُه َو إن لَ ْو ) قيل ‪ :‬ليحاجوكم‪.‬‬
‫ون (‪.‬‬ ‫ِ‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬أَفَالَ تَ ْعقلُ َ‬
‫إما من كالم اهلل أو من ( قول ) المنكرين ‪ ،‬وعلى هذا حمله ابن عطية على العقل التكليفي فقال ‪:‬‬
‫العقل علوم ضرورية‪.‬‬
‫ون من أجل هذا‪.‬‬ ‫ِ‬
‫النافع أي أَفَالَ تَ ْعقلُ َ‬ ‫قال ابن عرفة ‪ :‬والصواب أنه العقل ّ‬
‫تأكيد ليدل‬
‫ون ) ٌ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫قوله تعالى ‪ ( :‬أ َّ‬
‫ون ) على ( ُيس ُّر َ‬
‫طف ( ُي ْعلُن َ‬‫ون ( ع ْ‬ ‫ون َو َما ُي ْعلُن َ‬
‫َن اهلل َي ْعلَ ُم َما ُيس ُّر َ‬
‫اللفظ عليه بالمطابقة واللّزوم ‪ ،‬وأفاد العطف التسوية بين علمه السر ( والجهر ) كما قال األصوليون‬
‫في عطف صيغة افعل المحتملة للوجوب والندب على ما هو نص في أحدهما ‪ ،‬وكما قال ( ابن بشير‬
‫) في سبب الخالف في النوم ‪ :‬هل هو حدث أو سبب في الحدث ؟‬

‫( ‪)1/344‬‬

‫صفحة رقم ‪345‬‬


‫َمانِ َّي ‪...‬‬ ‫ِ َّ‬ ‫قوله تعالى ‪َ ( :‬و ِم ْنهُ ْم أ ِّ‬
‫ون الكتاب إال أ َ‬
‫ُّون الَ َي ْعلَ ُم َ‬
‫ُمي َ‬
‫( قال ابن عطية ‪ :‬األميون عامة اليهود وأتباعهم ال بطمع في إميانهم‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬يؤخذ منه ذم التقليد لكن في الباطل ‪ ،‬وال نزاع فيه‪.‬‬
‫ابن عطية ‪ :‬وقيل ‪ :‬قوم ذهب كتابهم‪.‬‬
‫وقيل ‪ :‬نصارى العرب‪.‬‬
‫علي هم المجوس ‪.‬‬
‫وعن ّ‬
‫واستبعده ابن عرفة ألنهم ال كتاب لهم ‪ ( ،‬وقد ) جعلهم منهم‪.‬‬
‫ووجهه ابن عطية ‪ :‬بأن الضمير في ( ِم ْنهُم ) على هذا يرجع للكفار أجمعين ( ال أنه ) خاص بأهل‬
‫الكتاب‪.‬‬
‫قال أبو حيان ‪ :‬واالستثناء منفصل‪n.‬‬
‫قال الطيبي ‪ :‬يعلمون ( بمعنى ) يعرفون‪.‬‬
‫َمانِ َّي ) مفعوال ثانيا لها ألن َعِل َم المتعدية إلى اثنين داخله على المبتدأ والخبر‬
‫وال يصح أن تكون ( أ َ‬
‫والكتاب ليس هو األماني بل غيرها ‪.‬‬

‫( ‪)1/345‬‬

‫صفحة رقم ‪346‬‬


‫ورده ابن عرفة بأن ذلك إنما هو في اإلثبات ‪ ،‬وأما في النفي فيجوز أن تقول ‪ :‬ال أعلم زيدا حمارا‪.‬‬
‫قيل له ‪ :‬هذا الثاني مثبت وال يجوز أن تقول ‪ :‬ال أعلم زيد إال حمارا ؟ فقال ‪ :‬األ ََمانِي ( هنا ) في‬
‫معنى النفي إذ ليس المراد إال النفي المطلق‪.‬‬
‫إما بمعنى التالوة أي ال يعلمون معنى الكتاب بل يحفظون ألفاظه فقط ‪،‬‬ ‫ِ‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬واأل ََمان ّي ‪ّ ،‬‬
‫تمنى ) كتاب اهلل أول ليله ‪...‬‬
‫وأنشدوا عليه قوال في عثمان ‪ّ ( :‬‬
‫وآخره القى حمام المقاد وإِ َّما معنى ( التمني ) أي أنهم يتمنون أن يكونوا يحفظونه ويعلمونه‪.‬‬
‫أن فيه‬
‫قلت ‪ :‬وتقدم لنا في الختمة األخرى أنه من تأكيد ال ّذم بما يشبه المدح كقوله ‪ :‬هو الكلب إالّ ّ‬
‫ماللة ‪...‬‬
‫وسوء مراعاة وما ذاك في الكلب وعكسه كقوله ‪ :‬وال عيب فيهم غير أن سيوفهم ‪...‬‬
‫بهن فلول من قراع الكتائب‬

‫( ‪)1/346‬‬

‫صفحة رقم ‪347‬‬


‫َّ‬
‫قوله تعالى ‪َ ( :‬وإِ ْن ُه ْم ِإال َيظُُّن َ‬
‫ون (‪.‬‬
‫كون‪.‬‬
‫ابن عطية ‪ :‬الظن على بابه ونقل عن الشيخ أبي علي ناصر الدين أنه معنى َي ُش َ‬
‫الظن واألمور االعتقادية ال بد فيها من العلم‬
‫ورده ابن عرفة ‪ :‬بأن فروع الشريعة عندنا يكفي فيها ّ‬
‫ّ‬
‫الظن ) دون االتصاف‬
‫وهذا أمر اعتقادي فالظن ( فيه ) غير ( كاف ) فلذلك سجل ( عليهم بوصف ّ‬
‫بالعلم فال يحتاج إلى جعله بمعنى الشك‪.‬‬
‫ون الكتاب بِأ َْي ِدي ِه ْم ‪...‬‬
‫ين َي ْكتُُب َ‬
‫َِِّّ‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬فَ َوْي ٌل للذ َ‬
‫( الفاء لالستئناف أو للسبب‪.‬‬
‫ابن عطية ‪ :‬قال الخليل ‪ :‬الويل شدة الشر‪.‬‬
‫وقال األصمعي ‪ :‬الويل ( القبائح ) وهو مصدر ( ال فعل له ) ينصب على الدعاء‪.‬‬
‫واستبعده ابن عرفة أن يراد به القبائح قال ‪ :‬إنما يفهم منه العقوبة المترتبة على القبائح قال ‪ :‬وويل‬
‫وويح ( وويس وريب ) ( متقاربة ) وقد فرق بينها قوم‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬قال ‪ :‬القاضي عياض في اإلكمال‬

‫( ‪)1/347‬‬

‫صفحة رقم ‪348‬‬


‫خرجه مسلم من رواية واقد بن محمد أنه سمع أباه يحدث عن عبد اهلل بن‬
‫في كتاب اإليمان في حديث ّ‬
‫النبي قال في حجة الوداع ‪ ( :‬ويحكم ‪ ،‬أو قال ‪َ :‬وْيلَكم ال ترجعوا بعدي كفارا‬
‫عمر هما ‪ ،‬عن ّ‬
‫يضرب بعضكم رقاب بعض )‪.‬‬
‫والتوجع كما قال سيبويه ويل ( لمن ) ( وقع ) في مهلكه‬
‫ّ‬ ‫قال القاضي عياض ‪ :‬ويح ‪ ،‬وويل للتّعجب‬
‫‪ ،‬وويح يترحم بمعناها ‪ ،‬وحكى عنه ويح لمن أشرف على ( المهلكة )‪.‬‬
‫قال غيره ‪ :‬وال يراد بها الدعاء بإيقاع الهالك ولكن الترحم‪.‬‬
‫وروي عن عمر بن الخطاب ه ‪ :‬ويح ترحم ‪.‬‬

‫( ‪)1/348‬‬

‫صفحة رقم ‪349‬‬


‫قال الهروي ‪ :‬ويح لمن وقع في مهلكة ال يستحقها ‪ ( /‬فيرثى ) له ويترحم عليه ‪ ،‬وويل للذي‬
‫يستحقها وال يترحم عليه‪.‬‬
‫وقال األصمعي ‪ :‬ويح ترحم ‪ ،‬وابن عباس ‪ :‬الويل المشقة‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬هو الحزن ( وقيل الهالك ) ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬وقال القاضي في حديث ( ويحك َيا أَنجشة ) ( رويدك بالقوارير )‪.‬‬
‫قال سيبويه ‪ :‬هي لمن وقع في مهلكة ( ال يستحقها ) فيرثى له ويترحم عليه ‪ ،‬وويل بضده ‪ ،‬وويس‬
‫تصغير أي ( دونها ذكره في كتاب الفضائل )‪.‬‬
‫ون هذا ِم ْن ِع ِند اهلل ‪...‬‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬ثَُّم َيقُولُ َ‬
‫(‪.‬‬
‫( ( ثم ) ) لبعد ما بين منزلة الكتب والقول‪. n‬‬
‫( ‪)1/349‬‬

‫صفحة رقم ‪350‬‬


‫قيل البن عرفة ‪ ( :‬الكتاب ) ال شيء فيه ‪ ،‬إنما العقوبة على نسبته إلى اهلل‪.‬‬
‫فقال ‪ :‬ال بل على األمرين كمن يكتب ( عقودا ) يضرب فيها على الخطوط والشهادات ( ويخليها )‬
‫عنده ‪ ،‬فإنه قد ارتكب محظورا فإن أظهرها ونسبها إلى تلك الشهود وطلب بها فهو قد فعل محظورا‬
‫( آخر )‪.‬‬
‫قيل البن عرفة ‪ :‬نص ابن التلمساني في آخر باب النسخ على أنهم أجمعوا على تكفير من َّكذب اهلل ‪،‬‬
‫واختلفوا في تكفير من ك َذب على اهلل‪.‬‬
‫فقال ابن عرفة ‪ :‬هذا مشكل فمن يفتي بالخطأ كاذبا على اهلل يلزم أن يكون كافرا وليس كذلك‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪ِ ( :‬لَي ْشتَُروْا بِ ِه ثَ َمناً َقِليالً ‪...‬‬
‫(‪.‬‬
‫فلما‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬إما أن يراد ( يبيعونه ) بشئ تافه ‪ ،‬أو بال شيء كقول‪ n‬سيبويه ‪ :‬مررت بأرض ّ‬
‫تنبت ( البقال ) أي ال تنبت شيئا ونحوه‪.‬‬
‫ون ( َو ِفي‬ ‫ِ‬ ‫قال الزمخشري في قوله تعالى ‪ ( :‬وقَالُوْا ُقلُوبَنا ُغْل ٌ َّ‬
‫ف َبل ل َعَنهُ ُم اهلل بِ ُك ْف ِر ِه ْم فََقليالً َّما ُي ْؤ ِمُن َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ون ِإالَّ َقِليالً ( وأنشد ‪:‬‬ ‫ِ‬
‫قَ ْوِله في النساء ‪ ) :‬فَالَ ُي ْؤ ِمُن َ‬

‫( ‪)1/350‬‬

‫صفحة رقم ‪351‬‬


‫للمهم يصيبه ‪...‬‬
‫ّ‬ ‫( قليل التشكي‬
‫النمل في‬
‫كثير الهوى شتى النوى والمسالك ) وأنكره أبو حيان وذكره أيضا الزمخشري في سورة ّ‬
‫ِ‬
‫آء األرض أءاله َّم َع اهلل َقليالً َّما تَ َذ َّك ُر َ‬
‫ون ( قال ‪ :‬المعنى نفي التذكير‪.‬‬ ‫قول اهلل ‪َ ) :‬وَي ْج َعلُ ُك ْم ُحلَفَ َ‬
‫والقلة تستعمل في معنى النفي‪.‬‬
‫مما‬
‫النبي وغير ذلك ّ‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬معنى كتبهم ‪ :‬إما أنهم يكتبون زيادات يدلّون فيها ( صفات ) ّ‬
‫يقصدون تبديله لغرض ما ويعطون ذلك لعوام ويقولون لهم ‪ّ :‬إنه منقول‪ n‬من التوراة ‪ ،‬وإ ما أنهم‬
‫يخبرونهم بذلك بالقول ‪ :‬إنه ( من ) التوراة دون ( كتب ) ‪ ،‬وأما ( تبديلهم ) ذلك في نفس التوراة فال‬
‫إن صفاته اآلن موجودة في التوراة )‪.‬‬
‫‪ ( ،‬وقد قال ابن فورك ‪ّ :‬‬
‫وقال المازرى في األحوذى له عن ( الجوزقى ) إن اسمه فيها بالعبرانية ( وار كليط ) وما زالت تقع‬
‫في ( الكتبيين للبيع )‪.‬‬
‫والفرق بينهما أن القرآن‬

‫( ‪)1/351‬‬

‫صفحة رقم ‪352‬‬


‫أخبرنا اهللُ تعالى فيه ّأنه تكفل بحفظه والتوراة أمر أهلها بحفظها ونحن ال نثق بهم في قولهم ‪ّ :‬إنهم‬
‫حفظوها ‪ ،‬فلعلهم عصوا ذلك ‪ ،‬ألمر ولم يمتثلوه‪.‬‬
‫‪ .‬وبرهان هذا واضح بالبحث عن القرآن في األقطار كلها المحصل للعلم والتواتر‪.‬‬
‫أن التوراة لم تزل في نفسها على ما كانت عليه غير‬
‫قيل البن عرفة ‪ :‬قال بعضهم ‪ :‬الدليل على ّ‬
‫مبدلة أنها في األقطار كلها متساوية الجرم على نوع واحد ولو بدلوها الختلفت في األقطار ؟ قالوا ‪:‬‬
‫وهي ال تقع إال في خمسة أسفار ( وصفات‪ ) n‬النبي صلى اهلل عليه وسلّم في الخامس منها‪.‬‬
‫قال ابن عطية ‪ :‬قال ابن إسحاق ‪ :‬كانت صفته في التو اة أسمر اللون ربعة ‪ ،‬فردوه آدم طويال‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬نصوا على ّأنه ال ُيقَا ُل فيه ‪ :‬أسمر ألنه نقص‪.‬‬
‫قيل له ‪ :‬ذكروا في صفاته أنه أبيض بياضا مشوبا بحمرة‪.‬‬
‫وهذا أحد ما تصدق عليه السمرة‪.‬‬
‫فقال ‪ :‬لفظ ( أسمر ) موهم إلطالقه على القريب من األسود‪.‬‬
‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫قوله تعالى ‪ ( :‬فَوْي ٌل لَّهم ِّم َّما َكتَب ْ ِ‬
‫ت أ َْيدي ِه ْم َو َوْي ٌل لهُم ِّم َّما َي ْكسُب َ‬
‫ون ( ‪.‬‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬

‫( ‪)1/352‬‬

‫صفحة رقم ‪353‬‬


‫أي من كل خطيئة يكسبونها باإلطالق كتبا أو غيره ‪ ،‬فهو من عطف العام على الخاص‪.‬‬
‫ند اهلل َع ْهداً َفلَن ُي ْخِل َ‬
‫ف اهلل َع ْه َدهُ ‪...‬‬ ‫قوله تعالى ‪ُ ( :‬ق ْل أَتَّ َخ ْذتُ ْم ِع َ‬
‫( قال الزمخشري ‪ :‬الفاء جواب شرط مقدر أي أن اتخذتم عند اهلل عهدا‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬ال يحتاج إلى هذا َّ‬
‫ألن ( الثاني ) ملزوم لألول ‪ ،‬فاتخاذ ( العهد ) ملزوم للوفاء به‬
‫فيصح عطفه عليه ‪ ،‬ودخل ( العهد ) اإلنكار على الفعل وما عطف عليه فهو كالنفي سواء ينفي‬
‫الفعل وما عطف عليه‪.‬‬
‫وكذا قال الطيبي ‪ :‬إن كالم الزمخشري هنا مبني على أن ) َفلَن ُي ْخِل َ‬
‫ف اهلل ( كالم مستأنف ولو كان‬
‫عنده معطوفا على ) أَتَّ َخ ْذتُ ْم ( لما احتاج إلى تقدير شيء ‪.‬‬

‫( ‪)1/353‬‬

‫صفحة رقم ‪354‬‬


‫النافي للدعوة مطالب بالدليل على ذلك‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬وكان ( يظهر ) لنا أنه يخرج لنا من اآلية أن ّ‬
‫( ألنه ) أنكر عليهم قولهم ) لَن تَ َمسََّنا النار ( قال ‪ ( :‬وكان ) ابن عبد السالم يجيب عنه بأنهم ادعوا‬
‫أمرا مشتمال على نفي وإ ثبات فطولبوا بالدليل على طرف اإلثبات‪.‬‬
‫ورد بأن من ادعى ما يوافقه الخصم عليه ال يحتاج إلى دليل ‪ ،‬ونحن نوافقهم على مس النار لهم ّأياما‬
‫ونخالفهم في طرف النفي‪.‬‬
‫مس‬
‫وأجيب عنه بأن اإلنكار في طرف النفي لكنه نفي ما قد حصل وتقرر ثبوته ألنهم وافقوا على ّ‬
‫النار إياهم أربعين يوما‪.‬‬
‫فأقر به ‪ ،‬وقال ‪ :‬دفعته ‪ ،‬يطالب بالدليل على براءته منه‪.‬‬
‫ومن ادعى على رجل حقا ّ‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬الكالم معهم في مدة النفي ال في مدة اإلقرار‪.‬‬
‫النفي يستلزم ثبوتا ‪ ،‬ألنه ليس هناك إال جنة أو نار ‪ ،‬فإذا نفوا عنهم النار فقد ‪/‬‬
‫بأن هذا ّ‬
‫وأجيب أيضا ّ‬
‫الجنة ‪ ،‬فقال ‪ :‬إنما علمنا الجنة أو النار بالشرع ‪ ،‬وكالمنا اآلن في الدليل العقلي ‪ ،‬ألن‬
‫ادعوا أنهم في ّ‬
‫أن النافي ال يطالب بالدليل‪.‬‬
‫الدليل العقلي اقتضى ّ‬
‫فقيل له ‪ :‬بل ذلك أيضا معلوم من الشرع لحديث ( البينة على من ّادعى واليمين على من أنكر )‪.‬‬
‫ب َسيَِّئةً ‪...‬‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬بلى َمن َك َس َ‬
‫ادعاء ) الكفار ّأنهم ال‬
‫( قال ابن عرفة ‪ :‬وجه مناسبتها لما قبلها أنه لما تضمن الكالم السابق ( ّ‬
‫يعذبون بالنار إال زمانا ( مخصوصا ) يسيرا ‪ ،‬رد عليهم ذلك بوجهين ‪:‬‬

‫( ‪)1/354‬‬

‫صفحة رقم ‪355‬‬


‫بالدليل على ذلك حسبما تضمنه ) ُق ْل أَتَّ َخ ْذتُ ْم ِع َ‬
‫ند اهلل َع ْهداً ( ‪ -‬الثاني ‪ّ :‬أنهم لما‬ ‫‪ -‬األول ‪ :‬مطالبتهم ّ‬
‫عجزوا عن اإلتيان بالدليل ( احتمل ) أن يكون دعواهم في نفس األمر صحيحة ‪ ،‬فأتى بهذا الدليل‬
‫على بطالنها‪.‬‬
‫ب َسيَِّئةً (‪.‬‬
‫فقال ‪ ) :‬بلى َمن َك َس َ‬
‫ظاهر اآلية حجة ألهل السنة في إثبات الكسب ألنهم اصطلحوا على إطالق هذا اللفظ مرادا به القدرة‬
‫على الفعل مع العلم بما فيه من مصلحة أو مفسدة ‪ ،‬واألصل عدم النقل ‪ ،‬فإن قلت ‪ :‬المراد به معناه‬
‫اللّغوي ؟ قلنا ‪ :‬األصل موافقة اللغة لالصطالح ‪ ،‬وعدم النقل فلعله كذلك في اللغة‪.‬‬
‫فإن قلت بقول ( المعتزلة ) ‪ :‬المراد به عندي استقالل العبد بقدرته وأنه يخلق أفعاله ‪ ،‬واألصل عدم‬
‫الداعي ‪.‬‬
‫النقل ‪ ،‬فلعله كذلك في اللغة ؟ قلنا ‪ :‬قد أبطلنا مذهبهم في األصول‪ n‬بموافقتهم على ّ‬
‫وألن الشرط ( قد )‬
‫و ( َمن ) إما موصولة أو شرطية ‪ ،‬والظاهر األول لعطف الموصول عليها ّ‬
‫يتركب من المحال‪.‬‬
‫تقول ‪ ( :‬لو اجتمع ) النقيضان لكان زيد متحركا ساكنا ‪ ،‬وهذا صادق مع أنه محال ‪ ،‬وكسب السيئة‬
‫قيل ‪ :‬المراد به ما سوى الكفر من المعاصي‪.‬‬
‫ت بِ ِه خطيائته ( المراد به الكفر‪.‬‬
‫طْ‬‫َحا َ‬
‫) َوأ َ‬
‫وقيل ‪ :‬بالعكس‪.‬‬
‫قيل البن عرفة ‪ :‬أو المراد بالجميع الكفر ؟ فقال ‪ :‬يكون العطف تكرارا ‪.‬‬

‫( ‪)1/355‬‬

‫صفحة رقم ‪356‬‬


‫( قيل له ) ‪ :‬بل المعنى كسب السيئة وأحاطت به تلك السيئة ؟ ( قال ) ‪ :‬والخلود إن كان كسب‬
‫السيئة مرادا به المعاصي سوى الكفر ‪ ،‬والخطيئة المراد بها الكفر ‪ ،‬فيكون من استعمال اللّفظ الواحد‬
‫أن الكفار مخاطبون‬
‫في حقيقته ومجازه ألن خلود الكفار حقيقة وإ ن كان شيئا واحدا ‪ ( ،‬فيجوز ) فيه ّ‬
‫بفروع الشريعة‪.‬‬
‫ويفرع على القول األول بأن معنى الخطاب بذلك راجع إلى تضعيف العذاب على المخالفة في الدار‬
‫اآلخرة ‪ ،‬فيكون هذا خلودا خاصا‪.‬‬
‫السّنة ( بدليل ) أداة الحصر‪.‬‬
‫واآلية حجة ألهل ّ‬
‫( فالمعنى ) ‪ :‬هم الخالدون ال غيرهم‪.‬‬
‫قيل البن عرفة ‪ :‬يخرج من حافظ منهم على الفروع فيلزم أن يكون غير ( مخلد ) ؟ فقال ‪ :‬السياق‬
‫أن هذا خلود خاص‪.‬‬
‫يبين ّ‬
‫بالسيئة كل ما فعل عن قصد ‪ ،‬وبالخطيئة ما فعل غير مقصود كمن‬
‫قال الطيبي ‪ :‬يحتمل أن يراد ّ‬
‫شرب الخمر فلما سكر ضرب رجال ( أو قتله ) ‪.‬‬
‫( ‪)1/356‬‬

‫صفحة رقم ‪357‬‬


‫الزمخشري ‪ :‬قال الحسن ‪ :‬كل آية نهى اهلل عنها ‪ ،‬وأخبرك أن من عمل بها أدخله النار فهي الخطيئة‬
‫المحيطة‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬صوابه كل نهي‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬وزيادة لفظ الخلود دليل على أن الصحبة ( تطلق ) على مطلق االجتماع وإ ن لم يكن‬
‫معه دوام‪.‬‬
‫ون ِإالَّ اهلل ‪...‬‬ ‫اق بني ِإ ْس َرائِ َ‬
‫يل الَ تَ ْعُب ُد َ‬ ‫َخ ْذَنا ِميثَ َ‬
‫قوله تعالى ‪َ ( :‬وإِ ْذ أ َ‬
‫( قال ابن عرفة ‪ :‬هذا دليل على أن االستثناء من النفي إثبات‪.‬‬
‫قيل البن عرفة ‪ :‬نقول إنه محتمل لإلثبات والنفي ‪ ،‬والدليل العقلي عين هنا أحد المحتمالت ‪ ،‬وهو‬
‫اإلثبات ‪ ،‬فقد تقرر عند الجدليين واألصوليين أنه إذا تعارض حمل الكالم على فائدة ( احتمل أن‬
‫تكون ) فهمت من مجرد اللّفظ ‪ ( ،‬أو ) من خارج ‪ ،‬فاألولى ( ترجيح ) فهمها من اللّفظ‪.‬‬
‫أن جواز اإلرادة موجب ( لإلرادة ) بجواز إرادة أن االستثناء من النفي إثبات‬
‫وتقرر عند الجدليين ّ‬
‫موجب إلرادة ذلك‪.‬‬
‫ون ( بدال من ) ِميثَ َ‬
‫اق ( فإنه متعلق الميثاق ال نفس الميثاق‪.‬‬ ‫قال ‪ :‬وال يصح أن يكون ) الَ تَ ْعُب ُد َ‬
‫قلت ‪ :‬يكون بدل اشتمال ‪ ،‬أو بدل شيء من شيء على تقدير مضاف أي ميثاق ال تعبدون إالّ اهلل ‪.‬‬

‫( ‪)1/357‬‬

‫صفحة رقم ‪358‬‬


‫قوله تعالى ‪ ( :‬وقُولُوْا ِل َّلن ِ‬
‫اس ُح ْسناً ‪...‬‬ ‫َ‬
‫(‪.‬‬
‫فإنه من القول الحسن ‪ ،‬وليس‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬المراد هو الحسن شرعا ‪ ،‬فيدخل فيه تغيير المنكر ‪ّ ،‬‬
‫تغير المنكر مع أن‬
‫المراد به القول المالئم للناس ‪ ،‬ومجرد تحسين الخلق معهم ‪ ،‬فإنه يخرج عنه ّ‬
‫األمر يتناوله هو وغيره ‪ ،‬ويحتمل أن التكليف به لهم في شريعتهم أو في شريعتنا بعد ( إيمانهم ‪ ،‬أو‬
‫بعد التوفيه بذلك ) ‪ ،‬وتقيده باإلعراض إشارة إلى دوامهم على ذلك ‪ ،‬واإلصرار عليه فإن ( المتولي‬
‫) على قسمين ‪ :‬فواحد يطمع في رجوعه ‪ ،‬وآخر ال يطمع فيه بوجه فهذا هو المعرض‪.‬‬
‫َخ ْذَنا ِميثَاقَ ُكم الَ تَسِف ُكون ِدم ِ‬
‫آء ُك ْم ‪...‬‬ ‫قوله تعالى ‪َ ( :‬وإِ ْذ أ َ‬
‫ْ َ َ‬ ‫ْ‬
‫تضمن أمرا فرعيا فقط ) وسفك الدماء‬
‫( تضمن الكالم السابق أمرا اعتقاديا وأمرا فرعيا ‪ ( ،‬وهذا ّ‬
‫فالنهي عنه ال يستلزم النهي عن اإلخراج من الديار ‪ ،‬فكان ذلك ترقيا‬
‫أشد من اإلخراج من الديار ‪ّ ،‬‬
‫الذم‪.‬‬
‫في ّ‬
‫وقراءة ( يسفكون ) بالتخفيف أعم من ( قراءة ) التشديد ألنه نهي عن مطلق السفك‪.‬‬
‫اه ْوا وبلغوا‬
‫الدماء ‪ ،‬وكانوا قد تََن َ‬
‫النهي أتى على وفق حالهم ‪ /‬في سفك ّ‬
‫أن ّ‬‫ووجه قراءة التشديد ّ‬
‫الغاية‪.‬‬
‫ون ( ‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬ثَُّم أَ ْق َر ْرتُ ْم َوأَنتُ ْم تَ ْشهَ ُد َ‬

‫( ‪)1/358‬‬

‫صفحة رقم ‪359‬‬


‫أن المراد أقررتم بذلك إقرارا يتضمن ّأنكم حصل لكم بذلك العلم اليقيني ‪ ،‬فهو‬ ‫قال ابن عرفة ‪ :‬إما ّ‬
‫ألن اإلنسان ُيِق ّر بها ‪ :‬يظن وال يشهد إال بما يعلم‪.‬‬
‫يبلغ إلى درجة الشهادة ‪ّ ،‬‬
‫قلت ‪ :‬وأشار الزمخشري إليه حيث جعله كقولك ‪ :‬فالن ُمقر على نفسه بكذا ‪ ،‬شاهد عليه‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬وإ ّما أن يراد أقر كل واحد منكم على نفسه وشهد على غيره‪.‬‬
‫الزمخشري ‪ :‬وقيل ‪ :‬وأنتم تشهدون اليوم يا معشر اليهود على إقرار أسالفكم بهذا الميثاق‪.‬‬
‫أن هذا الميثاق أخذ عليكم ‪ ،‬والتزمتموه ‪ ،‬فيتجه في هذه‬
‫زاد ابن عطية ‪ :‬أقررتم ( خلفا بعد سلف ) ّ‬
‫اللفظة أن تكون من اإلقرار الذي هو ضد الجحد ‪ ،‬ويتعدى بالباء ‪ ،‬وأن تكون من اإلقرار الذي هو‬
‫إبقاء األمر على حاله أي أقررتم هذا الميثاق ملتزما‪.‬‬
‫ون ) أي تحضرون أخذ الميثاق واإلقرار‪.‬‬ ‫( َوأَنتُ ْم تَ ْشهَ ُد َ‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬باإلثم والعدوان ( يحتمل أن يكون اإلثم هو مواقعة الذنب خطأ من غير قصد ‪،‬‬
‫والعدوان مواقعة ( الذنب عن قصد ) ‪.‬‬

‫( ‪)1/359‬‬

‫صفحة رقم ‪360‬‬


‫ون بَِب ْع ِ‬
‫ض الكتاب ‪...‬‬ ‫قوله تعالى ‪ ( :‬أَفَتُ ْؤ ِمُن َ‬
‫ون الناس بالبر َوتَْن َس ْو َن أَنفُ َس ُك ْم ( ليس المنكر كل‬
‫ْم ُر َ‬
‫( أنكر عليهم تناقضهم كما هو في قول اهلل ) أَتَأ ُ‬
‫واحد ( من األمرين ) على حدته ‪ ،‬ألن اإليمان ( بالبعض ) وأمر الناس بالبر غير منكر ‪ ،‬إنما‬
‫المنكر ( الكفر ) بالبعض ( وعدم ) االتصاف بالبر ‪ ،‬والمنكر ( الجمع بين ) األمرين‪.‬‬
‫وعبر بالفعل المضارع للتصوير والدوام‪.‬‬
‫ون بَِب ْع ِ‬ ‫ِ‬
‫ض‬ ‫قيل البن عرفة ‪ :‬في اآلية حجة لمن يقول بوجوب ف َداء األسارى ل قوله تعالى ‪ ( :‬أَفَتُ ْؤ ِمُن َ‬
‫وه ْم ( فدل على أن ( فداء ) األسارى ( من جملة )‬
‫اد ُ‬
‫الكتاب ( بعد أن قالوا ‪َ ) :‬وإِ ن َيأتُو ُك ْم أسارى تُفَ ُ‬
‫ما في كتابهم‪.‬‬
‫فإذا قلنا ‪ :‬إن شرع من قبلنا شرع لنا ‪ ،‬نقول ‪ :‬إن الفداء في شرعنا واجب ؟ ( فقال ‪ :‬نعم )‪.‬‬
‫َّ ِ‬ ‫ِ‬
‫آء َمن َي ْف َع ُل ذلك من ُك ْم ِإال خ ْز ٌ‬
‫ي ‪...‬‬ ‫قوله تعالى ‪ ( :‬فَ َما َج َز ُ‬
‫(‬

‫( ‪)1/360‬‬

‫صفحة رقم ‪361‬‬


‫ولم يقل ‪ :‬من فعل‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬في التعبير بالمضارع ترج وإ طماع لهم في العفو ‪ ( ،‬ألن ) من فعل ذلك في‬
‫الماضي وتاب ال يجازى بالخزي ‪ ،‬إنما يجازى به من لم يتب‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪ُ ( :‬ي َر ُّد َ‬
‫ون إلى أَ َش ِّد العذاب ‪...‬‬
‫( إن قلت ‪ ( :‬الرد ) يقتضي تقدم الحلول في المردود إليه ؟ قلنا ‪ :‬هؤالء كانوا فيما هو من جنس ذلك‬
‫العذاب ألن العذاب نالهم في الدنيا‪.‬‬
‫وه ْم ُي َع ِّذ ْبهُ ُم اهلل بِأ َْيِدي ُك ْم ( فإن قلت ‪ :‬كيف هو أشد وعذاب المنافقين أشد وعذاب‬ ‫ِ‬
‫قال اهلل تعالى ‪ ) :‬قَاتلُ ُ‬
‫األشدية مقولة بالتشكيك ‪ ،‬أو المراد أشد العذاب الّذي علم اهلل‬
‫ّ‬ ‫الدهرية أشد لنفيهم الصانع ؟ قلنا ‪:‬‬
‫حلوله بهم في الدنيا واآلخرة ‪ ،‬فال ينافي أن يحل بغيرهم ما هو أشد منه‪.‬‬
‫يدعوا نفي وجود‬ ‫فعذاب الدهرية أشد ‪ ،‬وعذاب المجوس أشد ‪ ،‬وكان بعضهم يقول ‪ :‬إن الدهرية لم ّ‬
‫الصانع ّإنما قالوا ‪َ ) :‬و َما ُي ْهِل ُكَنآ إالّ الدهر ( ّ‬
‫فادعوا أن لهم خالقا أوجدهم فقط ‪ ،‬أو ( يقال ) ‪ :‬قوله‬ ‫ّ‬
‫تعالى ‪ِ ( :‬إ َّن المنافقين ِفي الدرك األسفل ِم َن النار (‬

‫( ‪)1/361‬‬

‫صفحة رقم ‪362‬‬


‫لم يعين أنه أسفل الطبقات نصا فالمراد أنه أسفل من غيره باإلطالق فيصدق بكونه أسفل من طبقة‬
‫( ما منها )‪.‬‬
‫معرف باأللف والالم العهدية ‪ ،‬والمعهود‬ ‫قلت ‪ :‬اآلية خرجت مخرج الذم للمنافقين و ( َّ ِ‬
‫الد ْرك ) ّ‬
‫( هنا ) في األسفل إنما هو ما بلغ الغاية في االنخفاض ال سيما إن قلنا ‪ ( :‬األصح ) األخذ بأواخر‬
‫األشياء‪.‬‬
‫أن من كفر بالجميع عذابه أخف من عذاب من آمن ببعض الكتاب وكفر‬
‫قيل البن عرفة ‪ :‬ظاهر اآلية ّ‬
‫ببعضه مع أن كفر األول أشد ؟ فأجاب ‪ :‬بأن اإليمان بالبعض دليل على حصول ( العلم ) وكفر‬
‫العالم أشد من كفر الجاهل‪.‬‬
‫قلنا ‪ :‬أو يجاب بأن ( عذاب ) الجميع ( متساو ) فيصدق على كل فريق أن عذابه أشد ‪ ،‬وهم‬
‫مستوون في األشدية ‪ ،‬أو المراد أشد العذاب المعهود في الدنيا ‪ ،‬ألن عذاب الدنيا على أنواع ‪ ( :‬منها‬
‫النار أي يردون إلى عذاب النار ‪.‬‬
‫) الضَّرب والسجن ‪ ،‬وأشدها عذابا ّ‬

‫( ‪)1/362‬‬

‫صفحة رقم ‪363‬‬


‫قوله تعالى ‪ ( :‬اشتروا الحياة ‪...‬‬
‫ون ( قال ابن عرفة ‪ :‬هذا ليس بتكرار ‪- :‬‬
‫نص ُر َ‬ ‫( قوله تعالى ‪ ( :‬فَالَ ُي َخفَّ ُ‬
‫ف َع ْنهُ ُم العذاب َوالَ ُه ْم ُي َ‬
‫فاألول اقتضى أن ذلك العذاب ال يرجى من فاعله شفقة على المفعول وال تخفيفا عنه‪.‬‬
‫‪ -‬والثاني اقتضى أنه ال يقدر أحد على ( استخالص ) المفعول من ذلك العذاب ونصرته بوجه‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪َ ( :‬ولَقَ ْد َءاتَْيَنا موسى الكتاب ‪...‬‬
‫( إن قلت ‪ :‬الخطاب لليهود وهم معترفون بنبوة موسى عليه السالم فما فائدة القَسم على ذلك ؟ قلنا ‪:‬‬
‫فائدته التنبيه على مساواة غيره من الرسل اآلتين بعده ( له ) في النبوة ‪ ،‬وأن نبوتهم حق كما ( هي )‬
‫نبوة موسى عندهم حق‪.‬‬
‫ادعى أمرا محاال لم‬
‫ألن القاعدة أن من ّ‬ ‫قال ابن عرفة ‪ :‬وهذه معجزة َّ‬
‫للنبي صلى اهلل عليه وسلّم ‪ّ ،‬‬
‫صحته‪.‬‬
‫بالدليل على ّ‬
‫يسمع منه ‪ ،‬وإ ن ادعى أمرا ممكنا ( سمع منه وطلب ) ّ‬
‫والدليل قسمان ‪:‬‬

‫( ‪)1/363‬‬
‫صفحة رقم ‪364‬‬
‫جدلي برهاني للخواص ‪ ،‬ودليل للعوام ‪ ،‬فبين لهم أوال أنه ّادعى أمرا ممكنا ‪،‬‬
‫( واستد ّل عليه لهم بدليل برهاني ) خاص بالخواص ‪ ،‬ثم استد ّل لهم اآلن بالدليل الّذي يفهمه العوام ‪،‬‬
‫وهو ّأنه ّإنما ( ّادعى ) أمرا تكرر أمثاله قبله فلم يأتكم بأمر غريب فهو ممكن عقال ‪،‬‬
‫( واقع ) أمثاله بالمشاهدة ‪ ،‬فحقكم أن تنظروا في معجزته فتؤمنوا به‪.‬‬
‫أن ( القبلية ) تفيد معنى البعدية ؟ قلت ‪ :‬إلفائدة أول أزمنة البعدية‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫فإن قلت ‪ :‬ما أفاد ( من َب ْعده ) مع ّ‬
‫أن موسى عليه السالم من حين أرسله لم تزل شريعته باقية معموال بها حتى أرسل رسوال‬ ‫إشارة إلى ّ‬
‫آخرا فكان مقرر لها كيوشع بن نون أو ناسخا كعيسى‪.‬‬
‫وعين موسى وعيسى دون غيرهما إما ألن المخاطبين بهذه اآلية اليهود والنصارى ‪ ،‬أو ألن المتبعين‬
‫لشريعة موسى وعيسى باقون قيام الساعة ‪ ،‬ولم يبق أحد ( ممن ) تشرع بشريعة غيرهما من‬
‫األنبياء‪.‬‬
‫خصص عيسى بذكر ( اآليات ) البينات ؟ قلنا لوجهين ‪ :‬إما ألنه َب ّشر بنبينا سيدنا‬ ‫ِ‬
‫فإن قلت ‪ :‬لم ّ‬
‫ول َيأْتِي ِمن َب ْع ِدي اسمه‬
‫محمد حيث قال ‪ ) :‬ومَب ِّشراً بِرس ٍ‬
‫َ ُ‬ ‫َُ‬

‫( ‪)1/364‬‬

‫صفحة رقم ‪365‬‬


‫ألن الخطاب لليهود وهم كافرون‬‫َح َم ُد ( واستظهر على صحة قوله بمعجزات واضحات ‪ ،‬وإ ّما ّ‬
‫أْ‬
‫بعيسى ‪ ( ،‬فمعناه ) أرسلنا من بعده موسى رسال ‪ ،‬منهم عيسى ورسالته ‪ ( ،‬قام ) الدليل على‬
‫صحتها ‪ ،‬وأنها نسخت شريعة نبيكم موسى فكذلك هذه الرسالة‪.‬‬
‫آء ُك ْم َر ُسو ٌل بِ َما الَ تهوى أَنفُ ُس ُك ُم ‪...‬‬ ‫َّ‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬أَفَ ُكل َما َج َ‬
‫أعم مما تكرهه‬‫ذمهم ‪ ،‬ألن ما ال تهواه ( النفس ) ّ‬ ‫( قال ابن عرفة ‪ :‬هذا نهي عليهم ‪ ،‬ومبالغة في ّ‬
‫النفس ) ‪ ،‬والمعنى أنهم مهما أتاهم رسول من عند اهلل تعالى بأمر ( ال يحبونه ) سواء كانوا‬ ‫( ّ‬
‫فإنهم ( يستكبرون ) ويكفرون به ونظيره قوله تعالى في سورة العقود ‪َ ) :‬و َمن لَّ ْم‬ ‫يكرهونه أو ال ‪ّ ،‬‬
‫َنز َل اهلل فأولئك ُه ُم الظالمون ( ولم يقل ‪ :‬ومن حكم بغير ما أنزل اهلل ‪ ،‬فيتناول من ترك‬ ‫َي ْح ُكم بِ َمآ أ َ‬
‫الحكم ولم يحكم بشيء ‪ ،‬ألن الفصل بين المسلمين بالحق واجب‪.‬‬
‫َّ‬
‫ون ) بالمضارع ؟‬ ‫وأورد الزمخشري سؤاال قال ‪ :‬لم قال ( فَفَ ِريقاً َكذ ْبتُ ْم ) بالماضي ( وفَ ِريقاً تَ ْقتُلُ َ‬
‫وأجاب بان التكذيب في أفراد متعلقاته كله ماض ‪ ،‬والقتل في ( بعض ) آحاد متعلقاته مستقبل ‪ ،‬ألنهم‬

‫( ‪)1/365‬‬
‫صفحة رقم ‪366‬‬
‫كانوا يحبون أن يقتلوا النبي ‪ ،‬وقد أهدت له يهودية في ( خيبر ) شاة مصلية وسمت فيها الذراع ‪،‬‬
‫ألنه كان يحبه ‪ ،‬وأخبره الذراع بالسم بعد أن الكه في فيه ‪ ،‬ثم ألقاه منه ‪ ،‬ثم قال في مرضه الذي‬
‫( انتقل فيه إلى الفردوس األعلى ) ‪ :‬ما زالت من األكلة التي أكلت بخيبر ( فهذا أوان انقطاع )‬
‫أبهري‪.‬‬
‫ولهذا يقال ‪ :‬إن النبي صلى اهلل عليه مات شهيدا‪.‬‬
‫ف ‪...‬‬
‫وبَنا ُغْل ٌ‬
‫قوله تعالى ‪َ ( :‬وقَالُوْا ُقلُ ُ‬
‫( الظّاهر أنه بلسان المقال ال بلسان الحال ‪ ،‬واختلفو في تفسيرها ؟ فقال الزمخشري ‪ :‬أي خلقت‬
‫قلوبهم غير قابلة ( لإليمان ) بوجه‪.‬‬
‫ونقل ابن عطية عن ابن عباس ه ‪ :‬أن المعنى قلوبنا ذات غالف يمنعها من ( قبول ) اإليمان‪.‬‬
‫أن المانع لها غير ما قال‬
‫واألول أشد ‪ ،‬أو معناه ّأنها ممتنعة من القبول لذاتها وهذا يقتضي ّ‬
‫الزمخشري ‪.‬‬

‫( ‪)1/366‬‬

‫صفحة رقم ‪367‬‬


‫الوعاء ‪ ،‬أي هو وعاء‬
‫ُ‬ ‫ف أي قلوبنا ِغالَف لغيرها ‪ ،‬والغالف‬
‫ف جمع ِغالَ ٍ‬
‫وقيل ‪ُ :‬غْلف مخفف َغلَ َ‬
‫الرسول الذي ( جاء ) به‪.‬‬
‫للعلم ‪ ،‬وهو نقيض األول ألنه يقتضي أنها مستغنية بعلمها عن علم ّ‬
‫بأنهم جاهلون ( ال يفهمون‬
‫وعلى األول يكونون ‪ :‬إما قصدوا االستهزاء به ‪ ،‬وإ ما االستعذار ( له ) ّ‬
‫بأنهم ( غنِّيون بعلمهم عن علمه ) يكون اإلضراب‬‫ذلك وال يطيقون ‪ ،‬فعلى ّأنهم قصدوا اإلخبار ) ّ‬
‫يد ّل على ذلك الكالم حقيقة ‪ ،‬وكذلك إن أرادوا أنها خلقت غير قابلة لإليمان فاإلضراب عن الزم ذلك‬
‫وهو االستعذار أي ال عذر لهم في ذلك بوجه ألن كونها ذات مانع هو الثابت في نفس األمر فال يصح‬
‫( إبطاله )‪.‬‬
‫آء ُهم َّما َع َرفُوْا َكفَ ُروْا بِ ِه ‪...‬‬
‫قوله تعالى ‪َ ( :‬فلَ َّما َج َ‬
‫( قال الزمخشري ‪ :‬أي ما عرفوا من الحق كفروا به بغيا وحسدا وحرصا على الرئاسة ‪.‬‬

‫( ‪)1/367‬‬
‫صفحة رقم ‪368‬‬
‫ألن ( ما ) ال تقع‬
‫الرسول ؟ قال ابن عرفة ‪ :‬واستشكلوه ّ‬
‫قال ابن عطية ‪ :‬المراد بقوله ( َّما َع َرفُوْا ) ّ‬
‫إال على ( ما ال يعقل ) ( أو على أنواع من يعقل )‪.‬‬
‫وصحة رسالته‬
‫ّ‬ ‫وأجيب بأنها واقعة على صفة من يعقل ال على ذاته ‪ ،‬أي ما عرفوا من نبوته وصفاته‬
‫كفروا به ‪ ،‬وكان بعضهم يأخذ من اآلية جواز االكتفاء في الشهادة واألحكام بالصفة دون تعريف‪.‬‬
‫وأجيب ‪ :‬بأنه احتفت به قرائن تقوم مقام التّعيين ‪ ،‬وهي المعجزات التي جاءهم بها‪.‬‬
‫ور َّد بأن المعجزات خارجة عن هذا وكافية وحدها ‪ ،‬وليست مذكورة في اآلية إنما المذكور فيها‬
‫ُ‬
‫معرفتهم له من حيث الصفة التي في كتابهم فقط من غير ضميمة إلى ذلك‪.‬‬
‫وفي كتاب اللقطة ‪ :‬وإ ذا وصل كتاب القاضي إلى قاض آخر ‪ ،‬وثبت عنه بشاهدين ‪ ،‬فإن كان الفعل‬
‫موافقا لما في كتاب القاضي من صفته ‪ ،‬وخاتم القاضي في عنقه لم يكلف الذي جاء به أن يقيم بينة‬
‫أن هذا ( الحكم ) هو الذي حكم به عليه‪.‬‬
‫ّ‬
‫قوله تعالى ‪َ ( :‬فلَ ْعَنةُ اهلل َعلَى الكافرين ( قال ابن عرفة ‪ :‬وانظر هل هذا إنشاء أو إخبار لقول متقدم‬
‫؟ ثم قال ‪ :‬ال يبعد أن يكون إنشاء ‪ ،‬وتكون اللّعنة مقولة بالتشكيك والتفاوت‪ / ، n‬ألن هؤالء كفروا‬
‫وهم جاهلون ‪ ،‬إذا بنينا‬

‫( ‪)1/368‬‬

‫صفحة رقم ‪369‬‬


‫على أن ذلك ( استعذار ) ‪ ،‬وهؤالء كفروا بعد علمهم ومجيء الكتاب لهم فاللّعنة في حقهم أشد‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬بِْئ َس َما اشتروا بِ ِه أَنفُ َسهُ ْم أَن َي ْكفُُروْا ‪...‬‬
‫أن ( اسم ) الممدوح في ( نعم ) أو المذموم في ( بئس ) ال‬ ‫( قال ابن عرفة ‪ :‬نص النحويون على ّ‬
‫أعم منه ‪ ،‬والشراء والكفر بينهما عموم وخصوص‬
‫يكون إال أخص من فاعلها أو مساويا ‪ ،‬وال يكون ّ‬
‫من وجه ‪ ،‬فال ّشراء يطلق على المعارضة من غير الكفر وعلى المعارضة في الكفر ‪ ،‬والكفر أيضا‬
‫أعم من وجه ‪ ،‬ألن من كفر بعد أن آمن اشترى الكفر ( باإليمان ) ‪ ،‬ومن كان كافرا باإلصالة لم‬
‫يشتر شيئا بشيء‪.‬‬
‫ض ٍب ‪...‬‬
‫ض ٍب على َغ َ‬
‫آءو بِ َغ َ‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬فََب ُ‬
‫بشسع نعل كليب وهي من كالم المهلهل‬
‫ِ‬ ‫( أي رجعوا ‪ ،‬ومنه قولهم ‪ُ :‬ب ْؤ بِشسع نعل كليب ‪ ،‬أي ارجع‬
‫أخي كليب قالها في حرب ( داحس ) للحارث‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬وتنكير الغضب بدل على أن الثّاني غير األول كما قالوا في قوله تعالى ‪ ( :‬فَِإ َّن َم َع‬
‫العسر ُي ْسراً ِإ َّن َم َع العسر‬
‫( ‪)1/369‬‬

‫صفحة رقم ‪370‬‬


‫ووجهوه بأن العسر معرف فكان شيئا واحدا ‪ ،‬واليسر منكر فكان‬
‫ُي ْسراً ( لن يغلب عسر ( يسرين ) ّ‬
‫يسرين‪.‬‬
‫ض ٍب ) ‪ ،‬ولم يقل بعد غضب إشعارا ( بشدته ) ‪ ،‬فإنه مجتمع‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬وإ نما قال ‪َ ( :‬على َغ َ‬
‫متراكم بعضه على بعض‪.‬‬
‫قيل البن عرفة ‪ :‬والغضب إن كن صفة فعل فالتعدد فيه متصور صحيح وإ ن كان صفة معنى امتنع‬
‫فيه التعدد ‪ ،‬ألنه في ( هذه الحالة يصير ) راجعا إلى اإلرادة ‪ ،‬وهي شيء واحد ‪ ،‬فكيف يفهم أنهما‬
‫بأنهما متغايران باعتبار المتعلق ‪ ،‬فمتعلّق اإلرادة متعددة ‪ ،‬وهو ( أنواع ) العذاب‬
‫غضبان ؟ ثم أجاب ّ‬
‫‪ ،‬فالمعنى على األول ‪ :‬فباؤوا بعذاب على عذاب‪.‬‬
‫وعلى الثاني ‪ :‬فباؤوا بإرادة عذاب على عذاب‪.‬‬
‫اب ُّم ِه ٌ‬ ‫ِ‬
‫ين ( ولم يقل ‪ :‬ولهم عذاب مهين ‪،‬‬ ‫وأوقع الظاهر موقع المضمر في قوله ) َوِلْل َكاف ِر َ‬
‫ين َع َذ ٌ‬
‫مبالغة في إسناد العذاب على كل من اتصف بالكفر باإلطالق‪.‬‬
‫رون بِ َما َو َرآءهُ ‪...‬‬
‫قوله تعالى ‪َ ( :‬وَي ْكفُ َ‬
‫( إما معطوف على ( قَالُوْا ُن ْؤ ِم ُن ) فيكون جوابا ِل ( إذا ‪ ،‬أي ِإ َذا قيل لهم ‪ :‬آمنوا بما أنزل اهلل‬
‫يكفرون بما وراء كتابهم ‪ ،‬وإ ما حال مع أن المضارع ال يأتي حاال بالواو إال قليال ‪ ،‬لكنه هنا على‬
‫إضمار المبتدإ أي وهم يكفرون بما وراءه ‪.‬‬

‫( ‪)1/370‬‬

‫صفحة رقم ‪371‬‬


‫أخبر اهلل عن تناقضهم بأن إيمانهم بكتابهم يستلزم إيمانهم بما سواه من الكتب التي من جملتها القرآن‬
‫ألن الكتب كلّها يصدق بعضها بعضا‪.‬‬
‫‪ ،‬وكفرهم بالقرآن يستلزم كفرهم بكتابهم المنزل عليهم ‪ّ ،‬‬
‫ص ِّدقاً لِّ َما َم َعهُ ْم ‪...‬‬
‫قوله تعالى ‪َ ( :‬و ُه َو الحق ُم َ‬
‫ص ِّدقاً ) حال مؤكدة‪.‬‬ ‫( أبو حيان ( ُم َ‬
‫الحق قد يكون مصدقا لما معهم ‪ ،‬وقد ال يكون مصدقا وال مكذبا‬
‫ّ‬ ‫قال ابن عرفة ‪ :‬بل هي مبنية ‪ ،‬ألن‬
‫النبي أتى بشرائع بعضها في كتابهم ‪ ،‬وبعضها ليس موجودا في كتابهم ( بوجه ) ‪ ،‬فكتابنا حق‬
‫‪ ،‬ألن ّ‬
‫( ومصدق لما في كتابهم ) ( بالنسبة إلى ما تكرر في الكتابين ) ‪ ،‬وليس بمصدق أو مكذب بالنسبة‬
‫إلى ما زاد به على كتابهم ‪ ،‬وأما أنه مكذب فَالَ ألن كال الكتابين حق ‪ ،‬فليس من لوازم كون القرآن‬
‫أن ال يكذبه ألن الحق ال يكذب الحق‪.‬‬
‫حقا يصدق ما معهم ّإنما من لوازمه ْ‬
‫آء ُكم موسى بالبينات ‪...‬‬
‫قوله تعالى ‪َ ( :‬ولَقَ ْد َج َ‬
‫(‬

‫( ‪)1/371‬‬

‫صفحة رقم ‪372‬‬


‫إن قلت ‪ِ :‬لم أقسم على ِ‬
‫مجيئه لهم بالبينات ‪ ،‬وهم موافقون عليه‪.‬‬
‫وإ نما يتوهم مخالفتهم في اتخاذهم العجل فقط ؟ فهالَ قيل ‪ :‬ولقد اتخذتم العجل من بعد ما َجاءكم‬
‫بالبينات بسبب اتخاذهم‬
‫موسى بالبينات ؟ فالجواب ‪ :‬أنه ظهرت عليه مخائل اإلنكار لمجيئه لهم ّ‬
‫العجل ‪ ،‬فلذلك عطفه عليه ( بيانا لسببه ) الموجب للقسم‪.‬‬
‫قال ابن عطية ‪ :‬البينات ‪ :‬التوراة ‪ ،‬والعصا ‪ ،‬وفرق البحر ‪ ،‬وغير ذلك من آيات موسى عليه‬
‫الصالة والسالم‪.‬‬
‫ّ‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬إن أراد بالبينات الظاهرة فظاهر ‪ ،‬وإ ن أراد المعجزات فليست التوراة منها ‪ ،‬ألنها‬
‫غير معجزة وإ نما اإلعجاز بالقرآن فقط‪.‬‬
‫فإن قلتم ‪ّ :‬إنها معجزة باعتبار اشتمالها على اإلخبار بالمغيبات‪.‬‬
‫قلنا ‪ :‬اإلعجاز فيها حينئذ ( ليس هو من حيث المجيء بها بل من حيث اإلخبار بالمغيبات فقط )‪.‬‬
‫آء اهلل ِمن قَْب ُل ( ثم‬
‫ون أَنبَِي َ‬
‫ِ‬
‫النبوة بقوله ‪َ ) :‬فل َم تَ ْقتُلُ َ‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬وذمهم أوال بكفرهم فيما يرجع إلى ّ‬
‫ذمهم بكفرهم فيما يرجع إلى األلوهية باتخاذهم العجل إالها فهو ترق في الذم‪.‬‬
‫قال ‪ :‬ومفعول ( اتّ َخ ْذتُ ُم ) محذوف أي العجل إالها ‪ ،‬وحذفه مناسب ‪ ،‬ألنه مستكره مذموم ‪ ،‬فحذفه‬
‫إذا دل السياق عليه أحسن من ذكره ‪.‬‬

‫( ‪)1/372‬‬

‫صفحة رقم ‪373‬‬


‫قوله تعالى ‪ُ ( :‬خ ُذوْا َمآ َءاتَْيَنا ُكم بِقَُّو ٍة ‪...‬‬
‫( على حذف القول أي القائلين ‪ُ ) :‬خ ُذوْا َمآ َءاتَْيَنا ُكم بِقَُّو ٍة ( قيل البن عرفة ‪ :‬هل فيه دليل على أن‬
‫األشياء كلها محض تفضل من اهلل تعالى وليست باستحقاق ألن هؤالء يستحقون ذلك ؟ فقال ‪ :‬نعم‪.‬‬
‫ص ْيَنا ‪...‬‬ ‫ِ‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬قَالُوْا َسم ْعَنا َو َع َ‬
‫(‬
‫ون ُه َو أُ ُذ ٌن ُق ْل‬
‫ون النبي َوَيقُولُ َ‬
‫قال الطيبي ‪ / :‬هذا من القول بالموجب ‪ ،‬ومنه قول اهلل تعالى ‪ُ ) :‬ي ْؤ ُذ َ‬
‫أُ ُذ ُن َخ ْي ٍر لَّ ُك ْم ( قال ابن عرفة ‪ :‬ال بل هو مغالطة منهم ألن السماع في قوله ‪ ( :‬واسمعوا ) ليس‬
‫المراد به حقيقة بل هو من مجاز إطالق السبب على مسببه ‪ ،‬ألن السماع سبب في الطاعة ‪ ،‬فكأنهم‬
‫أمروا بالطاعة ( فغالطوا ) في ذلك ‪ ،‬وحملوا األمر بالسماع على حقيقته من أن المراد به االستماع‬
‫ص ْيَنا ) قوله تعالى ‪َ ( :‬وأُ ْش ِرُبوْا ِفي ُقلُوبِ ِه ُم العجل بِ ُك ْف ِر ِه ْم ‪...‬‬ ‫ِ‬
‫فقط فقالوا ‪َ ( :‬سم ْعَنا َو َع َ‬
‫( الباء إما للمصاحبة أي مع كفرهم ‪ ،‬أو للسببية فيكون العقوبة على الذنب بالذنب كما ورد أن‬
‫المعاصي تزيد الكفر‪.‬‬
‫قيل البن عرفة ‪ :‬إنما كفروا بعبادتهم العجل ‪ ،‬ولم يتقدم لهم قبل ذلك كفر بوجه ؟ فقال ‪ :‬ال بل كفروا‬
‫أوال كفرا عاما باالعتقاد ‪ ،‬ثم عبدوا العجل ( بالفعل ) ‪.‬‬

‫( ‪)1/373‬‬

‫صفحة رقم ‪374‬‬


‫يم ُان ُك ْم ‪...‬‬ ‫ِِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ْم ُر ُكم به إ َ‬
‫قوله تعالى ‪ُ ( :‬ق ْل ب ْئ َس َما َيأ ُ‬
‫( عبر بالفعل المضارع ‪ ،‬وقال بعده ) َولَبِْئ َس َما َش َر ْوْا بِ ِه أَنفُ َسهُ ْم ( فعبر بالماضي فما السر في ذلك‬
‫؟ أجاب ابن عرفة ‪ :‬بأن الشراء ال يتكرر ألنه إذا دفع للبائع الثمن لم يعد إليه بوجه ‪ ،‬فال يقال ‪ :‬إنه‬
‫يبيع سلعته مرة أخرى أو يشتري العوض مرة أخرى‪.‬‬
‫فإإليمان الذي باعوه ال يرجع إليهم بوجه بخالف أمر اإليمان لهم فإنه يتجدد ( بحسب ) متعلقه شيئا‬
‫فشيئا‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬وقبح فعلهم إما من ( جهة ) كذبهم في مقالتهم إذ ) قَالُوْا ُن ْؤ ِم ُن بِ َمآ أ ِ‬
‫ُنز َل َعلَْيَنا‬
‫( وليسوا بمؤمنين ‪ ،‬وإ ما من جهة إيمانهم مع اتصافهم بالقبيح‪.‬‬
‫واإليمان ال ينشأ عنه إال الحسن‪.‬‬
‫ِ‬
‫ين ) اإليمان الحقيقي‪ n‬الشرعي ‪ ،‬واإليمان الحقيقي‪ n‬ال‬ ‫قيل البن عرفة ‪ :‬المراد بقوله ‪ِ ( :‬إن ُكنتُم ُّم ْؤ ِمن َ‬
‫تدعون )‬ ‫يم ُان ُك ْم ( ؟ فقال ‪ :‬المراد إن ( كنتم ّ‬ ‫ِِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ْم ُر ُكم به إ َ‬
‫( يأمر ) إال بالخير فكيف قال لهم ‪ ) :‬ب ْئ َس َما َيأ ُ‬
‫المدعى‪.‬‬
‫اإليمان حاصال لكم ‪ ،‬فبئس ما يأتيكم به إيمانكم ّ‬
‫قيل له ‪ :‬لما يأمرهم اإليمان بذلك ‪ ،‬وإ نما هو إيمان ناقص زاحمه غيره من وساوس النفس ‪،‬‬
‫فالمزاحم هو األمر ال اإليمان ؟ فقال ‪ :‬بل األمر اإليمان المدعى أنه إيمان ‪.‬‬
‫( ‪)1/374‬‬

‫صفحة رقم ‪375‬‬


‫صةً ِّمن ُد ِ‬
‫ون الناس ‪...‬‬ ‫ِ‬ ‫ت لَ ُك ُم الدار اآلخرة ِع َ‬
‫قوله تعالى ‪ُ ( :‬ق ْل ِإن َك َان ْ‬
‫ند اهلل َخال َ‬
‫( هذا ( إما ) أمر خاص بالنبي ألن يقوله لهم ‪ ،‬أو أمر لكل واحد من المسلمين أن يقوله لهم ‪ ،‬لكنه‬
‫لسيدنا رسول اهلل بالذات ولعموم المؤمنين ( بالتّبع ) ‪ ،‬وهذا قياس ( شرطي استثنائي ) ( وفي ) قوله‬
‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ون ( قياس شرطي اقتراني ‪ ،‬وفي‬ ‫ض َ‬‫َس َم َعهُ ْم لَتََولوْا َّو ُهم ُّم ْع ِر ُ‬ ‫) َولَ ْو َعل َم اهلل في ِه ْم َخْيراً أل ْ‬
‫َس َم َعهُ ْم َولَ ْو أ ْ‬
‫القرآن أيضا القياس الحملي‪.‬‬
‫الزمخشري ‪ :‬سبب نزول اآلية أن قوما من اليهود والنصارى قالوا ‪ ) :‬لَن َي ْد ُخ َل الجنة ِإالَّ َمن‬ ‫قال ّ‬
‫َّاؤهُ ( فقال لهم اهلل ؛‬ ‫ِ‬
‫ان ُهوداً أ َْو نصارى ( وقرره ابن عطية بأن اليهود قالوا ‪َ ) :‬ن ْح ُن أبناؤا اهلل َوأَحب ُ‬ ‫َك َ‬
‫ين ( فهو أحسن لكم‪.‬‬ ‫) فَتَمَّنوْا الموت ِإن ُكنتُم ِ ِ‬
‫صادق َ‬ ‫ْ َ‬ ‫َُ‬
‫التمني وهذا على القول بالصرفة ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬إن اهلل منعهم من ّ‬

‫( ‪)1/375‬‬

‫صفحة رقم ‪376‬‬


‫قال ابن عرفة ‪ :‬وال يبعد إيراد األمرين في كالم ابن عطية ‪ ،‬ويكون على األول خطابا لمن ليس‬
‫كفره عنادا ‪ ،‬فال يتمنى الموت لعلمه بكذبه في مقالته ‪ ،‬والصرفة لمن ليس كفره عنادا يريد أن يتمنى‬
‫الموت فيصرفه اهلل عن ذلك التمني تعجيزا له‪.‬‬
‫فإن قلت ‪ :‬هال ترك ذكر خالصة فهو أخص وأبلغ ( لتناوله ) تعجيز من زعم منهم أن الدار اآلخرة‬
‫َّ‬
‫له ولغيره ؟ فالجواب ‪ :‬أنه جاء على حسب الدعوى ‪ :‬ألنهم قالوا ‪ ) :‬لَن َي ْد ُخ َل الجنة ِإال َمن َك َ‬
‫ان‬
‫ُهوداً أ َْو نصارى ( قوله تعالى ‪َ ( :‬ولَن َيتَ َمَّن ْوهُ أََبداً ‪...‬‬
‫( وفي سورة الجمعة ) َوالَ َيتَ َمَّن ْوَنهُ أََبداً ( ‪ -‬قال ابن عرفة ؛ إن كانا بمعنى واحد فال سؤال‪.‬‬
‫وإ ن كانت ( لَن ) أبلغ في النفي كما يقول الزمخشري ‪ :‬فلعل تلك اآلية نزلت قبل هذه ‪ ،‬فلم تقتض‬
‫المبالغة فجاءت هذه تأسيسا‪.‬‬
‫ين ِفيهَآ أََبداً ( إنه‬ ‫ِِ‬
‫قلت ‪ :‬قوله ‪ ( :‬أبدا ) دال على المبالغة ‪ ،‬فقال ‪ :‬قد قالوا في قول اهلل تعالى ‪َ ) :‬خالد َ‬
‫عبارة على طول اإلقامة فقط ‪ ،‬وأجاب أبو جعفر بن الزبير بأن آية البقرة لما كانت جوابا ألمر‬
‫أخروي مستقبل وليس في الحال إالّ زعم مجرد ناسبه النفي ب ( لن ) الموضوعة لنفي المستقبل ألن‬
‫لَ ْن َي ْف َع َل جواب َسَي ْف َعل ‪ ،‬وآية الجمعة جواب لزعمهم أنهم أولياء اهلل من دون الناس ‪ ،‬وهو حكم‬
‫دنيوي ووصف حالي ‪ ،‬فناسبه النفي ب ( ال ) التي ينفى بها المستقبل والحال ‪،‬‬

‫( ‪)1/376‬‬

‫صفحة رقم ‪377‬‬


‫ولم ينف ب ( ما ) الخاصة بالحال ‪ ،‬ألنهم أرادوا أنهم أولياء اهلل مستمرون على ذلك إلى آخر حياتهم‬
‫‪ ،‬فكذبوا بما ينفي ذلك‪.‬‬
‫ص الناس على َحَي ٍاة ‪...‬‬ ‫قوله تعالى ‪َ ( :‬ولَتَ ِج َدَّنهُ ْم أ ْ‬
‫َح َر َ‬
‫( قال الزمخشري ‪ :‬نكرة ألنها حياة مخصوصة وهي الحياة المتطاولة‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬فأريد بها ( هنا ) التعظيم والتهويل أو يقال ‪ّ :‬إنه ( نكرة ) للتقليل أي يحرصون على‬
‫الحياة القليلة فأحرى الكثيرة ‪ ،‬فيكون من التنبيه باألدنى على األعلى ‪ ،‬هذا أظهر وأد ّل على‬
‫اختصاصهم بالحرص على الحياة وأبلغ ‪ ،‬لكن ما بعده يدل على ما قاله الزمخشري‪.‬‬
‫ف َسَن ٍة ‪...‬‬ ‫قوله تعالى ‪َ ( :‬ي َو ُّد أ َ‬
‫َح ُد ُه ْم لَ ْو ُي َع َّم ُر أَْل َ‬
‫( قال بعض الطلبة ‪ ( :‬لم يرد ) ( الحول معبرا عنه بالسنة إال إذا كان فيه ( الجدب والغالء ) قال‬
‫يود أحدهم لو يعمر ألف عام ؟ فَأجاب ابن‬‫ال ِف ْر َع ْو َن بالسنين ( فهال قيل ‪ّ :‬‬ ‫َخ ْذَنآ َء َ‬‫تعالى ‪َ ) :‬ولَقَ ْد أ َ‬
‫عرفة بأنهم ( يختارون ) الحياة على الموت‬

‫( ‪)1/377‬‬

‫صفحة رقم ‪378‬‬


‫منوا حياة ألف سنة مجدبة وفضلوها على‬
‫ألنهم إذا تَ ّ‬
‫كيف ما كانت ‪ ،‬وهو تنبيه على األعلى باألدنى ‪ّ ،‬‬
‫الموت ‪ ،‬فأحرى أن يفضلوا ألف عام‪.‬‬
‫ان َع ُد ّواً لِّ ِج ْب ِر َ‬
‫يل ‪...‬‬ ‫قوله تعالى ‪ُ ( :‬ق ْل َمن َك َ‬
‫ممره ) على ) مدارس )‬
‫( قال الزمخشرى روي أنه كان ( لعمر ) أرض بأعلى المدينة وكان ( ّ‬
‫عدو لنا يطلع محمدا على أسرارنا‪.‬‬
‫اليهود ‪ ،‬فسألهم عن جبريل ‪ ،‬فقالوا ‪ :‬ذلك ّ‬
‫عمن‬
‫النبي عن أربعة أشياء ( منها ‪ :‬أنهم ) سألوه ّ‬
‫وقال ابن عطية ‪ :‬سبب نزول اآلية ّأنهم سألوا ّ‬
‫يجيئه من المالئكة بالوحي ؟ فقال ‪ :‬جبريل‪.‬‬
‫عدو لنا ألنه ملك الحروب والشدائد‪.‬‬
‫فقالوا ‪ :‬ذلك ّ‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬هدا جهل ومحض ومكابرة ‪ ،‬ولقائل أن يقول ‪ :‬أن السبب غير مطابق لآلية ‪ ،‬ألنهم‬
‫أخبروا أن جبريل عدو لهم ‪ ،‬واآلية اقتضت أنهم أعداء لجبريل ‪ ( ،‬وال يلزم ) من عداوة أحد‬
‫الشخصين لالخر أن يكون اآلخر عدوا له‪.‬‬
‫وأجيب بأن هذا خرج مخرج الوعيد لهم ‪ ،‬ألن جبريل ذو قوة وسطوة ‪ ،‬فإذا خالفوه ودافعوه مع‬
‫علمهم بقوته فقد عادوه ‪.‬‬

‫( ‪)1/378‬‬

‫صفحة رقم ‪379‬‬


‫قال ابن عرفة ؛ الظاهر أن ( َم ْن ) موصولة ألن الشرطية ال تقتضي وجود شرطها وال إمكان‬
‫وجوده ‪ ،‬والعداوة ثابتة موجودة كما تقدم فهى موصولة‪.‬‬
‫قال الزمخشري ‪ :‬فإن قلت ‪ :‬كيف يصح قوله ‪ ) :‬فَِإَّنهُ َن َّزلَهُ على َقْلبِ َك ( جزاء للشرط ؟ وأجاب‬
‫بوجهين ‪ :‬أحدهما أنهم لو أنصفوا لشكروا جبريل على إنزاله كتابا ينفعهم ويصحح كتابهم‪.‬‬
‫الثاني إن عاداه أحد فالسبب في عداوته أنه َّنزل عليك القرآن مصدقا لكتابهم‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬إنما احتاج إلى هذا ( السؤال ) ألنه فهم أن االرتباط بين الشرط والجزاء ال يكون إال‬
‫لزوميا ‪ ،‬وهو عند األصوليين يكون لزوميا‪.‬‬
‫لكنه في محل االستدالل ال يصح أن يكون اال لزوميا‪.‬‬
‫ويكون اتفاقيا ‪ّ ،‬‬
‫وفي الخبر يصح فيه األمران‪.‬‬
‫( نعم ال بد من المناسبة وصحة ّترتبه على الشرط ) كقولك ‪ :‬إن تكرم زيدا فقد أكرمه غيرك‪.‬‬
‫فإنه ال ارتباط بينهما إال في الزمان أو في ال ّذكر خاصة فهو اتّفاقي‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬ولما ذكر ابن عرفة في الختمة األخرى هذين الجوابين قال ‪ :‬أو يقال ‪ :‬إن في هذا ردا على‬
‫من زعم أن جبريل غلط في الرسالة ‪ ،‬وهي مسألة العتبية في كتاب المرتدين والمحاربين في رسم‬
‫( يدير )‬

‫( ‪)1/379‬‬

‫صفحة رقم ‪380‬‬


‫ماله من سماع ابن القاسم‪.‬‬
‫النبي علي بن أبي طالب كرم اهلل وجهه يستتاب‬
‫قال ‪ :‬فيمن قال ‪ :‬إن جبريل أخطأ بالوحي وإ نما كان ّ‬
‫فإن تاب وإ ال قتل‪.‬‬
‫أسره بال استتابة كالزنديق‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ابن رشد ‪ :‬هذا كفر صريح فإن أعلنه استُتيب ‪ ،‬وأن ّ‬
‫ص ِّدقاً لِّ َما َب ْي َن َي َد ْي ِه ‪...‬‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬فَِإَّنهُ َن َّزلَهُ على َقْلبِ َك بِِإ ْذ ِن اهلل ُم َ‬
‫( قيل البن عرفة ‪ :‬يؤخذ منه تسمية بعض القرآن قرآنا ألنه لم يكن حينئذ أنزل جميعه بل بعضه ؟‬
‫المتلو من‬
‫ّ‬ ‫فقال ‪ :‬يجاب إما بإيقاع الماضي موقع المستقبل أو بأن الضمير في ( َن َّزلَهُ ) عائد على‬
‫القرآن ال ( على ) نفس القرآن‪.‬‬
‫( أقول ‪ :‬أو إن الضمير يعود على ما أخبر به جبريل رسول اهلل من أسرارهم الّذي كان سببا في‬
‫عداوتهم ‪ ،‬له كما تقدم في سبب النزول من قولهم لعمر ه ‪ ،‬وهو قريب من الجواب الثاني ) ‪ ،‬وتقدم‬
‫في الختمة األخرى ‪.‬‬

‫( ‪)1/380‬‬

‫صفحة رقم ‪381‬‬


‫قال بعض الطلبة ( البن عرفة ) ‪ :‬اعتزل الزمخشري فقال ‪ :‬إذا كانت عداوة األنبياء كفرا فما بالك‬
‫بعداوة المالئكة وهم أشرف فجعله أشرف من بني آدم وال ينبني عليه كفر وال إيمان ؟ قال ابن عرفة‬
‫ان َع ُد ّواً ِللَّ ِه ( تدل ‪ ،‬وهو من باب التذييل لما قبله ‪ ،‬ومعناه أن يكون اللّفظ‬ ‫‪ :‬فقوله على هذا ) َمن َك َ‬
‫بزيادة قوله تعالى ‪َ ( :‬و َما َي ْكفُُر بِهَآ ِإالَّ الفاسقون ( فيه دليل على أن االستثناء من النفي إثبات‪.‬‬
‫ِّ ِ‬
‫ين ( فقال ( العداوة )‬ ‫قيل البن عرفة ‪ :‬من ( عاداك ) فقد عاديته فما أفاد قوله ‪ ) :‬فَِإ َّن اهلل َع ُد ٌّو لْل َكاف ِر َ‬
‫اج ُك ْم َوأ َْوالَِد ُك ْم َع ُد ّواً لَّ ُك ْم‬
‫ليست متعاكسة النسبة بدليل قول اهلل ّ ) ياأيها الذين ءامنوا ِإ َّن ِم ْن أ َْزو ِ‬
‫َ‬
‫فاحذروهم ( مع أن اآلباء ليسوا أعداء ألوالدهم‪.‬‬
‫قيل له ‪ :‬هي متعاكسة ؟ فقال ‪ ( :‬من ) خارج بالدليل العقلي ال من جهة اللفظ والمادة‪.‬‬
‫ات بيَِّن ٍ‬
‫ٍ‬
‫ات ‪...‬‬ ‫َنزْلَنآ ِإلَْي َك َء َاي َ‬
‫قوله تعالى ‪َ ( :‬ولَقَ ْد أ َ‬
‫( قيل البن عرفة ‪ :‬إن أريد المعجزات فظاهر ‪ ،‬وإ ن أريد آيات القرآن فيؤخذ منه امتناع تخصيص‬
‫ألنه كله ّبين ؟‬
‫بالسنة ّ‬
‫السنة بالقرآن ‪ ،‬والقرآن ّ‬

‫( ‪)1/381‬‬

‫صفحة رقم ‪382‬‬


‫فقال ‪ :‬نقول إن القرآن بين من حيث داللته على صدقه من جهة لفظه المعجز وفصاحته ‪ ،‬وإ ن كان‬
‫بالسنة‪.‬‬
‫معناه ( مجمال ) ال يفهم فال يمتنع فيه بيان ( القرآن ) ّ‬
‫اه ُدوْا َع ْهداً َّنَب َذهُ فَ ِر ٌ‬
‫يق ِّم ْنهُم ‪...‬‬ ‫َّ‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬أ ََو ُكل َما َع َ‬
‫الع َم َل به أشد من ذمه على إنكار ما يعلم‬
‫ذم اإلنسان على عدم العمل بما كان التزم َ‬ ‫( قال ابن عرفة ‪ّ :‬‬
‫صحته‪.‬‬
‫ّ‬
‫النبذ طرح خاص ‪ ،‬وهو عدم االعتناء بالشيء لحقارته وذمامته وانظر تنبيهات‬
‫وقال بعضهم ‪ّ :‬‬
‫القاضي عياض من العتق الثاني‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬وهذه تسلية له ألنه لما تقدم ذكر إنزال االيات البينات وكفرهم بها عقبه ببيان أن ذلك‬
‫شأنهم وعادتهم فال يلحقك ‪ /‬بسببه ( ضجر ) وال حزن بوجه‪.‬‬
‫فإن قلت ‪ :‬هل يؤخذ منه أن العهد ال يقبل النقض ألجل ذمهم على نقضه ؟ فالجواب من وجهين ‪ :‬إما‬
‫النقض ‪،‬‬
‫بما تقرر في كتاب اإليمان والنذور من أنه في الحكم الشرعي على قسمين ‪ :‬عهد يقبل ّ‬
‫وعهد ال يقبله ‪ ،‬وهذا من الذي ال يقبله ‪ ،‬وإ ما بأن الذي وقع فيه الكالم ( إنما هو ) العهد المطلق الذي‬
‫ذموا على نقضه‪.‬‬
‫هو غير متكرر ‪ ،‬وأما هذا فهو عهد مؤكد متكرر فال يقبل النقض بوجه فلذلك ّ‬
‫اهد فريق منهم عهدا نقضه ‪ ،‬لئال يلزم عليه ذم الجميع بعصيان‬ ‫َّ‬
‫فإن قلت ‪ :‬هال قيل ‪ :‬أ ََو ُكل َما َع َ‬
‫البعض ؟‬

‫( ‪)1/382‬‬

‫صفحة رقم ‪383‬‬


‫ذموا بسبب رضاهم بفعل البعض وإ ّما بأن الذم للفريق الناقض للعهد فقط ‪،‬‬
‫أن الجميع ّ‬
‫فالجواب ‪ّ :‬‬
‫وأتت االية على هذا األسلوب ألن نقض العهد من فريق عاهدوهم وغيرهم ‪ ،‬فثبت غيرهم ونقضوا‪ n‬م‬
‫فاتّسع في ال ّذم لهم في نقضهم عهدا اختصوا به‪.‬‬
‫ره ْم ) إما عائد على بني‬ ‫قوله تعالى ‪َ ( :‬ب ْل أَ ْكثَُر ُه ْم الَ ُي ْؤ ِمُن َ‬
‫ون ( قال ابن عطية ‪ :‬الضمير في ( أ ْكثَ ُ‬
‫إسرائيل أو على الفريق النابذين‪.‬‬
‫وضعفه ابن عرفة ألنه يلزم عليه أن يكون بعض الذين نبذوا العهد مؤمنا ؟ وأجيب باحتمال كون‬
‫المنبذ راجعا لعدم اإليمان بالنبي فبعضهم ( آمن بكتابه ) ولم يؤمن بالنبي فقد نبذ العهد ( مع أنه‬
‫مؤمن بكتابه )‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬و ( أَ ْكثَُر ُه ْم ) إما أن يراد به الفريق ‪ ،‬أو ( هو ) أعم منه‪.‬‬
‫ولما كان الفريق يصدق على القليل والكثير بين باألكثر‪.‬‬
‫( قيل ) البن عرفة ‪ ( :‬عدم ) إيمانهم هو نفس نقضهم للعهد فال يصح أن يكون األكثر غير مؤمنين‬
‫يصح ألن هؤالء اليهود منهم من هو متبع لكتابه ومنهم من هو‬
‫ّ‬ ‫بأنه‬
‫واألقل ناقضين للعهد ؟ وأجاب ّ‬
‫مخالف له ‪.‬‬

‫( ‪)1/383‬‬

‫صفحة رقم ‪384‬‬


‫قال ابن الخطيب ‪ :‬وقيل ‪ :‬المراد بنبذ العهد عدم إيمانهم بالقرآن‪.‬‬
‫قال ‪ :‬وهذا مردود بأن مادة النبذ تقتضي تمسكهم به قبل ذلك مع أنهم لم يكونوا قط متمسكين بالقرآن‪.‬‬
‫مسك ( به ) وكانوا قبل البعثة متمسكين ( به ) ألن كتابهم‬ ‫وأجاب ابن عرفة بأنهم كانوا قابلين للتّ ّ‬
‫أخبر به على وفقه بدليل أن من مات منهم قبل ذلك مات مسلما حنيفيا‪.‬‬
‫ق لِّ َما َم َعهُ ْم ‪...‬‬
‫ص ِّد ٌ‬ ‫ِِ‬
‫آء ُه ْم َر ُسو ٌل ِّم ْن عند اهلل ُم َ‬
‫قوله تعالى ‪َ ( :‬ولَ َّمآ َج َ‬
‫( قال الفخر ‪ :‬يحتمل أن يكون التصديق بموافقته لما في التوراة‪.‬‬
‫فرده ابن عرفة بأن التصديق هو نسبة المخبر إلى الصدق فهو من عوارض الخبر ‪ ،‬والتصديق‬
‫بالصفة مجاز ال حقيقة ‪ ،‬وإ نما ينسب للصفة الصدق والتصديق‪.‬‬
‫ِ‬
‫ور ِه ْم َكأََّنهُ ْم الَ َي ْعلَ ُم َ‬
‫ون ( قال ابن عرفة ‪ :‬كان الفقيه أبو العباس‬ ‫آء ظُهُ ِ‬
‫اب اهلل َو َر َ‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬كتَ َ‬
‫أحمد بن علوان يقول ‪ :‬مقتضى هذا أنهم طرحوه بين أيديهم ‪ ،‬ألن الظهر بالنسبة إلى‬

‫( ‪)1/384‬‬

‫صفحة رقم ‪385‬‬


‫الوجه خلف ‪ ،‬والوجه بالنسبة إلى الظهر خلف ‪ ،‬فالظهر خلف الوجه ‪ ،‬والوجه خلف الظهر ‪ ،‬وإ ذا‬
‫طرحوه وراء ظهورهم لزم أنهم طرحو أمامهم فال ذم عليهم‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬وأجيب بأن المراد المبالغة في إبعاده عنهم فهم جعلوه وراء الوراء كما جاء في‬
‫اء َو َرائِ ِه ْم ) جعلوا للوراء وراء ونبذوه خلف ذلك الوراء وهو أبلغ في‬
‫الحديث الصحيح ‪ِ ( :‬من ور ِ‬
‫ْ ََ‬
‫كمال النبذ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬والحديث خرجه مسلم في أواخر كتاب اإليمان من أحاديث الشفاعة من رواية ربعي بن‬
‫خراش عن حذيفة قال ‪ :‬قال رسول اهلل ‪ ( :‬يجمع اهلل الناس فيقوم المؤمنون حين تزلف لهم الجنة‬
‫فيأتون آدم فيقولون ‪ :‬يا أبانا استفتح لنا الجنة فيقول‪ : n‬وهل أخرجكم منها إال خطيئة أبيكم آدم ؟ لست‬
‫بصاحب ذلك اذهبوا إلى ابني إبراهيم خليل اهلل ‪ ،‬فيقول إبراهيم ‪ :‬لست بصاحب ذلك ‪ ،‬إنما كنت‬
‫خليال من وراء وراء ‪ ،‬اعمدوا إلى موسى عليه السالم الذي كلمه اهلل تكليما ) الحديث بكماله انفرد به‬
‫مسلم‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬واتبعوا َما تَ ْتلُوْا الشياطين ‪...‬‬
‫( أي عملوا بمقتضاه ‪ ،‬وليس هو من االتباع الحقيقي ‪ ،‬ألن متلو الشياطين ال يتبع إنما يتبع التالي‬
‫وهو الشيطان ال متلوه‪.‬‬
‫ان ‪...‬‬ ‫ِ‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬على ُمْلك ُسلَْي َم َ‬
‫أن الشيطان كان يتلوه في عهد‬
‫( قيل ؛ أى على عهد سليمان ‪ ،‬ويحتمل أن يراد اتّباعهم ما سمعوا ّ‬
‫السحر‬
‫سليمان ‪ ،‬وأنهم يتبعون في عهد سليمان ما يتلوه الشيطان إ ّذاك ؟ قال ابن عرفة ‪ :‬وتعلّم ّ‬
‫واعتقاده حقا كفر‪.‬‬
‫أن التكفير ّإنما هو بأحد‬
‫وأما تعلمه من غير اعتقاد حقيقة ففي التكفير به قوالن ‪ ،‬وظاهر المتكلّمين ّ‬
‫بالسجود‬
‫ثالثة أمور ‪ :‬إما بقول كلمة الكفر ‪ ،‬أو ّ‬

‫( ‪)1/385‬‬

‫صفحة رقم ‪386‬‬


‫الزنار ونحوه‪.‬‬
‫لصنم ‪ ،‬أو بالفعل كلبس ّ‬
‫وجعل الفخر ( هنا ) من السحر ( الشعوذة )‪.‬‬
‫وكان شيخنا ابن عبد السالم يستضعف ذلك وينكره ويقول‪ : n‬إنما ذلك من خفة اليد ‪ ،‬وليس بحسر ‪،‬‬
‫بخالف ما يحكى عن غالب العجائبي من أنه كان يزرع الفقوس ( ويجنيه ) في ساعة واحدة فإنه‬
‫سحر‪.‬‬
‫قال ابن عطية ‪ :‬روي أنهما ( ملكان ) اختصمت إليهما إمرأة ‪ ،‬وحكى القصة ‪ ،‬وضعفه ابن عطية‬
‫من جهة السند‪.‬‬
‫الدليل على عصمة المالئكة‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬بل هو ضعيف من جهة االستدالل ‪ ،‬فإنه قد قام ّ‬
‫فإن ذلك إنما هو فيمن يتّصف‬
‫وال يقال ‪ :‬إنهما كانا معصومين ‪ ،‬ثم انتفت العصمة عنهما حينئذ ‪ّ ،‬‬
‫بالحفظ ال بالعصمة ‪ ،‬فيصح أن يحفظ تارة دون تارة ‪ ،‬أما العصمة فال تزول عمن ثبتت له أبدا ( وقد‬
‫) كان الشيوخ ‪ /‬يخطئون ابن عطية في هذا الموضوع‪ n‬ألجل ( ذكره ) هذه الحكاية‪.‬‬
‫ونقل بعضهم عن القرافي أن ( مالكا ) أنكر ذلك في حق هاروت وماروت ‪.‬‬

‫( ‪)1/386‬‬
‫صفحة رقم ‪387‬‬
‫قال ابن عرفة ؛ وكان تَعلم السحر في ( زمن ) هاروت وماروت ( جائزا ) ‪ ،‬وكانوا مأمورين بتعليم‬
‫الناس على جهة االبتالء من اهلل تعالى لخلقه ‪ ،‬فالطائع ال يتعلمه ‪ ،‬والعاصي ( يبادر ) إليه ويتعلمه‬
‫ّ‬
‫السم القاتل والحديد وغير ذلك مع أنه ال يجوز تناوله‪.‬‬
‫كما خلق اهلل ّ‬
‫يراد به نفس‬
‫فقوله على هذا ‪ ( :‬فال ) يكفر ‪ ،‬إما أن يراد به العمل أي تعلمه وال تعمل به فتكفر ‪ ،‬أو ُ‬
‫العلم أي نحن يجوز لنا تعليمه وغيرنا ال يجوز له أن يتعلمه منا فال نتعلمه فنكفر ‪ ،‬فهم مباح لهم‬
‫تعليمه للغير ‪ ،‬وذلك الغير ال يباح له أن يتعلمه منهم ‪ ،‬وكان التعليم حينئذ جائزا ثم نسخ فصار‬
‫حراما‪.‬‬
‫وقال الزمخشري ‪ :‬أي فال نتعلمه ( معتقدا ) أنه حق فنكفر‪.‬‬
‫ومنهم من قال ‪ :‬إن تعلمه جائز أو مطلوب ليفرق بينه وبين المعجزة والكرامة ‪ ،‬ولكن ذلك في تعلمه‬
‫على الجملة ال تعلمه مفصال ‪ ،‬وكالم الزمخشري هنا أنسب من كالم ابن عطية إال في كلمة واحدة‪.‬‬
‫ون ِم ْنهُ َما ) استشهد ابن التلمساني في كتاب القياس على أن الفاء تكون‬ ‫َّ‬
‫( وبقوله ) تعالى ‪ ( :‬فََيتَ َعل ُم َ‬
‫لالستئناف‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪َ ( :‬ولَقَ ْد َعِل ُموْا لَ َم ِن اشتراه ‪...‬‬
‫( ابن عطية ‪ :‬الضمير عائد على بني إسرائيل ‪.‬‬

‫( ‪)1/387‬‬

‫صفحة رقم ‪388‬‬


‫إما عموما أو على علمائهم‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ّ :‬‬
‫وقيل ‪ :‬على الشيطان ‪ ،‬وقيل ‪ :‬على الملكين‪.‬‬
‫وضعفه ابن عرفة ‪ ،‬ألنه جمع فال يصح اال على القول بأن أقل الجمع اثنان‪.‬‬
‫فإن قلت ‪ :‬هال قيل فحفظه في اآلخرة جهنم ‪ ،‬فهاذ أدل على ( الخسران ) في اآلخرة ‪ ،‬ألن فاعل‬
‫المباح يصدق عليه أنه ليس له في اآلخرة نصيب إذ ال ثواب فيه ؟ قلنا ‪ :‬السياق يهدي إلى ( أن )‬
‫المراد له العذاب ‪ ،‬وأن هذا القسم ( منتف عنهم )‪.‬‬
‫ِ‬
‫ون ( قال ابن عرفة ‪ :‬جواب ( لو ) مقدر ‪،‬‬ ‫قوله تعالى ‪َ ( :‬ولَبِْئ َس َما َش َر ْوْا بِه أَنفُ َسهُ ْم لَ ْو َك ُانوْا َي ْعلَ ُم َ‬
‫أن يكون جوابها ‪ ( :‬لَبِْئ َس َما َشَر ْوْا ) ألنه مذموم سواء‬ ‫أي لو كانوا يعلمون لما َش َر ْوا ‪ ،‬وال يصح ْ‬
‫شروه أو لم يشتروه ‪ ،‬وسواء علموا أو لَم َيعلموا‪.‬‬
‫َعاد الضمير في ( َولَقَ ْد َعِل ُموْا ) على بني إسرائيل وينتقض ذلك عليه بقوله ‪ْ ( :‬لو‬ ‫ابن عطية ‪ :‬من أ َ‬
‫ون )‪.‬‬
‫َك ُانوْا َي ْعلَ ُم َ‬
‫ألنهم عملوا عمل من ال يعلم ‪ ،‬فكأنهم‬
‫فظاهره ( ّأنهم ) لم يعلموا ( ويمكن ) أن يجاب عنه بأنه مجاز ّ‬
‫لم يعملوا‪.‬‬
‫بأن قولك ‪ :‬كأن زيدا يعلم كذا ‪ ،‬أخص من قولك ‪ :‬علم زيد‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬قال بعضهم ‪ :‬أو يجاب ّ‬
‫كذا القتضاء ( األول )‬

‫( ‪)1/388‬‬

‫صفحة رقم ‪389‬‬


‫تكرر العلم له ودوامه حتى تطبع به ‪ ،‬فأثبت في أول اآلية لهم مطلق العلم الصادق بأدنى شيء وقال‬
‫ّ‬
‫ون ) علما ثابتا حقيقيا لما باعوا أنفسهم بذلك‪.‬‬ ‫في آخرها ‪ْ ( :‬لو َك ُانوْا َي ْعلَ ُم َ‬
‫اعوا‪.‬‬ ‫وشروا بمعنى َب ُ‬
‫وبةٌ ِّم ْن ِع ِند اهلل َخْيٌر ‪...‬‬ ‫قوله تعالى ‪َ ( :‬ولَ ْو أََّنهُ ْم َء َ‬
‫امُنوْا واتقوا لَ َمثُ َ‬
‫أن الثواب من عند اهلل وإ ن قل في ذاته فهو خير من ذلك كلّه‪.‬‬ ‫( التّنكير هنا للتعليل بمعنى ‪ّ :‬‬
‫وبةٌ ِّم ْن ِع ِند اهلل ) وإ ما نفس الثواب المفهوم منها ‪،‬‬
‫قال ابن عرفة ؛ وجواب ( لَ ْو ) إما نفس ( قوله لَ َمثُ َ‬
‫وإ ما مقدر‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬الَ تَقُولُوْا ر ِ‬
‫اعَنا ‪...‬‬ ‫َ‬
‫( اختلف األصوليون في صيغة افعل هل هو من قسم المركب أو من قسم المفرد ؟ حكاه األنباري في‬
‫شرح المحصول‪.‬‬
‫وقال صاحب الجمل ‪ :‬واللّفظ المركب إن د ّل بالقصد األول على طلب الفعل كان مع االستعالء أمرا‬
‫ومع الخضوع سؤاال ومع التساوي التماسا وإ ال كان تنبيها إن لم يحتمل الصدق والكذب ‪ ،‬وإ ن‬
‫احتملهما كان خبرا وقضية ( جعلها ) من قسم المركب ‪ ،‬فهل اآلية حجة ألحد المذهبين أم ال ؟ من‬
‫ناحية أن القول إنما ( يحكى ) به الجمل ال المفردات ؟ قال ‪ :‬ال دليل فيها ألن ( ر ِ‬
‫اعَنا ) ( قد )‬ ‫َ‬
‫اتّصل به ضمير المفعول‪ n‬فهو مركب ( هنا ) بال شك‪.‬‬
‫اعناً ) بالتنوين على أنه نعت لمصدر محذوف أي قوال ِ‬
‫راعنا‪.‬‬ ‫وقرئ ( ر ِ‬
‫َ‬
‫فعلى هذا المراد بذلك نفس القول وعلى ( القراءة ) األخرى المقول له ‪.‬‬

‫( ‪)1/389‬‬
‫صفحة رقم ‪390‬‬
‫قوله تعالى ‪َّ ( :‬ما َي َو ُّد الذين َكفَ ُروْا ِم ْن أ ْ‬
‫َه ِل الكتاب ‪...‬‬
‫ودوا عدم نزول الخير ‪ ،‬لكن ذلك مستفاد من السياق فال يحتاج‬
‫( مع أن الثابت في نفس األمر أنهم ّ‬
‫إلى التنصيص عليه‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬ما َننس ْخ ِمن ءاي ٍة أَو ُن ِ‬
‫نسهَا ‪...‬‬ ‫َ َ ْ ََ ْ‬
‫( تكلم ابن عطية هنا كالما حسنا من جملته أن قال ‪ :‬المنسوخ عند أيمتنا هو الحكم الثابت نفسه ال ما‬
‫ذهبت إليه المعتزلة من أنه مثل الحكم الثابت فيما يستقبل ‪ ،‬وقادهم إلى ذلك مذهبهم من أن األوامر‬
‫مرادة ‪ ،‬ثم قال ‪ :‬والتخصيص من العموم يوهم أنه نسخ وليس به ألن المخصص ال يتناوله العموم‬
‫فقط‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬قالوا ‪ :‬وليس معناه أنه لم يكن ( مرادا لئال يلزم عليه كون األمر غير اإلرادة ‪ ،‬وإ نما‬
‫معناه أنه لم يكن ) متعلق الحكم ‪ ،‬ومنهم من قال ‪ :‬رفع الحكم إن كان قبل العمل به فهو تخصيص‬
‫وإ ن كان بعد العمل به فهو نسخ‪.‬‬
‫قال ابن عطية ‪ :‬وقد ينسخ األثقل باألخف كنسخ قتال الواحد للعشرة ‪.‬‬

‫( ‪)1/390‬‬

‫صفحة رقم ‪391‬‬


‫قال ابن عرفة ‪ :‬والثقل والخفة باعتبار المصالح ‪ ،‬فقد يكون متعلق هذه المصلحة أرجح من متعلق‬
‫المصلحة األخرى أو مساويا لها‪.‬‬
‫وال شك أن وقوف الواحد للعشرة ( ثوابه ) يكون أعظم من ثواب ما هو أخف منه لكنه نادر ‪ ،‬وليس‬
‫بأكثري الوقوع فنسخ بما هو أخف منه وأقل ثوابا لكونه أكثري الوقوع ‪ ،‬فيتعدد ثوابه ويكثر بتعدد‬
‫وقوعه ‪ ،‬واألخف باألثقل كنسخ صوم عاشوراء ‪ /‬بصيام رمضان‪.‬‬
‫قال ‪ :‬وأجمعوا على جواز نسخ القرآن بخبر الواحد‪.‬‬
‫قال أبو المعالي ؛ إنه واقع في مسجد قباء ألنهم كانوا يصلون فيه العصر إلى بيت المقدس ‪ ،‬فمر بهم‬
‫بعض الصحابة ‪ ،‬فأخبرهم أن القبلة حولت إلى مكة ‪ ،‬فتحولوا في الصالة‪.‬‬
‫ومنع ذلك قوم ‪ ،‬وقالوا ‪ :‬إنما نسخ بالقرآن‪.‬‬
‫قال ‪ :‬وال يصح نسخ النص بالقياس‪.‬‬
‫وقال ابن عرفة ‪ :‬ألن النص المقيس عليه إما أن يكون موافقا لذلك ( النص ) المنسوخ أو مخالفا فإن‬
‫الناسخ ( ال ) القياس‪.‬‬
‫كان ( موافقا ) فال نسخ ‪ ،‬وإ ن كان ( مخالفا ) فهو ّ‬
‫النبي واإلجماع إنما هو بعد وفاته‪.‬‬
‫وال ينسخ النص باإلجماع ألنه إنما يكون في حياة ّ‬
‫فيل البن عرفة ‪ :‬قد حكى األصوليون عن أبي مسلم أنه أنكر وقوع النسخ من أصله ؟‬

‫( ‪)1/391‬‬

‫صفحة رقم ‪392‬‬


‫فقال ابن عرفة ‪ :‬إنما ذلك في الفروع واألحكام الظنية ‪ ،‬وأما باعتبار الملة فال خالف بين المسلمين‬
‫وأنه تنسخ ملة بملة‪.‬‬
‫في وقوعه ّ‬
‫وإ نما الكالم فيه باعتبار الشخص الواحد هل يصح نسخ الحكم في ملته ( بحكم آخر أم ال ) قوالن‪.‬‬
‫ْت بِ َخ ْي ٍر ِّم ْنهَآ أ َْو ِمثِْلهَا ‪...‬‬
‫قوله تعالى ؛ ) َنأ ِ‬
‫(‪.‬‬
‫الخير باعتبار المصالح الشرعية ‪ ،‬فقد يكون متعلق الحكم يستلزم مصلحة أرجح ( من مصلحة أو‬
‫مثلها ومعنى ) ُن ِ‬
‫نسها ( أي نؤخرها فتعجيل نسخها أو تأخير نزولها إنما هو لتعجيل اإلتيان بما‬
‫مصلحته أرجح )‪.‬‬
‫وفيه تأخير البيان إلى وقت الحاجة‪.‬‬
‫واحتج الفخر الرازي في المحصول بهذه اآلية على جواز النسخ ووقوعه‪.‬‬
‫ورد عليه السراج في التحصيل بأنها قضية شرطية ال تدل على وقوع وال على إمكان الوقوع ك قوله‬
‫تعالى ‪ُ ( :‬ق ْل ِإن َك َ‬
‫ان للرحمن َولَ ٌد فَأََن ْا أ ََّو ُل العابدين ( وأجاب عنه ابن الخطيب شمس الدين الجزري‬
‫بأن االية خرجت مخرج المدح ‪ ،‬والمدح ال يكون إال بما ( هو ) واقع بالفعل ألن اهلل تعالى قال ‪) :‬‬
‫َن اهلل على ُك ِّل َش ْي ٍء قَِد ٌير (‪.‬‬
‫ْت بِ َخ ْي ٍر ِّم ْنهَآ أ َْو ِمثِْلهَا أَلَ ْم تَ ْعلَ ْم أ َّ‬
‫َنأ ِ‬
‫فقد أثنى على نفسه جل وعال بذلك ‪.‬‬

‫( ‪)1/392‬‬

‫صفحة رقم ‪393‬‬


‫قال ابن عرفة ‪ :‬والتحقيق في هذا ( أن ) المدح دال على جواز النسخ وإ مكانه ال وقوعه كما تقول ‪:‬‬
‫فالن قادر على أن يعطي ألف درهم وإ ن لم يعطها بالفعل ‪ ،‬فالمدح بذلك دال على أن إعطاءه غير‬
‫محال بل هو ممكن سواء وقع بالفعل أم لم يقع‪.‬‬
‫َن اهلل على ُك ِّل َش ْي ٍء قَِد ٌير ( قال ابن عطية ‪ :‬الهمزة ( للتقرير )‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬أَلَ ْم تَ ْعلَ ْم أ َّ‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬التقرير في حق المرضي عنه ليس ( كالتقرير ) في حق غيره‪.‬‬
‫قال ‪ :‬فإن كان خطابا للنبي فالمعادل محذوف تقديره ‪ :‬أم علمت ذلك ‪ ،‬وضعفه ابن عرفة وأبو حيان‬
‫بأن المعادلة إنما يحتاج إليها إذا كان االستفهام عن أمرين يكون المتكلم شاكا في أحدهما فيطلب‬
‫تعيينه‪.‬‬
‫وأما إذا كان اإلستفهام للتقرير فليس على هو حقيقته فال يحتاج إلى المعادلة بوجه‪.‬‬
‫قال ابن عطية ‪ :‬وهو مخصوص بالقديم والمحال‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬أما القديم فظاهر ألن القدرة ال تتعلق به ‪ ،‬وأما المحال ( فال ) يتناوله اللّفظ ( بوجه )‬
‫‪ ،‬ألنه ليس بشيء وال سيما المحال عقال ‪.‬‬

‫( ‪)1/393‬‬

‫صفحة رقم ‪394‬‬


‫ونقل بعض الطلبة عن شرح األسماء الحسنى البن ( الدهاق ) قوال بجواز تعلق القدرة بالمحال‬
‫العقلي‪.‬‬
‫ورده ابن عرفة بقول اإلرشاد ‪ :‬العقل علوم ضرورية لجواز الجائزات واستحالة المستحيالت قال ‪:‬‬
‫فيلزم سقوط هذا القسم وال قائل به‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬وتقدم لنا ( في الختمة األخرى ) في اآلية سؤال ‪ ،‬وهو أن النسخ تبديل آية بآية أو‬
‫حكم شرعي بحكم شرعي ‪ ،‬والحكم الشرعي هو خطاب اهلل تعالى المتعلق بأفعال المكلفين ‪ ،‬وخطابه‬
‫كالمه القديم األزلي ‪ ،‬فهو راجع إلى الكالم القديم ‪ ،‬والقدرة ال تتعلق بالقديم بوجه ‪ ،‬وإ نما تتعلق‬
‫َن اهلل على ُك ِّل َش ْي ٍء قَِد ٌير ( ؟ وأجيب بأنه نسخ ما‬
‫بالحادث فكيف حسن بعده أن يقال ‪ ) :‬أَلَ ْم تَ ْعلَ ْم أ َّ‬
‫الدوام ‪ ،‬وقد تقرر في األذهان دوام الحكم الشرعي الذي هو‬ ‫ثبت وتقرر في األذهان على سبيل اعتقاد ّ‬
‫فالنسخ عبارة عن ارتفاعه‪.‬‬
‫مضمون الكالم القديم ‪ّ ،‬‬
‫بأن ذلك الذي أنكر النسخ لم ينكره من حيث كونه تبديل اعتقاد باعتقاد ‪ ،‬وإ ّنما أنكره‬
‫ورده ابن عرفة ّ‬
‫ّ‬
‫لكونه يلزم عليه ( البداء ) ألن الحكم األول كان مرادا هلل فيصير غير مراد له وهو باطل‪.‬‬
‫أن الشيء ال يرتفع‬
‫السؤال ) بأنه لما كان المتبادر للذهن ّ‬
‫( قال ابن عرفة ‪ :‬وإ ّنما عادتهم يجيبون عن ّ‬
‫إال بثبوت نقيضه ‪،‬‬

‫( ‪)1/394‬‬
‫صفحة رقم ‪395‬‬
‫فإذا نسخ الحكم الشرعي المتضمن المصلحة إنما ينسخه حكم آخر يتضمن مفسدة فأخبر أن اهلل تعالى‬
‫قادر على أن يصير الحكم الشرعي المتضمن للمصلحة ‪ ،‬متضمنا لمفسدة باعتبار األزمان فيكون‬
‫الحكم في زمن متضمنا للمصلحة ثم يعود في زمن آخر متضمنا للمفسدة ‪ ( ،‬فحينئذ ) ينسخه اهلل‬
‫تعالى بحكم شرعي يتضمن مصلحة إما مثل األولى أو أرجح منها‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬وجاء الترتيب في اآلية على أحسن وجه ‪ ،‬فبين أوال جواز تعلق القدرة بكل شيء ‪،‬‬
‫ك السماوات واألرض ( ثم بين ( بعده ) أن ذلك‬
‫ثم بين وقوع ذلك الجائز ب قوله تعالى ‪ ( :‬لَهُ ُمْل ُ‬
‫خاص ال يشاركه فيه غيره بوجه‪.‬‬
‫وقال ابن عرفة ‪ :‬والملك ‪ /‬عبارة عن أهلية التصرف العام في جميع األمور من المتملك ‪ ،‬فمالك‬
‫العبد ليس مالكا له حقيقة ألنه ليس له قتله وال أن يضربه الضرب المبرح ‪ ،‬فحقيقة الملك إنما هو هلل‬
‫تعالى‪.‬‬
‫صٍ‬
‫ير (‪.‬‬ ‫ون اهلل ِمن وِل ٍّي والَ َن ِ‬‫قوله تعالى ‪َ ( :‬و َما لَ ُكم ِّمن ُد ِ‬
‫َ َ‬
‫ظالٍَّم لِّْل َعبِ ِيد ( والجواب ( كالجواب ) انه على تقدير أن يوجد ولي أو‬
‫ُّك بِ َ‬
‫مثل قوله تعالى ‪َ ( :‬و َما َرب َ‬
‫ناصر فال يوجد إال من هو في أنهى درجات الوالية والنصرة ‪ ،‬فنفي ذلك ( المعنى ) المتوهم المقدر‬
‫الوجود سواء‪.‬‬
‫ون أَن تَ ْسَئلُوْا َر ُسولَ ُك ْم ‪...‬‬ ‫قوله تعالى ‪ ( :‬أ َْم تُِر ُ‬
‫يد َ‬
‫(‬

‫( ‪)1/395‬‬

‫صفحة رقم ‪396‬‬


‫إن كان الخطاب للمؤمنين فالمراد أن تسألوا الرسول الذي ( أقررتم برسالته ‪ ،‬وإ ن كان الخطاب‬
‫للكفار فالمراد الرسول ) الذي ثبتت رسالته إليكم في نفس األمر‪.‬‬
‫آء السبيل (‪.‬‬ ‫قوله تعالى ‪ ( :‬ومن َيتََب َّد ِل الكفر باإليمان فَقَ ْد َ َّ‬
‫ضل َس َو َ‬ ‫ََ‬
‫آء السبيل ( وسطه‪.‬‬ ‫قالوا ‪َ ) :‬س َو َ‬
‫ورد عليه ابن عرفة ‪ :‬أنه يلزمهم المفهوم وهو أنه يكون اهتدى لبعض سبيل الحق وهو جانباه‬
‫آء ( هنا هو طريق الحق منهما ‪،‬‬ ‫والجواب ‪ :‬أن السبيل اسم جنس يعم طريق الحق والباطل و ) َس َو َ‬
‫اكراً َوإِ َّما َكفُوراً ( قوله تعالى ‪َ ( :‬و َّد َكثِ ٌير ِّم ْن أ ْ‬
‫َه ِل الكتاب‬ ‫قال اهلل تعالى ‪ِ ) :‬إَّنا ه َد ْيَناه السبيل ِإ َّما َش ِ‬
‫َ ُ‬
‫‪...‬‬
‫(‪.‬‬
‫قيل البن عرفة ‪ :‬ذكر بعضهم في الفاعل أنه يشترط فيه ما يشترط في المبتدإ إذا كان نكرة من أنه ال‬
‫بد له من مسوغ ‪ ،‬وذكره في قول اهلل ج ّل ذكره ‪ ) :‬فَأ ََّذ َن ُم َؤ ِّذ ٌن َب ْيَنهُ ْم ( قال ابن عرفة ‪ :‬لم أسمع هذا‬
‫من أحد إال في المبادى كنت أسمعه في قول الجزولي أسند إليه فعل ‪ ،‬أو ما جرى مجراه‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬ومن دعا على مسلم أن يميته اهلل كافرا ( ما يلزمه ؟ ) فقال النووي ‪ :‬إن اعتقد‬
‫مرجوحية اإليمان فهو‬

‫( ‪)1/396‬‬

‫صفحة رقم ‪397‬‬


‫كافر ‪ ،‬وإ ال فهو عاص وإ ثمه أشد من إثم من دعا على الكافر أن يميته اهلل كافرا‪.‬‬
‫والخالف عندنا في شرطية النطق بالشهادتين هل ال بد منها مع القدرة عليها ( أو ) يكفي اإلعتقاد ؟‬
‫وأما إن صرح بكلمة الكفر فهو كافر بإجماع ‪ ،‬وانظر سورة الحجرات‪.‬‬
‫َّن لَهُ ُم الحق ‪...‬‬ ‫ِ‬
‫قوله تعالى ‪ِّ ( :‬من َب ْعد َما تََبي َ‬
‫(‪.‬‬
‫إما أن كفرهم عناد أو ليس بعناد ‪ ،‬بناء على أن ارتباط الدليل بالمدلول عادي أو عقلي فيكون اهلل‬
‫ّ‬
‫تعالى ( أنبأهم ) ذلك في ثاني حال بعد أن علموه وتحققوه‪n.‬‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬فاعفوا واصفحوا ‪...‬‬
‫(‪.‬‬
‫وليه بعد ثبوته القتل عليه‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬العفو رفع الحرج عمن ثبت وتقرر كمن عفا عن قاتل ّ‬
‫( والصفح رفع الحرج عن الشخص قبل ( ثبوت ) موجبه كمن عفا عن قاتل وليه قبل ثبوت القتل‬
‫عليه ‪ ،‬قال ‪ :‬ويكون هذا ترقيا أي فاعفوا عنهم حتى تؤمروا بقتالهم‪.‬‬
‫يموْا الصالوة َو َءاتُوْا الزكاة ‪...‬‬ ‫ِ‬
‫قوله تعالى ‪َ ( :‬وأَق ُ‬
‫الصالة والزكاة فيكون أمرا بإقامتهما معا على أبلغ الوجوه ؟ فالجواب‬ ‫( إن قلت ‪ :‬هال قيل ‪ :‬وأقيموا ّ‬
‫النفوس أ ّكدها باألمر ‪ ،‬وهو اإلتيان بها مستوفاة الشرائط ‪،‬‬
‫الصالة متكررة مشقة على ّ‬
‫‪ّ :‬أنه لما كانت ّ‬
‫ولما كانت الزكاة ال تكرر فهي أخف ‪ ،‬اكتفى فيها باألمر دون تأكيد ‪.‬‬

