Professional Documents
Culture Documents
وصية لقمان لابنه
وصية لقمان لابنه
م ُه ا ْلبَيَانَ ) ،وأشهد أن نسانَ * َعل َّ َ اإل َ ق ِ خلَ َ الخطبة األولى الحمد هلل ذو الفضل واإلحسانَ ( :
ال إله إال هللا وحده ال شريك له شهادة@ اإليمان ،وأشهد أن محمدا عبده ورسوله سيد
ولد عدنان ،صلى هللا عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان ،أما@ بعد أيُّها@ الناس@،
اتقوا هللا تعالى ،فإن التقي هو السعيد ،وعليكم بتربية أوالدكم ،ليكون أثرا صالحا لكم
بعد مماتكم @،ربوهم على الخير ،وعلموهم طاعة هللا ،وأعظم الطاعات العملية هي
م َعلَ ْي َها ه ْض ِر ُبو ُ لس ْبعِ َوا ْ صال َ ِ@ة َ ُم بِال َّ الصالة ،ولهذا@ قال صلى هللا عليه وسلمُ :م ُروا أَ ْوال َ َدك ْ
جعِ ،فإذا كنت تريد من أوالدك أن ينفعوك بعد مماتك مضَا ِ م فِي ا ْل َ ش ِر َو َف ِرّقُوا@ بَ ْي َن ُه ْ ل َع ْ
بالدعاء فإنك تربيهم@ على الطاعة وعلى العبادة قال صلى هللا عليه وسلمُ :م ُروا أَ ْوال َ َدك ْ
ُم
صال َة م ال َّ صال َ ِ@ة ،فالصالة@ هي أعظم األعمال الصالحة@ وأعظم التربية لقوله تعالىَ ( :وأَقِ ْ بِال َّ
ك ِر) ،وهي أول ما يحاسب@ عنه العبد من عمله يوم م ْن َ
شا ِء َوا ْل ُ ح َ ن ا ْل َف ْ صال َ@ة تَ ْن َهى َع ْ إِنَّ ال َّ
القيامة ،فالصالة هي الركن@ الثاني من أركان اإلسالم بعد الشهادتين تربي عليها أوالدك
من الصغر وال تتركهم@ حتى يكبروا فيشق عليك أمرهم؛@ بل تأمرهم وهم صغار ألن هذا
يؤثر فيهم االمتثال والطاعة ،كثير من الناس@ يربون أوالدهم التربية البدنية فيغدقون
عليهم النعم واألرزاق@ وهذه التربية ((تربية بهيمية)) تضرهم أكثر مما تنفهم؛ ولكن
التربية الحقيقية هي تربيتهم على العبادة ،فعليكم بتربية أوالدكم@ ما داموا بين أيديكم@
وتقدرون على تربيتهم بادروا بتربيتهم بما يعود نفعه عليهم وعليكم قال صلى هللا عليه
ة
اريَ ٍ
ج ِ ة َ ص َد َق ٍن ثَاَل ثٍَ : مل ُُه إاَّل ِم ْ ع َع ْن ُه َع َ م أو مات اإلنسان ا ْن َقطَ َ ن آ َد َ ات ا ْب ُوسلم :إذَا َم َ
ه علم م ُي ْن َت َف ُع بِ ِ ع ْل ٍ ة ،أ ْو َِ اريَ ٍ
ج ِ ة َ ص َد َق ٍ وهي الوقف الذي@ يغل غلة تنفق في وجوه الخير َ
الشريعة الذي ينتفع به في العبادة والطاعة علم الشرع فإن نفعه يستمر إذا علم ونشر
علمه في الطالب وفي المؤلفات فإن نفعه يستمر عليه بعد موته ،والعلماء كما ترون
ويذكرون@ ولهم أالف السنين وهم أموات يذكرون@ بالخير ويقتدى بهم ألن علمه آثر صالح
ع ْل ٍ
