Download as docx, pdf, or txt
Download as docx, pdf, or txt
You are on page 1of 8

‫نشأة القانون الدولي العام وتطوره‬

‫الفصل األول‪ :‬الخلفية التاريخية للقانون الدولي العام‬


‫لقد كان هناك في المجتمعات البدائية عالقات غير معقدة لذلك كانت قواعد القانون الدولي تتس م بالبس اطة‬
‫ولكن هذه القواعد لم تكن كما هي عليه في الشكل الحالي حيث ظلت به ذه البدائي ة إلى أن ظه رت الدول ة‬
‫الحديثة‪ ،‬حيث أن القانون الدولي يرتبط ارتباطا وثيقا بظهور نظام الدولة الحديث ة ول ذلك ف إن فهم طبيع ة‬
‫القواعد القانونية الدولية يقتضي تتبع ظروف نشأة الدولة الحديثة ومعالمها األساسية‪.‬‬
‫المبحث األول‪ :‬ظهور الدولة الحديثة‬
‫لقد أصبحت المجتمعات اإلنسانية مستقلة عن بعضها البعض حيث لكل واحدة س كانها وإقليمه ا وس لطتها‬
‫العامة‪ ،‬ولكن ذلك جاء بشكل تدريجي‪ ،‬حيث صادف ظهور الدولة والسلطة الحاكمة ع دة عقب ات أهمه ا‪:‬‬
‫قلة ع دد الس كان وتناثره ا في أنح اء مختلق ة‪ ،‬والظ روف االقتص ادية الص عبة‪ ،‬وأهم ه ذه العوام ل على‬
‫اإلطالق وجود النظام اإلقطاعي وسيطرة الكنيسة‪.‬‬
‫النظام اإلقطاعي‬
‫لقد كانت السلطة في الممالك اإلقطاعية موزعة بين الملك وبين األمراء اإلقطاعيين‪ ،‬حيث كان لكل أم ير‬
‫إقطاعه الخاص الذي يسيطر عليه ويدافع عنه ب ل ك ان ي دخل في مع ارك م ع األم راء اآلخ رين لتوس يع‬
‫نفوذه وللبحث عن الموارد االقتصادية أو االجتماعية أو الدفاعية األفضل‪ ،‬أمام هذا التم زق لم يكن المل ك‬
‫قادرا على التعبير عن إرادة موحدة للمملك ة‪ ،‬حيث يص عب وص ف المملك ة اإلقطاعي ة بالدول ة ب المفهوم‬
‫المعاصر‪ ،‬ألن السلطات كانت موزعة بين األمراء اإلقطاعيين والدولة الحديثة تقتضي جمع السلطات في‬
‫يد حكومة واحدة تهيمن على المملكة بجميع مقاطعاتها وتمثلها في الداخل والخارج‪ ،‬ولكن على الرغم من‬
‫أن النظام اإلقطاعي كان حائال دون التحول إلى نظام الدول ة الحديث ة‪ ،‬ف إن المس اوئ ال تي ص احبت ه ذا‬
‫النظام‪ ،‬والضعف والتفكك الذي ساد هذه اإلقطاعيات أدى إلى حتمية التغيير نحو نظام الدولة الموحدة‪.‬‬
‫سيطرة الكنيسة‬
‫ك ان النظ ام السياس ي للجماع ة في الغ رب في العص ور الوس طى يق وم على دع امتين‪ :‬الس لطة الدنيوي ة‬
‫والسلطة الدينية ويقوم بالنهوض بهما اإلمبراطور والبابا ولقد كانت الكنيسة تطالب بالوالء لتعاليهما ال تي‬
‫لم تكن تنحصر فقط في التعاليم الدينية بل كانت تشمل ش ؤون الحي اة الدنيوي ة األخ رى‪ ،‬ولق د ك ان هن اك‬
‫صراع بين الملك والكنيسة حول ذلك إلى أن انتهى هذا الصراع بتوقيع صلح وستفاليا ع ام ‪ 1648‬ال ذي‬