‫( ‪)1/397‬‬
‫صفحة رقم ‪398‬‬
‫قوله تعالى ‪َ ( :‬و َما تُقَ ِّد ُموْا ألَنفُ ِس ُكم ِّم ْن َخْي ٍر تَ ِج ُدوهُ ِع َ‬
‫ند اهلل ‪...‬‬
‫( إن قلنا ‪ :‬إن المباح مأمور به فخير‪.‬‬
‫أفعل من ‪ ،‬ألن المراد بذلك كل ما فيه خير يفضل عن غيره فله فيه األجر وإ ن قلنا ‪ :‬إن المباح غير‬
‫مأمور به ‪ ،‬فافعل فعل ‪ ،‬ال فعل من‪.‬‬
‫قيل البن عرفة ‪ :‬وكذلك المباح إذا كان مأمورا به فهو خير ؟ فقال ‪ :‬وكذلك الحرام فيه خير باعتبار‬
‫الدنيا ‪ ،‬وإ ّنما المراد بالخير األخروي وهو الثواب ؛ وأما المباح فال ثواب فيه ؟‬
‫قوله تعالى ‪َ ( :‬وقَالَ ِت اليهود لَْي َس ِت النصارى على َش ْي ٍء ‪...‬‬
‫( قال ابن عرفة ‪ :‬حكاية هذه المقالة إما على سبيل اإلبطال لها أو على سبيل التقرير لها والموافقة‬
‫عليها ( واألول باطل لئال يلزم أن يكون كل فريق منهم على شيء ‪ ،‬والثاني باطل لئال يلزم عليه ّأنها‬
‫) لو حكيت على سبيل أنها حق لم يصح ترتب الذم عليهم مع أن مساق االية يقتضي ذمهم على ذلك‪.‬‬
‫قال ‪ :‬وأجيب عنه ‪ :‬بأن اليهودية والنصرانية لهما اعتباران فهما من حيث أصلهما الذي نشآ عنه‬
‫وهو موسى وعيسى حق ومن ( حيث ) دعوى المنتمين إليهما ( والمتدينين بهما ) باطل ‪ ،‬فقول‪n‬‬
‫صارى َعلى َشيء ) إبطال ألصل ملّة النصرانية وليس هو ابطال لدعوى‬
‫الن َ‬
‫اليهود ‪ ( :‬ليست َ‬
‫ذم قائلها أي قولهم ذلك وإ بطالهم له‬
‫المنتمين إليها ‪ ،‬فحكيت هذه المقالة على معنى اإلبطال لها أو ّ‬
‫باطل ‪ ،‬بل هم على شيء باعتبار أصل الملة ال باعتبار الدعوى وهذا حق وهو على حذف الصفة أي‬
‫ليسوا على شيء ديني ‪.‬‬

‫( ‪)1/398‬‬

‫صفحة رقم ‪399‬‬


‫قال الزمخشري ‪ :‬هذه مبالغة عظيمة ألن المحال والمعدوم يقع عليهما اسم الشيء‪.‬‬
‫الدين ‪ ،‬وقد تقدم اإلجماع على أن المحال ( ليس‬
‫الزمخشري ضعيف في أصول ّ‬
‫قال ابن عرفة ‪ّ :‬‬
‫بشيء ) باعتبار المعنى ‪ ،‬واختلفوا في اإلطالق اللّفظي والتسمية هل يطلق عليه لفظ شيء أم ال ؟‬
‫فمنعه أهل السنة وأجازه المعتزلة وهما مسألتان ‪ :‬فهذه ال ينبني عليها إيمان وال كفر ‪ ،‬واألخرى‬
‫توهم أن للمعدوم تقررا في األزل ويلزمهم بها الكفر‪.‬‬
‫ّ‬
‫ون الكتاب ( ولم يقل ‪ :‬وهم يعلمون الكتاب ؟ فقال ‪ :‬التالوة‬
‫قيل البن عرفة ‪ : /‬لم قال ‪َ ) :‬و ُه ْم َي ْتلُ َ‬
‫هنا تستلزم العلم‪.‬‬
‫َّ‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬فإن قلت ‪ :‬لم قال ) َوقَالُوْا لَن َي ْد ُخ َل الجنة ِإال َمن َك َ‬
‫ان ُهوداً أ َْو نصارى ( فجمع‬
‫المقالتين ( معا ) هناك وفرقهما هنا ولم يقل ‪ :‬وقالوا ليست النصارى واليهود على شيء ؟ ( قال ) ‪:‬‬
‫عادتهم يجيبون بأن المقالتين هناك محصورتان ال ثالث لهما فيعلم بالضرورة أن النصارى قالوا ‪ :‬لن‬
‫يدخل الجنة إال من كان نصرانيا ‪ ،‬واليهود قالوا ‪ :‬لن يدخل الجنة إال اليهود ‪ ،‬وأما هنا فلو قيل ‪:‬‬
‫وقالوا ‪ :‬ليست اليهود والنصارى على شيء ألوهم أن المسلمين هم الذين قالوا ذلك ( والكتاب )‬
‫جنس ( يشمل ) التوراة واإلنجيل ‪.‬‬

‫( ‪)1/399‬‬

‫صفحة رقم ‪400‬‬


‫ون ِم ْث َل قَ ْوِل ِه ْم (‪.‬‬ ‫قوله تعالى ‪َ ( :‬ك َذِل َك قَ َ‬
‫ال الذين الَ َي ْعلَ ُم َ‬
‫تسلية للنبي بذلك وغيرهم‪.‬‬
‫اج َد اهلل أَن ُي ْذ َك َر ِفيهَا اسمه ‪...‬‬
‫ظلَم ِم َّمن َّمَنع م َس ِ‬
‫ََ‬ ‫قوله تعالى ‪َ ( :‬و َم ْن أَ ْ ُ‬
‫ظلَ ُم ِم َّمن‬
‫ندهُ ِم َن اهلل ( وقال في سورة الزمر ) فَ َم ْن أَ ْ‬ ‫ادةً ِع َ‬‫( وقال في آية أخرى ‪ِ ) :‬م َّمن َكتَ َم َشهَ َ‬
‫َّ‬
‫آءهُ ( فالجمع بين اآليتين يقتضي تساويهما في الظلم ‪ ،‬لكن قام‬ ‫ب بالصدق ِإ ْذ َج َ‬ ‫ب علَى اهلل َو َكذ َ‬
‫َك َذ َ‬
‫الدليل على أن مفتري الكذب على اهلل أشد ظلما ممن منع مساجد اهلل من ذكر اهلل فيها‪.‬‬
‫قيل البن عرفة ‪ :‬يؤخذ من اآلية أنه ال يجوز لهَ ُؤالء األيمة أن يغلقوا باب المسجد وال أن يبنوا‬
‫مسجدا لنقوض مسجد آخر ؟ فقال ه ‪ :‬أما غلق باب المسجد في غير أوقات الصالة فهو حفظ له‬
‫وصيانة إال أن يكون اإلمام مفرطا في الصالة فيتركه مغلوقا ال يصلى فيه إلى آخر الوقت ‪ ،‬وأما بناء‬
‫مسجد بمسجد فال يجوز وإ ن صار قاعة جاز جلوس الجنب والحائض فيه ألنه لم يبق له حرمة‬
‫المسجد ‪.‬‬

‫( ‪)1/400‬‬

‫صفحة رقم ‪401‬‬


‫قال ( في المدونة ) في كتاب األقضية ‪ :‬والقضاء في المسجد من األمر القديم ‪ ،‬وألنه يرضى فيه‬
‫( بالدون ) من المجلس ‪ ،‬وتصل إليه المرأة والضعيف‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬وتقدم لنا أن رحابه هنا غير رحابه في الصالة ‪ ،‬فرحابه في الصالة أوسع من هذا‬
‫فال يركع الفجر إال في الصحن البراني الذي ال يحوزه ( الغلق ) ‪ ،‬ويحكم هنا في رحابه التي هي‬
‫صحنه الدخالني‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬أَن ُي ْذ َك َر ِفيهَا اسمه وسعى ِفي َخ َرابِهَآ ‪...‬‬
‫( قال ابن عطية ‪ :‬تضمنت االية أن يكون قوله ) أَن ُي ْذ َك َر ِفيهَا اسمه ( مفعوال ألجله‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬مفهومه أن منعها لغير هذه الحيثية ال يتناوله هذا ( اإلثم ) بل إثمه أقل من ذلك‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪َ ( :‬وِللَّ ِه المشرق والمغرب فَأ َْيَن َما تَُولُّوْا فَثََّم َو ْجهُ اهلل ‪...‬‬
‫ب المشارق والمغارب (‬ ‫( قال في سورة المعارج ‪ ) :‬فَآل أُ ْق ِس ُم بَِر ِّ‬

‫( ‪)1/401‬‬

‫صفحة رقم ‪402‬‬


‫قال ابن عرفة ‪ :‬إما على أن األرض كروية فتعدد المشرق والمغرب ظاهر ألن كل موضع مغرب‬
‫لقوم مشرق آلخرين ‪ ،‬وإ ن قلنا ‪ :‬إنها بسيطة فهو مغرب واحد ومشرق واحد لكنها تتعدد بالفصول‬
‫فمشرق الصيف غير مشرق الشتاء‪.‬‬
‫( قال ابن عرفة ‪ :‬وفيه إبطال للقول بالجسم والجهة ‪ ،‬ألنه لو كان اإلاله جسما للزم عليه حلول الجسم‬
‫الواحد في الزمن الواحد في مجال متعدد وهو محال )‪.‬‬
‫قيل البن عرفة ‪ :‬يقول صاحب هذا القول ‪ :‬إنه كالفلك فإنه دائر بالعالم كله بدليل قوله ‪ ) :‬فَأ َْيَن َما‬
‫تَُولُّوْا فَثََّم َو ْجهُ اهلل ( والتولي إنما يكون فيما يحوزه الفلك بل في بعضه فقط‪.‬‬
‫وإ نما أبطلوا الجسمية بدليل آخر فكما ّأنا ْأيَنما ( نو ّل َن َر ) الفلك بعضه ( فكذلك هو ) لكن ال نراه‬
‫والفلك جسم ؟ فقال لفظ ( ثَّم ) يقتضي وجوده في المكان الذي يقع فيه التولي حقيقة ‪ ،‬وإ ذا كان كالفلك‬
‫فليس هو في ذلك المكان‪.‬‬
‫ِ ِ‬
‫يم ( قال ابن عرفة ‪ :‬هذا إما ترغيب وترهيب أي هو واسع الرحمة‬ ‫قوله تعالى ‪ِ ( :‬إ َّن اهلل َواسعٌ َعل ٌ‬
‫عليهم بأعمال العباد فيجازيهم عليها ‪ ،‬وإ ما ترغيب وتأكيد للترغيب أي هو واسع الرحمة مع علمه‬
‫داوتِ ِه وعصيانه وال‬ ‫ِ‬
‫بأعمال العباد ‪ ،‬وهذا أبلغ في رحمته ألن اإلنسان قد يرحم عدوه إذا كان جاهال ب َع َ‬
‫يرحمه إذا علم بذلك ‪.‬‬

‫( ‪)1/402‬‬

‫صفحة رقم ‪403‬‬


‫ألن اتخاذ الولد يصدق على االبن حقيقة‬
‫قوله تعالى ‪َ ( :‬وقَالُوْا اتخذ اهلل َولَداً ( ذمهم بالوصف األعم ّ‬
‫وعلى ابن التبني‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪َ ( :‬بل لَّهُ َما ِفي السماوات واألرض ‪...‬‬
‫( إن رجع اإلضراب إلى قوله ( ُسْب َح َانهُ ) فهو إضراب انتقال ‪ ،‬وإ ن رجع إلى قوله ‪ ) :‬اتخذ اهلل َولَداً‬
‫( ( إضراب ) إبطال‪.‬‬
‫قال ابن عطية ‪ :‬قرأ الجمهور ( َوقَالُوْا ) بالواو ‪ ،‬وأسقطها ابن عامر ‪ ،‬إما ألن هذه الجملة في معنى‬
‫ما قبلها أو مستأنفة‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬هذا بعيد ألنه أمر واحد ومقالة واحدة ‪ ،‬إالّ أن يكون التعدد باعتبار اختالف الحاالت‬
‫واألشخاص‪.‬‬
‫واحتجوا باآلية على أن أعمال العباد مخلوقة هلل‪.‬‬
‫واحتج بها اللّخمي على أن من ملك ولده عتق عليه ‪ ،‬ألن ( اآلية ) اقتضت منافاة الملك ( للولدية )‬
‫أى لو ‪ /‬كان هلل ولد لما صدق أنه‬

‫( ‪)1/403‬‬

‫صفحة رقم ‪404‬‬


‫مالك لجميع ما في السماوات واألرض و ( الالزم ) باطل فالملزوم مثله‪.‬‬
‫وأجيب بالفرق بين المقامين فهذا ملك حقيقي وذلك ملك جعلي ‪ ،‬فما يلزم من منافاة الملك الحقيقي‪n‬‬
‫للولدية منافاة الملك الجعلي لها‪.‬‬
‫َّ ِ‬
‫قوله تعالى ‪ُ ( :‬ك ٌّل لهُ قَانتُ َ‬
‫ون ( قال ابن عطية ‪ :‬أي كل شيء له ملك‪.‬‬
‫قال الزمخشري ‪ :‬أي كل ما هو في السماوات واألرض‪.‬‬
‫ابن عطية ‪ :‬والقنوت إما الخضوع فيصدق على الحيوان والجمادات ‪ ،‬وإ ما الطاعة ‪ ،‬فالكافر يسجد‬
‫ظله وهو ( كاره )‪.‬‬
‫بالسجود وهو هو موجود أم ال ؟ فقال ‪ :‬الظل ظلمة خاصة‬
‫وصف الظل ّ‬
‫قيل البن عرفة ‪ :‬كيف ُي َ‬
‫باعتبار الكم والكيف فيجري على الخالف في الظلمة ‪ :‬هل هو أمر وجودي أو عدمي ؟ والصحيح‬
‫أنها وجودية ‪ ،‬ونص بعضهم على أن الظل عرض قام بجسم الهواء‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪َ ( :‬ب ِديعُ السماوات ‪...‬‬
‫( قال الزمخشري ‪ :‬هذا إما من إضافة الصفة المشبهة باسم الفاعل ‪.‬‬

‫( ‪)1/404‬‬
‫صفحة رقم ‪405‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬ف ( ِبديعُ ) صفة ( السماوات )‪.‬‬
‫قال ‪ :‬أو من إضافة اسم الفاعل‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪َ ( :‬ب ِديعُ ) صفة اهلل تعالى أي مبتدع السماوات‪.‬‬
‫وقال أبو حيان ‪ :‬الجمهور بالرفع على أنه خبر مبتدإ ‪ ،‬وقرئ بالنصب على المدح ‪ ،‬وبالجر على‬
‫البدل من الضمير في قوله ( له ) ‪ ،‬وهي صفة مشبهة باسم الفاعل ( والمجرور ) مشبه بالمفعول‪، n‬‬
‫وأصله ‪ :‬بديع سماواته ‪ ،‬ثم شبه الوصف فأضمر فيه ضمير عائد على اهلل ونصب سماواته على‬
‫التشبيه‪.‬‬
‫فانجر ِم ْن نصب‪.‬‬
‫َّ‬ ‫وقيل ‪ :‬بديع سماواته ثم أضيف‬
‫الصفة المشبهة إلى فاعلها واعترض بأن الصفة ال تكون مشبهة‬
‫وقال الزمخشري ‪ :‬هو من إضافة ّ‬
‫إال إذا نصبت أو أضيفت عن نصب ‪ ،‬أما إذا رفعت فليست مشبهة ألن عمل الرفع في الفاعل تستوي‬
‫فيه الصفات المتعدية وغيرها ‪ ،‬وأيضا بإضافة الصفة إلى ( فاعلها ) ال يجوز ألنه من إضافة الشيء‬
‫إلى نفسه ‪ ،‬وقد يتناول كالمه على أن معناه من إضافة الصفة المشبهة إلى ما كان فاعال لها قبل أن‬
‫تشبه‪.‬‬
‫انتهى‪.‬‬
‫قلنا قوله ‪ :‬واعترض بكذا ‪ ،‬نقل ابن عصفور في شرح الجمل عن األستاذ أبي الحسن علي بن جابر‬
‫الرماح أن اإلضافة ‪ :‬في مررت برجل حسن وجهه ‪ ،‬يمكن أن يكون من رفع ‪ ،‬وأنه حكى ذلك عن‬
‫أشياخه وحمل عليه كالم سيبويه واعترضه ابن عصفور فانظره ‪.‬‬

‫( ‪)1/405‬‬

‫صفحة رقم ‪406‬‬


‫قوله تعالى ‪َ ( :‬وإِ َذا قضى أ َْمراً ‪...‬‬
‫( أي أراد فيرجع لالرادة القديمة ( التنجيزية )‪.‬‬
‫( وقال الزمخشري ‪ :‬إنه عبارة عن سرعة التكوين‪.‬‬
‫فجرى على مذهبه‪.‬‬
‫وقال ابن عطية‪.‬‬
‫أي قدر في األزل وأمضى فيه )‪.‬‬
‫ون ‪...‬‬
‫ال الذين الَ َي ْعلَ ُم َ‬
‫قوله تعالى ‪َ ( :‬وقَ َ‬
‫( قال ابن عرفة ‪ :‬إن أريد بهم مشركو العرب فواضح ‪ ،‬وإ ن أريد أهل الكتاب فواضح ‪ ،‬ألن جهل‬
‫المشركين بسيط ‪ ،‬وجهل أهل الكتاب مركب‪.‬‬
‫ألنهم يعلمون‪.‬‬
‫واستشكل الفخر قول من فسره بأهل الكتاب قال ‪ّ :‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬ويجاب بما قلناه ‪ :‬من أنهم جاهلون جهال مركبا وكان بعضهم يقول ‪ :‬إنما نفى عنهم‬
‫طلَُبوا هم أن يكلمهم‬
‫ألنهم طُلب منهم اإلقرار بصحة الرسالة فَ َ‬
‫العلم لوضعهم الشيء في غير محله ‪ّ ،‬‬
‫اهلل مشافهة وهذا مناف للرسالة ألن هؤالء إذا حصلت لهم المباشرة بالكالم فال حاجة إلى الرسالة ‪.‬‬

‫( ‪)1/406‬‬

‫صفحة رقم ‪407‬‬


‫قيل البن عرفة ‪ :‬إنهم طلبوا أن يكلّمهم اهلل ( بتصديق رسوله )‪.‬‬
‫فقال ‪ :‬وفي هذا وقع الكالم معه ‪ ،‬فإذا ( ُبوشروا ) به فال حاجة إلى الرسالة‪.‬‬
‫وقال ‪ :‬وتنكير ( َء َاية ) لتعم ( في ) المعجزات كلها ‪ ،‬وتفيد التقليل فهو محض مكابرة ومباهتة منهم‬
‫( حتى ) ( كأنه ) لم يأتهم بشيء من اآليات‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪ِّ ( :‬م ْث َل قَ ْوِل ِه ْم ‪...‬‬
‫( قيل البن عرفة ‪ :‬ما فائدة زيادة ( ِّمثْ َل قَ ْوِل ِه ْم ) مع أنه مستغنى عنه ألن التشبيه األول ( يكفي ) في‬
‫حصول المثلية ؟ فأجاب بوجهين ‪ - :‬إما أنه تأكيد في مقام التسلية َّ‬
‫للنبي صلى اهلل عليه وسلّم بتكذيب‬
‫من قبله وتعنتهم‪.‬‬
‫‪ -‬وإ ما أن قوله ( َك ِ‬
‫ذل َك ) تشبيه ال يقتضي المساواة من جميع الوجوه بل ( المقابلة ) ‪ ،‬ألن المشبه‬
‫قوته فزاد ( ِّم ْث َل قَ ْوِل ِه ْم ) ليفيد كمال المماثلة والمساواة ‪ ،‬ولم يقل ‪ :‬مثل كالمهم ‪،‬‬
‫بالشيء ال يقوى ّ‬
‫ألن القول أعم من الكالم ‪ ،‬والزم األعم الزم األخص ‪ ،‬فأفاد حصول المساواة في قولهم المفرد‬
‫والمركب‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬قَ ْد َبيََّّنا األيات ‪...‬‬
‫(‬

‫( ‪)1/407‬‬

‫صفحة رقم ‪408‬‬


‫رد عليهم في قوله ‪ ) :‬أ َْو تَأْتِ َينآ َء َايةٌ ( ولم يرد عليهم قولهم ‪ ) :‬لَ ْوالَ ُي َكلِّ ُمَنا اهلل ( لظهور بطالنه‬
‫بالبديهة‪.‬‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬لقَ ْوٍم ُيو ِقُن َ‬
‫ون ( ابن عطية ‪ :‬اليقين عند الفقهاء أخص من العلم ألن العلم عندهم معرفة‬
‫المعلوم على ما هو به ‪ ،‬واليقين معتقد يقع للموقن في حقّه ‪ ،‬والشيء على خالف معتقده كتيقن‬
‫( المقلدة ) ثبوت الصانع‪.‬‬
‫أن اليقين هو األخص ‪ ،‬وهو ما علم على الوجه الذي ال يمكن أن يكون إال‬
‫ثم قال ‪ :‬وحقيقة األمر ّ‬
‫عليه‪.‬‬
‫أن اليقين أخص ثم فسر بما‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬كان ابن عبد ‪ /‬السالم يقول ‪ :‬هذا كالم خلف ‪ ،‬ألنه ذكر ّ‬
‫يقتضي أنه أعم من العلم‪.‬‬
‫والصواب أن يقال ‪ :‬اليقين أخص من العلم ألن العلم أخص من اإلعتقاد ‪ ،‬فاالعتقاد أعمها ثم العلم ‪،‬‬
‫ثم اليقين ‪ ،‬واليقين هو اعتقاد الشيء بدليل قاطع ال تعرض له الشكوك ‪ ،‬والعلم اعتقاد الشيء بدليل‬
‫يقبل الشكوك والمعارضة ‪ ،‬وهي مسألة المدنة قال ‪ّ :‬إنما اللغو أن يحلف باهلل على أمر تيقّنه ثم تبين‬
‫له خالف ذلك فال شيء عليه‪.‬‬
‫وانظر ما قيدت في سورة الذاريات‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪ِ ( :‬إَّنآ أ َْر َسْلَن َ‬
‫اك بالحق ‪...‬‬
‫( الظاهر أن المعجزات هي المراد‪.‬‬
‫ألن القاعدة في محاولة األمور الصعبة أن يبدأ فيها بالتلطّف والتيسير‬
‫وقدم البشارة على النذارة ّ‬

‫( ‪)1/408‬‬

‫صفحة رقم ‪409‬‬


‫ليكون أدعى للقبول ‪ ،‬كما إذا كان لك جمل معك وأردت أن تدخله موضعا فإنك تسايسه بربيع تطعمه‬
‫َص َح ِ‬
‫اب‬ ‫َّ‬
‫له أو تفتل شعره أو نحو ذلك ‪ ،‬كما قال ) فَقُوالَ لَهُ قَ ْوالً ليِّناً ( قوله تعالى ‪َ ( :‬والَ تُ ْسَئ ُل َع ْن أ ْ‬
‫الجحيم ( الظاهر أنها تسلية للنبي‪.‬‬
‫نك اليهود ‪...‬‬
‫قوله تعالى ‪َ ( :‬ولَن ترضى َع َ‬
‫الدين المحمدي ‪ ،‬ولذلك كانوا ينتقدون على أثير‬
‫( كان بعضهم يقول ‪ :‬غالب استعمال الملة فيما عدا ّ‬
‫الدين األبهري في كتابه في أصول الدين حيث قالوا ‪ :‬قال الملّّيون ‪ :‬يعني به اإلسالميين قال ‪ :‬وهذا‬
‫تتبع ِملتهُم وال النصارى حتى تتبع ملتهم ‪ ،‬وفيه المبالغة في‬
‫ود َحتّى َ‬‫اليهُ ُ‬
‫نك َ‬‫ضى َع َ‬
‫على حذف َولَن تَْر َ‬
‫لفظ ( لَن ) و ( َحتَّى ) وفي تكرير ( الَ )‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪ُ ( :‬ق ْل ِإ َّن ُه َدى اهلل ‪...‬‬
‫( يحسن أن يكون أمرا لكل واحد من الناس أن يقول ذلك‪.‬‬
‫قيل البن عرفة ‪ :‬النصارى يوافقوننا على ذلك ويقولون ‪ :‬إن دينهم ُهو ُهدى اهلل ؟‬
‫( ‪)1/409‬‬

‫صفحة رقم ‪410‬‬


‫فقال ‪ :‬إن ُه َدى اهلل على ثالثة أقسام ‪ :‬هدى باعتبار ما في نفس األمر ‪ ،‬وهدى باعتبار الدليل العقلي‬
‫‪ ،‬وهدى باعتبار الدعوى ؛ فالمراد أن هدى اهلل الذي دل الدليل العقلي عليه هو الهدى ‪ ،‬وهو الهادي‬
‫إلى اإليمان بمحمد‪.‬‬
‫آء ُهم ‪...‬‬ ‫قوله تعالى ‪َ ( :‬ولَئِ ِن اتبعت أ ْ‬
‫َه َو َ‬
‫( خطاب على سبيل التهييج واإللهاب ‪ ،‬وعطف النصير على الولي تأسيس ‪ ،‬ألن الولي إما أخص‬
‫من النصير أو بينهما عموم وخصوص من وجه دون وجه‪.‬‬
‫وعلى كل تقدير فالعطف تأسيس وانظر ابن عطية وانظر ما قيدت في سورة العنبكوت وفي سورة‬
‫الفتح‪.‬‬
‫ق تِالَ َوتِ ِه ‪...‬‬
‫ونهُ َح َّ‬
‫اه ُم الكتاب َي ْتلُ َ‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬الذين َءاتَْيَن ُ‬
‫( ابن عطية ‪ :‬عن قتادة ‪ :‬هم المؤمنون بمحمد ‪ ،‬والكتاب القرآن‪.‬‬
‫وعن ابن زيد ‪ :‬هم المؤمنون بموسى عليه السالم ‪ ،‬والكتاب التوراة ‪ ،‬وقيل ‪ :‬األربعون الواردون مع‬
‫جعفر بن أبي طالب في السفينة‪.‬‬
‫والرسل فقط‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬المراد به األنبياء ّ‬
‫ون بِ ِه ) فكأنه إخبار بالمعلوم ‪.‬‬
‫لكن يضعف لقوله ( ُي ْؤ ِمُن َ‬

‫( ‪)1/410‬‬

‫صفحة رقم ‪411‬‬


‫ِ‬
‫ونهُ ) حاال والخبر ( أ ُْولئ َك ُي ْؤ ِمُن َ‬
‫ون )‪.‬‬ ‫ابن عطية ‪ :‬ويصح أن يكون ( َي ْتلُ َ‬
‫فسروا ‪:‬‬
‫ألنهم ّ‬
‫أن الذاهبة جاريته مالكها ‪ّ ،‬‬ ‫ورده ابن عرفة ‪ :‬بأنه إخبار بالمعلوم فيمتنع كما امتنع ّ‬
‫يتلونه ( بمعنى يتبعونه بامتثال أوامره ونواهيه ‪ ،‬وهذا هو حقيقة اإليمان به‪.‬‬
‫لكن قال ‪ :‬هذا إنما يلزم إذا جعلنا الهاء من ) به ( عائدة على الكتاب ‪ ،‬وأما إن أعدناها على محمد أو‬
‫على ) الهُ َدى ( فيتم له ما قال‪.‬‬
‫قيل البن عرفة ‪ :‬أو يجاب بأن الحال من شرطها االنتقال فالتالوة غير الزمة ؟ فقال ‪ :‬اإلخبار عن (‬
‫المبتدإ ) إنما هو ( بصفته ) والحال من صفته فإذا انتقلت انتقل الخبر‪.‬‬
‫وترج لكونها لم يذكر فيها إال من آمن بالكتاب ومن كفر به ‪ ،‬ويبقى‪n‬‬
‫ّ‬ ‫قال ابن عرفة ‪ :‬وفي اآلية رحمة‬
‫من كان في زمن الفترة والمجانين والصغار مسكوتا عنهم لم يتناولهم هذا الوعيد‪.‬‬
‫وجاءت اآلية مفصولة بغير عطف غير موصولة مع أنهم شرطوا في ذلك اختالف الجملتين بأن‬
‫تكون إحداهما طلبية ‪ ،‬واألخرى خبرية وكذا األمر والنهي وهاتان متفقتان في الخبر لكنهما مختلفان‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬اذكروا نِ ْع َمتِ َي التي أ َْن َع ْم ُ‬
‫ت َعلَْي ُك ْم ‪...‬‬
‫( ّذكرهم بنعمة واحدة إشارة إلى أن التذكير باستحضار النعم الكثيرة من حيز المحال ( تكليف ) بما‬
‫ال يطاق فال يطيقون إال الشكر على النعمة الواحدة ‪.‬‬

‫( ‪)1/411‬‬

‫صفحة رقم ‪412‬‬


‫قوله تعالى ‪َ ( :‬وأَِّني فَ َّ‬
‫ضْلتُ ُك ْم َعلَى العالمين (‪.‬‬
‫إما على أمم زمانكم ألن بعثة موسى عليه السالم لم تكن عامة لجميع‬
‫أي فضلت أمتّكم على األمم ‪ّ :‬‬
‫الناس فكان في زمانه أمم أخرى ‪ ،‬وإ ما على جميع األمم التي قبله وبعده فتدخل فيه أمة سيدنا محمد‬
‫لكثرة ما كان في زمن بني إسرائيل من األنبياء‪.‬‬
‫الناس ألن سيدنا محمدا أفضل الخلق ( على اإلطالق )‪.‬‬‫ين ) جميع ّ‬ ‫ِ‬
‫العالَم َ‬
‫وليس المراد ب ( َ‬
‫اعةٌ ‪...‬‬
‫قوله تعالى ‪َ ( :‬والَ تَنفَ ُعهَا َشفَ َ‬
‫(‪.‬‬
‫جعله ابن عطية من باب ( على الحب يهتدي بمنارة )‪.‬‬
‫اهيم ربُّه بِ َكِلم ٍ‬
‫ات ‪...‬‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫قوله تعالى ‪َ ( :‬وإِ ذ ابتلى إ ْب َر َ َ ُ َ‬
‫( والعامل ‪ /‬في إذ ( مضمر ) أي ( اذكر ) إذ ابتلى ‪ ،‬ويعمل فيها عمل الفعل في المفعول‪ n‬به وال‬
‫عمله في الظرف ألنه يستحيل ذكره في ذلك الوقت‪.‬‬
‫ابراهيم ) إجابة ربه ‪ ،‬أي اختبر حاله عند‬ ‫يم ) ونصب ( َربَّهُ ) ومعناه ْابتَلَى (‬ ‫ِ ِ‬
‫ُ‬ ‫وقرئ برفع ( إ ْب َراه ُ‬
‫ربه‪.‬‬
‫قيل البن عرفة ‪ :‬فهل يجوز أن يختبر المكلف حاله عند ربه ؟‬

‫( ‪)1/412‬‬

‫صفحة رقم ‪413‬‬


‫فقال ‪ :‬أما عند االضطرار فجائز كما في حديث الثالثة الذين أخذهم المطر فأووا إلى غار في جبل‬
‫يتوسل كل واحد منا‬
‫فانحطت عليهم من ( أعلى الجبل ) صخرة فسدت ( فم ) الغار فقالوا ‪ :‬تعالوا ّ‬
‫إلى اهلل بأفضل عمل عمله ‪ ،‬الحديث أخرجه الصحيحان‪.‬‬
‫قال ‪ :‬وكذلك عند الضرورة الظاهر الجواز‪.‬‬
‫قال اإلمام فخر الدين هنا ‪ :‬والجمهور على أن إمامة الفاسق حال فسقه ال تجوز ‪ ،‬واختلفوا في الفسق‬
‫الطارئ هل يبطلها أم ال ؟ قال ‪ :‬وخطأ أبو بكر الرازي من نقل عن أبي حنيفة إجازة كونه خليفة‬
‫وامتناع كونه قاضيا‪.‬‬
‫قال ‪ :‬فإن شرط كل واحد منهما العدالة‪.‬‬
‫وفي اإلكمال للقاضي عياض في كتاب اإلمارة قال المازري ‪ :‬وإ ذا عقد اإلمام على وجه صحيح ثم‬
‫فسق وجار بأن كان يكفر وجب خلعه ‪ ،‬وأما بغيره من المعاصي فألهل السنة ال يخلع ‪ ،‬وللمعتزلة‬
‫يخلع‪.‬‬
‫عياض ‪ :‬االختالف أنها ال تنعقد لكافر وال تدوم إن طرأ عليه الكفر ‪ ،‬وكذا إن كان يترك الصالة‬
‫والدعاء لها ‪ ،‬وكذا عند الجمهور بالبدعة ولبعض البصريين أنها ال تنعقد للمبتدع وتدوم له للتأويل‪.‬‬
‫عياض ‪ :‬ال تنعقد ابتداء للفاسق بال تأويل ‪ ،‬وهل يخرج منها بمواقعة المعاصي أو ال ؟‬

‫( ‪)1/413‬‬

‫صفحة رقم ‪414‬‬


‫قال جمهور أهل السنة من الفقهاء والمحدثين والمتكلمين ‪ :‬ال يخلع ( بالظلم ) والفسق وتعطيل‬
‫الحقوق ‪ ،‬ويجب وعظه وترك طاعته فيما ال يجب فيه طاعة‪.‬‬
‫وقال بعضهم ‪ :‬يجب خلعه ‪ ،‬وهذا مع القدرة فإن لم يقدر على ذلك إال بفتنة وحرب فاتفقوا على منع‬
‫القيام عليه‪.‬‬
‫واحتج الزمخشري بهذه اآلية على أن الفاسق ال يصلح لالمامة‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬ال دليل فيها ‪ ،‬وفرق بين نيل العهد للفاسق وتعلقه به وبين انعقاد اإلمامة للفاسق‪.‬‬
‫أما ابتداء فال يصح أن َيِلي اإلمامة الفاسق‪.‬‬
‫فنقول ‪ّ :‬‬
‫وأما بعد الوقوع فتنعقد له اإلمامة كما قالوا في البياعات الفاسدة ‪ :‬إنما تمنع ابتداء فإن وقعت مضت‬
‫وحكم لها بحكم الصحيح‪.‬‬
‫قيل البن عرفة ‪ :‬كيف هذا مع قول اهلل تبارك وتعالى ) ثَُّم أ َْو َرثَْنا الكتاب الذين اصطفينا ِم ْن ِعَب ِادَنا‬
‫ظ ِال ٌم لَِّن ْف ِس ِه ( فقال ‪ :‬يكون االصطفاء ( لنفسه ) فقط ال مطلقا ‪.‬‬
‫فَ ِم ْنهُ ْم َ‬

‫( ‪)1/414‬‬
‫صفحة رقم ‪415‬‬
‫صلًّى ‪...‬‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِّ ِ‬
‫قوله تعالى ‪َ ( :‬وإِ ْذ َج َعْلَنا البيت َمثَ َابةً ل َّلناس َوأ َْمناً واتخذوا من َّمقَام إ ْب َراه َ‬
‫يم ُم َ‬
‫( أي محل رجوع ‪ ،‬والرجوع ليس هو باعتبار الشخص الواحد المعين بل باعتبار األنواع ( فيحج )‬
‫واحد وال يرجع ‪ ،‬ويحج آخر‪.‬‬
‫ِ‬
‫األفاقي فإنه يطوف طواف القدوم ثم‬ ‫ويحتمل أن يراد بالشخص الواحد المعين لكن ال يتناول إال‬
‫يرجع إلى البيت فيطوف طواف اإلفاضة‪.‬‬
‫واتفقوا على أنه ليس المراد بالبيت حقيقة بل ما حولها فمن دخل المسجد الحرام فهو آمن‪.‬‬
‫ين والعاكفين والركع السجود (‪.‬‬ ‫ِ ِ َّ ِِ‬ ‫اهيم وإِ سم ِ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫طهَِّرا َب ْيت َي للطائف َ‬
‫يل أَن َ‬
‫اع َ‬ ‫قوله تعالى ‪َ ( :‬و َعه ْدَنآ إلى إ ْب َر َ َ ْ َ‬
‫ابن عطية ‪ :‬عن عطاء وغيره ‪ :‬الطائفون أهل الطواف ‪ ،‬وعن ابن جبير ‪ :‬الغرباء الطارئون على‬
‫مكة والعاكفون أهل البلد المقيمون‪.‬‬
‫وعن عطاء ‪ :‬المجاورون بمكة الذين عكفوا بها فأقاموا ال يبرحون‪.‬‬
‫وعن ابن عباس هما ‪ :‬المصلون وعن غيره المعتكفون‪n.‬‬
‫قال الزمخشري ‪ :‬المعتكفون الواقفون يعني القيام في الصالة ‪.‬‬

‫( ‪)1/415‬‬

‫صفحة رقم ‪416‬‬


‫قال ابن عرفة ‪ :‬وقدم الطائفين لقرب الطواف من البيت ( واختصاصه ) به والعكوف‪ n‬في سائر البلد‬
‫الركوع‬
‫‪ ،‬وإ ن أريد به االعتكاف فهو أحرى ألنه يكون فيه ( وفي ) كل مسجد تصلى فيه الجمعة ثم ّ‬
‫والسجود ألنه يكون في سائر المساجد والمواضع الطاهرة‪.‬‬
‫وقال السماكي ‪ :‬ألن العكوف يخص موضعا واحدا من المسجد والطواف يكون بجميع البيت فهو أعم‬
‫واألعم قبل األخص‪.‬‬
‫قال وجمع ‪ ( :‬الطائفين ) جمع سالمة ألنه أقرب إلى لفظ بمنزلة يطوفون لالشعار بعلة تطهير البيت‬
‫وهو حدوث الطواف وتجرده ولو قيل ‪ :‬الطواف ‪ :‬لم يفد ذلك ألن المصدر يخفي ذلك ‪ ،‬وجمع‬
‫فإنه ال يلزم أن يكون في‬
‫العاكفين جمع سالمة لقربهم من البيت كالطائفين بخالف الركوع والسجود ّ‬
‫الركع هم‬
‫ألن ّ‬
‫البيت وال عنده ‪ ،‬فلذلك لم يجمع جمع سالمة ولم يعطف ( السجود على الركوع ) ّ‬
‫الساجدون ومن لم يسجد فليس براكع شرعا ‪ ،‬وألن السجود يكون مصدر ( َس َج َد ) ويكون جمع‬
‫ّ‬
‫( َس ِ‬
‫اجد ) ولو عطف ألوهم أنه مصدر‪.‬‬
‫اه ْم ُر َّكعاً ُس َّجداً‬
‫آء َب ْيَنهُ ْم تََر ُ‬
‫السجد ‪ ،‬كما قيل ‪ :‬الركع ‪ ،‬قال اهلل تعالى ‪ُ ) :‬ر َح َم ُ‬
‫فإن قلت ‪ :‬هال قيل ‪ّ :‬‬
‫( قلت ‪ :‬يراد بالسجود وضع ( الجبهة على ) األرض ويراد به الخشوع ولو قيل ( السجَّد ) لم‬
‫المرئي‬
‫ِ‬ ‫يتناول إال السجود‬

‫( ‪)1/416‬‬

‫صفحة رقم ‪417‬‬


‫بالعين ‪ ،‬فقيل ‪ :‬السجود ليعم المعنوي والحسي بخالف الركوع‪.‬‬
‫وجعل السجود وصفا له ألن الخشوع روح الصالة وسرها‪.‬‬
‫ب اجعل هذا بلَداً ء ِ‬
‫امناً ‪...‬‬ ‫قوله تعالى ‪َ ( :‬ر ِّ‬
‫َ َ‬
‫( قيل البن عرفة ‪ :‬إنه دعا بصيرورته بلدا آمنا ‪ ،‬فظاهره أنه لم يكن حينئذ بلدا فدعا ( هنا‬
‫بصيرورته بلدا ثم بعد حصوله بلدا دعا بما في ) سورة إبراهيم ؟ فقال ‪ :‬إنك تقول ‪ :‬رب اجعل هذا‬
‫رجال صالحا ‪ ،‬فلم تدع بحصول الرجولية له بل بكونه صالحا‪.‬‬
‫قيل له ‪ /‬قد ذكروا في الجواب عن معارضة اآليتين أنه لم يكن حينئذ بلدا فدعا هنا بصيرورته ثم بعد‬
‫ب اجعل‬ ‫حصوله بلدا دعا بما في سورة إبراهيم ؟ فقال ‪ :‬الظاهر أنه كان في موطنين فقال أوال ‪َ ) :‬ر ِّ‬
‫امناً ( ثم أعاد الدعاء في إبراهيم إما ألنه استجيب له وطلب دوام األمن ‪ ،‬أو تأخرت اإلجابة‬ ‫هذا بلَداً ء ِ‬
‫َ َ‬
‫وأعاد الدعاء تأكيدا ‪ ،‬وإ ن كان ذلك منه في موطن ( واحد ) فيش ُكل فهم اآليتين ألنه إن كان نطق به‬
‫معرفا ؟ ومنهم من أجاب بانه على حذف الصفة أي‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫معرفا فل َم حكى من ّكرا ‪ ،‬وإ ن قاله من ّكرا فل َم حكي ّ‬
‫ّ‬
‫اجعل هذا البلد آمنا ‪ ،‬وخص بعض ذريته بالدعاء دون بعض إما ألنه علم أن ( فيهم ) الظالمين أو‬
‫ألن اهلل أوحى إليه بذلك أو ألن هذا اسالم أخص فخصص البعض ( به دون البعض ) ‪.‬‬

‫( ‪)1/417‬‬

‫صفحة رقم ‪418‬‬


‫يم ‪...‬‬ ‫ِ ِ‬
‫قوله تعالى ‪َ ( :‬وإِ ْذ َي ْرفَعُ إ ْب َراه ُ‬
‫( قال ‪ :‬إنما فصل بين إسماعيل وإ براهيم بالمفعول‪ ( n‬ليظهر كمال المباينة بينهما ) ألن إبراهيم هو‬
‫متولي البناء وهو الذي كان يضع الحجر في الحائط وإ سماعيل إنما كان يناوله خاصة‪.‬‬
‫َّل ِمَّنآ ‪...‬‬
‫قوله تعالى ‪َ ( :‬ربََّنا تَقَب ْ‬
‫( مع قوله ‪َ ) :‬ربََّنا واجعلنا ُم ْسِل َم ْي ِن لَ َك ( دليل واضح ألهل السنة في قاعدة الكسب ألن مجرد الدعاء‬
‫بقبول العمل دليل على أن العبد مستقل بفعله والدعاء ( بتحصيل ) اإلسالم دليل على سلب القدرة‬
‫على العبد فالجمع بينهما موضح لقاعدة الكسب‪.‬‬
‫ُمةً ُّم ْسِل َمةً ‪...‬‬
‫قوله تعالى ‪َ ( :‬و ِمن ُذِّريَّتَِنآ أ َّ‬
‫ُمة ) وفيه تناقض كالم ابن الخطيب في المحصول‪.‬‬ ‫( تقدم أن الواحد يطلق عليه ( أ َّ‬
‫اس َكَنا ‪...‬‬ ‫قوله تعالى ‪ ( :‬وأ َِرَنا مَن ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫( المراد به موضع الهدى ‪ ،‬وأما النسك فيذبحه حيث شاء من البالد‪.‬‬
‫ب َعلَْيَنآ ‪...‬‬
‫قوله تعالى ‪َ ( :‬وتُ ْ‬
‫( الصواب فيه انه باعتبار االنتقال من مقام إلى مقام أعلى منه ( فيرى ) في ذلك نقصا ( يقتضي )‬
‫التوبة ألن الكبائر‬

‫( ‪)1/418‬‬

‫صفحة رقم ‪419‬‬


‫( تستحيل ) على األنبياء ‪ ،‬وكذلك صغائر الخسة بإجماع ‪ ،‬ويحتمل أن ( يريد ) ( أعطنا ثواب‬
‫التائبين‪.‬‬
‫فإن قلت ‪ :‬الرحمة سبب في التوبة فَِِلَ‪n‬م أخرها عنها ؟ قلت ‪ :‬ألن الرحمة ) وسيلة والتوبة مقصد‬
‫والمقصد أشرف من الوسيلة‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪َ ( :‬ربََّنا وابعث ِفي ِه ْم َر ُسوالً ِّم ْنهُ ْم ‪...‬‬
‫( إعادة النداء لالهتمام بالسبب وزيادة ( ِمنهُم ) تنبيه على عموم رسالته في العرب ألن ضمير‬
‫الذرية يعم العرب والعجم ألن بعض كفار قريش زعم أنه لم يرسل إليهم‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪َ ( :‬وُي َعلِّ ُمهُ ُم الكتاب والحكمة َوُي َز ِّكي ِه ْم ‪...‬‬
‫( هذا جاء على األصل في تقديم العلم أوال ثم ( العمل ) به ألن العلم شرط في العمل ‪ ،‬ولذلك قال ‪:‬‬
‫كل شيء يمكن حصوله للولي الجاهل إال العلم ‪ ،‬ألن العلم ال يحصل له إال بالتعلم وما يحكى في‬
‫بعض المسائل عن الشيخ الصالح أبي الحسن علي الشاذلي وغيره إنما هي مسائل جزئية يمكن أن‬
‫يطلعه اهلل على حكمها في مرآة يراها مسطورة بين يديه ‪ ،‬فيجيب بما فيها ‪ ،‬إنما العلم الكلي من حيث‬
‫هو بحيث ( يتصدى ) إلقرائه وتعلمه فلم يوجد في العادة ألحد‬

‫( ‪)1/419‬‬
‫صفحة رقم ‪420‬‬
‫( بوجه ) ‪ ،‬كذا كان بعض الشيوخ يقول‪n.‬‬
‫وآخره في سورة الجمعة‪.‬‬ ‫وقدم هنا وفي الحزب الذي يليه بعده ( ُي َعلِّ ُمهُ ُم ) ( ُي َز ِّكي ِه ْم ) ‪ّ ،‬‬
‫كان الشيخ محمد بن عبد السالم يقول ‪ :‬إنه بحسب المجالس فحيث تقدم التعليم تكون تلك اآلية نزلت‬
‫َه ّم ‪ ،‬وحيث تقدم التزكية تكون اآلية‬
‫عليه بمحضر الخواص ومن هو أهل للتعليم ‪ ،‬فيكون التعليم أ َ‬
‫أهم‪.‬‬
‫نزلت عليه في موضع أكثره عوام ‪ ،‬فتكون التزكية في حقهم ّ‬
‫قوله تعالى ‪ِ ( :‬إَّن َك أ َ‬
‫َنت العزيز الحكيم (‪.‬‬
‫( لَ ْم ) َي ُق ْل ‪ :‬الغفور الرحيم ألن العزيز هو الذي ينفذ مراده وال ينفّذ فيه مراد ( أحد ) والحكيم هو‬
‫ق بِهَا َوأ ْ‬
‫َهلَهَا ( قوله‬ ‫َح َّ‬
‫ث َي ْج َع ُل ِر َسالَتَهُ ( وقوله ) وكانوا أ َ‬‫َعلَ ُم َح ْي ُ‬
‫الذي تضمنه قوله تعالى ‪ ( :‬اهلل أ ْ‬
‫يم ‪...‬‬ ‫َّ ِ ِ ِ‬
‫ب َعن ِّملة إ ْب َراه َ‬
‫تعالى ‪َ ( :‬و َمن َي ْر َغ ُ‬
‫( االستفهام في معنى النفي ‪ ،‬أى ال يرغب إال السفهاء ‪ ،‬وهذا إن كان المراد عقائد التوحيد فالملل‬
‫كلّها متفقة على ذلك وخصص منها‬

‫( ‪)1/420‬‬

‫صفحة رقم ‪421‬‬


‫ملة إبراهيم لشرفها واجتماع جميع الملل على اتباعها ‪ ،‬وإ ن كان المراد به شريعته واألحكام الفرعية‬
‫فال شك أنها منسوخة ( فالمراد ) من يرغب عنها قبل ( تقرر نسخها )‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪َ ( :‬وإِ َّنهُ ِفي اآلخرة لَ ِم َن الصالحين ( اآلخرة هي التي يظهر فيها فائدة الصالح في الدنيا‪.‬‬
‫انتهى‪.‬‬
‫َسِل ْم ‪...‬‬ ‫قوله تعالى ‪ِ ( :‬إ ْذ قَ َ‬
‫ال لَهُ َربُّهُ أ ْ‬
‫( قال ‪ :‬هذا إما قول حقيقة بعد رؤية الكوكب والقمر والشمس وإ ما بمعنى اإللهام إلى ‪ /‬ذلك وخلقه‬
‫في قلبه بنصب الدالئل العقلية عليه‪.‬‬
‫ت لَ َك‪.‬‬
‫َسلَ ْم ُ‬
‫ب العالمين ( إقرار بالحكم ودليله فلذلك لم يقل ‪ :‬أ ْ‬ ‫ت ِل َر ِّ‬
‫َسلَ ْم ُ‬
‫ال أ ْ‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬قَ َ‬
‫وب الموت ‪...‬‬ ‫آء ِإ ْذ َح َ‬
‫ض َر َي ْعقُ َ‬ ‫قوله تعالى ‪ ( :‬أ َْم ُكنتُ ْم ُشهَ َد َ‬
‫(‬

‫( ‪)1/421‬‬
‫صفحة رقم ‪422‬‬
‫ولم يقل ‪ :‬أم كنتم حضورا ‪ ،‬ألن لفظ الشهادة تفيد الضبط واإلحاطة بعلم الشيء‪.‬‬
‫فإن قلت ‪ :‬مفهوم اآلية أنهم لو حضروا لذلك لصح لهم االحتجاج به مع أنه حجة عليهم ألن يعقوب‬
‫إنما أوصى بنيه بعبادة اهلل سبحانه وتعالى وتوحيده ؟ فالجواب ‪ :‬أن المعنى ‪ :‬أم كنتم شهداء إذ قال‬
‫ذلك ‪ ،‬أم تقولون هذه المقالة وتدعون أنه أوصاهم ( بغير ذلك )‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬ألن هذا االستدالل على سبيل التقسيم عليهم والتنزل معهم على عادة المستدل ‪،‬‬
‫النقلي فقيل لهم ‪ :‬أحضرتم لوصية يعقوب‬
‫السمعي ّ‬
‫فأبطل قولهم بالدليل العقلي ثم احتج عليهم بالدليل ّ‬
‫لبنيه ‪ ،‬وتزعمون أنها كانت موافقة ( لدعواكم ) ‪ ،‬أي ما لكم دليل عقلي وال نقلي‪.‬‬
‫ألن اآلية ( نزلت ) في معرض إقامة الحجة على‬
‫وتقديم يعقوب وهو مفعول على الموت لالهتمام ّ‬
‫الكفار وإ قامة الحجة إنما هي بإسناد األمر إلى يعقوب‪ n‬ال للموت‪.‬‬
‫قال ابن عطية ‪ :‬والمعنى إذا حضر يعقوب مقدمات الموت ‪ ،‬وإ ال فلو حضره الموت لما قال شيئا‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬ال يحتاج إلى هذا إال لو قيل ِإ ْذ َن َز َل ( بيعقوب ) الموت‪.‬‬
‫وأما حضور الموت فهو أعم من ( نزولها ) و ( مقاربة ) نزولها‬

‫( ‪)1/422‬‬

‫صفحة رقم ‪423‬‬


‫ون ‪...‬‬
‫قوله تعالى ‪َ ( :‬ما تَ ْعُب ُد َ‬
‫فرق ب ( ما ) و ( من ) وكفاك دليال قول‬
‫( قال الزمخشري ‪َ ( :‬ما ) علم في كل شيء فإذا ( علم ) ّ‬
‫العلماء ( َم ْن ) لما يعقل ولو قيل ‪ :‬من تعبدون ‪ ،‬لم يعم إال أولي العلم وحدهم‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬إن قلت ‪ :‬جعل ( َما ) عامة تقع على ( َما ) وعلى ( َم ْن ) فتقسم الشيء إلى نفسه‬
‫قلت ) ‪ :‬جعلها مشتركة بين األعم واألخص ‪ ،‬فتارة وضعت ألن تدل على كل شيء‬ ‫وإ لى غيره ؟ ( ُ‬
‫وتارة وضعت لالختصاص بمن يعقل‪.‬‬
‫فإن قلت ‪ :‬كيف قال ( من ) لما يعقل فأطلق ( ما ) على العاقل وهي ال تصدق عليه إال مع غيره ؟‬
‫بأنها ّإنما أطلقت عليه مقيدا بالعقل وإ نما تخص غير العاقل عند عدم‬
‫قلنا ‪ :‬عادة الطلبة يجيبون ّ‬
‫القرينة كقولك ‪ :‬رأيت ما عندك‪.‬‬
‫ون ) سؤال عن صفة المعبود‪.‬‬ ‫الزمخشري ‪ :‬ويجوز أن يقال ( َما تَ ْعُب ُد َ‬
‫وضعفه ابن عرفة لقولهم ( َن ْعُب ُد إلهك ) فلم يجيبوا بالصفة وإ نما يصح ذلك لو قالوا ‪ :‬نعبد القادر‬
‫السميع البصير‪.‬‬
‫فإن قلت ‪ :‬لم قال ‪ ( :‬من بعد ) فاتى ب ( من ) المقتضية ألول األزمنة البعدية مع أنه ال يتوهم‬
‫مخالفتهم ورجوعهم عن دينهم إال بعد طوال الزمان ( وأما ) بالقرب من موته فال يزالون متَّبعين له‬
‫ومقتفين ( آلثاره ) ؟‬

‫( ‪)1/423‬‬

‫صفحة رقم ‪424‬‬


‫الرد على اليهود ‪ ،‬وهم يدعون أنهم متبعون‬
‫قال الغاسل ‪ :‬عادتهم يجيبون بأن اآلية أتت في معرض ّ‬
‫آلبائهم فذكر لهم الوجه الذي يصدق على أوالد يعقوب أنهم متبعون له وذلك ال يصدق إال بأول أزمنة‬
‫البعدية ‪ ،‬وأما ( ما ) بعد ذلك فقد يقال ‪ّ :‬إنهم لم يتبعوا ‪ ،‬بل تناسوا األمر واتبعوا غيره والزمن‬
‫القريب من موته يقوى فيه وجه االتباع‪.‬‬
‫يل ‪...‬‬ ‫اهيم وإِ سم ِ‬
‫اع َ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬وإ له َء َابآئ َك إ ْب َر َ َ ْ َ‬
‫( قال ابن عرفة ‪ :‬إن أجزنا استعمال اللّفظ في حقيقته ومجازه ( فالعم ) يطلق عليه أب مجازا‪.‬‬
‫وجعله الزمخشري حقيقة واستشهد بحديث ‪ ( :‬عم الرجل صنو أبيه ) وبقوله في العباس ه ( هذا‬
‫بقية آبائي )‪.‬‬
‫ابن عطية وقال ‪ ( :‬أنا ابن الذبيحين ) قال ‪ :‬وعلى القول المشهور في أنه إسحاق‪.‬‬
‫وهو قول مالك في العتبية ‪ ،‬وإ ن كان اختيار ابن عطية في غير ما موضع ّأنه إسماعيل وجعله أصح‬
‫احداً ) دليل على أن لفظ اإلاله كلي ولذلك كان دليل الوحدانية‬ ‫من القول اآلخر ‪ ،‬والوصف بقوله ( و ِ‬
‫َ‬
‫نظريا وإ الّ ( كان يكون ) ضروريا‪.‬‬
‫ت ‪...‬‬‫ت لَهَا َما َك َسَب ْ‬ ‫قوله تعالى ‪ ( :‬تِْل َك أ َّ‬
‫ُمةٌ قَ ْد َخلَ ْ‬
‫( ابن عطية ‪ :‬رد على الجبرية القائلين بأن العبد ال قدرة له وأنه كالميت بين يدي الغاسل ‪.‬‬

‫( ‪)1/424‬‬

‫صفحة رقم ‪425‬‬


‫زاد القرطبي ‪ :‬أن فيها ردا على المعتزلة القائلين بأن العبد يستقل ( بفعله ) ألن اآلية دلت على‬
‫الكسب ال على الخلق واالختراع‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬إن كان الكسب في اللغة هو الذي اصطلح عليه المتكلمون ‪ ،‬فما قاله حق وإ ال لم يتم‬
‫له ذلك‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪َ ( :‬ولَ ُك ْم َّما َك َس ْبتُ ْم ‪...‬‬
‫ون هم عما كنتم تعملون‪.‬‬
‫ون ( فيه حذف ‪ ،‬أي وال ُي ْسأَلُ َ‬
‫ون َع َّما َك ُانوْا َي ْع َملُ َ‬
‫( قوله تعالى ‪َ ( :‬والَ تُ ْسَئلُ َ‬
‫ت ) ويضعفه عطف‬ ‫ت ) يجوز أن يكون حاإل من الضمير في ( َخلَ ْ‬ ‫قال أبو حيان ‪ ( :‬لَهَا َما َك َسَب ْ‬
‫( َولَ ُك ْم َّما َك َس ْبتُ ْم ) عليه ‪ ،‬ألنها تكون حاال ‪ ،‬وعطف الحال على الحال يوجب اتحاد الزمانين وزمان‬
‫استقرار ( الكسبين ) مختلف‪.‬‬
‫وأجاب ابن عرفة بكون الثانية حاال مقدرة مثل ‪ ،‬مررت برجل معه صقر صائدا به غدا ‪ ،‬أي قد‬
‫خلت حالة كون ( لها ) ما كسبت وحالة كون ( لمن ) بعدها ما يكسب على تقدير ( اكتسابه ) ‪.‬‬

‫( ‪)1/425‬‬

‫صفحة رقم ‪426‬‬


‫ونوْا ُهوداً أ َْو نصارى تَ ْهتَ ُدوْا ‪...‬‬
‫قوله تعالى ‪َ ( :‬وقَالُوْا ُك ُ‬
‫( قال ابن عرفة ‪ :‬هذا قياس استثنائي ( في ) قوة كالمهم ( فيه ) أنهم قصدوا استثناء غير المقدم‬
‫فينتج َعين التالي وينتفي الثاني النتفاء األول ‪ ،‬أي إن لم تكونوا هودا لم تهتدوا لكنكم لستم بهود فلستم‬
‫بمهتدين‪.‬‬
‫وقاعدة األصوليين استثناء عين التالي وينتفي‪ / n‬األول النتفاء ( الثاني ) حسبما نص عليه ابن‬
‫التلمساني في كتاب القياس فيجيء تركيبه ‪ :‬إن لم تهتدوا تكونوا هودا ‪ ،‬وليس هو مرادهم بل مرادهم‬
‫أن الهداية الزمة لدين اليهودية‪.‬‬
‫والجواب ‪ :‬أنهما متساويان إذا انتفى أحدهما لزم منه انتفاء اآلخر واإلضراب ب ( بل ) إبطال‪.‬‬
‫فإن قلت ‪ :‬هال قيل ‪ :‬وما كان مشركا ‪ ،‬فهو األخص ألن نفي األعم أخص من نفي األخص ألنه‬
‫يستلزم نفي األخص ؟ فالجواب أن النفي ورد على ( وفق ) دعواهم و ( هم ) ما ادعوا إال أنهم‬
‫متّبعون له وأنه كان على دينهم وهم مشركون لقولهم ‪ :‬عزير بن اهلل والمسيح ابن اهلل وادعائهم‬
‫( التجسيم )‪.‬‬
‫يم ‪...‬‬ ‫ِ َّ ِ ِ‬
‫والخطاب بقوله ‪ُ ) :‬ق ْل َب ْل ملةَ إ ْب َراه َ‬
‫( لجميع الناس خوطب به كل واحد على‬

‫( ‪)1/426‬‬

‫صفحة رقم ‪427‬‬


‫حدته وهو أولى من جعله خطابا للنبي ألنه مقابل لقول أتباع موسى وعيسى فيقابلون بقول أتباع‬
‫محمد‪.‬‬
‫امَّنا باهلل ( قال ابن عرفة ‪ :‬فيه دليل على أن من قال ‪ :‬أنا مؤمن ‪ ،‬ال يحتاج‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬قولوا َء َ‬
‫إلى زيادة ‪ :‬إن شاء اهلل ‪ ،‬وهو قول سحنون‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬قال ابن بطال في أوائل شرح البخاري هو قول ابن عبد الرحمن السلمي ‪ ،‬وعطاء ‪ ،‬وسعيد بن‬
‫جبير ‪ ،‬وإ براهيم التميمي وعون ابن عبد اهلل ‪ ( ،‬ورأى ) زيادة االستثناء ابن عبد الحكم وحمديس‬
‫وابن عبدوس وأحمد بن صالح الكوفي‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬ونقل لي بعض الطلبة عن الركراكي بالقيروان وكان صالحا أنه قال ‪ :‬ال أماته اهلل على‬
‫اإلسالم إن كان يعتقد أنه مسلم ‪.‬‬

‫( ‪)1/427‬‬

‫صفحة رقم ‪428‬‬


‫( قال ‪ :‬فسألت الفقيه أبا عبد اهلل محمد بن محمد بن سالمة‪.‬‬
‫فقال ‪ :‬مراده إن كان يعتقد ّأنه كامل اإلسالم‪.‬‬
‫وقال لي شيخنا الفقيه أبو العباس أحمد بن إدريس ‪ :‬إنما أراد ما في حديث ‪ ( :‬المسلم من سلم الناس‬
‫من لسانه ويده ) قال ابن عرفة ‪ :‬والصواب أنه إن أراد ‪ :‬أنا مؤمن في الحال ‪ ،‬لم يحتج إلى زيادة ‪:‬‬
‫إن شاء اهلل تعالى ‪ ،‬وإ ن أراد المستقبل فال بد من زيادة إن شاء اهلل ‪ ،‬وهذه اآلية إما خبر أو إنشاء فإن‬
‫كانت خبرا فهو ماض ال يحتاج فيه إال االستثناء ألنه محقق عنده ‪ ،‬وإ ن كان إنشاء فمدلولها حق صح‬
‫اإلخبار عنه على ما هو عليه من غير استثناء ألنه حق‪.‬‬
‫( ابن عرفة )‪.‬‬
‫والمسألة المتقدمة مذكورة في الفقه وفي المعالم الفقهية‪.‬‬
‫وقال أبو حيان ‪ :‬هنا في إبراهيم وإ سماعيل ( يجوز ) أن يجمعا جمع سالمة فيقال ‪ ( :‬ابراهيمون )‬
‫وإ سماعيلون‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬كان بعضهم يمنع ذلك ( فيه ) ألنه عجمي‪.‬‬
‫واهلل أعلم ‪.‬‬

‫( ‪)1/428‬‬
‫صفحة رقم ‪429‬‬
‫قال الزمخشري ‪ :‬واألسباط حفدة يعقوب‪ n‬عليه السالم ( ذرارى ) أبنائه االثني عشر‪.‬‬
‫وقال ابن عطية ‪ ( :‬هم أوالد ) يعقوب‪ n‬وهم روبيل وشمعون ويهودا وداني والوى‪ n‬وكرد‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬وتقدم لنا في الختمة التي قبل هذه قال بعض الطلبة البن عرفة ‪ :‬ما الحكمة في تخصيص أول‬
‫اآلية بلفظ اإلنزال و ( ثانيها ) باإليتاء ؟ فقال ‪ :‬لفظ اإلنزال صريح فيما أنزل من أعلى إلى أسفل ‪،‬‬
‫ولفظ اإليتاء محتمل ألن يكون من اليمين والشمال واألمام والعلو ‪ ،‬والنصارى ( مؤمنون ) بما أنزل‬
‫على عيسى ‪ ،‬واليهود ( مؤمنون ) بما أنزل على موسى ألنهم ال احتمال عندهم فيه وال شك ‪ ،‬ولما‬
‫كانوا شاكين في المنزل على محمد وعلى آل إبراهيم وما بعده وبعضهم يدعي أنهم ( تلقوه ) من‬
‫الكهان ‪ ،‬أتى فيه باللفظ الصريح الدال على نزوله من أعلى إلى أسفل ولهذا قال ‪َ ) :‬و َمآ أُوتِ َي النبيون‬
‫ِمن َّرِّب ِه ْم ( لينفي هذا االحتمال ‪ ،‬فعورض بوجهين ‪:‬‬

‫( ‪)1/429‬‬

‫صفحة رقم ‪430‬‬


‫‪ -‬األول قال بعض الطلبة ‪ :‬السحر إنما يتلقونه من الشياطين المسترقين للسمع فهو من أعلى إلى‬
‫أسفل فال احتمال في اإلنزال كاالحتمال في اإليتاء‪.‬‬
‫إن النصارى كافرون بما أنزل على موسى واليهود بما أنزل على‬
‫‪ -‬الوجه الثاني ‪ :‬قلت ‪ ( :‬إذاً ) ّ‬
‫امَّنا باهلل َو َمآ أ ِ‬
‫ُنز َل‬ ‫عيسى فاالحتمال لم يزل أقال في هذه ‪ ) :‬ومآ أ ِ ِ‬
‫ُنز َل إلَْيَنا ( وفي آل عمران ) ُق ْل َء َ‬ ‫ََ‬
‫إن ( على ) صريحة في حصول الشيء من فوق ( وإ لى ) يحتمل‬ ‫َعلَْيَنا ( قال ابن الخطيب ‪ّ :‬‬
‫السبب‪.‬‬
‫حصوله من إحدى الجهات ْ‬
‫امَّنا ) بالنبي والقرآن أنزل عليه حقيقة من السماء‪.‬‬
‫والخطاب في قوله ( َء َ‬
‫والخطاب هنا للمؤمنين ‪ ،‬وإ نما حصل لهم القرآن من النبي ( ولم يحصل ) لهم من فوق‪.‬‬
‫وأورده الزمخشري في آل عمران ‪ ،‬وأجاب بأن الوحي يتنزل من فوق وينتهي للرسل ‪ ،‬فجاء تارة‬
‫بأحد المعنيين وأخرى باآلخر ‪ ،‬قل ومن قال علينا لقوله قل ‪ِ ( :‬إلَْيَنا ) لقوله ( قُولُوْا ) فقد تعسف ‪،‬‬
‫امُنوْا‬ ‫أال ترى إلى قوله ( بِما أ ُْن ِز َل ِإلَْيَنا وما أ ُْن ِز َل ِإلَْي ُكم ) وإ لى قوله ) ء ِ‬
‫امُنوْا بالذي أ ِ‬
‫ُنز َل َعلَى الذين َء َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ََ‬ ‫َ‬
‫( وأجاب ابن عرفة بجواب آخر ‪ :‬وهو أن النبي لما كان خاطره إلى العالم العلوي أميل ‪ ،‬إذ في‬
‫والكرسي والمالئكة ‪ ،‬ناسب تعدي اإلنزال إليه ب ( على ) ليشعر‬
‫ّ‬ ‫الجنة والعرش‬
‫السماء ّ‬
‫ّ‬

‫( ‪)1/430‬‬
‫صفحة رقم ‪431‬‬
‫فإن فيها ( قُولُوا ) وهو خطاب له ولغيره‪.‬‬
‫بإتيانه من الجهة الشريفة المحبوبة بخالف هذه ّ‬
‫وأجاب ابن عرفة وبعض طلبته عن تخصيص أول اآلية باإلنزال وآخرها باإليتاء بأنه لما ‪ /‬كان‬
‫ظهور المعجزات الفعلية على يد موسى وعيسى أكثر ( وأشهر ) من ظهورها على يد إسحاق‬
‫ويعقوب وإ براهيم ألن موسى ضرب البحر فانفلق ‪ ،‬وألقى العصا فعادت ثعبانا ‪ ،‬وأخرج يده‬
‫فصارت بيضاء من غير سوء ‪ ( ،‬ورفع ) من على البئر الصخرة البنة شعيب ‪ ،‬ووضع ثوبه على‬
‫حجر ‪ ،‬ودخل النهر فمضى الحجر به فتبعه وهو يقول ‪ :‬ثوبي حجر‪.‬‬
‫يدَنا إبراهيم عليه‬
‫وعيسى كان يبرئ األكمه واألبرص ويحيى الموتى بإذن اهلل ‪ ،‬فناسب لفظ اإليتاء َس َ‬
‫السالم وأوالده فإن اشتهارهم بإنزال الوحي أكثر من اشتهارهم بالمعجزات‪.‬‬
‫امنتُم بِ ِه فَقَِد اهتدوا َّوإِ ن تَولَّ ْوْا فَِإَّن َما ُه ْم ِفي ِشقَا ٍ‬
‫ق ‪...‬‬ ‫ِِ ِ‬
‫امُنوْا بمثْل َمآ َء َ‬
‫ِ‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬فَإ ْن َء َ‬
‫َ‬
‫( قال ابن عرفة ‪ :‬الباء ‪ :‬إما للسبب والمراد أسباب إيمانكم وهي البراهين والمعجزات ‪ ،‬أو للتعدية (‬
‫امُن ُوْا ) بسبب مثل‬ ‫ِ‬
‫به ) والمراد متعلق اإليمان وهو اإلاله ؛ فإن كان للسبب فواضح أي ( فَإ ْن َء َ‬
‫األسباب التي أرشدتكم أنتم إلى اإليمان فقد اهتدوا ‪ ،‬وإ ن أريد متعلق اإليمان فمشكل ‪.‬‬

‫( ‪)1/431‬‬

‫صفحة رقم ‪432‬‬


‫قال ابن عطية ‪ :‬فقيل الباء زائدة ( وقيل مثل الزائدة ) وقيل ‪َّ :‬إنه مجاز والمراد ( من مثل ) الشيء‬
‫ذات الشيء كقولك ‪ :‬مثلك ال يفعل هذا‪.‬‬
‫زاد الزمخشري ‪ :‬أنه تبكيت لهم كقولك ‪ :‬هذا هو الرأي ‪ ،‬فإن كان عندك أصوب منه فاعمل عليه‬
‫وقد علمت أنه ال أصوب منه‪.‬‬
‫آمنتُم بِ ِه كما قيل ‪ :‬فَِإَّن َما هم ( مهتدون ) ‪ ،‬كما قيل ) فَِإَّن َما‬ ‫ِِ ِ‬
‫امُنوْا بمثْل َمآ َ‬
‫ِ‬
‫فإن قلت ‪ :‬هال قيل ‪ :‬فَإ ْن َء َ‬
‫ق ( ؟ قلنا هذا تأكيد في التنفير عن دين الكفر واهتمام لتخفيف جانب الخوف على جانب‬ ‫ُه ْم ِفي ِشقَا ٍ‬
‫الرجاء‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬فَ َسَي ْكِفي َكهُ ُم اهلل ‪...‬‬
‫( يتضمن كفاية شرهم وقتالهم ( وك ّل ما ) يصدر عنهم من المضار وهو أبلغ من ( أن ) لو قيل ‪:‬‬
‫شرهم‪.‬‬ ‫فسيكفيك اهلل ّ‬
‫وقول اهلل كفايته إياهم بنفسه اعتناء بالنبي‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪َ ( :‬و ُه َو السميع العليم (‪.‬‬
‫الزمخشري ‪ :‬وعيد لهم أو وعد للرسول ‪.‬‬
‫( ‪)1/432‬‬

‫صفحة رقم ‪433‬‬


‫قال ابن عرفة ‪ :‬بل هما معا فهو وعد ووعيد‪.‬‬
‫َحسن ِمن اهلل ِ‬
‫ص ْب َغةً ‪...‬‬ ‫ِ‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬ص ْب َغةَ اهلل َو َم ْن أ ْ َ ُ َ‬
‫ق ِم َن اهلل َحِديثاً‬
‫َص َد ُ‬
‫( قال ابن عرفة ‪ :‬هذا في معنى ‪ :‬اهلل أحسن صبغة من غيره مثل ‪َ ) :‬و َم ْن أ ْ‬
‫( أي اهلل من أصدق من غيره‪.‬‬
‫قال ‪ :‬وهذا التركيب يرد على وجهين تقول ‪ :‬زيد أحسن القوم ‪ ،‬وتقول‪ : n‬ال أحسن من زيد في قومه‬
‫‪ ،‬فيقتضي األول نفي األعلى والمساوي ( ويقتضي‪ ) n‬الثاني نفي األعلى فقط‪.‬‬
‫قال الزمخشري ‪ :‬وانتصاب ( ِ‬
‫ص ْب َغةً ) على ّأنه مصدر مؤكد وهو الذي ذكره سيبويه ‪ ،‬والقول‪ n‬ما‬
‫قالت حذام‪.‬‬
‫قيل البن عرفة ‪ :‬هذا هو معرفة الحق بالرجال ؟ فقال ‪ :‬نعم الذين ال يعرف الحق إال منهم ‪ ،‬وهذا‬
‫صواب‪.‬‬
‫انتهى‪.‬‬
‫ِ‬
‫ون ( لإليمان االعتقادي التوحيدي‬
‫ص َ‬‫ون ( راجع للعمل ) َوَن ْح ُن لَهُ ُم ْخل ُ‬ ‫قوله تعالى ‪َ ( :‬وَن ْح ُن لَهُ َعابِ ُد َ‬
‫فتضمنت اآلية العلم والعمل‪.‬‬
‫ُّونَنا ِفي اللَّ ِه ‪...‬‬
‫قوله تعالى ‪ُ ( :‬ق ْل أَتُ َحآج َ‬
‫( سماها حجة مجازا وإ نما هي شبهة وليست حجة بوجه‪.‬‬
‫اهيم وإِ سم ِ‬ ‫قوله تعالى ‪ ( :‬أَم تَقُولُ ِ ِ ِ‬
‫يل ‪...‬‬
‫اع َ‬ ‫ون إ َّن إ ْب َر َ َ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫(‬

‫( ‪)1/433‬‬

‫صفحة رقم ‪434‬‬


‫( أ َْم ) إما متصلة والمعنى ‪ :‬أي األمرين تأتون المحاجة في حكم اهلل أم ادعاء اليهودية والنصرانية‬
‫على األنبياء ‪ ،‬وخلط هنا مقالتهم مع أن اليهود ادعوا على األنبياء دين اليهودية فقط ؛ وإ ما منفصلة‬
‫واإلضراب انتقل إلى ما هو ( أشد ) وأشنع‪.‬‬
‫َعلَ ُم أَِم اهلل ‪...‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬وقوله ‪ُ ) :‬ق ْل َءأَنتُ ْم أ ْ‬
‫( دليل على أنها منقطعة ألنه رد عليهم في المقالة الثانية فقط أي لم يكونوا كذلك‪.‬‬
‫وقوله ( أَِم اهللُ ) إما على ظاهره أو المراد به ْأم رسول اهلل ‪ ،‬كما قال اهلل جل ذكره ‪ِ ) :‬إ َّن الذين‬
‫ون اهلل ( وهو على سبيل التنزل معهم واإلنصاف ( أو ) من باب تجاهل العارف‬ ‫ون َك ِإَّن َما ُيَبايِ ُع َ‬
‫ُيَبايِ ُع َ‬
‫ندهُ ِم َن اهلل ‪...‬‬
‫ادةً ِع َ‬
‫ظلَ ُم ِم َّمن َكتَ َم َشهَ َ‬‫قوله تعالى ‪َ ( :‬و َم ْن أَ ْ‬
‫ب علَى اهلل ( يقتضي‬ ‫اج َد اهلل ( ومع ) فَمن أَ ْ ِ‬ ‫ظلَم ِم َّمن َّمَنع م َس ِ‬
‫ظلَ ُم م َّمن َك َذ َ‬ ‫َْ‬ ‫ََ‬ ‫( جمعه مع ) َو َم ْن أَ ْ ُ‬
‫التساوي إال ما دل الدليل على ( التفاوت ) فيه ( بل أقوالهم تضمنت كتم الشهادة فيقال ‪ :‬إنما علق‬
‫الظلم على الكتم ليعلم أن شهادة الزور أعظم جريمة فقد وعده بالعذاب على الوجهين ( ووبخوا )‬
‫بفعل ما ارتكبوا من ذلك ) والشهداء على ثالثة أقسام ‪ :‬شاهد بالحق ‪ ،‬وشاهد‬

‫( ‪)1/434‬‬

‫صفحة رقم ‪435‬‬


‫بالزور ‪ ،‬وكاتم للشهادة ‪ ،‬فال يشهد بشيء ) مع علمه بها‪.‬‬
‫ونوْا ُهوداً أ َْو نصارى ( فعلق الحكم على‬
‫وهؤالء شهدوا بالزور ولم يكتموا الشهادة فقالوا ‪ُ ) :‬ك ُ‬
‫األخف ليفيد العقوبة على ما هو أشد منه من باب أحرى‪.‬‬
‫قال الزمخشري ‪ :‬ويحتمل أن يرجع للمؤمنين ‪ ،‬أي لو كتمنا الشهادة لم يكن أحد أظلم منا فال يكتمها‪.‬‬
‫ِ‬
‫ون ( من باب السلب واإليجاب ال من باب العدم والملكة‪.‬‬ ‫قوله تعالى ‪َ ( :‬و َما اهلل بِ َغاف ٍل َع َّما تَ ْع َملُ َ‬
‫ت ‪...‬‬ ‫قوله تعالى ‪ ( :‬تِْل َك أ َّ‬
‫ُمةٌ قَ ْد َخلَ ْ‬
‫( راجع لألنبياء واألمم السالفة‪.‬‬
‫قيل البن عرفة ‪ :‬هم إنما ادعوا أنهم ينتفعون بعلمهم ‪ /‬ال أنهم يسألون عن ( علمهم ) فقالوا ‪ :‬كونوا‬
‫على ديننا ‪ ،‬ونحن متبعون لهم لننتفع بعلمهم‪.‬‬
‫فهال قيل ‪ :‬وال ( ينفعهم ) علمهم ؟ فقال ‪ :‬هذا ( استدالل ) أي اعلموا ّأنهم ( لم يضركم عملهم )‬
‫فكما ال يضركم كذلك ال ينفعكم ‪ ،‬أو يكون فيه حذف أي ال تُسألون عما كانوا يعملون وال ُيسألون هم‬
‫عما ( أنتم ) تعملون ‪.‬‬

‫( ‪)1/435‬‬

‫صفحة رقم ‪436‬‬


‫َعلَ ُم أَِم اهلل ( يقتضي نفي العلم عنهم ‪،‬‬
‫قلت ‪ :‬وتقدم في الختمة األخرى قال بعض الطلبة ) ُق ْل َءأَنتُ ْم أ ْ‬
‫ندهُ ِم َن اهلل ( يقتضي ثبوت العلم لهم إذ ال يكتم إال من‬ ‫ادةً ِع َ‬
‫ظلَ ُم ِم َّمن َكتَ َم َشهَ َ‬
‫و قوله تعالى ‪َ ( :‬و َم ْن أَ ْ‬
‫َعلَ ُم ( ال يقتضي نفي العلم بل مقتضاه أن العلم الحاصل لهم‬
‫علم ؟ فأجيب بوجهين ‪ :‬األول ‪َ ) :‬ءأَنتُ ْم أ ْ‬
‫ال يقارب علم اهلل وال يدانيه‪.‬‬
‫بأنهم كانوا هودا أو نصارى ‪،‬‬
‫الثاني ‪ :‬أن العلم المنفي أوال غير المثبت آخرا ‪ ،‬فالمنفي هو العلم ّ‬
‫ادعوا ما ال‬
‫بأن إبراهيم كان ( حنيفا ) مسلما ‪ ،‬فهم أوال ّ‬
‫والمثبت الّذي ( ُذ ّموا ) على كتمه هو العلم ّ‬
‫يعلمون ( ثم كتموا ما يعلمون ) ‪.‬‬
‫تم الجزء األول من تفسير اإلمام ابن عرفة ويليه الجزء الثاني ‪.‬‬

‫( ‪)1/436‬‬

‫الجزء الثانى من تفسير ابن عرفة المالكى‬

‫(‪)/‬‬

‫صفحة رقم ‪447‬‬


‫بسم اهلل الرحمن الرحيم‬

‫( ‪)2/447‬‬

‫صفحة رقم ‪448‬‬


‫صفحة فارغة‬

‫( ‪)2/448‬‬

‫صفحة رقم ‪449‬‬


‫قوله تعالى ‪َ ( :‬سَيقُو ُل السفهآء ِم َن الناس ‪...‬‬
‫(‪.‬‬
‫جعله الزمخشري مستقبال حقيقة ‪ ،‬قال ‪ :‬وفائدة اإلخبار به قبل وقوعه ألن مفاجأة المكروه أشد والعلم‬
‫به قبل وقوعه أبعد من االضطراب إذا وقع‪.‬‬
‫قال ابن عطية ‪ :‬عن ابن عباس هما وغيره أنه ِم ْن وضع المستقبل موضع الماضي ( لداللته على‬
‫دوام ) ذلك واستمرارهم عليه‪.‬‬
‫السفيه يكون من الجمادات والحيوانات ‪ ( ،‬يقال ) ‪:‬‬
‫اس ( ألن ّ‬ ‫قال ابن عطية ‪ :‬وإ ّنما قال ) ِم َن َّ‬
‫الن ِ‬
‫ثوب سفيه أي خفيف النسج‪.‬‬
‫بأن القول المسند إليه في اآلية يخصصه بالحيوان‪.‬‬
‫ورده ابن عرفة ّ‬
‫قال ‪ :‬وإ نما عادتهم يجيبون بأمرين ‪ :‬أحدهما أنه لو لم يذكر الحتمل كون هذا القول من الجن وكان‬
‫يكون ( ضمير ) الغيبة في قوله ‪َ ) :‬ما َوالّ ُه ْم َعن ِقبلَتِ ِه ْم ( مرجحا لهذا االحتمال‪.‬‬
‫ويقال ‪ :‬لو كان من ( اإلنس ) لقيل ما والهم عن قبلتكم لحضورهم معهم ‪ ،‬فقيل ‪ِ ) :‬م َن ّ‬
‫الن ِ‬
‫اس‬
‫الجَّن ِة َو َّ‬
‫الن ِ‬
‫اس (‬ ‫اس ِم َن ِ‬
‫الن ِ‬
‫ور َّ‬ ‫ِ‬ ‫َِّ‬ ‫ِ‬
‫( ليخرج الجن قال اهلل تعالى ‪ ) :‬الذي ُي َو ْس ِو ُس في ُ‬
‫ص ُد ِ‬

‫( ‪)2/449‬‬

‫صفحة رقم ‪450‬‬


‫أن هذا القول صدر من رؤسائهم وأشرافهم ومن المنافقين الذين آمنوا ظاهرا‬
‫الثاني أنه ( إشارة ) إلى ّ‬
‫‪ ،‬أو من علماء اليهود ولم يصدر من العوام والجهال بوجه وذلك على سبيل ( النفي ) عليهم‬
‫والتبكيت لهم فكفر أي جهل ليس ككفر غيره‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪َ ( :‬ما َوالّ ُه ْم َعن ِقْبلَتِ ِه ْم ‪...‬‬
‫( عبر بلفظ الغيبة إشارة إلى ّأنهم قالوا ذلك فيما بينهم ولم يباشروا به المؤمنين بوجه ‪ ،‬وهذا مرجح‬
‫ألن تكون المقالة من المنافقين‪.‬‬
‫قال العالمة ابن العربي في القبس ‪ :‬إن هذا مما نسخ ثالث مرات وليس في القرآن ما نسخ ثالث‬
‫مرات غيره‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬يريد أنه كان يصلي لبيت المقدس ثم نسخ بالصالة للكعبة ‪ ،‬ثم نسخ فصلى لبيت‬
‫المقدس ثم نسخ فصلى للكعبة وقيل ‪ :‬كان يصلي لم ّكة ثم صلى لبيت المقدس ثم صلى لمكة فيجيء‬
‫التحويل ثالث مرات والنسخ مرتين‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪ُ ( :‬ق ْل ِللَّ ِه المشرق والمغرب ‪...‬‬
‫(‬

‫( ‪)2/450‬‬
‫صفحة رقم ‪451‬‬
‫أى ليس استقبالهما لذاتهما فيسأل عن سبب التخلف عنه وإ نما ذلك حكم شرعي ال اختيار له فيه بوجه‬
‫‪ ،‬وفيه دليل على أن لحكم الشرعي إذا لم تظهر لنا علته فاألص ُل فيه التعبد‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪َ ( :‬و َك َذِل َك َج َعْلَنا ُك ْم أ َّ‬
‫ُمةً َو َسطاً ‪...‬‬
‫( أي ومثل هدايتنا من ( نشاء ) إلى صراط مستقيم ( هديناكم ) إلى اإليمان بمحمد‪.‬‬
‫قال ابن عطية ‪ :‬عن بعضهم ؛ خير األمور أوسطها أي خيارها‪.‬‬
‫قيل البن عرفة ‪ :‬ال فائدة في هذا الخير وكأنه قيل ‪ :‬خير األمور خيارها ؟ فقال ‪ :‬فائدته الحصر‬
‫( ولو قال ) ‪ :‬الخير في الوسط ‪ ،‬لم يفد الحصر‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬إنما قال ‪َ ) :‬علَْي ُك ْم َش ِهيداً ( ولم يقل ‪ :‬لكم شهيدا ‪ ،‬ألن شاهد اإلنسان مستعمل عليه‬
‫إذ ال يتم له غرض إال بشهادته‪.‬‬
‫قال الزمخشري ‪ :‬ألن الشهيد كالرقيب المهيمن على المشهود ( له ) ‪.‬‬

‫( ‪)2/451‬‬

‫صفحة رقم ‪452‬‬


‫قيل البن عرفة ‪ :‬ذكر األصوليون خالفا في إجماع غير هذه األمة هل يعتبر أو ال ؟ وذكر ابن‬
‫التلمساني وابن الحاجب منه مسائل وهذه اآلية تدل على عدم اعتباره ؟ فقال ‪ :‬ذلك الخالف ال يصح‬
‫‪ ( ،‬واإلجماع ) ( على ) انتساخ الملل كلها بالملة المحمدية‪.‬‬
‫قيل البن عرفة ‪ :‬قد تقرر الخالف في شرع من قبلنا هل هو شرع لنا أم ال ؟ قوله تعالى ‪ ( :‬لِّتَ ُك ُ‬
‫ونوْا‬
‫‪...‬‬
‫(‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪ِ ( :‬إالَّ ِلَن ْعلَ َم ‪...‬‬
‫(‪.‬‬
‫ون َك ِإَّن َما ُيَبايِ ُع َ‬
‫ون اهلل ( وقيل ‪ :‬إال‬ ‫قيل ‪ :‬أي ليعلم رسولنا من يتبعه ‪ ،‬قال اهلل تعالى ‪ِ ) :‬إ َّن الذين ُيَبايِ ُع َ‬
‫ليظهر متعلق علمنا حقيقة للمجازات عليه وإ نما لم يقل ‪ :‬إال لنعلم من يتبع الرسول ممن ال يتبعه ‪،‬‬
‫زيادة في نفي الشدة عليهم والخسران‪.‬‬
‫يم َان ُك ْم ‪...‬‬ ‫ض ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫يع إ َ‬
‫ان اهلل لُي َ‬
‫قوله تعالى ‪َ ( :‬و َما َك َ‬
‫(‬

‫( ‪)2/452‬‬
‫صفحة رقم ‪453‬‬
‫أي ليضيع أعمالكم‪.‬‬
‫وقيل ‪ :‬إنها حجة على المعتزلة في أن مرتكب الكبيرة مخلد في النار ‪ ،‬إال أن يجيبوا بأن إيمانه يذهب‬
‫بالموازنة‪.‬‬
‫يم (‪.‬‬ ‫قوله تعالى ‪ِ ( :‬إ َّن اهلل بالناس لَرء ٌ ِ‬
‫وف َّرح ٌ‬ ‫َ ُ‬
‫أن الكافر منعم عليه لعموم الناس ‪ ،‬وفيه خالف ‪ ،‬وأجيب بأنه منعم عليه في الدنيا فقط‪.‬‬
‫دليل على ّ‬
‫قال ابن الخطيب في شرح األسماء الحسنى ‪ :‬إنما قدم الرؤوف على الرحيم ألن الرحمة في الشاهد‬
‫إنما ( تحصل ) لمعنى وفي ‪ /‬المرحوم من حاجة ( و ) ضعف ‪ ،‬والرأفة تطلق عند حصول الرحمة‬
‫لمعنى في الفاعل من شفقة منه على المرحوم فمنشأ ( الرأفة كمال في إيصال اإلحسان ومنشأ )‬
‫الرحمة كمال حال المرحوم في االحتياج إلى اإلحسان ‪ ،‬وتأثير حال الفاعل في إيجاد الفعل أقوى من‬
‫احتياج المفعول‪ n‬إليه‪.‬‬
‫ب َو ْج ِه َك ِفي السمآء ‪...‬‬ ‫ُّ‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬قَ ْد نرى تََقل َ‬
‫( قال الزمخشري ‪ :‬قد نرى بما نرى ‪ ،‬ومعناه كثرة الرؤية كقوله ‪ :‬قد أترك القرن مصفرا أنامله‬
‫( كأن أثوابه مجت بفرصاد ) ‪.‬‬

‫( ‪)2/453‬‬

‫صفحة رقم ‪454‬‬


‫أبو حيان ‪ :‬في كالمه تضاد ألن ( ُر َّ‬
‫ب ) للتقليل عند المحققين ‪ ،‬ثم إن اللفظ من حيث ( قُِّرر ) ليس‬
‫فيه ما يدل على التكثير ألن دخول ( قَ ْد ) على الفعل ماضيا ( كان ) أو مضارعا ال يفيد هذا المعنى‬
‫ردد‪.‬‬
‫وإ نما فهمت الكثرة من التقلب ألنه يقال ‪ :‬قلّب إذا ّ‬
‫قال ( كاتبه ) ‪ :‬كالم الزمخشري عندي صحيح ال تضاد فيه‪.‬‬
‫ت ( في جواب اإلتيان بلفظ النفس‬
‫ض َر ْ‬
‫َح َ‬ ‫نبه عليه في قول اهلل سبحانه وتعالى ) َعِل َم ْ‬
‫ت َن ْف ٌس َّمآ أ ْ‬
‫مفردا‪.‬‬
‫قال ‪ :‬هو من عكس كالمهم الذي يقصدون به اإلفراد فيما يعكسونه‪.‬‬
‫ِِ‬
‫ومنه قول اهلل تعالى ‪ُّ ) :‬رَب َما َي َو ُّد الذين َكفَ ُروْا لَ ْو َك ُانوْا ُم ْسلم َ‬
‫ين ( ومعناه أكثر وأبلغ ؟ ومنه قول‬
‫الشاعر قد أترك القرن ‪...‬‬
‫( البيت المتقدم )‪.‬‬
‫وتقول لبعض قواد العساكر ‪ :‬كم عندك من الفرسان ؟ فيقول‪ ( : n‬رب فارس عندي ) ‪ْ ،‬أو ( الَ تقَ ّدم‬
‫عندي فارس ) وعنده الكثير فيقصد التمادي في تكثير فرسانه ولكنه أراد إظهار براءته من التزين‬
‫وأنه ( ممن ) يقلل كثيرا ما عنده ‪ ،‬فضال عن أن يزيد‪.‬‬
‫فجاء بلفظ التقليل ‪ ،‬ففهم منه لفظ الكثرة‪.‬‬
‫انتهى كالمه‪.‬‬
‫أن أبا حيان لم يفهم كالمه وال أنصفه‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬فظهر ّ‬
‫وكان الخوالني يجيب عن الزمخشري بأن ( ُر َّ‬
‫ب ) إذا اقترنت بها ( ما ) تكون للتكثير وال حاجة‬
‫بهذا وإ نما الجواب ما قلناه‪.‬‬
‫انتهى ‪.‬‬

‫( ‪)2/454‬‬

‫صفحة رقم ‪455‬‬


‫قال ابن عرفة ‪ :‬أي تقلبه في جهة السماء والرؤية في كل مكان وهو دليل على أن القول من السفهاء‬
‫مستقبل غير واقع كما قال الزمخشري‪.‬‬
‫للدعاء ‪ ،‬وفيه دليل على جواز القسم على فعل‬ ‫السماء قبلة ّ‬ ‫أن ّ‬‫وتنكير القبلة للتعظيم ‪ ،‬وفيه دليل عل ّ‬
‫ألنه لما قال ‪َ ) :‬فلَُن َولَِّيَّن َك ِقْبلَةً ( عطفه بقوله ) فَ َو ِّل َو ْجهَ َك َش ْ‬
‫ط َر المسجد الحرام ( إذا ليس مراد‬
‫النحويين بالحال الحال العقلي ‪ ،‬بل إنما يريدون الحال الحقيقي‪ n‬أو ما يقرب منه‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬فَ َو ِّل َو ْجهَ َك َش ْ‬
‫ط َر المسجد الحرام ‪...‬‬
‫(‪.‬‬
‫المعتبر في القبلة ‪ ،‬فيمن يرى البيت العين ‪ ،‬وفيمن يصلي على جبل أبي قبيس السمت ‪ ،‬وفي البعيد‬
‫عنه الجهة‪.‬‬
‫ط َرهُ ‪...‬‬
‫وه ُك ْم َش ْ‬ ‫ُّ‬
‫ث َما ُكنتُ ْم فَ َولوْا ُو ُج َ‬
‫قوله تعالى ‪َ ( :‬و َح ْي ُ‬
‫( هو دليل على أن األصل من أفعاله عدم التأسي حتى يدل الدليل على التأسي ولوال ذلك لما احتيج‬
‫ث َما ُكنتُ ْم (‪.‬‬
‫إلى قوله ‪َ ) :‬و َح ْي ُ‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬وأجيب بأن القرب مظنة االستقبال بخالف البعد‪.‬‬
‫قال الزمخشري ‪ :‬وقيل كان التحويل إلى القبلة في رجب بعد الزوال قبل قتال بدر بشهرين ورسول‬
‫فتحول في الصالة واستقبل الميزاب‬
‫اهلل بمسجد بني سلمة وقد صلى في أصحابه ركعتين من الظهر ّ‬
‫والنساء مكان الرجال ‪.‬‬
‫وحول الرجال مكان النساء ّ‬
‫ّ‬
‫( ‪)2/455‬‬

‫صفحة رقم ‪456‬‬


‫قال ابن عرفة ‪ :‬فيه دليل على أن المعتبر في النسخ يوم البالغ ال يوم النزول‪.‬‬
‫قال القرطبي ‪ :‬وفيه دليل على ( جواز نسخ ) المتواتر باآلحاد‪.‬‬
‫إن األصل مشروعية القبلة ( كانت ) بالقرآن وقد قيل ‪ :‬إن أصل‬
‫قيل البن عرفة ‪ :‬هذا إن قلنا ‪ّ :‬‬
‫النبي ‪ ،‬فهو متواتر‪.‬‬
‫بالسنة ؟ فقال ‪ :‬على كال األمرين ( فكلّه ) وحي في زمن ّ‬
‫مشروعيتها ّ‬
‫علي ( متعمدا )‬
‫وكذلك نسخها هو بخبر واحد اختلفت قرينته في حياته مع العلم بقوله ‪ ( :‬من كذب ّ‬
‫فليتبوأ مقعده من النار ) فيكون محصال للعلم كخبر التواتر سواء‪.‬‬
‫ت الذين أُوتُوْا الكتاب بِ ُك ِّل َآي ٍة ‪...‬‬
‫قوله تعالى ‪َ ( :‬ولَئِ ْن أَتَْي َ‬
‫(‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬في هذا تهدئة ( روعته ) صلّى اهلل عليه وسلم وتطمين له حتى ال يتهالك على عدم‬
‫إيمانهم وهو عام في جميع المعجزات ‪.‬‬

‫( ‪)2/456‬‬

‫صفحة رقم ‪457‬‬


‫قيل البن عرفة ‪ :‬إن اإلمام ابن العربي قال ‪ :‬ال يناول اآليات النظرية وأما اآليات ( الملجئة )‬
‫إن ربط‬
‫ألنا نقول ‪ّ :‬‬
‫ألن اإليمان عندها ضروري ؟ فقال ‪ :‬بل يتناول الجميع ّ‬
‫االضطرارية فال ‪ّ ،‬‬
‫الدليل بالمدلول عادي ال عقلي ‪ ،‬أو نقول ‪ :‬إن في الجائز ‪ :‬إن يستدل المستدل بالدليل الصحيح‬
‫ويعمي اهلل بصيرته عن العثور على الوجه الذي يدل الدليل منه ‪ ،‬أو نقول ‪ :‬إن اإليمان االضطراري‬
‫ليس إيمانا بوجه وال يترتب عليه ثواب ألنه ليس للمكلف فيه اختيار‪.‬‬
‫أن ارتباط الدليل بالمدلول عادي ال عقلي‪.‬‬
‫وفي اآلية دليل على ّ‬
‫وأن اآليات التي يمكن اإليمان عندها قد‬ ‫وفيها رد على المعتزلة القائلين بمراعاة الصالح واألصلح ّ‬
‫ت الذين أُوتُوْا الكتاب بِ ُك ِّل َآي ٍة (‬
‫أتى النبي بجميعها وليست القدرة ‪ /‬صالحة لغيرها فقوله ‪َ ) :‬ولَئِ ْن أَتَْي َ‬
‫( دليل على أنه لم يأتهم بكل آية ) وأن القدرة صالحة لإلتيان بآيات أخر‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪َّ ( :‬ما تَبِ ُعوْا ِقْبلَتَ َك ‪...‬‬
‫(‪.‬‬
‫قال ابن عطية ‪ :‬أي جواب ( إن ) كجواب ( لو ) وهي ضدها ‪ ،‬ألن ( لَ ْو ) تطلب المضي‬
‫( والوقوع ) و ( ِإ ْن ) تطلب المستقبل ‪ ،‬والجواب إنما هو للقسم ألن أحد الحرفين يقع موقع اآلخر‬
‫هذا قول سيبويه‪.‬‬
‫وتعقب هذا أبو حيان بأن أول كالمه يقتضي أن الجواب‬

‫( ‪)2/457‬‬

‫صفحة رقم ‪458‬‬


‫ِل ( إن ) مع أن قوله بالجواب للقسم ( يقتضي ) أن الجواب ليس ِل ( إن ) ‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬إنما ذلك سلب حكم ‪ ،‬ال حكم بالسلب فال تناقض فيه‪.‬‬
‫َنت بِتَابِ ٍع ِقْبلَتَهُ ْم ‪...‬‬
‫قوله تعالى ‪َ ( :‬و َمآ أ َ‬
‫(‪.‬‬
‫نفى األول بالفعل وهذا باالسم ولم يقل ‪ :‬وما أنت تتّبع قبلتهم ‪ ،‬مع أن النفي بالفعل أعم ألنه مطلق ‪،‬‬
‫ونفي األعم يستلزم نفي األخص‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬الجواب أن األول جاء على األصل في أنهم مصممون على عدم اتباعه وأما نفيه هو‬
‫فنفي على حسب ما هو‬
‫باالسم فألن أفعاله ثابتة الزمة فهو إذا اتبع أمرا ثبت عليه وال ينتقل عنه ُ‬
‫عليه‪.‬‬
‫قيل البن عرفة ‪ :‬فيكون هذا نفي أخص ؟ فقال ‪ :‬ال‪.‬‬
‫بل ورد النفي عليه على حسب ما وجد إذا لو ( وجد ) اتباعه أمرا لما وجد إال على سبيل الثبوت‬
‫واللزوم‪.‬‬
‫قيل ‪ :‬أو يجاب بأنه قد كان تابعا قبلتهم ثم انتسخ ذلك‪.‬‬
‫فقال ‪ :‬هذه اآلية نزلت بعد النسخ و ( ما ) لنفي الحال ‪ ،‬واتّباع قبلتهم ( ماض )‪.‬‬
‫ضهُم بِتَابِ ٍع ِقْبلَةَ َب ْع ٍ‬
‫ض ‪...‬‬ ‫قوله تعالى ‪َ ( :‬و َما َب ْع ُ‬
‫(‪.‬‬

‫( ‪)2/458‬‬

‫صفحة رقم ‪459‬‬


‫ألن اليهود يستقبلون بيت المقدس والنصارى يستقبلون الشمس من حيث تطلع‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪َ ( :‬ولَئِ ِن اتبعت ‪...‬‬
‫(‪.‬‬
‫النبي‪.‬‬
‫راعى ابن عطية األمر العادي فصرفه عن ظاهره وحمله على غير ّ‬
‫وراعى الزمخشري األمر العقلي فأبقاه على ظاهره ‪ ،‬وقال ‪ :‬وهو على حسب الفرض والتقدير من‬
‫خطاب التهييج واإللهاب‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪ِ ( :‬إَّن َك ِإ َذاً لَّ ِم َن الظالمين (‪.‬‬
‫أي إنك لغريق في الظلم‪.‬‬
‫ألن النبي‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬ويحتمل أن يكون هذا من باب السلب واإليجاب مثل ( الحائط ال يبصر ) ّ‬
‫معصوم من اتّباع أهوائهم‪.‬‬
‫قيل البن عرفة ‪ :‬ال يصح التكليف بذلك ألنه من تكليف العاجز ؟ فقال ‪ :‬األشياء على ثالثة أقسام ‪:‬‬
‫موجود ‪ ،‬وقابل للوجود ‪ ،‬ومستحيل‪.‬‬
‫فاإلبصار للحائط غير محال إذ في الجائز أن يخلق اهلل فيه اإلبصار فيبصر ‪ ،‬هذا ( هو ) مذهبنا ‪،‬‬
‫ألنا ال نشترط ( البنية ) ‪.‬‬

‫( ‪)2/459‬‬

‫صفحة رقم ‪460‬‬


‫وكذلك النبي معصوم من اتّباع ( أهوائهم ) لكنه ( كلف ) بذلك‪.‬‬
‫وأنها عندهم غير معصومة ال باعتبار‬
‫وجعل ذاته قابلة لالتباع باعتبار اعتقاد الكفار فيها قبول ذلك ّ‬
‫ما في نفس األمر‪.‬‬
‫أن عقوبة العالم أشد من عقوبة الجاهل‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬وفيه دليل على ّ‬
‫آء ُه ْم ‪...‬‬ ‫ونهُ َك َما َي ْع ِرفُ َ‬
‫ون أ َْبَن َ‬ ‫اه ُم الكتاب َي ْع ِرفُ َ‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬الذين آتَْيَن ُ‬
‫(‪.‬‬
‫أي يميزونه بصفاته من حيث كونه رسوال‪.‬‬
‫( كما يعرفون ) أبناءهم ( من حيث كونهم ْأبَناءهم ‪ ،‬أو يكون من تشبيه المركب بالمفرد ‪ ،‬أي‬
‫يعلمونه بصفاته من حيث كونه رسوال كما يعرفون أبناءهم ) باإلطالق ال من حيث النسبة كما قال‬
‫عبد اهلل بن سالم ‪ :‬إنه ال يتحقق أن ابنه المنسوب إليه ابنه حقيقة ‪ ،‬ويتحقق رسالته علما يقينيا‪.‬‬
‫شبه معرفتهم له بمعرفتهم أبناءهم ولم يشبهها بمعرفتهم أنفسهم ؟ وأجاب بأن‬
‫قال ابن عطية ‪ :‬لم ّ‬
‫اإلنسان يتقدم له زمن ال يعرف فيه حال نفسه وهو زمن الصغر بخالف ولده فإنه يشاهده من صغره‬
‫إلى كبره ‪.‬‬
‫( ‪)2/460‬‬

‫صفحة رقم ‪461‬‬


‫قال ابن عرفة ‪ :‬ويحتمل عندي أن يجاب بأن ذلك التشبيه للمشاكلة ألن الكتاب منفصل عنهم فشبه بما‬
‫هو منفصل عنهم وهو الولد بخالف أنفسهم‪.‬‬
‫ون (‪.‬‬
‫ون الحق َو ُه ْم َي ْعلَ ُم َ‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬لََي ْكتُ ُم َ‬
‫بالحق ‪ ،‬أو يكتمون الحق وهم يجلهون‪.‬‬
‫ّ‬ ‫وباقيهم إما يقرون‬
‫وهذا دليل على أن كفر األولين عناد‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬تقدم لنا في الختمة االخرى عن الشيخ اإلمام ابن عرفة وهو أن آخر اآلية مناقض ألولها ألن‬
‫آء ُه ْم ( دليل على أن جميعهم يعلمونه‪.‬‬ ‫ون أ َْبَن َ‬‫ونهُ َك َما َي ْع ِرفُ َ‬
‫قوله ) َي ْع ِرفُ َ‬
‫و قوله تعالى ‪َ ( :‬وإِ َّن فَ ِريقاً ِّم ْنهُ ْم لََي ْكتُ ُم َ‬
‫ون الحق ‪...‬‬
‫(‪.‬‬
‫دليل على أن بعضهم يجهلونه‪.‬‬
‫فإن قلت ‪ :‬إنما مقتضاه أن باقيهم يعلمون الحق ويظهرونه ؟ قلنا ‪ :‬ال يصح لوجهين ‪ :‬األول ‪ :‬أن‬
‫اه ُم الكتاب ( وقد قالوا ‪ :‬إن ) الذين ( بدل‬
‫الضمير المجرور في قوله ) ِّم ْنهُم ( عائد على ) الذين آتَْيَن ُ‬
‫من ) الظالمين ( ‪ ،‬فإذا كان كذلك بطل أن يكون بعضهم عالمين به ومظهرين له إذ ال يسمى فاعل‬
‫ذلك ظالما‪.‬‬
‫‪ -‬الثاني ‪ِ ) :‬إ َّن فَ ِريقاً ( إنما يطلق على القليل من الجماعة وال يقال للنصف ( فريقا ) ( فيلزم ) أن‬
‫يكون أكثرهم مظهرين للحق ‪ ،‬وذلك مخالف لسياق اآلية ألنها إنما سيقت لذمهم ‪.‬‬

‫( ‪)2/461‬‬

‫صفحة رقم ‪462‬‬


‫وأجاب ابن ‪ /‬عرفة عن اإلشكال باحتمال كون فيهم ِمن ِ‬
‫علم وتحقق ولم تعرض له شبهة توجب له‬
‫ون (‪.‬‬ ‫الريبة والشك في علمه فهؤالء هم الّذين قيل فيهم ) َوإِ َّن فَ ِريقاً ِّم ْنهُ ْم لََي ْكتُ ُم َ‬
‫ون الحق َو ُه ْم َي ْعلَ ُم َ‬
‫ومنهم من علم وعرضت له شبهة توجب التردد في علمه فهؤالء هم المسكوت عنهم‪.‬‬
‫ون َّن ِم َن الممترين ‪...‬‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬فَالَ تَ ُك َ‬
‫(‪.‬‬
‫الظن ‪ ،‬والشك ‪ ،‬والوهم ‪ ،‬ألن المطلوب في اإليمان العلم اليقين‬
‫يتناول أقسام التردد الثالثة و ( هي ) ّ‬
‫الظن بوجه‪.‬‬
‫وال ( يجزئ ) فيه ّ‬
‫قيل البن عرفة ‪ :‬لع ّل المراد الظن به فقط ‪ ،‬ويدل على النهي عما سواه من باب أحرى ؟ فقال ‪:‬‬
‫الظن ( مطلق ) يتناول ظن الباطل وظن الحق ‪ ،‬وداللة أخرى إنما هي في ظن الحق ‪ ،‬أي فال يعتقد‬ ‫ّ‬
‫الحق اعتقادا ظنيا فيقول‪ n‬القائل ‪ :‬لعل المراد فال يعتقد الباطل ظنا فيبقى الشك والوهم غير منهي‬
‫عنهما والصواب تناوله للجميع‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪َ ( :‬وِل ُك ٍّل ِو ْجهَةٌ ُه َو ُم َولِّيهَا ‪...‬‬
‫(‪.‬‬
‫حمله الزمخشري على معنيين ‪ ،‬أحدهما ‪ :‬ولكل فريق من أهل األديان المختلفة قبلة هو موليها نفسه‬
‫‪ ،‬أو يعود الضمير على اهلل ‪ ،‬أى اهلل موليها إياه‪.‬‬
‫‪ ( -‬الثاني ) ‪ :‬ولكل واحد منكم يا أمة محمد جهة يصلي إليها شمالية ‪ ،‬أو جنوبية ‪ ،‬أو شرقية أو‬
‫( غربية )‪.‬‬
‫فالقبلة‬

‫( ‪)2/462‬‬

‫صفحة رقم ‪463‬‬


‫عندنا نحن في الجنوب وعند أهل العراق و ( اليمن ) في الشمال والمغرب‪.‬‬
‫وضعف ابن عرفة األول إذا أعيد الضمير في ) ُه َو ُم َوليِّهَا ( على اهلل ألن الملل كلها قد انتسخت‬
‫بشريعة سيدنا محمد فال يصدق أن لكل قوم ( وجهة ) ‪.‬‬
‫منا وجهة من وجوه الخير‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬وكان بعضهم يفسره بمعنى ثالث وهو أن ( لك ّل ) شخص ّ‬
‫‪ ،‬واهلل أقامه فيها ‪ ،‬فواحد مجاهد وآخر صائم وآخر عالم وآخر حاج وآخر كثير الصدقة‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬فاستبقوا الخيرات ‪...‬‬
‫(‪.‬‬
‫مسمى الخيرات ألن المبادرة إلى‬ ‫ِ‬
‫دليل على أن األمر للفور ألن مدلول صيغة افعل وهو الفور من ّ‬
‫فعل المأمور به ( من جملة ) الخيرات فهو مأمور به‪.‬‬
‫استَبِقُوا ( ولم يقل ‪ْ :‬‬
‫اسَبقُوا ‪ ،‬ليتناول السابق والمسبوق فالمسبوق حينئذ يصدق عليه أنه‬ ‫وإ نما قال ‪ْ ) :‬‬
‫السابق‪.‬‬
‫استبق ولكنه لم يسبق ‪ ،‬ولو قال ‪ :‬اسبقوا لما تناول إال ّ‬
‫والخيرات ( تعم ) الواجبات والمندوبات ‪ ،‬وتعم من سبق بخير أو سبق غيره لخير ( آخر ) وإ ن لم (‬
‫يستبقا ) لشيء واحد‪.‬‬
‫ْت بِ ُك ُم اهلل َج ِميعاً‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬يأ ِ‬
‫َ‬
‫‪(.‬‬

‫( ‪)2/463‬‬

‫صفحة رقم ‪464‬‬


‫ونوا من‬
‫حمله الزمخشرى على معنيين ‪ :‬إما يأت بكم ( للجزاء ) أو للحشر والنشر ‪ ،‬وإ ّما أ َْي َن َما تَ ُك ُ‬
‫الجهات يجعلكم تصلون إلى جهة واحدة ( كأنكم ) تصلون ( حاضري ) المسجد الحرام‪.‬‬
‫يء قَِد ٌير يرجح المعنى األول‪.‬‬ ‫قال ابن عرفة ‪ :‬وقوله إن اهلل علَى ُك ّل َش ٍ‬
‫ّ َ َ‬
‫اس َعلَْي ُك ْم ُح َّجةٌ ِإالَّ الذين َ‬
‫ظلَ ُموْا ِم ْنهُ ْم ‪...‬‬ ‫ون ِل َّلن ِ‬ ‫ِ َّ‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬لَئال َي ُك َ‬
‫(‪.‬‬
‫لكن الّذين ظلموا فما يكون لهم عليكم حجة ‪ ،‬أو متصل ‪ ،‬والمعنى‬
‫االستثناء منفصل‪ ، n‬والمعنى ‪ّ :‬‬
‫حجتُهم عليكم لما هم عليه من الظلم ولذلك‬
‫الناس عليكم إال الّذين ظلموا فما تنفى ّ‬
‫( لتنفى ) حجة ّ‬
‫( يقال ) ‪ :‬فما أضيع البرهان عند المقلد‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬وهذا شطر بيت البن سهل من قصيدة شهيرة‪.‬‬
‫أقلد وجدي فليبرهن مفندي ‪...‬‬
‫فما أضيع البرهان عند المقلد هبوا نصحكم شمسا فما عين أرمد ‪...‬‬
‫بأوضح في مرآه من عين مكمد‬