م لهم@ علم ينتفع به أما العلم الذي ال ينتفع به كالعلوم الدنيوية فهذه تنقطع مع أهلها ِ
صالِحٍ يَ ْد ُعو لَ ُه بعد موته والصالح@ ال يأتي من فراغ البد من أسباب ه ،أَ ْو َولَ ٍد َ ُي ْن َت َف ُع بِ ِ
للصالح ،وأعظمها التربية فربوا أوالدكم على الخير وجنبوهم مواطن الشر ،وأبعدوا عنهم
وسائل@ الشر ،ربوهم على الخير@ وحافظوا عليهم خصوصا في هذا الزمان@ الذي@ تالطمت
فيه الفتن من كل حدب وصوب وتنوعت -والعياذ باهلل ،-فحفظوا أنفسكم وحفظوا
أوالدكم@ منها ببذل األسباب النافعة والواقية وال تضيعوا أنفسكم وتضيعوا أوالدكم ،فتألوا
صالِحٍ يَ ْد ُعو لَ ُه جمع بين صفتين :أول :أنه صالح في إلى الشر والعاقبة السيئة .أَ ْو َولَ ٍد َ
نفسه .وثانيا :أنه يدعو لوالده فيستجيب هللا دعاءه ويوصل ثوابه إلى ولده .وهذا مثال
ذكره هللا في القرآن لتقتدوا به وتعتبروا به ،هذا لقمان عليه السالم وهو عبد صالح قال
ه
س ِشك ُُر لِ َن ْف ِ ما@ يَ ْ ش ُك ْر َف ِإن َّ َ ن يَ ْ ه َو َم ْ اش ُك ْ@ر لِل َّ ِ م َة أَنْ ْ ح ْك َمانَ ا ْل ِ هللا جل وعالَ ( :ولَق َْد آتَ ْي َنا ُل ْق َ
مي ٌد) فأتاه هللا الحكمة وهي العلم والفقه في الدين @،فصار ح ِي َ ن َك َف َر َف ِإنَّ الل َّ َه غَ نِ ٌّ َو َم ْ
ك
الش ْر َ ِّ ه إِنَّ ك بِالل َّ ِ ش ِر ْ ي ال ُت ْ يعلمها ويعمل بها ومن ذلك أول من علم ابنه فقال له( :يَا ُب َن َّ
م) فأعظم الذنوب وأكبرها@ هو الشرك باهلل عز وجل الذي من مات عليه فإن ظي ٌ م َع ِ ظ ْل ٌ لَ ُ
هك بِ ِ ش َر َ ار)( ،إِنَّ الل َّ َه ال يَ ْغ ِف ُر أَنْ ُي ْ ص ٍ ن أَن َ ين ِم ْ م َ ار َو َما لِلظَّالِ ِ ْ
هللا يحرم عليه الجنة ( َو َمأ َوا ُه ال َّن ُ
ك
ش ِر ْ ن ُي ْ ظيماً)َ ( ،و َم ْ ه َفق َْد ا ْف َت َرى إِثْماً َع ِ ك بِالل َّ ِ ش ِر ْ ن ُي ْ اء َو َم ْ ش ُ ن يَ َ م ْك لِ َ َويَ ْغ ِف ُر َما ُدونَ َذلِ َ
ضالال ً بَ ِعيداً) فهو أعظم الذنوب ولذلك أول ما نهى لقمان ابنه نهاه عن ل َ ض َّه َفق َْد َ بِالل َّ ِ
م) ،والشرك هو وضع الشيء في ظي ٌ م َع ِ ك لَ ُ
ظ ْل ٌ الش ْر َ@
ِّ ه إِنَّ ك بِالل َّ ِ ش ِر ْ ي ال ُت ْ الشرك( :يَا ُب َن َّ
غير موضعه ،فالمشرك وضع العبادة في غير موضعها وصرفها لغير مستحقها وهو هللا
ظ ْل ٌ
م ك لَ ُ الش ْر َ
ِّ جل وعال ،فكان ظالما لنفسه وظالما@ لغيره ،فهو أعظم الذنوب( :إِنَّ
م) ،ألن أول الحقوق حق هللا ظي ٌ م َع ِ ك لَ ُ
ظ ْل ٌ الش ْر َ
ِّ ه) هذا نهي (إِنَّ ك بِالل َّ ِ ش ِر ْ م)( ،ال ُت ْ ظي ٌ َع ِ
