Download as docx, pdf, or txt
Download as docx, pdf, or txt
You are on page 1of 314

0

‫هذا الكتاب‬
‫يحاول هذا الكتاب التعريف بالقيم الكبرى التي يقوم عليها النظام اإليراني‪ ،‬وذل ك من‬
‫خالل العناوين التالية‪:‬‬
‫والية الفقيه‪ ..‬والحكومة اإللهية‪ :‬ويتناول األسس التي تق وم عليه ا نظري ة الحكم في‬
‫إيران‪ ،‬والتي يطلق عليها [والية الفقيه]‪ ،‬والتي تستند إلى مبدأ [الحاكمية اإللهية]‬
‫والية الفقيه ‪ ..‬وقيم الجمهورية‪ :‬وفيه حديث مفصل عن اآلليات التي وفره ا النظ ام‬
‫اإليراني حتى يعبر بها الشعب عن إرادته ومواقف ه‪ ،‬ح تى ال يص طدم النظ ام الش رعي‬
‫بالرفض الشعبي‪.‬‬
‫والية الفقيه‪ ..‬والحري ة المنض بطة‪ :‬وفي ه ح ديث مفص ل عن م دى الحري ة المتاح ة‬
‫لإليرانين‪ ،‬كما ذكرن ا القي ود المفروض ة على الحري ة الس لبية حفاظ ا على الس لم والقيم‬
‫االجتماعية‪.‬‬
‫والية الفقيه‪ ..‬واألخوة اإلنسانية‪ :‬وتناولنا فيه اهتمام النظام اإلسالمي اإليراني بقيمة‬
‫[األخوة]‪ ،‬سواء األخوة الداخية‪ ،‬أو األخوة الخارجية مع جميع شعوب العالم‪.‬‬
‫والية الفقيه‪ ..‬والمس اواة العادل ة‪ :‬وتناولنا في قيم ة [المس اواة] باعتباره ا من القيم‬
‫التي قام عليها النظام اإلسالمي اإليراني‪ ،‬وهي قيمة تجعل المواطنين في درجة واح دة‪،‬‬
‫ودون تفريق بينهم‪ ،‬ال في الحقوق‪ ،‬وال في الواجبات‪ ،‬إال ما اقتضته العدالة‪.‬‬
‫والية الفقيه‪ ..‬والقيم التربوية‪ :‬وتناولنا في ه اهتم ام النظ ام اإلي راني ب القيم التربوي ة‬
‫بجمي ع أص نافها‪ ،‬وفي جمي ع مجاالته ا‪ ،‬ذل ك أن ه دف ه ذا النظ ام ه و بن اء اإلنس ان‪،‬‬
‫وتحقيق ما يطلق عليه [التقوى االجتماعية]‬
‫والية الفقيه‪ ..‬والقيم الحضارية‪ :‬وتناولنا فيه اهتم ام النظ ام اإلي راني بال دعوة لقي ام‬
‫حضارة إسالمية جديدة‪ ،‬تستند إلى القيم اإلسالمية‪ ،‬والمص ادر الديني ة‪ ،‬في نفس ال وقت‬
‫الذي ال تغفل فيه المكتسبات المادية‪ ،‬والخبرات البشرية‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫هذه إيران ‪ ..‬وهذا مشروعها‬

‫( ‪)2‬‬

‫إيران ‪ ..‬نظام وقيم‬


‫قراءة موضوعية لنظام الحكم في إيران والمبادئ التي يقوم عليها‬

‫د‪ .‬نور الدين أبو لحية‬


‫‪www.aboulahia.com‬‬

‫الطبعة األولى‬

‫‪ 1439‬ـ ‪2018‬‬

‫دار األنوار للنشر والتوزيع‬



‫فهرس المحتويات‬
‫‪3‬‬ ‫فهرس المحتويات‬
‫‪8‬‬ ‫المقدمة‬
‫‪13‬‬ ‫الفصل األول‬
‫‪13‬‬ ‫والية الفقيه‪ ..‬والحكومة اإللهية‬
‫‪29‬‬ ‫أوال ـ التأصيل الشرعي للحكومة اإللهية‪:‬‬
‫‪30‬‬ ‫‪ 1‬ـ البراهين العقلية والواقعية على شرعية الحكومة اإللهية‪:‬‬
‫‪40‬‬ ‫‪ 2‬ـ البراهين النصية على شرعية الحكومة اإللهية‪:‬‬
‫‪46‬‬ ‫ثانيا ـ التأصيل الشرعي لوالية الفقيه‪:‬‬
‫‪55‬‬ ‫‪ 1‬ـ األدلة العقلية والكالمية على والية الفقيه‪:‬‬
‫‪60‬‬ ‫النموذج األول‪:‬‬
‫‪62‬‬ ‫النموذج الثاني‪:‬‬
‫‪64‬‬ ‫النموذج الثالث‪:‬‬
‫‪65‬‬ ‫النموذج الرابع‪:‬‬
‫‪66‬‬ ‫‪ 2‬ـ األدلة القرآنية والروائية على والية الفقيه‪:‬‬
‫‪68‬‬ ‫أ ـ األدلة من القرآن الكريم‪:‬‬
‫‪71‬‬ ‫ب ـ األدلة الروائية‪:‬‬
‫‪71‬‬ ‫الرواية األولى‪:‬‬
‫‪74‬‬ ‫الرواية الثانية‪:‬‬
‫‪76‬‬ ‫الرواية الثالثة‪:‬‬
‫‪78‬‬ ‫الرواية الرابعة‪:‬‬
‫‪85‬‬ ‫الفصل الثاني‬
‫‪85‬‬ ‫والية الفقيه‪ ..‬وقيم الجمهورية‬
‫‪101‬‬ ‫أوال ـ الكفاءة العلمية واألخالقية للولي الفقيه‪:‬‬
‫‪109‬‬ ‫ثانيا ـ القابلية الشعبية للولي الفقيه‪:‬‬
‫‪113‬‬ ‫ثالثا ـ تور المرجعية الشرعية والقانونية للدولة‪:‬‬
‫‪121‬‬ ‫رابعا ـ توفر المؤسسات التشريعية والتنفيذيه‪:‬‬
‫‪129‬‬ ‫الفصل الثالث‬
‫‪129‬‬ ‫والية الفقيه‪ ..‬والحرية المنضبطة‬
‫‪134‬‬ ‫أوال ـ المفهوم اإليجابي للحرية‪:‬‬
‫‪134‬‬ ‫‪ 1‬ـ الحرية الفكرية‪:‬‬
‫‪140‬‬ ‫‪ 2‬ـ حرية الرأي‪:‬‬
‫‪146‬‬ ‫‪ 3‬ـ الحرية السياسية‪:‬‬
‫‪151‬‬ ‫الجانب األول‪ :‬السياسة العامة للدولة‪:‬‬

‫‪3‬‬
‫‪155‬‬ ‫الجانب الثاني‪ :‬التيارات السياسية في إيران‪:‬‬
‫‪159‬‬ ‫ثانيا ـ المفهوم السلبي للحرية‪:‬‬
‫‪165‬‬ ‫‪ 1‬ـ المظاهر الغربية ومواجهتها‪:‬‬
‫‪174‬‬ ‫‪ 2‬ـ االنحالل األخالقي ومواجهته‪:‬‬
‫‪188‬‬ ‫الفصل الرابع‬
‫‪188‬‬ ‫والية الفقيه‪ ..‬واألخوة اإلنسانية‬
‫‪198‬‬ ‫أوال ـ والية الفقيه والتعامل مع االختالف العرقي‪:‬‬
‫‪202‬‬ ‫‪ 1‬ـ قدم التركيبة السكانية لألعراق الموجودة في إيران‪:‬‬
‫‪203‬‬ ‫‪ 2‬ـ وحدة التركيبة السكانية وارتباطها بمصالحها‪:‬‬
‫‪203‬‬ ‫‪ 3‬ـ األوضاع المزرية للتركيبة السكانية قبل الثورة اإلسالمية‪:‬‬
‫‪205‬‬ ‫‪ 4‬ـ اهتمام النظام اإلسالم في إيران باللغة العربية‪:‬‬
‫‪208‬‬ ‫‪ 5‬ـ اهتمام الدستور اإليراني باللغات المحلية واللغة العربية‪:‬‬
‫‪209‬‬ ‫‪ 6‬ـ موانع االنقسام لدى التركيبة السكانية‪:‬‬
‫‪213‬‬ ‫ثانيا ـ والية الفقيه والتعامل مع االختالف الديني‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ األقلية المسيحية في إيران ومظاهر التعامل المتسامح معها‪219 :‬‬
‫‪229‬‬ ‫‪ 2‬ـ األقلية اليهودية في إيران ومظاهر التعامل المتسامح معها‪:‬‬
‫‪ 3‬ـ األقلية الزرادشتية في إيران ومظاهر التعامل المتسامح معها‪235 :‬‬
‫‪243‬‬ ‫ثالثا ـ والية الفقيه والتعامل مع االختالف المذهبي‪:‬‬
‫‪248‬‬ ‫‪ 1‬ـ الموقف النظري من االختالف المذهبي‪:‬‬
‫‪259‬‬ ‫‪ 2‬ـ الموقف العملي من االختالف المذهبي‪:‬‬
‫‪274‬‬ ‫رابعا ـ والية الفقيه والتعامل مع الشعوب اإلسالمية‪:‬‬
‫‪276‬‬ ‫‪ 1‬ـ الدعوة للوحدة اإلسالمية‪:‬‬
‫‪280‬‬ ‫‪ 2‬ـ الدعوة إلصالح الواقع اإلسالمي‪:‬‬
‫‪280‬‬ ‫‪ 2‬ـ الدعوة إلصالح الواقع اإلسالمي‪:‬‬
‫‪287‬‬ ‫خامسا ـ والية الفقيه والتعامل مع العالم‪:‬‬
‫‪287‬‬ ‫خامسا ـ والية الفقيه والتعامل مع العالم‪:‬‬
‫‪296‬‬ ‫الفصل الخامس‬
‫‪296‬‬ ‫والية الفقيه‪ ..‬والمساواة العادلة‬
‫‪309‬‬ ‫أوال ـ المرأة وحقوقها في الرؤية السياسية اإليرانية‪::‬‬
‫‪315‬‬ ‫‪ 1‬ـ حقوق المرأة المرتبطة بالصيانة والتكريم‪:‬‬
‫‪322‬‬ ‫‪ 2‬ـ حقوق المرأة المرتبطة بالتربية والتعليم‪:‬‬
‫‪330‬‬ ‫‪ 3‬ـ حقوق المرأة المرتبطة بالعمل واإلنتاج‪:‬‬
‫‪339‬‬ ‫‪ 4‬ـ الحقوق السياسية للمرأة‪:‬‬
‫‪343‬‬ ‫ثانيا ـ العمال وحقوقهم في الرؤية السياسية اإليرانية‪:‬‬
‫‪355‬‬ ‫الفصل السادس‬

‫‪4‬‬
‫‪355‬‬ ‫والية الفقيه‪ ..‬والقيم التربوية‬
‫‪363‬‬ ‫أوال ـ القيم الروحية ووسائل تحقيقها في الواقع‪:‬‬
‫‪365‬‬ ‫‪ 1‬ـ االهتمام بالقيم العرفانية والذوقية‪:‬‬
‫‪370‬‬ ‫‪ 2‬ـ القيم الروحية والتشجيع على الحركة والثورة‪:‬‬
‫‪373‬‬ ‫‪ 3‬ـ القيم الروحية والتوحيد الخالص‪:‬‬
‫‪378‬‬ ‫‪ 4‬ـ القيم الروحية والسلوك التحققي والتخلقي‪:‬‬
‫‪383‬‬ ‫‪ 5‬ـ القيم الروحية ومركزية القرآن الكريم‪:‬‬
‫‪391‬‬ ‫ثانيا ـ القيم األخالقية ووسائل تحقيقها في الواقع‪:‬‬
‫‪396‬‬ ‫‪ 1‬ـ مراعاة أحكام الشريعة ودورها في إصالح األخالق‪:‬‬
‫‪401‬‬ ‫‪ 2‬ـ مراعاة اإلخالص ودوره في إصالح األخالق‪:‬‬
‫‪408‬‬ ‫الفصل السابع‬
‫‪408‬‬ ‫والية الفقيه‪ ..‬والقيم الحضارية‬
‫‪416‬‬ ‫أوال ـ الجانب السياسي وقيم الحضارة‪:‬‬
‫‪426‬‬ ‫ثانيا ـ الجانب االقتصادي وقيم الحضارة‪:‬‬
‫‪433‬‬ ‫ثالثا ـ الجانب التربوي وقيم الحضارة‪:‬‬
‫‪434‬‬ ‫‪ 1‬ـ تجنب التقليد واالهتمام بالقيم اإلسالمية‪:‬‬
‫‪436‬‬ ‫‪ 2‬ـ التخطيط االستراتيجي لتكوين الشخصية المسلمة‪:‬‬
‫‪441‬‬ ‫رابعا ـ الجانب العلمي وقيم الحضارة‪:‬‬
‫‪451‬‬ ‫خامسا ـ الجانب الفني وقيم الحضارة‪:‬‬

‫‪5‬‬
‫المقدمة‬
‫ال يمكن لمن يريد أن يتعرف على إيران‪ ،‬أو على مشروعها الحض اري الجدي د‬
‫أن يمر مرور الكرام على نظامها الذي اعتمدته منذ انطالقة الث ورة اإلس المية قب ل م ا‬
‫يقرب من أربعين سنة‪ ،‬ذلك أن كل الهجمات السياسية والعسكرية واإلعالمي ة والديني ة‬
‫التي تعرضت لها كانت بسبب ذلك النظام ال ذي أسس ه ق ادة ثورته ا‪ ،‬ورض يه ش عبها‪،‬‬
‫وعبر عن رضاه بوسائل مختلفة‪.‬‬
‫وهو نظام متفرد من نواح كثيرة جدا؛ فال ه و بالنظ ام ال ديني المحض‪ ،‬وال ه و‬
‫بالنظام العلماني والديمقراطي المحض‪ ،‬وال هو مزيج ملفق من كليهما‪ ،‬بل هو نظام له‬
‫خصوص ياته ال تي تس تدعي البحث ال دقيق والموض وعي واله ادئ بعي دا عن ش غب‬
‫المشاغبين وجدل المجادلين‪.‬‬
‫ولذلك اهتممنا في هذا الجزء بالتعرف على أسرار هذا النظام‪ ،‬واألسس الفكري ة‬
‫التي يقوم عليها‪ ،‬ومثل ذلك اآلليات التي اس تخدمها لتحقي ق تل ك األس س النظري ة على‬
‫أرض الواقع‪.‬‬
‫وقد دعانا إلى هذه االهتمام مجموعة أمور‪:‬‬
‫أولها‪ :‬أن ه ذا النظ ام تع رض من ذ انطالقت ه لحمل ة تش ويه كب يرة ج دا‪ ،‬ال من‬
‫أمريكا وإسرائيل فحسب‪ ،‬وإنما من ط رف الكث ير من المس لمين ال ذين نهض ساس تهم‬
‫وإعالميوهم ورجال دينهم لتشويهه وشيطنته وإلصاق كل أنواع التهم به‪.‬‬
‫ولذلك كان الواجب على كل باحث صادق إنصافه‪ ،‬ال بنص رته عاطفي ا؛ فه و ال‬
‫يحتاج إلى ذلك‪ ،‬وإنما بوصفه وصفا دقيقا وموضوعيا من خالل المص ادر ال تي أُس س‬
‫عليها‪ ،‬أو التطبيقات التي خرج بها إلى أرض الواقع‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬أن هذا النظام متفرد في كل شيء‪ ،‬ابت داء من األس س الفلس فية ال تي يق وم‬
‫عليها‪ ،‬وانتهاء بالمؤسسات التي يتكون منها‪ ،‬ولذلك يعتبر تجربة فريدة يتطلع كل عاقل‬
‫لالطالع عليها‪ ،‬ليستفيد من مزاياها‪ ،‬ويتجنب عيوبها‪ ،‬ولذلك ك ان البحث الموض وعي‬
‫في هذا الجانب مهما جدا‪ ،‬حتى نتقي تلك الطروحات التي ال هم لها إال تشويه الحقائق‪،‬‬
‫وعرضها بصورة ال تتناسب مع الواقع‪.‬‬
‫ثالثها‪ :‬أن هذا النظام يُص نف ض من نم اذج اإلس الم السياس ي‪ ،‬وال تي نج د له ا‬
‫ص ورا كث يرة تحققت ع بر الت اريخ‪ ،‬وق د لقي الكث ير منه ا ردود فع ل س لبية بس بب‬
‫األخطاء التي وقع فيها‪ ،‬ولذلك كان لدراسة هذا النموذج دوره المهم في عرض صورة‬
‫أخرى‪ ،‬ربما تكون أحسن تم ثيال لنظ ام الحكم في اإلس الم‪ ،‬أو ربم ا ال تك ون ك ذلك‪..‬‬
‫والمؤمن الصادق هو الذي ال يحكم على ش يء قب ل أن يطل ع علي ه‪ ،‬ومن أهل ه‪ ،‬ال من‬
‫أعدائه‪.‬‬
‫رابعها‪ :‬أن هذا النظام صمد فترة طويلة جدا‪ ،‬مع الحروب الكثيرة ال تي تع رض‬
‫لها‪ ،‬بل نراه يقوى يوما بعد يوم‪ ،‬ويتحول من مجرد نظ ام لدول ة من ال دول إلى مح ور‬

‫‪6‬‬
‫قائم بذاته تهابه إسرائيل وأمريكا وكل من يحلق في فلكهما‪ ،‬وذل ك يس تدعي البحث عن‬
‫أسرار ذلك الصمود واالستقرار على الرغم من كل تلك الزالزل التي تحيط به‪.‬‬
‫خامس ها‪ :‬أن الكث ير من األخط اء ال تي يق ع فيه ا السياس يون أو اإلعالمي ون أو‬
‫رجال الدين في فهم المواقف الرسمية اإليراني ة ن اتج من ع دم فهمهم لألس س الفلس فية‬
‫والدينية التي يقوم عليها نظام الحكم في إيران‪ ،‬ولذلك كان البحث في هذا الجانب وقاية‬
‫من الوقوع في تلك األخطاء؛ فالمواقف السياس ية تنب ع في ك ل دول ة تح ترم نفس ها من‬
‫المبادئ والنظريات التي تقوم عليها‪.‬‬
‫ه ذه بعض االعتب ارات ال تي جعلتن ا نخص ص ه ذا الج زء للح ديث عن النظ ام‬
‫اإليراني‪ ،‬والمبادئ والقيم التي تحكمه‪ ،‬وقد دعتنا الق راءة الموض وعية ل ه إلى اعتم اد‬
‫المصادر التي ينطلق منه ا‪ ،‬وأهمه ا كتب ق ادة ثورت ه وخطبهم وبيان اتهم‪ ،‬ومن أهمه ا‬
‫كتب الخميني والخامنئي ومطهري وغيرهم‪ ،‬والتي يستند إليها الدستور اإليراني‪ ،‬وكل‬
‫القوانين اإليرانية‪.‬‬
‫باإلضافة إلى المواقع الخاصة بالمؤسسات اإليراني ة المختلف ة‪ ،‬وال تي نج د فيه ا‬
‫التجليات والمظاهر التي طبقت بها تلك المبادئ النظرية‪.‬‬
‫وقد ألزمتنا القراءة الموض وعية له ذا النظ ام االطالع على م ا كتب ه أع داؤه من‬
‫العرب وغيرهم‪ ،‬حتى نتبين صدق ما ذكروه أو تهافته‪ ،‬وحتى نعرض للق ارئ الحقيق ة‬
‫من جوانبها المختلفة‪ ،‬ليبت فيها بع د ذل ك بم ا يرش ده إلي ه دين ه والقيم األخالقي ة ال تي‬
‫تحكمه‪.‬‬
‫وقد قسمنا الكتاب مثلما سبقه إلى سبعة فصول‪ ،‬تحاول أن تعرف باألس س ال تي‬
‫يقوم عليها هذا النظام وما ينبع منه من قيم ومؤسسات وقوانين‪ ،‬وهي كما يلي‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ والي ة الفقي ه‪ ..‬والحكوم ة اإللهي ة‪ :‬وتناولن ا في ه األس س ال تي تق وم عليه ا‬
‫نظري ة الحكم في إي ران‪ ،‬وال تي يطل ق عليه ا [والي ة الفقي ه]‪ ،‬وال تي تس تند إلى مب دأ‬
‫[الحاكمية اإللهية] الذي نص عليه قول ه تع الى‪﴿ :‬إِ ِن ْال ُح ْك ُم إِاَّل هَّلِل ِ﴾ [األنع ام‪ ،]57 :‬وق د‬
‫عرضنا فيه األدلة التي اعتمدها مؤسسو هذا النظام‪ ،‬وما ناقشوا به مخالفيهم‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ والية الفقيه ‪ ..‬وقيم الجمهورية‪ :‬وتناولن ا في ه اآللي ات ال تي وفره ا النظ ام‬
‫اإليراني حتى يعبر بها الشعب عن إرادته ومواقفه‪ ،‬ح تى ال يص طدم النظ ام الش رعي‬
‫بالرفض الشعبي‪ ،‬وح تى يتخلص من س لبيات الحكوم ة الديني ة ال تي ش وهتها الكنيس ة‬
‫وبعض أنظمة الحكم االستبدادي في التاريخ اإلسالمي‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ والية الفقيه‪ ..‬والحرية المنضبطة‪ :‬وتناولنا فيه [الحرية] باعتبارها قيمة من‬
‫القيم الك برى ال تي ناض ل من أجله ا الش عب اإلي راني ليتخلص من قي ود الط واغيت‬
‫والمستبدين‪ ،‬ويسترد ممتلكاته من مغتصبيها‪ ،‬ويمارس حياته بعيدا عن ك ل الض غوط‪،‬‬
‫وقد ذكرنا في ه بتفص يل م دى الحري ة المتاح ة لإلي رانين تحت ظ ل والي ة الفقي ه على‬
‫عكس ما يشيع المغرضون‪ ،‬كما ذكرنا فيه أيضا القيود المفروضة على الحرية الس لبية‬
‫حفاظا على السلم والقيم االجتماعية والهوية الدينية للشعب اإليراني‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ والية الفقي ه‪ ..‬واألخ وة اإلنس انية‪ :‬وتناولن ا في ه اهتم ام النظ ام اإلس المي‬

‫‪7‬‬
‫اإليراني بقيمة [األخوة]‪ ،‬سواء األخوة الداخية مع جميع األعراق واألديان والم ذاهب‪،‬‬
‫أو األخوة الخارجية مع جميع شعوب العالم‪ ،‬وخصوصا المستضعفين منهم‪.‬‬
‫‪ 5‬ـ والية الفقيه‪ ..‬والمساواة العادلة‪ :‬وتناولن ا في قيم ة [المس اواة] باعتباره ا‬
‫من القيم التي ق ام عليه ا النظ ام اإلس المي اإلي راني‪ ،‬وهي قيم ة تجع ل المواط نين في‬
‫درج ة واح دة‪ ،‬ودون تفري ق بينهم‪ ،‬ال في الحق وق‪ ،‬وال في الواجب ات‪ ،‬إال م ا اقتض ته‬
‫العدالة‪.‬‬
‫‪ 6‬ـ والية الفقيه‪ ..‬والقيم التربوية‪ :‬وتناولن ا في ه اهتم ام النظ ام اإلي راني ب القيم‬
‫التربوية بجميع أصنافها‪ ،‬وفي جميع مجاالته ا‪ ،‬ذل ك أن ه دف ه ذا النظ ام ليس توف ير‬
‫حاجيات الشعب الحسية فقط‪ ،‬وإنما يهدف فوق ذلك إلى بناء اإلنسان‪ ،‬وتحقيق ما يطلق‬
‫عليه [التقوى االجتماعية]‬
‫‪ 7‬ـ والية الفقيه‪ ..‬والقيم الحضارية‪ :‬وتناولنا فيه اهتمام النظام اإليراني بالدعوة‬
‫لقيام حضارة إسالمية جديدة‪ ،‬تس تند إلى القيم اإلس المية‪ ،‬والمص ادر الديني ة‪ ،‬في نفس‬
‫الوقت الذي ال تغفل فيه المكتسبات المادية‪ ،‬والخبرات البشرية‪ ،‬ب ل تح اول أن ت زاوج‬
‫بينه ا لتحق ق القف زة الحض ارية‪ ،‬وتك ون نموذج ا عن الحض ارة اإللهي ة ال تي تخلص‬
‫البشرية من الحضارة المادية‪.‬‬
‫ونحب أن ننبه إلى أنه مع اجتهادنا في أن نك ون موض وعيين ق در اإلمك ان‪ ،‬إال‬
‫أننا لم نس تطع أن نخفي إعجابن ا ببعض مظ اهر الجم ال في ه ذا النظ ام‪ ،‬وال أن نخفي‬
‫نقدنا لبعض سلبياته؛ فالذاتية شيء ال مفر منه‪ ،‬لكنا ال ندخل ذواتنا في بيان الحقائق‪ ،‬أو‬
‫وصف الوقائع‪ ،‬وإنما نذكرها تعليق ا على تل ك الحق ائق والوق ائع‪ ،‬وق د يوافقن ا الق ارئ‬
‫على ذلك‪ ،‬وقد يخالفنا فيه‪.‬‬
‫ونحن ـ م ع احترامن ا للق راء الك رام ـ إال أن ه ال تهمن ا م وافقتهم وال مخ الفتهم؛‬
‫فالحق أحق أن يتبع‪ ،‬وقد طولبنا بالشهادة بالحق‪ ،‬ال بما يرغب به الذين نص بوا أنفس هم‬
‫قضاة على الخلق‪.‬‬
‫ونري د به ذه المناس بة أن نطلب من ال ذين ي ذكرون منتق دين بأنن ا به ذا الكت اب‬
‫وغ يره نق وم بن وع من اإلش هار إلي ران أو مش روعها‪ ،‬ألن ينك روا أوال على م ا في‬
‫مكتباتن ا ورس ائلنا الجامعي ة من الكتب ال تي تتح دث عن المش روع الش يوعي‬
‫واالشتراكي‪ ،‬والكتب التي تتحدث عن الثورة الص ينية والبلش فية والس وفياتية‪ ،‬والكتب‬
‫التي تم دح الظ اهرة الياباني ة والماليزي ة والتركي ة‪ ،‬وينك روا قب ل ذل ك على األح زاب‬
‫الشيوعية واالشتراكية والليبرالية‪ ..‬والتي تتبنى مشاريع ال عالقة له ا بال دين‪ ،‬وال ب أي‬
‫قيم أخالقية‪ ..‬وبعدها يمكنهم أن ينكروا علينا هذا الطرح الموضوعي المتعلق ببلد كريم‬
‫من بالد اإلسالم أجمع الجميع على تشويهه وظلمه وخذالنه واحتقاره‪.‬‬
‫وواجبن ا الش رعي يحتم علين ا توض يح الحق ائق ال تي تزي ل الش بهات‪ ،‬وترف ع‬
‫األوهام؛ فنص رة المظل وم واجب الش رعي‪ ،‬والس اكت عن الظلم ش يطان أخ رس‪ ،‬وال‬
‫ينفع الحياد عندما تحتدم المعارك‪ ،‬ذلك أن المحايد ليس سوى مت ول عن الزح ف‪ ،‬وق د‬
‫حرم علينا التولي عن الزحف‪ ،‬والتثاقل إلى األرض والهوى‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫الفصل األول‬
‫والية الفقيه‪ ..‬والحكومة اإللهية‬
‫ي تربع على ع رش القيم والمب ادئ ال تي تتحكم في نظ ام الجمهوري ة اإلس المية‬
‫اإليرانية مبدأ [الحكومة اإللهية]‪ ،‬أو مبدأ [الحاكمية]‪ ،‬وه و المب دأ ال ذي ينص على أن‬
‫هللا تعالى هو الحكم بين عباده‪ ،‬وأن شريعته هي المرجع في كل الق وانين ال تي تحكمهم‬
‫في شؤونهم جميعا‪ ،‬ابتداء من حياتهم الشخصية‪ ،‬وانتهاء بحياتهم االجتماعي ة والثقافي ة‬
‫واالقتصادية والسياسية‪ ،‬واعتبار الحياة بذلك كل ه معب دا هلل‪ ،‬ت ؤدى في ه أوام ره‪ ،‬مثلم ا‬
‫ي َو َم َم اتِي هَّلِل ِ‬ ‫تؤدى في الصالة تماما‪ ،‬كما قال تعالى‪ ﴿ :‬قُلْ إِ َّن َ‬
‫صاَل تِي َونُ ُس ِكي َو َمحْ يَ ا َ‬
‫ت َوأَنَ ا أَ َّو ُل ْال ُم ْس لِ ِمينَ ﴾ [األنع ام‪،162 :‬‬ ‫ك لَ هُ َوبِ َذلِكَ أُ ِم رْ ُ‬
‫َربِّ ْال َعالَ ِمينَ (‪ )162‬اَل َش ِري َ‬
‫‪]163‬‬
‫وه ذا‪ ،‬وإن ك ان من المتف ق علي ه بين المس لمين في الكث ير من الن واحي‪ ،‬لكنهم‬
‫يختلفون اختالفا شديدا في تطبيقه في المجاالت السياس ية وم ا يرتب ط به ا‪ ،‬حيث ن رى‬
‫فريق ا من المس لمين‪ ،‬أو أك ثر فقه اء المس لمين ع بر الت اريخ‪ ،‬ي رون أن ذل ك يمكن أن‬
‫يتحقق عن طريق الخلفاء والملوك واألمراء ال ذين ق د يستش يرون الفقه اء‪ ،‬ويرجع ون‬
‫إليهم للتعرف على أحكام الشريعة في المسائل المختلفة‪ ،‬وبذلك تتحقق حاكمية الشريعة‬
‫عبر تلك االستشارات‪ ،‬التي يكون فيها الفقهاء وسائط للتعريف بمراد هللا من عباده‪.‬‬
‫وهم يستدلون لذلك بالدول الكثيرة ال تي حكمت بالد المس لمين ابت داء من الدول ة‬
‫األموية‪ ،‬وانتهاء بالدولة العثمانية‪ ،‬والتي نرى نموذجا معاصرا لها في المملكة العربي ة‬
‫الس عودية‪ ،‬وال تي ش كلت هيئ ة كب ار العلم اء‪ ،‬واعتبرته ا‪ ،‬واعت برت مفتيه ا من‬
‫المستش ارين ل دى المل وك واألم راء والس عوديين‪ ،‬وق د زكى الفقه اء ذل ك‪ ،‬واعت بروا‬
‫النظام السعودي بسببه نظاما إسالميا‪.‬‬
‫بينما يرى فريق آخر أن تطبيق الشريعة‪ ،‬وتحقيق الحاكمية اإللهية‪ ،‬ال يك ون إال‬
‫عن طريق الفقيه العدل المجتهد الذي ال توكل إليه مهام االستشارة فقط‪ ،‬ب ل توك ل إلي ه‬
‫قب ل ذل ك وبع ده‪ ،‬جمي ع الص الحيات ال تي يس تطيع من خالله ا أن يطب ق الش ريعة‪،‬‬
‫باعتباره أكثر الناس فهما لها‪ ،‬وأكثرهم ودراية لكيفية تنفيذها‪.‬‬
‫وقد تبنى قادة الثورة اإلسالمية اإليرانية هذا النوع من الحاكمي ة‪ ،‬وأطلق وا علي ه‬
‫اصطالح [والية الفقيه] ‪ ،‬وهي تعني أن الشريعة ال تُطبق كقوانين فقط‪ ،‬وإنم ا تض يف‬
‫إلى ذلك وجوب إشراف الفقهاء على ذلك التط بيق وف ق اس تراتيجية تعم ل على تحكيم‬
‫شرع هللا في جميع مناحي الحياة‪.‬‬
‫وبما أن هذا النوع من األنظمة لم يتحقق وقوعه على مدار الت اريخ‪ ،‬وفي جمي ع‬
‫الدول اإلسالمية؛ فقد تعرض ـ منذ بداية الدعوة إليه ـ إلى ردود فعل كثيرة من أطراف‬
‫متعددة‪ ،‬يمكن حصرها في أربع جهات‪:‬‬

‫‪9‬‬
‫األولى‪ :‬العلمانيون والليبراليون الذين تصوروا أن الش ريعة ال يمكنه ا أن تحق ق‬
‫التقدم والرف اه‪ ،‬وأن تطبيقه ا س يؤخر المس لمين عن ركب األمم‪ ،‬وه ؤالء من يطلق ون‬
‫على أنفسهم لقب [التنويريين]‪ ،‬وهم ـ عادة ـ ليس لديهم أي مشروع سياسي أصيل‪ ،‬ب ل‬
‫هم تب ع للمش اريع الغربي ة‪ ،‬ويس تندون إلى ال تراث السياس ي الغ ربي ال ذي تش كل من‬
‫أدبي ات الث ورة الفرنس ية والث ورة األميركي ة واالنتفاض ة البريطاني ة‪ ،‬أو من أدبي ات‬
‫الش رق األوربي المؤس س على ت راث الث ورة البلش فية أو الفك ر ماركس ي بمدارس ه‬
‫المختلفة الصينية والكوبية واليوغسالفية والشيوعية األوربية‪.‬‬
‫وقد عانت الثورة اإلسالمية في إيران في بدايتها الكثير من شغبهم‪ ،‬حيث تحولوا‬
‫إلى إرهابيين يستعملون كل الوسائل لض رب بل دهم ومؤسس اته‪ ،‬بحج ة مواجه ة نظ ام‬
‫الماللي‪ ،‬وال يزال الغ رب يم د ه ؤالء بم دده‪ ،‬ويس تعملهم وس ائل لتش ويه الجمهوري ة‬
‫اإلسالمية اإليرانية ونظامها‪.‬‬
‫بل إن انطالقة الثورة اإلسالمية كانت رد فعل على ه ذا التي ار ال ذي ك ان يحكم‬
‫إي ران‪ ،‬واس تعمل معه ا ك ل الوس ائل ال تي اس تعملها أت اترك بغي ة تحويله ا إلى دول ة‬
‫أوروبية علمانية ال عالقة لها بالدين‪ ،‬أو ال يشكل الدين فيها إال الجانب الطقوسي‪.‬‬
‫ومن ق رأ رس ائل وبيان ات وخطب الخمي ني في ذل ك الحين‪ ،‬يج د الكث ير من‬
‫الطروحات التي يطرحها هذا الفريق ليرد بها على مشروع الحكومة اإللهية‪ ،‬ومن تلك‬
‫البيانات قول ه في خط اب وجه ه لجم ع من العلم اء وطلب ة العل وم الديني ة والج امعيين‬
‫وغيرهم بعد إطالق سراحه من السجن‪ ،‬وبعد انتفاضة حصلت حينها‪( :‬لقد ق الوا للع الم‬
‫بأنن ا رجعي ون‪ ،‬ونس بوا علم اء اإلس الم الى الرجعي ة الس وداء! وتعتبرن ا الص حف‬
‫الص ادرة في الخ ارج‪ ،‬وهي تُ دار بميزاني ة ض خمة لض ربنا‪ ،‬بأنن ا معارض ون‬
‫لإلصالحات‪ ،‬ويقولون‪ :‬إن العلماء يريدون أن يتخذوا من الحمير وس يلة ل رحالتهم من‬
‫ناحي ة إلى أخ رى‪ ،‬وال يري دون الكهرب اء والط ائرة‪ ،‬فهم رجعي ون يبغ ون الع ودة إلى‬
‫القرون الوسطى!) (‪)1‬‬
‫وهي كلم ة تختص ر ذل ك التش ويه ال ذي يواج ه ب ه ه ذا الفري ق ال دعوة للحكم‬
‫اإلسالمي‪ ،‬وقد رد الخميني عليهم بقوله‪( :‬إن علماء الدين يرفضون هذه األي ام الحالك ة‬
‫ال تي أص ابت البل د‪ ،‬وي رفض العلم اء األعالم ممارس ات الض رب والقت ل والعجرف ة‬
‫واالس تبداد‪ ،‬فه ل ه ذه رجعي ة؟! وق د وق ف علم اء اإلس الم في بداي ة مرحل ة الحرك ة‬
‫الدس تورية بوج ه االس تبداد األس ود وحقق وا الحري ة للش عب ب دمائهم‪ ،‬وس نّوا ب أنواع‬
‫الع ذاب والمص ائب ال تي رأوه ا وتحملوه ا ق وانين لمص لحة الش عب واس تقالل البل د‬
‫واإلس الم‪ ،‬والي وم انتفض الش عب أيض ا ً تبع ا ً للعلم اء‪ ،‬وم ا يطلب ه العلم اء ه و العم ل‬
‫بقوانين اإلس الم‪ ،‬فه ل ه ذه رجعي ة؟! وه ل ك ان الرس ول األك رم ‪ ‬رجعي اً؟! وه ل‬
‫ال دعوة إلى الق وانين الس ماوية رجعي ة؟! وه ل ك ان‪ -‬تب ارك وتع الى‪ -‬رجعي اً؟! وه ل‬
‫جبريل األمين واسطة الوحي اإللهي رجعي؟! وهل الرسول األكرم ‪ ‬رجعي؟! وهل‬

‫‪ )(1‬صحيفة اإلمام‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.275 :‬‬

‫‪10‬‬
‫رجعيون؟!)(‪)1‬‬ ‫أئمة الهدى‬
‫ثم بين أن أحك ام الش ريعة ال تنط وي إال على العدال ة والرحم ة والتحض ر‬
‫الحقيقي‪ ،‬ولذلك ال معنى لرده ا باعتباره ا رجعي ة‪ ،‬ب ل الرجعي ة في االس تبداد والظلم‬
‫ومصادرة الحريات‪ ،‬والذي مارسه الذين يدعون التنوير‪ ،‬ومثل وه أحس ن تمثي ل‪ ،‬يق ول‬
‫مع برا عن ذل ك‪( :‬إن علم اء اإلس الم من ذ ص در اإلس الم إلى الي وم لم يطرح وا وال‬
‫يطرحون من أنفسهم شيئاً‪ ،‬بل يبلغون قوانين اإلس الم وال وحي إلى الن اس‪ ،‬فه ل تبلي غ‬
‫القوانين اإللهية رجعية؟! وإذا كنتم تعتقدون بأحكام اإلسالم‪ ،‬فإن اإلسالم يح ترم حري ة‬
‫اإلنسان وسيطرته على ماله وحياته وعرضه‪ ،‬وقال بأن ك ل إنس ان ح ر في ك ل م ا ال‬
‫يخالف القوانين اإللهية‪ ،‬وإذا هاجم أحد دار أحد فإن اإلسالم يجيز لمن ُع رِّ ض للهج وم‬
‫أن يقتُل ذلك المهاجم‪ ،‬إلى هذا الحد يؤيد اإلسالم الحريات! إن علماء اإلس الم ال ي أتون‬
‫بشيء من أنفسهم‪ ،‬فكل ما نقوله هو قول رسول هللا ‪ ‬وكل ما يقول الرسول أيضا ً هو‬
‫قول هللا‪ ،‬فلو كنا رجعيين فإن ذل ك يع ني أن رس ول هللا ‪ ‬رجعي‪ ،‬إذن أنتم تعت برون‬
‫رسول هللا ‪ ‬رجعياً! تبا ً لهذا التجدد! فإذا كنتم تقبلون القوانين‪ ،‬وتقبلون اإلسالم ال ذي‬
‫نحن أتباعه فإن اإلسالم هو مصدر جميع الحريات والتحرر والسيادة واالستقالل)(‪)2‬‬
‫ويقول‪( :‬إننا لسنا رجعيين‪ ،‬وال نرفض آثار الحضارة‪ ،‬واإلس الم ال ي رفض‬
‫آثار الحضارة‪ ،‬بل يتوق الى أن تتحكموا في جميع مقدرات الع الم‪ ،‬واإلس الم ه و ذل ك‬
‫الذي أخضع هذه البلدان ال تي أص بحتم أس رى له ا! وليس ت ه ذه األفك ار الن يرة ال تي‬
‫يحملها الرجال العظماء وعلماء اإلسالم ومراجعن ا العظ ام إال من ن ور اإلس الم‪ .‬وأم ا‬
‫الرجعية‪ ،‬فهي األفكار المتهرئة والبالية التي يحمله ا الس ادة والتبعي ة العش واء للجمي ع‬
‫وتقديم ثروات بلد لآلخرين‪ .‬وليسود وجه هذه الرجعية!)(‪)3‬‬
‫هذه نماذج عن خطابات الخميني التي وجهها لهذا الفريق من الناس‪ ،‬والذي ظ ل‬
‫يح ارب الجمهوري ة اإلس المية إلى الي وم‪ ،‬ولألس ف وج د من المس لمين والع رب‬
‫خصوصا من يقف في صفه‪ ،‬ويمد يده إليه‪ ،‬مع أن ه لم يكن س وى خ ادم ذلي ل ألمريك ا‬
‫وإسرائيل‪ ،‬وجميع المحور اإلمبريالي‪.‬‬
‫وقد اعتبره الخميني عميال لالستعمار؛ فهو يفعل نفس ما يفعله المستعمر‪ ،‬يق ول‬
‫في الخطاب الس ابق‪( :‬إن جمي ع ص حفنا ومجالتن ا بي د االس تعمار‪ ،‬وه و ال ذي يجع ل‬
‫الصحف بهذا الشكل من االبتذال لكي يسمم أفك ار ش بابنا‪ .‬واالس تعمار ه و ال ذي ينظم‬
‫برامجنا الثقافية بنحو ال يكون به ش باب أقوي اء في ه ذا البل د يض حون في س بيل إنق اذ‬
‫الشعب‪ .‬واالستعمار هو الذي ينظم برامج الراديو والتلفزي ون تنظيم ا ً يره ق أعص اب‬
‫الناس ويجعلهم يفقدون معه القوة والطاقة‪ ،‬ونحن نعارض هذه المظ اهر االس تعمارية‪،‬‬
‫فهل نحن رجعي ون‪ ،‬وأنتم تق دميون؟ ليس في كالمن ا خص ام وج دال وس باب‪ ،‬فتع الوا‬

‫‪ )(1‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.275 :‬‬


‫‪ )(2‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.276 :‬‬
‫‪ )(3‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.278 :‬‬

‫‪11‬‬
‫لنرى أية حضارة نعارضها؟ نحن نعارض الفساد‪ ،‬وإسرائيل هي التي تنظم مش اريعكم‬
‫اإلصالحية وأنتم تجلبون الخبراء العس كريين من إس رائيل‪ ،‬وتبعث ون الطالب من هن ا‬
‫إلى إسرائيل‪ ،‬ونحن نعارض هذه األعمال‪ ،‬نحن نقول‪ :‬إن جميع البالد اإلسالمية وقفت‬
‫صفا ً واحداً مقابل الكفر وإس رائيل‪ ،‬فيم ا تقف ون أنتم وتركي ا م ع إس رائيل في الط رف‬
‫المقابل‪ .‬ونقول‪ :‬ليس هذا عماًل جيداً‪ ،‬فال تتجاهلوا عواط ف الش عب إلى ه ذه الدرج ة‪،‬‬
‫فيق ف المس لمون في ط رف‪ ،‬وإي ران في ط رف! فوهللا إن ه ذا مض ر‪ ،‬وعندئ ذ يظن‬
‫اإلخوة من أهل السنة أن الشيعة هم عبدة اليهود!)(‪)1‬‬
‫الثانية‪ :‬اإلسالميون من أبناء الحركات اإلسالمية‪ ،‬وخاص ة من ذوي التوجه ات‬
‫التقدمي ة‪ ،‬وال ذين راح وا ينتق دون ت ولي الفقه اء لش ؤون الس لطة‪ ،‬ورأوا أن ذل ك ليس‬
‫شأنهم‪ ،‬بل تصوروه نوعا من االستبداد‪ ،‬وراحوا يصفونه بما يصفون به الدولة الديني ة‬
‫التي مثلتها الكنيسة‪ ،‬وأساءت تمثيلها‪.‬‬
‫وقد كان هؤالء في بدايتهم يمثلون نفس الخط الذي كان يس ير علي ه ق ادة الث ورة‬
‫اإلسالمية اإليرانية‪ ،‬بل كان التواصل بينهم كبيرا إلى درجة أن بعضهم اعتبر الخميني‬
‫مجدد هذا العصر‪ ،‬بل اعتبره الخليفة الشرعي الذي يجب على المسلمين جميعا اتباعه‪.‬‬
‫وقد ورد في كتاب [اإلخوان المسلمون وإي ران‪ :‬الخمي ني – خ امنئي]‪ ،‬أن ه بع د‬
‫نج اح الث ورة اإليراني ة ع ام ‪ ،1979‬ب ادرت الجماع ة وع دة جماع ات إس المية س نية‬
‫أخ رى إلى تهنئ ة الخمي ني‪ ،‬وم د ي د التع اون للعم ل المش ترك وف ق مرجعي ة الث ورة‬
‫اإلسالمية‪.‬‬
‫وذكر أن وفدا من اإلخوان زار طهران‪ ،‬وعارضوا استض افة الش اه في مص ر‪،‬‬
‫وناص روا إي ران في حربه ا ض د الع راق‪ ،‬خاص ة في بداي ة المواجه ات‪ ،‬وبع د وف اة‬
‫الخميني‪ ،‬سنة ‪ ،1989‬نعته الجماعة واحتس بته (فقي د اإلس الم ال ذي فج ر الث ورة ض د‬
‫الطغاة)‬
‫لكنهم ـ وبع د الحمل ة الش ديدة ال تي قادته ا الس عودية ومص ر ودول الخليج ض د‬
‫إي ران ـ تحول وا تح وال ج ذريا‪ ،‬وص اروا ينتق دون ه ذا النظ ام‪ ،‬م ع كون ه يع بر عن‬
‫طموحاتهم وأهدافهم‪.‬‬
‫ولم يكن ذلك االنتقاد وليد بحث علمي‪ ،‬وال تحقي ق موض وعي‪ ،‬ب ل ك ان مج رد‬
‫ردة فع ل ال مس وغ له ا‪ ،‬ذل ك أنهم ك انوا يري دون من الخمي ني أن يتخلى عن تش يعه‬
‫ومذهبه الذي ربي عليه‪ ،‬ويصبح مالكيا أو شافعيا حتى يتحقق رضاهم عنه‪.‬‬
‫وقد عبر عن ذلك سعيد حوى ـ زعيم اإلخوان المسلمين في سورية حينها ـ حين‬
‫قال‪( :‬عندما أنتصر الخميني ظن المخلصون في هذه األمة أن الخميني ة إرج اع لألم ر‬
‫إلى نصابه في حب آل بيت رس ول هللا وتحري ر التش يع من العقائ د الزائف ة والمواق ف‬
‫الخائنة ‪ ،‬خاصة وأن الخميني أعلن في االي ام األولى من انتص اره أن ثورت ه إس المية‬
‫وليس ت مذهبي ة ‪ ،‬وأن ثورت ه لص الح المستض عفين ولص الح تحري ر ش عوب األم ة‬

‫‪ )(1‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.280 :‬‬

‫‪12‬‬
‫اإلسالمية عامة ولصالح تحرير فلسطين خاصة‪ ،‬ثم بدأت األمور تتكشف للمخلص ين ‪،‬‬
‫فإذا بالخميني هذا يتبنى كل العقائد الشاذة للتشيع عبر الت اريخ ‪ ،‬وإذا ب المواقف الخائن ة‬
‫للشذوذ الشيعي تظهر بالخميني والخمينية ‪ ،‬فكانت نكسة كبيرة وخيبة أمل خطيرة)(‪)1‬‬
‫مع أن المواق ف ال تي ذكره ا الخمي ني بع د الث ورة هي نفس ها ال تي ذكره ا بع د‬
‫الث ورة‪ ،‬ولم يكن فيه ا أي غل و وال ش طط‪ ،‬وق د تطرقن ا إلى ذل ك بتفص يل في الج زء‬
‫السابق من هذه السلسلة‪.‬‬
‫وهكذا كان الحال في الجزائر‪ ،‬حيث تأثر الحركيون الجزائريون بدعوة الخميني‬
‫ومنهجه وانتصاراته‪ ،‬لكنهم ـ لألسف ـ وبتأثير من السعودية والخليج انقلبوا على ذلك‪.‬‬
‫ومن ب اب الش هادة هلل‪ ،‬ن ذكر أن بعض هم‪ ،‬ب ل من كب ارهم من بقي على نظرت ه‬
‫للجمهورية اإلس المية اإليراني ة‪ ،‬ولنظامه ا‪ ،‬ولم يت أثر ب ذلك الض خ اإلعالمي الكب ير‪،‬‬
‫ويتربع على رأسهم شيخ الحرك ة اإلس المية في الجزائ ر الش يخ أحم د س حنون‪ ،‬ال ذي‬
‫(إن اإلمام الخميني عاش في المجد والفخار‪ ،‬وكان صادق العزم وصانع الصحوة‬ ‫قال‪ّ :‬‬
‫اإلسالمية)(‪)2‬‬
‫بل رثاه بقصيدة قال فيها‪:‬‬
‫تص اب ب الموت وال َّدمار‬ ‫ً‬
‫غ اب الخمي ني تب ا ّ ل دنيا‬
‫دثار‬ ‫بال زوال وال ان‬ ‫لكن مج د اإلم ام يبقى‬
‫قد ع اش للمج د والفخ ار‬ ‫ما مات من كان كالخميني‬
‫ط رد الع د ّو من ال ديار‬ ‫ي ا ق اهر الش اه ي ا مجي دا‬
‫ض عف الش عوب إلى‬ ‫يا صادق العزم ي ا محيال‬
‫ار‬ ‫انتص‬
‫ع ّز الطغ اة إلى ان دحار!‬ ‫ي ا ص انعا ً ص حوة أح الت‬
‫يبقى مدى الليل والنه ار!‬ ‫عش في قل وب الش عوب‬
‫ا ًّ‬ ‫حي‬
‫أعظم بذكراك من من ار!‬ ‫و ُد ْم من اراً إلى المع الي‬
‫تقف و خط اك بال عث ار‬ ‫طه ران بع دك س وف‬
‫ي‬ ‫تمض‬
‫من خير دار وخ ير ج ار‬ ‫يا رب ال تح رم الخمي ني‬
‫ار‬ ‫ر وال بن‬ ‫بزمهري‬ ‫ا إلهي‬ ‫هي‬ ‫وال ّ‬
‫تعذب‬

‫‪ )(1‬الخميني‪ :‬شذوذ في العقائد شذوذ في المواقف‪ ،‬سعيد حوى‪ ،‬ص‪.3‬‬


‫‪ )(2‬موقع رابطة الحوار الديني للوحدة‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫دوء وال ق رار‬ ‫بال ه‬ ‫فإنّ ه ع اش في جه اد‬
‫أما موقف قادة الثورة اإلسالمية اإليراني ة من ه ذا االتج اه خصوص ا؛ فق د ك ان‬
‫موقفا طيبا‪ ،‬الشتراكهم معهم في الدعوة لحاكمية الش ريعة‪ ،‬وله ذا ن رى اهتمام ا كب يرا‬
‫بكتب س يد قطب‪ ،‬وترجمته ا للفارس ية‪ ،‬ب ل ت ولى الترجم ة القائ د الح الي للجمهوري ة‬
‫اإلسالمية‪ ،‬السيد علي الخامنئي‪.‬‬
‫ومن تلك الكتب التي ترجمه ا الخ امنئي كت اب [المس تقبل له ذا ال دين] ‪ ،‬وجع ل‬
‫عنوانه‪[ :‬بي ان ض د الحض ارة الغربي ة]‪ ،‬وق د أث نى في مقدمت ه كث يرا على س يد قطب‬
‫ووصفه بـ [المفكر المجاهد]‪ ،‬وذكر أن كتبه تش كل خط وة على طري ق توض يح مع الم‬
‫الرسالة اإلسالمية‪.‬‬
‫ونحب أن نرد هنا على من يصورون الخميني أو قادة الث ورة اإلس المية بمثاب ة‬
‫التالميذ واألتباع للفكر اإلخواني‪ ،‬وأنهم تأثروا في ق ولهم بالحاكمي ة بس يد قطب أو أبي‬
‫األعلى المودودي‪ ،‬أو جماعات اإلسالم السياسي‪ ،‬بأن ذلك غير صحيح‪.‬‬
‫فكتابات الخميني وبياناته وفتاواه في هذا المجال س بقت س يد قطب وأبي األعلى‬
‫المودودي بكثر‪ ،‬ومن األمثلة على ذلك تلك الرسالة التي كتبها الخميني س نة ‪1944‬م‪،‬‬
‫اح َد ٍة أَ ْن تَقُو ُم وا هَّلِل ِ َم ْثنَى َوفُ َرادَى﴾ [س بأ‪:‬‬
‫وفسر فيها قول ه تع الى‪﴿ :‬قُ لْ إِنَّ َم ا أَ ِعظُ ُك ْم بِ َو ِ‬
‫‪]46‬؛ فق ال‪( :‬لق د بين هللا تع الى في ه ذا الكالم الش ريف مس ير البش رية‪ ،‬من ذ الم نزل‬
‫األول المظلم للطبيعة وحتى نهاية هذا المسير‪ .‬وهو أفضل موعظة اختاره ا إل ه الع الم‬
‫من بين جميع المواع ظ‪ ،‬واق ترح على البش ر ه ذه الكلم ة الواح دة ال تي ينحص ر فيه ا‬
‫طريق إصالح الدارين وهي‪ :‬القيام هلل الذي بلغ ب إبراهيم خلي ل ال رحمن م نزل الخلّ ة‪،‬‬
‫وأطلقه من المظاهر المختلفة لعالم الطبيعة‪ .‬لقد خاض إبراهيم في علم اليقين ح تى ق ال‬
‫ال أحب اآلفلين‪ ..‬والقيام هلل هو الذي سلّط موسى الكليم بعصاه على آل فرع ون‪ ،‬ود ّم ر‬
‫عروشهم وتيجانهم‪ ،‬وأوصله إلى لقاء المحب وب ومق ام الص حو‪ ..‬والقي ام هلل ه و ال ذي‬
‫جعل خاتم النبيين ‪ ‬يتغلب ـ لوح ده ـ على جمي ع الع ادات والعقائ د الجاهلي ة‪ ،‬وأزال‬
‫األصنام من بيت هللا‪ ،‬ووضع مكانها التوحيد والتقوى‪ ،‬وأوصل ذاته المقدس ة إلى ق اب‬
‫قوسين أو أدنى‪ ..‬وحب الذات وترك القيام هلل أوص النا إلى ه ذه األي ام الس ود‪ ،‬وس لطا‬
‫أه ل الع الم ـ جميع ا ً ـ علين ا‪ ،‬وجعال البالد اإلس المية تحت نف وذ اآلخ رين‪ ..‬فالقي ام‬
‫للمصالح الشخصية هو الذي خن ق روح الوح دة واألخ وّة بين الش عب المس لم‪ ،‬والقي ام‬
‫للنفس هو الذي فرق أك ثر من عش رة ماليين ش يعي وفص لهم عن بعض هم‪ ،‬فأص بحوا‬
‫لقمة (في أفواه) حفنة من عباد الشهوة الجالسين وراء الموائد)(‪)1‬‬
‫ثم راح يخ اطب األم ة ب أن تنهض لتعي د الحاكمي ة هلل‪ ،‬فق ال‪( :‬في ا أيه ا العلم اء‬
‫المسلمون الربانيون‪ ،‬أيها العلماء المت دينون‪ ،‬أيه ا المتح دثون ال ذين تحب ون الش ريعة‪،‬‬
‫أيه ا المت دينون المحب ون هلل‪ ،‬أيه ا المحب ون هلل الط البون للح ق‪ ،‬أيه ا الط البون للح ق‬
‫الشرفاء‪ ،‬أيها الشرفاء الوطنيون‪ ،‬أيها الوطنيون أصحاب الكرامة‪ ،‬اقرأوا موعظ ة إل ه‬
‫‪ )(1‬صحيفة اإلمام‪ :‬ج‪ ، 1‬ص ‪.46‬‬

‫‪14‬‬
‫العالم‪ ،‬واسلكوا طريق اإلصالح الوحيد الذي اقترحه‪ ،‬واتركوا المصالح الشخصية كي‬
‫تنالوا سعادة الدارين جميعها‪ ،‬وتتمتعوا بالحياة الشريفة فيهما‪ ..‬اليوم يوم هب فيه النسيم‬
‫الروحي اإللهي‪ ،‬وهو أفضل يوم للقيام اإلصالحي؛ فإذا فقدتم الفرصة‪ ،‬ولم تقوم وا هلل‪،‬‬
‫ولم تعي دوا المراس م الديني ة‪ ،‬فس لّط عليكم غ داً حفن ة من الت ائهين الراكض ين وراء‬
‫شهواتهم‪ ،‬ويجعلون شريعتكم وشرفكم عرض ة ألغراض هم الباطل ة‪ ،‬وم ا ه و ع ذركم‬
‫الي وم أم ام إل ه الع الم؟! ‪ ..‬إنكم إذا لم تقوم وا من أج ل حقكم المش روع‪ ،‬نهض الحمقى‬
‫الفاقدون للدين‪ ،‬وبدأوا في كل ناحية يضربون على وتر عدم التدين‪ ،‬ولسوف يتسلطون‬
‫عليكم ـ أيها المتفرقون ـ قريبا ً تسلطا ً يجعل أيامكم أصعب من زمان رضا خان)(‪)1‬‬
‫الثالثة‪ :‬اإلسالميون من ذوي التوجهات السلفية‪ ،‬والذين وقف وا من ه موقف ا س لبيا‬
‫منذ البداي ة‪ ،‬م ع ك ونهم لم يعارض وا الش اه‪ ،‬وال إي ران في ف ترة علمانيته ا‪ ،‬ولع ل من‬
‫أسباب ذلك تلك المواقف الشديدة من قادة الثورة اإلسالمية من النظام الملكي‪ ،‬واعتباره‬
‫بدعة ال عالقة لها باإلسالم‪ ،‬على عكس ما يذهب إليه فقه اؤهم ال ذين تح الفوا م ع ك ل‬
‫األنظمة الملكية‪.‬‬
‫(إن هللا تع الى يش ير في‬ ‫ومن أمثلة ذلك قول الخميني في أوائ ل كتب ه السياس ية‪ّ :‬‬
‫هذه اآلية ﴿يَاأَيُّهَا الَّ ِذينَ آ َمنُوا أَ ِطيعُوا هَّللا َ َوأَ ِطيعُوا ال َّرسُو َل َوأُولِي اأْل َ ْم ِر ِم ْن ُك ْم ﴾ [النس اء‪:‬‬
‫‪ ]59‬إلى تش كيل الحكوم ة اإلس المية ح تى ي وم القيام ة‪ .‬وواض ح ج داً أن ه لم ي وجب‬
‫حاكمية أحد غير هؤالء الثالثة‪ ،‬وألنه أوجب على جميع أفراد األمة طاعة أولي األم ر‬
‫فإنه يجب البحث حول من هم أولو األمر‪ ..‬إن بعضهم يق ول‪ :‬إنهم الملك وك واألم راء!‬
‫وإن هللا أوجب على الناس طاع سالطينهم ومل وكهم! وه ا نحن نحتكم إلى العق ل ال ذي‬
‫وهبه هللا لنا‪ ..‬إن إله العالم أرسل نبي اإلسالم بآالف األحكام الس ماوية‪ ،‬ووض ع أس س‬
‫حكومته على مبدئي التوحيد والعدل‪ .‬هذا اإلله نفسه الذي قوى أس اس الع دل في الع الم‬
‫بتض حيات المس لمين‪ ،‬ومن ع المظ الم وانته اك العف ة؛ فه ل ي أمر الن اس ب أن يطيع وا‬
‫أتاتورك الذي يعرف جميع الن اس م اذا فع ل بأص حاب ال دين وكي ف ظلم الن اس؟! أو‬
‫يأمر بطاعة بهلوي الذي رأيتم جميعا ً ماذا صنع؟! والذي لو أراد أحد أن يع د مخالفات ه‬
‫الصريحة هلل والقرآن فإنه قد يحتاج إلى كتاب‪ ..‬إن هذا اإلل ه ال ذي وض ع أس س ال دين‬
‫والعدل ويأمر بنفسه بهدم ه ذا البن اء‪ ،‬لن يقبل ه العلم اء إله ا ً ع ادالً وقاس طاً‪ ،‬وإن مق ام‬
‫األلوهية منزه عن هذه األعمال التافهة)(‪)2‬‬
‫ونحب أن ن ذكر هن ا أن ه ذا الكت اب [كش ف األس رار]‪ ،‬وربم ا بس بب مواقف ه‬
‫الشديدة من هذا النوع من األنظمة ترجم ترجمات مش وهة من ط رف االتج اه الس لفي‪،‬‬
‫وصارت تلك الترجمة هي المصدر الذي يعتمدون عليه في تشويه إيران ونظامها(‪.)3‬‬

‫‪ )(1‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.47‬‬


‫‪ )(2‬كشف األسرار‪ ،‬ص‪..138‬‬
‫‪ )(3‬أثبت زيف تلك الترجمة باألدلة الكثيرة د‪ .‬إبراهيم الدس وقي ش تا رئيس قس م اللغ ات الش رقية وآدابه ا في كلي ة‬
‫اآلداب بجامعة القاهرة في كتيب بعنوان (كشف األسرار بين أصله الفارسي والترجمة األردنية)‪ ،‬نش ر كمق ال في (مجل ة‬
‫الراص د ‪ -‬تم وز ‪1991‬م) ونش ر في الترجم ة الجدي دة للكت اب من ص‪ ،29-13‬وق د كش ف المق ال عن تحري ف خط ير‬

‫‪15‬‬
‫وهك ذا أعلن في كتاب ه [الحكوم ة اإلس المية] عن موقف ه من ه ذا الن وع من‬
‫األنظم ة بقول ه‪( :‬فالملكي ة والحكم ال وراثي هي مم ا أبطل ه اإلس الم وألغ اه في ص در‬
‫اإلسالم في ايران وبالد الروم الشرقية ومصر واليمن‪ .‬ولق د دع ا الرس ول األك رم ‪‬‬
‫في رسائله المباركة امبراطورية الروم الشرقيين (هراكليوس) وملك ايران إلى التخلي‬
‫عن نم ط الحكوم ة الملكي ة واالمبراطوري ة‪ ،‬وعن إل زام عب اد هللا بالطاع ة والعبودي ة‬
‫المطلق ة لهم‪ ،‬ولي تركوهم ليعب دوا هللا الواح د ال ذي ال ش ريك ل ه‪ ،‬ال ذي ه و الس لطان‬
‫الحقيقي ‪ ..‬الملكية والحكم الوراثي هي ذلك الطراز من الحكم المش ؤوم والباط ل ال ذي‬
‫ثار سيد الشهداء ‪ ‬واستشهد من أجل المنع من إقامته‪ ،‬فلقد ثار ودعا جميع المس لمين‬
‫للثورة لكي ال يخضع لوالية عهد يزيد‪ ،‬ولكي ال يعترف رسميا ً بسلطنته‪ ،‬فه ذه األم ور‬
‫ليست من اإلسالم‪ ،‬اإلسالم ليس فيه ملكية وحكم وراثي)(‪)1‬‬
‫الرابعة‪ :‬بعض م دارس الش يعة وم راجعهم‪ ،‬وال ذين تص وروا أن بن اء دول ة‬
‫يحكمها الفقيه الشيعي‪ ،‬يتنافى م ع مب دأ انتظ ار اإلم ام المه دي‪ ،‬ب ل تص وروا أن ذل ك‬
‫سيلغي دوره‪ ،‬ويرفع الحاجة لظهوره‪.‬‬
‫وقد رد عليهم قادة الثورة اإلس المية ردودا كث يرة‪ ،‬منه ا ق ول الخمي ني مخاطب ا‬
‫لهم‪( :‬من البديهي أن ضرورة تنفي ذ األحك ام ال تي اس تلزمت تش كيل حكوم ة الرس ول‬
‫األكرم ‪ ‬ليست منحصرة ومحدودة بزمانه ‪ ،‬فهي مس تمرة أيض ا ً بع د رحلت ه ‪.‬‬
‫وفقا ً لآليات القرآنية الكريمة‪ ،‬فإن أحكام اإلسالم ليست محدودة بزمان ومكان خاصين‪،‬‬
‫بل هي باقية وواجبة التنفيذ إلى األبد؛ فلم تأت ألجل زمان الرس ول األك رم ‪ ‬لت ترك‬
‫بعده وال تنفّذ أحك ام القص اص‪ ،‬أي الق انون الج زائي لإلس الم‪ .‬أو ال تؤخ ذ الض رائب‬
‫المق ررة‪ ،‬أو يتعط ل ال دفاع عن األراض ي واألم ة اإلس الميتين‪ ،‬والق ول ب أن ق وانين‬
‫اإلسالم قابلة للتعطيل‪ ،‬أو أنها منحصرة بزمان أو مك ان مح ددين خالف الض روريات‬
‫العقائدية في اإلسالم‪ ،‬وعليه فبم ا أن تنفي ذ األحك ام ض رورة بع د الرس ول األك رم ‪‬‬
‫وإلى األبد‪ ،‬فإن تشكيل الحكوم ة وإقام ة الس لطة التنفيذي ة اإلداري ة يص بح ض رورياً‪،‬‬
‫فب دون تش كيل الحكوم ة‪ ،‬وب دون الس لطة التنفيذي ة واالداري ة ـ وال ذي يجع ل جمي ع‬
‫تصرفات وأنشطة أفراد المجتمع خاضعا ً لنظام عادل‪ ،‬وذلك عن طريق تنفيذ األحكام ـ‬
‫بدون ذلك تلزم الفوضى‪ ،‬ويتفشى الفساد االجتماعي والعقائدي واألخالقي‪ ،‬إذن ال مف ر‬
‫من تش كيل الحكوم ة‪ ،‬وتنظيم جمي ع األم ور ال تي تحص ل في البالد منع ا ً للفوض ى‬
‫والتفسخ‪ .‬وعليه فما كان ضروريا ً في زمان الرس ول ‪ ‬وأم ير المؤم نين بحكم العق ل‬
‫والشرع‪ ،‬من إقامة الحكومة والسلطة التنفيذية واالدارية‪ ،‬فه و ض روري بع دهم‪ ،‬وفي‬

‫ومغرض في الترجمة (األردنية) بغية تشويه صورة الخميني‪ ،‬وتشويه صورة الشيعة والطعن فيهم‪ ،‬وقد تم ترجمة كتاب‬
‫[كشف األسرار] ترجمة صحيحة معرّبة‪.‬‬
‫وقد اشترك في الترجمة األردنية المحرّ فة بشار عواد معروف‪ ،‬ومع ه أس تاذ الش ريعة محم د أحم د الخطيب‪ ،‬ومعهم‬
‫سليم الهاللي‪ ،‬ومعهم الشخصية الوهمية محمد البنداري التي اخترعوها ليكون في واجه ة الغالف بأن ه الم ترجم للكت اب‪،‬‬
‫وقد تم هذا بمباركة األلباني الذي ألحق فتواه في آخر الطبعة المذكورة بكفر الخميني‪.‬‬
‫‪ )(1‬الحكومة اإلسالمية‪ ،‬ص‪.11‬‬

‫‪16‬‬
‫أيضاً)(‪)2‬‬ ‫زماننا‬
‫ثم راح يسألهم قائال‪( :‬هل يجب أن تبقى األحك ام اإلس المية طيل ة ف ترة م ا بع د‬
‫الغيبة الصغرى إلى اليوم حيث مضى أك ثر من أل ف ع ام‪ ،‬ومن الممكن أن تم ر مائ ة‬
‫ألف عام أخرى دون أن تقتضي المصلحة ظهور ص احب األم ر ـ فه ل يجب أن تبقى‬
‫مطروحة وبال تطبيق‪ ،‬وليعمل كل امرئ ما يشاء؟ ولتعم الفوضى؟ فهل كانت الق وانين‬
‫التي جهد الرسول األكرم ‪ ‬في س بيل بيانه ا وإبالغه ا ونش رها وتطبيقه ا م دة ثالث‬
‫وعشرين سنة‪ ،‬هل كانت لمدة محدودة فق ط؟ وه ل ح َّدد هللا تع الى تنفي ذ أحكام ه بم دة‬
‫مئتي سنة فقط؟ وهل ترك اإلسالم كل ما فيه بعد الغيبة الصغرى؟)‬
‫ثم أجاب على ذلك بقوله‪( :‬االعتقاد بأمور كهذه أو إظهارها أسوأ من االعتقاد أو‬
‫اإلظهار للقول بنسخ اإلسالم‪ ...‬ال أحد يستطيع القول أنه لم يعد من الواجب ال دفاع عن‬
‫حدود وثغور جميع أراضي الوطن اإلس المي‪ ..‬أو أن ه يجب تعطي ل ق انون اإلس المي‬
‫العقوب ات وال ديات والقص اص‪ .‬فك ل من يق ول أن ه ال ض رورة لتش كيل الحكوم ة‬
‫اإلسالمية‪ ،‬فهو منكر لض رورة تط بيق األحك ام اإلس المية‪ ،‬ولجامعيته ا‪ ،‬ولخل ود دين‬
‫اإلسالم المبين)‬
‫ونحب أن نذكر هن ا أن م ا ق رره الخمي ني في ه ذا المج ال ال يع ني ث ورة على‬
‫التشيع‪ ،‬أو تصحيحا له‪ ،‬كما ذهب بعض الباحثين‪ ،‬وإنما هو فرع أصيل في التش يع‪ ،‬لم‬
‫تتح ل ه الظ روف ال تي ت برزه للواجه ة لي ؤدي دوره في التغي ير السياس ي؛ فق د ك انت‬
‫الحكومات المستبدة تمنع الش يعة من الح ديث في السياس ة‪ ،‬وه ذا م ا جعلهم يمارس ون‬
‫التقية حرصا على بقاء مذهبهم‪.‬‬
‫ومثل ذلك حصل في المدرسة السنية‪ ،‬وال تي اتف ق فقهه ا السياس ي الق ديم على‬
‫عرض الفقه السياسي‪ ،‬أو السياسة الشرعية انطالقا من الواق ع السياس ي‪ ،‬ال من حقيق ة‬
‫اإلسالم ذاته‪.‬‬
‫بناء على هذا سنحاول في هذا الفصل التعرف على األدلة التي اعتمدها الخميني‬
‫وقادة الث ورة اإلس المية في ه ذه النظري ة السياس ية‪ ،‬وكي ف ردوا على مخ الفيهم‪ ،‬أم ا‬
‫اآلليات ال تي نف ذت به ا ه ذه النظري ة‪ ،‬والض وابط ال تي تحكمه ا‪ ،‬فس نتعرض له ا في‬
‫الفصل الثاني‪.‬‬
‫وبما أ هناك اتفاقا بين قادة الثورة اإلسالمية في إي ران م ع الحرك ات اإلس المية‬
‫ذات التوجه السياسي على مواجهة العلمانية وال دعوة لتحكيم الش ريعة اإلس المية؛ فق د‬
‫ظهرت الكتابات الكثيرة التي تخدم الشق األول من حاكمية الشريعة‪ ،‬وهو حاكمية الفقه‬
‫اإلسالمية‪ ،‬وكونه اإلطار المرجعي ال ذي يُعتم د علي ه في جمي ع الق وانين ال تي تس نها‬
‫الدولة‪.‬‬
‫أما الشق الثاني‪ ،‬وهو المرتبط بحاكمية الفقيه‪ ،‬ولزوم كونه المشرف على تطبيق‬
‫الشريعة‪ ،‬بل المنفذ لذلك؛ فإن الكتابة فيه ـ حسبما أعلم ـ بقيت محصورة في قادة الثورة‬