‫( ‪)2/464‬‬

‫صفحة رقم ‪465‬‬


‫قال أبو حيان ‪ :‬والحجة على هذا االحتجاج والخصومة وعلى األول الدليل الصحيح ( والمراد‬
‫بالناس اليهود )‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬فإن قلت على اإلتصال يلزم أن يكون الذين ظلمو عليهم الحجة ؟ وأجاب ابن عرفة‬
‫في الختمة األخرى بوجهين ‪ :‬األول ‪ :‬أنه من باب أحرى ألنه إذا لم يكن الحجة للمنصفين العارفين‬
‫فأحرى أن اليكون لآلخرين فإن هؤالء فهموا وعاندوا ( وأنصفوا ) في الدليل وأولئك لم ( ينصفوا )‪.‬‬
‫أن ابن مالك في هذه اآلية جعل إال بمعنى الواو‪.‬‬
‫الثاني ‪ّ :‬‬
‫قال أبو حيان ‪ :‬فعلى االتصال التقدير ‪ :‬لئال يكون ألحد من اليهود حجة عليكم إال المعاندين منهم‬
‫القائلين ‪ :‬ما ترك قبلتنا وتوجه ( للكعبة ) إال ميال منه لدين قومه وحبا لبلده‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬وعلى االنفصال فالمراد إالّ الظالمين من المشركين كذا قال في الختمة األخرى‪.‬‬
‫قال أبو حيان ‪ :‬وعلى االنفصال تقديره ‪ :‬الذين ظلموا منهم فإنهم يتعلقون عليكم بالشبهة‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬فَالَ تَ ْخ َش ْو ُه ْم واخشوني ‪...‬‬
‫(‪.‬‬

‫( ‪)2/465‬‬

‫صفحة رقم ‪466‬‬


‫قال ابن عرفة ‪ :‬كيف ينهى المكلف عن فعل أمر هو فيه بالطبع ألن الخوف من العدو أمر جبلي ال‬
‫يستطيع اإلنسان زواله ؟ وأجاب عن ذلك بأن أوائل ذلك حاصل بالطبع والدوام عليه هو المنهي‬
‫( عنه )‪.‬‬
‫ون (‪.‬‬ ‫َّ‬
‫قوله تعالى ‪َ ( :‬ولَ َعل ُك ْم تَ ْهتَ ُد َ‬
‫إن قلت ‪ :‬هذا تكرار ألن الهداية من جملة ( النعم ) ؟ قلنا ‪ :‬المراد النعم اآلتية من عند اهلل تعالى ال‬
‫تسبب فيها للمكلف بخالف الهداية والضالل فإن له ( فيها كسبا وأرادة )‪.‬‬
‫‪ /‬قوله تعالى ‪َ ( :‬ك َمآ أ َْر َسْلَنا ِفي ُك ْم َر ُسوالً‪.‬‬
‫‪.( .‬‬
‫ون ( أو ب )‬ ‫َّ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫قال ابن عطية ‪ :‬الكاف إما متعلقة بقوله ) ألُت َّم ن ْع َمتي َعلَْي ُك ْم ( أو ب ) لَ َعل ُك ْم تَ ْهتَ ُد َ‬
‫اذكروني ( قال ابن عرفة ‪ :‬على األول فهي للتشبيه فقط ‪ ،‬وعلى األخير للتعليل فقط‪.‬‬
‫وعلى الثاني يحتمل األمرين ‪ ،‬أي يهتدون لما أرسلنا أى ألجل إرسالنا‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬وعلى التعلق ب ) اذكروني ( حملها أبو حيان على الوجهين فانظره‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪ِّ ( :‬من ُك ْم َي ْتلُوْا َعلَْي ُك ْم َآياتَِنا‪.‬‬
‫‪.( .‬‬
‫اختص الرسل بها حكمية وليست خلقية بوجه ‪ ،‬وفيه التنبيه على حكمة‬
‫ّ‬ ‫دليل على أن الخاصية التي‬
‫إرساله منهم وهو تبرئته‬

‫( ‪)2/466‬‬
‫صفحة رقم ‪467‬‬
‫عن أن يكون ساحرا أو مجنونا ‪ ،‬فيقال إليهم ‪ :‬لم نرسل إليكم أحدا تجهلونه بل أرسلنا واحدا منكم نشأ‬
‫بين أظهركم وعرفتم براءته من كل ( آفة تنسب ) إليه‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪َ ( :‬وُي َز ِّكي ُك ْم َوُي َعلِّ ُم ُك ُم الكتاب والحكمة (‪.‬‬
‫( قال بعضهم ) ‪ :‬حيث يقدم التزكية يكون معظم المخاطبين عواما مقلدين ليسوا أهال ( لتعلم )‬
‫الحكمة والكتاب فتكون التزكية أهم ‪ ،‬وحيث يقدم التعليم يكون المخاطبون خواص فيكون األهم‬
‫التعليم مع أن ِكالَ األمرين مطلوب‪.‬‬
‫والكتاب هو الكالم المعجز ‪ ،‬والحكمة القول غير المعجزة‪.‬‬
‫ون (‪.‬‬ ‫قوله تعالى ‪َ ( :‬وُي َعلِّ ُم ُكم َّما لَ ْم تَ ُك ُ‬
‫ونوْا تَ ْعلَ ُم َ‬
‫قيل ‪ :‬إن هذا تكرار ‪ ،‬ففصل في أولها ثم ( أجمل ) ب ) ما لم تكونوا تعلمون ( شمل الكتاب‬
‫والحكمة‪.‬‬
‫إن العلم قسمان ‪ :‬علم يكون ( اإلنسان ) بحيث لو ( شحذ ) ( قريحته ) وفكر فيه‬
‫ومنهم من قال ‪ّ :‬‬
‫ألدركه من تلقاء نفسه بعقله ( وفطرته ) ‪ ،‬وعلم اليمكن لإلنسان التوصل إليه من ذاته وال يقبل أن‬
‫يتعلمه وحده بعقله بوجه‪.‬‬
‫ون ( أي ما لم تكونوا قابلين لمعرفته بعقولكم‪.‬‬ ‫وهذا هو المراد بقوله ) َوُي َعلِّ ُم ُكم َّما لَ ْم تَ ُك ُ‬
‫ونوْا تَ ْعلَ ُم َ‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬فاذكرونيا أَ ْذ ُك ْر ُك ْم ‪...‬‬
‫(‪.‬‬

‫( ‪)2/467‬‬

‫صفحة رقم ‪468‬‬


‫( لما بين شريطة الذكر وهو التعلم أمرهم بالذكر )‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬واشكروا ِلي َوالَ تَ ْكفُُر ِ‬
‫ون (‪.‬‬
‫قيل البن عرفة ‪ :‬إنه دليل على أن األمر بالشيء ليس نهيا عن ضده إذ لو كان نهيا عن الضد لما كان‬
‫لقوله ) َوالَ تَ ْكفُُر ِ‬
‫ون ( فائدة ؟ فقال ‪ :‬األمر بالشكر مطلق ( فيصدق ) بشكره يوما واحدا ثم يكفر‬
‫دائما ‪ ،‬فلما قال ) َوالَ تَ ْكفُُر ِ‬
‫ون ( أفاد النهي عن الكفر دائما‪.‬‬
‫قيل ‪ :‬هل بين الشكر والكفر واسطة ؟ فقال ‪ :‬أما في غير هذا فنعم ‪ ،‬ألن بينهما حالة الغفلة‬
‫( والذهول ) وأما هنا فال ‪ ،‬ألن األمر بالشكر وترك الكفر إنما أتى عقب األمر بالذكر‪.‬‬
‫قال ‪ :‬والكفر هنا ( هو ) كفر النعمة‪.‬‬
‫آمُنوْا استعينوا بالصبر والصالة ِإ َّن اهلل َم َع الصابرين (‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪َ ( :‬يآأَيُّهَا الذين َ‬
‫بالصبر على المشاق كلّها ومنها الصالة ) ِإ َّن اهلل َم َع الصابرين ( أي مع المصلين ‪،‬‬
‫ّ‬ ‫( استعينوا )‬
‫ولما كان الصبر مستلزما ( لتحصيل ) جميع العبادات ومنها الصالة استغنى به عنها‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬والَ تَقُولُوْا ِلم ْن ُي ْقتَ ُل ِفي سبِ ِ‬
‫يل اهلل أموات ‪...‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫(‪.‬‬

‫( ‪)2/468‬‬

‫صفحة رقم ‪469‬‬


‫ان قلت ‪ :‬هال قيل ‪ :‬لمن قتل في سبيل اهلل بلفظ الماضي ؟ قال أجيب عنه بوجهين ‪ - :‬األول ‪ :‬أن‬
‫ابن عطية قال ‪ :‬سبب نزولها أن الناس قالوا فيمن قتلوا ببدر وأحد مات فالن وفالن فكره اهلل تعالى‬
‫أن يحط منزلة الشهداء إلى منزلة غيرهم فنزلت اآلية‪.‬‬
‫وغزوة بدر وأحد هما أعظم الغزوات وما بعدهما من الغزوات دونهما بال شك فلو كان الفعل ماضيا‬
‫لتوهم خصوصية هذه الفضيلة بمن قتل في الغزوتين فقط فأتى به مضارعا ليدل على عمومها فيمن‬
‫بعدهم وفيهم من باب أحرى‪.‬‬
‫‪ -‬الثاني ‪ :‬لو قال ‪ ( :‬قتل ) لكان فيه إيحاش ووصم عليهم ألنهم كانوا ( متأسفين ) على من قتل‬
‫منهم فيتذكرونهم بهذا ويزداد حزنهم عليهم ‪ ،‬وال يقال ‪ :‬قتل فالن غالبا إال فيمن يفتجع عليه أو يفرح‬
‫لموته فيقال ‪ِ :‬ل َم ْن ُي ْقتَ ُل ‪ ،‬ليعم على من يأتي ومن مضى ويسلم من هذا اإليحاش‪.‬‬
‫اء ‪...‬‬
‫َحَي ٌ‬
‫قوله تعالى ‪َ ( :‬ب ْل أ ْ‬
‫(‪.‬‬
‫هذا إما إخبار أو حكم من اهلل تعالى عليهم بالحياة‪.‬‬
‫ون ( )‪.‬‬ ‫َّ‬
‫والمراد بل قولوا ‪ :‬هم أحياء واألول‪ n‬أظهر ( لقوله ‪ ) :‬ولكن ال تَ ْش ُع ُر َ‬
‫قوله تعالى ‪َ ( :‬ولََنْبلَُوَّن ُك ْم بِ َش ْي ٍء ِّم َن الخوف والجوع (‪.‬‬
‫هذا ترق ألن الجوع أشد من الخوف‪.‬‬
‫فإن قلت ‪ :‬إنه أيضا أشد من النقص من األموال ‪.‬‬

‫( ‪)2/469‬‬

‫صفحة رقم ‪470‬‬


‫الناس من الجوع فهو أشد مفسدة والنقص من‬
‫قلت ‪ :‬الجواب أن النقص من األموال أكثر وجودا فى ّ‬
‫األنفس بالمرض أو بالموت أشد من الجميع‪.‬‬
‫ون (‪.‬‬ ‫قوله تعالى ‪ ( :‬قَالُوْا ِإَّنا للَّ ِه وإِ َّنآ ِإلَْي ِه ر ِ‬
‫اج ُع َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ألنه إذا علم العبد أنه وجميع أهله وماله ملك هلل طابت نفسه وهانت عليه مصيبته ( كما ) قال للمرأة‬
‫التى عزاها فى ولدها ( إن هلل ما أخذ وله ما أبقى وأعطى ولكل أجل مسمى و كل إليه راجعون‬
‫فاحتسبي واصبري فإنما الصبر عند أول الصدمة )‪.‬‬
‫ومن شرط اللفظ العمل بمقتضاه وهو أنه يصبر ويحتسب ‪ ،‬فإن قاله قوال فقط فال فائدة فيه ‪ ،‬وإ ن‬
‫صبر ولم يقله فقد قاله بلسان الحال ويحصل له ( األجر ) ‪ ،‬وإ ن فعل األمرين أخلفه اهلل الخير في‬
‫الدنيا وأعظم له األجر في اآلخرة‪.‬‬
‫( والصالة ) المراد بها الرحمة ‪ ،‬وجمعها ( إلرادة ) التكرار عليهم ( رحمة بعد رحمة ) أي عليهم‬
‫رحمات كثيرة متعددة ورحمة أخرى أعظم من الجميع فلذلك أفردها بالذكر وعطفها عليها وليس فيه‬
‫تكرار بوجه‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪ِ ( :‬إ َّن الصفا والمروة ِمن َش َعآئِ ِر اهلل ‪...‬‬
‫(‪.‬‬
‫قال ابن عطية ‪ :‬الصفا والمروة جبالن بمكة ‪.‬‬

‫( ‪)2/470‬‬

‫صفحة رقم ‪471‬‬


‫قال الجوهري ‪ :‬في الصحاح موضعان بمكة‪.‬‬
‫والتغير‪.‬‬
‫ّ‬ ‫بالمد ضد ( الكدرة )‬
‫والصفاء ّ‬
‫ابن عطية ‪ :‬والصفا جمع صفاة‪.‬‬
‫ابن عرفة ‪ :‬وجعله أبو حيان اسم جنس وهو الصواب ‪.‬‬
‫ابن عطية ‪ :‬وقيل إنه مفرد وجمعه صفى وأصفاء ‪ ،‬وهي الصخرة العظيمة‪.‬‬
‫قال الراجز ‪ ( :‬كأن منبته من النفي مواقع الطير على الصفا ) وقيل ‪ :‬من شرط الصفا البياض‬
‫والصالبة وشرط الجوهري فيه الملوسة ولم يشترط الصالبة‪.‬‬
‫بمروة‬
‫ابن عطية ‪ :‬والمروة واحدة المرو ‪ ،‬وهي الحجارة الصغار التي فيها لين ومنه قولهم ( ذكيتها ْ‬
‫)‪.‬‬

‫( ‪)2/471‬‬
‫صفحة رقم ‪472‬‬
‫ابن عرفة ‪ :‬الصواب العكس ألن التذكية إنما تأتي بالصلب ال باللين‪.‬‬
‫ابن عطية ‪ :‬ومنه قول ( األمين أخرجني ) فإن قتلني بمروة قتلته بمروة‪.‬‬
‫ابن عرفة ‪ :‬األمين والمأمون ولدا هارون الرشيد وكان األمين أراد أن ( يغدر ) أخاه المأمون فقال‬
‫هذه المقالة‪.‬‬
‫الجوهري ‪ :‬الصفا والمروة علمان للجبلين كالصمان والمقطم‪.‬‬
‫الصمان جبل قرب ( الرملة ) بالشام والمقطم جبل بمصر‪.‬‬
‫الجوهري ‪ّ :‬‬
‫أبو حيان ‪ :‬فاأللف والالّم فيهما زائدة كزيادتهما في االسم العلم ‪ ،‬وقيل للغلبة كالنجم والثريا‪.‬‬
‫بأن التي للغلبة يمتنع اسقاطها فال تقول ‪ :‬صفا ومروة ‪ ،‬وتريد هذين‬
‫ابن عرفة ‪ :‬فرق بينهما ّ‬
‫الموضعين والزائدة يصح أسقاطها‪.‬‬
‫ابن عطية ‪ :‬والشعائر جمع شعيرة وهي العالمة أي من أعالم ( مناسكه ) ومتعبداته ‪ ،‬أى من معالمه‬
‫ومواضع عبادته ‪.‬‬

‫( ‪)2/472‬‬

‫صفحة رقم ‪473‬‬


‫ابن عرفة ‪ :‬أي عباداته الخاصة المؤقتة وإ ال فك ّل مسجد من ( مواضع ) عباداته ‪ ،‬فالمراد من‬
‫معالمه التى وقّتها الشارع لهذه العبادة الخاصة‪.‬‬
‫ابن عرفة ‪ :‬وعلى هذا ال يحتاج إلى ما قال أبو حيان إن اآلية على حذف مضاف ( ألن )‪.‬‬
‫المعنى ‪ :‬أن الصفا والمروة بعض ( مواضع ) عبادة اهلل إالّ على تأويل ‪ ،‬ذكره مختصرا‪.‬‬
‫ابن الخطيب ‪ :‬المراد من عبادة اهلل فيحتاج أن يقال إن طواف الصفا والمروة‪.‬‬
‫أن الواو تفيد الترتيب‪.‬‬
‫واحتج بعض األصوليين باآلية مع حديث ( إبدؤوا بما بدأ اهلل به ) على ّ‬
‫وقال اآلخرون ‪ :‬لو كانت تفيد الترتيب لما سالوه وهم عرب فصحاء ‪ ،‬والصواب ّأنها ال تقتضيه وال‬
‫( تنافيه ) لكن يحتج‬

‫( ‪)2/473‬‬

‫صفحة رقم ‪474‬‬


‫بها على ترجيح تقديم ما قدمه الشارع في لفظه‪.‬‬
‫َن الَ َيطُوف بِ ِه َما )‪.‬‬
‫وقرىء ( أ ْ‬
‫أبو حيان ‪ :‬ال فرق بين ذكر ( ال ) وإ سقاطها والمعنى واحد ‪.‬‬
‫ابن عرفة ‪ :‬بل مختلف كقولك ‪ :‬الجناح عليك أن تصلي العصر عند الغروب وال جناح عليك أن ال‬
‫تصليها عند الغروب‪.‬‬
‫ابن عطية ‪ :‬وليس المقصد إباحة الطواف للحاج وإ نما المقصد زوال ما وقع فى نفوسهم من كراهة‬
‫الطواف بهما‪.‬‬
‫واختلف في أصل ذلك كيف كان ؟ فروي أن الجن كانت تطوف بهما فى الجاهلية ( فتحرج )‬
‫المسلمون ( من الطواف ) بينهما لذلك‪.‬‬
‫وروي عن عائشة ‪ :‬أن األنصار كانوا يهلون لمناة التي بالمشلل ( حذو ) ( قُ َد ْيد ) ويعظمونها فكانوا‬
‫( ال يطوفون )‬

‫( ‪)2/474‬‬

‫صفحة رقم ‪475‬‬


‫حذو أساف وال نائلة إجالال لتلك‪.‬‬
‫فلما جاء اإلسالم ( تحرجوا ) فنزلت اآلية‪.‬‬
‫ابن عرفة ‪ :‬هذا ال يناسب وال يليق بالمؤمنين أن يفعلوه‪.‬‬
‫ابن عطية ‪ :‬وعن الشعبي أنهم كانوا يطوفون بهما معتقدين ذلك ( السعي ) إجالال ألساف ونائلة‬
‫وهما صنمان فتحرج المسلمون من ذلك فنزلت اآلية‪.‬‬
‫ابن عرفة ‪ :‬هذا صواب‪.‬‬
‫َنزْلَنا ‪...‬‬ ‫قوله تعالى ‪ِ ( :‬إ َّن الذين َي ْكتُ ُم َ‬
‫ون َمآ أ َ‬
‫( قال ابن عرفة ‪ :‬من الناس من ينظر وجه المناسبة بين اآلية وما قبلها كابن الخطيب ‪ ،‬ومنهم من ال‬
‫أن‬
‫يلتزمه في كل آية كالزمخشري وابن عطية ‪ ،‬ومنهم من يمنع النظر في ذلك ويحرمه لئال يعتقد ّ‬
‫المناسبة من إعجاز القرآن فإذا لم تظهر المناسبة فقد يدرك الناظر وهن في دينه وخلل في معتقده‪.‬‬
‫ابن عرفة ‪ :‬ووجه المناسبة هنا أنه لما تقدم اإلخبار بحكم شرعي عقبه ببيان عقوبة العالم إذا كتم‬
‫علمه ‪.‬‬

‫( ‪)2/475‬‬
‫صفحة رقم ‪476‬‬
‫ابن عطية ‪ :‬والمراد ب ) الذين ( أحبار اليهود ورهبان النصارى الذين يكتمون أمر محمد ويتناول‬
‫من علم علماً من دين اهلل محتاجا إلى بثه وكتمه‪.‬‬
‫قال ‪ ( :‬من سئل عن علم فكتمه ألجمه اهلل بلجام من نار ) وهذا إذا لم يخف ضررا في بثه‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬وال يحل للعالم أن يذكر للظالم تأويال أو رخصة يتمادى منها إلى مفسدة كمن يذكر‬
‫للظالم ما قال الغزالي في اإلحياء من أن يبث المال إذا ضعف و اضطر السلطان إلى ما يجهز به‬
‫الجيش ويدفع ( به ) الضرر عن المسلمين فال بأس أن يوظّف على الناس العشر أو غيره إلقامة‬
‫الجيش وسد الخلة‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬وذكر هذا مما يحدث ضررا ( فادحا ) في اإلسالم‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬والبينات إما األدلة ‪ ،‬والهدى نتائجها ‪ ،‬أو العكس‪.‬‬
‫ويحتمل أن يكون البينات هو األدلة الشرعية السمعية والهدى الدليل العقلي أو العكس‪.‬‬
‫ون ( بلفظ المستقبل ولم‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬وقع هذا الوعيد في هذه اآلية مشوبا بالرجاء لقوله ‪ ) :‬تَ ْكتُ ُم َ‬
‫يقل كتموا بالماضي ( تنبيها على أن ما وقع منهم قبل ذلك معفو عنه ال يتناوله هذا الوعيد )‪.‬‬
‫ثم أكد هذا الرجاء برجاء آخر وهو أن الكتم الصادر منهم في‬

‫( ‪)2/476‬‬

‫صفحة رقم ‪477‬‬


‫المستقبل إنما يعاقبون عليه مع اإلصرار عليه والمداومة لقوله ‪ِ ) :‬إالَّ الذين تَ ُابوْا (‪.‬‬
‫لعُنهُ ُم ( لوجهين ‪ :‬إما تشريفا هلل بذكره وحده إشعارا بالتفاوت الذي‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬وكرر لفظ ) َي َ‬
‫بينه وبين ( الالّعنين ) ‪ ،‬وإ ما تنبيها على أن لعنة اهلل تعالى أشد من لعنة ( الالّعنين ) فهو إما‬
‫للتفاوت بين اللّعنين ‪ ،‬وهذا كما قال ابن التلمساني في المسألة الثامنة من الباب األول في حديث‬
‫الخطيب القائل ‪ ( :‬من يطع اهلل ورسوله فقد رشد ومن يعصهما فقد غوى )‪.‬‬
‫وتقدم جواب القرافي وعز الدين بن عبد السالم فيه‪.‬‬
‫السكوتي ألن المجتهد إذا بلغه مذهب‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬وفي اآلية عندهم حجة ( للعمل ) باإلجماع ّ‬
‫فإما أن يظهر له موافقته أو مخالفته فإن وافقه فهو المطلوب ‪ ،‬وإ ن ظهر له‬
‫غيره في المسألة النازلة ّ‬
‫مخالفته وسكت بطل العمل بقوله ألنه عاص ( في كتمه ) العلم‪.‬‬
‫فإن قلت ‪ :‬تبقى منهم ثالث وهو أن اليظهر ( له ) في الحال موافقة وال مخافة‪.‬‬
‫قلنا ‪ :‬ال يكون إذ ذاك مجتهدا‪.‬‬
‫وقال القرطبي ‪ :‬فيها حجة ( لوجوب ) العمل بخبر الواحد قال ‪ :‬ألنه ال يجب عليه ( البيان ) إال بعد‬
‫َّ‬
‫قبول قوله وقال ‪ِ ) :‬إال الذين تَ ُابوْا َوأ ْ‬
‫َصلَ ُحوْا َوَبيَُّنوْا ( فحكم بوقوع البيان بخبرهم‬

‫( ‪)2/477‬‬

‫صفحة رقم ‪478‬‬


‫ورده ابن عرفة بأن أول احتجاحه على العمل والكالم في كتم العلم وفرق بين العمل بخبر الواحد‬
‫وبين العلم به‪.‬‬
‫يم (‪.‬‬ ‫قوله تعالى ‪ِ ( :‬إالَّ الذين تَابوْا وأَصلَحوْا وبيَُّنوْا فَأُولَئِ َك أَتُوب علَْي ِهم وأََنا التََّّواب َّ ِ‬
‫الرح ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ َ ْ َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ َ ْ ُ ََ‬
‫ابن عرفة ‪ :‬في اآلية اللّف والنشر ‪ ،‬فالتوبة واإلصالح راجعان لقوله ‪ ) :‬أولئك َيْل َعُنهُ ُم اهلل ( ألنه يعلم‬
‫السر وأخفى ‪ ،‬وقوله ‪َ ) :‬وَبيَُّنوْا ( راجع لقوله ‪َ ) :‬يْل َعُنهُ ُم الالعنون ( ألن المالئكة وغيرهم ال‬
‫يعلمون توبتهم إال إذا ّبينوا وظهر على حالهم ذلك‪.‬‬
‫قال ‪ :‬ومن كان متصفا بالفسق ويظهر للبعض الصالح ‪ ،‬ثم تاب ‪ ،‬فال تقبل توبته إال إذا زاد صالحه‪.‬‬
‫وأما إن دام على صالحه األول فقط ‪ ،‬فال يقبل منه ذلك ألن صالحه األول لم يمنعه من الفسق‪.‬‬
‫يم ( إشارة إلى عموم توبته عليهم وعلى غيرهم ‪ ،‬وتنبيه على أنه ال يجب‬ ‫وقوله ) وأََنا التََّّواب َّ ِ‬
‫الرح ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫َن قبول التوبة رحمة وتفضل‪ ( ، n‬ال أنه ) واجب‪.‬‬ ‫عليه شيء َوأ ّ‬
‫َِّ‬
‫قوله تعالى ‪ِ ( :‬إن الذ َ‬
‫ين َكفَ ُروا َو َماتُوْا ‪...‬‬
‫(‪.‬‬
‫منهم من قال ‪ :‬إنها مؤكدة لما قبلها لقوله ) ِإالَّ الذين تَ ُابوا ( فبقيت اآلية عامة فيمن كفر ولم يتب‬
‫يكون داخال تحت الوعيد وهو مقتضى هذه اآلية ‪ ،‬ومنهم من قال ‪ :‬أنها مؤسسة‪.‬‬
‫الدوام واالنقطاع وهنا مقيدة بالخلود‬
‫أن اللّعنة في األولى مطلقة تحتمل ّ‬
‫وقرره بوجهين ‪ - :‬األول ‪ّ :‬‬
‫والدوام ‪.‬‬

‫( ‪)2/478‬‬

‫صفحة رقم ‪479‬‬


‫‪ -‬الثاني ‪ :‬أن العموم غير المخصوص بشيء أقوى داللة من عموم خص بشيء ‪ ،‬فلذلك أعيدت هذه‬
‫اآلية‪.‬‬
‫ونحو هذا ( البن رشد ) في النكاح الثالث‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬فإن قلت ‪ :‬هال قيل ‪ :‬ماتوا كفارا‪.‬‬
‫فهو أخص من قوله ‪َ ) :‬و َماتُوا َو ُه ْم ُكفَّ ٌار ( ؟ قال ‪ :‬وعادتهم يجيبون بوجهين ‪ - :‬األول ‪ :‬أن هذا‬
‫الربط ‪ ،‬قاله الزمخشري‬‫فيه فائدة البناء على المضمر ‪ ،‬وقد ذكروا أنه يفيد إما االختصاص أو مطلق ّ‬
‫ين ِم َن النار ( ‪ -‬الثاني ‪ :‬أن الحال قيد في الجملة ‪ ،‬فهو من قسم التصور وقوله ‪:‬‬ ‫في ) َو َما ُهم بِ َخ ِار ِج َ‬
‫) َو ُه ْم ُكفَّار ( جملة من مسند ومسند إليه ‪ ،‬فيرجع إلى قسم التصديقات ‪ ،‬والتعبير بما هو من قسم‬
‫التصديق أولى مما هو من قسم التصور ألنه يستلزم التصور ( فيدل ) على األمرين‪.‬‬
‫قيل البن عرفة ‪ :‬أو يجاب بأنه لو قيل ( وماتوا كفارا ) لكانت حاال ‪ ،‬والحال من شرطها االنتقال مع‬
‫أن المراد ‪ :‬من ثبت ودام على كفره فقال ‪ :‬وكذلك ( وهم كفار ) والواو فيه واو الحال‪.‬‬
‫( قيل البن عرفة ‪ ،‬كيف عبر بهذا اللّفظ المقتضي للخصوص مع أن من مات كافرا باإلطالق يناله‬
‫هذا الوعيد ) ؟‬

‫( ‪)2/479‬‬

‫صفحة رقم ‪480‬‬


‫فقال ‪ :‬هذا وعيد خاص رتب على فعل خاص ‪ /‬انتهى‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬أ ُْولَئِ َك َعلَْي ِه ْم لَ ْعَنةُ اهلل والمالئكة ‪...‬‬
‫(‪.‬‬
‫لعُنهُ ُم اهلل َوَيْل َعُنهُ ُم الالعنون‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬إن قلت ‪ :‬لم أعيد لفظ الفعل في اآلية المتقدمة فقيل ‪َ ) :‬ي َ‬
‫( ولم يعد هنا ‪ ،‬فكرر هناك ما أسند إليه االسم المعطوف عليه ولم يكرر هنا ‪ ،‬فهال قيل ‪ :‬أولئك‬
‫عليهم لعنة اهلل ولعنة المالئكة ولعنة الناس أجمعين فهو أولى ؟ قال ‪ :‬عادتهم يجيبون بأن اإلسناد‬
‫األول للفاعل ‪ ،‬وهو واحد بذاته اليتعدد ‪ ،‬ألنه ال فاعل في الحقيقة إال اهلل ‪ ،‬واإلسناد الثاني إضافي‬
‫فهو أمر نسبي ‪ ،‬واألمور النسبية اإلضافية يمكن فيها التعدد كالوجود بالنسبة إلى القديم والحادث ‪،‬‬
‫فلذلك لم يفد لفظ اللعنة هنا‪.‬‬
‫ين (‪.‬‬ ‫قوله تعالى ‪ ( :‬والناس أ ْ ِ‬
‫َج َمع َ‬
‫ين ( إما تأكيد أو حال فإن كان حاال فالمراد لعنة الجميع مجتمعين ‪ ،‬ويبقى‪n‬‬ ‫قال ابن عرفة ‪ ) :‬أ ْ ِ‬
‫َج َمع َ‬
‫النظر ‪ :‬هل ذلك يوم‬

‫( ‪)2/480‬‬
‫صفحة رقم ‪481‬‬
‫القيامة أو ال‪.‬‬
‫؟ فإن كان في ( اآلخرة ) فيكون خالدين فيها حاال ( محصلة أو أعيد الضمير على النار‪.‬‬
‫وإ ن كان في الدنيا فيكون ( خالدين فيها ) حاال ) مقدرة‪.‬‬
‫وإ ن كانت تأكيدا فالمراد لعنة جميعهم باإلطالق‪.‬‬
‫ابن عطية ‪ :‬قال قتادة ‪ :‬المراد بالناس المؤمنون خاصة وقال أبو العالية ‪ :‬ذلك في اآلخرة أي يلعن‬
‫الكفرة أنفسهم يوم القيامة‪.‬‬
‫وقيل معناه يقولون في الدنيا ‪ :‬لعن اهلل الكافرين ‪ ،‬فيلعنون أنفسهم من حيث ال يشعرون‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬ويخرج عن هذا من كفر عنادا فإنه ال يلعن الكافرين‪.‬‬
‫ون (‪.‬‬
‫ظ ُر َ‬ ‫قوله تعالى ‪ ( :‬الَ ُي َخفَّ ُ‬
‫ف َع ْنهُ ُم العذاب َوالَ ُه ْم ُي ْن َ‬
‫َخ ِّ‬
‫ف أهل النار عذابا ‪ ،‬وأنه تنفعه‬ ‫فأَ‬‫َخ ُّ‬
‫( قيل ) البن عرفة ‪ :‬كيف يفهم ما ورد في أبي طالب أنه أ َ‬
‫شفاعة النبي ‪ ،‬فصار عذابه بجمرتين في أخمص قدميه يغلي منهما دماغه‪.‬‬
‫وما ورد في أبي لهب من أنه يخفف عنه العذاب يوم االثنين لكونه أعتق فيه الجارية التي بشرته‬
‫بوالدته ؟ قال ‪ ( :‬العذاب ) الذي استحقه كل واحد منهما ونزل به ال يخفف عنه منه بل يخفف عنه‬
‫بمعنى أنه يعذب عذاب غيره فالتخفيف من عذاب غيره ال من عذابه هو النازل به‪.‬‬
‫اح ٌد الَّ إله ِإالَّ ُه َو الرحمن الرحيم (‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬وإ لهكم إله و ِ‬
‫َ‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬اإلاله في اصطالح المتقدمين من األصوليين هو الغني بذاته المفتقر غيره إليه ‪،‬‬
‫ال ِف ْر َع ْو ُن‬
‫وعند األصوليين ( المتأخرين ) واللغويين هو المعبود تقربا ‪ ،‬وبه يفهم قوله ) َوقَ َ‬

‫( ‪)2/481‬‬

‫صفحة رقم ‪482‬‬


‫َصَناماً ِآلهَةً ( وقول اهلل )‬ ‫ِ‬ ‫ياأيها المأل َما َعِل ْم ُ‬
‫ت لَ ُك ْم ِّم ْن إله َغ ْي ِري ( وقول إبراهيم ألبيه آزر ) أَتَتَّخ ُذ أ ْ‬
‫ءأالهتنا َخ ْيٌر أ َْم ُه َو ( قال ابن عطية ‪ :‬ومعناه نفي ( المثل ) والنظير‪.‬‬
‫وقال أبو العالية ‪ ( :‬نفى ) التبعيض ( واألنقسام )‪.‬‬
‫الكمية المنفصلة وعلى الثاني نفي الكمية المتصلة ‪ ،‬ويحتمل‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬فعلى األول نفي ّ‬
‫األمرين إن قلنا إن الوحدة ينطلق عليها بالتواطُؤ ‪ ،‬وإ ن كان إطالقها عليها باالشتراك فما يتم إال على‬
‫القول بتعميم المشترك ‪ ،‬وقوله ‪ :‬نفي للتبعيض واالنقسام صوابه أن يقول ‪ :‬نفي لقابلية ( االنقسام )‬
‫بمعنى واحد ‪ ،‬أي ( غير ) معروض لالنقسام فيخرج الجوهر الفرد ألنه ال ينقسم ‪ ،‬لكنه في حيز‬
‫والحيز منقسم‪.‬‬
‫فإذا قلنا غير معروض لالنقسام انتفى الجوهر الذي في الحيز‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬الَّ إله ِإالَّ ُه َو ‪...‬‬
‫(‪.‬‬

‫( ‪)2/482‬‬

‫صفحة رقم ‪483‬‬


‫( قال أبو حيان ‪ِ ( :‬إالّ هو ) بدل من اسم ( الَ )‪.‬‬
‫ورده المختصر وأنه ال يجوز أن يقال ‪ :‬ال ألَهَ إال هو‪.‬‬
‫ابن عرفة ‪ :‬لرده وجه آخر ذكره النحوين وهو أن يكون بدال من مجموع ( ال ) واسمها ‪ ،‬ومعناه‬
‫الموجود الذي نفيت األلوهية عن غيره ‪ ،‬وأثبت له هو اهلل‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬قال االستاذ أبو العباس أحمد بن القصار‪.‬‬
‫هذا ذكره النحويون وعادتي استشكله ألنه يلزم عليه بدل المثبت من المنفي ‪ ،‬وكذلك قال سيبويه ‪ :‬ال‬
‫بأن ( امرأة‬
‫رجل في الدار وامرأةً ‪ ،‬بالنصب إنه معطوف على مجموع ال واسمها وكنت أنا أستشكله ّ‬ ‫َ‬
‫) مثبت فكيف يعطف المثبت على المنفي ؟ وكان األستاذ الفقيه أبو عبد اهلل محمد بن عبد اهلل بن قيس‬
‫يجيبني عنه بأنه معطوف على اسم ( ال ) فقط ‪ ،‬لكنهم لما ركبوا ( ال ) مع اسمها وصار كجزء‬
‫واحد ‪ ،‬فالعطف عليه كالعطف على خبر الكلمة ‪ ،‬كرهوا التصريح بالعطف عليه فقالوا ‪ :‬إنه‬
‫معطوف على المجموع ومرادهم أنه معطوف على اسم ال فقط فكذلك يجيء هاهنا‪.‬‬
‫قال أبو حيان ‪ :‬وقال صاحب المنتخب ‪ :‬المعنى الَ إالهَ لنا والَ ِإلَهَ موجود ‪ ،‬ورده المختصر بأنه‬
‫يلزمه المفهوم في الَ ِإالَهَ لنا و قوله الَ ِإالهَ موجود باطل على مذهب المعتزلة ‪.‬‬

‫( ‪)2/483‬‬

‫صفحة رقم ‪484‬‬


‫وأجاب ابن عرفة ‪ :‬أن الوجود على أربعة أقسام ‪ ،‬فمنها وجود في اإليمان ووجود في األذهان ‪ ،‬فإن‬
‫السنة يمنعونه والمعتزلة يجيزونه ‪ ،‬فيقولون ‪ :‬إن‬
‫أراد الوجود في اإليمان فما قاله صحيح ألن أهل ّ‬
‫للمعدوم تقررا في العدم ‪ ،‬وإ ن أراد الوجود في األذهان فممنوع ألن اجتماع النقيضين باعتبار‬
‫التصور الذهني فيه خالف ‪ ،‬فإن قلنا بامتناعه فكالم المجيب حق ‪ ،‬وإ ن قلنا بصحته فكالم السائل‬
‫صحيح‪.‬‬
‫إن المعدوم ثابت في العدم ولم يقولوا أصال ‪:‬‬
‫قلت ‪ :‬وقال األستاذ ابن القصار ‪ :‬المعتزلة إنما قالوا ‪ّ :‬‬
‫إنه موجود في العدم‪.‬‬
‫فالموجود ال يثبت إال في الوجود‪.‬‬
‫قال أبو حيان عن الزمخشري في المفصل ‪ :‬ال يجوز أن تكون ( إالّ هو ) خبراً عن ( ال إاله ) ألنه‬
‫بيان له فيمتنع اإلخبار عنه به قال ‪ :‬وفيه َبحث‪.‬‬
‫أن الحكم قسمان ‪ :‬تقييدي ‪ ،‬وإ سنادي‪.‬‬
‫أن البحث الذي فيه هو ّ‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬يظهر لي ّ‬
‫فالبيان بالحكم التقييدي ال يصح والبيان باإلسنادي صحيح ‪ ،‬نقول ‪ :‬زيد العاقل الكريم الشجاع ‪ ،‬فإن‬
‫كانت نعوتا امتنع البيان بها وإ ن كانت خبرا صح البيان بها‪.‬‬
‫أن اإلسناد قيد في المبتدإ ‪ ،‬فال يصح أن يكون خبرا‬
‫قلت ‪ :‬وقال ابن القصار ‪ :‬البحث الذي فيه هو ّ‬
‫عنه لكنه نائب مناب الخبر ‪ ،‬ألن التقدير ‪ :‬ال إاله كائن في الوجود إال هو ‪ ،‬فهو استثناء من الضمير‬
‫المستكن في كائن أو في الوجود ‪ ،‬فلما حذف ذلك الخبر ناب هذا‬

‫( ‪)2/484‬‬

‫صفحة رقم ‪485‬‬


‫االستثناء منابه ‪ ،‬فهو نائب مناب الخبر ‪ ،‬وقيد فيه ‪ ،‬قال وهذا راجح في المعنى‪.‬‬
‫قيل البن عرفة ‪ :‬ثم قال أبو حيان بعد كالم طويل ذكره قال ‪ :‬فرق ابن الحاجب بين الرفع والنصب‬
‫في قوله ‪ :‬ما قام القوم إال زيد برفع زيد ونصبه ؟ ابن عرفة ‪ :‬ال فرق بينهما في هذا والحال فيها‬
‫واحد‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬وقد أغفل أبو حيان الفرق بينهما فقد ) قال النحويون ‪ :‬إنك إذا قلت ‪ :‬ما قام القوم إال‬
‫زيد بالرفع يكون نفيت القيام عن القوم وأثبته لزيد‪.‬‬
‫وإ ن قلت ‪ :‬إال زيدا بالنصب يكون نفيت القيام عن القوم ونفيت ذلك النفي عن زيد ونفي‪ n‬اإلثبات في‬
‫حقه محتمل مشكوك فيه على ( خالف ) في ذلك عندهم ‪ ،‬فإذا قال قائل ‪ :‬ال إاله إال اهلل بالنصب‬
‫فيلزمه الكفر ألن المراد نفي األلوهية عما سوى اهلل وإ ثباتها له‪.‬‬
‫النصب فما فيه إال نفيها عما سوى اهلل ونفي ذلك ( النفي )‬
‫وأما ّ‬
‫وهذا المعنى اليحصل إال مع الرفع ‪ّ ،‬‬
‫عن اهلل وأما الثبوت فال‪.‬‬
‫قيل البن عرفة ‪ :‬إذا انتفت األلوهية عما سوى اهلل ثبتت له بالضرورة ؟‬

‫( ‪)2/485‬‬
‫صفحة رقم ‪486‬‬
‫فقال ‪ :‬يبقى القول‬
‫وت َوَن ْحَيا َو َما ُي ْهِل ُكَنآ ِإالَّ الدهر ( قلنا ‪:‬‬ ‫َّ‬
‫بالتعطيل ) فقال اهلل تعالى ) َوقَالُوْا َما ِه َي ِإال َحَياتَُنا الدنيا َن ُم ُ‬
‫( ّ‬
‫قال ابن عصفور في شرح اإليضاح ‪ :‬إن مذهب سيبويه وجمهور البصريين أنك إذا قلت ‪ ( :‬قام‬
‫القوم إال زيد ) تكون أخرجت زيدا من القوم ومن وصفهم‪.‬‬
‫ومذهب ( الفراء ) أنك أخرجت وصفه من وصفهم ( ولم ) تخرجه من ( صفهم )‪.‬‬
‫أعم من‬
‫ومذهب الكسائي أنك أخرجته هو منهم ولم تخرج وصفه من وصفهم فمعناه أنه لم يقم معهم ّ‬
‫أن يكون قام وحده أو لم يقم فاالستثناء عنده بالنصب محتمل وهذا البحث هنا ّإنما هو على المشهور‪.‬‬
‫ق السماوات واألرض ‪...‬‬ ‫قوله تعالى ‪ِ ( :‬إ َّن ِفي َخْل ِ‬
‫(‪.‬‬
‫ين َكفَ ُروْا َو َماتُوْا َو ُه ْم ُكفَّ ٌار ( وآية‬ ‫َِّ‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬تقدمها آية النبوة والرسالة في قوله تعالى ) ِإ َّن الذ َ‬
‫الوحدانية في قوله تعالى‬
‫) وإ لهكم إله و ِ‬
‫اح ٌد ( فيحتمل أن يكون دليال لهذه أو هذه ‪.‬‬ ‫َ‬

‫( ‪)2/486‬‬

‫صفحة رقم ‪487‬‬


‫قال ابن عطية ‪ / :‬عن عطاء ‪ :‬قال لما نزلت اآلية المقدسة بالمدينة ‪ ،‬قال كفار قريش بمكة ‪ :‬ما‬
‫الدليل على هذا وما آيته وما عالمته ؟ فطلبوا داللة الوحدانية فنزلت هذه اآلية‪.‬‬
‫ّ‬
‫وقال سعيد بن ( المسيب ) ه ‪ :‬قالوا إن كان ما تقول حقا فأت بآية تدل على صدقك حتى قالوا ‪:‬‬
‫اجعل لنا الصفا ذهبا فقيل لهم ‪ :‬ذلك ( لكم ) ‪ ،‬ولكن إن كفروا ُعذبوا فأشفق رسول اهلل من ذلك وقال‬
‫‪َ ( :‬د ْعنِي ْأد ُعهُ ْم َي ْوما فََي ْوما ) ‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬ظاهره أنه رق لحالهم‪.‬‬
‫ويحتمل أن يكون ذلك لما في سورة األنعام ) َولَ ْو أََّنَنا َن َّزْلَنآ ِإلَْي ِه ُم المالئكة َو َكلَّ َمهُ ُم الموتى َو َح َش ْرَنا‬
‫َّ‬ ‫ٍ‬ ‫َّ‬
‫الصفا ذهبا فإنهم لن‬ ‫آء اهلل ( فكأنه قال ‪ :‬ولو حصل لهم ّ‬ ‫َعلَْي ِه ْم ُكل َش ْيء قُُبالً َّما َك ُانوْا ليؤمنوا ِإال أَن َي َش َ‬
‫يؤمنوا‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬قد تقرر الخالف في الخلق هل هو نفس ( المخلوق ) وهو مذهب أهل السنة ‪.‬‬

‫( ‪)2/487‬‬
‫صفحة رقم ‪488‬‬
‫وإ ن من يقول ‪ :‬إنه غير نفس المخلوق يلزمه التسلسل وهو مذهب المعتزلة ألن ذلك الخلق يحتاج‬
‫إلى خلق آخر ألنه يقال بماذا وجد ؟ فيقول‪ : n‬بخلق آخر‪.‬‬
‫وهل هو نفس المخلوق ( أم ) ال ويتسلسل‪.‬‬
‫وأجابوا بأنه أمر نسبي فهو غيره ولكنه أمر نسبي ليس فيه تسلسل‪.‬‬
‫قيل البن عرفة ‪ :‬واألمور النسبية عدمية والعدمية ال يصح االحتجاج بها فكيف يستقيم االستدالل بها‬
‫في اآلية ؟ فقال ‪ :‬االستدالل بها من حيث إضافتها إلى أمر موجود وهو المخلوق‪.‬‬
‫قيل البن عرفة ‪ :‬إن الفخر ابن الخطيب احتج بها على أن الخلق غير المخلوق‪.‬‬
‫قال ‪ :‬ألنه ال يقع االعتبار إال بالنظر إلى المخلوقات بعد وجودها ال بخلقها ألنه غير مرئي‪.‬‬
‫فقال ‪ :‬االعتبار بها من حيث إيجادها ( من ) عدم وهو خلقها ‪ ،‬أي معنى خلقها‪.‬‬
‫قال ‪ :‬والناس قسمان ‪ :‬عالم وجاهل ‪ ،‬فالجاهل يعتبر بنفس خلقها على الجملة والعالم ينظر فيجد‬
‫المعمور من األرض أقل من الخالي بالنسبة إلى سائر األرضين أقل ‪ ،‬واألرضون‪ n‬بالنسبة إلى سماء‬
‫الدنيا وما فوقها أقل ‪ ،‬والسماء الدنيا وما فوقها بالنسبة إلى الشمس أقل ‪ ،‬ألنها في السماء الرابعة ‪،‬‬
‫والشمس بالنسبة إلى السماء الّتي فوقها أقل منها‪.‬‬
‫ألن عدد السماوات يدرك‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬وإ نما جمعت السماوات وأفردت األرضون مع أنها سبع ّ‬
‫بالرصد ‪ ،‬وطول األعمار ‪ ،‬والكسوفات ‪ ،‬وأطوال البالد وأعراضها ‪ ،‬وجري الكواكب ‪ ،‬واألرضون‪n‬‬
‫ال طريق لنا إلى إدراكها بوجه إال من السمع ‪ ،‬ألن المشاهد لنا منها‬

‫( ‪)2/488‬‬

‫صفحة رقم ‪489‬‬


‫إنما هي أرض واحدة فأفردت بالذكر ‪ ،‬ولذلك اختلف فيها اإلمام المازري وشيخه عبدالحميد الصائغ‬
‫‪ /‬انتهى ‪./‬‬
‫بأن السماوات مختلفة ‪ ،‬فقد ورد في الحديث أن بعضها من فضة‬
‫وأجاب القرطبي عن هذا السؤال ّ‬
‫وبعضها من زبرجد ‪ ،‬وبعضها من لؤلؤ إلى غير ذلك ‪ ،‬فلذلك جمعت بخالف األرضين فإنها متماثلة‬
‫كلها من شيء واحد‪.‬‬
‫أن الجواهر كلها متساوية في الحد والحقيقة ‪،‬‬
‫ورده ابن عرفة بوجهين ‪ - :‬األول مذهب المتكلمين ّ‬
‫وإ نما تختلف في األعراض فال فرق بين جسم الذهب وجسم الفضة‪.‬‬
‫أن النحويين أجازوا جمع المتماثالت ‪ ،‬أال تراهم يجمعون زيدا وزيدا مع تماثلهم في اللفظ‬
‫‪ -‬الثاني ‪ّ :‬‬
‫والمعنى ‪ ،‬فكذلك يجمعون األرضون هنا ؟ قال ابن عرفة ‪ :‬وإ نما الجواب ما قلناه في قوله تعالى في‬
‫ون ( ‪ :‬فإن قلت ‪ :‬هال أريد بخلق السماوات‬ ‫ِ‬ ‫‪ِ ) :‬إ َّن ِفي َخْل ِ‬
‫ق السماوات واألرض ( إلى قوله ) َي ْعقلُ َ‬
‫واألرض أنفسها أو نفس إيجادها وإ ثباتها ؟ ‪.‬‬

‫( ‪)2/489‬‬

‫صفحة رقم ‪490‬‬


‫السنة أن الخلق نفس المخلوق ال أنه أمر زائد عليه‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬مذهب أهل ّ‬
‫وكان شيخنا اإلمام أبو عمرو بن الحاجب يقول بحسب ذلك ‪ :‬خلق اهلل السماوات مصدر ‪ ،‬كقولك ‪:‬‬
‫خلق اهلل خلقا ‪ ،‬وينكر طلبة النحو ذلك الستغرابهم كون الجوامد مصادر وما لهم تصور لحقائق علم‬
‫أن‬
‫الكالم ‪ ،‬وال لهم إحاطة بالضروريات الملجئة إلى مخالفة ‪ ،‬فإن المتكلمين التجأوا إلى ذلك لعلمهم ّ‬
‫الخلق لو كان معنى زائدا لكان وجوديا ‪ ،‬ولكان مخلوقا ولكان خلقه مفتقرا إلى خلق آخر‪.‬‬
‫فلما قطعوا باستحالة ذلك قطعوا بأن القدرة تتعلق بذات العين ‪ ،‬فتوجدها ( أفعال ) اهلل كما أن المعاني‬
‫أفعال‪.‬‬
‫فإن قلت ‪ :‬حاصل ذلك ال تغاير بين الخلق والمخلوق فال مصدر إذاً ‪ ،‬ألن ( المصدر ) في قولك ‪:‬‬
‫ضربت زيدا ضربا زائد على ذات زيد و ( ال هناك ) زائد ‪ ،‬وال يستقيم إذا كان الموت مصدرا‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬هو ما ذكرت‪.‬‬
‫أعدها‬
‫والمستقيم كون الموت مفعوال به وهي نفس الفعل وهو الذي أراد الشيخ ابن الحاجب ولكن لو ّ‬
‫مفعوال به لجمع بين االصطّالح وبين المعقول‪.‬‬
‫فإن قلت ‪ :‬لو قال قائل ‪ :‬خلق اهلل السماوات خلقا ‪ ،‬فكيف يعرب خلقا ؟ قلت ‪ :‬مصدرا ‪ ،‬وهو نفس‬
‫المفعول به في المعنى فاحفظ الصناعة والحقيقة معا ‪ ،‬فالتغاير بين المصدر والمفعول‪ n‬به حقيقي في‬
‫غير هذا الباب ولفظي هنا ‪.‬‬

‫( ‪)2/490‬‬

‫صفحة رقم ‪491‬‬


‫فإن قلت ‪ :‬ما وجه ( المعطوفات ) في اآلية على ( خلق السماوات ) وقد فسرت خلقها بمخلوقاتها‬
‫وكلما ذكر من المخلوقات فيصير من ‪ /‬عطف الشيء على نفسه ؟ قلت ‪ :‬هو من عطف الجزء على‬
‫الكل لثبوتهما بالجزء أو من عطف األخبار في غيرها وإ ن كانت فيها‪.‬‬
‫فإن قلت ‪ :‬ما وجه التقوية ؟ ( قلت ) باعتبار مقصد االستدالل ألن ذوات السماوات واألرض ال‬
‫داللة لها من حيث األعراض القائمة بها وأنها ال أعراض بداللة األكوان إذ الطبيعي ( محال ) في‬
‫إنكار األكوان ‪ ،‬وأبعد األكوان الحركة والسكون ‪ ،‬والحركة أبعد لمشاهدتها ضرورة وألجله استفتح‬
‫الشيخ األشعري في البرهان لقوله ‪ :‬تحرك الجوهر وكان ساكنا‪.‬‬
‫وال دعوى ( للطبيعي ) إال في كونها تستفتح للجمع بين النقيضين‪.‬‬
‫وعلى هذه النكتة دارت هذه األدلة ( فاختالف ) اللّيل والنهار ( راجع إلى الحركات وذكر الفلك )‬
‫باعتبار جرمها وتحركها حركات قوية ضرورية متوالية‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬بِ َما َينفَعُ الناس ‪...‬‬
‫(‪.‬‬

‫( ‪)2/491‬‬

‫صفحة رقم ‪492‬‬


‫أي يحدث اهلل المنفعة به في نفوسهم ( فيقطع ) قول الطبيعي ‪ ( :‬الحركة عدم ) ألن المعدوم ال ينفع‬
‫وإ نما ينفع اهلل بالفلك بواسطة حركاتها وال فرق بين عدم النفع والنفع بالعدم‪.‬‬
‫ثم ذكر ( الماء ) بواسطة كونه ( منزال بحركة ) من السماء واألرض ثم ذكر أنه بث األحياء‬
‫بواسطة تلك الحركة ‪ ،‬وكيف يكون العدم واسطة في اإلحياء ثم إحياء األرض عبارة عن تحريك‬
‫الحب الكائن فيها إلى الظهور ‪ ،‬ثم ذكر بث الدواب وهي المتحركات بالوصيب ثم ذكر تصريف‬
‫الرياح أي تحريكها من قطر إلى قطر ( ثم ذكر السحاب المسخر أي المحرك من قطر إلى قطر وكله‬
‫) استدالل على حدوث الجواهر وحدوث حركاتها التي ال ( تنافي ) وجودها بدليل إثارتها الحسية‪.‬‬
‫فإن قلت ‪ :‬ليس له في كل شيء ( داللة ) فما فائدة هذه األدلة واألمثلة ؟ قلت ‪ :‬اإليقاظ بعد اإليقاظ‬
‫واإليقاع بعد اإليقاع‪ n‬والضرب على الضرب حتى ال يبقى للقبول علة في االستدامة والغفلة ‪ ،‬حتى‬
‫النجاة )‪.‬‬
‫تتحرك الدواعي حركات متتابعة متسارعة إلى ضرب ( ّ‬
‫قوله تعالى ) واختالف الليل والنهار ‪...‬‬
‫(‪.‬‬
‫قال ابن عطية ‪ :‬أي تخالفهما ومعاقبة أحدهما لآلخر أو يريد اختالف أوصافهما فالليل تارة أطول‬
‫والنهار تارة أطول ‪.‬‬

‫( ‪)2/492‬‬
‫صفحة رقم ‪493‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬أو المراد اختالف كل واحد منهما في نفسه َفلَْيلَةُ البارحة أقصر من ليلة اليوم ونهار‬
‫اليوم أطول من نهار غد وأشار إليه الفخر‪.‬‬
‫َحَيا بِ ِه األرض ‪...‬‬
‫قوله تعالى ) فَأ ْ‬
‫(‪.‬‬
‫مجاز في اإلفراد وهو لفظ إحيائها ولفظ موتها‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪ِ ( :‬من ُك ِّل َدآب ٍ‬
‫َّة ‪...‬‬
‫(‪.‬‬
‫( من ) للتبعيض في األصناف و ( ُك ّل ) للعموم في األنواع‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬وتَص ِر ِ‬
‫يف الرياح ‪...‬‬ ‫َ ْ‬
‫(‪.‬‬
‫الريح إلى المغرب بعد هبوبه من المشرق‪.‬‬ ‫تصريفها هبوبها من ( جهاتها ) المختلفة أو دوران ّ‬
‫ِ‬ ‫ٍ ِّ‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬ألََيات لقَ ْوٍم َي ْعقلُ َ‬
‫ون (‪.‬‬
‫لم يقل ‪ :‬يعلمون ‪ ،‬ألن هذا من باب االستدالل ( واالستدالل ) مقدمة شرطها العقل وأما العلم نتيجة‬
‫عن تلك المقدمات فلذلك لم يذكر هنا‪.‬‬
‫قيل البن عرفة ‪ :‬عادة المتكلّمين في كتبهم يذكرون‬
‫( باب ) حدوث العلم ويستدلّون ( فيه ) على وجود الصانع ويفردون‬

‫( ‪)2/493‬‬

‫صفحة رقم ‪494‬‬


‫بابا آخر لالستدالل على وحدانية الصانع ( فيجعلونهما بابين واآلية اقتضت االستدالل بحدوث العالم‬
‫على وحدانية الصانع ) ؟ فأجاب ابن عرفة بوجهين ‪ - :‬األول ‪ :‬قال ‪ :‬إن اآلية خطاب لقريش وهم‬
‫مقرون بأن المؤثر واحد والشركاء غير مؤثرين ‪ ،‬فال استدالل باآلية مع ضميمة اعتقاد أن المؤثر‬
‫واحد استْدل به على أنه موجود‪.‬‬
‫‪ -‬الجواب الثاني ‪ :‬أنها دليل على أن هذه األشياء لها فاعل ومؤثر ‪ ،‬وقد دل الدليل العقلي على منع‬
‫اجتماع مؤثرين على أثر واحد فصح باآلية وجود الصانع ووحدانيته‪.‬‬
‫َنداداً (‪.‬‬ ‫قوله تعالى ‪َ ( :‬و ِم َن الناس َمن َيتَّ ِخ ُذ ِمن ُد ِ‬
‫ون اهلل أ َ‬
‫ابن عطية ‪ :‬ذكر اهلل تعالى الوحدانية ‪ ،‬ثم اآلية الدالة على الصانع الذي ال يمكن أن يكون إال واحدا ‪،‬‬
‫ثم ذكر هنا الجاحدين للصانع تعجبا من ضاللهم بعد هذه اآلية‪.‬‬
‫للنبي لئال يطمع فيى إيمانهم وتتعلق‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬ويحتمل أن يكون ذكر هذه اآلية توطينا وتسكينا ّ‬
‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬
‫نفسه بذلك كما قال ) َفلَ َعل َك َباخعٌ َّن ْف َس َك على آثَ ِار ِه ْم ِإن ل ْم ُي ْؤ ِمُنوْا بهذا الحديث أ َ‬
‫َسفاً ( فأخبره بعدم‬
‫إيمان بعضهم حتى ال يناله حزن وال غم بوجه‪.‬‬
‫يعم في جمع الدون‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬و ( من ) في قوله ( من دون اهلل ) البتداء الغاية وانتهائها حتى ّ‬
‫وتفيد كثرة تلك الوجوه‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪ُ ( :‬ي ِحب َ‬
‫ُّونهُ ْم َك ُح ِّ‬
‫ب اهلل ‪...‬‬
‫(‪.‬‬

‫( ‪)2/494‬‬

‫صفحة رقم ‪495‬‬


‫إن قلت ‪ ( :‬هم ) إنما كانوا يعبدونهم والعبادة أخص من المحبة ألن الواحد منا يحب ولده وأباه وأمه‬
‫وال ( يعبدهم ) فهال قيل ‪ :‬يعبدونهم ؟ قلت ‪ :‬أجاب ابن عرفة بوجهين ‪ - :‬األول ‪ :‬أنه ذمهم على‬
‫الوصف األعم وهو المحبة ليفيد الذم على األخص وهو العبادة من باب أحرى‪.‬‬
‫‪ -‬الجواب الثاني ‪ :‬أنه عدل عن لفظ العبادة استعظاما له واستحقارا لألصنام أن تنسب إليهم العبادة‪.‬‬
‫قيل البن عرفة ‪ :‬إن هذه اآلية تدل على أن ارتباط الدليل بالمدلول ‪ /‬عادي ال عقلي ‪ ،‬ألن هؤالء‬
‫( نظروا ) فلم يؤمنوا ؟ فقال ابن عرفة ‪ ( :‬لعلهم لم ينظروا أو نظروا فلم يهتدوا ) للعثور على‬
‫الوجه الذي منه يدل الدليل‪.‬‬
‫قال ‪ :‬وهما مسألتان في أصول الدين‪.‬‬
‫مسألة تخالف العلم مع التّمكن من مراد النظر الصحيح‪.‬‬
‫ومسألة ( تخالف ) العلم مع حصول النظر الصحيح فاآلية إنما تدل على األول ال على الثاني‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪ِ ( :‬إ ْذ تََب َّرأَ الذين اتبعوا ‪...‬‬
‫(‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬ال ينبغي لالنسان أن يشغل نفسه بشهواته وجمع المال فإنه عليه ( وبال ) كما ورد ‪:‬‬
‫الكيس من دان نفسه )‬
‫( ّ‬

‫( ‪)2/495‬‬
‫صفحة رقم ‪496‬‬
‫وتبرؤهم منه قبل ( رؤيتهم ) العذاب أشد في الممانعة وعدم النصرة‪.‬‬
‫ال الذين اتبعوا لَ ْو أ َّ‬
‫َن لََنا َك َّرةً ‪...‬‬ ‫قوله تعالى ‪َ ( :‬وقَ َ‬
‫(‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ ( :‬تمنوا ) العودة في الدنيا ‪ ،‬وأن يكونوا متبوعين ورؤساؤهم تابعين لهم فتبرؤوا‬
‫منهم‪.‬‬
‫التبري فقط وهو مستلزم للكفر‪.‬‬
‫قيل البن عرفة ‪ :‬كيف يتمنون الرجوع إلى الكفر ؟ فقال ‪ :‬إنما تمنوا ّ‬
‫تمنوا الرجوع ( للدنيا ) وبقاء رؤسائهم كفارا فيتبرؤون هم من دينهم واتباعهم‬
‫فقال ‪ :‬أو يريد إنهم ّ‬
‫كما تبرؤوا هم من نصرتهم في اآلخرة‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬ويحتمل أن تكون الكاف للتعليل‪.‬‬
‫قوله تعالى ) َك َذِل َك ُي ِري ِه ُم اهلل أ ْ‬
‫َع َمالَهُ ْم (‪.‬‬
‫أي مثل ما نالهم من الحسرة يتبرى متبوعهم منهم ( لئال ) تنالهم الحسرة برؤيتهم أعمالهم القبيحة‬
‫َوَباال عليهم ‪ ،‬وكذلك أعمالهم التي كانوا يظنونها صالحة َوَباال عليهم ألنهم كفار ‪.‬‬

‫( ‪)2/496‬‬

‫صفحة رقم ‪497‬‬


‫قيل البن عرفة ‪ :‬اآلية على قراءة مجاهد مشكلة فإنه قرأ ( إذ ( تبرأ ) الذين اتََّب ُعوا ) بفتح التاء ( َ‬
‫من‬
‫َن لََنا َك َّرةً فََنتََب َّرأَ ِم ْنهُ ْم ( ( ألنهم قد‬ ‫الّذين اتُّبِ ُعوا ) ( بضم التاء ) فيشكل قوله ) َوقَ َ‬
‫ال الذين اتبعوا لَ ْو أ َّ‬
‫تبري المتبوعين منهم فلذلك قال‬
‫تبري التابعين من المتبوعين يعم ّ‬
‫تبرؤوا منهم ) ؟ فقال ابن عرفة ‪ّ :‬‬
‫هنا ‪َ ) :‬ك َما تََب َّر ُءوْا ِمَّنا (‪.‬‬
‫ين ِم َن النار (‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪َ ( :‬و َما ُهم بِ َخ ِار ِج َ‬
‫الربط‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬قال الزمخشري ‪ :‬الضمير لمطلق ّ‬
‫أن مرتكب الكبيرة يخرج‬
‫ألن مذهبه خلود مرتكب الكبيرة في النار فلو جعله للحصر لكان مفهومه ّ‬
‫من النار بالشفاعة‪.‬‬
‫السنة كذلك ألن اآلية في كفار قريش وهم جعلوا مع اهلل شريكا فال‬
‫وأجاب بعض الناس بأنه يلزم أهل ّ‬
‫يصح الحصر ألن غيرهم من الكفار مخلدون في النار‪.‬‬
‫وأجيب بأن اإلجماع من الفريقين يقتضي أن الضمير لمطلق الربط‪.‬‬
‫( فالمعتزلة ) يحملون اآلية على مذهبهم ويجعلون مرتكب الكبيرة مخلدا في النار ‪.‬‬
‫( ‪)2/497‬‬

‫صفحة رقم ‪498‬‬


‫وأهل السنة يجعلونها على مذهبهم لكن الضمير ليس هو للحصر ليدخل الكافر غير المشرك فقط‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬ياأيها الناس ُكلُوْا ِم َّما ِفي األرض َحالَالً َ‬
‫طيِّباً ‪...‬‬
‫(‪.‬‬
‫ألن به قوام األجسام ‪ ،‬أو لوجوب‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬هذا األمر إما للوجوب أي أوجب اهلل علينا األكل ّ‬
‫األكل من الحالل‪.‬‬
‫أن األشياء على الحظر ‪ ،‬أو على اإلباحة‪.‬‬
‫وإ ما للندب أو لإلباحة وفيه دليل على ّ‬
‫ألن لو قلنا إن األشياء كانت على الحظر فيلزم عليه اإلجمال في هذا األمر‬
‫ابن عرفة ‪ :‬وهو أظهر ‪ّ ،‬‬
‫ألن من جملة ما في األرض النبات والسباع وغير ذلك‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬والَ تَتَّبِعوْا ُخطُو ِ‬
‫ات الشيطان ‪...‬‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫(‪.‬‬
‫من مجاز التمثيل فإنه ليس المراد النهي عن اتباع خطواته حقيقة إذ ال نراه نحن بل الخطوات‬
‫( معنوية )‪.‬‬
‫ِ‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬إَّن َما َيأ ُ‬
‫ْم ُر ُك ْم بالسواء والفحشآء ‪...‬‬
‫(‪.‬‬
‫وقال ( ابن عرفة ) ‪ :‬ألن العدو ( قد ) يأمر بالخير وهذا العدو ال يأمر إال بالشر ‪.‬‬

‫( ‪)2/498‬‬

‫صفحة رقم ‪499‬‬


‫أن األمر ال يشترط فيه العلو بل االستعالء فقط ‪ ،‬ألن الشيطان أسفل‬
‫قيل البن عرفة ‪ :‬فيه دليل على ّ‬
‫من مأموره‪.‬‬
‫فقال ‪ّ :‬إنما هو أسفل منه شرعا وهو في الوجود أعلى الستعالئه عليه من حيث اليراه وال يشعر به‪.‬‬
‫ان ( قال ( كان ) أمرا مع‬
‫طٌ‬ ‫وأورد الزمخشري على هذا قوله تعالى ) ِإ َّن ِعَب ِادي لَْي َس لَ َك َعلَْي ِه ْم ُسْل َ‬
‫تلك اآلية‪.‬‬
‫شبه تزيينه وبعثه على ال ّشر باألمر وقبول العباد وساوسه بامتثال األمر‪.‬‬ ‫وأجاب عن ذلك َّ‬
‫بأنه ّ‬
‫بالسلطان وهو الحجة أو بلفظ العباد ‪ ،‬فالعباد ال يتسلط عليهم‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬أو يجاب بأن تلك مقيدة ّ‬
‫وال تقوم له عليهم حجة ولذلك أضافهم اهلل إليه إضافة تشريف ‪ ،‬وقوله ) بالسواء والفحشآء ( يحتمل‬
‫الصغائر )‬
‫السوء ما لم يرتب الشارع عليه الحد ( والفحشاء ما رتب عليه الحد ‪ ،‬والسوء ّ‬
‫أن يكون ّ‬
‫والفحشاء الكبائر‪.‬‬
‫ون (‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪َ ( :‬وأَن تَقُولُوْا َعلَى اهلل َما الَ تَ ْعلَ ُم َ‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬يدخل فيه المفتي إذا أفتى بما اليعلم والقاضي إذا حكم بما اليعلم فإنه قال على اهلل ما‬
‫( ال ) يعلم‪.‬‬
‫قيل البن عرفة ‪ :‬يؤخذ منه أبطال العمل بالقياس ؟‬

‫( ‪)2/499‬‬

‫صفحة رقم ‪500‬‬


‫فقال ‪ :‬أما من ال يقول به فظاهر وأما من يقول به فمقدمات القياس ظنية فتكون ( النتيجة ) ظنية ‪،‬‬
‫لكن يلزم عليه إبطال العمل بجميع األحكام الشرعية ‪ ،‬ألنها كلها ظنية فليس المراد العلم الحقيقي بل‬
‫ما عليه الظن‪.‬‬
‫َنز َل اهلل ‪...‬‬ ‫قوله تعالى ‪َ ( :‬وإِ َذا ِق َ‬
‫يل لَهُ ُم اتبعوا َمآ أ َ‬
‫( ( قال ) ابن عطية ‪ : /‬يعني كفار العرب ‪ ،‬قال ابن عباس هما ‪ :‬نزلت في اليهود وقال الطبري ‪:‬‬
‫الناس في قوله‬
‫الضمير في ( لهم ) عائد على ّ‬
‫) ياأيها الناس ُكلُوْا ( وقال ابن عرفة ‪ :‬وهذا بناء على أن ذلك الخطاب خاص بكفار قريش‪.‬‬
‫وقال الزمخشري ‪ :‬الضمير للناس ( وعدل ) عن الخطاب إلى الغيبة التفاتا‪.‬‬
‫ورده ابن عرفة بوجهين ‪ - :‬األول ‪ :‬أنه يحتاج إلى تخصيص عموم الناس بكفار قريش ‪.‬‬

‫( ‪)2/500‬‬

‫صفحة رقم ‪501‬‬


‫أن األول أمر وهذا خبر فبيعد فيه االلتفاف‪n.‬‬ ‫‪ -‬الوجه الثاني ‪ّ :‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ون (‪.‬‬
‫ون َش ْيئاً َوالَ َي ْهتَ ُد َ‬
‫اؤ ُه ْم الَ َي ْعقلُ َ‬
‫ان َآب ُ‬ ‫قوله تعالى ‪ ( :‬قَالُوْا َب ْل َنتَّبِعُ َمآ أَْلفَْيَنا َعلَْيه َآب َ‬
‫آءَنآ أ ََولَ ْو َك َ‬
‫( َب ْل ) هنا عاطفة ‪ ،‬واإلضراب ( بها هنا ) لالنتقال ال لإلبطال ألنه أي اإلبطال ‪ :‬ال يشترط فيه أن‬
‫يكون ما قبلها وما بعدها من لفظ متكلّم واحد حقيقة أو حكما ‪ ،‬وليس هو كذلك هنا فإن المعنى قالوا ‪:‬‬
‫بل نتبع‪.‬‬
‫وقوله ‪َ ) :‬مآ أَْلفَْيَنا ( قال ابن عرفة ‪ :‬كان بعضهم يقول ‪ :‬إنما لم يقولوا ما وجدنا عليه آباءنا ولو كان‬
‫المعنى واحدا ألن الوجدان يكون اتفاقيا على غفلة ( من ) غير ( قصد ) ومنه وجدان الضالة‪.‬‬
‫( وألفينا ) يقتضي وجدان ما كان ثابتا دائما مستقرا‪.‬‬
‫قال ابن عطية ‪ :‬اآلية دالة على ابطال التقليد ‪ ،‬وأجمعت ( األمة ) على إبطاله في العقائد‪.‬‬
‫وحكى األستاذ أبو اسحاق اإلسفراييني اإلجماع على جواز التقليد في العقائد ‪.‬‬

‫( ‪)2/501‬‬

‫صفحة رقم ‪502‬‬


‫وحكى المقترح في شرح اإلرشاد ثالثة طرق منهم من ينقل اإلجماع ( على الجواز ومنهم من ينقل‬
‫اإلجماع ) على المنع ‪ ،‬ومنهم من يحكي الخالف بين الشيخ القاضي ( أبي بكر الباقالني ) واألستاذ‬
‫أن الفرض من أصول الدين معرفة اهلل‬
‫أبي إسحاق اإلسفرائيني وتوقف ابن العربي ‪ ،‬وأجمعوا على ّ‬
‫تعالى على الجملة ‪ ،‬وأما معرفة دقائق ذلك العلم والتبحر فيه ومعرفة اهلل بالدالئل القوية الدقيقة فهو‬
‫فرض كفاية‪.‬‬
‫قاله ابن التلمساني في شرح المعالم الدينية‪.‬‬
‫وقال الشيخ أبو عمرو بن الحاجب واآلمدي ‪ :‬ال ( تقليد ) في العقليات كوجود الباري ‪ ،‬وقال ( الفخر‬
‫) بجوازه ‪ ،‬وقيل ‪ :‬النظر فيه حرام ‪ ،‬ولنا اإلجماع على وجوب ذلك والتقليد ال يحصل بجواز الكذب‬
‫وألنه كان يحصل بحدوث العالم وألنه لو حصل لكان نظرا وال دليل ( عليه ) قاله الشيخ ابن‬
‫الحاجب‪.‬‬
‫أن الفعل‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬وكان بعضهم يقول إن هذه اآلية دليل على صحة ما يقول األصوليون من ّ‬
‫في اإلثبات قد يكون عاما مع القرينة‬

‫( ‪)2/502‬‬

‫صفحة رقم ‪503‬‬


‫ألن همزة اإلنكار عليهم في حال عدم العقل تدل على أنهم قصدوا اتّباعهم مطلقا في حالة العقل و‬
‫ون‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ون َش ْيئا َوالَ َي ْهتَ ُد َ‬
‫عدمه ‪ ،‬أي َأيتّبعون إياهم ‪ ،‬ولو كانوا الَ َي ْعقلُ َ‬
‫وهذا نفي أخص ‪ ،‬فالتأكيد بالمصدر دخل على المنفي ‪ ( ،‬فأكده ) ألنه سابق على النفي‪.‬‬
‫وإ ن جعلت شيئا مفعوال لم يحتج إلى هذا‪.‬‬
‫أن نفي ( العقل ) عنهم يستلزم نفي االهتداء ؟ فالجواب ‪:‬‬ ‫ون ( مع ّ‬ ‫فإن قلت ‪ :‬ما أفاد قوله ) َوالَ َي ْهتَ ُد َ‬
‫أن المراد اليعقلون‪ ( n‬شيئا ) من ذات أنفسهم ولو ( ّنبههم ) غيرهم لما اهتدوا‪.‬‬
‫ق (‪.‬‬‫قوله تعالى ‪َ ( :‬و َمثَ ُل الذين َكفَ ُروْا َك َمثَ ِل الذي َي ْن ِع ُ‬
‫كصفة الذي ينعق‪.‬‬ ‫صفَةُ الَّذين كفروا ِ‬ ‫أي و ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫قال الشيخ أبو حيان ‪ :‬وقيل الكاف زائدة‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬يفوت معنى التشبيه ألن قولك زيد ( كزهير شعرا ) يقتضي انك جعلته مثله سواء‪.‬‬
‫وأجيب بأنه هنا شبهت ال ّذات بال ّذات وذات زيد ( معينة ) مشخصة ال يقبل التعدد ‪ ،‬وفي اآلية شبهت‬
‫بالصفة ‪ ،‬والصفّة‬
‫الصفة ّ‬

‫( ‪)2/503‬‬

‫صفحة رقم ‪504‬‬


‫يمكن فيها التعدد والمخالفة فجعلت كأنها هي ولو في ( وحدة ) النوع‪.‬‬
‫قيل البن عرفة ‪ :‬وكذلك ذات زيد جعلت كأنها ذات عمرو في الشعر فقوله ( شعرا ) أزال الشخص‬
‫والتعيين‪.‬‬
‫فإن قلت ‪ :‬لم خالف بين ( كفروا ) فعبر فيه بالماضي وبين ( من ينعق ) ( فجاء ) به مستقبال وهال‬
‫استويا أو كان األمر بالعكس ؟ فالجواب بوجهين ‪ ( - :‬األول ) ‪ :‬أن المراد من اتصف بمطلق‬
‫الكفر‪.‬‬
‫‪ -‬الثاني ‪ :‬أنه تقبيح للكفر أن يذكر بصيغة يقتضي الدوام‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬وعادتهم يفرقون بين الدعاء والنداء بأن الدعاء يكون بلفظ الطلب وسواء كان معه‬
‫النداء ألن البهائم تناديها فال تجيب فإذا دعوتها وزجرتها أتت‪.‬‬
‫نداء أو لم يكن ‪ ،‬والدعاء أخف من ّ‬
‫فالنداء للخواص والدعاء للعوام فمن لم يستجب للنداء قد يستجيب للدعاء ‪ ،‬ومن لم ينفع فيه ( الدعاء‬
‫) فهو في غاية الجهل والغباوة‪.‬‬
‫ونقل أبو حيان عن بعضهم ‪ ( :‬إالّ ) زائدة‪.‬‬
‫َّ‬
‫آء َونِ َد ً‬
‫آء ( ‪ ،‬ويلزم أن يكون‬ ‫قال ابن عرفة ‪ :‬وسببه توهم التناقض ألنه إذا قال ‪ ) :‬الَ َي ْس َمعُ ِإال ُد َع ً‬
‫الدعاء والنداء مسموعين له‬

‫( ‪)2/504‬‬
‫صفحة رقم ‪505‬‬
‫ص ٌّم ُب ْك ٌم ُع ْم ٌي ( يدل ( على ) أنه ال يسمع شيئا بوجه‪.‬‬
‫وقوله ) ُ‬
‫ون (‪.‬‬ ‫ِ‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬فَهُ ْم الَ َي ْعقلُ َ‬
‫أي العقل التكليفي النافع‪.‬‬
‫طيِّب ِ‬
‫ات َما َر َز ْقَنا ُك ْم ‪...‬‬ ‫ِ‬
‫آمُنوْا ُكلُوْا من َ َ‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬ياأيها الذين َ‬
‫(‪.‬‬
‫ذم المشركين لكونهم ليسوا أهال ألن يخاطبوا‬
‫تقرير مناسبتها لما قبلها أنه لما تضمن الكالم السابق ّ‬
‫بشيء من األخبار وال بشيء من األوامر والنواهي ‪ ،‬عقب ذلك بخطاب المؤمنين بهذا األمر‬
‫المستلزم لكونهم أهال للمخاطبة‪.‬‬
‫وقرر الفخر وجه مناسبتها بوجه ال ينهض واألمر بقوله ‪ُ ( /‬كلُوا َما ) لالمتنان أو لالباحة‪.‬‬
‫قال ابن عطية ‪ :‬الطيب هنا يجمع الحالل المستلذ ‪ ،‬واآلية تشير بتبعيض ( من ) إلى أن الحرام‬
‫رزق‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬وجه داللتها على ذلك من المفهوم ألن مفهومه أن البعض اآلخر وهو الذي ليس‬
‫بحالل وال مستلذ غير مأذون فيه‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬وعادتهم يوردون هنا سؤاال وهو أنه قال في اآلية االخرى ) ياأيها الرسل ُكلُوْا ِم َن‬
‫الطيبات ( ولم‬

‫( ‪)2/505‬‬

‫صفحة رقم ‪506‬‬


‫يقل من طيبات ما رزقناكم مع أن تلك خطاب للرسل ( فهو كان يكون ) أولى بهذا اللفظ ؟ وعادتهم‬
‫لما كان‬
‫أما إذا قلنا ‪ :‬إن الرزق ال يطلق إال على الحالل فنقول‪ّ : n‬‬
‫يجيبون بوجيهن ‪ - :‬األول ‪ّ :‬‬
‫األنبياء معصومين أمروا أمرا مطلقا من غير تعيين الحالل وغيرهم ليس بمعصوم ‪ ،‬فقيد اإلذن في‬
‫األكل له بالحالل فقط فيكون الطيب على هذا المراد به المستلذ‪.‬‬
‫‪ -‬الجواب الثاني ‪ :‬الرسل في مقام كمال التوحيد ونسبة كل األشياء إلى اهلل وأما غيرهم فليس كذلك‬
‫فقد يذهل حين اقتطاف الثمرة ويظن أنها من الشجرة ويغفل عن كون اهلل تعالى هو الذي أخرجها‬
‫طيِّب ِ‬
‫ات َما َر َز ْقَنا ُك ْم ( حتى يعتقدوا حين التناول أن ذلك الرزق كله‬ ‫ِ‬
‫منها وأنبتها فقيل لهم ) ُكلُوْا من َ َ‬
‫من عند اهلل وليس للمتسبب فيه صنع بوجه‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪ِ ( :‬إَّن َما َح َّر َم َعلَْي ُك ُم الميتة والدم ‪...‬‬
‫(‪.‬‬
‫الد ُم المسفوح نجس بإجماع ‪ ،‬وكذلك الذي يخرجه الجزار من منحر الشاة بعد سلخها‬
‫قال ابن عرفة ‪ّ :‬‬
‫وأما ما انتشر من العروق على اللحم ففيه قوالن‬
‫والدم الذي يبقى في العروق طاهر ( بإجماع ّ‬
‫ّ‬
‫والمشهور أنه طاهر ) كذا قال اللّخمي وغيره ‪.‬‬
‫والميتة هي ( كل مازهقت ) روحه بغير ذكاة من الحيوان المفتقر إلى الذكاة شرعا‪.‬‬
‫فإن قلت ‪ :‬هال قيل ‪ :‬إنما حرم عليكم لحم الميتة كما قال ‪ :‬لحم الخنزير ؟‬

‫( ‪)2/506‬‬

‫صفحة رقم ‪507‬‬


‫قلت ‪ :‬الجواب عن ذلك أن الخنزير غير مقدور عليه إال باالصطياد ‪ ،‬واالصطياد فيه في غالب أمره‬
‫إنما يكون للحمه ‪ ،‬فعلق بما هو المقصود فيه غالبا بخالف الميتة فإن النفوس تفر منها وتكره لحمها‬
‫فالمحرم جميعها‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬وما ذبح للجان ويتعمدون ترك التسمية عليه يقولون ‪ :‬إنه ال يؤكل‪.‬‬
‫والظاهر عندي جواز أكله ألنهم ال يقصدون به التقرب للجان وإ نما يقصدون به تكرمته ‪ ،‬وأنه ينال‬
‫يسمون في أنفسهم‪.‬‬
‫منه وال يتركون إال النطق بالتسمية وهم إنما ّ‬
‫اغ َوالَ َع ٍاد ‪...‬‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬فَ َم ِن اضطر َغ ْي َر َب ٍ‬
‫(‪.‬‬
‫الفاء للتسبب ومن األولى ( أن تكون ) موصولة لما تقدم فى قوله تعالى ) ما َننس ْخ ِمن آي ٍة أَو ُن ِ‬
‫نسهَا (‬ ‫َ َ ْ َ ْ‬
‫من أن القضية الشرطية ال تدل على وقوع الشيء ‪ ،‬وال على إمكان وقوعه‪.‬‬
‫اغ ( قال أبو حيان ‪ :‬حال من الضمير فيى ( اضطر ) وقيل ‪ :‬حال من الضمير في الفعل‬
‫و ) َغ ْي َر َب ٍ‬
‫المقدر معطوفا على ( اضطر ) أي في فأكل غير باغ وال عاد‪.‬‬
‫اغ ( وهو أولى ألن في تقديره قبله فصال‬
‫وتعقبه أبو حيان باحتمال تقدير ذلك ( الفعل ) بعد ) َغ ْي َر َب ٍ‬
‫بين ما ظاهره االتصال بما بعده ‪.‬‬

‫( ‪)2/507‬‬

‫صفحة رقم ‪508‬‬


‫قال ابن عرفة ‪ :‬وهو أيضا باطل من جهة المعنى ألنه ‪ ،‬على ما قال هو يكون البيان للحكم بعد األكل‬
‫وعلى ما قال أبو حيان يكون البيان للحكم قبل األكل والبيان قبل الفعل أولى‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬وكان بعضهم يقول ‪ :‬البغي غالب إطالقه في اللّسان على ابن آدم ( والعدوان غالب‬
‫إطالقه على غير ابن آدم )‪.‬‬
‫السبع وال يقال ‪ :‬بغى عليه ‪ ،‬ويقال ‪ :‬بغى فالن على فالن فالبغي خاص بالعاقل‬
‫فيقال ‪ :‬عدا عليه ّ‬
‫السلب وحرف‬
‫والتعدي مشترك ‪ ،‬وغالب إطالقه على غير العاقل ‪ ،‬وفرق المنطقيون بين حرف ّ‬
‫العدول فحرف السلب ( ال ) وحرف العدول ( غير ) وجعلوا قولك ‪ :‬الحائط ال يبصر سلبا وزيد الَ‬
‫يبصر عدوال ‪ ،‬فجاءت هذه االية على هذا المنوال القتران ( غير ) بالبغي الخاص بالعاقل واقتران (‬
‫ال ) بالتعدي الذي كثر اطالقه على غير العاقل حتى اشتهر به وغلب عليه‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬فآلا ِإثْ َم َعلَْي ِه ‪...‬‬
‫(‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬ال ينفى إالّ ما هو في مادة الثبوت ووجود اإلثم هنا غير متصور ألن األكل من‬
‫الميتة في هذه الحالة واجب إلقامة الرمق قال ‪ :‬فأجاب بان المراد ال عقوبة عليه أو ال ذم عليه‪.‬‬
‫واختلفوا في حد الحرام‪.‬‬
‫قال المتقدمون ‪ :‬إنه ما عوقب فاعله‪.‬‬
‫قال بعضهم ‪ :‬والصحيح أنه ما ذم فاعله ألن العقوبة قد ترفع بالتوبة ‪ ،‬فعلى األول معنى اآلية فال‬
‫عقوبة عليه ‪ ،‬وعلى الثاني معناها فال ذم عليه‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ ،‬وفي اآلية دليل على أن العام في األشخاص عام في األزمنة واألحوال ‪ ،‬وهو‬
‫الصحيح ‪ ،‬ولوال ذلك لما احتيج‬

‫( ‪)2/508‬‬

‫صفحة رقم ‪509‬‬


‫إلى استثناء المضطر منه ‪ ،‬واختلفوا في اآلية ‪ ،‬فقيل ‪ :‬إنها خاصة بسفر الطاعة ‪ ،‬وقيل عامة فيه‬
‫وفي سفر المعصية ألنه لو لم يبح للعاصي أكل الميتة للزم أن يضاف إلى عصيانه بالسفر عصيان‬
‫آخر بقتله نفسه ؟‬
‫وأجاب بعض الناس عن ذلك ‪ ،‬بأن عصيان السفر يرتفع بالتوبة وهي ( ممكنة ) ‪ /‬حينئذ قال ابن‬
‫أن العاصي بالسفر ( ال يباح له أكل الميتة )‪.‬‬ ‫عرفة ‪ :‬وفي اآلية حجة للمشهور وهو ّ‬
‫ِ‬
‫يم (‪.‬‬‫ور َّرح ٌ‬‫قوله تعالى ‪ِ ( :‬إ َّن اهلل َغفُ ٌ‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬وجه مناسبة المغفرة أنه قد يظن أنه مضطر فيأكل الميتة وال يكون مضطرا إليها‪.‬‬
‫ون بِ ِه ثَ َمناً َقِليالً ‪...‬‬ ‫ِ‬
‫َنز َل اهلل م َن الكتاب َوَي ْشتَُر َ‬ ‫قوله تعالى ‪ِ ( :‬إ َّن الذين َي ْكتُ ُم َ‬
‫ون َمآ أ َ‬
‫(‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬عطفه بالواو مع أن الشراء مسبوق عن الكتم فهال عطف بالفاء ؟ وأجاب عن ذلك‬
‫الذم على كل وصف منهما ال على واحد فقط‪.‬‬
‫بأن المراد ّ‬
‫ون ) فيجعل بمعنى يبيعون أو في لفظ ( ثمنا )‬
‫وجعل الثمن مشترى فإما أن يتجوز في لفظ ( َي ْشتَُر َ‬
‫بمعنى مثمون قليال ؟ وهذا إن حملنا اللّفظ على حقيقته اللّغوية فنقول يصح ‪ :‬إطالق الثمن على‬
‫المشترى وعلى عوضه وإ ن نظرنا االصطالح فيجيء ما قلناه‪.‬‬
‫قيل البن عرفة ‪ :‬ظاهره منع أخذ األجرة على تعليم القرآن ألنه من كتم ما أنزل اهلل ؟ فقال‬

‫( ‪)2/509‬‬

‫صفحة رقم ‪510‬‬


‫ابن عرفة ‪ :‬أباح له أخذ األجرة عليه كما أباح له ثمن الماء ألجل المشقة ‪ ( ،‬وكما ) أباح له أخذ ثمن‬
‫الطّعام في األعوام التي هي مسبغة مع أنه يجب عليه إعطاؤه والواجب إنما هو تعليمه وإ عطاؤه ما‬
‫عنده سواء كان بالثمن أو بغيره وليس الواجب عليه بذل ما عنده بال ثمن وهذه أمور جعلية ال عقلية‪.‬‬
‫ون ِفي ُبطُونِ ِه ْم ِإالَّ النار ‪...‬‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬أولئك َما َي ْأ ُكلُ َ‬
‫(‪.‬‬
‫طع َّ ِ‬ ‫َّ‬
‫يع ( وأجاب ابن عرفة ‪ :‬بأن الضريع‬ ‫ام ِإال من َ‬
‫ض ِر ٍ‬ ‫قال تعالى في سورة الغاشية ) ل ْي َس لَهُ ْم َ َ ٌ‬
‫طعامهم وال يأكلون منه وإ نما تكون المعارضة إن لو قيل ليس لهم أكل ( إال ) الضريع أو يكون‬
‫باختالف الحاالت في األوقات ( أو يكون ) الضريع نارا فأكلهم للضريع أكل للنار ‪ ،‬واألكل المضغ‬
‫فهو في الفم ال في البطن لكن روعي السبب‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬أولئك الذين اشتروا الضاللة بالهدى ‪...‬‬
‫(‪.‬‬

‫الضالَلَةَ بِالهُ َدى كما قيل ) أولئك َي َ‬


‫لعُنهُ ُم‬ ‫إن قلت ‪ :‬ما فائدة قوله ( الذين ) وهال قال ‪ :‬أوالئك ا ْشتَُروا َّ‬
‫اهلل َوَيْل َعُنهُ ُم الالعنون ( ) أولئك‬

‫( ‪)2/510‬‬

‫صفحة رقم ‪511‬‬


‫وح ِّم ْنهُ ( ( فهل هو للحصر ) ؟ ( فأجاب ابن عرفة ‪ :‬بأنه ليس‬ ‫ب ِفي ُقلُوبِ ِه ُم اإليمان َوأَي َ‬
‫َّد ُه ْم بِ ُر ٍ‬ ‫َكتَ َ‬
‫للحصر بل للتحقيق ‪ ،‬أي فهم جديرون وحقيقون بأن يقال فيهم هذه المقالة وهي أحق من غيرهم‪.‬‬
‫ابن عرفة ‪ :‬وفي كتاب الوصايا من المدونة ‪ :‬إذا أوصى فالن بعبده لرجل ثم أوصى به لرجل آخر‬
‫فهو بينهما نصفين‪.‬‬
‫فإن قال ‪ :‬عبدي الذي كنت أوصيت به لفالن فهو لفالن فلذلك رجوع عن الوصية األولى ويختص به‬
‫الثاني )‪.‬‬
‫لتصور حالتهم في الدنيا‪.‬‬
‫ّ‬ ‫إن ) اشتروا الضاللة بالهدى ( راجع‬
‫قال ابن عرفة ‪ّ :‬‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬والعذاب بالمغفرة ‪...‬‬
‫(‪.‬‬
‫لتصور حالهم في اآلخرة وهذا أولى مما قال ابن عطية ‪ :‬لما كان العذاب تابعا للضاللة‬
‫ّ‬ ‫راجع‬
‫والمغفرة تابعة للهدى ْأد ِخال في ( حوز ) الشراء ‪ ،‬ولما كانوا متمكنين من اإليمان والكفر جعلوا‬
‫كأنهم حصلوا اإليمان ثم باعوه بالكفر‪.‬‬
‫ّ‬
‫وتقدم البن عطية في أول البقرة االستدالل بهذا على أن من خير بين شيئين يعد منتقال ‪.‬‬

‫( ‪)2/511‬‬

‫صفحة رقم ‪512‬‬


‫قيل البن عرفة ‪ :‬إنما فيها االحتجاج لمن يقول من ملك أن يملك بعد مالكا ؟ فقال ‪ :‬تلك قاعدة‬
‫( مختلف ) فيها والصحيح بطالنها وهذه قاعدة صحيحة دلت عليها آخر مسألة من كتاب الخيار في‬
‫المدونة‪.‬‬
‫قيل البن عرفة ‪ :‬هم ليسوا مخيرين بين اإليمان والكفر ؟ فقال ‪ :‬لما كانوا متمكنين منهما فكأنهم‬
‫( مخيرون ) بينهما‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬وإ نما أفردت المغفرة ( إشارة ) إلى أن مغفرة واحدة ( تكفي ) في رفع العذاب وإ ن‬
‫ب ما قبلها ‪ ،‬قال اهلل تعالى ‪ُ ) :‬قل‬ ‫وأنها تَ ُج ّ‬
‫تعدد ‪ ،‬وهذا دليل على أن التوبة من الكفر قطعية القبول ّ‬
‫َصَب َر ُه ْم َعلَى النار (‪.‬‬ ‫ين كفروا ِإن َينتَهُوْا ُي ْغفَ ْر لَهُ ْم َّما قَ ْد َسلَ َ‬ ‫َِِّّ‬
‫ف ( قوله تعالى ‪ ( :‬فَ َمآ أ ْ‬ ‫للذ َ‬
‫( قال ابن عطية عن جماعة ‪ :‬أظهروا التعجب ( من ) صبرهم على النار لما عملوا عمل ) ( من‬
‫وطّن نفسه عليها )‬

‫( ‪)2/512‬‬
‫صفحة رقم ‪513‬‬
‫النار‪.‬‬
‫أي ما أجرأهم على ّ‬
‫وحكى عن المقتضب للمبرد أنه تقرير واستفهام من قولك مصبور أي محبوس أي ما أشد حبسهم في‬
‫النار أو ما أحبسهم في النار‪.‬‬
‫النار وهذا‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬وهذا أصوب ألن األول يقتضي أن لهم اختيارا وجالدة على الصبر على ّ‬
‫مدح لهم بالقوة والجالدة‪.‬‬
‫والثاني يقتضي أن حبسهم فيها اضطرار ليس لهم فيه اختيار بوجه‪.‬‬
‫التعجب من أسباب صبرهم على النار ؟ فقال ‪ :‬أسباب الصبر ( محبوبة )‬ ‫ّ‬ ‫قيل البن عرفة ‪ّ :‬إنما‬
‫الشهو ِ‬
‫الجَّنةُ بِالم َك ِار ِه و ُحفَّ ِت َّ ِ َّ‬ ‫ِ‬
‫ات )‪.‬‬ ‫الن ُار ب َ َ‬ ‫َ‬ ‫مستلذة ‪ ،‬ال يتعجب ( منها ) كما قال ( ُحفَّت َ‬
‫قوله تعالى ‪َ ( :‬ذِل َك بِأ َّ‬
‫َن اهلل َن َّز َل الكتاب بالحق ‪...‬‬
‫(‪.‬‬
‫قال ابن عطية ‪ :‬أي بالواجب أو باألخبار الصادقة‪.‬‬
‫وأن بعثة‬
‫وضعف ابن عرفة األول بأن فيه ( إيماء لمذهب ) المعتزلة القائلين بالتحسين والتقبيح عقال ّ‬
‫الرسل وإ نزال الكتب واجب‬
‫ّ‬

‫( ‪)2/513‬‬

‫صفحة رقم ‪514‬‬


‫الحق الصدق‪.‬‬
‫ّ‬ ‫عقال فليس المراد إال إنزال الكتب مصاحبا لكالمه الحق المصدق ‪ ،‬وإ نزاله بسبب‬
‫ق َب ِع ٍيد (‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬وإِ َّن الذين اختلفوا ِفي الكتاب لَِفي ِشقَا ٍ‬
‫َ‬
‫ألن المراد المختلفين في‬
‫هم كلهم في شق واحد بعيد عن شق الحق ‪ ،‬وال يؤخذ منه أن المصيب واحد ّ‬
‫الكتب ‪ /‬من أهل البدع وكلهم على الباطل‪.‬‬
‫وه ُك ْم ‪...‬‬ ‫ُّ‬ ‫َّ‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬ل ْي َس البر أَن تَُولوْا ُو ُج َ‬
‫(‪.‬‬
‫قال ابن عطية عن ابن عباس ( ومجاهد ) هم ‪ :‬الخطاب للمؤمنين أي ليس البر الصالة وحدها‪.‬‬
‫وعن قتادة والربيع ‪ ( :‬الخطاب ) لليهود والنصارى‪.‬‬
‫ألن‬ ‫ِ‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬هو الظاهر لقوله ‪ ) :‬قَب َل المشرق والمغرب ( والمراد بالمشرق حقيقته ّ‬
‫النصارى يستقبلون مشرق الشمس ‪ ،‬والمراد بالمغرب األفق ألن اليهود إنما يستقبلون بيت المقدس‬ ‫ّ‬
‫وهو في جهة المغرب‪.‬‬
‫وفي اآلية إيماء لصحة القول بأن المطلوب في القبلة الجهة ال العين‪.‬‬
‫الم ْش ِر ِ‬
‫ق ) ‪ :‬عند المشرق وهو مراد الموثقين بقولهم ‪ :‬قبل فالن ( لفالن ) كذا وكذا‬ ‫ِ‬
‫ومعنى ( قَب َل َ‬
‫دينارا ‪.‬‬

‫( ‪)2/514‬‬

‫صفحة رقم ‪515‬‬


‫قال ابن عرفة ‪ :‬ومن لوازم اإليمان بالمالئكة اإليمان بعصمتهم وأنهم ( أجسام )‪.‬‬
‫وصوب المقترح في شرح اإلرشاد القول بثبوت الجسمية لهم بالسمع ال بالعقل ‪ ،‬كأنه اختار ثبوت‬
‫الجوهر المفارق سمعا ال عقال‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬واليوم األخر ‪...‬‬
‫(‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬والنبيين ‪...‬‬
‫(‪.‬‬
‫أعم من الرسول ‪ ،‬وثبوت األعم ال يستلزم ثبوت األخص ‪ ،‬فما يلزم من‬
‫قال ابن عرفة ‪ ( :‬النبي ) ّ‬
‫اإليمان بالنبي اإليمان بالرسول فهال قيل المرسلين ؟ والجواب ‪ :‬أن ذلك باعتبار الوصف ‪ ،‬ألن‬
‫وصف النبوة أعم من وصف الرسالة‪.‬‬
‫وترتب الحكم هنا عليهم من حيث ذواتهم ال من حيث أوصافهم ‪ ،‬وعرف باأللف والالّم الدالة على‬
‫العموم فيدخل في ضمنه األخص بال شك فهو كقولك كل حيوان في الدار‪.‬‬
‫قيل البن عرفة ‪ :‬أو يجاب بأن اإليمان باليوم اآلخر والمالَئِ َكة و ِ‬
‫الكتَ ِ‬
‫اب يستلزم اإليمان بالرسول ؟‬ ‫َ‬
‫فقال ‪ :‬اليحتاج إلى هذا والجواب ما قلناه‪.‬‬
‫فإن قلت ‪ :‬لم جمع الكل وأفرد ابن السبيل ؟‬

‫( ‪)2/515‬‬

‫صفحة رقم ‪516‬‬


‫قلنا ‪ِ :‬لكثرتهم باعتبار الوجود الخارجي وقلة ابن السبيل ‪ ،‬وقرىء ) لَْي َس البَِّر ( بالنصب‪.‬‬
‫َن تَُولُّوا ) اسم ليس إما لكون ( أَن ) وما بعدها أعرف المعارف أو ألن التولية‬‫قال ابن عرفة ‪ :‬و ( أ ْ‬
‫معلومة والبر مجهول أي ليست التولية برا‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪َ ( :‬و ِفي الرقاب ‪...‬‬
‫(‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬والموفون بِ َع ْه ِد ِه ْم ‪...‬‬
‫(‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬إن قلت ‪ :‬هال قيل ‪ :‬بعهودهم فهذا أبلغ من الوفاء ‪ ،‬فالعهد الواحد ال يستلزم الوفاء‬
‫أن المكلف إذا عاهد هو وغيره ووفى‬
‫( بالعهود ) بخالف العكس ؟ فالجواب ‪ :‬أنه يستلزم من ناحية ّ‬
‫غيره بالعهود وبِ ِه فإنه قد حصل الوفاء بالعهد على اإلطالق بخالف ما إذا عاهد وحده ولم يوف ّ‬
‫فإنه‬
‫لم يقع في الوجود وفاء بالعهد ‪ ،‬فتعظم العقوبة والذم‪.‬‬
‫فإن قلت ‪ :‬ما فائدة قوله ) ِإ َذا َع َ‬
‫اه ُدوْا ( ولو أسقط لكان الكالم مستقالّ صحيحا ؟ فالجواب عن ذلك ‪:‬‬
‫ّأنه أفاد سرعة الوفاء فالعهد به ( يعقب ) العهد منهم فهُم بنفس أن يعاهدوا يبادرون إلى الوفاء بالعهد‬
‫‪.‬‬

‫( ‪)2/516‬‬

‫صفحة رقم ‪517‬‬


‫ين البأس ‪...‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬والصابرين في البأسآء والضراء َوح َ‬
‫(‪.‬‬
‫اء هو المرض ‪ ،‬وحين البأس أي حين القتال وهذا ترق ‪ ،‬ألن وقوع الفقر‬
‫َّر ُ‬
‫اء هو الفقر ‪ ،‬والض ّ‬
‫ْس ُ‬
‫البأ َ‬
‫َ‬
‫فالصبر على القتال أشد لغرابته ‪ ،‬وقلة وقوعه ‪ ،‬ودونه‬
‫ّ‬ ‫والحاجة ( في ) الناس أكثر من وقوع القتال‬
‫الصبر على المرض ودونه الصبر على الفقر ‪ ،‬ولهذا تجد الفقراء األصحاء أكثر عددا من المرضى‬
‫‪ ،‬والمرضى أكثر عددا من الفرسان المقاتلين‪.‬‬
‫فإن قلت ‪ :‬لم قال ( في البأساء ) فعداه بفي ولم يقل وفي البأس وكان يقال ‪ :‬والصابرين حين البأساء‬
‫وحين الضراء ؟ فالجواب عن ذلك ‪ :‬أنه لما كان وقوع القتال أقلها وجودا بالنسبة إلى غيره كان‬
‫الصبر عليه أغرب وأعجب فالمراد بالصابرين من حصل الوصف الكامل من الصبر ولو عدي بفي‬
‫لتناول من حصل منه مطلق الصبر ‪ ،‬وهو الصابر في أول جزء من أجزاء القتال ألنه حينئذ يصدق‬
‫البأ ِ‬
‫ْس ) ( ليفيد ) كمال الصبر من أول القتال إلى آخره وأما الفقر‬ ‫ِ‬
‫ين َ‬‫بأول جزء ‪ ،‬فقيل ‪َ ( :‬وح َ‬
‫والمرض فكالهما أكثري الوقوع فال غرابة فيهما فلم يحتج إلى التنبيه على كمال الصبر فيه‪.‬‬
‫قال سيدنا علي رضي اهلل تعالى عنه ‪ ( :‬الصبر رأس كل عبادة وإ ذا ذهب رأس الشيء ذهب ذلك‬
‫الشيء )‪.‬‬
‫وذكر بعضهم أن العهد يكون بالقول وبالفعل‪ n‬كمن يحدث حديثا وهو مترقب ( لمن ) يسمعه فهذا‬
‫كالعهد في عدم نقله عنه والتحدث به ‪.‬‬
‫( ‪)2/517‬‬

‫صفحة رقم ‪518‬‬


‫ص َدقُوْا ‪...‬‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬أولئك الذين َ‬
‫(‪.‬‬
‫كرر لفظ أ ُْوالَئِ َك تنبيها على أن كل وصف من هذا كاف في حصول المدح والثناء ال المجموع‪.‬‬
‫احتج بها بعض األصوليين على أن هذه األمور واجبة ؟ ابن عرفة ‪ :‬الصحيح عند‬
‫ّ‬ ‫قيل البن عرفة ‪:‬‬
‫ذم تاركه فالواجب إنما يستفاد من الذم على الترك ال من المدح على الفعل‬
‫األصوليين أن الواجب ما ّ‬
‫ألن ذلك قدر مشترك بين الواجب والمندوب‪.‬‬
‫قيل البن عرفة ‪ :‬هذه اآلية حجة على أن ( ابن قتيبة ) في قوله ‪ :‬إن الخبر المستقبل إذا طابق مخبره‬
‫يسمى موافقة و ( وفاقا ) واليسمى صدقا ‪ ،‬وقد سماه هنا صدقا فقال ‪ :‬والصدق هنا المراد به‬
‫فإنما ّ‬
‫المطابقة المطلقة‪.‬‬
‫ص َدقُوْا ( راجعا للماضي ويجعل )‬
‫( فقال ابن عرفة ‪ :‬بل هي حجة له ألنه يجعل ) أولئك الذين َ‬
‫الموفون بِ َع ْه ِد ِه ْم ( راجعا لألمر المستقبل فيكون الكالم تأسيسا وعلى قولكم ( أنتم ) يكون تأكيدا‬
‫والتأسيس أولى من التأكيد )‪.‬‬
‫قاله ابن التلمساني شارح المعالم الفقهية في المسألة األولى من الباب ( الثامن ) ‪.‬‬

‫( ‪)2/518‬‬

‫صفحة رقم ‪519‬‬


‫ب َعلَْي ُك ُم القصاص ‪...‬‬ ‫ِ‬
‫آمُنوْا ُكت َ‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬ياأيها الذين َ‬
‫(‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬الخطاب للمؤمنين‪.‬‬
‫إن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة ؟ فنقول ‪ :‬إنما عين المؤمنين هنا لما ذكره المفسرون‬
‫فإن قلنا ‪ّ :‬‬
‫في سبب نزول هذه اآلية‪.‬‬
‫قال ‪ :‬كتب بمعنى فرض أو كتب في اللوح المحفوظ‪.‬‬
‫وأورد الشيخ ابن العربي هنا سؤاال قال ‪ :‬كيف يفهم الكتب بمعنى الفرض مع أن القصاص غير‬
‫واجب ؟ قال ابن عرفة ‪ :‬والجواب ّأنا إذا اعتبرنا جهة المجني عليه ووليه فالقصاص غير واجب‬
‫ألنه مخير بين القصاص وأخذ الدية ‪ ،‬وإ ذا راعينا جهة الجاني فالقصاص غير ( واجب )‪.‬‬
‫الدين إذا أسقط دينه وامتنع من أخذه وأبى ذلك‬
‫فإن رب ّ‬
‫إن طلب الولي الدية ‪ ،‬وهذا بخالف الدين ّ‬
‫المديون فإنه يجبر رب المال على أخذ دينه ‪ ،‬ولذلك إذا حلف أنه ال يأخذه وحلف المديون أنه‬
‫اليحبسه فأنه يحنث رب المال وما ذاك إال لحفظ النفوس ‪ ،‬بخالف األموال فإن المديان يقول له ‪ :‬ال‬
‫أقبل ( مزيتك ) وال أحبها‪.‬‬
‫قال ابن عرفة في هذا ‪ :‬والقصاص ( فعال ) ألنه يفعل كما فعل له ( كاإلتباع ) سواء ألنه يفعل‬
‫كفعل المتبع ‪.‬‬

‫( ‪)2/519‬‬

‫صفحة رقم ‪520‬‬


‫قال ابن العربي ‪ :‬واحتج بها الحنفية على أن المسلم يقتل بالكافر لقولهم ( الحر بالحر ) فعمم ولم يقيد‬
‫ولو كان بينهما فرق لبينه‪.‬‬
‫َخ ِ‬
‫يه َش ْي ٌء ( وال أخوة بين المسلم والكافر إال أن يريد باألخوة‬ ‫وأجيب بقوله ‪ ) :‬فَمن عِفي لَه ِمن أ ِ‬
‫َْ ُ َ ُ ْ‬
‫الصحبة فحينئذ ( اليزال السؤال واردا )‪.‬‬
‫اب‬
‫َص َح ُ‬
‫اب النار َوأ ْ‬
‫َص َح ُ‬
‫لكن يجاب بما قال الفخر الرازي في المحصول في قوله تعالى ) الَ يستوي أ ْ‬
‫أن المسلم ال يقتل‬
‫الجنة ( قال ‪ :‬المراد نفي مطلق المساواة في الخلود وغيره فاحتج به الشافعي على ّ‬
‫بالكافر‪.‬‬
‫قال ‪ :‬واألعم ال إشعار له باألخص‪.‬‬
‫النفي فيعم ألن نفي األعم أخص من‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬ورد عليه بعضهم بأنه ال يستوي فعل في سياق ّ‬
‫نفي األخص ( فنقول ) تلك اآلية دلت على نفي مساواة بينهما فال يقتل المسلم بالكافر‪.‬‬
‫قال الفقيه أبو عبد اهلل محمد بن أبي بكر األنصاري القرطبي ‪ :‬قال الكوفيون والثوري ‪ :‬يقتل الحر‬
‫الذمي‪.‬‬
‫بالعبد والمسلم بالكافر ّ‬
‫واحتجوا بهذه اآلية‪.‬‬
‫ّ‬
‫قالوا ‪ :‬ال ّذمي مع ( الحر ) متساويان في حرمة الدم على التأبيد بدليل أن المسلم يقطع بسرقة مال‬
‫الذمي كمال المسلم فيتساويان في ال ّذم إذ المال إنما يحترم بحرمة مالكه ‪.‬‬

‫( ‪)2/520‬‬
‫صفحة رقم ‪521‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬يقال ‪ّ :‬إنما قطع في المال ألنه من فساد األرض بدليل قول مالك ‪ :‬إن الكافر إذا‬
‫ألن أخذ المال‬
‫سرق من مال المسلم فإنما تقطع يده ‪ ،‬وإ ذا زنا بالمسلمة طائعة فإنه ال يحد وما ذلك إال ّ‬
‫من الفساد في األرض بخالف الزنا‪.‬‬
‫مخير ‪ ،‬فله أن يسلمه في‬
‫إن سيده ّ‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬وقولهم في العبد إذا جنى جناية وقطع يد المسلم ّ‬
‫الجناية مع أنه يبقى سليما في بدنه‪.‬‬
‫سيده‬
‫والصواب كان في عقوبته أن تقطع يده ألن إسالمه في الجناية كبعيه ‪ ،‬فما يظلم ( بذلك ) إالّ ّ‬
‫وأما هو فلم يقع عليه عقاب وال حد يرتدع به بوجه‪.‬‬
‫وغلط الزمخشري هنا في نقله عن اإلمام مالك ه ألنه قال ‪ :‬مذهب مالك والشافعي أن الحر ال يقتل‬
‫بالعبد ‪ ،‬والذكر ال يقتل باألنثى‪.‬‬
‫أخذ بهذه اآلية‪.‬‬
‫( واختلفوا في هذه اآلية ) فقيل ‪ :‬إنها منسوخة بآية المائدة وقيل مجملة وتلك مبينة لها‪.‬‬
‫وقال ابن العربي ‪ :‬تلك مجملة وهذه مبنية ( لها ) ‪.‬‬

