Download as docx, pdf, or txt
Download as docx, pdf, or txt
You are on page 1of 5

‫‪ 

‬‬

‫أوالً‪ :‬نص الوثيقة‬

‫‪ -1‬يسلم حصن القصبة وجميع الحصون ألخرى التابعة للجزائر وكذلك ميناء هذه المدينة إلى الجيوش الفرنسية هذا الصباح على الساعة العاشرة‬
‫حسب توقيت فرنسا‪.‬‬

‫‪ -2‬يتعهد قائد جنراالت الجيش الفرنسي بأنه يترك لسمو داي الجزائر حريته وكذا جميع ثرواته الشخصية‪.‬‬

‫‪-3‬الداي حر في االنسحاب مع أسرته وثرواته الخاصة إلى المكان الذي يعينه وسيكون هو وكامل أفراد اسرته تحت حماية قائد جنراالت الجيش‬
‫الفرنسي وذلك طيلة المدة التي يبقاها في الجزائر وستقوم فرقة من الحرس بالسهر على أمنه وأمن أسرته‪.‬‬

‫‪ .4‬يضمن قائد الجنراالت نفس المزايا ونفس الحماية لجميع جنود الميليشيا‬

‫‪-5‬تبقى ممارسة الديانة المحمدية حرة كما أنه لن يقع أي اعتداء على حرية السكان من جميع الطبقات وال على دينهم وأمالكهم وتجارتهم وصناعتهم‬
‫ونسائهم‪.‬‬

‫إن قائد الجنراالت يتعهد بشرفه على تنفيذ كل ذلك وإن تباد لهذه االتفاقية سيتم قبل الساعة العاشرة من هذا الصباح وبعد ذلك مباشرة تدخل الجيوش‬
‫الفرنسية إلى القصبة ثم إلى جميع حصون المدينة‪.‬‬

‫في المعسكر المخيم قرب الجزائر يوم ‪ 5‬جويلية ‪1830‬‬

‫إمضاء ‪ :‬كونت دي بورمونت‬

‫ثانياً‪ :‬تعريف بالجهة المصدرة للوثيقة‬


‫‪                   -1‬حسين باشا‪ :‬تذكر الوثائق أن حسين باشا ولد سنة ‪ 1764‬في مكان يدعى ندرله وتذكر مصادر أخرى أنه ولد سنة ‪ 1773‬في‬
‫أزمير ونشأ في اسطنبول وخدم هناك في المدفعية وترقى فيها بسرعة‪ ،‬وعندما تعرض لعقوبة قاسية سافر إلى الجزائر وانضم إلى أوجاقها وتولى فيها‬
‫عدة وظائف قبل أن يصبح وزيراً وصديقا ً للباشا الذي سبقه وهو علي باشا وهذا األخير هو الذي أوصى بخالفته سنة ‪ . 1818‬وبعد أن بقي في الحكم‬
‫اثني عشرسنة وفي المنفى حوالي ثماني سنوات توفي في اإلسكندرية سنة ‪1838‬‬