جل وعال على عباده أن يعبدوه وال يشركوا به شيئا ،فمن أشرك به شيئا فقد ضيع هذا
الحق ،حق هللا عليه ،وستحق الغضب والعقوبة الدائمة التي ال يغفرها هللا عز وجل لمن
ه) هذا الحق الثاني بعد حق هللا ،وهو حق الوالدين؛@ ان بِ َوالِ َد ْي ِ س َ@ اإل ْن َ ص ْي َنا ِ مات عليهاَ ( .و َو َّ
لكن حق الوالدين عظيم ويأتي بعد حق هللا؛ ولكن ال يؤديه من األوالد إال من رباه والده
ه) هذا مما يعظم حق الوالدين أن ان بِ َوالِ َد ْي ِ س َ@ اإل ْن َ ص ْي َنا ِ على الخير ،رباه على الطاعةَ ( ،و َو َّ
ه) يعني :أن يحسن إليهما بالقول ان بِ َوالِ َد ْي ِ س َ@ اإل ْن َ ص ْي َنا ِ هللا وصى به سبحانه وتعالىَ ( :و َو َّ
ملَ ْت ُه ُأم ُ
ُّه ح َوالعمل والبر واإلحسان والرحمة والشفقة لقاء ما قاما به معه في صغره ( َ
ن ) ضعفا على ضعف ،وكراهة على كراه لما تقاسيه في الحمل من اآلالم ه ٍ هناً َعلَى َو ْ َو ْ
الشديدة@ واألخطار األكيدة ،ثم إذا وضعته الوضع أيضا عملية خطيرة يموت فيها النساء
ن) ترضعه سنتين صال ُُه فِي َعا َم ْي ِ ن) ثم إذا وضعتهَ ( :وفِ َ ه ٍ هناً َعلَى َو ْ ُّه َو ْ ملَ ْت ُه ُأم ُ ح َ بكثرةَ ( ،
ح ْولَ ْي ِ
ن ن َ ه َّ َ
ن أ ْوال َد ُ ض ْع َ ات ُي ْر ِن) كما هللا جل وعالَ ( :وا ْل َوالِ َد ُ صال ُُه فِي َعا َم ْي ِ من صدرهاَ ( :وفِ َ
ن) وليس ذلك فحسب؛ بل إنها مع كونها@ ترضعه فهي تريه تزيل عنه األذى بيدها َكا ِملَ ْي ِ
تدفئه من البرد وتدفع عنه الحر ،وتألم@ أللمه ،وتسر لسروره ،فهي معه بعد والدته مع
ن)، صال ُُه فِي َعا َم ْي ِ ضعفه وحاجته إلى من يقوم على مصالحه ويدفع عنه ما يضرهَ ( :وفِ َ
اش ُك ْر لِي) أمر بشكره سبحانه تعالى أوال على نعمه العظيمة ثم قال جل وعال( :أَنْ ْ
ولوالديك@ أشكر لوالديك@ ما قاما به في حقك من التربية والتغذية ومن التعهد بمصالحك
ودفع المضار عنك ،لكن في وقتنا الحاضر انشغلت النساء عن األوالد بالوظائف،
باألعمال @،بالرفاهية فصارت تكل أوالدها على المربيات أو إلى دور الحضانة أو غير ذلك
ممن ال يشفق عليهم وال يرحمهم وال يعبئوا بهم ،كيف أضاع الوالدين أوالدهما من
التربية وطرحاه على غيرهما من الخديمين والخديمات@ والمرين@ والمربيات ،ثم يرجون بعد
ذلك منهم البر وقد نشأ الولدان وهم ال يعرفون آباءهم@ يعرفون المربية والمربي ودور
الحضانة وال يعرفون آباءهم فكيف يبرون بهم؟ وهم ال يعرفونهم ،تنبهوا لهذا وفقكم هللا:
ير) يوم القيامة تصيرون ص ُ م ِ ي ا ْل َ ك) ،ثم قال جل وعال متوعدا( :إِلَ َّ اشك ُْر لِي َولِ َوالِ َد ْي َ (أَنْ ْ
