أنواع السعادة

You might also like

Download as docx, pdf, or txt
Download as docx, pdf, or txt
You are on page 1of 4

‫أنواع السعادة‪ -‬خطبة الجمعة ‪1435-02-24‬ه‬

‫الخطبة األولى‬
‫الحمد هلل نحمد ونستعينه ونستغفره ونت!!وب إلي!!ه ونع!!وذ باهلل من ش!!رور‬
‫أنفسنا‪ ،‬ومن سيئات أعمالنا‪ ،‬من يهدي هللا فال مضل ل!!ه‪ ،‬ومن يض!!لل فال‬
‫هادي له‪ ،‬وأشهد أن ال إله إال هللا وحده ال ش!!ريك ل!!ه‪ ،‬وأش!!هد أن محم!!دا‬
‫عب!!ده ورس!!وله‪ ،‬ص!!لى هللا علي!!ه وعلى آل!!ه وأص!!حابه‪ ،‬وس!!لم تس!!ليما‬
‫كثيرا‪  ،‬أما بعد‬
‫أيُّه!ا الن!اس‪ ،‬إن هللا س بحانه وتع الى خل ق الخل ق‪ ،‬فمنهم م ؤمن ومنهم ك افر‪:‬‬
‫ين‬‫خالِ ِد َ‬ ‫يق* َ‬ ‫ش ِه ٌ‬ ‫ير َو َ‬‫م فِي َها َزفِ ٌ‬ ‫ار لَ ُه ْ‬
‫ش ُقوا َف ِفي ال َّن ِ‬ ‫ين َ‬ ‫س ِعي ٌد* َفأَ َّما الَّ ِذ َ‬ ‫ي َو َ‬ ‫ش ِق ٌّ‬ ‫م َ‬ ‫( َف ِ‬
‫م ْن ُه ْ‬
‫ين‬ ‫َ‬
‫م ا ُي ِري ُد* َوأ َّما الَّ ِذ َ‬ ‫ك َف َّعا ٌ‬
‫ل لِ َ‬ ‫ك إِنَّ َربَّ َ‬ ‫ش ا َء َربُّ َ‬‫ض إِال َّ َم ا َ‬‫ات َواألَ ْر ُ‬ ‫م َو ُ‬
‫الس َ‬
‫َّ‬ ‫ت‬ ‫فِي َه ا َم ا َدا َم ْ‬
‫ك َعطَ ا ًء غَ ْي َر‬ ‫شا َء َربُّ َ‬‫ض إِال َّ َما َ‬ ‫ات َواألَ ْر ُ‬ ‫م َو ُ‬ ‫الس َ‬
‫َّ‬ ‫ت‬
‫ين فِي َها َما َدا َم ْ‬ ‫خالِ ِد َ‬‫ة َ‬ ‫س ِع ُدوا َف ِفي ا ْل َ‬
‫ج َّن ِ‬ ‫ُ‬
‫ج ُذو ٍذ)‪.‬‬ ‫َم ْ‬
‫عباد هللا‪ ،‬إن الشقاوة والسعادة لهم ا أس باب من قب ل العب د‪ ،‬فالش قاوة س ببها‬
‫الكفر باهلل عز وجل والمعاصي والسيئات التي ال يتوب منها صاحبها‪ ،‬وأما الس عادة‬
‫فهي بسبب األعمال الصالحة وتقوى هللا سبحانه وتعالى‪:‬‬
‫لعمرك ما السعادة جمع مال **** ولكن التقي هو السعيد‬
‫مزيد‬
‫ُ‬ ‫وتقوى هللا خير الزّاد ذخراً **** وعند هللا لألتقى‬
‫عباد هللا‪ ،‬ثالث‪ ‬خصال من وفق لهن نال السعادة في الدنيا واآلخ رة‪ ،‬وهي من‪ :‬إذا‬
‫أعطي شكر وإذا ابتلي صبر‪ ،‬وإذا أذنب استغفر‪ ،‬هذه الثالث هن أنواع السعادة‪:‬‬
‫فأما األولى‪ :‬إذا أعطي شكر‪ :‬إذا أنعم هللا علي ه بنعم ة ش كر هللا عليه ا‪ ،‬واس تعان‬