‫وإذا اعتمدنا على نبذة من البيوغرافيا التي يقدمها رجل معاصر للداي حسين وهو حمدان بن عثمان خوجة فإنه بإمكاننا أن نكون عن هذه الشخصية‬
‫صورة ولو جزئية‪ .‬فحسين باشا كما يصفه هذا المصدر هو آخر الدايات األتراك الذين تتابعوا في حكم الجزائر‪ ،‬وصل إلى الحكم حوالي سنة‬
‫‪1818‬وهو سليل أسرة عريقة من أصل طيب‪ .‬امتاز بكرم األصل واستقامة السيرة واتساع معارفه‪ .‬خدم الجزائر مدة ثالثين سنة تولى خاللها وظائف‬
‫مختلفة في الدولة‪ .‬ويضيف هذا المصدر بأنه بناء على معرفة شخصية فال يمكن اتهام حسين باشا بالتكالب على المال والثروة كما أنه ‪   -‬في نظر هذا‬
‫المصدر دائماً‪ -‬كان حريصا ً على حقن الدماء وكان معروفا ً في أوربا باحترامه اللتزاماته ومحافظته على عهوده ومواثيقه وال تستطيع أي جهة أن تتهم‬
‫حسين باشا بخيانة االتفاقية المبرمة مع الجهات القوية أو الجهات الضعيفة‪ .‬ويلح حمدان خوجة على إعادة االعتبار لهذه الشخصية ألن مغادرته للحكم‬
‫عقب االحتالل لم تكن بتقصير منه ولكن بأخطاء ارتكبها أعوانه وميلشياته التي تجاوزتها األحداث إذ كان كثير من رجاله دون تجربة ودون شجاعة‬
‫وربما دون ذمة‪.‬‬

‫‪  ‬ويذكر هذا المصدر أنه طيلة حكم الداي حسين بالجزائر كان يفكر في إعادة النظام واالنضباط إلى الدولة ولكن كثيراً من التجاوزات كانت قد تأصلت‬
‫في المجتمع الجزائري فبل وصول هذا الداي إلى الحكم بسنوات طويلة‪ ،‬غير أن األيام لم تمهله للقيام باإلصالحات التي كان يرجو تحقيقها‪ .‬وفي األخير‬
‫يأخذ حمدان خوجة على حسين باشا تقصيراً واحداً وهو كونه لم يعمل على تفادي الحرب مع فرنسا‪.‬ولكن‬

‫المؤرخين يظلون غير متفقين في الحكم على شخصية حسين باشا فمنهم من يحمله مسؤولية ما حل بالجزائر من حملة واحتالل ونكبات ألنه ‪   -‬في‬
‫نظرهم كان أحمقا بغضبه غير الدبلوماسي على القنصل الفرنسي ومعاند وممهمل السيما في جانب اتخاذ الحيطة عسكريا ً وإسناد القيادة إلى غيى‬
‫األكفاء ومنهم من يبرئه من ذلك‪. ‬‬

‫‪   -2‬المارشال دي بورمون‪ :‬هو الكونت دي بورمون ( لويس دي شان) ولد سنة ‪ 1773‬في فرنيي بفرنسا وتوفي سنة ‪ . 1846‬كان ضابطا ً في‬
‫القوات الفرنسية حين قامت الثورة الفرنسية( ‪ .)1799-1789‬وفي هذه المرحلة بالذات هاجر دي بورمون فرنسا ولم يرجع إليها إال في سنة ‪1794‬‬
‫حيث حارب ضد نابليون بونابارت ثم استسلم ودخل في صفوفه سنة ‪ 1800‬ولكن قبل ثالثة أيام من انهزام هذا األخير في معركة واترلو التحق دي‬
‫بورمون بلويس الثامن عشر‪ .‬وصار وزيراً للحربية في عهد شارل العاشر سنة ‪ 1829‬وتولى قيادة الحملة الشهيرة ضد الجزائر في ‪ 5‬جويلية ‪1830‬‬
‫وعين مارشاالً سنة ‪ 1830‬من طرف شارل العاشر وبعد وفاة هذا األخير رفض الخضوع للويس فيليب وحاول الثورة ضده وفي سنة ‪ 1833‬استقر‬
‫في اسبانيا ولم يكن رجوعه إلى فرنسا إال في سنة ‪1845‬‬

‫‪ ‬لم يكن هذا الرجل محترما ً من المجتمع الفرنسي فقد كان ب عض الفرنسيين ينظر إليه بكونه خان نابليون في معركة واترلو الشهيرة سنة ‪1815‬‬
‫وقاد حملة مضايقة ضد أسرة البوربون‪ . ‬وإذا كان من الضروري أن نستشف شيئا ً عن شخصية دي بورمون فمن الممكن القوأل أنه كان على نقيض‬
‫الداي حسين ذا سلوك ال يمكن االطمئنان إليه وال التنبؤ بما يخطط له‬