‫يعد بداية انتقال السلطة من الكنيسة إلى الدولة بشكلها الجدي د ثم زالت آخ ر عقب ة ك انت تع ترض طري ق‬
‫ظهور الدولة الحديثة بانتصار الملك على البابا في فرض سلطاته على الشؤون المدنية‪.‬‬
‫وأخطر ما واجه الدول عدم وج ود رقاب ة على عالقاته ا المتبادل ة من جه ة وتحلله ا من المب ادئ والمث ل‬
‫العليا من جهة أخرى نتيجة استقاللها عن الكنيسة‪ .‬ولقد اكتشفت الدول ضرورة وجود التعاون فيم ا بينه ا‬
‫للحف اظ على بقائه ا وذل ك نتيج ة ظ روف ك ل دول ة واحتياجاته ا لل دول األخ رى من الن واحي السياس ية‬
‫واالقتصادية والثقافية ومن جهة أخرى للحفاظ على س يادة الدول ة يجب أن تمتن ع ك ل دول ة عن االعت داء‬
‫على الدول األخرى واالمتناع عن حل المنازعات عن طريق استخدام القوة‪.‬‬
‫وأم ام ذل ك يجب عليه ا الخض وع إلى مجموع ة من الض وابط الموض وعية بش أن تنظيم المع امالت‬
‫والعالقات المشتركة بينها‪ ،‬هذه الضوابط تأخذ شكل قواعد تتفق الدول على االل تزام به ا فيم ا يق وم بينه ا‬
‫وبين غيرها من الدول من عالقات التعاون وتبادل المصالح‪.‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬نظرية السيادة‬
‫بعد ظهور فكرة الدول ة‪ ،‬ك ان ال ب د أن يك ون هن اك مس اواة م ا بين ال دول وي ترتب على ذل ك أال يك ون‬
‫إلحدى الدول سلطة على دولة أخرى وأمام ذلك حدث تطور فكري في نظرية سيادة الدولة‪.‬‬
‫والسيادة نظرية قانونية ارتبطت بنشأة الدول القومي ة في أوروب ا‪ ،‬ولكنه ا ظه رت في ب ادئ األم ر كمب دأ‬
‫سياسي ينادي باعتبار الملك هو صاحب أدنى سلطة في الدولة‪.‬‬
‫نظرية بودان في السيادة‪:‬‬
‫أول من قال بنظرية السيادة هو المفكر الفرنسي "جان ب ودان"‪ ،‬حيث ع رف الس يادة بأنه ا الس لطة العلي ا‬
‫والمطلقة للملك على المواطنين والرعايا والي ال يقيدها إال هللا والقانون والهدف من ذلك كان التح رر من‬
‫النظام اإلقطاعي وسيطرة الكنيسة‪.‬‬
‫وأهم مظاهر للسيادة هو سلطة إصدار القوانين من قبل الملك وبالتالي فهو ال يخضع لها بما أنه هو ال ذي‬
‫أصدرها وبالتالي يكون الملك أعلى س لطة في الدول ة‪ ،‬ولكن س لطته مطلق ة ب ل تخض ع للق وانين اإللهي ة‬
‫والقانون الطبيعي والقوانين األساسية للدولة وتعني األخيرة القوانين التي ال يضعها الملك وتقرر من الذي‬
‫يحكم ومن الذي يضع في يده كل السلطات والحدود التي تمارس في إطارها سلطته وه و م ا يطل ق علي ه‬
‫حاليا الدستور وعلى ذلك فان مفهوم السيادة عند "بودان" يعني أن الدول ة له ا س لطة علي ا قوي ة وموح دة‬
‫ولكنها ليست مستبدة فهي محدودة بواسطة القانون وتستمد سلطاتها منه‪ ،‬وهذا المفهوم للسيادة يتماشى مع‬