‫‪ )(2‬الحكومة اإلسالمية‪ ،‬ص‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫اإلسالمية في إيران‪ ،‬الذين ألفوا المؤلفات الكثيرة التي تؤصل لهذا الج انب‪ ،‬ب ل تجع ل‬
‫من حاكمية الشريعة دليال على حاكمية الفقيه‪ ،‬ذلك أنه ال يمكن عزل الفقيه‪ ،‬أو التهوين‬
‫من شأنه في الوقت الذي يراد فيه تطبيق الشريعة‪ ،‬مثلما ال يعزل الط بيب أو المهن دس‬
‫عن مجالهما‪.‬‬
‫ومن المؤلف ات ال تي ألفت في ذل ك‪ ،‬وك انت مص درا من مص ادر التأص يالت‬
‫والتنظيرات المرتبطة بوالية الفقيه‪ ،‬وما يصحبها من حاكمية الشريعة كتاب [الحكوم ة‬
‫اإلسالمية أو والية الفقيه] لإلمام الخميني‪ ،‬والذي ك ان عب ارة عن دروس فقهي ة ألقاه ا‬
‫على طالب العل وم الديني ة في النج ف‪ ،‬وتح دث في ه بتفص يل عن األدل ة الكث يرة على‬
‫والية الفقيه‪ ،‬وعلى التحريقات التي حاولت أن تزيل الجانب السياسي من الدين‪ ،‬وذك ر‬
‫فيه األدلة العقلية والشرعية الموجبة لتشكيل الحكومة‪ ،‬كما تح دث في ه عن نظ ام الحكم‬
‫اإلسالمي‪ ،‬وشروط الحاكم المسلم‪ ،‬وال دور ال ذي يجب على العلم اء القي ام ب ه لتحقي ق‬
‫ذلك في الواقع‪.‬‬
‫وقد القى الكتاب ـ من ذ ص دوره ـ ردود فع ل مختلف ة من اإليران يين وغ يرهم‪،‬‬
‫حيث أنه في الوقت الذي استقبل فيه استقباال طيبا من العلماء وطلبة العلم ال ذين ش كلوا‬
‫فيما بعد األساس الذي قامت عليه الثورة اإلسالمية اإليرانية‪ ،‬استقبل استقباال قاس يا من‬
‫المعارضين سواء كانوا من السياسيين أو رجال الدين التقلي ديين ال ذين ي رون أن ه ليس‬
‫على الفقيه أن يتحدث في السياسة‪ ،‬وال أن يمارسها‪.‬‬
‫وقد ذكر نجل الخميني الس يد أحم د بعض تل ك المواق ف‪ ،‬فق ال‪( :‬أم ا [الحكوم ة‬
‫اإلسالمية أو والية الفقيه] فهو مجموعة تضم (‪ )16‬درسا ً من دروس اإلمام التي ألقاها‬
‫في الحوزة العلمية في النجف‪ ،‬وعندما شرع اإلمام في بحث والية الفقيه ب دأ اع تراض‬
‫الرجعيين في تلك الحوزة‪ ،‬فحركوا بعض األشخاص لكي يترك الدرس ع دد من ال ذين‬
‫يحضرون هذه الدروس‪ ،‬وقد نجحوا في ذلك مع األسف‪ ،‬إذ ق ال اإلم ام‪ :‬إن بعض هم لم‬
‫يحضر منذ بداية هذا الدرس وحتى نهايته ألنهم كانوا يعتقدون ـ حتم ا ً ـ بأن ه يجب أن‬
‫يحكم الش اه وص دام‪ ،‬وليس اإلم ام والمجته د الج امع للش رائط‪ ،‬فك انوا يقول ون‪ :‬إن‬
‫الحكوم ة ليس ت من ش أن الفقي ه! وكم القى منهم أص حاب اإلم ام الخلَّص من ع ذاب‬
‫ومتاعب‪ ،‬وبدأت النزاعات فضايقوا اإلمام وآذوه‪ ،‬ولكنه لو كان يمكن لإلمام أن يعط ل‬
‫أعماله بسبب هذه األمور لم ا انتهى ب ه األم ر إلى النج ف‪ ،‬ول ترك الجه اد ض د الش اه‬
‫ونظامه وهو في قم)(‪)1‬‬
‫وقد ذكر موقف الخميني من تلك التشنجات التي أبداها المخالفون له؛ فقال‪( :‬لق د‬
‫سمع اإلم ام مث ل ه ذا الكالم كث يراً‪ ،‬ول ذلك فعن دما ك ان أص حابه القليل ون الص ابرون‬
‫والصامدون المخلصون ينفد صبرهم وتتعبهم الشتائم‪ ،‬كانوا يأتون اإلمام ليستلهموا منه‬
‫روحا ً جديدة‪ ،‬فيقول لهم‪ :‬عليكم باالس تمرار في عملكم وال تنص توا له ذه األق وال‪ .‬إنكم‬
‫مسؤولون‪ ،‬وواجبكم العمل وفقا ً لمسؤوليتكم وتحمل الص عاب والش تائم بص در رحب‪،‬‬

‫‪ )( 1‬لمحة عن عبادة اإلمام ومؤلفاته‪ ،‬السيد أحمد الخميني‪ ،‬مقال من كتاب‪ :‬ال‍إمام الخميني قدوة‪ ،‬ص‪.6‬‬

‫‪18‬‬
‫من أجل خالص المسلمين‪ ،‬وعليكم أن ال تتركوا عملكم الصالح مهم ا ق الوا لكم ومهم ا‬
‫ضايقوكم؛ فلن يكون ذل ك بمق دار ي وم واح د من الص عاب ال تي تحمله ا الرس ول ‪،‬‬
‫فكان أصحابنا القليلون يعالجون قلة عددهم برفع عزائمهم‪ ،‬ويغادرون اإلمام بإرادة من‬
‫حديد)(‪)1‬‬
‫وذكر السيد أحمد كي ف اس تقبل الكت اب في إي ران‪ ،‬وموق ف الس لطات الحاكم ة‬
‫منه؛ فقال‪( :‬وفي الوقت نفس ه ق ام أص حاب اإلم ام الموج ودون ب اآلالف في ح وزة قم‬
‫العلمية بطبع هذه الكتب وتوزيعها بكل قدرتهم‪ ،‬وحتى إن السيد الجوردي م دعي ع ام‬
‫طه ران (س ابقاً) ب اع الكراس ات ال تي تحت وي على ه ذه ال دروس (دروس اإلم ام في‬
‫الحكومة اإلسالمية) في محلّه علناً‪ ،‬واعتُقل بعد ذلك‪ ..‬لقد انتش رت ه ذه الكتب بس رعة‬
‫البرق في جميع الح وزات العلمي ة والمحاف ل الديني ة‪ ،‬وب ذل المرح وم آي ة هللا الرب اني‬
‫الشيرازي جهداً كبيراً في نشر هذا الكتاب‪ ،‬وما أحسن ما أدى أنصار اإلم ام في إي ران‬
‫رسالتهم مع وجود التعذيب والسجن والنفي)(‪)2‬‬
‫ويمكننا اعتبار هذا الكتاب هو المصدر األك بر ال ذي ض م أك ثر األدل ة وأقواه ا‬
‫على مش روعية والي ة الفقي ه‪ ،‬ول ذلك ك ان ل ه ت أثيره كب يرا في األوس اط اإليراني ة‬
‫خصوصا‪ ،‬بل كان السبب األكبر في جعلها مستعدة لتقبل ه ذا النظ ام الجدي د‪ ،‬وه و م ا‬
‫يرد بقوة على تلك األطروحات التي تصور ق ادة الث ورة اإلس المية في إي ران منقل بين‬
‫على الش عب ال ذي وق ف معهم‪ ،‬ذل ك أن أطروح اتهم واض حة من خالل ه ذا الكت اب‬
‫وغيره من الكتب والبيانات التي كانت تصدر على كل حين‪ ،‬وسنرى تفاص يل ذل ك في‬
‫الفصل الثاني من هذا الكتاب‪.‬‬
‫ومن الكتب ال تي أص لت له ذا النظ ام كت اب [اإلمام ة والوالي ة‪ :‬قي ادة المجتم ع‬
‫اإلسالمي ومسؤولية المسلم] للقائد الحالي للثورة اإلسالمية الس يد علي الخ امنئي‪ ،‬وق د‬
‫ذكر فيه الكثير من المسائل المؤصلة لهذا النظام انطالقا من الق رآن الك ريم‪ ،‬باإلض افة‬
‫إلى ذكره لشروط الولي الفقيه وصفاته وغير ذلك‪.‬‬
‫ومنها كتاب [أساس الحكومة اإلسالمية] للسيد كاظم الحائري‪ ،‬وه و عب ارة عن‬
‫دراسة استداللية مقارنة بين الديمقراطية والشورى ووالية الفقيه‪ ،‬وق د ذك ر في ه والي ة‬
‫الفقيه‪ ،‬وأثبتها من خالل ذكر ش روط الوالي ة‪ ،‬ثم إج راء مقارن ة بين الش ورى ووالي ة‬
‫الفقيه‪.‬‬
‫ومنها كتاب [األسس المهمة في النظام اإلسالمي] للشيخ محمد علي التسخيري‪،‬‬
‫وقد تطرق فيه إلى الكثير من التأصيالت لهذا النظام ابتداء من الرؤية الكونية‪ ،‬وانتهاء‬
‫بتطبيقاته العملية‪.‬‬
‫ومنها كتاب [اإلرشاد إلى والي ة الفقي ه] للس يد يوس ف الم دني الت بريزي‪ ،‬وه و‬
‫بحث استداللي حول والي ة الفقي ه‪ ،‬تح دث في ه عن أهمي ة الفقي ه في الرواي ات‪ ،‬ثم عن‬

‫‪ )(1‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.7‬‬


‫‪ )(2‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.7‬‬

‫‪19‬‬
‫والية النبي ‪ ‬وأئمة أه ل ال بيت؛ ثم تح دث عن والي ة الفقي ه‪ ،‬واالس تدالل عليه ا من‬
‫الرواي ات‪ ،‬وفي الكت اب مب احث تفص يلية مهم ة كمس ألة القض اء‪ ،‬والف رق بين الحكم‬
‫والفتوى‪ ،‬والتصرف بأموال الخمس‪ ،‬ومسألة الح دود والتعزي رات‪ ،‬إلى غ ير ذل ك من‬
‫المباحث المهمة‪.‬‬
‫ومنها كتاب [الدول ة اإلس المية] للش يخ عب د المنعم مهن ا‪ ،‬وه و بحث في والي ة‬
‫الفقيه‪ ،‬تحدث في ه عن والي ة الفقي ه في ت اريخ الفق ه الش يعي وتط وره‪ ،‬وفي كتب أه ل‬
‫السنة‪ ،‬ثم تح دث عن أدل ة والي ة الفقي ه في الكت اب والس نة واإلجم اع والعق ل‪ ،‬ثم عن‬
‫شروط الولي‪ ،‬مع مسائل أخرى مهمة مثل الف رق بين الحكم والفت وى‪،‬و حال ة تس اوي‬
‫الفقهاء هل تنتج الشورى‪ ،‬ورأي األكثرية‪ ،‬هل يل زم مش اورة الفقي ه للعلم اء؟ وغيره ا‬
‫من المسائل‪.‬‬
‫ومنها كتاب [والي ة الفقي ه والنظ ام الدس توري اإلس المي] للش يخ جعف ر حس ن‬
‫عتريسي‪ ،‬وبحث فيه عن صفات ال ولي‪ ،‬وك ون اإلس الم مش روع حكم في ظ ل والي ة‬
‫الفقيه‪ ،‬وعن صالحيات الولي‪ ،‬وضرورة الدستور‪ ،‬وخصائص الدولة المعاص رة ع بر‬
‫أوجهها المختلفة‪ ،‬كالنظام البرلماني والرئاسي والماركسي والديمقراطي‪ ،‬وتح دث عن‬
‫مب دأ الفص ل بين الس لطات‪ ،‬مش يراً إلى الس لطة التش ريعية والتنفيذي ة والقض ائية في‬
‫النظ ام اإلس المي‪ ،‬ومب دأ فص ل الس لطات من وجه ة النظ ر اإلس المية‪ ،‬ومتح دثا ً عن‬
‫الديمقراطية والشريعة اإلسالمية‪.‬‬
‫وغيرها من الكتب الكثيرة(‪ ،)1‬والتي حاولنا االس تفادة منه ا جميع ا في التع رف‬
‫على حقيقة والي ة الفقي ه‪ ،‬واألدل ة الش رعية عليه ا‪ ،‬وإن ك ان تركيزن ا خصوص ا على‬
‫كتاب [الحكومة اإلسالمية] للخميني باعتباره المصدر الذي رج ع إلي ه ك ل من تح دث‬
‫عن والية الفقيه‪.‬‬
‫بناء على هذا سنلخص هنا مجمل األدلة على كال الفرعين في حاكمي ة الش ريعة‬
‫اإلسالمية‪ :‬حاكمية قوانين الشريعة‪ ،‬وحاكمي ة الفقي ه من خالل طروح ات ق ادة الث ورة‬
‫اإلسالمية اإليرانية‪ ،‬وخصوصا اإلمام الخميني‪.‬‬
‫أوال ـ التأصيل الشرعي للحكومة اإللهية‪:‬‬
‫عن د اس تقراء م ا كتب ح ول ال براهين الدال ة على وج وب تط بيق الش ريعة‬
‫اإلسالمية في المجال السياسي‪ ،‬وما يرتبط به من مجاالت‪ ،‬نجد صنفين من األدلة‪:‬‬
‫أولها ـ أدلة عقلية وواقعية تحاول أن تخاطب جماهير الن اس بمختل ف مش اربهم‬
‫حتى العلمانيين منهم‪ ،‬لتثبت لهم أن الشريعة ـ في حال تطبيقها الصحيح ـ ال تتع ارض‬
‫مع أي مص لحة‪ ،‬وال تتس بب في أي مفس دة‪ ،‬ب ل هي تض من تحقي ق جمي ع المص الح‪،‬‬
‫وبأقل التكاليف‪ ،‬وبأجمل الصور‪.‬‬
‫ثانيها ـ األدلة النصية‪ ،‬وهي األدلة ال واردة في الق رآن الك ريم والس نة المطه رة‬
‫وما يفسرها من الروايات والشروح وأقوال الفقهاء‪ ،‬وهي تتوج ه للمس لمين المل تزمين‬

‫‪ )( 1‬انظر مقاال بعنوان‪ :‬كتب في والية الفقيه‪ ،‬عباس رشيد‪ ،‬مجلة بقية هللا‪ ،‬السنة الثالثة عشر‪ ،‬العـــــدد ‪.145‬‬

‫‪20‬‬
‫خصوصا‪ ،‬لتبين لهم أن الشريعة التي آمنوا به ا ش ريعة ش املة لجمي ع من احي الحي اة‪،‬‬
‫ولذلك ال يصح أن يتوجه المؤمنون هلل بالعبادة في صالتهم وص ومهم‪ ،‬في نفس ال وقت‬
‫الذي يض يعون في ه أوام ر هللا المرتبط ة بالثقاف ة واالقتص اد والسياس ة وس ائر ش ؤون‬
‫الحياة‪.‬‬
‫وق د اس تعمل ق ادة الث ورة اإلس المية اإليراني ة كال األس لوبين في البرهن ة على‬
‫وجوب تطبيق الش ريعة اإلس المية‪ ،‬واعتب ار أحكامه ا ق وانين قطعي ة تخض ع له ا ك ل‬
‫المؤسسات‪ ،‬وال خيار لها في تطبيقها‪ ،‬باعتبارها أوامر هللا ورس وله‪ ،‬وق د ق ال تع الى‪:‬‬
‫ضى هَّللا ُ َو َرسُولُهُ أَ ْمرًا أَ ْن يَ ُكونَ لَهُ ُم ْال ِخيَ َرةُ ِم ْن أَ ْم ِر ِه ْم‬‫﴿ َو َما َكانَ لِ ُم ْؤ ِم ٍن َواَل ُم ْؤ ِمنَ ٍة إِ َذا قَ َ‬
‫ضاَل اًل ُمبِينًا﴾ [األحزاب‪]36 :‬‬ ‫ْص هَّللا َ َو َرسُولَهُ فَقَ ْد َ‬
‫ض َّل َ‬ ‫َو َم ْن يَع ِ‬
‫وسنحاول هنا ـ باختصار أن نورد كال الصنفين من األدلة ـ من خالل المص ادر‬
‫التي سبق ذكرها‪.‬‬
‫‪ 1‬ـ البراهين العقلية والواقعية على شرعية الحكومة اإللهية‪:‬‬
‫تنطلق كل القوانين الوضعية‪ ،‬والفلسفات التي تقوم عليه ا من محاول ة الوص ول‬
‫بالمجتمعات إلى تحقيق النظام والس عادة والرف اه‪ ،‬وتح اول أن تبحث عن أق رب الس بل‬
‫التي يمكنها تحقيق ذلك‪ ،‬من غير أن تصطدم بأي عقب ة‪ ،‬لكنه ا لم تفلح في تحقي ق ذل ك‬
‫في الواق ع‪ ،‬نتيج ة تن وع البش ر واختالف مص الحهم وأذواقهم وطب ائعهم وتص وراتهم‬
‫للحياة‪ ،‬بحيث يستحيل أن يرضى الجميع بنظام واحد‪.‬‬
‫وقد نقل العالمة الكبير وحيد الدين خان في كتابه [اإلس الم يتح دى] عن فالس فة‬
‫القانون الغربي االعتراف بهذا اإلشكال الكب ير‪ ،‬وق دم ل ذلك بقول ه‪( :‬الس ؤال األساس ي‬
‫الذي يفرض نفسه عن د البحث في المش كالت الحض ارية يك ون دائم ا عن التش ريع أو‬
‫الدستور‪ ،‬فهذه المشكالت تنشأ عن عالقة الفرد بغيره‪ ،‬والتش ريع ه و ال ذي يح دد ه ذه‬
‫العالقة على أساس من الع دل واالنص اف‪ ،‬ولكن من الم ذهل أن أق ول‪ :‬إن االنس ان لم‬
‫يفلح إلى اآلن في الكشف عن دستور حياته! ص حيح أن جمي ع ال دول في الع الم قائم ة‬
‫على أسس الدستور؛ ولكن ه ذه الدس اتير مخفق ة تمام ا في الوص ول الى أه دافها‪ ،‬ب ل‬
‫اليوجد هناك مايسوغ وجود هذه الدساتير سوى أنها تنفذ بالقوة واالجبار‪ ،‬ومن الحقائق‬
‫المعروفة لرجال الق انون أن جمي ع الدس اتير الرائج ة في ه ذا العص ر تفق د أي ة أس س‬
‫علمية أو نظرية تجيز بقاءها)(‪)1‬‬
‫وه و ينق ل من المص ادر الغربي ة اعترافه ا ب العجز عن الوص ول إلى الق انون‬
‫الحقيقي المبني على أصول نظرية وفلسفية مسلّم بها‪ ،‬ح تى أن األس تاذ (ف ولر) مؤل ف‬
‫كتاب (القانون يبحث عن نفسه)‪ ،‬قال‪( :‬إن القانون لم يكشف عن نفسه بعد!) (‪)2‬‬
‫ويذكر أنه (وضعت كتب الحصر لها حول هذا الموضوع بالذات؛ وبذلت عقول‬
‫جبارة من علمائن ا أوقاته ا في س بيل البحث عن مقوم ات الق انون‪ .‬وكم ا ي رى مح رر‬

‫‪ )(1‬اإلسالم يتحدى‪ ،‬ص‪.156‬‬


‫‪ )(2‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.156‬‬

‫‪21‬‬
‫(موسوعة تشامبرز) (لقد أعطى القانون أهمية علم هام‪ ،‬حتى رفع من شأنه الى أقصى‬
‫الحدود)‪ ،‬ولكن ك ل ه ذه الجه ود لم توف ق في الحص ول على ص ورة متف ق عليه ا من‬
‫القانون‪ ،‬وقد تش عبت بهم الس بل‪ ،‬ح تى ق ال خب ير في التش ريع‪( :‬ل و طلبت من عش رة‬
‫خبراء أن يعرفوا القانون‪ ،‬فعليك أن تستعد لسماع أحد عشر جوابا!!)(‪)1‬‬
‫وبناء على هذا انقسم خبراء التشريع الى مدارس فكرية كثيرة؛ والسبب في ذل ك‬
‫ـ كما يرى‪ ،‬وكما ينقل عن فالسفة الغرب ـ هو (عدم توصلهم الى أساس ص حيح يمكن‬
‫إقام ة ص ريح التش ريع علي ه‪ ،‬إنهم يج دون أن القيم ال تي يح اولون جمعه ا في هيك ل‬
‫الدستور يستحيل وضعها في ميزان واحد‪ .‬ومثل رجل القانون في محاولت ه ه ذه كمث ل‬
‫الرج ل ال ذي ي زن مجموع ة من الض فادع بمجموع ة أخ رى مماثل ة؛ فكلم ا وض ع‬
‫مجموعة في كفة وجد أن ضفادع الكفة الثانية قد وثبت الى الم اء م رة أخ رى‪ ،‬ومن ثم‬
‫باءت كل الجهود التي استهدفت الحصول على الدستور المثالي بالفشل الذريع) (‪)2‬‬
‫أو كما عبر عن ذلك األس تاذ (و‪ .‬فري دمان) بقول ه‪( :‬إنه ا لحقيق ة‪ :‬أن الحض ارة‬
‫الغربية لم تجد حال لهذه المشكلة غير أن تنزلق من وقت آلخر‪ ،‬من نهاية الى أخرى)‬
‫وبناء على ه ذا ذهب الكث ير من فالس فة التش ريع إلى أن الق انون ال ينطل ق من‬
‫أسس فلسفية وال علمية‪ ،‬وإنم ا ينطل ق من الس لطة والغلب ة‪ ،‬ف المتغلب ه و الس يد ال ذي‬
‫يمكنه أن يضع القوانين‪ ،‬ويمكنه أيضا أن يفرضها‪ ،‬حتى لو لم تكن متناسبة م ع طب ائع‬
‫المجتمعات التي يفرضها عليها‪ ،‬وقد نقل وحيد الدين خان عن (جون آستين) قوله‪( :‬إن‬
‫الدستور‪ ،‬أي دستور‪ ،‬اليصبح نافذ المفعول اال اذا كانت تسنده قوة من ورائ ه)‪ ،‬ول ذلك‬
‫عرف (القانون) في كتابه‪ ،‬الذي نشر ألول مرة عام ‪ ،1861‬بقوله‪( :‬القانون ه و الحكم‬
‫الذي أصدره رجل رفيع المنزلة سياسيا لمن هو أدنى منه في المرتبة السياسية) (‪)3‬‬
‫ويذكر وحيد الدين خان أن هذا النوع من القوانين عورض بموقف آخر معاكس‬
‫تماما له‪ ،‬وهو أن الشعب هو الذي يمكنه أن يسن القوانين التي يمكنه ا أن تطب ق علي ه‪،‬‬
‫لكن هذا أيضا اصطدم باختالف أذواق الشعوب ومشاربها وتصوراتها للحياة‪( ،‬وترتب‬
‫على ذل ك أن ض وابط كث يرة‪ ،‬يجم ع على ص حتها وإفادته ا جمي ع أه ل العلم ومعلمي‬
‫األخالق اليمكن تنفي ذها‪ ،‬ألن الش عب اليواف ق عليه ا‪ ،‬وعلى س بيل المث ال لم يتمكن‬
‫األمريكيون من إدخال مشروع قرار يح رم الخم ر‪ ،‬ألن الش عب لم ي رض عن ه‪ ..‬كم ا‬
‫اضطر البريطانيون إلى إدخال تعديالت هامة في قانون عقوب ة القت ل‪ ،‬واض طروا الى‬
‫إباحة أنواع محرمة من العالقات الجنسية‪ ،‬على الرغم من ض جيج المثقفين‪ ،‬واحتج اج‬
‫علماء القانون!)(‪)4‬‬
‫وهكذا نرى عجر العقل البشري عن تحديد القوانين المناسبة التي تحكمه‪ ،‬وال تي‬

‫‪ )(1‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.156‬‬


‫‪ )(2‬المرجع السابق ‪ ،‬ص‪.157‬‬
‫‪ )(3‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.157‬‬
‫‪ )(4‬المرجع السابق ‪ ،‬ص‪.158‬‬

‫‪22‬‬
‫يمكنها أن توفر له السعادة والرفاه‪ ،‬وفي نفس الوقت تحمي القيم اإلنسانية واالجتماعي ة‬
‫واألخالقية من أن تنهار وينهار معها اإلنسان‪ ،‬مثلما هو حاصل في المجتمعات الغربية‬
‫التي أتاحت كل أنواع الشذوذ إرضاء لألذواق التي ال يعجبها إال الشذوذ‪.‬‬
‫وقد استعمل قادة الثورة اإلسالمية هذه المعاني إلقناع الشعب اإلي راني بعقالني ة‬
‫تحكيم الشريعة‪ ،‬ذلك أنها وحدها من يراعي المصالح جميعا‪ ،‬مص الح ال دنيا واآلخ رة‪،‬‬
‫وال يصطدم بأي مشكلة كتلك المشكالت التي اصطدمت بها المجتمعات الغربية‪.‬‬
‫وقد ذكر الخميني أن السبب وراء الغفل ة عن ه ذا م ع كون ه من الب ديهيات ال تي‬
‫يذعن لها كل مسلم يعترف هلل بالعبودية‪ ،‬اليهود واالستعمار بأشكاله المختلفة‪ ،‬يقول في‬
‫ذل ك‪( :‬لق د ابتليت النهض ة اإلس المية من ذ انطالقته ا ب اليهود‪ ،‬فهم ال ذين ش رعوا أوالً‬
‫بالدعاية ضد اإلسالم وبالدس ائس الفكري ة بنح و وص ل م داه إلى أيامن ا ه ذه‪ ،‬ووص ل‬
‫الدور بعدهم إلى طوائف هم ـ بمعنى من المع اني ـ أك ثر ش يطنة من اليه ود‪ ،‬وه ؤالء‬
‫استطاعوا الوصول إلى البالد اإلسالمية على شكل استعمار منذ ثالثة ق رون أو أك ثر‪،‬‬
‫وق د رأوا أن ه من الالزم لكي يص لوا إلى مط امعهم االس تعمارية أن يه يئوا األرض ية‬
‫للقضاء على اإلسالم‪ .‬ولم يكن هدفهم إبعاد الن اس عن اإلس الم لتقوي ة النص رانية‪ ،‬ألن‬
‫هؤالء ال يعتقدون بالنصرانية وال باإلسالم‪ ،‬لكنهم ـ وطوال هذه الم دة وأثن اء الح روب‬
‫الص ليبية ـ ش عروا أن ال ذي يق ف س داً أم ام مص الحهم المادي ة‪ ،‬ويع رّض مص الحهم‬
‫المادية وقواهم السياسية للخطر هو اإلسالم وأحكامه وإيمان الناس به‪ ،‬فقاموا بالدعاي ة‬
‫والدس ض د اإلس الم بمختل ف الوس ائل‪ ،‬وق د تعاض د في العم ل على تحري ف حق ائق‬
‫اإلس الم رج ال ال دين ال ذين أوج دوهم في الح وزات العلمي ة‪ ،‬والعمالء ال ذين ك انوا‬
‫يعمل ون لهم في الجامع ات والمؤسس ات اإلعالمي ة الحكومي ة أو مراك ز النش ر‪،‬‬
‫والمستشرقين الذي هم في خدمة ال دول االس تعمارية‪ ،‬فه ؤالء جميع ا ً تك اتفوا في ذل ك‬
‫بنح و ص ار في ه الكث ير من الن اس والمثقفين في حال ة من الض ياع واالنح راف عن‬
‫الصواب تجاه اإلسالم)(‪)1‬‬
‫وي ذكر ال دور الس لبي ال ذي ق ام ب ه رج ال ال دين نتيج ة تج اهلهم لم ا ورد في‬
‫النصوص المقدسة من األحكام المرتبطة بجميع شؤون الحياة‪ ،‬فقال‪( :‬إن هذا التص ور‬
‫الخاطئ عن اإلسالم الذي يلقي في أذهان عامة الناس‪ ،‬والشكل الن اقص ال ذي يع رض‬
‫فيه اإلسالم في الحوزات العلمية هدفه سلب الخاصية الثورية والحياتية لإلسالم‪ ،‬ومن ع‬
‫المس لمين من الس عي للقي ام والتح رك والث ورة‪ ،‬ومن أن يكون وا متح ررين وس اعين‬
‫لتطبيق األحكام اإلس المية‪ ،‬ومن أن يؤسس وا حكوم ة ت ؤمن س عادتهم ويكوّن وا الحي اة‬
‫الالئقة باإلنسان‪ ،‬فكانوا يشيعون مثالً أن اإلسالم ليس دينا ً جامعاً‪ ،‬فه و ليس دين حي اة‪،‬‬
‫وليس في ه أنظم ة وق وانين للمجتم ع‪ ،‬ولم ي أت بنظ ام وق وانين للحكم‪ ،‬اإلس الم أحك ام‬
‫حيض ونفاس فحسب‪ ،‬وفيه بعض التوجيهات األخالقية أيضاً‪ ،‬لكن ليس فيه ش يء مم ا‬
‫يرتبط بالحياة وإدارة المجتمع‪ ،‬ومن المؤسف أن دعاياتهم السيئة هذه قد أثَّرت‪ ،‬وحالي ا ً‬

‫‪ )(1‬الحكومة اإلسالمية‪ ،‬ص‪.10‬‬

‫‪23‬‬
‫ـ فضالً عن عامة الناس ـ فإن الطبقة المثقفة سواء من الج امعيين أو الكث ير من رج ال‬
‫الدين لم يفهموا اإلسالم جيداً‪ ،‬وهم يمتلكون تصورات خاطئة تجاهه‪ ،‬والن اس يجهل ون‬
‫الدين‪ ،‬كما يجهلون األشخاص الغرباء عنهم‪ ،‬فاإلسالم يعيش بين ش عوب ال دنيا بغرب ة‬
‫كما أنه لو أراد االنسان أن يع رض اإلس الم كم ا ه و فلن يص دقه الن اس بس رعة‪ ،‬ب ل‬
‫تواجهه أصوات االستعمار في الحوزات بالضجيح والغوغاء)(‪)1‬‬
‫ثم ي ذكر الخمي ني ك ثرة م ا ورد في النص وص المقدس ة من األحك ام المرتبط ة‬
‫بشؤون الحياة المختلفة‪ ،‬مقارنة بين ما ورد في الشعائر والعبادات التي استغرق الفقهاء‬
‫جل وقتهم في االهتمام بها‪ ،‬مع تضييع الجوانب األخرى؛ فيقول‪( :‬ولكي يتضح شيئا ً ما‬
‫عظم الفرق بين اإلسالم وبين م ا يع رض على أن ه اإلس الم ألفت نظ ركم إلى التف اوت‬
‫الموجود بين القرآن الكريم وكتب الحديث‪ ،‬وال تي هي مص ادر األحك ام والق وانين من‬
‫جهة‪ ،‬وبين الرسائل العملية ال تي تكتب من قب ل مجته دي العص ر ومراج ع التقلي د من‬
‫جهة أخرى من ناحية الجامعية والت أثير ال ذي يمكن أن تترك ه في الحي اة االجتماعي ة‪،‬‬
‫فنسبة االجتماعيات في القرآن لآليات العبادية تتجاوز المئة مقابل واح د‪ ،‬كم ا نج د أن ه‬
‫في كتب الحديث التي تشتمل ال دورة منه ا ح والي خمس ين كتاب ا ً وتحت وي على جمي ع‬
‫األحكام اإلسالمية‪ ،‬نجد أن هناك ثالثة أو أربعة كتب حول عب ادات االنس ان ووظائف ه‬
‫تجاه ربه وشيئا ً من األحك ام األخالقي ة‪ ،‬والب اقي كل ه مم ا يتعل ق ب األمور االجتماعي ة‬
‫واالقتصادية والحقوق السياسية وتدبير المجتمع) (‪)2‬‬
‫وهكذا؛ فإن الخميني ـ من خالل هذا النص ـ يعرض دليال عقليا وواقعيا ملموس ا‬
‫للمسلمين‪ ،‬ب ل لغ يرهم أيض ا‪ ،‬يمكن تقري ره ب أن ال ذين أذعن وا باختي ارهم لق وانين هللا‬
‫المرتبطة بشعائرهم التعبدية على الرغم من المشاق الكثيرة التي تص يبهم من جرائه ا‪،‬‬
‫ال يعجزون عن اإلذعان لق وانين هللا المنظم ة لحي اتهم‪ ،‬ب ل إن اس تجابتهم له ا س تكون‬
‫أكثر فاعلية من استجابتهم ألي قوانين أخرى‪ ،‬وبذلك فإن المجتمع المسلم لن يحتاج في‬
‫تطبيقه للقوانين إال إثبات كونها قوانين هللا حتى يسلم لها عن طواعية ورضا‪.‬‬
‫وانطالقا من هذا يوجه الخمي ني خطاب ه لل دعاة ب أن يرك زوا على ه ذه المع اني‬
‫أثن اء دع وتهم للحكوم ة اإللهي ة‪ ،‬ذل ك أن الحائ ل بين المجتمع ات اإلس المية وتط بيق‬
‫الش ريعة‪ ،‬ليس المعان دة‪ ،‬وإنم ا الجه ل‪ ،‬ول و أنهم علم وا أن الش ريعة تح وي أحكام ا‬
‫سياس ية واقتص ادية‪ ،‬لم ا فرط وا في اإلذع ان والتس ليم له ا مثلم ا يفعل ون في األم ور‬
‫األخرى‪ ،‬يقول الخمي ني‪( :‬أنتم أيه ا الس ادة ي ا جي ل الش باب‪ ،‬ال ذين س تكونون مفي دين‬
‫لمستقبل اإلسالم انشاء هللا‪ ،‬عليكم أن تكونوا بع د ه ذه النق اط الم وجزة ال تي أبينه ا لكم‬
‫مج ّدين طوال حياتكم في بيان انظم ة اإلس الم وقوانين ه‪ ،‬وأطلع وا الن اس ـ ب أي ش كل‬
‫ترونه مفيداً كتابة أو مشافهة ـ على المشاكل التي ابتلى بها اإلسالم من ذ بداي ة نهض ته‪،‬‬
‫وعما لديه اآلن من أعداء ومصائب‪ ،‬ال ت تركوا حقيق ة اإلس الم وماهيت ه مس تورة كيال‬

‫‪ )(1‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.11‬‬


‫‪ )(2‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.11‬‬

‫‪24‬‬
‫يتصور أحد أن اإلسالم كالمسيحية يمثل ـ باالسم ال بالحقيقة ـ عدة قوانين حول العالق ة‬
‫بين هللا والناس فحسب‪ ،‬وأن المسجد ال يختلف عن الكنيسة) (‪)1‬‬
‫ويبين لهم ما عساهم أن يذكروه لربط الناس بأحكام الشريعة في جمي ع مج االت‬
‫الحياة‪ ،‬وتحبييهم فيها‪ ،‬ليصبحوا الحاضنة التي توفر الرعاي ة للحكوم ة اإلس المية عن د‬
‫نشوئها؛ فيقول‪( :‬في ذلك الوقت الذي لم يكن فيه الغرب شيئا ً يذكر‪ ،‬وكان أهله يعيشون‬
‫في حالة من التوحش‪ ،‬وكانت أمريك ا موطن ا ً للهن ود الحم ر ش به المتوحش ين‪ ،‬وك انت‬
‫امبراطوريتا الفرس والروم تحت سيطرة االستبداد والطبقية وسلطة األقوي اء‪ ،‬ولم يكن‬
‫فيها من أثر لحكومة الشعب والق انون‪ ،‬أرس ل هللا تع الى من خالل رس وله األك رم ‪‬‬
‫قوانين تدهش اإلنسان بين فترة ما قبل انعقاد نطفت ه إلى م ا بع د دفن ه‪ ،‬ووض ع ق وانين‬
‫للوظائف العبادية‪ ،‬وجعل لألمور االجتماعية واإلدارية قوانين وطرق ورسوم‪ ،‬فحقوق‬
‫اإلسالم حقوق راقية ومتكاملة وجامعة والكتب الموسوعية ال تي ألِّفت من ق ديم الزم ان‬
‫في مختلف المجاالت الحقوقية بدءاً من أحكام القضاء والمعامالت والحدود والقصاص‬
‫إلى العالقات بين الشعوب‪ ،‬ومقررات السلم والحرب والحقوق الدولية العامة والخاصة‬
‫إنما هي غيض من فيض األحكام واألنظمة اإلسالمية‪ ،‬ليس ثمة موض وع لم يض ع ل ه‬
‫اإلسالم تكليفاً‪ ،‬ولم يصدر حوله حكماً) (‪)2‬‬
‫وهو يرد بقوة على تلك القوانين المستوردة التي تحكمت في بالد المس لمين‪ ،‬من‬
‫غ ير أن تك ون لهم أي عالق ة ت ربطهم به ا‪ ،‬وال أي انس جام نفس ي يجعلهم ينس اقون‬
‫لتنفيذها‪ ،‬ويضرب المث ل على ذل ك بم ا وق ع في إي ران عن د ت دوين الدس تور؛ فيق ول‪:‬‬
‫(عن دما أرادوا ت دوين الدس تور في أوائ ل المش روطة اقترض وا المجموع ة الحقوقي ة‬
‫البلجيكية من سفارة بليجك ا‪ ،‬وق ام ع دة أش خاص (وال أري د أن أذك ر هن ا أي ة أس ماء)‬
‫بكتابة الدستور في تلك المجموعة‪ ،‬ور َّمموا نقائصه من المجموع ات الحقوقي ة لفرنس ا‬
‫وانجلترا‪ ،‬ومن أجل خداع الشعب ض موا إلي ه بعض األحك ام اإلس المية‪ ،‬فق د اقتبس وا‬
‫أساس القوانين من هؤالء وأعطوه ا لش عبنا‪ ،‬فم واد الدس تور ه ذه ومتمماته ا المتعلق ة‬
‫بالملكية‪ ،‬والحكم ال وراثي‪ ،‬وأمث ال ذل ك أين هي من اإلس الم‪ ،‬فه ذا كل ه ض د اإلس الم‬
‫ويناقض نمط الحكومة اإلسالمية وأحكامها) (‪)3‬‬
‫ويرد على تلك الشبه التي تصور الشريعة بما ينفر عنها؛ فيقول‪( :‬يكتبون أحيان ا ً‬
‫في كتبهم وجرائدهم أن األحكام الجزائية في اإلسالم أحكام خشنة‪ ..‬إني أعجب له ؤالء‬
‫كي ف يفك رون! فمن جه ة عن دما يقتل ون ع دة اش خاص ألج ل عش ر غرام ات من‬
‫الهيروئين يقولون إنه القانون‪ ..‬وعندما توض ع ه ذه الق وانين المخالف ة لالنس انية تحت‬
‫ش عار أنهم يري دون من ع الفس اد ال يك ون فيه ا خش ونة‪ ..‬أن ا ال أق ول دع وهم ي بيعوا‬
‫اله يروئين‪ ،‬ولكن ليس ه ذا ج زاءه‪ ،‬يجب منع ه‪ ،‬لكن يجب أن تك ون عقوبت ه متناس بة‬

‫‪ )(1‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.11‬‬


‫‪ )(2‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.12‬‬
‫‪ )(3‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.12‬‬

‫‪25‬‬
‫معه‪ ،‬إذا ضرب شارب الخمر ثمانين جلدة فهذا أمر فيه خشونة‪ ،‬أما اذا أع دموا إنس انا ً‬
‫ألجل عشرة غرامات من الهيروئين فال خشونة في األم ر! م ع أن الكث ير من المفاس د‬
‫التي ظهرت في المجتمع هي من شرب الخمر‪ ،‬فالكثير من حوادث السير التي تق ع في‬
‫الطرقات‪ ،‬وعمليات االنتحار والقتل سببها شرب الخمر) (‪)1‬‬
‫وهكذا يذكر الجرائم البشعة التي مارسها الغرب مع الشعوب المستضعفة‪ ،‬والتي‬
‫تدل على انسالخه من كل معاني اإلنس انية‪ ،‬وي بين أن إقص اء الش ريعة اإلس المية عن‬
‫الحي اة ج زء من تل ك الج رائم‪ ،‬ح تى تبقى الش عوب خاض عة للغ رب يس تولي على‬
‫ثرواتها‪ ،‬ويتحكم فيها‪ ،‬يقول في ذلك‪( :‬المخطط هو أن يبقون ا‪ ،‬وعلى الح ال ال تي نحن‬
‫فيها من الحياة المنكوبة لكي يتمكنوا من استغالل ثرواتنا ومنابعن ا الطبيعي ة وأراض ينا‬
‫وطاقاتنا البشرية‪ ،‬يريدون لنا أن نبقى غ رقى في المش اكل والعج ز‪ ،‬وأن يبقى فقراؤن ا‬
‫بهذه التعاسة‪ ،‬وال يخضعوا ألحكام اإلسالم التي تحل مشكلة الفقر والفقراء‪ ،‬ولكي يبقوا‬
‫هم وعمالؤهم في القصور الفخمة مستمرين في تلك الحياة المرفهة‪ .‬تلك مخططات ق د‬
‫وصل مداها حتى إلى الحوزات الدينية والعلمية‪ ،‬بشكل لو أراد االنس ان أن يتكلم ح ول‬
‫الحكومة اإلسالمية ووضع حكومة اإلسالم فيجب عليه أن يس تعمل التقي ة‪ ،‬وأن يواج ه‬
‫معارضة أذناب االستعمار‪ ،‬كما أنه عندما طبعت الطبعة األولى من هذا الكتاب انتفض‬
‫عمالء الس فارة (س فارة نظ ام الش اه في الع راق) وق اموا بتحرك ات يائس ة‪ ،‬وفض حوا‬
‫أنفسهم أكثر فأكثر‪ .‬واآلن وصل بنا الحال إلى أن صاروا يعتبرون لباس الجندي منافيا ً‬
‫للمروءة والعدالة مع أن أئم ة دينن ا ك انوا جن وداً وق ادة ومق اتلين‪ .‬وك انوا ي ذهبون إلى‬
‫الحروب التي تسردها كتب التاريخ وهم يرتدون بزة الحرب‪ ،‬وكانوا يقتل ون ويق دمون‬
‫القتلى‪ .‬وأمير المؤمنين ك ان يض ع الخ وذة على رأس ه المب ارك‪ ،‬ويلبس ال درع وك ان‬
‫لسيفه حمائل‪ .‬وهكذا كان اإلمام الحسن وسيد الشهداء‪ ،‬ولم يفسح المجال فيما بع د‪ ،‬وإال‬
‫لكان اإلمام الباقر بهذا النحو أيضاً‪ ،‬ووصل بنا الح ال اآلن إلى أن ص ار ارت داء لب اس‬
‫الجندي مضراً بالعدالة وصار ممنوعاً‪ ،‬وإذا أردنا اقام ة حكوم ة إس المية فيجب علين ا‬
‫أن نقيمها بهذه العباءة والعمامة‪ ،‬واال كان ذلك خالف المروءة والعدال ة‪ .‬إنه ا ت أثيرات‬
‫تلك الدعايات‪ ،‬وهي التي وصلت بنا وأوصلتنا إلى هنا بنحو ص رنا بحاج ة إلى تجش م‬
‫المشقات لنثبت أن اإلسالم يمتلك قواعد للحكومة) (‪)2‬‬
‫هذه بعض المناهج ال تي اس تعملها الخمي ني في ال دعوة للحكوم ة اإلس المية من‬
‫خالل مخاطبة العق ول والمش اعر ح تى تس جيب له ذا المع نى‪ ،‬وت وفر الحاض نة ال تي‬
‫يمكنه ا أن تتقب ل ه ذا الن وع من الحكم‪ ،‬وق د آتت دعوات ه أكله ا‪ ،‬حيث اس تجاب أك ثر‬
‫الشعب اإليراني أثناء االنتخاب على الدستور على هذا النظام ووافق علي ه على ال رغم‬
‫من تعدد مش اربه ومذاهب ه وأعراق ه وأديان ه‪ ،‬وذل ك لثقتهم من أن الش ريعة اإلس المية‬
‫يمكن أن تستوعبهم جميعا‪ ،‬وتفيدهم جميعا‪.‬‬

‫‪ )(1‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.13‬‬


‫‪ )(2‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.15‬‬

‫‪26‬‬
‫ومن الن واحي ال تي له ا عالق ة عظيم ة به ذا الج انب‪ ،‬وخاص ة ل دى المس لمين‬
‫المتدينين ما يرتبط بالجانب األخروي في تطبيق الشريعة‪ ،‬وهو م ا ع بر عن ه المرج ع‬
‫الديني الكبير كاظم الحسيني الحائري(‪ )1‬في كتابه [أساس الحكومة اإلس الميّة]؛ فق ال‪:‬‬
‫(تتابعت البحوث حول أفضل أشكال الحكم وأسس ها ال تي تض من إيص ال البش رية إلى‬
‫ساحل السعادة ورفع أنماط الظلم والتعدي التي ابتليت بها على مر الت اريخ‪ ،‬وق د أغف ل‬
‫الب احثون غ ير المس لمين ح ول ه ذه المس ألة عنص رين ه امين لهم ا أك بر األث ر في‬
‫تشخيص أساس الحكم وشكله‪ ،‬وهم ا‪ :‬الس عادة في الحي اة األخ رى‪ ،‬وتحقي ق رض ا هللا‬
‫تعالى‪ ،‬ولقد أثبتت التجارب الطويلة األمد وستثبت أكثر ف أكثر أن الس عادة البش رية في‬
‫الحياة الدنيا ال يمكن أن تنال ما لم يرس ش كل الحكم على أس س مس توحاة من هللا ج ل‬
‫وعال العليم بأدواء البشرية الخبير بصالحها الناجع‪ .‬هذا‪ ،‬فضالً عن س عادة اآلخ رة أو‬
‫تحقيق رضا هللا سبحانه)(‪)2‬‬
‫ويضرب المثل على ذلك بما يقع في الغرب نتيجة انحرافه عن الفطرة اإلنس انية‬
‫ال تي ال يمكن أن تج د س عادتها‪ ،‬وهي بعي ده عن هللا‪ ،‬يق ول في ذل ك‪( :‬وه ا نحن ن رى‬
‫العالم يغرق في بحر من الظلم والعذاب ويتهدده خطر الفناء وال دمار ـ في أي لحظ ة ـ‬
‫رغم كل ما طرحه مفكروه الكبار من مناهج وصيغ تحاول التخطيط لنظ ام الحكم على‬
‫ضوء التجارب االجتماعية الممتدة عبر المسيرة التاريخي ة‪ ،‬ورغم ت وفر ك ل الوس ائل‬
‫المادية للراحة وتقدم مستوى الصناعة والتكنيك الى مدى بعيد‪ ،‬ك ل ذل ك لم يس تطع أن‬
‫ينتش ل البش رية من الوه دة الس حيقة ال تي تع اني تبعاته ا‪ ،‬األم ر ال ذي يؤك د عليه ا‬
‫الضرورة الماسة لمد يد الحاجة للسماء الرحيمة واالستهداء بتعاليمها الوضاءة)(‪)3‬‬

‫‪ 2‬ـ البراهين النصية على شرعية الحكومة اإللهية‪:‬‬


‫وهي نصوص كثيرة جدا نجدها في القرآن الكريم والسنة المطهرة‪ ،‬ويتف ق على‬
‫االستدالل بها دعاة والية الفقيه مع دعاة الحركات اإلسالمية ذات التوجه السياسي‪ ،‬فهم‬
‫جميعا يستعملون هذا الصنف من اآليات الكريمة للرد على العلماني ة‪ ،‬وإقن اع جم اهير‬
‫المؤمنين بضرورة التحاكم المطلق لشريعة هللا‪ ،‬وعدم أخذ بعض الكتاب‪ ،‬والتفريط في‬
‫البعض اآلخر مثلما حصل في الديانات األخرى‪.‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫هَّللا‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ومن تلك اآليات الكريم ة قول ه تع الى‪َ ﴿ :‬و َمن ل ْم يَحْ ك ْم بِ َم ا أن زَ َل ُ فأولئِ كَ هُ ُم‬
‫ْال َكافِرُونَ ﴾ [المائدة‪ ،]44 :‬وقوله‪َ ﴿ :‬و َم ْن لَ ْم يَحْ ُك ْم بِ َم ا أَ ْن زَ َل هَّللا ُ فَأُولَئِ كَ هُ ُم الظَّالِ ُمونَ ﴾‬
‫اس قُونَ ﴾ [المائ دة‪:‬‬ ‫[المائ دة‪ ،]45 :‬وقول ه‪َ ﴿ :‬و َم ْن لَ ْم يَحْ ُك ْم بِ َم ا أَ ْن زَ َل هَّللا ُ فَأُولَئِ كَ هُ ُم ْالفَ ِ‬
‫‪ ،]47‬وهي آيات تبين مدى الكفر والظلم والفسوق الذي يق ع في ه ال ذين فص لوا حي اتهم‬
‫عن شريعة هللا‪ ،‬وقد ُذكرت األحكام فيها بذلك الترتيب بحسب نوع اإلعراض عن حكم‬
‫‪ )(1‬هو مرجع شيعي عراقي ُمعاصر مقي ٌم بمدينة قم‪ ،‬وهو أحد أبرز تالميذ محمد باقر الصدر‪.،‬‬
‫‪ )(2‬أساس الحكومة اإلسالميّة‪ ،‬الحائري‪ ،‬ص‪..5‬‬
‫‪ )(3‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.6‬‬

‫‪27‬‬
‫هللا‪ ،‬ف إن ك ان إعراض ا كلي ا‪ ،‬ممتلئ ا ب الجحود والتحق ير‪ ،‬فه و الكف ر بعين ه‪ ،‬وإن ك ان‬
‫اإلعراض ناتجا عن التقصير والكسل‪ ،‬فصاحبه ـ كم ا تنص اآلي ات الكريم ة ـ ظ الم‬
‫وفاسق‪.‬‬
‫وهكذا نرى القرآن الكريم يعتبر الشرائع والقوانين التي تتعارض مع ش ريعة هللا‬
‫شرائع وقوانين جاهلية‪ ،‬قال تعالى‪ ﴿ :‬أَفَ ُح ْك َم ْال َجا ِهلِيَّ ِة يَ ْب ُغ ونَ َو َم ْن أَحْ َس نُ ِمنَ هَّللا ِ ُح ْك ًم ا‬
‫لِقَوْ ٍم يُوقِنُونَ ﴾ [المائدة‪ ،]50 :‬واعتبر تارك شريعة هللا‪ ،‬والملتجئ لغيره مشركا؛ فق ال‪:‬‬
‫﴿ أَ ْم لَهُ ْم ُش َر َكا ُء َش َرعُوا لَهُ ْم ِمنَ الدِّي ِن َما لَ ْم يَأْ َذ ْن بِ ِه هَّللا ُ ﴾ [الشورى‪]21 :‬‬
‫بل نجد من اآليات الكريمة م ا ينفي اإليم ان عن المع رض عن أحك ام هللا‪ ،‬كم ا‬
‫ك فِي َم ا َش َج َر بَ ْينَهُ ْم ثُ َّم اَل يَ ِج دُوا فِي‬ ‫ق ال تع الى‪ ﴿ :‬فَاَل َو َربِّكَ اَل ي ُْؤ ِمنُ ونَ َحتَّى ي َُح ِّك ُم و َ‬
‫ضيْتَ َويُ َسلِّ ُموا تَ ْسلِي ًما ﴾ [النساء‪]65 :‬‬ ‫أَ ْنفُ ِس ِه ْم َح َرجًا ِم َّما قَ َ‬
‫وضرب مثاال على ذلك بما كان يحصل في عهد النبوة من مرضى القلوب الذين‬
‫يدعون اإليمان باهلل ورسوله‪ ،‬وفي نفس الوقت ال ي ذعنون لم ا ي رد عنهم ا من أحك ام‪،‬‬
‫ق ِم ْنهُ ْم ِم ْن بَ ْع ِد َذلِكَ َو َم ا‬ ‫ُول َوأَطَ ْعنَا ثُ َّم يَت ََولَّى فَ ِري ٌ‬
‫قال تعالى‪َ ﴿ :‬ويَقُولُونَ آ َمنَّا بِاهَّلل ِ َوبِال َّرس ِ‬
‫ق ِم ْنهُ ْم‬ ‫أُولَئِ كَ بِ ْال ُم ْؤ ِمنِينَ (‪َ )47‬وإِ َذا ُد ُع وا إِلَى هَّللا ِ َو َر ُس ولِ ِه لِيَحْ ُك َم بَ ْينَهُ ْم إِ َذا فَ ِري ٌ‬
‫ق يَ أْتُوا إِلَ ْي ِه ُم ْذ ِعنِينَ (‪ )49‬أَفِي قُلُ وبِ ِه ْم َم َرضٌ أَ ِم‬ ‫ض ونَ (‪َ )48‬وإِ ْن يَ ُك ْن لَهُ ُم ْال َح ُّ‬ ‫ْر ُ‬ ‫ُمع ِ‬
‫ُ‬
‫ارْ تَابُوا أَ ْم يَخَافُونَ أَ ْن يَ ِحيفَ هَّللا ُ َعلَ ْي ِه ْم َو َرسُولُهُ بَلْ أولَئِكَ هُ ُم الظَّالِ ُمونَ (‪[ ﴾ )50‬الن ور‪:‬‬
‫‪]51 - 47‬‬
‫وذكر في مقابلهم موقف المؤمنين الصادقين في إيمانهم والمذعنين إذعانا تاما هلل‬
‫ورسوله‪ ،‬وذكر جزاءهم ومصيرهم؛ فقال‪ ﴿:‬إِنَّ َما َك انَ قَ وْ َل ْال ُم ْؤ ِمنِينَ إِ َذا ُد ُع وا إِلَى هَّللا ِ‬
‫َو َرسُولِ ِه لِيَحْ ُك َم بَ ْينَهُ ْم أَ ْن يَقُولُوا َس ِم ْعنَا َوأَطَ ْعنَا َوأُولَئِكَ هُ ُم ْال ُم ْفلِحُونَ (‪َ )51‬و َم ْن ي ُِط ِع هَّللا َ‬
‫ش هَّللا َ َويَتَّ ْق ِه فَأُولَئِكَ هُ ُم ْالفَائِ ُزونَ (‪[ ﴾)52‬النور‪]52 ،51 :‬‬ ‫َو َرسُولَهُ َويَ ْخ َ‬
‫وهكذا نرى القرآن الكريم يعتبر الدعوة إلى الحكم بغ ير م ا أن زل هللا دع وة إلى‬
‫الطاغوت‪ ،‬قال تعالى‪ ﴿ :‬أَلَ ْم تَ َر إِلَى الَّ ِذينَ يَ ْز ُع ُمونَ أَنَّهُ ْم آ َمنُوا بِ َما أُ ْن ِز َل إِلَ ْي كَ َو َم ا أُ ْن ِز َل‬
‫الش ْيطَانُ‬ ‫ت َوقَ ْد أُ ِمرُوا أَ ْن يَ ْكفُ رُوا بِ ِه َوي ُِري ُد َّ‬ ‫ك ي ُِري ُدونَ أَ ْن يَتَ َحا َك ُموا إِلَى الطَّا ُغو ِ‬ ‫ِم ْن قَ ْبلِ َ‬
‫ول َرأَيْتَ‬ ‫ض اَل اًل بَ ِعي دًا َوإِ َذا قِي َل لَهُ ْم تَ َع الَوْ ا إِلَى َم ا أَ ْن َز َل هَّللا ُ َوإِلَى الر ُ‬
‫َّس ِ‬ ‫ُض لَّهُ ْم َ‬‫أَ ْن ي ِ‬
‫صدُودًا ﴾ [النساء‪]61 ،60 :‬‬ ‫ك ُ‬ ‫ْال ُمنَافِقِينَ يَ ُ‬
‫ص ُّدونَ َع ْن َ‬
‫وق د اس تعمل ق ادة الث ورة اإلس المية اإليراني ة ه ذه المص طلحات القرآني ة في‬
‫مواجهة الش اه؛ فق د ك انوا يطلق ون علي ه لقب الط اغوت‪ ،‬وي دعون إلى الث ورة علي ه‪،‬‬
‫وعدم جواز السكون والرضى بقوانينه‪ ،‬بل يدعون إلى مواجهتها وتحديها واإلع راض‬
‫عنه ا‪ ،‬ويس تعملون الق رآن الك ريم في تل ك المواجه ة‪ ،‬مثلم ا يفع ل دع اة الحرك ات‬
‫اإلس المية تمام ا‪ ،‬يق ول الخ امنئي‪( :‬الق رآن يص طلح على ك ل والي ة غ ير والي ة هللا‬
‫أن من ال يخض ع لوالي ة هللا وحاكميت ه فه و خاض ع لوالي ة‬ ‫بالط اغوت‪ .‬فه و يؤ ِّكد َّ‬
‫الطاغوت وحاكميته‪ ،‬فما هو الطاغوت؟ ‪ ..‬الطاغوت هو ذل ك الش خص ال ذي يس تخدم‬
‫مختل ف الوس ائل من أج ل أن يجع ل الن اس يس يرون على خالف نهج هللا ورس الته‬
‫أن‬ ‫ودين ه‪ ..‬إذاً‪ ،‬فليس الط اغوت اس ما ً خاص اً‪ ،‬وليس ص حيحا ً م ا يتخيل ه البعض من َّ‬

‫‪28‬‬
‫الطاغوت اسم لصنم معين‪ .‬نعم‪ ،‬يطلق على الصنم ويسمى الصنم ب ه لكن ه ليس ص نما ً‬
‫معين اً‪ ،‬وق د يك ون اإلنس ان نفس ه ص نماً‪ ،‬وك ذلك ثروت ه وحيات ه العاطل ة المتراخي ة‬
‫المترفة‪ ،‬وكذلك أمانيه وآماله‪ ،‬وقد يضع اإلنسان يده بيد إنسان هو صنم يغمض عيني ه‬
‫ويضع كل ما لديه بيده‪ ،‬وقد يكون الصنم هو الذهب والفض ة أو النظ ام االجتم اعي أو‬
‫أن‬ ‫القانون‪ .‬فليس الطاغوت اسما ً لشيء محدد خاص‪ .‬والذي يستنبط من القرآن الك ريم َّ‬
‫الطاغوت مقا ٌم فوق مقام المأل وأشراف القوم والمترفين والجب ارين والرهب ان‪ ..‬وعلى‬
‫ه ذا فك ل من يخ رج عن والي ة هللا وحاكميت ه فال ب َّد أن ي دخل في والي ة الط اغوت‬
‫والشيطان)(‪)1‬‬
‫ومثله قال الخميني في الرد على العلماء الذين يدعون إلى الس كون إلى الطغي ان‬
‫وعدم مواجهته‪( :‬لقد كان ن بي اإلس الم وأئمت ه وعلم اؤه دائم ا ً في ن زاع م ع س الطين‬
‫عصرهم‪ ،‬إن الذين كانوا ملوكا ً باسم الخلفاء سجنوا اإلمام موسى بن جعفر عشر سنين‬
‫أو خمس عشرة سنة‪ ،‬لماذا؟ هل ألنه كان يصلي؟! لقد كان ه ارون والم أمون يص ليان‬
‫أيضاً‪ ،‬وكانا يؤ ّمان صالة الجمعة والجماعة! فهل قبضوا عليه ألنه من أحف اد الن بي أو‬
‫النه إمام؟! هل القضية هذه؟! كاّل ‪ ،‬ب ل ألن اإلم ام موس ى بن جعف ر ك ان يخ الف ذل ك‬
‫النظام الطاغوتي! وك انت معارض ته ل ه س ببا ً لمش اكله‪ ،‬وق د ث ار علماؤن ا من ذ ص در‬
‫اإلسالم والى اآلن‪ ،‬وفي عصر األئمة ثار أبناء االئمة وكان ذلك بدافع من األئمة‪ ،‬ف إذا‬
‫كان زيد إنسانا ً ارتكب ذنبا ً فلماذا يثني عليه األئمة؟! كما لدينا في عصرنا عدة ث ورات‬
‫قام بها العلماء‪ .‬العلماء الذين يتحدث عنهم اليساريون والمنحرفو ب أنهم أع وان البالط!‬
‫وال غرابة في ذلك فهم لم يدرسوا‪ ،‬وليست آذانهم مفتوح ة ليعلم وا كم م رة ث ار علم اء‬
‫اإلسالم في عهد رضا شاه وعهد محمد رضا ش اه‪ ،‬حيث ك ان يجتم ع علم اء أص فهان‬
‫وآذربيجان ومشهد وقم وي ُعلنون اعتراضهم‪ ،‬فهل كان أولئك من أعوان البالط؟!)(‪)2‬‬
‫وهك ذا ك انوا يس تدلون أيض ا بالنص وص الكث يرة الدال ة على ش مولية أحك ام‬
‫ص الَتِي َونُ ُس ِكي‬ ‫الش ريعة اإلس المية لك ل ش ؤون الحي اة‪ ،‬مث ل قول ه تع الى‪ ﴿ :‬قُ لْ إِ َّن َ‬
‫ك ْال ِكت َ‬
‫َاب تِ ْبيَانًا‬ ‫اي َو َم َماتِي هّلِل ِ َربِّ ْال َعالَ ِمينَ ﴾ [األنعام‪ ،]162:‬وقوله‪ ﴿ :‬ونَ َّز ْلنَا َعلَ ْي َ‬ ‫َو َمحْ يَ َ‬
‫لِّ ُك ِّل َش ْي ٍء َوهُدًى َو َرحْ َمةً َوبُ ْش َرى لِ ْل ُم ْسلِ ِمينَ ﴾ [النحل‪]89:‬‬
‫ومثلها اآليات الكريمة التي تدعو إلى الدخول في اإلسالم من جميع أبواب ه‪ ،‬وفي‬
‫الس ْل ِم َكافَّةً َواَل‬
‫جميع معانيه ومجاالت ه‪ ،‬كقول ه تع الى‪ ﴿ :‬يَاأَيُّهَ ا الَّ ِذينَ آ َمنُ وا ا ْد ُخلُ وا فِي ِّ‬
‫ين ﴾ [البقرة‪]208 :‬‬ ‫تَتَّبِعُوا ُخطُ َوا ِ‬
‫ت ال َّش ْيطَا ِن إِنَّهُ لَ ُك ْم َعد ٌُّو ُمبِ ٌ‬
‫أو تلك اآليات الكريمة التي تحذر من األخذ ببعض الكتاب‪ ،‬وت رك بعض ه‪ ،‬كم ا‬
‫ْض فَ َما َج َزاء َمن‬ ‫ب َوتَ ْكفُرُونَ بِبَع ٍ‬ ‫ْض ْال ِكتَا ِ‬ ‫قال تعالى منكرا على اليهود‪ ﴿ :‬أَفَتُ ْؤ ِمنُونَ بِبَع ِ‬
‫ب َو َم ا هّللا ُ‬ ‫ي فِي ْال َحيَا ِة ال ُّد ْنيَا َويَوْ َم ْالقِيَا َم ِة يُ َر ُّدونَ إِلَى أَ َش ِّد ْال َع َذا ِ‬ ‫يَ ْف َع ُل َذلِ َ‬
‫ك ِمن ُك ْم إِالَّ ِخ ْز ٌ‬
‫بِغَافِ ٍل َع َّما تَ ْع َملُونَ ﴾ [البقرة‪]85:‬‬

‫‪ )(1‬اإلمامة والوالية‪ ،‬الخامنئي‪.92 - 93 ،‬‬


‫‪ )(2‬صحيفة اإلمام‪ ،‬ج‪ ،4‬ص‪.70 :‬‬

‫‪29‬‬
‫ولهذا نرى الخميني ـ في مناقشته للمعترضين على والية الفقي ه ـ يس تعمل مث ل‬
‫هذه النصوص‪ ،‬ومن أمثلة ذلك قول ه‪( :‬ال دليل اآلخ ر على ل زوم تش كيل الحكوم ة ه و‬
‫ماهية القوانين اإلسالمية (أحكام الشرع) وكيفيته ا‪ .‬فماهي ة ه ذه الق وانين تفي د أنه ا ق د‬
‫ُش ِّرعت ألجل تكوين دولة‪ ،‬والجل اإلدارة السياسية واالقتص ادية والثقافي ة للمجتم ع إذ‬
‫أنها تشتمل على قوانين ومقررات متنوعة تبني نظاما ً اجتماعيا ً شامالً‪ ،‬ويتوفر في ه ذا‬
‫النظام الحقوقي كل ما يحتاجه البشر‪ ،‬من نمط التعامل م ع الزوج ة واألوالد والعش يرة‬
‫والقوم وأهل البلد واألمور الخاصة والحياة الزوجية‪ ،‬إلى المق ررات المتعلق ة ب الحرب‬
‫والص لح والتعام ل م ع س ائر الش عوب‪ ،‬ومن الق وانين الجزائي ة‪ ،‬إلى ق وانين التج ارة‬
‫والصناعة والزراعة‪ .‬ففيها قوانين لمرحلة ما قبل النكاح وانعق اد النطف ة‪ ،‬وت بين كي ف‬
‫يجب أن يتم النكاح‪ ،‬وماذا ينبغي أن يكون طعام اإلنسان عندها‪ ،‬أو أثناء انعقاد النطفة‪،‬‬
‫وما هي تكاليف األبوين فترة الرضاعة‪ ،‬وكيف يجب أن يربى الطفل‪ ،‬وكي ف يجب أن‬
‫يتعامل الرجل والم رأة م ع بعض هما‪ ،‬وم ع أوالدهم ا‪ ،‬فيوج د فيه ا ق انون لجمي ع ه ذه‬
‫المراحل‪ ،‬لتربِّي اإلنسان فردا كامال فاضال‪ ،‬يجسد القانون ويعمل على تطبيق ه تلقائي اً‪،‬‬
‫ويتض ح به ذا إلى أي ح د يَهت ُّم اإلس الم بالحكوم ة والعالق ات السياس ية واالقتص ادية‬
‫للمجتمع‪ ،‬لكي يوفر كل الظروف ألجل تربية اإلنسان المهذب الفاضل‪ ،‬فالقرآن الك ريم‬
‫والسنة الشريفة يشتمالن على جميع القوانين واألحكام التي يحتاجه ا االنس ان لس عادته‬
‫وكماله)(‪)1‬‬
‫ويستدل الخميني لهذا‪ ،‬بما ورد في كتاب الكافي تحت عن وان [ال رد إلى الكت اب‬
‫والسنة‪ ،‬وجميع ما يحتاج الناس إليه إال وقد جاء فيه كتاب أو س نة](‪ ،)2‬وه و م ا روي‬
‫عن اإلمام الصادق أنه قال‪( :‬إن هللا تبارك وتعالى أنزل القرآن تبيانا لك ل ش يء‪ ،‬ح تى‬
‫وهللا ما ترك شيئا ً يحتاج إليه العباد حتى ال يقول عبد‪ :‬لو كان هذا أنزل في الق رآن‪ ،‬إال‬
‫وقد أنزل هللا فيه)(‪)3‬‬
‫ويض رب الخمي ني في كتاب ه [الحكوم ة اإلس المية] األمثل ة الكث يرة على ذل ك‪،‬‬
‫ومنها ما عبر عنه بقوله‪( :‬الضرائب التي فرضها اإلسالم والميزانية التي طرحها ت دل‬
‫على أنها ليست لمجرد سد رمق الفق راء من الس ادة الهاش ميين وغ يرهم‪ ،‬وإنم ا ألج ل‬
‫تشكيل حكومة‪ ،‬وتأمين المصارف الضرورية لدولة كبيرة‪ ،‬مثالً‪ :‬الخمس أحد الم وارد‬
‫الضخمة التي تصب في بيت المال‪ ،‬ويش كل أح د مص ادر الميزاني ة‪ ،‬وبحس ب م ذهبنا‬
‫يؤخذ الخمس بشكل عادل من جميع المصالح‪ ،‬سواء الزراعة أو التجارة‪ ،‬أو المص ادر‬
‫المخزون ة في ج وف األرض‪ ،‬أو الموج ودة فوقه ا‪ ،‬وبش كل ع ام من جمي ع المن افع‬
‫والعوائ د بنح و يش مل الجمي ع من ب ائع الخض ار على ب اب المس جد‪ ،‬إلى العام ل في‬
‫السفن‪ ،‬أو من يستخرج المعادن‪ .‬فه ؤالء عليهم دف ع الخمس من أرب احهم بع د ص رف‬

‫‪ )(1‬الحكومة اإلسالمية‪ ،‬ص‪.27‬‬


‫‪ )(2‬أصول الكافي‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪76‬ـ‪.80‬‬
‫‪ )(3‬أصول الكافي‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪76‬ـ‪.80‬‬