‫بها على طاعة هللا سبحانه وتع الى‪ ،‬وأث نى به ا على هللا ظ اهرا وباطن ا‪ ،‬واع ترف‬
‫أنها من هللا ال بحوله وال بقوته‪ ،‬فأركان الشكر هذه الثالثة‪:‬‬
‫‪ -1‬تحدث بها ظاهرا‪.‬‬
‫‪ -2‬واالعتراف بها باطنا‪.‬‬
‫‪ -3‬وصرفها في طاعة مسديها وموليها‪.‬‬
‫هك ذا تك ون النعم ة منح ة من هللا س بحانه وتع الى‪ ،‬وأم ا من لم يش كر ف إن هللا‬
‫ن َك َف ْر ُت ْ‬
‫م إِنَّ َع ذَابِي‬ ‫م ألَ ِزي َدنَّك ْ‬
‫ُم َولَئِ ْ‬ ‫ش َ‬
‫ك ْر ُت ْ‬ ‫ن َ‬ ‫توعده بالعذاب الشديد‪َ ( :‬وإِ ْذ تَأَذَّنَ َربُّك ْ‬
‫ُم لَئِ ْ‬
‫ش ِدي ٌد)‪ ،‬والشكر ليس باللسان فقط؛ ولكنه باللسان وبالقلب وباألفعال في طاع ة‬ ‫لَ َ‬
‫ُور)‪.‬‬‫الشك ُ‬ ‫َّ‬ ‫عبَا ِدي‬
‫ن ِ‬ ‫ل ِم ْ‬ ‫ش ْكراً َو َقلِي ٌ‬ ‫اوو َد ُ‬
‫ل َد ُ‬
‫ملُوا آ َ‬ ‫هللا‪ْ ( :‬‬
‫اع َ‬
‫خ ْي ِر فِ ْت َن ًة‬
‫الش ِرّ َوا ْل َ‬ ‫وأما الخصلة الثانية‪ :‬إذا أبتلي صبر‪ :‬هللا جل وعال قال‪َ ( :‬ونَ ْبلُوك ْ‬
‫ُم بِ َّ‬
‫عونَ ) فتنة يعني اختب ار‪ ،‬نخت بركم بالش ر وب الخير فمن إذا أبتلي بالش ر ص بر وإذا أبتلي بالنعم ة‬ ‫َوإِلَ ْي َنا ُت ْر َ‬
‫ج ُ‬
‫شكر فهذا هو السعيد‪ ،‬وأما من إذا أنعم علي ه كف ر النعم ة وإذا أبتلي فإن ه يج زع ويتس خط لقض اء هللا وق دره‬
‫فهذا هو الشقي‪ ،‬ولن يحصل على طائل؛ بل يحصل على م ا ه و أش د وأنكى ‪ -‬والعي اذ باهلل ‪ ،-‬إذا انعم علي ه‬
‫شكر‪ ،‬وال يبطر وال يتكبر وال يصرف هذه النعمة بالمعاصي والشهوات المحرمة واألس فار المحرم ة للنزه ة في‬
‫بالد الكفار واالنخراط في سلك الفسقة والفجار فيكون مثلهم أو أخس منهم وأردى منهم‪ ،‬إن الكفار يسخرون‬
‫من بعض المسلمين الذين يأتونهم ثم يظهرون من الكفر والفجور والفسق ما ال يفعله الكفار‪ ،‬وال حول وال ق وة‬
‫إال باهلل‪ ،‬بسبب أن النعمة فاضت عليهم‪ ،‬فلم يحسنوا التصرف فيها فتك ون ش قا ًء عليهم‪ ،‬الخص لة الثاني ة‪ :‬إذا‬
‫أبتلي ص بر‪ ،‬هللا ج ل وعال يبتلي عب اده ليظه ر الص ابر من ال ذي يج زع ويتس خط ق ال س بحانه وتع الى‪:‬‬
‫ش ْر‬
‫م َراتِ َوبَ ّ ِ‬ ‫ل َواألَن ُف ِ‬
‫س َوال َّث َ‬ ‫ن األَ ْم َوا ِ‬
‫ْص ِم ْ‬ ‫ف َوا ْل ُ‬