‫النظرة التقليدية لمفهوم القانون التي تعتبر جميع القوانين الوضعية مس تمدة من ق انون أساس ي أعلى يل زم‬
‫الجميع ويتضمن حكمه الماضي‪ ،‬وإن القوانين الوضعية إذا خالفت ه ذا الق انون األعلى لن يك ون له ا أي‬
‫قيمة ولن يعتد بها‪ ،‬وتماشيا مع هذا المفهوم ف إن الس يادة مب دأ رئيس ي وض روري من أج ل الحف اظ على‬
‫النظام األساسي للدولة‪.‬‬
‫ولكن نظرية "ب ودان" تغ يرت نتيج ة لألح داث ال تي ت والت في نط اق العالق ات الدولي ة وظه ور الدول ة‬
‫القومية في أوربا في العصر الحديث‪ ،‬حيث بدأ التفكير يتجه نحو الدولة القوي ة ذات الس لطة المطلق ة وأن‬
‫القانون هو من صنع الحاكم وذلك كان نتيجة للت أثر بالق انون الروم اني ال ذي ك ان يع د إرادة األم ير هي‬
‫القانون ولقد وصل هذا التفكير إلى مداه بعد كتابات "هوبز" في السيادة ال ذي يعت بر الس لطة أعلى م ا في‬
‫الدولة وأقواها لذلك ال يمكن أن يوضع لها حدود كما ال تسمو عليها أي سلطة أخرى سواء في ال داخل أو‬
‫الخارج والقانون ال يقيد الحاكم ب ل ه و أداة ليباش ر فيه ا حكم ه‪ ،‬وعلى ذل ك ف إن الس يادة يجب أن تك ون‬
‫مطلقة وغير محدودة وهو ما يطلق عليه اليوم الديكتاتورية‪.‬‬
‫ولكن بظهور الحكومة الدستورية‪ ،‬ظهرت أفك ار جدي دة تبناه ا المفك ر "ل وك" ومن بع ده "روس و" حيث‬
‫أصبحت السيادة لمجم وع الش عوب‪ ،‬وفي ذل ك إض فاء للش رعية على الث ورة األمريكي ة والفرنس ية حيث‬
‫كانت لمواجهة الديكتاتورية‪.‬‬
‫وكان لتطور نظرية السيادة ودخولها المجال القانوني بداية نشوء القانون الدولي التقلي دي‪ ،‬فلم تع د للدول ة‬
‫سيادة مطلقة في ميدان العالقات الدولية‪ ،‬وبدأت تتوازن األفكار التي كانت تن ادي ب أن الدول ة ال تتقي د إال‬
‫بإرادتها وأن استعمال القوة واللجوء إلى الحرب هو أحد الوسائل المشروعة لتأكيد سيادة الدولة‪.‬‬
‫واتجه الفقه إلى القول بأن هذه السيادة مقيدة بقواع د الق انون ال دولي الع ام وهي قواع د ملزم ة تعل و على‬
‫إرادة الدول‪.‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬مراحل تطور القانون الدولي العام‬
‫إن الوقوف على تاريخ القانون الدولي العام ضرورة ألن ارتقاء القانون في الحاضر إنما يبنى على كيفي ة‬
‫تكونه ونموه وتطوره في الماضي‪.‬‬
‫ولم يظهر تنظيم العالقات الدولية إال بع د الق رن الس ابع عش ر أي بع د معاه دة "وس تفاليا" ولكن ال يمكن‬
‫الق ول ب أن المجتم ع ال دولي ك ان خالي ا من التنظيم قب ل الق رن الس ابع عش ر‪ ،‬فق د س اهمت الجماع ات‬
‫المتحضرة على امتداد التاريخ اإلنساني في تكوين قواعد القانوني الدولي‪ ،‬لذلك يمكنن ا الق ول ب أن تط ور‬
