Professional Documents
Culture Documents
وثيقة داي حسين
وثيقة داي حسين
-1يسلم حصن القصبة وجميع الحصون ألخرى التابعة للجزائر وكذلك ميناء هذه المدينة إلى الجيوش الفرنسية هذا الصباح على الساعة العاشرة
حسب توقيت فرنسا.
-2يتعهد قائد جنراالت الجيش الفرنسي بأنه يترك لسمو داي الجزائر حريته وكذا جميع ثرواته الشخصية.
-3الداي حر في االنسحاب مع أسرته وثرواته الخاصة إلى المكان الذي يعينه وسيكون هو وكامل أفراد اسرته تحت حماية قائد جنراالت الجيش
الفرنسي وذلك طيلة المدة التي يبقاها في الجزائر وستقوم فرقة من الحرس بالسهر على أمنه وأمن أسرته.
.4يضمن قائد الجنراالت نفس المزايا ونفس الحماية لجميع جنود الميليشيا
-5تبقى ممارسة الديانة المحمدية حرة كما أنه لن يقع أي اعتداء على حرية السكان من جميع الطبقات وال على دينهم وأمالكهم وتجارتهم وصناعتهم
ونسائهم.
إن قائد الجنراالت يتعهد بشرفه على تنفيذ كل ذلك وإن تباد لهذه االتفاقية سيتم قبل الساعة العاشرة من هذا الصباح وبعد ذلك مباشرة تدخل الجيوش
الفرنسية إلى القصبة ثم إلى جميع حصون المدينة.
وإذا اعتمدنا على نبذة من البيوغرافيا التي يقدمها رجل معاصر للداي حسين وهو حمدان بن عثمان خوجة فإنه بإمكاننا أن نكون عن هذه الشخصية
صورة ولو جزئية .فحسين باشا كما يصفه هذا المصدر هو آخر الدايات األتراك الذين تتابعوا في حكم الجزائر ،وصل إلى الحكم حوالي سنة
1818وهو سليل أسرة عريقة من أصل طيب .امتاز بكرم األصل واستقامة السيرة واتساع معارفه .خدم الجزائر مدة ثالثين سنة تولى خاللها وظائف
مختلفة في الدولة .ويضيف هذا المصدر بأنه بناء على معرفة شخصية فال يمكن اتهام حسين باشا بالتكالب على المال والثروة كما أنه -في نظر هذا
المصدر دائماً -كان حريصا ً على حقن الدماء وكان معروفا ً في أوربا باحترامه اللتزاماته ومحافظته على عهوده ومواثيقه وال تستطيع أي جهة أن تتهم
حسين باشا بخيانة االتفاقية المبرمة مع الجهات القوية أو الجهات الضعيفة .ويلح حمدان خوجة على إعادة االعتبار لهذه الشخصية ألن مغادرته للحكم
عقب االحتالل لم تكن بتقصير منه ولكن بأخطاء ارتكبها أعوانه وميلشياته التي تجاوزتها األحداث إذ كان كثير من رجاله دون تجربة ودون شجاعة
وربما دون ذمة.
ويذكر هذا المصدر أنه طيلة حكم الداي حسين بالجزائر كان يفكر في إعادة النظام واالنضباط إلى الدولة ولكن كثيراً من التجاوزات كانت قد تأصلت
في المجتمع الجزائري فبل وصول هذا الداي إلى الحكم بسنوات طويلة ،غير أن األيام لم تمهله للقيام باإلصالحات التي كان يرجو تحقيقها .وفي األخير
يأخذ حمدان خوجة على حسين باشا تقصيراً واحداً وهو كونه لم يعمل على تفادي الحرب مع فرنسا.ولكن
المؤرخين يظلون غير متفقين في الحكم على شخصية حسين باشا فمنهم من يحمله مسؤولية ما حل بالجزائر من حملة واحتالل ونكبات ألنه -في
نظرهم كان أحمقا بغضبه غير الدبلوماسي على القنصل الفرنسي ومعاند وممهمل السيما في جانب اتخاذ الحيطة عسكريا ً وإسناد القيادة إلى غيى
األكفاء ومنهم من يبرئه من ذلك.