‫( ‪)2/521‬‬

‫صفحة رقم ‪522‬‬


‫ابن عطية ‪ :‬وقال علي والحسن ابن أبي الحسن إذا قتل رجل إمرأة فإن أراد أولياؤها قتلوه ( ووفوا )‬
‫أولياءه نصف الدية ‪ ،‬وإ ال استحيوه وأخذوا الدية ‪ ،‬وإ ذا قتلت امرأة رجال فإن أراد أولياؤها قتلوها‬
‫أدوا الدية كاملة‪.‬‬
‫وإ ال استحيوها ‪ ،‬وإ ن قتلوها أخذوا نصف الدية وإ ن استحيوها ّ‬
‫قال ابن عرفة ‪:‬‬
‫( نظيره ) في مذهبنا قولهم في كتاب الزكاة ‪ :‬إذا وجبت على اإلنسان بنت لبون فأعطى للساعي بنت‬
‫مخاض وما نقصت قيمتها عن بنت اللّبون أو وجب عليه بنت مخاض فأعطاه بنت اللّبون وأخذ منه‬
‫ما زادت قيمتها عن قيمة بنت المخاض فالمشهور عدم اإلجزاء وقيل يجزيه‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬ذلك تَ ْخِف ٌ‬
‫يف ِّمن َّرِّب ُك ْم َو َر ْح َمةٌ ‪...‬‬
‫(‪.‬‬
‫( ابن عطية ) اإلشارة إلى ما شرعت له هذه اآلية من أخذ الدية ‪ ،‬وكان عند بني إسرائيل في التوراة‬
‫وجوب القصاص وال دية عندهم‪.‬‬
‫إما القصاص أو العفو على غير‬
‫الدية وكان الواجب عليهم ّ‬
‫وقال الطبري ‪ :‬حرم على أهل اإلنجيل ّ‬
‫شيء‪.‬‬
‫والدية ‪.‬‬
‫وحرم عليهم القصاص ّ‬
‫وقال الزمخشري ‪ :‬فرض على أهل اإلنجيل العفو ّ‬

‫( ‪)2/522‬‬

‫صفحة رقم ‪523‬‬


‫ورده ابن عرفة بوجهين ‪ - :‬األول ‪ :‬ما نقله الطبري وهو حجة في التفسير ‪ - ،‬الثاني ‪ :‬أن‬
‫األصوليين عدوا حفظ النفوس في الكليات الخمس التي اجتمعت الملل كلها على ( حفظها ) ‪ ،‬وأيضا‬
‫النصارى أخف من شريعتنا فال يكون ذلك تخفيفا بل‬
‫فهو مصادم لمقتضى اآلية ألنه تكون شريعة ّ‬
‫تثقيال‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬فالتخفيف هو أنه كان في الجاهلية تحتم القصاص من غير قبول العفو ‪ ،‬فصار اآلن‬
‫عقوبته إذا عفى عنه الولي أن يجلد مائة ويسجن عاما‪.‬‬
‫يم (‪.‬‬ ‫قوله تعالى ‪َ ( :‬فلَه ع َذ ٌ ِ‬
‫اب أَل ٌ‬ ‫ُ َ‬
‫الدية فقط ويبقى‪ ( n‬إثمه ) إلى عذاب اآلخرة‪.‬‬
‫ابن عطية ‪ :‬وقال الحسن ‪ :‬عذابه ‪ /‬أن يؤدي ّ‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬هذا ( شبه ) ما قالوا في اليمين الغموس إنها أعظم من أن تكفر‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪َ ( :‬ولَ ُك ْم ِفي القصاص َحَياةٌ ‪...‬‬
‫(‪.‬‬
‫ابن عرفة ‪ :‬فيه دليل الهل السنة القائلين بأن ال حسن وال قبح ألن اآلية خرجت مخرج االمتنان‬
‫بتعداد هذه النعم ‪ ،‬فد ّل على أنها تفضل من اهلل تعالى ‪ ،‬ولو كان القصاص واجبا في ( العقل ) لما‬
‫حسن كونه نعمة ‪ ،‬ولما صح اإلتيان به ألن ذلك تحصيل الحاصل ‪.‬‬

‫( ‪)2/523‬‬

‫صفحة رقم ‪524‬‬


‫قال األصوليون والبيانيون ‪ :‬وهذه أبلغ من قول العرب القتل أنفى للقتل‪.‬‬
‫وقدره ابن مالك في المصباح بأربعة أوجه ‪ :‬أحدهما ‪ :‬أن حروفها عشرة ‪ ،‬وأسقط منها الياء من في‬
‫ص ِ‬
‫اص ) لسقوطها في النطق وفي التفعيل أعني األوزان ( الشعرية ) ‪،‬‬ ‫ِ‬
‫( وألف ) الوصل من ( الق َ‬
‫وحروف ( القتل أنفى للقتل ) أربعة عشر‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬تنافر الحروف في المثل وتناسبها في اآلية‪.‬‬
‫الثالث ‪ :‬لفظ الحياة محبوب ‪ ،‬فالتصريح باسمها أولى من الكناية عنه بنفي القتل‪.‬‬
‫الرابع ‪ :‬صحة معناه ألن تنكير الحياة يفيد إما حياة عظيمة أو نوعا من الحياة إشارة لحسنه وغرابته‬
‫‪ ،‬بخالف المثل فإن معناه غير صحيح وحقيقته غير مرادة‪.‬‬
‫الرابع إما بأن القتل في المثل ( مطلق ) ( يتناول ) القتل عدوانا مع‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬ويظهر لي بيان ّ‬
‫أنه غير مراد واآلية صريحة في نفي ذلك‪.‬‬
‫قال ( ابن عرفة ) ‪ :‬واآلية أصوب من وجه آخر وهو أنها تقتضي المساواة في جميع الوجوه بخالف‬
‫المثل فليس فيه تنصيص على المساواة ‪.‬‬

‫( ‪)2/524‬‬

‫صفحة رقم ‪525‬‬


‫أن اآلية تفضله من‬
‫وذكر ( الطبري ) في تأليفه في البيان والجعبري في شرح الشاطبية الصغرى ّ‬
‫وجوه ‪ :‬أحدها ‪ ( :‬إيهامه ) التناقض لمنافاة الشيء لنفسه أو العموم فيكون القتل ظلما أنفى للقتل‬
‫فإنها صريحة في معناها من غير احتمال ( شيء )‪.‬‬
‫قصاصا والمراد العكس بخالف اآلية ّ‬
‫الثاني ‪ :‬عدول اآلية عن التكرار وعن اإلضمار ‪ ،‬بخالف المثل ألن تقديره كراهية القتل أنفى للقتل‪.‬‬
‫الثالث ‪ :‬سالمة ألفاظها عما يوحش السامع ‪ ،‬وتخصيصها بالحياة المرغوب فيها وبعدها عن تكرار (‬
‫للضغط والشدة وتخصيصها بتكرار الصاد المستجلب ( باستعالئها ) وإ طباقها مع‬ ‫ِ‬
‫َقْل َقلة ) القَاف َ‬
‫الصفير للفصاحة‪.‬‬
‫الرابع ‪ :‬فيها الطباق المعنوي بين القصاص والحياة‪.‬‬
‫أن الموت سبب في الحياة‬
‫قلت ‪ :‬وزاد بعضهم عن القاضي ابن عبد السالم أن اآلية أعجب القتضائها ّ‬
‫وألن داللة القصاص على الحياة مطابقة وداللة القتل عليها باللزوم ‪.‬‬

‫( ‪)2/525‬‬

‫صفحة رقم ‪526‬‬


‫ِ‬
‫ب َعلَْي ُك ْم ِإ َذا َح َ‬
‫ض َر ‪...‬‬ ‫قوله تعالى ‪ُ ( :‬كت َ‬
‫(‪.‬‬
‫قال الزمخشري ‪ :‬الوصية للوارث كانت في ابتداء اإلسالم فنسخت بآية المواريث ولقوله ( أن اهلل‬
‫أعطى لكل ذي حق حقه ‪ ،‬أال ال وصية لوارث )‪.‬‬
‫قال ( ابن عرفة ) ‪ ( :‬وهذا حديث تلقته األيمة بالقبول حتى لحق بالمتواتر وإ ن كان أخبار آحاد‪.‬‬
‫وحكى ابن عطية عن ابن عباس والحسن أنه نسخ منها الوصية للوالدين والقريب والوارث ثم قال ‪:‬‬
‫وهي في آية الفرائض في النساء ) ( ناسخة لهذا الحديث المتواتر ‪ :‬قوله ‪ ( :‬إن اهلل أعطى كل ذي‬
‫حق حقه ) )‪.‬‬
‫وهذا خطأ كيف يجعله متواترا والمحدثون مطبقون على أنه لم يصح ‪ ،‬وكالم الزمخشري فيه‬
‫أصوب‪.‬‬
‫ب ) وجواب الشرطين ( ِإ َذا ) و ( إن ) مقدر يدل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الوصَّيةُ ) مفعول‪ n‬لم يسم فاعله ( ل ُكت َ‬
‫عطية ‪َ ( :‬‬
‫ابن ّ‬
‫عليه ما تقدم‪.‬‬
‫تقدم العامل في ( ِإ َذا ) عليها ‪.‬‬
‫وتعقبه أبو حيان بامتناع ّ‬

‫( ‪)2/526‬‬

‫صفحة رقم ‪527‬‬


‫ابن عطية ‪ :‬يجوز أن يكون العامل في ( إذا ) اإليصاء المقدر المدلول عليه بلفظ الوصية والوصية‪.‬‬
‫مبتدأ وهو جوابه للشرطين معا‪.‬‬
‫وتعقبه أبو حيان بأنه إذا قدر قبل ( إذا ) لزم تقدم العامل فيها عليها ‪ ،‬وإ ن قدر بعدها فهو موصول ‪،‬‬
‫ومعمول الصلة ال يتقدم عليه وبأن المقدر هنا ضمير المصدر معناه كتب عليكم هو أي اإليصاء‬
‫وضميره المنطوق به ال يعمل عند الكوفيين فأحرى ( المنوي ) بامتناع كون الشيء الواحد جوابا‬
‫لشرطين معا‪.‬‬
‫وأجاب ابن عرفة بأن المعنى يقتضي كون الجواب للشرطين معا لئال يلزم عليه فيمن حضره الموت‬
‫وله مال قليل أن يؤمر بالوصية ‪ ،‬فاألمر فيها إنما هو لمن اجتمع فيه الوصفان ‪ ،‬ورده بعض الطلبة‬
‫أن الجواب للشرط األول والشرط الثاني قيد في الجواب ‪ ،‬وجوابه محذوف يدل‬ ‫بأن مراد أبي حيان ّ‬
‫ِ‬
‫َح َد ُك ُم الموت ‪...‬‬ ‫ب َعلَْي ُك ْم ِإ َذا َح َ‬
‫ض َر أ َ‬ ‫عليه جواب األول والمعنى ‪ُ :‬كت َ‬
‫( الوصية ) ِإن تََر َك َخْيرا‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬يلزمك أن يكون الشرط الثاني وجوابه جوابا لألول ‪ ،‬والبحث إنما هو على أنهما‬
‫شرطان وجوابان أو شرطان وجواب واحد‪.‬‬
‫قال أبو حيان ‪ :‬ال يجوز أن يكون جواب ( إذا ) مقدرا من معنى كتب ( لمضيه ) واستقبال الشرط ‪.‬‬

‫( ‪)2/527‬‬
‫صفحة رقم ‪528‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬أراد ما ذكر ابن عصفور في باب القسم ( من ) أن جواب الشرط ال يحذف إال إذا‬
‫كان فعل الشرط ماضيا ‪ ،‬وبهذا ( ردوا ) على حازم في قوله تعالى ) ِإن تُ َع ِّذ ْبهُ ْم فَِإَّنهُ ْم ِعَب ُ‬
‫اد َك َوإِ ن‬
‫ألن‬ ‫الغفُور ِ‬ ‫تَ ْغِف ْر لَهُ ْم فَِإَّن َك أ َ‬
‫يم ‪ّ ،‬‬ ‫الرح ُ‬ ‫أنت َ ُ ّ‬ ‫َنت العزيز الحكيم ( قال ‪ :‬جواب الشرط مقدر ‪ ،‬أي فإنك َ‬
‫العزة ) ال تناسب المحل ‪ ،‬وكان المختار أن يوقف عند قوله ( َوإِ ن تَ ْغِف ْر لَهُم ) ( فَِإَّنهُ ْم ِعَب ُ‬
‫اد َك )‬ ‫( ّ‬
‫فردوا عليه بأن جواب الشرط ال يحذف إال إذا كان فعل الشرط ماضيا‪.‬‬
‫لكنها تختلف فقد يكون ‪ /‬مندوبا إليها إذا كان القريب‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬واتفقوا‪ n‬على أن الوصية واجبة ّ‬
‫فقيرا وإ ن كان غنيا فهي للبعيد أولى‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪َ ( :‬حقّاً َعلَى المتقين (‪.‬‬
‫إن قلنا ‪ :‬إن المتقي مرادف للمؤمن ‪ ،‬فاآلية واضحة وإ ن قلنا إنه أخص من المؤمن كما هو مذهب‬
‫المحققين من المتأخرين فتفهم اآلية على أن الخطاب باعتبار ظاهر اللفظ للتكليف وفي المعنى‬
‫االمتثال‬

‫( ‪)2/528‬‬

‫صفحة رقم ‪529‬‬


‫ألن ظاهرها تخصيص وجوب ذلك ( بالمتقي ) فال بد أن ُي َر ِادفَهُ وجوب قبول وامتثال ‪.‬‬
‫ّ‬
‫فإن قلت ‪ :‬ما فائدة اإلتيان بهذا المصدر ( المؤكد ) ؟ وأجاب ابن عرفة ‪ :‬بأن قولك ( أكرم زيدا )‬
‫أبلغ من قولك أكرم زيد إذا جاء عمرو ولضعف الثاني بتعليقه على ال ّشرط ‪ ،‬واألول‪ n‬مطلق فهو أقوى‬
‫ولما أتي األمر بالوصية مقيدا بالشرط وهو إن ( تََرك ) خيرا ضعف فأكد بقوله ) َحقّاً َعلَى المتقين‬
‫(‪.‬‬
‫ور ّد بأن ( على المتقين )‬
‫ق ذلك حقا ‪ُ ،‬‬
‫قال أبو حيان ‪ ( :‬حقا ) مصدر مؤكد لمضمون الجملة أي ُح ّ‬
‫إما متعلق به والمصدر المؤكد ال يعمل ‪ ،‬أو صفة له فيخرج عن التأكيد لتخصصه‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬تقرر أن معاني الحروف واألسماء الجوامد تعمل في الظروف والمجرورات‪.‬‬
‫قلت كقول‪ n‬الشاعر ‪ :‬كأنه خارج من حيث صفحته ‪...‬‬
‫سعود شرف نشده عند معتاد أنشد ابن الصائغ في باب االشتغال ورد به على ابن عصفور و قوله ‪:‬‬
‫جد النقر )‪.‬‬
‫أنا ابن ماوية ( إذا ّ‬
‫‪..‬‬

‫( ‪)2/529‬‬
‫صفحة رقم ‪530‬‬
‫قال أبو حيان ‪ :‬وقيل ‪ :‬نعت لمصدر محذوف أي كتابا حقا أو ( إيماء ) وقيل منصوب ب ( المتقين )‬
‫وهو بعيد لتقدمه على عامله الموصول وعدم تبادره إلى الذهن‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬العلوم النظرية كلها كذلك ألنها توصل إلى فهم المعاني الدقيقة التي ال تفهم بأول‬
‫وهلة‪.‬‬
‫إنما ( يراد ) أن الظاهر خالفه ؟ فقال ‪ :‬إن أراد أن ظاهر اللّفظ ينفيه فليس كذلك‬‫قيل البن عرفة ‪ّ :‬‬
‫وإ ن أراد أن ظاهر اللّفظ ال يقتضيه وال يدل عليه فكذلك المعاني الدقيقة كلها‪.‬‬
‫أبو حيان ‪ ( :‬واألولى ) أنه مصدر من معنى ( كتب ) ألن معناه وجب وحق مثل قعدت جلوسا‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬الّذي فر منه وقع فيه ألنه ألزم غيره امتناع عمل المصدر المؤكد لغيره ‪ ،‬وكذلك‬
‫يلزمه هو‪.‬‬
‫طلَّقَ ِ‬
‫ات َمتَاعٌ بالمعروف‬ ‫قيل البن عرفة ‪ :‬هل يؤخذ من اآلية عدم وجوب الوصية كما قالوا في ) َوِلْل ُم َ‬
‫َحقّاً َعلَى المتقين ( ويقال له ‪ :‬إن كنت محسنا أو متقيا ( فمتّع ) ؟‬

‫( ‪)2/530‬‬

‫صفحة رقم ‪531‬‬


‫فقال ‪ :‬إنه يتم لك هذا لو وقع االتفاق على عدم وجوب المتعة‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬فَ َمن َب َّدلَهُ َب ْع َد َما َس ِم َعهُ ‪...‬‬
‫(‪.‬‬
‫ابن عرفة ‪ :‬إن أريد به الموصى فالمعنى ‪ :‬فمن لم يمتثله ‪ ،‬ألن تبديل حكم اهلل تعالى غير معقول‪.‬‬
‫ق على ظاهره‪.‬‬ ‫وأن أريد به الوارث األجنبي فالتبديل حقيقة َبا ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ونهُ ِإ َّن اهلل َسميعٌ َعل ٌ‬
‫يم (‪.‬‬ ‫قوله تعالى ‪ ( :‬فَِإَّن َمآ ِإثْ ُمهُ َعلَى الذين ُيَب ِّدلُ َ‬
‫أن الموصي للفقراء بوصية ثم منعهم منها‬ ‫قال ابن عرفة ‪ :‬كان بعضهم يفهم فيقول فائدة الحصر ّ‬
‫سلطان ظالم فاألجر ثابت للموصي واإلثم خاص بالظالم‪.‬‬
‫ربه فقد‬
‫أن الموصي إذا اعترف بدين عليه وحبسه الوارث عن ّ‬
‫قال ‪ ( :‬وكذلك ) أخذ منه بعضهم ‪ّ ،‬‬
‫برىء الموصي من عهدته وإ ثمه على المانع‪.‬‬
‫ففي اآلية ثالثة أسئلة ‪ - :‬األول ‪ :‬لم خص الحصر َّ‬
‫بإنما ولم يقل ‪ :‬فإثمه إال على الذين يبدلونه مع‬
‫إن ( إنما ) تقتضي ثبوت ما بعدها بخالف ( إالّ ) فتقتضي وجود‬
‫أنه أصرح ؟ والجواب أنهم قالوا ‪ّ :‬‬
‫اإلثم وثبوته‪.‬‬
‫‪ -‬السؤال الثاني ‪ :‬قال ( يبدلونه ) بلفظ المضارع ( ومن بدله ) بلفظ الماضي ؟‬

‫( ‪)2/531‬‬

‫صفحة رقم ‪532‬‬


‫طئاً فَتَ ْح ِر ُير َرقََب ٍة ُّم ْؤ ِمَن ٍة‬
‫والجواب عنه ما أجاب الزمخشري في قوله اهلل تعالى ) َو َمن قَتَ َل ُم ْؤ ِمناً َخ َ‬
‫( ) َو َمن َي ْقتُ ْل ُم ْؤ ِمناً ُّمتَ َع ِّمداً فَ َج َز ُ‬
‫آؤهُ َجهََّن ُم ( وهو أنه لما كان القتل عمدا ممنوعا شرعا عبر عنه بلفظ‬
‫الماضي والمستقبل إشعارا بكراهيته ( والتنفير ) عنه حتى كأنه غير واقع ‪ ،‬وكذلك يقال هنا‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬ألنه ذكر لفظ اإلثم في الثاني مقرونا بأداة الحصر أتي بالفعل مستقبال زيادة في ( التنفير ) عن‬
‫موجب اإلثم‪.‬‬
‫‪ -‬السؤال الثالث ‪ :‬هال استغنى على إعادة الظاهر فيقال ‪ :‬فإنما إثمه عليه ؟ والجواب عن ذلك أنه‬
‫تنبيه على العلة التي ألجلها كان مأثوما وهي التبديل‪.‬‬
‫ب َعلَْي ُك ُم ‪...‬‬ ‫ِ‬
‫آمُنوْا ُكت َ‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬ياأيها الذين َ‬
‫(‪.‬‬
‫النداءين من الفصل فكرره تطرئة‪.‬‬
‫ْ‬ ‫كرر النداء لبعد النداء المتقدم وكثرة ما بين‬
‫ابن عطية ‪ :‬الصيام مجمل ألنه لم يعين مقداره وال زمنه‪.‬‬
‫ب َعلَى الذين ِمن قَْبِل ُك ْم ( ‪.‬‬ ‫ِ‬
‫قال ابن العربي ‪ :‬بل هو معين في اآلية لقوله ) َك َما ُكت َ‬

‫( ‪)2/532‬‬

‫صفحة رقم ‪533‬‬


‫( قال ابن عرفة ‪ :‬إنما هو تشبيه حكم بحكم والحكم ال يتبدل وال يتفاوت فهو تشبيه وجوب بوجوب‬
‫)‪.‬‬
‫ابن عرفة ‪ :‬وهذا التشبيه وإ ن رجع إلى األحكام فهو تسلية لنا ألن اإلعالم بفرضيته على من مضى‬
‫يوجب خفته عل النفوس وقبولها إياه ‪ ،‬وإ ن رجع إلى الثواب فهو تنظير نعمة بنعمة ‪ ،‬أي ‪ :‬أنعم‬
‫عليكم بالصوم المحصل للثواب األخروي ‪ ،‬كما أنعم على من قبلكم من أن ثوابكم أعظم‪.‬‬
‫وحذف الفاعل للعلّم به وزيادة ( ِم ْن ) تنبيه على عموم ذلك في كل أمة من األمم السالفة إلى حين ‪:‬‬
‫تزول هذه اآلية‪.‬‬
‫ود ٍ‬
‫ات ‪...‬‬ ‫قوله تعالى ‪ ( :‬أَيَّاماً َّم ْع ُد َ‬
‫(‪.‬‬
‫زيادة ‪ ( /‬في التسلية ) والتخفيف ‪ ،‬أي هو أيام قالئل تعد عدا‪.‬‬
‫ود ٍة ( قاله الزمخشري‪.‬‬ ‫قلت ‪ :‬كما في قوله تعالى ) َدر ِ‬
‫اه َم َم ْع ُد َ‬ ‫َ‬
‫ان ِمن ُكم َّم ِريضاً ‪...‬‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬فَ َمن َك َ‬
‫(‪.‬‬
‫صح له ( الفطر ) ‪ ،‬وقاله ابن سيرين‬
‫ابن عطية ‪ :‬قال قوم ‪ :‬متى صدق على المكلف أنه مريض ّ‬
‫فيمن وجعته أصبعه ( فأفطر )‬

‫( ‪)2/533‬‬

‫صفحة رقم ‪534‬‬


‫وحكاه عنه ابن رشد في مقدماته والجمهور ‪ :‬المراد المرض الذي يشق معه الصوم‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬سبب الخالف ما يحكيه المازري وابن بشير من االختالف في األخذ بأوائل األسماء‬
‫ان ِمن ُكم َّم ِريضاً ( ولم يقل ‪ :‬فمن‬
‫أو بأواخرها فظاهر اآلية عندي حجة للجمهور لقول اهلل ) فَ َمن َك َ‬
‫مرض فظاهره ‪ ،‬أنه ال يفطر بمطلق المرض بل مرض محقق ثابت يصدق أن يقال في صاحبه كان‬
‫مريضا ألن ( كان ) تقتضي الدوام‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬أ َْو على َسفَ ٍر ‪...‬‬
‫(‪.‬‬
‫ولم يقل ‪ :‬مسافرا‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬يؤخذ منه في الحاضر إذا عزم على السفر ( أن له أن يبيت على الفطر ويفطر ‪ ،‬وال‬
‫يلزمه كفارة ألنهم قالوا في الحاضر إذا عزم على السفر وبيت ) على الصوم ثم أفطر فالمشهور‬
‫عندنا أنه ال كفارة عليه‪.‬‬
‫وقال المغيرة المخزومي ‪ :‬تلزمه الكفارة فإذا كان ال يكفر إذا أفطر بعد أن يبيت على الصوم فأحرى‬
‫أن ال يكفر إذا أفطر بعد أن يبيت على الفطر‪.‬‬
‫تقول ‪ :‬هذا الحائظ على سقوط وهو لم يسقط أي على حالة السفر‪.‬‬
‫فقوله ‪ ) :‬أ َْو على َسفَ ٍر ( مما يصحح ما قلناه بخالف المرض ‪ ،‬فإنه اليباح الفطر إال لمن وقع به‬
‫المرض وهما في المدونة مسألتان متعاكستان ‪.‬‬

‫( ‪)2/534‬‬
‫صفحة رقم ‪535‬‬
‫قال ‪ :‬في الحاضر يفطر مريدا للسفر يقضي فقط‪.‬‬
‫فقال المخزومي وابن كنانة ‪ :‬يقضي وال يكفر‪.‬‬
‫ُخ َر ‪...‬‬ ‫قوله تعالى ‪ ( :‬فَ ِع َّدةٌ ِّم ْن أَي ٍ‬
‫َّام أ َ‬
‫(‪.‬‬
‫يم القواعد‬ ‫ِ ِ‬
‫ولم يقل فعدة أيام أخر ‪ ،‬إشارة إلى ما أجاب به الزمخشري في قوله تعالى ) َوإِ ْذ َي ْرفَعُ إ ْب َراه ُ‬
‫َّام ) إشارة إلى أنه يجزي فيها الصوم في النهار القصير قضاء عنه في النهّار‬ ‫ِمن البيت ( وذكر ( أَي ٍ‬
‫َ‬
‫الطويل وإ نما المطلوب عدة أيام ( كعدد ) األيام األول ال كقدرها وصفتها‪n.‬‬
‫ات ( على الظرف والعامل فيه ( ُكتِب ) أو يكون مفعوال‬ ‫ود ٍ‬
‫أجازوا َنصب ) أَيَّاماً َّم ْع ُد َ‬
‫قال أبو حيان ‪ُ :‬‬
‫على السعة والعامل فيه كتب ورد بأن الظرف محل الفعل وليست الكتابة واقعة في األيام وإ نما الواقع‬
‫فيها متعلقها وكذا النصب على المفعول‪ n‬مبني على وقوعه ظرفا انتهى‪.‬‬
‫قال المختصر ‪ :‬في هذا األخير نظر‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬يريد أنه ال يلزم من منع جعله ظرفا ل ( كتب ) ان ال يكون مفعوال كما قيل ‪ :‬إن يوم الجمعة‬
‫مبارك ( فجعلوه ) اسم يوم مع امتناع كونه ظرفا فليس ( هو ) مبنيا عليه ‪.‬‬

‫( ‪)2/535‬‬

‫صفحة رقم ‪536‬‬


‫قوله تعالى ‪َ ( :‬و َعلَى الذين ُي ِطيقُ َ‬
‫ونهُ ‪...‬‬
‫(‪.‬‬
‫حكى أبو حيان في ( ُي ِطقُ َ‬
‫ونه ) خمسة أقوال‪.‬‬
‫األول ‪ :‬أنه على تقدير ‪ :‬اليطيقونه ‪ ،‬مثل قولهم ‪ :‬فخالف خال و اهلل تهبط تلعة ‪...‬‬
‫بأنه ال دليل عليه‪.‬‬
‫من األرض إال أنت للذل عارف وضعفه ّ‬
‫َم ْرتُك ( أن‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬والجواب بأن السياق هنا يدل عليه كما قالوا في ) َما َمَن َع َك أَال تَ ْس ُج َد إ ْذ أ َ‬
‫َّ‬
‫( ال ) زائدة وفي ) لَِّئال َي ْعلَ َم أ ْ‬
‫َه ُل الكتاب ( أنها زائدة أيضا‪.‬‬
‫وأيضا ‪ ،‬فيجاب بقوله قبله ‪ ،‬ويحتمل قراءة التشديد أنها بمعنى يتكلفونه أو يكلفونه ويكون من‬
‫تصويب قول بقول‪.‬‬
‫ونقل ابن عطية في تأويل اآلية خالفا‪.‬‬
‫ثم قال ‪ :‬واآلية عند مالك إنما هي فيمن يدركه رمضان وعليه صوم من رمضان المتقدم فقد كان‬
‫يطيق في تلك المدة الصوم فتركه فعليه الفدية‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬ويبقى القضاء عنده مسكوتا ( عنه )‪.‬‬
‫فإن قلنا ‪ :‬إن القضاء باألمر األول فال يحتاج إلى تقدير‪.‬‬
‫وإ ن قلنا ‪ :‬بأمر جديد فال بد من تقديره في اآلية ‪ ،‬ويكون حذف لفهم المعنى ‪.‬‬

‫( ‪)2/536‬‬

‫صفحة رقم ‪537‬‬


‫أن المرضع مأمورة بالصوم بدليل إيجاب الفدية عليها ) ‪.‬‬ ‫( ) َو َعلَى الذين ُي ِطيقُ َ‬
‫ونهُ ( استدلوا به على ّ‬
‫ام ‪...‬‬ ‫قوله تعالى ‪ِ ( :‬ف ْدَيةٌ َ‬
‫ط َع ُ‬
‫(‪.‬‬
‫قال أبو حيان ‪ :‬إضافته للتخصيص وهي إضافة الشيء إلى ( جنسه ) ألن الفدية اسم للقدر الواجب‬
‫طعام يعم الفدية وغيرها‪.‬‬
‫وال ّ‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬إضافة الشيء إلى جنسه هي إضافة أمرين بينهما عموم وخصوص من وجه دون‬
‫وجه مثل خاتم حديد ‪ ،‬وثوب خز‪.‬‬
‫ع َخْيراً ‪...‬‬
‫ط َّو َ‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬فَ َمن تَ َ‬
‫(‪.‬‬
‫إن كانت ( َم ْن ) شرطية فظاهر وإ ن كانت موصولة فمشكل ألنه كقولك ‪ :‬إن الذاهبة جارية مالكها‪.‬‬
‫وأجيب ‪ :‬بأن الخير األول هو المال والثاني فعل ما هو أفضل من غيره ‪ ،‬أو الخير األول ( فضل )‬
‫والثاني أفضل فعل‪.‬‬
‫وموْا َخ ْيٌر لَّ ُك ْم ‪...‬‬
‫ص ُ‬‫قوله تعالى ‪َ ( :‬وأَن تَ ُ‬
‫(‪.‬‬
‫استدلو به على أن الصوم للمسافر خير وأفضل ‪.‬‬

‫( ‪)2/537‬‬

‫صفحة رقم ‪538‬‬


‫قلت ‪ :‬وقال لي سيدي الشيخ الصالح الفقيه أبو العباس أحمد ابن إدريس البجائي ‪ :‬ال دليل فيها ألن‬
‫ب َعلَْي ُك ُم الصيام ‪...‬‬ ‫ِ‬
‫آمُنوْا ُكت َ‬
‫قوله ) ياأيها الذين َ‬
‫( إلى قوله ) وأَن تَصوموْا َخْير لَّ ُكم ( مسنوخ بقوله اهلل تعالى ) َشهر رمضان الذي أ ُْن ِز َل ِف ِ‬
‫يه القرآن‬ ‫ُْ َ َ َ َ‬ ‫ٌ ْ‬ ‫ُ ُ‬ ‫َ‬
‫ودات ( وهو جمع قلة وال يتناول الشهر حسبما قال‬ ‫ٍ‬ ‫النسخ قوله تعالى ) أَيَّاماً َّم ْع ُد َ‬ ‫( ( ويدلّك ) على ّ‬
‫ود ٍة‪.‬‬ ‫الزمخشري معناه ‪ :‬أياما ( مؤقتات ) ( بعدد ) ملعوم أو قالئل كقوله ) َدر ِ‬
‫اه َم َم ْع ُد َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫يه القرآن ‪...‬‬‫( قوله تعالى ‪َ ( :‬شهر رمضان الذي أ ُْن ِز َل ِف ِ‬
‫ُْ َ َ َ َ‬
‫(‪.‬‬
‫ابن عطية انظره وأبا حيان‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬نقل اآلمدي في شرح ‪ /‬الجزولية عن السهيلي أنك إذا قلت ‪ :‬صمت رمضان كان‬
‫العمل في كله ‪ ،‬قال ‪ ( :‬من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه )‪.‬‬
‫وإ ذا قلت ‪ :‬صمت في شهر رمضان كان العمل في بعضه بدليل هذه اآلية‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬يرد بأن الفعل في اآلية لم يتعد إليه بنفسه بل بواسطة ( في ) لقوله ) الذي أ ُْن ِز َل ِف ِ‬
‫يه‬
‫القرآن ( وما كان يتم له‬

‫( ‪)2/538‬‬

‫صفحة رقم ‪539‬‬


‫االستدالل إال لو كان تعدى إليه الفعل بنفسه‪.‬‬
‫ونقل بعضهم عن شرح المقرب البن عصفور أنك إذا قلت صمت رمضان أو شهرا ‪ ،‬فالعمل في كله‬
‫وإ ن قلت ‪ :‬صمت شهر رمضان فهو محتمل لتخصيصه باإلضافة ولم يرضه ابن عطية‪.‬‬
‫رآن في ( فرضه ) وتعظيمه والحض عليه ‪ ،‬وقيل ‪ :‬الذي أنزل القرآن فيه‪.‬‬ ‫قال الضحاك ‪ :‬أ ِ‬
‫ُنز َل القُ ُ‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬وال يبعد أن يراد األمران فيكون أنزل القرآن فيه تعظيما له وتشريفا ولم يمدح‬
‫القرآن بما مدح به الشهر ألن فضله معلوم‪.‬‬
‫وقيل ‪ :‬أنزل فيه القرآن جملة إلى سماء الدنيا‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬فالقرآن على هذا االسم للكل وعلى القول الثاني بأنه أنزل فيه بعضه يكون القرآن‬
‫اسم جنس يصدق على القليل والكثير‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬وبيَِّن ٍ‬
‫ات ِّم َن الهدى ‪...‬‬ ‫ََ‬
‫(‪.‬‬
‫قال ابن عطية ‪ :‬األلف ولالم في ( الهدى ) للعهد والمراد به األول‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬إن كانت ( ِم َن ) لبيان الجنس فاأللف ( والالّم ) للعهد في الشخص وإ ن كانت‬
‫للتبعيض فهي للعهد في جنس فيكون القرآن نوعا من أنواع جنس الهدى‪.‬‬
‫ُخ َر ‪...‬‬ ‫الشهر َفْلَيصمهُ ومن َكان م ِريضاً أَو على سفَ ٍر فَ ِع َّدةٌ ِّم ْن أَي ٍ‬
‫َّام أ َ‬ ‫َّ‬ ‫ِ ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ‬ ‫ُْ َ َ‬ ‫قوله تعالى ‪ ( :‬فَ َمن َشه َد من ُك ُم ْ َ‬
‫(‪.‬‬

‫( ‪)2/539‬‬

‫صفحة رقم ‪540‬‬


‫قال الزمخشري ‪ :‬فمن حضر المدينة في الشهر‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬خشي أن يترك اآلية على ظاهرها ألن ظاهرها وجوب الصوم على حاضر الشهر‬
‫مع أنه ينقسم إلى حضري وإ لى مسافر ( فتأولها ) على أن المراد حاضر المصر في الشهر والّذي‬
‫فر منه وقع فيه ‪ ،‬ألن حاضر المصر في الشهر ينقسم ( أيضا ) إلى صحيح وإ لى مريض ‪ ،‬وظاهر‬
‫بالنص عليه في اآلية الثانية‪.‬‬
‫اآلية وجوب الصوم على الجميع فإن قال ‪ :‬خرج ذلك ّ‬
‫بالنص عليه‪.‬‬
‫قلنا ‪ :‬وكذلك المسافر خرج ّ‬
‫وقيل ‪ :‬من شهد هالل الشهر‪.‬‬
‫قال ابن عطية ‪ :‬وقال علي بن أبي طالب وابن عباس هم من حضر دخول الشهر وكان مقيما في‬
‫السفر من دخل عليه رمضان وهو‬
‫أوله فليكمل صيامه سافر بعد ذلك أو أقام ‪ ،‬وإ ّنما يفطر في ّ‬
‫مسافر‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬انظر هذا مع قول ابن بشير ‪ ( :‬ال خالف بين ألمة أن السفر من مقتضيات الفطر‬
‫على الجملة )‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬وكان سيدنا الشيخ أبو العباس أحمد بن ادريس تعالى يقول ‪ :‬هذه اآلية تدل على أن المسافر‬
‫بالصوم ألن ( شهد ) بمعنى حضر والمسافر ليس بحاضر وقالوا إذا صامه فإنه يجزيه‬
‫غير مأمور ّ‬
‫إن الحج ساقط عنه فإن حج‬
‫ويكون أداء ‪ ،‬وقالوا في العبد ‪ّ :‬‬

‫( ‪)2/540‬‬

‫صفحة رقم ‪541‬‬


‫سد‬
‫ثم عتق لم يجزه عن حجة الفريضة ‪ ،‬فحينئذ نقول ‪ :‬فعل العبادة قبل وجوبها إن كانت عندكم نفال ّ‬
‫مسد الفرض‪.‬‬
‫ّ‬
‫ُخ َر ( وذلك دليل‬ ‫قال ‪ :‬والجواب عن ذلك أن المسافر مأمور بالقضاء ل قوله تعالى ‪ ( :‬فَ ِع َّدةٌ ِّم ْن أَي ٍ‬
‫َّام أ َ‬
‫على أن اباحة الفطر له ( إنما هو رخصة ) ال لكون السفر مانعا من الصوم بخالف العبد فإنه إن‬
‫ألنه أوقعه في وقته وهذا إن أدركه الصوم‬
‫عتق فال يزال مطلوبا بالحج وإ ذا فعله بعد العتق كان أداء ّ‬
‫في السفر ثم حضر وفعله كان قضاء‪.‬‬
‫ص ْمهُ ( ظرف زمان ألنه‬ ‫قلت ‪ :‬هذا ال يلزم إال إذا جعلنا ال ّشهر من قوله ‪ ) :‬فَمن َش ِه َد ِمن ُكم َّ‬
‫الش ْه َر َفْلَي ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫على تقدير ( في ) والمسافر لم يحضر في الشهر ‪ ،‬ويحتمل أن يكون ( الشهر ) مفعوال به فال يلزم‬
‫هذا السؤال ألن المسافر حضره وفرق بين قوله حضره وحضر فيه‪.‬‬
‫وذكرته لشيخنا ابن ادريس فوافقني‪ n‬عليه‪.‬‬
‫يد بِ ُك ُم العسر (‪.‬‬
‫يد اهلل بِ ُك ُم اليسر َوالَ ُي ِر ُ‬
‫قوله تعالى ‪ُ ( :‬ي ِر ُ‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬المتعذر هو الذي اليمكن فعله ولو بمشقة والمتعسر هو الذي يمكن فعله بمشقة‪.‬‬
‫قال ‪ :‬في اآلية إشكال وهو أن متعلق اإلرادة إما فعل أو حكم‪.‬‬
‫واألول ‪ :‬باطل بالمشاهدة ألن اهلل تعالى يفعل الخير والشر وقد رأينا بعض الناس في الخير وبعضهم‬
‫في الشر ‪.‬‬

‫( ‪)2/541‬‬

‫صفحة رقم ‪542‬‬


‫والثاني ‪ ،‬باطل ألنه يلزم عليه أن يكون حكم اهلل تعالى مرادا فيكون حادثا ( إذ ) من شأن اإلرادة‬
‫التخصيص ‪ ،‬مع أن الحكم راجع إلى كالمه القديم األزلي والتخصيص يستلزم الحدوث‪.‬‬
‫( قيل ) البن عرفة ‪ :‬يقال المراد الحكم باعتبار متعلقه وهو الحكم المتعلق التنجيزي ال ( الصلوحي‬
‫أن التعلق صفة نفسية والتعلق التنجيزي حادث ‪ ،‬فإن‬
‫أن الصحيح ّ‬
‫) ؟ قال ابن عرفة ‪ :‬قد تكرر ّ‬
‫حكمنا لموصوف بحكم صفته لزم عليه حدوث حكم اهلل تعالى ‪ ،‬وإ ن لم يحكم له بحكمها لزم عليه‬
‫مفارقة الصفة ( النفسية ) لموصوفها ‪ ،‬واألمران باطالن‪.‬‬
‫قيل له ‪ :‬نقول إن اإلرادة متعلقة بالحكم ؟ فقال ‪ :‬قد تقرر الخالف في اإلرادة هل هي مؤثرة ؟‬
‫والتحقيق أنه إن أريد به التعلق التنجيزي فهي ‪ /‬مؤثرة كالقدرة ‪ ،‬ومعنى التخصيص فيها كون الشيء‬
‫على صفة خاصة في وقت معين ‪ ،‬وإ ن أريد به التعلق الصالحي فهى غير مؤثرة كالعلم فإنه يتعلق‬
‫وال يؤثر وهو اختيار المقترح‪.‬‬
‫قيل البن عرفة ‪ :‬لعل المراد الحكم التكليفي وهو يسر العسر ؟ فقال ‪ :‬هذا تخصيص واآلية عامة‪.‬‬
‫قيل له ‪ ( :‬الحكم ) أبدا اليمكن أن يكون إال مرادا ‪ ،‬وليس هناك حكم غير مراد ‪ ،‬تعالى أن يكون في‬
‫ملكه ما ال يريد ؟‬

‫( ‪)2/542‬‬
‫صفحة رقم ‪543‬‬
‫فقال ‪ :‬الحكم موافق ( لالرادة ) أي مقارن لها ألنه مراد كما نقول العلم مقارن لالرادة وليس متعلقا‬
‫بها‪.‬‬
‫بأن ( يشرب ) يريد معنى يحكم أي يحكم اهلل‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬الجواب عن اإلشكال ال يكون إال ّ‬
‫عليكم باليسر ال بالعسر وال سيما إن قلنا ‪ :‬إن تكليف ما ال يطاق غير جائز أو جائز غير واقع‪.‬‬
‫يد اهلل بِ ُك ُم اليسر ( عام فيقتضي عموم متعلق اإلرادة باليسر‪.‬‬
‫فإن قلت ‪ :‬قوله ) ُي ِر ُ‬
‫يد بِ ُك ُم العسر ( تأكيد فال فائدة له‪.‬‬
‫ف قوله تعالى ‪َ ( :‬والَ ُي ِر ُ‬
‫يد بِ ُك ُم ( ‪ ( ،‬فعل منفي ) فيعم‪.‬‬
‫يد اهلل بِ ُك ُم ( ليس جملة مثبتة ‪ ،‬فهي مطلته ال تعم ‪َ ) ،‬والَ ُي ِر ُ‬ ‫قلنا ‪ُ ) :‬ي ِر ُ‬
‫قال ‪ :‬والعسر واليسر ( تجنيس ) مختلف مثل ) َو ُه ْم َي ْنهَ ْو َن َع ْنهُ َوَي ْنَئ ْو َن َع ْنه ( قال ابن عطية ‪ :‬وقال‬
‫مجاهد ( والضحاك ) ‪ :‬اليسر الفطر في السفر والعسر الصوم في السفر‪.‬‬
‫قيل البن عرفة ‪ :‬يلزم أن يكون الصوم في السفر غير مأمور به‪.‬‬
‫فقال ‪ :‬هذا مذهب المعتزلة ‪ ،‬ألنهم يجعلون األمر نفس اإلرادة وإ ّنما معنى اآلية ‪ :‬يريد اهلل بكم إباحة‬
‫الفطور وال يريد بكم وجوب الصوم‪.‬‬
‫ألن الوجوب واإلباحة قسمان من أقسام الحكم الشرعي ‪.‬‬

‫( ‪)2/543‬‬

‫صفحة رقم ‪544‬‬


‫ألن‬
‫قلت ‪ :‬وتقدم في الختمة األخرى البن عرفة أنه ال يمكن أن تحمل اإلرادة هنا على حقيقتها ّ‬
‫المريض ( الذي ) بلغ الغاية في المرض والمحبوس المعسر بالنفقة ‪ ،‬قد أريد بهم العسر فترجع‬
‫كم ِفي الدين ِم ْن َحَر ٍج ( قوله تعالى ‪َ ( :‬وِلتُ ْك ِملُوْا‬
‫اإلرادة إلى باب التكليف وقد قال ) َو َما َج َع َل َعلَْي ْ‬
‫َّ‬
‫ون (‪.‬‬‫العدة َوِلتُ َكب ُِّروْا اهلل على َما َه َدا ُك ْم َولَ َعل ُك ْم تَ ْش ُك ُر َ‬
‫منهم من قال ‪ :‬إنه أمر‪.‬‬
‫ُخ َر ( يغني عنه ألنه يفيد أنه ( يقضي ) أياما‬ ‫قيل البن عرفة ‪ :‬قول اهلل جل جالله ) فَ ِع َّدةٌ ِّم ْن أَي ٍ‬
‫َّام أ َ‬
‫إن‬
‫على عدد ما فاته ؟ فقال ‪ :‬أفاد هذا األمر بإكمالها وهو اإلتيان بها على وجهها موفاة كما قالوا ‪ّ :‬‬
‫يتحراه ألنه مما ال يتوصل إلى‬
‫وجزءا من آخره ّ‬
‫النهار ْ‬
‫الليل في أول ّ‬
‫( الصائم ) يأخذ جزءا من أول ّ‬
‫الواجب إال به‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪َ ( :‬وإِ َذا َسأَلَ َك ِعَب ِادي َعِّني فَِإِّني قَ ِر ٌ‬
‫يب ‪...‬‬
‫(‪.‬‬
‫َستَ ِج ْ‬
‫ب لَ ُك ْم ( قال قوم ‪ :‬في أي ساعة‬ ‫ال َرُّب ُك ْم ادعوني أ ْ‬
‫قال ابن عطية ‪ :‬قال عطاء لما نزلت ) َوقَ َ‬
‫ندعو ؟ فنزلت ‪.‬‬

‫( ‪)2/544‬‬

‫صفحة رقم ‪545‬‬


‫ربنا فنناجيه أم بعيد فنناديه فنزلت )‪.‬‬
‫أعرابيا قال ‪ :‬يارسول اهلل أقريب ّ‬
‫ّ‬ ‫أن‬
‫( وروى ّ‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬هذا يوهم اعتقاد التجسيم والجهة وهو صعب‪.‬‬
‫أقربه ) له بالمثال ‪ ،‬فنقول له ‪ :‬لو فرضنا رجال لم يشاهد قطّ‬
‫وقد كان بعض الناس يستشكله فكنت ( ّ‬
‫في عمره إال الحيوان الماشي على األرض فإنه إذا سئل عن حيوان يطير ال هو في السماء وال هو‬
‫في األرض بل بينهما بالفضاء فإنه يظن ذلك محاال ‪ ،‬وكذلك النملة لو كان لها عقل وسئلت عن ذلك‬
‫ألحالته‪.‬‬
‫وظاهر ما ذكروا في سبب نزول هذه اآلية أن لفظ ( ِعَب ِادي ) عام ولكن آخر اآلية يدل على أنه‬
‫خاص بالمؤمنين‪.‬‬
‫وقوله ( فَِإِّني قَ ِر ٌ‬
‫يب ) قال أبو حيان ‪ :‬أي فاعلم أني قريب‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬ألن األمور الواقعة الموجودة ال يصح ترتيبها على ال ّشرط إال على َما ذكر‬
‫المنطقيون في القضية االتفاقية مثل كلّما كان اإلنسان ناطقا كان الحمار ناهقا هي ال تفيد شيئا‪.‬‬
‫يب َد ْع َوةَ الداع ِإ َذا َد َع ِ‬
‫ان ‪...‬‬ ‫قوله تعالى ‪ ( :‬أ ِ‬
‫ُج ُ‬
‫(‪.‬‬
‫يب َد ْع َوةَ الداع ) فيه سؤاالن ‪ :‬األول ‪ :‬ما الفائدة في زيادة لفظ ( دعوة ) مع‬ ‫قال ابن عرفة ‪ ( :‬أ ِ‬
‫ُج ُ‬
‫الدعوات ( المكررة‬
‫الدعوة الواحدة فأحرى أن يجيب ّ‬
‫أنه مستغنى عنه ؟ قيل له ‪ّ :‬إنه إذا أجاب ّ‬
‫المؤكدة ) ؟‬

‫( ‪)2/545‬‬

‫صفحة رقم ‪546‬‬


‫فقال ‪ :‬العكس أولى ال ‪ ،‬إذ ال يلزم من أجابة الدعوة الواحدة إجابة الدعوات‪.‬‬
‫بأن ( أجاب ) تطلق على ( اإلجابة ) بالموافق والمخالف و ( استجاب )‬
‫قال ‪ :‬وعادتهم يجيبون عنه ّ‬
‫يب َد ْع َوةَ الداع ) صريح في‬ ‫الد ِ‬
‫اعي ‪ ،‬ألوهم العموم ‪ ،‬وقوله ( أ ِ‬ ‫خاص بالموافق ‪ ،‬فلو قال ‪ :‬أ ِ‬
‫ُج ُ‬ ‫يب ّ‬
‫ُج ُ‬
‫اإلسعاف بالمقصود ‪ ،‬كما نقول ‪ :‬أجيب طلبة فالن وأجيب دعوته ‪ ،‬أي أسعفه بمطلوبه‪.‬‬
‫السؤال الثاني ‪ :‬ما الفائدة في قوله ( ِإ َذا َد َع ِ‬
‫ان ) مع ّأنه أيضا مستغنى عنه‪.‬‬
‫الدعاء على قسمين دعاء بنية وعزيمة ‪ ،‬والداعي مستجمع‬
‫بأن ّ‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬وعادتهم يجيبون ّ‬
‫لشرائطه ‪ ،‬ودعاء دون ذلك ‪ ،‬فأفاد قوله ( ِإ َذا َد َع ِ‬
‫ان ) إجابة الداعي بنية وحضور‪.‬‬
‫الدعاء على أقسام فالمستحيل عقال والمحرم ال يجوز ‪ ،‬وكذلك الدعاء بتحصيل الواجب‬ ‫أن ّ‬
‫وذكروا ّ‬
‫ب المعتدين ( أي‬‫ألنه من تحصيل الحاصل ‪ ،‬وكذا قالوا في قوله تعالى ) َوالَ تعتدوا ِإ َّن اهلل الَ ُي ِح ُّ‬
‫المعتدي في الدعاء بالمستحيل عقال كالدعاء بالجمع بين النقيضين وأما المحال في ‪ /‬العادة كالطيران‬
‫في الهواء والمشي على الماء فمنهم من أجازه ومنهم من منعه‪.‬‬
‫والمختار عندهم أنه إن كان في الداعي أهلية لذلك وقابلية له جاز له الدعاء وإ ال لم يجز كدعاء شيخ‬
‫ابن ثمانين سنة أن يكون فقيها عالما ‪ ،‬ودعاء رجل من سفلة الناس بأن يكون ملكا ‪.‬‬

‫( ‪)2/546‬‬

‫صفحة رقم ‪547‬‬


‫قلت ‪ :‬في الجامع الثالث من العتبية قال اإلمام مالك ه ‪ :‬صلى رجل في المسجد ثم انصرف ولم يدع‬
‫كثيرا فدعاه عروة بن الزبير ه فقال له ( أما ) كانت لك حاجة عند اهلل‪.‬‬
‫واهلل إني ألدعو اهلل في حوائجي حتى في الملح‪.‬‬
‫قال اإلمام ابن رشد ‪ :‬الدعاء عبادة فيها األجر العظيم استجيب أ َْم ال ‪ ،‬ألنه ال ( يجتهد ) في الدعاء‬
‫إال بإيمان صحيح ولن يضيع له عند اهلل‪.‬‬
‫يدخر له ‪ ،‬وإ ّما أن‬
‫قال ‪ ( :‬ما من داع يدعو إالّ كان بين إحدى ثالثة ‪ :‬إما أن يستجاب له ‪ ،‬وإ ّما أن ّ‬
‫يدخر له واليكفر‪ n‬عنه إذا استجيب له‬
‫يكفر عنه ) إالّ أن هذا الحديث ليس فيه ما يدل عنه على أنه ال ّ‬
‫ألن معناه ‪ :‬إال كان بين إحدى ثالثة ‪ ،‬إما أن يستجاب له مع أن يدخر له أو يكفر عنه مع أن يستجاب‬
‫له‪.‬‬
‫الدعاء لغة الطّلب‪.‬‬
‫وفي شرح األسماء الحسنى للشيخ ابن العربي ‪ّ :‬‬
‫( اغفر لنا ) ‪ ،‬ويطلق على النداء وعلى الترغيب مثل ‪ ) :‬واهلل يدعوا إلى َد ِار السالم ( وعلى‬
‫التكوين مثل ‪ ) :‬ثَُّم ِإ َذا َد َعا ُك ْم َد ْع َوةً ِّم َن األرض (‬

‫( ‪)2/547‬‬
‫صفحة رقم ‪548‬‬
‫قوله تعالى ‪َ ( :‬فْلَي ْستَ ِج ُيبوْا ِلي َوْلُي ْؤ ِمُنوْا بِي ‪...‬‬
‫(‪.‬‬
‫قال الزمخشري ‪َ :‬فْلَي ْستَ ِج ُيبوْا ِلي ‪ ،‬إذا دعوتهم إلى اإليمان والطاعة‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬يلزم التكرار في اآلية لغير فائدة ‪ ،‬والتقديم والتأخير ألن الطاعة ُمتأخرة عن اإليمان‬
‫وما معناه عندي ‪ :‬أَالَ فلينظروا في األدلة التي ترشدهم لاليمان ويؤمنوا بالفعل‪.‬‬
‫أما إن قلنا ‪ :‬إنه عقلي فيجري فيه‬
‫قيل البن عرفة ‪ :‬هذا إذا قلنا إن ارتباط الدليل بالمدلول عادي ّ‬
‫ألنهم إذا نظروا آمنوا فال فائدة في أمرهم باإليمان ؟ ( فقال ) ‪ّ :‬إنما ( أمروا )‬
‫تحصيل الحاصل ّ‬
‫باإليمان قبل كمال النظر كما تقول لغيرك ‪ :‬انظر في كذا واعلمه ‪ ،‬فإنما أمرته بالعلم قبل أن يحصل‬
‫منه النظر‪.‬‬
‫ون (‪.‬‬ ‫َّ‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬لَ َعلهُ ْم َي ْر ُش ُد َ‬
‫أي لعلهم يحصل لهم الفوز والفالح ‪ ،‬وليس المراد لعلهم يهتدون ( بطريق ) الفوز ألنه من تعليل‬
‫الشيء بنفسه ‪.‬‬

‫( ‪)2/548‬‬

‫صفحة رقم ‪549‬‬


‫قلت ‪ :‬وجدت هذه اآلية في ميعاد القاضي أبي علي عمر بن عبد الرفيع فنقلوا عن ابن الخطيب أن‬
‫الجواب ( هنا ) ‪ :‬وقع بالفاء فقط إشارة إلى أنه قريب مطلقا وقربه من العبد مع الدعاء ال يعقبه ‪،‬‬
‫ون َك َع ِن الروح ُق ِل الروح‬
‫وقيل ‪ :‬أمر محمد بأن يقول لهم ذلك ( وب ( قل ) وحدها ) في ) َوَي ْسَئلُ َ‬
‫ون َك ع ِن الجبال فَ ُق ْل ي ِ‬ ‫ِ‬
‫نسفُهَا َربِّي َن ْسفاً ( اآلية ‪ ،‬ونسفها‬ ‫َ‬ ‫م ْن أ َْم ِر َربِّي ( ( وبهما ) معا في ) َوَي ْسَئلُ َ َ‬
‫إعدامها إشارة إلى األمر بالمبادرة بالجواب عقب السؤال ردا على من قال بقدمها ألن ما ثبت قدمه‬
‫استحال عدمه‪.‬‬
‫ب ) ألنه ال يترتب على الشرط القرب بل اإلخبار عن‬ ‫أن التقدير ( فَ ُق ْل إنِي قَ ِر ٌ‬
‫ونقلوا عن أبي حيان ّ‬
‫الحساني ‪ :‬ال حاجة إلى إضمار ( ُق ْل ) وقد أبدى ابن الخطيب حكمه ذلك‪.‬‬ ‫القرب ‪ ،‬فقال ّ‬
‫فقال بعضهم ‪ :‬لعل مراد أبي حيان أن هذا شرط والشروط اللّغوية أسباب عقلية والسبب العقلي يلزم‬
‫من وجوده الوجود ‪ ،‬ومن عدمه العدم ‪ ،‬فليزم إذا عدم السؤال أن يعدم مطلق القرب ‪.‬‬

‫( ‪)2/549‬‬
‫صفحة رقم ‪550‬‬
‫فأجاب الطالب ‪ :‬بحديث ‪ ( :‬من أحيا أرضا ميتة فهي له ) قالوا فيه ‪ :‬إنه قد تصير له بالملك من‬
‫غير إحياء فترى اإلحياء انعدم والملك موجود‪.‬‬
‫فرد عليه ابن التلمساني في المسألة السادسة من باب األوامر قال ‪ :‬قال ( مالك ) في اإلحياء إنه غير‬
‫موجود وإ ّنما الموجود ملك الشراء‪.‬‬
‫ُح َّل لَ ُك ْم لَْيلَةَ الصيام الرفث إلى نِ َسآئِ ُك ْم ‪...‬‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬أ ِ‬
‫(‪.‬‬
‫كنى الجماع بالرفث الدال على القبح أي على معنى القبح بخالف قوله )‬
‫قال الزمخشري ‪ :‬إن قلت لم ّ‬
‫ت ( وأجاب عن ذلك بأن ذلك تقبيح لما‬ ‫ض ( وقوله ) َفلَ َّما تَ َغ َّش َ‬
‫اها َح َملَ ْ‬ ‫ض ُك ْم إلى َب ْع ٍ‬
‫َوقَ ْد أفضى َب ْع ُ‬
‫صدر منهم قبل اإلباحة ‪ ،‬كما سماه ( اختيانا ) ‪.‬‬

‫( ‪)2/550‬‬

‫صفحة رقم ‪551‬‬


‫الصريح‬
‫ابن عرفة ‪ :‬والجواب عندي بعكس هذا وهو ّأنه مبالغة في اإلباحة والتحليل فعبر عنه باللّفظ ّ‬
‫حتى ال يبقى عندهم فيه شك وال توهم بوجه‪.‬‬
‫وعدي الرفث بإلى لتضمنه معنى اإلفضاء‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ّ :‬‬
‫الرفث‬
‫يتعدى بالباء واإلفضاء بإلى فذكر ّ‬
‫إن الرفث ّ‬
‫وقال ابن جني في سر الصناعة في مثل هذا ‪ّ :‬‬
‫ولم يذكر معموله ‪ ،‬وذكر معمول اإلفضاء ولم يذكر عامله إشعارا بإرادة الجميع وأن الكل مقصود‬
‫بالذكر‪.‬‬
‫اس لَّهُ َّن ‪...‬‬ ‫ِ‬ ‫قوله تعالى ‪ ( :‬ه َّن ِلب َّ‬
‫اس ل ُك ْم َوأَنتُ ْم لَب ٌ‬
‫ُ َ ٌ‬
‫(‪.‬‬
‫كونهن‬
‫ّ‬ ‫النسب ) المتعاكسة مثل ‪ :‬زيد أخوك وأخوك زيد ‪ ،‬إذ ال يلزم من‬ ‫ابن عرفة ‪ :‬ليس هذا من ( ّ‬
‫للرجال أن يكون الرجال لباسا لهن وهذا تأكيد في التحليل‪.‬‬ ‫لباسا ّ‬
‫ِ‬
‫اب َعلَْي ُك ْم َو َعفَا َع ْن ُك ْم ‪...‬‬ ‫قوله تعالى ‪َ ( :‬عل َم اهلل أََّن ُك ْم ُكنتُ ْم تَ ْختَ ُان َ‬
‫ون أَنفُ َس ُك ْم فَتَ َ‬
‫(‪.‬‬
‫ألن النفس هي الخائنة قال تعالى ) ِإ َّن‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬هذا من باب القلب مثل كسر الزجاج الحجر ّ‬
‫َم َارةٌ بالسوء (‬
‫النفس أل َّ‬

‫( ‪)2/551‬‬
‫صفحة رقم ‪552‬‬
‫ون ِفي المساجد ‪...‬‬ ‫ِ‬
‫وه َّن َوأَنتُ ْم َعاكفُ َ‬
‫ِ‬
‫قوله تعالى ‪َ ( :‬والَ تَُباش ُر ُ‬
‫(‪.‬‬
‫ابن عطية ‪ :‬قال ‪ :‬اإلمام مالك ‪ /‬االعتكاف إال في مساجد الجماعات‪.‬‬
‫وروي عنه أن ذلك في كل مسجد‪.‬‬
‫أن ذلك في كل مسجد من المساجد‪.‬‬
‫ابن عطية ‪ :‬وروي عنه ّ‬
‫ابن عرفة ‪ :‬لو نذر أن يعتكف فإنه يجزيه عند مالك االعتكاف في أي مسجد أراد ويخرج به من‬
‫العهدة وشرط الجامع غير واجب‪.‬‬
‫وكذا قال الشيخ ابن العربي عن اإلمام مالك ه‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬تِْل َك ُح ُد ُ‬
‫ود اهلل ‪...‬‬
‫(‪.‬‬
‫اإلشارة ( راجعة ) إلى األحكام أو إلى النواهي المتقدمة‪.‬‬
‫وها ‪...‬‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬فَالَ تَ ْق َرُب َ‬
‫(‪.‬‬
‫نهى عن القرب لحديث ( الراتع حول الحمى يوشك أن يقع فيه ) ‪.‬‬

‫( ‪)2/552‬‬

‫صفحة رقم ‪553‬‬


‫قيل البن عرفة ‪ :‬تقرر أن اتقاء الشبهات غير واجب بل مستحب ؟ فقال ‪ :‬هي أقسام ‪ :‬مظنون ‪،‬‬
‫ومشكوك فيها ‪ ،‬ومتوهمة ‪ ،‬فالوهم مرجوح ‪ ،‬والظن راجح فينتج وجوب االجتناب ‪ ،‬والشك فيه‬
‫خالف ( ومحمل النهي ) في اآلية على تحريم المظنون والمشكوك فيه وقال في اآلية األخرى ‪) :‬‬
‫وها ( ابن عرفة ‪ :‬يحتمل أن تكون تلك قبل هذه فنهينا أوال عن تعدي الحدود ‪،‬‬ ‫تِْل َك ُح ُد ُ‬
‫ود اهلل فَالَ تَ ْعتَ ُد َ‬
‫ثم نهينا ثانيا عن قربها ؛ أو يكون األمر األول للعوام والثاني للخواص‪.‬‬
‫وأجاب أبو جعفر الزبير بأن قرب النساء بالمباشرة يدعو إلى المواقعة فقل من يملك نفسه ‪ ،‬فنهى عن‬
‫طهُْر َن ( ) َوالَ تَ ْق َرُبوْا الزنى ( ولذلك منع المحرم من الطيب‪.‬‬ ‫وه َّن حتى َي ْ‬‫القرب ونظيره ‪َ ) :‬والَ تَ ْق َرُب ُ‬
‫فإن قصد البيان العام الفارق بين الحالل والحرام لم ينه عن المقاربة بل عن التعدي فقط ‪ ،‬مثل )‬
‫وها ( فحرم أموالهم‬ ‫يما افتدت بِ ِه تِْل َك ُح ُد ُ‬
‫ود اهلل فَالَ تَ ْعتَ ُد َ‬
‫ِ ِ‬
‫اح َعلَْيه َما ف َ‬
‫ان ( إلى قوله ) فَالَ ُجَن َ‬ ‫الطالق َم َّرتَ ِ‬
‫نشوز أو ما يمنع عن القيام بحقوقهم‪.‬‬
‫على األزواج بغير حق ما لم يقع ٌ‬
‫بأن تلك تقدمها ( الطالق َم َّرتَ ِ‬
‫ان ) وهو أمر مباح ‪ ،‬فناسب النهي عن تعديه ال عن‬ ‫وأجاب بعضهم ّ‬
‫قربه ‪ ،‬وهذه تقدمها النهي عن المباشرة وهو محرم فناسب النهي عن قربه‪.‬‬
‫ِّن اهلل َآياتِ ِه ‪...‬‬
‫قوله تعالى ‪ُ ( :‬يَبي ُ‬
‫(‪.‬‬

‫( ‪)2/553‬‬

‫صفحة رقم ‪554‬‬


‫قيل البن عرفة ‪ :‬هذا يؤخذ منه أن النبي غير مجتهد ؟ فقال ‪ :‬اآليات هي القرآن والمعجزات ‪ ،‬وأما‬
‫السنة كلها فال تسمى آيات‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪َ ( :‬والَ تأكلوا أ َْم َوالَ ُك ْم َب ْيَن ُك ْم بالباطل َوتُ ْدلُوْا بِهَا ِإلَى الحكام ‪...‬‬
‫(‪.‬‬
‫أن الفقيه إذا علم من نفسه أنه ما في بلده‬
‫قيل البن عرفة ‪ :‬إن المازري حكى في تعليقه عن الشعبي ّ‬
‫والرشوة لوالة األمر ؟‬
‫من يصلح للفضل غيره فال بأس أن يتسبب في الوالية ويعطي عليها األجرة ّ‬
‫فأنكره ابن عرفة وقال ‪ :‬هذا من أكل المال بالباطل والمشاركة فيه على الخطإ والّذي أدركت القضاة‬
‫عليه أن بعضهم كان يتسبب في ذلك بالكالم فقط‪.‬‬
‫قسم المازري في شرح التلقين القضاء على أربعة أقسام ‪ :‬مندوب ومكروه وحرام وواجب ‪ ،‬ولم‬
‫وقد ّ‬
‫يذكر هذا بوجه ولو كان جائزا لذكره‪.‬‬
‫قيل البن عرفة ‪ :‬وقال المازري في تعليقه ‪ّ :‬إنه كان ببلدهم مفتيان أحدهما يطلب األجر على الفتوى‬
‫‪ ،‬واآلخر ال يأخذ أجرة فأجاز ذلك ( شيخنا ) عبد الحميد الصائغ ومنع ذلك الشيخ أبو الحسن علي‬
‫اللخمي ‪.‬‬

‫( ‪)2/554‬‬

‫صفحة رقم ‪555‬‬


‫فقال ابن عرفة ‪ :‬وكان بتونس الفقيه أبو علي ابن علوان يأخذ األجرة على الفتوى ممن يستفتيه‪.‬‬
‫وحكى الشيخ أبو الحسن محمد البصريني قال ‪ :‬أخبرني أبو العباس سيدي أحمد بن فرحون اليقربي‬
‫أن رجال من أصحابه كان يهدي إليه كل عام خروفين وزنبيلين فوال ‪ ،‬وزيرين لبنا فيعطي لسيدي‬
‫ّ‬
‫فتسبب‬
‫الشيخ الصالح أبي محمد المرجاني نصف ذلك ويأخذ هو نصفه ‪ ،‬فجرت على الرجل مظلمة ّ‬
‫له الشيخ المرجاني في زوالها فأهدى ذلك العام للشيخ ابن فرحون مثله ما عادته يهدي له فبعث نصفه‬
‫للمرجاني كعادته فأمره أن يقبل منه مقدار العادة ويرد له الزائد على ذلك‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬باإلثم ‪...‬‬
‫(‪.‬‬
‫إما مصاحبين لالثم أو بسبب اقتراف اإلثم ‪ ،‬أو بسبب اإلثم‪.‬‬
‫وجعل اإلثم على هذا كأنه السبب في ذلك الفعل تقبيحا له وتنفيرا منه‪.‬‬
‫ون (‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪َ ( :‬وأَنتُ ْم تَ ْعلَ ُم َ‬
‫أن ذلك اليقع إال على هذه الصفة فال يقع من الجاهل بوجه‪.‬‬ ‫أن الجاهل اليناله ذلك ( أو ) ّ‬ ‫تنبيها على ّ‬
‫يت ِل َّلن ِ‬
‫اس والحج ‪...‬‬ ‫ون َك َع ِن األهلة ُق ْل ِه َي َم َو ِاق ُ‬
‫قوله تعالى ‪َ ( :‬ي ْسَئلُ َ‬
‫(‪.‬‬
‫أي عن حال األهلة‪.‬‬
‫وجمع األهلة إما لتعددها بتعدد األشهر أو الختالف أحواله وإ ن كان واحدا فهو كالمتعدد ‪.‬‬

‫( ‪)2/555‬‬

‫صفحة رقم ‪556‬‬


‫قال ابن عطية ‪ :‬الهالل ليلتان بال خالف ‪ ،‬وقيل ثالث‪.‬‬
‫يحجر ‪ ،‬ويستدير له كالخيط الرقيق‪.‬‬
‫األصمعي هو هالل حتى ّ‬
‫السماء وذلك ليلة سبع‪.‬‬
‫وقيل ‪ :‬هو هالل حتى ( يعم ضوؤه ) ّ‬
‫وأنشد اآلمدي شاهدا على ذلك الختالف أحواله‪.‬‬
‫ون َك َع ِن المحيض ُق ْل ُه َو‬ ‫قال ابن عرفة ‪ :‬وجواب السؤال في القرآن كله بغير ( فاء ) مثل ) َوَي ْسَئلُ َ‬
‫ون َك َع ِن اليتامى ُق ْل‬ ‫يه ُق ْل ِقتَا ٌل ِف ِ‬
‫يه َكبِ ٌير ( ) َوَي ْسَئلُ َ‬ ‫ال ِف ِ‬
‫ون َك َع ِن الشهر الحرام ِقتَ ٍ‬‫أَ ًذى ( ومثل ) َي ْسَئلُ َ‬
‫ون َك ع ِن الجبال فَ ُق ْل ي ِ‬ ‫َّ‬
‫نسفُهَا َربِّي َن ْسفاً ( قال ابن عرفة ‪ :‬وعادتهم‬ ‫َ‬ ‫ِإ ْ‬
‫صالَ ٌح لهُ ْم َخْيٌر ( إال قوله ) َوَي ْسَئلُ َ َ‬
‫ون َك َع ِن الجبال )‬‫يجيبون بأن الكل أمور دنيوية فالسؤال عنها ثابت واقع في الوجود ‪ /‬وقوله ( َوَي ْسَئلُ َ‬
‫فأمر أخروي والكفار منكرون للبعث فالسؤال غير واقع لكنه مقدر الوقوع في المستقبل أي ِإ ْن‬
‫الجَب ِ‬
‫ال ) ‪ ،‬فهو جواب لشرط مقدر فحسنت فيه الفاء ‪.‬‬ ‫وك ) َع ِن ِ‬
‫( ( َي ْسأَلُ َ‬

‫( ‪)2/556‬‬
‫صفحة رقم ‪557‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬وهذا على سبيل اإلعراض عن الشيء واإلقبال على غيره ‪ ،‬ألنهم سألوا عن سبب‬
‫تغيير الهالل ونقصه وزيادته في أيام الشهور ‪ ،‬فأجيبوا بالسبب عن ذلك ونتيجته‪.‬‬
‫وأن فائدة ذلك معرفة أوقات الناس ‪ ،‬وأوقات الحج ‪ ،‬أي ذلك سؤال عما ال ( يعني ) فال حاجة لكم‬
‫ّ‬
‫بالجواب عنه ‪ ،‬وإ نما حقكم أن تسألوا عن نتيجته وهو كذا‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪َ ( :‬ولَْي َس البر بِأَن تَأْتُوْا البيوت ِمن ظُهُ ِ‬
‫ور َها ‪...‬‬
‫(‪.‬‬
‫كانوا إذا حجوا واعتمروا يلتزمون أن ال يحول بينهم وبين السماء شيء فيدخلون بيوتهم من خلفها‬
‫ينقبون الحائط أو من سقفها أو يطلعون بسلم على السطح فينزلون في وسط الدار ‪ ،‬وهذا عند ابتداء‬
‫الدخول فإذا تكرر ذلك تركوه‪.‬‬
‫يل اهلل الذين ُيقَاتِلُ َ‬
‫ون ُك ْم ‪...‬‬ ‫قوله تعالى ‪ ( :‬وقَاتِلُوْا ِفي سبِ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫(‪.‬‬
‫قلت البن عرفة في الختمة األخرى ‪ :‬قاتل مفاعلة ال يكون إال من الجانبين فما الفائدة في قوله ( الذين‬
‫ُيقَاتِلُ َ‬
‫ون ُك ْم ) ومعلوم ّأنه ال يقاتل إالّ من قتله ؟ فأجاب بوجهين ‪ :‬األول أنهم ال يقاتلون إال من بدأهم‬
‫بالقتال ‪.‬‬

‫( ‪)2/557‬‬

‫صفحة رقم ‪558‬‬


‫الثاني ‪ :‬قول اهلل تعالى ‪ِ ) :‬إ َّن اهلل الَ ُي ِح ُّ‬
‫ب المعتدين ( هذا ( النفي ) يحتمل أن يكون على الكراهة‬
‫المحب هذا إما مباح أو مكروه ) وإ ّنما يدل على‬
‫ّ‬ ‫ألن عدم محبة الشيء ال يقتضي تحريمه ألن‬
‫التحريم ال ّذم على الفعل وعلى الوجوب الذم على الترك‪.‬‬
‫ويحتمل أن يكون هذا النهي ( على ) التحريم ألن النحاة قالوا ‪ :‬إذا أردت مدح زيد قلت ‪ :‬حبذا زيد ‪،‬‬
‫فسموا ) نفي المحبة ( ذما )‪.‬‬
‫وإ ن أردت ذمه قلت ‪ :‬ال حبذا زيد ( ُّ‬
‫وه ْم ‪...‬‬ ‫قوله تعالى ‪ ( :‬واقتلوهم ح ْي ُ ِ‬
‫ث ثَق ْفتُ ُم ُ‬ ‫َ‬
‫(‪.‬‬
‫لما تقدم األمر بقتال من قاتل أمكن أن يتوهم ّأنه ال يقاتل إالّ من قاتل ‪ ،‬فهذا إما‬
‫هذا ( احتراز ) ألنه ّ‬
‫نسخ له أو تخصيص‪.‬‬
‫ابن عطية عن الطبري ‪ :‬الخطاب للمهاجرين والضمير لكفار قريش‪.‬‬
‫أن الخطاب لجميع المؤمنين ‪ ،‬أي أ ِ‬
‫َخرجوهم إذا أخرجوا بعضكم‪.‬‬ ‫واختار ابن عطية ّ‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬يلزمه استعمال اللّفظ في حقيقته ومجازه ‪.‬‬

‫( ‪)2/558‬‬

‫صفحة رقم ‪559‬‬


‫قيل البن عرفة ‪ :‬في ظاهر اآلية تناف ألن ( اقتلوهم حيث ثقفتموهم ) يقتضي األمر باستِْئ ِ‬
‫صال ِهم‬
‫وعدم إحياًء أحد ( منهم ) فال يبق لالخراج محل‪.‬‬
‫وهم ) يقتضي إحياء بعضهم حتى يتناوله اإلخراج‪.‬‬‫َخ ِر ُج ُ‬
‫وقوله ‪َ ( :‬وأ ْ‬
‫أن االستيالء عليهم تارة يكون عاما بحيث ال تبقى لهم ممانعة بوجه‬
‫فأجاب بوجهين ‪ :‬األول منهما ‪ّ :‬‬
‫‪ ،‬فهنا يقتلون وتارة يكون ( دون ) ذلك بحيث يتولّى المسلمون على وطنهم ( ويمتنعون ) هم منهم‬
‫في حصن ونحوه ‪ ،‬حتى ال يكون لهم قوة على المسلمين وال للمسلمين قدرة على قتلهم فهنا‬
‫يصالحونهم على أن يخرجوا لينجوا بأنفسهم خاصة‪.‬‬
‫انتهى‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬أنهم يخرجون أوال ثم يقتلون بعد اإلخراج والواو ال تفيد رتبة ففي اآلية التقديم والتأخير‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬في اآلية عندي إيماء إلى كون فعل الطاعة إذا ( وافق ) غرضا دنيويا فال يقدح ذلك‬
‫َخ َر ُجو ُك ْم (‪.‬‬
‫ثأْ‬‫فيه وال ينقص ثوابه لقوله ‪ِّ ) :‬م ْن َح ْي ُ‬
‫قلت ‪ :‬وتقدم لنا في الختمة األخرى عن ابن عرفة أنه تقرر أن اإلمام مخير في الجهاد بين ثالثة‬
‫أشياء ‪ :‬إما القتل ‪ ،‬وإ ما الفدية وإ ما األسر ‪ ،‬واآلية تقتضي تحتم القتل من غير تخيير‪.‬‬
‫وأجاب بأنه قد يكون تخصيصا ‪.‬‬

‫( ‪)2/559‬‬

‫صفحة رقم ‪560‬‬


‫قوله تعالى ‪ ( :‬فَِإن قَاتَلُو ُك ْم فاقتلوهم ‪...‬‬
‫(‪.‬‬
‫وقرىء ( فَِإن قَتَلُو ُك ْم ) أي فإن قتلوا بعضكم أو فإن أرادوا قتلكم ‪ ،‬وقول اهلل جل جالله ‪َ ) :‬ك َذِل َك‬
‫يه ( فظاهره أن‬ ‫ند المسجد الحرام حتى يقَاتِلُو ُكم ِف ِ‬
‫وه ْم ِع َ‬ ‫ِ‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫آء الكافرين ( بعد أن قال ) َوالَ تُقَاتلُ ُ‬
‫َجَز ُ‬
‫الكافرين ليس لهم ( جزاء إال هذا ‪ ،‬مع أن جزاءهم )‬
‫( ‪)2/560‬‬

‫صفحة رقم ‪561‬‬


‫أن يقاتلوهم حيث ( ثقفوهم ) حتى ُيسلموا ‪ ،‬فيجاب بهذا إما منسوخ أو مخصوص‪.‬‬
‫ِ‬
‫يم (‪.‬‬ ‫قوله تعالى ‪ ( :‬فَِإ ِن انتهوا فَِإ َّن اهلل َغفُ ٌ‬
‫ور َّرح ٌ‬
‫ين كفروا ِإن َينتَهُوْا ُي ْغفَ ْر لَهُم َّما قَ ْد َسلَ َ‬
‫ف‬ ‫َِِّّ‬
‫إن انتهوا عن الكفر فاهلل غفور ّرحيم ) ُقل للذ َ‬ ‫إما أن يراد ّ‬
‫لهم بالستر على نسائهم وعلى‬ ‫( وإ ن انتهوا عن قتالكم ‪ ،‬فاهلل غفور لكم في ترككم قتالهم ‪ ،‬أو غفور ْ‬
‫صبيانهم من كشفكم لهم وسبيكم ( إياهم )‪.‬‬
‫ون الدين ِللَّ ِه ‪...‬‬‫قوله تعالى ‪َ ( :‬وَي ُك َ‬
‫(‪.‬‬
‫ين ُكلُّهُ ِللَّ ِه ( وأجاب بعضهم ‪ :‬بأن هذه في قتال كفار قريش وتلك في قتال‬ ‫ون ِّ‬
‫الد ُ‬ ‫في األنفال ‪َ ) :‬وَي ُك َ‬
‫ف ( فالمراد في آية البقرة‬ ‫ين كفروا ِإن َينتَهُوْا ُي ْغفَ ْر لَهُ ْم َّما قَ ْد َسلَ َ‬ ‫َِِّّ‬
‫جميع الكفار ألن قبلها ) ُقل للذ َ‬
‫الدين ( الّذي ) هم عليه هلل ودينهم بعض الدين ال كله بخالف آية األنفال‪n.‬‬ ‫ويكون ّ‬
‫أن المراد صيرورة‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬هذا ( ينتج ) له العكس ألن األمر بقتال جميع الكفار يقتضي ّ‬
‫الدين هلل فال يحتاج إلى التأكيد بكل ‪،‬‬
‫جميع ّ‬

‫( ‪)2/561‬‬

‫صفحة رقم ‪562‬‬


‫واألمر بقتال بعضهم ال يقتضي ذلك فهو أحق أن يؤكد ( بكل )‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬الشهر الحرام بالشهر الحرام ‪...‬‬
‫(‪.‬‬
‫ابن عطية ‪ :‬عن ابن عباس ه وجماعة ( صد ) النبي عن البيت سنة ست ودخلها سنة سبع فنزلت‬
‫آية ‪ ( :‬الشهر الحرام ) الذي دخلتم فيه الحرم ( بالشهر الحرام ) الذي صدوكم فيه عنه‪.‬‬
‫وقال الحسن بن أبي الحسن البصري ‪ :‬سأله الكفار هل يقاتل في الشهر الحرام ؟‪.‬‬
‫فهموا بالهجوم عليه فيه فنزلت ‪ ،‬أي هو عليكم كما هو عليهم إن تركوا فيه القتال فاتركوه‬
‫فقال ‪ :‬ال ‪ُّ ،‬‬
‫وإ ال فال‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬األول ‪ :‬بناء على أنهما شهران من سنتين ‪ ،‬والثاني ‪ :‬على أنه شهر واحد من سنة‬
‫واحدة وتعدده ألجل تعدد حاالته‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬فاعتدوا َعلَْي ِه بِ ِم ْث ِل َما اعتدى َعلَْي ُك ْم ( ‪.‬‬

‫( ‪)2/562‬‬

‫صفحة رقم ‪563‬‬


‫قال ابن عرفة ‪ :‬فاعتدوا اعتداء جائزا شرعيا فال يجوز لمن زني بأخته أو ابنته أن يزني بأخت‬
‫الزاني أو ابنته‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬وأ َْنِفقُوْ‪n‬ا ِفي سبِ ِ‬
‫يل اهلل ‪...‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫(‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ ( :‬هو عندي يتناول النفس والمال ‪ ،‬أي أنفقوا ما يعز عليكم في سبيل اهلل ) لقول‬
‫الزمخشري في غير هذا ‪ :‬إن المفعول‪ n‬قد يحذف قصدا للعموم‪.‬‬
‫َما َم ْن أعطى واتقى ( قوله تعالى ‪َ ( :‬والَ تُْلقُوْا بِأ َْيِدي ُك ْم ِإلَى‬
‫أظنه ذكره في قوله تعالى ) فَأ َّ‬
‫( قلت ‪ّ :‬‬
‫التهلكة ‪...‬‬
‫(‪.‬‬
‫قل الزمخشري ‪ :‬الباء زائدة أي ال تجعلوا التهلكة آخذة بأيديكم مالكة لكم ‪ ،‬والمعنى النهي عن ترك‬
‫اإلنفاق في سبيل اهلل ألنه سبب الهالك أو عن اإلسراف في النفقة حتى ( يفقر ) نفسه ويضيع عياله‪.‬‬
‫قلت البن عرفة ‪ :‬إن أريد النهي عن ترك اإلنفاق في سبيل اهلل يكون في اآلية دليل على أن األمر‬
‫َنفقُوْ‪n‬ا ِفي سبِ ِ‬
‫يل اهلل ( ملزوما للنهي عن ترك النفقة‬ ‫بالشيء ليس نهيا عن ضده إذ لو كان قوله ) وأ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫( في سبيل اهلل ) لما احتيج إلى قوله ) َوالَ تُْلقُوْا بأ َْيدي ُك ْم إلَى التهلكة ( ؟‬

‫( ‪)2/563‬‬

‫صفحة رقم ‪564‬‬


‫فقال لي ‪ :‬إن قلنا إن األمر يفيد التكرار فيتم ما قلت ‪ ،‬وإ ن قلنا إنه ال يفيده فيقال إنه مطلق والمطلق‬
‫يصدق بصورة ‪ ،‬فمهما أنفق في سبيل اهلل ولو مرة واحدة كان ممتثال‪.‬‬
‫وأتى بالنهي بعده ليفيد التكرار‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬وأحسنوا ِإ َّن اهلل ُي ِح ُّ‬
‫ب المحسنين (‪.‬‬
‫أي ببذل المال المتطوع ‪ ،‬أو يراد به اإلحسان الذي في حديث القدر ( وهو أن تعبد اهلل كأنك تراه فإن‬
‫لم تكن تراه فإنه يراك ) وقوله ) ِإ َّن اهلل ُي ِح ُّ‬
‫ب المحسنين ( أبلغ من قوله إن اهلل ( مع ) ‪ ،‬ألن قولك ‪:‬‬
‫زيد يحب بني فالن أبلغ من قولك زيد مع بني فالن ألنه قد يكون معهم وال يحبهم ‪ ،‬قال اهلل تعالى )‬
‫َو ُه َو َم َع ُك ْم أ َْي َن َما ُكنتُ ْم‪.‬‬
‫( قوله تعالى ‪َ ( :‬وأَتِ ُّموْا الحج والعمرة ِللَّ ِه ‪...‬‬
‫(‪.‬‬
‫امهَا أن يحرم بهما قارنا ‪.‬‬ ‫ِ‬
‫( نقل ابن عطية فيه أقواال منها ) قيل ‪ :‬إتْ َم ُ‬

‫( ‪)2/564‬‬

‫صفحة رقم ‪565‬‬


‫قال ابن عرفة ‪ :‬فالواو بمعنى ( مع ) والظاهر أن اإلتمام اإلتيان بالحج مستوفى الشرائط على كل‬
‫قول‪.‬‬
‫أن اإلحرام من الميقات أفضل فإتمامه أن ال يتعدى الميقات إال محرما وكذلك في كل‬
‫فإن فرعنا على ّ‬
‫أفعاله‪.‬‬
‫وذكر ابن عطية واجباته فأسقط منها طواف اإلفاضة مع ّأنه فريضة إن تركه بطل حجه ‪ ،‬وال يجزيه‬
‫عنه طواف القدوم متصال بالسعي‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬وتقدم في قول الفخر في المعالم ‪ :‬إن اللّفظ إما أن يعتبر بالنسبة إلى تمام مسماه وهو‬
‫المطابقة أعتقد أن ‪ :‬أحدهما ‪ :‬قال ابن التلمساني التمام يشعر بالتركيب ‪ ،‬فيخرج عنه البسائط كالنقطة‬
‫والوحدة‪.‬‬
‫وهو يوافق قول من فسر اإلتمام بما هو قبل الدخول ‪ ،‬وهو بأن تأتي بهما مفردين ( أو قارنا )‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬قلنا نحن ‪ :‬أراد أن يحد المطابقة بحد التضمن إذ ال يتناول كالمه إال الجزء األخير الذي يتم‬
‫به المركب وهذا موافق القول بأن إتمامهما أن يتمهما بعد الدخول فيهما ‪ ،‬وال يفسخ عنهما حسبما نقله‬
‫ابن عطية‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬وإ ن أريد اإلفراد أو القران فاآلية دالة على وجوبهما بصيغة ‪ :‬افعل ‪.‬‬

‫( ‪)2/565‬‬

‫صفحة رقم ‪566‬‬


‫وس ُك ْم حتى َيْبلُ َغ الهدي َم ِحلَّهُ ‪...‬‬ ‫ِ‬
‫قوله تعالى ‪َ ( :‬والَ تَ ْحلقُوْا ُر ُء َ‬
‫(‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬انظر هل تد ّل على وجوب الحلق بالنص أو باللّزوم‪.‬‬
‫بالنص ولوال ذلك لما ورد النهي عن الحالق ( مقيدا ) ببلوغ الهدي محله‪.‬‬ ‫كان بعضهم يقول ‪ّ :‬إنه ّ‬
‫ْس ِه ‪...‬‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬فَمن َكان ِمن ُكم َّم ِريضاً أَو بِ ِه أَذى ِّمن َّرأ ِ‬
‫ً‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫(‪.‬‬
‫ْس ِه ) صفة ( ألَذى ) وال يصح رجوعه للجميع كاالستثناء وسائر القيود إذا‬ ‫قال ابن عرفة ‪ِ ( :‬من َّرأ ِ‬
‫تعقب ُجمال ألن المرض مبيح للرخصة مطلقا سواء كان بالرأس أو بغيره‪.‬‬
‫َّام ِفي الحج ‪...‬‬
‫صَيام ثَالثَ ِة أَي ٍ‬
‫َّ ِ ِ‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬فَ َمن ل ْم َيج ْد فَ ُ‬
‫(‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬أي إن وجد من يسلفه ‪ ،‬فإن لم يجد من يداينه إال بالربح لم تلزمه الفدية‪.‬‬
‫بالنصب‪.‬‬
‫فصيام ) ّ‬
‫َ‬ ‫وقرىء (‬
‫قال أبو حيان ‪ :‬أي فليصم صيام أو فليلزم صيام‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬عادتهم ( يعربونه ) منصوبا على ( اإلغراء ) ‪ ،‬قيل له ذلك ( قليل ) جدا ‪.‬‬

‫( ‪)2/566‬‬

‫صفحة رقم ‪567‬‬


‫أبو حيان ‪ ( :‬إ َذا َر َج ْعتُ ْم ) قيل العامل في ( إذا ) ( صيام ) ورده ابن عرفة ‪ :‬بِأَّنه يلزم أن يكون‬
‫بأن يكون مثل ‪ :‬عندي درهم‬ ‫صوم الثالثة بعد الرجوع والفرض أنه قبل الرجوع إال أن يجاب ّ‬
‫ام ) عامال فيه لفظا ال معنى‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ونصفه ‪ ،‬فالمعنى فيصوم سبعة إذا رجع ‪ ،‬فيكون ( صَي ُ‬
‫قيل ( له ) ‪ :‬يلزمك على هذا الجواب العطف على عاملين ‪ ،‬وصيام سبعة ( إذا رجع ) بعطف‬
‫الح ّج )‪.‬‬ ‫ِ‬
‫( صيام ) على ( صيام ) ( وإ ذا ) على قوله ( في َ‬
‫فقال ‪ :‬إنما هو عامل واحد فقط‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬وقال األستاذ أبو العباس أحمد بن القصار ‪ ( :‬العامل ) ‪ ( /‬صيام ) ‪ ،‬كما قال أبو حيان‬
‫باعتبار لفظ المطلق والمعنى يبنه كما تقول ‪ :‬أكرم في الدار زيدا‪.‬‬
‫أو في السوق عمرا أو لو لزم كون الثالثة بعد الرجوع لتناقضت اآلية ولكان يلزم أن يكون السبعة‬
‫في الحج ألنه كما ( تجعل ) إذا رجعتم قيدا في صيام الجميع فاجعل ( في الحج ) أيضا قيدا في صيام‬
‫الجميع‪.‬‬
‫الح ّج ) و ( ِإ َذا َر َج ْعتُ ْم ) متعلقين ب ( صيام )‪.‬‬
‫هذا إذا جعلنا ( في َ‬
‫قال ‪ :‬والصواب عندي غير هذا‪.‬‬
‫وهو أن يكون ‪ ( ،‬إ َذا َر َج ْعتُ ْم ) صفة ل ( سبعة ) ‪ ،‬فالسبعة ظرف زمان فيصح وصفها‪ n‬بظرف‬
‫الزمان ويكون في الحج أيضا صفة ل ( ثالثة ) ‪.‬‬

‫( ‪)2/567‬‬

‫صفحة رقم ‪568‬‬


‫قوله تعالى ‪ ( :‬تِْل َك ع َشرةٌ َك ِ‬
‫املَةٌ ‪...‬‬ ‫َ َ‬
‫(‪.‬‬
‫أن أسماء األعداد نصوص ‪ ،‬واآلخر على ّأنها‬
‫أحد تفسيري ) ابن عطية بناء على ّ‬
‫قال ابن عرفة ‪ُ ( :‬‬
‫ليست كذلك‪.‬‬
‫وأورد الزمخشري هنا سؤالين ‪ :‬أحدهما عن اإلتيان بالفذلكة وهي لفظ ( تِْل َك ) وأجاب بثالثة أوجه‪.‬‬
‫املَةٌ ؟ فقال ابن عرفة ‪ ( :‬تِْل َك )‬
‫قال بعض الطلبة ‪ :‬فيبقى السؤال ألي شيء لم يقل ‪ :‬فهي ع َشرةٌ َك ِ‬
‫َ َ‬ ‫ّ‬
‫القصد بها التعظيم‪.‬‬
‫يتوهم‬
‫المفرق ‪ ،‬فقد ّ‬
‫أن الصوم المتتابع أعظم ثوابا من ّ‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬وعادتهم يجيبون بأن القاعدة ّ‬
‫بتفريقها أن ثوابها أقل من ثوابها لو كانت مجموعة ( فأشار بقوله ( عشرة ) إلى أن ثوابها على هذه‬
‫ظ ُم من ثوابها لو كانت مجموعة فرعا عن أن ) يكون مثله ولذلك قال ‪ ( :‬كاملة )‪.‬‬
‫أع َ‬
‫الصفة ْ‬
‫قيل البن عرفة ‪ :‬وأشار إليه مكي ‪.‬‬

‫( ‪)2/568‬‬

‫صفحة رقم ‪569‬‬


‫قال ابن عرفة ‪ :‬وعادة الشيوخ يحكون عن ابن الحاجب أنه قال ‪ :‬في قول األصوليين ‪ :‬إن عمومات‬
‫ٍ ِ‬ ‫ِّ‬
‫يم ( أنهم كان ينبغي أن يمثلوه بآية تقتضي‬ ‫القرآن كلها مخصوصة ( إال قوله ‪ ) :‬واهلل بِ ُكل َش ْيء َعل ٌ‬
‫حكما من األحكام الشرعية ) كقول‪ n‬اهلل تعالى ) والَ تَ ِ‬
‫نك ُحوْا المشركات حتى ُي ْؤ ِم َّن ( اآلية ونحوه‪.‬‬ ‫َ‬
‫وكان الشاطبي يرد عليه بما إذا كان الولي مسلما والزوجين مشركين فإن ظاهر عموم اآلية المنع من‬
‫إنكاحهما مع ّأنه جائز فيكون عمومها مخصوصا ( بهذا )‪.‬‬
‫قيل البن عرفة ‪ :‬هل المراد وال تنكحوا المشركين المؤمنات ؟ فقال ‪ :‬هذا تخصيص‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬وهذه اآلية عندي من العام الباقي على عمومه إال أن يجاب بأنه مخصوص بالمرض‬
‫فإن المريض ال يقدر على الصيام ولو كانت باقية على عمومها للزم في المريض أن يؤمر بالقضاء‬
‫وليس كذلك‪.‬‬
‫الصيام قبل أن يحرم بالحج وبعده‪.‬‬ ‫الح ّج ‪ :‬في وقت الحج ‪ ،‬فيجوز عنده‬ ‫ِ‬
‫ّ‬ ‫قال أبو حيان ‪ :‬في َ‬
‫وقيل ‪ :‬في وقت أفعال الحج فال يجوز الصوم إالّ بعد اإلحرام ‪.‬‬

‫( ‪)2/569‬‬

‫صفحة رقم ‪570‬‬


‫الح ّج ) َي ُدل عليه ألن الحج بذاته فعل والصوم فيه‪.‬‬ ‫ِ‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬ال يحتاج إلى هذا ألن قوله ( في َ‬
‫قيل البن عرفة ‪ :‬ليس الصوم فيه ؟ فقال ‪ :‬الحج بنفس أن يحرم فيه ينسحب عليه حكمه ( فالثالثة )‬
‫َّام هي في الحج حكما‪.‬‬ ‫األَي ُ‬
‫َهلُه ح ِ‬
‫اض ِري المسجد الحرام ‪...‬‬ ‫ِ َّ‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬ذلك ل َمن ل ْم َي ُك ْن أ ْ ُ َ‬
‫(‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬يؤخذ فيمن له أهل بمكة وأهل بغيرها‪.‬‬
‫فقد قال اإلمام مالك ه ‪ :‬إنها من مشبَّهات األمور يؤخذ منه أن حكمه حكم الحاضر بدليل قول ( مالك‬
‫يتم الصالة كالمقيم‪.‬‬
‫) في المسافر ‪ :‬إذا سافر ومر ببلد له فيها أهل فإنه ّ‬
‫َن اهلل َشِد ُ‬
‫يد العقاب (‪.‬‬ ‫قوله تعالى ‪ ( :‬واعلموا أ َّ‬
‫أن الطلب المتقدم قبل هذا كله للوجوب‪.‬‬
‫دليل على ّ‬
‫ات ‪...‬‬
‫وم ٌ‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬الحج أَ ْشهٌُر َّم ْعلُ َ‬
‫(‪.‬‬
‫ابن عطية ‪ :‬أي وقت الحج أشهر‪.‬‬
‫ابن عرفة ‪ :‬أو الحج ذو أشهر كقولهم ‪ :‬زيد عدل أي ذو عدل‪.‬‬
‫إما صادقة أو كاذبة وكالهما‬
‫ابن عرفة ‪ :‬وعادتهم يوردون في هذا تشكيكا وهو أن هذه القضية ‪ّ ،‬‬
‫أما بطالن الثاني فظاهر‬
‫باطل ‪ّ ،‬‬

‫( ‪)2/570‬‬

‫صفحة رقم ‪571‬‬


‫فألنها إذا كانت معلومة كان اإلخبار بها غير مفيد إذ هو تحصيل الحاصل كقولك هذا‬
‫وأما األول ّ‬
‫ّ‬
‫( الشهر ) معلوم‪.‬‬
‫والجواب أن المعلوم قسمان ‪ :‬باق على أصله ومعلوميته لم يقع فيه ( تغيير ) بوجه ‪ ،‬ومعلوم غير‬
‫عن وضعه وهذا منه ‪ ،‬كما قالوه في النسيء ‪ :‬فإنهم كانوا ( يؤخرون ) المحرم لصفر ويجعلونه‬
‫سيدنا رسول اهلل‬
‫وحجة ّ‬
‫حجة أبي بكر ه في ذي القعدة سنة تسع ‪ّ ،‬‬
‫كذلك عاما بعد عام حتى كانت ّ‬
‫الزمان قد استدار كهئته يوم خلق اهلل‬
‫أعني حجة الوداع في ذي الحجة ولذلك قال في خطبته ‪ ( :‬إن ّ‬
‫الحج ) هو األشهر المعلومات ( األصلية ) التي ليس فيها‬
‫أن ( ّ‬
‫السماوات واألرض ) فاقتضت اآلية ّ‬
‫ذلك ( التغيير )‪.‬‬
‫( والجواب الثاني ) بأن فائدة ذلك التنبيه على هذه األشهر المعلومة بالحج كما هو في شرع من قبلنا‬
‫هي في شرعنا‪.‬‬
‫بأن اللّفظ ال يقتضى ذلك‪.‬‬
‫ورده ابن عرفة ّ‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬فإن قلت ‪ :‬ما فائدة ( العدول ) عن الحقيقة إلى المجاز في اإلخبار بظرف الزمان‬
‫عن المصدر مثل ‪ :‬زيد عدل ؟‬

‫( ‪)2/571‬‬

‫صفحة رقم ‪572‬‬


‫فأجاب عن ذلك بأن عادتهم يقولون ‪ ( :‬فائدته ) التنبيه على مفارقة الصالة ‪ /‬فإن الصالة الفائتة‬
‫تقضى في غير وقتها ‪ ،‬والحج ال يقضى إال في هذه األشهر فجعلت كأنها هي نفس الحج لمالزمته‬
‫لها‪.‬‬
‫قال ابن عطية ‪ :‬وأشهر الحج ‪ ،‬شوال ‪ ،‬وذو القعدة ‪ ،‬وعشر ذي الحجة ‪ ،‬حكاه الشيخ ابن حبيب عن‬
‫اإلمام مالك ه وترك قولين آخرين في المذهب ‪ :‬أحدهما ‪ّ :‬أنه شوال وذو القعدة وذو الحجة ‪،‬‬
‫والثاني أنه شوال وذو القعدة وعشر ذي الحجة وأيام الرمي‪.‬‬
‫ض ِفي ِه َّن الحج ‪...‬‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬فَ َمن فََر َ‬
‫(‪.‬‬
‫الدبوسي من ( الحنفية ) ‪ :‬أن الفرض ما نشأ عن دليل قطعي ألنه‬
‫نقل الفخر في المحصول عن أبي ّ‬
‫مأخوذ من الفرض في ( الخشبة ) ‪ ،‬والواجب ما نشأ عن دليل ( ظني ) ألن الوجوب في اللغة‬
‫السقوط‪.‬‬
‫ط ِع ُموْا القانع والمعتر ( ولذلك يقولون ‪ :‬هذا واجب‬
‫وبهَا فَ ُكلُوْا ِم ْنهَا َوأَ ْ‬ ‫قال اهلل تعالى ) فَِإ َذا َو َجَب ْ‬
‫ت ُجُن ُ‬
‫وجوب السنن وال يقولون ‪ :‬هذا فريضة فرض السنن ‪.‬‬

‫( ‪)2/572‬‬
‫صفحة رقم ‪573‬‬
‫الحج مظهرا ‪ ،‬وهال قيل ‪ :‬فمن فرضه فيهن ؟ فأجاب عن ذلك‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬فإن قلت لم أعيد لفظ ّ‬
‫بأنه لو قيل كذلك لكان فيه عود الضمير على اللفظ ال على المعنى مثل ‪ :‬عندي درهم ونصفه ألن‬
‫الحج األول مطلق يصدق بصورة فيتناول حج زيد وعمرو بالتعيين الواقع منهما وحجمها القابل ألن‬
‫يفعاله‪.‬‬
‫واحد ٍ‬
‫واحد بعينه ‪ ،‬والشخص المعين‬ ‫وقول اهلل جل جالله ‪ ) :‬فَمن فَرض ِفي ِه َّن الحج ( مقيد بحج كل ٍ‬
‫َ َ َ‬
‫( حجه مقيد ال ) مطلق ‪ ،‬فلذلك أعيد لفظ الحج مظهرا فيتناول الفرض والتطوع‪.‬‬
‫الحج على أشهر الحج ومنع تقديم إحرام‬
‫قيل البن عرفة ‪ :‬ما الفرق بين ( جواز تقديم ) إحرام ّ‬
‫الصالة على وقتها ؟ فقال ‪ :‬اإلحرام قسمان منقطع ومستصحب ‪ ،‬فالمنقطع كتكبيرة اإلحرام‬
‫والمستصحب النية ‪ ،‬فالنية يصح تقديمها على الوقت ألنها اليزال حكمها منسحبا على المصلي في‬
‫جميع أجزاء صالته وال يصح تقديم تكبيرة اإلحرام النقطاعها بالفراغ منها ‪ ،‬ونظيره هنا السعي ‪ ،‬ال‬
‫يجوز تقديمه على أشهر الحج‪.‬‬
‫وأما نية اإلحرام والتوجه فهو مستصحب فيصح تقديمه على أشهر الحج‪.‬‬
‫بأن إحرام الصالة متيسر‬
‫وفرقوا بين إحرام الصالة وإ حرام الحج ّ‬
‫( ال مشقة ) فيه فامتنع تقديمه وأمر المقدم له بإعادته واعتقاد وجوبه بخالف إحرام الحج‪.‬‬
‫ال ِفي الحج ‪...‬‬
‫وق َوالَ ِج َد َ‬
‫ث َوالَ فُ ُس َ‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬فَالَ َرفَ َ‬
‫(‪.‬‬

‫( ‪)2/573‬‬

‫صفحة رقم ‪574‬‬


‫إن أقل الجمع اثنان ‪،‬‬
‫نقل ابن التلمساني في شرح المعالم الفقهية عن اإلمام مالك رضي هلل عنه ‪ّ :‬‬
‫وقال الباجي في الفصول‪ : n‬المشهور عن مالك وعن أصحابه أن أقل الجمع ثالثة إال ابن خويز منداد‬
‫فإنه قال أقله اثنان‪.‬‬
‫يه َغَن ُم القوم َو ُكَّنا ِل ُح ْك ِم ِه ْم‬
‫ت ِف ِ‬
‫ان ِفي الحرث ِإ ْذ َنفَ َش ْ‬
‫ان ِإ ْذ َي ْح ُك َم ِ‬
‫ود َو ُسلَْي َم َ‬
‫واحتج األولون بقوله ‪َ ) :‬و َد ُاو َ‬
‫أن يريد بالضمير الفاعل والمفعول‪ n‬معا ‪ ،‬أي الحاكم المحكوم عليه‪.‬‬ ‫ِِ‬
‫ين ( وأجيب باحتمال ْ‬ ‫َشاهد َ‬
‫ورده ابن التلمساني بإلزام كون الضمير فاعال ومفعوال في حالة واحدة فيكون مرفوعا منصوبا ‪،‬‬
‫ّ‬
‫انظر المسألة الخامسة من الباب الثالث‪.‬‬
‫وق ‪...‬‬
‫ث َوالَ فُ ُس َ‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬فَالَ َرفَ َ‬
‫(‪.‬‬
‫قال أبو حيان ‪ :‬قرأ األعمش رفوث ‪.‬‬

‫( ‪)2/574‬‬

‫صفحة رقم ‪575‬‬


‫قال ابن عرفة ‪ :‬هو إما جمع بناء على أن جمع المصدر إذا اختلفت أنواعه إما قياسا كما قال ابن‬
‫عصفور أو سماعا كما قال ابن أبي الربيع وابن هشام ‪ ،‬وإ ّما مفردا‪.‬‬
‫ث ) فمثل‬
‫قلت ‪ :‬مثل قعود ووقوف وكقولك‪ : n‬أقل أفوال ‪ ،‬ولزم لزوما ‪ ،‬والجمع كالحلوم وأما ( َرفَ َ‬
‫وخجل خجال‪.‬‬ ‫قولك َو ِج َل َو َجال َ‬
‫قوله تعالى ‪َ ( :‬و َما تَ ْف َعلُوْا ِم ْن َخْي ٍر َي ْعلَ ْمهُ اهلل ‪...‬‬
‫(‪.‬‬
‫أن امتثال األمر بالفعل ‪ ،‬فهال عقب بأن يقال ‪ :‬وما تتركوا‬
‫إن قلت ‪ :‬المتقدم نهي وامتثاله بالترك كما ّ‬
‫من شيء َي ْعلَ َمهُ اهللُ ؟ قيل البن عرفة ‪ :‬نقول إن الترك فعل ؟ فقال ‪ :‬البحث على ّأنه غير فعل‪.‬‬
‫أن نقيض الجلي ( جلي ) ‪ ،‬ونقيض الخفي خفي‬
‫قال ‪ :‬وإ ّنما الجواب بما قال ابن الحاجب من ّ‬
‫فاإلخبار بأن اهلل تعالى يعلم الفعل يستلزم معرفته نقيض ذلك وهو الترك وإ ّنما عدل على التنصيص‬
‫على ذلك بالمطابقة إلى داللة االلتزام ليفيد الكالم أمرين ‪ ،‬وهو الحض على عدم االقتصار على ترك‬
‫ذلك فقط فيتضمن طلب تركه وطلب تعويضه بفعل الخير المحصل للثواب فإنه تعالى عالم بمن يترك‬
‫ذلك ويفعل‪ n‬الخير فنبه على الترك والفعل‪.‬‬
‫ضالً ِّمن َّرِّب ُك ْم ‪...‬‬
‫اح أَن تَْبتَ ُغوْا فَ ْ‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬لَْي َس َعلَْي ُك ْم ُجَن ٌ‬
‫(‪.‬‬
‫سبب نزول هذه اآلية أََّنهم كانو يتوهمون أن سفر الحاج إذا خالطته نية التجارة ينقص من ثوابه أو‬
‫يوقع في اإلثم ‪ ،‬فنزلت‬

‫( ‪)2/575‬‬

‫صفحة رقم ‪576‬‬


‫اآلية‪.‬‬
‫وقوله ( ِّمن َّرِّب ُك ْم ) دليل على ّ‬
‫أن المراد التجارة بالمال الحالل أما الحرام فال‪.‬‬
‫وأما باعتبار اإلذن فال ‪ ،‬واآلية‬
‫قيل البن عرفة ‪ :‬كله من اهلل ؟ فقال ‪ :‬أما باعتبار القدرة فنعم ‪ّ ،‬‬
‫خرجت مخرج اإلذن ورفع الحرج‪.‬‬
‫ابن عطية ‪ :‬الجناح أعم من اإلثم ألنه فيما يقتضي العقاب وفيما يقتضي العقاب والزجر‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬والنفي ب ( ليس ) لما يتوهم وقوعه واإلثم كان متوهما وقوعه في سفر الحج‬
‫للتجارة بخالف النفي ب ( ال )‪.‬‬
‫حسبما ذكره المنطقيون في السالبة والمعدومة ‪ ،‬مثل ‪ :‬الحائط ال يبصر ‪ ،‬وزيد ليس يبصر ‪ ،‬أو غير‬
‫بصير‪.‬‬
‫ضتُم ِّمن عرفَ ٍ‬
‫ات فاذكروا اهلل ‪...‬‬ ‫قوله تعالى ‪ ( :‬فَِإ َذآ أَفَ ْ‬
‫ْ ََ‬
‫(‪.‬‬
‫أن التاء في ( بنت ) ليست للتأنيث‪.‬‬
‫ذكر الزمخشري هنا ّ‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬يقال له بل للتأنيث ألن المذكر ( ابن ) المؤنث ( بنت ) وعادتهم يجيبون بأن تاء‬
‫التأنيث ال يكون ما قبلها إال مفتوحا كفاطمة‪.‬‬
‫أبو حيان ‪ :‬منهم من قال ‪ :‬العامل في ( إذا ) ( فَا ْذ ُك ُروا ) قال ( وأخذ ) من اآلية أن جواب ( إ َذا ) ال‬
‫يعمل فيها ألن مكان إنشاء اإلفاضة غير مكان الذكر فإذا اختلف المكان لزم منه ضرورة اختالف‬
‫الزمانين فال يجوز أن يكون الذكر عند المشعر الحرام واقعا عند انشاء اإلفاضة ‪.‬‬

‫( ‪)2/576‬‬

‫صفحة رقم ‪577‬‬


‫قيل البن عرفة ‪ :‬نقول ‪ :‬إنه يذكر اهلل تعالى عند آخر أزمنة انفصاله من عرفات إلى المشعر الحرام‬
‫‪ ،‬فقال ‪ :‬هذا صحيح لو لم يكن بين المكانين فاصل ‪ ،‬وإ نما الجواب الذي عادتهم يقولونه ‪ّ :‬إنك تقول‬
‫إذا قدم زيد من سفره فاكرمه بعد قدومه بيوم ‪ ،‬فالعامل في ( إذا ) هو أكرمه مع اختالف الزمان‪.‬‬
‫قال ‪ :‬عادتهم يقولون ‪ :‬ليس العامل في إذا أكرمته بذاته ‪ ،‬بل الستلزامه معنى فعل آخر يصح عمله‬
‫تقديره ‪ :‬إذا قدم زيد فاعلم ّأن َك مكلف بإكرامه بعد قدومه بيوم ‪ ،‬وكذلك ( تفهَم ) هذه اآلية فال يتم‬
‫جوابها‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ألبي حيان الرد بهما على من يقول العامل في ( إذا )‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬واذكروه َك َما َه َدا ُك ْم ‪...‬‬
‫(‪.‬‬
‫إما‬
‫ق ‪ ،‬فهو تأسيس ال تأكيد وقوله ‪َ ( :‬ك َما َه َدا ُك ْم ) الكاف ّ‬ ‫طلَ ٌ‬ ‫الح ّج ‪ ،‬والثاني ‪ِ :‬ذ ْكٌر ُم ْ‬ ‫ذكر َ‬
‫األول ‪ُ :‬‬
‫َح َس َن اهلل ِإلَْي َك ( قوله تعالى ‪َ ( :‬وإِ ن ُكنتُم ِّمن قَْبِل ِه لَ ِم َن الضآلين ‪...‬‬
‫َح ِسن َك َمآ أ ْ‬
‫للتعليل مثل ‪َ ) :‬وأ ْ‬
‫(‪.‬‬
‫الضالل لها‪.‬‬ ‫قال ابن عرفة ‪ :‬إن قلت هذا تأكيد ألن الهداية تستلزم تقدم ّ‬
‫ين‪.‬‬‫فالجواب ّأنه إنما ( كان ) يكون تأكيدا ( أن ) لو قيل ‪ :‬وإِ ن ُكنتُم ِم ْن قَْبِل ِه َ ِّ‬
‫ضال َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫أخص من قولك ‪ :‬زيد صالح ‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫وهذا أخص ألن قولك ‪ :‬زيد من الصالحين‬