ك
اش ُك ْر لِي َولِ َوالِ َد ْي َ@ إلي وأحاسبكم@ على إهمالكم وتفريطكم وإضاعتكم ألوالدكم( :أَنْ ْ
ير) ،حتى ولو كانا@ الوالدان كافرين ال يسقط حقهما عن الولد بالبر واإلحسان ص ُ م ِي ا ْل َ إِلَ َّ
ما) إنما الطاعة ط ْع ُه َ م َفال ُت ِ ع ْل ٌه ِ ك بِ ِ س لَ َ ك بِي َما لَ ْي َ ش ِر َ ك َعلى أَنْ ُت ْ ه َدا َ@ جا َإليهماَ ( @،وإِنْ َ
ق ؛ ولكن ال يسقط حقهما ولهذا@ قال: خالِ ِ ة ا ْل َ صي َ ِ ق فِي َم ْع ِ خلُو ٍ م ْ اع َة لِ َ بالمعروف @،ال َ طَ َ
ما فِي ال ُّد ْنيَا َم ْع ُروفاً) أحسن إليهما قم بنفقتهما إذا احتاجا إلى ذلك ،قم ببرهما ح ْب ُه َ صا ِ
( َو َ
ي) ابتع الرسول اب إِلَ َّ ن أَنَ َ ل َم ْ سبِي َ ما فِي ال ُّد ْنيَا َم ْع ُروفاً َواتَّبِ ْع َ ح ْب ُه َ صا ِ ولو كانا كافرينَ ( :و َ
صلى هللا عيه وسلم ال تتبع الوالدين@ وال غير الوالدين@ في معصية هللا عز وجل ،وإذا كانا
الوالدان منحرفان فتجنب طريقهما؛ ولكن مع تجنب طريقهما تحسن إليهما وتبر بهما،
ما فِي ال ُّد ْنيَا) ح ْب ُه َ صا ِ ما َو َ ط ْع ُه َ م َفال ُت ِ ع ْل ٌ ه ِ ك بِ ِ س لَ َ ك بِي َما لَ ْي َ ش ِر َ ك َعلى أَنْ ُت ْ ه َدا َ جا َ ( َوإِنْ َ
ما فِي ال ُّد ْنيَا@ َم ْع ُروفاً) ،وأما في اآلخرة فكل يلقي مصيره الولد ح ْب ُه َ صا ِ في الدنيا فقط ( َو َ
يلقى مصيره إن كان مؤمنا فهو في الجنة وإن كان كافرا فهو في النار ،والوالدان@ كذلك
ما ح ْب ُه َ صا ِ ش ْيئاً)َ ( ،و َ ن َوالِ ِد ِه َ از َع ْ ج ٍ ه َو َ ن َولَ ِد ِه َوال َم ْولُو ٌد ُ ج ِزي َوالِ ٌد َع ْ كل يجزئ@ بعمله( :ال يَ ْ
ي) ال تتبع سبيل الوالدين المنحرفين؛ ولكن مع اب إِلَ َّ ن أنَ َ َ ل َم ْ س ِبي َ فِي ال ُّد ْنيَا َم ْع ُروفاً َوات َّ ِب ْع َ
األسف اآلن كثير من األوالد يشكون انحراف الوالدين@ ترك الصالة فعل الفواحش األوالد
اآلن ينكرون على الوالدين@ العكس ،انعكست األمور .فاتقوا هللا عباد هللا ،أصلحوا أنفسكم
ما فِي ال ُّد ْنيَا َم ْع ُروفاً َوات َّ ِب ْع ح ْب ُه َ صا ِ أوال ثم أصلحوا أوالدكم ،أصلحوهم بالتربية الطيبة ( َو َ
ملُونَ ) .ثم قال لقمان البنه م تَ ْع َُنت ْ ما ك ُ ُم بِ َ ُم َف ُأنَ ِب ّ ُئك ْ ج ُعك ْ ي َم ْر ِ م إِلَ َّ ي ُث َّ ن أَنَ َ
اب إِلَ َّ ل َم ْ س ِبي َ َ
منبها له إلى أن العمل ال يضيع عند هللا سواء كان خيرا أو شرا ،سواء كان قليال أو كثيرا،