-2المارشال دي بورمون :هو الكونت دي بورمون ( لويس دي شان) ولد سنة 1773في فرنيي بفرنسا وتوفي سنة . 1846كان ضابطا ً في
القوات الفرنسية حين قامت الثورة الفرنسية( .)1799-1789وفي هذه المرحلة بالذات هاجر دي بورمون فرنسا ولم يرجع إليها إال في سنة 1794
حيث حارب ضد نابليون بونابارت ثم استسلم ودخل في صفوفه سنة 1800ولكن قبل ثالثة أيام من انهزام هذا األخير في معركة واترلو التحق دي
بورمون بلويس الثامن عشر .وصار وزيراً للحربية في عهد شارل العاشر سنة 1829وتولى قيادة الحملة الشهيرة ضد الجزائر في 5جويلية 1830
وعين مارشاالً سنة 1830من طرف شارل العاشر وبعد وفاة هذا األخير رفض الخضوع للويس فيليب وحاول الثورة ضده وفي سنة 1833استقر
في اسبانيا ولم يكن رجوعه إلى فرنسا إال في سنة 1845
لم يكن هذا الرجل محترما ً من المجتمع الفرنسي فقد كان ب عض الفرنسيين ينظر إليه بكونه خان نابليون في معركة واترلو الشهيرة سنة 1815
وقاد حملة مضايقة ضد أسرة البوربون . وإذا كان من الضروري أن نستشف شيئا ً عن شخصية دي بورمون فمن الممكن القوأل أنه كان على نقيض
الداي حسين ذا سلوك ال يمكن االطمئنان إليه وال التنبؤ بما يخطط له
نصت هذه الوثيقة -حسب الظاهر من نصها -على التسليم الفوري لمدينة الجزائر وجميع المراكز العسكرية بها وذلك مقابل ضمانات تتمثل في:
أ .عدم اعتبار الداي من ضمن أسرى الحرب وكذلك أفراد أسرته وجنوده.
ج .مراعاة حرمة األمالك الخاصة بالداي حسين وباقي جنوده و أفراد أسرته.
ويظهر من خالل القراءة األولية للوثيقة أن الطرف الفرنسي مزهو بانتصاره ومتأكد من تحكمه في األوضاع بحيث نجده يعين المكان الذي يجب
التنازل عنه وكذا الوقت والكيفية.
أ .عزل الداي من منصب الحكم وتولي القائد العسكري الفرنسي مكانه.
ب .التلميح بضرورة مغادرة الداي للجزائر وفي ذلك تلميح إلى التخوف من تزعم الداي لحركة المقاومة من جديد
ج .الوثيقة تعطينا فكرة عن حالة الرعب التي أصابت سكان العاصمة نتيجة الخوف على أنفسهم وأموالهم وأعراضهم وكذلك على حرية ممارسة
الديانة ومنه تبدو اإلشارة إلى حالة الخوف من تجدد الحروب الصليبية ولعل هذا هو الذي كان في ذهن المارشال الفرنسي
د .البند الذي خصص لضمان حماية الداي وأسرته يلمح إلى احتمال أن يكون هناك ترتيبات للقضاء على الداي من طرف الجزائريين أو أن الجهات
الفرنسية نفسها كانت تهدد الداية بطريقة اإليحاء بكون حياته وحياة أفراد أسرته مهددة بالخطر في كل حين.
هـ .الوثيقة تعطينا فكرة عن النسيج العمراني لمدينة الجزائر خالل العهد العثماني إذ كانت التحصينات العسكرية هي الغالبة على الطابع العمراني وذلك
راجع إلى النشاط العسكري والبحري الذي عرفته بلك المرحلة من التاريخ
وباإلضافة إلى كل ما سبق ذكره فإن الوثيقة تثير في الذهن التساؤالت التالية:
.1ماذا كان موقف الداي حسين من االحتالل؟ هل كان هو موقف المقاتل المستسلم أم المقاتل المنهزم؟ ذلك ما سنفهمه من خالل معاملة المارشال
دي بورمون له.