‫( ‪)2/577‬‬

‫صفحة رقم ‪578‬‬


‫آمُنوْا َو َع ِملُوْا الصالحات لَُن ْد ِخلََّنهُ ْم ِفي الصالحين‪.‬‬
‫قاله الزمخشري في قول اهلل تعالى ) والذين َ‬
‫اض الناس ‪...‬‬ ‫يضوْا ِم ْن َح ْي ُ‬
‫ث أَفَ َ‬
‫ِ‬
‫( قوله تعالى ‪ ( :‬ثَُّم أَف ُ‬
‫(‪.‬‬
‫الزمان لتعذره وهذا على ( اإلفاضة ) من‬
‫قال أبو حيان ‪ ( :‬ثم ) قيل ّإنها للترتيب في الذكر ال في ّ‬
‫عرفات وقيل بمعنى الواو‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬ال فرق بينهما ألن الواو كذلك هي أيضا للترتيب في الذكر فالمقدم فيها مقدم في‬
‫اللفظ ال في المعنى‪.‬‬
‫قيل البن عرفة ‪ّ :‬إنما يريد النحويون بذلك الذكر القلبي بمعنى ‪ :‬أنه لم يستحضر ّأوال غير ( األول )‬
‫من المعطوفين فلذلك بدأ به فلما نطق به استحضر اآلخر وهذا مستحيل في اآلية‪.‬‬
‫وذكر الزمخشري أن ( ثُّم ) هنا لبعد ما بين اإلفاضتين وأن إحداهما صواب واألخرى خطأ كما تقول‬
‫‪ :‬أحسن إلى الناس ثم ال تحسن إلى غير كريم‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬فإن قلت ‪ :‬هال ( قال ) ثم أحسن إلى الكريم فيعطف األمر على األمر فهو أولى من‬
‫عطف النهي على األمر‪.‬‬
‫فأجاب بأنه أراد تحقيق كونها لبعد ما بين الصواب وهو اإلحسان إلى الكريم والخطأ وهو اإلحسان‬
‫إلى غير الكريم ولو أتى بالكل أمرا‬

‫( ‪)2/578‬‬

‫صفحة رقم ‪579‬‬


‫لكانت ( ثم ) بين الجائز واألولى‪ ( n‬ولم ) تكن صريحة في البعد والتفاوت‪n.‬‬
‫( وزاد ) أبو حيان قولين ‪ :‬أحدهما ‪ّ :‬أنها للترتيب الزماني واإلفاضة ( من ) جمع‪.‬‬
‫واآلخر ‪ :‬أنها على بابها من الترتيب‪.‬‬
‫ون َيا أ ُْوِلي األْلَباب ثم أفيضوا‪.‬‬
‫وفي الكالم تقديم وتأخير أي َواتَّقُ ِ‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬والفرق بين القولين ( األولين ) عندي أن يريد بقوله ( ثُّم ) هنا ‪ ،‬قيل للترتيب في‬
‫الذكر ‪ّ ،‬إنها في هذه اآلية خاصة بمعنى الواو ‪ ،‬وبالقول‪ n‬الثاني ‪ :‬إنها بمعنى الواو مطلقا واهلل أعلم‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬وعادتهم يقولون ‪ّ :‬إنها للتراخي والمهلة فهي على بابها ‪ ،‬والمهلة فيها بين الذي يليها‬
‫فقط والذي يليها هو معطوف على ما قبله بالواو والمشهور في الواو ّأنها للجمع من غير ترتيب وال‬
‫مهلة ‪ ،‬فتكون الجملة الموالية ل ( ثم ) مراد بها التقديم‪.‬‬
‫اس ) و‬ ‫اض َّ‬
‫الن ُ‬ ‫يضوا ِم ْن َحْي ُ‬
‫ث أَفَ َ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫ضتُم ِّم ْن َع َرفَات فَا ْذ ُك ُروْا اللّهَ َك َما َه َدا ُك ْم ) ( ثم أَف ُ‬‫والتقدير ‪ ( :‬فَِإ َذا أَفَ ْ‬
‫الح َر ِام (‪.‬‬ ‫ِ‬
‫الم ْش َع ِر َ‬
‫) وا ْذ ُك ُرا اللّه عند َ‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬وهذا معنى سادس لم يذكروه ‪ ،‬وهو الذي ( ينبغي ) حمل اآلية عليه‪.‬‬
‫واهلل أعلم ‪.‬‬

‫( ‪)2/579‬‬

‫صفحة رقم ‪580‬‬


‫اض الناس ( قرأ ابن جبير ( الناسي )‪.‬‬ ‫وقول اهلل تعالى ‪ِ ) :‬م ْن َح ْي ُ‬
‫ث أَفَ َ‬
‫أبو حيان ‪ :‬واأللف والالّم قيل للعهد وقيل للجنس فالعهد يريد آدم عليه السالم‪.‬‬
‫الحج أو باإلطالق‪.‬‬
‫اسي في ّ‬ ‫الن ِ‬
‫( قال ) ابن عرفة ‪ :‬كونها للجنس ( إما ) أن يريد ّ‬
‫الناس‬
‫فالناسي في الحج ال إفاضة له ألنه نسي اإلفاضة فال يصح أمرنا له باإلفاضة من حيث أفاض ّ‬
‫ّ‬
‫وإِ ن أراد الناسي مطلقا ‪ ،‬وهو الذي نسي غير هذا أي من حيث أفاض الذي من شأنه النسيان فباطل‬
‫أيضا ‪ ،‬ألن ترتيب الحكم على االسم ( المشتق ) ( يشعر ) بمناسبة معناه للحكم ‪ ،‬وعلته له فإذا قلت‪.‬‬
‫أكرم زيدا المصلي ‪ ،‬فإكرامه إنما هو لصالته ال لصدقته‪.‬‬
‫قال ابن عطية ‪ :‬ويجوز عند بعضهم حذف الياء‪.‬‬
‫وأما جوازه مقروءاً به فال أحفظه ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬فأما جوازه في العربية فذكره سيبويه ّ‬

‫( ‪)2/580‬‬

‫صفحة رقم ‪581‬‬


‫قال ابن عرفة ‪ :‬وهذا غير صحيح كيف يقول ‪ :‬ال أحفظه وهو شأن الزوائد في القرآن في االسم‬
‫ْت الَ تَ َكلَّ ُم َن ْف ٌس ِإالَّ بِِإ ْذنِ ِه ( وقال أيضا ) قَ َ‬
‫ال َذِل َك َما ُكَّنا َن ْب ِغ ( فقرأ ابن‬ ‫والفعل ‪ ،‬قال اهلل تعالى ) يوم يأ ِ‬
‫َْ َ َ‬
‫ْت ) ( َوَن ْب ِغ ) بحذف الياء وصال ووقفا‪. n‬‬ ‫عامر وعاصم وحمزة ‪ ( :‬يأ ِ‬
‫َ‬
‫وجوزه الفراء‪.‬‬
‫وتعقبه أبو حيان بأن سيبويه لم يجزه إال في الشعر ّ‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬وعادتهم يقولون ‪ :‬لم عدل في اآلية عن داللة المطابقة وهي حقيقة إلى داللة االلتزام‬
‫‪ ،‬وهي مجاز ‪ ،‬فعبر باإلفاضة المستلزمة للوقوف ‪ ،‬وهال عبر بالوقوف نفسه فيقول‪ : n‬ثم قفوا من‬
‫بأن قريشا كانوا ال يخرجون‬
‫حيث وقف الناس ‪ ،‬فما السر في ذلك ؟ قال ‪ :‬وعادتهم يجيبون عن ذلك ّ‬
‫من الحرم لشرفه ويرون الخروج عنه موجبا للوقوع في اإلثم ‪ ( ،‬ويقفون‪ n‬بالمشعر الحرام ‪ ،‬فأتت‬
‫إن اإلتيان إلى‬
‫اآلية ردا عليهم وتنبيها على أن الخروج هنا الينقص أجرا وال يوقع في اإلثم ) ثم ّ‬
‫المحل الشريف من‬

‫( ‪)2/581‬‬

‫صفحة رقم ‪582‬‬


‫المحل البعيد ُم ْش ِعر بنهاية تعظيمه وكمال تشريفه ‪ ،‬فقصد التنبيه على الحكم مقرونا بعلته ‪ ،‬وهذا هو‬
‫المذهب الكالمي عند البيانيين‪.‬‬
‫ولو قيل ‪ :‬ثم قفوا ‪ ،‬لما أشعر باالنتقال‪ n‬والرجوع من الحل إلى الحرم بعد الخروج منه ‪ ،‬فعبر‬
‫باإلفاضة التي من شأنها أن التكون ( إال بعد ) وقوف إلشعارها باالنتقال‪ n‬من المحل البعيد وهو‬
‫عرفة ألنه في الحل إلى هذا الحرم الشريف تكريما له وإ جالال ‪ ،‬فاإلفاضة مستلزمة للرجوع إلى‬
‫ِ‬
‫الحرم إلى الحل‪.‬‬ ‫الحرم ‪ ،‬ومشعرة بالوقوف المستلزم للخروج من‬
‫قيل البن عرفة ‪ :‬أو يجاب بأنه عبر باإلفاضة للمناسبة بينه وبين لفظه في أول اآلية واهلل أعلم‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬فَِإ َذا قَض ْيتُم َّمَن ِ‬
‫اس َك ُك ْم ‪...‬‬ ‫َ‬
‫(‪.‬‬
‫المراد ‪ :‬القضاء المطلق اللّغوي وهو فعل ( العبادة ) سواء كان في وقتها أو بعد وقتها ‪ ،‬أي إذا‬
‫فرغتم من حجكم‪.‬‬
‫آء ُك ْم أ َْو أَ َش َّد ِذ ْكراً ‪...‬‬ ‫ِ‬
‫قوله تعالى ‪َ ( :‬كذ ْك ِر ُك ْم َآب َ‬
‫(‪.‬‬

‫( ‪)2/582‬‬
‫صفحة رقم ‪583‬‬
‫النية فالمراد إما اإلكثار من ذكره أو كمال الحضور‬
‫األشدية إما في القدر أو باعتبار حضور ّ‬
‫واإلخالص في ذكره‪.‬‬
‫وفي إعرابه ستة أوجه‪.‬‬
‫ِ‬
‫الزمخشري ‪ ( :‬أَ َش ّد ) معطوف على ما أضيف إليه الذكر في قوله ) َكذ ْك ِر ُك ْم َآب َ‬
‫آء ُك ْم ( ‪.‬‬ ‫قال ّ‬

‫( ‪)2/583‬‬

‫صفحة رقم ‪584‬‬


‫قال الطيبي ‪ :‬وضعفه بعضهم ألن فيه العطف على ( المضمر المخفوض ) من غير أعادة الخافض‪.‬‬
‫ون بِ ِه واألرحام ( بالخفض أقبح رد‪.‬‬
‫آءلُ َ‬
‫قال ورد قراءة من قرأ ) تَ َس َ‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬وهذا إما كفر أو معصية ألنها قراءة حمزة‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬ومنهم من فرق بين العطف على الضمير المجرور بالحرف وبين العطف على‬
‫المخفوض ( باإلضافة ) فأجاز العطف على المضاف من غير إعادة الخافض‪.‬‬
‫الزمخشري ‪ :‬كما تقول ( كذكر ) قريش آباءهم أو قوما أشد منهم ذكرا‪.‬‬ ‫قال ّ‬
‫اء ُك ْم ) أ َْو أَ َش ّد ِذ ْكرا ) من آبائكم على أن‬
‫قال ‪ :‬ويكون ( أشد ) في موضع نصب عطفا على ( ( َآب َ‬
‫( ِذ ْكرا ) من فعل المذكور‪.‬‬
‫اء ُك ْم ) كان التقدير ‪ :‬أو‬
‫واختلف في تفسيره فقال أبو حيان ‪ :‬معناه أنك إذا عطفت ( أ َش ّد ) على ( َآب َ‬
‫قوما أ َش ّد ِذ ْكرا من آبائكم فالقوم مذكورون والذكر الذي هو ( تمييز ) ( بعد ) أ َش ّد‬

‫( ‪)2/584‬‬

‫صفحة رقم ‪585‬‬


‫هو من فعلهم أي وفعل القوم المذكورين ألنه جاء بعد أفعل الذي هو صفة للقوم أي أو قوما أ َش ّد ِذ ْكرا‬
‫من ذكركم آلبائكم‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬فمعناه عنده أو كذكركم قوما ذاكرين اهلل بذكر هو أشد ذكرا ‪ ،‬أي بذكر هو أشد من‬
‫األذكار التي تذكرون بها آباءكم ‪ ،‬فجعل القوم المذكورين ذاكرين وهو بعيد‪.‬‬
‫وقال الطيبي ‪ :‬أراد الزمخشري أن معناه كذكركم قوما مذكورين بذكر هو أشد ذكرا ‪ ،‬فقوما مفعول‪n‬‬
‫وأشد صفة ‪ ،‬فوصفوا باألشدية من حيث كونهم مذكورين أي كذكركم قوما ذكرتموهم بذكر هو أشد‬
‫ّ‬
‫ذكرا‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬واعلم أن ( أَ ْف َع َل ( ِم ْن ) ) إن انتصب تمييزها كانت من صفته وإ ن انخفض كانت‬
‫من صفة االسم الذي ( جرت ) عليه‪.‬‬
‫تقول ‪ :‬زيد أحسن عبدا بالنصب ‪ ،‬أي زيد يملك عبدا أحسن من عبيد غيره‪.‬‬
‫وأن خفضت كان معناه ‪ :‬أن زيدا في نفسه أحسن عبيد اهلل تعالى‪.‬‬
‫ففي اآلية هنا على كالم التفسيرين جعل للذكر ذكر مبالغة مثل جد جده وشعر ( شعره ) أي ذكرا‬
‫شبيها بذكر آبائهم أو ذكرا أشد ‪ ،‬فاألشدية من صفة ذكر المتأخر وهو غير األول فيكون الذكر ذكر‬
‫مبالغة‪.‬‬
‫فالحاصل أن معناه عند أبي حيان ‪ :‬أو كذكركم قوما ذاكرين اهلل بذكر ذلك الذكر أشد ذكرا ‪ ،‬أي ذلك‬
‫أشد من األذكار التي يذكرون بها آباءهم ‪.‬‬
‫الذكر كلّه ذكر ّ‬

‫( ‪)2/585‬‬

‫صفحة رقم ‪586‬‬


‫( وعند الطيبي ‪ :‬المعنى أو كذكركم قوما ذكرتموهم ‪ ،‬فذكر له ذكر أشد من غيره من األذكار التي‬
‫تذكرون بها آباءكم )‪.‬‬
‫فقول الزمخشري ‪ :‬على أن ( ذكرا ) من فعل المذكور هو عند أبي حيان ( الفعل ) وعند الطيبي‬
‫النحوي وكالم‪.‬‬
‫الفعل االصطالحي ّ‬
‫إنما هو من حيث كونهم مذكورين بأشد األذكار ال من حيث‬
‫طيبي أصوب ألن ( التشبيه ) بالقوم ّ‬
‫ال ّ‬
‫كونهم ذاكرين بأشد األذكار‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬وهذه مسألة طويلة ( عويصة ) ما رأيت من يفهمها من الشيوخ إال الشيخ ابن عبد‬
‫السالم ‪ ،‬والشيخ ( ابن الحباب )‪.‬‬
‫قصر الطيبي ( فيها ) ( وهو الذي كشف القناع عنها و ( تكلم عليها ) هنا‬ ‫وهكذا كانا يقررانها وما ّ‬
‫وفي قول اهلل تعالى في النساء ) َي ْخ َش ْو َن الناس َك َخ ْشَي ِة اهلل أ َْو أَ َش َّد َخ ْشَيةً ( وكالمه في تلك اآلية هو‬
‫الذي حمل التونسيين على نسخه ألني كنت عند ابن عبد السالم في السقيقة لما قدم الواصل بكتاب‬
‫الطيبي فقلت له ‪ :‬ننظر ما قال في ( أ َش َّد َخ ْشَيةً ) فنظرناه فوجدنا فيه زيادة على ما قال الناس فحض‬
‫الشيخ إذاك على نسخه ‪.‬‬

‫( ‪)2/586‬‬
‫صفحة رقم ‪587‬‬
‫قلت ‪ :‬ولما ( حد ) ابن الصائغ ( المصدر ) في بابه استشكل نصب ( ذكرا ) في اآلية لما تقدم من‬
‫أن ( التمييز ) المنتصب بعد افعل سواء بدأ ( غير ) الموصوف بها مثل ‪ :‬زيد أفضل الناس أبا ‪ ،‬ف‬
‫بأنه كقولك ‪ :‬زيد أفضل الناس رجال وعبدا ‪ ،‬ومعناه عند‬
‫أشد ) في اآلية صفة للذكر ثم أجاب ّ‬
‫( ّ‬
‫الناس ‪،‬‬
‫الناس إذا وصفوا رجال رجال ‪ ،‬وليس المراد أن عبده أو ( رجله ) أفضل ّ‬
‫سيبويه أفضل ّ‬
‫أن‬
‫فمعنى اآلية أشد األذكار إذا ( صنفت ) ( ذكرا ) في اآلية تمييز أو حال واألكثر في مثل هذا ْ‬
‫الناس رجال‪.‬‬
‫تضاف إليه افعل لكنه لتقدم الذكر قبله قد يجوز مثل ‪ :‬زيد أفضل ّ‬
‫قال ‪ :‬ويمكن أن يكون ( ذكرا ) مصدرا ل ( اذكروا ) فقدمت صفته وهو ( ذكر ) فانتصب على‬
‫الحال‪.‬‬
‫والممعنى ‪ :‬واذكروا اهلل ذكرا كذكركم آباءكم ‪ ،‬وأطال الكالم بما هذا حاصله‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬وعلى هذا ال يحتاج فيه إلى المجاز الذي في ‪ :‬جد جده وشعر شعره‪.‬‬
‫وباهلل التوفيق‪.‬‬
‫أن‬
‫ألنهم قالوا ‪ :‬سبب نزولها ّ‬
‫أن ) األمر بالشيء نهي عن ضده ّ‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬هذه اآلية نص في ( ّ‬
‫قريشا الحمس كانوا‬

‫( ‪)2/587‬‬

‫صفحة رقم ‪588‬‬


‫يجتمعون بعد اإلفاضة من عرفات فيفتخرون بأنسابهم فنزلت اآلية ردا عليهم فكان األصل أن يقال ‪:‬‬
‫فإذا قضيتم مناسككم ال تفتخروا بآبائكم‪.‬‬
‫ويتحدثوا في أخبار األوائل فيما ليس بذكر وال‬
‫ّ‬ ‫لكنه لو قيل ذلك الحتمل أن يسكتوا وال يتكلّموا بشيء‬
‫فخر فأمرهم اهلل تعالى بذكر حتى يتناول النهي عن االشتغال بجميع أضداده المنافية له‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬و ( أ َْو ) في قوله ( أ َْو أَ َش ّد ) للتفصيل فمن هو كثير الشغل والشغب فذكره كذكر‬
‫أشد ذكرا ويزيد ما استطاع‪.‬‬ ‫آبائه ومن هو خالي البال يعني الخاطر فذكره ّ‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬فَ ِم َن الناس َمن َيقُو ُل َربََّنآ آتَِنا ِفي الدنيا و َما لَهُ ِفي األخرة ِم ْن َخالَ ٍ‬
‫ق (‪.‬‬ ‫َ‬
‫قال ابن عطية ‪ :‬سببها أنهم كانوا في الجاهلية يدعون في مصالح الدنيا فقط إذ كانوا ال يعرفون‬
‫اآلخرة فنهو عن ذلك‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬فتقدير ( السَّببية ) على هذا إما أنهم نهوا عن االقتصار ( في الدعاء ) بمصالح الدنيا‬
‫فقط وأمروا بالشعور باآلخرة واستحضار وجودها‪.‬‬
‫قال ‪ :‬ويحتمل ( تقدير ) السببية بوجهين آخرين‪.‬‬
‫أحدهما ‪ :‬أن في اآلية اللف والنشر َمن ( َيقُو ُل َربََّنآ آتَِنا ِفي الدنيا ) راجع‬

‫( ‪)2/588‬‬

‫صفحة رقم ‪589‬‬


‫آء ُك ْم ) وقوله تعالى ) َو ِم ْنهُم َّمن َيقُو ُل َربََّنآ آتَِنا ِفي الدنيا َح َسَنةَ ( راجع إلى قوله‬ ‫ِ‬
‫لقوله ( َكذ ْك ِر ُك ْم َآب َ‬
‫( أ َْو أَ َش َّد ِذ ْكراً )‪.‬‬
‫ق ) ( يدل على أنه كافر فيكف‬ ‫قيل البن عرفة ‪ ( :‬يعكر ) عليه قوله ( و َما لَهُ ِفي األخرة ِم ْن َخالَ ٍ‬
‫َ‬
‫ألن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أن ( و َما لَهُ في األخرة م ْن َخالَ ٍ‬
‫ق ) ( معتبر ) بأمرين ّ‬ ‫يذكر اهلل كذكره أباه ؟ فقال ‪ :‬قد تقرر ّ َ‬
‫الواو فيه واو الحال فيحتمل أن يراد أنه في نفس األمر ليس له نصيب في اآلخرة ‪ ،‬ويحتمل ( أن )‬
‫يريد من الناس المؤمنين من يطلب أمور الدنيا ‪ ،‬ولم يتعلق له بال بطلب الثواب في اآلخرة عليه ‪،‬‬
‫فقد يعمل العمل الصالح ‪ ،‬ويطلب المعونة عليه ‪ ،‬ولم يخطر بباله طلب الثواب عليه في اآلخرة بوجه‬
‫( أو بطلب الرزق الحالل من نعيم الدنيا ومستلذاتها ‪ ،‬ويصرفه في وجهه وهو مع ذلك طائع ‪ ،‬وال‬
‫يتشوق إلى طلب اآلخرة بوجه ) بل ( يغفل ) عن ذلك‪.‬‬
‫الوجه الثاني في تقرير السببية ‪ :‬أنه لما تقدم األمر بذكر اهلل عقبه بهذا تنبيها على أن من الناس من ال‬
‫يمتثل هذا االمر وال يقبله ‪ ،‬ومنهم من يمتثله ويعمل بمقتضاه فهو الذي يقول ‪َ ) :‬ربََّنآ آتَِنا ِفي الدنيا‬
‫َح َسَنةً َو ِفي األخرة َح َسَنةً ( أو يرجع إلى القبول واألجر‪.‬‬
‫وتقرر أن القبول أخص ‪ ،‬فمن الناس من يفعل العبادة فال يجزيه ويخرجه من عهدة التكليف فقط وال‬
‫يثاب عليها كمن يصلي رياء ومنهم من يفعلها باإلخالص ونية فتقبل منه ‪ ،‬ويثاب عليها في الدار‬
‫اآلخرة ‪.‬‬

‫( ‪)2/589‬‬

‫صفحة رقم ‪590‬‬


‫قال ابن عرفة ‪ :‬وعادتهم يختلفون في األلف والالم في ( الناس ) فمنهم من كان يقول إنها للعهد‬
‫والمراد بها الناس الحجاج ( ومنهم من جعلها للجنس فعلى ّأنها للعهد يكون التقسيم مستوفيا ألن‬
‫الحجاج ) ال بد أنهم يدعون إما بأمر دنيوي أو بأخروي ( وعلى أنها للجنس اليكون مستوفيا ) ألن‬
‫بعض الناس قد ال يدعون بشيء أصال ال دنيوي وال أخروي‪.‬‬
‫قيل البن عرفة ‪ :‬وكذلك على أنها للعهد ألن بعض الحجاج يدعو أيضا بأمر اآلخرة فقط ؟ ‪...‬‬
‫قال أبو حيان ‪ :‬ومفعول ( آتَِنا ) األول محذوف‪.‬‬
‫ق ابن عرفة ‪ :‬هذا أحد القولين فيها ‪ ،‬وفيها قول آخر بأن الفعل المتعدي إذا ضمن المجرور الذي‬
‫بعده معنى آخر تصح نيابته مناب المفعول‪n.‬‬
‫و ( في ) هنا يتضمنه معنى كقولك ‪ :‬أكلت من الرغيف‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪َ ( :‬و ِفي األخرة َح َسَنةً َو ِقَنا َع َذ َ‬
‫اب النار (‪.‬‬
‫ضعف الشيخ أبو حيان العطف هنا للفصل‪.‬‬
‫وأجاب بعض الطلبة بأن ( حسنة ) مفعول‪ n‬صريح وفي اآلخيرة مجرور مؤخر في المعنى ‪ ،‬فتقديمه‬
‫يصيره فاصال‪.‬‬
‫فقال ابن عرفة ‪ :‬ال يضر ذلك عندهم‪.‬‬
‫وأنا فيه عندي ّأنه نعت نكرة تقدم عليها فصار حاال والحال صفة في المعنى ‪ ،‬وإ ذا كان صفة فالفصل‬
‫( به ) جائز ألنه جزء من الموصوف أو كالجزء‪.‬‬
‫ونظيره‬

‫( ‪)2/590‬‬

‫صفحة رقم ‪591‬‬


‫( من ) اآلية التي مثل بها‪.‬‬
‫وب‬ ‫آء ِإ ْس َح َ‬‫اق و ِمن ور ِ‬ ‫قال ‪ ( :‬وما يجيء ) ( تمثيل ) الفصل إال بقوله تعالى ) فََب َّش ْرَن َ ِِ‬
‫اق َي ْعقُ َ‬ ‫اها بإ ْس َح َ َ َ َ‬
‫َهِلهَا َوإِ َذا‬ ‫ْم ُر ُك ْم أَن تُ ُّ‬
‫ؤدوْا األمانات إلى أ ْ‬ ‫ِ‬
‫( بالنصب على قراءة حمزة وأما قوله تعالى ) إ َّن اهلل َيأ ُ‬
‫َح َك ْمتُم َب ْي َن الناس أَن تَ ْح ُك ُموْا بالعدل ( فالفصل هنالك بالظرف ( وهي ) جملة معطوفة على جملة‪.‬‬
‫يب ِّم َّما َك َسُبوْا ‪...‬‬
‫ص ٌ‬‫قوله تعالى ‪ ( :‬أولئك لَهم َن ِ‬
‫ُْ‬
‫(‪.‬‬
‫راجع للفريقين فمن طلب الدنيا لها وكذلك اآلخرة‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬واهلل َس ِريعُ الحساب (‪.‬‬
‫قال ابن عطية ‪ :‬قيل لعلي كيف يحاسب اهلل العباد في يوم ؟ فقال ( كما يرزقهم في يوم )‪.‬‬
‫قل ابن عرفة ‪ :‬كما يفهم أن العرض ال يبقى زمنين والقدرة صالحة إلى اإلمداد بعرض آخر فكذلك‬
‫القدرة صالحة ( ألن )‬

‫( ‪)2/591‬‬
‫صفحة رقم ‪592‬‬
‫فيخبرون ) بذلك في زمن واحد‪.‬‬
‫ُ‬ ‫يخلق هلل في نفس كل واحد اإلخبار بما لَهُ وما عليه (‬
‫وهذا أمر خارق للعادة وال يمكن قياسه على الشاهد‪.‬‬
‫ود ٍ‬
‫ات ‪...‬‬ ‫قوله تعالى ‪ ( :‬واذكروا اهلل في أَي ٍ‬
‫َّام َّم ْع ُد َ‬
‫(‪.‬‬
‫أن الحجاج‬
‫يكبرون في تلك األيام غير ّ‬
‫األمر إما خاص ( بالحاج ) أو عام ألن سائر الناس أيضا ّ‬
‫يكبر دبر ( كل ) صالة فقط ‪ ،‬وقد كان عمر يرفع صوته بالتكبير في‬ ‫يكبرون في كل النهار وغيرهم ّ‬
‫الناس كلّهم حتى ( ُي ْس َمع ) التكبير من مكة‪.‬‬ ‫( خبائِه ) ّ‬
‫فيكبر من خلفه ثم يكبر ّ‬
‫( وقيل ) هل األمر للوجوب أو للندب ؟ قال ‪ :‬إن أريد مطلق الذكر فهو للوجوب وإ ن أريد الذكر‬
‫الخاص في الوقت الخاص فهو للندب ‪ ،‬وأما لالباحة ( فال )‪.‬‬
‫ات ) أخذوا منه أن الواحد عدد ألنه جمع مفرده معدود‪.‬‬ ‫ود ٍ‬‫وقوله ( َّم ْع ُد َ‬
‫وأجيب بأن الشيء في نفسه ليس كهو مع غيره فالمجموع عدد والبعض غير عدد‪.‬‬
‫َّل ِفي َي ْو َم ْي ِن فَآل ِإثْ َم َعلَْي ِه ( ‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬فَ َمن تَ َعج َ‬

‫( ‪)2/592‬‬

‫صفحة رقم ‪593‬‬


‫( تُؤول ) بأمرين إما نفي لإلثم حقيقة أو إثبات األجر له والثواب ( ألن الثواب ) كان حاصال‬
‫( باإلقامة ) ألن الذكر معلوم أنه يحصل الثواب فما يبقى إال توهم الوقوع في اإلثم هنا ( لما كان )‬
‫الجاهلية يعتقدون‪.‬‬
‫( فنفي ) ما يتوهم وبقي‪ n‬ما عداه ثابتا باألصالة وهو حصول الثواب على الذكر‪.‬‬
‫قيل البن عرفة ‪ :‬واآلية تد ّل على ترك العمل ( بمفهوم ) العدد ألن مفهومها‪ n‬أن المتعجل في أقل من‬
‫نفرع على أن تارك السنن‬
‫إما أن ّ‬
‫يومين مأثوم ‪ ،‬مع أن التأخير سنة وتارك السنة غير مأثوم ؟ فقال ‪ّ :‬‬
‫متعمدا مأثوم وتقدم نظيره في الوتر ‪ ،‬أو نقول ‪ :‬معنى ( الَ ِإثْ َم ) أي له الثواب‪.‬‬
‫متعمدا مأثوم ؟ قال ‪ :‬ال حجة فيه الحتمال أن يراد بنفي‬ ‫السنن ّ‬
‫قيل لالمام ‪ :‬ففيه حجة للقائل بأن تارك ّ‬
‫اإلثم حصول الثواب‪.‬‬
‫ِ‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬واعلموا أََّن ُك ْم ِإلَْيه تُ ْح َش ُر َ‬
‫ون (‪.‬‬
‫أن الحشر بإعادته هذه ( األجساد ) بعينها‪.‬‬
‫في ظاهره دليل على ّ‬
‫قيل البن عرفة ‪ :‬وفيه دليل على ذم التقليد ؟ فقال ‪ :‬يقال الحاصل للمقلد علم ال ظن ‪.‬‬

‫( ‪)2/593‬‬

‫صفحة رقم ‪594‬‬


‫قوله تعالى ‪َ ( :‬و ِم َن الناس َمن ُي ْع ِجُب َك قَ ْولُهُ ‪...‬‬
‫(‪.‬‬
‫إما أنها عامة في كل من أبطن الكفر وأظهر اإلسالم ‪،‬‬
‫حكى ابن عطية في سبب نزولها ثالثة أوجه ‪ّ :‬‬
‫وإ ما ّأنها خاصة بقوم من المنافقين تكلَّموا في قوم من المؤمنين استشهدوا في غزوة الرجيع‪.‬‬
‫وإ ما أنها خاصة باألخنس بن ( شريق )‪.‬‬
‫قال أبو حيان ‪ :‬و ( من ) إما موصولة بمعنى الذي أو نكرة موصوفة‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬إعرابها نكرة مناسب للقول بعموم اآلية في كل منافق ‪ ،‬وإ عرابها موصولة مناسب‬
‫للقولين اآلخرين ألجل العهد الذي في الصلة فيقتضي‪ n‬تقدم معهود على ( الخصوص ) ويكون تعجبك‬
‫ماضيا في المعنى ( أي ) بفلظ المضارع للتصوير والتحقيق كأنه مشاهد وعلى العموم فهو مستقبل‬
‫حقيقة‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪ِ ( :‬في الحياة الدنيا (‪.‬‬
‫إما متعلق ب ( يعجبك ) أو ب ( قَ ْولُهُ )‪.‬‬
‫وعادتهم يوردون عليه سؤاال وهو أنه إن تعلق ب ( يعجبك ) كان الكالم غير مفيد ألنه معلوم ألن‬
‫اإلعجاب منه إنما هو في الدنيا ‪ ،‬وال يقع في اآلخرة فهو تحصيل الحاصل ‪ ،‬وإ ن تعلق ب ( قَ ْولُهُ )‬
‫فإما أن يراد نفس قوله أو متعلقه ‪ ،‬فمتعلقه ّإنما هو في اآلخرة ال في الدنيا ألن ( محصول ) ذلك‬
‫القول ( اإلسالم ) وهو أمر أخروي ال دنيوي‪.‬‬
‫وإ ن أريد نفس ( قَ ْولُهُ ) فذلك القول‬

‫( ‪)2/594‬‬

‫صفحة رقم ‪595‬‬


‫إنما وقع منه في الدنيا ونحن نعلم ذلك من غير حاجة إلى اإلعالم به فيرجع إلى تحصيل الحاصل‪.‬‬
‫قال ‪ :‬فالجواب أنه على حذف مضاف ‪ ،‬أي يعجبك قوله في شأن الحياة الدنيا ‪ ،‬ألنه إنما ( يقصد )‬
‫بكلمة اإلسالم عصمته من القتل واألسر وضرب ( الجزية ) ‪ ،‬وصيانة ماله وعرضه ‪ ،‬فاإلعجاب‬
‫راجع إلى حكم دنيوي ألن المراد به نفس التعجب‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪َ ( :‬وُي ْش ِه ُد اهلل على َما ِفي َقْلبِ ِه ‪...‬‬
‫(‪.‬‬
‫دليل على أن العقل في القلب‪.‬‬
‫قيل البن عرفة ‪ :‬وهذا من الكذب على اهلل‪.‬‬
‫وقد ذكر ابن التلمسانى فيه قولين ‪ :‬قيل إنه كفر ‪ ،‬وقيل ال ؟ قال ابن عرفة ‪ّ :‬إنما الخالف في الكذب‬
‫َح ّل اهلل كذا وحرم كذا وأما قول القائل أي الحالف لقد كان كذا واهلل يعلم‬
‫على اهلل في األحكام كقوله ‪ :‬أ َ‬
‫التعجب من كالمه‬
‫ّ‬ ‫ّأني لصادق ‪ ،‬فهو يمين غموس وليس من ذلك القبيل وعلق التعجب بالقول ليفيد‬
‫من باب أحرى‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪َ ( :‬و ُه َو أَلَ ُّد الخصام (‪.‬‬
‫إنما كان ُم ّلدا لحلفه على الباطل وتأكيده الحلف يعلم أنه تعالى أنه حق‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪َ ( :‬وإِ َذا تولى سعى ِفي األرض ِلُي ْف ِس َد ِفيِهَا ‪...‬‬
‫(‪.‬‬

‫( ‪)2/595‬‬

‫صفحة رقم ‪596‬‬


‫( ابن عطية ) ‪ :‬يحتمل أن يكون توليه بقلبه ‪ ،‬أي ضل ‪ ،‬أو بجسده ‪ ،‬أي أدبر عنكم بجسمه‪.‬‬
‫وضعف ابن عرفة األول بأنه لم يكن قط مسلما والتولي عن الشيء يقتضي تقدم الكون فيه‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪َ ( :‬وُي ْهِل َك الحرث والنسل ‪...‬‬
‫(‪.‬‬
‫من عطف الخاص على العام‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬واهلل الَ ُي ِح ُّ‬
‫ب الفساد (‪.‬‬
‫الذم على ذلك واهلل يذم الفساد ويعاقب على فعله لقول‬
‫الصحيح ّأنه ليس المراد حقيقة المحبة بل ّ‬
‫العرب في المدح التام ‪َ :‬حَّب َذا َز ْي ٌد ‪ ،‬وفي الذم التام ‪ :‬الَ َحبَّذاَ َز ْي ٌد ‪ ،‬واحتجاج المعتزلة بها ال يتم‪.‬‬
‫والجواب عنه بما قلناه‪.‬‬
‫‪ .‬وكذلك احتجاجهم بقول اهلل تعالى ) َوالَ يرضى ِل ِعَب ِاد ِه الكفر‪.‬‬
‫َخ َذتْهُ العزة باإلثم فَ َح ْسُبهُ َجهََّن ُم َولَبِْئ َس المهاد (‪.‬‬ ‫( قوله تعالى ‪َ ( :‬وإِ َذا ِق َ‬
‫يل لَهُ اتق اهلل أ َ‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬اآلية لها منطوق ومفهوم والتقدير ‪ :‬لم يتق ألجل ما نالته ( من العزة ) بسبب اإلثم‬
‫واكتفى عن ذلك المفهوم فذكر علته‪.‬‬
‫فإنه يقول له ‪ :‬اللّهم اجعلنا من‬
‫وفي كتاب األقضية والشهادة فيمن قال له القاضي أو غيره ‪ :‬اتّق اهلل ّ‬
‫المتّقين ‪ ،‬لئال يدخل في ضمن هاته اآلية‪.‬‬
‫قال ‪ :‬وال ينبغي أن يقول أحد ألحد ‪ :‬اتّق اهلل ‪ ،‬فإنه تعريض له لعدم التقوى ‪.‬‬

‫( ‪)2/596‬‬

‫صفحة رقم ‪597‬‬


‫قوله تعالى ‪ ( :‬و ِمن الناس من ي ْش ِري َن ْفسه ابتغآء مرض ِ‬
‫ات اهلل ‪...‬‬ ‫َْ َ‬ ‫َُ‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ‬
‫(‪.‬‬
‫قيل ‪ّ :‬إنها خاصة بصهيب وقيل عامة في كل مجاهد أو في كل آمر بالمعروف وناه عن المنكر‪.‬‬
‫الناس )‬
‫قال ابن عرفة ‪ ( :‬يشري ) على أنها خاصة ( فعل حال وعلى العموم ) مستقبل حقيقة و ( ّ‬
‫إما المؤمنون فقط أو المؤمنون والكافرون ألنه إذا تعارض العموم في جنس أقرب أو فيه وفي أبعد‬
‫ّ‬
‫منه فاألقرب ( أولى )‪.‬‬
‫( مرض ِ‬
‫ات ) ‪ :‬قال ابن عطية ‪ :‬وقف عليها حمزة بالتاء والباقون بالهاء‪.‬‬ ‫َْ َ‬
‫وتبعه أبو حيان وهو غلط إنما وقف عليها بالهاء الكسائي فقط‪.‬‬
‫وعن ورش في إمالتها وجهان ‪ ،‬والمشهور عدم اإلمالة‪.‬‬
‫أن ورشا يميل ذوات الياء ثم عدها من‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬وهو عندي منتقد على الشاطبي ألنه ذكر ّ‬
‫ذوات الياء فضاهره إنه يميلها‪.‬‬
‫وف بالعباد ( ‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬واهلل َر ُء ٌ‬

‫( ‪)2/597‬‬

‫صفحة رقم ‪598‬‬


‫المراد رؤوف بهم ‪ ،‬أي بمن يشتري نفسه ‪ ،‬أو المراد رؤوف بهم أي بشيء يشتري نفسه‪.‬‬
‫نعم عليه وذلك أنك إذا قلت ‪ :‬أنعم فالن على فالن‪.‬‬
‫بالناس إ َذا قلنا ‪ :‬إن الكافر ُم َ‬
‫والمراد رؤوف ّ‬
‫فإن أردت أنه أذهب عنه كل مؤلم فالكافر غير منعم عليه في اآلخرة‪.‬‬
‫ٍ‬
‫عذاب إالّ َو ِفي علم اهلل ( ما هو‬ ‫وإ ن أردت أنه أذهب عنه مؤلما باإلطالق فالكافر منعم عليه إ ْذ َما ِم ْن‬
‫) أشد منه‪.‬‬
‫قال الزمخشري ‪ ( :‬رؤوف بالعباد ) حيث كلّفهم الجهاد فعرضهم لثواب ( الشهداء )‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬وهذا جار على مذهبنا لقوله ( رؤوف ) ( فدل على ) أَّنه الَ َي ِج ُ‬
‫ب عليه مراعاة‬
‫األصلح وإ نما ذلك محض ( رأفة ورحمة ) وتفضل‪n.‬‬
‫آمُنوْا ادخلوا ِفي السلم َكآفَّةً (‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬ياأيها الذين َ‬
‫ت‬
‫أجاز ابن عطية أن يكون ( كافة ) حاال من فاعل ( ادخلوا ) أو من ( السِّلم ) كقول‪ n‬اهلل تعالى ) فَأَتَ ْ‬
‫بِ ِه قَ ْو َمهَا تَ ْح ِملُهُ ( ( فتحمله ) ( حال ) من فاعل ( أتت ) ومن قوله ( به ) ‪.‬‬

‫( ‪)2/598‬‬

‫صفحة رقم ‪599‬‬


‫قال أبو حيان ‪ ،‬واعترض بأنه ال يصح إالّ إذا جعلت صاحبي الحال مبتدأين والحال خبر عنهما كقول‬
‫الشاعر ‪ :‬وعلقت سلمى وهي ذات موصد ‪...‬‬
‫ولم يبد لآلتراب من ثديها حجم صغيرين نرعى البهم ياليت أننا ‪...‬‬
‫إلى اليوم لم نكبر ولم يكبر البهم فيصح ‪ :‬أنا وسلمى صغيران وقال امرؤ القيس ‪ :‬خرجت بها نمشي‬
‫تجر وراءنا ‪...‬‬
‫على إثرنا أذيال مرط مرجل ألنه ال يصح ‪ :‬أنا وهي نمشي وال يصح أن يقال ‪ :‬هو وهي تحمله‪.‬‬
‫فقال ابن عرفة ‪ :‬يصح حمله على الوجه الذي صح إتيانه حاال منهما تقول ‪ :‬هي تحمله وهو محمول‬
‫كما ( يفهم ) في الحال منهما مجموعة‪.‬‬
‫بأنهما كما جمعا في حال واحدة كذلك يجمعان في خبر واحد فيمتنع‬
‫قلت ‪ :‬وتعقب‪ n‬ابن القصار هذا ّ‬
‫الجمع في تلك ‪ ،‬ويصح هنا أي أنتم والسلم مجتمعون لكن يبطل من جهة أن المقدر خبر أو ( ادخلوا‬
‫في السلم ) أمر واألمر ال يقدر بالخبر‪.‬‬
‫فإن قلت ‪ :‬المعنى أنتم والسلم مطلوبان باالجتماع ؟ ( قلنا لم يخبر ) عنهما بالحال بل بالزمها ‪.‬‬

‫( ‪)2/599‬‬

‫صفحة رقم ‪600‬‬


‫ابن القصار ‪ :‬وال أعلم من شرط هذا إال أبا حيان بل إنما اشترطوا اتحاد العلم في صاحب الحال مثل‬
‫ما تقدم ‪ ،‬وكقول‪ n‬عنترة العبسي في عمارة بن زياد العبسي ‪ ،‬كان يتوعده عنترة بالقول ‪ ( :‬متى تأتني‬
‫فردين ‪...‬‬
‫) وقوله ) ادخلوا ِفي السلم ( أي دوموا على الدخول‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪َ ( :‬والَ تَتَّبِ ُعوْا ‪...‬‬
‫(‪.‬‬
‫أن األمر بالشيء ليس نهيا عن ضده إذ لو كان كذلك لما كان لقوله ( والَ‬
‫احتج ابن الخطيب بها على ّ‬
‫ّ‬
‫تَتَّبِ ُعوا ) فائدة‪.‬‬
‫أن الصحيح ّأنه مطلق يخرج‬
‫يتم له هذا ( على ) القول بأن األمر للتكرار مع ّ‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬إنما ّ‬
‫والنهي يقتضي االنتهاء دائما ففيه زيادة فائدة لم تكن في األمر‪.‬‬
‫المأمور من العهدة بالمرة الواحدة ّ‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬واالتباع في االصطالح كما قال الفخر الرازي في المعالم ‪ :‬أن يفعل فعل المتبوع‬
‫( ألجل ) أنه فعله‪.‬‬
‫قيل البن عرفة ‪ :‬هذا فعل في سياق النفي فهو عام في جميع وجوه االتباع ؟ فقال ‪ :‬إنما يعم في‬
‫مسمى االتباع فقط كقولك ‪ :‬ال عين عندي‪.‬‬
‫إنما يعم في مسمى العين الذي حملته عليه وهو المال مثال أو غيره ‪.‬‬

‫( ‪)2/600‬‬

‫صفحة رقم ‪601‬‬


‫قوله تعالى ‪ُ ( :‬خطُو ِ‬
‫ات الشيطان ‪...‬‬ ‫َ‬
‫(‪.‬‬
‫أبو حيان عن ابن أبي مريم صاحب الموضح ‪ :‬سكنت تخفيفا عن ضم مقدر منوي إذ هي حركة‬
‫فارقة بين االسم والصفة كما في جمع ( فعلة ) المفتوحة الفاء‪.‬‬
‫بالنية )‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ّ :‬إنما يكون الفرق باللّفظ ال ( ّ‬
‫فرد عليه بمثل ذلك بوجهين للمفرد والجمع ( بالنية )‪.‬‬
‫للنية ) فرقا‪.‬‬
‫بالنسبة إلى حركة أخرى ولم يجعلوا ( ّ‬
‫أن حركته صغيرة ّ‬ ‫فقال ‪ :‬قد ذكروا في ذلك ّ‬
‫قيل البن عرفة ‪ :‬قد فرق المنطقيون بين العدول والتحصيل ( بالنية )‪.‬‬
‫أن الحركة منوي بها ذلك من أول ‪ ،‬وهنا ليس كذلك‪.‬‬ ‫فقال ‪ :‬المراد منهما ّ‬
‫ِ‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬فَِإن َزلَْلتُ ْم ِّمن َب ْعد َما َج َ‬
‫آءتْ ُك ُم البينات (‪.‬‬
‫فيه سؤاالن األول أن قبلها ) ادخلوا ِفي ِّ‬
‫السْلِم ( واألمر بالدخول يقتضي ّأنهم غير مسلمين وقول اهلل‬
‫تعالى ‪ ( :‬فَِإن َزلَْلتُ ْم ) يقتضى‬

‫( ‪)2/601‬‬
‫صفحة رقم ‪602‬‬
‫َخرجهما ِم َّما َك َانا ِف ِ‬ ‫َّ‬
‫يه‬ ‫َّأنهم مسلمون ثم زلوا بعد ذلك قال اهلل تعالى ‪ ) :‬فَأ ََزلهُ َما الشيطان َع ْنهَا فَأ ْ َ َ ُ َ‬
‫آمُنوْا ُي ْخ ِر ُجهُ ْم ِّم َن الظلمات ِإلَى النور ( ألن الكفار لما كانوا‬ ‫ِ‬
‫بأنه مثل ‪ ) :‬اهلل َول ُّي الذين َ‬
‫( وأجيب ّ‬
‫متمكنين من اإليمان فكأنهم حصل لهم اإليمان بالفعل‪.‬‬
‫( السؤال ) الثاني ‪ :‬اآلية خرجت مخرج التقسيم لحالهم والتقسيم األصل فيه أن يكون بالواو‪.‬‬
‫تقول ‪ :‬العلم إما تصور وإ ّما تصديق ‪ ،‬وال يجوز عطفه بالفاء ‪ ،‬فقسم حال هؤالء إلى من دخل في‬
‫االسالم ولم يتبع الشيطان وإ لى من ز ّل عن اإلسالم بعد مجىء البينات فهال عطفه بالواو ؟ وأجيب‬
‫بأن الفاء تقتضي السبب فقصد التنبيه على أنهم ضلوا بسبب هذه اآليات التي كانت سببا في هداية‬
‫غيرهم‪.‬‬
‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫قال اهلل تعالى ‪ُ ) :‬يض ُّل بِه َكثيراً َوَي ْهدي بِه َكثيراً ( ال سيما مع مذهبنا ّ‬
‫أن ْارتَِباط ّ‬
‫الدليل بالمدلول‬
‫عادي ‪ ،‬وعبر ب ( إن ) دون إذا ( تنفيرا ) عن الزلل حتى كأنه غير واقع‪.‬‬
‫ِ‬
‫َن اهلل َع ِز ٌيز َحك ٌ‬
‫يم (‪.‬‬ ‫قوله تعالى ‪ ( :‬فاعلموا أ َّ‬
‫قيل البن عرفة ‪ :‬هل يؤخذ منه إثبات هاتين الصفتين هلل تعالى‬

‫( ‪)2/602‬‬

‫صفحة رقم ‪603‬‬


‫( بالسماع ) ؟ فقال ‪ :‬إنما المراد العلم بالزم ذلك وهو العقوبة واالنتقام ممن ز ّل‪.‬‬
‫ون ِإالَّ أَن َيأْتَِيهُ ُم اهلل ‪...‬‬
‫قوله تعالى ‪َ ( :‬ه ْل َينظُ ُر َ‬
‫(‪.‬‬
‫قال أبو حيان ‪ :‬قيل بمعنى ينتظرون فيتعدى إلى واحد بنفسه ولو كانت من نظر العين لتعدت بإلى‬
‫اضرةٌ إلى ربِّها َن ِ‬
‫ٍِ ِ‬
‫اظ َرةٌ ( ورده أبو حيان بجواز كونها منه‬ ‫َ َ‬ ‫وأضيفت إلى الوجه مثل ) ُو ُجوهٌ َي ْو َمئذ َّن َ‬
‫وإ لى محذوفة وحذف حرف الجر مع أنه كثير وهو قياس مطرد وال يلزم إضافتها إلى الوجه بل قد‬
‫ب أرني أَنظُ ْر ِإلَْي َك‬
‫ال َر ِّ‬ ‫ف ُخِلقَ ْ‬
‫ت ( ) قَ َ‬ ‫ون ِإلَى اإلبل َك ْي َ‬
‫يضاف إلى الذات قال اهلل تعالى ‪ ) :‬أَفَالَ َينظُ ُر َ‬
‫( وقدر ابن عرفة هذا التعقب بأنه ( إن ) أراد أن المنظور إليه اليكون إال ( بالوجه ) فباطل بقوله )‬
‫أن ) النظر ( بالنسبة ) العتبار الفاعل ال إلى الوجه فيقال ‪:‬‬ ‫ون ِإلَى اإلبل ( ( وإ ن ) أراد ( ّ‬
‫أَفَالَ َينظُ ُر َ‬
‫نظر وجهي إلى كذا ‪ ،‬فباطل أيضا‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬ويبطل أيضا من وجه آخر وهو المنظور إليه هنا هو اإلتيان المفهوم من قوله ) ِإالَّ‬
‫أَن َيأْتَِيهُ ُم اهلل (‪.‬‬
‫واإلتيان معنى‬

‫( ‪)2/603‬‬

‫صفحة رقم ‪604‬‬


‫من المعاني ألنه مصدر والمعاني ال ترى بوجه اال باعتبار الجواز العقلى لكونها موجدة والوجود‬
‫مصحح للرؤية‪.‬‬
‫فإن قلتم ‪ :‬نرى إتيان الشخص ؟ قلنا ‪ :‬إنما رأيت الشخص اآلتي ال إتيانه‪.‬‬
‫فإن قلتم ‪ :‬إنه عرض ؟ قلنا ‪ :‬العرض الذي هو اللون مرئي ‪ ،‬وأما الرائحة والعلم والقدرة فليس‬
‫بمرئي بوجه‪.‬‬
‫( والجواب ) عن ذلك أن النظر هنا بمعنى االنتظار ومعناه أن ( حاالتهم ) تقتضي انتظارهم العقوبة‬
‫الرحمة‬ ‫( ال أنهم ) يقصدون ذلك وفي هذا عقوبتان ( حسية ) ومعنوية ألن وجود السحاب مظنة ّ‬
‫ض ُّم ْم ِط ُرَنا َب ْل ُه َو َما‬
‫بالمطر قال اهلل تعالى ‪َ ) :‬فلَ َّما َرأ َْوهُ َع ِارضاً ُّم ْستَ ْقبِ َل أ َْو ِدَيتِ ِه ْم قَالُوْا هذا َع ِار ٌ‬
‫اب بِِق ٍ‬ ‫استعجلتم بِ ِه ( وقال اهلل جل ذكره ) والذين كفروا أ ْ‬
‫آء حتى ِإ َذا‬ ‫يعة َي ْح َسُبهُ الظمئان َم ً‬ ‫َع َمالُهُ ْم َك َس َر ٍ َ‬
‫آءهُ لَ ْم َي ِج ْدهُ َش ْيئاً ( ففيه العقوبة ( بالخيبة ) فيما يظن فيه قبل الغرض فال تناله العقوبة بنقيض‬
‫َج َ‬
‫المقصود وهو إتيان العذاب معه‪.‬‬
‫اهم ِّم ْن َآي ٍة َبيَِّن ٍة ‪...‬‬ ‫قوله تعالى ‪َ ( :‬س ْل بني ِإ ْس َرائِ َ‬
‫يل َك ْم آتَْيَن ُ‬
‫(‪.‬‬

‫( ‪)2/604‬‬

‫صفحة رقم ‪605‬‬


‫( قال ابن عرفة ‪ :‬لما تضمن الكالم السابق أنهم إن زلوا بعد اآليات البينات عوقبوا ّنبه بهذه اآلية‬
‫على مساواة حالهم لبني إسرائيل ‪ ،‬إذ جاءتهم بينات كثيرة فزلّوا وتولّوا فعوقبوا )‪.‬‬
‫قال ابن عطية ‪ :‬أي كم جاءتهم في أمر محمد من آية دالة عليه‪.‬‬
‫اهم ِّم ْن َآي ٍة ( ( دالة ) على الذي آتيناهم أو من آية دالة على صحة دين‬
‫قال الزمخشري ‪َ ) :‬ك ْم آتَْيَن ُ‬
‫محمد‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬األول راجع للثاني ألنه ( إن ) أراد باآليات المعجزات الصادرة عن أنبيائهم داللة‬
‫على صدقهم فال يناسب ذكره هنا عقب هذه اآلية‪.‬‬
‫( وإ ن ) أراد بذلك أن ( أنبياءهم ) أخبروهم بإرسال محمد وصفته وصحة نبوته فيرجع إلى الوجه‬
‫الثاني‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬فَِإ َّن اهلل َش ِد ُ‬
‫يد العقاب (‪.‬‬
‫الصواب ‪ :‬أن يكون على إضمار الجواب وهذا تعليل له ( أي ) فليعلم أن اهلل يعاقبه فان اهلل شديد‬
‫العقاب‪.‬‬
‫ين َكفَ ُروْا الحياة الدنيا ‪...‬‬ ‫قوله تعالى ‪ُ ( :‬زي َِِّ‬
‫ِّن للذ َ‬
‫َ‬
‫(‪.‬‬

‫( ‪)2/605‬‬

‫صفحة رقم ‪606‬‬


‫أسند التزين إلى الملزوم اكتفاء به عن الالزم ‪ ،‬مع أن الالزم هو الذي يكتفي به عن الملزوم بخالف‬
‫تزين الحياة الدنيا لهم محبتهم إياها ولو‬
‫ب الشهوات ( إذ ال يلزم من ّ‬ ‫ِّن ِل َّلن ِ‬
‫اس ُح ُّ‬ ‫العكس كما قال ) ُزي َ‬
‫تزين الدنيا لهم‪.‬‬
‫قيل ‪ :‬زين للكافرين حب الدنيا ال ستلزم ذلك ّ‬
‫وتقرر أن المحبة إن كانت متعلقة بأحد النقيضين أو الضدين دلت على كراهة مقابله‪.‬‬
‫( ( قال ابن عرفة ) ‪ :‬والمحبة على أن المزين له كافر إال مع معارضتها لآلخرة وترجيحها عليها‬
‫أما مع عدم المعارضة فال‪.‬‬
‫وهذا في اإلعتقاد وأما في األحكام والفروع فال ؛ ألجل أن ُعصاة المؤمنين كلّهم رجحوا الدنيا على‬
‫اآلخرة )‪.‬‬
‫آء بِ َغ ْي ِر ِح َس ٍ‬
‫اب (‪.‬‬ ‫ق َمن َي َش ُ‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬والذين اتقوا فَ ْوقَهُ ْم َي ْو َم القيامة واهلل َي ْر ُز ُ‬
‫إما تهييج على االتصاف بالتقوى فلذلك قال ‪ ( :‬فَ ْوقَهُ ْم ) وإ ما تنبيه على تفاوت درجاتهم ‪ ،‬وإ ما أن‬
‫يكون التقوى وااليمان بمعنى واحد‪.‬‬
‫ِ‬
‫ين ‪...‬‬ ‫ث اهلل النبيين ُمَب ِّش ِر َ‬
‫ين َو ُمنذ ِر َ‬ ‫قوله تعالى ‪ ( :‬فََب َع َ‬
‫(‪.‬‬
‫الرسول بناء على الحكم المسند إلى مشتق أو موصوف‪ n‬بصفة تقتضي‬
‫أعم من ّ‬
‫دليل على أن النبي ّ‬
‫ثبوت ذلك الوصف له حالة ثبوت الحكم ‪ ،‬فيقتضي ورود البعث عليهم حال حصول النبوءة فلو كان‬
‫والرسول بمعنى واحد للزم تحصيل الحاصل‪.‬‬
‫النبي ّ‬
‫أعم حكاه الغزالي في ( االقتصاد ) والشيخ ابن العربي ‪.‬‬
‫الرسول ّ‬
‫وقيل ّ‬
‫( ‪)2/606‬‬

‫صفحة رقم ‪607‬‬


‫وقال ابن الصالح ‪ :‬اختلف المحدثون في جواز نقل الحديث بالمعنى ‪ ،‬فقيل يجوز وقيل ال ( يجوز )‬
‫وقيل ‪ :‬إن بدل اسم الرسول بالنبي جاز بخالف العكس‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬اآلية دالة على أن الجمع المحلي باأللف والالّم ال يفيد العموم إذ ليس كل نبي مبعوثا‬
‫وبدأ بالبشارة ألن الرحمة سبقت غضبه‪.‬‬
‫َنز َل َم َعهُ ُم الكتاب ‪...‬‬
‫قوله تعالى ‪َ ( :‬وأ َ‬
‫(‪.‬‬
‫َنز َل اهلل َعلَْي َك الكتاب‬
‫قيل البن عرفة ‪ :‬فهال قيل ‪ :‬أنزل عليهم الكتاب ‪ ،‬كما في سورة النساء ) َوأ َ‬
‫اك اهلل ( ألََّن َك تقول ‪ :‬قام زيد مع‬ ‫والحكمة ( ) ِإَّنآ أ َْن َزْلَنا ِإلَْي َك الكتاب بالحق ِلتَ ْح ُك َم َب ْي َن الناس بِ َمآ أ ََر َ‬
‫عمرو ‪ ،‬فيقتضي‪ n‬اشتركهما في القيام ‪ ،‬والرسل ليسوا منزلين مع الكتاب‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬المراد أنزل مع بعثهم واإلنزال مصاحب للبعث وال اشتراك بينهما ألنه معنوي ال‬
‫يمكن إنزاله وهم من أول بعثهم إلى آخره اليزال الكتاب منزال عليهم حتى يموتوا ‪.‬‬

‫( ‪)2/607‬‬

‫صفحة رقم ‪608‬‬


‫قيل البن عرفة ‪ :‬هذا كله مجاز فلم عدل عن الحقيقة إليه ؟ قلت ‪ :‬وحمله الشيخ ابن القصار على‬
‫( أمرين ) ‪ :‬أحدهما ‪ :‬أن ( أنزل ) بمعنى بعث ‪ ،‬فيفيد لفظة اإلنزال تشريف الرسل وقومهم بالكتاب‬
‫الشريف المنزل من أشرف الجهات وهي جهة فوق ‪ ،‬ويفيد معنى البعث أن الكتاب مبعوث مع الرسل‬
‫لقومهم اعتناء بهم وتأكيدا على امتثال أوامره ونواهيه‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬أن يجعل ( معهم ) حاال من ( الكتاب ) وقدمت عليه لالهتمام بالمصاحبة‪.‬‬
‫فإن قلت ‪ :‬الكتاب حين إنزاله لم يكن معهم ؟ قلنا ‪ :‬هي حال مقدرة ال محصلة‪.‬‬
‫الرسالة لغير محمد ثبتت لمحمد‪.‬‬
‫واقتضت اآلية االستدالل بمقدمة منطقية وهو أن يقول ‪ :‬كلما ثبتت ّ‬
‫ألن التوراة ليست‬
‫ث اهلل النبيين ( ّ‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬وقولهم إن الكتاب هو التوراة باطل بقوله ) فََب َع َ‬
‫منزلة على كل النبيين‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪ِ ( :‬لَي ْح ُك َم َب ْي َن الناس ‪...‬‬
‫(‪.‬‬
‫هذا عندنا ( فضل ) ال واجب‪.‬‬
‫يما اختلفوا ( يقتضي تقدم اختالفهم على إنزال الكتاب‪.‬‬ ‫ِ‬
‫واستشكل بعض الطلبة فهم اآلية ألن قوله ) ف َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ َّ‬
‫قوله تعالى ‪َ ( :‬و َما اختلف فيه ِإال الذين أُوتُوهُ من َب ْعد َما َج َ‬
‫آءتْهُ ُم البينات ( ‪.‬‬

‫( ‪)2/608‬‬

‫صفحة رقم ‪609‬‬


‫يقتضي تأخير اختالفهم عن االنزال وعدم تقدمه عليه ألنه مقرون بأداة الحصر كما قال في سورة‬
‫ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ٍ‬
‫اهم َبيَِّنات ِّم َن األمر فَ َما اختلفوا ِإال من َب ْعد َما َج َ‬
‫آء ُه ُم العلم َب ْغياً َب ْيَنهُ ْم ( وهذا كله على‬ ‫الجاثية ) َوآتَْيَن ُ‬
‫يما‬ ‫ِ‬
‫قولهم ‪ :‬إن الضمير المجرور في قوله ) َو َما اختلف ( عائد على ما عاد عليه قوله تعالى ‪ ( :‬ف َ‬
‫يه (‪.‬‬ ‫اختلفوا ِف ِ‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬اختلفوا قبل وبعد‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬اختلفوا قبله اختالفا ضعيفا فلما ورد الكتاب والدالئل أعمى اهلل بصائرهم فاستنبطوا به شبهات‬
‫كانت سببا في تعنتهم وضاللهم واختالفهم كمن يقرأ أصول الدين ليهتدي فيضل وكان قبل على‬
‫الصواب فاختالفهم المعتبر إنما هو بعد اآليات وما قبل ذلك ال عبرة له‪.‬‬
‫ض ُّل بِ ِه َكثِيراً َوَي ْه ِدي بِ ِه َكثِيراً ( ووافقني عليه‬
‫قلت ‪ :‬فهذا يحسن جوابا واهلل أعلم ‪ ،‬قال اهلل تعالى ) ي ِ‬
‫ُ‬
‫بعضهم وقال ‪ :‬تكون من عود الضمير على اللفظ فقط نحو ‪ :‬عندي درهم ونصفه‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬فَهَ َدى اهلل ‪...‬‬
‫(‪.‬‬
‫العطف بالفاء إشارة على سرعة هدايته للمؤمنين بعقب االختالف فإن يكن اختالفهم في الفروع‬
‫يه ( بعض الحق وإ ن يكن من اإلعتقاد فهو كل الحق ال بعضه‪.‬‬ ‫فيحسن أن يكون ) وما اختلف ِف ِ‬
‫ََ‬
‫قوله تعالى ‪ِ ( :‬ل َما اختلفوا فيه م َن الحق بِِإ ْذنه ‪...‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫(‪.‬‬
‫الصواب أن معناه بقدرته وإ ن كان مجازا فهو أولى من أن يقال بعلمه أو بأمره‬
‫قال ابن عرفة ‪ّ :‬‬
‫ليكون فيه حجة على المعتزلة ‪.‬‬

‫( ‪)2/609‬‬
‫صفحة رقم ‪610‬‬
‫اط ُّم ْستَِق ٍيم (‪.‬‬
‫صر ٍ‬‫ِ‬
‫آء إلى َ‬
‫ِ‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬واهلل َي ْهدي َمن َي َش ُ‬
‫قال ابن عطية ‪ :‬فيها حجة على المعتزلة في قولهم ‪ :‬إن العبد يخلق أفعاله‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬هذا بالظاهر ال ( بالنضر ) ولهم أن يجيبوا بعود ذلك إلى الداعي ووقع االجماع هنا‬
‫ومنهم عليه‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬أ َْم َح ِس ْبتُ ْم أَن تَ ْد ُخلُوْا الجنة َولَ َّما َيأْتِ ُكم ‪...‬‬
‫(‪.‬‬
‫قال ابن عصفور في مقربة واآلمدي في شرح الجزولية ‪ ( :‬لَ ْم ) لنفي الماضي المتصل بزمن الحال‬
‫ولما يندم ألن نفي الندم عن آدم‬
‫ومثل ذلك ) وعصى َء َاد ُم َربَّهُ فغوى ( ولم يندم ‪ ،‬وعصى إبليس ربه ّ‬
‫كان ومضى وانقطع كوقوع الندم منه بعد ذلك ‪ ،‬ونفيه عن إبليس متصل بزمن الحال‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬وعادتهم يتعقبونه بوجيهن ‪ :‬األول ‪ :‬نسبة العصيان آلدم عليه السالم فإنه وإ ن كان‬
‫لكنه ال ينبغي أن ( يتكلم ) المخلوق على جهة المثال فإنه من إساءة األدب على‬
‫ورد في القرآن ّ‬
‫األنبياء ‪.‬‬

‫( ‪)2/610‬‬

‫صفحة رقم ‪611‬‬


‫الندم منه إثر‬
‫الندم عنه إما قبل المعصية أو بعدها ‪ ،‬واألقسام كلها باطلة لوقوع ّ‬
‫الثاني ‪ :‬ان نفي ّ‬
‫المعصية‪.‬‬
‫قال اهلل تعالى ) فَأَ َكالَ ِم ْنهَا فََب َد ْ‬
‫ت لَهُ َما َس ْو َءاتُهُ َما ( ( فعقب ) األكل بدت لهما السوءات ‪ ،‬فوقع الندم‬
‫والندم حين العصيان غير متصور فأحرى قبله‪.‬‬
‫وقال القرطبي ‪ ( :‬لَ َّما ) هنا بمعنى ( لم ) لنفي الماضي المنقطع ألن ذلك كان في غزوة أحد وهي‬
‫متقدمة على ( هذه ) اآلية‪.‬‬
‫بأنه ّإنما يلزم ذلك لو ( علّقه ) في اآلية بالعلم ‪ ،‬وهو أنما علّقه بالحسبان‪.‬‬
‫ورده ابن عرفة ّ‬
‫قلت ‪ :‬ونقله بعض الطلبة بلفظ ال يحتاج إلى هذا بل هي على بابها ألن حسابهم أنهم يدخلون الجنة‬
‫ين َخلَ ْوا ِم ْن قَْبِل ِه ْم وهذا ( الحسبان ) لم ينقطع وما زال المؤمنون يظنون‬ ‫َِّ‬
‫حالة كونهم لم يأتهم َمثَ ُل الذ َ‬
‫أنهم يدخلون الجنة من غير بأس وال مشقة تنالهم إلى حين نزول هذه اآلية ‪ ،‬ونيلهم البأس في ( هذه‬
‫ظنهم ذلك‪.‬‬
‫الغزوة ) ال يرفع ّ‬
‫اء للنقص في البدن والزلزال في النفس ‪.‬‬
‫الض ّر ُ‬
‫اء راجع لفقد المال ‪َ ،‬و ّ‬
‫َس ُ‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬والبأ َ‬
‫( ‪)2/611‬‬

‫صفحة رقم ‪612‬‬


‫ول الرسول ‪...‬‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬حتى َيقُ َ‬
‫(‪.‬‬
‫قرأ نافع ‪ ،‬بالرفع‪.‬‬
‫قال ابن عطية ‪ :‬كأنه اقترن بها ( تسبيب ) ‪ ،‬فحتى ( حرف ) ( ابتداء ) يرفع الفعل‪.‬‬
‫ابن عطية ‪ :‬ظاهره أيضا إذا كان ما قبلها سببا لما بعدها ‪ ،‬فالرفع مطلقا وليس كذلك‪.‬‬
‫بل البد من زيادة كونه ماضيا أو حاال ‪ ،‬وأما إن كان الفعل مستقبال فالنصب ليس إال ‪ ،‬وكذلك جعله‬
‫الزمخشري حكاية حال ماضية‪.‬‬
‫قال أبو حيان ‪ :‬وحتى على النصب ( للغاية ) بمعنى ‪ :‬إلى أن ‪ ،‬أو للتعليل بمعنى كي‪.‬‬
‫الرسول والمؤمنين ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬والغاية أظهر ألن ( الضراء ) والزلزال ليسا معللين بقول ّ‬

‫( ‪)2/612‬‬

‫صفحة رقم ‪613‬‬


‫قال ابن عرفة ‪ :‬إن اعتبرنا ( الزلزال ) من حيث نسبته إليهم فليس بعلة ‪ ،‬ألنهم ال يتزلزلون قصدا‬
‫الرسول والمؤمنون هذه المقالة ‪ ،‬وإ ن اعتبرناه من حيث نسبته إلى الحق سبحانه وتعالى إذ‬
‫ألن يقول ّ‬
‫هو الفاعل المختار في الحقيقة فهو علة في قول الرسول والمؤمنين ؛ ذلك ألن اهلل تعالى زلزلهم‬
‫ليقول الرسول والمؤمنون هذه المقالة‪.‬‬
‫وأبو حيان لما رأى الفعل وهو ( ُزْلزلُوا ) مبنيا للمفعول‪ n‬اعتبر نسبته إليه‪.‬‬
‫ص ُر‬ ‫قال ابن عطية ‪ :‬عن طائفة ‪ :‬وفي الكالم تقديم و تأخير تقديره ‪ :‬حتى يقُ َ َّ‬
‫امُنوا َمتَى َن ْ‬
‫ذين َء َ‬
‫ول ال َ‬ ‫َ‬
‫ريب‪.‬‬
‫ص َر اهلل قَ ٌ‬
‫إن َن ْ‬
‫الرسول أَالَ ّ‬
‫اهلل ‪ ،‬ويقول ّ‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬ال حاجة إلى هذا التقديم والتأخير بل هو لف ونشر مخالف جعل فيه أول القولين‬
‫للقائل الثاني لكونه يليه‪.‬‬
‫امُنوا ) فيكون من‬
‫امُنوا ) أو ب ( َيقُول ) فإن تعلق ب ( َء َ‬ ‫وقوله ( َم َعهُ ) يحتمل أن يتعلق ب ( َء َ‬
‫ونوْا ُهوداً أ َْو نصارى تَ ْهتَ ُدوْا ( فكل فريق دعا إلى دينه وإ ن‬
‫جمع القول دون قائله مثل ‪َ ) :‬وقَالُوْا ُك ُ‬
‫تعلق ب ( يقول ) فيكون من جمع ( القائلين وأقوالهم ) فيكون الرسول قال المقالتين والمؤمنون كذلك‬
‫قالوا المقالتين‪.‬‬
‫ون ‪...‬‬ ‫ِ‬
‫ون َك َما َذا ُي ْنفقُ َ‬
‫قوله تعالى ‪َ ( :‬ي ْسَئلُ َ‬
‫(‪.‬‬

‫( ‪)2/613‬‬

‫صفحة رقم ‪614‬‬


‫السؤال ( يتعدى ) للمحسوسات بنفسه ‪ ،‬ويكون معموله مفردا مثل ‪ :‬سألته طهورا ‪ ،‬أي طلبت منه‬
‫وللمعاين كذلك ‪ ،‬ويكون جملة مثل ‪ :‬سألته ماء هو الطهور‪.‬‬
‫الماء ‪ُ ،‬‬
‫الزمخشري ‪ :‬سألوا عن تعيين المنفق فأجيبوا بتعيين المصرف الّنه يستلزم المنفق‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬جعل السؤال ( هنا ) عن حال الشيء ويظهر لي وجه آخر وهو أن السؤال بماذا عن‬
‫حقيقة الشيء وهي قسمان ‪ :‬عقلية وشرعية‪.‬‬
‫فالعقلية ال يختلف جوابها بوجه وال يمكن فيه التحريف ‪ ،‬وأما الشرعية فهي أمور جعلية يصح‬
‫تحريف ال ّشارع لها عن شيء آخر ‪ ،‬فالمراد ‪ :‬يسألونك عن حقيقة الشيء المنفق المحصل للثواب في‬
‫الدار اآلخرة ما هو ؟ فأجيبوا بأنه الشيء المنفق على الوالدين واألقربين واليتامى والمساكين وابن‬
‫السبيل وفعل الخير باإلطالق‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪ُ ( :‬ق ْل َمآ أَنفَ ْقتُ ْم ِّم ْن َخ ْي ٍر َفِلْل َو ِال َد ْي ِن واألقربين واليتامى والمساكين وابن السبيل ‪...‬‬
‫(‪.‬‬
‫( َما ) إما شرطية أو موصولة‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬الظاهر أنها شرطية ‪ ،‬ألن فعل الشرط مستقبل ولو كانت موصولة لما حسن ترتيب‬
‫الجواب عليها ‪ ،‬ألنهم لم يكن إنفاقهم الماضي قاصرا على الوالدين واألقربين ومن بعدهم ‪ ،‬بل عاما‬
‫فيهم وفي غيرهم ‪َّ ،‬‬
‫فإنما أمروا بذلك في المستقبل ‪.‬‬

‫( ‪)2/614‬‬

‫صفحة رقم ‪615‬‬


‫إن الفعل بعد الموصول‪ n‬يحتمل الحال واالستقبال‪n.‬‬ ‫قيل البن عرفة ‪ :‬قد قال ابن مالك ‪ّ :‬‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫قوله تعالى ‪َ ( :‬و َما تَ ْف َعلُوْا م ْن َخْي ٍر فَِإ َّن اهلل بِه َعل ٌ‬
‫يم (‪.‬‬
‫علله بالعلم والمراد الزمه وهو حصول الثواب الجليل عليه‪.‬‬
‫فإن قلت ‪ :‬اآلية تدل على أن األب ٍ‬
‫مساو لألم في البر لتسويتهما في النفقة عليهما ؟ قلنا ‪ :‬اآلية ّإنما‬
‫تضمنت مطلق اإلنفاق عليهما من غير تعرض لما بينهما من التفاوت ‪ ،‬بدليل تضمنهما أيضا النفقة‬
‫على األقربين باإلطالق ‪ ،‬مع ّأنهم متفاوتون ألن القرابة مقولة بالتشكيك ‪ ،‬فالنفقة على أقرب األقربين‬
‫تكون أكثر ( من النفقة ) على من هو أبعد منه‪.‬‬
‫وابن السبيل هو المسافر إذا قدم على بلد هو فيها فقير ويكون في بلده غنيا ‪ ،‬فإن كان فقيرا في بلده‬
‫فهو ( مسكين )‪.‬‬
‫ب َعلَْي ُك ُم القتال ‪...‬‬ ‫ِ‬
‫قوله تعالى ‪ُ ( :‬كت َ‬
‫(‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬لفظ الكتب دليل على تأكيد وجوب القتال‪.‬‬
‫والكتب إما حكم اهلل أو في اللوح المحفوظ أو في القرآن‪.‬‬
‫والجهاد هنا ( قيل فرض عين ) وقيل فرض كفاية‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬الظاهر أنه فرض ( عين ) ألنا إذا شككنا في شيء فيحمل على األكثر‪.‬‬
‫وفرض العين في التكاليف أكثر من فرض الكفاية ‪.‬‬

‫( ‪)2/615‬‬

‫صفحة رقم ‪616‬‬


‫( قيل له ‪ :‬في غير هذا ‪ ،‬وأما هنا فال ؟ فقال ‪ :‬هذا محل النزاع ‪ ،‬وكان بعضهم يقول ‪ :‬إنه فرض‬
‫عين في كفاية ) فواجب على ( جميع ) الناس حضور القتال‪.‬‬
‫ويكفي فيه قتال البعض ‪ ،‬والحضور فرض عين ( والقتال فرض ) كفاية كالصالة في الدار‬
‫فإنها فرض في حرام‪.‬‬
‫المغصوبة ّ‬
‫إن خطاب المواجهة يعم وال يخص ‪ ،‬فنقول ‪ :‬األمر للحاضر والغائب‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬وإ ذا قلنا ‪ّ :‬‬
‫وغلب فيه المخاطب‪.‬‬
‫واألمر للحاضرين ويتناول الغائب ( بالقياس ) عليه من باب ( ال فارق )‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪َ ( :‬و ُه َو ُك ْرهٌ لَّ ُك ْم ‪...‬‬
‫(‪.‬‬

‫( ‪)2/616‬‬
‫صفحة رقم ‪617‬‬
‫الضمير عائد على القتال إما ( لقربه ) وإ ما ألنه إنما يعود على ( الكتب ) باعتبار متعلقه ألنهّم‬
‫ايكرهون الكتاب لذاته‪.‬‬
‫والكراهة هنا ليست بمعنى البغض بل بمعنى النفور منه وصعوبته على النفس كصعوبة الوضوء في‬
‫زمن البرد فيكرهه المكلف كذلك ال أنه يبغضه‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬وعسى أَن تَ ْك َر ُهوْا َشْيئاً َو ُه َو َخْيٌر لَّ ُك ْم ‪...‬‬
‫(‪.‬‬
‫قال أبو حيان ‪ :‬عسى األول لالشفاق والثانية للرجاء‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬المناسب العكس ‪ ،‬فإن المستقبل في األولى خير وانتظاره رجاء ‪ ،‬والمستقبل في‬
‫الثانية شر فانتظاره إشفاق وخوف‪.‬‬
‫قيل البن عرفة ‪ :‬إنما المعتبر ما دخلت عليه ( أن ) ؟ فقال ‪ :‬نعم لكن بصفته وقيده ‪ ،‬واألول مقيد‬
‫بأنه ( يعقبه خير ‪ ،‬والثاني مقيد بأنه يعقبه الشر‪.‬‬
‫قيل البن عرفة ‪ :‬المستقبل غير معلوم لالنسان وإ ّنما يعلم الحاضر فيعسر عليه المستقبل فإن كان‬
‫ترجى دوامه وإ ن كان شرا أشفق وخاف من دوامه‪.‬‬
‫الحاضر خيرا ّ‬
‫طلَّقَ ُك َّن أَن‬
‫قال أبو حيان ‪ :‬وكل عسى في القرآن للتحقيق يعنون به الوقوع اال قوله ) عسى َربُّهُ ِإن َ‬
‫ِ‬
‫أن القضية الشرطية‬ ‫ُي ْبدلَهُ أ َْز َواجاً َخ ْيراً ِّمن ُك َّن ( قال ابن عرفة ‪ :‬بل هي أيضا للتّحقيق لما تقدم من ّ‬
‫صحة ملزومية الجزاء للشرط وال تقتضي الثبوت والوقوع‪ ، n‬والقضية الحملية تقتضي‬ ‫تقتضي ّ‬
‫الثبوت والوقوع‪ n‬أو بفهم الوقوع في ( اآلية ) باعتبار ( المتكلم ) بهذا الشرط والرجاء واقع من اهلل‬
‫تعالى ‪.‬‬

‫( ‪)2/617‬‬

‫صفحة رقم ‪618‬‬


‫ون (‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬واهلل َي ْعلَ ُم َوأَنتُ ْم الَ تَ ْعلَ ُم َ‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬اآلية تدل على أن جميع األحكام الشرعية تعلل ‪ ،‬وذلك أنهم اختلفوا في التعبدات‬
‫فذهب جماعة منهم الشيخ الهمام عز الدين ابن عبد السالم إلى ّأنها األحكام ( التي التدرك لها علة ‪،‬‬
‫وفي بعض كالم ابن رشد وكالم المتقدمين ما يدل على أنها األحكام ) التي ال علة لها ‪ ،‬واآلية‬
‫ألنها خرجت مخرج ( التّبيين ) على كمال المبادرة إلى‬
‫أن األحكام كلّها التكون إال لمصلحة ّ‬
‫تقتضي ّ‬
‫امتثال األحكام الشرعية فدل على أن المراد واهلل أعلم ما في ذلك من المصلحة َوأنتُ ْم الَ تَ ْعلَمونها‪.‬‬
‫فعليكم أن تأخذوها بالقبول‪.‬‬
‫ون ‪ :‬قال ابن عرفة ‪ :‬يصح أن يكون في موضع الحال‪.‬‬ ‫وقوله ‪َ :‬وأَنتُ ْم الَ تَ ْعلَ ُم َ‬
‫قيل له ‪ :‬علمنا حادث ال ُيجامع علم اهلل القديم ؟ فقال ‪ :‬هي حال مقدرة والتحقيق ّأنا إن جعلنا الجملة‬
‫أن الزمخشري قال في )‬ ‫في موضع الحال تكون سالبة تقتضي وجود الموضوع‪ ، n‬وبقي في اآلية ّ‬
‫َو ُه َو ُك ْرهٌ لَّ ُك ْم ( إما مصدر من الكراهة أو أنه بمعنى بمعنى المكروه مثل ( الخبز ) بمعنى ( المخبوز‬
‫)‪.‬‬

‫( ‪)2/618‬‬

‫صفحة رقم ‪619‬‬


‫وقرىء ‪َ ( :‬ك ْرهٌ ) بالفتح على أنه بمعنى ( المضموم ) كالضعف والضعف‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬وقال القاضي أبو الفضل عياض في تنبيهاته ‪ :‬الوضوء بالضم هو الفعل وبالفتح اسم‬
‫الماء ‪ ،‬وقيل ‪ :‬بالعكس‪.‬‬
‫قال ‪ :‬فيجيء هنا كذلك‪.‬‬
‫قيل البن عرفة ‪ :‬هذا قياس في اللّغة فال يجوز ؟ فقال ‪ :‬إنما هو ( إجراء ) ال قياس‪.‬‬
‫ال ِف ِ‬
‫يه ‪...‬‬ ‫ون َك َع ِن الشهر الحرام ِقتَ ٍ‬
‫قوله تعالى ‪َ ( :‬ي ْسَئلُ َ‬
‫(‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬القتال الذي وقع منهم في ال ّشهر الحرام ‪ ،‬إن كان غلطا فهو كبير موجب لإلثم ‪ ،‬وإ ن‬
‫كان اجتهادا أجري على الخالف في االجتهاد هل يرفع حكم الخطأ أم ال ؟ فإن قلت ‪ :‬لم أعيد لفظ‬
‫أن ذلك‬
‫القتال مظهرا ‪ ،‬وهال كان مضمرا ‪ ،‬ولم أعيد منكرا وهال كان معرفا ؟ قيل ‪ :‬الجواب ّ‬
‫الختالف المتكلّم فاألول في الكالم السائل والثاني في كالم المسؤول‪n.‬‬
‫قال الفراء وهو معطوف على كبير‪.‬‬
‫أن قوله ( َو ُك ْفٌر بِ ِه ) معطوف على ( َكبِير ) فيلزم‬
‫قال ابن عطية ‪ ( :‬وهو خطأ ألنه ( يؤدي ) إلى ّ‬
‫أن يكون إخراج أهل المسجد الحرام منه أكبر عند اهلل من الكفر‪.‬‬
‫وأجيب عنه بثالثة أوجه ‪:‬‬

‫( ‪)2/619‬‬

‫صفحة رقم ‪620‬‬


‫أن الكالم تم عند ) وص ٌّد َعن سبِ ِ‬
‫يل اهلل ( وما بعده ابتداء ‪.‬‬ ‫األول ‪ :‬ألبي حيان ّ‬
‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫ّ‬
‫الثاني ‪ :‬قال ابن عرفة ‪ :‬الكفر قسمان ‪ :‬صريح حقيقي وهو الكفر بالشرك ‪ ،‬وكفر ) حكمي غير‬
‫صريح‪.‬‬
‫فنقول ‪ ( :‬دلت اآلية ) على أن القتال في الشهر الحرام كفر وإ ن لم يعتقد فاعله الكفر ‪ ،‬وكذلك إخراج‬
‫أهل المسجد الحرام منه كفر وإ ن لم يعتقده فاعله فجعل الشارع إخراج أهل المسجد الحرام منه أكبر‬
‫إثما من الكفر الحكمي الذي نشأ عن القتال في الشهر الحرام ‪ ،‬وهذا ال شيء فيه وال سيما إن جعلنا‬
‫الضمير في ( و ُك ْفر بِ ِه ) عائدا على ( عن سبِ ِ‬
‫يل اهلل )‪.‬‬ ‫َ‬ ‫َ ٌ‬
‫الجواب الثالث ‪ :‬لبعض الطلبة قال ‪ :‬أهل المسجد الحرام عام يشمل النبي وغيره وال شك أن اخراج‬
‫النبي من المسجد الحرام كفر وزيادة فهو أشد من الكفر باهلل فقط‪.‬‬
‫يه َكبِ ٌير ( منسوخ بقول اهلل تعالى ) َوقَاتِلُوْا‬
‫وحكى ابن عطية عن الزهري ومجاهد ‪ ،‬أن ) ُق ْل ِقتَا ٌل ِف ِ‬
‫المشركين َكآفَّةً ( ورده القرطبي ‪ :‬بأن ) َوقَاتِلُوْا المشركين َكآفَّةً ( عام وهذا خاص ‪ ،‬والخاص‬
‫يقضي على العام‪.‬‬
‫؟‬
‫فإنه ينسخه ‪.‬‬
‫إن العام إذا تأخر عن الخاص ّ‬
‫وأجاب عن ذلك ابن عرفة ‪ :‬بأن األصوليين قالوا ‪ّ :‬‬

‫( ‪)2/620‬‬

‫صفحة رقم ‪621‬‬


‫قلت ‪ :‬قال أبو عمرو بن الحاجب ما نصه ‪ ( :‬يجوز تخصيص الكتاب بالكتاب )‪.‬‬
‫أبو حنيفة والقاضي واإلمام ‪ :‬إن كان الخاص متأخرا وإ ال فالعام ناسخ ‪ ،‬فإن جهل تساقطا‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪َ ( :‬و َمن َي ْرتَِد ْد ِم ْن ُك ْم َعن ِدينِ ِه ‪...‬‬
‫(‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬في ( لفظها ) رحمة وتفضل‪ n‬من اهلل ألن قبلها ) حتى َي ُر ُّدو ُك ْم َعن ِدينِ ُك ْم ( فكان‬
‫لكنه لو قيل هكذا لدخل في عمومه من أكره على‬ ‫المناسب أن يقول ‪ :‬ومن ( ُي َر ّد ) منكم عن دينه ؛ ّ‬
‫الردة‪.‬‬
‫فقال ‪ :‬ومن ( َي ْرتَِدِد ) ( ليختص ) الوعيد بمن ّ‬
‫ارتد مختارا متعمدا‪.‬‬
‫رد ( العجز ) على‬
‫مرتد ‪ ،‬ليناسب ّأول اآلية آخرها ‪ ،‬ويسمونه ّ‬
‫ت َو ْه َو ّ‬
‫فإن قلت ‪ :‬هال قيل ‪ :‬فََي ُم ْ‬
‫الصدر ؟‬

‫( ‪)2/621‬‬
‫صفحة رقم ‪622‬‬
‫إن من عادتهم يجيبون بأنه لو قيل كذلك لتناول مرتكب الكبيرة من المسلمين ألنه‬ ‫( قال ‪ :‬قلت ) ‪ّ :‬‬
‫يصدق عليه ّأنه مرتد عن دينه ل قوله تعالى ‪ِ ( :‬إ َّن الدين ِع َ‬
‫ند اهلل اإلسالم ( وفسر اإلسالم في‬
‫الحديث بأن قال ‪ ( :‬هو أَن تشهد أن ال إله إالّ اهلل وأن محمدا رسول اهلل ‪ ،‬وتقيم الصالة ‪ ،‬وتؤتي‬
‫الزكاة ‪ ( ،‬وتصوم رمضان ) وتحج البيت إن استطعت إليه سبيال ) فاإلسالم ( حقيقة ) مركبة من‬
‫هذه الخمسة أمور ( فمتى ) عدم بعضها عدم االسالم المتناع وجود الماهية بدون أحد أجزائها فمن‬
‫مرتد عن دينه ‪ ،‬وأنه غير مسلم ‪ ،‬فلذلك قال‬
‫فعلها كلّها ثم بدا له في بعضها فلم يفعله يصدق عليه أنه ّ‬
‫ت َو ُه َو َك ِافٌر (‪.‬‬
‫‪ ) :‬فََي ُم ْ‬
‫قال أبو حيان ‪ :‬قوله ( وهو كافر ) حال مؤكدة‪.‬‬
‫ورده ابن عرفة بوجهين ‪:‬‬
‫مرتدا عن دينه الذي هو‬
‫األول ‪ :‬منهما ما قلناه ‪ :‬من ّأنه احتراز من موت مرتكب الكبيرة ‪ ،‬فإنه مات ّ‬
‫اإلسالم‪.‬‬
‫الجواب الثاني ‪ّ :‬أنها إنما تكون مؤكدة أن لو كانت حاال من ( ْيرتَِدد ) ونحن ّإنما جعلناها حاال من‬
‫والمرتد يحتمل أن يراجع اإلسالم فيموت مسلما ‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ت)‬‫( َي ُم ْ‬

‫( ‪)2/622‬‬

‫صفحة رقم ‪623‬‬


‫قيل البن عرفة ‪ :‬فيمت معطوف على ( َيرتَِد ْد ) بالفاء التي للتعقيب ‪ ،‬فهو بعقب ِر ّدته مات ؟ فقال ‪:‬‬
‫ك‪.‬‬‫إما مسلما أو كافرا ‪ ،‬في حال مبينة بال ش ّ‬
‫ارتد في األول ومات في الثاني ‪ّ ،‬‬
‫( هما زمانان ) ّ‬
‫َع َمالُهُ ْم ‪...‬‬
‫تأْ‬ ‫قوله تعالى ‪ ( :‬فأوالئك َحبِ َ‬
‫طْ‬
‫(‪.‬‬
‫عامل ( أولئك ) لفظ ( َمن ) ( ثم ) معناها ‪ ،‬فوجه أبو حيان من طريق اإلعراب اللفظي‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬قالوا وتوجيهه من جهة المعنى أن األول راجع إلى فعلهم القبيح في الدنيا ‪ ،‬فالمناسب‬
‫فيه ( تقليل ) الفاعل تنفيرا عنه فلذلك أفرده ‪ ،‬والثاني راجع إلى جزاء ذلك والعقوبة عليه في الدار‬
‫اآلخرة فالمناسب فيه لفظ العموم في جميع الفاعلين خشية أن يتوهم خصوص ذلك الوعيد بالبعض‬
‫دون البعض‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬وإ حباط أعمالهم في الدنيا بترك الصالة ( عليهم ) وعدم دفنهم في مقابر المسلمين‬
‫ومنع أقاربهم من إرثهم‪.‬‬
‫قال الزمخشري ‪ :‬وذلك مما يتوقع هنا بالردة للمسلمين في الدنيا من ثمرات اإلسالم واستدامتها‬
‫والموت عليها من ثواب اآلخرة ‪.‬‬

‫( ‪)2/623‬‬

‫صفحة رقم ‪624‬‬


‫المرتد ّأم ولده ومدبره دون الموصى بعتقه‪.‬‬
‫ّ‬ ‫قال ابن عرفة ‪ :‬ومذهبنا أنه يعتق على‬
‫ومذهب اإلمام مالك ه ( أن ميراثه ) لبيت المال‪.‬‬
‫قال القاضي عياض في اإلكمال ‪ :‬وقال االمام الشافعي ‪ :‬ميراثه لجماعة المسلمين‪.‬‬
‫ووهنه تاج الدين الفاكهاني وقال ‪ :‬بل مذهبه كمذهب مالك‪.‬‬
‫وكذا حكى عنه الغزالي في البسيط‪.‬‬
‫ابن عطية وروي عن علي ه ( انه ) استتاب مرتدا شهرا فأبى فقتله‪.‬‬
‫ونقل عنه كرم اهلل وجهه ‪ :‬أن يستتاب ثالث مرات فإن تاب في االولى ترك ‪ ،‬وإ ال ( روجع ) في‬
‫الثانية ( ثم ) الثالثة فإن تاب وإ ال قتل‪.‬‬
‫قال ‪ :‬ومنهم من فرق بين الذكر واألنثى فمنع قتل االنثى‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ( ووجهه ) أنه عنده كالحربي سواء‪.‬‬
‫اه ُدوْا ِفي سبِ ِ‬ ‫ِ‬
‫يل اهلل ‪...‬‬ ‫َ‬ ‫اج ُروْا َو َج َ‬ ‫قوله تعالى ‪ ( :‬إ َّن الذين َ‬
‫آمُنوْا والذين َه َ‬
‫(‪.‬‬

‫( ‪)2/624‬‬

‫صفحة رقم ‪625‬‬


‫قال ابن عطية ‪ :‬الهجرة االنتقال من موضع إلى موضع بنية اإلقامة ‪ ،‬ومن قال ‪ :‬االنتقال من البادية‬
‫إلى الحاضرة فقد وهم بسبب أن ذلك كان األغلب عندهم فيلزم أن اليكون ( أَه ُل م ّكة مهاجرين )‬
‫عنده باإلطالق‪.‬‬
‫النبي ويقرب منه الهجرة في موضع‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬الهجرة االنتقال من الوطن إلى محل نصرة ّ‬
‫كثير المنكر إلى موضع ( أخف ) منه‪.‬‬
‫ون َر ْح َمةَ ‪ /‬اهلل )‪.‬‬
‫فان قلت ‪ :‬لم قال ( َي ْر ُج َ‬
‫وكل مؤمن ولو كان من أهل الكبائر يرجو رحمة اهلل‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬فالجواب ‪ :‬أن هذا رجاء شهد اهلل تعالى لهم به ‪ ،‬فدل ذلك على صحته‪.‬‬
‫ونظيره ‪ :‬من يزرع فدانا في سنة خصيبة ويوفي بخدمته فيراه الفالحون فيقولون ‪ :‬هذا زرع يرجو‬
‫صاحبه بلوغ األمل ‪ ،‬وآخر يزرع فدانا يراه الفالحون فيذمونه وربه يستحسنه ويرجوا أن يبلغ فيه‬
‫األمر ويعتقد ذلك فليس الرجاءان سواء‪.‬‬
‫اه ُدوا أو بحذف الموصول ( فيهما ) واكتُفي بذكره في‬ ‫َِّ‬ ‫َِّ‬
‫ين َج َ‬
‫اج ُروا والذ َ‬
‫ين َه َ‬
‫فإن قلت ‪ :‬هال قيل ‪َ :‬والذ َ‬
‫األول ؟ ( فالجواب ) أنه قصد التنبيه على أن مجرد اإليمان كاف في حصول المطلوب من ترجي‬
‫النبي ونصرته كانا كالشيء الواحد فلذلك لم‬
‫رحمة اهلل تعالى ‪ ،‬ولما كانت الهجرة ّإنما هي للجهاد مع ّ‬
‫يكرر ذكر الموصول مع الجهاد ‪.‬‬

‫( ‪)2/625‬‬

‫صفحة رقم ‪626‬‬


‫قلت البن عرفة في الختمة األخرى ‪ :‬إن اآلية حجة على المعتزلة في قولهم إن الطائع يجب على اهلل‬
‫أن يثيبه ألن الرجاء إنما يتعلق بالمظنون ال بالمحقق ‪ ،‬فلو كان الثواب محققا لما قال ( يرجون رحمة‬
‫اهلل ) ؟ فقال ‪ :‬لهم أن يجيبوا بأن من هاجر وجاهد ال يعلم أيموت مسلما أو ال ؟ فهو ال يتحقق خاتمته‬
‫( فصح ) إسناد الترجي إليه وبطل الدليل‪.‬‬
‫ون َك َع ِن الخمر والميسر ‪...‬‬
‫قوله تعالى ‪َ ( :‬ي ْسَئلُ َ‬
‫(‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬قال ابن عطية ‪ ،‬والشيخ الزمخشري ‪ :‬لما نزلت ( هاته اآلية ) شربها قوم وتركها‬
‫آخرون‪.‬‬
‫ون أسقط ( ال ) فنزلت ‪ ) :‬الَ تَ ْق َرُبوْا‬ ‫ِ‬
‫َعُب ُد َما تَ ْعُب ُد َ‬
‫ون أ ْ‬
‫قام بعض الشاربين فقرأ ‪ُ :‬ق ْل يا أَيُّهَا اْل َكاف ُر َ‬
‫يهما ِإثٌْم َكبِ ٌير‬ ‫ِ‬
‫أن لفظ التأثيم في قوله ّ ‪ُ ( :‬قل ف َ‬ ‫نص على ّ‬ ‫الصالة َوأ َْنتُ ْم سكارى ( قال ابن عرفة ‪ :‬هذا ّ‬
‫ألن الصحابة هم لم ينتهوا عنها بهذه اآلية فيستفاد منه الجواب عن السؤال‬ ‫) غير ملزوم للتحريم ّ‬
‫إن اتّخاذ السترة للمصلي سنة ‪ ،‬مع قولهم ‪ :‬إن تركها وصلى حيث ال‬ ‫المورود على قول الفقهاء ‪ّ :‬‬
‫يأمن المرور فمر عليه أحد أثِ َم‪.‬‬
‫بالتعرض للمرور والمرور معا ) ألنه لو لم يمر عليه أحد لما أثم‬
‫ّ‬ ‫وكنا أجبنا عنه بأنه إنما أثم‬
‫( قال ‪ّ :‬‬
‫‪.‬‬

‫( ‪)2/626‬‬
‫صفحة رقم ‪627‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ ( :‬وحكي ) ابن عطية في اإلثم وجوها ‪ :‬األول ‪ :‬أن يراد في استعمالها بعد النهي إثم‬
‫كبير‪.‬‬
‫( ابن عرفة ) ما قلناه اال على هذا ‪.‬‬
‫السوء الّتي فيها وهي السباب واالفتراء وذهاب العقل‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬ان يراد خالل ّ‬
‫وعن سعيد بن جبير ‪ :‬لما نزلت كرهها قوم ( لالثم وشربها قوم ) للمنافع‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬ويؤخذ ( من اآلية أنها إذا تعارضت مصلحة ومفسدة واستويا ال ينبغي الفعل ألن‬
‫الصحابة لما نزلت ) اآلية لم ينتهوا كلهم عن شرب الخمر‪.‬‬
‫فقال ‪ ( :‬نعم ) ‪ ،‬بل هو من باب أحرى‪.‬‬
‫قال ‪ :‬وهذا هو الذي ذكر فيه األصوليون عن علي بن أبي طالب أنه قال ‪ :‬من شرب الخمر هذى‬
‫المفتري‪.‬‬
‫وإ ذا هذى افترى فأرى عليه حد ُ‬
‫قلت ‪ :‬ذكره العالمة بن التلمساني في المسألة الثانية من الباب التاسع‪.‬‬
‫قال ‪ :‬وساعده عمر ( وغيره )‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬وهذا هو اعتبار جنس العلة في عين الحكم ألن الهذيان مظنة االفتراء باعتبار جنس‬
‫المظنة في عين حد الخمر فجعله ثمانين بعد ما كان أربعين قياسا على حد القذف ‪.‬‬

‫( ‪)2/627‬‬

‫صفحة رقم ‪628‬‬


‫قلت ‪ :‬وذكر ابن التلمساني هذا في المسألة ( الثانية ) من الباب التاسع ومثله باعتبار جنس المشقة‬
‫الركعتين عن المسافر قياسا على اسقاط القضاء على الحائض‪.‬‬
‫في اسقاط قضاء ّ‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬وجعله األصوليون من القياس في األسباب وقياس الكفارات من القياس في المقادير‬
‫الذي لهم فيه قوالن‪.‬‬
‫نص ‪ ،‬وكذا‬
‫أن حده لشاربه ) أربعين اجتهاد ال ّ‬
‫قال ‪ :‬وهذا اجتهاد من الصحابة لفهمهم عن النبي ( ّ‬
‫ما ورد أنه ضربه ( بالجريد ) فخافوا اختالف المجتهدين وأجمعوا على هذا الحد فكان قطعا للنزاع‪.‬‬
‫ظهََر ِم ْنهَا‬
‫ِّي الفواحش َما َ‬ ‫َِّ‬
‫ابن عطية ‪ :‬عن بعضهم حرمت الخمرة بهذه اآلية لقوله ‪ ) :‬إن َما َحَّر َم َرب َ‬
‫أن الخمرة فيها اإلثم فيستنتج التحريم ‪ ،‬ثم‬ ‫ط َن واإلثم والبغي بِ َغ ْي ِر الحق ( واقتضت هذه اآلية ّ‬
‫َو َما َب َ‬
‫بأن التّحريم حينئذ صار بمجموع اآليتين ال ّأنه بهذه ( وحدها ) الن هذه ّإنما فيها اإلثم فقط‬
‫أبطله هو ّ‬
‫ال التحريم ‪ ،‬وكذا قال القرطبي‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬والميسر من اليسر واليسار ‪ ،‬اليسار بالنسبة إلى آخذه ألنه يحدث له يسرا ‪ ،‬واليسار‬
‫بالنسبة إلى معطيه ألنه مذهب يساره ‪.‬‬

‫( ‪)2/628‬‬

‫صفحة رقم ‪629‬‬


‫ابن عطية ‪ :‬عن ابن عباس ومجاهد هم وغيرهما ‪ :‬كل قمار ميسر من نرد وشطرنج حتى لعب‬
‫األطفال بالجوز‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬إنما ذلك إذا كان بالمخاطرة بشيء يعطيه المغلوب ‪ ،‬فأما بغير خطار فجائز‪.‬‬
‫وقد أجاز اإلمام مالك في العتبية للرجل أن يشتري الكعاب لولده يلعب بها‪.‬‬
‫النرد والشطرنج فال يجوز ( ألنه من المقامرة‬
‫السبك ّأنه مركب من ّ‬
‫وكان ابن عبد السالم يقول ‪ :‬في ّ‬
‫)‪.‬‬
‫إنما حرم بالكتاب‪.‬‬
‫أن الخمر ّ‬
‫قلت ‪ :‬وقد ذكر اللّخمي في كتاب األشربة ّ‬
‫وذكر ابن عطية في سورة المائدة أنه ّإنما حرم بالسنة‪.‬‬
‫ونقل لي ‪ :‬أن القاضي ابن عبد السالم ‪ /‬أنكره وأنهم نظروه في جامع مقدمات ابن رشد فوجدوه‬
‫موافقا البن عطية ولم أجده أنا فلعله في البيان‪.‬‬
‫وخرج الترمذي أن عمر بن الخطاب ه قال ‪ :‬اللّهم ّبين لنا في الخمر ؟ فنزلت آية البقرة‪.‬‬
‫فقال ‪ :‬اللهم بين لنا في الخمر ؟ فنزلت آية النساء‪.‬‬
‫) الَ تَ ْق َرُبوْا الصالة َوأَنتُ ْم سكارى (‬

‫( ‪)2/629‬‬

‫صفحة رقم ‪630‬‬


‫ون‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫فقال ‪ :‬اللّهم ّبين لنا في الخمر بيان ( شفاء ) فنزلت آية العقود إلى قوله ‪ :‬فَهَ ْل أ َْنتُ ْم ُّمنتَهُ َ‬
‫فقال عمر ‪ :‬انتهينا انتهينا‪.‬‬
‫خرجه الترمذي عن أبي ميسرة عن عامر بن شرحبيل عن عمر ( ب )‪.‬‬
‫صالَ ٌح لَّهُ ْم َخْيٌر ‪...‬‬
‫ون َك َع ِن اليتامى ُق ْل ِإ ْ‬
‫قوله تعالى ‪َ ( :‬وَي ْسَئلُ َ‬
‫(‪.‬‬
‫أن للموصى في خلطه بمال اليتيم ثالث حاالت ‪ :‬النظر في المصلحة ‪،‬‬
‫ابن عرفة ‪ :‬تضمنت اآلية ّ‬
‫والنظر في المفسدة ‪ ،‬والنظر المطلق‪.‬‬
‫صالَ ٌح لَّهُ ْم َخْيٌر )‪.‬‬
‫واألول مستفاد من قوله ‪ٌ ( :‬ق ْل ِإ ْ‬
‫والثاني من قوله ‪ ( :‬واهلل َي ْعلَ ُم المفسد ِم َن المصلح )‪.‬‬
‫والثالث من لفظ ( ِإ ْخ َو ُان ُك ْم ) فإنه يقتضي التساوي‪.‬‬
‫والظاهر أن ( خير ) مبتدا ( واصالح ) خبر لتكون ( الخبرية ) محصورة فيه‪.‬‬
‫ولو جعلنا ( اصالح ) مبتدأ ( وخير ) خبرا الحتمل أمرين ‪ :‬أحدهما ‪ :‬أن يراد أن الفساد خير ألن (‬
‫المختلقات ) يمكن اجتماعها في شيء واحد‪.‬‬
‫والثاني ‪ :‬أن الكفارات خير‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬واهلل َي ْعلَ ُم المفسد ِم َن المصلح ‪...‬‬
‫(‪.‬‬
‫في اآلية سؤال وهو أن القاعدة في التمييز أن يميز القليل من الكثير وتقرر في الوجود وفي الشرع‬
‫أن الفساد أكثر من الصالح ‪.‬‬

‫( ‪)2/630‬‬

‫صفحة رقم ‪631‬‬


‫قال اهلل في سورة غافر ‪ِ ) :‬إ َّن الساعة ألَتِيةٌ الَّ ر ْي ِ‬
‫ب فيهَا ولكن أَ ْكثََر الناس الَ ُي ْؤ ِمُن َ‬
‫ون ( قال ابن‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬
‫أن المطلوب تكثير‬
‫عرفة ‪ :‬والجواب أنه باعتبار الطلب ال باعتبار الوجود الخارجي فنبه باآلية على ّ‬
‫الصالح وتقليل الفساد حتى يكون في الوجود أكثر من الفساد‪.‬‬
‫ّ‬
‫قيل البن عرفة ‪ :‬أو إشارة إلى عموم علم اهلل تعالى ما قلتموه في السؤال إنما يكون في المخلوقين‬
‫لقصورهم وعجز إدراكهم ‪ ،‬فيكون تمييز القليل من الكثير أهون عليهم من العكس‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬أو يجاب بأن اآلية خرجت مخرج التخويف فالمناسب فيها تعلق العلم والقدرة بالمفسد ليميز‬
‫من المصلح‪.‬‬
‫انتهى‪.‬‬
‫ِ‬
‫َعَنتَ ُك ْم ِإ َّن اهلل َع ِز ٌيز َحك ٌ‬
‫يم (‪.‬‬ ‫آء اهلل أل ْ‬
‫قوله تعالى ‪َ ( :‬ولَ ْو َش َ‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬وهي حجة ألهل السنة في قوله ‪ :‬إن تكليف ما ال يطاق جائز غير واقع‪.‬‬
‫قيل له ‪ :‬قد تقدم لكم أن الشرط يتركب من المحال ؟ فقال ‪ :‬إن اآلية خرجت مخرج التمدح بكمال‬
‫قدرة اهلل تعالى واالمتنان على خلقه بتيسير التكليف ‪ ،‬والتَّمدح إنما يكون بالجائز‪.‬‬
‫نس ْخ ِم ْن َآي ٍة‪.‬‬
‫وهذا نظير جواب الجزري المتقدم في ) َما َن َ‬
‫(‬
‫( ‪)2/631‬‬

‫صفحة رقم ‪632‬‬


‫قوله تعالى ‪َ ( :‬والَ تَْن ِك ُحوْا المشركات حتى ُي ْؤ ِم َّن ‪...‬‬
‫(‪.‬‬
‫النكاح حقيقة في الوطء مجاز في العقد ‪ ،‬وقيل حقيقة فيهما‪.‬‬
‫الب ّر في األرض‬
‫والضم ‪ ،‬يقال ‪ :‬نكحت ُ‬
‫ّ‬ ‫قال القاضي عياض في تنبيهاته ‪ ( :‬النكاح لغة الجماع‬
‫ونكحت الحصاة خفاف اإلبل ‪ ،‬ثم استعمل في الوطء وهو في الشرع يطلق على لعقد ألنه بمعنى‬
‫الجمع ومآله إلى الوطء‪.‬‬
‫قال الزمخشري في أساس البالغة ‪ :‬ومن المجاز قولهم ‪ :‬نكحت الحصى خفاف اإلبل ‪ :‬فظاهره أنه‬
‫حقيقة في العقد مجاز في الوطء ‪ ،‬إال أن يراد المجاز في اإلسناد‪.‬‬
‫والنهي هنا للتحريم بدليل‬

‫( ‪)2/632‬‬

‫صفحة رقم ‪633‬‬


‫ما عطف عليه وهو التحريم بال خالف ‪ ،‬وإ ن كان ابن التلمساني أجاز عطف التحريم على المكروه‬
‫وعكسه لكن األغلب التساوي‪.‬‬
‫قيل البن عرفة ‪ :‬ما أفاد قول اهلل تعالى ) حتى ُي ْؤ ِم َّن ( مع ّ‬
‫أن النكاح ( يستقل ) بدونه ؟ ( فأجاب )‬
‫هو أصرح في دوام االنتهاء بأن األول مفهوم صفة وهو مفهوم غاية ‪ ،‬والقائلون بإعمال مفهوم الغاية‬
‫أكثر من القائلين بإعمال مفهوم الصفة‪.‬‬
‫بأنه لو لم يذكر ألوهم إباحة نكاحهن إن رجعن عن اإلشراك إلى دين اليهود‬
‫قلت ‪ :‬أو يجاب ّ‬
‫والنصارى فيكون في اآلية حجة لما حكى ابن عطية عن ابن عباس والحسن ومالك فيما ذكره عنه‬ ‫ّ‬
‫ابن حبيب من أنه عام فيهم وفي الكتابيات ‪ ،‬ثم نسخت بقوله في المائدة ‪ ) :‬والمحصنات ِم َن الذين‬
‫أُوتُوْا الكتاب ِمن قَْبِل ُك ْم ( قوله تعالى ‪َ ( :‬خ ْيٌر ِّمن ُّم ْش ِر َك ٍة ‪...‬‬
‫(‪.‬‬

‫( ‪)2/633‬‬
‫صفحة رقم ‪634‬‬
‫أفعل من ) الجواز اشتراك المتباينات في وصف ما‪.‬‬ ‫خيٌر ( َ‬‫ْ‬
‫فالخيرية في المشركة في الدنيا فقط أما بكثرة المال أو الجمال وميل النفس إليها‪.‬‬
‫وفي المؤمنة باعتبار الدنيا واألخرة واليهود والنصارى ليسوا من المشركين لقول اهلل ‪ ) :‬لَتَ ِج َد َّن أَ َش َّد‬
‫آمُنوْا اليهود والذين أَ ْش َر ُكوْا ( قال ابن عرفة ‪ :‬وأغرب ابن الخطيب ‪ :‬فقال ‪:‬‬ ‫َِِّّ‬
‫ين َ‬‫الناس َع َد َاوةً للذ َ‬
‫ون َذِل َك‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫بأنهم مشركون بقول اهلل تعالى ‪ِ ) :‬إ َّن اهلل الَ َي ْغف ُر أَن ُي ْش َر َك بِه َوَي ْغف ُر َما ُد َ‬
‫احتج من قال ‪ّ :‬‬
‫والنصارى ال يغفر لهم فهم مشركون ( وإ الّ لزم ) منه تطرق‬ ‫آء ( وأجمعوا على أن اليهود ّ‬ ‫ِ‬
‫ل َمن َي َش ُ‬
‫احتمال المغفرة لهم‪.‬‬
‫َع َجَبتْ ُك ْم ‪...‬‬
‫قوله تعالى ‪َ ( :‬ولَ ْو أ ْ‬
‫(‪.‬‬
‫ين ( قلت‬ ‫َنت بِمؤ ِم ٍن لََّنا ولَو ُكَّنا ِ ِ‬
‫صادق َ‬‫َ‬ ‫َ ْ‬ ‫من إثبات ما يتوهم نفيه ‪ ،‬أو نفي ما يتوهم ثبوته مثل ‪َ ) :‬و َمآ أ َ ُ ْ‬
‫‪ :‬وتقدم البن عرفة في الختمة اآلخرى أن هذه اآلية يرد بها على ابن بشير فإنه نقل في أول كتاب‬
‫الجنائز عن ابن عبد الحكم ‪ :‬ان الصالة على الجنائز فرض كفاية محتجا بقول ‪ /‬اهلل تعالى ‪َ ) :‬والَ‬
‫َح ٍد ِّم ْنهُم َّم َ‬
‫ات أََبداً َوالَ تَقُ ْم على قَْب ِر ِه (‬ ‫ص ِّل على أ َ‬
‫تُ َ‬