‫ج وعِ َونَق ٍ‬ ‫ن ا ْل َ‬
‫خ ْو ِ‬ ‫ي ٍء ِم ْ‬
‫ش ْ‬ ‫( َولَ َن ْب ُل َونَّك ْ‬
‫ُم بِ َ‬
‫ج ُعونَ *) يفوضون األم ر إلى‬ ‫ه َرا ِ‬ ‫ه َوإِنَّا إِلَ ْي ِ‬
‫ة َقالُوا إِنَّا لِلَّ ِ‬ ‫صيبَ ٌ‬ ‫م ُم ِ‬ ‫صابَ ْت ُه ْ‬ ‫ين إِذَا أَ َ‬
‫ين* الَّ ِذ َ‬ ‫صابِ ِر َ‬ ‫ال َّ‬
‫م ْه َت ُدونَ )‪،‬‬ ‫م ا ْل ُ‬
‫ه ْ‬ ‫ك ُ‬ ‫ُ‬
‫ة َوأ ْولَئِ َ‬
‫م ٌ‬‫ح َ‬ ‫م َو َر ْ‬ ‫ن َربِّ ِه ْ‬ ‫ات ِم ْ‬ ‫صلَ َو ٌ‬ ‫م َ‬ ‫ك َعلَ ْي ِه ْ‬ ‫ُ‬
‫هللا قال هللا جل وعال‪( :‬أ ْولَئِ َ‬
‫وهللا جل وعال يبتلي عباده‪ ،‬أشد بالءاً األنبياء ثم ال ذين يل ونهم‪ ،‬أش د الن اس بالءاً‬
‫األنبياء عليهم الصالة والسالم‪ ،‬تقرؤون في كتاب هللا ماذا ج رى عليهم من االبتالء‬
‫واالمتحان من المصائب؟ من أذى الكفار؟ أذية الكفار لهم حتى ص بروا وظف روا‪( :‬أَ ْم‬
‫اء‬
‫س ُ‬ ‫م ا ْلبَ ْأ َ‬
‫س ْت ُه ْ‬ ‫ُم َم َّ‬ ‫ن َق ْبلِك ْ‬‫خلَ ْوا ِم ْ‬ ‫ين َ‬ ‫ل الَّ ِذ َ‬ ‫ُم َم َث ُ‬ ‫ما يَ ْأتِك ْ‬ ‫ج َّن َة َولَ َّ‬ ‫م أَنْ تَ ْد ُ‬
‫خلُوا ا ْل َ‬ ‫س ْب ُت ْ‬ ‫ح ِ‬ ‫َ‬
‫ه‬‫ص َر اللَّ ِ‬‫ه أال إِنَّ نَ ْ‬‫َ‬ ‫ص ُر اللَّ ِ‬‫ين آ َم ُن وا َم َع ُه َم َتى نَ ْ‬ ‫ول َوالَّ ِذ َ‬
‫س ُ‬ ‫الر ُ‬‫ل َّ‬ ‫ح َّتى يَ ُق و َ‬ ‫اء َو ُز ْل ِز ُل وا َ‬ ‫ض َّر ُ‬
‫َوال َّ‬
‫يب)‪ ،‬فالنصر مع الصبر‪ ،‬والفرج مع الكرب‪ ،‬ومع العسر يسرا‪ ،‬فهم ال يأسون مهما‬ ‫َق ِر ٌ‬
‫أشتد بهم البالء واالمتحان فإنهم يص برون ثم ت زول البلي ة وتعقبه ا النعم ة والج زاء‬
‫الحسن‪ ،‬نتيجة للصبر واالحتساب‪.‬‬
‫ين ال َّت َّو ُاب ونَ ‪ ، ‬اإلنس ان‬ ‫خطَّائِ َ‬ ‫خ ْي ُر ا ْل َ‬
‫خطَّا ٌء َو َ‬ ‫م َ‬ ‫ن آ َد َ‬‫ل ا ْب ِ‬‫الثالث ة‪ :‬إذا أذنب اس تغفر‪ُ  :‬ك ُّ‬
‫مع رض للخط أ ولكن ه إن أص ر علي ه واس تمر علي ه وقن ط من رحم ة هللا ص ار من‬
‫األشقياء ‪ -‬والعياذ باهلل ‪ ،-‬فإن تاب إلى هللا ع ز وج ل من ذنوب ه غف ر هللا ل ه وج زاه‬
‫ض َها‬ ‫ة َع ْر ُ‬ ‫ج َّن ٍ‬
‫ُم َو َ‬ ‫ن َربِّك ْ‬ ‫ار ُعوا إِلَى َم ْغ ِف َر ٍة ِم ْ‬ ‫س ِ‬ ‫ب الجزاء الحس ن‪ ،‬نتيج ة الس تغفاره‪َ ( :‬و َ‬