‫ثالثاً‪ :‬المحتويات الموضوعية للوثيقة‬

‫نصت هذه الوثيقة‪ -‬حسب الظاهر من نصها‪ -‬على التسليم الفوري لمدينة الجزائر وجميع المراكز العسكرية بها وذلك مقابل ضمانات تتمثل في‪:‬‬

‫أ‪ .‬عدم اعتبار الداي من ضمن أسرى الحرب وكذلك أفراد أسرته وجنوده‪.‬‬

‫ب‪ .‬السماح للداي باختيار منفاه السياسي‪.‬‬

‫ج‪ .‬مراعاة حرمة األمالك الخاصة بالداي حسين وباقي جنوده و أفراد أسرته‪.‬‬

‫د‪ .‬االعتراف بحرمة المقدسات الدينية وكذا احترام األعراض‪.‬‬

‫ويظهر من خالل القراءة األولية للوثيقة أن الطرف الفرنسي مزهو بانتصاره ومتأكد من تحكمه في األوضاع بحيث نجده يعين المكان الذي يجب‬
‫التنازل عنه وكذا الوقت والكيفية‪.‬‬

‫وهناك أيضا ً إيحاءات ضمنية في الوثيقة منها‪:‬‬

‫أ‪ .‬عزل الداي من منصب الحكم وتولي القائد العسكري الفرنسي مكانه‪.‬‬

‫ب‪ .‬التلميح بضرورة مغادرة الداي للجزائر وفي ذلك تلميح إلى التخوف من تزعم الداي لحركة المقاومة من جديد‬

‫ج‪ .‬الوثيقة تعطينا فكرة عن حالة الرعب التي أصابت سكان العاصمة نتيجة الخوف على أنفسهم وأموالهم وأعراضهم وكذلك على حرية ممارسة‬
‫الديانة ومنه تبدو اإلشارة إلى حالة الخوف من تجدد الحروب الصليبية ولعل هذا هو الذي كان في ذهن المارشال الفرنسي‬
‫د‪ .‬البند الذي خصص لضمان حماية الداي وأسرته يلمح إلى احتمال أن يكون هناك ترتيبات للقضاء على الداي من طرف الجزائريين أو أن الجهات‬
‫الفرنسية نفسها كانت تهدد الداية بطريقة اإليحاء بكون حياته وحياة أفراد أسرته مهددة بالخطر في كل حين‪.‬‬

‫هـ‪ .‬الوثيقة تعطينا فكرة عن النسيج العمراني لمدينة الجزائر خالل العهد العثماني إذ كانت التحصينات العسكرية هي الغالبة على الطابع العمراني وذلك‬
‫راجع إلى النشاط العسكري والبحري الذي عرفته بلك المرحلة من التاريخ‬

‫وباإلضافة إلى كل ما سبق ذكره فإن الوثيقة تثير في الذهن التساؤالت التالية‪: ‬‬

‫‪    .1‬ماذا كان موقف الداي حسين من االحتالل؟ ‪  ‬هل كان هو موقف المقاتل المستسلم أم المقاتل المنهزم؟ ذلك ما سنفهمه من خالل معاملة المارشال‬
‫دي بورمون له‪.‬‬

‫‪ .2‬هل كانت هذه الوثيقة‪ -‬كما يصوره ظاهرها‪ -‬عثواً من الطرف المنتصر على الطرف المنهزم أم هي مجرد خدعة للرأي العام األوربي وكسب‬
‫األنصار داخل البرلمان الفرنسي الذي لم يكن كثير من أعضائه يتحمسون لفكرة احتالل الجزائر؟ أم أن األمر لم يتعد كونه خدعة حرب؟‬