‫‪30‬‬
‫المصارف المتعارفة إلى الحاكم اإلسالمي لكي يضعه في بيت المال‪ .‬ومن الب ديهي أن‬
‫مورداً بهذه العظمة إنما هو ألجل إدارة بلد إسالمي‪ ،‬وسد جميع حاجاته المالية‪ .‬فعن دما‬
‫نحسب خمس أرباح البالد اإلس المية‪ ،‬أو جمي ع انح اء ال دنيا ـ فيم ا ل و ص ارت تحت‬
‫الحكم اإلسالمي ـ يتضح لنا أن الهدف في وضع ض ريبة كه ذه ليس مج رد س د حاج ة‬
‫السادة الهاشميين وعلماء الدين‪ ،‬بل ان القض ية أهم من ذل ك‪ .‬فاله دف ه و س د الحاج ة‬
‫المالية لجهاز حكومي كبير‪ .‬ففيما لو قامت الحكومة اإلسالمية فيجب أن ت دار بواس طة‬
‫هذه الضرائب) (‪)1‬‬
‫ومن األمثل ة على ذل ك ـ كم ا يع بر الخمي ني ـ (أحك ام ال دفاع الوط ني)‪ ،‬وهي‬
‫(األحكام التي تتعلق بحفظ نظام اإلس الم وال دفاع عن جمي ع أراض ي األم ة اإلس المية‬
‫واستقاللها‪ ،‬وهي تدل على ل زوم تش كيل الحكوم ة‪ ،‬فمثالً ه ذا الحكم‪َ ﴿ :‬وأَ ِع ُّدوا لَهُ ْم َم ا‬
‫ا ْستَطَ ْعتُ ْم ِم ْن قُ َّو ٍة َو ِم ْن ِربَا ِط ْال َخ ْي ِل تُرْ ِهبُونَ بِ ِه َع ُد َّو هَّللا ِ َو َع ُد َّو ُك ْم﴾ [األنفال‪ ،]60 :‬والذي‬
‫هو أم ر باالس تعداد وحش د م ا أمكن من الق وى المس لحة المدافع ة بش كل ع ام‪ ،‬وأم ر‬
‫بالتهيؤ والمراقبة الدائم ة في ف ترة الص لح واله دوء‪ ،‬ل و عم ل المس لمون به ذا الحكم‪،‬‬
‫وقاموا بالحشد الواسع من خالل تشكيل حكومة إسالمية‪ ،‬وكانوا في حالة استعداد قتالي‬
‫كام ل‪ ،‬لم ا تج رأت حفن ة من اليه ود على احتالل أرض نا وتخ ريب المس جد األقص ى‬
‫وحرقه‪ ،‬دون أن يتمكن الشعب من القيام ب رد فع ل ف وري‪ .‬فك ل ه ذا نتيج ة ع دم قي ام‬
‫المسلمين بتنفيذ حكم هللا‪ ،‬وتشكيل الحكومة الصالحة والمطلوبة‪ .‬ول و ك ان حك ام البالد‬
‫اإلس المية ممثلين للش عب الم ؤمن ومنف ذين لألحك ام اإلس المية‪ ،‬لوض عوا الخالف ات‬
‫الصغيرة جانباً‪ ،‬وتخلوا عن التفرقة والتخريب‪ ،‬وص اروا ي داً واح دة فعن دها م ا ك انت‬
‫حفن ة من اليه ود االش قياء العمالء ألمريك ا وانكل ترا واألج انب لتس تطيع القي ام به ذه‬
‫االعمال حتى ولو كانت أمريكا وانكلترا داعمتين لها)(‪)2‬‬
‫وهكذا نرى األمثلة الكثيرة في كتب قادة الث ورة اإلس المية‪ ،‬وال تي ت بين ش مول‬
‫الشريعة لكل مجاالت الحياة‪ ،‬وهو ما يستدعي توفر الحكومة التي تطب ق تل ك األحك ام‬
‫بحروفها ومقاصدها‪.‬‬
‫ثانيا ـ التأصيل الشرعي لوالية الفقيه‪:‬‬
‫ك ل م ا ذكرن اه س ابقا من التأص يالت المرتبط ة بالحاكمي ة متف ق عليه ا بين‬
‫المسلمين جميعا‪ ،‬ما عدا أولئك المتنورين الذين ينادون بالعلمانية‪ ،‬أو يؤمنون بالحداثة‪،‬‬
‫أو يتص ورون أن اإلس الم ال يختل ف عن المس يحية في كون ه مج رد عالق ة بين العب د‬
‫وربه‪ ،‬أو مجموعة قيم خلقية ال عالقة لها بالسياسة واالقتصاد وشؤون الحياة‪.‬‬
‫ولكن الخالف الكبير بين هؤالء الذين اتفقوا على ش رعية الحكوم ة اإللهي ة يب دأ‬
‫من عالق ة الفقي ه به ذه الحكوم ة‪ ،‬وه ل هي قاص رة على االستش ارة‪ ،‬أو بعض‬
‫الصالحيات المحدودة‪ ،‬أو أن الفقيه هو عينه من تُوك ل إلي ه مه ام تط بيق الش ريعة في‬

‫‪ )(1‬الحكومة اإلسالمية‪ ،‬ص‪.28‬‬


‫‪ )(2‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.31‬‬

‫‪31‬‬
‫الواقع‪ ،‬وذلك عبر الصالحيات الكبرى التي تعطى له؛ فتجعله على أعلى ه رم الس لطة‬
‫في البالد‪.‬‬
‫وربما يكون أقرب البيئات اإلسالمية لتقبل إعطاء الفقي ه ه ذه الص الحيات ال تي‬
‫بموجبها يصبح صاحب الكلم ة الناف ذة في المجتم ع هي البيئ ة الش يعية‪ ،‬بحكم عالقته ا‬
‫بالفقيه‪ ،‬والتي تتعدى االستشارة إلى الوالية‪ ،‬فكل شيعي مكلف ـ على حسب فقه الشيعة‬
‫ـ باتخاذ مرجع حي يثق في علمه وتقواه وعدالته ليجعله واسطة لتلقي أحك ام الش ريعة‪،‬‬
‫كما يجعله واسطة لتبليغ الحقوق المختلفة‪ ،‬سواء كانت مالية أو غيرها‪.‬‬
‫وقد رأينا في الواقع العراقي كيف استطاعت فتوى السيد السيس تاني على ال رغم‬
‫من كونه لم يتبوأ منصب والي ة الفقي ه المطلق ة‪ ،‬أن تجم ع أك بر حش د من المتط وعين‬
‫لمواجهة أكبر تنظيم إرهابي في التاريخ‪ ،‬وفي أقصر مدة‪.‬‬
‫وقد أشار المفكر واإلعالمي الكبير فهمي هويدي إلى تفرد البيئ ة الش يعية بتقب ل‬
‫مثل هذا الن وع من النظ ام عن د رده على رس الة أرس لها بعض العلم اء اإليران يين إلى‬
‫الرئيس المصري حينها [محمد مرسي]‪ ،‬دعوه فيها لالستفادة من التجربة اإليراني ة في‬
‫هذا المجال‪ ،‬وتطبيق والية الفقيه في مصر‪ ،‬والتي أحدثت حينها ـ كم ا ي ذكر ـ فرقع ة‬
‫في الساحة السياسية‪ ،‬بل صارت محال للسخرية‪.‬‬
‫وقد كتب فهمي هويدي في ذلك مقاال يحس ن ذك ر بعض م ا ورد في ه‪ ،‬باعتب اره‬
‫أكثر المفكرين واإلعالميين فهما للواق ع الش يعي‪ ،‬واإلي راني خصوص ا‪ ،‬ول ه في ذل ك‬
‫كتابه المعروف [إيران من الداخل]‪ ،‬ولس ت أدري ه ل ه و في رده على تل ك الرس الة‬
‫كان حزينا لعدم تمكن المصريين من تقبل مثل هذا النوع من األنظمة‪ ،‬أو أنه كان يرى‬
‫مصر أرفع وأعظم من أن تقبل به‪.‬‬
‫يقول في بيان أسباب تفرد البيئة الشيعية بالقدرة على تقبل الوالية المطلقة للفقيه‪:‬‬
‫(والية الفقيه فكرة مرتبطة بخصوصية الم ذهب الش يعي‪ ،‬ثم إنه ا ليس ت مح ل إجم اع‬
‫داخل المذهب ذاته‪ ،‬وال نستطيع أن نستوعب الفكرة ما لم نضعها في سياقها التاريخي‪،‬‬
‫ذلك أنه باس تثناء الدول ة الفاطمي ة ال تي اس تمرت نح و م ائتي ع ام في مص ر وت ونس‬
‫والشام (‪1172- 969‬م)‪ ،‬فإن الشيعة عاشوا على مر القرون بال دول ة يس تظلون به ا‪،‬‬
‫فقام الفقيه بهذه المهم ة‪ ،‬إذ ص ار ه و المظل ة ال تي تحمي وت رعى أتب اع الم ذهب‪ ،‬ب ه‬
‫يلوذون‪ ،‬وإليه يقدمون زكواتهم ويستفتونه فيما يستشكل عليهم‪ ،‬وتقلي د المرج ع ال ديني‬
‫الحي واجب على المتدينين)(‪)1‬‬
‫ثم بين نوع الوالية التي كان يمارسها الفقيه في البيئة الشيعية؛ فقال‪( :‬ولكي يقوم‬
‫المرج ع بواجبات ه فإن ه ي وفر الخ دمات لألتب اع مم ا يحص له من م ال الزك اة‪ .‬وه ذه‬
‫الخدمات تتراوح بين مساعدة الفقراء وإنشاء المدارس والمعاهد والمستشفيات وبعث ات‬
‫الحج واالبتعاث الدراسي إلى الخارج‪ ،‬وله معاونون يباشرون تلك األنشطة ال يختلفون‬
‫كث يرا في أدائهم لوظ ائفهم عن ال وزراء المختص ين‪ ،‬كم ا أن ل ه وكالء في مختل ف‬

‫‪ )( 1‬انظر مقاال بعنوان‪ :‬والية الفقيه ال تلزمنا‪ ،‬فهمي هويدي‪ ،‬جريدة الوطن االلكترونية‪ ،‬بتاريخ ‪ 19/2/2013‬م‪..‬‬

‫‪32‬‬
‫األقطار يتسلمون الزكوات ويتلقون استفسارات المقلدين‪ ،‬وهم أقرب إلى الس فراء فيم ا‬
‫يؤدونه من وظائف)‬
‫ثم ذك ر عن نفس ه كي ف التقى ببعض أولئ ك المراج ع‪ ،‬واألدوار ال تي ك انوا‬
‫يمارسونها في مجتمعاتهم؛ فقال‪( :‬لقد أتيح لي أن ألتقي بعض ا من المراج ع العظ ام في‬
‫مدينة قم حين كنت أعد كتابي [إيران من الداخل]‪ ،‬الذي صدرت طبعته األولى في عام‬
‫‪ ،1987‬ووج دت أنهم أق اموا ممال ك مص غرة ال تختل ف كث يرا عن اإلم ارات ال تي‬
‫انتشرت في أوروبا العصور الوس طى‪ ،‬وأش رت في ثناي ا الكت اب إلى أن ال دور ال ذي‬
‫يقومون به وفر ألتباع المذهب الغطاء الذي ك انوا بحاج ة إلي ه في غي اب الدول ة‪ ،‬وأن‬
‫قيام المراجع ب ذلك ال دور ك ان حال عبقري ا للحف اظ على الم ذهب‪ ،‬خصوص ا في ظ ل‬
‫المخاطر التي ك انت تته دده ج راء ض غوط مجتمع ات أه ل الس نة المحيط ة ب ه‪ ،‬ال تي‬
‫تحولت إلى صراع وحروب بين الدولتين العثمانية السنية والصفوية الشيعية‪ ،‬استمرت‬
‫ستة عشر عاما فيما بين سنتي ‪ 1623‬و‪)1()1639‬‬
‫وقد كان لذلك كله دوره الكبير في تق ديس الش يعة لم راجعهم‪ ،‬وخض وعهم لهم‪،‬‬
‫وقبولهم بواليتهم‪ ،‬يقول فهمي هويدي‪( :‬هذه الخلفي ة حف رت للفقي ه دورا عميق ا ومهم ا‬
‫في المجتمعات الشيعية‪ ،‬أحسب أنه يتجاوز بكثير دور الفقيه في مجتمعات أه ل الس نة‪،‬‬
‫وهذا الدور كان بمثابة التربة التي نمت فيها فكرة والية الفقيه عند الشيعة‪ ،‬ذل ك أن ه إذا‬
‫كان في غيبة الدولة يقوم الفقيه بكل هذه الرعاية لصالح مقلديه‪ ،‬فإن تأصيل هذه الفكرة‬
‫من الناحية الشرعية من خالل والية الفقيه يغدو تطورا منطقيا ومفهوما) (‪)2‬‬
‫وعلى خالف هذا ـ كما ي ذكر فهمي هوي دي ـ م ا ج رى علي ه العم ل في البيئ ة‬
‫السنية‪ ،‬وموقفها من علمائها؛ فق د ق ال في خاتم ة مقال ه عن اختالف البيئ تين‪( :‬ألن ه ال‬
‫مكان لإلمامة في الفكر السياسي لدى أهل السنة‪ ،‬فال محل للحديث عن ن ائب اإلم ام أو‬
‫عن مراتب الفقهاء الذين يتميزون بعلمهم‪ ،‬فضال عن أن الفقهاء عند أه ل الس نة ليس وا‬
‫خريجي المعاهد الدينية فقط‪ ،‬وإنم ا هم ك ل من حس ن إس المه وتبح ر في أي ف رع من‬
‫فروع المعرفة اإلنسانية‪ ..‬وقد درج العم ل في مجتمع ات أه ل الس نة على الفص ل بين‬
‫المؤسس ة الديني ة والدول ة‪ ،‬وثم ة كتاب ات ع دة تعرض ت له ذه المس ألة وش اركت في‬
‫صياغة وضبط العالقة بين الفقيه والسلطان‪ .‬وظ ل االتج اه الغ الب ينح و نح و التمي يز‬
‫بينهم ا‪ .‬والتمي يز غ ير الفص ل ال ذي ي دعو إلي ه البعض‪ ،‬وإنم ا ه و أق رب إلى تن وع‬
‫االختصاص واحترام حدوده) (‪)3‬‬
‫وبناء على هذا يذكر فهمي هويدي أن [والي ة الفقي ه]‪ ،‬ليس ت كم ا ي زعم بعض‬
‫السنة والشيعة من أنها بدعة ابتدعها الخمي ني‪ ،‬وخ الف به ا أص ول مذهب ه‪ ،‬وإنم ا هي‬
‫فكرة قديمة‪ ،‬مورست في الواقع‪ ،‬ولم يكن دور الخميني إال زيادة تأصيل لها‪ ،‬وتحويلها‬

‫‪ )(1‬المرجع السابق‪.‬‬
‫‪ )(2‬المرجع السابق‪.‬‬
‫‪ )(3‬المرجع السابق‪.‬‬

‫‪33‬‬
‫من مجرد والية ترتبط ببيئة محدودة إلى نظام سياسي يشكل دولة كاملة‪ ،‬بل يطمح إلى‬
‫الوصول إلى جميع بالد العالم اإلسالمي‪ ،‬لتخضع جميعا تحت سلطة الولي الفقيه‪.‬‬
‫وم ا ذك ره فهمي هوي دي في ه ذا الج انب ليس استنقاص ا من دور الخمي ني في‬
‫الدعوة لهذا النظام‪ ،‬أو التأصيل له‪ ،‬ذلك أن الخميني نفسه أشار إلى ه ذا‪ ،‬وتح دث عن ه‬
‫كثيرا ‪ ،‬حتى يرد على تلك الشبه التي يوردها المخالفون له من المدرسة الشيعية‪.‬‬
‫ومن أمثلة ذلك قوله في كتابه [الحكومة اإلسالمية]‪( :‬إن موض وع والي ة الفقي ه‬
‫ليس موضوعا ً جديداً جئنا به نحن‪ ،‬بل إن هذه المسألة وقعت محالً للبحث من ذ البداي ة‪.‬‬
‫فحكم المرحوم الشيرازي (‪ )1‬في حرمة التنباك ك ان واجب ا ً اتباع ه‪ ،‬ح تى من الفقه اء‬
‫اآلخرين أيضاً‪ .‬وقد اتبع ذلك الحكم جميع علماء ايران الكبار ماع دا بض عة أش خاص‪،‬‬
‫وه و لم يكن حكم ا ً قض ائيا ً في خالف بين بعض األش خاص‪ ،‬ب ل ك ان حكم ا ً والئي ا ً‬
‫(حكومياً) أصدره (رحمه هللا) بالعنوان الث انوي(‪ )2‬مراع اة لمص الح المس لمين‪ .‬وك ان‬
‫الحكم مستمراً مادام العنوان موجوداً‪ .‬وبزوال العنوان ارتفع الحكم)(‪)3‬‬
‫وضرب له مثاال آخر بـ (المرحوم الم يرزا محم د تقي الش يرازي(‪ )4‬ال ذي حكم‬
‫بالجهاد ـ وكان ذلك بصفة دفاع بالطبع ـ فقد اتبعه بقية العلماء‪ ،‬ألنه ك ان حكم ا ً والئي ا ً‬
‫(حكومياً)(‪)5‬‬
‫ومنهم ـ كما يذكر الخميني ـ (المرحوم النراقي ال ذي ي رى ثب وت جمي ع ش ؤون‬
‫رسول هللا ‪ ‬للفقهاء‪ ،‬والمرحوم النائيني أيضا ً يقول أن هذا المطلب يستفاد من مقبولة‬
‫عمر بن حنظلة)(‪)6‬‬
‫وقد عقب على هذه األمثلة‪ ،‬ببيان الجديد الذي جاء به؛ فقال‪( :‬وعلي أية حال هذا‬
‫البحث ليس جدي داً‪ ،‬وإنم ا قمن ا نحن ب البحث حول ه أك ثر فحس ب‪ ،‬ووض عنا تش عبات‬
‫المطلب المذكور في متناول السادة لتتضح المسألة أكثر‪ ،‬كما قمنا تبعا ً ألم ر هللا تع الى‬
‫في كتابه‪ ،‬وبلسان نبيه ‪ ‬ببيان بعض األمور المبتلى بها هذه األيام‪ .‬وإالَّ ف إن المطلب‬

‫‪ ) )(1‬الميرزا حسن (أو محمد حسن) بن محمود الحسيني الشيرازي (‪ 1230‬ـ ‪1312‬هـ ق) فقيه اص ولي‪ ،‬ورئيس‬
‫االمامية في عصره‪ .‬انتخب بعد وفاة الشيخ االنصاري مرجعا للشيعة‪ .‬وقصة التنباك المعروف ة ال تي حص لت س نة وفات ه‬
‫وأدت إلى ترك استعمال التبغ من قبل ماليين االيرانيين‪ ،‬مما سبب إلغاء االتفاقية مع االنكليز‪ ،‬كانت نموذجا ً واض حا ً عن‬
‫قدرته الدينية وبصيرته السياسية‪.‬‬
‫‪ )(2‬العن اوين ال تي يتعل ق به ا الحكم الش رعي له ا نح وان‪ :‬األول ال يك ون العن وان أو الموض وع مقي دا بقي د‬
‫كاالضطرار مثال‪ ،‬ففي هذه الصورة يسمى الحكم المجعول لها بالحكم األولي‪ ،‬والنحو الثاني يكون العن وان أو الموض وع‬
‫مقيدا بقيد كالحرج واالضطرار واالكراه والضرر والفساد‪ ،‬ففي هذه الصورة يسمى الحكم المتعلق بها بالحكم الثانوي‪..‬‬
‫‪ )(3‬الحكومة اإلسالمية‪ ،‬ص‪.119‬‬
‫‪ ) )(4‬الميرزا محمد تقي بن محب علي الشيرازي الحائري (‪ 1338‬هـ ق) بعد اكم ال دراس ة المق دمات س افر إلى‬
‫سامراء‪ ،‬وحضر درس الميرزا الشيرازي (الكبير) وصار معدودا من أفضل طالبه‪ ،‬ونال مقام المرجعية بعد الميرزا في‬
‫سامراء‪ ،‬وبعد السيد محمد كاظم اليزدي تولى رئاسة الشيعة‪ ..‬وأعلن الجهاد بفتواه المش هورة في الع راق‪ ،‬ودع ا الش عب‬
‫إلى مواجهة االنكليز الذين دخلوا إلى العراق‪.‬‬
‫‪ )(5‬الحكومة اإلسالمية‪ ،‬ص‪.119‬‬
‫‪ )(6‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.119‬‬

‫‪34‬‬
‫وذكروه) (‪)1‬‬ ‫هو نفس ما فهمه الكثيرون‬
‫ثم طلب من الفقهاء بعده أن يتولوا البحث المفصل في كيفية تط بيق ه ذه الوالي ة‬
‫وتنظيمها‪ ،‬فقال‪( :‬لقد قمنا بطرح أصل الموضوع‪ ،‬وعلى هذا الجي ل واالجي ال القادم ة‬
‫أن تبحث وتفكر في ذيوله وتشعباته‪ ،‬وأن تجد السبيل إلى تحقيقه‪ ،‬ليطردوا عن أنفس هم‬
‫التراخي والضعف واليأس‪ ،‬وسوف يتوصلون إن ش اء هللا إلى كيفي ة التش كيل‪ ،‬وس ائر‬
‫الف روع من خالل التش اور وتب ادل وجه ات النظ ر‪ ،‬ويض عون مس ؤوليات الحكوم ة‬
‫اإلسالمية بيد خبراء أمناء عقالء من أهل اإليمان والعقيدة‪ ،‬ويقطعون أيدي الخونة عن‬
‫الحكومة والوطن وبيت مال المسلمين ليتيقنوا أن هللا القدير معهم) (‪)2‬‬
‫وقد ذكر فهمي هوي دي أمثل ة أخ رى لم ي ذكرها الخمي ني؛ فق ال‪( :‬ي ذهب بعض‬
‫الباحثين في لبنان إلى أن فكرة والي ة الفقي ه أطلقه ا أح د المجته دين الكب ار بين علم اء‬
‫الشيعة‪ ،‬هو الشيخ محمد بن مكي الجزيني الذي عاش في القرن الرابع عشر الميالدي‪.‬‬
‫وهو من قرية جزين في جبل عامل‪ .‬وق د أل ف كتاب ا ك ان عنوان ه [اللمع ة الدمش قية]‪،‬‬
‫وفيه ذكر ألول مرة عبارة نائب اإلمام‪ ،‬التي ذاع أمرها فيما بعد واعتبرت أساسا لقي ام‬
‫الفقيه أو المرجع بالدور الذي يتعين أن يقوم به اإلم ام الغ ائب في القي ام ب أمر األتب اع‪.‬‬
‫وقيل في هذا الصدد ‪( :‬إن التشيع أفلح على يد محم د بن مكي الجزي ني في ملء ف راغ‬
‫الس لطة‪ ،‬ال ذي اس تمر ف ترة تزي د على أربع ة ق رون‪ ،‬أي من ذ االنته اء العملي لف ترة‬
‫اإلمامة)‪ ،‬أي منذ اختفاء آخر أئمة آل البيت)(‪)3‬‬
‫ومن األمثل ة ال تي ذكره ا‪( :‬الش يخ أحم د ال نراقي ال ذي ينس ب إلى قري ة ن راق‬
‫بمحافظة كاشان في إيران (توفي سنة ‪1820‬م)‪ .‬وقد خصص الشيخ النراقي فص ال في‬
‫كتاب أصدره بعنوان [عوائد اإلمام]‪ ،‬كان عنوانه [والية الفقيه]‪ ،‬وسواء كان الرجل قد‬
‫استقى العنوان من فك رة ن ائب اإلم ام ال تي ص كها الش يخ الجزي ني أم ال‪ ،‬فالث ابت في‬
‫األدبيات اإليرانية أن الشيخ النراقي هو صاحب الفكرة‪ ،‬وأن آية هللا الخمي ني ت أثر به ا‬
‫ودعا إليها في مشروعه الذي جسده في كتابه عن [الحكوم ة اإلس المية]‪ ،‬وجمعت في ه‬
‫محاضراته التي ألقاها على الدارسين في الح وزة العلمي ة ب النجف األش رف (الع راق)‬
‫خالل ستينيات القرن الماضي)(‪)4‬‬
‫وقد ذكر فهمي هويدي ردود فعل بعض الفقه اء والمراج ع‪ ،‬وم ا ق ابلوا ب ه تل ك‬
‫التأصيالت التي أصل بها الخميني لوالية الفقيه‪ ،‬والتعرف عليها مهم جدا لفهم سر ذلك‬
‫االنفعال واأللم الذي كان يبدو عليه الخميني‪ ،‬وهو يحاول أن يطرح والية الفقيه‪.‬‬
‫يقول فهمي هوي دي‪( :‬وفي حين رحب به ا البعض ف إن آخ رين رفض وها‪ .‬وفي‬
‫المقدمة من هؤالء السيد أبو القاس م الخ وئي (المت وفى س نة ‪ )1992‬ال ذي ك ان مرج ع‬

‫‪ )(1‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.119‬‬


‫‪ )(2‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.120‬‬
‫‪ )(3‬انظر المقال السابق‪ :‬والية الفقيه ال تلزمنا‪ ،‬فهمي هويدي‪.‬‬
‫‪ )(4‬المرجع السابق‪.‬‬

‫‪35‬‬
‫زمانه ويتربع على رأس الحوزة العلمية في مدينة النجف ب العراق وق د أص در رس الة‬
‫انتقد فيها رأى اإلمام الخميني كانت بعنوان [أساس الحكومة اإلسالمية]‪ ،‬أي ده في ذل ك‬
‫المراجع الكبار في مدينة قم بإيران‪ .‬وكان ذلك الموقف هو السبب األساس ي ال ذي دع ا‬
‫اإلمام الخميني ألن يفضل اإلقامة في طه ران ب دال من قم‪ ،‬بع د نج اح الث ورة وعودت ه‬
‫إلى وطنه من منفاه بباريس‪ ،‬وكان لذلك التحفظ صداه في أوساط شيعة لبن ان‪ ،‬فأص در‬
‫ال دكتور محم د ج واد مغني ة‪ ،‬وه و من فقه ائهم‪ ،‬كتاب ا بعن وان [الخمي ني والدول ة‬
‫اإلسالمية]‪ ،‬فند فيه رأي الخميني ورفض فكرة الوالية المطلقة للمرجع‪ .‬وأي ده في ه ذا‬
‫الموقف رئيس المجلس الشيعي األعلى اإلمام محمد مهدي شمس ال دين (المت وفى س نة‬
‫‪ ،)2001‬وقد سمعت منه ح ديثا مط وال في المس ألة انح از في ه إلى فك رة والي ة األم ة‬
‫ورفض والية الفقيه)(‪)1‬‬
‫وقد رد الخميني على هؤالء جميعا ردا مفصال في كتابه [الحكوم ة اإلس المية]‪،‬‬
‫أو عبر بياناته وخطبه المختلفة‪ ،‬بل إن األمر وصل به إلى اعتب ار والي ة الفقي ه قض ية‬
‫بديهي ة ال تحت اج لوض وحها ألي ب راهين‪ ،‬حيث يق ول في مقدم ة كتاب ه [الحكوم ة‬
‫اإلسالمية]‪( :‬ووالية الفقيه من المواضيع التي يوجب تص ورها التص ديق به ا‪ ،‬فهي ال‬
‫تحتاج ألية برهنة‪ .‬وذل ك بمع نى أن ك ل من أدرك العقائ د واألحك ام اإلس المية ـ ول و‬
‫إجماالً ـ وبمجرد أن يصل إلى والية الفقيه ويتصورها فسيصدق به ا ف وراً‪ ،‬وس يجدها‬
‫ضرورة وبديهية)(‪)2‬‬
‫وبين األس باب الداخلي ة والخارجي ة ال تي حولته ا من قض ية بديهي ة إلى قض ية‬
‫تحتاج إلى البراهين واألدلة؛ فقال‪( :‬والسبب في عدم وج ود أدنى التف ات لوالي ة الفقي ه‬
‫وفي أنها ص ارت بحاج ة لالس تدالل ه و األوض اع االجتماعي ة للمس لمين بش كل ع ام‬
‫والحوزات العلمية بشكل خاص‪ ،‬وهن اك أس باب تاريخي ة ألوض اعنا االجتماعي ة نحن‬
‫المس لمين‪ ،‬وألوض اع الح وزات العلمي ة نق وم باالش ارة اليه ا‪ ،‬لق د ابتليت النهض ة‬
‫اإلس المية من ذ انطالقته ا ب اليهود‪ ،‬فهم ال ذين ش رعوا أوالً بالدعاي ة ض د اإلس الم‬
‫وبالدسائس الفكرية بنحو ـ وكما تالحظون ـ وصل مداه إلى أيامنا ه ذه‪ .‬ووص ل ال دور‬
‫بع دهم إلى طوائ ف هم ـ بمع نى من المع اني ـ أك ثر ش يطنة من اليه ود‪ ،‬وه ؤالء‬
‫استطاعوا الوصول إلى البالد اإلسالمية على شكل استعمار من ذ ثالث ة ق رون أو أك ثر‬
‫وق د رأوا أن ه من الالزم لكي يص لوا إلى مط امعهم االس تعمارية أن يه يئوا األرض ية‬
‫للقضاء على اإلسالم‪ .‬ولم يكن هدفهم ابعاد الن اس عن اإلس الم لتقوي ة النص رانية‪ ،‬ألن‬
‫هؤالء ال يعتقدون بالنصرانية وال باإلسالم‪ ،‬لكنهم ـ وطوال هذه الم دة وأثن اء الح روب‬
‫الصليبية شعروا ان الذي يقف سداً أمام مصالحهم المادية‪ ،‬ويعرّض مص الحهم المادي ة‬
‫وقواهم السياسية للخطر هو اإلسالم وأحكامه وإيمان الناس به‪ ،‬فقاموا بالدعاية وال دس‬
‫ضد اإلس الم بمختل ف الوس ائل‪ .‬وق د تعاض د في العم ل على تحري ف حق ائق اإلس الم‬

‫‪ )(1‬المرجع السابق‪.‬‬
‫‪ )(2‬الحكومة اإلسالمية‪ ،‬ص‪.7‬‬

‫‪36‬‬
‫رجال الدين الذين أوجدوهم في الحوزات العلمية‪ ،‬والعمالء الذين كانوا يعملون لهم في‬
‫الجامعات والمؤسسات االعالمية الحكومية أو مراك ز النش ر‪ ،‬والمستش رقين ال ذي هم‬
‫في خدمة الدول االستعمارية‪ ،‬فهؤالء جميعا ً تكاتفوا في ذلك بنحو صار في ه الكث ير من‬
‫الناس والمثقفين في حالة من الضياع واالنحراف عن الصواب تجاه اإلسالم)(‪)1‬‬
‫وهو يتعجب من الذين يريدون من الفقهاء اعتزال السياسة وتركها باعتبارها من‬
‫أن السياس ة تع ني الك ذب وم ا ش ابه‬‫الدنيا؛ فيقول‪( :‬لقد غرسوا في أذهانكم من البداي ة ّ‬
‫ذلك من المعاني‪ ،‬لكي يبعدوكم عن أمور البالد‪ ،‬بينما يتصرفون هم كما يريدون‪ .‬وأنتم‬
‫عليكم بالدعاء أيضاً‪ ،‬عليكم بالجلوس هنا والدعاء بـ (خلد هللا ملكه) بينما هم يفعلون ما‬
‫يحلو لهم‪ ،‬ويرتكبون القبائح التي يريدون‪ .‬بالطبع فهم ال يمتلكون هذه الدرج ة من الفهم‬
‫ـ وهّلل الحم د ـ لكن أس اتذتهم وخ براءهم هم ال ذين وض عوا ه ذه الخط ط‪ .‬وض عها‬
‫االستعمار االنكليزي الذي دخل بالد الشرق منذ ثالثة قرون‪ ،‬وتعرّف إلى جمي ع أم ور‬
‫هذه البالد)(‪)2‬‬
‫وي ذكر عن نفس ه بع د خروج ه من الس جن‪ ،‬وكي ف راح وا يس تعملون الوس ائل‬
‫المختلفة إلقناعه باالبتعاد عن السياسة‪ ،‬واالكتفاء بالتدريس والمرجعية العلمي ة؛ فق ال‪:‬‬
‫(كتب وا في الجرائ د بت اريخ ‪4/8/1963‬م حين أخرج وني من الس جن م ا يُفهم من ه أن‬
‫علماء الدين لن يتدخلوا في السياسة‪ .‬وأنا اآلن أُبيّن لكم حقيقة األمر‪ .‬لقد جاءني أح دهم‬
‫وال أري د ذك ر اس مه‪ ،‬وق ال لي‪ :‬أيّه ا الس يد إن السياس ة ك ذب وخ داع وغش ونف اق‪،‬‬
‫والخالص ة أنه ا بالء ولعن ة ف دعوا ذل ك لن ا نحن‪ .‬وبم ا أن الظ رف لم يس مح فلم أش أ‬
‫مناقشته‪ ،‬فقلت له‪ :‬نحن منذ البداية لم نت دخل في ه ذه السياس ة ال تي تتكلم عنه ا‪ .‬واآلن‬
‫إن ه ذا ليس من اإلس الم في ش يء‪ .‬وهللا إن‬ ‫حيث أن الظرف يستلزم ذلك‪ ،‬فإني أق ول‪ّ :‬‬
‫إن سياس ة الم دن تنب ع من‬‫اإلس الم كل ه سياس ة‪ .‬لق د بيّن وا اإلس الم بش كل غ ير س ليم‪ّ .‬‬
‫اإلس الم‪ .‬إن ني لس ت من أولئ ك الماللي (رج ال ال دين) ال ذين يكتف ون ب الجلوس هن ا‬
‫والتسبيح‪ .‬أنا لست [البابا] لكي أكتفي بتأدية بعض المراسم يوم األحد‪ ،‬وأنص رف بقي ة‬
‫األوقات إلى شأني‪ ،‬دون التدخل في األمور األخرى) (‪)3‬‬
‫بعد هذا التمهيد الذي رأينا ضرورته‪ ،‬سنسوق هنا باختص ار م ا ذك ره الخمي ني‬
‫وغيره من قادة الثورة اإلسالمية ومراجعها من براهين على والية الفقيه‪ ،‬وال تي يمكن‬
‫تقسيمها إلى قسمين‪ :‬أدلة عقلية كالمية‪ ،‬وأدلة نصية روائية‪.‬‬
‫‪ 1‬ـ األدلة العقلية والكالمية على والية الفقيه‪:‬‬
‫بم ا أن المدرس تين الس نية والش يعية تختلف ان في النظ ر لإلمام ة‪ ،‬وه ل هي من‬
‫أصول ال دين أم من فروع ه‪ ،‬ف إن الخالف أيض ا امت د إلى مس ألة [الحكوم ة اإللهي ة]‪،‬‬
‫باعتباره ا امت دادا لإلمام ة‪ ،‬أو نياب ة عنه ا‪ ،‬أو تم ثيال له ا‪ ،‬وس رى الخالف أيض ا إلى‬

‫‪ )(1‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.8‬‬


‫‪ )(2‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.136‬‬
‫‪ )(3‬الكوثر في خطابات اإلمام الخميني‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪ 104‬ـ ‪ .105‬يوم الجمعة ‪10/4/1964‬م ضمن خطبة له في بيته‪.‬‬

‫‪37‬‬
‫[والية الفقيه] باعتبارها تطبيقا من تطبيقات الحكومة اإللهية‪.‬‬
‫وقد أشار الخميني إلى هذا البعد الكالمي في [والية الفقيه]؛ فقال‪( :‬حف ظ النظ ام‬
‫من الواجبات األكيدة‪ ،‬واختالل أُمور المسلمين من األُمور المبغوضة‪ ،‬وال يق وم ذا وال‬
‫أن حف ظ ثغ ور المس لمين عن الته اجم‪،‬‬ ‫وال وحكوم ة‪ .‬مض افا ً إلى ّ‬ ‫يُس ّد عن ه ذا إاّل ب ٍ‬
‫وبالدهم من غلبة المعتدين واجب عقالً وش رعاً‪ ،‬وال يمكن ذل ك إاّل بتش كيل الحكوم ة‪.‬‬
‫الص انع‪.‬‬‫وك ّل ذلك من أوضح ما يحتاج إليه المسلمون‪ ،‬وال يعقل ترك ذل ك من الحكيم َّ‬
‫فما هو دليل اإلمامة‪ ،‬بعينه دلي ل على ل زوم الحكوم ة بع د غيب ة ول ّي األم ر عج ل هللا‬
‫تع الى فرج ه الش ريف‪ ...‬فه ل يعق ل من حكم ة الب اري الحكيم إهم ال الملَّة اإلس الميَّة‬
‫وعدم تعيين تكليف لهم؟ أو رضى الحكيم بالهرج والمرج واختالل النظام؟)(‪)1‬‬
‫وأش ار إلي ه من المعاص رين الفيلس وف والمفس ر الكب ير عب د هللا ج وادي آملي‬
‫أن هللا ع الم بجمي ع ذرَّات الع الم ﴿اَل‬
‫بقول ه‪( :‬البحث الكالم ّي بش أن والي ة الفقي ه‪ ،‬ه و ّ‬
‫أن للمعصومين من أوليائ ه حض وراً وظه وراً خالل‬ ‫يَ ْع ُزبُ َع ْنهُ ِم ْثقَا ُل َذ َّر ٍة﴾‪ ،‬فهو يعلم ّ‬
‫ُ‬
‫م َّدة معيّنة‪ ،‬وسيغيب خاتم أوليائه م ّدة مديدة‪ ،‬فهل أمر بشيء زمان الغيبة‪ ،‬أم ترك األ ّمة‬
‫لحالها؟ وإن أمر بشيء‪ ،‬فهل ذلك األمر نصب الفقيه الجامع شرائط الوالي ة وض رورة‬
‫إن موضوعا هكذا مسألة هو [فعل هللا]‪ ،‬وبنا ًء علي ه‬ ‫رجوع الناس إلى هذا الول ّي أم ال؟ ّ‬
‫فالبرهان الّذي يثبت والية الفقيه مرتبط بعلم الكالم)(‪)2‬‬
‫بناء على هذا اعتمد المنظرون لوالية الفقيه على ن وعين من األدل ة‪ :‬أدل ة عقلي ة‬
‫يُعتمد عليها عادة في علم الكالم‪ ،‬وأدلة نصية تستعمل عادة في الفقه‪.‬‬
‫ونحب أن نزيل هن ا اإلش كال المرتب ط برب ط المس ألة بعلم الكالم والعقي دة‪ ،‬وأن‬
‫ذلك ال يعني تكفير المخالف‪ ،‬وإنما يعني أهمية المسألة‪ ،‬وضرورتها‪ ،‬وكونها ال ترتبط‬
‫بأفعال المكلفين فقط‪ ،‬وإنما ترتبط أيضا بالعدالة اإللهية‪ ،‬ذلك أن هللا الحكيم ـ كم ا ينص‬
‫القائلون بوالية الفقيه ـ يستحيل عليه أن يترك خلقه للملوك والمستبدين‪ ،‬دون أن ينصب‬
‫لهم أئمة‪ ،‬أو دون أن يشرع لهم الشرائع التي تنوب عن األئمة في حال فقدهم‪.‬‬
‫َّ‬
‫(إن المب احث الكالميَّة ال تتص ف‬ ‫وق د ع بر عن ه ذا المع نى بعض هم؛ فق ال‪ّ :‬‬
‫بالدرجة نفسها من األه ِّميَّة‪ ،‬فبعض المباحث الكالميَّة ج زء من مب احث أُص ول ال دِّين‪،‬‬
‫مثل مبحث النبوّة والمعاد‪ ،‬أ ّما مبحث اإلمام ة فه و بحث من أُص ول الم ذهب‪ .‬والمع اد‬
‫من أُص ول ال دِّين‪ .‬وجزئيَّات تل ك المس ألة وتفص يالتها‪ ،‬رغم كونه ا كالميَّة‪ ،‬ليس ت‬
‫بأه ِّميَّة أصل المعاد‪ .‬وبنا ًء على ذلك‪ ،‬فوالي ة الفقي ه والحكوم ة في عص ر الغيب ة‪ ،‬رغم‬
‫كونه ا مس ألة كالميَّة‪ ،‬هي أق لُّ مرتب ة من مس ألة اإلمام ة‪ .‬ومن هن ا‪ ،‬فهي ليس ت من‬
‫أُصول المذهب)(‪)3‬‬
‫ونحب أن نشير هنا أيضا إلى أن ربط المسألة بالعقي دة وعلم الكالم ليس ت بدع ة‬

‫‪ )(1‬البيع‪ ،‬اإلمام الخميني‪ 461 :‬و‪.462‬‬


‫‪ )(2‬والية الفقيه والقيادة في اإلسالم‪ ،‬عبد هللا جوادي آملي‪.143 :‬‬
‫‪ )(3‬الحكومة اإلسالمية‪ :‬دروس في الفكر السياسي اإلسالمي‪ ،‬مركز نون‪ ،‬ص‪.182‬‬

‫‪38‬‬
‫ابتدعها الخميني أو غيره من القائلين بوالية الفقيه‪ ،‬بل نج د ه ذا المع نى موج ودا ل دى‬
‫ق ادة الحرك ات اإلس المية‪ ،‬وخصوص ا س يد قطب‪ ،‬وال ذي اعت بر [الحكوم ة اإللهي ة]‬
‫قضية عقدية‪ ،‬وليست مج رد ف روع فقهي ة‪ ،‬بن اء على م ا ورد في النص وص من بي ان‬
‫خطورة التخلي عن حكم هللا‪ ،‬كما ق ال تع الى‪َ ﴿ :‬و َم ْن لَ ْم يَحْ ُك ْم بِ َم ا أَ ْن َز َل هَّللا ُ فَأُولَئِ كَ هُ ُم‬
‫ْال َكافِرُونَ ﴾ [المائدة‪]44 :‬‬
‫بل إننا نجد المدرسة السلفية نفسها‪ ،‬والتي تنكر إنكارا ش ديدا على والي ة الفقي ه‪،‬‬
‫تضع في مسائل العقيدة قضايا فرعية جدا‪ ،‬هي أدنى بكثير منها‪ ،‬من أمثال المسح على‬
‫الخفين‪ ،‬وتبرر ذلك بما ذكره ابن جبرين في ش رحه على الطحاوي ة بقول ه‪( :‬م رت بن ا‬
‫مسألة فرعية‪ ،‬وذكرنا أنها أدخلت في األصول ألجل أن الخالف فيها مع المخ الفين في‬
‫األص ول‪ ،‬وهي مس ألة المس ح على الخفين‪ ،‬وذل ك ألن الرافض ة أنك روا المس ح على‬
‫الخفين‪ ،‬وصاروا يمسحون على القدمين مكشوفتين‪ ،‬فتركوا سنة وارتكبوا بدع ة‪ ،‬ولم ا‬
‫ك انوا مخ الفين في العقي دة‪ ..‬فق د ت رتب على ذل ك المخالف ة في المس ح على الخفين‪،‬‬
‫فذكرت في العقائد)(‪)1‬‬
‫بل إن األمر بلغ بالسلفية ما هو أخطر من ذلك حيث أدخلوا فروعا فقهي ة كث يرة‬
‫مثل التوسل واالستغاثة وزيارة األضرحة في أب واب العقائ د‪ ،‬ب ل جعلوه ا من أص ول‬
‫العقائد‪ ،‬وكفروا على أساسها المخالفين‪ ،‬باعتبارهم وقعوا في الشرك الجلي‪.‬‬
‫وح تى ال نتي ه في الخالف في المس ألة‪ ،‬ألنه ا في كال الح التين ـ عن د الق ائلين‬
‫بوالية الفقيه ـ ال عالقة لها بالكفر واإليمان‪ ،‬وإنما عالقتها بم دى أهمي ة المس ألة‪ ،‬ذل ك‬
‫أنها عندما ترتبط بالعقيدة يكون االهتمام به ا أعظم من كونه ا مج رد ف رع من الف روع‬
‫الفقهية التي وقع فيها الخالف‪.‬‬
‫وقد أشار إلى هذا الشيخ عبد هللا جوادي آملي عندما ذكر أن الخميني اس تفاد من‬
‫الت درّج ال ذي حص ل س ابقا ً في عالق ة الفقي ه باألم ة‪ ،‬وال تي ابت دأت بعالق ة المح دِّث‬
‫بالمس تمع‪ ،‬ثم تط ورت إلى عالق ة مرج ع التقلي د بالمقل دين إلى أن ب دت تتض ح مع الم‬
‫والية الفقيه في األبحاث العلمية‪ ،‬ويذكر أن الخميني قام بإنجاز عظيم حين أخرج بحث‬
‫والية الفقيه من دائرة الفقه إلى موقعه األصلي في علم الكالم‪ ،‬وأن لذلك ت أثيره الكب ير‬
‫في نجاح الثورة اإلسالمية‪ ،‬ذل ك أن عم وم الن اس يهتم ون للعقائ د أك ثر من اهتم امهم‬
‫للفروع الفقهية‪ ،‬وخاصة إذا وقع الخالف فيها‪.‬‬
‫ونحب أن ننبه هنا أيضا إلى أن ربط المس ألة بعلم الكالم ال يع ني إعط اء الفقي ه‬
‫منزلة فوق منزلته‪ ،‬ذلك أن دور الفقيه ال يعدو النيابة عن الرسول ‪ ‬واألئمة في تنفيذ‬
‫األحكام الشرعية‪ ،‬كما نبه إلى ذلك الخميني بقوله‪( :‬عندما نثبت نفس الوالية التي كانت‬
‫للرسول ‪ ‬واالئمة للفقيه في عصر الغيبة‪ ،‬فال يتوهمن أحد أن مقام الفقهاء نفس مق ام‬
‫األئم ة والن بي ‪ ،‬ألن كالمن ا هن ا ليس عن المق ام والمرتب ة‪ ،‬وإنم ا عن الوظيف ة‪،‬‬
‫فالوالية ـ أي الحكومة وادارة البالد وتنفيذ أحكام الش رع المق دس ـ هي وظيف ة كب يرة‬

‫‪ )(1‬شرح الطحاوية البن جبرين (‪)3 /57‬‬

‫‪39‬‬
‫ومهمة‪ ،‬لكنها ال تحدث لالنسان مقاما ً وشأنا ً غير عادي‪ ،‬أو ترفعه عن مستوى االنسان‬
‫العادي‪ .‬وبعبارة اخرى فالوالية ـ التي هي محل البحث‪ ،‬أي الحكومة واالدارة والتنفي ذ‬
‫ـ ليست امتيازاً‪ ،‬خالفا لما يتصوره الكثيرون‪ ،‬وانما هي وظيفة خطيرة)(‪)1‬‬
‫ثم وضح مرتبة والية الفقيه‪ ،‬وعالقتها بالنبوة واإلمامة؛ فقال‪( :‬والي ة الفقي ه من‬
‫األمور االعتبارية العقالئية وليس لها واقع سوى الجع ل‪ ،‬وذل ك كجع ل القيم للص غار‪،‬‬
‫فالقيم على االمة ال يختل ف عن القيم على الص غار من ناحي ة الوظيف ة وال دور‪ .‬وك أن‬
‫اإلم ام ق د عين شخص ا ً ألج ل حض انة الحكوم ة أو منص ب من المناص ب‪ .‬ففي ه ذه‬
‫الموارد ال يعقل أن يكون هناك فرق بين الرسول األكرم ‪ ‬واإلمام والفقيه)(‪)2‬‬
‫ولهذا يعبر عن الولي الفقيه بكونه نائبا لإلم ام‪ ،‬أو خليف ة ل ه‪ ،‬أو ممثال في األم ة‬
‫عنه‪ ،‬وهو ما يعطيه مكانة اجتماعية مهمة تجعل ألوامره من القداسة واألهمية م ا ليس‬
‫لغيرها‪ ،‬ومع ذلك ال ترقى به إلى مرتبة النبوة واإلمامة‪.‬‬
‫بناء على هذا استعمل الق ائلون بوالي ة الفقي ه‪ ،‬وخصوص ا الخمي ني‪ ،‬الكث ير من‬
‫األدلة العقلية إلقناع المخالفين‪ ،‬أو جماهير الناس‪ ،‬وأولها البداهة العقلية ال تي تب دو من‬
‫خالل اإلجابة على أمثال هذه التساؤالت‪( :‬هل يجوز تص ّدي الفقيه للش ؤون االجتماعيَّة‬
‫واألُمور العا َّمة للمسلمين أو ال؟ وهل يجب على المسلمين طاعة أوامر الفقي ه ونواهي ه‬
‫في األُمور االجتماعيَّة والسياسيَّة؟ وهل تجب عليهم مساعدة الفقيه الع ادل في ممارس ة‬
‫الوالية على أُم ور المس لمين العا َّمة؟ وه ل يج وز للمس لمين أن يس لّطوا على أُم ورهم‬
‫ي الفقيه من قبل سائر الفقهاء؟ )(‪)3‬‬‫غير الفقيه العادل؟ وهل تجب طاعة أحكام الول ّ‬
‫فاإلجاب ة البديهي ة على ه ذه التس اؤالت هي أن الحكوم ة اإللهي ة تقتض ي علم ا‬
‫واسعا بالشريعة‪ ،‬وكيفية تنفيذها‪ ،‬ذل ك أن ه ال يمكن أن ينف ذ الش ريعة من لم يح ط علم ا‬
‫بفروعها وأصولها‪.‬‬
‫وذلك يقتضي أن يكون لذلك العالم الفقيه الكثير من السلطات ال تي ت تيح ل ه ذل ك‬
‫التطبيق‪ ،‬وكلما كانت السلطات أكثر كان التطبيق أفضل‪ ،‬وأحق باسم الشريعة‪.‬‬
‫فلو أن دور الفقيه لم يتعد االستشارة‪ ،‬ولم يكن له دور التنفيذ‪ ،‬لم يتمكن من تنفي ذ‬
‫الكثير من أحكام الشريعة‪ ،‬ولذلك ستعطل باعتبار أنه لم يُستشر فيها‪ ،‬أو لم يكن له رأي‬
‫حتى يدليه نحوها‪.‬‬
‫لكن إن كان للفقيه كل السلطات‪ ،‬بحيث يقدم ما يشاء‪ ،‬ويؤخر ما يش اء‪ ،‬ويخط ط‬
‫للدولة ومس تقبلها في جمي ع المج االت بن اء على علم ه بأحك ام الش ريعة؛ ف إن تط بيق‬
‫الشريعة حينها س يكون في أوج كمال ه الممكن‪ ،‬وخاص ة إن اس تعان بالمستش ارين من‬
‫الفقهاء وغيرهم‪ ،‬وفي المجاالت المختلفة‪ ،‬وخاصة إذا علمنا أن مصطلح [الفقيه] ال ذي‬
‫ترتب ط ب ه الوالي ة‪ ،‬ال يع ني فق ط العلم باألحك ام الش رعية‪ ،‬وإنم ا يع ني علوم ا كث يرة‬

‫‪ )(1‬الحكومة اإلسالمية‪ ،‬ص‪.47‬‬


‫‪ )(2‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.48‬‬
‫‪ )(3‬انظر‪ :‬الحكومة اإلسالمية‪ :‬دروس في الفكر السياسي اإلسالمي‪ ،‬مركز نون‪ ،‬ص‪.179‬‬

‫‪40‬‬
‫سنتطرق لها عند الحديث عن الجانب التطبيقي من والية الفقيه‪.‬‬
‫ونحب أن نذكر هنا باختصار بعض النماذج عن األدلة العقلي ة ال تي اس نتد إليه ا‬
‫القائلون بوالية الفقيه‪ ،‬وهي كما يلي(‪:)1‬‬
‫النموذج األول‪:‬‬
‫وينص على أن علة بعث األنبياء واألئمة موجودة في نصب الولي؛ ف المتكلمون‬
‫ذك روا أن هللا تع الى رحم ة بعب اده نص ب لهم من يحف ظ البالد‪ ،‬وينظم أم ور المع اش‬
‫والمعاد‪ ،‬وأوجب ذلك على نفسه؛ فكم ا وجب النص ب عقالً بالنس بة إلى الن بي واإلم ام‬
‫وجب النصب عقال بالنسبة إلى القائم مقامهم‪ ،‬وهو الولي الفقيه‪ ،‬أو كم ا ع بر عن ذل ك‬
‫الخميني بقوله‪( :‬ال يعقل ترك ذلك من الحكيم الصانع‪ ،‬فما هو دليل اإلمامة بعين ه دلي ل‬
‫على لزوم الحكومة بعد غيبة ولي األمر (عجّل هللا فرجه) وال سيما مع طول األمد)(‪)2‬‬
‫وقد قرر بعضهم هذا الدليل عن طريق المقدمات التالية(‪:)3‬‬
‫‪ 1‬ـ اإلنسان ك ائن اجتم اع ّي‪ ،‬ومن الطَّبيع ّي ح دوث التَّن ازع واالختالف في ك ّل‬
‫ي بحاجة إلى التَّنظيم واالنضباط‪.‬‬ ‫مجتمع‪ ،‬ولذلك‪ ،‬فالمجتمع البشر ّ‬
‫‪ 2‬ـ ال ب َّد من أن يضمن نظام الحياة االجتماعيَّة البشريَّة كمال اإلنس ان وس عادته‬
‫الفرديَّة واالجتماعيَّة‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ ال يت ُّم تنظيم الحي اة االجتماعيَّة‪ ،‬بم ا يجعله ا خالي ة من النِّزاع ات‬
‫واالختالف ات‪ ،‬وض امنة لس عادة اإلنس ان المعنويَّة والغائيَّة‪ ،‬إاّل من خالل الق وانين‬
‫المناسبة والمنفّذ الجدير‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ ليس للبشر قدرة على تنظيم الحياة االجتماعيَّة المطلوبة من دون هللا‪.‬‬
‫‪ 5‬ـ ال ب َّد من أن يك ون حام ل الق وانين اإللهيَّة وحافظه ا معص وما ً لتص ل إلى‬
‫اإلنسان بصورة كاملة‪ ،‬ومن دون نقص وتد ّخل وتصرّف‪.‬‬
‫‪ 6‬ـ تبيين الدِّين الكامل وإجراؤه يتطلّب نصب الوص ّي واإلمام المعصوم‪.‬‬
‫‪ 7‬ـ ال يؤ ّمن الهدف الم ذكور ـ أي الحي اة االجتماعيَّة المطلوب ة والمنس جمة م ع‬
‫القوانين ال َّشرعيَّة ـ في حالة فقدان النب ّي واإلمام المعصوم‪ ،‬إاّل من طري ق القائ د الع الم‬
‫بالوحي والعامل به‪.‬‬
‫ّ‬
‫وبناء على هذا؛ فالمقدمة السادسة‪ ،‬في هذا البرهان‪ ،‬مقيدة بلزوم نص ب اإلم ام‪،‬‬
‫والمق ّدمة السَّابعة تثبت ضرورة نصب القائد في زمان غيبة اإلمام‪.‬‬
‫وقد عبر عن الصُّ ورة الحاصلة من اندماج مقدِّمتي ه ذا البره ان الش يخ ج وادي‬
‫ي تتطلّب‪ ،‬من جانب‪،‬‬ ‫ي والمعنو ّ‬ ‫آملي بقوله‪ّ :‬‬
‫(إن حياة اإلنسان االجتماعيَّة وكماله الفرد ّ‬
‫الض عف والنَّقص‬ ‫قانونا ً إلهيّ ا ً في األبع اد الفرديَّة واالجتماعيَّة‪ ،‬مص ونا ً ومحفوظ ا ً من ُّ‬
‫والخط أ والنس يان‪ ،‬وتحت اج‪ ،‬من ج انب آخ ر‪ ،‬إلى حكوم ة دينيَّة وح اكم ع الم وع ادل‬
‫‪ )(1‬انظ ر في تقري رات ه ذه األدل ة‪ :‬والي ة الفقي ه مفهوم ا ً ودليالً ‪ ،‬الس يد أب و الحس ن الموس وي الغ ريفي‪ ،‬مرك ز‬
‫الصدرين للدراسات السياسية‪ ،‬و الحكومة اإلسالمية‪ :‬دروس في الفكر السياسي اإلسالمي‪ ،‬مركز نون‪.‬‬
‫‪ )(2‬كتاب البيع‪ ،‬الخميني ‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪..460‬‬
‫‪ )(3‬الحكومة اإلسالمية‪ :‬دروس في الفكر السياسي اإلسالمي‪ ،‬مركز نون‪ ،‬ص‪.212‬‬

‫‪41‬‬
‫لتحقُّق وإج راء ذل ك الق انون الكام ل‪ .‬والحي اة اإلنس انيَّة ال تتحقَّق‪ ،‬في بع دها الف رد ّ‬
‫ي‬
‫واالجتم اع ّي‪ ،‬ب دونهما أو بأح دهما‪ ،‬وفق دانهما في البع د االجتم اع ّي ي وجب اله رج‬
‫ي شخص عاق ل‪ .‬وه ذا البره ان الّ ذي ه و دلي ل‬ ‫والمرج وفساد المجتمع الّذي ال يقرّه أ ّ‬
‫عقل ّي‪ ،‬وال يختصُّ ب أرض وزمن معيَّنين‪ ،‬يش مل زم ان األنبي اء عليهم الس الم‪ .‬ولم ا‬
‫كانت نتيجته ضرورة النبوّة‪ ،‬فإنَّه يشمل‪ ،‬أيضاً‪ ،‬م ا بع د نب وّة الرس ول الخ اتم ‪ ،‬م ا‬
‫يع ني أنَّه يفض ي إلى ض رورة اإلمام ة‪ ،‬وك ذلك إلى عص ر غيب ة اإلم ام المعص وم‬
‫وحاصله ضرورة والية الفقيه)(‪)1‬‬
‫النموذج الثاني‪:‬‬
‫وهو متكون من خمس مقدمات‪:‬‬
‫المقدمة األولى‪ :‬يلزم في كل مجتمع أن يكون فيه ق انون وحكوم ة تحكم ه‪ ،‬وإال‬
‫لساد الهرج والمرج‪ ،‬وهذا أم ر وج داني مؤي د بالنص وص المقدس ة‪ ،‬ومن أمث ال ق ول‬
‫اإلمام علي في جواب الخوارج عندما سمع ق ولهم‪( :‬ال حكم إال هلل)‪ ،‬حيث ق ال‪( :‬كلم ة‬
‫حق يراد بها باطل‪ ،‬نعم‪ ،‬إنه ال حكم إال هلل ولكن هؤالء يقولون‪( :‬ال إمرة إال هلل)‪ ،‬وإن ه‬
‫ال بد للناس من أمير براً كان أو فاجر‪)2()..‬‬
‫المقدمة الثانية‪ :‬أن المجتمع اإلسالمي فيه قانون إلهي‪ ،‬يعتقد المسلمون بص حته‬
‫وكماله‪ ،‬وهو يوجب العمل والحكم على طبقه‪ ،‬كما في قوله تعالى‪َ ﴿ :‬و َم ْن لَ ْم يَحْ ُك ْم بِ َم ا‬
‫أَ ْنزَ َل هَّللا ُ فَأُولَئِ َ‬
‫ك هُ ُم ْال َكافِرُونَ ﴾ [المائدة‪]44 :‬‬
‫المقدمة الثالثة‪ :‬قوانين كل بلد يلزم أن تكون منسجمة فيم ا بينه ا‪ ،‬وص ادرة من‬
‫منشأ واحد‪ ،‬حتى ال يحصل فيها التعارض والتزاحم والخلل‪ ،‬واألم ر ك ذلك في ق وانين‬
‫الحكوم ة اإلس المية‪ ،‬حيث يجب أن تك ون ص ادرة من اجته اد فقهي واح د‪ ،‬أي جمي ع‬
‫قوانين البالد تكون مطابقة لفتوى فقيه معين‪ ،‬وهذه الوظيفة األولى للولي الفقيه‪.‬‬
‫المقدمة الرابعة‪ :‬في كل إدارة يلزم أن يكون المدير واح دا‪ ،‬ومرك زه على رأس‬
‫الهرم اإلداري في إصدار األوامر حتى ال يؤدي التعدد إلى حصول ال نزاع والتخاص م‬
‫بين المدراء‪ ،‬ويؤدي إلى ضعف عملهم أو عدم انسجامه وتوحده في نظام عام‪ ،‬وك ذلك‬
‫اإلدارة السياسية اإلسالمية يلزم أن يكون الحاكم شخصا واحدا‪.‬‬
‫المقدم ة الخامسة‪ :‬اتخ اذ الق رار السياس ي الب د أن يك ون ص ادرا من ش خص‬
‫الحاكم بحسب تشخيصه للمشكلة الموجودة في الواقع الخارجي وعلمه بالقانون‪ ،‬فيح دد‬
‫القرار المناسب لرف ع المش كلة على وف ق الق انون‪ ،‬حال ه ح ال الط بيب ال ذي يش خص‬
‫المرض‪ ،‬ويعطي العالج المناسب‪ ،‬وال يمكن الفص ل بين الط بيب المش خص للم رض‬
‫وبين المعطي للعالج‪ ،‬وك ذلك الح ال في الح اكم اإلس المي الب د أن يك ون فقيه ا ع الم‬
‫بالقانون اإلس المي على نح و يس تطيع أن يس تنبط من ه الحكم المناس ب لمش كلة الواق ع‬
‫السياسي الخارجي‪ ،‬وهذه الوظيفة الثانية للولي الفقيه‪.‬‬

‫‪ )(1‬والية الفقيه‪ 151 :‬و‪..152‬‬


‫‪ )(2‬نهج البالغة ‪ /‬الخطبة ‪.40‬‬

‫‪42‬‬
‫والنتيجة التي تدل عليها هذه المقدمات هي أن وظيفة الح اكم اإلس المي تتلخص‬
‫في أمرين‪:‬‬
‫التقنين‪ :‬أي تقنين قوانين الحكومة اإلسالمية واستنباطها من مصادرها الشرعية‬
‫بحيث تكون جميع أحكام الدولة مطابقة لفتواه واجتهاده الشرعي الذي توصل أليه‪.‬‬
‫التطبيق‪ :‬أي ممارسة السياسة بنفسه أو اإلشراف عليها على نحو يطابق مب ادئ‬
‫اإلس الم ويح ول دون مخالف ة أحك ام اإلس الم بحس ب فت واه واجته اده الش رعي ال ذي‬
‫توصل إليه‪.‬‬
‫وهاتان الوظيفتان ال تمنعان من تفكيك القوى إلى السلطات الثالثة‪ ،‬بحيث يك ون‬
‫دوره دور اإلشراف‪ ،‬وصاحب الق رار النه ائي‪ ،‬وك ل ق رار سياس ي يك ون على طب ق‬
‫فتواه واجتهاده الشرعي الذي توصل إليه‪.‬‬
‫النموذج الثالث‪:‬‬
‫وهو دليل عقلي مر َّكب‪ ،‬يتكوّن من بعض المقدِّمات َّ‬
‫الش رعيَّة‪ ،‬باإلض افة لألدل ة‬
‫العقلية‪ ،‬وقد ذكره العالمة الكبير السيد حسين البروجردي(‪ ،)1961 -1875‬باالس تناد‬
‫لهذه المقدِّمات العقليَّة والنقليَّة(‪: )1‬‬
‫‪1‬ـ يتص ّدى الحاكم لتلبية الحاجات الّتي يتوقَّف عليها حفظ نظام المجتمع‪.‬‬
‫‪2‬ـ التفت اإلسالم إلى هذه الحاجات‪ ،‬وشرّع لها األحكام الالزم ة‪ ،‬وط الب ح اكم‬
‫المسلمين بإجرائها‪.‬‬
‫‪3‬ـ كان قائد المسلمين وزعيمهم‪ ،‬في ص در اإلس الم‪ ،‬رس ول هللا ‪ ،‬ومن بع ده‬
‫األئ ّمة األطهار‪ ،‬وكان من وظائفهم سياسة شؤون المجتمع وإدارتها‪.‬‬
‫‪4‬ـ القضايا السِّياسيَّة وإدارة ش ؤون المجتم ع ال تقتص ر على ذل ك الزم ان‪ ،‬فهي‬
‫من حاجات المسلمين في العصور وال ُّدهور جميعها‪.‬‬
‫‪ 5‬ـ لم يكن من السَّهل على المسلمين‪ ،‬الوص ول إلى األئ ّم ة في حي اتهم‪ ،‬ول ذلك‪،‬‬
‫فإنّنا نوقن بأنّهم نصّبوا بعض األفراد إلدارة هذه األُمور‪ ،‬ونحن ال نحتمل ـ في عص ر‬
‫الغيبة ـ أن يك ون األئ ّم ة ق د نه وا عن الرُّ ج وع إلى الطَّواغيت وأع وانهم‪ ،‬وفي ال وقت‬
‫ينص بوا بعض األف راد لت دبير األُم ور السِّياس يَّة‪ ،‬ورف ع‬ ‫نفس ه أهمل وا السِّياس ة‪ ،‬ولم ّ‬
‫الخصومات وسائر المتطلّبات االجتماعيَّة المه َّمة‪.‬‬
‫‪6‬ـ بالنَّظر إلى ل زوم نص ب ال ول ّي‪ ،‬من ج انب األئ ّم ة‪ ،‬ال ب َّد من إح راز تع يين‬
‫الفقيه العادل إلحراز هذا المنصب‪ ،‬ألنّه ال أحد يعتقد بنصب غير الفقيه لهذا المنص ب‪،‬‬
‫فليس هناك سوى احتمالين‪:‬‬
‫َّ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬
‫ينص بوا أح دا‪ ،‬وإنم ا نه وا عن الرُّ ج وع إلى الطاغوت‬ ‫أن األئ ّم ة لم ّ‬ ‫األ ّول‪ّ :‬‬
‫والسُّلطان الجائر فقط‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬إنّهم نصّبوا الفقيه العادل لهذه المسؤوليَّة‪.‬‬
‫ويتّضح من المقدمات األربع الس ابقة بطالن االحتم ال األوّل‪ .‬وعلي ه‪ ،‬قطع اً‪ ،‬تم‬

‫‪ )(1‬والية الفقيه‪ 167 :‬و‪..168‬‬

‫‪43‬‬
‫نصب الفقيه العادل‪.‬‬
‫النموذج الرابع‪:‬‬
‫وقد قرّره الشيخ جوادي آملي على حسب المقدمات التالية ‪: 1‬‬
‫)‬ ‫(‬
‫ّ‬
‫‪ . 1‬ص الحيَّة ال َّدين اإلس الم ّي وديمومت ه إلى ي وم القيام ة من المس لمات‬
‫والواضحات‪.‬‬
‫‪ .2‬تعطيل اإلسالم‪ ،‬في عصر الغيبة‪ ،‬مخالف لخلود اإلس الم في جمي ع الش ؤون‬
‫العقديَّة واألخالقيَّة والعمليَّة‪.‬‬
‫‪ .3‬إقام ة النِّظ ام اإلس الم ّي وإج راء أحكام ه وح دوده وال دفاع عن كي ان ال دِّين‬
‫ك في ضرورتها‪.‬‬ ‫وحفظه من الطامعين أمو ٌر ال يش ّ‬
‫‪ .4‬هللا تعالى بحكمته ولطفه بعباده ال يرضى بهتك الحرمات ال َّشرعيَّة وأعراض‬
‫الناس وضاللهم وتعطيل اإلسالم‪.‬‬
‫‪ .5‬دراسة األحكام السِّياسيَّة ـ االجتماعيَّة لإلسالم تفي د اس تحالة تحقّقه ا من دون‬
‫زعامة الفقيه الجامع للشرائط‪.‬‬
‫أن هللا تب ارك‬‫وبناء على ه ذه المق دمات‪ ،‬ف إن العق ل يحكم‪ ،‬على ه ذا األس اس‪ّ ،‬‬
‫وتعالى لم يترك اإلسالم والمسلمين في عصر الغيبة من دون زعامة‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ األدلة القرآنية والروائية على والية الفقيه‪:‬‬
‫من أكبر األدلة على كون [والية الفقي ه] مس ألة من المس ائل المطروح ة ق ديما‪،‬‬
‫وأنها ليست بدعة ابت دعها الخمي ني‪ ،‬وال تص حيحا للتش يع‪ ،‬أو خروج ا عن ه‪ ،‬أو ت أثرا‬
‫بالمدرس ة الس نية‪ ،‬أو الحرك ات اإلس المية‪ ،‬كم ا ي زعم بعض الب احثين من المدرس ة‬
‫السنية والشيعية‪ ،‬هو تلك النصوص القرآنية والروائية التي تتحدث عن الس لطات ال تي‬
‫يمكن أن يتوالها الفقيه‪ ،‬باعتباره واسطة بين هللا وعباده في تعريف األحكام الش رعية‪،‬‬
‫وفي تولي تنفيذها‪.‬‬
‫وقد ذكر تلك النصوص أكثر الفقهاء القدامى(‪ ،)2‬حيث نج د الح ديث عن مس ائل‬
‫والية الفقيه كفتاوى من غير إشارة الى دليل عند الشيخ المفيد (المت وفى ‪413‬هـ)‪ ،‬فق د‬
‫ص رح به ا في المقنعة(‪ ، )3‬والطوس ي في النهاية(‪ ،)4‬ومحم د بن إدريس الحلي في‬
‫الس رائر(‪ ،)5‬والمحق ق األردبيلي في مجم ع الفائ دة والبره ان(‪ ،)6‬والمحق ق األول في‬
‫شرائع اإلسالم(‪ ،)7‬وغيرهم‪.‬‬
‫‪ )(1‬والية الفقيه‪ 167 :‬و‪..168‬‬
‫‪ )(2‬انظر‪ :‬والية الفقيه مفهوما ً ودليال ‪ ،‬الس يد أب و الحس ن الموس وي الغ ريفي‪ ،‬وق د اس تفدنا من ه االقتباس ات ال تي‬
‫ً‬
‫ذكرت والية الفقيه في الكتب الفقهية‪.‬‬
‫‪ )(3‬المقنعة‪ 740 ،721،774 ،678 ،442 ،152 ،270 ،252 ،811 ،163 ،675 :‬وغيرها‪.‬‬
‫‪ )(4‬النهاية‪..706 ،704 ،192،700 ،185 :‬‬
‫‪ )(5‬السرائر‪ ،‬ج‪ ،3‬ص‪ 538‬و‪.539‬‬
‫‪ )(6‬مجمع الفائدة والبرهان‪..28 :12 :‬‬
‫‪ )(7‬الحلي‪ ،‬جعفر بن حسن‪ ،‬شرائع اإلسالم‪ ،‬مختلف الشيعة‪ .478 :4 :‬تذكرة الفقهاء‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.452‬‬

‫‪44‬‬
‫كما نجدها مذكورة ـ م ع األدل ة المختص رة ـ عن د العالم ة الحلي في المختل ف‬
‫والت ذكرة‪ ،‬وب اقي كتبه(‪ ،)1‬ونص ير ال دين الطوس ي‪ ،‬والش هيد األول في ال دروس‪،‬‬
‫والشهيد الثاني في المسالك واللمع ة‪ ،‬كم ا نق ل اإلجم اع عليه ا العدي د من الفقه اء منهم‬
‫المحقق الكركي في رسالة صالة الجمعة(‪ ،)2‬وغيرهم‪.‬‬
‫كما نجدها ـ م ع ال دليل المفص ل ـ عن د الش يخ ال نراقي‪ ،‬ال ذي بحث فيه ا بحث ا‬
‫مفصالً في عوائد األيام(‪ ،)3‬ومثله المير عب د الفت اح الم راغي في كت اب العن اوين(‪،)4‬‬
‫والسيد محم د آل بح ر العل وم في كت اب بلغ ة الفقيه(‪ ،)5‬وص احب المس تند‪ ،‬وص احب‬
‫الجواهر الذي ق ال‪( :‬ب ل ه و المش هور‪ ،‬ب ل ال أج د في ه خالف اً‪ ،‬ثم أخ ذ في االس تدالل‬
‫بنصوص روايات كثيرة‪ ،‬وأخيراً قال‪ :‬فمن الغريب وسوسة بعض الناس في ذل ك‪ ،‬ب ل‬
‫كأنه ما ذاق من طعم الفقه شيئاً‪ ،‬وال فهم من لحن قولهم ورم وزهم ـ يقص د أئم ة أه ل‬
‫البيت ـ أمراً)(‪ ، )6‬وختم قوله هذا بقوله‪( :‬هذا حكم أساطين المذهب)‪ ،‬والم يرزا محم د‬
‫حسين النائيني في كتابه تنبيه األمة وتنزيه الملة (‪ ،)7‬وغيرهم‪.‬‬
‫وفي األخ ير تح ولت إلى مرحل ة التط بيق العملي‪ ،‬وم ا تبع ه من التأص يالت‬
‫النظرية‪ ،‬والتحقيقات العلمية المرتبطة بها‪ ،‬والتي حولتها إلى حقيقة بديهية واضحة‪.‬‬
‫وقد اعتبر بعضهم هذه الموارد نوع ا من اإلجم اع الفقهي عليه ا‪ ،‬كم ا ع بر عن‬
‫ذلك العالمة محمد هادي معرفة بقوله‪( :‬كانت هي مورد اتفاق الفقهاء فيما س لف ح تى‬
‫عصر صاحب الجواهر حيث بدت بعده وس اوس المتش ككين‪ ،‬وراق لبعض هم إنكاره ا‬
‫رأساً‪ ،‬إنكار أمر كان قد أحكمه أساطين المذهب)(‪)8‬‬
‫وهذا ال يعني عدم ورود الخالف في المسألة؛ فق د ص رح ب الخالف فيه ا الش يخ‬
‫األنصاري الذي حصر والية الفقي ه في التص ّدي لألم ور الحس بية فق ط‪ ،‬ومثل ه الس يّد‬
‫الخوئي الذي أنكر مطلق الوالية للفقيه حتى واليته في ش ؤون القض اء‪ ،‬ب ل أثبت نف وذ‬
‫صر أو غير ذلك ال من باب الوالية‪ ،‬بل‬ ‫قضائه‪ ،‬وح ّجية فتواه‪ ،‬والتصرف في أموال الق ّ‬
‫من باب األمور الحسبية‪.‬‬
‫لكن السيّد الخوئي نفسه‪ ،‬وفي أواخر عمره‪ ،‬تص رف بم ا تقتض يه والي ة الفقي ه‬
‫العامة‪ ،‬حيث أنه قام في أيام االنتفاضة الش عبانية بتنص يب عش رة من تالمذت ه األكف اء‬
‫لقيادة العراق في تلك الظروف‪ ،‬وكان ذلك نوعا من صالحيات الولي الفقيه‪.‬‬
‫‪ )(1‬محم د علي الم درس‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪ .177‬والرض وي‪ ،‬محم د تقي الم درس‪ ،‬أح وال وآث ار خواج ة نص ير ال دين‬
‫الطوسي‪.‬‬
‫‪ )(2‬رسائل المحقق الكركي (المجموعة األولى)‪.142 :‬‬
‫‪ )(3‬عوائد األيام‪..536 :‬‬
‫‪ )(4‬العناوين ‪ ،557 :2‬العنوان ‪.75 ،74 ،73‬‬
‫‪ )(5‬بلغة الفقيه‪ .‬رسالة في الواليات‪.‬‬
‫‪ )(6‬جواهر الكالم ‪ -‬ج‪ ،21‬ص‪394‬ـ‪.397‬‬
‫‪ )(7‬النائيني‪ ،‬محمد حسين‪ ،‬تنبيه األمة وتنزيه الملة‪ ،‬ص‪.41‬‬
‫‪ )(8‬آية هللا محمد هادي معرفة‪ ،‬والية الفقيه أبعادها وحدودها ‪ ،‬ص‪...2‬‬