‫م َذ َك ُروا اللَّ َه َف ْ‬
‫اس َت ْغ َف ُروا‬ ‫س ُه ْ‬‫موا أَ ْن ُف َ‬
‫ِش ًة أَ ْو ظَلَ ُ‬ ‫ين)‪َ ( ،‬والَّذ َ‬
‫ِين إِذَا َف َعلُوا َفاح َ‬ ‫ت لِ ْل ُ‬
‫م َّت ِق َ‬ ‫ض ُأ ِ‬
‫ع َّد ْ‬ ‫ات َواألَ ْر ُ‬
‫م َو ُ‬
‫الس َ‬
‫َّ‬
‫م‬
‫ِن َربِّ ِه ْ‬
‫م َم ْغ ِف َر ٌة م ْ‬‫ه ْ‬
‫ج َزا ُؤ ُ‬
‫ك َ‬‫م ونَ * ُأ ْولَئِ َ‬ ‫م يَ ْعلَ ُ‬
‫ه ْ‬‫ص ُّروا َعلَى َم ا َف َع ُل وا َو ُ‬ ‫م ُي ِ‬ ‫ن يَ ْغ ِف ُر ال ُّذ ُن َ‬
‫وب إِال َّ الل َُّه َولَ ْ‬ ‫م َو َم ْ‬‫لِ ُذ ُنوبِ ِه ْ‬
‫ب‬‫ن ال َذ ْن َ‬ ‫م ْ‬‫ب َك َ‬ ‫ن ال َّذ ْن ِ‬ ‫ب ِم َ‬ ‫ِين)‪َ  ،‬وال َّتائِ ُ‬ ‫ج ُر ا ْل َع ا ِمل َ‬ ‫َ‬
‫مأ ْ‬‫ِين فِي َه ا َونِ ْع َ‬
‫خالِ د َ‬ ‫ار َ‬ ‫َ‬
‫حتِ َها األ ْن َه ُ‬‫ِن تَ ْ‬‫ج ِري م ْ‬ ‫ات تَ ْ‬
‫ج َّن ٌ‬ ‫َو َ‬
‫لَ ُه‪ ،  ‬وال يقنط اإلنسان من رحمة هللا ومغفرته مهما عمل؛ ولكنه يبادر بالتوبة‪ُ ( :‬ق ْ‬
‫ل‬
‫ه إِنَّ اللَّ َه يَ ْغ ِف ُر ال ُّذ ُن َ‬
‫وب‬ ‫ة اللَّ ِ‬
‫م ِ‬
‫ح َ‬
‫ن َر ْ‬ ‫ط وا ِم ْ‬ ‫م ال تَ ْق َن ُ‬ ‫س َرفُوا َعلَى أَ ْن ُف ِ‬
‫س ِه ْ‬ ‫ين أَ ْ‬ ‫عبَا ِدي الَّ ِذ َ‬ ‫يَا ِ‬
‫موا لَ ُه) به ذا الش رط فمن ت اب‬ ‫َ‬ ‫يبوا إِلَى َربِّك ْ‬ ‫َ‬ ‫ميعاً إِنَّ ُه ُ‬
‫س ِل ُ‬ ‫ُم َوأ ْ‬ ‫يم* َوأنِ ُ‬
‫ح ُ‬ ‫ه َو ا ْل َغ ُف ُ‬
‫ور ال َّر ِ‬ ‫ج ِ‬
‫َ‬
‫تاب هللا عليه مهما كانت ذنوبه وخطاياه‪ ،‬التوبة تمحو ال ذنوب‪ ،‬تمح و م ا قبله ا من‬
‫الذنوب‪ ،‬وتنقي العبد وتطهره إذا كانت توبة صادقة ليس ت باللس ان فق ط‪ ،‬فالتوب ة‬
‫لها شروط كما هو معلوم‪:‬‬
‫الشرط األول‪ :‬ترك الذنب‪ ،‬أما من يستغفر هللا وهو مقيم على ال ذنب ال يتغ ير إنم ا‬
‫يستغفر بلسانه فهذا ليس تائبا إلى هللا ع ز وج ل‪،‬؛ ب ل ه و إلى الس خرية أق رب‪،‬‬
‫ترك الذنب هذا الشرط األول‪.‬‬
‫الشرط الثاني‪ :‬العزم أال يعود عليه مدى الحي اة‪ ،‬ف إن ك ان في نيت ه أن ه يع ود إلى‬
‫الذنوب مرة أخرى فهذا توبته مؤقت ة‪ ،‬وال تقب ل عن د هللا س بحانه وتع الى‪ ،‬الب د أن‬
‫يعلم هللا من قلب ه‪ ،‬أن ه ال يع ود إلى ال ذنوب‪ ،‬ف إن علم من قلب ه أن ه س يعود إلى‬