‫‪.3‬ماذا كان مصير ثروات الداي الشخصية وثروات الخزينة الجزائرية التي تتهدت الوثيقة بحفظها؟‬

‫‪ .4‬ماهي الدسائس التي كانت تحاك ضد الداي من طرف أعوانه في الحكم؟‬

‫بعض هذه التساؤالت سنجيب عنها عند تفحص مالبسات كتابة هذه الوثيقة وكذا مصير بنود هذه االتفاقية ومدى التزام القوات الفرنسية بها عند دخول‬
‫العاصمة‪.‬‬

‫رابعاً‪ :‬السياق التاريخي لصدور هذه الوثيقة‬

‫‪-1‬بداية غامضة‪:‬‬

‫كان مشروع تقسيم أمالك اإلمبراطورية العثمانية الذي قدمه ‪  ‬الوزير الفرنس دي بولنياك موضوعا على مكتب الملك شارل العاشر بتاريخ ‪ 18‬أوت‬
‫‪. 1829‬وكان هذا المشروع يرمي إلى تحقيق أهداف استراتيجية داخل أوربا وخارجها والذي يعنينا هنا ما يتعلق بوضع حد للتوتر بين الجزائر‬
‫وفرنسا واإللحاح في هذا المشروع على تأديب داي الجزائر بعد حادثة المروحة الشهيرةواإللحاح على مسألة الديون‬

‫وقد أعلم السفير الفرنسي في اسطنبول الباب العالي رسميا ً بنية بالده في القيام بالحملة على الجزائر وذلك بتاريخ ‪ 30‬مارس ‪ . 1830‬وتذكر‬
‫المصادر التاريخية أن تعليمات سلمت إلى دي بورمون يوم ‪ 18‬أفريل‪ 1830‬أمر فيها بتسليم والية الجزائر إلى الباب العالي بعد أن يقضي على النظام‬
‫السياسي القائم بها والهدف من وراء ذلك هو العبير على النوايا الحسنة لشارل العاشر مقابل أن تكتفي فرنسا – عنذ الضرورة‪   -‬بالمدن الساحلية‬
‫لضمان مؤسساتها التجارية بالجزائر‪.‬ويظهر أن نية دي بورمون القائد العام للحملة ودوسي وزير الحربية كان هي االستيالء على الجزائر واالحتفاظ‬
‫بها‪ ،‬لهذا أمر وزير الحربية وحدات األسطول الفرنسي باحتالل الموانئ وأيده دي بورمون الذي سبق وأن أفصح عن نيته من بداية الحملة قائالً‪(:‬إن‬
‫فرنسا ذاهبة ألخذ الجزائر وإلنشاء مستعمرة فيها ولتأسيس حكومة بها يرأسها أمير فرنسي ‪.‬وهكذا فقد بدا الغموض على الحملة الفرنسية على‬
‫الجزائر منذ البداية وهذا ما نلمسه في الوثيقة التي لم تشر إلى مصير السيادة في الجزائر ولمن تكون‪.‬‬

‫‪ -2‬رد الفعل لدى سكان العاصمة ومن حولها‪:‬‬

‫سادت المظالم المجتمع الجزائري في عهد البايات وكان سكان العاصمة أول المتضررين منها وكان كثير منهم يتحين الفرصة لتغيير األوضاع وقد وجد‬
‫بعضهم في الجيوش الفرنسية فرصتهم للقيام بما عزموا عليه فمالوا إلى الطرف الفرنسي‪ .‬ولعل هذا التعاون مع الفرنسيين يعود إلى تاثر األهالي‬
‫بالبيانات والمنشورات التي كانت السلطات االستعمارية توزعها على السكان للتأثير على معنوياتهم وإقناعهم بقبول الواقع االستعماري وبأن الهذف‬
‫من هذه الحملة هو إنقاذ الجزائريين من ظلم األتراك‬