‫‪45‬‬
‫وهذا الموقف إما أن يحمل على تراجع السيد الخوئي عن موقف ه الق ديم‪ ،‬والق ول‬
‫بوالية الفقيه‪ ،‬كما فعل تلميذه السيد علي السيس تاني بع د احتالل الع راق‪ ،‬وص رح بع د‬
‫ذلك بقبولها‪ ،‬أو أنه وسّع الحسبة‪ ،‬كما برر ذلك بعض هم بقول ه‪( :‬ال يتص ور أن مفه وم‬
‫الحسبة ضيق جداً‪ ،‬بل يشمل كل ما كان للمعص وم في إدارة ش ؤون األمة اإلس المية)‪،‬‬
‫وهذا بعينه القول بوالية الفقيه العامة‪.‬‬
‫بناء على هذا نجد القائلين بوالية الفقيه يستدلون لها ب الكثير من األدل ة النص ية‪،‬‬
‫والتي يمكن تصنيفها إلى ما يلي‪:‬‬
‫أ ـ األدلة من القرآن الكريم‪:‬‬
‫وقد جمعها العالمة الش يخ أحم د أزري ق ّمي في كتاب ه (والي ة الفقي ه من منظ ار‬
‫القرآن الكريم)‪ ،‬ومن اآليات التي أوردها للداللة عليها‪:‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ول َوأولِي اأْل ْم ِر‬ ‫‪ 1‬ـ قوله تعالى‪ ﴿ :‬يَاأَيُّهَا الَّ ِذينَ آ َمنُ وا أَ ِطي ُع وا هَّللا َ َوأ ِطي ُع وا الر ُ‬
‫َّس َ‬ ‫َ‬
‫ِم ْن ُك ْم﴾ [النساء‪ ،]59 :‬والتي علق عليها الخميني بقول ه‪( :‬إن جع ل الرس ول األك رم ‪‬‬
‫رئيسا ً وع َّد طاعته واجبة ليس المراد منه أنه إذا ذكر الرسول حكما ً فيجب علينا القبول‬
‫والعمل به‪ ،‬فالعمل باألحكام إطاعة هلل عز وجل‪ ،‬وكل االعمال العبادية وغ ير العبادي ة‬
‫التابعة لألحكام هي إطاعة هلل‪ ،‬واتباع النبي األكرم ‪ ‬ليس عمال باألحك ام‪ ،‬وإنم ا ه و‬
‫أمر آخر‪ ،‬أجل طاعة الرسول األكرم ‪ ‬هي بمعنى من المعاني طاعة هللا‪ ،‬ألن هللا ق د‬
‫أمر أن نطي ع رس وله ‪ ،‬ف إذا أم ر الرس ول األك رم ‪ ‬ـ ال ذي ه و رئيس المجتم ع‬
‫اإلسالمي وقائده ـ أمر الجميع بل زوم ال ذهاب إلى الح رب م ع جيش أس امة؛ فال يح ق‬
‫ألحد أن يتخلف‪ ،‬وهذا ليس أمر هللا‪ ،‬وإنما هو أم ر الرس ول ‪ ،‬فاهلل تع الى ق د أوك ل‬
‫الحكومة والقيادة له ‪ ‬ويقوم هو ‪ ‬وفقا ً للمصلحة بتجييش الجيوش‪ ،‬وتعيين القض اة‬
‫والحكام والوالة‪ ،‬أو يعزلهم)‬
‫وبناء على ما ورد في الرواية عن رس ول هللا ‪( :‬الفقه اء أمن اء الرس ل م ا لم‬
‫يدخلوا في الدنيا)‪ .‬قيل‪ :‬يا رسول هللا وما دخولهم في الدنيا؟ قال‪( :‬اتباع الس لطان؛ ف اذا‬
‫فعلوا ذلك‪ ،‬فاحذروهم على دينكم)(‪ ، )1‬فإن النص في اآلية ـ كما يذكر الخميني ـ يتعلق‬
‫بهم أيضا‪ ،‬حيث قال‪( :‬وبنا ًء على هذا فالفقهاء أمن اء الرس ل‪ ،‬تع ني أن الفقه اء الع دول‬
‫مكلفون ومأمورون بالقي ام بجمي ع األم ور ال تي ك انت في عه دة األنبي اء‪ ،‬ولئن ك انت‬
‫العدال ة من األمان ة‪ ،‬فمن الممكن أن يك ون االنس ان أمين ا ً في األم ور المالي ة‪ ،‬دون أن‬
‫يكون عادالً‪ ،‬إال أن المراد من أمناء الرسل هو أولئ ك ال ذين ال يتقاعس ون عن أداء أي‬
‫تكليف‪ ،‬والذين يكونون طاهرين ومنزهين)(‪)2‬‬
‫وق د ورد في ه ذا رواي ات كث يرة في المص ادر الس نية والش يعية تعت بر الفقه اء‬
‫والعلماء بال دين من أولي األم ر‪ ،‬كم ا روي عن اإلم ام علي قول ه‪( :‬أح ق الن اس به ذا‬
‫األمر أقواهم عليه وأعلمهم بأمر هللا فيه)‪ ،‬وقال‪( :‬وال يحم ل ه ذا العلم إالّ أه ل البص ر‬

‫‪ )(1‬اصول الكافي‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.،58‬‬


‫‪ )(2‬الحكومة اإلسالمية‪ ،‬ص‪.65‬‬

‫‪46‬‬
‫والصبر والعلم بمواضع الحق)(‪ ،)1‬وقال‪( :‬إن أولى الناس باألنبياء أعلمهم بم ا ج اءوا‬
‫اس بِإِ ْب َرا ِهي َم لَلَّ ِذينَ اتَّبَعُوهُ َوهَ َذا النَّبِ ُّي َوالَّ ِذينَ آ َمنُ وا‬‫به)‪ ،‬ثم تال قوله تعالى‪﴿ :‬إِ َّن أَوْ لَى النَّ ِ‬
‫ق أَ ْن‬ ‫ق أَ َح ُّ‬ ‫َوهَّللا ُ َولِ ُّي ْال ُم ْؤ ِمنِينَ ﴾ [آل عم ران‪ ،]68 :‬وق ال تع الى‪﴿ :‬أَفَ َم ْن يَ ْه ِدي إِلَى ْال َح ِّ‬
‫ك ُمونَ ﴾ [يونس‪)2()]35 :‬‬ ‫يُتَّبَ َع أَ َّم ْن اَل يَ ِهدِّي إِاَّل أَ ْن يُ ْهدَى فَ َما لَ ُك ْم َك ْيفَ تَحْ ُ‬
‫وهاتان اآليتان الكريمت ان واض حتان في الدالل ة على والي ة الفقي ه‪ ،‬حيث أنهم ا‬
‫تنصان على أن االتباع ال يكون إال للمهتدين‪ ،‬وال يكون المرء مهتديا ما لم يكن ل ه علم‬
‫مفصل بمواضع الهداية‪ ،‬وذلك ليس إال للفقيه العالم‪.‬‬
‫ف أ َذاعُوا بِ ِه َولَ وْ َر ُّدوهُ إِلَى‬ ‫َ‬ ‫‪ 2‬ـ قوله تعالى‪َ ﴿ :‬وإِ َذا َجا َءهُ ْم أَ ْم ٌر ِمنَ اأْل َ ْم ِن أَ ِو ال َخوْ ِ‬
‫ْ‬
‫ض ُل هَّللا ِ َعلَ ْي ُك ْم‬ ‫َّس و ِل َوإِلَى أُولِي اأْل َ ْم ِر ِم ْنهُ ْم لَ َعلِ َم هُ الَّ ِذينَ يَ ْس تَ ْنبِطُونَهُ ِم ْنهُ ْم َولَ وْ اَل فَ ْ‬‫الر ُ‬
‫َو َرحْ َمتُهُ اَل تَّبَ ْعتُ ُم ال َّش ْيطَانَ إِاَّل قَلِياًل ﴾ [النساء‪ ،]83 :‬فهذه اآلية الكريم ة تص رح بال دعوة‬
‫للرجوع لرسول هللا ‪ ‬أو ألولي األمر‪ ،‬وهي ت ذكر من ص فاتهم الق درة على اس تنباط‬
‫حكم هللا في المسألة‪ ،‬وذلك ال يكون إال للفقيه العالم‪.‬‬
‫وقد ذكر هذا المعنى الكثير من فقهاء المدرسة الس نية‪ ،‬ومنهم اإلم ام الجويــني‪،‬‬
‫الذي نص على هذا بقوله‪( :‬إذا كان صاحب األمر مجتهداً فهو المتب وع ‪ ،‬ال ذي يس تتبع‬
‫الكاف ة في اجته اده وال يتب ع ‪ ،‬أم ا إذا ك ان س لطان الزم ان ال يبل غ مبل غ االجته اد‬
‫ف المتبوعون العلم اء ‪ ،‬والس لطان نج دتهم وش وكتهم ‪ ،‬والس لطان م ع الع الم كمل ك في‬
‫زمان نبي ‪ ،‬مأمور باالنتهاء إلى ما ينهيه إليه النبي)(‪)3‬‬
‫ويص رح في موض ع آخ ر من كتاب ه على ذل ك بقول ه‪( :‬إذا ش غر الزم ان عن‬
‫اإلمام‪ ،‬وخال عن سلطان ذي نجدة وكفاية ودراية ‪ ،‬فاألمر موكول إلى العلماء ‪ ،‬وح ق‬
‫على الخالئ ق على اختالف طبق اتهم أن يرجع وا إلى علم ائهم ‪ ،‬ويص دروا في جمي ع‬
‫قض ايا الوالي ات عن رأيهم ‪ ،‬ف إن فعل وا ذل ك ‪ ،‬فق د ه دوا إلى س واء الس بيل ‪ ،‬وص ار‬
‫علماء البالد والة العباد ‪ ،‬وهم على الحقيقة أصحاب األم ر اس تحقاقا ً ‪ ،‬وذو النج دة من‬
‫الحكام مأمورون بارتسام مراسمهم ‪ ،‬واقتفاء أثرهم‪ ،‬واالنكفاف عن مزاجرهم )(‪)4‬‬
‫ب ل إن ه ينص على كيفي ة تط بيق والي ة الفقي ه؛ فيق ول‪( :‬وإن كثُ ر العلم اء في‬
‫الناحية فالمتبع أعلمهم ‪ ،‬وإن فرض استواؤهم في العلم ‪ ،‬فإص دار ال رأي عن جميعهم)‬
‫(‪)5‬‬
‫ومثله قال الفخ ر ال رازي‪( :‬لكن المقص ود ب أولي األم ر في اآلي ة هم العلم اء ‪،‬‬
‫وأعمال األمراء والسالطين موقوفة على فتاوي العلم اء ‪ ،‬والعلم اء في الحقيق ة أم راء‬

‫‪ )(1‬نهج البالغة‪ ،‬الخطبة رقم ‪..163‬‬


‫‪ )(2‬مجمع البيان‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪..458‬‬
‫‪ )(3‬الجويني ‪ ،‬غياث األمم ‪ ،‬ص‪.380‬‬
‫‪ )(4‬المرجع السابق‪( ،‬ص ‪.)280‬‬
‫‪ )(5‬المرجع السابق‪( ،‬ص ‪)391‬‬

‫‪47‬‬
‫أولى)(‪)1‬‬ ‫األمراء ‪ ،‬فكان حمل لفظ أولي األمر عليهم‬
‫‪ 3‬ـ قوله تعالى‪﴿ :‬إِنَّا أَ ْنزَ ْلنَا التَّوْ َراةَ فِيهَا هُدًى َونُو ٌر يَحْ ُك ُم بِهَا النَّبِيُّونَ ال ِذينَ أ ْسلَ ُموا‬
‫َ‬ ‫َّ‬
‫ب هَّللا ِ َو َك انُوا َعلَ ْي ِه ُش هَدَا َء فَاَل‬ ‫اس تُحْ فِظُوا ِم ْن ِكتَ ا ِ‬ ‫لِلَّ ِذينَ هَادُوا َوال َّربَّانِيُّونَ َواأْل َحْ بَا ُر بِ َما ْ‬
‫اخ َشوْ ِن َواَل تَ ْشتَرُوا بِآيَاتِي ثَ َمنًا قَلِياًل َو َم ْن لَ ْم يَحْ ُك ْم بِ َم ا أَ ْن َز َل هَّللا ُ فَأُولَئِ َ‬
‫ك‬ ‫اس َو ْ‬ ‫ت َْخ َش ُوا النَّ َ‬
‫هُ ُم ْال َكافِرُونَ ﴾ [المائدة‪ ،]44 :‬حيث حص رت اآلي ة الكريم ة الحكم لثالث أص ناف من‬
‫الن اس‪ :‬وهم( الن بيون) والم راد بهم األنبي اء ورس ل هللا تع الى‪ ،‬و( الرب انيون) وهم‬
‫ورثتهم من األئمة‪ ،‬و(األحبار) وهم ورثة األئمة من العلماء‪ ،‬فأثبتت هذه اآلية الكريم ة‬
‫الوالية للعلماء في حال غياب األنبياء واألئمة‪.‬‬
‫ب ـ األدلة الروائية‪:‬‬
‫وهي كثيرة جدا‪ ،‬نذكر باختصار بعضها‪ ،‬مع بيان وجوه استدالل الخمي ني به ا‪،‬‬
‫على حسب ما ذكره في كتابه [الحكومة اإلسالمية]‪:‬‬
‫الرواية األولى‪:‬‬
‫وهي ما روي عن عمر بن حنظلة‪ ،‬أنه سأل اإلمام الصادق عن رجلين حص لت‬
‫بينهما منازعة في دين أو ميراث‪ ،‬فتحاكما إلى السلطان وإلى القض اة؛ فق ال ل ه اإلم ام‬
‫ق أو باط ل فإنّم ا تح اكم إلى الط اغوت‪ ،‬وم ا يُحكم ل ه‬ ‫الصادق‪ :‬من تحاكم إليهم في ح ٍّ‬
‫فإنّما يأخذه سحتا ً وإن كان حقّا ً ثابتا ً له‪ ،‬ألنّه أخذه بحكم الطاغوت وما أمر هللا أن يُكف ر‬
‫ت َوقَ ْد أُ ِم رُوا أَ ْن يَ ْكفُ رُوا بِ ِه﴾‬ ‫ب ه‪ ،‬ق ال هللا تع الى‪﴿ :‬ي ُِري ُدونَ أَ ْن يَتَ َح ا َك ُموا إِلَى الطَّا ُغو ِ‬
‫[النساء‪ ،]60 :‬فقال له عمر‪ :‬فكيف يصنعان؟ فأجابه اإلمام الصادق‪( :‬ينظران من كان‬
‫منكم قد روى حديثنا‪ ،‬ونظر في حاللنا وحرامنا‪ ،‬وعرف أحكامنا؛ فليرضوا ب ه حكم اً‪،‬‬
‫فإني قد جعلته عليكم حاكماً؛ ف إذا حكم بحكمن ا فلم يقب ل من ه‪ ،‬فإنم ا اس تخف بحكم هللا‪،‬‬
‫وعلينا ر ّد‪ ،‬والرا ّد علينا الرا ّد على هللا‪ ،‬وهو على حد الشرك باهلل)(‪)2‬‬
‫وقد اهتم الخميني بهذه الرواية‪ ،‬وأش ار إليه ا كث يرا عن د اس تدالالته على والي ة‬
‫الفقيه‪ ،‬وق د ق ال عنه ا‪( :‬ه ذه الرواي ة من الواض حات‪ ،‬وليس ثم ة وسوس ة في س ندها‬
‫وداللتها‪ ،‬فال ترديد في أن اإلم ام الص ادق ق د عين الفقه اء ألج ل الحكوم ة والقض اء‪،‬‬
‫وعلى جميع المسلمين طاعة أمر اإلمام)(‪)3‬‬
‫وم ع ك ون الرواي ة واض حة في ال دعوة لتحكيم الفقه اء والعلم اء‪ ،‬ب دل القض اة‬
‫والسالطين‪ ،‬إال أننا سنقتبس بعض ما ذكره الخميني من وجوه االستدالل بها(‪:)4‬‬
‫‪1‬ـ كم ا يتحص ل من ص در وذي ل ه ذه الرواي ة‪ ،‬ومن استش هاد اإلم ام الص ادق‬
‫باآلية الشريفة‪ ،‬فإن موضوع السؤال كان حكم ا ً عام اً‪ ،‬كم ا أن اإلم ام ق د بين التكلي ف‬
‫الع ام‪ ،‬وق د ذك رت الرج وع في ال دعاوى الحقوقي ة والجزائي ة إلى القض اة‪ ،‬وإلى‬

‫‪ )(1‬مفاتيح الغيب‪)5/150( :‬‬


‫‪ )(2‬الكافي ‪ ،‬ج‪ ،7‬ص‪ ،412‬رقم‪..5‬‬
‫‪ )(3‬الحكومة اإلسالمية‪ ،‬ص‪.88‬‬
‫‪ )(4‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.86‬‬

‫‪48‬‬
‫المسؤولين التنفيذيين والحكوميين بشكل عام‪ ،‬فالرجوع إلى القضاة يك ون ألج ل اثب ات‬
‫الحق‪ ،‬وفصل الخصومات‪ ،‬وتعيين العقوبة‪ ،‬والرجوع إلى السلطة ألجل إلزام الط رف‬
‫اآلخر في الدعوى بقبول النتيجة‪ ،‬أو لتنفيذ الحكم الحقوقي أو الجزائي‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ في ه ذه الرواي ة يُس أل اإلم ام عن ج واز الرج وع إلى س الطين الج ور‬
‫وقضاتهم‪ ،‬ويجيب اإلم ام ب النهي عن الرج وع إلى دوائ ر الحكوم ات غ ير الش رعية‪،‬‬
‫سواء التنفيذية أو القضائية‪ ،‬ويق ول بأن ه على الش عب المس لم أال يرج ع في أم وره إلى‬
‫سالطين وحكام الجور والقضاة العاملين لديهم‪ ،‬ح تى ل و ك ان ح ق الش خص المراج ع‬
‫ثابتاً‪ ،‬ويريد الرجوع إلحقاقه وتحصيله‪ ..‬ومن رجع إليهم في موارد كهذه فقد رجع إلى‬
‫الط اغوت‪ ،‬أي الس لطات غ ير الش رعية‪ ،‬وم ا يأخ ذه من ح ق بواس طتهم فإنم ا يأخ ذه‬
‫سحتاً‪ ،‬وإن كان حقا ً ثابتا ً له‪ ،‬فهو حرام‪ ،‬وال حق له في التصرف فيه‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ بين الخميني بعض األسرار الثورية التي يحملها قول اإلمام الصادق؛ فق ال‪:‬‬
‫(هذا حكم سياسي لإلسالم‪ ،‬حكم يبعث على امتناع المسلمين عن الرجوع إلى السلطات‬
‫غ ير الش رعية والقض اة الت ابعين لهم‪ ،‬وذل ك لكي تتوق ف األجه زة الحكومي ة الج ائرة‬
‫وغير اإلسالمية‪ ،‬وتتعطل ه ذه المح اكم الطويل ة العريض ة ال تي ال يع ود للن اس منه ا‬
‫سوى التعب والمش قة‪ ،‬وتفتح الطري ق إلى أئم ة اله دى وإلى األش خاص الموك ل اليهم‬
‫حق الحكم والقضاة من قبلهم‪ ،‬والهدف األساسي ه و ع دم الس ماح للس الطين والقض اة‬
‫التابعين لهم بأن يكونوا مرجعا ً لألمور‪ ،‬وب أن يتبعهم الن اس في ذل ك‪ .‬فق د أعلن األئم ة‬
‫لألمة اإلسالمية أن هؤالء ليسوا بمرجع‪ ،‬وهللا تعالى أمر الناس بالكفر بهم وعصيانهم‪،‬‬
‫والرجوع اليهم يتنافى مع الكفر بهم‪ ،‬فإذا كنت كافراً بهم وتراهم ظالمين وغ ير الئقين‪،‬‬
‫فيجب أال ترجع إليهم) (‪)1‬‬
‫‪ 4‬ـ بناء على هذا‪ ،‬وبن اء على حاج ة الن اس للقض اة والحك ام؛ ف إن ق ول اإلم ام‬
‫الصادق‪ ،‬ليس سوى دعوة لتحقيق والية الفقيه في الواقع‪ ،‬كما ينص الخميني على ذل ك‬
‫بقوله‪( :‬بناءاً على هذا‪ ،‬فما هو تكليف األمة؟ وما الذي يجب عليهم عمل ه في الح وادث‬
‫والمنازع ات؟ وإلى من يرجع ون؟‪ ..‬فاإلم ام لم ي ترك ش يئا ً مبهم ا ً ليق ول البعض إذن‬
‫فرواة الحديث هم المرجع والحاكم‪ ،‬ب ل ذك ر ك ل الجه ات وقي د (ال رواة) بك ونهم ممن‬
‫نظر في الحالل والحرام وفقا للقواعد‪ ،‬وله معرفة باألحك ام‪ ،‬ويمتل ك الم وازين لتمي يز‬
‫الرواي ات الص ادرة على خالف الواق ع ‪ ..‬ومن الواض ح أن معرف ة األحك ام ومعرف ة‬
‫الحديث أمر آخر غير نقل الحديث) (‪)2‬‬
‫‪ 5‬ـ يقول تعليقا على قول اإلمام الص ادق‪( :‬ف إني ق د جعلت ه عليكم حاكم اً)‪( :‬أي‬
‫منص با ً من قبلي للحكم واالم ارة‪ ،‬وللقض اء بين المس لمين‪ .‬وال يح ق للمس لمين أن‬
‫يرجعوا إلى غيره‪ ،‬وبناءاً عليه‪ ،‬فلو اعتدى أحدهم على مال لكم‪ ،‬فالمرجع في الش كوى‬
‫هي الس لطة ال تي عينه ا اإلم ام‪ ،‬وإذا تن ازعتم م ع أح د على دَين‪ ،‬واحتجتم إلى اثب ات‬

‫‪ )(1‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.87‬‬


‫‪ )(2‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.87‬‬

‫‪49‬‬
‫ذلك‪ ،‬فالمرجع هو ذلك القاضي الذي عينه أيضاً‪ ،‬وال ح ق لكم في الرج وع إلى غ يره‪.‬‬
‫وهذه وظيفة جمي ع المس لمين‪ ،‬وليس تكليف ا ً خاص ا ً بعم ر بن حنظل ة حين يواج ه تل ك‬
‫المشكلة‪ ،‬فأمر اإلمام هذا عام وكلي‪ ،‬فكما كان أمير المؤم نين في زم ان حكومت ه يعين‬
‫الحكام وال والة والقض اة‪ ،‬وك ان على جمي ع المس لمين أن يطيع وهم‪ ،‬فاإلم ام الص ادق‬
‫أيضا ً بما أنه ولي االمر المطلق‪ ،‬وله الوالية على جميع العلماء والفقهاء والن اس‪ ،‬فه و‬
‫يستطيع أن يعيّن الحكام والقضاة لزمان حياته‪ ،‬ولما بع د ممات ه‪ .‬وق د ق ام ب ذلك وجع ل‬
‫ه ذا المنص ب للفقه اء‪ ،‬وإنم ا ق ال [حاكم اً] لكيال يت وهم البعض أن األم ر مختص‬
‫بالمسائل القضائية‪ ،‬وال يشمل سائر أمور الحكم والدولة) (‪)1‬‬
‫الرواية الثانية‪:‬‬
‫وهي ما روي عن سالم بن مكرم المكنى بأبي خديجة ‪ ، 2‬أن ه ق ال‪( :‬بعث ني أب و‬
‫)‬ ‫(‬
‫عبد هللا إلى أحد أصحابنا‪ ،‬فقال‪ :‬قل لهم‪ :‬إيّ اكم إذا وقعت بينكم خص ومة أو ت دارى في‬
‫الفس اق‪ ،‬اجعل وا بينكم رجالً‬‫شيء من األخذ والعطاء‪ ،‬أن تُحاكموا إلى أح ٍد من هؤالء ّ‬
‫قد عرف حاللنا وحرامنا فإنّي قد جعلته عليكم قاضياً‪ ،‬وإيّاكم أن يُخاصم بعضكم بعضا ً‬
‫إلى السلطان الجائر)(‪)3‬‬
‫وقد ذكرها الخميني في كتابه [الحكومة اإلسالمية]‪ ،‬وذكر وجوه االس تدالل به ا‬
‫بتفصيل نختصره فيما يلي (‪: )4‬‬
‫‪ .1‬المراد من التداري المذكور في الرواية هو االختالف الحق وقي؛ ف المعنى أن‬
‫ال ترجعوا إلى هؤالء الفس اق في االختالف ات الحقوقي ة والمنازع ات وال دعاوي‪ .‬ومن‬
‫قول ه بع د ذل ك‪( :‬إني ق د جعلت ه عليكم قاض ياً) يتض ح أن المقص ود من [الفس اق] هم‬
‫القضاة المعينون من قبل سالطين ذلك الوقت‪ ،‬والحكام غير الشرعيين‪ .‬ويقول في ذي ل‬
‫الحديث‪( :‬وإياكم أن يخاصم بعض كم بعض ا ً إلى الس لطان الج ائر)‪ ،‬أي ال ترجع وا في‬
‫األمور ذات العالقة بالسلطة التنفيذية هؤالء الحكام غير الشرعيين‪.‬‬
‫‪ .2‬أن السلطان الجائر هو ك ل ح اكم ج ائر وغ ير ش رعي بش كل ع ام‪ ،‬ويش مل‬
‫جمي ع الحك ام غ ير اإلس الميين‪ ،‬والس لطات الثالث القض ائية والتش ريعية والتنفيذي ة‬
‫جميعاً‪ ،‬لكن بااللتفات إلى أنه قد نهى قبل ذلك عن الرج وع إلى قض اة الج ور‪ ،‬يتض ح‬
‫أن المراد بهذا النهي فريق آخر‪ ،‬وهم السلطة التنفيذية‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ 3‬ـ أن قول ه‪( :‬إيّ اكم أن يُخاص م بعض كم بعض ا إلى الس لطان الج ائر) ليس ت‬
‫تكراراً للكالم السابق‪ ،‬أي النهي عن الرجوع إلى الفساق‪ ،‬وذل ك ألن ه ق د نهى أوالً عن‬
‫الرجوع إلى القاضي الفاسق في األمور المتعلقة به من التحقيق‪ ،‬وإقامة البيّن ة‪ ،‬وأمث ال‬
‫ذل ك‪ ،‬وأوض ح وظيف ة اتب اع القاض ي ال ذي عين ه‪ ،‬ثم من ع بع د ذل ك من الرج وع إلى‬
‫‪ )(1‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.88‬‬
‫وعلي بن فضّ ال‪ ،‬وعبَّر عن ه‬
‫ّ‬ ‫‪ )(2‬كان من أصحاب اإلمامين الصادق والكاظم وروى عن كليهما‪ ،‬وثقه ابن قولويه‪،‬‬
‫َّ‬
‫النجاشي بالثقة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫الرجالي الكبير‬
‫ّ‬
‫‪ )(3‬وسائل الشيعة‪ ،‬ج‪ ،18‬ص‪.100‬‬
‫‪ )(4‬الحكومة اإلسالمية‪ ،‬ص‪.89‬‬

‫‪50‬‬
‫الس الطين أيض اً‪ ،‬مم ا ي دل على أن ب اب القض اء غ ير ب اب الرج وع إلى الس الطين‪،‬‬
‫وأنهم ا ص نفان‪ .‬وفي رواي ة عم ر بن حنظل ة حيث نهى عن التح اكم إلى الس الطين‬
‫والقضاة أشار إلى كال الصنفين‪ ،‬غاية األمر أنه هنا إنم ا عين القاض ي فق ط‪ ،‬بينم ا في‬
‫رواية عمر بن حنظلة عين الحاكم المنفذ والقاضي كالهما‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ 4‬ـ أن اإلمام الصادق جعل منصب القضاء في حياته للفقهاء ـ وفقا لهذه الرواي ة‬
‫ـ بينما جعل لهم منصب القضاء والرئاسة وفقا ً لرواية عمر بن حنظلة‪.‬‬
‫‪ 5‬ـ ال يمكن ألحد أن يقول باعتزال الفقهاء عن هذه المناصب بموت اإلمام؛ ففي‬
‫انظم ة ال دنيا جميع ا ال تلغي المناص ب والمراك ز العس كرية والتنظيمي ة بمج رد وف اة‬
‫رئيس الجمهورية أو السلطان‪ ،‬أو تبديل األوضاع وتغيير النظام‪.‬‬
‫‪ 6‬ـ بناء على ما سبق؛ فإن مناصب العلماء باقية مستمرة‪ ،‬وك ذلك مق ام الرئاس ة‬
‫والقضاء الذي عيَّنه االئمة لفقهاء اإلسالم‪ ،‬فه و مس تمر وب اق؛ فاإلم ام يع رف أن ه في‬
‫حكومات الدنيا تبقى المناصب مستمرة حتى لو مات الرئيس؛ فلو كان يري د س لب ح ق‬
‫الرئاسة والقضاء من الفقهاء بعد وفاته لكان يجب أن يعلن أن ذلك المنصب للفقهاء إنما‬
‫كان فترة حياته فحسب‪ ،‬وأنهم بعد رحيله معزولون؛ فظه ر إذن أن الفقه اء منص وبون‬
‫من قبل اإلمام لمنصب الحكومة والقضاء‪ ،‬وأن هذا المنصب لهم ب اق دائم اً‪ ،‬واحتم ال‬
‫كون اإلمام المتأخر قد نقض هذا الحكم‪ ،‬وعزلهم عن ذلك المنصب‪ ،‬احتم ال باط ل‪ .‬إذ‬
‫عندما ينهى اإلمام عن الرجوع إلى سالطين الجور وقضاتهم‪ ،‬ويقول أن الرجوع اليهم‬
‫رجوع إلى الطاغوت‪ ،‬ويتمسك باآلية الش ريفة ال تي ت أمر ب الكفر بالط اغوت‪ ،‬ومن ث َّم‬
‫ينصب (الفقهاء) قضاة وحكاما ً للناس‪ ،‬فلو ألغي اإلمام المتأخر ه ذا الحكم‪ ،‬ولم ينص ب‬
‫حاكم ا ً وقاض يا ً آخ ر‪ ،‬فم ا ه و تكلي ف المس لمين؟ ولمن يجب عليهم الرج وع في‬
‫االختالفات والمنازعات؟ ه ل يرجع ون إلى الفس اق والظلم ة‪ ،‬وال ذي ه و رج وع إلى‬
‫الطاغوت‪ ،‬ومخالف ألمر هللا؟ أم يبقون دون مرجع وملجأ‪ ،‬وتع ّم الفوضى؟ وليفعل كل‬
‫امرئ ما يريد من اكل حق‪ ،‬أو سرقة أو سواها؟‬
‫الرواية الثالثة‪:‬‬
‫ما ورد في الحديث المعروف المتفق على روايته عند السنة والشيعة‪ ،‬وهو قول ه‬
‫‪ ‬في فضل العلماء وطلبة العلم‪( :‬من سلك طريقا ً يطلب فيه علما‪ ،‬سلك هللا به طريق ا‬
‫إلى الجنة‪ ،‬وإن المالئكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا به‪ .‬وإنه يستغفر لطالب العلم‬
‫من في الس ماء ومن في االرض‪ ،‬ح تى الح وت في البح ر‪ .‬وفض ل الع الم على العاب د‬
‫كفضل القمر على سائر النجوم ليل ة الب در‪ ،‬وإن العلم اء ورث ة األنبي اء‪ ،‬إن األنبي اء لم‬
‫رثوا دينارا وال درهما‪ ،‬ولكن ورَّثوا العلم‪ .‬فمن أخذ منه أخذ بحظ وافر)(‪)1‬‬ ‫يو ِّ‬
‫والحديث ـ كما يذكر الخمي ني ـ ل ه دالل ة واض حة على [والي ة الفقي ه]‪ ،‬ول ذلك‬
‫استدل به النراقي إلثبات والية الفقيه(‪ ،)2‬ومحل الشاهد منه ـ كما يذكر ـ هو قول ه ‪:‬‬
‫‪ )(1‬أصول الكافي‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪ ،42‬وقد روي الحديث في المصادر السنية التالية‪ :‬مسند أحمد (‪ ،)5/196‬والدارمي (‬
‫‪ ،)340‬وأبو داود (‪ ، )3641‬وابن ماجة (‪)223‬‬
‫‪ )(2‬عوائد االيام‪.186 ،‬‬

‫‪51‬‬
‫(العلماء ورثة األنبياء)‪ ،‬ومن وجوه االستدالل التي ذكرها(‪:)1‬‬
‫‪1‬ـ أن المقصود من العلماء هم علم اء األم ة‪ ،‬وليس األئم ة‪ ،‬إذ أن نم ط المن اقب‬
‫الواردة لالئمة يختلف عما ورد في الحديث؛ فهذه العبارات من قبيل‪( :‬إن األنبي اء انم ا‬
‫أورثوا أحاديث من أحاديثهم‪ ،‬فمن أخذ منه أخذ وافر) ال تصح لتعريف األئمة‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ أن اإلش كال ال ذي ي ذكر أن األنبي اء ـ على ال رغم من ك ونهم يتلقّ ون العلم‬
‫بواسطة الوحي ـ إال أن ذلك ال يقتضي الوالية لهم على الناس والمؤمنين‪ ،‬غير صحيح‬
‫ذلك أن (الميزان في فهم الروايات وظواهر االلفاظ هو العرف الع ام والفهم المتع ارف‬
‫للناس‪ ،‬ال ما تؤدي اليه التجزئ ة والتحلي ل العلمي‪ ،‬ونحن أيض ا ً نتب ع فهم الع رف‪ .‬فل و‬
‫أراد الفقيه أن ي دخل الت دقيق العلمي في فهم الرواي ات لتوق ف في كث ير من المس ائل)‪،‬‬
‫وبناء على ذلك (يمكن القول بأن األحكام التي تركها الرس ول ‪ ‬بع د وفات ه هي ن وع‬
‫من الميراث ـ وان كانت ال تس مى ميراث ا بحس ب االص طالح ـ وال ذين يأخ ذون ه ذه‬
‫األحكام هم ورثة النبي)‬
‫‪ 3‬ـ أن الوالي ة واالم ارة من األم ور االعتباري ة والعقالئي ة‪ ،‬وفي ه ذه األم ور‬
‫يجب أن نرجع إلى العقالء لنرى هل يعتبرون انتقال الوالية والحكومة من شخص إلى‬
‫شخص آخر وراثة ام ال؟ فل و س ئل عقالء ال دنيا مثال عمن ق د ورث الس لطة الفالني ة‪،‬‬
‫فهل يجيب ون ب أن ه ذا المنص ب ال يقب ل الوراث ة؟ أم يقول ون أن فالن مثال ه و وريث‬
‫الع رش والت اج؟ وأساس ا ً ف إن ه ذه الجمل ة [وريث الت اج والع رش]‪ ،‬من العب ارات‬
‫المعروف ة‪ .‬فالش ك في أن الوالي ة في نظ ر العقالء قابل ة لالنتق ال‪ ،‬كمث ل اإلرث من‬
‫األموال التي تنتقل من شخص إلى آخر‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ ومن يالحظ اآلية الش ريفة ﴿ النَّبِ ُّي أَوْ لَى بِ ْال ُم ْؤ ِمنِينَ ِم ْن أَ ْنفُ ِس ِه ْم﴾ [األح زاب‪:‬‬
‫‪ ،]6‬والرواية التي تق ول‪( :‬العلم اء ورث ة األنبي اء) يلتفت إلى أن الم راد هي نفس ه ذه‬
‫األمور االعتبارية التي يرى قابلية انتقالها عقال‪.‬‬
‫‪ 5‬ـ بناءاً على ه ذا‪ ،‬ل و كنّ ا نحن وجمل ة العلم اء ورث ة األنبي اء فق ط‪ ،‬وص رفنا‬
‫النظر عن صدر الرواية وذيلها‪ ،‬فالظاهر أن جميع شؤون النبي ‪ ‬القابلة لالنتقال بعد‬
‫وفاته ـ ومنها االمارة على الناس الثابتة لالئم ة من بع ده ـ ثابت ة للفقه اء أيض اً‪ .‬ماع دا‬
‫الشؤون التي تخرج بدليل آخر‪ .‬ونحن نخرجها بمقدار ما يدل الدليل‪.‬‬
‫الرواية الرابعة‪:‬‬
‫وهي خطبة لالمام الحسين في منى ح ول وظ ائف الفقي ه ومس ؤولياته‪ ،‬وأس باب‬
‫جهاده وثورته الداخلية ضد الحكم األم وي‪ ،‬وق د اهتم به ا الخمي ني كث يرا‪ ،‬وفص ل في‬
‫شرحها‪ ،‬وذكر في مقدمته لها أنه (يتحصل منها أم ران مهم ان‪ :‬األول‪[ :‬والي ة الفقي ه]‬
‫والثاني‪ :‬أنه يجب على الفقهاء أن يفضحوا الحكام الجائرين‪ ،‬ويوقظوا الن اس من خالل‬
‫جهادهم وامرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر‪ ،‬حتى تقوم الجماهير الواعي ة من خالل‬

‫‪ )(1‬الحكومة اإلسالمية‪ ،‬ص‪.93‬‬

‫‪52‬‬
‫اإلسالمية)(‪)1‬‬ ‫نهضتها الشاملة باسقاط الحكومة الجائرة‪ ،‬واقامة الحكومة‬
‫وسنذكر هنا الرواية بطولها‪ ،‬ثم ن ذكر بعض تعليق ات الخمي ني عليه ا‪ ،‬فق د ورد‬
‫فيها‪( :‬اعتبروا أيّها الناس بما وعظ هللا به أولياءه من سوء ثنائه على األحب ار إذ يق ول‪:‬‬
‫س َم ا َك انُوا‬ ‫الس حْ تَ لَبِ ْئ َ‬ ‫﴿ لَ وْ اَل يَ ْنهَ اهُ ُم ال َّربَّانِيُّونَ َواأْل َحْ بَ ا ُر ع َْن قَ وْ لِ ِه ُم اإْل ِ ْث َم َوأَ ْكلِ ِه ُم ُّ‬
‫يل َعلَى لِ َس ا ِن دَا ُوو َد‬ ‫يَصْ نَعُونَ ﴾ [المائدة‪ ،]63 :‬وق ال‪﴿:‬لُ ِعنَ الَّ ِذينَ َكفَ رُوا ِم ْن بَنِي إِ ْس َرائِ َ‬
‫َصوْ ا َو َكانُوا يَ ْعتَ ُدونَ ﴾ [المائدة‪ ،]78 :‬وإنّما ع اب هللا ذل ك‬ ‫ك بِ َما ع َ‬ ‫َو ِعي َسى ا ْب ِن َمرْ يَ َم َذلِ َ‬
‫عليهم ألنّهم كانوا يرون من الظلَمة الذين بين أظهرهم المنكر والفس اد فال ينه ونهم عن‬ ‫ّ‬
‫اس‬ ‫ذلك رغبة فيما كانوا ينالون منهم‪ ،‬ورهبة م ّما يح ذرون وهللا يق ول‪﴿ :‬فَاَل ت َْخ َش ُوا النَّ َ‬
‫ْض يَأْ ُمرُونَ‬
‫ضهُ ْم أَوْ لِيَا ُء بَع ٍ‬‫َات بَ ْع ُ‬‫﴿و ْال ُم ْؤ ِمنُونَ َو ْال ُم ْؤ ِمن ُ‬ ‫اخ َشوْ ِن ﴾ [المائدة‪ ،]44 :‬وقال‪َ :‬‬ ‫َو ْ‬
‫ُوف َويَ ْنهَوْ نَ ع َِن ال ُم ْن َك ِر ﴾ [التوبة‪]71 :‬؛ فبدأ هللا ب األمر ب المعروف والنهي عن‬ ‫ْ‬ ‫بِ ْال َم ْعر ِ‬
‫المنك ر فريض ةً من ه لعلم ه بأنّه ا إذا أُ ّديت وأُقيمت‪ ،‬اس تقامت الف رائض كلّه ا هيّنه ا‬
‫أن األم ر ب المعروف والنهي عن المنك ر دع اء إلى اإلس الم م ع ر ّد‬ ‫وص عبها‪ .‬وذل ك ّ‬
‫المظ الم‪ ،‬ومخالف ة الظ الم‪ ،‬وقس مة الفيء والغن ائم‪ ،‬وأخ ذ الص دقات من مواض عها‬
‫العلم مش هورة‪ ،‬وب الخير م ذكورة‪،‬‬ ‫ووضعها في حقّها‪.‬ثُ ّم أنتم أيّتها العصابة‪ ،‬عص ابة ب ِ‬
‫وبالنص يحة معروف ة‪ ،‬وباهلل في أنفس الن اس ُمهاب ة‪ ،‬يه ابكم الش ريف‪ ،‬ويُك رمكم‬
‫الضعيف‪ ،‬ويُؤثركم من ال فضل لكم علي ه‪ ،‬وال ي د لكم عن ده‪ ،‬تش فعون في الح وائج إذا‬
‫امتنعت من طاّل بها‪ ،‬وتمشون في الطريق بهيبة الملوك وكرامة األكابر‪ .‬أليس ك ّل ذل ك‬
‫قص رون؟‬ ‫ق هللا‪ ،‬وإن كنتم عن أك ثر حقّ ه تُ ِّ‬ ‫إنّما نلتموه بما يُ رجى عن دكم من القي ام بح ّ‬
‫ق الضعفاء فضيّعتم‪ ،‬وأ ّما حقّكم بزعمكم فطلبتم‪ ،‬فال م االً‬ ‫ق األ ّمة‪ ،‬فأ ّما ح ّ‬ ‫فاستخففتم بح ّ‬
‫بذلتم‪ ،‬وال نفسا ً خاطرتم بها للّ ذي خلقه ا‪ ،‬وال عش يرة ع اديتم في ذات هللا‪ .‬أنتم تتمنّ ون‬
‫على هللا جنّته ومجاورة رسله وأمانا ً من عذابه‪ ،‬لق د خش يت عليكم أيّه ا المتمنّ ون على‬
‫فض لتم به ا‪ ،‬ومن يع رف‬ ‫هللا أن تح ّل نقمة من نقمات ه ألنّكم بلغتم من كرام ة هللا منزل ةً ّ‬
‫باهلل ال تُكرم ون‪ ،‬وأنتم باهلل في عب اده تُكرم ون‪ .‬وق د ت رون عه ود هللا منقوض ة فال‬
‫تفزع ون‪ ،‬وأنتم لبعض ذمم آب ائكم تفزع ون‪ ،‬وذ ّم ة رس ول هللا ‪ ‬محق ورة‪ ،‬والعمي‬
‫والبكم والزمن في المدائن مهمل ة ال ترحم ون‪ ،‬وال في م نزلتكم تعمل ون‪ ،‬وال من فيه ا‬
‫تُعينون‪ ،‬وباإلدهان والمصانعة عند الظلمة تأمنون‪ .‬ك ّل ذلك م ّما أمركم هللا به من النهي‬
‫والتن اهي وأنتم عن ه غ افلون‪ .‬وأنتم أعظم الن اس مص يبة لم ا غلبتم علي ه من من ازل‬
‫أن مج اري األم ور واألحك ام على أي دي العلم اء باهلل‬ ‫العلماء لو كنتم تسمعون‪ .‬ذل ك ب ّ‬
‫األمناء على حالله وحرامه‪ .‬فأنتم المسلوبون تل ك المنزل ة‪ ،‬م ا ُس لبتم ذل ك إاّل بتف رّقكم‬
‫ق واختالفكم في السنّة بعد البيّنة الواض حة‪ .‬ول و ص برتم على األذى‪ ،‬وتح ّملتم‬ ‫عن الح ّ‬
‫المؤون ة في ذات هللا ك انت أم ور هللا عليكم ت رد وعنكم تص در وإليكم ترج ع ولكنّكم‬
‫م ّكنتم الظّلمة من منزلتكم وأسلمتم أمور هللا في أيديهم‪ ،‬يعملون بالشبهات ويسيرون في‬
‫الشهوات‪ .‬سلّطهم على ذلك فراركم من الموت وإعج ابكم بالحي اة الّ تي هي مف ارقتكم‪،‬‬

‫‪ )(1‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.103‬‬

‫‪53‬‬
‫فأس لمتم الض عفاء في أي ديهم‪ ،‬فمن بين مس تعبد مقه ور وبين مستض َعف على معيش ته‬
‫مغلوب‪ ،‬يتقلّب ون في المل ك ب آرائهم‪ ،‬ويستش عرون الخ زي ب أهوائهم اقت دا ًء باألش رار‬
‫وج رأةً على الجبّ ار‪ ،‬في ك ّل بل ٍد منهم على من بره خطيب يص قع‪ ،‬ف األرض ش اغرة‬
‫ار عني د‬‫وأيديهم فيها مبس وطة‪ ،‬والن اس لهم خ ول‪ ،‬ال ي دفعون ي د المس‪ ،‬فمن بين جبّ ٍ‬
‫وذي سطو ٍة على الضعفة شديد مطاع ال يع رف المب دئ والمعي د‪ ،‬في ا عجب ا ً وم الي ال‬
‫أعجب واألرض من غ اش غش وم ومتص ّدق ظل وم‪ ،‬وعام ل على المؤم نين بهم غ ير‬
‫رحيم‪ .‬فاهلل الحاكم فيما فيه تنازعنا‪ ،‬والقاضي بحكمه فيم ا ش جر بينن ا‪ ..‬اللّه ّم إنّ ك تعلم‬
‫أنّه لم يكن ما كان منّا تنافسا ً في س لطان وال التماس ا ً من فُض ول الحط ام‪ ،‬ولكن لنُ ري‬
‫المعالم من دينك ونُظه ر اإلص الح في بالدك وي أمن المظلوم ون من عب ادك‪ ،‬ويُعم ل‬
‫بفرائضك وسننك وأحكامك‪ .‬فإن لم تنص رونا وتُنص فونا‪ ،‬ق وي الظلم ة عليكم وعمل وا‬
‫في إطفاء نور نبيّكم‪ ،‬وحسبنا هللا وعليه تو ّكلنا وإليه أنبنا وإليه المصير)(‪)1‬‬
‫وسأقتبس هنا بعض ما ذكره الخميني من استدالالت بالحديث(‪: )2‬‬
‫‪ 1‬ـ من البديهي أن هذا الذم والتقبيح الذي ذكره اإلمام الحسين ال يختص بعلم اء‬
‫اليهود‪ ،‬وال بعلماء النصارى‪ ،‬بل يشمل علماء المجتمع اإلسالمي أيضاً‪ ،‬وجميع علم اء‬
‫الدين بشكل عام؛ وبناءاً عليه‪ ،‬فعلماء الدين اإلس المي مش مولون لل ذم والتق بيح اإللهي‬
‫أيضا ً فيما لو ظلوا ساكتين أمام سياس ة الظلم ة ونهجهم‪ ،‬وه ذا االم ر ال يخص الس لف‬
‫واالجيال الماضية‪ ،‬بل تتساوى فيه االجيال الماضية مع أجيال المستقبل‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ أن تساهل العلماء في وظائفهم ضرره أك ثر من تقص ير اآلخ رين في القي ام‬
‫بنفس تلك الوظائف المشتركة‪ ،‬إذ عندما يرتكب التاجر مخالفة ما‪ ،‬ف إن ض ررها يع ود‬
‫عليه‪ ،‬لكن إذا قصر العلماء في وظائفهم‪ ،‬فسكتوا مثال أمام الظلمة‪ ،‬ف إن الض رر يع ود‬
‫على اإلسالم‪ .‬وإذا عملوا بوظيفتهم‪ ،‬وتكلموا حيث يجب أن يتكلموا‪ ،‬ف إن النف ع س يعود‬
‫على اإلسالم أيضاً‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ لقد ذكر قول االثم وأكل السحت مع أنه يجب النهي عن جمي ع األم ور ال تي‬
‫تخالف الشرع‪ ،‬وذلك من أج ل بي ان أن ه ذين المنك رين أخط ر من جمي ع المنك رات‪،‬‬
‫ويجب أن يعم ل على إنكارهم ا ومحاربتهم ا بش كل أك ثر جدي ة‪ ،‬إذ أن ه أحيان ا يك ون‬
‫ألقاويل األنظمة الظالمة ودعاياتهم ضرر على اإلسالم والمسلمين أك ثر من عملهم في‬
‫سياستهم‪ ،‬وغالبا ما يعرّضون كرام ة واعتب ار اإلس الم والمس لمين للهت ك؛ فاهلل تع الى‬
‫يؤاخ ذهم على ع دم التص دي ألقاوي ل الباط ل‪ ،‬ودعاي ات الس وء للظلم ة‪ ،‬وعلى ع دم‬
‫تكذيبهم لمن يدعي أنه خليفة هللا‪ ،‬وأن األحكام اإللهية هي تلك التي يطبقها هو‪ ،‬والعدالة‬
‫اإلسالمية هي ما يقوله وينفذه مع كونه ال يخضع للعدالة أصال‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ لو ق ام ش خص م ا بتفس ير األحك ام بنح و ال يرض ي هللا‪ ،‬أو بإح داث بدع ة‬
‫بذريعة أن العدل اإلسالمي يقتضي ذلك‪ ،‬أو بتنفيذ أحك ام مخالف ة لإلس الم‪ ،‬فيجب على‬

‫‪ )(1‬تحف العقول‪ ،‬ص‪..237‬‬


‫‪ )(2‬الحكومة اإلسالمية‪ ،‬ص‪ ،105‬فما بعدها‪.‬‬

‫‪54‬‬
‫العلماء أن يبدوا معارض تهم ل ه؛ ف إذا لم يفعل وا‪ ،‬ف إنهم ملعون ون من هللا تع الى‪ ،‬وه ذا‬
‫واض ح من خالل اآلي ة ال تي اس تدل به ا اإلم ام الحس ين‪ ،‬وفي الح ديث‪( :‬إذا ظه رت‬
‫الب دع‪ ،‬فللع الم أن يظه ر علم ه‪ ،‬وإال فعلي ه لعن ة هللا)(‪ ،)1‬فإب داء المعارض ة‪ ،‬وبي ان‬
‫األحكام والتعاليم اإللهية المخالفة للبدع والظلم والمعاصي مفيد في حد ذاته‪ ،‬ألنه يؤدي‬
‫إلى إطالع الناس على الفساد االجتماعي‪ ،‬ومظالم الحكام الخون ة والفس قة‪ ،‬أو ال ذين ال‬
‫دين لهم؛ فإبداء المعارضة من قبل علماء الدين في موارد كهذه هو نهي عن المنكر من‬
‫قبل القادة الدينيين للمجتمع‪ ،‬ويس تتبع موج ة من النهي عن المنك ر‪ ،‬ونهض ة معارض ة‬
‫وناهية عن المنكر‪ ،‬يشارك فيها جميع أبناء الشعب المتدينين والغيورين‪.‬‬
‫‪ 5‬ـ حاول الخميني أن يعيد صياغة الخطبة السابقة‪ ،‬بشكل يتناس ب م ع العص ر‪،‬‬
‫ومن ذلك قوله مخاطبا العلماء والمراجع‪( :‬إذا لم تكون وا ق ادرين حالي ا على من ع ب دع‬
‫الحكام‪ ،‬وإزال ة ه ذه المفاس د‪ ،‬فعلى االق ل ال تبق وا س اكتين‪ .‬إنهم يح اربونكم‪ ،‬فض جوا‬
‫واص رخوا واعترض وا‪ ،‬وال تستس لموا للظلم‪ .‬فاالستس الم للظلم أس وأ من الظلم‪.‬‬
‫اس تنكروا واعترض وا واص رخوا‪ ،‬وانف وا اك اذيبهم‪ ،‬يجب عليكم أن تؤسس وا أجه زة‬
‫اعالمية مقابل أجهزتهم‪ ،‬لتفضح وتنفي جميع أكاذيبهم‪ ،‬وتظهر للمأل أنهم يكذبون‪ ،‬وأن‬
‫العدالة اإلسالمية ليست ما ي ّدعون‪ ،‬ويجب أن تُعلَن هذه األمور لينتبه الناس‪ ،‬وال تجعل‬
‫االجيال القادمة سكوت هذه الجماعة حجة‪ ،‬وتحس ب أن أعم ال ومن اهج الظلم ة ك انت‬
‫مطابقة للشرع‪ ،‬وأن الدين اإلسالمي المبين قد اقتض ى أن يق وم بأك ل الس حت وس رقة‬
‫اموال الشعب)(‪)2‬‬
‫وقال‪( :‬لقد أحرقوا المسجد االقصى‪ ،‬ونحن نصرخ‪ :‬دعوا المسجد االقص ى على‬
‫حاله نص ف المح ترق ه ذا وال تزيل وا آث ار الج رم بينم ا نظ ام الش اه يفتتح الحس ابات‬
‫ويجمع الم ال من الن اس باس م بن اء المس جد االقص ى‪ ،‬ليتمكن من ج ني الفوائ د‪ ،‬ومأل‬
‫جيوبه عبر هذا السبيل‪ ،‬ومن خالل ذلك يزيل آثار جرم إسرائيل)(‪)3‬‬
‫وقال‪( :‬إن االسباب األساسية لوجوب األم ر ب المعروف والنهي عن المنك ر هي‬
‫هذه األم ور‪ .‬بينم ا نحن ق د جعلن ا األم ر ب المعروف والنهي عن المنك ر ض من دائ رة‬
‫صغيرة وحصرنا ذلك في الموارد ال تي ي ترتب فيه ا الض رر على الفاع ل للمنك ر‪ ،‬أو‬
‫التارك للمع روف‪ ،‬وق د غ رس في أذهانن ا أن المنك رات هي تل ك األم ور ال تي نراه ا‬
‫ونسمع بها بشكل يومي في حياتنا االعتيادية فحسب‪ ،‬كس ماع الموس يقى في الباص ات‪،‬‬
‫أو ارتكاب بعض المخالفات في المق اهي‪ ،‬أو تج اهر بعض الن اس باالفط ار‪ ،‬وأن ه ذه‬
‫األمور هي التي يجب أن ننهي عنه ا فق ط‪ ،‬وال نلتفت إلى تل ك المنك رات الكب يرة‪ ،‬إلى‬
‫أولئك الذين يقومون بضرب اإلس الم معنوي اً‪ ،‬وس حق حق وق الض عفاء وم ا ش ابه من‬
‫الموارد التي يجب أن ينهى فيها عن المنكر‪ .‬ل و ص ير إلى االع تراض بش كل جم اعي‬

‫‪ )(1‬اصول الكافي‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.54‬‬


‫‪ )(2‬الحكومة اإلسالمية‪ ،‬ص‪.107‬‬
‫‪ )(3‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.108‬‬

‫‪55‬‬
‫على الظلم ة‪ ،‬وعلى المخالف ات ال تي يقوم ون به ا‪ ،‬أو الج رائم ال تي يرتكبونه ا‪ ،‬ول و‬
‫أرس لت اليهم آالف برقي ات االس تنكار من جمي ع البالد اإلس المية‪ ،‬فمن الم تيقن أنهم‬
‫سوف يتخلون عما يقومون به) (‪)1‬‬

‫وقال‪( :‬إني أستوضحكم اآلن‪ :‬ه ل األم ور ال تي ذكره ا اإلم ام في ه ذا الح ديث‬
‫ك انت خاص ة بأص حابه المحيطين ب ه‪ ،‬وال ذين يس تمعون إلى كالم ه؟ أليس خط اب‬
‫[اعتبروا أيها الناس] موجَّها ً لنا؟ ألسنا مص داق الن اس وج ز ًء منهم؟ أال يجب أن نأخ ذ‬
‫العبرة من هذا الخطاب؟ وكما ذكرت في أول البحث‪ ،‬فإن هذه المطالب ليست مختصة‬
‫بجماعة معينة‪ ،‬وانما هي إعالن من اإلمام إلى كل أمير ووزير وحاكم وفقيه‪ ،‬وإلى كل‬
‫الدنيا‪ ،‬وجميع البشر‪ .‬فوصاياه قرينة للقرآن ومثله‪ ،‬إذ وجوب اتباعها مس تمرة إلى ي وم‬
‫القيامة‪ .‬واآلية التي استدل بها أيضا ً ﴿لوال ينهاهم الربانيون﴾ وإن كانت خطابا ً للربانيين‬
‫واألحبار‪ ،‬لكن الخطاب موجَّه للجميع‪ .‬ولقد ذ َّم هللا تعالى الربانيين واألحب ار‪ ،‬واس تنكر‬
‫عليهم لسكوتهم أمام ظلم الظلمة خوفا ً أو طمعاً‪ ،‬مع كونهم قادرين على القيام بم ا يمن ع‬
‫الظلم من خالل المعارضة ورفع الصوت والكالم‪ ،‬فعلماء اإلسالم أيضا ً إذا سكتوا‪ ،‬ولم‬
‫يقوموا بوجه الظالمين؛ فإنهم سوف يقعون محالً الستنكار هللا عز وجل)(‪)2‬‬
‫ه ذه ـ باختص ار ـ ص ورة عن القيم ة األولى من القيم ال تي يق وم عليه ا نظ ام‬
‫الجمهورية اإلس المية اإليراني ة‪ ،‬وهي قيم ة [الحكوم ة اإللهي ة]‪ ،‬وال تي اس تطاع فيه ا‬
‫النظام اإليراني أن يتجاوز كل التطبيقات الخاطئة التي وقعت فيها جماع ات اإلس المي‬
‫السياسي‪ ،‬ووقعت فيها قبلها األنظمة الثيوقراطية المستبدة التي مارستها الكنيسة‪.‬‬
‫ذل ك أن النظ ام اإلي راني اس تطاع أن يحاف ظ على قيم الحكوم ة اإللهي ة‪ ،‬وال تي‬
‫يتوالها الولي الفقيه‪ ،‬والمؤسسات المختلفة‪ ،‬وفي نفس الوقت حافظ على إشراك الشعب‬
‫في جميع قراراته عبر المؤسسات المختلفة‪ ،‬وهو ما لم يتوفر في أي نظام من النظم‪.‬‬
‫ونحن ـ كما عرضنا ـ ه ذه الص ورة الجميل ة لتل ك المزاوج ة ال تي حص لت في‬
‫إيران بين الحكم اإلسالمي بمبادئه وقيمه‪ ،‬في نفس الوقت ال ذي روعيت في ه ك ل القيم‬
‫الجمهوري ة والديمقراطي ة‪ ،‬نتم نى أن تتخلى حرك ات اإلس الم السياس ي عن نظرته ا‬
‫السلبية لوالية الفقيه‪ ،‬وتنظر إليها من خالل ممارساتها الواقعية‪ ،‬وتأصيلها النظ ري‪ ،‬ال‬
‫لتتبناها بمثل الصورة التي تبنتها بها الجمهورية اإلس المية اإليراني ة‪ ،‬وإنم ا بالص ورة‬
‫التي تتناسب مع كل بالد تريد أن تطبق الحاكمية اإللهية عليه ا‪ ،‬ذل ك أن ه يس تحيل أن ه‬
‫يستحيل أن يطبق الحاكمية اإللهية من لم يكن عارفا بها‪ ،‬وفقيه ا فيه ا؛ ففاق د الش يء ال‬
‫يعطيه‪.‬‬

‫‪ )(1‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.111‬‬


‫‪ )(2‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.113‬‬

‫‪56‬‬
‫الفصل الثاني‬
‫والية الفقيه‪ ..‬وقيم الجمهورية‬
‫القيم ة الثاني ة ال تي يتأس س عليه ا نظ ام الجمهوري ة اإلس المية اإليراني ة هي‬
‫[الجمهورية]‪ ،‬والقيم النابعة منها‪ ،‬وهي تشكل مع [اإلسالم] اللقب الذي اختارته إي ران‬
‫لنفسها بعد انتص ار ثورته ا؛ فهي [جمهوري ة إس المية]‪ ،‬وليس ت إم ارة إس المية‪ ،‬وال‬
‫مملكة إسالمية‪ ،‬وال خالفة إسالمية‪ ،‬وال إمبراطورية إسالمية‪.‬‬
‫وفَهم الجم ع بين ه اتين القيم تين الس اميتين [الجمهوري ة]‪ ،‬و[اإلس المية] ييس ر‬
‫التعرف على سر الكثير من المواقف اإليرانية‪ ،‬والمؤسسات التي تحكمه ا؛ فكله ا تنب ع‬
‫من هاتين القيمتين‪ ،‬من الشعب احترام ا ل ه ولقرارات ه‪ ،‬ومن اإلس الم باعتب اره الخي ار‬
‫الذي ناضل من أجله الشعب اإليراني‪ ،‬وأثبت تمسكه ب ه رغم ك ل المحن ال تي أص ابته‬
‫بسببه‪.‬‬
‫بل إننا إذا رجعنا إلى ال وراء‪ ،‬وبحثن ا في الس ر األك بر لنج اح الث ورة اإليراني ة‬
‫نجده ينبع من اعتمادها على كال القيمتين؛ فهي قد نهض ت من أج ل أن يس ترد الش عب‬
‫حريته وحقوقه التي صادرتها األنظمة المستبدة بمعون ة االس تكبار الع المي‪ ،‬واس تعمل‬
‫في ثورته اإلسالم بدل الشيوعية أو االشتراكية‪ ،‬أو غيرها من النظريات التي اعتم دها‬
‫لألسف الكثير من الثوار الع رب‪ ،‬وله ذا ك ان ش عار الث ورة اإلس المية في ذل ك الحين‬
‫الذي كانت الش عوب فيه ا ت رزح بين الش رق أو الغ رب ه و (ال ش رقية‪ ،‬وال غربي ة‪..‬‬
‫إسالمية إسالمية)‬
‫ولألسف نجد الكثير من المغرضين ينتقدون الجمهورية اإلس المية اإليراني ة في‬
‫جمعها بين هاتين القيمتين‪ ،‬ذلك أنهم يتصورون استحالة تجمعهما‪ ،‬بل يتصورون أنهما‬
‫قيمتان متناقضتان‪ ،‬وذلك نتيجة تأثرهم بالمدارس الغربية‪ ،‬واعتبارهم أن مراعاة أحكام‬
‫اإلسالم يتناقض مع مراعاة مطالب الجماهير‪.‬‬
‫ولهذا نجد قادة الثورة اإلسالمية وفقهاءها ومفكريها يقدمون الشروحات الوافية‪،‬‬
‫لك ون الحكم اإلس المي ال يتن اقض أب دا م ع الحكم الجمه وري‪ ،‬ب ل ي ذكرون أن الحكم‬
‫الجمهوري في البالد اإلسالمية ال يتم إال بمراعاة الحكم اإلس المي‪ ،‬ألن ه دين الش عب‪،‬‬
‫والشعب ال يمتنع من أن يُحكم بدينه‪.‬‬
‫وال بأس أن نذكر هنا بعض النماذج من تل ك ال ردود‪ ،‬باعتباره ا أحس ن ج واب‬
‫عن تل ك االنتق ادات المغرض ة‪ ،‬وال تي يص در معظمه ا لألس ف من بالد ال تع رف‬
‫الجمهوري ة وال الديمقراطي ة‪ ،‬ب ل هي تعيش في ظالل الحكم الملكي ال ذي يفتق د ألدنى‬
‫معاني الحرية والكرامة‪.‬‬
‫وأولها ما ذكره الولي الفقيه المعاصر الس يد علي لخ امنئي في بي ان العالق ة بين‬
‫قيم الجمهورية وقيم اإلسالم‪ ،‬وذلك في لقاء له مع أعضاء مجلس خبراء القيادة بت اريخ‬

‫‪57‬‬
‫ق الن اس‪،‬‬ ‫منافس ا لح ّ‬‫ً‬ ‫ق هللا في اإلسالم ليس‬ ‫(إن ح ّ‬
‫(‪)3/2002 /14‬؛ فقد قال في ذلك‪ّ :‬‬
‫ق الشعب في االنتخ اب‪ ،‬وال ذي ه و‬ ‫وال في مقابله‪ ،‬جميع حقوق الناس‪ ،‬ومن جملتها ح ّ‬
‫حت ًما في أمر الحكومة‪ ،‬ناشئة من الحكم اإلله ّي‪ ،‬فقيمة جميع حق وق الش عب ناش ئة عن‬
‫حاكميّة هللا وما أمر به هللا تعالى‪ ،‬لذا‪ُ ،‬عبّر في القرآن الكريم‪ ،‬في الموضع الذي يت ّم فيه‬
‫االعتداء على حقوق الناس والتعرّض لهم‪ ،‬كمسألة الربا‪ ،‬بقوله تع الى‪﴿ :‬فَ أْ َذنُوا بِ َح رْ ٍ‬
‫ب‬
‫أن هذا العمل ه و اعت دا ٌء على حق وق النّ اس‪ّ ،‬‬
‫لكن‬ ‫ِمنَ هَّللا ِ َو َرسُولِ ِه﴾ [البقرة‪ ]279 :‬مع ّ‬
‫ق ال ذي‬ ‫ف إله ّي‪ ،‬الح ّ‬ ‫ألن ما يرتبط بالناس على اتّساعه‪ ،‬هو تكلي ٌ‬
‫الحرب مع هللا‪ ..‬ذلك ّ‬
‫ّ‬
‫جعله هللا للناس‪ ،‬التكلي ف ال ذي وض عه هللا على ع اتق من يتول ون أم ور الن اس يمكن‬
‫إن الجمهوري ة اإلس الميّة ليس ت ح برًا على ورق‪ ،‬هي حقيق ة‪ ،‬تعتم د على رأي‬ ‫القول ّ‬
‫الش عب حيث أمرن ا هللا س بحانه أن ن ولي األهميّ ة لرأي ه واختي اره وإرادت ه في ه ذا‬
‫المجال)(‪)1‬‬
‫وبن اء على ه ذا‪ ،‬يس تنتج أن مفه وم [الجمهوري ة اإلس المية] يتحق ق بمراع اة‬
‫[اإلس الم] وتكالفي ه الش رعية‪ ،‬ذل ك أن التك اليف الش رعية اإلس المية ت راعي مط الب‬
‫الشعب‪ ،‬وتطالب بتنفيذها‪ ،‬ولو لم يطلبه ا الش عب نفس ه‪ ..‬والح اكم المس لم ه و ال ذي ال‬
‫يتنتظ ر من الرعي ة أن تط الب بحقوقه ا‪ ،‬وال أن يمن عليه ا بتق ديمها‪ ،‬ألن ه يفع ل ذل ك‬
‫انطالقا من واجباته الش رعية‪ ،‬يق ول في ذل ك‪( :‬وليس ت مش كلتنا في نظ ام الجمهوريّ ة‬
‫اإلس الميّة فق ط‪ ،‬أن يس يء النّ اس فهمن ا‪ ،‬أو ت تراجع ثقتهم بن ا‪ ،‬مش كلتنا هي التكلي ف‬
‫ضا‪ ،‬ولو لم يفهم الناس؛ فإذا قمنا في مكان ما بعمل‪ ،‬أ ّدى إلى تضييع حق وق‬ ‫الشرعي أي ً‬
‫أن أحدًا لم يدرك أنّه ت ّم التع رّض لحق وق الن اس وك انت ال دعايات ص اخبة‬ ‫الناس‪ ،‬مع ّ‬
‫فإن مشكلة التكليف الش رعي تبقى تواجهن ا في أقاص ي الجس م العظيم للحكوم ة‬ ‫أيضًا‪ّ ،‬‬
‫وفي طولها وعرضها ـ حيث الحكومة ليس ت محص ورة ومتجلّي ة في ش خص القائ د ‪-‬‬
‫الجميع شركاء في هذه السيادة الشعبيّة الدينيّة‪ ،‬والوظائف الملق اة على ع اتقهم من ه ذه‬
‫الناحي ة‪ ،‬س وا ٌء رئيس الجمهوريّ ة‪ ،‬أم رئيس س لطة من الس لطات الثالث‪ ،‬أم ن وّاب‬
‫ي مس ؤول في ناحي ة من الن واحي ـ تكلي ف الجمي ع ه و مراع اة حق وق‬ ‫المجلس‪ ،‬أم أ ّ‬
‫الناس هلل‪ ،‬هذان االثنان‪ ،‬متساويان بعضهما مع بعض ومتّحدان)(‪)2‬‬
‫ٍ‬
‫وهكذا نرى الخميني يدعو كل حين إلى تصحيح التصورات نح و مع نى [والي ة‬
‫الفقيه]‪ ،‬وكونها ال تتناقض مع الجمهورية‪ ،‬بل هي تلبي مطالب الجمهور أحس ن تلبي ة‪،‬‬
‫ألنها تنبع من القيم ال تي ي ؤمن به ا‪ ،‬ال من القيم الغريب ة عن ه‪ ،‬يق ول في ذل ك‪( :‬إن من‬
‫يدعي أن مبدأ والية الفقيه يستلزم ديكتاتورية فال ريب أن ه جاه ل به ذا المب دأ وأهميت ه‬
‫وقدسيته‪ ،‬ب ل العكس ه و الص حيح؛ ف إن الح امي للحري ات وف ق المب ادئ اإلس المية‪،‬‬
‫والحامي إلرادة الشعب وحقوقه والمدافع عنه هو مبدأ والي ة الفقي ه ال ذي يق وم بمهم ة‬
‫اإلشراف على أمور البلد‪ ،‬حتى ال ينحرف أحد ممن يمكن أن يستلم مقدرات البلد‪ ،‬فه و‬