‫القانون الدولي مستمر منذ ظهور التجمعات اإلنسانية وصاحب نموها وتطورها إلى جماعات سياسية‪.‬‬
‫ومكن تقسيم المراحل المختلفة لتطور القانون الدولي إلى أربع مراح ل تاريخي ة وهي‪ :‬العص ور القديم ة‪،‬‬
‫والوسطى‪ ،‬والحديثة‪ ،‬وعصر التنظيم الدولي‪.‬‬
‫المبحث األول‪ :‬العالقات الدولية في العصور القديمة‬
‫‪ -1‬العصور القديمة‬
‫لم يظهر القانون ال دولي إال م ع ظه ور ال دول‪ ،‬ولق د ش هدت العص ور القديم ة ص ورا متع ددة للعالق ات‬
‫الدولية منها معاهدات الصلح والتحالف والصداقة وإنه اء الح روب ولع ل أبرزه ا معاه دة الص داقة ال تي‬
‫أبرمت بين الفراعنة والحيثيين سنة ‪ 1287‬قبل الميالد‪ ،‬كان هناك أيضا ً قانون "مانو" الهن دي ال ذي نظم‬
‫قواعد شن الحروب وإبرام المعاهدات والتمثيل الدبلوماسي‪.‬‬
‫ولكن رغم ذلك لم يعبر إال على حاالت قليلة لتنظيم العالقات الدولية ويدور معظمها ح ول الح روب كم ا‬
‫أنه من جهة أخ رى معظم العالق ات ك ان يحكمه ا الق انون اإللهي بم ا ال يفي د وج ود نظ ام ق انوني دولي‬
‫مستقر لحكم العالقات بين الجماعات اإلنسانية بطريقة منتظمة‪.‬‬
‫‪ -2‬عصر اإلغريق‬
‫عالقة المدن اإلغريقية فيما بينه‪..‬ا‪ :‬وكانت مبني ة على االس تقرار وفك رة المص لحة المش تركة والتع اون‬
‫وذل ك نظ را لوح دة الجنس وال دين واللغ ة‪ ،‬ل ذلك ك ان يتم اللج وء للتحكيم في ك ل الخالف ات فيم ا بينه ا‪،‬‬
‫باإلض افة إلى وج ود قواع د تنظيمي ة يتم احترامه ا في عالقاته ا الس لمية والعدائي ة‪ ،‬كقواع د التمثي ل‬
‫الدبلوماسي وقواعد شن الحرب‪.‬‬
‫عالقة اإلغريق بغيرهم من الش‪..‬عوب األخ‪..‬رى‪ :‬ك ان يس ودها اعتق ادهم بتم يزهم عن س ائر البش ر‪ ،‬وأنهم‬
‫شعوب فوق كل الشعوب األخرى ومن حقهم إخضاعها والسيطرة عليها‪ ،‬ومن هن ا ك انت عالق اتهم به ذه‬
‫الشعوب عالقات عدائية وحروبهم معها تحكمية يشوبها الطابع العدائي وال تخضع ألي ضوابط أو قواعد‬
‫قانونية بل يحوطها كثير من القسوة وعدم مراعاة االعتبارات اإلنسانية‪.‬‬
‫‪ -3‬عصر الرومان‪:‬‬
‫ال يختلف الرومان كث يرا عن اإلغري ق‪ ،‬فق د ك انوا يعتق دون بتف وقهم على الش عوب األخ رى وبحقهم في‬
‫السيطرة على ما سواهم من الشعوب‪ ،‬لذلك كانت صلتهم بغيرهم مبنية على الحرب مما أدى إلى س يطرة‬
‫اإلمبراطورية الرومانية على معظم أرجاء العالم آنذاك‪ ،‬وبالتالي ك انت العالق ات بين ه ذه ال دول وروم ا‬
‫عالق ات بين أج زاء اإلمبراطوري ة الواح دة تخض ع جميعه ا للق انون الروم اني ال ذي ك ان يحكم ه ذه‬
‫اإلمبراطورية‪.‬‬
‫ولق د امت از الروم ان بعبق ريتهم القانوني ة‪ :‬حيث ظه رت في روم ا مجموع ة من القواع د القانوني ة تحكم‬