ل) أصغر شيء من خ ْر َد ٍ ن َ ة ِم ْ حبَّ ٍ ل َ ك ِم ْثقَا َ ي إِن َّ َها إِنْ تَ ُ ال يضيع العمل عند هللا( :يَا ُب َن َّ
َ
خ َر ٍة) في جوف صخرة صماء( ،أ ْو فِي ص ْ ُن فِي َ ل َف َتك ْ خ ْر َد ٍ ن َ ة ِم ْ حبَّ ٍ ل َ ك ِم ْثقَا َ العمل( ،إِنْ تَ ُ
ض) في أرجاء السموات أو األرض مع حقارتها@ وسعة السماء أو ت أَ ْو فِي األ َ ْر ِ م َوا ِ الس َ َّ
نة ِم ْ حبَّ ٍل َ ك ِم ْثقَا َ األرض أو في جوف صخرة صماء فإن هللا يأتي بها يوم القيامة( ،إِنْ تَ ُ
ض يَ ْأتِ بِ َها الل َّ ُه) يوم القيامة( ،إِنَّ الل َّ َه م َواتِ أَ ْو فِي األ َ ْر ِ الس َ َّ خ َر ٍة أَ ْو فِي ص ْ ُن فِي َ ل َف َتك ْ خ ْر َد ٍ َ
يف) ال يخفى عليه شيء في األرض وال في السماء ،خبير بأعمال@ عباده سبحانه ط ٌ لَ ِ
شرّاً ل َذ َّر ٍة َ ل ِم ْثقَا َ م ْ ن يَ ْع َ خ ْيراً يَ َره* َو َم ْ ل َذ َّر ٍة َ ل ِم ْثقَا َ م ْ ن يَ ْع َ م ْ وتعالى ،وهذا كقوله تعالىَ ( :ف َ
صالةَ) لماذا@ الصالة؟ ألن الصالة هي عمود اإلسالم ،الصالة م ال َّ ي أَقِ ْ يَ َره) .ثم قال( :يَا ُب َن َّ
تأمر @،الصالة هي التي تنهى عن الفحشاء والمنكر ،الصالة فيها ذكر هللا جل وعال وهو
((هللا أكبر)) ،الصالة@ عبادة عظيمة تجمع لك الخير@ كله وتربيك على الخير كله ،وتنهاك@
نوف َوا ْن َه َع ْ م ْع ُر ِ صالةَ) هذا أول شيء من العملَ ( .و ْأ ُم ْر بِا ْل َ م ال َّ ي أَقِ ْ عن الشر كله( :يَا ُب َن َّ
ك ِر) ال تقتصر على نفسك ،ال تقل ما علي من الناسُ ،أمر بالمعروف@ وهو كل ما أمر من َ ا ْل ُ
هللا به من الطاعات ،ونهى عن المنكر :وهو كل ما نهى هللا عنه من السيئات ،ال تقصر
على نفسك تقول الحمد هلل أنا مستقيم وال علي من الناس @،ال ،عليك واجب وهو األمر
بالمعروف@ والنهي عن المنكر لكنه بحسب استطاعتك ومقدرتك ،أما لو تركت األمر
ن بالمعروف@ والنهي عن المنكر فإن هذا يتنافى مع اإليمان قال صلى هللا عليه وسلمَ :م ْ
ه إذاً البد ط ْع َفبِ َق ْلبِ ِ س َت ِ م يَ ْ ه َفإِنْ لَ ْ سانِ ِ ط ْع َفبِلِ َ س َت ِ م يَ ْ ك ًرا َف ْل ُي َغ ِي ّ ْر ُه بِيَ ِد ِه َفإِنْ لَ ْ ُم ُم ْن َ َرأَى ِم ْنك ْ
ل فمن خ ْر َد ٍ حبَّ ُة َ ن َ ما ِ اإلي َن ِ ك ِم َ س َو َرا َء َذلِ َ من إنكار المنكر ،ولهذا قال في آخر الحديثَ :ولَ ْي َ
ال يأمر بالمعروف@ وال ينهى عن المنكر يقول الناس أحرار لهم قناعاتهم لهم اعتقاداتهم
الناس@ أحرار وأنا ما علي منهم ،ما هو هذا كالم المؤمن الناس@ ليسوا أحرار بالشرك
والشهوات@ والشبهات ،األحرار هم الذين يعبدون هللا وحده ال شريك له تحرروا من جميع