‫إذا اجلنا الحديث عن المقاومة المسلحة الشعبية منها والمنظمة وركزنا على العناصر ذات العالقة بموضوع وثيقة االستسالم فإننا نجد‬

‫الفئة التي تبنت الموقف السياسي ورضيت بالتفاوض مع االستعمار‪ :‬وتمثلت هذه في ألمع العناصر من أعيان العاصمة في مقدمتهم حمدان بن عثمان‬
‫خوجة وأحمد بوضربة وحمدان بن أمين السكة‪ .‬ويذكر المحللون ومنهم سعد هللا في كتابه الحركة الوطنية الجزائرية(ج‪ )1.‬أن أحمد بوضربة كان ينتقد‬
‫اإلدارة االستعمارية وكان يتمنى التعاون معها مدفوعا ً في ذلك بالرغبة في أن يندمج الجزائريون في الحضارة األوربية وفي تكوين نطام فرنسي‬
‫بالجزائر على غرار األنظمة األوربية القوية‪ ،‬واليكون ذلك في رأيه إال باالستيالء على كامل البالد وفرض الضرائب بقوانين ثابتة ومعقولة على القبائل‬
‫على أن يعين آغا فرنسيا ً عليهم ألنه سيخدم فرنسا بإخالص‪ .‬واشترط لنجاح هذه الخطة أن تعود المساجد إلى ما كانت عليه في العهد العثماني ألن ذلك‬
‫في رأيه سيقلل من نفور الجزائريين من الفرنسيين‪ .‬وقد عبر أحمد بوضربة عن استعداده للتعامل مع السلطات الفرنسية منذ الوهلة األولى وهو أحد‬
‫الذين كانوا مع حمدان بن عثمان خوجة قد تفاوضوا باسم الداي حسين مع السلطات الفرنسية بشأن شروط االستسالم ‪ .  ‬أما الفئة الثانية فقد قامت‬
‫بالمقاومات الشعبية المسلحة ضد االستعماروقادت الفئة الثالثة المقاومة المنظمة‪.‬ولعل من أقوى االسباب التي دفعت أحمد بوضربة إلى مساندة فكرة‬
‫حكم فرنسي للجزائر هو أمله في انتعاش تجارته وخشية عودة النظام التركي إلى الجزائر الذي يعتبره السبب في كساد تجارته وإلحاق الضرر بأفراد‬
‫أسرته‪ ‬ولسنا نستبعد أن يكون البند الخامس من اتفاقية االستسالم من إيحاء أحمد بوضربة وحمدان بن عثمان خوجة للدفاع عن مصالحهم الخاصة‪. ‬‬
‫‪ -‬تذكر المصادر التاريخية أن دي بورمون قبل دخوله العاصمة بأيام قليلة استدعى القنصل البريطاني في الجزائر وطلب منه أن يطلعه على أخبار‬
‫الداي حسين وذكر له أن ( أي تقتيل قد يتعرض له المسجونون الفرنسيون لدى الداي سيدفع الداي وأفراد عائلته رؤوسهم ثمنا ً له‪    ‬وتساعدنا هذه‬
‫اإلشارة في حوليات القنصلية البريطانية على فهم الخلفيات التاريخية وراء تركيز الوثيقة على ضمان الحماية للداي وأفراد أسرته خاصة وأن الداي ‪-‬‬
‫حسب ‪  ‬نفس المصدر‪   -‬قام بتصفية جسدية لعمالء فرنسا الذين كانوا يعملون على توسيع شقة الخالف بين األتراك في الجزائر‪.‬‬