‫العالقات بين الرومان والش عوب التابع ة لروم ا أو تل ك ال تي ترتب ط معه ا بمعاه دات تح الف أو ص داقة‬
‫سميت بقانون الشعوب‪ ،‬فقد كانت قواعد هذا الق انون تنظم العالق ات بين أف راد الش عب الروم اني وأف راد‬
‫الشعوب األخرى وتنظم حماية أفراد هذه الشعوب في حالة انتق الهم أو وج ودهم في روم ا‪ ،‬أم ا الش عوب‬
‫األخرى التي ال تربطها بروما معاهدة صداقة أو معاهدة تحالف ف إن مواط ني ه ذه ال دول وممتلك اتهم ال‬
‫يتمتعون بأي حماية بل يجوز قتلهم أو استرقاقهم‪ ،‬ويمكن القول ب أن الق انون والتش ريع ق د ش هد ازده ارا‬
‫كبيرا في عهد الرومان‪.‬‬
‫ولكن مسائل القانون الدولي العام لم تكن واضحة في المجتمعات القديمة‪ ،‬وذلك النعدام فكرة المساواة بين‬
‫الشعوب ولعدم وجود الدول المستقلة نظرا لتسلط شعب معين على باقي الشعوب‪.‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬العالقات الدولية في العصور الوسطى‬
‫ظهر في هذا العصر الممالك اإلقطاعية‪ ،‬حيث كان كل أمير إقط اعي يس عى للمحافظ ة على إقطاع ه‪ ،‬أو‬
‫توسيعه مما أدى إلى قيام ح روب متعاقب ة بين األم راء اإلقط اعيين‪ ،‬من جه ة أخ رى ش هد ه ذا العص ر‬
‫صراعا بين الدول ة في مواجه ة أم راء اإلقط اع تحقيق ا لوح دتها الداخلي ة وتأكي دا لس يادتها انتهى بتغلب‬
‫الدولة وزوال النظام اإلقطاعي‪.‬‬
‫من جهة أخ رى ظه ر في ه ذا العص ر تس لط الكنيس ة وذل ك نتيج ة النتش ار ال دين المس يحي بين ال دول‬
‫األوربية من جهة وظهور اإلسالم والخوف من انتشار نفوذه مما يؤدي إلى انتزاع السيادة من المسيحية‪.‬‬
‫ولكن تسلط الكنيسة والبابا يتنافى مع وجود الدولة المستقلة التي يمكنها تنظيم عالقاته ا فيم ا بينه ا حس بما‬
‫تقتضي ظروفها‪ .‬وذلك يشكل عقبة في وجه تطور القانون الدولي العام‪ ،‬ألن إس ناد العالق ات الدولي ة إلى‬
‫الروابط الدينية دون غيها كان من شأنه أن تقتصر هذه العالقات على الدول المسيحية وحدها دون س واها‬
‫من الدول غير المسيحية‪ ،‬وقد ساعد على تخلص الدولة من سلطان البابا ظه ور الحري ة الفكري ة العلمي ة‬
‫المعروف ة بعص ر النهض ة‪ ،‬وم ا ص احب ذل ك من حرك ة اإلص الح ال ديني في الق رنين الخ امس عش ر‬
‫والسادس عشر‪ ،‬وقد كان أهم أغراضها‪ :‬بيان ما يجب على الدول إتباع ه بش أن العالق ات المتبادل ة بينهم‬
‫مستوحية ذلك من مبادئ الدين المسيحي‪ ،‬ومن زعماء حركة اإلصالح "فيتوريا" و "جنتيليس"‪.‬‬
‫ولقد أدى اكتشاف القارة األمريكية في هذا العصر إلى إثارة مسائل دولية جديدة أهمها االستعمار وحري ة‬