األهواء ومن جميع األطماع ومن جميع الخضوع للناس ،صاروا عبادا هلل كما خلقهمَ ( :و َما
ون) صاروا عباد هلل ،وعبادة هللا تحرر اإلنسان من جميع نس إِال َّ لِيَ ْع ُب ُد ِ اإل َ@ ن َو ِ ْت ا ْلجِ َّ خلَق ُ َ
عبادات المخلوقين ،فالحرية هي في عبادة هللا وليست الحرية في قناعة اإلنسان أو
حرية اإلنسان ،ال ،أنت عبد ليس حر أنت خلقك هللا عبدا لمن؟ عبدا هلل الذي خلقك
ورزقك ،أنت عبد هلل فإما@ أن تعبد هللا وإما أن تعبد الشيطان ،البد ولذلك@ تجدون الذين لم
يعبدوا هللا صاروا يعبدون أنواعا كثيرة يعبدون الشياطين ،يعبدون الجن ،يعبدون اإلنس،
يعبدون األموات ،يعبدون األشجار@ واألحجار حتى إنهم@ يعبدون األبقار ،حتى إن بعضهم
خطَ ُف ُه الط َّ ْي ُر أَ ْو ما ِء َف َت ْ الس ََّ ن خ َّر ِم ْ ما َ كأَن َّ َ ه َف َ ك بِالل َّ ِ ش ِر ْ ن ُي ْ يعبدون الفروج أشياء عجيبةَ ( :و َم ْ
يق) فال نجاة لك إال بعبادة هللا الذي خلقك ورزقك وقال: ح ٍ س ِ ان َ ك ٍ يح فِي َم َ الرّ ُ@ه ِ تَ ْه ِوي بِ ِ
ون) هذه هي الحرية التي تحررك من كل ما يضرك نس إِال َّ لِيَ ْع ُب ُد ِ اإل َ ن َو ِ ْت ا ْلجِ َّ خلَق ُ ( َو َما َ
وكل ما يفسد عقلك ويفسد قلبك ويفسد دينك ،الحرية في عبادة هللا عز وجل تخلصك
كش ِر ْ ن ُي ْ من الذل للمخلوقين ،تحررك من اتباع الهوى ،تحررك من كل الشرور( :إِن َّ ُه َم ْ
ف َوا ْن َه م ْع ُرو ِ ار)َ ( ،و ْأ ُم ْر بِا ْل َ ص ٍ ن أَن َ ين ِم ْ م َ ار َو َما لِلظَّالِ ِ ْ
ج َّن َة َو َمأ َوا ُه ال َّن ُ ه ا ْل َ م الل َّ ُه َعلَ ْي ِ ح َّر َ ه َفق َْد َ بِالل َّ ِ
ك) ألن الذي يأمر@ بالمعروف@ وينهى عن المنكر يلقى صابَ َ َ
ص ِب ْر َعلَى َما أ َ ك ِر َوا ْ من َ ن ا ْل ُ َع ْ
ق) هذا هو ح ِّ ص ْوا بِا ْل َ مشقة من الناس باللوم والتوبيخ أو بالتهديد عليه أن يصبرَ ( :وتَ َوا َ
ن
ك ِم ْ ك إِنَّ َذلِ َ صابَ َ صبِ ْر َعلَى َما أَ َ ص ْب ِر)َ ( ،وا ْ ص ْوا بِال َّ األمر بالمعروف@ والنهي عن المنكر( َوتَ َوا َ
ور ) أي :من األمور التي تحتاج إلى عزيمة ،وإلى قوة ،وإلى تحمل ،فليست َع ْز ِم األُ ُم ِ
األمور بالهينة؛ ولكن هللا جل وعال يعين عليها ويسهلها@ على من قام بها ،ماذا لقي
األنبياء من الكفار والمشركين والمنافقين؟ هللا قص عليكم قصص األنبياء وآخرهم@ محمد
صلى هللا عليه وسلم ،ماذا لقوا من الناس؟ ولكنهم@ صبروا حتى كانت العاقبة لهم:
ين) ،بارك هللا ولكم في القرآن العظيم ونفعنا بما فيه من البيان والذكر@ م َّت ِق َ ( َوا ْل َعاقِبَ ُة لِ ْل ُ
الحكيم @،أقول قولي هذا واستغفر هللا لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب
فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .الخطبة الثانية :الحمد هلل على فضله وإحسانه،
وأشهد@ أن ال إله إال هللا وحده ال شريك له تعظيما لشأنه ،وأشهد أن محم ًدا عبده
ورسوله ،صلى هللا عليه وعلى آله وأصحابه ،وسلم تسليماً كثيرا ،أما بعد :أيها@ الناس@،
اتقوا هللا تعالى ،ثم إن لقمان عليه السالم نهى ابنه عن األخالق السيئة فقالَ ( :وال
اس) ال تتكبر على الناس@ تعرض عنهم بوجهك وهم ينادونك ويخاطبونك ِ ك لِل َّن خ َّد َص ِ ّع ْر َُت َ
مشِ فِي األ َ ْرضِ ك لِل َّناسِ َوال تَ ْ خ َّد َ ص ِ ّع ْر َأقبل عليهم بوجهك وسمع منهم ووجههم ( َوال ُت َ
َم َرحاً) مشيت المتكبر بقدميك أو بسيارتك أو بدابتك أو بخيلك ورجلك أمشي مشيت
ض َم َرحاً إِنَّ الل َّ َه ال ُيحِبُّ ُك َّ
ل ش فِي األ َ ْر ِ م ِ المتواضع ألنك عبد تواضع في مشيكَ ( :وال تَ ْ
ال ) معجب بنفسه فخور بنسبه ،فخور بماله ،فخور بجماله بغناه أو غير ذلك ،ال تفخر خ َت ٍ ُم ْ
على الناس@ الذي أعطاك هللا نعمة من هللا وقادر على أن يسلبه منك فتصبح أضعف من
ك) يعني :توسطت شيِ َ ص ْد فِي َم ْ ور* َوا ْق ِ خ ٍ ال َف ُ خ َت ٍ ل ُم ْ هؤالء فال تتكبر( :إِنَّ الل َّ َه ال ُيحِبُّ ُك َّ
بالمشي ال تسرع ويكون لك جلبه وال تتكاسل في المشي وتتخامل@ في المشي
ل خ َتا ٍ ل ُم ْ وتتباطأ؛ بل كون متوسط في مشيك على قدر الحاجة( ،إِنَّ الل َّ َه ال ُيحِبُّ ُك َّ
ك) حتى الصوت ال تجهر@ بصوتك ص ْوتِ َن َ ض ِم ْ ض ْ ك) توسطَ ( ،واغْ ُ شيِ َ ص ْد فِي َم ْ ور* َوا ْق ِ خ ٍ َف ُ
بدون حاجة إلى ذلك ،أجعل صوتك متوسطا أو تتكلم بكالم المتكبرين والمتجبرين
ك) ال ترفع صوتك من غير حاجة فإن هذه ص ْوتِ َ ن َ ض ِم ْ ض ْ ك َواغْ ُ ش ِي َ ص ْد فِي َم ْ الغليظين ( َوا ْق ِ
ير) صون الحمار@ مزعج ولهذا م ِ ح ِ ت ا ْل َ ص ْو ُ ص َواتِ لَ َ ك َر األ َ ْ َ
صفة الحمير الدواب@ المعروفة( :إِنَّ أن َ
أمر النبي صلى هللا عليه وسلم عند سماع صوت الحمار@ أن تقول :أعوذ باهلل من
الشيطان الرجيم ألنها ترى شيطانا @،أما الديك فإنه يرى ملك من المالئكة@ إذا أذن صاح
الديك ألنه راء ملك من المالئكة الكرام ولهذا@ تقول عند ذلك :أسأل هللا الكريم@ من فضله،
إذا سمعت صوت الديك تقول :أسأل هللا الكريم@ من فضله ألنه راء ملك من المالئكة@.