‫‪ )(1‬تأسيس الحضارة اإلسالمية في فكر اإلمام الخامنئي (ص‪.)47 :‬‬


‫‪ )(2‬تأسيس الحضارة اإلسالمية في فكر اإلمام الخامنئي (ص‪)46 :‬‬

‫‪58‬‬
‫الذي يمنع رئيس الجمهورية من أن ينحرف وأن يحكم به واه‪ ،‬وه و ال ذي يمن ع رئيس‬
‫الوزراء من أن ينحرف ويحكم بهواه‪ ،‬وهكذا الكالم بالنسبة ألي مسؤول‪ ،‬كم ا أن مب دأ‬
‫والية الفقيه يمنع الفقيه نفسه أن ينحرف وأن يحكم بهواه‪ ،‬وال يحق له ذل ك أص الً‪ ،‬ب ل‬
‫علي ه أن يحكم وف ق رأي اإلس الم حس ب اجته اده‪ ،‬والمف روض أن ه ب ذل جه ده كل ه‬
‫للوصول إلى هذا ال رأي واستكش افه من خالل وس ائل اإلس تنباط الممكن ة ل ه‪ ،‬كم ا أن‬
‫علي ه ب ذل الجه د في تمحيص الوق ائع وتشخيص ها ح تى يطب ق عليه ا حكمه ا اإللهي‬
‫ويحكم على وفقه‪ .‬والمفروض في الفقيه الولي العدالة والورع والكفاءة بل األكفئي ة في‬
‫تحقيق كل ذلك‪ ،‬كما أن المف روض أن في األم ة علم اء وتق اة وثق اة ورع ون يراقب ون‬
‫حركة الفقيه‪ ،‬بإمكانهم عزله إن انحرف وصار يحكم به واه‪ ،‬وق د ص ان الدس تور ه ذا‬
‫الحق للخبراء ولألمة)(‪)1‬‬
‫وهو يذكر أنه ال وجه العتبار والية الفقي ه حكم ا ديكتاتوري اً‪ ،‬ذل ك أن ه ذالنوع‬
‫من الحكم يطلق على من يستند في حكمه إلى الرأي الشخصي بعيداً عن أي اعتب ارات‬
‫صحيحة‪ ،‬ثم يجبر الشعب على اتباع ه‪( ،‬وإنم ا يك ون الحكم ديكتاتوري ا ً إن ك ان الحكم‬
‫وفق الهوى متاح ا ً للح اكم‪ ،‬وك ان الح اكم ق ادراً على أن ينف ذ جمي ع رغبات ه ب دون أن‬
‫يتجرأ أحد على معارضته)‬
‫وهو يذكر أن من أكبر األدلة على عدم وجود أي صلة بين والية الفقي ه‪ ،‬والحكم‬
‫الديكتاتوري هو تصويت أغلبية الش عب في إي ران على والي ة الفقي ه‪ ،‬يق ول في ذل ك‪:‬‬
‫(ليس من الديكتاتوري ة في ش يء أن يك ون النظ ام المعتم د في إي ران ق د أي ده أكثري ة‬
‫الشعب بحيث تجاوزت نسبة التأييد التسعين في المائ ة دون ض غط أو إك راه؛ فالش عب‬
‫بغالبيته العظمى أيد وال يزال نظام الجمهورية اإلسالمية المبني على مبدأ والي ة الفقي ه‬
‫كما نص عليه الدستور)(‪)2‬‬
‫ويذكر أن المعترضين هم الذين يريدون مصادرة رأي الجمهور‪ ،‬والحديث باسم‬
‫الشعب؛ يقول في ذلك‪( :‬الديكتاتورية متجسدة في كلمات المعترضين‪ ،‬إذ يحاولون وهم‬
‫القلة أن ينصبوا أنفسهم في موقع يحسبون أنفسهم أوصياء على الشعب واألمة‪ ،‬والحال‬
‫أن الشعب لم يرض بذلك منهم بدليل أن ه خ الفهم‪ .‬وه ؤالء عن دما ينص بون أنفس هم في‬
‫هذا الموقع يسعون لفرض رأيهم وإثارة ج و نفس ي وزعزع ة ثق ة الش عب والمس لمين‬
‫بهذه الجمهورية والثورة‪ ،‬وهذا نحو من أنحاء الديكتاتورية)(‪)3‬‬
‫ويذكر أن ه ؤالء ال ذين يعترض ون على والي ة الفقي ه‪ ،‬بحج ة تناقض ها م ع قيم‬
‫الجمهوري ة‪ ،‬يعترض ون في الحقيق ة على اإلس الم وقيم اإلس الم‪ ،‬وليس على ال ولي‬
‫الفقيه‪ ،‬ذلك أن (هؤالء المعترضين لن يعترضوا بهذا اإلعتراض لو كانت الص الحيات‬
‫كلها التي ثبت في اإلسالم أنها للفقيه قد أعطيت إلنسان آخر غير فقيه‪ ،‬بل وغير مسلم‪،‬‬

‫‪ )(1‬نقال عن الفقيه والسلطة واألمة‪ ،‬مالك مصطفى وهبي العاملي (ص‪)171 :‬‬
‫‪ )(2‬نقال عن الفقيه والسلطة واألمة‪ ،‬مالك مصطفى وهبي العاملي (ص‪)171 :‬‬
‫‪ )(3‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.172‬‬

‫‪59‬‬
‫ب ل ربم ا س يمدحون الش خص والنظ ام حينئ ذ‪ ،‬ولكنهم يعيش ون عق دة اإلس الم وال‬
‫يتجرؤون على قول ذلك) (‪)1‬‬
‫هذه مقوالت القائدين الكب يرين الل ذين أتيح لهم ا ت ولي منص ب ال ولي الفقي ه في‬
‫الجمهوري ة اإلس المية اإليراني ة‪ ،‬وق د اقتص رنا على ه ذه النم اذج‪ ،‬وهي كافي ة ل رد‬
‫المعترضين الذين يصورون كليهما بص ورة الح اكم المس تبد‪ ،‬وه و تص وير ن اتج عن‬
‫الجهل والكبر‪ ،‬ول و أنهم كلف وا أنفس هم بمطالع ة م ا كتب ه ك ل منهم ا‪ ،‬أوالتع رف على‬
‫مواقفه بنية صادقة لما تجرأوا على مثل ذلك التصوير الظالم‪.‬‬
‫ونحب أن نذكر ـ بهذه المناسبة ـ تنظيرا مهما جدا لمفهوم الجمهوري ة‪ ،‬وعالقت ه‬
‫بالحكم اإلسالمي والولي الفقيه‪ ،‬وذلك عند فيلسوف وفقيه ومفكر كبير من ق ادة الث ورة‬
‫اإلسالمية‪ ،‬ومن المقربين جدا من الخميني‪ ،‬وهو الشهيد مرتض ى مطه ري‪ ،‬فق د نظّ ر‬
‫لهذه المسألة في مقابلة تلفزيوني ة هام ة أج ريت مع ه قب ل إج راء االس تفتاء الع ام على‬
‫[نظ ام الجمهوري ة اإلس المية] في إي ران‪ ،‬ثم طبعت ككت اب مس تقل بعن وان [قض ايا‬
‫الجمهورية اإلسالمية]‪ ،‬وقد تطرق فيها إلى مسائل مهمة جدا تتعلق بالنظام اإلس المي‪،‬‬
‫وطبيعة الثورة ومستقبلها‪.‬‬
‫وق د ك ان أول س ؤال ط رح علي ه فيه ا ح ول مفه وم الجمهوري ة اإلس المية‪،‬‬
‫والتناقض الذي قد يحمله الجمع بين هذين المعنيين‪ ،‬وحتى نفهم جواب مطه ري جي دا‪،‬‬
‫ن ذكر نص الس ؤال باعتب اره ال ي زال يط رح إلى اآلن‪ ،‬وبن وع من االس تفزاز‪ ،‬وك أن‬
‫اإليرانيين لم يجيبوا عليه‪ ،‬مع أنهم أجابوا علي ه‪ ،‬وبتفص يل كب ير‪ ،‬قب ل الث ورة وبع دها‬
‫وفي كل حين‪ ،‬ولكن المغرضين لألسف ال يقرؤون‪ ،‬وإنما ينتقدون فقط‪.‬‬
‫ونص السؤال هو‪( :‬مفهوم (الجمهورية اإلسالمية) يبدو غامض ا ً إلى ح د كب ير؛‬
‫فالجمهوري ة تع ني إعط اء الش عب ح ق الحاكمي ة‪ ،‬بينم ا الص فة اإلس المية تقي د ه ذه‬
‫الحاكمية وتحددها‪ ،‬ويبدوا أيضا ً أن مفهوم الجمهورية اإلسالمية يتعارض مع المف اهيم‬
‫الديمقراطية ومفاهيم الجمهوري ة بمعناه ا المطل ق الع ام‪ ،‬فه ل لكم أن تعطون ا ص ورة‬
‫واضحة لنظام الجمهورية اإلسالمية؟)(‪)2‬‬
‫وقد أجاب الشيخ مرتضى مطهري على السؤال إجابات مفصلة نلخص ها ببعض‬
‫تصرف في النقاط التالية(‪: )3‬‬
‫‪ .1‬مفه وم (الجمهوري ة اإلس المية) واض ح ال يحت اج إلى كث ير من الش رح‪،‬‬
‫فالمفهوم مركب من كلمتين‪ :‬كلمة (جمهورية) وكلم ة (إس المية)‪ ،‬وكلم ة الجمهوري ة‪:‬‬
‫تعني شكل الحكومة المقترحة‪ ،‬وكلمة إسالمية‪ :‬تحدد محتوى هذه الحكومة‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ أن السر في اختيار لقب [الجمهورية] إليران ه و تمي يز النظ ام الح اكم في‬
‫إيران عن غيره من النظم ال تي حكمت الع الم؛ فمنه ا النظ ام الف ردي ال وراثي‪ ،‬كنظ ام‬

‫‪ )(1‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.172‬‬


‫‪ )(2‬قضايا الجمهورية اإلسالمية‪ ،‬مرتضى مطهري‪ ،‬ص‪ ،2 :‬فما بعدها‪.‬‬
‫‪ )(3‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.3‬‬

‫‪60‬‬
‫السلطنة والنظام الملكي‪ ،‬ومنها النظام االرستقراطي‪ ،‬كالنظم ال تي يحكم فيه ا الفالس فة‬
‫أو الحكماء أو المتخصصون أو األشراف‪ ،‬ومنها حكوم ة المتنف ذين وأص حاب رؤوس‬
‫األموال ودافعي الضرائب ‪ ،‬وغيرها من النظم والحكومات‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ أن [الجمهورية] تع ني حكوم ة عام ة الن اس‪ ،‬أو الحكوم ة ال تي يتمت ع فيه ا‬
‫جميع الناس بحق االنتخاب دون تم ايز بينهم في الجنس أو الل ون أو العقي دة‪ ،‬والش رط‬
‫الوحيد في المنتخب ه و البل وغ والنض وج العقلي ال غ ير ‪ ..‬إض افة إلى ذل ك‪ ،‬فالهيئ ة‬
‫الحاكمة المنتخبة تحكم لفترة معينة‪ ،‬وللشعب حق إبقائه ا أو تغييره ا بع د انقض اء تل ك‬
‫الفترة ‪ ..‬وهذا الشكل من أنظمة الحكم هو (الجمه وري)‪ ،‬وه و الش كل المق ترح لنظ ام‬
‫الحكم في إيران‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ أن كلمة [إسالمية] تعني تحديد محتوى هذه الحكومة‪ ،‬ومحتوى هذا الشكل ـ‬
‫أي أن المنتخب حينما يقول نعم للجمهورية اإلس المية‪ ،‬يق ترح أن يك ون نهج الحكوم ة‬
‫على أصول وتعاليم إسالمية‪ ،‬واإلسالم ـ كما هو واضح ـ مدرس ة فكري ة وأيديولوجي ة‬
‫وأطروحة لتنظيم الحياة البشرية بجميع أبعادها وشؤونها‪.‬‬
‫‪ 5‬ـ بناء على ما سبق؛ فإن (الجمهورية اإلسالمية) تقوم على أساس نظام يتمت ع‬
‫فيه أفراد الشعب بحق االنتخاب وبحق تغيير الهيئة الحاكمة‪ ،‬وهذا ه و ش كل النظ ام ‪..‬‬
‫أما المحتوى فإسالمي‪.‬‬
‫‪ 6‬ـ أن ال ذين يج دون غموض ا ً وتناقض ا ً في كلم ة (الجمهوري ة اإلس المية) ق د‬
‫اختلط عليهم األمر‪ ،‬وخ الوا أن ثم ة تناقض ا ً بين ح ق الس يادة وح ق االل تزام بمدرس ة‬
‫فكرية عملية في الحياة‪ ،‬وهؤالء ظنوا أن اإلنسان الملتزم بخط فكري معين والمناض ل‬
‫من أجل تطبيق مبادئ هذا الخط في الحياة االجتماعية‪ ،‬ليس بح ّر وال ديمق راطي‪ ،‬ومن‬
‫خالل هذه المعادلة الوهمية الخاطئة يس تنتجون أن الديمقراطي ة س يتهددها الخط ر‪ ،‬إن‬
‫أضحى النظام إسالميا ً وأضحت الجماهير تؤمن بالمبادئ اإلسالمية وتطالب بتطبيقها‪.‬‬
‫‪ 7‬ـ أن مفه وم الجمهوري ة ال يعفي الجم اهير من التمس ك بخ ط فك ري معين‬
‫واالل تزام بمب ادئ مدرس ة معين ة‪ ،‬ويط رح مطه ري هن ا أس ئلة وجيه ة على أولئ ك‬
‫المعترضين‪ ،‬ويقول لهم فيها‪( :‬تُ رى‪ ،‬ه ل تع ني الديمقراطي ة أن يل تزم ك ل ف رد بخ ط‬
‫فكري خاص‪ ،‬أو أن يتخلى جميع األفراد عن أي التزام بمدرسة فكرية؟!‪ ..‬ت رى‪ ،‬ه ل‬
‫اإليم ان بمب ادئ قائم ة على أس اس العلم والمنط ق والفلس فة‪ ،‬والتس ليم له ذه المب ادئ‪،‬‬
‫يعارض الديمقراطية؟!)(‪)1‬‬
‫‪ 8‬ـ أن األكثري ة الس احقة من الش عب اإلي راني ت ؤمن إيمان ا راس خا ً بمب ادئ‬
‫اإلس الم‪ ،‬وليس في ه ذا اإليم ان المطل ق ذنب وال عيب‪ ،‬لكن العيب أن تس لب ه ذه‬
‫األكثرية الساحقة‪ ،‬ومن األقلية غير المؤمنة‪ ،‬حق النقد والمناقشة واالعتراض‪.‬‬
‫وفي جواب عن سؤال آخر ال ي زال يط رح أيض ا‪ ،‬وه و مهم ج دا في فهم ع دم‬
‫التعارض بين النظام الجمهوري والنظام اإلسالمي‪ ،‬وينص على كيفية الجم ع بين حكم‬

‫‪ )(1‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.5‬‬

‫‪61‬‬
‫الشعب لنفسه‪ ،‬وتولي الفقيه لذلك األمر‪ ،‬وقد أجاب عليه مطه ري بقول ه‪( :‬من أج ل أن‬
‫أجيب على ما تقول‪ ،‬البد أن أذكر أن الشعب اإلي راني ن ال في ثورت ه الدس تورية ح ق‬
‫سيادته‪ ،‬لكن هذا الشعب لم يكن يرى أي تعارض بين نيله هذا الحق‪ ،‬والتزامه باإلسالم‬
‫فكراً وعقيدة وقانونا ً ينظم جميع شؤون الحياة‪ ،‬ولهذا نص الدس تور اإلي راني‪ ،‬الم دون‬
‫عقب انتصار تلك الثورة‪ ،‬على ضرورة السير في إط ار الق وانين اإلس المية‪ ،‬وص رح‬
‫ب أن أي ق انون يفق د اعتب اره الق انوني إذا ك ان معارض ا ً لق وانين اإلس الم‪ ،‬كم ا نص‬
‫الدستور الذي تمخضت عنه الث ورة الدس تورية اإليراني ة على ض رورة وج ود خمس ة‬
‫فقهاء في مجلس النواب لإلشراف على القوانين‪ ،‬ولم يكن يخطر على بال رواد الث ورة‬
‫الدستورية أن التمسك باإلسالم وااللتزام بالحدود والقوانين اإلس المية يع ارض ال روح‬
‫الدستورية وال روح الديمقراطي ة‪ ،‬كم ا أنهم لم ي روا معارض ة بين اإلس الم وبين ق درة‬
‫مجلس النواب على التقنين ألن القوانين كانت تُسن في إطار المب ادئ اإلس المية‪ ،‬المهم‬
‫أن يكون الشعب هو المنفذ للقانون الذي آمن به وقَبِله سواء كان الشعب ه و ال ذي س ن‬
‫القانون‪ ،‬أو أن يك ون ق د س نه ص احب مدرس ة فكري ة أو منظ ر ق انوني‪ ،‬أو أن يك ون‬
‫القانون الذي آمنت به الجماهير قد تلقته عن طريق الوحي اإللهي‪ ،‬ويتضح من ه ذا أن‬
‫الصفة اإلسالمية للجمهورية ال تتعارض مع س يادة الش عب أو م ع الديمقراطي ة بش كل‬
‫عام‪ ،‬والمبادئ الديمقراطية ال تتطلب بالض رورة ابتع اد المجتم ع عن ك ل خ ط فك ري‬
‫ملتزم)(‪)1‬‬
‫ثم ذك ر أن المش كلة ال تي يع اني منه ا المعترض ون على نظ ام الجمهوري ة‬
‫اإلسالمية اإليرانية هو في كونه ينبع من اإلسالم‪ ،‬أو يريد أن يطبق اإلس الم في جمي ع‬
‫شؤون الحياة‪ ،‬ولهذا ال نراهم يعترضون على األيديولوجيات األخرى‪ ،‬يق ول في ذل ك‪:‬‬
‫(إننا نرى األحزاب تنتمي إلى أي ديولوجيات معين ة‪ ،‬وال تعت بر ه ذا االنتم اء معارض ا ً‬
‫لمبادئ الديمقراطية‪ ،‬لكن المسألة حينما تطرح على الص عيد اإلس المي‪ ،‬يث ير بعض هم‬
‫شكوكا ً وتساؤالت حول إمكان انسجام المفهوم اإلسالمي مع المفهوم الجمهوري)‬
‫ثم يذكر منبع هذا االعتراض‪ ،‬وخلوه من الصدق والموضوعية؛ فيق ول‪( :‬أعتق د‬
‫أن هذه الشكوك والشبهات تطرح من لدن أفراد ال يزال ون يؤمن ون بديمقراطي ة الق رن‬
‫الث امن عش ر ال تي تح دد حق وق اإلنس ان بإط ار مس ائل المعيش ة والمأك ل والمس كن‬
‫والملبس وحرية انتخاب طريقة المعيشة المادية‪ .‬هذه الديمقراطية التي تحذف من دائرة‬
‫الحق وق اإلنس انية مس ائل االنتم اء الفك ري واالل تزام المدرس ي والتكام ل اإلنس اني‬
‫والتحرر من سلطة البيئة والغرائز)‬
‫ثم يبين الخصائص التي ميزت الث ورة اإلس المية اإليراني ة‪ ،‬والنظ ام ال ذي نب ع‬
‫منها‪ ،‬وكونها خصائص فريدة تصحح الكثير من المفاهيم السائدة؛ فقال‪( :‬البد أن أش ير‬
‫إلى حقيقة واضحة كل الوضوح هي‪ :‬أن األكثرية الساحقة للشعب اإلي راني ح ددت في‬
‫شعاراتها ومطالبها نوع النظام الذي تريده‪ .‬لم يتجه كفاح الشعب اإليراني ض د التس لط‬

‫‪ )(1‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.6‬‬

‫‪62‬‬
‫السياس ي واالس تعمار االقتص ادي فحس ب‪ ،‬ب ل اتج ه أيض ا ً إلى مقارع ة الثقاف ات‬
‫واألي ديولوجيات الغربي ة‪ ،‬إلى مقارع ة التبعي ة للغ رب تحت العن اوين المغري ة نظ ير‬
‫الحري ة والديمقراطي ة واالش تراكية والمدني ة والتط ور والتق دم وغيره ا من العن اوين‬
‫الزائفة ال تي يل وح به ا االس تعمار وعمالؤه في عالمن ا‪ ..‬إن الماليين من أبن اء الش عب‬
‫اإليراني حين طالبوا في مظاهراتهم الضخمة الصاخبة بإقام ة الجمهوري ة اإلس المية‪،‬‬
‫قد حددوا في الواقع اإلطار الفكري لنظ ام الحكم ال ذي يريدون ه‪ ..‬الهوي ة الوطني ة ألي‬
‫شعب من الشعوب تتمثل في التراث الحضاري المتأصل في أعماق هذا الشعب‪ ،‬وه ذه‬
‫الهوية الوطنية تتمثل لدى جماهير الشعب اإليراني باإلسالم)‬
‫***‬
‫بعد هذه التصريحات الواضحة من قادة الثورة اإلسالمية وفالسفتها‪ ،‬والتي ت بين‬
‫مدى ارتباط والي ة الفقي ه بك ل قيم الجمهوري ة‪ ،‬ب ل تجاوزه ا لك ل س لبياتها‪ ،‬ن رى في‬
‫الواقع الديني واإلعالمي من يقف يقف موقفا سلبيا من [والية الفقي ه]‪ ،‬وينش ر في ذل ك‬
‫ال دعايات المغرض ة‪ ،‬ال تي ال تس تند إلى أي أدل ة واقعي ة موض وعية‪ ،‬ب ل تكتفي فق ط‬
‫بتص ويرها بص ورة م ا حص ل في الماض ي‪ ،‬وخصوص ا عن د المس يحيين من تل ك‬
‫الحكومات الثيوقراطية(‪ )1‬االستبدادية‪ ،‬والتي ثارت عليها الش عوب بع د ذل ك‪ ،‬وانتقلت‬
‫بسببها إلى النظام العلماني‪ ،‬بل إلى اإللحاد نفسه‪.‬‬
‫ومن األمثل ة على تل ك ال دعايات المغرض ة م ا قال ه بعض الخليج يين في مق ال‬
‫بعن وان [الثيوقراطي ة تع ود من جديد](‪ )2‬بع د أن ق دم مقدم ة في التعري ف‬
‫بالثيوقراطية‪( :‬بعدما تخلصت أوروبا وأنهت الحكم الثيوقراطي بكل أش كاله وأنواع ه‪،‬‬
‫تطل علينا إيران بنظ ام ثي وقراطي جدي د ومقنن‪[ ،‬حيث] تعت بر إي ران نموذج ا ً جدي داً‬
‫للحكم الثيوقراطي‪ ،‬من خالل مجلس الخ براء‪ ،‬ال ذي يق وم بتع يين رج ل دين بمنص ب‬
‫القائد األعلى للجمهورية‪ ،‬الذي يمتلك جميع الصالحيات التشريعية والتنفيذي ة بي ده وال‬
‫تنازعه أي سلطة أخرى في إيران! مث ل خ امنئي اآلن ال ذي يعت بر أعلى س لطة ديني ة‬
‫وسياسية بإيران‪ .‬ويُطلق على هذا النوع من الحكم سلطة [والية الفقيه])‬
‫هذا نموذج يختصر الكثير من المقاالت التي يواجه بها النظام اإليراني‪ ،‬ويعت بر‬
‫من خاللها نظاما ثيوقراطيا واستبداديا‪ ،‬وأنه بذلك أس وأ األنظم ة الموج ودة في الواق ع‬
‫حتى األنظمة الملكية والعسكرية كما يذكر صاحب المقال‪.‬‬
‫والدليل األكبر الذي يستند إليه هؤالء جميعا هو تلك الصالحيات الكبيرة المعطاة‬
‫للولي الفقيه‪ ،‬والتي بموجبها يستطيع أن يغير كل أجهزة الحكم وأركانه؛ فق د تص وروا‬
‫أن إعطاء مثل هذه الصالحيات يجعل من ال ولي الفقي ه شخص ا مس تبدا ال يختل ف عن‬

‫‪ )( 1‬الثيوقراطية‪ :‬تعني حكم الكهنة أو الحكومة الدينية أو الحكم الديني‪ ،‬وهي نظ ام حكم يس تمد الح اكم في ه س لطته‬
‫مباشرة من اإلله‪ ،‬حيث تكون الطبقة الحاكمة من الكهنة أو رجال الدين الذين يعتبروا م وجهين من قب ل اإلل ه أو يمتثل ون‬
‫لتعاليم سماوية‪ ،‬وتكون الحكومة هي الكهنوت الديني ذاته أوعلى األقل يسود رأي الكهنوت عليه‪..‬‬
‫‪ )(2‬نشرته الخليج أون الين بتاريخ‪ ،2017-10-28 :‬ولم تذكر اسم صاحب المقال‪.‬‬

‫‪63‬‬
‫سائر المستبدين(‪. )3‬‬
‫وحتى نعالج هذه المسألة به دوء‪ ،‬وبعي دا عن ذل ك الش غب ال ذي يث يره اإلعالم‪،‬‬
‫ويثيره معهم بعض اإلسالميين التقدميين أو السلفيين‪ ،‬نحاول هنا أن نطل ع على الكيفي ة‬
‫التي تنفذ بها والية الفقيه في الجمهوري ة اإلس المية اإليراني ة‪ ،‬س واء من خالل واقعه ا‬
‫السياسي‪ ،‬أو من خالل المصادر الفكرية التي تنظر لوالية الفقيه‪ ،‬وتبين منهج تطبيقها‪.‬‬
‫وقبل أن نذكر تفاصيل ذلك‪ ،‬نحب أن نبين أن المش كلة ال تكمن في الص الحيات‬
‫المعطاة ألي جهة‪ ،‬وإنم ا المش كلة تكمن في تعام ل تل ك الجه ة م ع الص الحيات ال تي‬
‫أعطيت لها‪ ،‬وهل تعاملت معها بحكمة وأمانة وعلم أم لم تتعامل بذلك كله‪.‬‬
‫ذل ك أن ه ال يمكن ألي ش خص أو مؤسس ة أن تنف ذ مش روعها م ا لم تع ط‬
‫الصالحيات التي تسمح لها بتنفي ذه‪ ،‬وق د أش ار إلى ه ذا قول ه تع الى عن يوس ف علي ه‬
‫ض إِنِّي َحفِي ظٌ َعلِي ٌم (‪َ )55‬و َك َذلِكَ َم َّكنَّا لِي ُ‬
‫ُوس فَ‬ ‫السالم‪﴿ :‬قَا َل اجْ َع ْلنِي َعلَى خَ زَائِ ِن اأْل َرْ ِ‬
‫ضي ُع أَجْ َر ْال ُمحْ ِسنِينَ (‬ ‫صيبُ بِ َرحْ َمتِنَا َم ْن نَ َشا ُء َواَل نُ ِ‬
‫ْث يَ َشا ُء نُ ِ‬‫ض يَتَبَ َّوأُ ِم ْنهَا َحي ُ‬
‫فِي اأْل َرْ ِ‬
‫‪[ ﴾ )56‬يوسف‪]57 - 55 :‬‬
‫فيوسف عليه السالم كما تنص اآليات الكريمة قد أعطاه هللا من العلم ما اس تطاع‬
‫به أن يضع مشروعا لمواجهة المجاعة التي ستحل بالمصريين‪ ،‬وقد أخبر عزيز مصر‬
‫عن ذلك المشروع‪ ،‬ولكن بما أنه ال يمكن تنفيذه إال لصاحب الخبرة الكافية‪ ،‬مع األمان ة‬
‫والحفظ‪ ،‬فقد رأى يوسف علي ه الس الم أن ه ال يمكن ألح د أن ي ؤدي ه ذا ال دور غ يره؛‬
‫فطلب إعطاءه الصالحيات الكافية ألداء ذل ك ال دور‪ ،‬وال ذي ع بر عن ه الق رآن الك ريم‬
‫بالتمكين‪.‬‬
‫فالتمكين هو توف ير الص الحيات للح اكم المس لم ال ذي يجم ع بين العلم واألمان ة‬
‫‪ )(3‬نص الدستور اإليراني في المادة (‪ )110‬على الصالحيات والوظائف التي يتوالها الولي الفقيه‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫‪ -1‬تعيين السياسات العامة لنظام جمهورية ايراناالسالمية بعد التشاور مع مجمع تشخيص مصلحة النظام‪.‬‬
‫‪ -2‬االشراف على حسن اجراء السياسات العامة للبالد‪.‬‬
‫‪ -3‬اصدار االمر باالستفتاء العام‪.‬‬
‫‪ -4‬القيادة العامة للقوات المسلحة‪.‬‬
‫‪ -5‬اعالن الحرب والسلم والنفير العام‪.‬‬
‫‪ -6‬نصب وعزل وقبول استقالة ك ل من‪[ :‬أ‪ .‬فقه اء مجلس صيانةالدس تور‪ ..‬ب‪ .‬أعلى مس ؤول في السلطةالقض ائية‪..‬‬
‫ج‪ .‬رئيس مؤسسة االذاعة والتلفزيون فيجمهورية اي ران االس المية‪ ..‬د‪ .‬رئيس ارك ان القيادةالمش تركة‪ ..‬هـ‪ .‬القائ د الع ام‬
‫لقوات حرس الثورةاالسالمية‪ ..‬و‪ .‬القيادات العليا للقوات المسلحة وقوىاالمن الداخلي]‬
‫‪ -7‬حل االختالفات وتنظيم العالئق بين السلطات الثالث‪.‬‬
‫‪ -8‬حل مشكالت النظام التي ال يمكن حلها بالطرق العادية من خالل مجمع تشخيص مصلحة النظام‪.‬‬
‫‪ -9‬امضاء حكم تنصيب رئيس الجمهورية بع د انتخاب ه من قب ل الش عب‪ .‬أم ا بالنس بة لص الحية المرش حين لرئاس ة‬
‫الجمهوري ة من حيث ت وفر الش روط المعيَّن ة في ه ذا الدس تور فيهم فيجب ان تن ال قب ل االنتخاب ات موافق ة مجلس‬
‫صيانةالدستور وفي الدورة االولى تنال موافقة القيادة‪.‬‬
‫‪ -10‬عزل رئيس الجمهورية مع مالحظة مصالح البالد‪ ،‬وذلك بع د ص دور حكم المحكم ة العي ا بتخلف ه عن وظائف ه‬
‫القانونية‪ ،‬او بعد رأي مجلس الشورى االسالمي بعدم كفاءته السياسية ‪ ،‬على أساس من المادة التاسعةوالثمانين‪.‬‬
‫‪ -11‬العفو او التخفيف من عقوبات المحكوم عليهم في اطار الموازين االسالمية بعد اقتراح رئيس السلطة القض ائية‪.‬‬
‫ويستطيع القائد ان يوكل شخصا ً آخر اداء بعض وظائفه وصالحياته‪.‬‬
‫وهكذا نرى أن الولي الفقيه ليس مطلق الصالحيات فعلى سبيل المثال نجد أنه ال يتمكن من تع يين رئيس الجمهوري ة‬
‫بدون انتخاب شعبي ‪ ،‬كما ال يمكنه عزله بدون صدور حكم المحكمة العليا اورأي مجلس الشورى االسالمي‪..‬‬

‫‪64‬‬
‫واألخالق العالي ة‪ ،‬وال تي تجعل ه يم ارس دوره بك ل حري ة‪ ،‬ألن ه ال يمكن لش خص أن‬
‫يؤدي دوره اإلصالحي في الوقت الذي تقيد فيه يده عما ترشده إليه حكمته‪.‬‬
‫وله ذا أخ بر الق رآن الك ريم عن س ليمان علي ه الس الم أن ه أعطي الص الحيات‬
‫الكثيرة التي يمكنه من خاللها أن يؤدي دوره كحاكم مسلم‪ ،‬وقد قال تعالى مخاطب ه ل ه‪:‬‬
‫ب ﴾ [ص‪]39 :‬‬ ‫﴿هَ َذا َعطَا ُؤنَا فَا ْمنُ ْن أَوْ أَ ْم ِس ْك بِ َغي ِْر ِح َسا ٍ‬
‫وبناء على هذا؛ فال حرج أن يعطى الفقيه الوارث للرسل عليهم الس الم م ا ك ان‬
‫لهم من ص الحيات في إدارة البالد‪ ،‬إذا م ا ك ان لدي ه العلم الك افي بال دين والواق ع‪،‬‬
‫باإلضافة إلى األخالق العالية ال تي تجعل ه ال يقص د من أي حكم يص دره إال المص لحة‬
‫العامة‪ ،‬وخاصة إذا أضيف إلى ذلك كونه منتخبا من جهة الشعب‪ ،‬ويعمل تحت رقابته‪،‬‬
‫وبمعونة الكث ير من المستش ارين في المج االت المختلف ة‪ ،‬وه و ف وق ذل ك كل ه مح اط‬
‫بسياج الشريعة ال يحل له أن يخرج عنها‪ ،‬أو يتملص من أحكامها‪.‬‬
‫ففي هذه الحالة‪ ،‬ال يمكن اعتبار النظام نظاما استبداديا‪ ،‬ألن المستبد هو الجاه ل‬
‫صاحب المصالح الذي يفرض آراءه على األمة التي لم تختره‪ ،‬ولم يتح لها أن تراقبه‪.‬‬
‫باإلضافة إلى ذلك؛ فإنه ال يمكن ألحد أن ي ؤدي واجب ه م ا لم يع ط الص الحيات‬
‫الكافية التي تخول له أداء ذلك الواجب‪ ،‬كما أشار إلى ذل ك الش يخ مص باح ي زدي عن د‬
‫تبريره للصالحيات المعطاة لل ولي الفقي ه؛ فق ال‪( :‬حينم ا يعيّن ون ألح د واجب ا ً فيل زم ـ‬
‫والحال هذه أن يوفروا له ظروف أداء ذلك الواجب‪ ،‬ويمنحوه الق درة القانوني ة ألدائ ه‪،‬‬
‫وهذا يعني منحه الصالحيات المناسبة لواجباته‪ ..‬فحين يجعلون الحكوم ة مس ؤولة عن‬
‫الحفاظ على أمن البالد الداخلي مثالً‪ ،‬فالبد أن يمنحوها مستلزمات الحفاظ على األمن‪،‬‬
‫وكذلك حين يوكلون إليها مهمة الدفاع عن حدود البالد‪ ،‬فالبد أن تمتلك صالحية العمل‬
‫بما يلزم لحراس ة الح دود‪ ،‬وإال ف إن تع يين المس ؤولية دون منح الص الحيات الالزم ة‬
‫عبث ال جدوى منه)(‪)1‬‬
‫وأش ار إلي ه الش يخ ج وادي آملي بقول ه؛ عن د الح ديث عن ص الحيات الح اكم‬
‫اإلسالمي‪( :‬يمكننا من خالل ما ذكر حول وظ ائف الح اكم اإلس المي أن نتع رف على‬
‫صالحيات الحاكم في اإلس الم‪ .‬فعن دما يتم تحدي د الوظيف ة للعام ل الب د بش كل ط بيعي‬
‫وبالحد األدنى‪ ،‬أن تؤمن ظروف القيام بها ويعطى الس لطة القانوني ة ألدائه ا باإلض افة‬
‫إلى الصالحيات المتناسبة معها‪ .‬كمث ال‪ ،‬عن دما يك ون الح اكم اإلس المي مس ؤوالً عن‬
‫ت أمين األمن ال داخلي للبالد‪ ،‬ينبغي أن يح وز على ك ل م ا من ش أنه أن يحف ظ األمن‪،‬‬
‫وهكذا في مورد الدفاع‪ ،‬وإال لزم من ذلك اللغو والعبث)(‪)2‬‬
‫باإلضافة إلى ذلك نرى في الواقع تلك التقلبات الكثيرة التي تص يب ال دول ال تي‬
‫ال تمنح مسؤوليها الصالحيات الكافية؛ وهو م ا يجعلهم ال يفك رون تفك يرا اس تراتيجيا‬
‫يؤمن للدولة تقدمها وتطوره ا‪ ،‬بق در م ا يفك رون في إرض اء أولئ ك ال ذين انتخب وهم‪،‬‬

‫‪ )(1‬الحكومة اإلسالمية و والية الفقيه‪ ،‬الشيخ مصباح يزدي (ص‪.)38 :‬‬


‫‪ )(2‬الكلمة الطيبة (دروس في والية الفقيه) جوادي آملي (ص‪)9 :‬‬

‫‪65‬‬
‫حتى لو كان في ذلك مفسدة لمصالح الدولة في مستقبلها أو مبادئها‪.‬‬
‫وقد عبر عن ذلك الشيخ مالك مصطفى وهبي العاملي بقول ه‪( :‬إن نظري ة والي ة‬
‫األمة على نفس ها هي نظري ة االنقالب ات المتك ثرة والالإس تقرار االجتم اعي‪ ،‬والتخلي‬
‫عن الدين كشرع يحكمنا في كل صغيرة وكبيرة؛ فإنن ا إذا بنين ا على والي ة األم ة على‬
‫نفسها بدون ضوابط‪ ،‬وكان هذا حقها الحصري‪ ،‬ت أتي مجموع ة أس ئلة لتث ير مخ اوف‬
‫تجعل مصالح األمة في معرض التسيب وال زوال؛ فإن ه ل و لم يكن للفقي ه والي ة يتمكن‬
‫من خاللها من إلزام األمة بس لوك الطري ق الص حيح‪ ،‬ونقص د اإلل زام الش رعي‪ ،‬فه ذا‬
‫يعرض األم ة للفس اد ولتس لط المنح رفين عليه ا ويفس ح المج ال لظه ور حكوم ات ال‬
‫عالقة لها باإلسالم‪ ،‬وفي هذا تضييع للهدف المنش ود من وراء تش كيل حكوم ة ت رعى‬
‫شؤون المس لمين‪ ..‬ثم م ا أس هل أن تس يطر قل ة قليل ة على األكثري ة من خالل اإلعالم‬
‫ونمط تثقيفي تربوي معين وقدرة مالية‪ ،‬فبدل أن تكون الوالية لألمة على نفس ها‪ ،‬وه و‬
‫الشعار البراق‪ ،‬نكون قد أعطينا الوالية لتلك الفئة القليلة على األمة)(‪)1‬‬
‫وبناء على هذا أشار الخميني في مواضع كثيرة من كتبه وخطاباته إلى ضرورة‬
‫إعطاء الولي الفقيه جميع الصالحيات التي تتيح له أن يؤدي دوره في تحكيم الش ريعة‪،‬‬
‫لما لديه من مؤهالت وكفاءات تسمح له بذلك‪ ،‬ومن ذل ك قول ه في بعض رس ائله‪( :‬ل و‬
‫كانت صالحيات الحكومة محكومة بسقف األحكام الفرعية اإللهية الكلي ة يص بح جع ل‬
‫الحكومة اإللهية والوالية المفوض ة لن بي اإلس الم ‪ ‬لغ واً‪ ،‬وسيس بب ذل ك ارتباك ات‬
‫على المس توى العملي ال يمكن ألح د أن يل تزم به ا‪ ،‬كش ق الش ارع المس تلزم أحيان ا ً‬
‫للتصرف في منزل أو في حريم منزل‪ ،‬فإن مقتضى األحك ام الفرعي ة الكلي ة ه و ع دم‬
‫جواز هذا التصرف‪ ،‬ومثل نظام التجنيد اإلجباري والبعث اإلجباري إلى الجبهات‪ ،‬مع‬
‫أن األحكام الفرعية الكلية تقتضي ع دم ج واز ذل ك إال حين الوج وب العي ني على ك ل‬
‫مكلف‪ .‬ومثل المنع من إدخال وإخراج العمالت الص عبة‪ ،‬ومقتض ى األحك ام الش رعية‬
‫الكلية جواز ذلك‪ .‬ومثل المنع من إدخال وإخارج أي سلعة ومنع اإلحتكار عموم اً‪ ،‬م ع‬
‫أن مقتضى األحكام الشرعية حصر منع اإلحتكار ب الموارد األربع ة المعروف ة‪ .‬ومث ل‬
‫فرض الجمارك والضرائب بالخمس والزكاة ونحوهما مما أوجبه الشرع‪ .‬ومث ل المن ع‬
‫من الغالء وتحديد األسعار‪ ،‬والمنع من نشر الم واد المخ درة ومن ع اإلدم ان ب أي ن وع‬
‫غير المسكرات‪ ،‬ومنع حم ل األس لحة مهم ا ك ان نوعه ا‪ ،‬ومئ ات من أمثل ة ذل ك ال تي‬
‫تصبح بمقتضى ذلك التقييد خارجة عن صالحية الحكومة)(‪)2‬‬
‫وبناء على هذا‪ ،‬وبناء على كون الولي الفقي ه يم ارس نفس ال دور ال ذي مارس ه‬
‫الن بي ‪ ‬في دولت ه ال تي أقامه ا بالمدين ة المن ورة‪ ،‬ك ان من ال واجب إعط اؤه ك ل‬
‫الصالحيات التي تتيح له ذلك‪ ،‬كما يذكر الخميني ذلك بقوله‪( :‬فالذي يجب قول ه هن ا أن‬
‫الحكومة شعبة من الوالية المطلق ة لرس ول هللا ‪ ،‬وهي من األحك ام األولي ة المقدم ة‬
‫‪ )(1‬الفقيه والسلطة واألمة مالك مصطفى وهبي العاملي (ص‪)98 :‬‬
‫‪ )(2‬نقال عن ‪ :‬بحوث في والية الفقيه‪،‬سلسلة المعارف اإلسالمية‪ ،‬نش ر جمعي ة المع ارف اإلس المية الثقافي ة‪ ،‬ط‪،3‬‬
‫‪2007‬م‪ ،‬ص‪.59-55‬‬

‫‪66‬‬
‫على جميع األحكام الفرعي ة ح تى الص الة والص وم والحج‪ .‬فبمق دور الح اكم أن يه دم‬
‫مسجداً أو منزالً من أجل شق ش ارع‪ ،‬ويس تطيع أن يعط ل المس اجد حين الل زوم‪ ،‬وأن‬
‫يه دم مس جداً يك ون ض راراً إذا لم يمكن رف ع الض رر بدون ه‪ .‬والحكوم ة تس تطيع من‬
‫طرف واحد أن تلغي العقود الشرعية التي عقدتها م ع الن اس حين يك ون العق د مخالف ا ً‬
‫لمصالح البلد واإلسالم‪ .‬ويمكنها المنع من أي أمر عبادي كان أو غير عب ادي‪ ،‬إن ك ان‬
‫تنفي ذه على خالف مص الح اإلس الم‪ .‬ويمكنه ا أن تمن ع مؤقت ا ً من الحج ال ذي ه و من‬
‫الف رائض اإللهي ة المهم ة حين يك ون حس ب تشخيص ها على خالف ص الح البل د‬
‫اإلسالمي)(‪)1‬‬
‫وكل هذه الصالحيات التي ذكرها الخميني مقررة في كتب الفق ه للح اكم المس لم‬
‫حتى لو لم يكن فقيها‪ ،‬فكيف به إذا كان فقيها‪ ،‬وكان في نفس الوقت مفوض ا من ط رف‬
‫الشعب نفسه كما عبر عن ذلك الخميني بقوله ـ في بيان يتعلق ببعض شؤون الدول ة ـ‪:‬‬
‫(بناء على الحق الش رعي‪ ،‬وعلى أس اس ال رأي المعطى لي من األكثري ة الس احقة من‬
‫ش عب إي ران‪ ،‬ف إني أعين من أج ل تحقي ق األه داف اإلس المية مجلس ش ورى باس م‬
‫شورى الثورة اإلسالمية‪)2()..‬‬
‫ومثل ذلك قوله عند تعيين حكومة بازركان‪( :‬إننا واستناداً إلى آراء عموم الناس‬
‫التي ترون‪ ،‬ورأيتم أنها معنا وقبلوا بتوكيلنا إن شئتم التعبير أو بواليتنا لذا فإني كح اكم‬
‫عليهم عينت تلك الحكومة بما لي من الوالية من الشرع المقدس)(‪)3‬‬
‫بناء على هذا‪ ،‬نحاول أن نذكر هنا اإلجراءات العملية ال تي يتم من خالله ا تنفي ذ‬
‫والية الفقيه في الجمهورية اإلس المية اإليراني ة‪ ،‬وهي أحس ن رد على ك ل تل ك الش به‬
‫التي يطلقها المغرض ون من غ ير أن يكلف وا أنفس هم بمطالع ة الدس تور اإلي راني‪ ،‬وال‬
‫طريقة الحكم في مؤسساتها المختلفة‪.‬‬
‫وقد رأينا أن تطبيق هذا النظام يستدعي توفر أربعة شروط‪ ،‬كل شرط منها كفيل‬
‫برد تلك الشبه‪ ،‬وبيان مدى مشروعية هذا الن وع من األنظم ة وبع ده عن ك ل األش كال‬
‫االستبداد‪.‬‬
‫وهذه الشروط هي‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ توفر الكفاءة العلمية واألخالقية في الولي الفقيه‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ توفر القابلية الشعبية للولي الفقيه‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ توفر المرجعية الشرعية والقانونية‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ توفر المؤسسات التشريعية والتنفيذيه‪.‬‬
‫وسنتناولها بالشرح في المباحث التالية‪:‬‬
‫أوال ـ الكفاءة العلمية واألخالقية للولي الفقيه‪:‬‬

‫‪ )(1‬المرجع السابق‪.‬‬
‫‪ )(2‬صحيفة نور ج‪ ،3‬ص ‪.105‬‬
‫‪ )(3‬صحيفة النور ج‪ 3‬ص ‪.224‬‬

‫‪67‬‬
‫وهو ما يجعل قراراته أقرب إلى الصواب؛ فهو لم يرث الحكم كما هو الحال في‬
‫األنظم ة الملكي ة‪ ،‬ولم يص ل إلي ه عن طري ق انقالب ات‪ ،‬كم ا ه و الح ال في األنظم ة‬
‫العس كرية‪ ،‬وإنم ا ت واله بن اء على م ا لدي ه من كف اءات علمي ة وأخالقيت ه زكت ه ل دى‬
‫العلماء‪ ،‬وعامة الشعب‪ ،‬وبذلك تكون تلك الكفاءة أكبر حاجز له عن االستبداد والظلم‪.‬‬
‫وقد اهتم الفقهاء المؤيدون لوالية الفقيه ـ سواء ك انوا من ق ادة الث ورة اإلس المية‬
‫أو من غيرهم‪ ،‬وسواء كانوا إيرانيين أو غير إيرانين(‪ )1‬ـ بالمواصفات المؤهل ة لل ولي‬
‫الفقيه‪ ،‬والتي تتيح له القدرة على أداء دوره في التعامل مع الصالحيات المتاحة له‪.‬‬
‫وهم ينص ون على أنه ا ـ م ع كثرته ا وص عوبة اجتماعه ا في ش خص واح د ـ‬
‫ضرورية جدا‪ ،‬وال يمكن أن توزع على أشخاص كث يرين‪ ،‬ألن ذل ك سيض عف الدول ة‬
‫وقرارتها‪ ،‬كما نص على ذلك المرجع الديني الكبير كاظم الحائري(‪ )2‬في كتابه [أساس‬
‫الحكومة اإلسالمية]‪ ،‬والذي ألفه قبل انتصار الثورة اإلسالمية بقول ه‪( :‬إن نف وذ الكلم ة‬
‫في الحكومات الوضعية ـ وحتى االنتخابية ـ ال يخلو من أن يكون بيد فرد واح د أو بي د‬
‫أكثر من فرد كاثنين أو ثالثة‪ ،‬وهكذا بقدر ما تنتخبه األمة مثالً؛ فإن كان بيد فرد واح د‬
‫تمتع الحكم بالمركزية والقوة والسيطرة الكاملة‪ ،‬وهي مفيدة في تنظيم الدول ة‪ ،‬لكن ه ق د‬
‫يبتلى باالستبداد والعمل على إغفال األمة‪ .‬وكلما اتس عت دائ رة من بي دهم األم ر ابتع د‬
‫الحكم بذاك المقدار عن معرضيته للوق وع في االس تبداد‪ ،‬في حين ض عف تمتع ه بتل ك‬
‫الدرجة من القوة والسيطرة والتنظيم)(‪)3‬‬
‫وبناء على هذا‪ ،‬وح تى تس تفيد األم ة من الق وة والمركزي ة‪ ،‬وتتف ادى االس تبداد‬
‫والظلم‪ ،‬وضع الفقهاء السياسيون المؤمنون بوالية الفقيه معايير نظري ة وعملي ة كث يرة‬
‫أشار إليها الحائري بقوله‪( :‬أما الشكل الذي جاء ب ه االس الم ‪ ..‬وف ق م ا تنقح في بحثن ا‬
‫عن والية الفقيه‪ ،‬فهو شكل ثالث؛ إذ هو لم يجعل الوالية بيد ش خص واح د مم ا يق رب‬
‫النظ ام إلى االس تبداد‪ ،‬وال بي د مجم وع الفقه اء ب أن يش غل ك ل واح د منهم ج زءاً من‬
‫منصب الوالية مما يؤدي إلى ضعف المركزي ة‪ ،‬ب ل جعله ا بي د ك ل واح د من الفقه اء‬
‫الج امعين للش رائط‪ ،‬فك ل واح د منهم ح اكم مس تقل‪ ،‬إال أن ه إذا تق دم بعض هم للحكم‬
‫والتنظيم لم يجز لآلخرين ش ق ص فوف المس لمين ويجب عليهم التس ليم م ا لم ينح رف‬
‫األول‪ ،‬ولم يت ورط في أخط اء أش د من مفاس د ش ق الص فوف‪ ،‬وبه ذا الش كل احتف ظ‬
‫‪ )( 1‬يصر الكثيرون على اعتبار مسألة والية الفقيه مسألة مرتبطة بالحوزات العلمية المتواجدة في إيران فق ط‪ ،‬وأن‬
‫سائر الحوزات ـ وخاصة الحوزة العلمية في النجف ـ تخالفها‪ ،‬وذلك غير صحيح؛ فالشيخ النراقي وهو كم ا ذكرن ا س ابقا‬
‫من أشهر من قال بوالية الفقيه العامة هو من حوزة النجف‪ ،‬ومثله الشيخ النائيني‪ ،‬والش يخ محم د رض ا المظف ر‪ ،‬والس يد‬
‫عبد االعلى السبزواري‪ ،‬والسيد محمد باقر الصدر‪ ،‬والشيخ محمد اسحاق الفياض‪ ،‬والش يخ بش ير النجفي‪ ،‬والس يد ك اظم‬
‫الحائري‪ ،‬فكل هؤالء تالميذ حوزة النجف االشرف‪ ،‬وهم جميعا ً يرون والية الفقيه العامة‪ ،‬والخمي ني نفس ه أص در كتاب ه‬
‫(الحكومة االسالمية) حينما كان في النجف‪ ،‬ففيها كان يدرّ س والية الفقيه العامة‪.‬‬
‫‪ )(2‬هو كاظم الحسيني الحائري (‪ - 1938‬اآلن) هو مرجع شيعي عراقي ُمعاص ر مقي ٌم بمدين ة قم اإليراني ة‪ ،‬وه و‬
‫أحد أبرز تالميذ محمد باقر الصدر‪ ،‬وكانت تربطه عالقة وطيدة بالمرجع محمد محمد صادق الصدر‪ ،‬ويُتناقل أن الصدر‬
‫قد أوصى مقلديه بأن يتّبعوا ثالثة مراجع من بعده كان الحائري أحدهم‪ ،‬واالثنان اآلخران هم ا‪ :‬محم د اليعق وبي‪ ،‬و ُمح ّم د‬
‫إسحاق الفياض‪ ،‬وثالثتهم يؤمنون بوالية الفقيه‪.‬‬
‫‪ )(3‬أساس الحكومة اإلسالمية‪ ،‬كاظم الحائري (ص‪.)71 :‬‬

‫‪68‬‬
‫االسالم بمزايا كال الشكلين من القوة والسيطرة الكاملة من ناحية‪ ،‬ألن الفقهاء اآلخ رين‬
‫ال يبرزون الخالف مادام القائمون باألمر غير منحرفين وال متورطين في أخطاء أكبر‬
‫من مفاسد المخالفة‪ ،‬ومن االبتعاد عن االستبداد من ناحية أخرى‪ ،‬ألن الفقهاء اآلخ رين‬
‫أيض ا ً يتمتع ون بنف وذ الكلم ة ويراقب ون الح اكم األول ويقول ون كلمتهم ل و اقتض ت‬
‫المصلحة ذلك‪ ،‬وكان البد من هذا األسلوب مادام رئيس الدولة غير معصوم)(‪)1‬‬
‫ثم بين م دى أهمي ة ه ذا الن وع من األنظم ة وض رورته وكون ه يجم ع بين ق وة‬
‫الدولة والحصانة من االستبداد؛ فقال‪( :‬حينما يكون هذا النظام مقترن ا ً بح واجز ال ورع‬
‫والتقوى والموضوعية من ناحية‪ ،‬وبمراقبة األمة للفقهاء ـ تلك األمة العارف ة باش تراط‬
‫العدالة والكفاءة فيهم والمتربية على تعاليم السماء ـ من ناحي ة أخ رى‪ ،‬وبالمش ورة م ع‬
‫ذوي االختصاص والخبرة في ك ل فن من الفن ون من ناحي ة ثالث ة‪ ،‬فإن ه سيش كل خ ير‬
‫نظام متصور للحكم ‪ ..‬بعيداً عن كل ألوان االستبداد والظلم‪ ،‬يوجّه الناس نحو االقتراب‬
‫من رضا هللا تبارك وتعالى‪ ،‬وهو الهدف األقصى لالسالم الذي يسعد المجتمع البش ري‬
‫في الدنيا واآلخرة) (‪)2‬‬
‫ومثله ذكر الشيخ جوادي آملي ـ وهو من الفالسفة والمفكرين اإليرانيين الكب ار ـ‬
‫صورا لوالية الفقيه‪ ،‬وبين ضرورة كونها في شخص واح د‪ ،‬حفاظ ا على ق وة الدول ة‪،‬‬
‫واستنانا بسنة الرسل عليهم الصالة والسالم وخلفائهم؛ فقال‪( :‬قد تق ّدمت اإلشارة إلى ّ‬
‫أن‬
‫الحياة اإلنسانية االجتماعية ال تتحقق بدون النظام والتشكيل‪ ،‬وهو قد يك ون بالش ورى‪،‬‬
‫وقد يكون باإلمامة‪ ،‬بمعنى ّ‬
‫أن الحاكم الذي يرج ع إلي ه في ح ّل المش اكل‪ ،‬وبِيَ ده أزم ة‬
‫أم ور الملك ة وتنفي ذها‪ ..‬ه ل ه و ش خص واح د ج امع لجمي ع الش رائط‪ ،‬أم أش خاص‬
‫عديدون يتشاورون ويتبادلون وجهات النظر فيؤخذ بال ُمجمع علي ه أو المش هور بينهم ـ‬
‫ألنهم إما أن يتفقوا على أمر فهو ال ُمجم ع علي ه‪ ،‬أو يختلف ون في ه ب األكثر واألق ل فه و‬
‫المشهور لديهم ـ ولكل من المسلكين فوائد ومزايا‪ ،‬ولكن األولى هو األول مهم ا أمكن؛‬
‫إن‬‫لِ َما جرت عليه سيرة األنبياء حيث لم تعهد نبوة استشارية‪ ،‬وال رسالة بالشورى‪ ،‬بل ّ‬
‫عصر ما إن كان يختص كل واح د منهم بق وم وقط ر من األرض‪ ،‬أو‬ ‫ٍ‬ ‫تعدد األنبياء في‬
‫ً‬
‫كان بعض منهم تابع ا آلخ ر نح و تبعي ة ل وط إلب راهيم علي ه الس الم ‪ ..‬أو نح و تبعي ة‬
‫هارون لموسى عليه السالم وإن كان شريكا ً في أمره‪ ،‬ولكن لم يكن مساويا ً له‪ ،‬بل كان‬
‫وزيراً وعضداً لموسى عليه السالم‪ ،‬وهكذا جرت سمة اإلمامة لألئمة حيث إنه لم تعهد‬
‫إمامة استشارية‪ ،‬وال خالفة وإمامة بالشورى)(‪)3‬‬
‫بن اء على م ا س بق ذك ره؛ فق د ح دد الدس تور اإلي راني الش روط المؤهل ة ألي‬
‫شخص لتولي هذا المنصب الرفيع‪ ،‬وذلك في المادة (‪ )109‬من ه‪ ،‬وال تي تنص على أن‬
‫(الشروط الالزم توفرها في القائد وصفاته هي‪ -1 :‬الكف اءة العلمي ة الالزم ة لالفت اءفي‬

‫‪ )(1‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.72‬‬


‫‪ )(2‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.72‬‬
‫‪ )(3‬العناصر الرئيسية للفكر السياسي اإلسالمي‪ ،‬جوادي آملي (ص‪)10 :‬‬

‫‪69‬‬
‫مختلف أبواب الفقه‪ -2 ..‬العدالة والتقوى الالزمتان لقيادةاالم ة االس المية‪ -3 ..‬الرؤي ة‬
‫السياس ية الص حيحة‪ ،‬والكف اءة االجتماعي ة واالداري ة‪ ،‬والت دبير والش جاعة‪ ،‬والق درة‬
‫الكافية للقيادة‪ ..‬وعند تعدد من تتوفرفيهم الشرائط المذكورة يفضّل من كان منهم ح ائزاً‬
‫على رؤية فقهية وسياسية أقوى منغيره)‬
‫وهي نفس الشروط التي ذكره ا الخمي ني في كتب ه وبيانات ه ح ول والي ة الفقي ه‪،‬‬
‫والتي اختصرها في قوله ـ عند حديثه عن خصائص ال ول ّي الفقي ه ـ ‪( :‬الفقي ه ص احب‬
‫العلم والعمل‪ ،‬ذو السيرة اإلسالميّة‪ ،‬والسياسة اإلسالميّة‪ ،‬وأن يكون قد أفنى عم ره في‬
‫اإلسالم والمسائل اإلسالميّة)(‪)1‬‬
‫ونص عليها في مواضع أخرى‪ ،‬فذكر أنه (شخص قد ثبت ل دى الش عب أنّ ه ذو‬
‫أخالق ودين‪ ،‬وأنّه شخص وط ن ّي وص احب علم وعم ل‪ ..‬وه و الّ ذي ينتخب ه الش عب‪،‬‬
‫وهو الفقيه الّذي أمضى عمره في اإلسالم وخدمته‪ ..‬وه و الفقي ه المطّل ع على المع ايير‬
‫والذي يعيش الحياة الّتي يعيشها الناس العاديّون‪ ..‬وه و المجته د المؤيَّد من قب ل مجلس‬
‫الخ براء‪ ،‬والم دافع عن حيثيّ ة اإلس الم في الع الم ‪ ..‬وه و ش خص وق ف نفس ه لخدم ة‬
‫اإلسالم والجمهوريّة اإلسالميّة وكان في خدمة المحرومين والمستضعفين ‪ ..‬ويجب أن‬
‫يُنتخب للقيادة أكثر الفقهاء لياقة ومعرفة والتزاماً)(‪)2‬‬
‫وهي ش روط مبني ة على أدل ة عقلي ة ونقلي ة كث يرة‪ ،‬نص عليه ا ق ادة الث ورة‬
‫اإلس المية وفقهاؤه ا‪ ،‬ومنهم الخ امنئ في كتاب ه [الحكوم ة في اإلس الم]‪ ،‬بقول ه‪( :‬إن‬
‫المجتمع الذي يحمل أف راده إيمان ا ً باهلل‪ ،‬ينبغي أن تك ون الحكوم ة القائم ة في ه حكوم ة‬
‫دينية إسالمية‪ ،‬تطبق التعاليم اإلسالمية‪ ،‬وتنف ذ الش ريعة واألحك ام اإلس المية في حي اة‬
‫الن اس‪ .‬وينبغي أن يك ون على رأس تل ك الحكوم ة ش خص يتمت ع بص فتين ب ارزتين‬
‫وأساسيتين هما‪ :‬أوالً‪ :‬أن يكون األعلم باألحكام والش ريعة والفق ه اإلس المي‪ ،‬ثاني اً‪ :‬أن‬
‫يتمتع بملكة ضبط النفس والسيطرة عليها من الوق وع في المعاص ي وه و م ا اص طُلح‬
‫عليه عرفا ً بـ [العدالة](‪ .. )3‬هات ان الس جيتان‪ :‬من الض روري توفرهم ا في الش خص‬
‫الذي يري د تط بيق األحك ام اإللهي ة والق وانين اإلس المية في المجتم ع اإلس المي‪ ،‬وق د‬
‫صرح دستور دولتنا بذلك بشكل واضح في باب [والية الفقيه] )(‪)4‬‬
‫ثم بين مدى البداهة التي تدل على هذا؛ فقال‪( :‬أعتق د أنن ا لس نا بحاج ة إلى دلي ل‬
‫نقلي للبرهنة على [والية الفقيه]‪ ،‬على الرغم من أن األدلة النقلية الروائي ة مت وفرة في‬
‫القرآن والحديث‪ ،‬وكلها تدلل على حكومة الفقهاء والعلماء الربانيين‪ .‬بيد أننا ل و لم يكن‬

‫‪ )(1‬صحيفة نور‪ ،‬ج ‪ ،5‬ص ‪.534‬‬


‫‪ )(2‬المرجع السابق في مواضع متفرقة منها‪ :‬ج ‪ ،6‬ص ‪ ،234‬ج ‪ ،18‬ص ‪ ، 41‬وغيرها‪.‬‬
‫‪ )(3‬عرف الخامنئي العدالة بأنها (ملكة نفسية وخصلة روحية تم ّكن اإلنسان من ص يانة نفس ه من ارتك اب ال ذنوب‬
‫واقتراف اآلثام‪ ،‬بيد أنه ا ال تع ني العص مة‪ ،‬فالخط أ يمكن أن يص در من الن اس الع اديين‪ ،‬ولكنه ا تع ني ع دم التعم د في‬
‫ارتكاب المعصية أو اإلصرار على مقاربة الذنب) [الحكومة في اإلسالم (ص‪])10 :‬‬
‫‪ )(4‬الحكومة في اإلسالم (ص‪.)9 :‬‬

‫‪70‬‬
‫ل دينا أي دلي ل نقلي على حكوم ة الخ براء بال دين في المجتم ع اإلس المي‪ ،‬ف إن العق ل‬
‫واألدلة المنطقية تشير إلى حقيقة أنه من أجل تط بيق األحك ام اإللهي ة‪ ،‬وتنفي ذ الق وانين‬
‫الديني ة في المجتم ع ينبغي أن يتص دى ل ذلك أش خاص يمتلك ون األهلي ة‪ ،‬والكف اءة‬
‫والصالحية الالزمة‪ ،‬في ه ذا المض مار ممن ل ديهم إطالع ومعرف ة بالش ؤون الديني ة‪،‬‬
‫وإذا كان المتصدي لذلك ـ مثالً ـ شخص ال يؤمن أساس ا ً بحكوم ة ال دين فإن ه ال يك ون‬
‫جاداً في تنفيذ األحكام اإللهية فيم ا بين الن اس‪ ،‬ولربم ا ال يرض ى به ا أساس اً‪ ..‬إن ه ذا‬
‫يكفي للت دليل على ه ذه الحقيق ة دون الحاج ة إلى نق ل م ا ورد في اآلي ات والرواي ات‪،‬‬
‫وخصوصا ً إذا كان الطرف المخاطَب يحمل مثل هذا االعتقاد بضرورة تطبيق األحكام‬
‫اإللهية والق وانين اإلس المية في المجتم ع‪ ،‬وي رى أن ه ذا من مس تلزمات اإليم ان باهلل‬
‫وباإلسالم‪ ،‬إذ من البديهي للمجتمع الذي تُدار إدارته لألحك ام والق وانين اإلس المية‪ ،‬أن‬
‫يحكمه ويديره امرؤ مطّلع وعارف بهذه األحكام)(‪)1‬‬
‫والتساؤل الوجيه الذي يثار بعد ه ذا ه و عن كيفي ة التع رف على تل ك الش روط‬
‫وم دى توفره ا في المتص دي له ذا المنص ب الرفي ع‪ ،‬خاص ة م ع وج ود الكث ير من‬
‫المراجع والعلماء والفقهاء‪ ،‬وقد طرحت لتحقيق هذا الكثير من الصور‪.‬‬
‫منها اعتماد الطرق التي تثبت بها المرجعي ة‪ ،‬وعيب ه ذه الط رق ـ كم ا ي ذكر‬
‫مال ك مص طفى وه بي الع املي ـ هي كونه ا تح دد الفقي ه ال ذي يجيب عن التس اؤالت‬
‫البس يطة للف رد والمجتم ع‪ ،‬وال ي رقى ألن يجيب عن التس اؤالت ال تي تحتاجه ا األم ة‬
‫جميعا‪ ،‬يقول في ذلك‪( :‬نحن نعرف طرق التشخيص المتبعة في المرجعية وق د ذك رت‬
‫في الكتب الفقهية وهي الطرق الثالثة المعروف ة‪ :‬ش هادة أه ل الخ برة‪ ،‬والش ياع المفي د‬
‫للعلم‪ ،‬والمعرفة الشخصية بالش خص المتص دي للمرجعي ة‪ ،‬وه ذه الط رق الثالث ة وإن‬
‫أمكن اعتمادها في باب المرجعية‪ ،‬لكن ال يمكن تبينها كلها في باب الوالية)(‪)2‬‬
‫أما سبب رفض الطريق األول‪ ،‬وه و البين ة المؤلف ة من ق ول ش اهدين من أه ل‬
‫الخبرة؛ فترجع ـ كما يذكر ـ إلى ثالثة نواح‪ ،‬هي(‪:)3‬‬
‫‪ 1‬ـ أن البين ة ذات بع د ف ردي ال اجتم اعي‪ ،‬ول ذلك ال تش كل أساس ا ً لمعرف ة‬
‫اجتماعية‪ ،‬إذ الذي يطلع عليها هو الفرد‪ ،‬وهذا ال يفيد بالنسبة لألمة‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ أنه سيفسح المجال ألن يكون جميع الفقهاء والة فعليين‪ ،‬إذ ما من فقيه متصد‬
‫أو يريد التصدي إال وسيجد من يشهد له بأهليته لذلك‪ ،‬بل ربما يأتي أن اس ي دعون أنهم‬
‫أهل خبرة كما يحصل أحيانا ً في مج ال التقلي د‪ ،‬فتض يع األم ور على الن اس وتتش ابك‪،‬‬
‫وربما نتنازع فيما بيننا وفي هذا تضييع لهدف تشكيل الحكومة اإلسالمية‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ أنه ستظهر حاالت التعارض في شهادات أهل الخ برة لتع يين األفض ل‪ ،‬ألن‬
‫البينة ال تي تش هد على أفض لية فالن تنفي أفض لية غ يره فيق ع التع ارض والتن افي بين‬

‫‪ )(1‬الحكومة في اإلسالم (ص‪.)11 :‬‬


‫‪ )(2‬الفقيه والسلطة واألمة‪ ،‬مالك مصطفى وهبي العاملي (ص‪.)68 :‬‬
‫‪ )(3‬المرجع السابق‪( ،‬ص‪)69 :‬‬

‫‪71‬‬
‫البينات وتسقط تلك الشهادات عن اإلعتبار‪.‬‬
‫أما الطريق الثاني‪ ،‬وهو المعرفة الشخصية‪ ،‬فهذا ـ كم ا ي ذكر الع املي ـ (ينف ع‬
‫صاحب المعرفة فقط دون غيره‪ ،‬ويس تحيل ع ادة أن يمل ك جمي ع أف راد األم ة الخ برة‬
‫الشخصية الكافية لمعرفة أهلية الشخص للوالية) (‪)1‬‬
‫أما الطريق الثالث‪ ،‬وه و [الش ياع المفي د للعلم أو اإلطمئن ان]؛ فه و م ع أهميت ه‬
‫وعقالنيتة إال أن المشكلة فيه هو صعوبة التحقق من مدى صدق ذلك الشياع‪.‬‬
‫وق د تبنت الجمهوري ة اإلس المية اإليراني ة ه ذا الطري ق‪ ،‬بع د توف ير الش روط‬
‫المناس بة ال تي ت ؤمن ص دق الش ياع‪ ،‬وكون ه مفي دا حقيق ة لليقين العلمي‪ ،‬وذل ك ع بر‬
‫(تشكيل مجلس حاشد من أهل الخبرة العدول‪ ،‬وبالتالي يمكن من خالل إيكال األمر إلى‬
‫هؤالء تحصيل العلم أو اإلطمئنان بكفاءة الشخص المعين للوالية‪ ،‬أو بأفض ليته إن كن ا‬
‫نبحث عن األفضل‪ ..‬ومع تحصيل العلم أو اإلطمئنان من قول أهل الخبرة باألفضلية ال‬
‫يضر حينئذ أي قول معارض‪ ،‬ألن قول هذا المعارض هو في أحس ن الح االت لن يفي د‬
‫أكثر من اإلحتمال الضعيف الذي ال يعتني به عقالئياً)(‪)2‬‬
‫وميزة هذا المجلس ـ وه و م ا يس مى في إي ران [مجلس الخ براء] ـ ه و كون ه‬
‫مجلسا منتخبا من طرف الشعب‪ ،‬وبذلك يكون للشعب‪ ،‬ولو بطريق غ ير مباش ر‪ ،‬دورا‬
‫في تحديد الولي الفقيه‪ ،‬وهذا له دور كبير في تشخيص من توفرت فيهم الكفاءة العلمي ة‬
‫والخلقية لهذا المنصب الرفيع‪ ،‬ذلك أن هذا االنتخاب يستدعي أن يك ون الفقي ه ص احب‬
‫س معة طيب ة‪ ،‬وأخالق عالي ة‪ ،‬وق درات على فهم المجتم ع‪ ،‬وب ذلك يُع زل عن ه ذا‬
‫المنصب الرفيع كل من لم تتوفر فيه هذه الشروط األساسية‪.‬‬
‫وقد بين العاملي مزايا هذه الطريقة‪ ،‬وإن كانت لم تستعمل في التاريخ اإلس المي‬
‫إال بعد الثورة اإلسالمية اإليرانية؛ فقال‪( :‬وهذا الذي قلناه يقتضي أنه ال يكفي أن يكون‬
‫الش خص المط روح للوالي ة غائب ا ً عن علم الن اس وخ برائهم‪ ،‬كم ا ال يكفي أن يك ون‬
‫معروفا ً عند القلة القليلة منهم‪ ،‬بل البد من أن تعترف معظم األم ة ب ه وقبوله ا لقيادت ه‪،‬‬
‫وذلك إم ا من خالل معرفته ا التام ة ب ه‪ ،‬أو من خالل ش هادة كث يرين من أه ل الخ برة‬
‫المرضي عنهم من قبل األمة بكفاءته وأهليته‪ ،‬أو من خالل تعينه من بين الفقهاء بذلك)‬
‫(‪)3‬‬
‫وبهذا استطاع هذا النظام أن يحتمي من أك بر أس باب االس تبداد والتس لط‪ ،‬وه و‬
‫تصدي الظلمة والمس تكبرين لت ولي المناص ب الرفيع ة‪ ،‬والتمت ع بالص الحيات العالي ة‬
‫التي تجعلهم يمارسون طغيانهم على المجتمع‪.‬‬
‫ذلك أن المجتمع ـ بحسب هذه الطريقة ـ هو الذي يحدد خبراءه وفقه اءه ال ذين ال‬
‫تت وفر فيهم الق درات العلمي ة فق ط‪ ،‬وإنم ا يت وفر معه ا الكث ير من التق وى والعدال ة‬