‫البحار مما أدى إلى تزايد االهتمام بتوجيه القانون الدولي بشأنها‪.‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬ظهور القانون الدولي في العصور الحديثة‬
‫‪ -1‬معاهدة وستفاليا‬
‫أدى التطور الذي حدث في الق وانين في الق رنين الخ امس عش ر والس ادس عش ر إلى انقس ام أوروب ا إلى‬
‫فريقين‪ ،‬األول ينادي بالوالء للكنيسة والثاني ين ادي باالس تقالل عن الكنيس ة مم ا أدى إلى نش وب ح رب‬
‫الثالثين عام والتي انتهت بإبرام معاهدة "وستفاليا" سنة ‪ ،1648‬ونتج عن ذلك ظهور ال دول ال تي تتمت ع‬
‫بالسيادة وال تخضع لسلطة أعلى منها‪.‬‬
‫يرجع الفضل في إرساء أسس القانون الدولي التقليدي إلى معاه دة "وس تفاليا" وال تي تتلخص أهم مبادئه ا‬
‫في‪:‬‬
‫‪ -‬هيأت اجتماع الدول ألول مرة للتشاور حول حل المشاكل فيما بينها على أساس المصلحة المشتركة‪.‬‬
‫‪ -‬أك دت مب دأ المس اواة بين ال دول المس يحية جميع ا بغض النظ ر عن عقائ دهم الديني ة وزوال الس لطة‬
‫البابوية‪ ،‬وثبتت بذلك فكرة سيادة الدولة وع دم وج ود رئيس أعلى يس يطر عليه ا وهي الفك رة ال تي على‬
‫أساسها بني القانون الدولي التقليدي‪.‬‬
‫‪ -‬تطبيق مبدأ التوازن الدولي للمحافظة على الس لم واألمن ال دوليين‪ ،‬ومف اده أن ه إذا م ا ح اولت دول ة أن‬
‫تنمو وتتوسع على حساب غيها من الدول فإن ه ذه ال دول تتكت ل لتح ول دون ه ذا التوس ع محافظ ة على‬
‫التوازن الدولي الذي هو أساس المحافظة على حالة السلم العام السائدة بين هذه الدول‪.‬‬
‫‪ -‬ظهور فكرة المؤتمر األوروبي الذي يتألف من مختل ف ال دول األوروبي ة وال ذي ينعق د لبحث مش اكلها‬
‫وتنظيم شئونها‪.‬‬
‫‪ -‬نشوء نظام التمثيل الدبلوماسي ال دائم مح ل نظ ام الس فارات المؤقت ة مم ا أدى إلى قي ام عالق ات دائم ة‬
‫ومنظمة بين الدول األوروبية‪.‬‬
‫‪ -‬االتجاه نحو تدوين القواعد القانونية الدولية ال تي اتفقت ال دول عليه ا في تنظيم عالقاته ا المتبادل ة‪ ،‬فق د‬
‫قامت الدول بتسجيل هذه القواعد في معاهدات الصلح التالية مما أدى إلى ت دعيم الق انون ال دولي وثبوته ا‬
‫بين الدول‪.‬‬
‫ويبقى الق انون ال دولي التقلي دي م دينا بنش أته وتط وره العلمي لدراس ة الفقه اء الق دامى وأب رزهم‬
‫"جروسيوس" أبو القانون ال دولي الع ام حيث ك ان لكتابات ه أث ر ه ام في تط ور الق انون ال دولي ومن أهم‬
‫مؤلفاته كتاب "البحر الحر"‪.‬‬
‫‪ -2‬أهم المؤتمرات التي عقدت بعد معاهدة وستفاليا‬
‫‪ -‬مؤتمر فيينا‪:‬‬
‫أراد ن ابليون أن يطب ق أفك ار الث ورة الفرنس ية القائم ة على المس اواة واالع تراف بحق وق اإلنس ان فش ن‬
‫حروبه على األنظمة الديكتاتورية والملكية ما أدى إلى زوال دول عديدة وظهور دول جديدة‪.‬‬