‫( ‪)2/634‬‬

‫صفحة رقم ‪635‬‬


‫والنهي عن الصالة على المنافقين للتحريم فضده وهو األمر بالصالة على المؤمنين للوجوب‪.‬‬
‫بأنه ال يكون ( هذا ) للوجوب إالّ إذا كان له ( ضد ) واحد ‪ ،‬وهذا له ( أضداد ) ‪،‬‬
‫وتعقبه اللّخمى ّ‬
‫وهو إما وجوب الصالة على المؤمنين أو كراهتها ‪ ،‬أو إباحتها ( أو استحبابها )‪.‬‬
‫النهي إذا كان للتحريم فضده األمر للوجوب بال شدة ‪ ،‬وإ ن كان للكراهة‬
‫وأجاب ابن بشير ‪ :‬بأن ّ‬
‫فضده األمر للندب‪.‬‬
‫وقال ابن عرفة ‪ :‬وهذا باطل بالكتاب والسنة والنظر ‪ ،‬أما الكتاب فقول‪ n‬اهلل تعالى ‪َ ( :‬والَ تَْن ِك ُحوْا‬
‫للندب على‬
‫فإن النهي عن نكاح المشركات للتحريم وضده وهو األمر بنكاح المسلمات ّ‬
‫المشركات ) ّ‬
‫الجملة‪.‬‬
‫( وإ نما ) يجب في بعض األحيان على بعض األشخاص ‪ ،‬وأما السنة فخرج مسلم في كتاب الحج في‬
‫رواية ( قتادة ) عن قزعة عن أبي سعيد الخدري ه أن رسول اهلل قال ‪ ( :‬ال تسافر امرأة فوق ثالث‬
‫ليال إال مع ذي محرم ) ‪.‬‬

‫( ‪)2/635‬‬

‫صفحة رقم ‪636‬‬


‫فهذا نهي عن السفر مع غير ذي المحرم ‪ ،‬وهو للتحريم ( وضده ) وهو األمر بالسفر مع ذي محرم‬
‫مباح ال واجب‪.‬‬
‫وقال القاضي أبو بكر الباقالني في كتاب التقريب واالرشاد ما نصه ‪ :‬وأما النهي عن الشيء فال بد‬
‫أن يكون أمرا بضده إن كان له ضد واحد أو بعض أضداده إن كان له أضداد ‪ ،‬ويكون أمرا بالضد‬
‫على سبيل ماهو نهي عنه إما وجوبا أو ندبا‪.‬‬
‫ونص القرافي في شرح التنقيحات على أن ضد الكراهة الندب‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬وذكرت ذلك لشيخنا المفتي الفقيه الصالح الحاج العالمة أبي العباس أحمد بن ادريس بن بالل‬
‫البجائي وللفقيه أبي الحسن علي بن يحيى بن عجمي البجائي فأجابا عنه ( بوجهين ) ‪ :‬األول ‪ :‬قال‬
‫ابن إدريس ‪ :‬النهي للتحريم ضده األمر للوجوب ما لم يعارضه معارض كقولهم في األمر بصغة‬
‫افعل ‪ّ :‬إنه للوجوب ما لم تقترن به قرينة صارفة عنه للندب وهنا قد جاء األمر بالنكاح صريحا قال‬
‫اب لَ ُكم ِّم َن النسآء ( وفي الحديث ‪ ( :‬من استطاع منكم الباءة فليتزوج )‬
‫ط َ‬‫اهلل تعالى ‪ ) :‬فانكحوا َما َ‬
‫فإذا حمل األمر الصريح على الندب لقرينة فأحرى أن يحمل على ذلك األمر المفهوم من النهي فال‬
‫يتم للشيخ ابن عرفة بهذه اآلية ‪.‬‬

‫( ‪)2/636‬‬

‫صفحة رقم ‪637‬‬


‫قلت ‪ :‬وذكر بعضهم البن عرفة معبرا عنه بان هذا خرج بالدليل الدال على عموم وجوب النكاح‪.‬‬
‫فقال ابن عرفة ‪ :‬أين الدليل مع قول داود بوجوب نكاح الحرة مطلقا‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬وإ ّنما يعترض على اللّخمي بما قال المازري فانظره ؟ الجواب الثاني ‪ :‬قال الشيخ‬
‫ابن ( عجمي ) ‪ :‬إنما مفهوم اآلية أن من أراد النكاح هنا يجب عليه إن ينكح المؤمنات كما أنه يحرم‬
‫على من يريد النكاح هنا أن ينكح المشركات وكذا الكالم في الحديث سواء ‪ ،‬والمفهوم هنا مفهوم‬
‫الصفة وهذا ال نزاع فيه‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬وكالم الشيخ ابن إدريس مثل ما رد به اإلمام ابن رشد في مقدماته على ابن عبد الحكم‪.‬‬
‫ٍ ِ‬ ‫ِّ‬
‫َن اهلل بِ ُكل َش ْيء َعل ٌ‬
‫يم ( قوله‬ ‫وانظر ما تقدم لنا عن ابن الحاجب في قول اهلل تعالى ‪ ) :‬واعلموا أ َّ‬
‫تعالى ‪ ( :‬واهلل يدعوا ِإلَى الجنة والمغفرة بِِإ ْذنِ ِه ‪...‬‬
‫(‪.‬‬

‫( ‪)2/637‬‬

‫صفحة رقم ‪638‬‬


‫الم ْغِف َر ِة بِِإ ْذنِ ِه‪.‬‬ ‫ِ‬
‫إن قلت ‪ :‬هال قال ‪ :‬والمؤمنون يدعون ِإلَى َ‬
‫الجَّنة َو َ‬
‫الدعاء إلى النار‪.‬‬
‫كما ( أسند ) للمشركين ّ‬
‫قلت ‪ :‬أجاب ابن عرفة بأن فيه كمال تشريف لدين اإلسالم كما قال اهلل تعالى ‪ِ ) :‬إ َّن الذين ُيَبايِ ُع َ‬
‫ون َك‬
‫ون اهلل ( قال ابن عرفة ‪ :‬فإن قلت المغفرة سبب في دخول الجنة فهال ‪ :‬قدمت عليها ؟‬ ‫ِإَّن َما ُيَبايِ ُع َ‬
‫أخرت لتتناول اآلية من‬
‫فإنها ّإنما ّ‬
‫فالجواب من وجوه ‪ :‬األول ‪ :‬قال ابن عرفة ‪ :‬تقدم لنا الجواب عنه ّ‬
‫النار ويغفر‬
‫أطاع اهلل ولم يعصه فإنه يدخل الجنة ( دخوال أوليا ) ومن أطاع اهلل وعصى فإنه يدخل ّ‬
‫له فيدخل الجنة ‪ ،‬ومن أطاع اهلل وعصى وغفر له فإنه أيضا يدخل الجنة دخوال أوليا‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬أنه قصد ذكر المغفرة بالتضمن وبالمطابقة ‪.‬‬
‫النار والمعصية ‪ ،‬وهذا مقابل له فحذف من األول لداللة هذا‬
‫الثالث ‪ :‬أن المراد أوالئك يدعون إلى ّ‬
‫المذكور في الثاني عليه‪.‬‬
‫بأن اآلية إنما جاءت تهييجا على الطاعة ‪ ،‬فالمناسب أن يذكر فيها ( المخوفات )‬
‫ورده ابن عرفة ‪ّ :‬‬
‫والدعاء للمعصية ليس بمخوف‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬تقول التقدير ‪ :‬أولئك يدعون إلى النار والعذاب ‪.‬‬

‫( ‪)2/638‬‬

‫صفحة رقم ‪639‬‬


‫قال ابن عطية ‪ :‬واإلذن ( العلم ) و ( التمكين ) فإن انضاف إليه أمر فهو أقوى‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ ( :‬على هذا ) ال يتقرر الدعاء للمغفرة‪.‬‬
‫قيل له ‪ :‬اإلذن الكالم والكالم يصدق على الخبر وعلى األمر ؟ فقال ‪ :‬األمر مثل ) ِإَّن َما قَ ْولَُنا ِل َش ْي ٍء‬
‫ون ( قيل له ‪ :‬واألمر عندنا ليس هو ( عين ) اإلرادة ألن اإلنسان قد‬ ‫ِإ َذآ أ ََر ْدَناهُ أَن َّنقُ َ‬
‫ول لَهُ ُك ْن فََي ُك ُ‬
‫يأمر بما ال يريد‪.‬‬
‫ِّن َآياتِ ِه ِل َّلن ِ‬
‫اس ‪...‬‬ ‫قوله تعالى ‪َ ( :‬وُيَبي ُ‬
‫(‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬يستفاد منه حجة وقوع المجمل في القرآن ألن اآلية دلّت على جواز تأخير البيان إلى‬
‫وقت الحاجة‪.‬‬
‫ون َك َع ِن المحيض ‪...‬‬
‫قوله تعالى ‪َ ( :‬وَي ْسَئلُ َ‬
‫(‪.‬‬

‫( ‪)2/639‬‬

‫صفحة رقم ‪640‬‬


‫قال القاضي عياض في تنبيهاته ‪ : /‬قيل أصله ‪ :‬من حاضت ( السمرة ) إذا خرج منها ( ماء ) أحمر‬
‫‪ ،‬ولعل الشجرة ّإنما شبهت بالمرأة‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬ظاهرة أنه حقيقة فيهما‪.‬‬
‫وقال الزمخشري ‪ :‬في ( أساس ) البالغة ‪ :‬من المجاز قولهم حاضت ( السُّمرة ) اذا خرج منها ماء‬
‫أحمر ‪.‬‬

‫( ‪)2/640‬‬

‫صفحة رقم ‪641‬‬


‫قال ابن عرفة ‪ :‬وينبغي أن ينظر األغلب ‪ ،‬والظاهر أنه مجاز كما قال ألن مسيس الحاجة إلى‬
‫بأنه األسبق‬
‫اإلخبار عن حيض المرأة أشد وأكثر من اإلخبار عن حيض السمرة فينبغي أن يحكم ّ‬
‫وحيض‬
‫( الشجرة ) منقول عنه‪.‬‬
‫َذى ‪...‬‬
‫قوله تعالى ‪ُ ( :‬ق ْل ُه َو أ ً‬
‫(‪.‬‬
‫َّ‬
‫أن األذى هو األمر المؤلم الذي ) يقصد إماطته ‪،‬‬ ‫ض ُّرو ُك ْم ِإال أ ً‬
‫َذى ( والجامع ّ‬ ‫( وقال تعالى ‪ ) :‬لَن َي ُ‬
‫أن ( األصل تقديم العلة على المعلول ) كهذه اآلية ‪،‬‬
‫وأتى هنا بالحكم مقرونا ( بعلته ) ونصوا على ّ‬
‫وكقولك ‪ :‬سهى فسجد ‪ ،‬وزنا فرجم‪.‬‬
‫وقد يجيء الحكم‬

‫( ‪)2/641‬‬

‫صفحة رقم ‪642‬‬


‫مذكورا قبلها ( وإ ّنما ) ذلك ألن العلة أصل في األصل واعتبارها فرع في األصل‪.‬‬
‫واختلفوا في الحائض إذا طهرت من الدم ولم تتطهر بالماء فالمشهور أن وطأها حرام ‪.‬‬

‫( ‪)2/642‬‬

‫صفحة رقم ‪643‬‬


‫صفحة فارغة‬

‫( ‪)2/643‬‬

‫صفحة رقم ‪644‬‬


‫وحكى القاضي عياض في اإلكمال عن ابن بكير جواز وطئها ابتداء من غير كراهة‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬وكذا حكى ابن العربي في االحكام وحكى غيرهما عن ابن بكير كراهة وطئها‪.‬‬
‫طهُْر َن )‬
‫وقرأ أبو بكر وحمزة ( حتى َي ْ‬

‫( ‪)2/644‬‬

‫صفحة رقم ‪645‬‬


‫بالتشديد واختلفوا في فهم اآلية على القول المشهور ‪ ،‬فقال بعض البيانيين ‪ :‬فيها حرف التقابل أي‬
‫وه ّن‪.‬‬
‫طهَّ ْر َن فَأْتُ ُ‬
‫رن َوتَ َ‬‫طهُ َ‬‫طهَّ ْر َن فَِإ َذا َ‬
‫حتَّى َيطهرن َوَيتَ َ‬
‫ق ( وقول الشاعر ‪ :‬وإ ني لَتَ ْع ُروني لذكراك هزة ‪...‬‬‫مثل قول اهلل ّ ) َو َمثَ ُل الذين َكفَ ُروْا َك َمثَ ِل الذي َي ْن ِع ُ‬
‫كما انتفض العصفور َبلَّله القطر أي ‪ :‬وإ ني لتعروني لذكراك سكون ثم يزول ِّ‬
‫عني فأفيق وأنتفض لها‬
‫كما يعتري العصفور عندما َبلَّله القطر ‪ ،‬فإنه يسكن ثم ينتفض وكذا قوله اآلخر ‪ :‬فإن كان شجوا‬
‫فاعذروني على الهوى ‪...‬‬
‫وإ ن كان داء غيره فلك العذر أي فاعذرني فلك العذر وإ ن كان داء غيره فاعذرني أيضا‪.‬‬
‫انظر ابن الصائغ في باب المعرب والمبني‪.‬‬
‫طهَّ ْر َن بدليل قراءة التشديد ولو‬
‫وقال العالمة ابن رشد ‪ :‬في البيان والتحصيل ( َيطهرن ) بمعنى ‪َ :‬يتَ َ‬
‫الدم والثاني للماء لجاز باالول ما لم يجز بالثاني ‪ ،‬إذ ال يقال ‪ :‬ال تقم حتى يأتي زيد ‪،‬‬
‫كان االول في ّ‬
‫فإذا أتى عمرو فافعله ‪.‬‬

‫( ‪)2/645‬‬

‫صفحة رقم ‪646‬‬


‫وقال ابن عبد البر في االستذكار ‪ :‬الحجة للمشهور أنهم جعلوها كالحيض في العدة فأوجبوا لزوجها‬
‫طهُْر َن )‪.‬‬
‫عليها الرجعة ما لم تغتسل بالماء فإن قيل ‪ :‬اهلل تعالى قال ‪ ( :‬حتى َي ْ‬
‫َو َحتَّى غاية لما بعدها بخالف ما قبلها ؟ فالجواب ‪ :‬بأنه قد يقع التّحريم بشيء آخر وال يزول بزواله‬
‫طلَّقَهَا فَالَ تَ ِح ُّل لَهُ ِمن َب ْع ُد حتى تَْن ِك َح َز ْوجاً‬
‫لعله أخرى ( تخلفه ) كقوله تعالى في المبتوته ‪ ) :‬فَِإن َ‬
‫َغ ْي َرهُ ( وليس بنكاح الزوج تحل له حتى يطلقها الزوج وتعتد منه‪.‬‬
‫انتهى‪.‬‬
‫النجار عن بعضهم أنه تعقب على ابن‬
‫قلت ‪ :‬ونقل صاحبنا الفقيه أبو عبد اهلل أحمد بن علي بن ميمون ّ‬
‫رشد بأن التطهير بالماء يستلزم الطّهر من الدم فصار كقوله ‪ :‬ال تفعل كذا حتى يأتي زيد فإذا دخل‬
‫عندك زيد فافعله‪.‬‬
‫ألن دخوله مستلزم إلتيانه‪.‬‬
‫بأن‬
‫وهذا الكالم جائز بال شك وذكرته لشيخنا ابن عرفة فاستحسنه وأجاب عن كالم ابن عبد البر ّ‬
‫( المبتوتة ) خرجت باإلجماع إلجماعهم على أنها ال تحل لالول حتى يطلقها الثاني ومسألتنا فيها‬
‫( الخالف )‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬وبين األصوليين خالف في لزوم عكس العلة الشرعية ‪ ،‬وأشار إليه ابن بشير في النكاح األول‬
‫‪ ،‬وكالم ابن عبدالبر مبني على عدم انعكاسها‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪ِ ( :‬إ َّن اهلل ُي ِح ُّ‬
‫ب التوابين ‪...‬‬
‫(‪.‬‬
‫( ‪)2/646‬‬

‫صفحة رقم ‪647‬‬


‫التَّشديد لتكثير التَّوبة ودوامها ‪ ،‬فقد تكون توبة واحدة ّ‬
‫لكنها دائمة فمن يذكر المعصية ويندم عليها‬
‫ويتشوق لعودته إليها غير تائب ألنه مصر عليها ‪ ،‬وتارة يقف وال يندم وال‬
‫ّ‬ ‫تائب ‪ ،‬ومن يذكرها‬
‫يتشوق إلى العودة ‪ ،‬واختلفوا هل تجب التوبة في كل زمن هو فيه ذاكر للمعصية ‪ ،‬أم ال تجب على‬ ‫ّ‬
‫ِ‬
‫قولين ؟ قوله تعالى ‪ ( :‬فَأْتُوْا َح ْرثَ ُك ْم أنى شْئتُ ْم ‪...‬‬
‫(‪.‬‬
‫المفسرون عن أم سلمة من أن قريشا‬
‫ّ‬ ‫إن سبب نزولها ما ذكره‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬هذا أمر ‪ ،‬فإن قلنا ‪ّ :‬‬
‫كانوا يأتون على النساء على هيئات مختلفة ‪ ،‬فلما تزوجوا األنصار أرادوا ذلك فامتنعن منه ‪ ،‬فنزلت‬
‫اآلية فان‪.‬‬
‫قلنا ‪ :‬سبب نزولها هذا فيكون أمرا واراد عقيب الحظر فهو لالباحة وإ ن قلنا كما قال الزمخشري ‪:‬‬
‫فيكون أمرا ابتداء للوجوب ‪ ،‬أو الندب‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬واتقوا اهلل واعلموا أََّن ُكم ُّمالَقُوهُ ‪...‬‬
‫(‪.‬‬
‫تأكيد في وجوب امتثال هذا األمر وتحريم الوطء في ( الدبر ) ولذا قال ‪ :‬إنه شبه اللّواط‪.‬‬
‫وفي نوازل الشعبي ضرب سحنون‬

‫( ‪)2/647‬‬

‫صفحة رقم ‪648‬‬


‫فاعله ( خمسين ) سوطا ‪ ،‬وفي كتاب الجامع من العتبية إجازته عن مالك وهي مكتوبة وهي مكتوبة‬
‫فيه ( بالفور )‪.‬‬
‫أن ( المشهور ) جوازها‬
‫قال ابن بزيزة في شرح الجمل ‪ :‬الجمهور على المنع وزعم ابن رشد ّ‬
‫وأسند عنه عيسى بن دينار فقال ‪ :‬هذا أحلى من شرب الماء البارد‪.‬‬
‫ونقل أبو بكر الخطيب في تاريخ بغداد أن مالكا سئل عنه فقال ‪ :‬اآلن كما اغتسلت منه‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪َ ( :‬وَب ِّش ِر المؤمنين (‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬قد يتمسك بها المعتزلة في قولهم ‪ :‬إن مرتكب الكبيرة مخلد في النار ألن المناسب أن‬
‫ِ‬ ‫ِّ‬
‫الم ْؤ ِمن َ‬
‫ين‬ ‫كان يقال وبشر المحسنين ( أو ب ّشر المتّقين ) الذين يجتنبون هذا الفعل ‪ ،‬فما قال ( َوَبش َر ‪ُ /‬‬
‫) دل على أن فاعل هذا الفعل غير مؤمن ؟ قال ‪ :‬والجواب أن المراد ( المؤمنين ) االيمان الكامل ‪.‬‬

‫( ‪)2/648‬‬

‫صفحة رقم ‪649‬‬


‫ضةً أل َْي َمانِ ُك ْم ‪...‬‬
‫قوله تعالى ‪َ ( :‬والَ تَ ْج َعلُوْا اهلل ُع ْر َ‬
‫(‪.‬‬
‫قيل ‪ :‬أي مانعا من أيمانكم‪.‬‬
‫وأطلق اليمين على المحلوف عليه مجازا ‪ ،‬أي ال تجعلوه مانعا من فعل ما حلفتم عليه ‪ ،‬وقيل أي ال‬
‫تكثروا الحلف به وإ ن كان ذلك تعظيما له خشية أن يفضي بكم ذلك إلى التهاون وعدم التعظيم فأحرى‬
‫فيما عداها‪.‬‬
‫المسمى ألن‬
‫ّ‬ ‫أن االسم غير‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬وعلى الوجه األول يكون في اآلية عندي دليل على ّ‬
‫الدالة عليها بخالف قولك ‪ :‬جعلت زيدا حائال‬
‫الجعل ال يتعلق بالذات الكريمة ‪ ،‬وإ ّنما يتعلق باأللفاظ ّ‬
‫بيني وبين كذا‪.‬‬
‫وكذلك أيضا على الثاني ألن الحلف ّإنما هو باأللفاظ ال بالذات‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬وقول اهلل تعالى ‪ ) :‬أَن تََب ُّروْا َوتَتَّقُوْا ‪...‬‬
‫(‪.‬‬
‫البر ‪ ،‬وقيل أي إرادة أن تكونوا أبرارا فعلى األول تكون ترقيا ‪ ،‬ألن التقوى أخص من البر‬
‫قيل إرادة ّ‬
‫‪ ،‬واإلصالح بين الناس أخص‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬الَّ يؤ ِ‬
‫اخ ُذ ُك ُم اهلل باللغو في أ َْي َمانِ ُك ْم ‪...‬‬ ‫َُ‬
‫(‪.‬‬
‫حكى ابن عطية في اللغو ( خمسة ) أقوال ‪ :‬منها قول ابن عباس ومالك ‪ :‬اللغو حلف اإلنسان على‬
‫تيقنه فتبين له خالفه‪.‬‬
‫ابن عطية ‪ :‬وهذا اليقين هنا غلبة الظن أطلقوا عليه لفظة اليقين‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬وهذا مخالف لكالم الفقهاء كلّهم وأين هو من قول ابن الحاجب‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬والظاهر أن الظن كذلك بعد أن قال ‪ :‬اللغو هو الحلف على ما يعتقده فتبين خالفه ‪.‬‬

‫( ‪)2/649‬‬
‫صفحة رقم ‪650‬‬
‫وقيل ‪ :‬ما سبق إليه اللسان بغير عقد‪.‬‬
‫وفي المدونة ‪ :‬والغموس الحلف على تعمد الكذب أو على غير ( يقين ) فيدخل فيه الظّن‪.‬‬
‫قيل البن عرفة ‪ :‬إن الشيخ القاضي أبا العباس أحمد بن حيدرة كان يقول الظاهر أن اللغو هو قول ‪:‬‬
‫الرجل ‪ :‬ال واهلل وبلى واهلل ‪ ،‬لقوله تعالى في سورة العقود ) ولكن يؤ ِ‬
‫اخ ُذ ُكم بِ َما َعقَّدتُّ ُم األيمان ( ففسر‬ ‫َُ‬ ‫ّ‬
‫الكسب هنا بما عقد عليه اليمين وحلف االنسان على ما يعتقده ثم يتبين له خالفه هو مما كسبت‬
‫القلوب ألنه انعقد عليه ( اليمين ) بخالف قوله ‪ :‬ال واهلل وبلى واهلل‪.‬‬
‫فانه شيء جرى على اللسان من غير مواطأة القلب عليه فقال ابن عرفة ‪ :‬يمكن تأويل اآلية على‬
‫القول اآلخر فإن الماضي ال يتعلق به كسب لعجز الفكر عن تالفيه والمستقبل منتظر الوقوع فيتعلق‬
‫به الكسب أعني بانتظاره والتماسه وإ دراكه هل هو كذلك أم ال ؟ بخالف الماضي‪.‬‬
‫يم (‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ور َحل ٌ‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬واهلل َغفُ ٌ‬
‫يحتمل أن يرجع ( غفور ) للغو اليمين و ( حليم ) لعدم المعاجلة بالعقوبة في اليمين الغموس‪.‬‬
‫ون ِمن ِّن َسآئِ ِه ْم ‪...‬‬
‫ين ُي ْؤلُ َ‬
‫َِِّّ‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬للذ َ‬
‫(‪.‬‬

‫( ‪)2/650‬‬

‫صفحة رقم ‪651‬‬


‫ون‬ ‫يد ْي ِن ِّمن ِّرج ِال ُكم ( وفي قول اهلل ‪ ) :‬والذين ي َ ِ‬
‫قال ابن العربي ‪ :‬في قول اهلل ) واستشهدوا َش ِه َ‬
‫ظاه ُر َ‬ ‫ُ‬ ‫َ ْ‬
‫ود ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الع ْب ُد من رجالنا فتجوز‬
‫ون ل َما قَالُوْا ( أجمعنا على أن األمة من نسائنا ‪ ،‬فليكن َ‬ ‫من ِّن َسآئ ِه ْم ثَُّم َي ُع ُ َ‬
‫شهادته ‪ ،‬وكذلك يقال هنا ‪ :‬إن لفظ النساء يتناول الحرائر واإلماء‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬أو يجاب هنا بالقرينة و هو أن منصب العدالة شريف عظيم فال تقبل فيه العبيد ‪،‬‬
‫أن اإليالء ّإنما هو لرفع الضرر على الزوجة والمشقة ‪ ،‬فإذا روعي ذلك‬
‫وكذلك القرينة هنا ( ألجل ) ّ‬
‫في الزوجة الحرة لزم أن يراعى في األمة الزوجة من باب أحرى ما اتصف به من الزلة الموجبة‬
‫النتهاك ( الحرمة ) فضررها أشد‪.‬‬
‫ُّص أ َْرَب َع ِة أَ ْشهُ ٍر ‪...‬‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬تََرب ُ‬
‫(‪.‬‬
‫قالوا ‪ :‬هذه اإلضافة على معنى ( في )‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬فهذا دليل على صحة القول بأنه بنفس انقضاء األربعة أشهر تخرج مطلقة ألن‬
‫التربص ( يقتضي )‬
‫التربص هو في األربعة أشهر فإذا انقضت انقضى التربص إالّ أن يقال ‪ :‬إن ّ‬
‫ّ‬
‫عند فراغه إما الطالق أو ( أيقافه ) ليطلق ‪ ،‬وكان ّأوال اتفاقا بغير طالق‪.‬‬
‫أن الزوج مخير بين أن يبقي أو يطلق ‪ ،‬فدل على ّأنه ال‬
‫إن هذا التقسيم في اآلية يدل على ّ‬
‫أو يقال ‪ّ :‬‬
‫يلزمه الطالق بمضي األجل ‪.‬‬

‫( ‪)2/651‬‬

‫صفحة رقم ‪652‬‬


‫ِ‬
‫يم (‪.‬‬ ‫قوله تعالى ‪ ( :‬فَِإ َّن اهلل َغفُ ٌ‬
‫ور َّرح ٌ‬
‫قيل البن عرفة ‪ :‬هذا دليل على أن اإليالء غير جائز ؟ فقال ‪ :‬المذهب ّأنه جائز على تفصيل ‪،‬‬
‫ألن النبي آلى من نسائه‪.‬‬
‫والصحيح جوازه مطلقا ‪ّ ،‬‬
‫ّ‬
‫وظاهر‪.‬‬
‫َ‬ ‫وقد ذكر الشيخ ابن العربي قضيته لما رد على ابن الخطيب في قوله ‪ :‬إن النبي آلى وطلّق‬
‫اه َر ( غير صحيح ) كيف واهلل تعالى يقول ) َوإِ َّنهُ ْم‬
‫ظ َ‬‫فقال ‪ :‬له قولك آلى وطلق صحيح وقولك َ‬
‫ون ُمن َكراً ِّم َن القول َو ُزوراً ( قال ابن عرفة ‪ :‬والجواب بأن تكون المغفرة والرحمة راجعين‬
‫لََيقُولُ َ‬
‫بسبب اإليالء ألن اإليالء ال يكون إالّ عن غضب وشرور وذلك غير جائز فحسن تعقيبه بالمغفرة‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫قوله تعالى ‪َ ( :‬وإِ ْن َع َز ُموْا الطالق فَِإ َّن اهلل َسميعٌ َعل ٌ‬
‫يم (‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬جواب الشرط مقدر ‪ ،‬أي ارتفع حكم اإليالء ( عنهم )‪.‬‬
‫بالسمع وهو من لوازم األقوال ال‬
‫قال الزمخشري ‪ :‬فإن قلت ‪ :‬العزم من أعمال القلب فيكف عقبه ّ‬
‫األفعال ‪.‬‬

‫( ‪)2/652‬‬

‫صفحة رقم ‪653‬‬


‫قال ابن عرفة ‪ :‬وهذا ( السؤال ) ال يوافق أصله فإنه يرد صفة السمع لصفة العلم فال فرق ‪ /‬عنده‬
‫بين السميع والعليم وأيضا فهو ينفي الكالم النفسي‪.‬‬
‫بأن العازم على الطالق ال يخلو من مقاولة ودمدمة ‪.‬‬
‫وأجاب الزمخشري ‪ّ :‬‬
‫وأجاب ابن عرفة ‪ :‬بأنا ( نثبت ) الكالم النفسي ‪ ،‬ويصح عندنا سماعه كما سمع موسى كالم اهلل‬
‫إن العزم على الطالق له اعتباران ‪ :‬اعتبار في‬
‫القديم األزلي ‪ ،‬وليس بصوت وال حرف ‪ ،‬أو يقال ‪ّ :‬‬
‫نفس األمر عند اهلل تعالى ‪ ،‬واعتبار في الظاهر لنا بالحكم الشرعي من حيث يرتفع له حكم اإليالء‬
‫عن صاحبه ‪ ،‬ويخرج عن عهدة الحكم عليه ‪ ،‬فهو بهذا االعتبار ال يعلم إال بأمارة وقول يدل عليه ‪،‬‬
‫وذلك القول مسموع فعلق به السمع بهذا االعتبار والعلم باعتبار األول‪.‬‬
‫َّص َن ‪...‬‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬والمطلقات َيتََرب ْ‬
‫(‪.‬‬
‫هذا عام مخصوص ( بالمطلقة قبل البناء والحامل والصغيرة واآليسة من الحيض‪.‬‬
‫ألن الحامل معلوم عمارة رحمها فال بد من انتظارها‬
‫ابن عرفة ‪ :‬وهو ( مخصوص ) بدليل متصل ّ‬
‫عدتهن ثالثة قروء ‪.‬‬
‫وقت زوالها ‪ ،‬ومن عداها معلوم براءة أرحامهن فال فائدة في ّ‬

‫( ‪)2/653‬‬

‫صفحة رقم ‪654‬‬


‫قيل البن عرفة ‪ :‬هذا إن قلنا ‪ :‬ال تحيض ‪ ،‬وأما على قول ابن القاسم بأنها تحيض فيكون مخصوصا‬
‫بدليل منفصل عن اآلية‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬ثَالَثَةَ قرواء ‪...‬‬
‫(‪.‬‬
‫مشترك بين الطّهر والحيض ‪ ،‬والشافعي يقول ‪ :‬األقراء هنا الحيض‪.‬‬
‫واإلمام مالك ه نقل الكل عنه أنها لألطهار ‪ ،‬ونقل اللَّخمي عنه قولين ‪ ،‬والقرء في اللغة الجمع‪.‬‬
‫قلت لنا ‪ :‬إن هذا ليس من ذلك ألن الجمع من قريت الماء في الحوض غير‬
‫كنت َ‬
‫قيل البن عرفة ‪َ :‬‬
‫مهموز ‪ ،‬والقرء مهموز‪.‬‬
‫ظاهر في لفظ اآلية أن‬
‫وقلت لنا ‪ :‬الصحيح أنه للقدر المشترك وهو براءة الرحم ؟ قال ابن عرفة وال ّ‬
‫األقراء الحيض ‪ ،‬ألن التربص هو االنتظار ‪ ،‬واالنتظار يقتضي ( أقراء مستقبلة ) ‪ ،‬وقد أمر الشارع‬
‫بالطالق في طهر لم تمس فيه ‪ ،‬فاذا طلقها طاهرا ‪ ،‬فان قلنا ‪ :‬إن األقراء ‪ :‬الحيض ‪ ،‬صح االنتظار ‪،‬‬
‫وان قلنا ‪ :‬االطهار ‪ ،‬لم يستقم إسناد االنتظار إليها ألن ( القرء ) األول حاصل في الحال‪.‬‬
‫فال ( يقال ) له ‪ :‬انتظره‪.‬‬
‫بأن االنتظار أسند ( ( لمجموع الثالثة أطهار‪.‬‬
‫وأجيب ‪ّ :‬‬
‫( فقال ‪ :‬على ّأنها الحيض يكون ) االنتظار أسند لمجموعها ) ) ‪.‬‬

‫( ‪)2/654‬‬
‫صفحة رقم ‪655‬‬
‫ولكل واحد منها وعلى ّأنها األطهار فاالنتظار مسند لمجموعها باعتبار الكل ال باعتبار الكلية‪.‬‬
‫ق اهلل في أَرح ِ‬
‫ام ِه َّن ‪...‬‬ ‫قوله تعالى ‪َ ( :‬والَ َي ِح ُّل لَهُ َّن أَن َي ْكتُ ْم َن َما َخلَ َ‬
‫ْ َ‬
‫(‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬هذا إخبار عن الحكم ‪ ،‬فال يصح أن يكون الشرط الذي بعده قيدا فيه ألن متعلق‬
‫الخبر حاصل في نفس األمر سواء حصل الشرط أو ال‪.‬‬
‫بد أن يقال ‪ :‬إنه شرط في الزم ذلك‬
‫آمن أو كفرن ‪ ،‬وال ّ‬
‫ألن حكم اهلل ال يتبدل فال يحل لهن ذلك سواء ّ‬
‫الخبر‪.‬‬
‫والتقدير ال يحل لهن أن يكتمن ما خلق اهلل في أرحامهن فال يكتُمنه إن كن يؤمن باهلل ‪ ،‬وهذا على‬
‫سبيل التهييج لئال يلزم عليه التكفير بالذنب وهو مذهب المعتزلة‪.‬‬
‫قيل البن عرفة ‪ :‬ما قلتموه إنما ( يقوم ) على أن الكفار مخاطبون بفروع‪ n‬الشريعة ؟ وقال ابن عرفة‬
‫‪ :‬واستعمال األشياء ( المعقمة ) المانعة من الحمل قبل ( الحمل ) كرهها في العتبية ‪ ،‬وأما بعد‬
‫الحمل في األربعين فالجمهور على المنع من إسقاط الماء من الرحم ذكره ابن العربي وغيره‪.‬‬
‫وحكى االمام اللخمي فيه خالفا شاذا ‪ ،‬واما بعد التطوير والتكوين فأجمعوا على تحريم ذلك‪.‬‬
‫ق بَِر ِّد ِه َّن ِفي َذِل َك ‪...‬‬
‫َح ُّ‬
‫قوله تعالى ‪َ ( :‬وُب ُعولَتُهُ َّن أ َ‬
‫(‪.‬‬

‫( ‪)2/655‬‬

‫صفحة رقم ‪656‬‬


‫مخصوص بطالق الخلع‪.‬‬
‫وفي المدونة قوالن إن قال لها ‪ :‬أتت طالق طالق الخلع ‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪ِ ( :‬إ ْن أرادوا ِإ ْ‬
‫صالَحاً ‪...‬‬
‫(‪.‬‬
‫مفهومه ‪ :‬إن لم يريدوا إصالحا فال حق لهم سواء أرادوا اإلفساد أو لم يريدوا شيئا‪.‬‬
‫قيل البن عرفة ‪ :‬فعلى هذا اليجوز أن يتزوجها ليطلقها إذ ال ( إصالح ) فيه ؟ فقال ‪ :‬قد يكون فيه‬
‫اإلصالح ‪ ،‬تأمل‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬وِل ِّلر َج ِ‬
‫ال َعلَْي ِه َّن َد َر َجةٌ ‪...‬‬ ‫َ‬
‫(‪.‬‬
‫الدرجة خالف ( فالجمهور ) يحملونها على حسن العشرة كما قال ابن‬
‫أي في التفضيل ‪ ،‬وفي تفسير ّ‬
‫العباس هما‪.‬‬
‫وهذا الظاهر ‪ ،‬فيقولون وله عليها من القيام بحقه المبادرة إلى غرضه ورفقه ‪ ،‬مثل الذي عليه وزيادة‬
‫درجة التقديم‪.‬‬
‫ويريدون المعنوي وهو التفضيل ومن بدع التفاسير ما نقلوه عن ابن مسعود أن الدرجة ( اللحية )‪.‬‬
‫المباح مثل إذا تعارض سكناها في دار أرادتها مع سكناها في‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬والتفضيل هو األمر ُ‬
‫دار أخرى أرادها زوجها وهما مستويان ‪ ،‬فينبغي للمرأة إيثار اختيار الزوج ‪.‬‬

‫( ‪)2/656‬‬

‫صفحة رقم ‪657‬‬


‫قوله تعالى ‪ ( :‬الطالق َم َّرتَ ِ‬
‫ان ‪...‬‬
‫(‪.‬‬
‫فسروه بوجهين ‪ :‬إما الطّالق الرجعي مرتان ألن الطلقة ( الثالثة ) ال رجعة فيها ‪ ،‬وإ ما الطّالق‬
‫ّ‬
‫السني مرتان‪.‬‬
‫إن التثنية ليست‬
‫السني ثالث تطليقات ؟ ( قلنا ) ألجل هذا قال الزمخشري ‪ّ :‬‬
‫( فإن ) قلت ‪ :‬الطالق ّ‬
‫ص َر َك َّرتَْي ِن ( أي كرة بعد كرة فيكون‬
‫الب َ‬
‫على حقيقتها بل للتكرار أي مرة بعد مرة مثل ) ثَُّم ارجع َ‬
‫سني‪.‬‬
‫غير ّ‬‫أن الطّالق الموقع في كلمة واحدة ُ‬‫تنبيها على ّ‬
‫فإن قلت ‪ :‬هالّ قال ‪ :‬الطالق ثنتان ؟ فالجواب من وجوه ‪ :‬األول ‪ :‬قال ابن عرفة ‪ :‬قدمنا أن‬
‫( الثنتين ) يصدقان على الطالق الممكن والمحال فيقال ‪ :‬الطالق طالقان‪.‬‬
‫ويكون محاال بخالف المرتين ألن المرة تفيد بداللتها ‪ /‬على الزمان أن الطّالق وجودي واقع‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬أنه إنما قيل ( مرتان ) تنبيها على أن المراد الطالق ( مرة بعد مرة ألن المرة زمان‬
‫والزمانان متفرقان بال شك الستحالة اجتماعهما ) ولو قيل ‪ :‬ثنتان الطالق مجتمعا ومفرقا ألفاد بذلك‬
‫النهي عن أيقاع الثالث في كلمة واحدة ‪.‬‬

‫( ‪)2/657‬‬

‫صفحة رقم ‪658‬‬


‫قيل البن عرفة ‪ :‬إن الشيخ الفقيه القاضي أبا العباس أحمد بن حيدرة والفقيه المفتي أبا القاسم‬
‫نصه ‪ :‬أنت طالق مرتين ؟ قال‬
‫الغبريني رحمهما اهلل تعالى سئال عمن شهد عليه أنه قال ‪ :‬لزوجته ما ّ‬
‫لها في مرة واحدة فقاال ‪ُ :‬يَن ّوى‪.‬‬
‫فاستشكله ابن عرفة ألنه صريح أو ظاهر في االثنتين وقد أسرته البينة‪.‬‬
‫أبو حيان ‪ :‬أي عدد الطالق مرتان أو إيقاعه مرتان‪.‬‬
‫قال اين عرفة ‪ :‬إن أراد تقدير معنى فصواب ‪ ،‬وإ ن أراد أمرا حاجيا ال بد منه وال يتم اللفظ إال به ‪،‬‬
‫فليس كذلك‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬واآلية دالة على أن طالق الحر مساو لطالق العبد‪.‬‬
‫يح بِِإ ْح َس ٍ‬
‫ان ‪...‬‬ ‫ك بِمعر ٍ‬
‫وف أ َْو تَ ْس ِر ٌ‬ ‫ِ‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬فَإ ْم َسا ٌ َ ْ ُ‬
‫(‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬فإن قلت ‪ :‬هال قيل ‪ :‬فإمساك بإحسان أو تسريح بمعروف ‪ ،‬وهذا السؤال مذكور في‬
‫أخف من اإلحسان ألن المعروف حسن‬
‫حسن االئتالف ؟ قال ‪ :‬وعادتهم يجيبون بأن المعروف ّ‬
‫العشرة والتزام حقوق الزوجية واإلحسان أالّ يظلمها شيئا من حقها ‪ ،‬فيقتضي‪ n‬اإلعطاء وبذل المال‬
‫أشق على النفوس من حسن العشرة ( فجعل ) المعروف مع اإلمساك المقتضي لدوام العصمة إذ ال‬
‫تكرره ‪ ،‬وجعل اإلحسان المشق على النفوس ( مع ) التسريح الذي ال يتكرر بل هو مرة أو‬
‫يضر ّ‬
‫مرتان أو ثالث فقط ‪.‬‬

‫( ‪)2/658‬‬

‫صفحة رقم ‪659‬‬


‫الص ُدقات‪.‬‬
‫أن هذه اآلية ما زالت يكتبها الموثقون في ّ‬
‫ونقل ابن يونس عن أبي ( عمر ) ‪ّ :‬‬
‫قال ‪ :‬وكان الشيخ القاضي أبو عبد اهلل محمد بن عبد السالم ينكر على أهل زماننا كتبها في الصدقات‬
‫إذ ال يذكر في عقد النكاح إال ما يالئمه ويناسبه‪.‬‬
‫وأما الطالق ففي ذكره فيه تفاؤل ومناقضة للنكاح ولذا ( تجد ) بعضهم يقول ‪ :‬من اإلمساك‬
‫بالمعروف أو المعاشرة باإلحسان ( فيؤول ) اللفظ‪.‬‬
‫أبو حيان ‪ِ ( ( :‬إ ْم َسا ٌ‬
‫ك ) ) إما خبر ‪ ،‬أي فالواجب إمساك ‪ ،‬وإ ما مبتدأ وخبره مقدر إما قبله أي فعليكم‬
‫امساك أو بعده أي فإمساك عليكم‪.‬‬
‫وف ) إن كان صفة اإلمساك قدر الخبر متأخرا ‪ ،‬وإ ن كان متعلقا به‬ ‫قال ابن عرفة ‪ :‬سببه أن ( بِمعر ٍ‬
‫ّ َ ُْ‬
‫قدر مقدما ألن المبتدأ نكرة‪.‬‬
‫وه َّن َش ْيئاً ‪...‬‬ ‫قوله تعالى ‪ ( :‬والَ ي ِح ُّل لَ ُكم أَن تَأ ُ ِ‬
‫ْخ ُذوْا م َّمآ آتَْيتُ ُم ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ‬
‫(‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬إن أريد تأكيد التحريم يقال ‪ :‬ال يحل كذا ‪ ،‬وإ ن أريد مطلق التحريم يقال ‪ :‬ال تفعل‬
‫كذا ‪ ،‬الحتماله الكراهة ‪ ،‬وكذلك المفتي ال يقول ‪ :‬ال يحل كذا ‪ ،‬إالّ فيما قوي دليل تحريمه عنده ‪،‬‬
‫وأما دون ذلك فيقول ‪ :‬ال ُيفعل أو ال ينبغي ( أن تفعل ) كذا ‪.‬‬
‫وه َّن َش ْيئاً ‪...‬‬ ‫ِ‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬م َّمآ آتَْيتُ ُم ُ‬
‫(‪.‬‬

‫( ‪)2/659‬‬

‫صفحة رقم ‪660‬‬


‫قال أبو حيان ‪ :‬حذف العائد على ( ما ) ألنه ( المفعول ) األول للفعل وهو ضمير نصب متصل ‪،‬‬
‫والثاني كذلك‪.‬‬
‫وه ّن‪.‬‬ ‫ِ‬
‫وتقديره م َّما ءاتَْيتُ ُم ُ‬
‫يعتدى إلى مفعولين حذف أحدهما وهو العائد على ما تقديره‬
‫هذا نص أبي حيان ‪ ،‬إن ( ءاتَْيتُ ْم ) ّ‬
‫( ءاتيتموهن ّإياه )‪.‬‬
‫أن الضمير المنصوب ال يجوز‬
‫نصوا على ّ‬
‫ألنهم ّ‬
‫قال الصفاقسي ‪ :‬فيه نظر ّ‬
‫( حذفه ) وال يجوز اجتماع ضميري نصب متصلين‪.‬‬
‫فقال بعض الطلبة ‪ّ :‬إنما ذلك إذا اتفقا في اإلفراد والتثنية والجمع أما إذا كان أحدهما مفردا واآلخر‬
‫مجموعا فنص سيبويه على جوازه‪.‬‬
‫وقال بعض الطلبة ‪ :‬بل ضعفه ابن مالك‪.‬‬
‫بأن المحذوف هنا ضمير نصب‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬وعادتهم يجيبون بأن ( يردوا ) على أبي حيان ّ‬
‫متصل‪.‬‬
‫والتقدير ‪ :‬مما َءاتتموه ّإياهن ‪ ،‬فحذف الضمير المفرد واتصل اآلخر بالفعل بعد أن كان منفصال‬
‫وه ّن )‪.‬‬
‫فصار ( َءاتَْيتُ ُم ُ‬
‫ود اهلل ‪...‬‬
‫يما ُح ُد َ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ َّ‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬إال أَن َي َخافَآ أَال ُيق َ‬
‫(‪.‬‬
‫هذا إما استثناء من األسباب ‪ ،‬أي منهن شيئا لسبب من األسباب ‪ :‬خوف عدم إقامة حدود اهلل‪.‬‬
‫أعم العام ‪.‬‬
‫والزمخشري يعبر عنه في غير هذا بأنه استثناء من ّ‬

‫( ‪)2/660‬‬
‫صفحة رقم ‪661‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬وهذا يدل بالمطابقة على جواز الخلغ منهما معا وباللزوم على جوازه من المرأة‬
‫وحدها وأما الزوج فيستحيل ذلك في حقه‪.‬‬
‫وهذا الخلع للزوجين قد يكون للحاكم‪.‬‬
‫ومثاله ‪ :‬إذا زوج األب ابنه الصغير ومات وأراد القاضي أن يخالع منه‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪ِ ( :‬إالَّ أَن َي َخافَآ ‪...‬‬
‫(‪.‬‬
‫ذكر أبو حيان ّأنه في موضع الحال‪.‬‬
‫َن ) الموصولة ( أعرف المعارف عندهم والحال اليكون إال نكرة‪.‬‬ ‫بأن ( أ ْ‬
‫ورده ابن عرفة ّ‬
‫قلت ‪ :‬الحال هنا ) معنوية ال لفظية والتعريف في اللفظ ال في المعنى‪.‬‬
‫يما افتدت بِ ِه ‪...‬‬ ‫ِ ِ‬
‫اح َعلَْيه َما ف َ‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬فَالَ ُجَن َ‬
‫(‪.‬‬
‫قيل البن عرفة ‪ :‬الفدية في اصطالح الفقهاء هي المخالعة بالبعض ال بالكل وهو مناسب لقوله ( أَن‬
‫وه َّن َشْيئاً )‪.‬‬ ‫تَأ ُ ِ‬
‫ْخ ُذوْا م َّمآ آتَْيتُ ُم ُ‬
‫فقال ‪ :‬اللّغة ال تفسر بإصطالح‪.‬‬
‫والمناسب هناك منع الخلع بالبعض فيستلزم منعه بالك ّل من باب أحرى‪.‬‬
‫والمناسب هنا إباحة الخلع بالجميع فيستلزم إباحته بالبعض‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪َ ( :‬و َمن َيتَ َع َّد ُح ُد َ‬
‫ود اهلل فأولئك ُه ُم الظالمون (‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ / :‬إفراد الضمير العائد على ( َم ْن ) ّأوال ( و ) جمعه ثانيا مناسب لفظا ومعنى ؛ أما‬
‫اللفظ فالمستحسن عند النحويين معاملة لفظ ( من ) أوال ثم معناها ‪ ،‬وأما المعنى فأفرد ضمير‬
‫المتعدي تقليال له ومبالغة في التنفير من صفة التعدي حتى كأنه ال يقع ( األمر )‬

‫( ‪)2/661‬‬

‫صفحة رقم ‪662‬‬


‫من أحد‪.‬‬
‫ثم جمع الظالمين ألنه ( جزاء ) انتقام وعقوبة فالمناسب جمعه ( ليعم ) كل ظالم حتى يزجر عن ذلك‬
‫من هذه صفته‪.‬‬
‫طلَّقَهَا فَالَ تَ ِح ُّل لَهُ ِمن َب ْع ُد ‪...‬‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬فَِإ ْن َ‬
‫( قيل البن عرفة ‪ :‬وما أفاد قوله ( من بعد ) والكالم يستقل بدونه ؟ فقال ‪ :‬أفاد التنبيه على‬
‫مرجوحية الطلقة الثالثة‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ ( :‬وهذا الخلع ) هل هو فسخ أو طالق ؟ منهم من قال ‪ :‬ال يكون طالقا إال إذا كان‬
‫بلفظ الطالق فتقول له ‪ :‬خالعتك على كذا‪.‬‬
‫سرحتك على ( ذلك ) وخليت‬
‫فيقول ‪ :‬أنت طالق على ذلك ‪ ،‬ولو قال وأنا أخالعك على ذلك أو قال ‪ّ :‬‬
‫سبيلك وأبحت لك األزواج ‪ ،‬فهو فسخ‪.‬‬
‫وهي مسألة وقعت في المغرب في رجل كان يقال له البخاري ‪ ،‬ألنه كان يحفظ البخاري ‪ ،‬كان طلق‬
‫زوجته طالق الخلع ثالثا بغير لفظ الطالق ‪ ،‬ثم ردها قبل زوج فاختلف الفاسيون‪.‬‬
‫وحدوه‬
‫فبعضهم قال ‪ :‬يرجم ‪ ،‬وآخرون قالوا ‪ :‬يلزمه األدب فقط ‪ ،‬ألنه خالع بغير لفظ الطّالق ‪ّ ،‬‬
‫حينئذ وتركوه‪.‬‬
‫وهي مسالة المدونه إما أن يعذر بجهل أوال ‪ ،‬وهذا الرجل كان عالما‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬حتى تَ ِ‬
‫نك َح َز ْوجاً َغ ْي َرهُ ‪...‬‬
‫(‪.‬‬
‫قال سعيد بن المسيب ‪ : :‬إنها تح ّل بالعقد‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬وما حمله عندي إال أنه يقول ‪ :‬اقتضت اآلية ّأنها تحل بالعقد ‪ ،‬وبينت السنة ّأنها ال بد‬
‫من الوطء‪.‬‬
‫وبهذا كان يرد بعضهم على من قال ‪ :‬كل نكاح في القرآن المراد به العقد إال ( في )‬

‫( ‪)2/662‬‬

‫صفحة رقم ‪663‬‬


‫البد من الوطء‪.‬‬
‫هذه اآلية ‪ ،‬فكان يقول ‪ :‬بل هو هنا حقيقة في العقد ‪ ،‬وبينت السنة أنه ّ‬
‫ِ‬ ‫قوله تعالى ‪ِ ( :‬إن َ‬
‫ود اهلل ‪...‬‬ ‫ظَّنآ أَن ُيق َ‬
‫يما ُح ُد َ‬
‫(‪.‬‬
‫ولَ ْم َي ُق ْل ‪ :‬إن لم يخافا أالّ يقيما حدود اهلل ‪ ،‬ألن هذه أبلغ في التكليف‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬وأهل بلدنا يكلفونها إذا أرادت الرجوع لمطلقها بالثالث إثبات كون المحلل غير متّهم‬
‫لفساد الزمان‪.‬‬
‫وأهل القيروان يكلفونها ( إثبات ) ذلك عند تزويجها‪.‬‬
‫وكان الشيخ ابن هارون لما عزل عن قضاء توزر تكلّم معه القاضي ابن عبد السالم في أمور منها‬
‫ّأنه لم يأمر بذلك ‪ ،‬فقال ابن هارون ‪ :‬تكليفها بهذا لم يذكره أحد وفيه مشقة عليها ‪ ،‬وإ نما الصواب أن‬
‫يعمل على ما اتفقا عليه هي والذي ( حللّها ) لمطلقها‪.‬‬
‫قال ‪ :‬فأنكر ذلك ابن عبد السالم وقال له ‪ :‬سمعت عنك أنك تأخذ في كل صداق دينارا كبيرا‬
‫وتسرحه ‪ ،‬فسكت عنه‪.‬‬
‫وف أَو س ِّرحوه َّن بِمعر ٍ‬
‫وف َوالَ‬ ‫طلَّ ْقتُم النسآء فَبلَ ْغن أَجلَه َّن فَأَم ِس ُكوه َّن بِمعر ٍ‬
‫ْ َ ُ ُ َ ُْ‬ ‫ُ َ ُْ‬ ‫َ َ َ ُ ْ‬ ‫قوله تعالى ‪َ ( :‬وإِ َذا َ ُ‬
‫ض َراراً (‪.‬‬‫تُم ِس ُكوه َّن ِ‬
‫ُ‬ ‫ْ‬
‫وتقدم أن المعروف أخف من اإلحسان‬ ‫ان ( ّ‬ ‫يح بِِإ ْح َس ٍ‬ ‫ٍ‬
‫ك بِ َم ْع ُروف أ َْو تَ ْس ِر ٌ‬
‫وقال قبل هذا ‪ ) :‬فَِإ ْم َسا ٌ‬
‫يتوهم أن األمر‬
‫فالجمع بين اآليتين بأنه لما وقع األمر بتسريحهن مقارنا لالحسان إليهن خاف أن ّ‬
‫باإلحسان إليهن عند تسريحهن للوجوب فعقبه بهذا تنبيها على أنه إحسان بمعروف فهو للندب ال‬
‫للوجوب‪.‬‬
‫ولفظ التسريح عندهم من الكنايات الظاهرة في الثالث ‪.‬‬

‫( ‪)2/663‬‬

‫صفحة رقم ‪664‬‬


‫وه ّن ) قال أبو حيان ‪ :‬إن كان ( ضرارا ) حاال تعلقت الالّم ( من ( لِّتَ ْعتَ ُدوْا ) به أو‬ ‫ِ‬
‫وقوله ( الَ تُ ْمس ُك ُ‬
‫وه َّن ) ‪ ،‬وإ ن كان مفعوال من أجله تعلقت الالم ) ب ( ضرارا ) أو كان علة للعلة‬ ‫ِ‬
‫ب ( َوالَ تُ ْمس ُك ُ‬
‫كقولك ‪ :‬ضربت بني تأديبا لينتفع‪.‬‬
‫وه َّن ) فيكون الفعل قد تغير إلى علة وإ لى عاقبة وهما مختلفان‪.‬‬ ‫ِ‬
‫وال يجوز أن يتعلق ب ( الَ تُ ْمس ُك ُ‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬ليس امتناعه من جهة اإلعراب بل من جهة المعنى ألنه ال يقصد أحد ( بإمساك‬
‫متعد حكم اهلل ‪ ،‬وإ ّنما يقصد أضدادها فيؤول‬
‫متعد حكم اهلل كما ال يقصد أحد ) بالزنا أنه ّ‬
‫زوجته أنه ّ‬
‫( أمره ) إلى تعدى ( حكم اهلل ) والزاني يقصد اتّباع شهوته ويؤول‪ n‬أمره إلى أنه تعدى حدود اهلل ‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪َ ( :‬و َمن َي ْف َع ْل َذِل َك فَقَ ْد َ‬
‫ظلَ َم َن ْف َسهُ ‪...‬‬
‫(‪.‬‬
‫بالنهي عن ضده ثم يزيد تأكيدا ‪ ،‬فإنما يفعل‬
‫ألن من يأمره بأمر ويؤكده ّ‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬هذا احتراس ّ‬
‫ذلك لتعلق غرضه به وانتفاعه به وتضرره من ( عدمه ) فبين أنه تعالى ال يلحقه من فعل ذلك نفع‬
‫وال يناله من ( تركه ) ضرر بوجه‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬والَ تتخذوا آي ِ‬
‫ات اهلل ُه ُزواً ‪...‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫(‪.‬‬
‫اهلل ‪ ،‬مع أن االستهزاء بها أعم من اتّخاذها هزؤا ونفي‪ n‬األعم أخص‬‫ولم يقل ‪ :‬وال تستهزئوا بآيات ِ‬
‫من نفي األخص ألن اتّخاذ آيات اهلل هزؤا أخص من مطلق االستهزاء ‪.‬‬
‫( ‪)2/664‬‬

‫صفحة رقم ‪665‬‬


‫أن االستهزاء بها لو وقع لما وقع إالّ على المعنى األخص ولذلك أضاف اآلية إلى اهلل تعالى‬
‫فالجواب ّ‬
‫إضافة تشريف‪.‬‬
‫ظالٍَّم لِّْل َعبِ ِيد ( أجابوا بوجهين ‪ :‬إما بأن المبالغة في نفس الظلم‬
‫ُّك بِ َ‬
‫ونظيره قول اهلل تعالى ‪َ ) :‬و َما َرب َ‬
‫ألن الحقير من العظيم ‪ ،‬وإ ما باعتبار تعدد متعلقاته‪.‬‬
‫أي لو كان وقع لكان عظيما ّ‬
‫وآيات اهلل إما أحكامه أو دالئل أحكامه وهو الظاهر ألن الزاني لم يستهزىء بالزنا وال بتحريمه ‪،‬‬
‫( بل ) بالدليل الدال على تحريمه‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬لِّتَ ْعتَ ُدوْا (‪.‬‬
‫لتعتدوا ‪ :‬متعلق ب ( ضرار ) وهي الم العاقبة وليس متعلقاً ب ( تمسكوا )‪.‬‬
‫طلَّ ْقتُ ُم النسآء ‪...‬‬
‫قوله تعالى ‪َ ( :‬وإِ َذا َ‬
‫(‪.‬‬
‫أما الثاني فقيل لألزواج وقيل لألولياء فإن كان لألزواج فالمعنى ‪:‬‬
‫الخطاب لألزواح وقيل األول و ّ‬
‫لهن‪.‬‬
‫أن ينكحن أزواجهن الذين يرغبن فيهم ويصلحون ّ‬
‫قال ابن عرفة ‪ / :‬ومنهم من قال الخطاب للجميع ألن المفعول إذا لم يكن شخصا بعينه فيمكن أن‬
‫يكون فاعال مفعوال‪n.‬‬
‫وه َّن ( ليس المراد به ( نساءكم ) المطلقات بل المراد ال تعضلوا ّ‬
‫النساء‬ ‫ضلُ ُ‬
‫وقوله ‪ ) :‬فَالَ تَ ْع ُ‬
‫النساء ‪ ،‬أي ال تمنعها هي من التزويج وال تمنع‬
‫للرجال ‪ :‬إذا طلقت امرأتك ال تعضل ّ‬ ‫باإلطالق فيقال ّ‬
‫وليتك من التّزويج‪.‬‬
‫ّ‬
‫قالوا ‪ :‬وبلوغ األجل هنا حقيقة وليس المراد مقاربته‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬ليس مرادهم ّأنه يجب ( هنا حمله على حقيقته ) وإ ّنما يريدون أن االصل في‬
‫اإلطالق الحقيقة ‪ ،‬اقترن باألول ما أوجب صرفه عن حقيقته إلى مجازه وبقي هذا على األصل‬
‫فيصح حمله على المجاز‬

‫( ‪)2/665‬‬

‫صفحة رقم ‪666‬‬


‫فإن ( صح بأن ) خوطب األزواج فظاهر ‪ ،‬وان خوطب األولياء فالمراد نهي األولياء عن عضل‬
‫المرأة عن التزويج في العدة بقرب فراغها خوف الضرار ‪ ،‬لو فرض جواز ذلك وهم ممنوعون منه‬
‫شرعا فأحرى أن ُينهوا عن ذلك بعد العدة حيث هم متمكنون من المنع واإلباحة‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪ِ ( :‬إ َذا تََر َ‬
‫اض ْوْا َب ْيَنهُ ْم بالمعروف ‪...‬‬
‫(‪.‬‬
‫إن قلت ‪ :‬ما أفاد قوله ( بينهم ) ؟ قلنا ‪ :‬أفاد ذلك قصر ذلك على تراضي الزوجين خشية أن يظن‬
‫توقفه على تراضي عموم العشيرة وسائر القرابات‪.‬‬
‫ان ِمن ُك ْم ُي ْؤ ِم ُن باهلل واليوم األخر ‪...‬‬ ‫ِ‬
‫وعظُ بِه َمن َك َ‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬ذلك ُي َ‬
‫(‪.‬‬
‫أي يوعظ به الوعظ النافع المحصل لالنزجار‪.‬‬
‫طهَ ُر ‪...‬‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬ذلكم أزكى لَ ُك ْم َوأَ ْ‬
‫(‪.‬‬
‫الدركات‬
‫الدرجات في الجنات ‪ ،‬ويطهركم من اآلثام ويبعدكم عن ّ‬
‫أي يزكيكم ‪ ،‬فيجعل لكم صعود ّ‬
‫والحلول في النار‪.‬‬
‫ون (‪.‬‬
‫و قوله تعالى ‪ ( :‬واهلل َي ْعلَ ُم َوأَنتُ ْم الَ تَ ْعلَ ُم َ‬
‫إما باعتبار عاقبة األمر في المستقبل وإ ما لكون العلم القديم مباينا للعلم الحديث وال مماثلة فيهما بوجه‬
‫‪.‬‬

‫( ‪)2/666‬‬

‫صفحة رقم ‪667‬‬


‫قوله تعالى ‪ ( :‬والوالدات ير ِ‬
‫ض ْع َن أ َْوالَ َد ُه َّن ‪...‬‬ ‫ُْ‬
‫(‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬هذا عام مخصوص بالعادة فالشريفة التي ليس من عادتها اإلرضاع ال يطلب ذلك‬
‫منها‪.‬‬
‫ونص األصوليون على صحة التخصيص بالعادة‪.‬‬
‫واعتبره مالك في حديث غسل اإلناء من ولوغ الكلب سبعا ‪ ،‬فخصصه بالماء دون الطعام الن العادة‬
‫أن الكلب ال يصل إليه بخالف الماء ‪.‬‬
‫الناس على الطعام ‪ ،‬فالغالب ّ‬
‫تحفّظ ّ‬

‫( ‪)2/667‬‬
‫صفحة رقم ‪668‬‬
‫أن الرضاع الزم لألم بخالف‬
‫قال ابن عطية ‪ :‬فإن مات األب وال مال لالبن ‪ ،‬فذكر مالك في المدونة ّ‬
‫النفقة‪.‬‬
‫وفي كتاب ( ابن ) الجالب ‪ :‬رضاعه في بيت المال‪.‬‬
‫وقال عبد الوهاب ‪ :‬هو من فقراء المسلمين‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬هذان يرجعان إلى قول واحد ‪ ،‬ألن الفقر يستدعي اإلعطاء من بيت المال‪.‬‬
‫الرضاعة المحرمة الجارية‬
‫أن ّ‬
‫قال ابن عطية ‪ :‬وانتزعه مالك وجماعة من العلماء من هذه اآلية ّ‬
‫النسب ّإنما هي ما كان في الحولين ألن بانقضاء الحولين تمت الرضاعة فال رضاعة‪.‬‬
‫مجرى ّ‬
‫الرضاع في الحولين‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬من يطالعه يتوهم ( قصد ) التحريم على ّ‬
‫وفي المدونة ‪ :‬وال يحرم رضاع الكبير إالّ ما قارب الحولين ولم يفصل مثل شهر أو شهرين ‪ ،‬وأما‬
‫لو فصل بعد الحولين وبعد حول حتى استغنى بالطعام فال يحرم ما رضع بعد ذلك ‪.‬‬

‫( ‪)2/668‬‬

‫صفحة رقم ‪669‬‬


‫قال ابن عرفة ‪ :‬فالرضاع فيما زاد على الحولين بقربهما ينشر الحرمة‪.‬‬
‫قال ابن عطية ‪ :‬وروي عن قتادة أنه نزل أوال ‪ ) :‬والوالدات ير ِ‬
‫ض ْع َن أ َْوالَ َد ُه َّن ( ثم نسخت ب قوله‬ ‫ُْ‬
‫تعالى ‪ِ ( :‬ل َم ْن أ ََر َاد أَن ُيتِ َّم الرضاعة (‪.‬‬
‫ابن عطية ‪ :‬وهذا القول متداع ( مبتدع )‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬أي متناف ألن الشيء إنما ينسخ بنقيضه وما محمله عندي هنا إال ّأنه نسخ في‬
‫األخف‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪َ ( :‬وعلَى المولود لَهُ ِر ْزقُهُ َّن َو ِك ْس َوتُهُ َّن ‪...‬‬
‫(‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬ولو قيل ‪ :‬نفقتهن وكسوتهن ‪ ،‬لكان فيه ُحجة لمن يقول ‪ :‬إن الكسوة غير داخلة في‬
‫النفقة ‪ ،‬وهي مسألة اختلف فيها الشيوخ ابن زرب وغيره من االندلسيين‪.‬‬
‫قيل البن عرفة ‪ :‬المطلقة في العدة ال كسوة لها ؟ فقال ‪ :‬وكذلك الكسوة هنا ثابتة للزوجة على زوجها‬
‫وإ ن لم يكن إرضاع‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬بالمعروف ‪...‬‬
‫(‪.‬‬
‫( ‪)2/669‬‬

‫صفحة رقم ‪670‬‬


‫يقصر هو في اإلعطاء‪.‬‬
‫عدل بين اآلباء واألبناء فال تبالغ في طلبه و ال ّ‬
‫ف َن ْف ٌس ِإالَّ ُو ْس َعهَا ‪...‬‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬الَ تُ َكلَّ ُ‬
‫(‪.‬‬
‫أن تكليف ما ال يطاق غير واقع كمذهبنا انه جائز غير واقع‪.‬‬
‫دليل على ّ‬
‫قيل البن عرفة ‪ :‬بل ( هي ) دليل على أنه غير جائز كمذهب المعتزلة ويكون من باب السلب‬
‫واإليجاب كما تقول ‪ :‬الحائط ال يبصر ؟ فقال ‪ :‬األكثر في الكالم ان ال ينفى إال ما هو ممكن قابل‬
‫للثبوت والوقوع‪n.‬‬
‫ِ‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬فَِإ ْن أ ََر َادا ف َ‬
‫صاالً َعن تََر ٍ‬
‫اض ِّم ْنهُ َما َوتَ َش ُاو ٍر (‪.‬‬
‫صاال ‪ ،‬أي فطاما‪.‬‬ ‫ِ‬
‫قال ابن عطية ‪ :‬ف َ‬
‫وفصاله قبل الحولين ال يكون إالّ برضاهما وأالّ يكون على المولود فيه ضرر‪.‬‬
‫وأما بعد تمامهما فمن َد َعا إلى الفصل فذلك له إالّ أن يكون على الصبي فيه ضرر‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬فعلى هذا ينبغي أن تحمل اآلية على ( أن ) التراضي والتشاور قبل انقضاء الحولين‬
‫ألنه جعل التشاور بعدهما غير معتبر ‪.‬‬

‫( ‪)2/670‬‬

‫صفحة رقم ‪671‬‬


‫تحصل )‬
‫ّ‬ ‫ابن عرفة ‪ :‬وتقدم لنا سؤال وهو أن التراضي سبب عن التشاور ( ( ألن المشورة ) (‬
‫التراضي أو عدمه فكان األنسب تقديم التشاور على التراضي ) )‪.‬‬
‫قال ‪ :‬وتقدم الجواب بأنه أفاد عدم االقتصار على تراضيهما فإذا تراضيا على الفصال وكانت‬
‫مشورتهما للغير تنتج أن المصلحة في عدم الفصال فال عبرة بما تراضيا عليه‪.‬‬
‫بأنه لو قيل ‪ :‬عن تشاور وتراض ‪ ،‬ألفاد تبعية أحدهما لآلخر فإن‬
‫قيل البن عرفة ‪ :‬أو يجاب ّ‬
‫المستشير أضعف رتبة ( من ) المستشار فقدم الرضى ليفيد اعتبار رضاهما معا من غير تبعية ؟‬
‫فقال ابن عرفة ‪ :‬ليس في اآلية أن أحدهما يستشير مع اآلخر وإ ّنما َي ْستَ ِش َير ِ‬
‫ان مع األجنبي ‪.‬‬
‫إن ) دون ( ِإ َذا ) ألن النفوس مجبولة على محبة الولد فإرادتهم‬ ‫قال ابن عرفة ‪ ( :‬وعبر ) ب ( ْ‬
‫الفصال اقل بالنسبة إلى إرادة الرضاع ‪ ،‬فكأنه غير واقع ‪ ،‬أو يكون أفاد ّأنه ( غير ) ( مرجوح )‬
‫شرعا‪.‬‬
‫وعبر في الثاني ب ( إذا ) ألن استرضاع الولد لألجنبية ( مرجوح ) بالنسبة إلى إرضاع أمه‪.‬‬
‫قيل البن عرفة ‪ :‬ما الفائدة في هذه اآلية مع أن معناها مستفاد من قوله ‪ ) :‬والوالدات ير ِ‬
‫ض ْع َن‬ ‫ُْ‬
‫املَْي ِن ِل َم ْن‬
‫أَوالَ َده َّن حولَْي ِن َك ِ‬
‫ْ ُ َْ‬

‫( ‪)2/671‬‬

‫صفحة رقم ‪672‬‬


‫أ ََر َاد أَن ُيتِ َّم الرضاعة ( فمفهومها أن من لم يرد اإلتمام فال جناح عليه في الفصال‪.‬‬
‫فقال ‪ :‬هذا جاء احتراسا ألن مفهوم تلك أن من أراد الفصال له ذلك فاقتضت اآلية هذه اعتبار‬
‫رضاهما معا بذلك‪.‬‬
‫فقيل ‪ :‬قوله لمن أراد أن يتم الرضاعة يفيد هذا ألنه إن أراد أحدهما ( الفصال ) وأراد اآلخر اإلتمام‬
‫لم يتراضيا معا بالفصال ؟ فقال ‪ :‬أفادت هذه زيادة األمر بمشورتهما غيرهما‪.‬‬
‫اض ِّم ْنهُ َما ( ولم يقل ‪ :‬عن تراضيهما ‪ ،‬ليفيد التفسير بعد اإلتمام كما قال‬ ‫قال ‪ :‬وقوله ) تََر ٍ‬
‫اح‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫يم القواعد م َن البيت ( قوله تعالى ‪ ( :‬فَالَ ُجَن َ‬
‫الزمخشري في قوله اهلل تعالى ‪َ ) :‬وإِ ْذ َي ْرفَعُ إ ْب َراه ُ‬
‫َعلَْي ِه َما ‪...‬‬
‫(‪.‬‬
‫دليل على مرجوحية الفصال ألن اللّفظ غالب استعماله في فعل المرجوح‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪ِ ( :‬إ َذا َسلَّ ْمتُم َّمآ آتَْيتُم بالمعروف ‪...‬‬
‫(‪.‬‬
‫قرىء ‪َّ ( :‬مآ أُتِيتُم )‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬وفي هذه القراءة تهييج على األمر بالتّسليم ألن تسليم اإلنسان ما ال يملك أهون عليه‬
‫من تسليم ما يملك‪.‬‬
‫بالنصب أن يعطي األب ( األم ) دينارا على اإلرضاع‬
‫ومعنى قوله ( َّمآ آتَْيتُم ) ّ‬

‫( ‪)2/672‬‬

‫صفحة رقم ‪673‬‬


‫الدينار لألم ولم يسترجعه‬
‫ثم يريد أن يسترضع الولد ( عند ) األجنبية فال جناح ( عليهما ) إذا سلم ّ‬
‫من عندها‪.‬‬
‫قال أبو حيان ‪ ( :‬إذا َسلّمتُم شرطٌ ) ‪ ،‬قالوا ‪ :‬وجوابها ما يدل عليه الشرط األول وجوابه وذلك‬
‫المعنى هو العامل في ( إذا ) وهو متعلق تعلق بما يتعلق به ( عليكم )‪.‬‬
‫أبو حيان ‪ :‬وظاهره خطأ ألن القول بأن العامل في ( إذا ) المعنى الذي يدل عليه الشرط وجوابه مع‬
‫بأنها تتعلق بما تعلق به ( عليكم ) متناف‪.‬‬
‫القول ّ‬
‫قال ‪ :‬ابن عرفة ‪ :‬ألنه إذا كان العامل في ( إذا ) ما تعلق به ( عليكم ) فيكون ( إذا ) جوابا للشرط‬
‫األول فقد قلتم إن الشرط األول ( جوابها ) فيلزم التناقض‪.‬‬
‫قيل البن عرفة ‪ :‬أو يريد بالتنافي ّأنها إذا كان العامل فيها ما تعلق به ( عليكم ) يكون ( إذا ) ظرفا‬
‫وقد جعلتموها شرطا وهذا تناقض‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬واتقوا اهلل ‪...‬‬
‫(‪.‬‬
‫إشارة إلى مراعاة حق الولد في ذلك ألنه ال يتكلم وال يخبر بشيء‪.‬‬
‫َن اهلل بِما تَعملُون ب ِ‬
‫ص ٌير (‪.‬‬ ‫قوله تعالى ‪ ( :‬واعلموا أ َّ‬
‫َ َْ َ َ‬
‫أشد في الوعيد والتخويف من الوصف ب ( عليم ) ألن اإلنسان‬ ‫ابن عرفة ‪ :‬الوصف ب ( بصير ) ّ‬
‫قد يتجرأ على مخالفة سيده الغائب عنه وإ ن علم أنه يعلم وال يتجرأ على مخالفته إذا كان حاضرا‬
‫يشاهده وينظر إليه ‪.‬‬

‫( ‪)2/673‬‬

‫صفحة رقم ‪674‬‬


‫فائدة ‪ :‬سئل الشيخ ابن عرفة عن امرأة سقطت حضانتها لولدها إما لتزويج أو سفه أو عجز أو غير‬
‫فادعى ّأنه كان‬
‫ذلك ثم إنها اشتاقت إلى الولد وأخذته فبقي عندها عاما كامال ثم طلبت من أبيه نفقته ّ‬
‫بأن القول قولها فتحلف وتستحق ‪ ،‬وقصارى األمر أن تكون كاألجنبية‬
‫ينفق عليه ؟ فقال ابن عرفة ‪ّ :‬‬
‫إذا أنفقت‪ n‬على الولد‪.‬‬
‫وقد قال في المدونة ‪ :‬القول قولها‪.‬‬
‫وهذه لما سقطت حضانتها صارت كاألجنيبة‪.‬‬
‫أنتهى‪.‬‬
‫َّص َن بِأ َْنفُ ِس ِه َّن ‪...‬‬ ‫ِ‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬والذين ُيتََوفَّ ْو َن من ُك ْم َوَي َذ ُر َ‬
‫ون أ َْز َواجاً َيتََرب ْ‬
‫(‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬وتقدم لنا فيه سؤال وهو أن يقال ‪ :‬ما الفائدة في زيادة ( منكم ) ولو أسقط لكان اللَّفظ‬
‫أعم فائدة ؟ كما تقدم لنا الجواب عنه بقول بعضهم ‪ :‬إن العام إذا قيد بشيء غالب أمره أنه يتخصص‬
‫توهم وقوع المخالفة ممن لم يدرك النبي (‬
‫به ‪ ،‬وقد يكون تقييده موجبا لتأكيد عمومه كهذه اآلية ‪ ،‬فإن ّ‬
‫توهم وقوع المخالفة ممن أدركه منهم فإذا خوطب بذلك من أدركه فأحرى من‬
‫من المؤمنين ) أشد من ّ‬
‫سواهم ‪ ،‬ف ( منكم ) تأكيد ال تخصيص‪.‬‬
‫بأن ( منكم ) تخصيص ال تأكيد‪.‬‬
‫وأجيب أيضا ّ‬
‫والمراد من المسلمين الحاضرين والغائبين وغلب فيها ضمير المخاطبين على غيرهم ويكون في‬
‫أن الكفار غير مخاطبين بفروع الشريعة ‪.‬‬
‫اآلية على هذا دليل على ّ‬

‫( ‪)2/674‬‬

‫صفحة رقم ‪675‬‬


‫فإن قلت ‪ :‬ما فائدة قوله ‪:‬‬
‫( بِأ َْنفُ ِس ِه َّن ) ؟ قلت ‪ :‬فائدته التنبيه على مجاهدة النفس بمنعها شهواتها وتحملها الصبر على النكاح‬
‫حتى تنقضي العدة‪.‬‬
‫فإن قلت ‪ :‬ظاهر اآلية أن يكون التربص مقصودا لها‪.‬‬
‫فإنها تجزيها تلك وال تستأنف عدة‬
‫والمذهب على أنها إذا لم تعلم بوفاة زوجها إالّ بعد مضي العدة ّ‬
‫أخرى بوجه ؟ قلنا ‪ :‬األغلب في النساء معرفة ‪ -‬وكذلك المذهب ‪ -‬في األربعة أشهر وعشرا أنها‬
‫تكفي بشرط أن تحيض فيها حيضة و هو األعم األغلب في النساء فإن لم تحض ( واسترابت )‬
‫فإنها‬
‫الريبة فقد انقضت عدتها وإ ن ( استرابت ) بحس بطن ّ‬ ‫رفعت إلى تسعة أشهر فإن زالت عنها ‪ّ /‬‬
‫الريبة وفي الوفاة قبل‬
‫تمكث أقصى أمد الحمل ‪ ،‬ولهذا قال في المدونة ‪ :‬والعدة في الطالق بعد ّ‬
‫الريبة‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬أ َْرَب َعةَ أَ ْشهُ ٍر َو َع ْشراً ‪...‬‬
‫(‪.‬‬
‫قيل ‪ :‬أراد عشر ليال بأيامها وغلب اللّيالي ألنها أسبق ‪.‬‬
‫الزمخشري ‪ :‬وال تراهم فقط يستعملون التّذكير فيه ذاهبين إلى األيام تقول ‪ :‬صمت عشرا ‪ ،‬ولو‬
‫ُذكرت خرجت من كالمهم‪.‬‬
‫المبرد ‪ :‬وعشر مدد كل مدة منها يوم وليلة ‪.‬‬
‫قال ّ‬

‫( ‪)2/675‬‬
‫صفحة رقم ‪676‬‬
‫وتعقبه أبو حيان بأنه ال حاجة إلى ذكر اللّيالي والعدد ألنهم مضوا على أن المعدود إذا كان مذكرا أو‬
‫حذفته فلك في العدد وجهان إما التذكير الفصيح أو التأنيث‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬كان الشيوخ يحكون عن شيوخهم خالفا فيمن يشتري سلعة بعشرة دارهم وفي تونس‬
‫القديم والجديد فكان سيدى الشيخ الفقيه أبو محمد عبد اهلل الزواوي يفتي بأن له أن يعطيه عنها ثمانية‬
‫دراهم جديدة ألن غالب حال الناس التعامل بالجديد وهو األكثر‪.‬‬
‫وكان الشيخ الفقيه القاضي أبو القاسم بن زيتون يقول أسماء العدد نصوص فما يعطيه إال عشرة‬
‫دراهم قديمة كما وقع العقد بينهما‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬وذكرت هذا بعينه في سورة العنكبوت‪.‬‬
‫طَب ِة النسآء ‪...‬‬
‫ضتُم بِ ِه ِم ْن ِخ ْ‬
‫يما َع َّر ْ‬ ‫ِ‬
‫اح َعلَْي ُك ْم ف َ‬
‫قوله تعالى ‪َ ( :‬والَ ُجَن َ‬
‫(‪.‬‬
‫الزمخشري الكناية ‪ :‬هي أن يذكر الشيء بغير لفظه الموضوع له مثل ‪ :‬فالن جبان ‪ ( ،‬القلب )‬
‫عظيم الرماد‪.‬‬
‫والتعريض ‪ :‬أن يذكر شيئا يستدل به على شيء لم يذكره ‪.‬‬

‫( ‪)2/676‬‬

‫صفحة رقم ‪677‬‬


‫ابن عرفة ‪ :‬فلفظه يقتضي أن الكناية ترجع لداللة المطابقة والتعريض لداللة االلتزام ولهذا كان‬
‫بعضهم يقول في قولك ‪ :‬رأيت أسدا يريد به رجال شجاعا إنه مطابقة ويرد على من كان يقول ‪ّ :‬إنه‬
‫مجاز ولذلك فرقوا بين داللة اللفظ وبين الداللة باللفظ ألن المطابقة داللة اللّفظ على تمام مسماه‬
‫باإلطالق وما عرض من جعله مجازا ‪ ،‬إال أنه ( فسر داللة المطابقة بأنها داللة اللّفظ على ) تمام ما‬
‫وضع له ّأوال ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬قال القزويني في اإليضاح الكناية لفظ أريد به الزم معناه مع جواز إرادة ذلك كقولك فالن ‪:‬‬
‫كثير رماد القدر ‪ ،‬كناية عن الكرم‪.‬‬
‫وطويل نجاد السيف كناية عن طول قامة الرجل ‪.‬‬
‫ومثله ‪َ :‬ب ِع َ‬
‫يدةٌ ( َم ْه َوى ) القرط كناية عن طول قامة المرأة‪.‬‬
‫قيل البن عرفة ‪ :‬هل يجوز لمن عنده أربع نسوة أن يعرض ويواعد خامسة ؟ فقال ‪ :‬الظاهر الجواز‬
‫وهو أخف من المواعدة في العدة ألن من تزوج في العدة تحرم عليه لألبد ‪ ،‬ومن تزوج خامسة يجبر‬
‫على تطليق واحدة ونكاحه صحيح ‪ ،‬وأيضا فالمواعد في العدة غير قادر على تنجيز ( العقد عليها في‬
‫الحال ومتزوج الخامسة ) قادر على تطليق واحدة في الحال ويتزوجها‪.‬‬
‫فإن قلت ‪ ( :‬ليس ) قادرا على أن يطلقها طلقة بائنة ؟ قلنا ‪ :‬هو قادر على أن يطلقها بالثالث ‪.‬‬

‫( ‪)2/677‬‬

‫صفحة رقم ‪678‬‬


‫قيل لشيخنا القاضي أبي عبد اهلل ‪ :‬محمد بن القاضي أبي العباس أحمد بن حيدرة كان يقول ‪ :‬هذا إذا‬
‫كان التعريض من أحد الجانبين فقط‪.‬‬
‫وأما إذا وقع منهما التعريض فظاهر المذهب أنه كصريح المواعدة‪.‬‬
‫فان قلت ‪ :‬إذا نفي الجناح في التعريض فأحرى أن ينتفي عما يخطر بالقلب فما فائدة عطفه عليه‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬فائدته اإلشعار بالتّسوية بينه وبين ما في النفس من الجواز أي هما سواء في رفع الحرج عن‬
‫صاحبهما وعلى الحكم بتعريض الرجل للمرأة ألنه األغلب واألكثر وجودا أن الرجال يخطبون‬
‫النساء فهو مفهوم خرج مخرج الغالب فيستفاد منه جواز العكس قياسا عليه‪.‬‬ ‫ّ‬
‫وه َّن ِسّراً ‪...‬‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬ولكن ال تَُواع ُد ُ‬
‫(‪.‬‬
‫اعدوهن ِسّرا‪.‬‬
‫ّ‬
‫الزمخشري ‪ :‬المستدرك مقدر ‪ ،‬أي فاذكروهن و ِ‬
‫لكن الَ تَُو‬ ‫ّ َ‬
‫أن ما بعد ( لَ ِكن ) إن كان مناقضا لما قبلها جاز بال‬ ‫قال ابن عرفة ‪ :‬هذا يتخرج من الخالف في ّ‬
‫خالف وإ ن وافقه امتنع اتّفاقا فإن خالفه فقوالن ‪ ،‬ومفهومه‪ n‬تحريم المواعدة جهرا من باب أحرى‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪ِ ( :‬إالَّ أَن تَقُولُوْا قَ ْوالً َّم ْع ُروفاً ‪...‬‬
‫(‪.‬‬

‫( ‪)2/678‬‬

‫صفحة رقم ‪679‬‬


‫وه َّن ) أي إالّ مواعدة القول المعروف‬ ‫ِ‬
‫أما مستثنى من مصدر ( تَُواع ُد ُ‬ ‫جلعها الزمخشري متصال ّ‬
‫فينتصب على المصدر أو مفرعا من مجرور أي إالّ بالقول المعروف فينتصب على إسقاط حرف‬
‫وه ّن ِإالّ‬ ‫ِ‬
‫الجر ‪ ،‬ومنع انفصاله على استثنائه من ( س ّرا ) لعدم تسلّط العامل عليه فال يجوز ‪ :‬الَ تَُو ِع ُد ُ‬
‫التعريض‪.‬‬
‫ورده أبو حيان بمنع الحصر ألن المنفصل قسمان ما تسلط عليه العامل‪.‬‬
‫َحدا ( ِإالّ ِح َمارا ) فالحجازيون أوجبوا نصبه والتميميون أجازوا اتباعه لما قبله‪.‬‬
‫تأَ‬‫مثل ‪َ :‬ما َرأ َْي ُ‬
‫وما لم يسلط عليه العامل نحو ما زاد إال ما نقص‪.‬‬
‫عما يتسلط عليه العامل بأن يكون الحكم على المستثنى بنقيض الحكم على‬
‫( قلت ‪ :‬وعبر القرافي ّ‬
‫وعما ال يتسلط عليه بأن يكون الحكم بغير النقيض مثل ما زاد إال ما نقص ) ‪،‬‬
‫المستثنى منه ‪ّ ،‬‬
‫فالزيادة هي نقيض عدم الزيادة وذلك بعد أن قال ‪ :‬االستثناء المتصل هو أن يكون الحكم على‬
‫المستثنى بنقيض الحكم على المستثنى منه وأن يكون استثناء من غير الجنس فإن اختل أحدهما أو‬
‫هما ‪ /‬كان منقطعا ومثل الحكم بعدم النقيض فقول‪ n‬اهلل تعالى ‪ ) :‬الَ تأكلوا أ َْم َوالَ ُك ْم َب ْيَن ُك ْم بالباطل ِإالَّ أَن‬
‫اض ِّمن ُك ْم ( فظاهره جواز أكل التجارة بالباطل وليس كذلك ‪.‬‬ ‫ون تِ َج َارةً َعن تََر ٍ‬
‫تَ ُك َ‬

‫( ‪)2/679‬‬

‫صفحة رقم ‪680‬‬


‫وتعقب ابن عرفة منع الزمخشري االنفصال وتعليله بأنه مشترك االلزام بين المتصل والمنفصل‪n.‬‬
‫المفرغ ) أصله مستثنى من شيء محذوف تقديره في اآلية ‪َ :‬ولَ ِكن الَ‬
‫وأجيب عن ذلك بأن ( ّ‬
‫وه ّن ِسّرا بشيء من األشياء بالقول المعروف‪.‬‬ ‫ِ‬
‫تَُواع ُد ُ‬
‫ونظيره ‪ :‬ما مررت إالّ بزيد ‪ ،‬أي ما مررت بأحد فليس ( فيه ) مشترك اإللزام‪.‬‬
‫وتعقب ابن عرفة قول أبي حيان في ‪ :‬ما رأيت أحدا إالّ حمارا بأن ذلك ّإنما هو في النقيض‪.‬‬
‫ون ِفيهَا‬
‫قيل البن عرفة ‪ :‬قد ذكر القرافي والشلوبين وغيرهما ومثلوه بقول اهلل تعالى ‪ ) :‬الَ َي ُذوقُ َ‬
‫الموت ِإالَّ الموتة األولى ( فقال ‪ :‬هذا منفي ‪ ،‬مع صحة قولك ال يذوقون إالّ الموتة األولى‪.‬‬
‫فقيل له ‪ :‬اليجوز ال يذوقون إالّ الموتة األولى ؟ فقال ‪ ( :‬سقط فيها ) ‪.‬‬

‫( ‪)2/680‬‬

‫صفحة رقم ‪681‬‬


‫قلت ‪ :‬قال بعضهم ‪ :‬كالم أبي حيان صحيح وما تقدم للقرافي ّبينه‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪َ ( :‬والَ تَ ْع ِز ُموْا ُع ْق َدةَ النكاح حتى َيْبلُ َغ الكتاب أ َ‬
‫َجلَهُ ‪...‬‬
‫(‪.‬‬
‫أبو البقاء ‪ :‬عقدة مصدر مضاف إلى المفعول ‪ ،‬أو على إسقاط حرف الجر كقول‪ n‬عنترة ‪ :‬ولقد أبيت‬
‫على الطوى وأظلّه ‪...‬‬
‫حتى أنال به كريم المأكل أي وأظل عليه‪.‬‬
‫قيل البن عرفة ‪ :‬تقدم النهي عن المواعدة في العدة وهي أدنى من هذا والنهي عن األدنى يستلزم‬
‫النهي عما فوقه من باب أحرى ؟ فقال ‪ :‬داللة المطابقة أقوى‪.‬‬
‫قيل له ‪ :‬واألول من داللة المطابقة مثل ‪ ) :‬فَالَ تَُقل لَّهُ َمآ أ ٍّ‬
‫ُف ( فقال ‪ :‬الصحيح عنهم ّأنه من داللة‬
‫االلتزام ؟ قال ‪ :‬والعزم منهم من يفسره هنا بالفعل وهو عقد النكاح‪.‬‬
‫ومنهم من فسره بالنية ‪ ،‬أي ال تنووا عقدة النكاح وهو الصحيح ألن العزم هو‬

‫( ‪)2/681‬‬

‫صفحة رقم ‪682‬‬


‫الجزم بفعل الشيء فهو أمر قلبي‪.‬‬
‫َن اهلل َي ْعلَ ُم َما في أَنفُ ِس ُك ْم‬
‫قال اهلل تعالى ‪ ) :‬فَِإ َذا َع َز َم األمر ( َومما ( يؤيده ) هنا قوله ‪ ) :‬واعلموا أ َّ‬
‫فاحذروه (‪.‬‬
‫فدل على ّأنه أمر قلبي‪.‬‬
‫وحكى ابن عطية عن ابن الجالب ‪ :‬أن العقد في العدة يوجب حرمتها أبدا‪.‬‬
‫وكان بعضهم يقيده بما إذا تعمد ذلك فإن وقع العقد خطأ لم يتأبد التحريم‪.‬‬
‫قيل البن عرفة ‪ :‬الصواب العكس ألن النكاح متى كانت له شبهة تأبد فيه التحريم ومتى لم تكن له‬
‫شبهة لم يتأبد التحريم ؟ فقال ابن عرفة ‪ :‬ليس كذلك ألن ( عليه ) المعاقبة بنقيض المقصود‪.‬‬
‫َن اهلل َي ْعلَ ُم َما في أَنفُ ِس ُك ْم فاحذروه ‪...‬‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬واعلموا أ َّ‬
‫(‪.‬‬
‫اح َذ ُروهُ ) تأكيدا في التنفير عن ذلك والعقوبة من المواطأة هنا على ما‬
‫اعلَ ُموا ) وب ( ْ‬ ‫عبر فيه ِب ( ْ‬
‫في النفس واإلصرار عليه‪.‬‬
‫اح َعلَْي ُك ْم ( ‪.‬‬ ‫َّ‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬ال ُجَن َ‬

‫( ‪)2/682‬‬

‫صفحة رقم ‪683‬‬


‫وجه الفصل كونها جملة خبرية واألولى‪ n‬طلبية فلذلك لم يعطفها عليها‪.‬‬
‫قال ابن مالك ‪ :‬وإ ال فالقاعدة أن الجملتين إذا كانتا متقاربتين في المعنى لم يعطف‪.‬‬
‫ُّوه َّن ‪...‬‬
‫قوله تعالى ‪َ ( :‬ما لَ ْم تَ َمس ُ‬
‫(‪.‬‬
‫ابن عرفة هذا كما ( قال ) غير مرة ‪ :‬إن من أكثر ما وردت ( لَ ْم ) في القرآن لنفي الماضي المتصل‬
‫بزمن الحال قال ‪ :‬و ( أو ) هنا بمعنى الواو‪.‬‬
‫كما قال ابن راشد ‪ ،‬وهو الصحيح ‪ ،‬ألنها إذا كانت على بابهما أعني ( للتنويع ) لزم نفي الجناح‬
‫( عمن طلق بعد الدخول في نكاح التفويض ‪ ،‬وإ ذا اكانت بمعنى الواو فيكون المراد برفع الجناح )‬
‫بسقوط نصف الصداق ) بالطالق‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪َ ( :‬و َمتِّ ُع ُ‬
‫وه َّن ‪...‬‬
‫(‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬إنما عطف هذه وهي أمر على ما قبلها وهي خبر ألن قبلها تضمن حكم الطّالق وهو‬
‫سبب في األمر بالمتعة والسببية ظاهرة فلذلك عطفت ( بالواو ) ولو كانت خفية لعطفت بالفاء ‪.‬‬

‫( ‪)2/683‬‬

‫صفحة رقم ‪684‬‬


‫قال ابن عرفة في مختصره الفقهي ‪ :‬المتعة ما يؤمر الزوج بإعطائه الزوجة لطالقه أياها ‪،‬‬
‫والمعروف ّأنها مستحبة يؤمر بها وال يقضى بها وال ( تحاصص )‪.‬‬
‫قال ابن زرقون في المبسوط عن محمد بن مسلمة هي واجبة ( يقضي بها ) ( ألنه ) ال يأبى أن‬
‫يكون من المحسنين وال المتقين إالّ رجل سوء‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬وألن رأي المتقدمين أن المؤمن والمتقي متساويان وألن قوله ‪:‬‬
‫ين )‬‫ِِ‬
‫) َحقّاً َعلَى المتقين ( يقتضي عموم تعلقها بكل مسلم ألنه متق الشرك وقوله ( َعلَى اْل ُم ْحسن َ‬
‫مفهومه عدم تعقلها بمن ليس بمحسن من المسلمين فيتعارض العموم والمفهوم واألصح عند‬
‫األصوليين أن العموم مقدم ونقله اللَّخمي ولم يعزه وعزاه االمام ابن عبد السالم البن حبيب ‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬قال أبو عمران ‪ :‬إنما يقدر حال المرأة ‪ ،‬وابن عبد البر يقدر حال الرجل وابن رشد‬
‫( يقدر ) حالهما‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬وهي لكل مطلقة في عصمة ال رجعة فيها وال خيار على الزوج ‪.‬‬

‫( ‪)2/684‬‬
‫صفحة رقم ‪685‬‬
‫نصه ‪ :‬ال متعة لمختلعة وال مصالحة وال مالعنة وال مطلقة قبل البناء‪.‬‬
‫وفي المدونة ما ّ‬
‫وقد فرض لها اللخمي‪.‬‬
‫وال مفتدية وال متبارية وال من اختارت نفسها لعتقها وال من فسخ نكاحها ولم تعارض‪.‬‬
‫قال االمام ابن رشد ‪ :‬ظاهر قول ابن القاسم ان طلّق فيما يفسخ بطالق فسخه ‪ ،‬فال متعة عليه‪.‬‬
‫اللخمي ‪ :‬إن فسخ الرضاع بأمر الزوج رأيت ‪ /‬عليها المتعة وإ ن اشترى زوجته لم يمتعها لبقائها‬
‫أن‬
‫معه ولو اشترى بعضها متّعها ‪ ،‬وأما المخيرة والمملكة فقال االمام ابن رشد ‪ :‬روى ابن وهب ‪ّ :‬‬
‫لهما المتعة‪.‬‬
‫وقال ابن خويز منداد ‪ :‬ال متعة لهما ‪ ،‬وقال ابن يونس ‪ :‬لمن اختارت نفسها بتزويج أمة عليها المتعة‬
‫‪ ،‬انتهى‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬المطلقة ال متعة لها في البائن دون الرجعي فإن ماتت في العدة فالظاهر أن المطلق‬
‫يرث من تلك المتعة‪.‬‬
‫ألنه إذا كان الطالق بائنا فال متعة وال ميراث ‪ ،‬وإ ن كانت رجعية فقد ماتت‬
‫قيل البن عرفة ‪ :‬ال يرث ّ‬
‫قبل أن تجب لها ألنها ّإنما تجب لها بعد انقضاء العدة ؟‬

‫( ‪)2/685‬‬

‫صفحة رقم ‪686‬‬


‫فقال ّإنما‬
‫أجلنا ) المتعة بانقضاء العدة رجاء أن يرتجعها قبل تمامها فإذا ماتت ذهبت تلك العدة‪.‬‬
‫( ّ‬
‫قيل البن عرفة ‪ :‬إنما هي جبر لقلبها ففي الموت ال متعة ؟ فقال ‪ :‬قد قالوا ‪ّ :‬إنها تجب‪.‬‬
‫وقرىء ( علَى اْلم ِ‬
‫وس ِع قَ َد ُرهُ )‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫واستشكلها ابن عرفة بحذف المجرور‪.‬‬
‫وقد انتقد القرافي على الفخر الرازي تسميته كتاب المحصول ‪ ،‬ألن اسم المفعول‪ n‬من الفعل الذي ال‬
‫سماه بالمحصول‬ ‫ٍ‬
‫يتعدى إال بحرف الجر اليجوز أن يحذف مجروره ‪ ،‬وأجابوا ‪ :‬بأن ذلك اسم َعلَم ّ‬
‫ند ِس ْد َر ِة المنتهى ( لكن ذلك الجواب ال يتصور هنا‪.‬‬
‫كما قال تعالى ) ِع َ‬
‫وأجيب ‪ :‬بأن هذا يتعدى بنفسه تقول ‪ :‬وسعت المكان والدار والطريق ووسعت األمر ‪ - :‬قال اهلل‬
‫ت ُك َّل َش ْي ٍء‪.‬‬
‫تعالى ‪َ ) :‬و ِس َع ُك ْر ِسيُّهُ السماوات واألرض ( _ وقال ‪َ ) :‬و َر ْح َمتِي َو ِس َع ْ‬
‫(‬
‫( ‪)2/686‬‬

‫صفحة رقم ‪687‬‬


‫ِ‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬من قَْب ِل أَن تَ َمس ُ‬
‫ُّوه َّن ‪...‬‬
‫(‪.‬‬
‫ب للتقوى ‪...‬‬
‫قوله تعالى ‪َ ( :‬وأَن تعفوا أَ ْق َر ُ‬
‫(‪.‬‬
‫الخطاب لألولياء ‪ ،‬ويحتمل أن يكون الخطاب باألول للزوجات واألولياء ليعفوا عن نصف الصداق‬
‫إذا لم ( يمكن ) قبضه ‪ ،‬وذلك حيث تكون ملية والزوج معسر‪.‬‬
‫والخطاب ( بهذه ) لألزواج حيث يكون الزوج مليا والمرأة معسرة فالعفو عما زاد على النصف‪.‬‬
‫الدنيا رأس كل خطيئة ) فتركه‬
‫حب ّ‬‫ب للتقوى ) أن الصداق أمر دنيوي وقد ورد ( ّ‬
‫ومعنى ( أَ ْق َر ُ‬
‫أقرب للتقوى ) ‪ ،‬وإ نما عدي بالالم التي لالختصاص دون ( إلى ) إشارة إلى خصوص العفو عنه‬
‫بالتقوى ‪.‬‬

‫( ‪)2/687‬‬

‫صفحة رقم ‪688‬‬


‫نس ُوْا الفضل َب ْيَن ُك ْم ‪...‬‬
‫قوله تعالى ‪َ ( :‬والَ تَ َ‬
‫(‪.‬‬
‫المراد إما إنشاء التفضل أو مراعاة الفضل المتقدم ‪ ،‬أي ال تتركوا أيقاع التفضل وال تتركوا عند‬
‫الطالق مراعاة ما وقع بينكم من الفضل عند عقد النكاح ‪ ،‬فإن أريد األول فيكون تأكيدا ألن ما قبله‬
‫يغني عنه ‪ ،‬وإ ن أريد الثاني فهو تهييج على ( العفو عن ) الصداق‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪َ ( :‬ب ْيَن ُك ْم ‪...‬‬
‫(‪.‬‬
‫دليل على أن الخطاب لألزواج وللزوجات وغلب فيه ضمير ( المذكر )‪.‬‬
‫و قوله تعالى ‪ِ ( :‬إ َّن اهلل بِما تَعملُون ب ِ‬
‫ص ٌير (‪.‬‬ ‫َ َْ َ َ‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬وعد ووعيد‪.‬‬
‫قيل له ‪ :‬إنما هو وعد خاصة ألن ما قبله تفضل ومستحب ال واجب ؟ فقال ‪ :‬هو وعيد بالذات‬
‫ويحتمل أن يتناول الواجب‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪َ ( :‬ح ِافظُوْا َعلَى الصلوات ‪...‬‬
‫(‪.‬‬
‫بأنه‬
‫إن قلت ‪ :‬ما وجه مناسبتها مع أن ما قبلها في شأن الزوجات ؟ قلنا ‪ :‬الجواب عنه بأمرين ‪ :‬إما ّ‬
‫تنبيه األزواج أن ال يشتغلوا بأمور زوجاتهم عن الصلوات ‪ ،‬وإ ما بأن بعضهم كان ال يراعي‬
‫( المناسبة وال يشتغل ) بها ‪.‬‬

‫( ‪)2/688‬‬

‫صفحة رقم ‪689‬‬


‫قال ابن عرفة ‪ :‬إنما قال ( َح ِافظُوا ) ولم يقل ‪ :‬احفظوا ‪ ،‬إشارة إلى تأكدها ( وتكرر ) األمر بها من‬
‫وجهين ‪ :‬أحدهما ‪ :‬أن ( َح ِافظُوا ) مفاعلة ال تكون إالّ من اثنين مثل ‪ :‬قاتلت زيدا ‪ ،‬ووقوعها هنا من‬
‫الجانبين مستحيل ‪ ،‬فيتعين صرف ذلك إلى تكرر ( األمر ) بوقوعه وتأكده‪.‬‬
‫إن لفظه يقتضي االستيالء واإلحاطة فهو إشارة إلى تعميم اإلحاطة بالصلوات دون ترك‬
‫الثاني ‪ّ :‬‬
‫الناس في زمن شغلهم أو‬
‫الصالة الوسطى منها بالذكر ‪ :‬إما لورودها على ّ‬
‫شيء ( منها ) وتخصيص ّ‬
‫في زمن راحتهم ونومهم أو لكونهم من بقية الصلوات التي كانت مفروضة على األمم المتقدمة وهو‬
‫من عطف الخاص على العام‪.‬‬
‫ين (‪.‬‬‫َِّ ِ ِ ِ‬
‫وموْا لله قَانت َ‬
‫قوله تعالى ‪َ ( :‬وقُ ُ‬
‫فسره ابن عطية بالقيام الحسي حقيقة قال ‪ :‬ومعناه في صالتهم فسره بعضهم بالقيام المعنوي وهو‬
‫الجد في الطلب والطاعة فيتناول ركوع الصلوات وسجودها مثل ‪ ( :‬قمت باألمر )‪.‬‬
‫إن ِخ ْفتُ ْم فَ ِر َجاالً أ َْو ُر ْكَباناً ‪...‬‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬فَ ْ‬
‫(‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬الخوف أمر محقق لكونه شرطا في الرخصة والرخصة إنما تكون في األمر المحقق‬
‫ألدى‬
‫الثابت ألنها مظنة المبادرة للعمل بمقتضاها لما فيها من التخفيف ‪ ،‬فلو لم يكن شرطها محققا ّ‬
‫إلى التهاون بفعلها‬

‫( ‪)2/689‬‬

‫صفحة رقم ‪690‬‬


‫من غير استيفاء شروطها ‪ ،‬فحق هذا الشرط أن يكون ب ( إذا ) الدالة على التحقيق كما كان الشرط‬
‫وهو ( فَِإ َذآ أ ِ‬
‫َمنتُ ْم ) لكنه روعي في الشرطين شيء آخر وهو الحظ على تشجيع النفس بإحضار‬
‫العدو وعدم االهتبال به حتى كأن الخوف منه غير واقع في الوجود بوجه ‪ ،‬ولها‬
‫الطمأنينة واألمن من ّ‬
‫عبر في آية الخوف ب ( إن ) وفي آية األمن ب ( إ َذا )‪.‬‬
‫وقال الزمخشري ‪ :‬وعند اإلمام أبي حنيفة ال يصلون في حال المشي‪.‬‬
‫وعند اإلمام الشافعي ه يصلّون في كل حال والراكب يومىء ويسقط عنه التوجه إلى القبلة‪.‬‬
‫التوجه إلى القبلة ( وهذا‬
‫ّ‬ ‫قال ابن عرفة ‪ :‬مذهب اإلمام مالك والشافعي هما في ذلك سواء وينوي بقلبه‬
‫أخر ‪ /‬الصالة و ( وكذا )‬ ‫العدو وفوات الوقت المختار ) فإن َر َجا حصول األمن فيه ّ‬
‫إذا خاف ّ‬
‫ألن الفرع في هذا أقوى من أصله كما ( قالوا ) في الجدة لألم مع الجد‬
‫الخائف من لصوص أو سباع ّ‬
‫العدو ال يقضي والخائف من اللصوص أو السباع يقضي‪n.‬‬
‫لألب ‪ ،‬ألن الخائف من ّ‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬فَِإ َذآ أ ِ‬
‫َمنتُ ْم فاذكروا اهلل ‪...‬‬
‫(‪.‬‬
‫اضطركم إلى هذه الصالة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫قال ابن عطية ‪ :‬قيل فإذا زال خوفكم الذي‬
‫وقيل ‪ :‬فإذا كنتم آمنين قبل أو بعد أي فمتى كنتم عل ( أمن ) ‪.‬‬

‫( ‪)2/690‬‬

‫صفحة رقم ‪691‬‬


‫ورده ابن عرفة بأن الشرط هنا يقتضي أنه مستقبل لم يقع في الوجود ال أنه ماض‪.‬‬
‫وف ‪...‬‬‫قوله تعالى ‪ِ ( :‬في ما فَعْلن في أ َْنفُ ِس ِه َّن ِمن َّمعر ٍ‬
‫ُْ‬ ‫َ َ َ‬
‫(‪.‬‬
‫يما فَ َعْل َن في أ َْنفُ ِس ِه َّن بالمعروف ( قال ابن عرفة ‪ :‬الجواب أنهم قالوا إن آية ( ِم ْن‬ ‫ِ‬
‫وقال قبله ‪ ) :‬ف َ‬
‫الم ْع ُروف ) فنزل هنا معرفا للعهد المتقدم في النزول وإ ن كان متأخرا‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫َم ْعروف ) نزلت قبل آية ( ب َ‬
‫في التالوة كقول اهلل تعالى ) َك َمآ أ َْر َسْلَنآ إلى ِف ْر َع ْو َن َر ُسوالً فعصى ِف ْر َع ْو ُن الرسول ( وقاله‬
‫آمناً ( في سورة البقرة ثم قال‬ ‫ب اجعل هذا بلَداً ِ‬ ‫الزمخشري في قول اهلل تعالى حكاية عن إبراهيم ) َر ِّ‬
‫َ‬
‫آمناً ( انتهى‪.‬‬ ‫ب اجعل هذا البلد ِ‬ ‫في سورة إبراهيم ) َر ِّ‬
‫ات َمتَاعٌ بالمعروف َحقّاً َعلَى المتقين (‪.‬‬ ‫طلَّقَ ِ‬
‫قوله تعالى ‪َ ( :‬وِلْل ُم َ‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬عادتهم يقولون إن هذا أبلغ من قوله ‪ ( :‬فَمتِّعوهن علَى اْلم ِ‬
‫وس ِع قَ َد ُرهُ ) من وجهين ‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫َ ُ ُّ َ‬ ‫ّ‬
‫إن المتّقي مرادف للمؤمن ‪ ،‬فأفاد وجوبها على عموم‬ ‫أحدهما ‪ :‬لقوله ) َحقّاً َعلَى المتقين ( ( إذا قلنا ّ‬
‫المؤمنين وتلك اقتضت خصوص وجوبها بالمحسنين فقط ) ‪.‬‬
‫( ‪)2/691‬‬

‫صفحة رقم ‪692‬‬


‫الثاني ‪ :‬أن ذلك أمر وهذا خبر في معنى األمر وورود األمر عندهم بصيغة الخبر أبلغ القتضائه‬
‫ثبوت الشيء المأمور به ووقوعه في الوجود حتى صار مخبرا عنه بذلك‪.‬‬
‫ِّن اهلل لَ ُك ْم َآياتِ ِه ‪...‬‬ ‫ِ‬
‫قوله تعالى ‪َ ( :‬ك َذل َك ُيَبي ُ‬
‫(‪.‬‬
‫أي مثل هذا البيان في المتعة وفي العدة وجميع ما تقدم يبين اهلل لكم ءاياته‪.‬‬
‫( والظاهر ) ان المراد آيات األحكام ‪ ،‬ويحتمل العموم في المعجزات وغيرها وهو دليل على صحة‬
‫من منع الوقف على قوله ) َو َما َي ْعلَ ُم تَأ ِْويلَهُ ِإالَّ اهلل ( وقال البد من وصله بقوله ) والراسخون ِفي‬
‫ون (‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬
‫العلم ( قوله تعالى ‪ ( :‬لَ َعل ُك ْم تَ ْعقلُ َ‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬ليس المراد هنا العقل التكليفي بل أخص منه وهو العقل النافع‪.‬‬
‫وذكر ابن عطية حديثا وقال هو حديث لين‪.‬‬
‫ابن عرفة أي ضعيف‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬أَلَ ْم تََر ِإلَى الذين َخَر ُجوْا ِمن ِدَي ِار ِه ْم َو ُه ْم أُلُ ٌ‬
‫وف ‪...‬‬
‫(‪.‬‬
‫أي متآلفون مجتمعون ‪ ،‬خرجوا في وقت واحد فارين من الموت ‪ ،‬والرؤية إما بصرية أو علمية لكن‬
‫( العلمية التتعدى ب ( إلى ) فلذلك قال أبو حيان ‪ ( :‬المعنى لم ينته علمك إلى الذين خرجوا من‬
‫ديارهم ) ‪.‬‬

‫( ‪)2/692‬‬

‫صفحة رقم ‪693‬‬


‫قال ابن عرفة ‪ :‬وكذا البصرية ممتنعة هنا فإن أولئك غير موجودين ( حين ) الخطاب لكن نزل‬
‫الماضي منزلة الحاضر تحقيقا له حتى كأنه مشاهد كما قال سيبويه ‪ ،‬وهذا باب كذا‪.‬‬
‫وفرق في اإلرشاد بين نظر في كذا وهو النظر الفكري فجعله يتعدى ( بفي )‪.‬‬
‫ال لَهُ ُم اهلل ُموتُوْا ‪...‬‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬فَقَ َ‬
‫(‪.‬‬
‫أورد الزمخشري هنا سؤاال فقال ‪ :‬كيف قال لهم اهلل ) ُموتُوا ( وكان األصل فأماتهم اهلل‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬هذا السؤال ّإنما يرد على مذهبه ألنه ينفي الكالم النفسي‪.‬‬
‫وأجاب بأنه عبارة عن سرعة ( التكوين ) وزاد فيه ( تدقيقا ) لمذهبه بقاعدة ( إجماعية ) وهي قول‬
‫اهلل تعالى ‪:‬‬
‫ون ( وهذا بناء على خطاب المعدوم وهل يصح ( أم‬ ‫) ِإَّن َما قَ ْولَُنا ِل َش ْي ٍء ِإ َذآ أ ََر ْدَناهُ أَن َّنقُ َ‬
‫ول لَهُ ُك ْن فََي ُك ُ‬
‫إضمار أي ‪ :‬فماتوا ثم أحياهم‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫) ال ؟ قال ابن عرفة ‪ :‬وهنا‬
‫ض ٍل َعلَى الناس ‪...‬‬
‫قوله تعالى ‪ِ ( :‬إ َّن اهلل لَ ُذو فَ ْ‬
‫(‪.‬‬