‫‪ )(1‬المرجع السابق‪( ،‬ص‪)69 :‬‬


‫‪ )(2‬المرجع السابق‪( ،‬ص‪)70 :‬‬
‫‪ )(3‬المرجع السابق‪( ،‬ص‪)67 :‬‬

‫‪72‬‬
‫واألخالق العالية‪ ،‬ذلك أن المرء مهم ا ح اول أن يخفي أخالق ه‪ ،‬فس تظهر ال محال ة في‬
‫سلوكه‪ ،‬ومع المختلطين به‪.‬‬
‫ثانيا ـ القابلية الشعبية للولي الفقيه‪:‬‬
‫وه ذا م ا يطل ق علي ه في االص طالح الش رعي [البيع ة]؛ فهي تع بر عن قابلي ة‬
‫المجتمع لنظام الحكم‪ ،‬وللفقيه الذي يتوالهم‪ ،‬وهو بذلك يمارس دوره وفق تلك القابلي ة‪،‬‬
‫وال يفرض نفسه عليهم‪.‬‬
‫ومع أن نظام والية الفقيه ـ كم ا عرفن ا في المبحث األول ـ يس تند إلى الش رعية‬
‫الدينية‪ ،‬باعتبار الفقيه نائبا عن الرسل واألئمة في إدارة شؤون األمة‪ ،‬إال أننا نجد للبعد‬
‫الشعبي فيها محال كبيرا‪ ،‬ذلك أن ال ولي الفقي ه نفس ه ـ كم ا ذكرن ا س ابقا ـ ال يمكن أن‬
‫يُرشح لهذا المنصب إال بعد أن تتوفر له القابلية الشعبية‪ ،‬وبعدها تتوفر له قابلية النخب ة‬
‫في مجلس الخبراء‪.‬‬
‫وقد صرح الخميني قبل انتصار الثورة وبعدها ب أن الغ رض من الث ورة ه و أن‬
‫يملك الشعب زمام أمره بيده‪ ،‬ويستقل في قرارات ه‪ ،‬وال يف رض علي ه أي ش يء خ ارج‬
‫إرادته‪ ،‬ومن ذلك قوله في حوار أجرته معه صحيفة [فاينانشل تايمز] البريطاني ة‪ ،‬قب ل‬
‫ي ش عب أن يمتل ك زم ام ومص ير‬ ‫انتصار الثورة اإلس المية‪( :‬من الحق وق البديهيّ ة أل ّ‬
‫تعيين شكل ونوع حكومته)(‪)1‬‬
‫وعن دما س ئل عن المقص ود من [الجمهوريّ ة اإلس الميّة] ق ال‪( :‬ماهيّ ة حكوم ة‬
‫الجمهوريّة اإلسالميّة أنّها الّتي تتش ّكل طب ق الش روط الّ تي وض عها اإلس الم للحكوم ة‬
‫معتمدة على آراء عموم الشعب‪ ،‬وتتعهّد إجراء األحكام اإلسالميّة)(‪)2‬‬
‫وقال في محل آخر‪( :‬نحن نتّبع رأي الشعب‪ .‬ونحن نتّب ع ك ّل م ا يري ده الش عب‪.‬‬
‫أن نجبر مسلما ً على ش يء م ا)‬ ‫ق لنا‪ ،‬ولم يجز هللا تعالى والرسول ‪ ‬لنا‪ْ ،‬‬ ‫ونحن ال يح ّ‬
‫(‪)3‬‬
‫وهكذا نجد للشعب وقابليته محال كب يرا في خطابات ه‪ ،‬حيث يص رح فيه ا بأمث ال‬
‫هذه العبارات‪( :‬المعيار رأي الشعب)‪ ،‬أو (أعيِّن الحكومة بما منحني الشعب من قبول)‬
‫(‪)4‬‬
‫بل إنه يصرح بأن الولي الفقيه نفس ه ه و نتيج ة عملي ة لق رار الش عب وخي اره‪،‬‬
‫حيث يقول‪( :‬الفقيه الّذي ينصبه الشعب للقيادة)(‪ ،)5‬ويقول‪( :‬يجب العم ل على انتخ اب‬
‫أكثر الفقهاء لياقة وعلما ً والتزاما ً للقيادة)‪ ،‬ويق ول في وص يته‪( :‬ووص يّتي إلى الش عب‬
‫الشريف أن يكونوا حاضرين في جميع االنتخابات‪ ...‬أو انتخاب الخبراء لتعيين شورى‬

‫‪ )(1‬الوصيّة اإللهيّة السياسيّة‪ ،‬ص ‪..42‬‬


‫‪ )(2‬شهرية كتاب ماه‪ 30 ،‬فروردين ‪ 1378‬هـ ش‪ ،‬ص‪.11‬‬
‫‪ )(3‬شهريّة كتاب ماه‪ 30 ،‬فروردين ‪1378‬هـ ش‪ ،‬ص ‪.11‬‬
‫‪ 11/1357/ 12 )(4‬هـ ش‪..‬‬
‫الخميني‪ ،‬صحيفة نور‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪.434‬‬
‫ّ‬ ‫‪ )(5‬اإلمام‬

‫‪73‬‬
‫القيادة‪ ،‬وأن يكون منتخبوهم وفق الضوابط الّتي تجب مراعاتها‪ ،‬مثالً لينتبه وا إلى أنّ ه‬
‫إذا حصل تسامح في انتخاب الخبراء لتعيين ش ورى القي ادة أو القائ د‪ ....‬فمن المحتم ل‬
‫ج ّداً أن تلحق باإلسالم والبلد خسائر ال تعوّض)(‪)1‬‬
‫وق ال فيه ا مخاطب ا ً رئيس مجلس الخ براء‪( :‬إذا انتخب الش عب مجلس الخ براء‬
‫الّذي يقوم باختيار مجتهد عادل للقيادة‪ ،‬فعندما يقومون بتعيين شخص لهذه المه ّمة فه و‬
‫ي منتخبا ً من الشعب وحكمه نافذاً)(‪)2‬‬‫بالضرورة مح ّل قبول الشعب‪ ،‬وسيصبح الول ّ‬
‫ويبين أن كل المكتسبات ال تي حص لت عليه ا الجمهوري ة اإلس المية هي نتيج ة‬
‫لتضحيات الشعب‪ ،‬ولذلك يجب أن يحافظ عليه عبر مراقبته لكل ما يحصل في الواق ع‪،‬‬
‫يقول في وصيته‪( :‬أما وصيتي إلى الش عب اإلي راني العزي ز فهي أن (تق دروا) النعم ة‬
‫التي كسبتموها بجهادكم العظيم وبدماء ش بابكم الرش يدين‪ ،‬ق ّدروها ح ق ق درها ك أعز‬
‫األمور إليكم‪ ،‬وحافظوا عليها واحرسوها‪ ،‬وابذلوا الجهد في س بيلها فهي نعم ة عظيم ة‬
‫إلهي ة وأمان ة كب يرة رباني ة‪ .‬وال ته ابوا المش اكل ال تي ت واجهكم في ه ذا الص راط‬
‫المستقيم‪ ..‬وشاركوا حكومة الجمهورية اإلسالمية بكل مش اعركم في مش اكلها واس عوا‬
‫لحله ا‪ ،‬واعت بروا الحكوم ة والمجلس ج زءاً منكم‪ ،‬وح افظوا عليه ا مح افظتكم على‬
‫محبوب عزيز)(‪)3‬‬
‫وهك ذا راح يوص ي مؤسس ات الحك وم برعاي ة الش عب واالهتم ام ب ه وتلبي ة‬
‫حاجاته؛ فيقول‪( :‬وأوصي المجلس والحكومة والمسؤولين أن يقدروا ه ذا الش عب ح ق‬
‫قدره‪ .‬وأن ال يألوا جه داً في خدمت ه وخاص ة المستض عفين والمح رومين والمظل ومين‬
‫منهم‪ ،‬فه ؤالء ض ياء أعينن ا وأولي اء نعمتن ا جميع اً‪ ،‬والجمهوري ة اإلس المية عطيتهم‬
‫وتحققها كان بفضل تضحياتهم‪ ،‬وبقاؤها رهين خدماتهم‪ .‬اعتبروا أنفسكم من الجم اهير‬
‫والجم اهير منكم‪ ،‬واس عوا دائم ا ً إلى إدان ة الحكوم ات الطاغوتي ة‪( ،‬فحكامه ا) غ زاة‬
‫ناهبون متوحش ون ومتعنت ون وف ارغون‪( ،‬ه ذه اإلدان ة) طبع ا ً (يجب أن تتم) بأعم ال‬
‫إنسانية تليق بحكومة إسالمية)(‪)4‬‬
‫وهكذا نرى القائد الحالي للجمهوري ة اإلس المية الس يد علي الخ امنئي ي ذكر في‬
‫كتبه وخطبه القابلية الش عبية‪ ،‬وكونه ا الحص ن األك بر ال ذي يعتم د علي ه نظ ام والي ة‬
‫الفقيه؛ فهو نظام ولد من أحضان المجتم ع‪ ،‬ولم يف رض علي ه من جه ة خارجي ة‪ ،‬ومن‬
‫ذل ك قول ه في كتاب ه [الحكوم ة في اإلس الم] عن د بيان ه لص الحيات ال ولي الفقي ه‪،‬‬
‫وانسجامها مع المطالب الشعبية‪( :‬إن إشراف الولي الفقيه على جميع المراكز األساسية‬
‫والمرافق الحساسة في المجتمع اإلسالمي‪ ،‬أمر ضروري‪ ،‬وقد استجاب دس تورنا له ذه‬
‫الض رورة ولبّاه ا؛ ف إن ال ولي الفقي ه يم ارس بالفع ل إش رافه ـ كم ا ورد في دس تور‬

‫‪ )(1‬الوصيّة اإللهيّة السياسيّة‪ ،‬ص‪.،51‬‬


‫‪ )(2‬صحيفة نور‪ ،‬ج‪ ،21‬ص‪.129‬‬
‫‪ )(3‬وصية االمام (ص‪.)31 :‬‬
‫‪ )(4‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.32‬‬

‫‪74‬‬
‫الجمهورية اإلسالمية ـ على جميع المراكز الحيوية والحساس ة في ه ذا المجتم ع‪ ،‬ول ه‬
‫حضور فاعل ومؤثر فيها‪ ،‬وهذا أمر ليس بحاجة إلى دليل وبرهان‪ ،‬بل العجيب هو م ا‬
‫قد يطرحه بعض األشخاص مما يع ّدونه دليالً على رفض والية الفقيه ودحضها)(‪)1‬‬
‫ثم بين أسباب تلك القابلية الشعبية التي توفرت في اإليران يين‪ ،‬فجعلتهم ينتخب ون‬
‫على والية الفقيه بنسبة عالية جدا؛ فق ال‪( :‬وطبع ا ً إذا ك ان ثم ة مجتم ع ليس لدي ه أدنى‬
‫اهتمام بالقيم اإللهية والمعايير الدينية‪ ،‬فإنه يرضى أن يكون على رأسه امرؤ يفتق د إلى‬
‫أي من األخالق اإلنسانية‪ ،‬وأن يكون الحاكم فيه شخص محترف للفن ـ مثالً ـ أو ث ري‬
‫ذو أموال طائلة‪ ،‬ليقوم بتسيير عجلة األمور في ه‪ ،‬أم ا المجتم ع المل تزم ب القيم اإللهي ة‪،‬‬
‫والقائم على اعتن اق عقي دة التوحي د‪ ،‬والنب وة والش ريعة اإللهي ة‪ ،‬فإن ه ال ي رى ب داً من‬
‫القبول بأن يكون على رأسه شخص عالم بالشريعة اإلسالمية والتعاليم اإللهية‪ ،‬وتتجسد‬
‫فيه األخالق الفاضلة‪ ،‬وتتجلى فيه الخص ال الحمي دة‪ ،‬وال يق ترف ال ذنوب وال ي رتكب‬
‫المعاصي‪ ،‬وال يقع عمداً في الخطأ واالشتباه‪ ،‬غير جائر وال ظالم وال ط امع في ش يء‬
‫من الحط ام لنفس ه‪ ،‬ب ل يتح رق لآلخ رين ويفض ل إق رار القيم اإللهي ة على القض ايا‬
‫الشخصية واألمور الذاتية والمصالح الفئوية)(‪)2‬‬
‫ومن خالل هذه النصوص والتصريحات‪ ،‬والتي سنرى الكث ير من تطبيقاته ا في‬
‫الفصل الثاني من هذا الكتاب‪ ،‬يتبين لنا مدى بعد النظام اإليراني عن االستبداد‪ ،‬ذلك أن‬
‫المستبد ال يعترف بشعبه‪ ،‬وال يراعي ل ه حرم ة‪ ،‬وال يهتم بقابليت ه‪ ،‬وال برفض ه‪ ،‬ألن ه‬
‫يعتبر نفس ه وص يا علي ه‪ ،‬ال ابن ا من أبنائ ه‪ ،‬على خالف م ا ن راه في الواق ع السياس ي‬
‫اإليراني‪ ،‬والذي يتالحم في ه الش عب ومس ؤوليه تالحم ا ش ديدا‪ ،‬وه و م ا أعج ز ق وى‬
‫االستكبار العالمي عن مواجهته‪ ،‬ذلك أنه يستحيل االنتصار على شعب ي ؤمن بنظام ه‪،‬‬
‫بل يقدسه‪.‬‬
‫ثالثا ـ توفر المرجعية الشرعية والقانونية للدولة‪:‬‬
‫من أهم ما يُرد به على دعوى االستبداد المرتبط بوالية الفقي ه ك ون الفقي ه نفس ه‬
‫خاضعا في تصرفاته ومواقفه وحكمه‪ ،‬ب ل ح تى في حيات ه الشخص ية لم ا يملي ه علي ه‬
‫وصفه الذي بموجبه أعطي تلك الصالحيات‪ ،‬وهو وصف [الفق ه]؛ فل و أن ه تخلى عن ه‬
‫لحظة واحدة‪ ،‬ولو في حيات ه الشخص ية‪ ،‬ف ارتكب كب يرة من الكب ائر ال تي تخرج ه من‬
‫العدال ة‪ ،‬لك ان لمجلس الخ براء المنتخب ش عبيا عزل ه كم ا ينص على ذل ك الدس تور‬
‫اإليراني‪.‬‬
‫ولذلك كان من الصعب وص ف من ه ذا حال ه بالمس تبد‪ ،‬وكي ف يك ون مس تبدا‪،‬‬
‫وهو يعمل بنفس القانون الذي يحكم به شعبه‪ ،‬بل هو يلزم نفسه بأن يكون أك ثر التزام ا‬
‫منهم به‪ ،‬ألنه لم يحظ بفرصة التولي عليهم إال بعد ذلك التمحيص الطويل الذي رش حه‬
‫ألن يزكيه ال عامة الشعب فقط‪ ،‬وإنما يزكيه معهم الفقهاء والعلماء والمفكرون والنخبة‬

‫‪ )(1‬الحكومة في اإلسالم‪ ،‬السيد علي الخامنئي (ص‪.)11 :‬‬


‫‪ )(2‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.11‬‬

‫‪75‬‬
‫المثقفة‪.‬‬
‫وله ذا عن دما نط الع بيان ات وخطب ومواق ف ق ادة الث ورة اإلس المية نج د ه ذه‬
‫الح َكم الذي يخضع له الجمي ع‪،‬‬ ‫المعاني تتردد كل حين‪ ،‬ليذكروا الشعب بأن القانون هو َ‬
‫وكيف ال يخضعون له‪ ،‬وهو مستمد من شريعة هللا تعالى؟‬
‫ومن األمثلة على ذلك ما ذكره الخميني عن د حديث ه عن م دى ال تزام رس ول هللا‬
‫‪ ‬بالق انون‪ ،‬باعتب اره أول ولي فقي ه في األم ة‪ ،‬وباعتب اره المرج ع األول لجمي ع‬
‫الفقهاء؛ فقد قال في ذلك‪( :‬القانون هو الّذي يحكم في اإلسالم‪ .‬والرس ول األك رم ‪ ‬لم‬
‫يتخلّف أبداً عن القانون اإلله ّي‪ ،‬فهو تابع ل ه‪ ،‬وهللا س بحانه وتع الى يق ول‪َ ﴿ :‬ولَ وْ تَقَ َّو َل‬
‫ين (‪ )45‬ثُ َّم لَقَطَ ْعنَا ِم ْنهُ ْال َوتِينَ ﴾ [الحاقة‪44 :‬‬
‫خَذنَا ِم ْنهُ بِ ْاليَ ِم ِ‬
‫اوي ِل (‪ )44‬أَل َ ْ‬
‫ْض اأْل َقَ ِ‬
‫َعلَ ْينَا بَع َ‬
‫‪)1()]46 -‬‬
‫ويقول في موضع آخر‪( :‬في باب أخالق رس ول هللا ‪ُ ‬ذك ر أنّ ه لم يطلب ش يئا ً‬
‫لنفسه أو ير ّد مظلمة عنها‪ ،‬فإذا ما هُتكت محارم هللا تعالى‪ ،‬فإنّه كان يغض ب هلل تب ارك‬
‫وتعالى)(‪)2‬‬
‫وبناء على ذلك يذكر أن جميع فقهاء األم ة‪ ،‬وأه ل الحكم فيه ا ملزم ون بتط بيق‬
‫(إن حكم هللا‬ ‫القوانين اإللهية‪ ،‬التزاما حرفيا استنانا بسنة رسول هللا ‪ ،‬يقول في ذل ك‪ّ :‬‬
‫وقانون اإلسالم يجري على جميع األف راد في الحكوم ة اإلس الميّة‪ ،‬فه و يش مل جمي ع‬
‫األفراد من الرسول األكرم ‪ ‬إلى خلفائه عليهم السالم وس ائر أف راد المس لمين ب دون‬
‫استثناء)(‪)3‬‬
‫وبناء على ذلك أيضا؛ فإن القانون ـ كم ا ي ذكر الخمي ني ـ ه و الس لطان األك بر‬
‫الذي يحكم األمة‪ ،‬والذي على جمي ع الش عب طاعت ه والخض وع ل ه‪ ،‬ابت داء من قائ ده‪،‬‬
‫(إن حكومة اإلسالم هي حكوم ة الق انون‪ ،‬هي‬ ‫وانتهاء بجميع مؤسساته‪ ،‬يقول في ذلك‪ّ :‬‬
‫حاكميّة القوانين اإللهيّة من القرآن والسنّة‪ ،‬والدولة تابعة للقانون أيضاً‪ ،‬فنفس النب ّي ‪‬‬
‫تابع للقانون‪ ،‬وكذلك نفس أمير المؤمنين كان تابع ا ً للق انون أيض اً‪ ،‬فم ا ك انوا ليتخلّف وا‬
‫عن القانون طرفة عين أبداً‪ ،‬وما كانوا يستطيعون ذلك لو أرادوا)(‪)4‬‬
‫ويقول في خطاب له بعد انتصار الثورة اإلسالمية‪( :‬اإلسالم دين الق انون‪ ،‬ح تى‬
‫النبي ‪ ‬لم يكن باستطاعته أن يخالف‪ ..‬إنه حكم القانون وال حكم لغير القانون اإللهي‪،‬‬
‫ال الفقيه وال غير الفقيه‪ ،‬الجميع تحت الق انون‪ ،‬إنهم مج رون للق انون ومنفّ ذون‪ ،‬الفقي ه‬
‫وغير الفقيه كلهم مجرون للقانون‪ ،‬الفقيه ناظر على هؤالء الذين يجرون الق انون ح تى‬
‫ال يخالفوا القانون‪ ،‬ال أنه يريد هو أن يحكم‪ ..‬يريد أن يمنع تحول الحكام الذين يف ترض‬

‫‪ )(1‬صحيفة اإلمام‪ ،‬ج ‪ ،10‬ص ‪ 310‬و ‪.311‬‬


‫‪ )(2‬شرح حديث جنود العقل والجهل‪ ،‬ص ‪.244‬‬
‫‪ )(3‬الحكومة اإلسالمية‪ ،‬ص ‪ 44‬ـ ‪..45‬‬
‫‪ )(4‬صحيفة اإلمام‪ ،‬ج ‪ ،11‬ص ‪.22‬‬

‫‪76‬‬
‫طواغيت)(‪)1‬‬ ‫بهم أن يطبقوا القانون ـ إلى‬
‫ولهذا كان يدعو ك ل حين للتعجي ل بس ن الق وانين ال تي تحكم البالد‪ ،‬ألن الدول ة‬
‫القوي ة العادل ة هي دول ة الق انون‪ ،‬يق ول في خط اب وجه ه ألس اتذة وم وظفي جامع ة‬
‫شيراز في أوائل أيام انتصار الثورة اإلسالمية‪( :‬كلنا نعرف مواطن الخلل‪ ،‬إال أن لذلك‬
‫وقته‪ ،‬حاجتنا األساسية اآلن تدوين الدستور واالستفتاء عليه‪ ..‬كل هذا الخلل الق ائم (في‬
‫المرافق المختلفة) يجب أن يعالج‪ ،‬إال أن وقت العالج يحين عندما نستقر عندنا حكوم ة‬
‫(دائمة)‪ ..‬ويمكنن ا أن نق ول للع الم‪ :‬ه ذا بل دنا‪ ،‬ه ذا نظامن ا‪ ،‬ه ذا قانونن ا‪ ،‬وه ذا رئيس‬
‫جمهوريتنا‪ ،‬هذا مجلسنا‪ ،‬ليعترف الناس وتعترف الدنيا بأنن ا نظ ام بك ل مع نى الكلم ة‪،‬‬
‫عندها ننصرف إلى هذه الجزئيات)(‪)2‬‬
‫ويقول في خطاب آخر‪( :‬أنتم تعلمون أننا نمر بمرحل ة حساس ة تس تدعي اجتي از‬
‫االس تحقاقات ال تي نواجهه ا‪ ،‬وهي الخط وات األولي ة ال تي هي عب ارة عن الدس تور‬
‫ومجلس الخ براء‪ ،‬ومجلس الن واب ورئيس الجمهوري ة‪ ،‬وك ل م ا ه و أس اس في بن اء‬
‫الدولة‪ ،‬هذه هي االستحقاقات ويجب أن يتحد الجميع إلنجاز ذلك‪ .‬في مث ل ه ذا الموق ع‬
‫الحساس يحاول األعداء أن يحولوا دون اجتياز هذه المراح ل‪ ،‬وله ذا رأيتم أنهم لج أوا‬
‫إلى التشويش في االستفتاء على شكل الجمهورية‪ ،‬ويحاولون ذلك اآلن ليمنع وا تحقي ق‬
‫األهداف اإلسالمية)(‪)3‬‬
‫باإلض افة إلى ه ذا؛ فق د ض رب الخمي ني من نفس ه أحس ن مث ال عن الخض وع‬
‫واالمتثال التام للقوانين التي تسن في البالد‪ ،‬ومن األمثلة على ذلك قوله في خط اب ل ه‬
‫البنه أحمد‪( :‬جاءني مبعوث من قبل السيد كلبايكاني‪ ،‬وقال‪ :‬إن سماحته أكد على الحذر‬
‫من معارضة مسألة الملكية التي تم طرحها في مجلس الخبراء‪ ،‬لإلسالم وتعاليم ه‪ ،‬كي‬
‫ال تث ير االع تراض‪ ،‬وطلب االتص ال بالس يد بهش تي‪ ،‬فت ول أنت االتص ال وأك د لهم‬
‫ضرورة الحذر من حصول أية مخالفة للشرع حتى ال تلقى معارضة)(‪)4‬‬
‫ومن األمثلة على ذلك أيضا‪ ،‬قوله في رسالة له متحدثا عن ابنه أحمد وممتلكاته‪:‬‬
‫(إني أعلن أن ه ليس ألحم د في أي بن ك داخلي أو خ ارجي أو أي مؤسس ة أي س هم أو‬
‫مبلغ‪ ،‬وأنه ال يملك في أي مكان ما في الخارج أو ال داخل أي أرض زراعي ة ك انت أو‬
‫غير ذلك‪ ،‬وال يملك أي مبنى أو ما شابه ذلك‪ .‬وإذا تبين من بعدي أنه يملك أيا من ذل ك‬
‫في الداخل أو الخارج‪ ،‬فأنه على الحكوم ة آن ذاك أن تص ادرها من ه بإج ازة فقي ه ذل ك‬
‫الزمان‪ ،‬وأن تحاكم ه‪ .‬والمؤم ل ه و أن ي راعي مس ؤولو الجمهوري ة اإلس المية دوم ا‬
‫الضوابط‪ ،‬وأن يحترزوا من العالقات)(‪)5‬‬

‫‪ )(1‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ ،10‬ص‪. 48‬‬


‫‪ )(2‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ ، 8‬ص‪. 78‬‬
‫‪ )(3‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ 8‬ص‪.102‬‬
‫‪ )(4‬المرجع السابق‪ ،‬ج ‪ ،9‬ص‪.255 :‬‬
‫‪ )(5‬نص الرسالة كاملة في موقع‪ :‬دار الوالية للثقافة واإلعالم‪.‬‬

‫‪77‬‬
‫وعلى دربه سار خليفته الولي الفقيه المعاصر السيد علي الخامنئي الذي ن راه ال‬
‫ي دع مناس بة إال ويتح دث فيه ا عن ك ون الق وانين هي الحاكم ة في البالد ال أه واء‬
‫المسؤولين‪ ،‬ومن ذلك قوله في مراسم تنفيذ حكم رئاسة جمهوريّ ة ال رئيس خ اتمي (‪/2‬‬
‫‪( :)8/2001‬في النظام اإلس الم ّي ‪ -‬أي س يادة الش عب الدينيّ ة ‪ -‬الش عب ينتخب‪ ،‬يتّخ ذ‬
‫لكن ه ذه اإلرادة وه ذا‬ ‫الق رارات‪ ،‬ويت ولّى إدارة أم ور البالد من خالل منتخبي ه‪ّ ،‬‬
‫االنتخاب واالختيار هي في ظ ّل الهداية اإللهيّة‪ ،‬وال تسير أب دًا خ ارج طري ق الص الح‬
‫والفالح‪ ،‬وال تتن ّكب أبدًا عن الصراط المس تقيم‪ ،‬المس ألة األساس يّة‪ ،‬في س يادة الش عب‬
‫الدينيّ ة‪ ،‬هي‪ ،‬أنّه ا هديّ ة الث ورة اإلس الميّة للش عب اإلي راني‪ ،‬ه ذه التجرب ة الجدي دة‬
‫والحديثة العهد‪ ،‬لكن يمكن التأ ّمل فيها ومتابعته ا ومحاكاته ا‪ ،‬لك ّل ال ذين تت وق قل وبهم‬
‫للفضائل وللمجتمع اإلنسان ّي الطاهر والنزيه‪ ،‬ويعانون من الرذائ ل األخالقي ة وانتش ار‬
‫قبائح األخالق البشريّة)(‪)1‬‬
‫ويقول في خطابه ألعض اء مجلس خ براء القي ادة (‪( :)3/2002 /14‬إنّ ه لخط أ‬
‫ق‬‫كبير أن نخلط ونمزج اليوم بين سيادة الشعب الدينيّة‪ ،‬بهذه الفلسفة العميقة ورعاية ح ّ‬
‫الشعب‪ ،‬وبين ما هو موجود في الغرب‪ .‬ه ذه هي الس يادة الش عبيّة الحقيقيّ ة‪ ،‬والش ارع‬
‫ألن األص ل ه و ع دم س لطة أح د‬ ‫المق ّدس‪ ،‬طبق الموازين الفقهيّة التي بين أيدينا‪ ..‬ذلك ّ‬
‫على أح د‪ ،‬عن دما يري د إنس ان أن يت د ّخل في ش ؤون الن اس اآلخ رين‪ ،‬ينبغي له ذه‬
‫المؤهّالت أن تكون موجودة حتماً‪ .‬تشخيص هذه المؤهّالت ‪ -‬أيضًا وطبق ٍ‬
‫نهج عقالئ ّي‬
‫ومحطّ ثقة يقع على ع اتق األش خاص ال ذين لهم الق درة على ذل ك‪ ،‬والش عب في نظ ام‬
‫إن مش اركة الش عب‬ ‫الجمهوريّ ة اإلس الميّة يعلن عن ه ذا الطري ق اختي اره وبيعت ه‪ّ .‬‬
‫واختي اره بواس طة األش خاص‪ ،‬ال ذين يعرف ون ه ذه الم ؤهّالت ول ديهم الق درة على‬
‫تشخيصها في الشخص‪ ،‬والذين هم مسؤولون عن اإلش راف عليه ا‪ ،‬ومراقب ة وجوده ا‬
‫وبقائها‪ ،‬والذين يعرفون ما يجري‪ -‬هي من أرقى الوظائف الموجودة)(‪)2‬‬
‫وهكذا نجد جميع القادة والمفكرين في الجمهورية اإلس المية اإليراني ة يعت برون‬
‫القانون المستمد من الش ريعة اإلس المية ه و الحكم األعلى في البالد‪ ،‬وال يج وز ألح د‬
‫تجاوزه‪ ،‬ابتداء من ال ولي الفقي ه نفس ه‪ ،‬ب ل ي ذكرون أن دور ال ولي الفقي ه ه و مراقب ة‬
‫تطبيق القانون في الواقع‪ ،‬ولذلك تك ون مس ؤوليته في تطبيق ه مض اعفة‪ ،‬ب ل ه و أولى‬
‫الناس بتطبيقه‪.‬‬
‫ومن األمثلة على ذل ك ق ول الش يخ ج وادي آملي في كتاب ه [والي ة الفقي ه والي ة‬
‫الفقاهة والعدالة] في معرض جوابه عن سؤال حول معنى [الجمهورية اإلسالمية]‪(:‬لقد‬
‫حدد اإلس الم عالقت ه ب الجمهور أو الجمهوري ة أوالً‪ ،‬وح دد ارتب اط الجمه ور بالدول ة‬
‫ومصادر الثروة وكيفية التوزيع وطريقة تنظيم العالقات داخليا ودوليا ‪ ...‬ثانياً‪ ،‬وتتمثل‬
‫عالق ة اإلس الم ب الجمهور بأن ه وليهم ال وكيلهم‪ ،‬فالمستش ار والمع اون والمض ارب‬

‫‪ )(1‬تأسيس الحضارة اإلسالمية في فكر اإلمام الخامنئي (ص‪)43 :‬‬


‫‪ )(2‬المرجع السابق‪( ،‬ص‪)44 :‬‬

‫‪78‬‬
‫والمساقي والمزارع والضمين والمحامي سواء كان حقوقيا أو ماليا‪ ،‬وجميع األشخاص‬
‫الذين يحيون في ظل نظام الجمهورية اإلس المية‪ ،‬مس ؤولين ك انوا أم غ ير مس ؤولين‪،‬‬
‫القائ د منهم وأعض اء مجلس الخ براء ورئيس الجمهوري ة وأعض اء مجلس الش ورى‬
‫إن الشخص ية االعتباري ة‬ ‫وغيرهم إنما يخض عون لوالي ة اإلس الم ال غ ير‪ ،‬وب الطبع ف ّ‬
‫للقائد اإلسالمي ـ الفقاهة والعدالة ـ ليس سوى اإلسالم‪ ،‬فالقائد ش أنه كش أن س ائر أبن اء‬
‫األمة تابع محض للشخصية االعتبارية أي القوانين اإلسالمية‪ ،‬ويتضح من خالل بي ان‬
‫كيفية ارتباط الجمهور باإلسالم أن ارتب اط الجم اهير باألحك ام اإللهي ة ارتب اط والئي‪،‬‬
‫وليس توكيال وم ا ش ابه ذل ك‪ ،‬والم وارد ال تي ح ددها اإلس الم كحق وق أو واجب ات أو‬
‫صالحيات أو تك اليف للجمه ور إنم ا يص ادق عليه ا وتنف ذ في ض وء دراس ة من قب ل‬
‫خبراء األمة ـ مباشرة أو غير مباش رة ـ والرؤي ة الفقهي ة للفقه اء تحت إش راف الفقي ه‬
‫الج امع لش رائط القي ادة‪ ،‬وك ذلك في ض وء وجه ة النظ ر الحقوقي ة للحقوق يين‬
‫المتخصصين والملتزمين وباألشراف اآلنف الذكر) )(‪)1‬‬
‫ويق ول في كتاب ه [الكلم ة الطيب ة‪ :‬دروس في والي ة الفقي ه] في بي ان أن واع‬
‫الحكوم ات وعالقته ا باالس تبداد‪( :‬يمكن تقس يم الحكوم ات إلى ثالث ة أن واع‪ :‬أوله ا‪،‬‬
‫الحكومة االستبدادية المبنية على أساس السيطرة والقوة‪ ،‬حكوم ة األق وى ال ذي يمس ك‬
‫زمام األمور بكل قدرة ممكنة‪ ،‬كما كان مثل فرعون‪ ..‬الثانية حكومة الناس على الن اس‬
‫(حكوم ة الش عب)‪ :‬وتق وم ه ذه الحكوم ة على أس اس رأي األكثري ة‪ ،‬وه دفها ت أمين‬
‫حاجات الناس‪ ،‬مثل الحكومات التي يصطلح عليها بالديمقراطي ة ال تي تنتش ر في ع الم‬
‫اليوم‪ ،‬ويكون المعيار للمصلحة والفساد والجمال والقبح والحق والباطل والخير والشر‬
‫مبنيا ً على رأي األكثرية‪ ..‬وثالثها الحكومة اإللهية‪ ،‬وهذا النوع من الحكومات ليس حقا ً‬
‫للحاكم الذي يظفر بالقوة والسلطة‪ ،‬وال حقا ً للناس بحيث تك ون خاض عة لق وانينهم‪ ،‬ب ل‬
‫هي حق هلل الذي هو رب الع المين‪ ،‬أم ا ح دود فعالي ة ه ذا الن وع من الحكوم ات فإنه ا‬
‫تش مل‪ ،‬باإلض افة إلى األم ور االجتماعي ة‪ ،‬األخالق والعقائ د‪ .‬فهي تق دم لهم البرن امج‬
‫الواض ح على مس توى العقي دة وتق رر لهم الق وانين والقواع د على مس توى األخالق‬
‫والسلوك‪ .‬لهذا‪ ،‬فإن حق السلطة في الحكومة اإلسالمية ينحصر باهلل‪ ،‬وجميع المؤم نين‬
‫في ه ذا ال دين متس اوون‪ ،‬وعليهم جميع ا ً رعاي ة الق انون واألم ر اإللهي‪ .‬وبتف ويض‬
‫أمورهم ومص يرهم إلى هللا في جمي ع األح وال‪ ،‬ف إنهم يقبل ون بس لطة الح اكم وال ولي‬
‫المعين من قبل هللا‪ .‬ومن هنا‪ ،‬ففي مث ل ه ذه الحكوم ة ال يوج د ف رق بين الح اكم ال ذي‬
‫يكون نبيا ً أو إمام ا ً أو مجته داً ع ادالً وبين أف راد المجتم ع ـ س واء من ناحي ة ش مولية‬
‫الفتوى أو القانون أو من حيث القيادة والوالية ـ وهذا م ا يختل ف عن س ائر الحكوم ات‬
‫األخرى‪ .‬فإن الحاكم وجميع أبناء الشعب ملزمون برعاية األحكام اإللهي ة والحكومي ة)‬
‫(‪)2‬‬

‫‪ )(1‬والية الفقيه والية الفقاهة والعدالة جوادي آملي (ص‪.)56 :‬‬


‫‪ )(2‬الكلمة الطيبة (دروس في والية الفقيه) جوادي آملي (ص‪.)12 :‬‬

‫‪79‬‬
‫ويضرب مثاال على ذلك بقول اإلمام علي‪( :‬أيها الناس‪ ،‬إني وهللا م ا أحثكم على‬
‫طاعة إال وأسبقكم إليها‪ ،‬وال أنهاكم عن معصية إال وأتناهى قبلكم عنها)(‪)3‬‬
‫ونحب أن نرد هن ا باختص ار على ش بهة يورده ا الكث ير من المغرض ين‪ ،‬وهي‬
‫كون الدستور اإليراني ينص على أن المذهب الرسمي في إيران هو المذهب الجعفري‬
‫االثنا عشري‪ ،‬ويبنون على ذلك بأنهم ال يستمدون قوانينهم من الفقه اإلسالمي المتداول‬
‫لدى المذاهب السنية‪ ،‬وإنما يطبقون دينا آخر غ ير اإلس الم‪ ،‬ويبن ون علي ه ك ذلك ك ون‬
‫إيران دول ة طائفي ة وأن دعواته ا للوح دة اإلس المية ال تنس جم م ع اعتباره ا للم ذهب‬
‫الجعفري مذهبا رسميا‪.‬‬
‫والذين يطرحون هذه الشبهة‪ ،‬ال يعرفون المذهب الجعف ري‪ ،‬وال األص ول ال تي‬
‫يعتمد عليها‪ ،‬وال الفروع التي نش أت عنه ا‪ ،‬ول و أنهم طالعوه ا من كتب الفق ه القديم ة‬
‫والحديثة لعرفوا أن هذا المذهب‪ ،‬وخاصة في شؤون الحياة المختلف ة‪ ،‬ال يختل ف كث يرا‬
‫عن سائر المذاهب‪ ،‬بل هو يتفق معها في أكثر الفروع‪ ،‬باإلضافة إلى أنه يمنح مس احة‬
‫كبيرة لالجتهاد المبني على القواعد الشرعية‪ ،‬والذي ال يخالف النص وص القطعي ة من‬
‫الكتاب والسنة‪.‬‬
‫باإلضافة إلى ذلك‪ ،‬فإننا نرى ك ل دول ة من دول الع الم اإلس المي تعتم د م ذهبا‬
‫رسميا‪ ،‬مع كونها قد يكون فيها مذاهب أخرى‪ ،‬ومن األمثل ة على ذل ك‪ ،‬أن الس عودية ـ‬
‫عبر هيئاتها الدينية الرسمية ـ تتب نى الم ذهب الحنبلي ب ل الس لفي المغ الي‪ ،‬م ع وج ود‬
‫شيعة كثيرين فيها‪.‬‬
‫وهكذا نرى الجزائر وليبيا تعتبران الم ذهب الم الكي م ذهبا رس ميا على أساس ه‬
‫تحدد الكثير من الوظائف والفتاوى‪ ،‬مع وجود اإلباضية فيها‪ ،‬ولكنها مع احترامها له ا‪،‬‬
‫تعتبرها أقلية‪ ،‬ذلك أن المذهب الرسمي يعتمد على األغلبية‪ ،‬ال على األقلية‪.‬‬
‫وله ذا؛ ف إن دس تور الجمهوري ة اإلس المية اإليراني ة‪ ،‬وح تى يح دد اإلط ار‬
‫المرجعي لحاكمية الشريعة‪ ،‬ذكر الم ذهب الجعف ري باعتب اره م ذهب الغالبي ة العظمى‬
‫من سكان إي ران‪ ،‬وه و م ذهب ال يختل ف عن س ائر الم ذاهب اإلس المية‪ ،‬ألن ه يعتم د‬
‫القرآن الكريم والسنة المطهرة‪ ،‬بل ي رى ض عف ك ل اجته اد أو رواي ة تخ الف الق رآن‬
‫الكريم والسنة القطعية‪.‬‬
‫وهذا ال يعني تحقيره لس ائر الم ذاهب اإلس المية‪ ،‬ب ل ه و يحترمه ا‪ ،‬ب ل يطب ق‬
‫أحكامها الخاصة به ا في الم دن ال تي تك ون فيه ا‪ ،‬وهي أحك ام ال تع دو بعض الف روع‬
‫البسيطة المرتبطة باألحوال الشخصية‪.‬‬
‫ولهذا ال ن رى في ق ادة الث ورة اإلس المية‪ ،‬أو المنظ رين لوالي ة الفقي ه أي ن برة‬
‫طائفية‪ ،‬بل هم يتحدثون عن اإلسالم‪ ،‬ويعت برون المس لمين جميع ا إخ وة‪ ،‬وال يفرق ون‬
‫بينهم على أساس مذاهبهم‪.‬‬
‫ومن األمثلة على ذلك ق ول الخمي ني في بعض خطابات ه الموجه ة أله ل الس نة‪:‬‬

‫‪ )(3‬نهج البالغة‪.2/90 ،‬‬

‫‪80‬‬
‫(إنني دائما ً في خطاباتي وكتاباتي كنت أؤك د على أم رين‪ ،‬األول أن ه في اإلس الم ليس‬
‫هناك وجود للعرق والتعصب واللغة‪ ،‬فاإلسالم للجميع ولمصلحة الجمي ع‪ ،‬ونحن إخ وة‬
‫بحكم القرآن واإلسالم‪ ،‬فاألكراد واألتراك والبلوش إخوة‪ ،‬ويجب أن نعيش م ع بعض نا‬
‫بوئام‪ ،‬فقد قطعنا يد األعداء عن بالدنا‪ ..‬وما أري د التأكي د علي ه ه و أن ال يظن اإلخ وة‬
‫السنة أن في اإلسالم فرق بيننا وبينهم‪ ،‬فكما أنه هناك أربعة مذاهب سنية وهم أخوة مع‬
‫بعضهم البعض‪ ،‬فإن هناك مذهب خامس‪ ،‬وليس هناك أية عداوة بينن ا‪ ،‬ف الجميع إخ وة‬
‫ومسلمون‪ ،‬الجميع أتباع القرآن والرسول األكرم ‪ ‬أما م ا يث ار هن ا وهن اك فإن ه من‬
‫نسج العناصر الفاسدة المتبقية من النظام البائ د وعمالء األج انب ال ذين يث يرون أمث ال‬
‫هذه الفتن لمصلحة أس يادهم‪ ،‬وعليكم أيه ا األخ وة أن تنتبه وا إلى ه ذا الموض وع‪ .‬وال‬
‫يخفى إنهم ب ذلك يس عون للح ؤول دون أداء اإلس الم ل دوره‪ ،‬فهم ال يه دفون الى بث‬
‫الفرقة بين األكراد والفرس‪ ،‬وإنما يعارضون اإلسالم‪ ،‬ومن واجب المسملين جميعا ً أن‬
‫يقفوا في وجههم ويحبطوا مخططاتهم)(‪)1‬‬
‫ويقول مخاطبا لهم‪( :‬اإلسالم هو وحده الذي يحرص على مصالح الش عب‪ ،‬ومن‬
‫يؤمن باإلسالم هم وحدهم الذين يعملون ألجلكم‪ ،‬فالقرآن مربي الجميع وللجمي ع ويجب‬
‫علينا أن نكون معا تحت ظالل القرآن‪ ،‬وتأكدوا أن دعايات ه ؤالء المخ ربين مغرض ة‬
‫وقد رأيتم كيف بدأوا بإحداث الفوضى والخراب وجيشنا جاء لكي يتص دى لهم ‪ ..‬فك ل‬
‫هذه المناطق إسالمية وإيرانية وجميعنا ايرانيون ومسلمون وتابعون للقرآن)(‪)2‬‬
‫رابعا ـ توفر المؤسسات التشريعية والتنفيذيه‪:‬‬
‫من أهم المميزات التي ال يمكن ألحد من المغرضين أو غيرهم تجاهلها أو غض‬
‫الط رف عنه ا في النظ ام الح اكم في الجمهوري ة اإلس المية اإليراني ة م ا يس مى‬
‫بالمؤسسات‪ ،‬فهي دولة ذات مؤسسات كثيرة‪ ،‬والقرار فيها يخضع للمعالج ة في مح ال‬
‫مختلفة‪ ،‬منها ما يرتبط بموقف الشعب‪ ،‬ومنه ا م ا يرتب ط بموق ف الش ريعة‪ ،‬ومنه ا م ا‬
‫يرتبط بالواقع المحلي والعالمي‪.‬‬
‫وهكذا ال تصدر القرارات إال بعد تمحيصها ودراس تها دراس ة متأني ة من جمي ع‬
‫النواحي العلمية والشرعية والواقعي ة‪ ،‬وه و م ا تطلب ه الش ريعة اإلس المية ال تي ت أمر‬
‫باالستعانة بالخبراء في جميع المجاالت‪ ،‬كما قال تعالى‪﴿ :‬فَاسْأَلْ بِ ِه خَ بِ يرًا ﴾ [الفرق ان‪:‬‬
‫ب اَل ْنفَضُّ وا ِم ْن َحوْ لِ َ‬
‫ك‬ ‫‪ ،]59‬وقال‪﴿ :‬فَبِ َما َرحْ َم ٍة ِمنَ هَّللا ِ لِ ْنتَ لَهُ ْم َولَوْ ُك ْنتَ فَظًّا َغلِيظَ ْالقَ ْل ِ‬
‫اورْ هُ ْم فِي اأْل َ ْم ِر فَ إِ َذا َع زَ ْمتَ فَت ََو َّكلْ َعلَى هَّللا ِ إِ َّن هَّللا َ يُ ِحبُّ‬
‫فَاعْفُ َع ْنهُ ْم َوا ْستَ ْغفِرْ لَهُ ْم َو َش ِ‬
‫ْال ُمتَ َو ِّكلِينَ ﴾ [آل عمران‪]159 :‬‬
‫ولهذا‪ ،‬فإن الولي الفقيه‪ ،‬الذي يستن بسنة رسول هللا ‪ ‬في توليه لهذه الوظيف ة‪،‬‬
‫يستن به أيضا في جميع مستلزماتها وصفاتها واألخالق التي ترتبط بها‪.‬‬
‫وه ذا المع نى ال نج ده في أي نظ ام آخ ر‪ ،‬س واء ك ان من األنظم ة االس تبدادية‬

‫‪ )(1‬صحيفة اإلمام‪ ،‬ج ‪ ،9‬ص‪.286 :‬‬


‫‪ )(2‬المرجع السابق‪.‬‬

‫‪81‬‬
‫كاألنظمة الملكية أو العسكرية أو حتى األنظمة ال تي تس مي نفس ها أنظم ة ديمقراطي ة‪،‬‬
‫ذلك أن تلك األنظمة حتى لو راعت مطالب الشعب في قراراتها إال أنه ا ق د ال ت راعي‬
‫المطالب األخالقية والمبادئ اإلنسانية‪ ،‬على عكس الجمهورية اإلسالمية اإليرانية التي‬
‫ترى تلك المبادئ حاكمة على الشعب جميعا حكاما ومحكومين‪.‬‬
‫ولهذا نراها ال تتيح ألي كان ألن يرشح نفس ه في االنتخاب ات المختلف ة‪ ،‬إال بع د‬
‫أن يمر على المؤسسات التي تدرس شخصيته‪ ،‬وتبحث في مدى كفاءت ه وقدرات ه ح تى‬
‫ال يتسلل لتلك المناصب الرفيعة من ال يكون كفؤا لها‪ ،‬على عكس األنظمة الديمقراطية‬
‫ال تي ت تيح للمه رجين والممثلين ألن يرش حوا أنفس هم‪ ،‬وين الوا المناص ب الرفيع ة‪ ،‬ال‬
‫بسبب قدراتهم وكفاءاتهم‪ ،‬وإنما بسبب تلك الشهرة التي نالوها‪.‬‬
‫ولهذا أيضا نرى في الجمهورية اإلسالمية بسطاء الناس‪ ،‬وأبناء األحياء الفق يرة‬
‫يص عدون إلى أعلى المناص ب‪ ،‬وع بر انتخاب ات ش عبية‪ ،‬ألن ه ال توج د ش ركات أو‬
‫مؤسسات مالية تتحكم في االنتخابات‪ ،‬مثلما هو حاصل في الغرب‪ ،‬وإنما تشرف عليها‬
‫مؤسسات علمي ة وديني ة وش عبية‪ ،‬ليس له ا من هم س وى مراقب ة م دى كف اءة ونزاه ة‬
‫المترشحين‪.‬‬
‫وقد أشار إلى هذا المعنى الشيخ ج وادي آملي عن د رده على تهم ة االس تبداد في‬
‫ظل والية الفقيه‪ ،‬مبينا جذورها التاريخية؛ فقال‪( :‬إن ما يط رح تحت عن وان االس تبداد‬
‫الديني‪ ،‬له جذور من الناحية التاريخية في الفكر الليبرالي‪ ،‬حيث يتهم الفقهاء باالستبداد‬
‫الديني في إجراء األحكام اإللهية والضغط دون أي تسامح في ذلك‪ ،‬ومنشأ ه ذا االته ام‬
‫يعود إلى االستبداد الديني الذى مارسته الكنيسة األوربية في القرون الوس طى‪ ..‬فعن دما‬
‫يقوم المتغربون بمطالعة تاريخ تلك الحقبة يقومون بمقارنة غير عادلة بين ما حدث في‬
‫الغرب وما يطرح تحت عنوان والي ة الفقي ه‪ ،‬يري دون ب ذلك أن يش يروا إلى أن والي ة‬
‫الفقيه تشبه االستبداد الديني الذي حدث في الغرب على يد الكنيسة) (‪)1‬‬
‫وانطالقا من هذا يذكر أن هناك فرقا كبيرا بين كال النظامين‪ :‬نظام والي ة الفقي ه‬
‫ال ذي تمارس ه إي ران في ال وقت الح الي‪ ،‬والمب ني على المؤسس ات المختلف ة‪ ،‬ونظ ام‬
‫الكنيسة الذي ك ان يم ارس في العص ور الوس طى‪ ،‬وال ذي لم تكن تمثل ه أي مؤسس ات‬
‫سوى مؤسسة الكنيسة؛ فيقول‪( :‬لكن الحقيقة هي أن والي ة الفقي ه تع نى والي ة الع ارف‬
‫باإلسالم والعادل والتقي‪ ،‬ومث ل ه ذا الح اكم يجب علي ه أن يستش ير أه ل الخ برة‪ ،‬وال‬
‫يتناسب االستبداد مع العدالة‪ ،‬أم ا ل و اتج ه الفقي ه الح اكم نح و االس تبداد فإن ه س يعزل‬
‫تلقائياً‪ ،‬وحيث إن خبراء األمة يشرفون على أدائه‪ ،‬فإنهم يعلن ون عزل ه عن دما يج دون‬
‫أنه يستبد ولم يعد يمتلك صفة العدالة‪ .‬فحكوم ة ال ولي الفقي ه ليس فيه ا جه ة االس تبداد‬
‫والتسلط‪ ،‬بل هي حكومة القرآن والسنة) (‪)2‬‬
‫وهنا يورد الكثير من المغرضين شبهاتهم حول عالقة بعض المؤسس ات ب الولي‬

‫‪ )(1‬المرجع السابق‪( ،‬ص‪.)14 :‬‬


‫‪ )(2‬المرجع السابق‪( ،‬ص‪.)14 :‬‬

‫‪82‬‬
‫الفقيه‪ ،‬وينكرون عليها كون الولي الفقيه هو الذي يح دد بعض أعض ائها‪ ،‬ومن األمثل ة‬
‫على ذلك [مجلس صيانة الدستور]‪ ،‬وهو من الهيئ ات التنظيمي ة الرئيس ية في إي ران‪،‬‬
‫والتي تلقى انتق ادات كب يرة من المغرض ين ألن وظيفته ا اإلش راف على عم ل مجلس‬
‫الشورى اإلسالمي‪ ،‬حيث أن جميع قوانين البارلمان يجب أن تحصل أوال على موافق ة‬
‫هذا المجلس قبل اعتمادها‪.‬‬
‫فهم ينكرون أص ل ه ذا المجلس‪ ،‬وينك رون ك ذلك كون ه يتك ون من اث ني عش ر‬
‫عضواً‪ ،‬ستة أعضاء منهم من الفقه اء والخ براء في الق انون اإلس المي‪ ،‬ويتم تع يينهم‬
‫مباش رة من قب ل ال ولي الفقي ه‪ ،‬والس تة الب اقون من المح امين ذوي الخ برة‪ ،‬و يتم‬
‫ترش يحهم من قب ل رئيس الس لطة القض ائية‪ ،‬و يتم التص ويت عليهم من قب ل أعض اء‬
‫مجلس الشورى اإلسالمي‪.‬‬
‫وللرد على هؤالء المغرضين نذكر أنه يمكنن ا أن نعت بر أولئ ك األعض اء الس تة‬
‫الذين رشحهم الولي الفقيه في هذه المؤسس ة‪ ،‬أو غ يرهم من األعض اء في المؤسس ات‬
‫األخرى‪ ،‬مرشحين من طرف الشعب نفسه‪ ،‬ذلك أن للشعب نوعين من االنتخابات‪:‬‬
‫أولها‪ :‬انتخاب على الدس تور ون وع الق وانين ال تي تحكم البالد‪ ،‬وق د حص ل في‬
‫إيران على نسبة عالية من الموافقة الش عبية‪ ،‬م ع كون ه يع رّف بك ل ه ذه المؤسس ات‪،‬‬
‫ويبين طريقة عملها‪ ،‬وبذلك يكون الشعب اإليراني قد أتاح لل ولي الفقي ه ك ل الس لطات‬
‫التي تسمح له بتطبيق الشريعة اإلسالمية‪ ،‬أو مراقبة تطبيقها في الواقع‪.‬‬
‫ثانيها‪ :‬انتخاب مباشر على األعض اء‪ ،‬وال ذي أتيحت ل ه الكث ير من المؤسس ات‬
‫في النظ ام اإلي راني‪ ،‬ف رئيس الجمهوري ة والبرلم ان والمج الس البلدي ة وغيره ا كله ا‬
‫مؤسسات ينتخب عليها الش عب مباش رة‪ ،‬ب ل ح تى المؤسس ة ال تي يخ رج منه ا ال ولي‬
‫الفقيه‪ ،‬مؤسسة منتخبة من طرف الشعب‪.‬‬
‫وبذلك يكون للشعب دوره ورأيه في كل ما يحصل في المؤسس ات المختلف ة إم ا‬
‫عن طري ق االنتخ اب المباش ر ألعض اء تل ك المؤسس ات‪ ،‬أو ع بر االنتخ اب غ ير‬
‫المباشر‪ ،‬والمرتبط بالمبادئ والقيم والقوانين التي تحكم البالد‪.‬‬
‫وهذا يوجد نظير له في الكثير من ال دول الديمقراطي ة‪ ،‬وال تي ال تعطي الحري ة‬
‫الكافية لألعضاء المنتخبين في تقرير ما يشاءون‪ ،‬بل تضع دونهم الحوائ ل ال تي تحمي‬
‫قراراتهم من أن تسيء للسياسة االستراتيجية التي تعتمدها البالد‪.‬‬
‫وبذلك يمكن اعتبار مجلس صيانة الدستور في النظام اإليراني مشابها لحد كب ير‬
‫لبعض المؤسسات الضامنة للدستور في الكثير من الدول الديمقراطية‪ ،‬حيث نج د فيه ا‬
‫ما يسمى بالمحكم ة الدس تورية‪ ،‬أو المجلس الدس توري‪ ،‬وال ذي ال يختل ف في وظيفت ه‬
‫كثيرا عن مجلس صيانة الدستور اإليراني‪.‬‬
‫وقد أشار الشيخ جوادي آملي إلى هذا المعنى في ردوده على رب ط والي ة الفقي ه‬
‫باالستبداد؛ فقال‪( :‬في األنظمة الدينية‪ ،‬تك ون حري ة الن اس في تع يين مص يرهم بي دهم‬
‫واختيارهم ضمن إطار الدين‪ ،‬أي أن الن اس يرس مون مص يرهم على أس اس ال دين أو‬
‫الم ذهب ال ذي اخت اروه‪ .‬وكمث ال على ذل ك م ا ج اء في األص ل الث اني من دس تور‬

‫‪83‬‬
‫جمهورية الصين الشعبية أن [الحزب الشيوعي الص يني ه و ن واة القي ادة لك ل الش عب‬
‫الصيني]‪ ،‬أي أن النظام الحاكم يجب أن يعمل وفق الموازين االشتراكية‪ ،‬وهذا التحدي د‬
‫قد حصل من جانب الناس بانتخابهم المسبق للنظام االشتراكي‪ ،‬وفي النظام الجمهوري‬
‫اإلسالمي أيضاً‪ ،‬قبل الش عب من خالل اختي اره المس بق للجمهوري ة اإلس المية‪ ،‬تحت‬
‫عنوان مظهر الحاكمية اإللهية ومصداق الحكومة اإلسالمية)(‪)1‬‬
‫وردا على سؤال يقول‪( :‬يحصل الفقيه الجامع للشرائط على الوالي ة من دون أن‬
‫يكون ل رأي الن اس دخ ل فى تعيين ه‪ ،‬إذاً‪ ،‬فال اعتن اء ب رأي الش عب في انتخ اب ال ولي‬
‫الفقيه)‪ ،‬أجاب الشيخ جوادي آملي بقوله‪( :‬يتم إعم ال رأي الش عب من ط ريقين‪ :‬األول‬
‫بصورة مباشرة حيث ينتخب الشعب شخص ا ً بص ورة مباش رة مث ل رئيس الجمهوري ة‬
‫وأعضاء مجلس الشورى‪ ،‬والطريق اآلخر بصورة غير مباش رة‪ ،‬حيث يوك ل الش عب‬
‫أشخاصا ً يقومون باختيار شخص لهذه المسؤولية‪ ،‬والشك أن الوكالء هنا يع برون عن‬
‫رأي الشعب الذي انتخبهم‪ ،‬مثل اختي ار ال وزراء ب اقتراح من رئيس الجمهوري ة ال ذي‬
‫انتخبه الشعب‪ ،‬حيث يقوم مجلس النواب بالموافقة عليهم‪ ،‬كونه يمثل رأي الشعب)(‪)2‬‬
‫وبين دور الش عب في اختي ار ال ولي الفقي ه نفس ه؛ فق ال‪( :‬أم ا في م ورد قي ادة‬
‫المجتمع اإلسالمي وطبقا ً للتدبير ال ذي ط رح في الدس تور يوج د طريق ان‪ :‬األول‪ :‬من‬
‫خالل اإلقبال الحاسم ألكثرية الش عب على فقي ه ع ادل وج امع للش رائط‪ ،‬حيث يص بح‬
‫األخير قائداً للمجتمع اإلسالمي‪ ،‬كما حدث مع قائد الثورة العظيم ومؤس س الجمهوري ة‬
‫اإلسالمية في إيران؛ فقد شاركت األمة في تع يين القائ د بش كل مباش ر‪ ،‬والث اني‪ :‬ع بر‬
‫الخ براء ال ذين ينتخبهم الش عب‪ ،‬حيث يخت ار ه ؤالء من بين الح ائزين على الش رائط‬
‫قائدا‪ ،‬ففي هذه الصورة أيضاً‪ ،‬قام الشعب باالنتخاب‪ ،‬ولكن بطريقة غير مباش رة‪ ،‬وفي‬
‫كال الحالين يمكن الجمع بين والية الفقيه وحاكمية الشعب) )(‪)3‬‬
‫ومن الم يزات المهم ة ال تي نج دها في المؤسس ات اإليراني ة ذل ك الفص ل بين‬
‫السلطات؛ فكل مؤسسة تمارس دوره ا بك ل حري ة‪ ،‬وفي نفس ال وقت تش عر أن هن اك‬
‫رقابة عليها حتى ال تخرج عن الدستور وقوانين البالد‪ ،‬وبذلك تشعر بأنها م ع حريته ا‬
‫المتاحة لها مسؤولة عن المبادئ والقيم التي تحكم الدولة‪.‬‬
‫وقد أشار الخميني إلى هذا المعنى في خطاب مفصلي قال فيه‪( :‬عندما يؤدي كل‬
‫فريق عمله وال يتدخل في عمل غيره‪ ،‬ينتظم أمر الدولة فتص بح دول ة يمكن أن تتق دم‪،‬‬
‫أما إذا أصبح كل فريق يتدخل في عمل اآلخر‪ ،‬فال يستطيع أحد أن يؤدي مهمت ه‪ ..‬ه ذا‬
‫تكلي ف ش رعي للجمي ع‪ ،‬للح رس‪ ،‬للش رطة‪ ،‬للجيش‪ ،‬لل درك‪ ،‬للمجلس‪ ،‬ل رئيس‬
‫الجمهوري ة‪ ..‬الجمي ع مكلف ون ش رعاً‪ ،‬يجب أن يل تزم ك ل بوظيفت ه ال تي ح ددها‬
‫القانون‪..‬لقد حدد القانون لك ٍل وظيفته‪ ،‬فإذا تجاوز أحد الق انون وأراد الت دخل في مج ال‬

‫‪ )(1‬المرجع السابق‪( ،‬ص‪.)14 :‬‬


‫‪ )(2‬المرجع السابق‪.‬‬
‫‪ )(3‬المرجع السابق‪.‬‬

‫‪84‬‬
‫عمل غيره فقد خالف الشرع‪ ..‬ليل تزم رئيس الجمهوري ة بم ا ح دده ل ه الق انون ولينف ذه‬
‫بطريقة جيدة‪ ..‬كذلك المجلس‪ ،‬ال يت دخل المجلس في مج ال عم ل الس لطة التنفيذي ة أو‬
‫السلطة القضائية‪ ..‬إذا أراد أن يتدخل في مجال عمل اآلخر فلن تُبنى دولة)(‪)1‬‬
‫ومن الم يزات المهم ة ال تي نج دها في المؤسس ات اإليراني ة أيض ا ع دم ت دخل‬
‫المؤسسات العس كرية في الش ؤون السياس ية‪ ،‬وله ذا ال نج د أي انقالب ات عس كرية في‬
‫إيران على عكس الكثير من الدول حتى المتطورة منها‪.‬‬
‫وقد دعا الخميني في خطاب تاريخي له إلى ع دم دخ ول الجيش في الص راعات‬
‫ُّ‬
‫التدخل‬ ‫السياسية‪ ،‬فقال‪( :‬على قادة الجيش وجميع القوات المسلحة حفظ هذه القوات من‬
‫في السياسة‪ ،‬إن تدخل الجيش في السياسة مسا ٍو لزوال حيثية الجيش‪ ..‬األمور السياسية‬
‫في الجيش أشد فتكا ً من الهيرويين‪ ..‬كيف يقض ي اله يرويين على اإلنس ان‪ ،‬ك ذلك هي‬
‫األمور السياسية تقضي على روحية الجيش ورؤيته)(‪)2‬‬
‫ويبين سبب ذلك‪ ،‬فيقول‪( :‬الجندي الذي يتدخل في األمور السياسية يفقد جنديت ه‪،‬‬
‫الجندي الذي ينص بّ تفك يره على أم ور من قبي ل من تق دم ومن ت أخر‪ ،‬م اذا س يجري‬
‫هنا‪ ..‬وماذا هناك‪ ..‬الفري ق الفالني كي ف سيتص رف‪ ،‬والفري ق الفالني كي ف؟ ال يع ود‬
‫أهالً السم الجندية‪ ..‬إنه شخص سياسي اغتصب قبعة الجندية)(‪)3‬‬
‫وهكذا يخاطب قي ادات الح رس الث وري بقول ه‪( :‬المهم أن ال توج د في الح رس‬
‫حال ة تلح ق الض رر بروحي ة أف راد الح رس ‪ ..‬يجب أن تحول وا دون دخ ول الجه ات‬
‫السياسية إلى الحرس‪ ،‬فإن دخول الجه ات السياس ية إلى الح رس يع ني زوال الجه ات‬
‫العسكرية ‪ ..‬أوص وا الح رس دائم ا ً أن يعت بر ك ل منهم نفس ه دائم ا ً محارب ا ً في خدم ة‬
‫الناس)(‪)4‬‬
‫ويق ول في خط اب آخ ر مخاطب ا لهم‪( :‬ال يج وز ألف راد الح رس ال دخول في‬
‫التحزبات‪ ،‬فيصبح هذا مؤيداً لهذا‪ ،‬وذاك مؤيداً ل ذاك‪ ..‬م ا عالقتكم أنتم بم ا يج ري في‬
‫المجلس‪ ،‬وقد بلغني أن الحديث كان ي دور في الح رس ح ول االنتخاب ات‪ ..‬االنتخاب ات‬
‫تبحث في محله ا‪ ..‬م ا عالق ة الح رس ح تى يوج د االختالف بينهم‪ ..‬ه ذا ليس ج ائزاً‬
‫للح رس‪ ،‬ليس ج ائزاً للجيش‪ .‬إن ه ذا يمن ع الح رس عن القي ام بواجب ه ال ذي ه و في‬
‫عهدته) (‪)5‬‬
‫ويقول مخاطبا مسؤولي وزارة األمن‪( :‬األمر اآلخ ر ال ذي يحظى باألهمي ة ه و‬
‫أن جمي ع األش خاص في ه ذه ال وزارة يجب أن ال يك ون لهم انتم اء إلى أي ح زب‬
‫ومجموعة‪ ..‬االرتباط بالمج اميع يس تتبع االرتب اط الفك ري والعلمي‪ ،‬وه ذا يتن افى م ع‬

‫‪ )(1‬صحيفة اإلمام‪ ،‬ج‪ 12‬ص‪.. 261‬‬


‫‪ )(2‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ 15‬ص‪ 1‬ـ ‪.. 9‬‬
‫‪ )(3‬المرجع السابق‪.‬‬
‫‪ )(4‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ 18‬ص‪. 62‬‬
‫‪ )(5‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ 19‬ص‪..26‬‬

‫‪85‬‬
‫عملكم يجب أن تكونوا جميعا ً حياديين‪ ،‬حياديين‪ ،‬أن تزاولوا عملكم بمعزل عن الع داوة‬
‫والص داقة والمعرف ة وع دم المعرف ة ‪ ..‬يحب أن يك ون أف راد األمن مس تقلين ن زيهين‬
‫ومتقين) (‪)1‬‬

‫‪ )(1‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ 19‬ص‪..177‬‬

‫‪86‬‬
‫الفصل الثالث‬
‫والية الفقيه‪ ..‬والحرية المنضبطة‬
‫تعتبر الحرية القيمة الكبرى التي ناضلت من أجلها كل الشعوب لتخرج من قيود‬
‫الطواغيت والمستبدين‪ ،‬وتسترد ممتلكاته ا من مغتص بيها‪ ،‬وتم ارس حياته ا بعي دا عن‬
‫كل الضغوط‪ ،‬ولهذا كانت شعارا أساس يا في ك ل الث ورات ابت داء من الث ورة الفرنس ية‬
‫إلى اآلن‪.‬‬
‫بل لو درسنا التاريخ جيدا لوجدنا أن كل الدعوات اإلصالحية في التاريخ ترتب ط‬
‫بال دعوة للتح رر واالنعت اق من ن ير الظلم ة والمس تبدين‪ ،‬لتنعم الش عوب‪ ،‬مجتمع ات‬
‫وأفرادا‪ ،‬بحقوقها بعيدا عن كل القيود‪.‬‬
‫وهك ذا ك انت الحري ة ش عارا في الث ورة اإليراني ة‪ ،‬لم يحمل ه الش يوعيون أو‬
‫االشتراكيون‪ ،‬أو الليبراليون فقط‪ ،‬بل حمله معهم وقبلهم اإلسالميون‪ ،‬وخصوصا الذين‬
‫تحولوا بعد ذلك إلى قادة للثورة اإلسالمية‪.‬‬
‫ولهذا نجد في الخطابات الكث يرة ال تي ألقاه ا الخمي ني أو غ يره من ق ادة الث ورة‬
‫حديثا كثيرا عن الحري ة واالنعت اق من ن ير الش اه وظلم ه واغتص ابه لحق وق الش عب‪،‬‬
‫وتالعبه بثروته‪.‬‬
‫ومن األمثل ة على ذل ك الخط اب الت اريخي ال ذي يس مى [خط اب اإلنتص ار]‪،‬‬
‫والذي ألقاه الخميني بتاريخ ‪ 4/1979 /1‬م‪ ،‬بمناسبة إعالن نظام الجمهورية اإلسالمية‬
‫في إيران‪ ،‬ومما جاء فيه مما يتعلق بالحري ة‪ ،‬وكونه ا من المط الب ال تي تحق ق بس بب‬
‫الثورة اإلسالمية‪( :‬على أي ح ال فإنن ا فزن ا والحم د هلل في ه ذا االس تفتاء‪ ،‬وق د ظه ر‬
‫بطالن م ا كتب في الص حف األجنبي ة‪ ،‬وق د أدلى ش عبنا برأي ه مائ ة في المائ ة تقريب ا ً‬
‫لصالح الجمهورية اإلسالمية‪ ،‬وعلى الشعب أن يطبق ه ذه الجمهوري ة اإلس المية بع د‬
‫الي وم‪ ..‬يجب أن تتغ ير جمي ع األم ور في إي ران في ظ ل الجمهوري ة إلس المية‪،‬‬
‫فالجامعات يجب أن تتغير‪ ،‬وتتب دل الجامع ات العميل ة إلى جامع ات مس تقلة‪ ..‬وثقافتن ا‬
‫يجب أن تتبدل‪ ،‬وتحل الثقافة المستقلة محل الثقافة االستعمارية‪ ..‬وزارة العدل يجب أن‬
‫تتغ ير؛ فالقض اء الغ ربي ال ب د أن يتح ول إلى القض اء اإلس المي‪ ..‬اقتص ادنا يجب أن‬
‫يتغير‪ ،‬فاالقتصاد العميل يجب أن يتح ول إلى اقتص اد مس تقل‪ ..‬وجمي ع األش ياء ال تي‬
‫كانت في حكومة الطاغوت‪ ،‬وكانت قد طبقت اس تجابة ألوام ر األج انب في ه ذا البل د‬
‫الض عيف‪ ،‬ه ذه األش ياء يجب أن تنقلب رأس ا ً على عقب بع د أن اس تقرت الحكوم ة‬
‫اإلسالمية والجمهورية اإلسالمية)(‪)1‬‬
‫فهذا النص يبين مفهوم الحرية لدى قادة الث ورة اإلس المية‪ ،‬وه و مفه وم ينطل ق‬
‫‪ )(1‬انظر‪ :‬نص الخطاب كامال في‪ :‬خطاب االنتصار [خطابات وكلمات الخميني التي ألقيت في المناسبات الس نوية‬
‫لذكرى انتصار الثورة اإلسالمية في إيران]‪ ،‬ص ‪24‬‬