‫الذنوب فإن هللا ال يغفر له‪ ،‬وال يقبل توبته‪.‬‬
‫والشرط الرابع‪  :‬إذا كان بينه وبين الناس مظالم أخطأ في حقهم أو أكل أموالهم‪ ،‬أو‬
‫ظلمهم فالبد أن يرد المظالم إلى أهلها‪ ،‬وأن يطلب منهم المسامحة‪.‬‬
‫فهذه شروط التوبة فليست التوبة باللسان فقط‪ ،‬أي إذا أذنب استغفر‪.‬‬
‫ت َق ا َ‬
‫ل‬ ‫م ْو ُ‬ ‫م ا ْل َ‬‫ه ْ‬ ‫ض َر أَ َ‬
‫ح َد ُ‬ ‫ح َ‬ ‫ح َّتى إِذَا َ‬ ‫الس ِي ّئَاتِ َ‬‫َّ‬ ‫م ُل ونَ‬ ‫ت ال َّت ْوبَ ُة لِلَّ ِذ َ‬
‫ين يَ ْع َ‬ ‫وكذلك‪َ ( :‬ولَ ْي َ‬
‫س ْ‬
‫ت اآلنَ ) يؤخر التوبة إلى الغرغ رة إلى أن ي نزل ب ه الم وت ويعلم أن ه مف ارق‬ ‫إِنِ ّي ُت ْب ُ‬
‫للحياة حينئذ يتوب هذا ال تقبل توبته‪ ،‬إنما التوبة في حال الصحة وفي حال الحي اة‬
‫غ ْر‪ ‬أي‪:‬‬ ‫م ُي َغ ْر ِ‬‫ل تَ ْوبَ َة ا ْل َع ْب ِد َما لَ ْ‬
‫أما إذا يأس من الحياة فإنه ال تقبل توبته‪ :‬إِنَّ اللَّ َه يَ ْقبَ ُ‬
‫ما لم تبلغ روحه الغرغرة‪ ،‬وإال فكل الناس يتوبون عند الموت؛ ولكن ال تقبل توباتهم‬
‫عند الموت وه ذا من ش روط التوب ة أن تك ون في وقت التوب ة ال ذي تقب ل في ه وال‬
‫تكون عند اليأس من الحياة‪ ،‬ومن الناس من يتساهل في المعاص ي يق ول س هلة‬
‫المعاصي سهلة وهللا غفور رحيم‪ ،‬نعم إن هللا غفور رحيم ولكن ه غف ور رحيم لمن؟‬
‫اه َت َدى) فهذا ه و ال ذي يغف ر‬
‫م ْ‬‫صالِحاً ُث َّ‬
‫ل َ‬
‫م َ‬
‫ن َو َع ِ‬
‫اب َوآ َم َ‬
‫ن تَ َ‬
‫م ْ‬ ‫لمن تاب‪َ ( :‬وإِنِ ّي لَ َغ َّف ٌ‬
‫ار لِ َ‬
‫هللا له‪ ،‬أما من يمهل لنفسه ويقول أتوب بعدين أو يعتمد على الرج اء فق ط ويق ول‬
‫هللا غف ور رحيم فه ذا متعل ق باألم اني الكاذب ة ال تي ال تحق ق ل ه قب وال عن د هللا‬
‫سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫فمن اتصف بهذه الصفات فإنه ه و الس عيد‪ :‬إذا أعطي ش كر‪ ،‬وإذا ابتلي ص بر‪ ،‬وإذا‬
‫أذنب استغفر‪ ،‬فإن هذه الثالث هي عن وان الس عادة‪ ،‬أس أل هللا أن يوفقن ا وإي اكم‬
‫له ذه الص فات العظيم ة‪ ،‬وأن يمُّن علين ا وعليكم بالتوب ة‪ ،‬وأن يمُّن علين ا وعليكم‬
‫بالمغفرة والقبول إنه سميع مجيب الدعاء‪ ،‬فالبد من هذه األمور الثالثة لتتحقق له‬