‫( ‪)2/693‬‬

‫صفحة رقم ‪694‬‬


‫فضله عام باعتبار الكم وباعتبار الكيف فالكم راجع إلى تكثير أعداد النعم والكيف راجع إلى حالها‬
‫في أنفسها ‪ ،‬والناس عام ‪ ،‬فالكافر منعم عليه في الدنيا وأما في األخرة فمحل نظر‪.‬‬
‫ض ٍل ( فإن من لوازم فضله‬
‫واالستدراك في قوله ) ولكن أَ ْكثََر الناس ( راجع إلى الزم قوله ) لَ ُذو فَ ْ‬
‫على الناس أن يشكروه ويحمدوه فلذلك استدرك بعده ب ( لكن )‪.‬‬
‫يل اهلل ‪...‬‬‫قوله تعالى ‪ ( :‬وقَاتِلُوْا ِفي سبِ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫(‪.‬‬
‫فإنه‬
‫ليذب عن حريمه ‪ّ ،‬‬
‫المقاتلة تكون للجهاد بالذات لتكون كلمة اهلل هي العليا أو باللزوم كمن يقاتل ّ‬
‫يستلزم الجهاد‪.‬‬
‫معناها ليكن اعتقادهم ونيتكم بالقتال ( سبيل اهلل )‪.‬‬
‫يم (‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫قوله تعالى ‪ ( :‬واعلموا أ َّ‬
‫َن اهلل َسميعٌ َعل ٌ‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬وجه مناسبة الصفتين أن من قعد ولم يخرج للقتال ال بد أن يتكلم في المؤمنين‬
‫ويتحدث في أمره فاهلل سميع له عليم‪.‬‬
‫( قتال ) من قاتل ‪ ،‬ففيه وعد ووعيد‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪َّ ( :‬من َذا الذي ُي ْق ِر ُ‬
‫ض اهلل قَ ْرضاً َح َسناً ‪...‬‬
‫(‪.‬‬
‫هذه رحمة من اهلل تعالى ألنه متو ّل على جميع الخلق غني بذاته عنهم ‪ ،‬ومع هذا يجعل طاعتهم له‬
‫( سلفا ) منهم له ‪ ،‬وقال في سورة براءة ‪ِ ) :‬إ َّن اهلل اشترى ِم َن المؤمنين أَنفُ َسهُ ْم َوأ َْم َوالَهُ ْم بِأ َّ‬
‫َن لَهُ ُم‬
‫الجنة ( ووصفه بالحسن في كميته وكيفيته‪.‬‬
‫طهَِّر ُك ْم‬
‫و ( قرضا ) إن كان مصدرا فهو مجاز ‪ ،‬كما قال االمام المازري في ) َوُي َ‬
‫( ‪)2/694‬‬

‫صفحة رقم ‪695‬‬


‫ط ِهيراً ( ّ‬
‫إن التأكيد يصير التطهير المعنوي حسيا وهو من ترشيح المجاز كقولك قول هند زوجة ابن‬ ‫تَ ْ‬
‫زنباع ‪ :‬بكى الخزمن ( عوف ) وانكره جلده ‪...‬‬
‫َض َعافاً َكثِ َيرةً ‪...‬‬
‫وعج عجيجا من جذام المطارق قوله تعالى ‪ ( :‬أ ْ‬
‫(‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ ( :‬كثيرة ) راجع إلى المجموع ( وإ فراد ) ‪ ،‬كل واحد من تلك األضعاف موصوف‪/ n‬‬
‫بالكثرة‪.‬‬
‫ِ‬
‫ون (‪.‬‬ ‫قوله تعالى ‪ ( :‬واهلل َي ْقبِ ُ‬
‫ض َوَي ْب ُسطُ َوإِ لَْيه تُْر َج ُع َ‬
‫قدم القبض ترجيحا له أي ذلك القبض الذي ينالكم ( بالصالة ) والزكاة ( راجع ) لكونه يعود عليكم‬
‫بالبسط في الدنيا والثواب في اآلخرة ‪ ،‬وهذا بحسب األشخاص فقد يكون إنفاق درهم قليال لشخص‬
‫ق دينار مائة ‪ ،‬فمن عنده درهمان فأنفق منهما ) درهما ليس‬
‫( وكثيرا آلخر كما في الحديث ‪َ ( :‬سَب َ‬
‫كمن عنده عشرة دراهم فينفق منها درهما )‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬أَلَ ْم تََر ِإلَى المإل ِمن بني ِإ ْس َرائِ َ‬
‫يل ‪...‬‬
‫(‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬الرؤية إن كانت بصرية ونزل الغائب منزلة الحاضر تحقيقا له ‪ ( ،‬فالخطاب ) للنبي‬
‫وحده ‪ ،‬وكذلك‬

‫( ‪)2/695‬‬

‫صفحة رقم ‪696‬‬


‫إن الخطاب للخواص ال للعوام‪.‬‬
‫قالوا في قول سيبويه ‪ :‬هذا باب ‪ّ :‬‬
‫وإ ن كانت علمية فالخطاب للجميع والظاهر االول ( لتعديه بإلى )‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪ِ ( :‬إ ْذ قَالُوْا ‪...‬‬
‫(‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪ِ ( :‬لَنبِ ٍّي لَّهُ ُم ابعث لََنا َمِلكاً ‪...‬‬
‫(‪.‬‬
‫لنبيهم ألجل مخالفتهم له وعدم اتّباعهم إياه فلذلك لم يضفه إليهم ‪ ،‬والنبي إما شمعون ‪ ،‬أو‬
‫لم يقل ‪ّ :‬‬
‫شمويل ‪ ،‬أو يوشع‪.‬‬
‫وأبطل ابن عطية كونه يوشع ألن يوشع كان بعد موسى وبينه وبين داود قرون كثيرة‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬لعل يوشع رجل آخر ( غير ) الذي كان بعد موسى‪.‬‬
‫ألمته أن‬
‫أن اإلخبار بهذا القصص إما معجزة له ( أو وعظ وتخويف ّ‬
‫( ابن عرفة قال ‪ :‬وتقدم لنا ّ‬
‫ينالهم مثل ما نال أولئك )‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪ُّ ( :‬نقَاتِ َل ِفي سبِ ِ‬
‫يل اهلل ‪...‬‬ ‫َ‬
‫(‪.‬‬

‫( ‪)2/696‬‬

‫صفحة رقم ‪697‬‬


‫القتال مع ّأنهم لم يقاتلوا إال ألجل استخالص ( حريمهم ) وأوالدهم لكنه مستلزم لقتالهم في سبيل اهلل‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪َ ( :‬ه ْل َع َس ْيتُ ْم ‪...‬‬
‫(‪.‬‬
‫قال الزمخشري ‪ ( :‬هل ) استفهام في معنى اإلنكار عليهم والتقدير مثل ‪َ ) :‬ه ْل أتى َعلَى اإلنسان‬
‫ِح ٌ‬
‫ين ِّم َن الدهر ( قال ابن عرفة ‪ :‬ويظهر لي أنه استفهام على بابه ‪ ،‬وأنه تأكيد في التلطف في‬
‫لما وبخهم على العصيان تلطف في العبارة عنه بوجهين ‪ :‬أحدهما ‪ :‬ذكره له بلفظ الرجاء‬ ‫الخطاب ّ‬
‫( مقاربة ) العصيان دون التحقيق ‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬لفظ االستفهام دون الخبر‪.‬‬
‫فإن قلت ‪ :‬هم إنما طلبوا منه أن يؤمر عليهم ملكا في قتال يتطوعون به فكيف أجابهم بامتناعهم من‬
‫قتال يكتب عليهم فرضا ؟ قلت ‪ :‬إذا امتنعوا من امتثال قتال يجب عليهم ( فأحرى ) ( أال يوفوا )‬
‫بقتال يتطوعون به‪.‬‬
‫وقرأ الكل ( َع َسيتُ ْم ) بفتح السين إال نافعا كسرها ‪.‬‬

‫( ‪)2/697‬‬

‫صفحة رقم ‪698‬‬


‫قال الزمخشري ‪ :‬وهي ضعيفة‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬هذا ( عادته ) في تجاسره على القراءات ( السبعة ) وتصريحه بأنها غير متواترة‪.‬‬
‫ُخ ِر ْجَنا ِمن ِدَي ِارَنا َوأ َْبَنآئَِنا ‪...‬‬
‫قوله تعالى ‪َ ( :‬وقَ ْد أ ْ‬
‫(‪.‬‬
‫فنزلوا إخراج المماثل لهم منزلة‬
‫قال ابن عرفة ‪ ( :‬إما ّأنهم جعلوا ) إخراج مثلهم كإخراجهم ّ‬
‫إخراجهم ‪ ،‬وإ ّما أن المراد وقد قاربنا اإلخراج من الديار‪.‬‬
‫قيل البن عرفة ( أو ) أخرجوا منها حقيقة ثم رجعوا إليها وقيل ‪ّ :‬إنه على القلب ‪ ،‬أي إخراج أبنائنا‬
‫من ديارنا‪.‬‬
‫ب َعلَْي ِه ُم القتال تََولَّ ْوْا ‪...‬‬ ‫ِ‬
‫قوله تعالى ‪َ ( :‬فلَ َّما ُكت َ‬
‫(‪.‬‬
‫ابن عرفة ‪ :‬هذا أبلغ من لو قيل ‪ :‬ف ُكتب عليهم القتال فتولوا ‪ ،‬ألن قولك ‪ :‬لما قام زيد قام عمرو ‪،‬‬
‫أبلغ من قولك ‪ :‬قام زيد فقام عمرو ‪ ،‬القتضائه تحقيق السبيبية واالرتباط‪.‬‬
‫ابن عرفة ‪ :‬ويحتمل أن يكون ( تقدم ) سؤالهم سببا في ( وجوب ) القتال عليهم وكان قبل ذلك‬
‫تطوعا كقضية بني إسرائيل في البقرة‪.‬‬
‫ال لَهُ ْم َنبِيُّهُ ْم ‪...‬‬
‫قوله تعالى ‪َ ( :‬وقَ َ‬
‫(‪.‬‬
‫إن قلت ‪ِ :‬ل َم أضافه هنا إليهم ولم يضفه في ) ِإ ْذ قَالُوْا ِلَنبِ ٍّي لَّهُ ُم (‬

‫( ‪)2/698‬‬

‫صفحة رقم ‪699‬‬


‫قلنا ‪ّ :‬إنما أضافه هنا ألنه في مقام التبليغ لهم بخالف األول فإنه حكاية عن ( مقالتهم ) التي لم يوفّوا‬
‫بها وعصوا وقدم المجرور ألنهم المقصودون بالذكر ‪.‬‬
‫ابن عطية ‪ :‬عن وهب بن منبه لما سأل شمويل من اهلل أن يبعث لهم ملكا ونزله عليهم قال اهلل تعالى ‪:‬‬
‫( انظر القرن الذي فيه الدهن في بيتك فإذا دخل عليك رجل فسرا الدهن الذي فيه فهو ملك لبني‬
‫إسرائيل‪.‬‬
‫قال ابن عرفة سرا أي ارتفع‪.‬‬
‫وت َمِلكاً ( ) إال مجرد‬
‫طالُ َ‬
‫ث لَ ُك ْم َ‬
‫وهذا الخبر إن صح وإ الّ فما يكون ( مفسره ) ( في قوله ) َب َع َ‬
‫( الوحي )‪.‬‬
‫فان قلت ‪ ( :‬قد ) حرف ( توقع ) حسبما ذكره الزمخشري في قول اهلل تعالى ) قَ ْد أَ ْفلَ َح المؤمنون‬
‫تأمر طالوت عليهم ؟ فالجواب ‪ّ :‬أنهم كانوا ) متوقعين البعثة‬
‫( وبنو اسرائيل لم يكونوا قط ( متوقعين ّ‬
‫باإلطالق ال من حيث تعلقها بشخص معين‪.‬‬
‫قال الزمخشري ‪ :‬طالوت إن كان من الطول فوزنه فعلوت إال أن امتناع صرفه يمنع أن يكون منه‬
‫إال أن يقال ‪ :‬هو اسم عبراني وافق‬

‫( ‪)2/699‬‬

‫صفحة رقم ‪700‬‬


‫الر ِح ِيم‪.‬‬ ‫عربيا ‪ ،‬كما وافق ‪ :‬حنط حنطة ‪ ،‬وبسماالها رحمانا رحيما ‪ ،‬بِ ْسم اهلل ّ‬
‫الر ْح َم ِن ّ‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬واستدلّوا على مرجوحية ملكه باألصل ‪ ،‬ألنه ليس في آبائه ملك وال نبي أحق منه‬
‫بالعادة ألن األمير باعتبار العادة ال بد أن يكون غنيا عن غيره وال يكون فقيرا أصال‪.‬‬
‫ت َس َعةً ِّم َن المال (‪.‬‬
‫وغالطوا في احتجاجهم فأتوا بدليل ظاهره صواب يمكن قبوله فقالوا ‪َ ) :‬ولَ ْم ُي ْؤ َ‬
‫وعدلوا عن أن يقولوا ‪ :‬ولم يؤت شيئا من المال ‪ ،‬لئال يرمى دليلهم في وجوههم فيقال لهم ‪ :‬قد أوتي‬
‫بعض المال وإ ْن قل مع أن طالوت لم يكن لديه مال البتة‪.‬‬
‫فأجيبوا عن الدليل األول بقول اهلل تعالى ‪:‬‬
‫) ِإ َّن اهلل اصطفاه َعلَْي ُك ْم ( فال مزية لكم عليه بآبائكم ‪ ،‬وعن الثاني بإن الزيادة في العلم والجسم أرجح‬
‫فإن المال سريع ال ّذهاب والعلم إذا حصل ثابت ال يزول وكذلك الجسم‬ ‫‪ /‬من الزيادة في المال ‪ّ ،‬‬
‫الطويل ال يعود قصيرا بوجه‪.‬‬
‫ت ( واو العطف‪.‬‬ ‫ق بالملك ِم ْنهُ ( واو الحال وفي ) َولَ ْم ُي ْؤ َ‬
‫َح ُّ‬
‫الزمخشري ‪ :‬والواو في ) َوَن ْح ُن أ َ‬
‫ألن كل واحد منهما علة مستقلة ‪ ،‬أي‬ ‫قال ابن عرفة ‪ :‬األولى أن يكونا معا للحال وهو أبلغ في التعليل ّ‬
‫وأنى يكون له الملك علينا والحالة ّأنه فقير ال مال له ‪،‬‬
‫ّأنى يكون له الملك والحالة ّأنا أحق به منه ‪ّ ،‬‬
‫فلم يعللوا بمجموع األمرين بل بكل واحد منهما‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬وهما حاالن من الفاعل والمفعول ‪.‬‬

‫( ‪)2/700‬‬

‫صفحة رقم ‪701‬‬


‫ال لَهُ ْم نِبِيُّهُ ْم ِإ َّن َآيةَ ُمْل ِك ِه أَن َيأْتَِي ُك ُم التابوت ‪...‬‬
‫قوله تعالى ‪َ ( :‬وقَ َ‬
‫(‪.‬‬
‫أن لفظ اآلية ليس خاصا بالمعجزة‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬هذا دليل على صحة ما يقول ابن التلمساني من ّ‬
‫ألن المراد ( بها ) هنا الدليل والعالمة بال خالف ‪ ،‬وهذا اللفظ من حيث هو قابل ألن يراد به آية‬
‫ثبوت ملكه ملكه أو آية بطالن ملكه ‪ ،‬والمراد هنا األول ‪ ،‬فإما أن يكون على حذف مضاف أو‬
‫( يقول ) ‪ ( :‬القرينة معينة فال يحتاج إلى إضماره )‪.‬‬
‫إن ) ّإنما هو لمن ينكر ذلك وهم ال ينكرون هذا عند ظهور هذه‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬والتأكيد ب ( ّ‬
‫العالمة‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬كان بعض الشيوخ يجيب بأن اإلنكار تارة يتسلط على نسبة الخبر ( للمخبر ) عنه ‪،‬‬
‫وتارة يتسلط على الذات المخبر عنها وإ ن كانت النسبة متفقا عليها كقول الولد ألبيه الذي ال شك في‬
‫للربح من أصله‬
‫صدقه ‪ :‬جميع ما نربح في هذه السلعة فهو لك وتكون السلعة بخيسة فاألب مستعد ّ‬
‫وإ ن كان موافقا على النسبة‪.‬‬
‫فاإلنكار بمعنى استبعادهم وقوع ذلك ‪ ،‬ألنه إن وقع ال يكون دليال على صحة ملكه ؟‬

‫( ‪)2/701‬‬

‫صفحة رقم ‪702‬‬


‫بأنه روعي في ذلك مخالفتهم له أخيرا ألن بعضهم تعنتوا عليه‪.‬‬
‫وأجيب أيضا ّ‬
‫وذكر ابن عطية هنا أقواال منها ‪ :‬أن التابوت من خشب ( الشمشار ) طوله ثالثة أذرع وفيه عصى‬
‫موسى‪.‬‬
‫قيل البن عرفة ‪ ( :‬كيف ) تَ َسعُ فيه وهي طويلة ؟ فقال ‪ :‬لعل ذراعهم كان أكبر من ذراعنا أو تكون‬
‫العصا مفصلة أو مكسورة‪.‬‬
‫وحكي في السكينة عن علي بن أبي طالب ه أنها ريح ( هفافة ) لها وجه كوجه اإلنسان وعنه أيضا‬
‫أنها ريح ( خجوج ) لها رأسان‪.‬‬
‫وقال الزمخشري هي صرصرة فيها ريح ‪.‬‬

‫( ‪)2/702‬‬

‫صفحة رقم ‪703‬‬


‫قال ابن عرفة ‪ :‬و ال يبعد ما حكى ابن عطية على مذهبنا ألن الوجود مصحح للرؤية فيمكن أن ترى‬
‫الريح‪.‬‬
‫وقوله ‪ :‬ريح ( خجوج ) أي لينة‪.‬‬
‫قال ابن عطية ‪ :‬وقال أبو صالح ‪ ( :‬البقية ) عصى موسى وعصى هارون ولوحان من التّوراة‬
‫والمن المنزل على بني إسرائيل‪.‬‬
‫ّ‬
‫المن إذا بقي يفسد‪.‬‬
‫أن المراد ّ‬
‫واستشكله ابن عرفة ألنهم ذكروا ّ‬
‫بأن هذه آية وخرق عادة‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬يجاب ّ‬
‫السكينة‬
‫فإن ّ‬ ‫ابن عرفة ‪ :‬لما ذكر الخالف كله قال ‪ :‬وهذه أخبار متعارضة ويمكن الجمع بينهما ّ‬
‫كالهر وتارة كغيره ‪ ،‬واهلل أعلم قوله تعالى ‪ِ ( :‬إ َّن ِفي َذِل َك‬
‫ّ‬ ‫( تتطور ) فتارة تكون كالطست وتارة‬
‫ِ‬ ‫َّ‬
‫ألََيةً ل ُك ْم ِإن ُكنتُم ُّم ْؤ ِمن َ‬
‫ين (‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ّ :‬إنما أ ّكده ب ( ِإ ّن ) ( ألن ) الخطاب بهذا قبل وقوعه وقد كانوا منكرين له حينئذ أو‬
‫بعد وقوعه ويكون تأكيدا لكونه آية‪.‬‬
‫ِ‬
‫وقوله ) ِإن ُكنتُم ُّم ْؤ ِمن َ‬
‫ين ( إما حقيقة أو تهييجا على االتصاف باإليمان ‪.‬‬

‫( ‪)2/703‬‬

‫صفحة رقم ‪704‬‬


‫ال ِإ َّن اهلل ُم ْبتَِلي ُكم بَِنهَ ٍر ‪...‬‬
‫وت بالجنود قَ َ‬
‫طالُ ُ‬
‫ص َل َ‬
‫قوله تعالى ‪َ ( :‬فلَ َّما فَ َ‬
‫(‪.‬‬
‫أضمر ابن عطية هنا الجواب فقال ‪ :‬التقدير ‪ ،‬فاتفق بنو اسرائيل على ان طالوت ملك وأذعنوا‬
‫وتهيؤوا لغزوهم عدوهم فلما فصل طالوت بالجنود ( تعنتوا )‪.‬‬
‫ّ‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬ترك ( إضماره ) سبب الجواب وحقه ان كان يضمر شيئين ‪ :‬الجواب وسبب‬
‫الجواب ‪ ،‬ويقول ‪ :‬التقدير فلما أتاهم بآية ملكه وفصل بالجنود تعنتوا‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬وعطفه بالفاء ألنه سبب ظاهر كما تقول ‪ :‬جاء الغيم فلما نزل المطر كان كذا ‪،‬‬
‫وتقول أيضا ‪ :‬قام زيد ولما نزل المطر قعد فهذا ليس بسبب‪.‬‬
‫ود ) ولم يقل ‪ :‬بجنوده لما اقتضت اآلية من أن أكثرهم تعنتوا‬ ‫الجُن ِ‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬وإ نما قال ‪ ( :‬بِ ُ‬
‫عليه وخرجوا عن طاعته فليسوا بجنوده ‪ ،‬وإ نما قال ‪ُ ( :‬م ْبتَِلي ُك ْم ) فعبر باالسم دون الفعل تحقيقا‬
‫لوقوع ذلك في نفس األمر وثبوته في علم اهلل تعالى أزال ‪ ،‬وأنه ال بد منه‪.‬‬
‫وعلمه بذلك ‪ ،‬إما بالوحي أو بإخبار من النبي ‪.‬‬

‫( ‪)2/704‬‬
‫صفحة رقم ‪705‬‬
‫ب ِم ْنهُ َفلَْي َس ِمِّني ‪...‬‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬فَ َمن َش ِر َ‬
‫(‪.‬‬
‫فسره الشيخ الزمشخري ‪ :‬بالكرع مع أنه ينفي فيه المفهوم ألن الشرب منه يكون كرعا ويكون بإناء‬
‫تمأل منه أو باليد‪.‬‬
‫وقوله ( َفلَْي َس ِمِّني ) فسره إن أراد نفيه حقيقة عنه فيكون مجازا ألنه معلوم أنه ليس منه ‪ ،‬فعبر بنفيه‬
‫عنه نفيه عن ملته ‪ ،‬وإ ن أراد نفيه عن اتباعه أي فليس من اتباعي وجندي فيكون على إضمار‬
‫مضاف فيتعارض المجاز واإلضمار‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪َ ( :‬و َمن لَّ ْم َي ْ‬
‫ط َع ْمهُ فَِإَّنهُ مني (‪.‬‬
‫مني ) ؟ قال ‪:‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬أكد الثّاني ( بإن ) ‪ ،‬ولم يقل في األول ( فمن شرب منه فإنه ليس ّ‬
‫والجواب بأنه ّإنما لم يؤكد األول ألن سببه أكثر ( في ) الوقوع ‪ ،‬وأكد الثاني ألن سببه أقل في‬
‫الوقوع فأكده حضا على المبادرة إلى امتثال سببه والعمل بمقتضاه‪.‬‬
‫أن الماء طعام وهو قول ابن نافع نقله ابن يونس في كتاب السلم الثالث‪.‬‬
‫قال ‪ :‬واحتج به بعضهم على ّ‬
‫وكان القاضي أبو عبد اهلل بن عبد السالم يحكي لنا عن الفقيه القاضي أبي القاسم ‪ /‬بن علي بن البراء‬
‫أن رجال سأله وهو‬

‫( ‪)2/705‬‬

‫صفحة رقم ‪706‬‬


‫راكب على بغلته عمن حلف باهلل ال يتناول طعاما ؟ فقال له ‪ :‬ال يأكل وال يشرب الماء ألنه طعام‬
‫واحتج بهذه اآلية‪.‬‬
‫ّ‬
‫ورده ابن عرفة بوجهين ‪ :‬األول منهما ‪ :‬أن اآلية اقتضت ذلك لغة ‪ ،‬وأما الشرع فال يسميه طعاما‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬أنه نفى في األول الشرب وفي الثاني الطعمية ‪ ،‬والطعمية أوائل الشرب ‪ ،‬ولذلك ذكروا في‬
‫الصائم اذا استطعم الماء وبصقه فإنه ال يفسد صومه ‪ ،‬فلما تعلق النفي بأوائل الشرب قال‬
‫الصيام أن ّ‬
‫ِ‬
‫إن ) أي من اتّصف بكمال البعد عنه فهو موصوف بكمال‬ ‫‪ ( :‬فَِإَّنهُ مِّني ) ‪ ،‬فأكد نسبته إليه ب ( ّ‬
‫القرب مني وبقي الواسطة مسكوتا عنه وهو الذي شرب باإلناء على تفسير الزمخشري فإما أن ذنبه‬
‫أقل من ذنب من كرع أو ُم َس ٍاو‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪َ :‬و ( لَ ْم ) هنا بمعنى ( لما )‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪ِ ( :‬إالَّ َم ِن اغترف ُغ ْرفَةً بَِي ِد ِه ‪...‬‬
‫(‪.‬‬
‫قال أبو حيان ‪ :‬يستثني من الجملة ( االولى وهي ) ) فَ َمن َش ِر َ‬
‫ب (‪.‬‬
‫زاد أبو البقاء أو ِم ْن ( َم ْن ) الثانية وهي ) َو َمن لَّ ْم َي ْ‬
‫ط َع ْمهُ (‪.‬‬
‫بأنه لو كان من ( َمن ) الثانية للزم أن يكون من‬ ‫وتعقب ّ‬

‫( ‪)2/706‬‬

‫صفحة رقم ‪707‬‬


‫اغترف غرفة واحدة بيده ليس منه ( مع ّأنه أبيحت لهم الغرفة ) الواحدة باليد ألن االستثناء من‬
‫اإلثبات نفي ومن النفي إثبات‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬هذا ال يتعين بل يحتمل عندي استثناؤه من الجملتين فعلى ّأنه مستثنى من األولى‬
‫مني أي هو ( منه ) وعلى ّأنه مستثنى من قوله ‪َ ) :‬و َمن‬ ‫يكون المراد نفيه عن الدخول في حكم ليس ِّ‬
‫الناس ) على ثالثة أقسام ‪ :‬شارب بفيه فليس منه ‪ ،‬وشارب منه بيده‬ ‫لَّ ْم َي ْ‬
‫ط َع ْمهُ فَِإَّنهُ مني ( يكون ( َّ‬
‫وهذا يقال فيه ( هو ) منه فقط ‪ ،‬ومن لم يشرب منه شيئا يقال فيه ‪َّ :‬إنه منه مجاله أبلغ ‪ ،‬فاستثناؤه من‬
‫مني ) أي ليس متصفا بكمال القرب‬
‫بأنه ( ّ‬
‫األخص أي إال من اغترف غرفة بيده فليس محكوما عليه ّ‬
‫مني‪.‬‬
‫مني قدرا مشتركا بين الحرام والمباح ؟ فقال ‪ :‬لم نخرجه‬ ‫قيل البن عرفة ‪ :‬يلزمك أن يكون ليس ّ‬
‫ط َع ْمهُ فَِإَّنهُ مني ( فإذا خرج من هذا كان منفيا عنه‬‫( منه ) وإ ّنما أخرجتهم ‪ ،‬من قوله ‪َ ) :‬و َمن لَّ ْم َي ْ‬
‫ب ِم ْنهُ َفلَْي َس ِمِّني (‪.‬‬
‫أي يكون منه ( وقد ) قال ‪ :‬أول اآلية ) فَ َمن َش ِر َ‬
‫أن النفي هنا ( نفي ) أخص باعتبار ترك األمر المستحب بفعل األمر المباح ‪ ،‬فالمستحب ترك‬
‫فيتعين ّ‬
‫الشرب ‪ ،‬والمباح الشرب باليد ‪ ،‬والحرام الكرع فيه بالفم ‪.‬‬

‫( ‪)2/707‬‬

‫صفحة رقم ‪708‬‬


‫قال ابن عرفة ‪ :‬وغرفة بالضم والفتح ‪ ،‬فالفتح هو الماء والضم الفعل‪.‬‬
‫( قال ابن عرفة ) ‪ :‬وعلى أنها الفعل يكون المفعول‪ n‬مقدرا أي إال من اغترف غرفة ماء‪.‬‬
‫وتأكيد ( إباحتها‬
‫َ‬ ‫قال ( ابن عرفة ) ‪ :‬وفائدة التأكيد بالمصدر على هذا تحقيقا للرخصة في ذلك الفعل‬
‫) خشية أن يتوهم قصر ذلك على أدنى شيء من الماء المأخوذ باليد فأكده تنبيها على إباحتة الغرفة‬
‫الواحدة بكمالها‪.‬‬
‫ون أََّنهُم ُّمالَقُوْا اهلل (‪.‬‬
‫ال الذين َيظُُّن َ‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬قَ َ‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬إن أريد المالقاة باإلطالق فهي بمعنى العلم وإ ن أريد المالقاة حينئذ فالظن على بابه‬
‫ألن اإلنسان ال علم له بزمن موته‪.‬‬
‫قال ( ابن عرفة ) ‪ :‬وعبر عنهم بهذا إشارة إلى ما قاله بعضهم في رسالة ‪ ( :‬من أحب الممات حيي‬
‫ومن أحب الحياة مات )‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬بِِإ ْذ ِن اهلل (‪.‬‬
‫إذن اهلل هنا تمكينه وعلمه بمجموع ذلك اإلذن ‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬قال ابن عطية ‪ُ :‬‬

‫( ‪)2/708‬‬

‫صفحة رقم ‪709‬‬


‫أن معناه بقدرة اهلل وفضله وإ رادته‪.‬‬
‫( ابن عرفة ‪ :‬كذا يقول في كل موضع ) والصواب ّ‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬وهذا إما أن بعضهم قاله لبعض أو قالوه كلهم ألنفسهم ( تشجيعا ) لها وتوطينا على‬
‫الصبر على القتال والهجوم عليه‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬واهلل َم َع الصابرين (‪.‬‬
‫قالوا ‪ :‬هذا إما من كالمهم أو من كالم اهلل تعالى‪.‬‬
‫ابن عرفة ‪ ( :‬والصواب أنه من كالمهم ألن فيه تشجيعا ألنفسهم وحضا لها على المقاتلة وأما إن كان‬
‫من قوله اهلل تعالى ) خطابا لنبيه فهو بعد انفصال تلك القضية فال مناسبة لها ‪ ،‬انتهى‪.‬‬
‫ص ْبراً ‪...‬‬ ‫قوله تعالى ‪ ( :‬قَالُوْا َربََّنآ أَ ْف ِر ْ‬
‫غ َعلَْيَنا َ‬
‫(‪.‬‬
‫َد َع ْوا باألمر المعنوي وهو الصبر وبالحسي ( والمراد ) بتثبيت األقدام عدم الرجوع على األعقاب ‪،‬‬
‫وليس المراد الوقوف في موضع واحد وابتدؤوا في الدعاء بالصبر ألنه سبب في تثبيت األقدام‪.‬‬
‫قاله الزمخشري ‪ ( :‬أي هب لنا ما نثبت به من القوة والرعب ( في قلب العدو ) ونحوه من االسباب‬
‫‪.‬‬

‫( ‪)2/709‬‬

‫صفحة رقم ‪710‬‬


‫قال ابن عرفة ‪ :‬وهذا على مذهبه في أن العبد يستقل بفعله ونحن نقول ‪ :‬المراد ثبت أقدامنا حقيقة‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬وانصرنا َعلَى القوم الكافرين (‪.‬‬
‫تنبيه على أن قتالهم إياهم إنما هو لوصف كفرهم ال لغرض دنيوي ‪ ،‬وهنا محذوف مقدر أي فقاتلوهم‬
‫فهزموهم‪.‬‬
‫وحكى ابن عطية هنا والزمخشري أن ( ايشي ) كان له ستة أوالد أحدهم ( داود ) وكان صغير السن‬
‫فمر في طريقه بثالثة أحجار ‪ ،‬قال له ‪ :‬كل واحد منها خذني ( فَبِي تقتل ) جالوت فجعلها في مخالته‬
‫وطلب جالوت ( المبارزة ) ‪ ،‬فقال طالوت ‪ :‬من يبرز فيقلته فأنا أزوجه بنتي وأحكمه في مالي ؟‬
‫وكان داود من أرمى الناس بالمقالع والتأمت الحجارة فوضعها في ( المقالع ) وسمى باهلل وأداره‬
‫وحز رأسه وجعله في مخالته‪.‬‬
‫ورماه فأصاب رأس جالوت فقتله ّ‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬المقالع شبه الوضف ‪.‬‬

‫( ‪)2/710‬‬

‫صفحة رقم ‪711‬‬


‫الزمخشري ‪ / :‬وزوجه طالوت ابنته وروي أنه ( حسده ) وأراد قتله ثم تاب‪.‬‬
‫أن طالوت ( نبي )‪.‬‬
‫صح هذا وقد حكى الزمخشري عن بعضهم ّ‬
‫قيل البن عرفة ‪ :‬كيف ّ‬
‫والنبي معصوم ؟ فقال ‪ :‬األكثر على ّأنه غير نبي وقد ( تاب ) من هذا ‪ ،‬ومعلوم ما فيه‪.‬‬
‫ّ‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬وهذه اآلية يرد بها على الكوفيين في قولهم ‪ :‬إن الواو تفيد الترتيب ألن المفسرين‬
‫أن الهزيمة إنما كانت بعد أن قتل داود جالوت فحينئذ انهزموا وتفرقوا‪n.‬‬ ‫نقلوا هنا ّ‬
‫آء ‪...‬‬ ‫ِ‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬م َّما َي َش ُ‬
‫(‪.‬‬
‫ض لَّفَ َس َد ِت األرض ‪...‬‬
‫ضهُ ْم بَِب ْع ٍ‬
‫قوله تعالى ‪َ ( :‬ولَ ْوالَ َد ْفعُ اهلل الناس َب ْع َ‬
‫(‪.‬‬
‫قال ابن عطية ‪ :‬أي لوال دفعه لكفر بالمؤمنين لفسدت األرض بعموم ( الكفر ) من أقطارها ‪ ،‬لكه ال‬
‫يخلو زمان من داع إلى اهلل ومقاتل‪ n‬عليه إلى أن جعله في أمة محمد‪.‬‬
‫وقال مكي ‪:‬‬

‫( ‪)2/711‬‬
‫صفحة رقم ‪712‬‬
‫أكثر المفسرين على أن المراد لو ال ان يدفع اهلل بمن يصلي عمن ال يصلي وبمن يتقي عمن ال يتقي (‬
‫ألهلك ) الناس بذنوبهم‪.‬‬
‫وضعفه ابن عطية قال ‪ :‬والحديث الذي ذكر عن ِ‬
‫ابن عمر هما المعارض لآلية ال يصح‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬انظره في تفسير مكي‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬وكان بعضهم يبدي في هذه اآلية معنى ذكره البيانيون وهو الفرق بين قولك ‪ :‬أكلت‬
‫بعض الرغيف وبين قولك ‪ :‬أكلت الّرغيف بعضه‪.‬‬
‫وكذلك ‪ :‬أكلت بعض الشاة ‪ ،‬وأكلت الشاة بعضها‪.‬‬
‫( فما تقول ) إال أذا كان المأكول أكثرها أو كان أفضلها ‪ ،‬ألنه من باب إطالق اسم الكل على الجزء‬
‫وال يكون إال لمعنى‪.‬‬
‫قال ‪ :‬وفي اآلية حجة على من يجعل لفظ البعض ال يطلق إال على األقل وهو ( خالف نقله ) اآلمدي‬
‫في شرح الجزولية في باب التثنية والجمع ألن البعض األول عبر به عن الدافع والبعض الثاني عن‬
‫المدفوع ‪ ،‬والدافع إما أقل من المدفوع أو أكثر أو مساو‪.‬‬
‫وأجيب بأن هذا الزم إذا كانا قسمين فقط ولعلها ثالثة أقسام دافع ومدفوع عنه ومدفوع ‪.‬‬

‫( ‪)2/712‬‬

‫صفحة رقم ‪713‬‬


‫قال ابن عرفة ‪ :‬وفي اآلية حجة لمن قال ‪ :‬إن العقل ما خال عن سمع قط القتضائها ّأنه لوال ذهاب‬
‫لعم الكفر والفساد األرض ‪ ،‬فلو خال العقل من‬
‫الفساد بالصالح المرشد إلى اتباع أوامر اهلل ونواهيه ّ‬
‫سمع في زمن من األزمان لهلك الخلق كلهم‪.‬‬
‫فقال ‪ :‬بعض الطلبة بمحضره ‪ّ :‬إنما يتم هذا على أحد تفسيري ابن عطية‪.‬‬
‫كنا شككنا‬
‫أن الفساد هو األصل واألكثر فيستفاد ( منها ) فيما إذا ّ‬
‫فقال ابن عرفة ‪ :‬واآلية دالة على ّ‬
‫في صفته ‪ ،‬واحتملت الصحة والفساد ّأنها تحمل على الفساد كقولهم في فداء المسلمين من أيدي‬
‫الكفار بالسالح والكراع هل يجوز ؟ وتغلب مصلحة استخالص المسلمين منهم على مفسدة تقوي‬
‫تترس الكفار بالمسلمين هل يباح قتل الترس أم ال ؟ قوله‬
‫بالسالح أو يمتنع ؟ وكذلك إذا ّ‬
‫الكافرين ّ‬
‫ض ٍل َعلَى العالمين (‪.‬‬
‫تعالى ‪ ( :‬ولكن اهلل ُذو فَ ْ‬
‫أن اهلل تعالى يذهب الفاسد‬
‫تضمن ّ‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬هذا احتراس وهو حجة ألهل السنة ألن ما قبلها ّ‬
‫بالصالح فلو اقتصر عليه ألوهم وجوب مراعاة األصلح على اهلل تعالى فبين بهذه اآلية أن ذلك‬
‫محض تفضل من اهلل تعالى وال يجب عليه شيء ‪.‬‬
‫( ‪)2/713‬‬

‫صفحة رقم ‪714‬‬


‫قال أبو حيان ‪َ ( :‬ولَ ِك ّن ) استدراك بإثبات الفضل على جميع العالمين لما يتوهمه من يريد الفساد أن‬
‫اهلل غير متفضل عليه إذ لم يبلغه مقاصده‪.‬‬
‫أن ما بعد ( لَ ِك ّن ) ال يكون ( مضادا ) لما قبلها ‪ ،‬ومن يجيز كونه‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬هذا بناء على ّ‬
‫الناس كلّهم بغلبة الفساد‪.‬‬
‫مخالفا له ال يحتاج إلى هذا بل نقول ‪ :‬معناه لهلك ّ‬
‫ألنه عام يناله المفسد والمصلح والمدفوع عنه ‪ ،‬أما نيله المدفوع فظاهر‬
‫( وعلّل تفضله ) بالجميع ّ‬
‫النار فيصير صالحا‪.‬‬
‫وأما المفسد فألن منعه من ذلك منقذ ( له ) من الهالك ودخول ّ‬
‫وها َعلَْي َك بالحق ‪...‬‬ ‫قوله تعالى ‪ ( :‬تِْل َك َآي ُ‬
‫ات اهلل َن ْتلُ َ‬
‫(‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬اإلشارة إلى اآليات المتقدمة‪.‬‬
‫والدوام ‪ ،‬وإ ّما أن يكون ( نتلوها ) مستقبال‬
‫وعبر عن التالوة الماضية بصيغة المستقبل للتصور ّ‬
‫حقيقة واإلشارة إلى المتقدم باعتبار لفظه فقط‪.‬‬
‫مثل ‪ :‬عندي درهم ونصفه ‪ ،‬أو اإلشارة إلى المستقبل ( المقدر ) في الذهن تحقيقا لوقوعه وتنزيال له‬
‫منزلة الدافع حقيقة‪.‬‬
‫وفي اآلية التفات باالنتقال‪ n‬من الغيبة إلى التكلم‪.‬‬
‫اهلل ) إشارة إلى عظمها وجاللة قدرها ‪.‬‬ ‫قوله ( ءايات ِ‬
‫َ ُ‬

‫( ‪)2/714‬‬

‫صفحة رقم ‪715‬‬


‫وها ) لم يقل ‪ :‬يتلوها اهلل عليك فعبر ( بالنون المشتركة ) بين المتكلم وحده وبين المتكلم‬ ‫وقوله ( َن ْتلُ َ‬
‫ومعه غيره إشارة إلى بلوغها للنبي بواسطة الملك‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪َ ( :‬وإِ َّن َك لَ ِم َن المرسلين ( ‪.‬‬

‫( ‪)2/715‬‬
‫صفحة رقم ‪716‬‬
‫ابن عرفة ‪ :‬هذا كالنتيجة بعد المقدمتين ألن تلك اآليات المعجزات دالة على صحة رسالة محمد‪.‬‬
‫وأكدت رسالته ب ( أن ) والالّم بورودها بهذا اللفظ ألنه أبلغ من قوله وإ ّنك‬
‫( المرسل ) كما قال ) يس والقرآن الحكيم ِإَّن َك لَ ِم َن المرسلين ( قاله الزمخشري في قول اهلل في‬
‫آمُنوْا َو َع ِملُوْا الصالحات لَُن ْد ِخلََّنهُ ْم ِفي الصالحين‪.‬‬
‫سورة العنكبوت ) والذين َ‬
‫ض ‪...‬‬ ‫ضهُ ْم على َب ْع ٍ‬ ‫( قوله تعالى ‪ ( :‬تِْل َك الرسل فَ َّ‬
‫ضْلَنا َب ْع َ‬
‫(‪.‬‬
‫السورة ‪ ،‬أو التي ( ثبت )‬
‫قال ( الزمخشري ) ‪ :‬اإلشارة إلى جماعة الرسل التي ذكرت فقط في ّ‬
‫علمها عند رسول اهلل‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬بل اإلشارة إلى ما قبله يليه وهي الرسل المفهومة من قوله ) َوإِ َّن َك لَ ِم َن المرسلين‬
‫( قال ابن عرفة ‪ :‬فهذا التفضيل إما مطلقا ‪ /‬أي بعضهم أفضل من بعض ( مطلقا ) ‪ ،‬أو من وجه‬
‫دون وجه ‪ ،‬فبعضهم أفضل من بعض في شيء والمفضول في ذلك أفضل من الفاضل في شيء آخر‬
‫‪ ،‬فهل هو كاألعم مطلقا أو كاألعم من وجه دون وجه ‪ ،‬والظاهر األول‪.‬‬
‫وما ورد في الحديث ‪ ( :‬ال تفضلوني على موسى وال ينبغي ألحد أن يقول ‪ :‬أنا أفضل من يونس بن‬
‫متى ) فال يعارض هذا ألن اآلية اقتضت تفضيل بعضهم على بعض من غير تعيين الفاضل من‬
‫المفضول‪.‬‬
‫قيل له ‪ :‬معلوم أن رسول اهلل أفضل الخلق ؟ ( فقال ) ‪ :‬بان ذلك يعتقده ( اإلنسان ) وال يقوله‬
‫سدا للذريعة ‪ ،‬أو يجاب بأنه تواضع من النبي ‪،‬‬
‫بمحضر الكفار لئال يقعوا بالنبي بتنقيص ( فيتركه ) ّ‬
‫قاله الغزالي كقوله ‪ ( :‬أنا سيد ولد آدم وال فخر )‪.‬‬
‫وأجاب القاضي عياض في اإلكمال عن معارضة حديث نوح لحديث ( ال ينبغي ألحد أن يقول أنا‬
‫خير من يونس بن متى ) وحديث ( ال‬

‫( ‪)2/716‬‬

‫صفحة رقم ‪717‬‬


‫تفضلوا بين األنبياء ) مع حديث ( أنا سيد ولد آدم وال فخر )‪.‬‬
‫أحدها أن يكون قبل إعالم اهلل له أنه أفضل ولد آدم أو يكون على طريق األدب والتواضع ‪ ،‬أو المراد‬
‫ضهُ ْم‬ ‫تفضلوا بينهم في النبوة وإ ّنما تفضيلهم بخصائص خص اهلل بها بعضهم كما قال ) فَ َّ‬
‫ضْلَنا َب ْع َ‬ ‫‪ :‬ال ّ‬
‫ض ِّم ْنهُم َّمن َكلَّ َم اهلل ( اآلية‪.‬‬
‫على َب ْع ٍ‬
‫إن ) ابن عطية أخطأ في قوله هنا ألن يونس عليه السالم كان شابا وتشيخ تحت‬ ‫قيل البن عرفة ‪ّ ( :‬‬
‫أعباء النبوة ؟ فقال ‪ :‬ال شيء في مثل هذا‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬وكون بعض الرسل أوتي ما لم يؤته النبي ( ال ينافي كون النبي ) أفضل الخلق ألن‬
‫المفضول قد يختص بفضيلة هي ليست في الفاضل كما قالوا ‪ :‬إن ( أفضل ) الصحابة أبو بكر مع أن‬
‫لبعضهم من الخصوصيات ما ليست في أبي بكر ‪ ،‬وكذلك كون عيسى ( اختص ) بإحياء الموتى‬
‫يم الذي وفى‬ ‫ِ‬
‫وموسى بالكالم ال ينافي كون النبي أفضل منهم ‪ ،‬وكذلك قوله في سورة النجم ) َوإِ ْب َراه َ‬
‫( وتكليم اهلل للرسل ليس بمعجزة ‪ ،‬وكذلك رفع الدرجات مشترك بينهم ‪ ،‬فلذلك لم يسنده إلى معين‬
‫( ولما كان إيتاء البينات والتأييد خاصا بروح القدس أسنده إلى عيسى‪.‬‬
‫والكالم هنا المراد به ) كالم الرحمة ‪.‬‬

‫( ‪)2/717‬‬

‫صفحة رقم ‪718‬‬


‫فإن قلت ‪ :‬وكل رسول ّأيد بروح القدس وهو جبريل ؟ قلت ‪ :‬عيسى اختص من ذلك بقدر زائد من‬
‫صغره إلى كبره لتكونه من نفخ جبريل عليه السالم في فرج مريم وتكلّمه في المهد‪.‬‬
‫آءتْهُ ُم البينات ‪...‬‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫آء اهلل َما اقتتل الذين من َب ْعدهم ِّمن َب ْعد َما َج َ‬
‫قوله تعالى ‪َ ( :‬ولَ ْو َش َ‬
‫(‪.‬‬
‫ألن العبد عنده يستقل بفعله وفعله بإرادته فيقول‪ّ : n‬إنه ال تتعلق‬
‫لجاء ّ‬
‫ص ٌد َوإ ٌ‬
‫قال الزمخشري ‪ :‬مشيئته قَ ْ‬
‫إرادة اهلل تعالى بذلك الفعل‪.‬‬
‫إن العدم اإلضافي تتعلق به القدرة ألن المعنى‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬وفي هذه اآلية عندي حجة لمن يقول ‪ّ :‬‬
‫‪ :‬ولو شاء اهلل عدم اقتتالهم‪.‬‬
‫فقيل له ‪ :‬فرق بين اإلرادة والقدرة ؟ فقال ‪ :‬قد تقدم الخالف في اإلرادة هل هي مؤثرة أو ال ؟‬
‫والصحيح أنه اختالف لفظي ( َّ‬
‫وأنه ) خالف في حال‪.‬‬
‫فإن كان المقصود بها اإلبراز من العدم إلى الوجود فليست مؤثرة ‪ ،‬إن أريد به كون الشيء على‬
‫صفة مخصوصة فهي مؤثرة ‪ ،‬وإ ذا كانت مؤثرة فيه كالقدرة وقد تعلقت هنا بالعدم‪.‬‬
‫قال ( السكاكي ) ‪ :‬ومفعول‪ ( n‬شاء ) ( ال يحذف ) إال إذا كان ( عدما ) أو أريد به العموم ‪.‬‬

‫( ‪)2/718‬‬
‫صفحة رقم ‪719‬‬
‫قوله تعالى ‪:‬‬
‫ِ‬
‫آم َن َو ِم ْنهُم َّمن َكفََر َولَ ْو َش َ‬
‫آء اهلل َما اقتتلوا ‪...‬‬ ‫) فَم ْنهُم َّم ْن َ‬
‫(‪.‬‬
‫قدم المؤمن لشرفه وإ الّ فالكافر أكثر وأسبق وجودا‪.‬‬
‫آء اهلل ( إما تأكيد ‪ ،‬أو المراد باألول جميع الخلق‪.‬‬
‫و قوله تعالى ‪َ ( :‬ولَ ْو َش َ‬
‫( والمراد ) بهذا المؤمنون‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬ولكن اهلل َي ْف َع ُل َما ُي ِر ُ‬
‫يد (‪.‬‬
‫صريح في مذهب أهل السنة وهو ينعكس بنفسه ‪ ،‬فكل مراد مفعول‪ n‬لقوله ( ) ولكن اهلل َي ْف َع ُل َما ُي ِر ُ‬
‫يد‬
‫(‪.‬‬
‫وكل مفعول مراد )‪.‬‬
‫آء اهلل َما اقتتلوا ( فدل على أنه أراد اقتتالهم إذ لو لم يرده لما وقع‪.‬‬
‫ولقوله ‪َ ) :‬ولَ ْو َش َ‬
‫انتهى‪.‬‬
‫َنفقُوْا ِم َّما َر َز ْقَنا ُكم (‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬ياأيها الذين آمنوا أ ِ‬
‫قال ابن عطية ‪ ( :‬هو عام في الجهاد والتطوع )‪.‬‬
‫والتحاكم في هذا إلى السبب المتقدم ( هل ينهض ) إلى وجوب القصد عليه أو يعم فيه وفي غيره ؟‬
‫ص ّد ْق‪.‬‬
‫ص ّد ْق ‪ ،‬وبين قولك ‪ :‬يا غني تَ َ‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬وفرقوا بين قولك ‪ :‬تَ َ‬
‫بثالثة أوجه ‪ :‬إما للوصف المناسب ‪ ،‬أو تنبيه المخاطب ‪ ،‬أو استحضار ذهنه‪.‬‬
‫النداء ‪.‬‬
‫وإ ما خوف احتمال الشركة في ّ‬

‫( ‪)2/719‬‬

‫صفحة رقم ‪720‬‬


‫فإن قلنا ‪ :‬إن الكفار غير مخاطبين بفروع‪ n‬الشريعة فينتفي احتمال ( الشريك ) هنا ‪ ،‬وأيضا فسبب‬
‫بأن سبب األمر بذلك‬
‫إما التنبيه أو اإلشعار ّ‬
‫النزول يعين كون الخطاب للمؤمنين فانحصر كون فائدته ّ‬
‫ّ‬
‫وصف اإليمان‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪ِ ( :‬م َّما َر َز ْقَنا ُكم ‪...‬‬
‫(‪.‬‬
‫مذهب أهل السنة تعميم الرزق في الحالل والحرام ‪ ،‬وأمروا هنا بالحالل ألن ( من ) للتبعيض فيبقى‬
‫البعض اآلخر‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪:‬‬
‫) ِّمن قَْب ِل أَن يأْتِي يوم الَّ ب ْيع ِف ِ‬
‫يه َوالَ ُخلَّةٌ ‪...‬‬ ‫َ َ َْ ٌ َ ٌ‬
‫(‪.‬‬
‫واليوم حمله المفسرون على يوم القيامة‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬وعندي أنه يوم موت كل واحد ألن من مات قد قامت قيامته‪.‬‬
‫قيل البن عرفة ‪ :‬يلزمك اإلضمار ألن يوم القيامة ال بيع فيه باإلطالق ويوم موت كل واحد ال بيع له‬
‫النفي بيوم‬
‫فيه وال خلة له فيه ‪ ،‬وإ الّ فالبيع لغيره ثابت له فيه ألن غيره حي قطعا ؟ فقال ‪ّ :‬إنما تعلق ّ‬
‫الموت والبيع غير ثابت فيه من حيث كونه يوم الموت ‪ ،‬ونفي‪ n‬البيع اليستلزم نفي الخلة ألنه قد ال‬
‫يكون عنده ما يبيع وقد يكون ( له ) صاحب يحميه وينصره ‪ ،‬وال يلزم من نفي الخليل نفي الشفاعة‬
‫ألن العدو قد ( يرق ) لعدوه ويشفع فيه ‪،‬‬

‫( ‪)2/720‬‬

‫صفحة رقم ‪721‬‬


‫وألن الخليل يستنقذ باالنتصار والقوة والغلبة والشفيع يستنقذ بالرغبة والفضل‪ n‬ال بالقوة‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬اهلل الَ إله ِإالَّ ُه َو الحي القيوم ‪...‬‬
‫(‪.‬‬
‫قال االمام ابن العربي في شرح االسماء الحسنى ‪ :‬يقال ‪ :‬حي وحيى ويحيي وقيل ‪ :‬حاي على وزن‬
‫فاعل والخبر آكد ‪ ،‬أي جنس الحي ‪ ،‬وقيل ‪ :‬هو الحياة والحي نوع من القبيلة سمى به مجازا ألن به‬
‫الحَيا ‪ ،‬وشربه وهو المطر ‪ ،‬والحياة‬
‫يستعزون على حماية أنفسهم وحياة مواشيهم بالخصب ورعي َ‬
‫وصف للجسم‬
‫( عرض ) إذا وجدت في جسم أو جوهر كان دراكا فعاال والعرب إذا أرادت اإلدراك والحس قالت ‪:‬‬
‫هذا حي ‪ ،‬والحي في الشاهد من قوله ‪ :‬حياة‪.‬‬
‫إن اهلل حي بحياة ‪ ،‬إذ لم يرد فيه وال في السمع والبصر ونقول‪n‬‬
‫وأما الغائب فبعضهم قال ‪ :‬ال أقول ‪ّ :‬‬
‫‪ ( :‬عالم بعلم ) ِلوروده (‪.‬‬
‫الدراك‪.‬‬
‫وقال االمام الغزالي ‪ :‬والكثير من علمائنا ‪ :‬الحي ‪ :‬الفعال ّ‬
‫وهو باطل بوجوه ‪ :‬منها أن البارىء في األزل حي مدرك بنفسه وصفاته ولم يفعل ‪ ،‬وأيضا اإلدراك‬
‫أن وجود الحياة مصحح لالدراك‬
‫معنى غير الحياة والفعل فكيف يفسر معنى بمعنى مغاير له ‪ ،‬واعلم ّ‬
‫والفعل فيلزم اإلدراك إذ اليصح حي غير مدرك ويصح الفعل وال يلزم‪.‬‬
‫ووجوب الحياة للبارىء يختص بخمسة أوصاف ‪ :‬أنه لم يسبقه موت ‪ ،‬وال ( يعتريه ) ‪،‬‬
‫( ‪)2/721‬‬

‫صفحة رقم ‪722‬‬


‫وليس له ( بلل ) ورطوبة ‪ ،‬وال يحتاج إلى غذاء ‪ ،‬فإنه يطعم وهي للعبد بعكس ذلك كله‪.‬‬
‫قال الزمخشري ‪ :‬والحي الباقي الّذي ال سبيل للفناء عليه وهو على اصطالح المتكلمين الذي يصح‬
‫أن يعلم ويقدر‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬وكل شيء يصح اتصافه بالعلم والقدرة لكن الحي بغير واسطة والجماد بواسطة‬
‫الحياة‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬قال ابن عطية ‪ :‬قال المعتزلة وقوم ‪ :‬اهلل حي ال بحياة ‪ ،‬وهو باطل‪.‬‬
‫وقال آخرون ‪ :‬حي بحياة ‪ ،‬وقال قوم ‪ :‬هو حي كما وصف نفسه ‪ ،‬وسلم ذلك أن ينظر فيه‪.‬‬
‫وقد تقدم الخالف في الصفات فنحن نثبتها ونقول‪ : n‬اهلل عالم بعلم ‪ ،‬قادر بقدرة‪.‬‬
‫حي بحياة‪.‬‬
‫المعتزلة ينفونها ‪ ،‬وتقدم الخالف بيننا في األحوال كالعالمية والقادرية والحيية‪.‬‬
‫فمنا من يثبتها ‪ ،‬ومنا من ينفيها ‪ ،‬والمثبتون لها قسموها على قسمين ‪ :‬معللة وغير معللة ‪ ،‬والمعللة‬
‫عندهم مشروطة بالحياة والسوادية والبياضية غير معللة ‪ ،‬والعالمية معللة كالقادرية‪.‬‬
‫وكان بعضهم يرد على من يقول ‪ :‬إنها معللة بصفات الحياة ألن الحياة حال ليست معللة لئال يلزم‬
‫عليه تعليل الشيء بنفسه‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬الحي القيوم ‪...‬‬
‫(‪.‬‬
‫قال االمام ابن العربي ‪ :‬على وزن فيعول ‪ :‬اجتمعت ياء وواو ‪ ،‬سبقت إحداهما بالسكون فقلبت‬
‫وأدغمت‪.‬‬
‫والقيام أصله القيوام وأهل‬

‫( ‪)2/722‬‬

‫صفحة رقم ‪723‬‬


‫الصداع صداع‪.‬‬
‫الحجاز يصرفون الفعال إلى الفعالن فيقولون في ّ‬
‫والقيم عند سيبويه فيعل للتأكيد ‪ ،‬فقلب وأدغم‪.‬‬
‫وأنكر الفراء أن في األمثلة فيعل ‪ ،‬وقال ‪ :‬أصلها فعيل ككريم وكان ( أصلهم ) أن يجعلوا الواو وألفا‬
‫فلما فعلوا ذلك صار فعيل على لفظ فعل‬
‫الفتتاح ما قبلها ثم يسقطونها لسكونها وسكون الياء بعدها ّ‬
‫فزادوا ياء ليكمل بها بناء الحرف‪.‬‬
‫قال ابن العربي ‪ :‬واختلفوا في معناه فقيل ‪ :‬الدائم الذي ال يزول ‪ ،‬فالقيوم معناه ‪ :‬الباقي الدائم‪.‬‬
‫والمدبر‪.‬‬
‫ّ‬ ‫وقيل ‪ :‬القيوم هو القيم على كل شيء بالرعاية والمدبر لجميع أمور العالم بمعنى ‪ :‬الحفيظ‬
‫وقيل ‪ :‬الذي ال تفنيه الدهورو و ال يتغير بانقالب األمور فهو بمعنى ‪ :‬الثابت القدوس‪.‬‬
‫قال ‪ :‬والصحيح أنه مبالغة قائم من قام إذا أطاق‪.‬‬
‫قال ‪ :‬وروى ابن راشد األزدي أنه ورد على النبي فقال له ‪ ( :‬ما اسمك ؟ فقال عبدالعزى بن‬
‫( غاويه ) ) فقال له ‪ : :‬بل اسمك عبد الرحمن بن راشد ‪ ،‬قال ‪ :‬من الذي معك ؟ قال ‪ :‬موالي قال ‪:‬‬
‫ما اسمه ؟ قال ‪ :‬قيوم‪.‬‬
‫قال ‪ :‬ولكنه عبد القيوم (‪.‬‬
‫ورواه الدار قطني وعبد الغني الحافظ كذلك ورواه ابن ( رشد ) قال ‪ ) :‬ما اسم موالك‪.‬‬
‫قال ‪ :‬القيوم‪.‬‬
‫قال ‪:‬‬

‫( ‪)2/723‬‬

‫صفحة رقم ‪724‬‬


‫ال بل عبد القيوم ( والدار قطني أحفظ وأوثق‪.‬‬
‫قال ‪ :‬فأما القائم فله في اللغة ثالثة معان ‪ :‬قام إذا انتصب وعال ‪ ،‬وقام باالمر أي استقل به ‪ ،‬وقام إذا‬
‫الزم‪.‬‬
‫ت َعلَْي ِه قَآئِماً ( فقيل كلها حقيقة ‪ ،‬وقيل ‪ :‬األول فقط ‪ ،‬واختلفوا في معنى‬ ‫َّ‬
‫قال اهلل تعالى ‪ِ ) :‬إال َما ُد ْم َ‬
‫كون اهلل قائما بنفسه ‪ ،‬فقيل ‪ :‬ال يحتاج إلى مكان ‪ ،‬وقيل ‪ :‬موصوف بصفاته العلية ‪ ،‬وقيل ‪ :‬مستغن‬
‫عن كل شيء‪.‬‬
‫والصحيح أنه ال يصح وصفه إال ُمضافا لما يبينه فإذا قلت ‪ :‬قائم على كل نفس بما كسبت فصحيح‬
‫معنى وارد شرعا ‪ ،‬وإ ن قلت ‪ :‬قائم بنفسه فصحيح لم يرد‪.‬‬
‫واختلفوا في معنى قائم على كل نفس بما كسبت ‪ ،‬فقيل بما كسبت من رزق تفضال فهو امتنان ‪ ،‬وقيل‬
‫‪ :‬بما كسبت من عمل يحفظه عليها فهو وعيد‪.‬‬
‫وقيل ‪ :‬يطلع عليها ال يخفى عليه من أمرها شيء ‪ ،‬وقيل ‪ :‬المراد المالئكة الموكلون بحفظ بني آدم‬
‫ال يستوون مع األصنام فكيف بخالق المالئكة ومن هو قائم عليها ومدبرها وهذا مجاز‪.‬‬
‫والصحيح أنه قائم بالخلق والحفظ والرزق وغير ذلك فهو غني عنه‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ابن العربي ‪:‬‬
‫ْخ ُذهُ ِسَنةٌ َوالَ َن ْو ٌم (‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬الَ تَأ ُ‬

‫( ‪)2/724‬‬

‫صفحة رقم ‪725‬‬


‫‪ .‬قال ابن عرفة ‪ :‬هذا كالدليل ‪ /‬على كونه حيا قيوما و ) لَّهُ َما ِفي السماوات َو َما ِفي األرض‬
‫كالدليل على أنه ال تأخذه سنة وال نوم‪.‬‬
‫( ّ‬
‫فان قلت ‪ :‬نفي السِّنة يستلزم نفي النوم فهال قدم النوم على السنة ؟ قال ‪ :‬فالجواب من وجهين ‪:‬‬
‫األول منهما ‪ ( :‬قصد ) نفى السنة بالمطابقة واللزوم‪.‬‬
‫السنة يدافعها ويغلبها حتى يأتيه النوم‬
‫الثاني ‪ّ :‬إنا نجد من يدافع النوم ال تأخذه سنة ألنه مهما تأخذه ّ‬
‫السنة عدم النوم‪.‬‬ ‫غلبة فينام فما يلزم من عدم ّ‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬لَّهُ َما ِفي السماوات ( دليل على أن أعمال العباد مخلوقة هلل تعالى ألنها ما في‬
‫ات وما في األرض‪.‬‬ ‫السَّماو ِ‬
‫ََ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫قوله تعالى ‪َ ( :‬من َذا الذي َي ْشفَعُ ع ْن َدهُ إال بإ ْذنه ‪...‬‬
‫(‪.‬‬
‫النفي بصغية االستفهام وهو أبلغ القتضائه موافقة المخاطب عليه‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬ورد ّ‬
‫النار بمعنى األمر لحديث ( يامحمد‬
‫قال ابن عطية ‪ :‬اإلذن قسمان فهو في الشفاعة في الخروج من ّ‬
‫ارفع رأسك تعطه واشفع تشفع ) ‪ ،‬وهو ( ( في شفاعة غيره من األنبياء والعلماء وشفاعة ( الجار )‬
‫والصاحب الذين يشفعون ) ) قبل أن ( يؤمروا ) بمعنى العلم والتمكين ‪.‬‬

‫( ‪)2/725‬‬

‫صفحة رقم ‪726‬‬


‫الداعي والقدرة على ذلك‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ ( :‬يريد ) بمعنى خلق ّ‬
‫قال ‪ :‬واقتضت اآلية أالّ شفاعة إال بإذن واإلذن فيها يقتضي قبولها فيعارض قوله تعالى ‪ ( :‬فَ َما‬
‫أن هناك من يشفع وال تقبل منه ‪ ،‬إال أن يجاب بأن تلك سالبة ‪،‬‬
‫اعةُ الشافعين ( فد ّل على ّ‬
‫تَنفَ ُعهُ ْم َشفَ َ‬
‫مثل ‪ :‬الحائط ال يبصر ( ال معدومة ) مثل ‪ :‬زيد غير بصير ‪ ،‬فليس المراد شفاعة الشافعين ال‬
‫تنفعهم بل هو من باب نفي الشيء بنفي الزمة مثل ‪ :‬على ال حب ال يهتدى بمنارة ‪...‬‬
‫أي ليس له منار يهدى به ‪ ،‬أي ال شافع هناك فتنفع شفاعته‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪َ ( :‬ي ْعلَ ُم َما َب ْي َن أ َْيِدي ِه ْم َو َما َخْلفَهُ ْم ‪...‬‬
‫(‪.‬‬
‫هنا دليل على عموم تعلق علمه بالجزيئات والكليات فيرد بها على من نفى تعلقه بالجزيئات‪.‬‬
‫قيل البن عرفة ‪ :‬قد يقال إنه دليل ظاهر ال نص وندعى تخصيص عمومه ؟ فقال ‪ :‬استدلوا بظواهر‬
‫( اآلي ) في ( كثير ) من المطالب وتعقبوا على ابن الخطيب في قوله في المحصول ‪ :‬إن الدالئل‬
‫السمعية ال تفيد الظن فضال عن اليقين ‪.‬‬

‫( ‪)2/726‬‬

‫صفحة رقم ‪727‬‬


‫قال ابن عرفة ‪ :‬وتقدم لنا سؤال وهو أنه تسلط النفي هنا على األخص دون األعم فلو قيل ‪ :‬وال‬
‫يعلمون شيئا من علمنا بل علمه إال ما شاء لكان أبلغ ألن اإلحاطة بعلم الشيء أخص من مطلق علمه‪.‬‬
‫قال ‪ :‬والجواب ّأنا إن قلنا ‪ :‬إن العلوم كلها متساوية فال فرق بين اإلحاطة وعدمها‪.‬‬
‫وإ ن قلنا ‪ :‬إنها غير متساوية فالسؤال وارد‪.‬‬
‫وعادتهم يجيبون بأن ( اآلية ) خرجت مخرج التمدح‪.‬‬
‫والعلوم قسمان ‪ :‬ضرورية ونظرية ‪ ،‬فالضرورية ال يقع عليها مدح وال ذم ألنها جبرية يستوي فيها‬
‫كل الناس وإ نما يقع المدح على العلوم النظرية وهي ال تحصل إالّ باإلحاطة ألنها ناشئة عن مقدمتين‬
‫والعلم بالمقدمتين مستلزم اإلحاطة بعلم النتيجة ‪ ،‬فاإلحاطة بها وعلمها ( متساويان )‪.‬‬
‫ألنا إن لم نجعله داخال تحت مسمى‬
‫قيل البن عرفة ‪ :‬اآلية دالة أن المعدوم ( يصدق ) عليه شيء ّ‬
‫ألنه يكون مفهوم اآلية ( أنهم ) يحيطون بالمعدوم من ( تعلق )‬
‫الصفة ّ‬
‫شيء لزم إبطال العمل بمفهوم ّ‬
‫علمه وهذا كفر ؟ فأجاب ‪ :‬بأنه مفهوم أحرى ألنهم إذا لم يحيطوا بالموجود فأحرى المعدوم‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬وقال بعضهم ‪ :‬إن هذا السؤال غير وارد ألن المعنى إال بما شاء أن يحيطوا به فإنهم محيطون‬
‫به وال يلزم منه نفي تعلق المشيئة بالمعدوم بل يبقى األمر مسكوتا عنه فال يلزم تعلق الحكم بنفيه وال‬
‫بإثباته ‪.‬‬

‫( ‪)2/727‬‬
‫صفحة رقم ‪728‬‬
‫قال ابن عطية ‪ ( :‬وقد قال الخضر لموسى عليهما السالم ‪ :‬ما نقص علمي وعلمك من علم اهلل إالّ ما‬
‫نقص هذا العصفور من البحر )‪.‬‬
‫متناه ألن البحر ٍ‬
‫متناه ‪ ،‬فالنقص فيه معقول‪ n‬وليس المراد‬ ‫شبه ما ليس بمتناه بما هو ٍ‬
‫قال ابن عرفة ‪ّ :‬‬
‫ُ‬
‫حقيقة النقص ‪ ،‬بل معناه نسبة علمي وعلمك من معلوم اهلل تعالى الذي لم ندركه نحن كنسبة ما يتعلق‬
‫بالعصفور من ماء البحر إلى ماء البحر‪.‬‬
‫انتهى‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪َ ( :‬و ِس َع ُك ْر ِسيُّهُ السماوات واألرض ‪...‬‬
‫(‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬كالم الزمخشري هنا حسن وكالم ابن عطية في بعضه إيهام واأللفاظ الموهمة إذا‬
‫وردت من الشارع تأولت وردت إلى الصواب ‪ ،‬وإ ن وردت من غيره لم تتأول ألن الشارع يذكر‬
‫آء ( ( فالمحق ) يصرفها عن‬ ‫ِ‬ ‫ِ ُّ‬
‫آء َوَي ْهدي َمن َي َش ُ‬
‫األلفاظ الموهمة لالبتالء بها ) فَُيضل اهلل َمن َي َش ُ‬
‫ظاهرها إلى الصواب والمبطل يقف مع الظاهر ‪ ،‬وأما إذا وردت من غير ( الشارع ) فال تتأول ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬وكذا قال الزمخشري ‪ :‬لفظ الكرسي تخيي ُل‪.‬‬

‫طْل ُعهَا َكأََّنهُ ُر ُء ُ‬


‫وس الشياطين ( قوله تعالى ‪:‬‬ ‫والتخييل أن يعبر عن الشيء بالزمه ك قوله تعالى ‪َ ( :‬‬
‫ودهُ ِح ْفظُهُ َما ‪...‬‬
‫( َوالَ َيُئ ُ‬
‫(‪.‬‬

‫( ‪)2/728‬‬

‫صفحة رقم ‪729‬‬


‫ان قلت ‪ :‬هال قيل ‪ :‬حفظُها ‪ ،‬بضمير جماعة ما ال يعقل أو ‪ :‬حفظُه ‪ ،‬بضمير الكرسي ال شتماله‬
‫والسماوات واألرض ‪ ( ،‬والشي ) ( في نفسه ) ليس كهو مع غيره ‪ ،‬فال يلزم من نفي‬
‫على العرش ّ‬
‫الثقل ( عن ) السماوات واألرض ( بخصوصيتها ) نفي الثقل ( عنها ) مع غيرها ؟ فالجواب ‪ّ :‬أنه (‬
‫خصهما ) بالذكر ألنهما المشاهدان لإلنسان الذي يراهما ويوافق على إمساكهما وعدم إزالتهما ليكون‬
‫ذلك أقطع في طريق ‪ /‬االستدالل وأقوى في قيام الحجة عليه‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪َ ( :‬و ُه َو العلي العظيم (‪.‬‬
‫الطبري ) عن قوم أن‬
‫قال ابن عطية ‪ :‬أي عظيم القدر والخطر وليس من عظيم األجرام وحكى ( ّ‬
‫العظيم بمعنى المعظم كقولهم ‪ :‬العتيق بمعنى المعتق ‪ ،‬وأنكره آخرون وقالوا ‪ :‬لو كان بمعنى معظم‬
‫لوجب ان ال يكون عظيما قبل أن يخلق الخلق وبعد فنائهم إذ ال معظم له حينئذ ‪.‬‬
‫( ‪)2/729‬‬

‫صفحة رقم ‪730‬‬


‫قال ابن عرفة ‪ :‬وهذا اإلنكار غير صحيح ‪ ،‬بل يفهم كما قال الضرير في أرجوزته ألنه قسم الحمد‬
‫على قسمين ‪ :‬قديم وحادث ‪ ،‬فالقديم حمده تعالى نفسه‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬الَ ِإ ْك َراهَ ِفي الدين ‪...‬‬
‫(‪.‬‬
‫نقل ابن عرفة عن ابن عطية الخالف في سبب نزولها ثم قال ‪ :‬الظاهر عندي ( ّأنها ) على ظاهرها‬
‫ويكون خبرا في اللفظ والمعنى‪.‬‬
‫النهي‪.‬‬
‫والمراد أنه ليس في اإلعتقاد إكراه وهو أولى من قول من جعلها خبرا في معنى ّ‬
‫وكان أبو عمر ولد األمير أبي الحسن على المريني في ( أيام ) مملكته جمع كل من كان في بلده من‬
‫النصارى وأهل الذمة وقال لهم ‪ :‬إما أن تسلموا أو ضربت أعناقكم ‪ ،‬فأنكر عليه ذلك فقهاء بلده‬
‫ّ‬
‫ومنعوه وكان في عقله اختبال‪.‬‬
‫يتم إال على مذهب المعتزلة القائلين بأن اإلعتقاد غير‬
‫فسر الدين باإلسالم ال ّ‬
‫قيل البن عرفة ‪ :‬من ّ‬
‫كاف‪.‬‬
‫بأن تشهد أن الَ إله إال‬ ‫فقال ‪ :‬قد قال اهلل تعالى ‪ِ ) :‬إ َّن الدين ِع َ‬
‫ند اهلل اإلسالم ( وفسره في الحديث ( ّ‬
‫اهلل وأن محمدا رسول اهلل وتقيم الصالة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت إن استطعت إليه‬
‫سبيال ) ‪.‬‬

‫( ‪)2/730‬‬

‫صفحة رقم ‪731‬‬


‫َّن الرشد ِم َن الغي ‪...‬‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬قَد تََّبي َ‬
‫(‪.‬‬
‫( قد ) للتوقع ألن المشركين كانوا يتوقعون بعثة رسول اهلل‪.‬‬
‫وعارضوها ب قوله تعالى ‪ِ ( :‬لَي ِم َيز اهلل الخبيث ِم َن الطيب ( فجعل الخبيث مخرجا من الطيب ‪،‬‬
‫وعكس هنا‪.‬‬
‫وأجيب ‪ :‬بأن هذا في أول اإلسالم كان الكفر أكثر وتلك في آخر اإلسالم كان اإليمان أكثر ودخل‬
‫الناس في الدين أفواجا‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬فَ َمن َي ْكفُْر بالطاغوت َو ْي ْؤ ِمن باهلل ‪...‬‬
‫(‪.‬‬
‫ألنه من دفع المؤلم ‪ ،‬أو ألنه مانع وال يتم الدليل على الشيء إالّ مع نفي المانع‬
‫قدم الكفر إما ّ‬
‫المعارض ولذلك قال في اإلرشاد ‪ ( :‬النظر في الشيء يضاد العلم بالمنظور ويضاد الجهل به والشك‬
‫فيه )‪.‬‬
‫فإذا كان الكافر مصمما على كفره استحال إيمانه وإ ذا ظهر له بطالن الكفر وبقي‪ n‬قابال لإليمان ونظر‬
‫في دالئله أنتجت له اإليمان‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬فَقَِد استمسك بالعروة الوثقى ‪...‬‬
‫(‪.‬‬
‫ونظر في دالالت‬
‫ٌ‬ ‫بالنظر واالستدالل بالمشاهد المحسوس (‬
‫قال الزمخشري ‪ :‬هذا تمثيل للمعلوم ّ‬
‫كأنه ينظر ( إليه ) بعينه ‪.‬‬
‫السامع ّ‬
‫أنتجت له ) حتى يتصوره ّ‬

‫( ‪)2/731‬‬

‫صفحة رقم ‪732‬‬


‫ابن عطية ‪ :‬هذا تشبيه واختلفوا في المشبه بالعروة فقال مجاهد ‪ :‬العروة اإليمان وقال السدى ‪:‬‬
‫اإلسالم‪.‬‬
‫والضحاك ‪ ( :‬العروة ) ال إله إال اهلل‪.‬‬
‫ّ‬ ‫وقال سعيد بن جبير‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬إنما يريد المشبه خاصة ولو أراد المشبه به لكان تشبيه الشيء بنفسه‪.‬‬
‫يم (‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬واهلل َسميعٌ َعل ٌ‬
‫قال ابن عطية ‪ :‬لما كان الكفر بالطاغوت واإليمان باهلل مما ينطق به اللسان ويعتقده القلب حسن في‬
‫النطق وعليم من أجل المعتقد‪.‬‬
‫الصفات سميع من أجل ّ‬
‫أن اعتقاد القلب االيمان غير كاف وال بد من النطق‪.‬‬
‫وقال الفخر ‪ :‬هذا دليل على ّ‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬اليتم هذا إالّ على مذهب المعتزلة الذين ينكرون الكالم النفسي ونحن نقول ‪ :‬كالم‬
‫النفس مسموع ولذلك نتصوره في الكالم القديم األزلي وهم ينكرونه‪.‬‬
‫آمُنوْا ‪...‬‬ ‫ِ‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬اهلل َول ُّي الذين َ‬
‫(‪.‬‬
‫أفرد الولي هنا ألن اإليمان من لوازمه التوحيد والكفر من لوازمه الشرك وتعدد اآللهة ‪.‬‬

‫( ‪)2/732‬‬
‫صفحة رقم ‪733‬‬
‫قوله تعالى ‪ُ ( :‬ي ْخ ِر ُجهُم ِّم َن الظلمات ِإلَى النور ‪...‬‬
‫(‪.‬‬
‫وأورد الزمخشري في أول سورة األنعام سؤاال فقال ‪ :‬ألي شيء جمع الظلمات وأفرد النور وحقه إن‬
‫كان يورده هنا ؟ وأجاب بتعدد طريق الشرك واتحاد طريق اإليمان‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬وإ خراج المؤمنين من الظلمات إلى النور بالفعل حقيقة ‪ ،‬ألنهم كانوا كافرين فآمنوا ‪،‬‬
‫والكافرون كانوا في مظنة اإليمان أو القبول إلى اإليمان فأخرجهم إلى التصميم على الكفر والقسمة‬
‫رباعية كفر مستديم إلى الموت وإ يمان دائم إلى الموت وكفر بعد اإليمان وإ يمان بعد كفر فتضمنت‬
‫اآلية القسمين األخيرين‪.‬‬
‫امُنوا ) فيريد به المستقبل ويبقى‪ ( n‬يخرجهم ) على ظاهره‬ ‫قال ابن عرفة ‪ :‬إما أن يتجوز في لفظ ( َء َ‬
‫امُنوا ) على ظاهره ويتجوز في لفظ ( ُي ْخ ِر ُجهُم ) وغلب في اآلية مقام الوعظ‬ ‫‪ ،‬أو يبقى ( َء َ‬
‫ون ( وذكر‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اب النار ُه ْم فيهَا َخال ُد َ‬
‫َص َح ُ‬
‫والتخويف على مقام البشارة فلذلك لم يقل في األول ‪ ) :‬أولئك أ ْ‬
‫في الثاني ‪.‬‬

‫( ‪)2/733‬‬

‫صفحة رقم ‪734‬‬


‫يم ‪...‬‬ ‫قوله تعالى ‪ ( :‬أَلَم تَر ِإلَى الذي ح َّ ِ ِ‬
‫آج إ ْب َراه َ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ‬
‫(‪.‬‬
‫ْت بِهَا ِم َن المغرب (‪.‬‬
‫اهيم فَِإ َّن اهلل يأْتِي بالشمس ِمن المشرق فَأ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬قَ َ ِ ِ‬
‫ال إ ْب َر ُ‬
‫إن قلت ‪ :‬هال قال نمرود ‪ :‬أَنا هو الَّذي يأتي بها من المشرق فليأت بها ّ‬
‫ربك من المغرب ؟ قلت ‪ :‬إنه‬
‫الشمس كانت تطلع من المشرق قبل أن يوجد نمرود‪.‬‬
‫ال يقدر أن يقول ذلك لئال تقوم عليه الحجة ألن ّ‬
‫وذكره ابن عطية فقال ‪ :‬إن ذوي األسنان يكذبونه‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪ ) / :‬أ َْو كالذي َم َّر على قَ ْرَي ٍة ‪...‬‬
‫(‪.‬‬
‫قال ابن عطية عن ابن عباس وجماعة ‪ :‬هو عزيز بن منبه ‪ ،‬وجماعة هو أرمياء‪.‬‬
‫( وقال ابن اسحاق أرميا هو الخضر )‪.‬‬
‫( وضعفه ابن عطية‪.‬‬
‫قال ‪ :‬إالّ أن يكون اسما وافق اسما ألن الخضر ) هو معاصر لموسى عليه السالم ‪ ،‬والّذي مر على‬
‫القرية‬

‫( ‪)2/734‬‬

‫صفحة رقم ‪735‬‬


‫( هو ) بعده بزمان من سبط هارون فيما روى وهب بن منبه‪.‬‬
‫والناس يقولون ‪ :‬لم يزل حيا إلى‬
‫أن الخضر عليه السالم مات ّ‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬هذا بناء منه على ّ‬
‫أن العلماء قد حكوا في موته خالفا‪.‬‬
‫اآلن على ّ‬
‫( قال ابن عرفة ‪ :‬وعطفه ) بغير فاء دليل على سرعة القول حتى أنه قال ذلك مع المرور ال بعده‬
‫وتعجب من نفس اإلحياء أو من كيفيته‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪َ ( :‬ب ْع َد َم ْوتِهَا ‪...‬‬
‫(‪.‬‬
‫ولم يقل من بعد موتها إشارة إلى ( كمال ) التأخر واالنفصال عن أزمنة البعدية ال ّأولها والمجاز فيها‬
‫من أحد وجهين ‪ :‬إما أن يراد باإلحياء العمارة وبالموت الخراب أو يكون اإلحياء حقيقة ‪ ،‬والموت‬
‫كذلك والمراد بعد موت أهلها‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬ثَُّم َب َعثَهُ ‪...‬‬
‫(‪.‬‬
‫قيل البن عرفة ‪ :‬ثم للمهلة وال مهلة بين المائة عام وبين البعثة ؟ فقال ‪ :‬إما أن يعتبر أول أزمنة‬
‫المائة عام أو نقول ‪ :‬المائة عام ماهية مركبة من أجزاء واإلماتة بعد مجموعها ‪ ،‬وال تسمى الماهية‬
‫إال بكمال أجزائها فكانت المهلة بين إماتته مائة عام وبعثه البين آخر جزء مائة ) ‪.‬‬

‫( ‪)2/735‬‬

‫صفحة رقم ‪736‬‬


‫ض َي ْوٍم ‪...‬‬ ‫ال لَبِثْ ُ‬
‫ت َي ْوماً أ َْو َب ْع َ‬ ‫قوله تعالى ‪ ( :‬قَ َ‬
‫(‪.‬‬
‫وبعث آخر النهار فقال ‪ :‬لبثت يوما ثم نظر فوجد ال ّشمس لم‬
‫قالوا ‪ :‬إنه مات في أول النهار ضحوة ُ‬
‫تزل على ( الجدران ) فقال ‪ :‬بعض يوم‪.‬‬
‫قيل البن عرفة ‪ :‬وكذلك كان يقول ‪ :‬لو وجدها غابت ألنه ( ما مات ) إال ضحوة بعد مضي بعض‬
‫النهار ؟ فقال ‪ :‬ما اعتبر إالّ ما بعد ( موته ) وما قبله كان فيها فيها مستصحبا الحياة‪.‬‬
‫طع ِ‬
‫ام َك َو َش َرابِ َك لَ ْم َيتَ َسَّن ْه ‪...‬‬ ‫قوله تعالى ‪ ( :‬فانظر إلى َ َ‬
‫(‪.‬‬

‫( ‪)2/736‬‬

‫صفحة رقم ‪737‬‬


‫َن اهلل على ُك ِّل َش ْي ٍء قَِد ٌير (‪.‬‬
‫َعلَ ُم أ َّ‬
‫والنظر البصر ويستلزم العلم لقول اهلل ‪ ) :‬أ ْ‬
‫الفاء للسببية ّ‬
‫وقوله ‪ ) :‬لَ ْم َيتَ َسَّن ْه (‪.‬‬
‫تمر عليه السنون لعدم تغيره مثل ( َعلى ال حب ال‬
‫الزمخشري حمله على ثالثة أوجه ‪ :‬أحدها ‪ :‬لم ّ‬
‫السنين عليه يقتضي عدم بقائه‪.‬‬
‫يهتدي بمناره ) فبقاؤه دال على عدم مرور السنين عليه ومرور ّ‬
‫أن معناه لم يتغير‪.‬‬
‫الثاني ‪ّ :‬‬
‫وها لَ ْحماً ‪...‬‬ ‫قوله تعالى ‪َ ( :‬ك ْي َ ِ‬
‫ف ُننش ُز َها ثَُّم َن ْك ُس َ‬
‫(‪.‬‬
‫نش ُز َها ) حاال من ( العظام ) أي انظر إلى العظام محياة‪.‬‬‫ف ُن ِ‬ ‫قال أبو حيان ‪ :‬أعربوا ( َك ْي َ‬
‫ورد بأن الجملة االستفهامية ال تقع حاال وإ نما تقع حاال ( كيف ) وحدها‪.‬‬ ‫ّ‬
‫قال ابن عرفة ‪ ( :‬يصح ) ذلك على إضمار القول كما قال ‪ ( :‬جاؤوا بمذق هل رأيت الذيب قط ) ؟‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪ُ ( :‬ن ِ‬
‫نش ُز َها ‪...‬‬
‫(‪.‬‬
‫الراء معناه نحييها فيحتج به على أن العظام تحلمها الحياة‪.‬‬
‫على قراءة ّ‬
‫َّن لَهُ ‪...‬‬
‫قوله تعالى ‪َ ( :‬فلَ َّما تََبي َ‬
‫(‪.‬‬

‫( ‪)2/737‬‬

‫صفحة رقم ‪738‬‬


‫وقال أوال ‪ ) :‬أنى ُي ْحيِي هذه اهلل َب ْع َد َم ْوتِهَا ( ؟‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬إن كان كافرا فظاهر ‪ ،‬وإ ن كان مؤمنا ( فمذهبنا ) على القول بأن العلوم النظرية‬
‫تتفاوت بالقوة والضعف خالفا لقول أبي بكر الصديق ه ( لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا )‪.‬‬
‫فهذا كان يعلم ذلك لكن علم المشاهدة أقوى من علم ما هو غائب‪.‬‬
‫إن بعض الناس يجري على لسانه ‪ :‬يا حمار عزير‪.‬‬
‫قيل البن عرفة ‪ّ :‬‬
‫فقال ‪ :‬يتقدم إليه وينهى عن ذلك فإن عاد إليه فال يبعد أن يقال ‪ :‬إنه يؤدب‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬في كتاب القذف من التهذيب ومن قال ‪ :‬يا شارب خمر أو يا خائن ‪ ،‬أو يا آكل الربا ‪ ،‬أو يا ابن‬
‫الحمار ‪ ( ،‬أو يا ثور ) ‪ ،‬أو يا خنزير فعليه النكال‪.‬‬
‫وفي المدارك للقاضي أبي الفضل عياض في باب نوادر من أخبار مالك سأله رجل عمن قال لآلخر‬
‫‪ :‬يا حمار ؟ قال ‪ :‬يجلد‪.‬‬
‫قال ‪ :‬وإ ن قال له ‪ :‬يا فرس ؟ قال ‪ :‬تجلد أنت‪.‬‬
‫ثم قال ‪ :‬يا ضعيف هل سمعت أحدا يقول ‪ :‬يا فرس ؟‪.‬‬
‫ف تُ ْحيِي الموتى ‪...‬‬
‫ب أ َِرنِي َك ْي َ‬
‫يم َر ِّ‬ ‫قوله تعالى ‪ ( :‬وإِ ْذ قَ َ ِ ِ‬
‫ال إ ْب َراه ُ‬ ‫َ‬
‫(‪.‬‬

‫( ‪)2/738‬‬

‫صفحة رقم ‪739‬‬


‫قال ابن عطية ‪ :‬قال الجمهور ‪ :‬إن إبراهيم لم يكن شاكا قط في إحياء اهلل الموتى ‪ ،‬وإ نما طلب‬
‫المعاينة ‪ ،‬وقال آخرون ‪ :‬إنه شك في قدرة اهلل تعالى ( في ) إحياء الموتى ( ولذلك قال ابن عباس‬
‫هما ما في القرآن آية أرجى عندي من هذه‪.‬‬
‫ابن عرفة ‪ :‬هذا كالم ال يليق بابن عباس )‪.‬‬
‫وحمله على ظاهره يلزم عليه الكفر فال بد من تأويله وهو أن الشك في كيفية وجود الشيء ال يلزم‬
‫منه الشك في وجود ذلك الشيء ‪ ،‬كما أنا ال نشك في موت عثمان ه مقتوال ونشك في كيفية ذلك‬
‫حسبما اختلف فيه الرواة والنقلة‪.‬‬
‫قال ‪ :‬ومن هنا يستدل على القول بعدم تواتر القراءات ( السبعة ) غير ملزوم ( للقول ) بعدم تواتر‬
‫القرآن جملة‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬فأراد إبراهيم عليه السالم االنتقال من العلم النظري إلى العلم الضروري ألن‬
‫( النظري ) تعرض له الشكوك ( والضروري ال تعرض له الشكوك ) ولذلك يقول الفخر ابن‬
‫الخطيب ‪ :‬في كالمه هذا تشكيك في الضروريات فال يستحق جوابا‪.‬‬
‫قيل له علم ( النبي ) ضروري ال نظري ؟‬
‫( ‪)2/739‬‬

‫صفحة رقم ‪740‬‬


‫فقال ‪ :‬علمه بنفس اإلحياء ضروري وبكيفيته نظري ‪ ،‬وقول النبي ( نحن أحق بالشك من إبراهيم )‬
‫على سبيل الفرض والتقدير في حق إبراهيم ‪ ،‬وعلى جهة التواضع منه ‪ ،‬أي لو فرض وقوع الشك‬
‫من إبراهيم عليه السالم لكنا نحن أحق بذلك منه‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬تأول عياض في الشفاء هذه اآلية بستة أوجه‪.‬‬
‫أحدها ‪ :‬ما تقدم أنه طلب زيادة اليقين ألن العلوم تتفاوت‪n.‬‬
‫الثاني ‪ :‬علم وقوعه وأراد مشاهدته وكيفيته‪.‬‬
‫الثالث ‪ :‬المراد اختبار منزلته عند اهلل تعالى وأن يعلم ‪ /‬إجابة دعوته ‪ ،‬والمراد ‪ :‬أو لم تؤمن بمنزلتك‬
‫واصطفائي ( لك )‪.‬‬
‫الرابع ‪ :‬لما احتج على الكفار بأن اهلل يحيي ويميت طلبه من ربه ليصحح احتجاجه به عيانا‪.‬‬
‫الخامس ‪ّ :‬أنه سؤال على طريق األدب أي ( أقدرني ) على إحياء الموتى‪.‬‬
‫والسادس ‪ :‬أنه آمن من نفسه ال ّشك ولم يشك لكن ليجاب فيزداد قربة ‪.‬‬

‫( ‪)2/740‬‬

‫صفحة رقم ‪741‬‬


‫وقول ( رسول اهلل ) ( نحن أحق بالشك من إبراهيم ) نفي ألن يكون من إبراهيم شك أي نحن‬
‫موقنون بالبعث وإ حياء الموتى ‪ ،‬فلو شك إبراهيم لكنا أولى بالشك منه ( أو ) على طريق األدب أو‬
‫نت ِفي َش ٍّك ِّم َّمآ‬
‫المراد أمته ( الذين ) يجوز عليهم الشك أو هو تواضع ‪ ،‬فأما قول اهلل تعالى ) فَِإن ُك َ‬
‫َنزْلَنآ ِإلَْي َك ( فقيل ‪ :‬معناه قل يا محمد للشاك ‪ :‬إن كنت في شك ‪ ،‬ك قوله تعالى ‪ ( :‬ياأيها الناس ِإن‬ ‫أَ‬
‫ون َّن ِم َن الممترين ( وقيل ‪ :‬المخاطب غيره وقيل ‪ّ :‬إنه تقرير‬ ‫ُكنتُ ْم ِفي َش ٍّك ِّمن ِدينِي ( َو ) فَالَ تَ ُك َ‬
‫ُمي إلهين ِمن ُد ِ‬
‫ون اهلل ( وقد علم ّأنه لم يقل‪.‬‬ ‫َنت ُقْل َ ِ َّ ِ‬
‫ت للناس اتخذوني َوأ ِّ َ‬ ‫كقوله ‪َ ) :‬ءأ َ‬
‫شرفناك به‬‫( وقيل ‪ :‬إن كنت في شك فأسأل تزدد علما إلى علمك ‪ ،‬وقيل ‪ :‬إن كنت شاكا فيما ّ‬
‫فاسألهم عن صفتك في الكتاب ؟ وقيل ‪ :‬إن كنت في شك من غيرك فيما أنزلنا إليك‪.‬‬
‫قال القاضي عياض ‪ :‬واحذر أن يخطر ببالك ما نقله بعضهم عن ابن عباس هما أو غيره من إثبات‬
‫شك النبي فيما أوحي إليه وأنه من البشر فمثل هذا اليجوز جملة بل قال ابن عباس ‪ :‬لم يشك ‪.‬‬
‫( ‪)2/741‬‬

‫صفحة رقم ‪742‬‬


‫وانظر ما قيل على هذا الحديث ( في كتاب اإليمان في دفتر الحديث ‪ ،‬وفي أسئلة السكوني )‪.‬‬
‫ط َمئِ َّن َقْلبِي ‪...‬‬
‫ال بلى ولكن لَِّي ْ‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬قَ َ‬
‫(‪.‬‬
‫دليل على أن ( العقل ) في القلب‪.‬‬
‫ص ْر ُه َّن ِإلَْي َك ‪...‬‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬فَ ُ‬
‫(‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬ثَُّم اجعل على ُك ِّل َجَب ٍل ِّم ْنهُ َّن ُج ْزءاً ‪...‬‬
‫(‪.‬‬
‫أي من الطير ألنهم جعلوه حاال من جزء فيكون نكرة تقدم عليها فانتصب ( على الحال )‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬ويحتمل هذا أن يكون على كل جبل من الجبال فيعود الضمير على الجبال المفهومة‬
‫من كل جبل‪.‬‬
‫قيل البن عرفة ‪ :‬هال بين له ذلك بإعدامهن جملة ثم أيجادهن عن عدم ؟ فقال ‪ :‬إيجادهن اليلزم منه‬
‫إعادتهن بأعيانهن ألنه يشاهد كل قوم أمثالهن ‪ :‬وقد يظن أن الموجود غير هذا مماثل لهن فهذا‬
‫أغرب ‪ ،‬وهو رؤيته‬

‫( ‪)2/742‬‬

‫صفحة رقم ‪743‬‬


‫اءه ّن المفترقة ( حين ) تجتمع وتعود كما كانت أول مرة قالوا ‪ :‬ولما اجتمعت أتت إليه التصق‬
‫أج َز ُ‬
‫ْ‬
‫كل جسد مع رأسه‪.‬‬
‫قال ابن راشد في اختصار ابن الخطيب ‪ :‬في اآلية دليل على عدم اشتراط البنية خالقا للمعتزلة‪.‬‬
‫فقال ابن عرفة ‪ :‬هذا بناء فيه على أن البنية هي الشكل الخاص وليس كذلك مطلقا بل البنية‬
‫المشترطة في الرؤية هي الشكل الخاص والبنية المشترطة في الحياة هي البلة والرطوبة المزاجية‪.‬‬
‫نص عليه القاضي والمقترح وغيرهما ألنا نجد الحيوانات على أشكال متنوعة ولو كانت الشكل‬
‫الخاص لكانت على ( شكل ) واحد‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪َ ( :‬يأْتِ َين َك َس ْعياً ‪...‬‬
‫(‪.‬‬
‫دليل على ّأنهن أتينه يمشين خالفا لمن أتينه يطرن‪.‬‬
‫ِ‬
‫َن اهلل َع ِز ٌيز َحك ٌ‬
‫يم (‪.‬‬ ‫قوله تعالى ‪ ( :‬واعلم أ َّ‬
‫الحكمة مشروطة ( باإلتقان ) وهو سأل عن كيفية اإلتقان فأخبره ّأنه إذا علم كيفية اإلتقان فال يسأل‬

‫إن اهللَ‬
‫عما وراء ذلك ‪ ،‬فَ ّ‬

‫( ‪)2/743‬‬

‫صفحة رقم ‪744‬‬


‫تدبر اإلنسان في ملكوت اهلل وقدرته على األشياء وخلقه‬ ‫َع ِزيز َح ِكيم ال يمانع وال يعاند في فعله فإذا ّ‬
‫يتدبر فيها وراء ذلك لئال ( يجر به ) تدبيره إلى الكفر وفساد العقيدة كما قال تعالى ‪) :‬‬ ‫لها ‪ ،‬فال ّ‬
‫اسئاً َو ُه َو َح ِس ٌير‪.‬‬
‫ب ِإلَْي َك البصر َخ ِ‬
‫َ َُ‬ ‫ور ثَُّم ارجع البصر َك َّرتَْي ِن َي َنقِل ْ‬ ‫فارجع البصر َه ْل ترى ِمن فُطُ ٍ‬
‫يل اهلل ‪...‬‬ ‫ون أَموالَهم ِفي سبِ ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫( قوله تعالى ‪َّ ( :‬مثَ ُل الذين ُينفقُ َ‪ْ ُ َ ْ n‬‬
‫(‪.‬‬
‫إما من األول أو من الثاني‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬ويتناول ( نفقة ) النفوس وقدروه على حذف مضاف ّ‬
‫ألن المنفقين لألموال نشأ عنهم نفقات ‪ ،‬ونشأ عن نفقاتهم منافع دنيوية من‬
‫وعندي ّأنه ال يحتاج إليه ّ‬
‫إعالء كلمة اهلل وإ ظهار اإلسالم وتكثير المسلمين وهضم ( حمية ) الكافرين واستئصالهم ومنافع‬
‫الحبة ينشأ عنها أوالد كثيرة‪.‬‬
‫أن ّ‬ ‫أخروية بتكثير الثواب في الدار اآلخرة كما ّ‬
‫وعن االمام مالك ه األوالد حبوب كثيرة‪.‬‬
‫قال الزمخشري ‪ :‬فإن قلت هالّ قيل سبع سنبالت بلفظ جمع القلة ؟ وأجاب بجواز إيقاع جمع الكثرة‬
‫على جمع القلة فوقع جمع القلة مثل ( ثَالثَةُ قُُرو ٍء )‪.‬‬
‫بأنه لما سلك في اآلية مسلك الحظ على النفقة في سبيل اهلل وتكثير الثواب المعد‬
‫وأجاب ابن عرفة ّ‬
‫عليها روعي في ذلك وصف الكثرة فأتى به بجمع الكثرة ‪.‬‬

‫( ‪)2/744‬‬

‫صفحة رقم ‪745‬‬


‫وجعله الزمخشري وابى ( عطية ) من تشبيه المحسوس بالمحسوس قبل الوجود‪.‬‬
‫زاد الزمخشري ‪ :‬أو تشبيه محسوس بمعقول مقدر الوجود‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬كان ابن عبد السالم يقول ‪ :‬هذا عندهم في أ رض الحجاز وأما نحن فهو عندنا كثير‬
‫أن ( في ) كل سنبلة مائة حبة فهذا عندنا قليل‬
‫والحبة الواحدة تنبت قدر الخمسين سنبلة أو مائة واما ّ‬
‫الوجود‪.‬‬
‫ون أَموالَهم ِفي سبِ ِ‬
‫يل اهلل ‪...‬‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫قوله تعالى ‪ ( :‬الذين ُينفقُ َ ْ َ ُ ْ‬
‫(‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬أتى به غير معطوف ألنه في معنى التفسير لألول فعلى هذا يكون خبر مبتدإ مقدر ‪،‬‬
‫أي هم الذين ينفقون أموالهم‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬ثَُّم الَ ُيتْبِ ُع َ‬
‫ون ‪...‬‬
‫(‪.‬‬
‫عطفه ب ( ثم ) ‪ /‬إما لبعد ما بين المنزلتين أو للمهلة حقيقة ويكون فيه إشارة إلى أنهم يمنون بنفقة‬
‫طال ( أمدها ) وداموا عليها ( فأحرى ) أن ال َي ُمُّنوا بنفس اإلنفاق‪.‬‬
‫َذى ‪...‬‬
‫قوله تعالى ‪َ ( :‬مّناً َوالَ أ ً‬
‫(‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬قالوا األذى هو الشكوى بذلك والسب عليه‪.‬‬
‫فالمن أعم من‬
‫ّ‬ ‫ابن عرفة ‪ :‬وتقدم لنا سؤال وهو أنه ال يلزم من نفي األخص نفي األعم بل العكس ‪،‬‬
‫يسبوا عليها ‪.‬‬
‫يمنوا فأحرى أن ال ّ‬
‫األذى فإذا لم ّ‬

‫( ‪)2/745‬‬

‫صفحة رقم ‪746‬‬


‫وأجيب بأن اإلنسان قد يشكو بإعطائه النفقة لغيره ويذم معه وال يمن عليه ألنه إذا رآه يستحيي منه‬
‫( فال يمن عليه )‪.‬‬
‫فقال ‪ :‬المن على المعطي يكون بمحضره وفي غيبته‪.‬‬
‫قال ‪ :‬وإ نما عادتهم يجيبون بأن سبب المن أخف من سبب األذى ‪ ،‬فإنهم اعتبروا الفاعل ونحن نعتبر‬
‫المفعول‪.‬‬
‫فنقول ‪ :‬سبب المن مجرد بذل المال للفقير فقط ‪ ،‬وأما األذية ( والتشكي ) والسب فما يصدر إال عن‬
‫موجب وهو إذاية المعطي للفاعل ونحو ذلك‪.‬‬
‫المن نفي األذى ‪.‬‬ ‫فال يلزم من نفي ّ‬
‫ون أ َْم َوالَهُم بالليل والنهار ِسّراً‬ ‫ِ‬ ‫َج ُر ُه ْم ِع َ‬
‫ند َرِّب ِه ْم ( وقال ( بعده ) ) الذين ُينفقُ َ‬ ‫قال ‪ :‬وقال هنا ) لَّهُ ْم أ ْ‬
‫ند َرِّب ِه ْم ( فعطفه بالفاء‪.‬‬ ‫َج ُر ُه ْم ِع َ‬
‫َو َعالَنَِيةً َفلَهُ ْم أ ْ‬
‫أن‬
‫يضمن هنا معنى الشرط وضمنه هناك ألن الفاء تدل على ّ‬
‫بأن الموصول‪ n‬لم ّ‬
‫وأجاب الزمخشري ّ‬
‫اإلنفاق به استحق األجر‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬هذا الكالم ال يستقل بنفسه ‪ ،‬وال يزال السؤال واردا ‪ ،‬فيقال ‪ :‬ألي شيء أريد الشرط‬
‫هناك ولم يرد هنا ؟ قال ‪ :‬لكن عادتهم يجيبون بأنه لما قصد هناك اإلخبار بأن مطلق اإلنفاق في‬
‫سبيل اهلل ( يلزمه ) األجر ق ّل أو كثر دخلت الفاء تحقيقا لالرتباط ‪ ،‬ولما كان المراد هنا إنفاقا خاصا‬
‫على وجه شبيه بحسنة‬

‫( ‪)2/746‬‬

‫صفحة رقم ‪747‬‬


‫موصوفة بهذه الصفة وأكدت خصوصية سالمته من المن واألذى كان ترتيب األجر عليه كالمعلوم‬
‫بالبديهة وكالمستفاد من اللفظ فلم يحتج إلى ما يحقق االرتباط‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬لَّهُ ْم أ ْ‬
‫َج ُر ُه ْم ‪...‬‬
‫(‪.‬‬
‫أفادت اإلضافة االستحقاق أي أجرهم ( الالئق ) بهم فواحد يقل أجره وواحد يكثر وآخر في مادة‬
‫التوسط بحسب ( عمله ) ونفقته‪.‬‬
‫انتهى‪.‬‬
‫ف َعلَْي ِه ْم ‪...‬‬
‫قوله تعالى ‪َ ( :‬والَ َخ ْو ٌ‬
‫(‪.‬‬
‫قال ‪ :‬الخوف يتعلق بالمستقبل فالمناسب فيه أن يكون الفعل المقتضي للتجدد ‪ ،‬والحزن يتعلق‬
‫بالماضي فالمناسب ( أن يكون باالسم ) المقتضي للثبوت والتحقيق‪.‬‬
‫ص َدقَاتِ ُكم بالمن واألذى ‪...‬‬ ‫ِ‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬الَ تُْبطلُوْا َ‬
‫(‪.‬‬

‫( ‪)2/747‬‬

‫صفحة رقم ‪748‬‬


‫ون أَموالَهم ابتغآء مرض ِ‬
‫ات اهلل ‪...‬‬ ‫ِ‬
‫َْ َ‬ ‫( قوله تعالى ) ‪َ ) :‬و َمثَ ُل الذين ُينفقُ َ‪ُ ُ َ ْ n‬‬
‫(‪.‬‬
‫إما على اإلضمار في الثاني أي كمثل غارس جنة بربوة أو على اإلضمار في األول‬
‫تأوله المفسرون ّ‬
‫أي ومثل إنفاق الذين ينفقون‪ n‬أموالهم‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬والظاهر أن يكون التقدير ومثل مال الذين ينفقون‪ n‬أموالهم فالمال هو الذي ُيشبه‬
‫( َجَّنة بَِر ْب َو ٍة ) َو ( تَثْبِيتا ِم ْن أَنفُ ِس ِه ْم )‪.‬‬
‫أن التثبيت سبب في‬ ‫ِ‬
‫اء ) مفعول من أجله فكيف عطف عليه ( تثبيتا ) مع ّ‬ ‫قال ابن عطية ‪ْ ( :‬ابت َغ َ‬
‫اهلل ) ومتقدم عليه فهو علة فيه ‪.‬‬ ‫ات ِ‬ ‫( ْابتِ َغاء مرض ِ‬
‫َ َْ َ‬

‫( ‪)2/748‬‬

‫صفحة رقم ‪749‬‬


‫بأنه علة غائبة فذكره أبو حيان‪.‬‬
‫وأجيب ّ‬
‫قوله تعالى ‪:‬‬
‫ت أُ ُكلَها ِ‬
‫ض ْعفَْي ِن ‪...‬‬ ‫) فَآتَ ْ َ‬
‫(‪.‬‬
‫قال المفسرون ‪ :‬الضعف هو المثل ‪ ،‬أي آتت أُكلها المعهود على مرتين أعني آتته وآتت مثله معه‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬ووقع في ابن الحاجب ما نصه ‪ :‬ولو أوصى بضعف نصيب ابنه فال نص‪.‬‬
‫فقيل مثله وقيل مثليه‪.‬‬
‫ابن عرفة ‪ :‬فعلى هذا الخالف يكون المعنى فأتت أكلها أربع مرات وعلى القول اآلخر ( يكون ) كما‬
‫قال المفسرون‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬فَِإن لَّم ي ِ‬
‫ص ْبهَا َوابِ ٌل ‪...‬‬ ‫ُْ‬
‫(‪.‬‬
‫قال المفسرون ‪ :‬إن أصابها الوابل تؤتي أكلها مرتين وإ ن أصابها الط ّل فقط تؤتي أكلها مرة واحدة‪.‬‬
‫ابن عرفة ‪ :‬وال يمتنع أن يراد أنها تؤتي أكلها مرتين سواء أصابها وابل أو ط ّل ويكون ذلك مدحا‬
‫فيها وتأكيدا في أوصاف حسنها‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬أََي َو ُّد أ َ‬
‫َح ُد ُك ْم ‪...‬‬
‫(‪.‬‬
‫جنة هكذا وهذا التشبيه لمن أبطل صدقته بالمن واألذى‬
‫يود أحدكم أن تكون له ّ‬
‫الهمزة لإلنكار ‪ ،‬أي ال ّ‬
‫‪.‬‬

‫( ‪)2/749‬‬
‫صفحة رقم ‪750‬‬
‫( قوله تعالى ) ‪ ) :‬لَهُ ِفيهَا ِمن ُك ِّل الثمرات ‪...‬‬
‫(‪.‬‬
‫أن معظمها النخيل واالعناب وفيها من كل الثمرات‪.‬‬ ‫َعَن ٍ‬
‫اب ( ‪ ،‬يعني ّ‬ ‫وقد قال ‪ِّ ) :‬من َّن ِخ ٍ‬
‫يل َوأ ْ‬
‫آء ‪...‬‬ ‫قوله تعالى ‪َ ( :‬ولَهُ ُذِّرَّيةٌ ُ‬
‫ض َعفَ ُ‬
‫(‪.‬‬
‫بيان لتمام الحاجة ( إلى ) ثمر الجنة أو هو احتراس ألن من بلغ الكبر يكفيه ذرية ينفقون‪ n‬عليه وال‬
‫يحتاج إلى أحد‪.‬‬
‫طيِّب ِ‬
‫ات َما َك َس ْبتُ ْم ‪...‬‬ ‫ِ‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬من َ َ‬
‫(‪.‬‬
‫فيعم الحالل و ( غيره ) إال أن يريد المستل ّذ بقيد كونه ( حالال ) أو يقال بالعموم‬
‫يحتمل المستلذات ّ‬
‫ربه ولكن ذلك بعد الوقوع ‪ ،‬وأما ابتداء ( فيؤمر )‬
‫ب ( يجزى ) عن ّ‬‫صَ‬‫اغ َ‬
‫ألن الغاصب إذا ز ّكى َم َ‬
‫ربه ‪ ،‬وقيل ‪ :‬الطيب الحالل هنا ‪.‬‬
‫برده إلى ّ‬
‫ّ‬
‫( وقوله ) ‪َ ) :‬و ِم َّمآ أ ْ‬
‫َخ َر ْجَنا لَ ُكم ِّم َن األرض (‪.‬‬
‫إشارة إلى الحقيقة وأن الكسب ّإنما هو سبب ( ال مؤثر ) ‪ ،‬ألن ما أُخرج من األرض يدخل في‬
‫الكسب فهو عطف خاص على عام أو مقيد على مطلق ‪.‬‬

‫( ‪)2/750‬‬

‫صفحة رقم ‪751‬‬


‫قوله تعالى ‪َ ( :‬والَ تََي َّم ُموْا الخبيث ِم ْنهُ تُْنِفقُ َ‪n‬‬
‫ون ‪...‬‬
‫(‪.‬‬
‫إما الحرام أو ما تكرهون على التأويلين في الطيب‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬وعندي أن اإلنسان إذا كانت عنده كسرة باردة وأخرى سخنة وهو يكره الباردة‬
‫فتصدق بها يدخل في هذا ‪.‬‬

‫( ‪)2/751‬‬
‫صفحة رقم ‪752‬‬
‫َن اهلل َغنِ ٌّي َح ِم ٌ‬
‫يد ( ‪.‬‬ ‫قوله تعالى ‪ ( :‬واعلموا أ َّ‬
‫احتراس أن تتوهموا أن الصدقة بهذا يحصل بها نفع لآلمر بل النفع لمخرجها فقط‪.‬‬

‫قوله تعالى ‪ُ ( :‬ي ْؤتِي الحكمة َمن َي َش ُ‬


‫آء (‪.‬‬
‫أن المراد به الفقه والعمل به‪.‬‬ ‫قال ابن عرفة ‪ :‬الظاهر ّ‬
‫قوله تعالى ‪ِ ( :‬إن تُْب ُدوْا الصدقات فَنِ ِع َّما ِه َي ‪...‬‬
‫(‪.‬‬
‫ابن عطية ‪ :‬هي تفسير ‪ /‬الفاعل المضمر قبل الذكر‪.‬‬
‫اؤها‪.‬‬
‫إبد َ‬
‫والتقدير ‪ :‬نعم شيء َ‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬وكان بعضهم يقول ‪ :‬غير هذا‪.‬‬
‫أن المازري ذكر في قوله ( هذا وضوء ال يقبل اهلل الصالة إالّ به )‪.‬‬
‫وهو ّ‬
‫الخالف هل هو إشارة للفعل فقط أو للفعل بصفته ( فكذلك )‬