‫‪ ‬وتكشف السجالت اليومية للقنصلية البريطانية أن القوات الفرنسية استغرقت أكثر من ‪  ‬أسبوعين(من ‪ 14‬إلى ‪ 30‬جوان) في قطع المسافة بين سيدي‬
‫فرج والتالل المطلة على العاصمة وهذا نظراً للمقاومة العنيفة التي واجهتهم والتي لم يكن وراءها الجيش التركي وال القوات النظامية وإنما سكان‬
‫الجبال الذبن تواردوا على المتيجة لمقاتلة الغزاة الفرنسيين وقد كانت تنقصهم المعرفة بأساليب الحرب الحديثة وإال الستطاعوا أن يردوا القوات‬
‫الفرنسية على أعقابها على حد تعبير القنصل البريطاني‬

‫وكانت خطة الداي حسين تقضي بمواجهة الغزاة الفرنسيين عند أبواب العاصمة حيث توجد الحصون المنيعة والجيش النظامي‪.‬ويسجل لنا حمدان بن‬
‫عثمان خوجة الجلسة األخيرة من مداوالت برلمان الداي حسين عند وصول قوات دي بورمون عند أسوارحصن االمبراطور‬

‫ويذكر هذا المصدر أن المجلس رفع جلساته واستقر األمر على المقاومة إلى آخر فرد منهم‪ .‬وقد كانت معركة حصن اإلمبراطور على أبواب العاصمة‬
‫هي المعركة الحاسمة التي استبسلت فيها الفرق النظامية في القتال ضد الغزاة الفرنسيين‪ .‬فقد بدأت هذه المعركة في الساعة الثالثة صباحا ً واستمرت‬
‫حتى العاشرة من يوم ‪ 5‬جويلية ‪ 1830‬ودخل الغزاة الفرنسيون العاصمة على الساعة الواحدة بعد الظهر‪.‬وتذكر الحوليات البريطانية أن الداي حسين‬
‫استشار القنصل البريطاني عدة مرات مستفسراً عن الغرض الحقيقي للفرنسيين من احتالل الجزائر‪ .‬وعندما انهزم جيشه استفسر للمرة ‪  ‬األخير لدى‬
‫القيصل البريطاني عن مدى إمكانيات الصدق في دعوى دي برمون احترام ممتلكات الجزائريين وعقيدتهم‪ ،‬فكان في جواب القنصل ما يفيد أن‬
‫الفرنسيين ربما نصدقهم في مثل هذا القول تجاه األهالي على األقل أما تجاه الداي شخصيا ً فذلك أمر الريب فيه على اإلطالق وعند حصوله على هذا‬
‫الجواب من القنصل البريطاني وضع الداي ختمه على الوثيقة التي تتضمن شروط االستسالم بحضور القنصل البريطاني الذي حمل تلك الوثيقة في‬
‫الحين إلى دي بورمون‬

‫خامساً‪ :‬مصير بنود االتفاق الواردة في الوثيقة‬

‫طرحنا عند تناول المحتويات الموضوعية للوثيقة جملة من التساؤالت وعدنا باإلجابة عليها وهي‪ :‬ماذا كان موقف الداي حسين من االحتالل؟وكيف‬
‫كان مصيره ومصير أسرته؟ وما مصير الثروة الخاصة بالداي وكذا مصير أموال الخزينة العامة؟ وهل كانت هذه الوثيقة عفواً إنسانيا ً من الغزاة‬
‫المنتصرين أم مجرد عاية موجهة إلى البلدان األوربية أم هي مجرذ خدعة حرب؟ ونعتقد ان ما يوجد بين أيدينا من الوثاق والمصادر يمكن أن يسعفنا‬
‫ببعض اإلجابات عن هذه األسئلة‪.‬‬