.2هل كانت هذه الوثيقة -كما يصوره ظاهرها -عثواً من الطرف المنتصر على الطرف المنهزم أم هي مجرد خدعة للرأي العام األوربي وكسب
األنصار داخل البرلمان الفرنسي الذي لم يكن كثير من أعضائه يتحمسون لفكرة احتالل الجزائر؟ أم أن األمر لم يتعد كونه خدعة حرب؟
.3ماذا كان مصير ثروات الداي الشخصية وثروات الخزينة الجزائرية التي تتهدت الوثيقة بحفظها؟
بعض هذه التساؤالت سنجيب عنها عند تفحص مالبسات كتابة هذه الوثيقة وكذا مصير بنود هذه االتفاقية ومدى التزام القوات الفرنسية بها عند دخول
العاصمة.
-1بداية غامضة:
كان مشروع تقسيم أمالك اإلمبراطورية العثمانية الذي قدمه الوزير الفرنس دي بولنياك موضوعا على مكتب الملك شارل العاشر بتاريخ 18أوت
. 1829وكان هذا المشروع يرمي إلى تحقيق أهداف استراتيجية داخل أوربا وخارجها والذي يعنينا هنا ما يتعلق بوضع حد للتوتر بين الجزائر
وفرنسا واإللحاح في هذا المشروع على تأديب داي الجزائر بعد حادثة المروحة الشهيرةواإللحاح على مسألة الديون
وقد أعلم السفير الفرنسي في اسطنبول الباب العالي رسميا ً بنية بالده في القيام بالحملة على الجزائر وذلك بتاريخ 30مارس . 1830وتذكر
المصادر التاريخية أن تعليمات سلمت إلى دي بورمون يوم 18أفريل 1830أمر فيها بتسليم والية الجزائر إلى الباب العالي بعد أن يقضي على النظام
السياسي القائم بها والهدف من وراء ذلك هو العبير على النوايا الحسنة لشارل العاشر مقابل أن تكتفي فرنسا – عنذ الضرورة -بالمدن الساحلية
لضمان مؤسساتها التجارية بالجزائر.ويظهر أن نية دي بورمون القائد العام للحملة ودوسي وزير الحربية كان هي االستيالء على الجزائر واالحتفاظ
بها ،لهذا أمر وزير الحربية وحدات األسطول الفرنسي باحتالل الموانئ وأيده دي بورمون الذي سبق وأن أفصح عن نيته من بداية الحملة قائالً(:إن
فرنسا ذاهبة ألخذ الجزائر وإلنشاء مستعمرة فيها ولتأسيس حكومة بها يرأسها أمير فرنسي .وهكذا فقد بدا الغموض على الحملة الفرنسية على
الجزائر منذ البداية وهذا ما نلمسه في الوثيقة التي لم تشر إلى مصير السيادة في الجزائر ولمن تكون.
سادت المظالم المجتمع الجزائري في عهد البايات وكان سكان العاصمة أول المتضررين منها وكان كثير منهم يتحين الفرصة لتغيير األوضاع وقد وجد
بعضهم في الجيوش الفرنسية فرصتهم للقيام بما عزموا عليه فمالوا إلى الطرف الفرنسي .ولعل هذا التعاون مع الفرنسيين يعود إلى تاثر األهالي
بالبيانات والمنشورات التي كانت السلطات االستعمارية توزعها على السكان للتأثير على معنوياتهم وإقناعهم بقبول الواقع االستعماري وبأن الهذف
من هذه الحملة هو إنقاذ الجزائريين من ظلم األتراك
إذا اجلنا الحديث عن المقاومة المسلحة الشعبية منها والمنظمة وركزنا على العناصر ذات العالقة بموضوع وثيقة االستسالم فإننا نجد
الفئة التي تبنت الموقف السياسي ورضيت بالتفاوض مع االستعمار :وتمثلت هذه في ألمع العناصر من أعيان العاصمة في مقدمتهم حمدان بن عثمان