فهذه وصايا عظيمة قصه هللا علينا لنمتثلها ونعمل بها@ فليست خاصة بإبن لقمان إنما@
يهي عامة لجميع المؤمنين .ثم اعلموا عباد هللا أنَّ خير الحديث@ كتاب هللا ،وخير الهد َّ
وشر األمور ُمحدثاتها @،وكل بدعة ضاللة ،وعليكم َّ هدي محمد صلى هللا عليه وسلم،
بالجماعة ،جماعة المسلمين وإمام المسلمين عند الفتن عند الثورات عند الشرور كونوا
مع إمام المسلمين ومع جماعة المسلمين عصمة من الشر والفتن ،وعليكم بالجماعة،
فإنَّ يد هللا على الجماعة ،ومن ش َّذ ش َّذ في النار .ثم اعلموا رحمكم هللا أن هللا أمركم@
بأمر@ بدأ فيه بنفسه وهو حق من حقوق نبيه عليه الصالة والسالم فقال( :إِنَّ الل َّ َه
لم ص ِّ ما) ،الل َّ ُه َّ سلِي ً موا تَ ْ س ِل ّ ُه َو َ صلُّوا َعلَ ْي ِ ين آ َم ُنوا َ ي يَا أَيُّ َها ال َّ ِذ َ
صلُّونَ َعلَى ال َّن ِب ّ ِ ك َت ُه ُي َ َو َمالئِ َ
ةخلفائِه الراشدين @،األئم ِ م عن ُ وارض الل َّ ُه َّ
َ وس ِل ّم على عب ِدك ورسولِك نبيَّنا محمد،
ي ،وعن الصحابة أجمعين وعن التابعين ومن المهديين ،أبي بك َر ،وعم َر ،وعثمانَ ،وعل ّ ٍ
م أعز اإلسالم والمسلمين ،وأذل الشرك بإحسان إلى يو ِم الدين .الل َّ ُه َّ ٍ تبعهم
م أجعل هذا البلد آمنا مستقرا وسائر بالد م دمر أعداء الدين ،الل َّ ُه َّ والمشركين ،الل َّ ُه َّ
م كف عنا بأس الذين كفروا فأنت أشد بأسا وأشد تنكيال .عبا َد هللا( ،إِنَّ المسلمين ،الل َّ ُه َّ
ك ِر) ،ول ِذك ُْر هللا من َ شا ِء َوا ْل ُح َ ن ا ْل َف ْ ان َوإِي َتا ِء ِذي ا ْل ُق ْربَى َويَ ْن َهى َع ْ س ِ ح َ اإل ْ
ل َو ِ الل َّ َه يَ ْأ ُم ُر بِا ْل َع ْد ِ
يعلم ما تصنعون .خطبة الجمعة 1435-03-02هـ ُ أكب َر ،وهللا