‫‪ ‬جاء في الرسالة التي وجهها الداي حسين إلى حمدان بن عثمان خوجة خالل صيف ‪1831‬مايلي‪ (:‬إن مالية الخزينة كانت مفصولة عن نقودي‬
‫الخاصة وهذا يعرفه جميع الناس‪ ،‬والخزينة استولى عليها الفرنسيون‪ . ‬ويؤكد حمدان خوجة على هذه المقولة بقوله‪ (:‬إن حسيت باشا عند مغادرته‬
‫القصبة لم يمس شيئا ً من األموال التابعة للخزينة العامة ولم يسمح ألحد بفعل ذلك(‪ )..‬هذه الكمية من األموال اختفت وال نعلم من قام بالسطو على هذه‬
‫األموال التي يكون أمين السكة ( المدير المالي للداي) أخفاها عند قصف المدينة‪ .‬ويمكن أن يكون بعض اليهود قد استفاد من هذه األموال وأرسلها إلى‬
‫ليفورن(إيطاليا) والظاهر‪ -‬يقول حمان خوجة‪ -‬أن اليهودي كان قد تآمر مع القائم المالي الفرنسي لإلستيالء على هذه األموال‬

‫‪ ‬والظاهر أن أموال الداي أيضا ً عرفت نفس المصير الذي عرفته أموال الخزينة العامة‪ ،‬فقد جاء في رسالة بعث بها الداي حسين ‪  ‬إلى ملك فرنسا‬
‫لويس فيلب بتاريخ ‪ 25‬سبتمبر ‪ 1830‬مايلي‪(:‬لقد رددت أوربا أصداء العنف الذي اتهمت باقترافه حيال قنصل فرنسا السيد دوفال ونجم عن ذلك‬
‫تدمير بالدي وهزيمتي ثم نفيي‪ .‬إنني أتقبل عن مصيري وأعفو طواعية عن ضياع سلطتي وثرواتي واستقاللي‪)..‬‬

‫ومن قراءة هذا التصريح من الداي حسين نخلص إلى اإلجابة عن التساؤل المتعلق بموقف هذا األخير من سقوط السلطة الجزائرية؛ فقد كان موقفه هو‬
‫موقف المحارب المنهزم وقد عامله دي بورمون على هذا األساس بتنحيته عن منصبه ثم االستيالء على ثرواته الخاصة‪ ،‬وهنا يالحظ الخرق الصريح‬
‫لبنود وثيقة االستسالم التي تنص على حماية أموال الداي‪.‬‬

‫أما عن مصير الداي بعد الخروج من حصن القصبة فتذكر المصادر التاريخية أن هذا األخير انتقل إلى إقامة مؤقتتة في منزل البرتقال ثم نفي بعد ذلك‬
‫إلى إيطاليا( ليفورن)‬

‫وكان الداي معزوالً عن األخبار بالجزائروكذا عن أخبار األهل واألقارب الذين تركهم وراءه‬

‫أما عن إمكانية تزعم الداي للمقاومة ضد الجيوش الفرنسية فهذا احتمال له ما يبرره في الرسالة التي بعث بها الداي إلى المرابط الشيخ سعيد بن‬
‫موسى وإلى قبيلة بني كراسيل بتاريخ ‪ 25‬سبتمبر‪ 1830‬يقول فيها‪ (:‬إن رغبتي أن يكون موقفكم مني اآلن كما كان شأنكم في الماضي وأن تكونوا‬
‫مثلي في كون هدفكم الوحيد هو االتحاد مع األشخاص الذين تعرفون عنهم بكونهم شجعانا ً وأصحاب عزم ضد أعدائنا‪...‬فبعون هللا وقوته ستكونون من‬
‫المنتصرين‪.‬وكذلك نفس الدعوة إلى تغذية روح المقاومة نجدها في الرسالة التي بعث بها إلى‬

‫ولد أورابح في بجاية والتي يكون بعث بنسخة عنها إلى الحاج أحمد باي في قسنطينة‬

‫مصير المقدسات اإلسالمية‪:‬جاء في رسالة رفعها كل من حمدان خوجة وإبراهيم بن مصطفى باشا إلى رئيس وزارة فرنسا في ‪ 3‬جوان ‪1833‬مايلي‪(:‬‬
‫إن دخول الدولة الفرنسوية للجزائر كان بشرط صيانة ديننا وعرضنا وأمالكنا وأموالنا وأحترام مساجدنا وشريعتنا‬
‫وجاء في الرسالة المذكورة أعاله إحصاء ألهم المخالفات التي ارتكبها رواد الغزو االستعماري الفرنسي في حق المقدسات اإلسالمية ومنها‪:‬‬