خوجة وأحمد بوضربة وحمدان بن أمين السكة .ويذكر المحللون ومنهم سعد هللا في كتابه الحركة الوطنية الجزائرية(ج )1.أن أحمد بوضربة كان ينتقد
اإلدارة االستعمارية وكان يتمنى التعاون معها مدفوعا ً في ذلك بالرغبة في أن يندمج الجزائريون في الحضارة األوربية وفي تكوين نطام فرنسي
بالجزائر على غرار األنظمة األوربية القوية ،واليكون ذلك في رأيه إال باالستيالء على كامل البالد وفرض الضرائب بقوانين ثابتة ومعقولة على القبائل
على أن يعين آغا فرنسيا ً عليهم ألنه سيخدم فرنسا بإخالص .واشترط لنجاح هذه الخطة أن تعود المساجد إلى ما كانت عليه في العهد العثماني ألن ذلك
في رأيه سيقلل من نفور الجزائريين من الفرنسيين .وقد عبر أحمد بوضربة عن استعداده للتعامل مع السلطات الفرنسية منذ الوهلة األولى وهو أحد
الذين كانوا مع حمدان بن عثمان خوجة قد تفاوضوا باسم الداي حسين مع السلطات الفرنسية بشأن شروط االستسالم . أما الفئة الثانية فقد قامت
بالمقاومات الشعبية المسلحة ضد االستعماروقادت الفئة الثالثة المقاومة المنظمة.ولعل من أقوى االسباب التي دفعت أحمد بوضربة إلى مساندة فكرة
حكم فرنسي للجزائر هو أمله في انتعاش تجارته وخشية عودة النظام التركي إلى الجزائر الذي يعتبره السبب في كساد تجارته وإلحاق الضرر بأفراد
أسرته ولسنا نستبعد أن يكون البند الخامس من اتفاقية االستسالم من إيحاء أحمد بوضربة وحمدان بن عثمان خوجة للدفاع عن مصالحهم الخاصة.
-تذكر المصادر التاريخية أن دي بورمون قبل دخوله العاصمة بأيام قليلة استدعى القنصل البريطاني في الجزائر وطلب منه أن يطلعه على أخبار
الداي حسين وذكر له أن ( أي تقتيل قد يتعرض له المسجونون الفرنسيون لدى الداي سيدفع الداي وأفراد عائلته رؤوسهم ثمنا ً له وتساعدنا هذه
اإلشارة في حوليات القنصلية البريطانية على فهم الخلفيات التاريخية وراء تركيز الوثيقة على ضمان الحماية للداي وأفراد أسرته خاصة وأن الداي -
حسب نفس المصدر -قام بتصفية جسدية لعمالء فرنسا الذين كانوا يعملون على توسيع شقة الخالف بين األتراك في الجزائر.
وتكشف السجالت اليومية للقنصلية البريطانية أن القوات الفرنسية استغرقت أكثر من أسبوعين(من 14إلى 30جوان) في قطع المسافة بين سيدي
فرج والتالل المطلة على العاصمة وهذا نظراً للمقاومة العنيفة التي واجهتهم والتي لم يكن وراءها الجيش التركي وال القوات النظامية وإنما سكان
الجبال الذبن تواردوا على المتيجة لمقاتلة الغزاة الفرنسيين وقد كانت تنقصهم المعرفة بأساليب الحرب الحديثة وإال الستطاعوا أن يردوا القوات
الفرنسية على أعقابها على حد تعبير القنصل البريطاني
وكانت خطة الداي حسين تقضي بمواجهة الغزاة الفرنسيين عند أبواب العاصمة حيث توجد الحصون المنيعة والجيش النظامي.ويسجل لنا حمدان بن
عثمان خوجة الجلسة األخيرة من مداوالت برلمان الداي حسين عند وصول قوات دي بورمون عند أسوارحصن االمبراطور
ويذكر هذا المصدر أن المجلس رفع جلساته واستقر األمر على المقاومة إلى آخر فرد منهم .وقد كانت معركة حصن اإلمبراطور على أبواب العاصمة