‫‪87‬‬
‫من الهوية اإليرانية ذات البعد اإلس المي؛ فه و ي دعو ك ل المراك ز والمؤسس ات ال تي‬
‫كانت خاضعة للسيطرة والفكر الغربي إلى تع ديل وجهته ا لتنس جم م ع اإلس الم‪ ،‬وم ع‬
‫مطامح الشعب والقيم التي يؤمن بها‪.‬‬
‫وهذا على عكس ما يري ده المغرض ون ال ذين يتص ورون أن إبع اد الش عب عن‬
‫هويت ه وتحقي ق متطلب ات غرائ زه هي الحري ة‪ ،‬م ع كونه ا ـ كم ا ي ذكر ق ادة الث ورة‬
‫اإلسالمية ـ ليست سوى مصايد إلفساد الشعوب وإلهائها عن المطالبة بحقوقها‪.‬‬
‫ولهذا ينتقد الخمي ني تل ك الرؤي ة الغربي ة للحري ة‪ ،‬ويعتبره ا من الت دليس ال ذي‬
‫يحت الون ب ه على الش عوب للس يطرة عليه ا‪ ،‬يق ول في ذل ك‪( :‬إن أحك ام الجمهوري ة‬
‫اإلسالمية التقدمية تسبق جميع األحكام في سائر العقائد والطبقات‪ ..‬نحن نرى إن دع اة‬
‫الديمقراطية يتكلمون عن ديمقراطيتهم إال أن ممارستهم للديمقراطية تختلف في الشرق‬
‫عما في الغرب‪ ،‬ففي الشرق يواجه شعبهم ديكتاتورية كبيرة وفي الغرب ك ذلك‪ ،‬ونحن‬
‫نرى أن بعض األشخاص يدعون الدفاع عن حقوق اإلنسان‪ ،‬ولكنن ا رأين ا أن جمعي ات‬
‫حقوق اإلنسان لم تتكلم كلمة واحدة خالل هذه الخمسين سنة التي سيطرت فيها حكوم ة‬
‫بهلوي الغاصبة‪ ،‬ومن ثم حكومة ابنه حيث س رق جمي ع أم وال الش عب‪ ،‬ون رى خالل‬
‫هذه السنوات الخمسين كيف قضى شبابنا في السجون وكم من شباب قد تم نشر أرجلهم‬
‫بالمنشار وحرقوهم بواسطة المقالة وقد مكثوا في الس جن وتحت التع ذيب ح تى األي ام‬
‫األخيرة لما قبل الث ورة‪ .‬لق د مض ى جالوزة الش اه الس ابق عليهم ولم ن ر دع اة حق وق‬
‫اإلنسان طوال هذه المدة يتكلمون كلمة واح دة أو يس تنكرون ه ذه الح وادث‪ ،‬لق د رأين ا‬
‫الرئيس األمريكي كيف يساند الشاه السابق الظالم الشقي‪ ،‬ويؤيد هذا الجالد ال ذي بع ثر‬
‫جميع ما نملك أدراج الرياح ولم نر دع اة حق وق البش ر يس تنكرون ذل ك على ال رئيس‬
‫األمريكي‪ ،‬ولكن اآلن وقد سقط هؤالء الجالدون في مصيدة الش عب ويري د الش عب أن‬
‫ينتقم منهم‪ ،‬تع الت منهم ص رخات [وا إنس انيتاه!!] أن ا ال أق ول ش يئا ً س وى إن ه ؤالء‬
‫عمالء للجالدين ‪ ..‬هؤالء عمالء للقوى الكبرى‪ ،‬وإنهم ال يعملون لحقوق البشر)(‪)1‬‬
‫ولهذا‪ ،‬فإنه يدعو الشعب اإليراني للمحافظة على حريته‪ ،‬وأال يترك المجال ألي‬
‫مستبد أن يحكمه ويتسلط علي ه‪ ،‬يق ول في الخط اب الس ابق‪( :‬على الن اس أن يص لحوا‬
‫أنفسهم‪ ،‬وعلى الظالمين الذين كانوا قد ظلموا الضعفاء أال يظلموا بع د الي وم‪ ،‬الطبق ات‬
‫المختلف ة يجب أن ال تظلم الطبق ات ال تي دونه ا‪ ،‬يجب أن تعطى حق وق الفق راء‬
‫والمساكين‪ .‬كل هذه األعمال يجب أن تطبق في الجمهورية اإلسالمية‪ ،‬وعلى الش عب ـ‬
‫في ظل الجمهورية اإلسالمية ـ أن يساند الحكومة التي هي في خدمة الشعب‪ .‬وإذا رأى‬
‫الشعب خالفا ً من الحكومة فعليه أن يوقفها عند حدها‪ ،‬وإذا رأى الشعب حكوم ة ج ائرة‬
‫تريد أن تظلمه‪ ،‬فيجب عليه أن يقدم الشكوى ضدها‪ ،‬وعلى المحاكم أن تقيم العدالة وإن‬
‫لم تفع ل فعلى الش عب أن يقيم الع دل ويحطم أف واههم‪ ،‬ليس في الجمهوري ة اإلس المية‬
‫ظلم وال إجحاف‪ .‬الطبقة الغنية ال تستطيع أن تظلم الطبقة الفقيرة وال أن تستثمرها‪ ،‬وال‬

‫‪ )(1‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.21‬‬

‫‪88‬‬
‫تستطيع أن تأمر العمال بأداء أعمال كث يرة مقاب ل أج ر زهي د‪ .‬يجب أن نض ع الحل ول‬
‫اإلسالمية لكل القضايا ويجب أن تطبق هذه الحلول حتى يشعر المستض عفون بالراح ة‬
‫والقوة‪ ،‬فالمستكبر ال بد له أن يتواض ع ويش عر م ع الض عفاء‪ ،‬وال ب د للمستض عف أن‬
‫يصبح قويا ً وعلى الجميع أن يعيشوا األخوة في هذا البلد) (‪)1‬‬
‫ويص ف في نفس الخط اب ك ل الش عارات ال تي يح اول الغ رب أن يظه ر به ا‪،‬‬
‫وبسببها يهاجم إيران‪ ،‬بكونها شعارات جوفاء كاذبة‪ ،‬ويعت بر أن الحري ة والديمقراطي ة‬
‫وغيره ا من قيم الجمهوري ة لم تتحق ق فيه ا‪ ،‬وإنم ا تحققت في إي ران‪ ،‬يق ول في ذل ك‪:‬‬
‫(نحن ال نخشى أن يتكلم وا في الغ رب ض دنا‪ ،‬وأن يع ترض علين ا ال ذين ي دعون إنهم‬
‫يرعون حقوق اإلنسان‪ ،‬يجب أن نعاملهم على أساس ميزان العدل وس وف نفهمهم م ا‬
‫معنى الديمقراطية‪ ،‬فالديمقراطية الغربية فاس دة‪ ،‬والديمقراطي ة الش رقية فاس دة أيض اً‪،‬‬
‫والديمقراطية الص حيحة هي الديمقراطي ة اإلس المية‪ ،‬وإذا وفقن ا فس وف نثبت للش رق‬
‫والغرب بعدئ ٍذ أن ديمقراطيتنا هي الديمقراطية‪ ،‬ال الديمقراطية التي عندهم والتي تدافع‬
‫عن الرأسماليين الكبار‪ ،‬وال التي عند أولئك الم دافعين عن الق وى الك برى وق د جعل وا‬
‫ت شديد‪ ..‬ال يوجد اضطهاد في اإلسالم‪ ،‬والحرية في اإلس الم لجمي ع‬ ‫الناس كلهم في كب ٍ‬
‫الطبقات للمرأة والرجل‪ ،‬لألبيض واألسود وللجميع‪ ..‬إن حكوم ة الع دل تق اوم الخالف‬
‫وتجازي المخالفين‪ ،‬وسوف لن يكن بعد اليوم بوليس سري أو التعذيب الذي ك ان يق وم‬
‫به البوليس السري (السافاك)‪ ،‬ال تستطيع الشرطة أن تفرض علينا وعلى الش عب ق والً‬
‫بعد الي وم‪ .‬الحكوم ة ال تس تطيع اإلجح اف في ح ق الش عب‪ .‬الدول ة في ظ ل الحكوم ة‬
‫اإلسالمية خادم ة للش عب ويجب عليه ا أن تك ون في خدم ة الش عب وإذا رأى الش عب‬
‫ظلما ً حتى من رئيس ال وزراء فعلي ه أن يش كوه إلى المح اكم وعلى المح اكم أن تطلب ه‬
‫وأن ترى نتيجة عمله إذا ثبتت علي ه جريم ة‪ .‬ال يوج د الي وم ف رق بين رئيس ال وزراء‬
‫وغيره) (‪)2‬‬
‫هذا نموذج عن م دى اهتم ام ق ادة الث ورة اإلس المية بال دعوة للحري ة‪ ،‬واعتب ار‬
‫انتصار الثورة اإلسالمية مكسبا عظيما تحقق من خالل ه ه ذا الح ق الط بيعي‪ ،‬ويتجلى‬
‫من خالله التفريق بين معنيين للحرية‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ المعنى اإليجابي‪ :‬وهو يتفق في كثير من مناحي ه م ع المفه وم الغ ربي ال ذي‬
‫انطلقت منه الثورات ضد األنظمة العبودية واإلقطاعية في العص ور الوس طى‪ ،‬وال ذي‬
‫(ترسخ بعد انتصار الثورات التي ألغت اإلقطاع وأقامت األنظمة الجمهورية‪ ،‬واس تمر‬
‫حتى صار يحمل داللة تعادل صيغة تقرير المصير الفردي والجماعي)(‪)3‬‬
‫‪ 2‬ـ المع نى الس لبي‪ :‬وهو المع نى ال ذي أش ار إلي ه ك اظم الح ائري ـ وه و من‬
‫المراج ع المنظ رين والمؤي دين لوالي ة الفقي ه ـ عن د تفريق ه بين المفه ومين الغ ربي‬

‫‪ )(1‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.24‬‬


‫‪ )(2‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.27‬‬
‫‪ )(3‬انظر‪ :‬الديمقراطية ونقادها‪ ،‬روبرت دال‪ ،‬ترجمة نمير عباس مظفر‪ ،‬ص ‪..517‬‬

‫‪89‬‬
‫واإلسالمي للحرية؛ فقال‪( :‬هذه الكلمة [الحرية] بمفهومه ا الغ ربي تس تبطن انحراف ات‬
‫كثيرة عن الخط االسالمي الصحيح؛ فالحرية االقتص ادية تش ير إلى النظ ام الرأس مالي‬
‫االقتصادي‪ ،‬بينما االسالم له نظام اقتص ادي مس تقل عن ك ل من النظ امين الرأس مالي‬
‫واالشتراكي‪ ..‬والحرية الفردية ترم ز إلى الس ماح للف رد ب أي تص رف يحل و ل ه م ا لم‬
‫يزاحم حرية اآلخرين‪ ،‬أما عند االس الم فال حري ة اال في اط ار الح دود ال تي تفرض ها‬
‫السماء على تصرفات االنسان‪ ..‬والحرية الفكرية ال مجال لها في العقائ د عن د االس الم‬
‫اال بمعنى أن العقيدة يستحيل حصولها باالكراه‪ ،‬ولكن يجب على اإلنس ان التف تيش عن‬
‫األصول العقائدية الصحيحة وال تترك له الحرية في االهتم ام ب ذلك وعدم ه‪ ،‬ول و أدى‬
‫فكره إلى عقيدة تخالف االسالم ال تترك ل ه الحري ة في اإلض الل ويح رم عن الحق وق‬
‫الخاصة بالمسلمين)(‪)1‬‬
‫بناء على هذا‪ ،‬سنحاول هنا أن نذكر كال المعنيين في الرؤية السياس ية اإليراني ة‬
‫من خالل تصريحات قادة الثورة اإلسالمية‪ ،‬أو المنظرين لسياستها‪.‬‬
‫أوال ـ المفهوم اإليجابي للحرية‪:‬‬
‫يتردد كثيرا مصطلح الحرية بمعناها اإليجابي في كتابات وخطابات قادة الث ورة‬
‫اإلس المية؛ فهم يعت برون أن ث ورتهم لم تكن ته دف س وى لتحقي ق الحري ة الحقيقي ة‪،‬‬
‫والتخلص من االستبداد والظلم وكل أشكال الهيمنة التي كانت تهدف ال إلى سرقة ثروة‬
‫اإليرانيين فقط‪ ،‬وإنما سلب شخصيتهم ومقوماتها أيضا‪.‬‬
‫وسنذكر هنا باختصار نصوصا وتصريحات من ه ؤالء الق ادة‪ ،‬ت دل على م دى‬
‫اتساع مجال الحرية المتاحة في ظل والية الفقيه‪ ،‬مقارنة بما كان متاحا في عهد الش اه‪،‬‬
‫أو في الكثير من األنظمة التي تزعم لنفسها أنها أنظم ة ديمقراطي ة‪ ،‬ونتبعه ا بم ا علي ه‬
‫الواقع اإليراني‪.‬‬
‫‪ 1‬ـ الحرية الفكرية‪:‬‬
‫وأول ما تعنيه ـ حسبما يصرح ب ه الق ادة والمفك رون اإليراني ون ـ التخلص من‬
‫تلك التبعية التي كانت في عهد الشاه‪ ،‬وال ذي أراد أن يف رض أفك ار الم دارس الغربي ة‬
‫على المجتمع اإليراني‪ ،‬لتصبح العلمانية والمادية والالدينية هي األفكار السائدة‪ ،‬والتي‬
‫بموجبها يصبح الشعب خاضعا لكل أنواع السخرة الغربية‪.‬‬
‫ولهذا يعتبر الخميني االستقالل الفكري أول استقالل ينبغي توفره لتتحقق الحرية‬
‫بمفهومها الصحيح‪ ،‬يقول في ذلك‪( :‬أ ّول شرط لتحقيق االستقالل هو االستقالل الفك ري‬
‫والعقلي)(‪ ،)2‬ويقول‪( :‬إذا تم ّكنا من إنهاء التبعيّة الفكرية‪ ،‬فإنّنا سنتمكن من إنهاء س ائر‬
‫أنواع التبعيّة)(‪)3‬‬
‫وهو يعتبر أن سبب تلك التبعية والعبودي ة لألفك ار الغربي ة ن اتج من ع دم الثق ة‬

‫‪ )(1‬اساس الحكومة اإلسالمية كاظم الحائري (ص‪.)92 :‬‬


‫‪ )(2‬الكلمات القصار‪ ،‬ص ‪.150‬‬
‫‪ )(3‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.147‬‬

‫‪90‬‬
‫أن لن ا نحن أيض ا ً شخص يتنا‪.‬‬ ‫بالنفس وبهوية األمة ودينها‪ ،‬يقول في ذلك‪( :‬ما لم ندرك ّ‬
‫أن المسلمين لهم شخصيتهم‪ ،‬وأنّهم مجموعة أيضاً‪ ،‬ويمكنهم أن يفعلوا شيئا م ا‪ .‬وإذا لم‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫أمر م ا‪ ،‬فإنّن ا لن نتمكن من تحقيق ه‪ ،‬وإذا لم ننتب ه من غفلتن ا‪،‬‬ ‫تتحقق لدينا اإلرادة على ٍ‬
‫ّ‬
‫فإن تلك اإلرادة لن تتحقق) (‪)1‬‬
‫ويقول‪( :‬علينا أن نقنع أنفسنا بأنّن ا بش ر أيض ا‪ ،‬وأنّن ا موج ودون في ه ذه ال دنيا‬
‫ل األرض) (‪)2‬‬ ‫أيضاً‪ ،‬وأن الشرق مكان أيضاً‪ ،‬وأن الغرب هو ليس ك ّ‬
‫ويقول‪( :‬ما دامت أيدينا ممدودة نحو الشرق والغ رب فنحن ت ابعون‪ ،‬ف إذا أردن ا‬
‫أن لنا شخصيتنا‪ ،‬وأنّن ا‬ ‫أن نكون مستقلين غير تابعين ألحد‪ ،‬وجب علينا أ ّوالً‪ :‬أن ندرك ّ‬
‫نستطيع أن نفعل شيئا) (‪)3‬‬
‫أما الشيخ مرتضى مطهري‪ ،‬فقد فص ل الح ديث عن الحري ة الفكري ة في كت اب‬
‫خاص أجاب به على كل الش بهات المث ارة حوله ا‪ ،‬وق د ذك ر في ه الم دى ال ذي يعطي ه‬
‫اإلس الم للعق ل ح تى يص ل إلى الحق ائق‪ ،‬ول ذلك ك ان من الض رورات الك برى إتاح ة‬
‫الحرية الكاملة له حتى يصل إلى الحقائق من غير أن يك ره عليه ا‪ ،‬وق د ق ال في ذل ك‪:‬‬
‫(هناك جملة قضايا ال تبلغ النضج االجتماع ّي المطل وب إاّل ب ترك اإلنس ان ح رّا فيه ا‪،‬‬
‫ي مانع أو حاجز يحول دون تنمية قابليّاته‬ ‫ي‪ ،‬لكيال يعترض تق ّدمه أ ّ‬ ‫ومنها النضج الفكر ّ‬
‫أن الفكر هو من أه ّم ما ينبغي تنميت ه ل دى اإلنس ان‪،‬‬ ‫الّتي ينشدها لتحقيق سعادته‪ ،‬وبما ّ‬
‫والتنمية بحاجة إلى الحريّة كما تق ّدم‪ ،‬فاإلنسان بحاجة إلى الحريّة في الفك ر‪ ،‬ل ذا تعت بر‬
‫حريّة الفكر من حريّات اإلنسان االجتماعيّة‪ ،‬وتدخل في صميم شؤونه الحياتيّة‪ ..‬وعليه‬
‫ي وواجب‪ ،‬بل هو من مستلزمات الحياة البشريّة حيث‬ ‫والتفكير عمل ضرور ّ‬
‫َ‬ ‫ّ‬
‫فإن الفك َر‬
‫ال تستقيم بدونه)(‪)4‬‬
‫وهو يذكر أن هذه الحرية متاحة حتى في مس ائل ال دين‪ ،‬ألن ه ال يمكن ألي ك ان‬
‫أن يقتنع بالحقائق الديني ة م ا لم تكن لدي ه الحري ة الكامل ة في التعام ل معه ا‪ ،‬يق ول في‬
‫إن اإلنس ان ال يمكن أن ينض ج في القض ايا‬ ‫ذل ك‪( :‬وك ذلك الكالم في مس ألة ال دِّين‪ ،‬ف ّ‬
‫الدينيّة ما لم يُعطَ الحريّة الفكريّة‪ ،‬أ ّما منع الن اس من التفك ير خش ية الوق وع في الخط أ‬
‫فيع ّد خطأ فاحش‪ ،‬حيث يؤ ّدي إلى عدم النضج في قضاياهم الدينيّة والتق ّدم فيها)(‪)5‬‬
‫(إن اإلس الم‬‫وعن سؤال حول موقف اإلسالم من الحرية الفكرية‪ ،‬أجاب بقول ه‪ّ :‬‬
‫يكتف بمنح حريّة التفكير‪ ،‬بل جعله من الواجبات والعبادات) (‪)6‬‬ ‫ِ‬ ‫لم‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫واستدل لذلك بما ورد (من اآليات القرآنيّة التي تحث على التفكر‪ ،‬بحيث ال نج د‬

‫‪ )(1‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.148‬‬


‫‪ )(2‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.145‬‬
‫‪ )(3‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.147‬‬
‫‪ )(4‬الحرية الفكرية‪ ،‬الشيخ مرتضى مطهري (ص‪.)9 :‬‬
‫‪ )(5‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.10‬‬
‫‪ )(6‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.11‬‬

‫‪91‬‬
‫ي كت اب دي ن ّي أو غ ير دي ن ّي ه ذا الق در من دع وة الن اس إلى التفك ير في ش تّى‬ ‫في أ ّ‬
‫ً‬
‫المجاالت)‪ ،‬باإلضافة إلى أن (اإلسالم ال يقبل اإليمان بأصول العقائد تقليدا‪ ،‬بل يطالب‬
‫الناس بالتحقيق في أصول الدِّين‪ ،‬فهو يرى للن اس حريّ ة فكريّ ة تك ون األس اس لقب ول‬
‫اإليمان بوحدانيّة هللا والنبوّة والمعاد‪ ،‬وس ائر األص ول االعتقاديّ ة مس ائل يجب التف ّك ر‬
‫ي) (‪)1‬‬
‫فيها والوصول إلى حقائقها من خالل الجهد العلم ّ‬
‫ويذكر من األدلة على الحرية الفكري ة في اإلس الم ذل ك التس اهل ال ذي ورد في‬
‫النصوص في التعام ل م ع الوس اوس والش بهات‪ ،‬وق د ط رح هن ا ش بهة تث ار في ه ذا‬
‫المجال‪ ،‬وهي (إذا كان التفكير يؤ ّدي إلى حصول وسوسات وش بهات في ال ذهن‪ ،‬فه ل‬
‫ق للشخص الّذي يخطر في ذهنه شبهة أن ينقلها إلى اآلخرين؟)(‪)2‬‬ ‫يح ّ‬
‫ّ‬
‫وقد أجاب عليها بقوله‪( :‬ال يعتبر اإلنسان م ذنباً‪ ،‬وال يع ذب م ا دامت الوس اوس‬
‫والشكوك في القلب‪ ،‬وق د تط رّقت رواي ات كث يرة إلى مس أل ِة م ا ل و ط رأ على ال ذهن‬
‫بسبب هذا التفكير شبهات وشكوك ووسوسة‪ ..‬وعلى اإلنس ان إن ك ان في حال ة تحقي ق‬
‫ك إلى نبيّه وإلى تعاليم اإلسالم‪ ،‬حيث يعتبر هذا األمر ضروريّا ً‬ ‫وبحث‪ ،‬أن يرجع إذا ش ّ‬
‫ي ش خص حص لت لدي ه ش بهة‬ ‫للوصول إلى الحقائق‪ ،‬وعليه ال ب ّد أن نسلّم بأنه يح ّ‬
‫ق أل ّ‬
‫ل شبهته) (‪)3‬‬‫ق طبيع ّي له‪ ،‬ويجب ح ّ‬‫أن ينقلها إلى اآلخرين بهدف حلّها‪ ،‬وهذا ح ّ‬
‫وهو يعتب على ال ذين يش كون ألج ل الش ك‪ ،‬أو يقوم ون بالتش كيك من غ ير أن‬
‫يبذلوا أي جهد في البحث عما يزيل شكوكهم‪ ،‬ويعتبر ه ؤالء من ال ذين يمارس ون ه ذا‬
‫النوع من الحرية بطريقة خاطئة‪ ،‬خاصة لو ضموا إلى شكهم تشكيك عوام الن اس ممن‬
‫ك‬ ‫ليس لهم قدرة على البحث والنظر‪ ،‬يقول في ذلك‪( :‬نعم‪ ،‬لو بقي اإلنسان في حالة الش ّ‬
‫ك الكسالى‪ ،‬وكذلك األمر لمن أصبح عنده التش كيك‬ ‫وبقي في مكانه فهذا هو الهالك وش ّ‬
‫هدفا ً يحاول بواسطته التشويه والتشنيع على تعاليم ومفاهيم اإلسالم‪ ،‬كما ن رى ذل ك في‬
‫ك ّل عصر من العصور‪ ،‬حيث تظهر طائفة من الش ّكاكين الّ ذين ينش رون الش بهات بين‬
‫عا ّمة الناس) (‪)4‬‬
‫وم ع عتب ه الش ديد على ه ؤالء إال أن ه يعت بر أن لهم دورا في توض يح الحق ائق‬
‫وجالئها‪ ،‬يقول في ذلك‪( :‬هناك وجه آخ ر لظه ور الش ّكاكين الّ ذين يلق ون محاض رات‬
‫ويكتب ون مق االت ض ّد اإلس الم‪ ،‬ف إنّهم ي ؤ ّدون إلى جالء وج ه اإلس الم أك ثر‪ ،‬حيث‬
‫يتص ّدى العلماء لهم بما يؤول لصالح اإلسالم ‪ ..‬وهذا ما حصل فعالً حينما كتبت بعض‬
‫الكتب والمقاالت ض ّد اإلسالم‪ ،‬ما أ ّدى إلى قي ام العلم اء بش رح مس ائل ك انت غامض ة‬
‫لفترة من الزمن) (‪)5‬‬

‫‪ )(1‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.12‬‬


‫‪ )(2‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.13‬‬
‫‪ )(3‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.14‬‬
‫‪ )(4‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.15‬‬
‫‪ )(5‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.15‬‬

‫‪92‬‬
‫وق د رد مطه ري على من يري دون أن يس تعملوا الحري ة الفكري ة وس يلة لبث‬
‫الشبهات والشكوك‪ ،‬أو الدعوة إلى الوثنيات والخراف ات‪ ،‬ويعت برون الوق وف في وج ه‬
‫هذا الغزو قمعا فكريا‪ ،‬بأن ذلك نوع من المغالطة‪ ،‬يقول في ذلك‪( :‬قد يُقال‪ ،‬وبن ا ًء على‬
‫أن عقيدته ال ب ّد أن تك ون ح رّة‪ ،‬ول ذا ف الوثن ّي‬ ‫أن فكر اإلنسان ح ّر وعقله كذلك‪ّ ،‬‬ ‫قاعدة ّ‬
‫ً‬
‫مثالً ح ّر في عقيدته‪ ،‬وهذه مغالطة موجودة في العالم حاليّا‪ ،‬وهي بدعواها منح الحريّ ة‬
‫للفكر فإنّها في الواقع تقيّد الفكر)(‪)1‬‬
‫وق د رد على ه ذه المغالط ة ب أن هن اك مس لكين في م يزان اح ترام اعتق اد‬
‫اإلنسان(‪:)2‬‬
‫أولهما‪ :‬أن نعتبر اإلنسان ح ّراً ومختاراً‪ ،‬فنحترم ك ّل ما يعتقد به ولو كنّا ن رفض‬
‫ما اختاره‪ ،‬أو كنّا نعلم بأنّه َك ِذبٌ وخراف ة‪ ،‬ب ل حتّى ل و ت رتّب علي ه مس تلزمات باطل ة‬
‫وفاسدة‪.‬‬
‫ثانيهما‪ :‬أن يكون احترامنا له بتوجيهه نحو الرق ّي والتكامل والسعادة‪.‬‬
‫وهو يرى أن (ترك اإلنس ان يخت ار العقائ د الفاس دة‪ ،‬ك أن يخت ار الوث ن ّي عب ادة‬
‫الوثن‪ ،‬هو تقيي د لفك ر الن اس‪ ،‬واح ترام ه ذا القي د ه و ع دم اح ترام لقابليّت ه اإلنس انيّة‬
‫فإن المس لك الث اني ه و الّ ذي ينهض‬ ‫والعتباره اإلنسان ّي في مجال التفكير‪ ،‬في المقابل ّ‬
‫ك ه ذا القي د ليك ون فك رُه‬ ‫باإلنسان ويوصله إلى رقيّه المنشود‪ ،‬والنتيجة أنّه ال ب ّد من ف ّ‬
‫ي لش عب يري د‬ ‫ح ّراً‪ ،‬وعليه فمن الخطأ على الصعيد اإلنسان ّي اح ترام المرتك ز العقائ د ّ‬
‫تقييد اإلنسان) (‪)3‬‬
‫وهو يستدل لهذا بما ورد في سيرة األنبياء عليهم السالم‪( ،‬ف النب ّي إب راهيم علي ه‬
‫السالم مثالً قام بتحطيم أوثان قوم ه الّ تي ك انوا يعتق دون به ا ويعب دونها وت رك ال وثن‬
‫الكبير‪ ،‬فش ّكل هذا األمر ص دمة لهم جعلتهم يرجع ون إلى أنفس هم وفط رتهم ويت أ ّملون‬
‫إن هذه األصنام غير قادرة على الدفاع عن أنفسها‪ ،‬وكبيرهم ع اجز‬ ‫في عقيدتهم‪ ،‬حيث ّ‬
‫فإن ما مقام ب ه‬‫عن هذا التحطيم‪﴿ ،‬فَ َر َجعُوا إِلَى أَ ْنفُ ِس ِه ْم فَقَالُوا إِنَّ ُك ْم أَ ْنتُ ُم الظَّالِ ُمونَ ﴾ ‪ ،‬ولذا ّ‬
‫ي ألنّه حرّر فكرهم من قيد العقيدة الفاسدة) (‪)4‬‬ ‫إبراهيم عليه السالم هو عمل إنسان ّ‬
‫ً‬
‫ومثله موسى عليه السالم‪( ،‬فقد كان عمله إنسانيّا في حرقه لعجل السامريّ)‬
‫وهكذا حصل في (البعثة المباركة للنب ّي الخاتم ‪ ،‬حيث نجد أنّه قد قام بمحاربة‬
‫العقيدة الوثنيّة سنين طويلة كي يحرّر فكرهم‪ ،‬وتق ّدم ب ذلك بهم نح و ال رق ّي والتكام ل‪،‬‬
‫ك قيودهم العقائديّة ووضع ﴿ َع ْنهُ ْم إِصْ َرهُ ْم َواأْل َ ْغاَل َل الَّتِي َكان ْ‬
‫َت َعلَ ْي ِه ْم ﴾ [األعراف‪:‬‬ ‫وف ّ‬
‫‪]157‬‬
‫وبناء على هذا قنن الدستور اإليراني لألديان المسموح له ا بممارس ة ش عائرها‪،‬‬

‫‪ )(1‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.22‬‬


‫‪ )(2‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.22‬‬
‫‪ )(3‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.22‬‬
‫‪ )(4‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.24‬‬

‫‪93‬‬
‫حتى ال يدع الفرصة للعابثين من أمثال عبدة الشيطان وغيرهم من التسلل إلى المجتم ع‬
‫بحجة حرية العقيدة والتفكير‪.‬‬
‫ومن تل ك ال ديانات ال تي ال يس مح له ا في إي ران بممارس ة ش عائرها وطقوس ها‬
‫[الديانة البهائية]‪ ،‬وقد كان ذل ك س ببا إلنك ار المغرض ين‪ ،‬م ع أنهم ال يعلم ون أن ه ذه‬
‫الديان ة ليس مس موحا له ا بممارس ة ش عائرها في أك ثر ال دول العربية(‪ ،)1‬م ا ع دا‬
‫اإلمارات والبحرين بسبب عالقتهما الوثيقة مع أمريكا وإسرائيل‪.‬‬
‫والسبب الذي جعل إي ران تتخ ذ منه ا ذل ك الموق ف الس لبي عالقته ا م ع الش اه‪،‬‬
‫وتأييدها له‪ ،‬باإلضافة إلى موقفها المؤيد للكيان الصهيوني‪ ،‬وكونها فوق ذلك فرق ة من‬
‫الف رق المنحرف ة عن اإلس الم‪ ،‬ب ل كونه ا نتيج ة لص ناعة المخ ابرات األجني ة‪ ،‬يق ول‬
‫الخميني ـ قبل انتصار الثورة اإلس المية ـ مبين ا خطره ا‪( :‬ولكن َم ْن هم المستش ارون‬
‫اليوم؟ إسرائيل! المستشارون االسرائيليون! اليهود! لقد أُرسل ألف ان من البه ائيين كم ا‬
‫اعترفوا هم أنفسهم بذلك في صحيفة (دنيا)؛ فال يأتي غداً أحد النك رات (الش اه) ويق ول‬
‫بأن ذلك مجرد اشاعة‪ ،‬إذ ورد في صحيفة (دنيا)‪ :‬أنهم ألفا اسرائيلي‪ ،‬أع ني البه ائيين‪،‬‬
‫طبعا ً هم لم يذكروا اسم (البهائية)‪ ،‬بل قالوا‪( :‬ع دد من اتب اع بعض الم ذاهب (أس موها‬
‫مذهباً) أرسل ألفي نسمة ـ ويقال‪ :‬إنهم خمسة آالف ـ من البه ائيين ب احترام ت ام بع د أن‬
‫ُمنح ك ل واح د منهم خمس مئ ة دوالر من ام وال الش عب المس لم‪ ،‬وأُعطي ك ل واح د‬
‫حسما ً في قيمة تذكرة االسفر بمقدار الف ومئتي تومان ‪ ..‬ل َم كل ذلك؟ ليذهبوا الى لن دن‬
‫للمشاركة في اجتماع معاد لالسالم يعقد هناك!)(‪)2‬‬
‫ويقول عنهم مبينا دورهم في حكومة الشاه‪ ،‬وعالقتهم به‪( :‬لينتب ه اإلخ وة إلى أن‬
‫الخطر المحدق باإلسالم اليوم ال يق ل عن خط ر ب ني أمي ة‪ ،‬إن الجه از الح اكم العمي ل‬
‫السرائيل قد فوض جمي ع الس لطات له ذه الفرق ة الض الة المض لة في الجيش‪ ،‬الثقاف ة‪،‬‬
‫اإلعالم وسائر الوزارات الحساسة‪ .‬عليكم أن تنبه وا األم ة لخط ر إس رائيل وعمالئه ا‬
‫إلى جانب المصائب التي طالت اإلسالم ومراكز الفقه والشريعة وحماتها‪ ..‬أعربوا عن‬
‫مقتكم إلرسال العناص ر الخائن ة ال تي تعق د االجتماع ات المناوئ ة لإلس الم واألم ة في‬
‫لندن‪ ،‬واعلموا أن الصمت في هذه األي ام ال يع ني س وى تأيي د الجه از الح اكم وإعان ة‬
‫أعداء اإلسالم‪ ،‬اتقوا هللا واخشوا نقمته‪ ،‬إنكم مسؤولون عما يحدث للعلماء (إذا ظه رت‬
‫البدع فللعالم أن يظهر علمه وإال فعليه لعنة هللا)(‪)3‬‬
‫‪ 2‬ـ حرية الرأي‪:‬‬
‫وهي ـ في نظر قادة الثورة اإلسالمية والمنظ رين لوالي ة الفقي ه ـ حري ة متاح ة‬
‫وإيجابية‪ ،‬ألنها تسهم في تحريك األفكار في المجتمع‪ ،‬وتصحح ما يقع فيه من أخط اء‪،‬‬

‫‪ )(1‬من األمثل ة على ذل ك أن الحكوم ة المص رية ال تع ترف بش رعية الديان ة البهائي ة‪ ،‬وق د ج ردت الديان ة من‬
‫االعتراف في العام ‪ 1960‬و منذ ذلك الوقت أغلقت جميع المؤسسات البهائية‪ ،‬و منعت جميع أنشطتهم االجتماعي ة‪ .‬و ق د‬
‫قضت محكمة ابتدائية بأن الدستور المصري ال يضمن حرية االعتقاد للبهائيين‪.‬‬
‫‪ )(2‬صحيفة اإلمام‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص‪.210 :‬‬
‫‪ )(3‬اإلمام الخامنئي‪ ..‬السيرة والمسيرة (ص‪.)249 :‬‬

‫‪94‬‬
‫باإلضافة إلى رعاية التنوع الموجود في أفراده‪.‬‬
‫وإيران ـ في ظل والية الفقي ه ـ من أك ثر ال دول اإلس المية اهتمام ا ب التنوع في‬
‫مختل ف مجاالت ه؛ فهي تحتض ن الكث ير من الم دارس الفكري ة والفقهي ة والعقدي ة‬
‫والفلسفية‪ ،‬بل لها جامعات خاصة بذلك‪ ،‬وال تمر بمكتبة من مكتباتها إال وتج د في ه ك ل‬
‫جديد من الكتب‪ ،‬ومن كل الم دارس اإلس المية وغ ير اإلس المية‪ ،‬كم ا ذكرن ا ذل ك في‬
‫الجزء السابق من هذه السلسلة‪.‬‬
‫وهكذا نرى في صحفها ومجالتها تنوعا كبيرا في الطرح‪ ،‬ونرى فيه ا انتق ادات‬
‫صريحة وقوية للواقع والمسؤولين‪ ،‬من غير أن يُقمع أص حاب اآلراء‪ ،‬وال أن تص ادر‬
‫الصحف والمجالت التي يبثون فيها آراءهم‪.‬‬
‫وقد صرح كل قادة الثورة اإلسالمية بوجوب إتاحة هذا النوع من الحرية‪ ،‬ح تى‬
‫تتالقح األفكار‪ ،‬وتصحح األخطاء‪ ،‬ويراعى التنوع‪.‬‬
‫ومن األمثلة على ذلك قول الخميني‪( :‬إن هذه الحرية التي يتمتع بها أبن اء ش عبنا‬
‫من النساء والرجال والكتّاب والعناصر االخرى‪ ،‬هي من النوع الذي يص ب في منفع ة‬
‫أبن اء الش عب‪ .‬ف أنتم أح رار في التعب ير عن أفك اركم وآرائكم‪ ،‬وفي انتق اد الحكوم ة‪..‬‬
‫انتقدوا كل َم ْن خطا خطوة منحرفة‪ ..‬اذهبوا ودافعوا عن ش عبكم‪ ..‬إنكم أح رار في فع ل‬
‫كل ما من شأنه خدمة اإلنس ان‪ ..‬ك ل ه ذا مس موح في ه‪ ..‬إن ال ذي حارب ه اإلس الم ولن‬
‫يسمح به‪ ،‬هو القمار الذي يقود أبناء الشعب إلى التيه والض ياع‪ ،‬والخم ر ال ذي يض يّع‬
‫الشعب‪ ،‬وأنواع البغاء والفحشاء الذي راج في عهد ذلك المجرم (محمد رضا بهلوي)‪،‬‬
‫وعملوا على توفير مستلزماته‪ .‬هذه األمور هي التي حرّمها االسالم وحاربها)(‪)1‬‬
‫بل إن الخميني يفتح مجال الحرية حتى ألصحاب الفلسفات المادية أنفس هم؛ فه و‬
‫يقول‪( :‬إن الماركسيين احرار في بيان عقائدهم في المجتم ع ال ذي نفك ر بإقامت ه‪ ،‬ألنن ا‬
‫واثقون أن االسالم يل بي حاج ات الن اس‪ ،‬وإن إيمانن ا واعتقادن ا ق ادران على مواجه ة‬
‫عقيدتهم‪ ،‬وقد ط رحت الفلس فة االس المية من ذ البداي ة موض وع أولئ ك ال ذين ينك رون‬
‫وجود الخالق‪ ،‬إننا لم نسلب حريتهم أبدا‪ ،‬ولم ننل منها؛ فالكل حر في بيان عقيدته‪ ،‬لكنه‬
‫ليس حرا في التآمر)(‪)2‬‬
‫وبهذه العب ارة يلخص الخمي ني الموق ف من حري ة ال رأي [فالك ل ح ر في بي ان‬
‫عقيدته‪ ،‬لكنه ليس حرا في التآمر]‬
‫فالقوانين اإليرانية تسمح بحرية الرأي‪ ،‬ولكنها ال تسمح أبدا للمتآمرين ال ذين لهم‬
‫صالت بجهات أجنبية تريد أن تق وض أمن البالد‪ ،‬يق ول الخمي ني مح ذرا‪( :‬إنن ا ومن ذ‬
‫اليوم األول الذي تحققت فيه ثورتن ا ك انت جمي ع الحري ات موج ودة في اي ران؛ فنحن‬
‫س محنا لجمي ع الفئ ات‪ ،‬ولم نمن ع أح دا‪ ،‬لكن الم ؤامرات ب دأت عن دما وج دوا انفس هم‬
‫أحراراً‪ ،‬إذ بدأت األقالم بالتآمر لحرف مسيرة الشعب‪ ،‬وهؤالء ك انوا نفس األش خاص‬
‫‪ )(1‬من حديث في جمع من المعلمات والطالبات في مشهد‪ ،‬بتاريخ ‪ ،30/9/1979‬نقال عن‪ :‬الحرية في فكر اإلمام‬
‫الخميني (ص‪)34 :‬‬
‫‪ )(2‬منهجية الثورة االسالمية‪ ،‬مقتطفات من أفكار وآراء اإلمام الخميني‪ ،‬ص ‪..370‬‬

‫‪95‬‬
‫المرتزقة عند الملك السابق أو مرتزقة أمريكا وأمثالها‪ ،‬وأرادوا من خالل ذل ك ح رف‬
‫نهض تنا‪ ،‬وتمكن ا بع د خمس ة أش هر من إعط اء الفرص ة للجمي ع من العث ور على‬
‫المتآمرين‪ ،‬طلبنا من تل ك االقالم المت آمرة‪ ،‬وال تي ك انت تري د ع ودة األجن بي للتس لط‬
‫علينا مرة أخرى أن تكف عن عملها‪ ،‬وقدمناها للمحاكم ل نرى من هم ه ؤالء‪ ،‬ووج دنا‬
‫بعد التحقيق أن أكثرهم كانوا مرتزق ة إلس رائيل‪ ،‬وك انوا أبواق ا ألمريك ا لكن بص ورة‬
‫أخرى‪ ،‬وإن من حق الشعب أن يمنع الذين يريدون التآمر عليه وحرفه وإع ادة األم ور‬
‫السابقة‪ ،‬وإال فإن شعبنا يؤيد الحرية‪ ،‬ويؤيد كل أنواع الحرية إال أنه ال يؤيد الت آمر وال‬
‫يؤيد الفساد)(‪)1‬‬
‫وكمثال على ذلك أنه سئل في مقابل ة ص حفية عن إغالق النظ ام لبعض ص حف‬
‫المعارضة‪ ،‬وهي صحيفة (آيندكان)؛ فأجاب بقوله‪( :‬إن ص حيفة (آين دكان) ك انت على‬
‫ارتباط مع أعدائنا‪ ،‬كانت تتآمر ضدنا وعلى عالق ة بالص هاينة‪ .‬تأخ ذ التوجيه ات منهم‬
‫وتكتب ضد مصالح البلد‪ .‬وال يمكن التساهل مع الصحف التي تت آمر ض دنا‪ ،‬وق د قمن ا‬
‫بإغالقها كي تكون ع برة لغيره ا‪ .‬وق د اكتش ف القض اء الخيان ات ال تي تق وم به ا ه ذه‬
‫الصحف‪ ،‬وكيف أنها كانت تستلهم توجهاتهم من الشاه ومن األجه زة الص هيونية‪ .‬وق د‬
‫تم ايقاف نشاطها مؤقتا ً ليتم التحقيق في ذلك‪ .‬هذا ليس خالفا ً للحرية‪ .‬وإنما ه و تص دي‬
‫للتآمر ومثل هذا يحصل في مختلف انحاء العالم)(‪)2‬‬
‫وهكذا يقيد الخميني الحرية دائما بكونها ال تتسبب في ضرر اآلخرين‪ ،‬كما ع بر‬
‫عن ذل ك بقول ه‪( :‬جمي ع أبن اء الش عب أح رار في األفع ال الس ليمة‪ ،‬في ال ذهاب إلى‬
‫الجامعة‪ ،‬وفي أي عمل سليم تمارسونه‪ ..‬ولكن إذا ما أراد أحد أن ي رتكب عمالً مخالف ا‬
‫للعفة‪ ،‬أو يلحق ضرراً بمصالح الشعب‪ ،‬أو يسي ء إلى السيادة الوطنية‪ ،‬فإننا سنقف في‬
‫وجهه‪ ،‬وإن موقفنا هذا يدل على الرقي)(‪)3‬‬
‫وهكذا نرى الخامنئ يصرح ك ل حين بض رورة توف ير حري ة ال رأي‪ ،‬وخاص ة‬
‫للصحافة‪ ،‬حتى تؤدي أغراضها‪ ،‬وتساهم في خدمة المجتمع‪ ،‬يقول في ذلك‪( :‬إن مهم ة‬
‫الصحافة غاية تتطلب وسيلة لبلوغها‪ ،‬وتلك الوسيلة هي الحريّة‪ ،‬فحريّة الصحافة يجب‬
‫أن تكون وسيلة ألداء مه ّمة الصحافة ال أن تصبح مه ّمة الصحافة ضحيّة لحريّة مطلق ة‬
‫متحلّلة)(‪)4‬‬
‫ويق ول‪( :‬نحن أول من رف ع ش عار ه ذه الحريّ ات (حريّ ة الص حافة‬
‫واالص دارات‪ ،)...‬وال زلن ا والحم د هَّلل على موقفن ا منه ا ح تى يومن ا ه ذا‪ ،‬غ ير أنّن ا‬
‫نعارض حريّة المعاصي والحريّات اله ّدامة)(‪)5‬‬

‫‪ )(1‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪..370‬‬


‫‪ )(2‬صحيفة اإلمام‪.10/74 :‬‬
‫‪ )(3‬من لقاء مع صحيفة اطالعات‪ ،‬بتاريخ ‪ ،1979 /23/1‬نقال عن الحرية في فكر اإلمام الخميني (ص‪.)20 :‬‬
‫‪ )(4‬الكلمات القصار‪ ،‬ص‪.216‬‬
‫‪ )(5‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.216‬‬

‫‪96‬‬
‫وهكذا يتحفظ ـ مثل الخميني ـ على تل ك الحري ة ال تي تري د أن تنش ر الفس اد في‬
‫المجتم ع‪ ،‬فالحري ة تنتهي عن د إض رارها ب اآلخرين‪ ،‬يق ول في ذل ك‪( :‬ليس ت القض يّة‬
‫نغذي عقل وفؤاد الشاب بما يجرف ه نح و الخطيئ ة‬ ‫قضيّة مقصّ الرقابة‪ ،‬بل علينا أن ال ّ‬
‫والفساد‪ ،‬فهذا يختلف عن منح الحريّة للعقل من أجل االختيار في قضيّة ما)(‪)1‬‬
‫وينبه إلى مسألة مهمة جدا يق وم به ا المغرض ون‪ ،‬وهي أنهم يس محون ألنفس هم‬
‫بنق د ك ل ش يء‪ ،‬في نفس ال وقت ال ذي يعت برون في ه ال ردود الموجه ة على انتق اداتهم‬
‫مصادرة للرأي‪ ،‬يقول‪( :‬يأمل العدو في أن تكتب األقالم الموالية لالستكبار ك ّل ما يحلو‬
‫لها وال يرّد عليها أص حاب األقالم الموال ون للنظ ام اإلس الم ّي والخ طّ اإلس الم ّي ول و‬
‫ر ّدوا عليهم سيقولون ّ‬
‫إن الحريّة معدومة)(‪)2‬‬
‫وهكذا يحدد الخامنئي الموقف من كل اآلراء ال تي ت دعو إلى انح راف المجتم ع‬
‫عن دينه وأخالقه‪ ،‬ويعتبر معارضة ذلك شيئا طبيعيا‪ ،‬يقول في ذلك‪( :‬من الطبيعي أنّن ا‬
‫نع ارض بعض الحريّ ات‪ ،‬وه ل يش ّكك أح د في أنن ا ن رفض حريّ ة الجنس ونع ارض‬
‫حريّ ة اق تراف ال ذنوب؟!)‪ ،‬ويق ول‪( :‬ال تخش وا الض جيج وال ال دعايات ال تي تتهمكم‬
‫بمناهض ة الحريّ ة)‪ ،‬ويق ول‪( :‬ل و منحتم أوس ع الحريّ ات وح افظتم على مب ادئكم‪،‬‬
‫إن وج ود مث ل ه ذا الج ّو تث ير في ه‬‫س يتهمونكم أيض ا ً بمناهض ة الحريّ ة)‪ ،‬ويق ول‪ّ ( :‬‬
‫الصحافة عدم االرتياح عند مسؤولينا الكبار الذين يمتلكون السيف والقلم معاً‪ ،‬هو دلي ل‬
‫واضح على الحريّة التي تتمتّع بها الصحافة في بالدنا)‪ ،‬ويق ول‪ ( :‬ينبغي ع دم التش بيه‬
‫بين الحرية في نظام الجمهوريّة اإلسالميّة وحريّة الغ رب بم ا تعني ه من اطالق عن ان‬
‫الس لطويّين واألثري اء ومن تحلّ ل في س لوكيّات البش ر وأفع الهم)‪ ،‬ويق ول‪( :‬الحريّ ة‬
‫اإلسالميّة تنطوي على حريّة اجتماعيّة ومعنويّة وفرديّة له ا قيوده ا وإدراكه ا وه ديها‬
‫ومفهومها اإلسالم ّي)‪ ،‬ويقول‪( :‬ال تسمحوا لحفنة من المتش ّدقين باس م الحريّ ة بإش اعة‬
‫المنكرات والفحشاء والتحلّل في المجتمع)‪ ،‬ويقول‪( :‬ال يس تطيع أح د انك ار مناص رتي‬
‫لحريّة الفكر وحريّة القلم وحريّة البيان ونشر مختلف أنواع المعارف في هذا البلد) (‪)3‬‬
‫وبن اء على ه ذا ن رى رقاب ة ش ديدة في إي ران على م ا يبث في اإلن ترنت‬
‫وخصوص ا على ش بكات التواص ل االجتم اعي باعتباره ا أص بحت وس يلة للح رب‬
‫الناعمة‪ ،‬باإلضافة إلى كونها وسيلة لنشر األفكار المضللة‪ ،‬واالنحرافات األخالقية‪.‬‬
‫وقد حاول المختصون اإليرانيون أن يوفروا الب دائل ل ذلك‪ ،‬ح تى يتمكن الش عب‬
‫من االستفادة من ه ذه الوس ائل‪ ،‬ويتجنب في نفس ال وقت مض ارها‪ ،‬ومن األمثل ة على‬
‫جهودهم في هذا المجال إنشاؤهم لمواقع للتواص ل االجتم اعي بديل ة عن تل ك المواق ع‬
‫المعروفة‪.‬‬
‫ومن أمثلتها ما ذكرته وسائل اإلعالم تحت عن وان [إي ران تنش ئ موقع ا لتب ادل‬

‫‪ )(1‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.216‬‬


‫‪ )(2‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.216‬‬
‫‪ )(3‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.216‬‬

‫‪97‬‬
‫مقاطع الفيديو ب دال من اليوتي وب المحظ ور]‪ ،‬ج اء في ه‪( :‬ق امت إي ران ب اإلعالن عن‬
‫إطالقها لمنصه محلية جدي ده على ش بكة اإلن ترنت تحم ل اس م [مه ر] خاصة بتب ادل‬
‫مقاطع الفيديو‪ ،‬حيث جاء هذا اإلعالن عبر موقع مؤسسة اإلذاعة والتليفزيون اإليرانية‬
‫«‪ »IRIB‬على لسان نائب رئيس اإلذاعة)(‪)1‬‬
‫ثم ذكرت صاحبة المقال سبب ذلك‪ ،‬فق الت‪( :‬ومن المع روف ب أن إي ران تحجب‬
‫العديد من خدمات جوج ل‪ ،‬على رأس ها موق ع اليوتي وب‪ ..‬ومواق ع األخب ار األجنبي ة‪،‬‬
‫والشبكات اإلجتماعية كالفيس بوك و تويتر بسبب احتواها على مواد تتعارض مع القيم‬
‫األخالقية وتشكيلها مصدرًا لالنحطاط الثقافي بحسب المزاعم اإليرانية‪ ..‬وتعليق ا على‬
‫هذا الخبر أعلن نائب رئيس مؤسسة اإلذاعة والتليفزيون اإليرانية أنه من اآلن فصاعدا‬
‫سيستطيع االيرانيين تحميل مقاطع الفيديو اإلسالمية والثقافية والرسوم المتحرك ة فق ط‬
‫على هذا الموقع المحلي)‬
‫والمشروع األك بر من ذل ك م ا ورد في المق ال عن أن (إي ران أعلنت في ش هر‬
‫سبتمبر الماضي أنها تعتزم تحوي ل مواطنيه ا إلى ش بكة محلي ة لخ دمات اإلن ترنت فى‬
‫خطوة وصفها مسؤولون بأنها محاولة لتحسين األمن اإللكترونى)‬
‫ولألسف بدل أن يلقى هذا ترحيبا من الدول العربية‪ ،‬وخصوصا الخليجية منه ا‪،‬‬
‫نجدهم يشنون الحملة اإلعالمية الشديدة عليها‪ ،‬ويعتبرون أن ذل ك يتن افى م ع الحري ة‪،‬‬
‫ولست أدري أي حرية يقصدون‪ ،‬وهم يرون تلك الحرب الناعمة التي تش ن عليه ا من ذ‬
‫انتصرت ثورتها‪ ،‬ولوال حنكة رج ال أمنه ا بمختل ف أص نافهم لحص ل له ا م ا حص ل‬
‫للدولة العربية التي اخترقت بهذه الوسائل فيما يسمى بالحراك العربي‪.‬‬
‫مع العلم أن مثل هذا الموقف لم تتخذه إيران لوحدها‪ ،‬بل نجد دوال ك برى تتخ ذه‬
‫حرصا على أمنها القومي‪ ،‬ومن األمثلة على ذلك الصين التي حجبت فيس بوك وتويتر‬
‫منذ ‪ 2009‬وإلى اآلن‪ ،‬حيث أنه (على إثر مص ادمات وأح داث عن ف ش هدتها البالد ‪،‬‬
‫اتخذت الحكومة الصينية ق رارًا بغل ق مواق ع التواص ل االجتم اعي فيس ب وك وتوي تر‬
‫ويوتيوب وبلوجر إضافة إلى مواقع أخرى‪ ،‬وكانت المصادمات قد اندلعت بين مس لمي‬
‫اإليغ ور والش رطة في مدينة أورمتشي ال تي تقع ش مال غ رب الص ين كما حجبت‬
‫السلطات موقع أمازون‪ ،‬بسبب بيع الموقع لكتاب ممنوع من النشر في الص ين يتح دث‬
‫عن الثورات‪ ،‬حيث إنه إذا ما ضغط شخص على وصلة الكتاب من الصين‪،‬فإن الموقع‬
‫يحجب بالكامل لمدة ‪ 15‬دقيقة على األقل)(‪)2‬‬
‫‪ 3‬ـ الحرية السياسية‪:‬‬
‫وهي من الحري ات المتاح ة في إي ران‪ ،‬حيث نج د أح زاب م واالة‪ ،‬وأح زاب‬
‫معارضة‪ ،‬وانتخابات بمختلف أنواعها‪ ،‬وكل أنواع الممارسات السياس ية‪ ،‬ونج د معه ا‬
‫نأيا للجيش وكل قوى األمن عن التدخل في السياسة‪ ،‬تقيدا بالتعليم ات ال تي نص عليه ا‬
‫‪ )(1‬إيران تنشئ موقعا لتبادل مقاطع الفيديو بدال من اليوتيوب المحظور‪ ،‬إيمان الزبيدي‪ 10 ،‬ديسمبر ‪.2012‬‬
‫‪ )(2‬أشهر ‪ 15‬دولة مارست الحجب الكلي أو المؤقت لمواقع التواصل االجتماعي‪ ،‬محمد فتحى‪ 4 ،‬يونيو‪،2014,‬‬
‫موقع ساسة‪..‬‬

‫‪98‬‬
‫قادة الثورة اإلسالمية‪.‬‬
‫ولكن هذه الحرية مضبوطة أيضا بما ضُبطت به سائر الحري ات؛ ح تى تتناس ب‬
‫مع الشريعة اإلسالمية؛ فلذلك ال يسمح في إيران ألحزاب تريد أن تخالف الش ريعة‪ ،‬أو‬
‫تعمل على تقويض النظام الذي يدعو إلى تحقيقها في الواقع‪.‬‬
‫وهذا ـ وإن لقي إنكارا كبيرا من طرف المغرضين ـ إال أن واقع أكثر دول العالم‬
‫تطورا ينسجم معه‪ ،‬وأولها أمريكا‪ ،‬كما سنرى‪ ،‬ولهذا قبل الخمي ني بلقب [الجمهوري ة]‬
‫بعد االنتصار‪ ،‬ولم يقبل بلقب [الديمقراطية]‬
‫ولمعرفة سر ذلك نقتبس نصا من مقال هدف صاحبه إلى تش ويه مفه وم الحري ة‬
‫السياسية في إيران‪ ،‬واعتبارها مجرد دعاية ال حقيقة لها‪ ،‬وه و نص نج د أمثال ه ي ردد‬
‫كثيرا في وسائل اإلعالم‪ ،‬ويُقصد منه التشويه‪ ،‬ولكنا عن دما نق رؤه بتمعن‪ ،‬وبعي دا عن‬
‫الرؤية الغربية والعاطفية لمثل هذه القض ايا س نرى األم ر مختلف ا تمام ا‪ ،‬ذل ك أن ه في‬
‫الحقيقة مدح في قالب ذم‪.‬‬
‫والمقال بعنوان [كيف نجح الخميني وفشل العرب؟]‪ ،‬وقد قال في مقدمت ه‪( :‬بع د‬
‫نجاح الثورة مباشرة اس تمر الخمي ني بتنفي ذ أهداف ه النهائي ة‪ ،‬وقبي ل ال دخول في ج دل‬
‫حول إعادة إنشاء مؤسسات الدولة ما بعد الثورة‪ ،‬أراد الخميني أن يحسم أم رًا ك ان في‬
‫منتهى األهمية بالنسبة إليه‪ ،‬وهو اسم الدولة الجديدة‪ ،‬وذل ك من أج ل القط ع تما ًم ا م ع‬
‫أيض ا‪ ،‬احت دم الج دال بين‬‫الماضي البهلوي‪ ،‬ليس فقط في بني ة الدول ة ب ل في مس ماها ً‬
‫رفقاء الثورة حول اسم الدولة الجدي دة‪ ،‬وت راوحت االقتراح ات بين [جمهوري ة إي ران‬
‫الديمقراطي ة] و[الجمهوري ة اإليراني ة]‪ ،‬و[الجمهوي ة الديمقراطي ة اإلس المية]‪ ،‬إال أن‬
‫الخميني رفضها كلها وأصر على [الجمهورية اإلسالمية] فقط‪ ،‬حيث أخض ع اقتراح ه‬
‫الس تفتاء ش عبي حص ل على غالبي ة مطلق ة من قب ل الش عب اإلي راني ليحس م ب ذلك‬
‫المسمى‪ ،‬ولينطلق من بعد ذلك الستكمال باقي الخطوات) (‪)1‬‬
‫ومع أن المعلومات التي ذكرها صحيحة‪ ،‬لكن تفس ير الك اتب ل ذلك ك ان مجافي ا‬
‫للصواب؛ فقد نظر إلى األم ر من زاوي ة ص ورية‪ ،‬ولم ينظ ر إلى المع نى ال ذي جع ل‬
‫الخميني يرفض وصف الديمقراطية‪ ،‬ويقتص ر على وص ف الجمهوري ة؛ فق د ق ال في‬
‫تعليل ذلك‪( :‬تجدر اإلشارة إلى أن رفض الخميني إلدراج كلمة [الديمقراطي ة] في اس م‬
‫الدولة يعود إلى اعتقاده بأن الديمقراطية منتج غ ربي ومن يتمس ك به ا؛ فكأن ه يتمس ك‬
‫باستمرار التأثير الغربي على الشؤون اإليرانية الداخلية‪ ،‬وقد تمشى ذلك بشكل واض ح‬
‫مع المنطلقات العامة لفلسفة الخميني السياسية‪ ،‬فقد أراد أن يق دم نموذ ًج ا جدي دًا للنظ ام‬
‫السياسي بعيدًا عن الثنائية السياسية التي كانت تحكم العالم آنذاك والمتمثل ة بالرأس مالية‬
‫الغربية واالشتراكية الشرقية‪ ،‬ومن هنا كان الش عار ال ذي رفع ه الثوري ون اإليراني ون‬
‫إبان الثورة‪[ :‬ال شرقية وال غربية‪ ..‬بل حكومة إسالمية])(‪)2‬‬

‫‪ )(1‬كيف نجح الخميني وفشل العرب؟‪ ،‬نبيل عودة‪ ،‬موقع ن بوست‪.‬‬


‫‪ )(2‬المرجع السابق‪.‬‬

‫‪99‬‬
‫وهذا غ ير ص حيح تمام ا؛ ف الخميني ص رح في مح ال كث يرة ب أن الديمقراطي ة‬
‫بمفهومها الصحيح ال تتن افى م ع اإلس الم‪ ،‬فق د ق ال‪( :‬اإلس الم دين س ام‪ ،‬وديمق راطي‬
‫(إن ديمقراطي ة اإلس الم أكم ل من ديمقراطي ة الغ رب)(‪، )2‬‬‫بمعنى الكلمة)(‪ ،)1‬وق ال‪ّ :‬‬
‫وقال‪( :‬الديمقراطية مندرجة في اإلسالم‪ ،‬والناس أحرار في االسالم في بي ان عقائ دهم‬
‫أو في اعمالهم ما لم تكن ثمة مؤامرة في الموضوع ولم يطرحوا مس ائل تج ر الجي ل‪..‬‬
‫الى االنحراف) (‪)3‬‬
‫لكن مقصد الخميني من ذلك هو الحفاظ على هوية الدول ة‪ ،‬ح تى ال تتمكن ق وى‬
‫االستكبار الع المي من الع ودة من جدي د إلى حكم إي ران تحت ظ ل الحكم ال ديمقراطي‬
‫المطل ق البعي د عن ك ل القيم‪ ،‬بخالف وص ف الجمهوري ة ال ذي يض من المش اركة‬
‫الشعبية‪ ،‬وفي نفس الوقت يضمن القيم والمبادئ التي تقوم عليها الدول ة‪ ،‬وال تي تنطل ق‬
‫من هوية الشعب‪.‬‬
‫وحتى نفهم هذا المعنى جيدا‪ ،‬البد أن نفهم الفرق بين مص طلحي [الجمهوري ة]‪،‬‬
‫و[الديمقراطية]‪ ،‬حيث أن الديمقراطية ـ بمفهومه ا الغ ربي ـ تع ني الحري ة بمفهومه ا‬
‫الواسع‪ ،‬وال ذي يع ني ـ حس ب تعريف اتهم له ا ـ (االنطالق بال قي د‪ ،‬والتح رر من ك ل‬
‫ضابط‪ ،‬والتخلص من كل رقابة‪ ،‬حتى ولو كانت تل ك الرقاب ة نابع ة من ذات ه ه و‪ ،‬من‬
‫ضميره‪ ،‬فلتحطم وليحطم معها الضمير إن احتاج األمر‪ ،‬ح تى ال يق ف ش يء في وج ه‬
‫استمتاعه بالحياة‪ ،‬وحتى التفسد عليه نشوة اللذة‪ ،‬ومعنى هذا ترك اإلنسان وشأنه يفع ل‬
‫ما يشاء ويترك ما يشاء‪ ،‬وهكذا بدون قيود وال ضوابط‪ ،‬وال رقابة‪ ،‬وعلى المجتم ع أن‬
‫يسّلم بذلك الحق‪ ،‬وعلى الحكومة أن تحاف ظ على تل ك الحري ة وتحميه ا‪ ،‬فال دين يحكم‬
‫النفوس‪ ،‬ويكبح جماحها‪ ،‬وال أخالق تهذب طباعها‪ ،‬وتوقظ مشاعرها‪ ،‬وتثير فيها روح‬
‫النخ وة والغ يرة واإلب اء‪ ،‬وال مث ل‪ ،‬وال فض ائل‪ ،‬تق اس على أساس ها األعم ال خيره ا‬
‫وشرها‪ ،‬وال حياء يمنع ارتكاب الشطط‪ ،‬والمجاهرة بالمنكر(‪.)4‬‬
‫على خالف مفهوم الجمهورية‪ ،‬والذي يعني االعتراف بالمبادئ والقيم التي تقوم‬
‫عليها الدولة‪ ،‬والتي ال يجوز ألح د أي ك ان تجاوزه ا‪ ،‬ح تى ل و ك انت أغلبي ة الش عب‬
‫نفسها‪.‬‬
‫ولنفهم ه ذا جي دا نحت اج إلى التع رف على أك بر ح زبين في أمريك ا‪ :‬الح زب‬
‫الديمقراطي‪ ،‬والحزب الجمهوري‪ ،‬والفرق بينهم ا‪ ،‬حيث نج د ال ديمقراطيين ليبرال يين‬
‫في فلس فتهم‪ ،‬ي رون أن دور الحكوم ة ه و إدارة ش ؤون االقتص اد‪ ،‬وإتاح ة الكث ير من‬
‫الحريات‪ ،‬بخالف الجمهوريين المحافظين في فلسفتهم‪ ،‬والذين يرون أن دور الحكوم ة‬
‫هو إدارة المؤسسة األخالقية‪ ،‬ومن هذا المنطلق يتعين عليها ض مان معاقب ة الن اس في‬
‫‪ )(1‬الكلمات القصار‪ ،‬ص ‪..145‬‬
‫‪ )(2‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.142‬‬
‫‪ )(3‬منهجية الثورة االسالمية‪ ،‬مقتطفات من أفكار وآراء اإلمام الخميني‪ ،‬ص ‪..359‬‬
‫‪ )(4‬انظر‪ :‬مفهوم الحرية‪ ،‬علي فقيهي‪ ،‬ص‪..6 – 5‬‬

‫‪100‬‬
‫حال ارتكابهم أعماال تتنافى مع األخالق‪ ،‬مث ل تع اطيهم المخ درات‪ ،‬وأن يل تزم الن اس‬
‫بالنهج الص حيح في زيج اتهم عن طري ق تح ريم زواج المثل يين‪ ،‬خالف ا لل ديمقراطيين‬
‫الذين يؤيدون هذا النوع من الزواج‪.‬‬
‫والحزب الجمهوري يميل إلى التدين على عكس الحزب الديمقراطي‪ ،‬وفي مقال‬
‫بعنوان [أمريكا والجمهوريون والخلط بين السياسة وال دين] ذك ر ص احبه أن ه قب ل أن‬
‫يلحق الناخبون األمريكيون الهزيمة بالحزب الجمهوري في انتخابات التجدي د النص في‬
‫للكونغرس‪ ،‬حذر السناتور الجمهوري جون دانفورث‪ ،‬سفير واشنطن الس ابق في األمم‬
‫المتحدة ومبع وث ال رئيس ب وش الس ابق إلى الس ودان في كت اب جدي د بعن وان [ال ّدين‬
‫والسياس ة]‪ ،‬من أن الح زب الجمه وري تح وّل إلى ح زب دي ني لليمين المس يحي‬
‫المحافظ‪ ،‬وقال دنفورث‪( :‬إن الشعب األمريكي يتعرّض للفرقة واالنقسام بسبب ترك يز‬
‫الحزب على قضايا خالفية تتعلق بالقيّـم الدينية)‬
‫ومع أن السناتور دانفورث جمع في حياته بين أن ه ك ان قسّـا بالكنيس ة األس قفية‬
‫البروتستانتية‪ ،‬وبين عمله في السياسة كعضو في مجلس الش يوخ عن والي ة ميس وري‬
‫لمدة ‪ 18‬عاما‪ ،‬إال أنه إن ه تع رّض في كتاب ه للفرق ة ال تي أح دثها الم زج بين السياس ة‬
‫وال ّدين على يد الحزب الجمهوري‪ ،‬حيث اتسعت الهوة في أمريكا بين اليمين واليس ار‪،‬‬
‫وبين المح افظين والليبرال يين‪ ،‬وبين المؤم نين وال ُمـلحدين‪ ،‬بع د أن تح ول الح زب‬
‫الجمه وري‪ ،‬كم ا يق ول في كتاب ه‪ ،‬إلى ذراع سياس ي للمتطّ رفين من المس يحيين‬
‫المحافظين اليمينيين‪ ،‬الذين سيطروا على توجّـهات الحزب‪ ،‬اس تنادا إلى اعتق ادهم ب أن‬
‫برنامجهم يُـسانده هللا‪.‬‬
‫ودع ا الس ناتور المتقاع د إلى االبتع اد عن القض ايا الخالفي ة‪ ،‬ال تي ف رّقت‬
‫األمريك يين في ج دل ُمـحتدم ح ول اإلجْ ـهاض والخالي ا الجذعي ة وزواج المثل يين‪،‬‬
‫وعرض الرموز ال ّدينية في األماكن العامة وحق المريض الميئوس من شفائه في إنهاء‬
‫حياته (‪. )1‬‬
‫هذا بالنسبة ألكبر حزبين أمريكيين‪ ،‬أما السياس ة األمريكي ة العام ة‪ ،‬فهي تعتم د‬
‫النظام الجمه وري‪ ،‬ال ال ديمقراطي‪ ،‬ويتجلى ذل ك من خالل القس م ال ذي يق ول‪( :‬أتعهد‬
‫بالوالء لعلم الواليات المتحدة األمريكي ة‪ ،‬وللجمهوري ة‪ ،‬أمة واح دة بعد هللا‪ ،‬غ ير قابلة‬
‫للتقسيم‪ ،‬بالحرية والعدل للجميع)(‪)2‬‬

‫ومن األدلة على هذا التوجه‪ ،‬أن القوانين التي يسنها األغلبية ق د ت رفض بس بب‬
‫مخالفتها لقيم الجمهورية‪ ،‬ومن األمثلة على ذلك ق وانين [جيم ك رو](‪ ،)3‬وال تي تن ادي‬
‫بالفصل العنصري‪ ،‬فقد اعتبرت غير دستورية‪ ،‬وتم إلغائها‪.‬‬

‫‪ )(1‬أمريكا والجمهوريون والخلط بين السياسة والدين‪ ،‬محم د ماض ي – واش نطن‪ 19 ،‬نوفم بر‪ ، 2006 ،‬موق ع‬
‫سويسرا بعشر لغات‪..‬‬
‫‪ )(2‬انظر‪ :‬ما الفرق بين الديمقراطية والجمهورية؟‪ ،‬محمد عالء عيسى‪ ،‬موقع ساسة‪ 23 ،‬سبتمبر‪.2014 ،‬‬
‫‪ )(3‬وهي مجموعة قوانين فصل عنصري تم تفعيلها من ‪ 1876‬حتى ‪.)1965‬‬

‫‪101‬‬
‫وفي قض ية ش هيرة ع ام ‪ 1954‬بين المجلس التعليمي والس ود؛ ألغت المحكم ة‬
‫العليا بالواليات المتحدة مدارس الفصل العنصري التي ترعاها الدولة بع د أن اعت برت‬
‫ذلك غير دستوري‪.‬‬
‫وفي حاالت معاصرة‪ ،‬تم رفع قضية ع ام ‪ 2010‬ض د مش روع ق انون إص الح‬
‫نظام الرعاية الصحية بالمحكمة العليا بالواليات المتحدة ألنها كانت تجبر األف راد على‬
‫شراء التأمين الصحي‪ ،‬مع أنه تم تمري ره من األغلبي ة‪ ،‬ولكن المنتق دين ادع وا أن ه ذا‬
‫يخالف حرية األفراد بإجبارهم على الدخول في التجارة‪ ،‬وهي الس لطة ال تي ال تملكه ا‬
‫الحكومة في هذه الجمهورية‪.‬‬
‫وفي والية كاليفورني ا ط البت أغلبي ة المص وتين بجع ل زواج متش ابهي الجنس‬
‫قانوني ا؛ وحينه ا ق ال الناق دون للق انون أن ه ذا يخ الف حري ة األف راد من المثل يين‬
‫والمثليات‪ ،‬وأنه ليس من حق األغلبية فعل ذلك في الجمهورية‪.‬‬
‫وهك ذا ن رى أن المحكم ة العلي ا في الوالي ات المتح دة األمريكي ة تق رر م دى‬
‫دستورية القوانين‪ ،‬ولديها سلطة إلغاء القوانين التي تعتقد أنها غير دستورية‪ ،‬وفي ذل ك‬
‫إثبات على أن سيادة القانون ودستور الواليات المتحدة أعلى سلطة من رغب ة األغلبي ة‬
‫في أي وقت‪ ،‬وذلك ما يدعم كونها جمهورية‪.‬‬
‫ومع التفاوت الشديد بين الرؤية السياسية األمريكية والرؤية اإليرانية إال أن ه ذا‬
‫المثال يقرب بينهما من جهات كثيرة‪ ،‬ربما يمكن حصرها في جانبين‪:‬‬
‫الجانب األول‪ :‬السياسة العامة للدولة‪:‬‬
‫حيث أن النظام اإليراني ـ مع احترامه لألغلبية ـ إال أنه ـ مثل النظام األمريكي ـ‬
‫ال يق ر بك ل الق وانين ال تي تص درها‪ ،‬ب ل يمرره ا على المج الس ال تي ت راقب م دى‬
‫شرعيتها ابتداء من مجلس صيانة الدستور وغيرها‪.‬‬
‫وقد أشار إلى هذا المعنى األصل الراب ع من [الق انون األساس ي]‪ ،‬وال ذي ينص‬
‫على أن ه (يجب ان تق وم جمي ع الق وانين والمق ررات المدني ة‪ ،‬الجزائي ة‪ ،‬المالي ة‪،‬‬
‫االقتصادية‪ ،‬اإلدارية‪ ،‬الثقافي ة‪ ،‬العس كرية‪ ،‬والسياس ية وغيره ا على أس اس الم وازين‬
‫اإلس المية‪ ،‬وه ذا األص ل يك ون حاكم ا على عم وم أو إطالق كاف ة أص ول الق انون‬
‫األساس ي وس ائر الق وانين والمق ررات‪ ،‬وتق ع مهم ة تش خيص ه ذا األم ر على فقه اء‬
‫مجلس صيانة الدستور‪ ،‬ويشمل هذا األصل القائد أيضاً‪ ،‬فهو ليس فعاال لم ا يش اء‪ ،‬لم ا‬
‫يتمتع به من صالحيات قانونية وفقهية واسعة فبإمكانه العمل كيفم ا يش اء وإص دار أي‬
‫قانون‪ ،‬فإذا ما حاول القائد ـ ال سمح هللا ـ الخروج عن حدود الق وانين اإلس المية‪ ،‬فه و‬
‫يفقد شروط القيادة‪ ،‬وتسقط واليته أيضاً‪ ،‬وفي ضوء هذا األص ل يفق د قانون ه االعتب ار‬
‫أيضاً)(‪)1‬‬
‫وأهمية هذا الجانب ـ كما أشرنا سابقا ـ هي في قوة الدولة وثباته ا على مبادئه ا‪،‬‬
‫ألنها لو ترك األمر لألغلبية الشعبية من دون قيود؛ فإنه يمكن أن يتس رب إلى مج الس‬