‫بالمل ك والرئاس ة‪،‬‬
‫ُ‬ ‫الس عادة‪ ،‬ليس ت الس عادة بالم ال واألوالد‪ ،‬ليس ت الس عادة‬
‫ليست السعادة بالشهوات‪ ،‬إنما السعادة بتق وى هللا س بحانه وتع الى‪ ،‬وفقن ا هللا‬
‫وإياكم لتقواه‪ ،‬والعمل بما يرضاه‪ ،‬إنه قريب مجيب‪ ،‬أق ول ق ولي ه ذا واس تغفر هللا‬
‫لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫الخطبة الثانية‪:‬‬
‫الحمد هلل على فضله وإحسانه‪ ،‬وأشهد أن ال إل!!ه إال هللا وح!!ده ال ش!!ريك‬
‫له‪ ،‬وأشهد أن محم ًدا عبده ورسوله‪ ،‬صلى هللا عليه وعلى آله وأص!!حابه‪،‬‬
‫وسلم تسليما كثيرا‪     ،‬أما بعد‪:‬‬
‫أيها الناس‪ ،‬اتق وا هللا وأطيع وه‪ ،‬وتوب وا إلي ه واس تغفروه‪ ،‬من الن اس من يعم ل الكب ائر ي ترك الص الة‪ ،‬يمن ع‬
‫الزكاة‪ ،‬ينخرط في سبيل المالحدة والعلمانيين ويقول‪ :‬اإليمان بالقلب ليس هو الصالة ليس هو العمل اإليم ان‬
‫بالقلب هذه مغالطة‪ ،‬اإليمان بالقلب وباللسان وباألعمال‪ ،‬يقول أهل السنة والجماعة‪ :‬اإليمان ق ول باللس ان‪،‬‬
‫واعتقاد بالقلب‪ ،‬وعمل بالجوارح‪ ،‬أما الذي يضيع الصالة ويمنع الزكاة ويشكك في العقيدة فهؤالء من الذين قال‬
‫ُم فِي‬‫كك ْ‬‫سلَ َ‬
‫هللا فيهم‪ ،‬ق ال هللا عن أمث الهم ومن س بقهم إذا ألق وا في الن ار س ألهم أه ل الجن ة‪َ ( :‬ما َ‬
‫ين* َو ُك َّنا‬
‫س كِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ا ْل ِ‬ ‫ط ِع ُ‬‫ك ُن ْ‬‫م نَ ُ‬ ‫ين* َولَ ْ‬ ‫ص ِل ّ َ‬
‫م َ‬‫ن ا ْل ُ‬
‫ك ِم َ‬ ‫م نَ ُ‬ ‫س َق َر) ما ه و الس بب؟ ( َق الُوا لَ ْ‬ ‫َ‬
‫اع ُة‬‫ش َف َ‬ ‫م َ‬‫ما تَ ْن َف ُع ُه ْ‬‫ين* َف َ‬ ‫َ‬
‫ح َّتى أتَانَا ا ْليَ ِق ُ‬ ‫ين* َ‬ ‫د ِ‬‫ب بِيَ ْو ِم ال ِّ‬‫ذ ُ‬ ‫ين* َو ُك َّنا ُن َ‬
‫ك ِّ‬ ‫ض َ‬ ‫ع ا ْل َ‬
‫خ ائ ِ ِ‬ ‫وض َم َ‬
‫خ ُ‬ ‫نَ ُ‬
‫ين) نسأل هللا العافية ثالثة جرائم‪:‬‬ ‫الشافِ ِع َ‬
‫َّ‬
‫ين) هذه جريمة تركوا ركنا من أركان اإلسالم بعد الشهادتين‪.‬‬ ‫ص ِل ّ َ‬ ‫ن ا ْل ُ‬
‫م َ‬ ‫ك ِم َ‬ ‫م نَ ُ‬‫(لَ ْ‬
‫ين) منعوا الزكاة‪.‬‬
‫سكِ َ‬
‫م ْ‬‫م ا ْل ِ‬‫ط ِع ُ‬‫ك ُن ْ‬‫م نَ ُ‬‫( َولَ ْ‬