‫‪ .1‬نفي القاضي والمفتي بغير حق واالستيالء على أوقاف مكة والمدينة‬

‫‪ .2‬هدم األمالك الخاصة والعامة بدعوى التوسيع وشق الطرقات دون دفع تعويضات ألصحابها‪.‬‬

‫‪ .3‬هدم المساجد والجوامع وأخذ سواريها( األعمدة التي يقوم عليها السقف) وأبوابها ورخامها وزليجها الثمين‪ .‬ومن المساجد التي جاء ذكرها‪ :‬جامع‬
‫السيدة وثالثة جوامع مساجد صغيرة أخرى كما تم تحويل جامع كتشاوة إلى كنيسة‬

‫‪ .4‬تم االستيالء على المراحيض العمومية‪ ‬وكراؤها للتجار‪.‬‬

‫‪.5‬االستيالء على مقابر األولياء والصالحين وتحويلها إلى أغراض تجارية‪.‬‬

‫‪ .6‬االستيالء على أموال األتراك المتزوجين بجزائريات بعد أن تم نفيهم إلى األناضول ألسباب واهية‪.‬كل هذا على الرغم من أنه لم يرد في شروط‬
‫وثيقة االستسالم سوى تسليم القصبة واألبراج التابعة لألمالك العمومية‪.‬‬

‫‪ .7‬تحويل األمالك العامة والخاصة إلى سكنات للعساكر والجنراالت واألطباء وأمثالهم في الجيش الفرنسي دون دفع ثمن الكراء ألصحابها‪.‬‬

‫‪.8‬إتالف البساتين واألشجار بدعوى شق الطرقات العامة نحو األماكن العالية رغم كون السكان في غنى عنها‪.‬‬

‫‪.9‬حفر المقابر ألجل استخراج اآلجر واألحجار للبناء وكان بعضها يرسل إلى مرسيليا وفيها عظام األموات وكان بعضهم يستخرجون رؤوس النساء‬
‫بشعورهن والرجال بلحاهم‪.‬‬

‫‪ -10‬دخلوا ديار المسلمين وتكشفوا على النساء والحريم‪.‬‬

‫إن الغزاة الفرنسيين الذين قدموا أنفسهم في نبيان بالعربية وزعه عمالء لهم عشية النزول بالجزائريذكرون فيه أن حركتهم كانت تستهدف القضاء‬
‫على الداي ( الطاغية كما كانوا يصفونه)لم تكن مهمتهم كما وصفوا والنتجة ان بنود وثيقة االستسالم لم تكن سوى دعاية مجانية لصالح الغزاة‬
‫الفرنسيين لدى الرأي العام األوربي وإقناع البرلمان الفرنسي بشرعية الغزو خصوصا ً وأن كثيراً من أعضائه كانت لهم اعتراضات على تصرفات دي‬
‫بورمون في الجزائربل مان بعضهم ينادي بتخلي فرنسا عن الجزائر‪.‬وهكذا خابت آمال الداي حسين التي كان يعلقها على الحكومة الفرنسية صاحبة‬
‫شعار األخوة والعدالة والمساواة‪ .‬بل إن هذه الوثيقة لم تكن كما صرح الدوق دو روفيقو لم تكن سوى خدعة حرب‪ ‬وجاء شارل ديغول بعد قرن وثالثين‬
‫سنة ليؤكد على هذا الغموض الذي ال تزال تثيره وثيقة االستسالم بقوله ‪ ( :‬إن المسألة الجزائرية ال تزال معلقة منذ مئة وثالثين سنة)‬

You might also like