‫ولكن تبدل الوضع فيما بعد حيث أنهزم نابليون مما أدى إلى انعقاد مؤتمر فيينا عام ‪ 1815‬لتنظيم شؤون‬
‫القارة األوروبية وإعادة التوازن الدولي ونتج عن هذا المؤتمر عدة نتائج لعل أهمها إق رار بعض القواع د‬
‫الدولي ة الجدي دة والخاص ة بحري ة المالح ة في األنه ار الدولي ة وقواع د ت رتيب المبع وثين الدبلوماس يين‬
‫وتحريم االتجار بالرقيق‪.‬‬
‫‪ -‬التحالف المقدس‪:‬‬
‫نشأ هذا التحالف بين الدول الكبرى المش اركة في م ؤتمر فيين ا‪ ،‬حيث ك ان الغ رض من التح الف تط بيق‬
‫مبادئ الدين المسيحي في إدارة شؤون الدول الداخلية والخارجية‪ ،‬ولكن الهدف الحقيقي كان الحف اظ على‬
‫عروش هذه الدول الك برى وقم ع ك ل ث ورة ض دها‪ ،‬وأك د ذل ك معاه دة "إكس الش يل" س نة ‪ 1818‬بين‬
‫انجلترا وبروسيا والنمسا ثم فرنسا‪ ،‬حيث نصبت هذه الدول نفسها قيم ة على ش ؤون أوروب ا واتفقت على‬
‫التدخل المسلح لقمع أية حركة ثورية تهدد النظم الملكية في أوروبا‪.‬‬
‫‪ -‬تصريح مونرو‪:‬‬
‫أصدر هذا التصريح الرئيس األمريكي عام ‪ 1823‬حيث تضمن أن الواليات المتحدة األمريكية ال تس مح‬
‫ألية دولة أوروبية بالتدخل في ش ؤون الق ارة األمريكي ة أو احتالل أي ج زء منه ا وذل ك ردا على ت دخل‬
‫الدول األوروبية لمساعدة أسبانيا السترداد مستعمراتها في القارة األمريكية‪.‬‬
‫ولقد كان لهذا التصريح شأنه في إرساء مبدأ عدم التدخل في شؤون الدول الداخلية وكان له أثره أيضا في‬
‫توجيه العالقات الدولية بين القارتين األمريكية واألوربية‪.‬‬
‫‪ -‬مؤتمرات السالم بالهاي ‪ 1899‬و ‪:1907‬‬
‫تضمنت هذه المؤتمرات قواعد فض المنازعات بالطرق السلمية‪ ،‬وإق رار قواع د خاص ة بق انون الح رب‬
‫البرية والبحرية وقواعد الحياد‪ ،‬وإن كان طابع المؤتمر األول أوروبي ف إن الم ؤتمر الث اني ‪ 1907‬غلب‬
‫عليه الطابع العالمي لوجود غالبية من دول القارة األمريكية‪.‬‬
‫وال شك أن لهذه المؤتمرات دور بارز في تطوير العالقات الدولية وتطوير القانون ال دولي بم ا يتف ق م ع‬
‫مصالح الجماعة الدولية‪ ،‬فقد اتجهت مؤتمرات "الهاي" إلى استحداث نظم ثابتة‪ ،‬وتم التوص ل إلى إنش اء‬
‫هيئات يمكن للدول اللجوء إليها عند الحاجة لتسوية المنازعات التي قد تقع بين دولتين أو أكثر كما امتدت‬
‫جهود المؤتمر إلى إنشاء أول هيئة قضائية دولية هي محكمة التحكيم الدولي الدائمة في الهاي‪.‬‬
‫المبحث الرابع‪ :‬القانون الدولي في عصر التنظيم الدولي‬
‫لم يحقق مؤتمر الهاي السالم العالمي لتس ابق ال دول الك برى الس تعمار ال دول الغني ة ب الثروات والم واد‬
‫األولية وذلك على إثر التقدم الصناعي مما أدى إلى قيام الحرب العالمية األولى عام ‪ 1914‬وبع د انته اء‬