هي المعركة الحاسمة التي استبسلت فيها الفرق النظامية في القتال ضد الغزاة الفرنسيين .فقد بدأت هذه المعركة في الساعة الثالثة صباحا ً واستمرت
حتى العاشرة من يوم 5جويلية 1830ودخل الغزاة الفرنسيون العاصمة على الساعة الواحدة بعد الظهر.وتذكر الحوليات البريطانية أن الداي حسين
استشار القنصل البريطاني عدة مرات مستفسراً عن الغرض الحقيقي للفرنسيين من احتالل الجزائر .وعندما انهزم جيشه استفسر للمرة األخير لدى
القيصل البريطاني عن مدى إمكانيات الصدق في دعوى دي برمون احترام ممتلكات الجزائريين وعقيدتهم ،فكان في جواب القنصل ما يفيد أن
الفرنسيين ربما نصدقهم في مثل هذا القول تجاه األهالي على األقل أما تجاه الداي شخصيا ً فذلك أمر الريب فيه على اإلطالق وعند حصوله على هذا
الجواب من القنصل البريطاني وضع الداي ختمه على الوثيقة التي تتضمن شروط االستسالم بحضور القنصل البريطاني الذي حمل تلك الوثيقة في
الحين إلى دي بورمون
طرحنا عند تناول المحتويات الموضوعية للوثيقة جملة من التساؤالت وعدنا باإلجابة عليها وهي :ماذا كان موقف الداي حسين من االحتالل؟وكيف
كان مصيره ومصير أسرته؟ وما مصير الثروة الخاصة بالداي وكذا مصير أموال الخزينة العامة؟ وهل كانت هذه الوثيقة عفواً إنسانيا ً من الغزاة
المنتصرين أم مجرد عاية موجهة إلى البلدان األوربية أم هي مجرذ خدعة حرب؟ ونعتقد ان ما يوجد بين أيدينا من الوثاق والمصادر يمكن أن يسعفنا
ببعض اإلجابات عن هذه األسئلة.
جاء في الرسالة التي وجهها الداي حسين إلى حمدان بن عثمان خوجة خالل صيف 1831مايلي (:إن مالية الخزينة كانت مفصولة عن نقودي
الخاصة وهذا يعرفه جميع الناس ،والخزينة استولى عليها الفرنسيون . ويؤكد حمدان خوجة على هذه المقولة بقوله (:إن حسيت باشا عند مغادرته
القصبة لم يمس شيئا ً من األموال التابعة للخزينة العامة ولم يسمح ألحد بفعل ذلك( )..هذه الكمية من األموال اختفت وال نعلم من قام بالسطو على هذه
األموال التي يكون أمين السكة ( المدير المالي للداي) أخفاها عند قصف المدينة .ويمكن أن يكون بعض اليهود قد استفاد من هذه األموال وأرسلها إلى
ليفورن(إيطاليا) والظاهر -يقول حمان خوجة -أن اليهودي كان قد تآمر مع القائم المالي الفرنسي لإلستيالء على هذه األموال
والظاهر أن أموال الداي أيضا ً عرفت نفس المصير الذي عرفته أموال الخزينة العامة ،فقد جاء في رسالة بعث بها الداي حسين إلى ملك فرنسا
لويس فيلب بتاريخ 25سبتمبر 1830مايلي(:لقد رددت أوربا أصداء العنف الذي اتهمت باقترافه حيال قنصل فرنسا السيد دوفال ونجم عن ذلك
تدمير بالدي وهزيمتي ثم نفيي .إنني أتقبل عن مصيري وأعفو طواعية عن ضياع سلطتي وثرواتي واستقاللي)..
ومن قراءة هذا التصريح من الداي حسين نخلص إلى اإلجابة عن التساؤل المتعلق بموقف هذا األخير من سقوط السلطة الجزائرية؛ فقد كان موقفه هو
موقف المحارب المنهزم وقد عامله دي بورمون على هذا األساس بتنحيته عن منصبه ثم االستيالء على ثرواته الخاصة ،وهنا يالحظ الخرق الصريح
لبنود وثيقة االستسالم التي تنص على حماية أموال الداي.