‫( ‪)2/752‬‬

‫صفحة رقم ‪753‬‬


‫تعين أن‬
‫يجيء هنا إن عاد الضمير على الصدقات بصفتها لم يحتج إلى هذا اإلضمار والقرينة هنا ّ‬
‫المراد الصفة ‪ ،‬وهي قرينة التقسيم بين اإلخفاء واإلظهار قيل البن عرفة ‪ :‬لعل القرينة هي المفسرة‬
‫الصدقة ) بصفتها وإ ّنما ثبت استعمال اللفظ في معنى ودار‬
‫للمضمر ؟ فقال ‪ :‬ثبت أن المراد هنا ( ّ‬
‫( األمر ) بين صرفه ذلك المعنى إلى القرينة أو إلى نفس اللّفظ فصرفه إلى نفس اللّفظ أولى‪.‬‬
‫وها الفقرآء ‪...‬‬
‫وها َوتُ ْؤتُ َ‬
‫قوله تعالى ‪َ ( :‬وإِ ن تُ ْخفُ َ‬
‫(‪.‬‬

‫( ‪)2/753‬‬

‫صفحة رقم ‪754‬‬


‫اء‪.‬‬
‫وها الفُقََر َ‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬لم يقل أو تبدوها َوتُ ْؤتُ َ‬
‫وعادتهم يجيبون ‪ :‬بأنك إظهارها مظنة الكشف عن حال آخذها ‪ ،‬وكثرة السؤال عنه وإ خفاؤها مظنة‬
‫لعدم الكشف عن ذلك فإعطاؤها في العالنية متوقف على علم المعطي وغيره بفقر آخذها فال تقع إال‬
‫في يد فقير ألنه إما أن يسأل عن حاله أو يراه من يعلم ّأنه غني فينهاه عن الصدقة عليه وإ عطاؤها‬
‫( ّسرا ) يتوقف على مجرد علم المعطي فقط بذلك ‪ ،‬فقد تقع في يد غني يظنه المعطي فقيرا ألنه ال‬
‫وها الفقرآء‬
‫يسأل عن حاله وال يطلع عليه من يعرف حاله فيخبره بحاله فلذلك قال في الثاني ‪َ ) :‬وتُ ْؤتُ َ‬
‫(‪.‬‬
‫اه ْم ‪...‬‬ ‫َّ‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬ل ْي َس َعلَْي َك ُه َد ُ‬
‫(‪.‬‬

‫( ‪)2/754‬‬

‫صفحة رقم ‪755‬‬


‫قال ابن عرفة ‪ :‬الخطاب خاص بالنبي أو عام له ولسائر المؤمنين ك قوله تعالى ‪َ ( :‬ولَ ْو ترى ِإِذ‬
‫وس ِه ْم ِع َ‬
‫ند َرِّب ِه ْم (‬ ‫اكسوْا رء ِ‬
‫ِ‬
‫المجرمون َن ُ ُ ُ‬
‫ند َرِّب ِه ْم ( وهو راجع إلى الخالف الّذي ( حكاه ) ابن عطية ألن‬‫ون ِع َ‬ ‫ِ‬
‫) َولَ ْو ترى ِإذ الظالمون َم ْوقُوفُ َ‬
‫النقاش يقتضي الخصوص وما نقله عن ابن عباس يقتضي العموم‪.‬‬
‫ما نقله عن سعيد بن جبير وعن ّ‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬وعلى تقدير الخصوص يستلزم العموم فهو خصوص ألنه إذا رفع التكليف عن النبي‬
‫الذي هو رسول مأمور بالتبليغ والدعاء إلى اإليمان فأحرى أن يرفع عن من سواه ‪.‬‬

‫( ‪)2/755‬‬

‫صفحة رقم ‪756‬‬


‫النقاش أن النبي أتِ َى بصدقة فجاءه يهودي فقال ‪ :‬أعطني‪.‬‬
‫قال ابن عطية ‪ :‬ذكر ّ‬
‫فقال له ‪ ( :‬ليس لك من صدقة المسلمين شيء ) فذهب اليهودي غير بعيد فنزلت اآلية ‪ ،‬فدعاه‬
‫آء والمساكين ( قال ابن عرفة ‪:‬‬‫رسول اهلل ثم أعطاه ‪ ،‬ثم نسخ اهلل ذلك بقوله ‪ِ ) :‬إَّنما الصدقات ِلْلفُقَر ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫هذا ليس بنسخ ولكن المتقدمين يطلقون عليه نسخا والمتأخرين يقولون ‪ :‬العام إن عمل به ثم ورد بعد‬
‫ذلك خاص فهو نسخ له وإ ن ورد الخاص بعده وقبل العمل به فهو تخصيص ال نسخ‪.‬‬
‫قال ابن عطية ‪ :‬والهدى المنفي هو خلق اإليمان في قلوبهم ‪ ،‬و أما الهدى الذي هو الدعاء إلى‬
‫اإليمان فهو عليه‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬أما خلق الهدى ( فمنفي ) معلوم بالضرورة ال يحتاج إلى نفيه ‪ ،‬وأما الدعاء إلى‬
‫اإليمان فغير منفي ‪ ،‬ويبقى قسم ثالث وهو الدعاء المحصل لإليمان الكسبي ال الجبري فيقال هديث‬
‫فالنا إلى اإليمان ‪ ،‬أي دعوته إليه فاهتدى بخالف ما إذا دعوته إليه فلم يهتد فإنك ال تقول ‪ :‬هديته إلى‬
‫اإليمان ‪ ،‬فهذا هو المنفي في اآلية ‪ ،‬أي ليس مطلوبا بتحصيل الهداية الكسبية لهم ّإنما عليك أن‬
‫تدعوهم فقط ‪ ،‬واإلضافة على ما قلناه للمفعول‪n.‬‬
‫أي ليس عليك أن تهديهم‪.‬‬
‫قيل البن عرفة ‪ :‬لعل المراد ال يجب عليك أن تهديهم إلى اإليمان ؟ فرده بقول اهلل تعالى ‪ ) :‬ولكن‬
‫آء ( فَِإَّنه ليس المراد به الجبر على اإليمان بل خلق الهداية ‪.‬‬ ‫ِ‬
‫اهلل َي ْهدي َمن َي َش ُ‬

‫( ‪)2/756‬‬

‫صفحة رقم ‪757‬‬


‫قال ابن عرفة ‪ :‬وهذا تسكين لروعته ألنه مضى قبل اآلية مقدار ربع حزب في الحض على الصدقة‬
‫النية ‪ ،‬وكرر ذلك وأكد فخشي أن يتهالك عليه النبي ألجل عدم امتثالهم فأتت‬
‫‪ ،‬وعلى ( خلوص ) ّ‬
‫هذه اآلية تسكينا لروعته وتطمينا لجنانه‪.‬‬
‫آء ‪...‬‬ ‫ِ‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬ولكن اهلل َي ْهدي َمن َي َش ُ‬
‫(‪.‬‬
‫فالتشديد كما في قوله تعالى ‪ ( :‬ولكن اهلل رمى ( وفي بعضها ولكن بالتخفيف‪.‬‬
‫وسبب ذلك أنه إذا كان المخاطب منكرا وظهرت عليه مخائل اإلنكار فيؤتي بها مشددة‪.‬‬
‫آء‬ ‫ِ‬ ‫أعم من قول اهلل تعالى ‪ِ ) :‬إَّن َك الَ تَ ْه ِدي َم ْن أ ْ‬
‫ت ولكن اهلل َي ْهدي َمن َي َش ُ‬
‫َحَب ْب َ‬ ‫ابن عرفة ‪ :‬وهذا ّ‬
‫( ( فإن عليك أن تهدي من أحببت ) أخص من قولك أنت تهدي من أحببت ‪ ،‬ونفي‪ n‬األخص أعم من‬
‫نفي األعم‪.‬‬
‫فان قلت ‪ :‬األصل في نسبة المتكلم إلى نفسه فعال أن يأتي باسمه مضمرا فيقول‪ : n‬ليس عليك إكرام‬
‫محمد ولكنه علي ‪ ،‬وال تقول ‪ :‬ولكنه على زيد ‪ ،‬يعني نفسه‪.‬‬
‫بأنه لما كان المعنى خاصا باهلل تعالى أتى فيه باسم الجاللة الخاص به ولو‬
‫قال ‪ :‬وتقدم لنا الجواب ّ‬
‫ولكنا نهدي من نشاء لكان عاما ألن الضمائر كلية ‪.‬‬
‫قال ‪ّ :‬‬

‫( ‪)2/757‬‬

‫صفحة رقم ‪758‬‬


‫قلت ‪ :‬وألن النون وااللف تكون للمتكلم وحده إذا عظّم نفسه وللمتكلم ومعه غيره بخالف ‪ /‬اسم‬
‫الجاللة فإنه خاص بال شك‪.‬‬
‫ون ِإالَّ ابتغآء َو ْج ِه اهلل ‪...‬‬ ‫ِ‬
‫قوله تعالى ‪َ ( :‬و َما تُنفقُ َ‬
‫(‪.‬‬
‫يحتمل أن تكون الواو واو الحال ( أى ) وما تنفقوا‪ n‬من ( خير ) فألنفسكم حالة كونهم يقصدون به‬
‫وجه اهلل وهذا خبر في معنى الطلب ( أو ) األمر أو النهي‪.‬‬
‫انتهى‪.‬‬
‫ون ( ‪.‬‬
‫ظلَ ُم َ‬ ‫قوله تعالى ‪ ( :‬و َما تُ ِنفقُوْا ِم ْن َخ ْي ٍر ُيو َّ‬
‫ف ِإلَْي ُك ْم َوأَنتُ ْم الَ تُ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬

‫( ‪)2/758‬‬

‫صفحة رقم ‪759‬‬


‫تأسيس ‪ ،‬والمراد بالتوفية في المقدار وعدم الظلم في الصفة ألن من لك عليه طعام موصوف تارة‬
‫وأدون ) في الصفة‪.‬‬
‫يعطيك مثل الصفة وأقل في المقدار ‪ ،‬وتارة يعطيك مثل القدر ( َ‬
‫صروْا ِفي سبِ ِ‬
‫يل اهلل ‪...‬‬ ‫آء الذين أ ْ ِ‬
‫قوله تعالى ‪ِ ( :‬لْلفُقَر ِ‬
‫َ‬ ‫ُح ُ‬ ‫َ‬
‫(‪.‬‬
‫قال الزمخشري ‪ :‬أي اعمدوا للفقراء أو جعلوا ما تنفقون للفقراء‪.‬‬
‫ويجوز أن يكون خبر متبدإ ( محذوف ) أي صدقاتكم للفقراء‪.‬‬
‫يل ِ‬
‫اهلل ) قال‬ ‫قال ابن عرفة ‪ :‬المقدرات باعتبار المعنى متفقة وباعتبار كيفية الدليل مختلفة ( وسبِ ِ‬
‫َ َ‬
‫مالك في كتاب الحبس ‪ :‬هو وجوه الخير‪.‬‬
‫باإلطالق كيف ما كانت‪.‬‬
‫وقال ابن عبد البر ‪ :‬المشهور عن مالك أنه الجهاد‪.‬‬
‫آء ِم َن التعفف ‪...‬‬ ‫قوله تعالى ‪ ( :‬أ ْ ِ‬
‫َغنَي َ‬
‫(‪.‬‬
‫ولم يقل ‪ :‬من تعفّفهم إشارة إلى اتصافهم بأبلغ وجوه التعفف ألن تعفف المحتاج ( المضطر ) إلى‬
‫المسألة ليس كتعفف‪ n‬من لم تبلغ‬

‫( ‪)2/759‬‬
‫صفحة رقم ‪760‬‬
‫به الحاجة إلى السؤال فأفاد أن هؤالء لم يتّصفوا بتعفّفهم الالئق بهم بل اتصفوا بالتعفف اإلجمالي‪.‬‬
‫ِِ‬
‫اه ْم (‪.‬‬ ‫قوله تعالى ‪ ( :‬تَ ْع ِرفُهُم بس َ‬
‫يم ُ‬
‫الخطاب له ولغيره‪.‬‬
‫ون الناس ِإْل َحافاً ‪...‬‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬الَ َي ْسَئلُ َ‬
‫(‪.‬‬
‫ظالٍَّم لِّْل َعبِ ِيد ( أي لو‬
‫ُّك بِ َ‬
‫ونقل هنا ابن عرفة كالم المفسرين ثم قال ‪ :‬ويحتمل أن يكون مثل ) َو َما َرب َ‬
‫قدر صدور السؤال منهم لما قدر وقوعه إال باإللحاف ألجل ما نالهم من الجهد والحاجة ‪ ،‬ويحتمل أن‬
‫يكون مثل قول اهلل تعالى ) الَ َي ْح ُزُنهُ ُم الفزع األكبر ( فيكون من باب ( نفي ) استلزام األخص أمرا‬
‫وإ ذا لم يستلزم األخص أمرا لم يستلزمه األعم‪.‬‬
‫والمعنى ‪ :‬ال يسألون الناس ألجل اإللحاف ( في السؤال ) أي ألجل سبب اإللحاف وهو شدة الحاجة‬
‫وإ ذا لم يسألوهم ألجل شدة الحاجة فأحرى أن ال يسألوهم ألجل سبب عدم اإللحاف وهو مطلق‬
‫الحاجة فقط‪.‬‬
‫قال الفخر بن الخطيب يحتمل أن يراد باإللحاف ( تأكيد ) صبرهم ‪.‬‬

‫( ‪)2/760‬‬

‫صفحة رقم ‪761‬‬


‫ون الناس ِإْل َحافاً ( مصدر ‪ ،‬أي يلحفون إلحافا‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬ينبغي أن يوقف على قوله ‪ ) :‬الَ َي ْسَئلُ َ‬
‫‪ ،‬أي يبلغون في شدة صبرهم وتجلدهم على الفقر‪.‬‬
‫انتهى‪.‬‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫قوله تعالى ‪َ ( :‬و َما تُنفقُوْا م ْن َخ ْي ٍر فَِإ َّن اهلل بِه َعل ٌ‬
‫يم (‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬قالوا ‪ :‬إن العبد يفرق بين حالة طاعته لسيده وهو حاضر ينظر إليه وبين حالة‬
‫طاعته له في غيبته فمع الحضور يجتهد أكثر‪.‬‬
‫السنة في التفريق بين ( عليم وبصير ) فيرد السؤال على‬
‫قيل البن عرفة ‪ :‬إذا بنينا على مذهب أهل ّ‬
‫إن اهللَ بِه بصير فهو أخص من ( عليم ) خالفا للمعتزلة ؟ فقال ‪ :‬اآلية‬
‫ما قلت ‪ ،‬فيقال ‪ :‬هال قيل ‪ :‬فَ ّ‬
‫فإن منهم‬
‫خطاب للعوام ال للخواص وصفة العلم عندهم ( أجلى ) اذ ال خالف فيها ‪ ،‬بخالف بصير ّ‬
‫رده لعليم ومنهم من أبقاه على ظاهره ‪.‬‬
‫من ّ‬

‫( ‪)2/761‬‬
‫صفحة رقم ‪762‬‬
‫ون أ َْم َوالَهُم بالليل والنهار ‪...‬‬ ‫ِ‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬الذين ُينفقُ َ‬
‫(‪.‬‬
‫قال ابن عطية ‪ :‬عن ابن عباس هما نزلت في علي ابن أبي طالب كرم اهلل وجهه كانت له أربعة‬
‫دراهم تصدق بدرهم ليال وبدرهم نهارا وبدرهم سرا وبدرهم عالنية‪.‬‬
‫قيل البن عرفة ‪ :‬التصدق بالليل والنهار اليخرج عن كونه سرا ( أو ) عالنية ؟ ( فقال ‪ :‬ال يصح‬
‫االعتراض على السبب وإ نما النظر في ذلك عند تطبيق السبب على لفظ اآلية ‪ ،‬ويفهم هذا بأنه قسمة‬
‫رباعية فتصدق ( بدرهم ) بالليل سرا وبدرهم عالنية وفي النهار بدرهم سرا وبدرهم عالنية )‪.‬‬
‫السر غير‬
‫قال ‪ :‬هو في اآلية عندي تفسير ( سرا ) راجع لليل ‪ ( ،‬وعالنية ) للنهار ‪ ،‬بدليل إتيان ّ‬
‫معطوف‪.‬‬
‫السر أفضل من نفقة العالنية‪.‬‬
‫أن نفقة ّ‬
‫قال ‪ :‬وعادتهم يقولون ألي شيء قدم السر على العالنية مع ّ‬
‫فهال بدأ بالعالنية ليكون العطف ترقيا ال تدليا ألن عطف الترقي فيه تأسيس وعطف التدلي فيه‬
‫ضرب من التأكيد ؟ قال ‪ :‬فكانوا يجيبون بقاعدة استصحاب الحال ‪ ،‬وذلك ألن نفقة السر أفضل من‬
‫نفقة العالنية لخلوص النية فيها فإذا أنفق ّأوال سرا بنية خالصة واستصحب تلك النية بعينها في نفقة‬
‫الجهر ( فإنفاق ) الجهر بتلك‬

‫( ‪)2/762‬‬

‫صفحة رقم ‪763‬‬


‫النية الخالصة الغير المشوبة بشيء من الرياء كان في أعلى درجات الطاعة فروعي فيه هذا المعنى‬
‫فكان ترقيا ‪.‬‬
‫َج ُر ُه ْم ِع َ‬
‫ند َرِّب ِه ْم ‪...‬‬ ‫قوله تعالى ‪َ ( :‬فلَهُ ْم أ ْ‬
‫(‪.‬‬
‫ولم يقل ‪ :‬فلهم أجر ‪ ،‬ألن المراد أجرهم الالّئق بهم ولو قيل ‪ :‬فلهم أجر لكان مفهومه أن من فعل‬
‫دون ذلك ال أجر له مع أنه يؤجر‪.‬‬
‫قال ابن عطية ‪ :‬ودخلت الفاء ألن الموصول‪ n‬وصل بالفعل ولم يدخل عليه يغير معناه‪.‬‬
‫قال أبو حيان ‪ :‬وكذلك أيضا إذا كانت الصلة ظرفا أو مجرورا‪.‬‬
‫وكذا ذكر ابن عصفور في المقرب وشرح اإليضاح‪.‬‬
‫فإن قلت ‪ :‬إن الظرف المجرور محل والتعليل عند األصوليين ( إنما يكون ) بالصفة ال بالمحل‪.‬‬
‫إن المحل هنا ناب مناب متعلقة وهو كائن أو مستقر الذي هو صفة وتقوى هنا حتى صار‬
‫فالجواب ‪ّ :‬‬
‫كأنه هو ولذلك ال يجوز الجمع بينهما‪.‬‬
‫قال أبو حيان ‪ :‬ومن شروط دخول الفاء أن يكون الخبر مستحقا بالصلة كهذه اآلية ‪.‬‬

‫( ‪)2/763‬‬

‫صفحة رقم ‪764‬‬


‫ورده ابن عرفة ‪ :‬بأنه ما علم كونه سببا إال بعد دخول الفاء ال قبلها فكونه مستحقا بالصلة فرع عن‬
‫دخول الفاء فال يصح أن يكون شرطا فيها وموجبا لها‪.‬‬
‫وأجيب بأن هذا بالنسبة إلى السامع وكالمنا في دخول الفاء بالنسبة إلى قصد المتكلم ونيته‪.‬‬
‫ين ( فإن نفس الخلق غير موجب‬ ‫يردون على كالم أبي حيان بقوله ) الذي َخلَقَنِي فَهَُو َي ْه ِد ِ‬
‫وعادتهم ّ‬
‫للهداية وإ ال لزم منه مذهب المعتزلة القائلين بمراعاة ( األصلح ) ‪ ،‬وعادتهم يجيبون بأن المراد ‪:‬‬
‫الصفة وهي النبوءة فهو يهدين ‪ ،‬وتقدم نظيره في قول اهلل‬
‫الذي خلقني هذا الخلق الخاص على هذه ّ‬
‫ت َم َو ِاز ُينهُ ( قال ابن‬
‫تعالى ) أولئك الذين اشتروا الضاللة بالهدى ( وفي سورة قد أفلح ) فَ َمن ثَُقلَ ْ‬
‫عرفة ‪ :‬فإن قلت ‪ :‬ما الحكمة في دخول الفاء مع أنه ( يجوز ) الَّذي يأتيني له درهم‪.‬‬
‫والمعنى فيه وغير ما فيه الفاء واحد ‪ ،‬وكذلك ( إن قلت ) النفقة هنا ( مستلزمة ) لثبوت األجر لهم‬
‫( مع الفاء ومع عدمها ) ‪.‬‬

‫( ‪)2/764‬‬

‫صفحة رقم ‪765‬‬


‫قلت ‪ :‬وعادتهم يجيبون بأن الخبر إذا كان ثابتا وعطف عليه ما يتوهم نفيه وعدم ثبوته فال بد من‬
‫وأن ذلك سبب في نفي‬
‫الفاء وال شك أن حزنهم مما يتوهم نفيه فأتي بالفاء الدالة على كمال االرتباط ّ‬
‫الحزن والخوف عنهم‪.‬‬
‫السنة‬
‫تفضل من اهلل تعالى كما يقول أهل ّ‬
‫قال ‪ :‬ولفظ الرب هنا دال على أن هذا الثواب محض ‪ّ ،‬‬
‫خالفا للمعتزلة‪.‬‬
‫وعادتهم يوردون سؤاال وهو ‪ :‬ألى شيء نفى الحزن عنهم بالفعل والخوف باالسم مع أن المناسب‬
‫النفي‬
‫العكس ألن متعلق الحزن ماض والخوف مستقبل ؟ قال ‪ :‬وعادتهم يجيبون بأن النكرة في سياق ّ‬
‫تفيد العموم بإجماع ‪ ،‬والفعل في سياق النفي مختلف فيه ‪ ،‬هل يفيد العموم أم ال ؟ والماضي محصور‬
‫ألنه مشاهد مرئي فمتعلقه غير متعدد ‪ ،‬والمستقبل متعلقاته متعددة ألنه غير محصور ‪ ،‬فالخوف منه‬
‫يعظم لكثرة الخواطر التي تخطر ( ببال اإلنسان ) ‪ ( ،‬فقد ) يخاف من كذا ويخاف من كذا ويخاف‬
‫من شيء هو في نفس األمر آمن فيه‪.‬‬
‫فلذلك نفي الخوف بلفظ االسم الدال على العموم بإجماع ونفي الحزن بالفعل المحتمل للعموم وعدمه‪.‬‬
‫تعم إال اذا كانت مبنية مع ( ال ) مثل ‪ :‬ال‬
‫قلت ‪ :‬ورد هذا بمعنى اإلجماع ألن النكرة عند النحويين ال ّ‬
‫رجل في الدار ‪ ،‬بالفتح بال تنوين‪.‬‬
‫أعم من الفعل بال شك‪.‬‬
‫ويجاب بأنها ّ‬
‫وم الذي َيتَ َخَّبطُهُ الشيطان ِم َن المس ‪...‬‬ ‫قوله تعالى ‪ ( :‬الذين ي ْأ ُكلُون الربا الَ يقُوم ‪َّ ِ n‬‬
‫ون إال َك َما َيقُ ُ‬
‫َ ُ َ‬ ‫َ َ‬
‫(‪.‬‬

‫( ‪)2/765‬‬

‫صفحة رقم ‪766‬‬


‫قال ابن عرفة ‪ :‬يحتمل أن يكون التشبيه بمن يتخبطه ( الشيطان من المس ( حال ) تخبطه‪.‬‬
‫ويحتمل أن يكون التّشبيه بالمتخبط إثر تخبطه ) ) والظاهر العموم ‪ ،‬ألن اآلكلين من الربا متفاوتون‬
‫في األكل ‪ ،‬فالمكثر منهم شبيه به حال التخبط والمقلل شبيه به أثر التخبط‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬وجه مناسبتها لما قبلها أنها تقدمها إنفاق الصدقة ‪ ،‬والصدقة ( من ) غير عوض‬
‫والربا في ظاهر األمر زيادة من غير عوض ) ألنه يدفع قليال في كثير‪.‬‬
‫( ّ‬
‫والربا زيادة فيه ‪ ،‬فالنفوس تحبه وتكره الصدقة‬
‫وقدر الفخر المناسبة بأن الصدقة ( نقص من المال ) ّ‬
‫ّ‬
‫ردا عليهم وإ شعارا بأن ذلك النقص زيادة وتلك الزيادة نقص‪.‬‬‫فجاءت اآلية ّ‬
‫الم ّس ( متعلّق ب ) يقومون ( ( أو يقوم ‪ ،‬فرد عليه أبو حيان تعلقه ب )‬ ‫ِ‬
‫قال الزمخشري ‪ ) :‬م َن َ‬
‫يقومون ( ) ألن قيامهم في اآلخرة وليس فيه جنون وال مس‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬وفيه عندي نظر من وجه آخر وهو ( ّأنك تقول ) ‪ :‬ما أكل زيد إال كالشيطان يأكل‬
‫بشماله‪.‬‬
‫أو تقول ‪ :‬ما أكل زيد بشماله إالّ كالشيطان ( يأكل بشماله )‪.‬‬
‫فهذه الحالة أخف ألنه‬

‫( ‪)2/766‬‬
‫صفحة رقم ‪767‬‬
‫ذم آلكله مطلقا ‪ ،‬وفي الثانية ذم له إذا اتّصف باألكل بال ّشمال وقد ال يتصف به ‪ ،‬وكذلك‬
‫في األولى ّ‬
‫هذا يلزم أن يكون التشبيه خاصا بقيامهم من المس فيقال ‪ :‬لعل لهم ( حالة ) أخرى يقومون‪ ( n‬بها )‬
‫من المس‪.‬‬
‫الجن باألصالة ‪ ،‬وهو كفر ال شك فيه فإنه‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬اعلم أن القدماء من المعتزلة ينكرون ّ‬
‫تكذيب للقرآن والحديث ‪ ،‬والمتأخرون منهم يثبتونهم وينكرون الصرع‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪َ ( :‬ذِل َك بِأََّنهُ ْم قالوا ِإَّن َما البيع ِم ْث ُل الربا ‪...‬‬
‫(‪.‬‬
‫قال الزمخشري ‪ :‬اإلشارة للعقاب‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬أو ألكلهم الربا ألنه سبب في عقوبتهم وسبب السبب مسبب ‪ ،‬وهذا قياس تمثيلي‬
‫ذكروا منه قياس ( الشبه ) والتسوية‬

‫( ‪)2/767‬‬

‫صفحة رقم ‪768‬‬


‫وهو قياس أخروي بمعنى أن الحكم في المقيس عليه ثابت في الفرع المقيس من باب أحرى فينعكس‬
‫فيه التشبيه‪.‬‬
‫ومثله ابن مالك في المصباح بهذه اآلية وبقول‪ n‬الشاعر ‪ :‬كأن انتظار البدر من تحت غيمه ‪...‬‬
‫الدجى ‪...‬‬
‫نجاة من البأساء بعد الوقوع وبقول‪ n‬اآلخر ‪ :‬وكأن النجوم بين ّ‬
‫سنن الح بينهن ابتداع فجعل أهل السنة بين المبتدعة بمنزلة النجوم في الظالم‪.‬‬
‫وقال غيره ‪ :‬االهتداء بالنجوم يحتاج فيه إلى معرفة استدالل واتباع أهل السنة ال يحتاج فيه إلى‬
‫تكليف دليل فكان أحرى ‪.‬‬
‫َح َّل اهلل البيع َو َح َّر َم الربا ‪...‬‬
‫قوله تعالى ‪َ ( :‬وأ َ‬
‫(‪.‬‬
‫قال الزمخشري ‪ :‬هذا رد على قياسهم ‪.‬‬

‫( ‪)2/768‬‬
‫صفحة رقم ‪769‬‬
‫النص فهو‬
‫النص متقدما فهو قياس في معرض ّ‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬بل هو عندي تجهيل لهم ‪ ،‬ويكون ّ‬
‫فاسد الوضع وعلى ما قال الزمخشري يكون النص غير متقدم‪.‬‬
‫ق اهلل الربا ‪...‬‬
‫قوله تعالى ‪َ ( :‬ي ْم َح ُ‬
‫(‪.‬‬
‫السابق‬ ‫فلما تضمن الكالم ّ‬ ‫قال ابن عرفة ‪ :‬األحكام الشرعية منطوية بمصالح الدنيا واآلخرة ‪ّ ،‬‬
‫ف َعلَْي ِه ْم َوالَ ُه ْم‬ ‫َج ُر ُه ْم ِع َ‬
‫ند َرِّب ِه ْم َوالَ َخ ْو ٌ‬ ‫حصول المصلحة األخروية بالصدقة لقول اهلل تعالى ) َفلَهُ ْم أ ْ‬
‫تضمن هذا ‪ّ /‬أنه محصل للمصلحة الدنيوية ‪ ،‬والربا‬ ‫الربا ّ‬ ‫ون ( والعقوبة في اآلخرة لفاعل ّ‬
‫َي ْح َزُن َ‬
‫ألن الربا ( ممحقة ) للمال والصدقة زيادة فيه‪.‬‬ ‫متضمن للمسفدة الدنيوية ّ‬
‫وحمله ابن عطية على أنه في الدار اآلخرة‪.‬‬
‫والظاهر األول‪.‬‬
‫بالربا ‪ ،‬وفيما تقدم بالصدقة وطريق المقابلة واللّف والنشر العكس‪.‬‬
‫وبدأ هنا ّ‬
‫قدم الكالم ( على ) الربا ثم عاد إلى الصدقة‪.‬‬
‫لكن الجواب لما كان ذكر الصدقة قد يطول الكالم فيه ّ‬
‫الربا فهو أبلغ في التخويف ألن محق المال الذي فيه‬
‫فإن قلت ‪ :‬هال قيل يمحق اهلل المال الذي فيه ّ‬
‫الربا أشد الستلزامه محق الربا وزيادة ؟ فالجواب ‪ :‬أن هذا ( أجلى ) من محق الربا و المخاطبون‬
‫ّ‬
‫عوام ‪.‬‬
‫ب ُك َّل َكفَّ ٍار أَثِ ٍيم ( ‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬واهلل الَ ُي ِح ُّ‬

‫( ‪)2/769‬‬

‫صفحة رقم ‪770‬‬


‫قال ابن عطية ‪ :‬يحتمل أن يريد ‪ :‬واهلل ال يحب توفيق الكفّار األثيم‪.‬‬
‫قاله ابن فورك‪.‬‬
‫ابن عطية ‪ :‬وهذا غير صحيح ألن اهلل تعالى يحب التوفيق على العموم ( ويحببه )‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬وسمعت القاضي أبا العباس بن حيدرة والمفتي أبا القاسم الغبريني يقوالن‪ : n‬هذه َن ْز َغةٌ‬
‫اعتزالية غفل فيها واعتزل من حيث ال يشعر ‪ ،‬بل اهلل يحب الخير والشر تعالى أن يكون في ملكه ما‬
‫ال يريد والرجل سني ال شك في فضله ودينه ‪.‬‬

‫( ‪)2/770‬‬
‫صفحة رقم ‪771‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬إن قلنا ‪ :‬إن نقيض المستحب مكروه فالمعنى ظاهر وإ ن قلنا ‪ :‬إن نقيضه غير‬
‫مكروه فهال قيل ‪ :‬واهلل يكره كل كفار أثيم ‪ ،‬ألن نفي المحبة أعم من الكراهة وعدمها‪.‬‬
‫قال ‪ :‬وعادتهم يجيبون بقول العرب في المدح ( التام ) حبذا زيد‪.‬‬
‫( وفي الذم التام ال حبذا زيد ) فنفي المحبة عندهم يستلزم الكراهة‪.‬‬
‫فإن قلت ‪ :‬هال قيل ‪ :‬واهلل ال يحب كل ( كافر ) أثيم فهو أبلغ ؟ قلت ‪ :‬إنه لما كان النفي أخص كان (‬
‫المنفي ) أعم‪.‬‬
‫َج ُر ُه ْم ِع َ‬
‫ند َرِّب ِه ْم‬ ‫اموْا الصالة َوآتَُوْا الزكواة لَهُ ْم أ ْ‬ ‫ِ‬
‫آمُنوْا َو َعملُوْا الصالحات َوأَقَ ُ‬
‫ِ‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬إ َّن الذين َ‬
‫‪...‬‬
‫(‪.‬‬
‫أج ُر ُه ْم ( لوجهين ‪:‬‬
‫أج ُر ُه ْم ) وقال فيما سبق ‪َ ) :‬فلَهُ ْم ْ‬
‫قال هنا ‪ ( :‬لهُ ْم ْ‬

‫( ‪)2/771‬‬

‫صفحة رقم ‪772‬‬


‫ون أ َْم َوالَهُم بالليل والنهار ِس ّراً َو َعالَنَِيةً ( ‪،‬‬
‫السابق ( أكمل ) وأبلغ لقوله ‪ ) :‬الذين ُي ْنِفقُ َ‪n‬‬
‫األول ‪ :‬أن ّ‬
‫بالسر والعالنية وهنا لم يؤكده كذلك‪.‬‬
‫فأ ّكده ّ‬
‫قيل البن عرفة ‪ :‬األعمال الصالحة تشتمل على النفقة وغيرها ؟ فقال ‪ :‬تستلزم مطلق النفقة وتلك‬
‫نفقة خاصة‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬إن هذا مؤكد ( بإن ) فأغنى عن تأكيده بالفاء ؟ قلت ‪ :‬ألن األول موصول مضمن معنى‬
‫مضمن‬
‫ّ‬ ‫فصح دخول الفاء في خبره وأن ال تدخل على ال ّشرط الصريح ‪ ،‬فال يدخل على ما هو‬
‫ّ‬ ‫ال ّشرط‬
‫معناه فدخولها يمنع من تضمين الموصول‪ n‬معناه ‪ ،‬وإ ذا لم يضمن معنى ال ّشرط فال يدخل الفاء في‬
‫خبره‪.‬‬
‫آمُنوْا اتقوا اهلل ‪...‬‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬ياأيها الذين َ‬
‫(‪.‬‬
‫آمُنوا بمحمد دوموا على إيمانكم ‪ ،‬وإ ما َيا أَيُّهَا‬ ‫َِّ‬
‫ين َ‬
‫حلمه ابن عطية على أحد ثالثة أمور ‪ :‬إما َيا أَيُّهَا الذ َ‬
‫ءامُنوْا بموسى‬ ‫َِّ‬
‫ين َ‬‫ءامُنوْا في الظاهر اتقوا اهلل إن كنتم مؤمنين في الباطن ‪ ،‬وإ ما َيا أَيُّهَا الذ َ‬ ‫الذين َ‬
‫وعيسى آمنوا بمحمد‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬فَِإن لَّ ْم تَ ْف َعلُوْا ‪...‬‬
‫(‪.‬‬
‫( ‪)2/772‬‬

‫صفحة رقم ‪773‬‬


‫قال ابن عرفة ‪ :‬عادتهم يقولون ‪ :‬فيها حجة لمن يقول ‪ :‬إن الترك فعل ألن قبلها ) َو َذ ُروْا َما َبِق َي ِم َن‬
‫الربا ( ثُّم قال ‪ ) :‬فَِإن لَّ ْم تَ ْف َعلُوْا فَ ْأ َذُنوْا بِ َح ْر ٍب ِّم َن اهلل َو َر ُسوِل ِه (‪.‬‬
‫بأن هذا كف ال ترك ‪ ،‬ونظيره ‪ :‬إذا كان طيب طعام بين يدي رجلين ‪:‬‬
‫قال ‪ :‬وعادتهم يجيبون ّ‬
‫أحدهما جائع واآلخر شابع ولم يأكال منه منه شيئا‪.‬‬
‫يقال في الجائع ‪ :‬إنه كف ( عن األكل ) وفي الشبعان ‪ :‬إنه ترك األكل‪.‬‬
‫قيل البن عرفة ‪ :‬أو يجاب بأن قبلها اتّق اهلل وهو فعل ؟ فقال ‪ :‬األمر بالتقوى ليس هو لذاته واآلية‬
‫الربا بدليل استداللهم بها في كتاب بيوع اآلجال في ربا الجاهلية‪.‬‬
‫ّإنما سبقت لتحريم ّ‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬فَ ْأ َذُنوْا بِ َح ْر ٍب ِّم َن اهلل َو َر ُسوِله ‪...‬‬
‫(‪.‬‬
‫قال الزمخشري ‪ :‬في التنكير للتعظيم‪.‬‬
‫بأن التنكير إنما هو للتقليل والشيوع في آحاد ذلك الشيء‪.‬‬
‫وتقدم استشكاله ّ‬
‫وتقدم الجواب ‪ :‬بأن التعظيم الصفة والكيفية ال في الكمية والقدر وانظر سورة الفجر‪.‬‬
‫ون (‪.‬‬ ‫قوله تعالى ‪َ ( :‬فلَ ُكم رءوس أَمو ِال ُكم الَ تَ ِْ‬
‫ظلَ ُم َ‬
‫ون َوالَ تُ ْ‬
‫ظل ُم َ‬ ‫ْ ُ ُ ُ َْ ْ‬
‫الربا وهو الزيادة ‪.‬‬ ‫رد ّ‬ ‫قال ابن عرفة ‪ :‬مذهبنا أنه يجب ّ‬

‫( ‪)2/773‬‬

‫صفحة رقم ‪774‬‬


‫فإن مفهومها إن لم تتوبوا فليس ( لكم رؤوس‬
‫قيل البن عرفة ‪ :‬فكيف يتم مفهوم اآلية على مذهبنا ّ‬
‫أموالكم ) مع أن مذهبنا بطالن الربا وللمعطي رأس ماله ؟ فقال ‪ :‬الجواب إن لم يتوبوا سقط الخطاب‬
‫الربا وأما الكافر فال ( يخاطب برده ) حيث كان‪.‬‬ ‫ألنه ال يخاطب إال المؤمن برد ّ‬
‫ان ُذو ُع ْس َر ٍة فََن ِظ َرةٌ إلى َم ْي َس َر ٍة ‪...‬‬
‫قوله تعالى ‪َ ( :‬وإِ ن َك َ‬
‫(‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬تقرر من كالم اإلمام عياض في كتاب الوصايا من اإلكمال في حديث سعد بن أبي‬
‫وقاص أن قولك ‪ :‬زيد ذو مال أبلغ من قولك ‪ :‬زيد له مال ‪ ،‬ونحوه للزمخشري في أول سورة‬
‫( ‪)2/774‬‬

‫صفحة رقم ‪775‬‬


‫ض ٍل َعلَى الناس‬
‫آل عمران في قوله ‪ ) :‬واهلل َع ِز ٌيز ُذو انتقام ( وفي سورة غافر ‪ِ ) :‬إ َّن اهلل لَ ُذو فَ ْ‬
‫آت َذا القربى َحقَّهُ ( وخالفهم الشيخ ( ابن عطية‬ ‫( ونحوه البن الخطيب في سورة الروم في قوله ) فَ ِ‬
‫اس على ظُْل ِم ِه ْم ( ( انها ) دالة على تغليب‬ ‫َّك لَ ُذو َم ْغِف َر ٍة لِّ َّلن ِ‬
‫) فقال في سورة الرعد في قوله ) َوإِ َّن َرب َ‬
‫جانب الخوف على جانب الرجاء ألن قولك ذو مغفرة مقتض لتقليل المغفرة‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬وقال بعضهم قولك ‪ :‬زيد صاحب مال ‪ ،‬أبلغ من ‪ :‬ذو مال ‪ ،‬ألن ذو مال إنما‬
‫يقتضي مطلق النسبة سواء اتّصف به ‪ /‬أم ال ‪ ،‬بخالف قولك ‪ :‬صاحب ‪ ،‬فإذا بنينا على كالم الجماعة‬
‫أن من‬
‫الصحيح فإنما قال ( ُذو ُع ْس َرة ) ولم يقل ‪ :‬وإ ن كان معسرا ‪ ،‬إشارة لما ( تقرر ) في الفقه من ّ‬
‫له دار وخادم وفرس ال فضل في ثمنهن على ما سواهن يجوز له أخذ الزكاة ويسمى فقيرا ‪ ،‬مع أنه‬
‫فإن‬
‫إذا كان عليه دين يباع عليه داره وخادمه في دينه فليس مجرد اإلعسار موجبا إلنظاره ( بالدين ‪ّ ،‬‬
‫) الموجب لذلك اإلعسار ( البين الكثير ) فناسب إدخال ( ذو ) ‪.‬‬

‫( ‪)2/775‬‬

‫صفحة رقم ‪776‬‬


‫قال ابن عطية ‪ :‬و ( كان ) هنا عند سيبويه تامة بمعنى وجد وحدث‪.‬‬
‫أن اإلعسار لم يكن موجودا‪.‬‬
‫أن األصل الغنى ألن إدخال ( إن ) يدل على ّ‬
‫ومن هنا يظهر ّ‬
‫المالَء ‪،‬‬
‫الدين الذي كان ( عن ) عوض يقول فيه ‪ :‬األصل َ‬
‫ورده ابن عرفة بأن ذلك ( في ) ّ‬
‫واستصحاب الحال ببقاء ذلك العوض وذهابه على خالف األصل ‪ ،‬وأما الدين الذي ال عن عوض‬
‫المالَء‪.‬‬
‫كنفقة الزوجات والبنين واألبوين فليس األصل فيه َ‬
‫ابن عطية ‪ :‬حكى المهدوي عن بعضهم أن اآلية ناسخة لما كان في الجاهلية من بيع من أعسر بدين‪.‬‬
‫النبي أمر به في صدر اإلسالم‪.‬‬
‫أن ّ‬‫وحكى مكي ‪ّ :‬‬
‫ابن عطية ‪ :‬فإن ( قلنا ) ‪ :‬فعل النبي فهو نسخ وإ الّ فليس نسخا ‪.‬‬

‫( ‪)2/776‬‬
‫صفحة رقم ‪777‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬يريد أنه على األول يكون نسخا لغويا وعلى الثاني يكون نسخا في اصطالح‬
‫األصوليين‪.‬‬
‫قال ‪ :‬وهنا أورد القرافي ( في قواعده ) سؤاال قال ‪ :‬ثواب الواجب أعظم من ثواب المندوب مع أن‬
‫أن التصدق عليه بن أفضل ‪ ،‬ثم‬
‫بالدين واجب والتصدق عليه مندوب واآلية نص في ّ‬
‫تأخير الغريم ّ‬
‫أجاب التصدق به يستلزم التأخير وزيادة‪.‬‬
‫ص َّدقُوْا َخ ْيٌر لَّ ُك ْم ‪...‬‬
‫قوله تعالى ‪َ ( :‬وأَن تَ َ‬
‫(‪.‬‬
‫ت ‪...‬‬
‫س َّما َك َسَب ْ‬‫قوله تعالى ‪ ( :‬ثَُّم توفى ُك ُّل َن ْف ٍ‬
‫(‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬عام مخصوص ألن المجانين واألطفال ال يدخلون فيها‪.‬‬
‫فإن قلت ‪ :‬ال كسب لهم ؟ قلنا ‪ :‬تقرر مذهبنا أن الطفل الصغير إذا استهلك شيئا فإنه يغرم مثله أو‬
‫قيمته من ماله ‪ ( ،‬فنرى ) كسبه معتبرا في الدنيا وهو في اآلخرة معفو عنه ‪.‬‬

‫( ‪)2/777‬‬

‫صفحة رقم ‪778‬‬


‫ون (‪.‬‬
‫ظلَ ُم َ‬
‫قوله تعالى ‪َ ( :‬و ُه ْم الَ ُي ْ‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬ياأيها الذين آمنوا ِإ َذا تَ َد َاينتُم بِ َد ْي ٍن ‪...‬‬
‫(‪.‬‬
‫بالدين‪.‬‬
‫الدين ّ‬
‫قال الفخر ‪ :‬تداين مفاعلة فال ( تكون ) إال من الجانبين ‪ ،‬فال يتناول إال ّ‬
‫بالدين ) فال يصح حلمه على ظاهره بل المراد به إذا تعاملتم‪.‬‬
‫الدين ( ّ‬
‫أو ( فسخ ) ّ‬
‫بالدين ) عن معاوضة فإن من اشترى سلعة بنقد أو نسيئة فإذا‬
‫الدين ( ّ‬
‫بأنه يتناول ّ‬
‫وأجاب ابن عرفة ‪ّ :‬‬
‫ذمة المشتري فله عليه الرجوع بعهدة العيب أو االستحقاق‪.‬‬
‫دفع الثّمن حصل له في ّ‬
‫الزمخشري ‪ :‬وإ نما قال بدين ليعيد عليه الضمير‪.‬‬
‫قال ّ‬
‫قال ابن عطية ‪ :‬ليرفع الوهم ‪ ،‬إن المراد بتداينتم جزاء بعضكم بعضا ‪.‬‬

‫( ‪)2/778‬‬
‫صفحة رقم ‪779‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬بلى أتى به ليكون نكرة في سياق الشرط فيفيد العموم‪.‬‬
‫ب َك َما َعلَّ َمهُ اهلل ‪...‬‬ ‫ْب َكاتِ ٌ‬
‫ب أَن َي ْكتُ َ‬ ‫قوله تعالى ‪ ( :‬فاكتبوه َوْلَي ْكتُب ب َّْيَن ُك ْم َكاتِ ٌ‬
‫ب بالعدل َوالَ َيأ َ‬
‫(‪.‬‬
‫األمر بالكتب مصلحة دنيوية وهي حفظ المال ‪ ،‬ومصلحة دينية وهي السالمة من الخصومة بين‬
‫المتعاملين‪.‬‬
‫قيل البن عرفة ‪ :‬يخرج ( الدين ) الذي على الحلول ؟ فقال ‪ :‬ال يحتاج إلى كتب وثيقة غالبا فإن له‬
‫طلبه في الحال‪.‬‬
‫إبن عطية ‪ :‬قوله ( بالعدل ) متعلق بقوله تعالى ( َوْلَي ْكتُب ) ال ب ( كاتب ) لئال يلزم عليه أالّ يكتب‬
‫أن المنتصبين‬ ‫الصبي والعبد والمسخوط إذا ( أقامو فقهها ) إالّ ّ‬‫ّ‬ ‫الوثيقة إالّ العدل في نفسه وقد يكتبها‬
‫لكتبها ال يجوز للوالة أن ( يولّوهم ) إال عدوال مرضيين ‪.‬‬

‫( ‪)2/779‬‬

‫صفحة رقم ‪780‬‬


‫الصبي‬
‫ّ‬ ‫قال ابن عرفة ‪ :‬هذا تخليط ألن األمر بالكتب ابتداء ّإنما هو للعدل في نفسه وإ مضاء كتب‬
‫وفرق بين األمر في‬
‫والعبد والمسخوط ّإنما هو بعد الوقوع ‪ ،‬واآلية ّإنما جاءت فيمن يؤمر بكتبها ّ‬
‫كتبها عند العدل في نفسه وبين إمضائها إذا كتبها غير العدل ‪.‬‬

‫( ‪)2/780‬‬

‫صفحة رقم ‪781‬‬


‫ض ِعيفاً ‪...‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ان الذي َعلَْيه الحق َسفيهاً أ َْو َ‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬فَإن َك َ‬
‫(‪.‬‬
‫السفيه الذي ال يحسن األخذ لنفسه وال اإلعطاء ( منها )‪.‬‬
‫قال ابن عطية ‪ّ :‬‬
‫ابن عرفة ‪ :‬هذا هو السفيه عند الفقهاء‪.‬‬
‫الصفة ال يخلو من حجر أب أو وصي أو قاض‪.‬‬
‫قال ‪ :‬ومن كان بهذه ّ‬
‫قوله تعالى ‪َ ( :‬فْلُي ْمِل ْل ‪...‬‬
‫(‪.‬‬
‫( ‪)2/781‬‬

‫صفحة رقم ‪782‬‬


‫قوله تعالى ‪ ( :‬بالعدل ‪...‬‬
‫(‪.‬‬
‫كان بعضهم يقول ‪ :‬الذي يظهر أن يكون بالعدل متعلقا بوليه ( ال بيملل ) ألن إمالء الوصي إذا كان‬
‫بغير العدل فالمشهور ( يجرحونه ) وال يشهدون له فينبغي أن الوصي إذا أتى ليرهن على المحجور‬
‫ويعمر ذمته أالّ يشهدوا له إال إذا تبين لهم في ذلك وجه المصلحة ‪ ،‬وأما تعلقه بدين ( وكان ) أكثر‬
‫األوصياء ال يعدلون فال يقبل إال إمالء الوصي الدين ولذلك كان ابن الغماز يقول ‪ :‬جميع من رأيت‬
‫من األوصياء يتصرفون بغير الصواب إال فالنا ( أو فالنا ) ويعيُّنهما‪.‬‬
‫يد ْي ِن ِمن ِّر َج ِال ُك ْم ‪...‬‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬واستشهدوا َش ِه َ‬
‫(‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬مذهبنا أن العبد اليستشهد ( ابتداء ) فإن شهد قبلت شهادته‪.‬‬
‫الرجلين مع أنه إذا تعارضت بينتان إحداهما‬
‫الرجل والمرأة إالّ عند عدم ّ‬
‫واآلية دالة على ّأنه ال يشهد ّ‬
‫أن األصوليين ذكروا الخالف‬
‫فإنهما متكافئتان لكن هنا شيء وهو ّ‬
‫رجل وامرأتان واألخرى رجالن ّ‬
‫الرجحان على اآلخر في غيرها من‬
‫فيما إذا تعارض أمران في صورة أو تساويا فيها وثبت ألحدهما ّ‬
‫الصور فهل يرجح األرجح أم ال ؟ فقوالن‪ n‬فإن قلنا بالتّساوي فال سؤال ‪ ،‬وإ ن قلنا بتقديم األرجح فيرد‬
‫ِ‬
‫متكافَئتين ولم يقدم األرجح‬ ‫السؤال ‪ ،‬لم جعلهما مالك‬

‫( ‪)2/782‬‬

‫صفحة رقم ‪783‬‬


‫واحتج بهذا أبو حنيفة على ّأنه ال يقضي بالشاهد واليمين‪.‬‬
‫ّ‬ ‫قال ابن العربي ‪:‬‬
‫ورده ابن عرفة بوجهين ‪ :‬األول ‪ :‬أن اآلية سيقت لبيان ما يستقل به الحكم في الشهادة ال لبيان كل ما‬
‫يوجب الحكم‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬أن هذه حالة التحمل وهو في حالة مأمور بأن يشهد رجلين أو رجالً وامرأتين وإ نما اليمين‬
‫حالة األداء والحكم بالحق ‪.‬‬

‫( ‪)2/783‬‬
‫صفحة رقم ‪784‬‬
‫ض ْو َن ِم َن الشهدآء ‪...‬‬ ‫ِ‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬م َّمن تَْر َ‬
‫(‪.‬‬
‫استَ ْش ِه ُدوا )‪.‬‬
‫متعلق ب ( ْ‬
‫وأبطل أبو حيان تعلقه ب ( امرأتين ) أو ب ( رجلين ) لئال يلزم عليه المفهوم وهو إطالق الحكم في‬
‫الرجالن مرضيان كانا أو غير ( مرضيين )‪.‬‬ ‫الفريق اآلخر وهما ّ‬
‫( وأجاب ابن عرفة ‪ :‬بأن قوله ‪ِ ( :‬من ِّر َج ِال ُك ْم ) ( و َش ِه َ‬
‫يد ِ‬
‫ين ) باإلضافة ‪ ،‬والمبالغة تفيد كونهما‬
‫مرضيين )‪.‬‬
‫ِ‬
‫اه َما األخرى ‪...‬‬ ‫قوله تعالى ‪ ( :‬أَن تَض َّل ِإ ْح َد ُ‬
‫اه َما فَتُ َذ ِّك َر ِإ ْح َد ُ‬
‫(‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬كان بعضهم يقول ‪ :‬إنه تعليل للمجموع ( وإ رادة ) أن تذكر إحداهما اآلخرى إذا‬
‫ضلت ‪.‬‬

‫( ‪)2/784‬‬

‫صفحة رقم ‪785‬‬


‫وام َرأَتَ ِ‬
‫ان ) بهمز األلف ساكنة‪.‬‬ ‫قال ابن عطية ‪ :‬قال بعض المكيين ( فََر ُج ٌل ْ‬
‫قال ابن جني ‪ :‬ال نظير لتسكين الهمزة المتحركة وإ ّنما خففوا الهمزة فقرب من الساكن ثم بالغوا في‬
‫التخفيف فصارت الهمزة ألفا ساكنة ثم أدخلوا ( الهمزة على األلف ) ساكنة ( ومنه ) قراءة ابن كثير‬
‫( وكشفت عن َس ْأقَْيهَا )‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬وقع تسكين ( الهمزة ) المتحركة ( في القرآن ) في ثالثة مواضع ‪ :‬أحدها ( َو ِج ْئتُ َك‬
‫ِمن َسَبأَ بَِنَبٍإ َيِق ٍ‬
‫ين )‪.‬‬
‫قرأها أبو عمرو والبزي بفتح الهمزة ‪.‬‬
‫وروي عن قنبل إسكان الهمزة إجراء للوصل مجرى الوقف ‪ ،‬قوله تعالى ‪َ ( :‬ما َدلَّهُ ْم َعلَى َم ْوتِ ِه ِإالّ‬
‫ِ‬ ‫دابةُ األ َْر ِ‬
‫ض تَْأ ُك ُل م َ‬
‫نسأَتَهُ ) ‪.‬‬ ‫َ‬

‫( ‪)2/785‬‬
‫صفحة رقم ‪786‬‬
‫وقرأها نافع وأبو عمروا باأللف من غير همزة وابن ذكوان بهمزة ساكنة والباقون بهمزة مفتوحة‪.‬‬
‫َّي ِء ) قرأ حمزة بسكون الهمزة إجراء للوصل مجرى‬‫والثالث قوله ّ في سورة فاطر ‪َ ( :‬و َم ْك ُر الس ّ‬
‫الوقف والباقون بتحريكها‪.‬‬
‫وبوا ِإلَى َب ِارئِ ُك ْم )‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬وموضع رابع وهو ( فَتُ ُ‬
‫روى فيه عن أبي عمرو االختالس وروي عنه اإلسكان‪.‬‬
‫اه َما فَتُ َذ ِّك ُر ) جعل ( إن ) شرطا والشرط وجوابه رفع‬ ‫ِ‬
‫قال ابن عطية ‪ :‬وقرأ حمزة ( ِإن تَض ّل ِإ ْح َد ُ‬
‫اد فََينتَِق ُم اللّهُ ِم ْنهُ )‪.‬‬
‫تذكر ) كما ارتفع قوله تعالى ( َو َم ْن َع َ‬ ‫ألنه صفة للمرأتين ‪ ،‬وارتفع ( ُ‬
‫هذا قول سيبويه وفي هذا نظر ‪.‬‬

‫( ‪)2/786‬‬

‫صفحة رقم ‪787‬‬


‫ْب الشهدآء ِإ َذا َما ُد ُعوْا ‪...‬‬
‫قوله تعالى ‪َ ( :‬والَ َيأ َ‬
‫(‪.‬‬
‫فأما بالنسبة إلى القديم‬
‫قال بن عرفة ‪ :‬قالوا ‪ :‬إن النهي تارة يكون للحاضر ‪ ،‬وتارة يكون للغائب ‪ّ ،‬‬
‫فال فرق بينهما ‪ ،‬وأما في المحدثات فقد يكون النهي في الغيبة أقوى وأشد منه في الحضرة ‪ ،‬ألنك قد‬
‫تنهي الشخص الحاضر عن فعل شيء بين يديك وتكون بحيث لو سمعت عنه أنه يفعله في غيبتك ال‬
‫تزجره وال تنهاه‪.‬‬
‫فهذا األمر فيه أخف من شيء تزجره على فعله في الغيبة والحضرة فإن النهي في هذا أشد‪.‬‬

‫استَ ْش ِه ُدوا ) ٌ‬
‫أمر للمتعاقدين ( َوالَ‬ ‫أن األمر بالشيء ليس هو نهيا عن ضده ألن ( ْ‬
‫وال يؤخذ من اآلية ّ‬
‫ْب ) نهي للشاهدين ‪.‬‬
‫َيأ َ‬

‫( ‪)2/787‬‬

‫صفحة رقم ‪788‬‬


‫َجِل ِه ‪...‬‬ ‫قوله تعالى ‪ ( :‬والَ تسئموا أَن تَ ْكتُبوه ِ‬
‫صغيراً أَو َكبِيراً إلى أ َ‬
‫ُ ُ َ‬ ‫َ‬
‫(‪.‬‬
‫الزمخشري في ) الَ‬
‫السآمة ( بمعنى ) الكسل ‪ ،‬وقدم الصغير خشية التهاون به والتفريط فيه كقول ّ‬
‫ِ ِ ٍ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬
‫اها ( وقوله ) من َب ْعد َوصيَّة يوصى بِهَآ أ َْو َد ْي ٍن ( وقوله ) فَِإن َك َ‬
‫ان‬ ‫ص َ‬ ‫َح َ‬ ‫ص ِغ َيرةً َوالَ َكبِ َيرةً ِإال أ ْ‬ ‫ِ‬
‫ُي َغاد ُر َ‬
‫اق فَِدَيةٌ ُّم َسلَّ َمةٌ إلى‬
‫ان ِمن قَ ْوٍم َب ْيَن ُك ْم َوَب ْيَنهُم ِّميثَ ٌ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫َّ‬
‫من قَ ْوٍم َع ُد ٍّو ل ُك ْم َو ُه َو ُم ْؤ ِم ٌن فَتَ ْح ِر ُير َرقََبة ُّم ْؤ ِمَنة َوإِ ن َك َ‬
‫ِ‬
‫َهِل ِه َوتَ ْح ِر ُير َرقََب ٍة ُّم ْؤ ِمَن ٍة ( مع أن العداوة تنفي أخذ الدية ويوجب ( التعارف ) بها فلذلك قدمت‬ ‫أْ‬
‫الدية‪.‬‬‫ّ‬
‫الدين ‪ ،‬أو على الكتب ‪.‬‬ ‫والضمير في قوله ( تَ ْكتُُبوهُ ) ( إما عائد على الحق أو على ّ‬

‫( ‪)2/788‬‬

‫صفحة رقم ‪789‬‬


‫( ( قال بعضهم ‪ :‬وإ ن عاد الضمير على الكتاب ف ( أ َْو ) للتخيير ‪ ،‬وإ ن عاد على الحق أو الدين ف‬
‫( أ َْو )‬
‫( للتفصيل )‪.‬‬
‫اد ِة ‪...‬‬ ‫ند اهلل وأَ ْقوم ِل َّ‬
‫لشهَ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫قوله تعالى ‪َ ( :‬ذل ُك ْم أَ ْق َسطُ ع َ َ َ ُ‬
‫(‪.‬‬
‫أن األمر المقدم الندب ال للوجوب‪.‬‬
‫ابن عرفة ‪ :‬هذا دليل على ّ‬
‫أن المراد اإلشهاد أقسط عند اهلل ( والكتاب ) أقوم للشهادة فيكون لفّا ونشرا ‪ ،‬أي أعدل‬
‫والصواب ّ‬
‫وأقرب لقيام الشهادة‪.‬‬
‫و ( أَ ْق َسطُ ) قيل من الرباعي وهو شذوذ‪.‬‬
‫قال الزمخشري ‪ :‬من قاسط على النسب أي ذو قسط ‪ ،‬أو جار مذهب سيبويه في بنائها من أفعل‪.‬‬
‫ورده أبو حيان ‪ :‬بأن سيبويه لم ينص بناء أفعل التفضيل من أفعل بل قال ‪ :‬فعل التعجب ينبني من‬
‫فعل وأفعل‪.‬‬
‫قالوا ‪ :‬وأفعل التفضيل ينبني مما بني به فعل التعجب‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬فظاهره أنه لم يحك بناء وهي من أفعل ‪.‬‬

‫( ‪)2/789‬‬

‫صفحة رقم ‪790‬‬


‫وقال ابن خروف ‪ :‬رأيت في النسخ المشرقية ّأنه يبنى من فَ َع َل وفَ ُع َل وأ ْف َع َل زاد في النسخ الرياحية‬
‫أن بناءه من أفعل قليل‪.‬‬
‫إال ّ‬
‫وقد نص على صحة بناء التعجب من أفعل مبني منهما‪.‬‬
‫قسط‪.‬‬
‫وقول ابن عطية ‪ :‬انظر هل يكون من قَ ُسط بالضم غير صحيح ألنه لم يحك فيه ( أحد ) ُ‬
‫وقول الزمخشري ‪ :‬إنه يجوز على مذهب سيبويه صحيح على ما قاله ابن خروف ‪ ،‬وال يحتاج إلى‬
‫الرباعي‪.‬‬
‫النسب إالّ لو لم يثبت فيه ّ‬‫جعله على طريق ّ‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬وأدنى أَالَّ ترتابوا ‪...‬‬
‫(‪.‬‬
‫ظني فال ( ينتفي )‬
‫بالريبة مطلق االحتمال فيكون فيه منح ال ّشهادة بالمفهوم ألنه ّ‬
‫ابن عرفة ‪ :‬إن أريد ّ‬
‫فيه االحتمال‪.‬‬
‫وقد قدمنا فيه ثالثة أقوال ‪:‬‬
‫أحدها ‪ :‬أنه يشهد بها على القطع‪.‬‬
‫الثاني ‪ّ :‬أنه ال يشهد‪.‬‬
‫الثالث ‪ّ :‬أنه يشهد بها بالفهم على نحو ما تحملها ‪.‬‬

‫( ‪)2/790‬‬

‫صفحة رقم ‪791‬‬


‫قال ابن عرفة ‪ :‬وإ ن أريد بالريبة الشك فال يكون فيه دليل على ما قلنا‪.‬‬
‫ون تِ َج َارةً ‪...‬‬ ‫َّ‬
‫قوله تعالى ‪ِ ( :‬إال أَن تَ ُك َ‬
‫(‪.‬‬
‫الدين وبهذا الحاضر ‪ /‬فيكون حينئذ استثناء منقطعا وإ ن ( أراد )‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬إن أراد باألول ّ‬
‫باألول مطلق المعاملة فهو متصل‪.‬‬
‫إن االستثناء من اإلثبات ليس بنفي كاالستدالل بقول اهلل‬ ‫فإن قلت ‪ :‬هل في اآلية دليل لمن يقول ‪ّ : :‬‬
‫َّ ِ‬
‫اح ( وإ ال لما كان له فائدة ‪.‬‬ ‫تعالى ) فَ َس َج ُدوْا ِإال ِإْبل َ‬
‫يس أبى ( لقول اهلل تعالى ) َفلَْي َس َعلَْي ُك ْم ُجَن ٌ‬
‫ألدى إلى إهمال اإلشهاد‬ ‫أن األول تناول الكتب واإلشهاد ‪ ،‬فلو لم تذكر هذه الزيادة ّ‬ ‫( فالجواب ) ّ‬
‫والكتب‪.‬‬
‫فأفادت‬

‫( ‪)2/791‬‬
‫صفحة رقم ‪792‬‬
‫هذه الزيادة رفع الجناح عن الكتب في الحاضر وبقاء األمر في اإلشهاد فيها من غير كتب‪.‬‬
‫أبو حيان ‪ :‬وقيل االستثناء متصل راجع ( لقوله ) ( َوال تَ ْسَئ ُموا ) ‪.‬‬
‫وقَ ّدر أبو البقاء معنى االتصال في االستثناء ألنه أمر باالستشهاد في كل معاملة ‪ ،‬واستثنى منه‬
‫التجارة الحاضرة‪.‬‬
‫والتقدير ‪ :‬إالّ في حال الحضور للتجارة‪.‬‬
‫قال الصفاقسي ‪ :‬وفي هذا التقدير نظر‪.‬‬
‫انتهى‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬وأشهدوا ِإ َذا تََب َاي ْعتُ ْم ‪...‬‬
‫(‪.‬‬
‫وها ( ألن‬ ‫َّ‬
‫اح أَال تَ ْكتُُب َ‬
‫هذه تضمنت اإلشهاد من غير كتب فال تناقض ( ( في قوله ‪َ ) :‬فلَْي َس َعلَْي ُك ْم ُجَن ٌ‬
‫تلك ّإنما اقتضت رفع الجناح عن عدم الكتب و ( بقي ) اإلشهاد مطلوبا ) )‪.‬‬
‫يد ‪...‬‬ ‫ض َّآر َكاتِ ٌ‬
‫ب َوالَ َش ِه ٌ‬ ‫قوله تعالى ‪َ ( :‬والَ ُي َ‬
‫(‪.‬‬
‫يضار ُر مبينا للمفعول‪. n‬‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫يضار ُر مبينا للفاعل أو‬ ‫يحتمل أن يكون أصله‬

‫( ‪)2/792‬‬

‫صفحة رقم ‪793‬‬


‫قال ابن عرفة ‪ :‬ويصح حمله على األمرين معا على القول بجواز تعميم اللفظ المشترك في مفهوميه‬
‫معا ‪ ،‬كما قالوا في الجور والقرء ونحوه‪.‬‬
‫قيل البن عرفة ‪ :‬هذان لفظان وذلك إنما هو ( في ) اللّفظ الواحد كذا قال الفخر ؟ فقال ابن عرفة ‪ :‬قد‬
‫قال سيبويه في المشترك إنهما لفظان داالّن على معنيين‪.‬‬
‫ذكره في باب المستقيم واإلحالة في ( وجدت )‪.‬‬
‫وقال ابن التلمساني في شرح المعالم الفقهية في المسألة الخامسة من الباب الثالث في قوله ) َو ُكَّنا‬
‫ِِ‬ ‫ِ ِ‬
‫عممنا ) في‬ ‫ل ُح ْكم ِه ْم َشاهد َ‬
‫ين ( ّإنه يحتمل أن يكون مضافا للفاعل والمفعول‪ n‬معا ‪ ،‬ثم رده بأنه إذا ( ّ‬
‫األمرين يلزم أن يكون مرفوعا ومنصوبا في حالة واحدة وذلك جمع بين النقيضين‪.‬‬
‫فإن قلت ‪ :‬لم عبر في ( شهيد ) بلفظ المبالغة دون ( كاتب ) ‪.‬‬
‫إن ذلك فيمن ّبرز وبلغ إلى درجة العدالة‪.‬‬
‫قلت ‪ّ :‬‬
‫واختلف ( الناس ) في جواز أخذ األجرة على الشهادة والمعروف المنع ‪.‬‬
‫( ‪)2/793‬‬

‫صفحة رقم ‪794‬‬


‫وبعضهم أجازها إذا كان منقطعا عن أسبابه إليها‪.‬‬
‫وقيل ‪ :‬إن كان له من المعرفة ( ما ) يفتقر بها إليه في النظر في الوثيقة ليصححها فقها وكتابة‬
‫باعتبار سالمتها من اللّحن المخل فيجوز له أخذ األجرة وإ الّ فال‪.‬‬
‫وقال الحافظ أبو عمرو عثمان بن الصالح في علوم الحديث ما نصه ‪ :‬من أخذ على التحديث أجرا‬
‫فقال ( إسحاق ) بن إبراهيم وأحمد ابن حنبل وأبو حاتم الرازي في ذلك مانع من قبول روايته فال‬
‫يؤخذ منه‪.‬‬
‫وترخص أبو نعيم الفضل بن ( دكين ) وعلي بن عبدالعزيز ( المكي ) وآخرون فأجازوا أخذ‬
‫أن في هذا من حيث العرف‬
‫العوض عن التحديث وشبهوها بأخذ األجرة على إقرائهم القرآن على ّ‬
‫أن يقترن‬
‫السوء ) بفاعله إالّ ْ‬
‫خرما للمروءة والظّن ( ّ‬

‫( ‪)2/794‬‬

‫صفحة رقم ‪795‬‬


‫أن أصحاب‬
‫السعودي ( وأفتى به ) الشيخ أبو إسحاق الشيرازي ّ‬
‫ذلك بما ينفيه كما كان أبو الحسن ّ‬
‫الحديث كانوا يمنعونه عن الكسب لعياله‪.‬‬
‫انتهى‪.‬‬
‫ذكره في النوع الثالث والعشرين ( في إكمال عياض في كتاب الطب في أحاديث الرقى‪.‬‬
‫الرقية والطب‬
‫أجاز اإلمام مالك وأحمد بن حنبل والشافعي وأبو ثور وأبو إسحاق أخذ األجرة على ّ‬
‫وعلى تعليم القرآن‪.‬‬
‫ومنع اإلمام أبو حنيفة وأصحابه األجرة على تعليم القرآن وأجازوا األجرة على الرقية )‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ ( :‬فحاصله ) أنه إن كان انقطاعه لذلك يشغله عن معاشه وكان فقيرا محتاجا لما‬
‫يتعيش به ولم يكن عنده من المال ما يستغني به عن طلب المعاش فيجوز له أخذ األجرة وإ الّ فال ‪.‬‬

‫( ‪)2/795‬‬
‫صفحة رقم ‪796‬‬
‫أن القاضي أبا محمد عبد اهلل اللّخمي بعث له صهره‬
‫وحكى أبو العباس أحمد بن حلولو عن والده ّ‬
‫يأخذ األجرة على الشهادة ‪ ،‬فتقيأه‬
‫سيدى أََبو علي بن قداح بزير لبن فشربه ثم سمع أنه من عند شاهد ّ‬
‫ألنه كان يأخذ ذلك‬
‫‪ ،‬ثم لما صار هو شاهدا كان يأخذ في الشهادة قدر الدينار كل يوم ‪ ،‬وما ذلك إال ّ‬
‫من وجهه ‪ ،‬والشاهد األول لم يكن يأخذ ذلك من وجهه‪.‬‬
‫وق بِ ُك ْم ‪...‬‬
‫قوله تعالى ‪َ ( :‬وإِ ن تَ ْف َعلُوْا فَِإَّنهُ فُ ُس ٌ‬
‫(‪.‬‬
‫تعدي الحدود الشرعية‪.‬‬
‫الحد وفي ال ّشرع هو ّ‬
‫الفسق في اللّغة مطلق الخروج عن ّ‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬واتقوا اهلل َوُي َعلِّ ُم ُك ُم اهلل ‪...‬‬
‫(‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬هذا دليل على ثبوت اشتراط العلم في الكاتب والشاهد‪.‬‬
‫ٍ ِ‬ ‫ِّ‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬واهلل بِ ُكل َش ْيء َعل ٌ‬
‫يم (‪.‬‬
‫اختلفوا في لفظ ( شيء ) هل يصدق على المعدوم أو ال ؟ وقال الشيخ القرافي في تأليفه على‬
‫األربعين البن الخطيب ‪ :‬إن ذلك الخالف إنما هو في كونه محكوما به ال في كونه متعلق الحكم‬
‫كقولك ‪ :‬المعدوم شيء‪.‬‬
‫ٍ ِ‬ ‫ِّ‬
‫وأما مثل ) واهلل بِ ُكل َش ْيء َعل ٌ‬
‫يم ( فهو متعلق الحكم ‪.‬‬

‫( ‪)2/796‬‬

‫صفحة رقم ‪797‬‬


‫قال ابن عرفة ‪ :‬إنما الخالف مطلقا ‪ ،‬وما ذكروا هذا إال في اسم الفاعل المشتق وأما في هذا فقد ذكره‬
‫اآلمدي في أبكار األفكار مطلقا‪.‬‬
‫بأن المعدوم ليس بشيء وهو مذهب أهل السنة‪.‬‬ ‫ابن عرفة ‪ :‬واآلية حجة ّ‬
‫قوله تعالى ‪َ ( :‬وإِ ن ُكنتُ ْم على َسفَ ٍر َولَ ْم تَ ِج ُدوْا َكاتِباً فَ ِر َه ٌ‬
‫ان ‪...‬‬
‫(‪.‬‬
‫السنة ألن النبي رهن درعه في الحضر‪.‬‬
‫بنص ّ‬
‫ابن عرفة ‪ :‬مفهوم اآلية ملغى ّ‬
‫وأيضا فهو مفهوم خرج مخرج الغالب ألن السفر مظنة لعدم وجدان الكاتب أو هو شيء من األدلة‬
‫غالبا بخالف الحضر‪.‬‬
‫قال ابن عطية ‪ :‬أجمع الناس على صحة قبض المرتهن وعلى قبض وكيله‪.‬‬
‫واختلفوا في قبض عدل فجعله اإلمام مالك قبضا‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬إذا لم يكن من جهة الراهن‪.‬‬
‫وقال الحكم بن عيينة وقتادة ‪ :‬ليس بقبض‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬إذا قبض المرتهن الرهن ولم يزل حائزا له كان أحق به ال خالف‪.‬‬
‫وإ ن كان قبضه بالشهادة ثم أذن المرتهن للراهن في التصرف فيه فتصرف فيه الراهن بطل الحوز‬
‫بال خالف ‪ ،‬وإ ن أذن المرتهن للراهن في التصرف فيه فلم يتصرف فيه ولم يزل بيد‬

‫( ‪)2/797‬‬

‫صفحة رقم ‪798‬‬


‫المرتهن فظاهر كتاب الرهن في المدونة أنه مبطل للحوز‪.‬‬
‫وظاهر كتاب حريم البير منها أنه غير مبطل ( بناء ) على أن الحوز شرط في لزوم الرهن أو في‬
‫استحقاق الرهن‪.‬‬
‫ِ‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬فَِإ ْن أَم َن َب ْع ُ‬
‫ض ُكم َب ْعضاً َفْلُي َؤ ِّد الذي اؤتمن أ َ‬
‫َم َانتَهُ ‪...‬‬
‫(‪.‬‬
‫ظاهره جواز إعطاء الدين وجواز أخذه من غير رهن فتكون ناسخة لما قبلها ألن عمومها يقتضي‬
‫اشتراط أخذ الرهن فيه‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪َ ( :‬والَ تَ ْكتُ ُموْا الشهادة ‪...‬‬
‫(‪.‬‬
‫راجع لحالة ( األداء ) ‪.‬‬

‫( ‪)2/798‬‬

‫صفحة رقم ‪799‬‬


‫قوله تعالى ‪َ ( :‬و َمن َي ْكتُ ْمهَا فَِإَّنهُ آثِ ٌم َقْلُبهُ ‪...‬‬
‫(‪.‬‬
‫قال الزمخشري ‪ :‬لم قال ) آثِ ٌم َقْلُبهُ ( فخصص اإلثم بالقلب وهال علقه بجميع الجسد ؟ وأجاب بأربعة‬
‫أوجه ‪ :‬األول ‪ :‬أنه تحقيق لوقوع اإلثم ثم ألن كتمان الشهادة من فعل القلب وإ ثمها مقترن بالقلب‬
‫فلذلك أسند إليه‪.‬‬
‫أن القلب األص ُل لحديث ( إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإ ذا فسدت فسد‬
‫للثاني ‪ّ :‬‬
‫الجسد كله أال وهي القلب )‪.‬‬
‫أن القلب أصل واللّسان ترجمان له‪.‬‬
‫الثالث ‪ّ :‬‬
‫الرابع ‪ :‬أن أفعال القلب أعظم من أفعال الجوارح وإ ثمه أعظم من إثمها‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬ومنهم من كان يجيب بأن القلب يستوي فيه الفعل والترك وليس بينهما تفاوت إذ ال‬
‫فإن الفعل يمتاز عن التّرك ( بالبديهة ) وكتمان‬
‫بالنسبة إلى الفعل بخالف الجوارح ّ‬
‫أثر ( للترك ) فيه ّ‬
‫الشهادة ترك فلو أسند للجوارح لما حسن ( ترتب ) اإلثم عليه فلذلك أسند للقلب الذي هما فيه‬
‫مستويان ‪.‬‬

‫( ‪)2/799‬‬

‫صفحة رقم ‪800‬‬


‫قوله تعالى ‪ ( :‬لِّلَّ ِه ما ِفي السماوات َو َما ِفي األرض ‪...‬‬
‫(‪.‬‬
‫ألنها ( مما ) في السماوات وما في األرض‪.‬‬‫أن أعمال العباد مخلوقة هلل ّ‬ ‫احتجوا بها على ّ‬
‫السماء بسيطة إذ لو كانت كروية لكانت األرض ( مما ) فيها ولم يكن لقوله ‪) :‬‬‫واحتجوا بها على أن ّ‬‫ّ‬
‫بالتضمن وااللتزام ‪ ،‬ألنها‬
‫ّ‬ ‫َو َما ِفي األرض ( فَائِ َدة ؟ وأجيب ‪ :‬بأن ذكرها بالمطابقة أولى من ذكرها‬
‫مشاهدة مرئية ‪ ،‬ومذهب ( المتقدمين أنها بسيطة ومذهب ) المتأخرين أنها كروية‪.‬‬
‫النهاية وال ينبني على ذلك الكفر وال إيمان‪.‬‬ ‫قال الغزالي في ّ‬
‫اس ْب ُك ْم بِ ِه اهلل ‪...‬‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬وإِ ن تُْب ُدوْا ما في أ َْنفُ ِس ُكم أَو تُ ْخفُوه يح ِ‬
‫َُُ‬ ‫ْ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫(‪.‬‬
‫متسببة عن العلم به أي يعلمه اهلل فيحاسبكم عليه‬
‫ّ‬ ‫من إقامة المسبب مقام سببه ألن المحاسبة ( عليه )‬
‫النفس إن كان وسوسة وترددا من غير جزم فال خالف في عدم المؤاخذة به ( وإ ن كان‬
‫‪ ،‬وما في ّ‬
‫على سبيل الجزم والمواطأة عليه فإما أن يكون له أثر في الخارج أو ال‪.‬‬
‫فإن كان قاصرا على نفس اإلنسان وال أثر له في الخارج كاإليمان‬

‫( ‪)2/800‬‬

‫صفحة رقم ‪801‬‬


‫تم بإثره فال خالف في المؤاخذة ) ‪،‬‬
‫والكفر خالف في المؤاخذة ‪ ،‬وإ ن كان له أثر في الخارج فإن ّ‬
‫كمن يعزم على السرقة ويسرق أو على القتل ويقتل ‪ ،‬وإ ن عزم عليه في نفسه ورجع عن فعله في‬
‫الخارج فإن كان اختيارا لغير مانع فال خالف في عدم المؤاخذة به ‪ ،‬بل ذكروا أنه يؤجر على ذلك‬
‫كما في بعض طرق الحديث ( إن ) تركها ( مأجور ) ‪ ،‬وإ ن رجع عنه لمانع منه ففي المؤاخذة به‬
‫قوالن‪.‬‬
‫هذا محصول ما ذكره القاضي أبو الفضل عياض في اإلكمال ‪ ( :‬إذا هم العبد بسيئة فلم يعملها )‬
‫الحديث ذكره مسلم في كتاب اإليمان‪.‬‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬والكفر خارج من هذا لقول اهلل تعالى ‪ِ ) :‬إ َّن اهلل الَ َي ْغف ُر أَن ُي ْش َر َك بِه َوَي ْغف ُر َما ُد َ‬
‫ون‬
‫آء (‬ ‫ِ‬
‫ذلك ل َمن َي َش ُ‬

‫( ‪)2/801‬‬

‫صفحة رقم ‪802‬‬


‫وحكى ابن عطية عن ابن عباس هما وجماعة أنها لما نزلت قال الصحابة ‪ ( :‬هلكنا إن حوسبنا‬
‫بخواطرنا )‪.‬‬
‫ف اهلل َن ْفساً ِإالَّ ُو ْس َعهَا ( فمنهم من جعلها ناسخة‪.‬‬
‫فأنزل اهلل ) الَ ُي َكلِّ ُ‬
‫وضعفه ابن عطية ألنه خبر فال ينسخ‪.‬‬
‫ط ْعَنا ) فقالُوا فنزلت ) الَ ُي َكلِّ ُ‬
‫ف‬ ‫قال لكن ورد أنهم لما قالوا ‪ :‬هلكنا ‪ ،‬قال لهم النبي قولوا ‪َ ( :‬س ِم ْعَنا َوأَ َ‬
‫ِ‬
‫اهلل َن ْفساً ( فصح النسخ وتشبه اآلية حيئنذ قول اهلل تعالى في األنفال ‪ِ ) :‬إن َي ُكن ِّمن ُك ْم ع ْش ُر َ‬
‫ون‬
‫ون َي ْغِلُبوْا ِم ْاَئتَْي ِن ( ثم نسخت بصبر المائة للمائتين‪.‬‬‫صابِ ُر َ‬
‫َ‬
‫وآيتَُنا ) هذه تحتمل النسخ‬ ‫ألنه رفع ك ّل الحكم ( َ‬ ‫قال ابن عرفة ‪ :‬آية األنفال ليس فيها إال النسخ ّ‬
‫والتخصيص كما قال بعضهم ‪.‬‬

‫( ‪)2/802‬‬

‫صفحة رقم ‪803‬‬


‫قال ابن عرفة ‪ :‬ونظير اآلية ما خرج مسلم في كتاب اإليمان عن علقمة عن عبد اهلل قال ‪ :‬لما نزلت‬
‫يم َانهُ ْم بِظُْلٍم أولئك لَهُ ُم األمن ( شق ذلك على أصحاب رسول اهلل ( وقالوا‬ ‫ِ‬
‫آمُنوْا َولَ ْم يلبسوا إ َ‬
‫) الذين َ‬
‫ّأينا لم يظلم نفسه ) فقال لهم ‪ ( :‬ليس هو كما تظنون إنما هو كما قال لقمان البنه ‪ ) :‬يابني الَ تُ ْش ِر ْك‬
‫ِ‬
‫يم ( )‪.‬‬ ‫باهلل ِإ َّن الشرك لَظُْل ٌم َعظ ٌ‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬وذكر الفقهاء الخالف إذا شهد شاهدان لرجل بشيء مظروف في شيء وماتا أو غابا‬
‫هل يكون له الظرف ( أم ال ) ؟ قالوا ‪ :‬إن كان الظرف من ضرورياته ال يمكن أن يجعل إال فيه‬
‫كالزيت والخل فهو له بما ‪ /‬فيه باتفاق‪.‬‬
‫صر ) ففي كون الظرف له خالف‪.‬‬
‫كجبة في صندوق أو في ( ّ‬ ‫وإ ن لم يكن من ضرورياته ّ‬
‫وذكره ابن الحاجب في كتاب اإلقرار قال فيه ما نصه ‪ :‬وثوب في صندوق أو منديل ففي لزوم ظرفه‬
‫قوالن بخالف زيت في جرة ‪ ،‬وجبة وبطانتها ‪ ،‬وخاتم وفصه ‪ ،‬أي يقبل قوله‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬واآلية حجة لمن يقول شهادتهما بالمظروف يستلزم الظرف ألن كون ) لِّلَّ ِه ما ِفي‬
‫السماوات َو َما ِفي األرض ( يستلزم أن السماوات نفسها له ‪.‬‬

‫( ‪)2/803‬‬

‫صفحة رقم ‪804‬‬


‫قَال ابن عرفة ‪ :‬اآلية حجة أيضا لمن يقول ‪ :‬إن الطالق بالنية ( ال ) يلزم عندنا وفيه خالف‬
‫والمشهور أنه غير الزم‪.‬‬
‫ِ ِ‬
‫آء ‪...‬‬ ‫آء َوُي َع ِّذ ُ‬
‫ب َمن َي َش ُ‬ ‫قوله تعالى ‪ ( :‬فََي ْغف ُر ل َمن َي َش ُ‬
‫(‪.‬‬
‫قال الزمخشري ‪ :‬وقرىء فََي ْغِف ْر ( بالجزم ) في جواب الشرط‪.‬‬
‫نصوا على أن الفاء إنما تنصب في األجوبة الثمانية ولم يعدوا منها‬ ‫ورده أبو حيان بأن النحويين ّ‬
‫الشرطية‪.‬‬
‫فجعله معطوفا على مصدر مقدر فيكون من عطف الفعل على االسم الملفوظ به‪.‬‬
‫أن قول ( النحويين ) األجوبة الثمانية ليس على ظاهره بل مرادهم كل ما ليس‬
‫ونص الشلوبين على ّ‬
‫واجبا أعني ما ليس بخبر فيدخل فيه الشرط‪.‬‬
‫وتحامل الزمخشري هنا‬
‫( وأساء األدب ) على السوسى‬

‫( ‪)2/804‬‬

‫صفحة رقم ‪805‬‬


‫وخطأه كما خطّأ ( الصيمري ) في تبصرته‬
‫من طريق أبي عمرو ّ‬
‫ير ِّم َن المشركين قَ ْت َل أ َْوالَِد ِه ْم‬
‫َّن ِل َكثِ ٍ‬
‫والزجاج ) وكذا خطأ ابن عامر في قراءته ) وكذلك َزي َ‬
‫( ّ‬
‫آؤ ُه ْم ( ولكن تخطئته هنا ألبي عمرو من طريق السوسي أشنع‪.‬‬ ‫ُشَر َك ُ‬
‫قال ابن عطية ‪ :‬هنا عن النقاش ‪ :‬فيغفر لمن يشاء ( أي ) لمن ( ينزع ) عنه ‪ ،‬ويعذب من يشاء أي‬
‫من أقام عليه ‪.‬‬

‫( ‪)2/805‬‬

‫صفحة رقم ‪806‬‬


‫قال ابن عرفة ‪ :‬وهذا نحو ما قال الزمخشري ‪ ،‬وفيه إيهام االعتزال‪.‬‬
‫السنة أنه يجوز أن يغفر له وإ ن لم يتب‬
‫أن المعاصي ال تغفر إال بالتوبة ومذهب أهل ّ‬
‫قلت ‪ :‬ألنه يوهم ّ‬
‫( منها ) إالّ الكفر‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬واهلل على ُك ِّل َش ْي ٍء قَِد ٌير (‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬لفظ ( شيء ) يطلق على المعدوم والموجود فأفاد ّأنه على كل شيء مما في‬
‫السموات واألرض ومما هو خارج ( عنهما ) قدير‪.‬‬
‫الخالء‬
‫قال ( والفضاء الذي بين السماء واألرض تقول ّإنه عامر وإ نه خارج عنها وهي مسألة َ‬
‫والمالء ) ونقول ‪ :‬تناولت اآلية األمر الحالي والماضي ونفي المستقبل غير داخل فيها فلذلك قال ‪) :‬‬
‫واهلل على ُك ِّل َش ْي ٍء قَِد ٌير ( ليدخل المستقبل‪.‬‬
‫ٌّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫آم َن ‪...‬‬ ‫آم َن الرسول ب َمآ أ ُْن ِز َل إلَْيه من َّربِّه والمؤمنون ُكل َ‬ ‫قوله تعالى ‪َ ( :‬‬
‫(‪.‬‬
‫ذكر ابن عطية سبب نزول اآلية أنها لما نزلت ) َوإِ ن تُْب ُدوْا َما في أ َْنفُ ِس ُك ْم أ َْو تُ ْخفُوهُ (‪.‬‬
‫‪ .‬اآلية شق ذلك على المؤمنين ثم قالوا ) َس ِم ْعَنا َوأَ َ‬
‫ط ْعَنا (‪.‬‬
‫ف اهلل َن ْفساً ِإالَّ ُو ْس َعهَا (‬‫فَ َمدحهم اهلل وأثنى عليهم ورفع عنهم المشقة ب قوله تعالى ‪ ( :‬الَ ُي َكلِّ ُ‬

‫( ‪)2/806‬‬

‫صفحة رقم ‪807‬‬


‫قال ابن عرفة ‪ :‬وضم اإلخبار عنهم باإليمان في هذه اآلية إلى هذا السبب يقتضي استلزام اإليمان‬
‫للعمل الصالح ‪ ،‬قال ‪ :‬وفيها سؤال وهو أن الفاعل مخبر عنه بفعله وتقرر أنه ال يجوز ( قام ) القائم‬
‫‪ ،‬وال ضرب الضارب ‪ ،‬إذ ال فائدة فيه ‪ ،‬فلو قيل ‪ ( :‬آمن الرسول والصحابة ألفاد ‪ ،‬فكيف قال‬
‫الدار القائم ‪ ،‬وهنا أفاد‬
‫آم َن ) المؤمنون ؟ والجواب ‪ّ :‬أنه يفيد إذا ( قيد بشيء ) كقولك قام ‪ :‬في ّ‬ ‫( َ‬
‫ُنز َل ِإلَْي ِه ِمن َّرب ِ‬
‫ِّه (‪.‬‬ ‫تقيده وهو قوله ) بِ َمآ أ ِ‬
‫انتهى‪.‬‬
‫فإن قلت ‪ :‬لم ذكر الرسول ومعلوم أنه آمن ؟ قلت ‪ :‬إنه ذكر مع المؤمنين تشريفا لهم وتعظيما إذ ال‬
‫ينظم الجوهر النفيس إال ( مع ) نفيس مثله‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬قال ابن عطية ‪ :‬و ) كل ( لفظة تصلح لالحاطة والقرينة تبين ذلك‪.‬‬
‫انتهى‪.‬‬
‫نصا في العموم خالفا لألصوليين فإنهم ذكروها في ألفاظ العموم‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬وظاهر ّأنها ليست ّ‬
‫وتقدم للنحويين التفريق بين رفعها ونصبها في قوله ‪ :‬قد أصبحت أم الخيار تدعي ‪...‬‬
‫علي ذنبا كله لم أصنع‬
‫ّ‬

‫( ‪)2/807‬‬

‫صفحة رقم ‪808‬‬


‫فقالوا ‪ :‬رفعها أعم‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬إنما أراد ابن عطية قولهم ‪ :‬كل الصيد في جوف الفراء‪.‬‬
‫ورأيت رجال كل ( الرجل ) وقولهم ‪ :‬أكلت شاة كل شاة‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬ومالئكته ‪...‬‬
‫(‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬ال بد في اإليمان بالمالئكة من استحضار ّأنهم أجسام متحيزة ( منتقلة ) كبني آدم ‪.‬‬
‫ولذلك قال أبو عمران الفارسي في المسألة المنقولة عنه في الكفار ‪ّ :‬إنهم ما عرفوا ( اهلل ) قط وال‬
‫آمنوا به خالفا للغزالي من أهل السنة ( فإنه ) قال في المالئكة إنهم أجسام لطيفة ال متحيزة وال قائمة‬
‫بالمتحيز ونحا في هذا منحى الفالسفة‪.‬‬
‫إن ( المقترح ) توقف فيهم ؟ فقال ‪ :‬إنما توقف في إثبات الجوهر ( الفرد ) وهو‬ ‫قيل البن عرفة ‪ّ :‬‬
‫شيء ال متحيز وال قائم بالمتحيز ولم يتوقف في المالئكة‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪َ ( :‬و ُكتُبِ ِه َو ُر ُسِل ِه ‪...‬‬
‫(‪.‬‬

‫( ‪)2/808‬‬
‫صفحة رقم ‪809‬‬
‫قال الزمخشري ‪ :‬قرأ ابن عباس ‪َ ) :‬و ِكتَابِ ِه ( يريد القرآن وعنه الكتاب أكثر من الكتب‪.‬‬
‫فإن قلت ‪ :‬كيف يكون الكتاب أكثر من الكتب ؟ قلت ‪ :‬ألنه إذا أريد بالواحد الجنس والجنسية قائمة‬
‫في وحدان ( الجنس ) كلها لم يخرج منها شيء ‪ ،‬وأما الجمع فال يدخل تحته ( االّ ما فيه الجنسية من‬
‫المجموع‪.‬‬
‫وقدره الطيبي بأن المفرد إذا أريد به الجنس يدخل تحته ) المجموع واألشخاص بخالف الجمع فإنه ال‬
‫يتناول إال المفردات فقط‪.‬‬
‫أن‬
‫قيل البن عرفة ‪ :‬قد اختلفوا في المفرد المحلى باأللف والالّم ( هل يفيد العموم ‪ ،‬واتفقوا على ّ‬
‫الجمع يفيد العموم ال سيما المحلى باأللف والالّم ) ؟ فقال ‪ ( :‬ما كالمنا ) إال فيما ثبت فيه العموم من‬
‫مفرد أو جمع ‪ ،‬فالمفرد الذي يثبت فيه العموم ( أعم من الجمع الذي يثبت فيه العموم ) ‪.‬‬

‫( ‪)2/809‬‬

‫صفحة رقم ‪810‬‬


‫وكالم أبي حيان في هذا الموضع غير صحيح وكذلك كالم الطيبي‪.‬‬
‫قال ‪ :‬وقد ذكر القرافي في الخالف في َدالَلة العام على أفراده هل هي تضمن أو التزام ونص على ‪/‬‬
‫أن المفرد الذي أريد به العموم دال على أفراده ومسمياته وذلك كان أعم من الجمع‪.‬‬
‫قيل البن عرفة ‪ :‬لعل داللته على العموم بقرينة حالية ؟ فقال ‪ :‬إذا تعارض صرف الداللة للفظ أو‬
‫لقرينة فصرفها للفظ أولى‪.‬‬
‫انتهى‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬ألن داللة الجمع على أفراده من باب داللة اللفظ على جزء مسماه وداللة المفرد من باب داللة‬
‫اللفظ على تمام مسماه ألنه يدل على هذا المسمى وحده وعلى هذا بدال عنه‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬وداللة المطابقة حقيقة وداللة التضمن وااللتزام مجاز ‪.‬‬

‫( ‪)2/810‬‬

‫صفحة رقم ‪811‬‬


‫فإن قلت ‪ :‬ليس الكتب في اآلية معرفا باأللف والالّم ( بل مضافا ) ؟ قلت ‪ :‬اإلضافة عاقبة األلف‬
‫والالّم‪.‬‬
‫ولذلك قال ابن التلمساني شارح المعالم في المسألة الثانية من الباب الثالث ‪ :‬إن من ألفاظ العموم‬
‫صيغ الجموع المعرفة بالم الجنس أو باإلضافة‪.‬‬
‫ألنك إن بدأت من أول‬
‫ابن عرفة ‪ :‬وفائدة هذا الترتيب في اآلية ما يقولونه ‪ :‬وهو التركيب والتحليل ّ‬
‫ألنه ملقى ومتلقى كقولك ‪:‬‬
‫قلت ‪ :‬اهلل األول ‪ ،‬والمالئكة يتلقون الوحي منه ‪ ،‬والوحي في ثالث رتبة ‪ّ ،‬‬
‫أعطيت زيدا درهما ‪ ،‬فالدرهم معطى ومأخوذ ‪ ،‬فهو مفعول بكل اعتبار ‪ ،‬وزيد فاعل ومفعول‬
‫فالرسل في الرتبة الرابعة‪.‬‬
‫وإ ن بدأت من أسفل قلت ‪ :‬الرسل المباشرون لنا والقرآن هو الذي يقع به المباشرة وهو منزل عليهم‬
‫ثم من أنزله من عنده‪.‬‬
‫َحٍد ِّمن ُّر ُسِل ِه ‪...‬‬
‫ق َب ْي َن أ َ‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬الَ ُنفَِّر ُ‬
‫(‪.‬‬
‫ضهُ ْم على َب ْع ٍ‬
‫ض ( قلت ‪ :‬إذا أسند الحكم إلى‬ ‫فإن قلت ‪ :‬كيف هذا مع قوله ) تِْل َك الرسل فَ َّ‬
‫ضْلَنا َب ْع َ‬
‫الشيء فإنما يسند إليه باعتبار ( وصفه ) المناسب له وقد قال ‪ ( :‬من رسله ) فما التفريق بينهم إال‬
‫في وصف‬

‫( ‪)2/811‬‬

‫صفحة رقم ‪812‬‬


‫الرسالة أي ال نؤمن ببعضهم ونترك بعضهم بل نؤمن بالجميع‪.‬‬
‫ون ُن ْؤ ِم ُن‬ ‫ِِ‬ ‫ون باهلل َو ُر ُسِل ِه َوُي ِر ُ‬
‫ون أَن ُيفَِّرقُوْا َب ْي َن اهلل َو ُر ُسله َويقُولُ َ‬
‫يد َ‬ ‫قال اهلل تعالى ) ِإ َّن الذين َي ْكفُُر َ‬
‫ض‪.‬‬ ‫ض وَن ْكفُُر بَِب ْع ٍ‬
‫ِ ٍ‬
‫بَب ْع َ‬
‫ف اهلل َن ْفساً ِإالَّ ُو ْس َعهَا ‪...‬‬‫( قوله تعالى ‪ ( :‬الَ ُي َكلِّ ُ‬
‫(‪.‬‬
‫مبينة بهذا‪.‬‬
‫ابن عرفة ‪ :‬تقدم في اآلية السابقة ّأنها ( إما ) منسوخة أو مخصوصة بهذا أو ّ‬
‫زاد ابن الخطيب أنها من كالم الناس‪.‬‬
‫بأن هذا خبر فال يصح أن يكون من كالم الناس إذ ال طريق لهم إلى معرفته إال أن‬
‫ورده ابن عرفة ‪ّ :‬‬
‫يكون أنزل قبله ما هو في معناه‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬وتكليف ما ال يطاق فيه ثالث أقوال ‪ :‬مذهب أهل السنة جوازه ‪ ،‬ومذهب المعتزلة‬
‫منعه ‪ ،‬والثالث الوقف‪.‬‬
‫وإ ذا قلنا بالجواز فهل هو واقع أم ال ؟ فيه خالف‪.‬‬
‫وتردد األشعري في وقوعه ‪ ،‬وقسمه ابن التلمساني على خمسة أقسام والخالف إنما هو في قسمين‬
‫وهما المستحيل عقال والمستحيل عادة ‪ ،‬وما عداهما فال خالف فيه إذ ليس من تكليف ما اليطاق‪.‬‬
‫قال في ( شرح ) المحصول ‪ :‬وفائدة التّكليف بالمستحيل عقال أو عادة أن يكون عالمة على ( شقاوة‬
‫) المكلف بذلك ألنه‬

‫( ‪)2/812‬‬

‫صفحة رقم ‪813‬‬


‫ال يتوصل إلى امتثاله واآلية حجة لمن يجيز التكليف ( بما ) ال يطاق ويبقى وقوعه إذ ال ( ينفى إال )‬
‫ما هو ممكن الوقوع و ( من ) قال بوقوع تكليف ما ال يطاق واحتج بقضية أبي لهب فإنه مكلف بأن‬
‫ات لَهَ ٍب ( وهو مكلف بأن يؤمن ّ‬
‫بالنبي صلّى اهلل عليه وسلّم‬ ‫ال يؤمن ل قوله تعالى ‪ ( :‬سيصلى َناراً َذ َ‬
‫وبجميع ما جاء به ومن جملته هذا‪.‬‬
‫وأجاب تاج الدين األرموي في شرح الحاصل بأنه مكلف بأن يؤمن بالنبي وبما جاء به إيمانا جمليا ال‬
‫تفصيليا‪.‬‬
‫قال الفخر وابن التلمساني ‪ :‬من تكليف ما ال يطاق التكليف بما علم عدم وقوعه‪.‬‬
‫فقال ابن عرفة ‪ :‬هذا وهم وليس ذلك من تكليف ما ال يطاق بوجه ألنه ممكن في نفس األمر فهو‬
‫( مطيق ) فعله كتكليف العصاة بالصالة في الوقت فيفعلونها بعد الوقت قضاء‪.‬‬
‫قيل البن عرفة ‪ :‬ما فائدة الخالف ( بتكليف ) ما ال يطاق بالنسبة إلى النائم ؟ فقال ‪ :‬قد ذكروا في‬
‫النائم ّأنه إذا ضرب ( برجله ) إناء فكسره فإنه يضمنه‪.‬‬
‫وكذلك إذا ضرب أحدا فقتله فهل تضمينه ذلك من تكليف ما ال يطاق أم ال ؟‬

‫( ‪)2/813‬‬

‫صفحة رقم ‪814‬‬


‫والظاهر أنه من خطاب الوضع واإلجبار‪.‬‬
‫ت َو َعلَْيهَا َما اكتسبت ‪...‬‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬لَهَا َما َك َسَب ْ‬
‫(‪.‬‬
‫ذكر ( الزمخشري ) وابن عطية وجه المغايرة بين الفعلين وهما متقاربان‪.‬‬
‫أن المكلّف بفعل الطاعة مستحضر للثواب عليها فيسهل‬
‫والزمخشري ) ّ‬
‫فتقرير ما قال ابن عطية ( ّ‬
‫عليه أمرها من غير تكليف‬
‫( ‪)2/814‬‬

‫صفحة رقم ‪815‬‬


‫الدار اآلخرة فشهوته‬
‫طبيعي وال وازع له عن فعلها ‪ ،‬وفاعل المعصية يستحضر العقوبة عليها في ّ‬
‫تحمله عليها وتكلفه على فعلها وتوجب معاندته للوازع الديني‪.‬‬
‫أن ال ّشر مما‬
‫وتقرير كالم الزمخشري كأنه على عكس هذا لكنه في الحقيقة راجع إلى هذا وهو ّ‬
‫تشتهيه النفوس وتأمر به فهي في تحصيله أعمل وأقوى اجتهادا ( فجعلت ) له مكتسبة ولما لم تكن‬
‫كذلك في الخير وصفت بما ال داللة فيه على الفعل والتكليف‪.‬‬
‫وقال ابن الصائغ في باب ما جاء من المعدول على فعال ‪ :‬لما كان اإلنسان يثاب على قليل الخير‬
‫وكثيره استعمل فيه اللّفظ العام للقليل والكثير وهو ( كسب ) ‪ ،‬ولما كانت الصغائر معفوا عنها بفضل‬
‫ب‬
‫اهلل جاء بلفظ الكثير إشعارا بأنها ليس عليها إال ما فوق الصغائر قال هذا بعد أن ذكر أن ‪َ :‬ك َس َ‬
‫ب ) خاصة‬ ‫ب ) عامة ( في األمرين ) و ( ا ْكتَ َس َ‬
‫ب إن اجتمعتا في كالم واحد كانت ( َك َس َ‬
‫وا ْكتَ َس َ‬
‫بالكثير وإ ن انفردت إحداهما عمت في األمرين‪.‬‬
‫وقال القرافي في قواعده ‪ :‬إنها تدل على أن المصائب ال يثاب عليها ألنها ليس للمكلف فيها اعتماد‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬وفي شرح أبيات الجمل البن هشام ‪ /‬النحوي حكى ابن جني عن الزجاج أنه يقال ‪ :‬جزيته في‬
‫الخير وجازيته في‬

‫( ‪)2/815‬‬

‫صفحة رقم ‪816‬‬


‫ت َو َعلَْيهَا َما اكتسبت‬
‫الشر فيستعمل فعل الزيادة في الشر وفعل النقص في الخير ومنه ) لَهَا َما َك َسَب ْ‬
‫(‪.‬‬
‫وقول الشاعر أيضا ‪ :‬إنا اقتسمنا خطيئتنا بيننا ‪...‬‬
‫طأَْنا ‪...‬‬ ‫اخ ْذَنآ ِإن َّن ِس َينآ أ َْو أ ْ‬
‫َخ َ‬ ‫فحملت بِره واحتملت فجار قوله تعالى ‪ ( :‬ربََّنا الَ تُؤ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُّ‬
‫(‪.‬‬
‫قال الزمخشري ‪ :‬فإن قلت ‪ :‬النسيان والخطأ متجاوز عنهما فما معنى الدعاء بترك المؤاخذة فيهما ؟‬
‫وأجاب بأن الدعاء راجع لسببهما وهو التفريط والغفلة‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬هذا على مذهبه في منع تكليف ما ال يطاق ألنه دعاء بتحصيل الحاصل ونحن نقول‬
‫‪ :‬يجوز الدعاء بتحصيله ألنه ممكن باعتبار األصالة‪.‬‬
‫فإن قلت ‪ :‬األصل تقديم ال ّشرط نحو أن يقال ‪ :‬إن نسينا أو أخطأنا فال تؤاخذنا ؟ قلت ‪ :‬قدم المدعو به‬
‫لالهتمام به‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬فالنسيان والخطأ مرفوع عن ابن آدم فيما بينه وبين اهلل تعالى‪.‬‬
‫قيل له ‪ :‬قد قال اإلمام مالك ه في العتبية فيمن حلف بالطالق ‪ :‬ليصومن يوم كذا فأفطر ناسيا ‪ّ :‬إنه‬
‫ال شيء عليه ؟ فقال ‪ :‬قال ابن رشد وابن دحون ‪ :‬أي ال حنث له ‪.‬‬

‫( ‪)2/816‬‬

‫صفحة رقم ‪817‬‬


‫السي ِ‬
‫وري ‪ :‬واختاره اللخمي أي ال فضل عليه ‪ ،‬واحتج بحديث ‪ ( :‬حمل ( عن ) أمتي أخطاؤها‬ ‫وقال ُ‬
‫ونسيانها‪.‬‬
‫وأجاب اآلخرون ‪ :‬بأن الذي حمل إنما هو إثم الخطإ والنيسان ال نفس الخطإ‪.‬‬
‫وذكرها ابن الحاجب في كتاب األيمان والنذور ‪ ،‬قال ‪ :‬وفيها ما نصه ‪ ) :‬والنسيان في المطلق‬
‫كالعمد على المعروف ‪ ،‬وخرج الفرق من قوله ‪ :‬من حلف بالطالق ألصومن كذا فأفطر ناسيا فال‬
‫شيء عليه (‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬ووقعت هذه المسألة في رسم سلف سمع من سماع عيسى من كتاب األيمان والنذور بالطالق ‪.‬‬

‫( ‪)2/817‬‬

‫صفحة رقم ‪818‬‬


‫( وقال ابن رشد ‪ :‬أي ال حنث عليه إذا كان ناسيا بخالف ما لو أصبح مفطرا ) ناسيا ليمينه ‪ ،‬مراعاة‬
‫متعمدا وفي رمضان ناسيا لما جاء في ذلك‪.‬‬
‫للخالف في وجوب القضاء على من أفطر في التطوع ّ‬
‫إن على قاتله صوم شهرين ؟ فقال ‪ :‬النسيان إنما هو‬
‫قيل البن عرفة ‪ :‬قد قالوا ‪ :‬إذا قتل رجل خطأ ‪ّ :‬‬
‫في رفع اإلثم وليس سببا في صومه والقتل سبب في الصوم والشرع رتب عل ذلك القتل صوما‬
‫فيجب عليه امتثاله ( ال ألنه ) كفارة بل اإلثم ساقط عنه‪.‬‬
‫انتهى‪.‬‬
‫صراً َك َما َح َمْلتَهُ َعلَى الذين ِمن قَْبِلَنا ‪...‬‬ ‫ِ‬
‫قوله تعالى ‪َ ( :‬ربََّنا َوالَ تَ ْحم ْل َعلَْيَنآ ِإ ْ‬
‫(‪.‬‬
‫قال أبو حيان ‪ :‬قرىء بالتشديد والتّخفيف‪.‬‬
‫قال ‪ :‬في التشديد إما للتعدية أو للمبالغة‪.‬‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬فظاهره أنه لهما على ( البديلة ) ومنهم من قال ‪ :‬يصح كونه لهما على المعية وقال‬
‫بعضهم ‪ :‬أما المبالغة هنا مع التشديد فظاهرة ‪ ،‬وأما مع التخفيف ( فمستفادة ) من لفظ ( على )‬
‫القتضائها االستعالء واالستيالء‪.‬‬
‫فإن قلت ‪ :‬ما الفائدة في قوله ‪َ ) :‬ك َما َح َمْلتَهُ ( ولو أسقط ( كما ) ( احتمل ) المعنى ‪ ،‬وإ سقاطه كان‬
‫صرا ) مطلق أبلغ منه مقيدا ؟‬ ‫أتم وأبلغ ألن نفي ( ِإ ْ‬
‫يكون ّ‬

‫( ‪)2/818‬‬

‫صفحة رقم ‪819‬‬


‫( قال ) ابن عرفة ‪ :‬وعادتهم ( يجيبون ) بأن الدعاء حالة الخوف مظنة اإلجابة فهو فيه أقوى ( منها‬
‫) حالة عدم الخوف ألن الخوف أقرب لمقام التضرع وااللتجاء‪.‬‬
‫فذكر عقوبة من مضى في هذا مما يزيد في الخوف ويقوي فيه العبودية والتضرع وااللتجاء‪.‬‬
‫ين ِمن قَْبِلَنا ( اليهود‪.‬‬ ‫َِّ‬
‫قال ابن عطية ‪ :‬وال خالف أن المراد ب ) الذ َ‬
‫ابن عرفة ‪ :‬ألن ( تكاليفهم ) والتشديد الواقع في شريعتهم أكثر من النصارى وغيرهم ‪ ،‬قال‬
‫الضحاك ‪ :‬اليهود والنصارى‪.‬‬
‫طاقَةَ لََنا بِ ِه ‪...‬‬
‫قوله تعالى ‪َ ( :‬ربََّنا َوالَ تُ َح ِّمْلَنا َما الَ َ‬
‫(‪.‬‬
‫تقدم إما أنه راجع ألمور اآلخرة أو للتكاليف الدنيوية فإن كان لآلخرة فهو تأسيس وإ ن كان للدنيا فهو‬
‫تأكيد ‪ ،‬إن أريد بما الَ طاقة لنا به الحقيقة وهو ما ليس في قدرة البشر ألن الدعاء لنفي ( اإلصر )‬
‫يستلزم الدعاء بنفي ما فوقه ‪ ،‬وإ ن أريد به المجاز كما أشار إليه ابن عطية في أحد التفاسير من ّأنه‬
‫األمر المستصعب وإ ن ( كانت ) تطيقه فيكون تأسيسا‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪ ( :‬واعف َعَّنا ‪...‬‬
‫( اآلية ‪.‬‬

‫( ‪)2/819‬‬

‫صفحة رقم ‪820‬‬


‫قال ابن عرفة ‪ :‬وجه الترتيب هذا أن العفو عبارة عن عدم المؤاخذة بال ّذنب ‪ ،‬وما يلزم من الدعاء‬
‫برفع ( األمر ) الذي في قدرة البشر بمشقة أو الخارجة عن قدرة ( البشر ) ‪ ،‬عدم المؤاخذة بالذنب‪.‬‬
‫ثم عقبه بالمغفرة ألنه ال يلزم من عدم المؤاخذة ستر وألنه قد ال يؤاخذه به ويظهره عليه ‪ ،‬ثم عقبه‬
‫ألن العفو والمغفرة من باب دفع المؤلم والرحمة من باب جلب المالئم ‪ ،‬فدفع المؤلم آكد‬
‫بالرحمة ّ‬
‫ّ‬
‫وأولى من جلب المالئم ونحوه البن الخطيب‪.‬‬
‫الغْلمةُ‪.‬‬
‫قال ابن عطية ‪ :‬وقال سالم بن سابور الذي ال طاقة لنا به ُ‬
‫وروي أَن أبا الدرداء كان يقول في دعائه ‪ :‬وأعوذ بك من غلمة ليس لها عدة‪.‬‬
‫ابن عرفة ‪ :‬الغلمة ( هي ) قوله ‪ :‬أنت موالنا فانصرنا ‪.‬‬

‫( ‪)2/820‬‬

‫صفحة رقم ‪821‬‬


‫الزمخشري ‪ :‬أي سيدنا وناصرنا ومتولي أمرنا ومالكنا‪.‬‬
‫ابن عرفة ‪ :‬السيد والناصر إطالقه عليهما من قبيل المشترك والمتولي والمالك ينبغي أن يحمل على‬
‫أن المراد األخص منهما ليدخل تحت األعم من باب أحرى‪.‬‬
‫قال الزمخشري ‪ :‬وعنه ‪ ( :‬من قرأ اآليتين من سورة البقرة في كل ليلة كفتاه )‪.‬‬
‫الر ُسول ) ومعنى كفتاه أي يرفعان قارئهما عن رتبة من حرم قيام‬
‫آم َن ّ‬
‫قال ابن عرفة ‪ :‬أولهما ( َ‬
‫الليل‪.‬‬
‫ّ‬
‫قلت ‪ :‬وفي إكمال القاضي عياض أي في كتاب الطب ‪ :‬أي كفتاه كل هامة وشيطان فال يضره ( وفي‬
‫الليل‪.‬‬
‫سالح المؤمن معنى كفتاه أجزأتاه عن قيام ّ‬
‫وقيل ‪ :‬كفتاه من كل شيطان لم يضر به ليلته ( وقيل ‪ :‬كفتاه مما يكون من تلك اللّيلة من اآلفات وقيل‬
‫‪ :‬حسبه بهما فضال وأجرا‪.‬‬
‫ويحتمل الجميع واهلل سبحانه وتعالى أعلم ) ‪.‬‬

‫( ‪)2/821‬‬

You might also like