‫الحرب اجتمعت الدول في مؤتمر باريس ع ام ‪ 1919‬ال ذي انتهى بقي ام خمس معاه دات ص لح فرض ت‬
‫على الدول المنهزمة في الحرب وهي ألمانيا والنمسا وبلغاريا والمجر وتركيا‪.‬‬
‫‪ -1‬عصبة األمم‪:‬‬
‫أهم م ا نتج عن م ؤتمر ب اريس قي ام عص بة األمم ك أول منظم ة دولي ة عالمي ة أعطيت ح ق النظ ر في‬
‫المنازعات الدولية التي تهدد السلم‪ ،‬كما أنشئت هيئة قضائية للفصل في المنازع ات ذات الط ابع الق انوني‬
‫وهي المحكمة الدائمة للعدل الدولي‪.‬‬
‫ولقد بذلت عصبة األمم جهودا مضنية لتدعيم الس لم ال دولي ومن ذل ك عق د اتفاقي ات دولي ة أهمه ا ميث اق‬
‫جنيف عام ‪ ،1928‬ولكن هذه الجهود ذهبت أدراج الرياح بسبب تمسك الدول بسيادتها وعدم تقبلها لفكرة‬
‫إشراف المنظمة الدولية على شؤونها وتدخلها في حل المنازعات التي تهدد السلم الدولي‪.‬‬
‫ووقفت العصبة موقف المتفرج من الحروب التي دارت بين الدول االستعمارية وأيض ا الح روب المحلي ة‬
‫وقد كان ذلك من العوامل التي مهدت للحرب العالمية الثانية التي نشبت سنة ‪ 1939‬بين مجموع ة ال دول‬
‫الفاشية والحلفاء الديمقراطيين‪.‬‬
‫‪ -2‬األمم المتحدة‪:‬‬
‫بنهاية الحرب العالمية الثانية اجتمعت الدول من جدي د في أفري ل ‪ 1945‬في مدين ة "س ان فرانسيس كو"‪،‬‬
‫نتج عن هذا االجتماع قيام منظمة األمم المتحدة ال تي زودت بكاف ة الس لطات والوس ائل ال تي تض من له ا‬
‫أداء مهمتها على أتم وجه وبالتالي كانت أقوى من عصبة األمم‪.‬‬
‫وقامت المنظمة بجهود مض نية في س بيل تحقي ق أه دافها في الس الم واألمن ال دوليين ولكن نظ را لبعض‬
‫االعتبارات السياسية لم يستطع واضعو الميثاق الحد من مب دأ س يادة ال دول األعض اء مم ا نجم عن ه منح‬
‫الدول الخمس الكبرى حق الفيتو ولهذا فقد تعرضت األمم المتح دة من ذ نش أتها لظ روف ص عبة فق د ك ان‬
‫عليها في ظل ميثاقها وما يحوطه من تناقض أن تعمل على الحد من المنافس ات القومي ة الح ادة وص راع‬
‫القوى الكبرى‪ ،‬وب الرغم من تأكي د الميث اق على تح ريم اس تعمال الق وة في العالق ات الدولي ة ف إن ال دول‬
‫الكبرى ال تزال تستخدم القوة بل تتس ابق لزي ادة أس لحتها بم ا فيه ا األس لحة النووي ة‪ ،‬ويض اف إلى ذل ك‬
‫الصراع بين الدول الكبرى‪ ،‬ورغم مرور زمن طويل على إنش اء المنظم ة فإنه ا لم تحق ق المرج و منه ا‬
‫ولكن رغم ذلك يعتبر وجودها ضروريا وذلك لتمسك ال دول ب التنظيم ال دولي وازدي اد اإلقب ال عليه ا من‬
‫دول العالم الثالث‪ ،‬وقد مارست المنظمة وال تزال تمارس نشاطا متزاي دا في كاف ة المج االت االقتص ادية‬
‫واالجتماعية والثقافية والقانونية‪.‬‬

You might also like