أما عن مصير الداي بعد الخروج من حصن القصبة فتذكر المصادر التاريخية أن هذا األخير انتقل إلى إقامة مؤقتتة في منزل البرتقال ثم نفي بعد ذلك
إلى إيطاليا( ليفورن)
وكان الداي معزوالً عن األخبار بالجزائروكذا عن أخبار األهل واألقارب الذين تركهم وراءه
أما عن إمكانية تزعم الداي للمقاومة ضد الجيوش الفرنسية فهذا احتمال له ما يبرره في الرسالة التي بعث بها الداي إلى المرابط الشيخ سعيد بن
موسى وإلى قبيلة بني كراسيل بتاريخ 25سبتمبر 1830يقول فيها (:إن رغبتي أن يكون موقفكم مني اآلن كما كان شأنكم في الماضي وأن تكونوا
مثلي في كون هدفكم الوحيد هو االتحاد مع األشخاص الذين تعرفون عنهم بكونهم شجعانا ً وأصحاب عزم ضد أعدائنا...فبعون هللا وقوته ستكونون من
المنتصرين.وكذلك نفس الدعوة إلى تغذية روح المقاومة نجدها في الرسالة التي بعث بها إلى
ولد أورابح في بجاية والتي يكون بعث بنسخة عنها إلى الحاج أحمد باي في قسنطينة
مصير المقدسات اإلسالمية:جاء في رسالة رفعها كل من حمدان خوجة وإبراهيم بن مصطفى باشا إلى رئيس وزارة فرنسا في 3جوان 1833مايلي(:
إن دخول الدولة الفرنسوية للجزائر كان بشرط صيانة ديننا وعرضنا وأمالكنا وأموالنا وأحترام مساجدنا وشريعتنا
وجاء في الرسالة المذكورة أعاله إحصاء ألهم المخالفات التي ارتكبها رواد الغزو االستعماري الفرنسي في حق المقدسات اإلسالمية ومنها:
.2هدم األمالك الخاصة والعامة بدعوى التوسيع وشق الطرقات دون دفع تعويضات ألصحابها.
.3هدم المساجد والجوامع وأخذ سواريها( األعمدة التي يقوم عليها السقف) وأبوابها ورخامها وزليجها الثمين .ومن المساجد التي جاء ذكرها :جامع
السيدة وثالثة جوامع مساجد صغيرة أخرى كما تم تحويل جامع كتشاوة إلى كنيسة
.6االستيالء على أموال األتراك المتزوجين بجزائريات بعد أن تم نفيهم إلى األناضول ألسباب واهية.كل هذا على الرغم من أنه لم يرد في شروط
وثيقة االستسالم سوى تسليم القصبة واألبراج التابعة لألمالك العمومية.
.7تحويل األمالك العامة والخاصة إلى سكنات للعساكر والجنراالت واألطباء وأمثالهم في الجيش الفرنسي دون دفع ثمن الكراء ألصحابها.
.8إتالف البساتين واألشجار بدعوى شق الطرقات العامة نحو األماكن العالية رغم كون السكان في غنى عنها.
.9حفر المقابر ألجل استخراج اآلجر واألحجار للبناء وكان بعضها يرسل إلى مرسيليا وفيها عظام األموات وكان بعضهم يستخرجون رؤوس النساء
بشعورهن والرجال بلحاهم.
إن الغزاة الفرنسيين الذين قدموا أنفسهم في نبيان بالعربية وزعه عمالء لهم عشية النزول بالجزائريذكرون فيه أن حركتهم كانت تستهدف القضاء
على الداي ( الطاغية كما كانوا يصفونه)لم تكن مهمتهم كما وصفوا والنتجة ان بنود وثيقة االستسالم لم تكن سوى دعاية مجانية لصالح الغزاة
الفرنسيين لدى الرأي العام األوربي وإقناع البرلمان الفرنسي بشرعية الغزو خصوصا ً وأن كثيراً من أعضائه كانت لهم اعتراضات على تصرفات دي
بورمون في الجزائربل مان بعضهم ينادي بتخلي فرنسا عن الجزائر.وهكذا خابت آمال الداي حسين التي كان يعلقها على الحكومة الفرنسية صاحبة
شعار األخوة والعدالة والمساواة .بل إن هذه الوثيقة لم تكن كما صرح الدوق دو روفيقو لم تكن سوى خدعة حرب وجاء شارل ديغول بعد قرن وثالثين
سنة ليؤكد على هذا الغموض الذي ال تزال تثيره وثيقة االستسالم بقوله ( :إن المسألة الجزائرية ال تزال معلقة منذ مئة وثالثين سنة)