‫ين) في العقي دة في أم ور ال دين وم ا أك ثرهم الي وم ال ذين‬
‫ض َ‬ ‫ع ا ْل َ‬
‫خ ائ ِ ِ‬ ‫وض َم َ‬
‫خ ُ‬‫( َو ُك َّنا نَ ُ‬
‫يخوضون في العقيدة ويشككون المسلمين في عقائدهم ويقولون‪ :‬اإلس الم ليس‬
‫باللحية‪ ،‬ليس بالصالة ليس بكذا وكذا‪ ،‬اإليمان بالقلب فقط نسأل هللا العافية‪.‬‬
‫فعلى المس لم أن يتقي هللا‪ ،‬وأن ينج و بنفس ه قب ل الف وات‪ ،‬وأن ي دعو غ يره إال‬
‫النجاة‪ ،‬وأن يصلح نفسه ثم يس عى في إص الح غ يره‪ ،‬ي أمر ب المعروف وينهى عن‬
‫س ٍر* إِال َّ الَّ ِذ َ‬
‫ين‬ ‫نس انَ لَ ِفي ُ‬
‫خ ْ‬ ‫اإل َ‬ ‫المنك ر‪ ،‬وي دعو إلى هللا على بص يرة‪َ ( :‬وا ْل َع ْ‬
‫ص ِر* إِنَّ ِ‬
‫ص ْب ِر) هكذا الم ؤمن حق ا‪ ،‬أس أل هللا‬
‫ص ْوا بِال َّ‬
‫ق َوتَ َوا َ‬ ‫ص ْوا بِا ْل َ‬
‫ح ِّ‬ ‫حاتِ َوتَ َوا َ‬
‫صالِ َ‬
‫ملُوا ال َّ‬
‫آ َم ُنوا َو َع ِ‬
‫أن يجعلنا وإياكم من المؤمنين الصادقين‪.‬‬
‫ي هدي محم د ص لى هللا‬ ‫ثم اعملوا عباد هللا‪ ،‬أنَّ ‪ ‬خير الحديث كتاب هللا‪ ،‬وخير الهد َّ‬
‫وشر األمور ُمحدثاتها‪ ،‬وكل بدعة ض اللة‪ ،‬وعليكم بالجماع ة‪ ،‬ف إنَّ ي د‬ ‫َّ‬ ‫عليه وسلم‪،‬‬
‫هللا على الجماعة‪ ،‬ومن ش َّذ ش َّذ في النار‪.‬‬
‫موا‬‫س ِل ّ ُ‬ ‫ص لُّوا َعلَ ْي ِ‬
‫ه َو َ‬ ‫ين آ َم ُنوا َ‬ ‫ي يَا أَيُّ َها الَّ ِذ َ‬
‫صلُّونَ َعلَى ال َّنبِ ّ ِ‬
‫ك َت ُه ُي َ‬‫(إِنَّ اللَّ َه َو َمالئِ َ‬
‫خلفائِ ه الراش دين‪،‬‬ ‫م عن ُ‬ ‫وارض اللَّ ُه َّ‬
‫َ‬ ‫ل وسلِ ّم على نبيَّنا محمد‪،‬‬ ‫م ص ِّ‬ ‫ما)‪ ،‬اللَّ ُه َّ‬‫سلِي ً‬
‫تَ ْ‬
‫ي‪ ،‬وعن الص حابة أجمعين وعن‬ ‫ة المه ديين‪ ،‬أبي بك َر‪ ،‬وعم َر‪ ،‬وعثم انَ ‪ ،‬وعل ّ ٍ‬ ‫األئم ِ‬
‫ن إلى يو ِم الدين‪.‬‬ ‫التابعين لهم‪  ‬بإحسا ٍ‬
‫م أع ز‬ ‫م أعز اإلسالم والمس لمين‪ ،‬اللَّ ُه َّ‬ ‫م أعز اإلسالم والمسلمين‪ ،‬اللَّ ُه َّ‬ ‫اللَّ ُه َّ‬
‫اإلسالم والمسلمين‪ ،‬ودمر أعداء الدين‪ ،‬ونصر عبادك الموحدين‪ ،‬يا حي يا قي وم ي ا‬
‫م من أراد اإلس الم والمس لمين بس وء فأش غله بنفس ه‪ ،‬وردد‬ ‫سميع الدعاء‪ ،‬اللَّ ُه َّ‬
‫م أمن ا في أوطانن ا وأص لح س لطاننا‬ ‫كيده في نحره وجعل تدميره في ت دبيره‪ ،‬اللَّ ُه َّ‬
‫وولي علين ا خيارن ا وكفن ا ش ر ش رارنا وقن ا ش ر الفتن م ا ظه ر منه ا وم ا بطن‪،‬‬
‫م أردد كي دهم‬ ‫م‪  ‬كف عنا بأس الذين كفروا فأنت أشد بأسا وأش د تنكيال‪ ،‬اللَّ ُه َّ‬ ‫اللَّ ُه َّ‬
‫م أمن ا في دورن ا‪،‬‬ ‫م أمن ا في أوطانن ا‪ ،‬اللَّ ُه َّ‬ ‫في نح ورهم وكفن ا ش رورهم‪ ،‬اللَّ ُه َّ‬
‫م أصلح ولي أمرنا وهده سبل‬ ‫م‪  ‬أصلح والة أمورنا‪ ،‬وجعلهم هداة مهتدين‪ ،‬اللَّ ُه َّ‬ ‫اللَّ ُه َّ‬
‫م أعنهم‬ ‫م أصلحه وأص لح ب ه ي ا حي ي ا قي وم ي ا س ميع ال دعاء‪ ،‬اللَّ ُه َّ‬ ‫السالم‪ ،‬اللَّ ُه َّ‬
‫م‪  ‬كثر أنصارهم وأعوانهم على الحق يا رب الع المين‪،‬‬ ‫على الحق وبصرهم به‪ ،‬اللَّ ُه َّ‬
‫ين)‪ ،‬على هللا توكلن ا‪،‬‬ ‫س ِر َ‬ ‫خا ِ‬ ‫ن ا ْل َ‬ ‫ن ِم ْ‬ ‫م َنا لَ َنكُونَ َّ‬ ‫ح ْ‬ ‫م تَ ْغ ِف ْر لَ َنا َوتَ ْر َ‬ ‫س َنا َوإِنْ لَ ْ‬ ‫م َنا أَن ُف َ‬ ‫( َربَّ َنا ظَلَ ْ‬
‫ين)‪.‬‬ ‫كافِ ِر َ‬ ‫ن ا ْل َق ْو ِم ا ْل َ‬ ‫ك ِم ْ‬ ‫متِ َ‬ ‫ح َ‬‫ج َنا بِ َر ْ‬‫ين* َونَ ّ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ج َع ْل َنا فِ ْت َن ًة لِ ْل َق ْو ِم الظَّالِ ِ‬ ‫( َربَّ َنا ال تَ ْ‬
‫ش ا ِء‬‫ح َ‬ ‫ن ا ْل َف ْ‬ ‫ن َوإِي َت ا ِء ِذي ا ْل ُق ْربَى َويَ ْن َهى َع ْ‬ ‫سا ِ‬ ‫ح َ‬ ‫اإل ْ‬‫ل َو ِ‬ ‫د هللا‪( ،‬إِنَّ اللَّ َه يَ ْأ ُم ُر بِا ْل َع ْد ِ‬ ‫عبا َ‬
‫ض وا‬ ‫م َوال تَن ُق ُ‬ ‫ه ْد ُت ْ‬ ‫ه إِذَا َعا َ‬ ‫َ‬
‫ُم تَ َذك َُّرونَ )‪َ ( ،‬وأ ْو ُف وا بِ َع ْه ِد اللَّ ِ‬ ‫ُم لَ َعلَّك ْ‬‫ظك ْ‬ ‫ك ِر َوا ْلبَغ ِ‬
‫ْي يَ ِع ُ‬ ‫من َ‬ ‫َوا ْل ُ‬
‫م َما تَ ْف َعلُونَ )‪ ،‬ف ذكروا‬ ‫ُم َك ِفيال ً إِنَّ اللَّ َه يَ ْعلَ ُ‬ ‫م اللَّ َه َعلَ ْيك ْ‬ ‫ج َع ْل ُت ْ‬‫ها َو َق ْد َ‬ ‫مانَ بَ ْع َد تَ ْو ِكي ِد َ‬ ‫األ َ ْي َ‬
‫يعلم ما تصنعون‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫يز ْدكم‪ ،‬ول ِذ ْك ُر هللا أكب َر‪ ،‬وهللا‬ ‫هللا يذكركم‪ ،‬واشكُروه على نعمه ِ‬
‫‪ ‬‬
‫خطبة الجمعة ‪1435-02-24‬هـ‪  ‬‬

You might also like