‫‪ )(1‬انظر‪ :‬والية الفقيه والية الفقاهة والعدالة جوادي آملي (ص‪)54 :‬‬

‫‪102‬‬
‫الشورى من ليست له األهلية‪ ،‬ثم ينجح فيه ا بفع ل ال دعم الخ ارجي أو اإلعالمي ال ذي‬
‫يتلقاه‪ ،‬ثم تكون له القدرة بعد ذلك على تغيير قوانين الدولة‪ ،‬بل تغيير نظامها جميعا‪.‬‬
‫وقد أشار إلى هذا المعنى مالك مصطفى وهبي العاملي بقوله‪( :‬إن نظرية والي ة‬
‫األم ة على نفس ها ـ أي الحري ة السياس ية المطلق ة ـ هي نظري ة اإلنقالب ات المتك ثرة‬
‫والالاستقرار االجتماعي‪ ،‬والتخلي عن الدين كش رع يحكمن ا في ك ل ص غيرة وكب يرة‪.‬‬
‫فإننا إذا بنينا على والية األمة على نفس ها ب دون ض وابط وك ان ه ذا حقه ا الحص ري‪،‬‬
‫تأتي مجموعة أسئلة لتثير مخاوف تجعل مصالح األمة في مع رض التس يب وال زوال‪.‬‬
‫فإنه لو لم يكن للفقيه والية يتمكن من خاللها من إلزام األمة بسلوك الطري ق الص حيح‪،‬‬
‫ونقصد اإللزام الشرعي‪ ،‬فهذا يعرض األم ة للفس اد ولتس لط المنح رفين عليه ا ويفس ح‬
‫المجال لظهور حكومات ال عالقة لها باإلس الم‪ .‬وفي ه ذا تض ييع لله دف المنش ود من‬
‫وراء تشكيل حكومة ترعى شؤون المسلمين)(‪)1‬‬
‫ثم بين مدى يسر ذلك وسهولته على المندسين؛ فقال‪( :‬م ا أس هل أن تس يطر قل ة‬
‫قليلة على األكثرية من خالل اإلعالم ونمط تثقيفي تربوي معين وقدرة مالي ة‪ ،‬فب دل أن‬
‫تكون الوالية لألمة على نفسها‪ ،‬وهو الشعار البراق‪ ،‬نكون قد أعطينا الوالية لتلك الفئة‬
‫القليلة على األمة‪ ،‬ولذا ترى كل الضغط المنحرف متجه نحو إلغ اء فك رة والي ة الفقي ه‬
‫من نظام الجمهورية اإلسالمية في إيران‪ ،‬والذي يتمظهر بمظاهر متع ددة وال تي منه ا‬
‫المطالبة بإلغ اء ك ل م ا يش كل ض مانة لألم ة من ع دم الوق وع في اإلنح راف‪ ،‬كإلغ اء‬
‫مجلس صيانة الدستور والتخفي ف من ش روط ال دخول في مجلس الخ براء ونح و ذل ك‬
‫لكي يسهل لهم فيما بعد الوصول بحكام غير فقهاء ب ل وغ ير ع دول يتحكم ون باألم ة‬
‫ومصيرها)(‪)2‬‬
‫وأشار الشيخ تقي مصباح يزدي إلى أن هذا التقييد لرأي األغلبي ة ه و المم ارس‬
‫في كل الدول القوية المستقرة‪ ،‬فكلها تمارس نظ ام [والي ة الفقي ه] بطريقته ا الخاص ة‪،‬‬
‫يقول في ذلك‪( :‬وه ذا أم ر ال يختص بال دين وح ده‪ ،‬ب ل نج دنماذج كث يرة من ه في ك ل‬
‫المذاهب غير الدينية وفي كل األنظمة القانونية‪ ،‬فلنفترض مثالً أن شعبا ً يحترم دس تور‬
‫بالده احتراما ً كبيراً وقد أق ّره بكل ما أوتي من قوة‪ ،‬لكن هذا الشعب نراه يختلف أحيان ا ً‬
‫في فهم نص مادة من هذا الدستور‪ ،‬وهنا نراه يعين مرجعا ً لتفسير الدستور فيرجع إلي ه‬
‫مثل مجلس الش ورى أو مجلس الش يوخ أو مجلس الخ براءأو مجلس ص يانة الدس تور‪،‬‬
‫وهكذا نجد في كل بلد مرجعا ً يؤخذ برأيه في تفسير الدستور‪ ،‬ثم إن هناك خالفا ً يح دث‬
‫بين المفسرين أنفسهم‪ ،‬فنراهم في النهاية يأخ ذون جميع ا ً ب رأي واح د‪ ،‬ويطبقون ه‪ ،‬وال‬
‫حيلة غ ير ذل ك‪ ،‬إذ حين ال يمكن التوص ل إلى مع نى النص ينبغي الرج وع إلى خب ير‬
‫أكثر بصيرة ومعرفة من غيره والوثوق بكالمه)(‪)3‬‬

‫‪ )(1‬الفقيه والسلطة واألمة‪ ،‬مالك مصطفى وهبي العاملي (ص‪.)98 :‬‬


‫‪ )(2‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.99‬‬
‫‪ )(3‬الحكومة اإلسالمية و والية الفقيه يزدي (ص‪.)17 :‬‬

‫‪103‬‬
‫وقد أشار إلى هذا المعنى قبل هؤالء جميعا محمد باقر الصدر في رسالته [لمحة‬
‫فقهي ة تمهيدي ة عن مش روع دس تور الجمهوري ة اإلس المية في اي ران]‪ ،‬وال تي ك انت‬
‫مرجع ا أساس يا أثن اء ت دوين الدس تور اإلي راني أول م رة‪ ،‬فق د ق ال في مق دمتها‪( :‬في‬
‫حاالت عدم وجود موقف حاسم للشريعة من تحريم أو إيجاب‪ ،‬يكون للسلطة التشريعية‬
‫التي تمثل األمة أن تسن من القوانين ما تراه صالحاً‪ ،‬على أن ال يتعارض مع الدستور‪،‬‬
‫وتسمى مجاالت هذه القوانين بمنطقة الفراغ‪ ،‬وتش مل ه ذه المنطق ة ك ل الح االت ال تي‬
‫تركت الشريعة فيها للمكلف اختيار اتخاذ الموقف‪ ،‬فإن من ح ق الس لطة التش ريعية أن‬
‫تفرض عليه موقفا ً معينا ً وفقا ً لما تقدره من المص الح العام ة‪ ،‬على أن ال يتع ارض م ع‬
‫الدستور)(‪)1‬‬
‫وي ذكر ن وع الحري ة السياس ية ال تي تم ارس في ه ذه المنطق ة‪ ،‬وكونه ا حري ة‬
‫مسؤولة؛ فيقول‪( :‬إن السلطة التش ريعية والس لطة التنفيذي ة ق د أس ندت ممارس اتها إلى‬
‫األمة‪ ،‬فاألم ة هي ص احبة الح ق في ممارس ة ه اتين الس لطتين بالطريق ة ال تي يعينه ا‬
‫الدستور‪ ،‬وهذا الحق حق استخالف ورعاية مستمد من مصدر السلطات الحقيقي وه و‬
‫هللا تعالى‪ ،‬وبهذا ترتفع األمة وهي تمارس السلطة إلى قمة ش عورها بالمس ؤولية ألنه ا‬
‫تدرك بأنه ا تتص رف بوص فها خليف ة هلل في األرض فح تى األم ة ليس ت هي ص احبة‬
‫السلطان‪ ،‬وإنما هي المسؤولة أمام هللا سبحانه وتعالى عن حمل األمانة وأدائها )(‪)2‬‬
‫الجانب الثاني‪ :‬التيارات السياسية في إيران‪:‬‬
‫حيث نجدها تشبه إلى حد بعيد تلك األحزاب الكبرى التي تتش كل منه ا التي ارات‬
‫السياسية في الواليات المتحدة األمريكية‪ ،‬فهي تنقسم إلى قسمين كبيرين(‪:)3‬‬
‫التيار األصولي(المحاف ظ)‪ :‬ويل تزم أص حابه بوالي ة الفقي ة المطلق ة‪ ،‬ويط البون‬
‫بت دخل أك بر للفقه اء في السياس ة‪ ،‬ويق اومون بش دة أي تي ارات أخ ري اص الحية أو‬
‫تقدمية‪ ،‬ويض م ه ذا التي ار الكث ير من األح زاب السياس ية ‪ ،‬مث ل [ح زب الجمهورية‬
‫اإلسالمي] و[حزب المؤتلفة اإلسالمي]‪ ،‬ويتخذ هذا التيار موقفا ً مناهض ا ً من الوالي ات‬
‫المتحدة‪ ،‬ويؤمن بوجود مؤامرة عالمية السقاط الثورة اإلسالمية‪.‬‬
‫التيار اإلصالحي‪ :‬ويلتزم بوالية الفقيه‪ ،‬إال أنه ينادي بدور أقل للفقهاء في النظام‬
‫السياسي‪.‬‬
‫وكال الحزبين يم ارس دوره بك ل حري ة‪ ،‬وينش ر المق االت ال تي تع ترض على‬
‫الحزب اآلخر‪ ،‬أو تعترض على الحكومة ومؤسس اتها المختلف ة من غ ير أن يك ون في‬
‫ذلك أي قمع أو اعتقال ألي منتقد أو معارض‪.‬‬
‫ومثلما ذكرنا السابق؛ فإن الحرية السياسية لهذه األحزاب مكفولة بشرط حفاظها‬

‫‪ )(1‬لمحة فقهية تمهيدية عن مشروع دستور الجمهورية اإلسالمية في ايران باقر الصدر (ص‪.)3 :‬‬
‫‪ )(2‬المرجع السابق‪.‬‬
‫‪ )(3‬انظر مقاال بعنوان‪ :‬ما هي أهم التيارات السياسية الفاعلة في إيران؟‪ ،‬عبد الرحمن ناص ر‪ 12 ،‬م اي‪،2014 ،‬‬
‫ساسة بوست‪.‬‬

‫‪104‬‬
‫على قيم الجمهورية اإلسالمية‪ ،‬وأولها والية الفقيه‪ ،‬باعتبارها خيارا شعبيا‪ ،‬وافق عليه‬
‫الشعب باألغلبية الساحقة القريبة من اإلجماع‪ ،‬أما األح زاب ال تي ال تح ترم ه ذه القيم؛‬
‫فإنه ال يسمح لها بالعمل‪.‬‬
‫وق د س ئل الخمي ني عن س ر إيق اف (ح زب ت ودة‪ ،‬وح زب ف دائيان‪ ،‬ومنظم ة‬
‫مجاهدي خلق)؛ فأجاب بقوله‪( :‬االحزاب ايض ا ً ك انت به ذا النح و‪ ،‬وال تي لم تلج أ الى‬
‫التآمر فهي تمارس نشاطها بحرية تامة)‬
‫وعن سؤال حول دور األحزاب اليسارية في الثورة‪ ،‬وأنه ا بع د انتص ار الث ورة‬
‫اإلسالمية حرموا من العم ل السياس ي‪ ،‬وهي ش بهة يثيره ا المغرض ون كث يرا‪ ،‬أج اب‬
‫بقوله‪( :‬ليس صحيحا ً أنهم ناض لوا وتع ذبوا ج راء ه ذا النض ال‪ ،‬إن أبن اء الش عب هم‬
‫الذين عانوا وتحملوا اآلالم‪ .‬إن عدداً كبيراً من ه ؤالء ك ان خ ارج البل د‪ ،‬واآلن ج اؤوا‬
‫لقطف ثمار الثورة دون عناء‪ .‬كما أن فئة أخرى منهم كانت متخفي ة داخ ل الجح ور أو‬
‫في البيوت‪ ،‬وبعد ان ث ار الش عب وتحم ل اآلالم وق دم ال دماء وأنج ز ك ل ش يء‪ ،‬ج اء‬
‫هؤالء‪ ،‬وبدأوا يستحوذون على الغنائم‪ ،‬ومع ذلك هم أحرار ولم يتص ّد لهم أحد)(‪)1‬‬
‫والخميني يصر دائما في كل لقاءات ه الص حفية بع د انتص ار الث ورة اإلس المية‪،‬‬
‫على ك ون اإلس الميين هم ال ذين مارس وا الث ورة‪ ،‬وهم ال ذين ق دموا التض حيات‪ ،‬وأن‬
‫الشعب اإلي راني لم يكن لينهض ل و ل و تكن الث ورة إس المية‪ ،‬وق د أج اب الخمي ني في‬
‫المقابل ة الس ابقة عن الس ر في تهميش اليس اريين‪ ،‬فق ال‪( :‬لم يكن أي دور له ؤالء في‬
‫ثورتنا هذه‪ ،‬بل كانوا من المعارضين لنا‪ .‬وإن هذه األح زاب االربع ة ال تي تعم ل اآلن‬
‫ض دنا‪ ،‬ك انت له ا توجه ات خاص ة والزالت مص رّة على نهجه ا‪ .‬نهض تنا نهض ة‬
‫اسالمية‪ ،‬وك ان اليس اريون يعارض ونها‪ ،‬ح تى أن معارض تهم له ا أش د من معارض ة‬
‫الشاه‪ .‬كما أنهم متواطئون ويريدون إعادة األمور الى سابق عه دها‪ .‬وفي تص وري أن‬
‫اليساريين مزيفون وهم ليسوا يساريين حقيقيين‪ ،‬بل هؤالء من صنع أميركا‪ .‬بن اء على‬
‫ذلك فهم ليسوا كما تتصورين‪ ،‬ولم يكن لهم مساهمة في نهضتنا‪ .‬لم يضطلع هؤالء بأي‬
‫دور في ثورتنا‪ ،‬وإذا ما كان لديهم تحرك ما فه و ب دافع تحقي ق أه دافهم وال عالق ة ل ه‬
‫بنهضتنا‪ .‬ال عالقة لثورتنا باليساريين‪ ،‬واليساريون لم يقدموا أية خدمة لثورتن ا‪ .‬ب ل إن‬
‫كل ما قاموا به هو إعاقة تحركنا والوقوف ضدنا)(‪)2‬‬
‫وهنا سألته الصحفية هذا السؤال المحرج‪ ،‬وال ذي ال ي زال ي ردد‪( :‬ه ل يمكن أن‬
‫توضحوا لنا بأن هذا الشعب ناض ل من أج ل الحري ة أو من اج ل اإلس الم؟)‪ ،‬وأجابه ا‬
‫الخميني بصراحته المعهودة ق ائال‪( :‬إن ه ذا الش عب ناض ل من أج ل اإلس الم‪ .‬بي د أن‬
‫اإلسالم يشمل كل تلك المفاهيم التي يتصور العالم بأنه هو ال ذي أب دعها وأطل ق عليه ا‬
‫لفظ الديمقراطية‪ ..‬اإلسالم لديه كل هذه االفكار وإن شعبنا ناضل من أجل تحقيقها) (‪)3‬‬

‫‪ )(1‬صحيفة اإلمام‪ ،‬ج‪ ،10‬ص‪.72 :‬‬


‫‪ )(2‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ ،10‬ص‪.72 :‬‬
‫‪ )(3‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ ،10‬ص‪.73 :‬‬

‫‪105‬‬
‫وعن س ؤال ح ول س ر تش طيب كلم ة الديمقراطي ة‪ ،‬واإلبق اء (الجمهوري ة‬
‫اإلسالمية)‪ ،‬أجاب بقوله‪( :‬ثمة عدة قضايا به ذا الش أن‪ .‬القض ية األولى هي إيج اد مث ل‬
‫ه ذا ال وهم ل دى الكث يرين من أن اإلس الم يفتق ر إلى مث ل ه ذه المف اهيم‪ ،‬ل ذا يجب‬
‫استعارتها‪ ،‬ومثل هذا محزن بالنسبة لنا‪ ،‬ألننا ن ؤمن ب أن اإلس الم لدي ه من التع اليم م ا‬
‫يفوق هذه المفاهيم‪ ،‬وهو يشتمل على كل شيء‪ .‬هذا األمر بالنسبة لنا مزعج ومؤلم جداً‬
‫أن تجد من يفكر بهذا النحو‪ ،‬هذا أواًل ‪ ،‬وثانياً‪ :‬إن مصطلح الديمقراطية التي هي عندكم‬
‫مهمة جداً‪ ،‬ال يوج د له ا مفه وم واض ح‪ .‬أرس طو عرّفه ا بش كل‪ ،‬والس وفييت عرّفوه ا‬
‫بشكل آخر‪ ،‬والرأسماليون بنح و ث الث‪ ،‬ونحن في دس تورنا ال نس تطيع أن ن دخل لفظ ا ً‬
‫مبهم ا ً ك ل واح د يفهم ه مثلم ا يحب‪ ،‬نحن وض عنا اإلس الم مك ان الديمقراطي ة‪ ،‬ألن‬
‫اإلسالم يوضح ويبين م ا ه و الح د الوس ط‪ ،‬وه و ال يخش ى ش يئاً‪ .‬ولكن ه ؤالء ال ذين‬
‫يجهل ون اإلس الم‪ ،‬االج انب ال ذين ليس لهم ش أن باإلس الم‪ ،‬ومن في ال داخل ال ذين ال‬
‫يفقهون اإلسالم‪ ،‬يتطلعون الى أمور مبهمة من هذا القبيل) (‪)1‬‬
‫بعد هذه التصريحات من الخميني‪ ،‬نذكر هنا شهادة عي ان من رج ل موض وعي‬
‫مختص بالشأن اإليراني‪ ،‬وهو د‪.‬حبيب فياض‪ ،‬والذي ذكر شهاداته في مقال له بعن وان‬
‫[الحرية في الجمهوري ة اإلس المية]‪ ،‬وق د بين فيه ا الم دى ال ذي وص لت إلي ه الحري ة‬
‫السياسية في إيران‪ ،‬وعبر عن تجربته عن ذلك؛ فق ال‪( :‬في ه ذا المج ال أود أن أروي‬
‫حادثة حصلت أمامي في جامعة طهران‪ ،‬فق د اختل ف أح د الطالب م ع أح د األس اتذة‪،‬‬
‫وقال الطالب ألستاذه‪( :‬الفرق بين ما قبل الثورة وما بع دها أن ه ك ان عن دنا ش اه بت اج‪،‬‬
‫اآلن عندنا ش اه بعمام ة)‪ ،‬ولم يعتقل ه أح د‪ ،‬ب ل لم يتع رض ل ه أح د‪ ،‬رغم أن ه تع رض‬
‫ألصل النظام‪ ،‬وم ؤخراً هاش مي رفس نجاني وه و أح د أعم دة النظ ام‪ ،‬تع رض لحمل ة‬
‫قاسية جداً من االنتقادات‪ ،‬ولم يلجأ إال إلى القنوات القانونية من أجل رد الحمالت ال تي‬
‫تعرض لها‪ ،‬ففي إيران حرية تعبير وحرية معتقد‪ ،‬والشاهد أن إب راهيم ي زدي ال ذي ال‬
‫يؤمن بنظام الجمهورية اإلسالمية وصاحب التوجهات القومية ظاهراً والعلمانية باطناً‪،‬‬
‫يمارس حريته السياسية وعن ده حرك ة سياس ية في طه ران ولم يتع رض ل ه أح د على‬
‫مدى ‪ 25‬سنة‪ .‬ولكن متى تنكمش الحرية في إي ران؟ عن دما يتم الخ وض في مس ألتين‪،‬‬
‫إما مسألة الدم وإما مسألة تهديد أركان النظام)(‪)2‬‬
‫ويبين الحدود أو الخطوط الحمراء التي تقف عندها الحرية؛ في ذكر ثالث ة أم ور‬
‫ال ب ّد من التمييز بينها في هذا الشأن‪ ،‬وهي(‪:)3‬‬
‫أوالً‪ :‬التمييز بين ما هو أخالقي وم ا ه و ق انوني؛ فالبع د الق انوني إل زامي‪ ،‬أم ا‬
‫البعد األخالقي فهو التزامي واختياري يقوم على الحري ة؛ فعن دما ال يتج اوز الش خص‬
‫إشارة المرور الحمراء فجراً‪ ،‬حين ال يوج د ش رطي وال أح د يف رض مخالف ة م رور‪،‬‬
‫‪ )(1‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ ،10‬ص‪.74 :‬‬
‫‪ )(2‬المقال موجود في كتاب بعنوان‪ :‬الحري ة ق راءة في مرتكزاته ا اإلس المية ‪ ،‬نش ر‪ :‬جمعي ة المع ارف اإلس المية‬
‫الثقافية‪ ،‬ص ‪.164‬‬
‫‪ )(3‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪. 166‬‬

‫‪106‬‬
‫يكون األمر أخالقيا‪ ،‬ومتعلقا بالحرية الشخصية‪ ،‬و(هذا العامل موجود بقوة في إي ران‪،‬‬
‫ص حيح أن هن اك ت داخالً بين م ا ه و تش ريعي ق انوني وم ا ه و أخالقي‪ ،‬لكن العام ل‬
‫األخالقي النابع من إرادة حرة في االلتزام الديني‪ ،‬يؤدي إلى بل ورة مفه وم من الحري ة‬
‫يختلف إلى ح ٍد كب ير عم ا ه و س ائد في ال دول الغربي ة‪ .‬فكم ا ه و معل وم‪ ،‬إذا انقطعت‬
‫الكهرباء لخمس دقائق في مجتمع من المجتمعات الغربية فإنه يتحول إلى غابة) (‪)1‬‬
‫ثانيا ً‪ :‬التمييز بين المجتمع والدولة‪ ،‬فالمجتمع اإلي راني مس لم مل تزم قب ل النظ ام‬
‫الحالي‪ ،‬وهو الذي ساهم في صناعة النظام الحالي‪( ،‬ففي إيران كل المظاهر اإلسالمية‬
‫التي نراها حاليا ً كانت موجودة حتى قب ل نظ ام الش اه‪ ،‬وبالت الي الدول ة هي انبث اق عن‬
‫حركة مجتمع يتبنى الدين اإلسالمي والقيم اإلسالمية‪ ..‬وهذا يعني أن المجتمع هو الذي‬
‫يص نع الدول ة اإلس المية تمام ا ً كم ا مجتم ع المؤم نين قب ل قي ام الدول ة اإلس المية في‬
‫المدين ة‪ .‬ه ذا أعلى درج ات الحري ة‪ ،‬ألن ني أس عى إلى تحقي ق مس ألة وأب ذل الغ الي‬
‫والرخيص من أجل تحقيقها وبالتالي هنا القرار ملكنا واالختي ار عن دنا‪ ،‬وك ذلك الجه د‬
‫والمساعي الحثيثة من أجل الوصول إلى المطلوب) (‪)2‬‬
‫ثالثا ـ التمي يز بين االل تزام واإلل زام‪ ،‬ف االلتزام حال ة طوعيّ ة وتتجلى بش كل‬
‫جماعي‪( ،‬وهذا ذروة الحرية ألنه ال أحد يُلزمني‪ ،‬بل أنا ألُ زم نفس ي به ذا الخ ط وه ذا‬
‫الخيار وهذه الدولة‪ .‬في حين حالة اإللزام هي عبارة عن فرض وقه ر‪ ،‬وفي إي ران ل و‬
‫لم يكن هناك حرية لدى الناس لاللتزام بخيار الدولة اإلسالمية‪ ،‬بالتأكيد لم ا ك ان هن اك‬
‫من إمكانية الستمرار هذا النظام‪ ،‬يع ني عن دما يق رر الش عب اإلي راني أن يك ون ح راً‬
‫ومتحرراً من الدولة اإلسالمية‪ ،‬لن يكون هناك دولة إسالمية) (‪)3‬‬
‫ثانيا ـ المفهوم السلبي للحرية‪:‬‬
‫ضى‬ ‫وهو المفهوم الذي عبر عنه قوله تعالى‪َ ﴿ :‬و َما َكانَ لِ ُم ْؤ ِم ٍن َواَل ُم ْؤ ِمنَ ٍة إِ َذا قَ َ‬
‫ْص هَّللا َ َو َر ُس ولَهُ فَقَ ْد َ‬
‫ض َّل‬ ‫هَّللا ُ َو َر ُس ولُهُ أَ ْم رًا أَ ْن يَ ُك ونَ لَهُ ُم ْال ِخيَ َرةُ ِم ْن أَ ْم ِر ِه ْم َو َم ْن يَع ِ‬
‫ضاَل اًل ُمبِينًا ﴾ [األحزاب‪ ،]16[]36 :‬وهي اآلية التي ال تضع أي خيار أو حري ة أم ام‬ ‫َ‬
‫المؤمن باهلل ورسوله تجاه أي تشريع أو حكم‪.‬‬
‫وع بر عن اآلث ار الخط يرة له ذا الن وع من الحري ة قول ه ‪( :‬مثل الق ائم على‬
‫حدود هللا والواقع فيها‪ ،‬كمثل قوم استهموا على سفينة؛ فأصاب بعضهم أعالها وأصاب‬
‫بعضهم أسلفها‪ ،‬فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم ف آذوهم‬
‫فقالوا‪ :‬لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقا ً ولم نؤذ من فوقنا‪ ،‬فإن تركوهم هلكوا وهلك الناس‬
‫جميعهم وإن منعوهم نجو ونجى الناس جميعاً)(‪)4‬‬
‫فهذا الحديث يش ير إلى أن الحري ة له ا ح دود ترتب ط ب اآلخرين‪ ،‬ول ذلك تتوق ف‬

‫‪ )(1‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪. 166‬‬


‫‪ )(2‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪. 166‬‬
‫‪ )(3‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪. 167‬‬
‫‪ )(4‬رواه البخاري‪..399/ 8 ،‬‬

‫‪107‬‬
‫حرية اإلنسان عند تعرضها لآلخر بأي نوع من أنواع األذى‪.‬‬
‫وبناء على هذا نرى ق ادة الث ورة اإلس المية يعقب ون على أح اديثهم عن الحري ة‬
‫وضرورتها بالدعوة إلى الح ذر عن الس لبيات والع واقب الس يئة ال تي ق د تنج ر عنه ا‪،‬‬
‫والتي تنشأ من سوء استعمالها‪ ،‬أو استعمالها في غير المواضع المرتبطة به ا‪ ،‬ذل ك أن‬
‫الحرية في اإلسالم تقترن بالمسؤولية‪ ،‬وتنأى عن الفوضى‪ ،‬وتراعي حقوق اآلخرين‪.‬‬
‫وقد عبر الخميني عن هذا المعنى عند حديثه عن حقوق المرأة‪ ،‬والضوابط ال تي‬
‫تحكم هذه الحقوق‪ ،‬بقوله‪( :‬إن اإلسالم يأخذ ينظ ر االعتب ار حق وق النس اء‪ ،‬مثلم ا يهتم‬
‫بحقوق الرجال‪ ،‬وقد اعتنى بالنساء أكثر من اعتنائه بالرجال‪ ،‬فلهن الحرية في ممارسة‬
‫نشاطاتهن وبكام ل إرادتهن‪ ،‬وفي انتخ اب العم ل‪ ،‬لكن ينبغي أن ال يغيب عن األذه ان‬
‫أن في الشرق ثمة محدوديات للرجال أيضاً‪ ،‬وهي لمصلحة الرج ال أنفس هم‪ ،‬فاإلس الم‬
‫يحرم ممارسة األفعال التي فيها مفسدة للرجال كالقم ار وتن اول الخم ور والمخ درات‪،‬‬
‫ألنها مقرونة بالمفاسد‪ ،‬فهناك محدوديات للجميع‪ ،‬شرعية وإلهية‪ ،‬محدوديات لمص لحة‬
‫المجتمع نفسه‪ ،‬ذلك أن اإلسالم ال يمنع من األشياء التي ينتفع منها المجتمع)(‪)1‬‬
‫وذكر المساوئ الكثيرة المنجرة وراء ترك العنان للحريات من غير ضوابط وال‬
‫قوانين وال مراقبة؛ فقال‪( :‬عندما تقرؤون الصحف فإنكم كثيرا ما تشاهدون فيها أن هذا‬
‫يسيء إلى ذاك‪ ،‬وذاك يسي ء إلى هذا‪ ،‬واآلن بعد تحرر األقالم فه ل يص ح أن يتح دث‬
‫كل إنسان بما يشاء تج اه اآلخ رين‪ ،‬أو أن يتص رف ك ل واح د م ع اآلخ ر بحيث ت دب‬
‫الفوض ى في البالد‪ ،‬وتخ رج من النظ ام؟ ‪ ..‬ه ل ه ذا ه و مع نى الحري ة؟ ‪ ..‬وه ل أن‬
‫الحرية في تلك البلدان ال تي تري د نهبن ا هي على ه ذه الش اكلة؟ ‪ ..‬ل و ك انت هك ذا لم ا‬
‫حصل االنسجام‪ ،‬ولما تطورت‪ ،‬إنهم يريدون من خالل كلمة [الحرية] التي يلقونه ا في‬
‫عقول الشباب أن يفرضوا سلطتهم عليكم ويس لبوا ح ريتكم‪ ،‬إنهم ي دركون م ا يفعل ون‪،‬‬
‫يقولون‪ :‬أنتم قمتم بثورة فأنتم اآلن أحرار‪ ،‬أنت تحدث بما تشاء عن ذاك‪ ،‬وذاك يتح دث‬
‫عنك بما يشاء‪ ،‬وهذا يسخر قلمه ضدك‪ ،‬وأنت تسخر قلمك ضد اآلخرين‪ ،‬إنهم يدركون‬
‫م ا يفعل ون‪ ،‬ويري دون من خالل الحري ة أن يس لبوا ح ريتكم‪ ..‬أي أن يوج دوا عن دكم‬
‫الحرية غير الصحيحة‪ ،‬ويسلبوا منكم الحرية الحقيقية)(‪)2‬‬
‫وهو يقصد بالحرية الحقيقية المفهوم العرفاني له ا‪ ،‬وال ذي يع ني س يطرة العق ل‬
‫على الهوى‪ ،‬وتحكم الروح في النفس‪ ،‬كما عبر عن ذلك الشيخ مرتضى مطه ري عن د‬
‫ذكره لقصة بشر الحافي مع اإلمام موسى الك اظم‪ ،‬وال تي ع بر عنه ا تعب يرا جميال في‬
‫كتابه [الهجرة والجهاد]؛ فقال‪( :‬في عصر اإلمام الكاظم كان في بغداد رج ل مع روف‬
‫يقال له بشر‪ ،‬وكان ممن يشار إليه بالبنان‪ ،‬وحدث يوما ً أن كان اإلمام الك اظم م اراً من‬
‫أمام بيت بشر‪ ،‬فاتفق أن فتحت جارية باب ال دار إللق اء بعض الفض الت‪ ،‬وحين رمت‬
‫بها في الطريق سألها اإلمام قائالً‪ :‬يا جارية ه ل ص احب ال دار ح ر أم عب د؟! فأجابت ه‬
‫من حديث في أوساط طبقات الشعب المختلفة بتاريخ ‪ ،3/1979 /29‬انظر‪ :‬المرأة في فك ر اإلم ام الخمي ني‬ ‫‪)(1‬‬
‫(ص‪.)26 :‬‬
‫‪ )(2‬منهجية الثورة اإلسالمية‪ ،‬مقتطفات من أفكار وآراء اإلمام الخميني‪ ،‬ص ‪.371‬‬

‫‪108‬‬
‫الجارية وهي مستغربة من سؤاله هذا‪ ،‬وبشر رجل معروف بين الناس‪ ،‬وقالت‪ :‬بل هو‬
‫حر‪ ،‬فقال اإلمام‪( :‬صدقت لو كان عبداً لخاف من مواله)(‪)1‬‬
‫ثم ذكر كيف أثرت تلك الكلمة في بشر عن دما أخبرت ه به ا الجاري ة‪ ،‬وأن ه ذهب‬
‫إلى منزل اإلمام‪ ،‬فتاب على يده واعتذر‪ ،‬ثم حكى مطهري بلس ان حال ه قول ه‪( :‬س يدي‬
‫أريد من هذه الساعة أن أصبح عبداً‪ ،‬ولكن عب داً هلل‪ ،‬ال أري د ه ذه الحري ة المذل ة ال تي‬
‫تأسر اإلنسانية ف ّي‪ ،‬وتطلق العنان للشهوة الحيوانية‪ ،‬ال أريد حري ة الس عي وراء الج اه‬
‫والمنصب‪ ،‬ال أريد حرية الخوض في مس تنقع ال ذنوب وأغ دو أس يراً له ا‪ ،‬ال أري د أن‬
‫تُؤسر ف ّي الفطرة السليمة والعقل السليم‪ ،‬من ه ذه الس اعة أري د أن أص بح عب داً هلل وهلل‬
‫وحده‪ ،‬حراً تجاه غيره)‬
‫وانطالقا من هذا دعا ق ادة الث ورة اإلس المية إلى إحي اء س نة األم ر ب المعروف‬
‫والنهي عن المنكر‪ ،‬والتي مارسها اإلمام موسى الكاظم كما مارسها س ائر األئم ة‪ ،‬ب ل‬
‫هي شريعة من شرائع هللا الكبرى‪ ،‬التي ال تقوم بها الجهات الرسمية فقط‪ ،‬بل يقوم به ا‬
‫جميع المسلمين؛ فالشعب جميعا مكلف بمراقبة سلوكات بعض ه بعض ا‪ ،‬والنهي عن أي‬
‫منكر ال يتناسب مع الشريعة‪.‬‬
‫وقد ذكر الخميني ذلك عند انتقاده للمفهوم الغربي للحرية‪ ،‬والذي ال يتناس ب م ع‬
‫الفطرة السليمة‪ ،‬كما ال يتناسب مع المجتمع اإليراني المحاف ظ؛ فق ال‪( :‬لنعلم جميع ا أن‬
‫الحرية على الطراز الغربي تؤدي إلى تدمير الش بان فتي ات وفتي ة‪ ،‬وهي مدان ة بنظ ر‬
‫اإلسالم والعقل‪ ،‬ومحرم تلك الدعاية والمقاالت والخطابات والكتب والصحافة المنافي ة‬
‫لإلس الم والعف ة العام ة ومص الح البالد‪ ،‬وواجب علين ا جميع ا‪ ،‬وعلى المس لمين كاف ة‬
‫منعها‪ ،‬ويجب منع المدمر من الحريات‪ ،‬والجميع مسؤولون للتصدي بح زم لم ا يح رم‬
‫في الشرع‪ ،‬وما يعرقل مسيرة الشعب والبل د اإلس المي‪ ،‬ويتن افى وكرام ة الجمهوري ة‬
‫اإلسالمية‪ ،‬الجميع مسؤولون‪ ،‬وإذا ما شاهد الناس وشبان حزب هللا أيا من تلك الموارد‬
‫فليراجعوا األجهزة المختصة‪ ،‬وإذا م ا قص رت ه ذه فهم بأنفس هم مكلف ون بمن ع ذل ك‪،‬‬
‫وكان هللا تعالى بعون الجميع)(‪)2‬‬
‫وقال‪( :‬كم ا أن ك ل ف رد مط الب بإص الح نفس ه‪ ،‬فإن ه مط الب أيض ا ً بإص الح‬
‫اآلخرين)(‪)3‬‬
‫وهو ينقل لهم ما ورد في النصوص المقدسة من ذلك‪ ،‬ومنها قوله ‪( :‬ال ي زال‬
‫الناس بخير ما أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر وتع اونوا على ال بر‪ ،‬ف إذا لم يفعل وا‬
‫ذلك نزعت منهم البركات وسلط بعضهم على بعضهم‪ ،‬ولم يكن لهم ناص ر في األرض‬
‫وال في السماء)(‪)4‬‬

‫‪ )(1‬الهجرة والجهاد مطهري (ص‪.)2 :‬‬


‫‪ )(2‬منهجية الثورة االسالمية‪ ،‬مقتطفات من أفكار وآراء اإلمام الخميني‪ ،‬ص ‪..359 360‬‬
‫‪ )(3‬الكلمات القصار ‪ .‬ص‪..245‬‬
‫العاملي‪ ،‬ج ‪ ،11‬ص ‪..399‬‬
‫ّ‬ ‫‪ )(4‬وسائل الشيعة‪ ،‬الحرّ‬

‫‪109‬‬
‫فه ذه الرواي ة تش ير إلى (االرتب اط الغي بي بين المعاص ي والمش اكل الدنيوي ة‪..‬‬
‫فالمش اكل االقتص ادية والفتن بين الن اس باإلض افة إلى أس بابها الطبيعي ة له ا ارتب اط‬
‫بالنهي عن المنكر‪ ،‬وهي نوع من العقاب اإللهي لترك هذه الفريضة)(‪)1‬‬
‫وينقل لهم أيضا م ا روي عن اإلم ام الحس ين‪ ،‬وأس باب ثورت ه‪ ،‬وقول ه‪( :‬إني لم‬
‫أخ رج أش راً وال بط راً وال ظالم ا ً وال مفس داً‪ ،‬وإنم ا خ رجت لطب اإلص الح في أم ة‬
‫جدي‪ ،‬أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر وأسير بسيرة جدي وأبي)(‪)2‬‬
‫ويستنتج من هذه النص وص وغيره ا أن (األم ر ب المعروف والنهي عن المنك ر‬
‫واجب على كافة أبناء الشعب)(‪)3‬‬
‫ويقول مخاطبا شعبه داعيا إلى المب ادرة في مواجه ة المنك ر قب ل أن يستش ري‪:‬‬
‫(إذا لم تقفوا بوجه الفساد منذ بداية ظهوره فليس من المستبعد أن نعود إلى ما كنا علي ه‬
‫في السابق)(‪)4‬‬
‫بل إنه يدعو إلى التعام ل بش دة م ع من يح ارب المجتم ع بنش ر قيم الفس اد في ه‪،‬‬
‫ويقول عنه‪ ،‬وعن حكمه الشرعي‪( :‬إن من يعمل على إفساد المجتم ع وال يرع وي عن‬
‫ذلك إنما هو غدة سرطانية يجب فصلها عن المجتمع)(‪)5‬‬
‫ولهذا ال نستغرب من تل ك األحك ام المش ددة ال تي يواج ه به ا القض اء اإلي راني‬
‫المروجين للمخدرات والمتاجرين بها‪ ،‬أو أولئك العابثين باألمن العام‪ ،‬والتي لقيت نق دا‬
‫كبيرا من المغرضين ال ذين راح وا يرحم ون المج رمين حفاظ ا على حق وق اإلنس ان‪،‬‬
‫ويتركون الضحايا(‪. )6‬‬
‫وهكذا نجد الولي الفقيه الح الي الس يد علي الخ امنئي يص رح ك ل حين بوج وب‬
‫قيام الشعب جميعا باإلصالح واألمر بالمعروف والنهي عن المنك ر‪ ،‬وإبالغ الس لطات‬
‫المسؤولة في حال الحاجة إلى ذلك‪.‬‬
‫ومن أمثلة ذلك قوله(‪( :)7‬األمر بالمعروف والنهي عن المنك ر تكلي ف ع ام‪ ،‬وال‬
‫يوج د خط اب يف وق في ش ّدته وحزم ه خط اب األم ر ب المعروف)‪ ،‬وقول ه‪( :‬األم ر‬
‫بالمعروف ليس ضربا ً من الفضول‪ ،‬بل هو نوع من التعاون والرقابة العا ّمة على نش ر‬
‫الخير وتق ويض الش ر والفس اد)‪ ،‬وقول ه‪( :‬عن دما يش يع األم ر ب المعروف والنهي عن‬
‫المنكر بين أوساط المجتمع‪ ،‬ف إن ذل ك س يؤ ّدي إلى أن تعت بر الخطيئ ة في نظ ر الن اس‬
‫ّ‬
‫وتفش ت في‬ ‫خطيئة إلى األبد)‪ ،‬وقوله‪( :‬إذا أهمل األمر بالمعروف والنهي عن المنك ر‪،‬‬
‫الخميني‪( ،‬ص‪)13 :‬‬
‫ّ‬ ‫‪ )(1‬إصالح المجتمع في فكر اإلمام‬
‫‪ )(2‬بحار األنوار‪ ،‬المجلسي‪ ،‬ج ‪ ،44‬ص ‪..329‬‬
‫‪ )(3‬الكلمات القصار‪ ،‬ص‪..105‬‬
‫‪ )(4‬المرجع السابق‪.‬‬
‫‪ )(5‬الكلمات القصار‪ ،‬ص‪..104‬‬
‫‪ )(6‬انظر مقاال بعنوان‪ :‬على إيران إلغاء اإلعدامات المتعلقة بالمخ درات‪ ،‬بت اريخ ‪ 20‬يولي و ‪ ،2017‬ففي ه‪ :‬ق الت‬
‫[هيومن رايتس ووتش] اليوم إن على الحكومة اإليرانية إلغاء جميع عمليات اإلعدام المتصلة بجرائم المخدرات‪..‬‬
‫‪ )(7‬انظر هذه المقوالت مع المناسبات التي قيلت فيها في‪ :‬الكلمات القصار‪ ،‬الخامنئي‪ ،‬ص‪..123‬‬

‫‪110‬‬
‫المجتم ع األفع ال المنك رة‪ ،‬إذ ذاك س تمهّد األرض يّة إلى أن يمس ك األراذل بزم ام‬
‫األمور)‪ ،‬وقوله‪( :‬على الشعب أن يطالب المس ؤولين بالعم ل الص الح‪ ،‬وليس ذل ك عن‬
‫طريق الدعوة والرج اء‪ ،‬ب ل عن طري ق األم ر)‪ ،‬وقول ه‪( :‬ال يتح ّدد النهي عن المنك ر‬
‫بالردع عن الذنوب الشخصيّة‪ ،‬ب ل ه و معش ار العش ر من ه)‪ ،‬وقول ه‪( :‬هن اك منك رات‬
‫ش ائعة على ص عيد المجتم ع ينبغي النهي عنه ا من قبي ل إه دار ال ثروات العا ّم ة‬
‫والحياتيّة)‪ ،‬وقوله‪( :‬القول بجواز النهي عن المنكر باللسان ووجوبه هو واجب الجمي ع‬
‫ي ظرف)‪ ،‬وقوله‪( :‬النظ ام اإلس المي ه و نظ ام األم ر ب المعروف‬ ‫وال يسقط في ظ ّل أ ّ‬
‫والنهي عن المنك ر والقي ام بهم ا واجب حتم ّي على الجمي ع)‪ ،‬وقول ه‪( :‬ال ينحص ر‬
‫المأمورون بالمعروف والمنهيّون عن المنكر في طبقة العوام فحس ب‪ ،‬ب ل ربّم ا ك انوا‬
‫من الخواصّ أيضاً)‪ ،‬وقوله‪( :‬إيّ اكم أن تتوجّه وا إلى ش خص من النخب ة بالرج اء‪ ،‬ب ل‬
‫عليكم أن تنهوه‪ ،‬قائلين‪ :‬ال تفعل هذا الشي ء‪ ،‬فالحال ة االس تعالئيّة ال ب ّد من تمثّله ا في‬
‫األمر والنهي)‪ ،‬وقوله‪( :‬الجميع مخاطبون باألمر ب المعروف والنهي عن المنك ر ح تى‬
‫لو كان الش خص أك ثر أهميّ ة)‪ ،‬وقول ه‪( :‬األم ر ب المعروف والنهي عن المنك ر إح دى‬
‫الواجبات‪ ،‬وال يتح ّمل محاباة وخجالً)‬
‫وغيره ا من المق والت الكث يرة‪ ،‬وال تي تحم ل مع اني س امية ترتب ط باإلص الح‬
‫االجتماعي‪ ،‬بل بكل أنواع اإلصالح‪ ،‬ذلك أن الهيئات الرسمية وحدها ال يمكن أن تق وم‬
‫بكل شيء‪ ،‬أو تراقب كل شيء‪.‬‬
‫ولهذا استطاع اإليرانيون بمشاركتهم لحكومتهم ونظامهم إحباط ك ل الم ؤامرات‬
‫والفتن التي دبر لها األعداء‪ ،‬ذلك أن الذي ب ادر بمواجه ة المت آمرين هم الش عب نفس ه‬
‫قبل أن تتدخل قوات األمن‪.‬‬
‫انطالقا من هذا سنذكر هنا باختصار نم وذجين من نم اذج الحري ة الس لبية ال تي‬
‫واجهها النظام اإليراني لمنافاتها الشريعة اإلس المية‪ ،‬وق د القت تل ك المواجه ة الكث ير‬
‫من النقد من طرف المغرضين‪.‬‬
‫‪ 1‬ـ المظاهر الغربية ومواجهتها‪:‬‬
‫اس تعمل النظ ام اإلي راني البائ د ك ل الوس ائل لنش ر مظ اهر الحي اة الغربي ة في‬
‫اللباس وأنماط المعيشة المختلفة‪ ،‬متأثرا في ذلك بما عليه الحال في تركيا‪ ،‬ذلك أنه بع د‬
‫تنصيب الشاه (رضا بهل وي) في ع ام ‪1926‬م‪ ،‬ح اول أن يتق رب من مص طفى كم ال‬
‫أتاتورك‪ ،‬وأن يقيم عالقات جديدة معه‪ ،‬وكان متأثرا به تأثرا شديدا‪ ،‬ولذلك استعمل كل‬
‫الوسائل لتحويل إيران إلى نفس النمط الذي تحولت إليه تركيا الحديث ة‪ ،‬ول وال مواجه ة‬
‫العلماء‪ ،‬وتأثيرهم في الشعب اإليراني لتم له الكثير مما أراد‪.‬‬
‫ومن تل ك المظ اهر ال تي ح رص على ال دعوة إليه ا إدخ ال التقالي د الغربي ة في‬
‫اللباس والحفالت وجميع شؤون الحياة‪ ،‬ولذلك كره الشعب اإليراني ـ بحكم تدين ه أوال‪،‬‬
‫وبحكم كراهيته للشاه واستبداده ثانيا ـ تل ك المظ اهر‪ ،‬وراح يتعل ق بالعلم اء والمراج ع‬
‫الرافضين لذلك‪.‬‬
‫ولهذا؛ فإن الدعوة لمواجهة التغريب ومظاهره المختلف ة لم تل ق أي ردود س لبية‬

‫‪111‬‬
‫من طرف الشعب اإليراني‪ ،‬بل إنه نفس ه ب ادر لل دعوة إلى مواجهته ا‪ ،‬وخاص ة بع دما‬
‫تشبع بتلك الخطب والبيانات الكثيرة التي كان يلقيها قادة الثورة اإلسالمية‪ ،‬وخصوص ا‬
‫الخمي ني ال ذي لم يكن ي دع مناس بة إال وينك ر في ه على مظ اهر التغ ريب والس فور‬
‫واالنحراف التي ينشرها الشاه‪ ،‬عبر القوانين التي يضعها كل حين‪.‬‬
‫وقد عبر الخمي ني عن ذل ك ال دور المش بوه ال ذي ق ام ب ه الش اه لنش ر المظ اهر‬
‫السلبية للتغريب بحجة التمدن والتحض ر؛ فق ال‪( :‬في عه د ه ذا النظ ام (بهل وي) ال ذي‬
‫ك انت تتع الى في ه الص يحات (النس اء ح رات‪ ،‬الرج ال أح رار) م اذا ك انت نش اطات‬
‫المرأة؟ النشاط الذي شاهدناه من النساء هو قيام مجموعة من النس وة بال ذهاب إلى ق بر‬
‫رضا خان بذلك الوضع المخزي لتقديم شكرهن ألنه حررهن‪ ،‬أما كيف حررهن وماذا‬
‫فعل؟ فإنهن ال يفك رن به ذا‪ ..‬ال يفك رن بأن ه أرادهن أح رارا م ع الرج ال من دون أي‬
‫ضوابط أخالقية‪ ..‬لتشارك النسوة في تلك المجالس التي كانت تقام‪ ،‬وتظه ر أم ام أعين‬
‫الرجال غير النزيهة بذلك الوضع‪ ..‬إنهم يريدون حرية الفحشاء بكل أنواعها)(‪)1‬‬
‫ويذكر الخميني أنه في الوقت الذي كان يسمح فيه به ذا الن وع من الحري ة‪ ،‬ك ان‬
‫االستبداد والقم ع س اريا في ك ل ش ؤون الحي اة؛ يق ول في ذل ك متس ائال‪ ..( :‬أي ام رأة‬
‫تمكنت أن تتحدث عن قض ايا الس اعة‪ ،‬وأي رج ل اس تطاع أن يكتب كلم ة واح دة عن‬
‫المش اكل ال تي يع اني منه ا ش عبنا بس بب ت دخل األج انب وعمالئهم ال داخليين؟‪ ..‬وأي‬
‫مطبوعة من مطبوعاتنا كانت حرة؟ ومتى كان المذياع والتلفاز حرا؟ ومتى كان الناس‬
‫والشبان وطالب الجامعات وطلبة العلوم الدينية أحراراً؟)(‪)2‬‬
‫ويجيب عن هذه التساؤالت بقوله‪( :‬إن الحري ة الواقعي ة المفي دة لمجتمعن ا ك انت‬
‫مسلوبة تماما خالل هذه الخمسين سنة التي ش اهدت فيه ا مختل ف القض ايا؛ فالنس وة لم‬
‫يملكن الحري ة لممارس ة النش اط االجتم اعي أو التح دث عن المص ائب ال تي يعانيه ا‬
‫الشعب‪ ،‬وال ويالت ال تي لحقت ب ه من الش رق والغ رب‪ ،‬ولم يس مح لهن بالتح دث وال‬
‫بكلمة واحدة عن مصائب الشعب من الحكومات العميلة وما أصاب الشعب بسببه) (‪)3‬‬
‫وفي نفس الوقت الذي اهتم فيه الشاه بإشاعة المظ اهر الغربي ة‪ ،‬لم يهتم بتط وير‬
‫بالده في النواحي التي كان عليه ا أن يس تفيدها من الغ رب‪ ،‬يق ول في خط اب ل ه عن د‬
‫بيانه آلثار الشاه الس لبية على المجتم ع اإلي راني‪( :‬إن ه ذا الش اه جع ل ثقافتن ا متخلف ة‬
‫بحيث اليحصل شباننا على العلم التام والكافي هنا ويمس ون بع د م دة من الدراس ة م ع‬
‫ك ل م ا يرافقه ا من ص عوبات وض غوط يمس ون مض طرين للس فر إلى خ ارج البالد‬
‫إلكمال دراساتهم‪ ..‬إننا نملك دراسات جامعية منذ خمسين عاما أو أكثر‪ ،‬ونملك جامع ة‬
‫منذ أكثر من ثالثين عاما‪ ،‬ولكن وألنهم خانونا‪ ،‬فإن هذه الجامع ة لم تتط ور ولم تحق ق‬

‫‪ )(1‬منهجية الثورة اإلسالمية‪ ،‬مقتطفات من أفكار وآراء اإلمام الخميني‪ ،‬ص ‪..361 362‬‬
‫‪ )(2‬المرجع السابق‪.‬‬
‫‪ )(3‬المرجع السابق‪.‬‬

‫‪112‬‬
‫ألبنائها بلوغا أنسانيا‪ .‬لقد قضى هذا الشخص على جميع أبنائنا وعلى طاقاتنا البش رية)‬
‫(‪)1‬‬
‫وفي المقابل يذكر الخميني أن هذا الشاه الذي لم يهتم بالتطوير العلمي لبل ده راح‬
‫يهتم بمظاهر االبتذال المتنافية م ع الش عب اإلي راني‪ ،‬يق ول‪( :‬لق د أق ام ه ذا الش خص‪-‬‬
‫ونتيجة لعبوديته لآلخرين‪ -‬بإنشاء مراكز الفحش اء‪ ،‬فبرامج ه التلفزيوني ة ليس ت س وى‬
‫فحشاء‪ ،‬وبرامجه اإلذاعية في أغلبها فحشاء‪ ،‬وجميع المراكز ال تي أج ازوا فتحه ا هي‬
‫مراكز للفحشاء يعضد بعضها بعضا‪ ،‬فمراكز بيع الخمور أكثر من مراكز بي ع الكتب‪،‬‬
‫ومراكز الفساد األخرى تنتشر الى ما شاء هللا)(‪)2‬‬
‫ثم بين أن ه ال ينتق د الس ينما وال الفن ون‪ ،‬وال التط ور‪ ،‬وإنم ا ينتق د اس تخدامها‬
‫إلشاعة الفحش اء‪ ،‬يق ول‪( :‬نحن ال نع ارض دور الع رض الس ينمائي‪ ،‬ولكنن ا نع ارض‬
‫مراك ز الفحش اء‪ ،‬نحن ال نع ارض اإلذاع ة ولكن نع ارض الفحش اء‪ ،‬نحن ال نع ارض‬
‫التلفزيون بل نع ارض م ا يقوم ون ب ه خدم ة لالج انب ولإلبق اء على ابنائن ا متخلفين‪،‬‬
‫ولتدمير طاقاتنا البشرية‪ ..‬متى عارضنا التجديد؟ متى عارض نا مراك ز التط ور؟ ‪ ..‬إن‬
‫السينما احد مظاهر التحضر التي ينبغي توظيفه ا لخدم ة الن اس ول تربيتهم‪ ،‬لكن وكم ا‬
‫تعلمون فانها قد دفعت ابنائنا نحو الضياع‪ ،‬وكذا هو حال سائر ه ذه المراك ز‪ .‬ل ذا فانن ا‬
‫نعارضها‪ ،‬وهؤالء قد خانوا بالدنا بهذه الطريقة) (‪)3‬‬
‫وهو يذكر أن ذلك التمجيد الذي حصلت علي ه إي ران في عه د الش اه من ط رف‬
‫القوى الغربية لم يكن بسبب مراعاته للحري ات‪ ،‬أو حق وق اإلنس ان‪ ،‬وإنم ا بس بب تل ك‬
‫المصالح التي ينالونها منه‪ ،‬والتي تضر بالشعب اإليراني‪ ،‬يقول‪( :‬أما نفطنا فقد أعطوه‬
‫إلى اآلخ رين بالكام ل‪ ..‬أعط وه ألمريك ا وغ ير أمريك ا‪ .‬وم اذا اخ ذوا في المقاب ل من‬
‫أمريكا؟ أخذوا منها أسلحة ومعدات إلقامة قواعد لها؟ فنحن أعطيناهم النفط وأقمن ا لهم‬
‫قواعد في أراضينا‪ ،‬وتمكنت أمريكا بهذه الحيلة التي ساهم فيه ا ه ذا المخل وق (الش اه)‬
‫من االستحواذ على نفطنا وتشييد قواعد لها بثمنه‪ ،‬فق د ص درت امريك ا إلين ا اس لحة ال‬
‫يمكن لجيشنا االستفادة منها إال بمساعدة المستشارين والخبراء األمريكان)(‪)4‬‬
‫وهكذا يذكر الخ امنئي ذل ك التغ ريب الس لبي ال ذي ق امت ب ه أس رة الش اه طيل ة‬
‫حكمها إليران؛ فقال‪( :‬حين آل األمر إلى أُسرة بهلوي ارتكبوا من الفعال م ا ه و أس وأ‬
‫بكثير مما ارتكب في العهد القاجاري؛ فأسرة بهلوي ضربت على قواعد الثقاف ة الذاتي ة‬
‫الخاصة للشعب وزلزلت أركانه ا‪ ،‬وأنش بت أظ افر التخ ريب فيه ا‪ ،‬ح تى حلت الثقاف ة‬
‫المستوردة بدالً من الثقافة الخاصة‪ ،‬ونفذت في أغلب مرافق حياتنا وشؤونها)(‪)5‬‬

‫‪ )(1‬صحيفة اإلمام‪ ،‬ج ‪ ، 6‬ص ‪.23‬‬


‫‪ )(2‬المرجع السابق‪ ،‬ج ‪ ، 6‬ص ‪.24‬‬
‫‪ )(3‬المرجع السابق‪ ،‬ج ‪ ، 6‬ص ‪.23‬‬
‫‪ )(4‬المرجع السابق ‪ ،‬ج ‪ ،6‬ص‪.22 :‬‬
‫‪ )(5‬الثورة اإلسالمية والغزو الثقافي (ص‪.)4 :‬‬

‫‪113‬‬
‫وض رب أمثل ة على ذل ك؛ فق ال‪( :‬ك ان ش عبنا ملتزم ا ً ط وال ق رون الحض ارة‬
‫اإلسالمية‪ ،‬برعاية اآلداب في طبيعة العالقة بين الم رأة والرج ل‪ ،‬وه ذا ال يع ني ع دم‬
‫وق وع ح االت من الخط أ والمعص ية؛ فالخط أ موج ود في ك ّل العص ور وفي مختل ف‬
‫المجاالت‪ ،‬وسيبقى أفراد البشر عرضه للخطأ أبداً‪ .‬ولكن ث َّم ف رق بين الخط أ‪ ،‬وبين أن‬
‫يتحوّل الخط أ إلى ع رف ع ام في المجتم ع وعلى ص عيد الش عب‪ ،‬لق د ك انت مج الس‬
‫األشراف وبالطات الملوك واألم راء ومن يق ع على ش اكلتهم‪ ،‬هي وح دها ال تي تش هد‬
‫مجالس الل ذة والط رب والفحش اء‪ ،‬حيث تمض ي اللي الي الحم راء ح تى الص باح به ذه‬
‫الخطايا‪ ،‬قد سعى األوروبيون ـ الذين ال تغلق باراتهم طوال الليل والنه ار ـ أن ي دفعوا‬
‫مجتمعنا صوب هذه العادات المشؤومة الفاسدة)(‪)1‬‬
‫بل إن األمر وصل به ـ كما يذكر الخامنئي ـ إلى درجة الدعوة إلى تغيير اللب اس‬
‫الوطني المحاف ظ لإلي رانين‪ ،‬واس تبداله ب الزي الغ ربي‪ ،‬يق ول‪( :‬لكم أن تالحظ وا اآلن‬
‫مقدار الفضيحة التي تنطوي عليها ممارسة ملك قام باستبدال الزي الوطني لشعبه م رَّة‬
‫واحدة دفعةً! إذا ذهبتم إلى أقصى نقاط الدنيا‪ ،‬كالهند مثالً تجدون أن الشعوب له ا زيَّه ا‬
‫الوطني وهي تفتخر به‪ ،‬وال تش عر بالخج ل أو الع ار من ه‪ ،‬ولكن ه ؤالء غيّ روا ال زي‬
‫الوطني ومنعوه مرة واحدة‪ ،‬لماذا؟ زعموا أن اإلنسان ال يكون عالما ً مع هذا الزي! في‬
‫حين نجد أن أبرز العلم اء اإليران يين‪ ،‬ال ذي ال زالت آث اره ت درس في أوروب ا‪ ،‬ع اش‬
‫بهذه الثقافة وأمضى حياته بهذا الزي‪ ،‬ترى ما ه و ت أثير ال زي؟ وم ا ه و الكالم ال ذي‬
‫يجافي المنط ق ويبعث على الس خرية؟‪ ..‬لق د اس تبدلوا ال زي الوط ني ومنع وا ارت داء‬
‫إن المرأة ال تستطيع أن تتحوّل إلى عالم ة م ع الحج اب (العب اءة) وال‬ ‫الحجاب‪ .‬وقالوا ّ‬
‫يمكن أن يكون لها مشاركة في الفعاليات االجتماعية! أتوجه إلى هؤالء بسؤال‪ :‬إلى أي‬
‫م دى اس تطعن النس اء أن يش اركن في الفعالي ات االجتماعي ة بمن ع الحج اب وتح ريم‬
‫العباءة؟ هل سمح عهد رضاخان وابنه للمرأة أن تشارك في الفعاليات االجتماعي ة؟ في‬
‫عهد حرم الرجل من ممارسة الفعالية االجتماعية كما حرمت من ذلك المرأة أيضاً)(‪)2‬‬
‫ثم بين أن التحضر والرقي ال يرتبط بتلك المظ اهر الغربي ة‪ ،‬ب ل يرتب ط بتوف ير‬
‫البيئة المناسبة للتطور والرقي‪ ،‬يقول‪( :‬لق د اس تطاعت الم رأة في إي ران أن تلج مي دان‬
‫العمل االجتماعي وتحوّل البلد بإرادته القوية‪ ،‬حيث جرّت الرجل إلى الساحة وراءه ا‪،‬‬
‫حينما ارتدت الحجاب ووضعت العباءة على رأسها‪ ..‬ثم م ا ت أثير ال زي والحج اب في‬
‫عدم فعالي ة الم رأة أو الرج ل؟ المهم ه و القلب ال ذي ينط وي علي ه ه ذا الرج ل وتل ك‬
‫المرأة‪ ..‬والمهم هو كيف يفكر؟ وما ه و ق در إيمانهم ا‪ ،‬وم ا هي طبيع ة الروحي ة ال تي‬
‫ينطوي كل منهما عليها‪ ،‬وطبيعة ال دافع ال ذي يس وقهما لممارس ة الفعالي ة االجتماعي ة‬
‫والنشاط العلمي؟)(‪)3‬‬

‫‪ )(1‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.5‬‬


‫‪ )(2‬الثورة اإلسالمية والغزو الثقافي (ص‪.)6 :‬‬
‫‪ )(3‬الثورة اإلسالمية والغزو الثقافي (ص‪.)7 :‬‬

‫‪114‬‬
‫ثم يعقب متأس فا على ه ذا الموق ف ال ذي نش أ عن التبعي ة للغ رب والش عور‬
‫بالنقص‪( :‬لقد وضع رضاخان ـ هذا الطاغية األمي المتجبر ـ نفسه أُلعوبة بيد األع داء؛‬
‫فغيّ ر ال زي الوط ني واس تبدل الكث ير من اآلداب والس نن الس ائدة بين الش عب‪ ،‬ومن ع‬
‫مزاولة الفعل الديني‪ ،‬وزوى بالدين جانباً‪ ،‬مارس جميع هذه الفعال بالقوة ـ كما تعلمون‬
‫جميعا ً ـ وتحوّل إلى شخصية محبوبة لدى الغرب‪ ،‬لم يكن محبوبا ً من قبل ال رأي الع ام‬
‫في الغ رب‪ ،‬أو أبن اء الش عوب الغربي ة‪ ،‬وإنم ا أض حى محبوب ا ً من قب ل الس لطويين‬
‫والساسة الغربيين)(‪)1‬‬
‫انطالقا من هذا الموقف شرعت القوانين بعد انتصار الثورة اإلس المية‪ ،‬لتواج ه‬
‫كافة أشكال التغريب ومظاهرها الس لبية‪ ،‬وق د لقي ذل ك انتق ادا كب يرا من أولئ ك ال ذين‬
‫كانوا يمجدون الشاه‪ ،‬ويعتبرونه مراعيا لحق وق اإلنس ان‪ ،‬م ع أن ه نهب ث روات البالد‪،‬‬
‫ولم يجلب لها إال الفساد وكل مظاهر االنحراف‪.‬‬
‫ومن تل ك الق وانين ال تي لقيت انتق ادا كب يرا‪ ،‬ب ل جُن د اإلعالم بمختل ف وس ائله‬
‫لتشويه إيران بسببها موقفه ا من اللب اس ‪ ،‬س واء ك ان لب اس الرج ل أو الم رأة‪ ،‬وال ذي‬
‫وضعت قوانين ترتبط به‪ ،‬لتجعله محافظا على أحكام الشريعة‪ ،‬مع أن الشاه نفسه ومعه‬
‫أتاتورك وضعا الق وانين الداعي ة للس فور والمحرم ة للحج اب‪ ،‬وم ع ذل ك لم ين اال من‬
‫اإلنكار ما نالته إيران في عهد الولي الفقيه‪.‬‬
‫ولو أن اإلنك ار ك ان من الغ رب وح ده لم ا تعجبن ا‪ ،‬ذل ك أن الغ رب براغم اتي‬
‫وص احب مص الح‪ ،‬وه و يعطي م ا يش اء من األوص اف لمن يش اء من ال دول؛ لكن‬
‫المشكلة أن يكون اإلنك ار من ال دول العربي ة‪ ،‬ذات المجتمع ات المحافظ ة؛ فق د راحت‬
‫مصر ودول الخليج خصوصا تنكر على تلك القوانين اإليرانية المرتبط ة باللب اس‪ ،‬ب ل‬
‫راحت تدعو الشعب اإليراني للتمرد عليها‪ ،‬واستعملوا في ذلك كل أنواع األكاذيب‪.‬‬
‫ومن األمثلة على ذلك م ا ورد في مق ال بعن وان [ممنوع ات على نس اء إي ران‪:‬‬
‫الرقص والنرجيلة والدراجات وأشياء أخ رى] ج اء في ه‪( :‬من ذ قي ام الث ورة اإلس المية‬
‫اإليرانية عام ‪ ،1979‬فُرضت قيود عدة على المواط نين عموم اً‪ ،‬والنس اء خصوص اً‪،‬‬
‫في البالد‪ ،‬إذ أُج برن على االل تزام بقواع د اللب اس‪ ،‬و ُمنعن من االختالط بالرج ال‪،‬‬
‫باإلضافة إلى ممنوعات أخرى تركزت على الفنون مث ل ال رقص والموس يقى الغربي ة‬
‫ومشاهدة العروض الرياضية) (‪)2‬‬
‫ثم يفص ل في بعض الممنوع ات على الم رأة اإليراني ة‪ ،‬ومنه ا ـ كم ا ي ذكر ـ‬
‫الرقص؛ يقول في ذلك‪( :‬من ذ ع ام ‪ ،1979‬حُظ رت معظم أن واع الفن ون‪ ،‬نتيج ة قي ود‬
‫وأحكام المحافظين‪ ،‬وبينها االستماع إلى الموسيقى الغربية والرقص‪ ،‬ما أنتج نوع ا ً من‬
‫الحرب الثقافية بين السلطات اإليرانية وشبابها‪ ،‬إذ اعتقلت السلطات اإليراني ة أخ يراً ‪4‬‬
‫ش بان وش ابتين‪ ،‬واتهمتهم بتعليم ال رقص الغ ربي‪ ،‬وبينه ا الـ [زومب ا]‪ ،‬والس عي إلى‬
‫‪ )(1‬المرجع السابق‪.‬‬
‫‪ )(2‬ممنوعات على نساء إي ران‪ :‬ال رقص والنرجيل ة وال دراجات وأش ياء أخ رى‪ ،‬موق ع (الع ربي الجدي د)‪10 ،‬‬
‫أغسطس ‪.2017‬‬

‫‪115‬‬
‫[تغي ير نم ط الحي اة] و[ال ترويج لخل ع الحج اب]‪ ،‬وفق ا ً ألح د ق ادة الح رس الث وري‬
‫اإليراني‪ ،‬ورقص سبعة أشخاص (شبان وشابات) على أنغام أغني ة غربي ة ش هيرة في‬
‫‪ ،2014‬ونش روا مقطع ا ً مص وراً على مواق ع التواص ل االجتم اعي لكن الس لطات‬
‫اإليرانية اعتقلتهم‪ ،‬وفرضت عليهم أحكاما ً بالسجن و‪ 91‬جلدة‪ ،‬ما أدى إلى إثارة ال رأي‬
‫العام العالمي‪ ،‬فأوقف الحكم مقابل اعت ذارهم ع بر التلفزي ون الوط ني اإلي راني‪ ،‬وبع د‬
‫أش هر ع دة‪ ،‬رقص ت ش ابة إيراني ة على متن قط ار في العاص مة طه ران‪ ،‬وص ورها‬
‫الركاب‪ ،‬وانتش رت مق اطع الفي ديو على مواق ع التواص ل االجتم اعي في إي ران‪ ،‬لكن‬
‫السلطات لم تستطع تحديد هويتها)(‪)1‬‬
‫هذا مجرد مثال انتقيناه من الكثير من المقاالت اإلخبارية باعتباره أكثرها لطف ا‪،‬‬
‫في مقابل مقاالت إخبارية تصدر كل يوم‪ ،‬لتشوه الموقف اإليراني من المحاوالت ال تي‬
‫يقوم بها الغرب في إطار الحرب الناعم ة لص رف اإليران يين عن دينهم وعن نظ امهم‬
‫وفقهائهم‪.‬‬
‫وقد كان في إمك ان ه ؤالء ال ذين يرغب ون فيم ا ش اءوا من اللب اس أو الغن اء أو‬
‫ال رقص أو النرجيل ة أن يمارس وه في بي وتهم من غ ير أن يت دخل أح د العتق الهم أو‬
‫مواجهتهم‪ ،‬ولكن الغرض ليس هو التمتع بتلك المظ اهر‪ ،‬وإنم ا الغ رض ه و مواجه ة‬
‫القيم التي تبناها المجتمع عبر توليه للولي الفقيه‪ ،‬والقوانين التي يصدرها‪.‬‬
‫ولهذا تصر الكثير من القنوات العربية ووسائل اإلعالم على القيام بحملة إش هار‬
‫مجانية ألولئك األفراد المحدودين الذين يتمردون على القوانين‪ ،‬ويصورون أن ه ؤالء‬
‫هم كاف ة الش عب اإلي راني‪ ،‬وأن الش عب اإلي راني ض اق بتل ك الق وانين ال تي تح د من‬
‫حريته‪.‬‬
‫ولل رد على ه ذه المغالط ة نحب أن ن ذكر هن ا الموق ف الش رعي‪ ،‬ب ل العقلي‬
‫والفطري من ه ذا األم ر‪ ،‬وه و أن اللب اس م ع كون ه حق ا شخص يا لإلنس ان ال يج وز‬
‫التدخل فيه‪ ،‬لكنه إذا أثار فتن ة في المجتم ع‪ ،‬أو س اهم في إفس اده واإلض رار ب ه؛ فإن ه‬
‫حينها يخرج عن كونه حرية شخصية‪ ،‬بل يتحول إلى قضية مرتبطة بالمجتمع‪ ،‬وحينها‬
‫توضع القوانين التي تضبط ذلك‪ ،‬والتي نراها في قوانين العالم جميعا‪.‬‬
‫وال يقال هنا بأن على أفراد المجتمع أن يغض وا أبص ارهم‪ ،‬ألن ذل ك مس تحيل؛‬
‫ف المجتمع يح وي جمي ع أص ناف الن اس‪ ،‬المت دينين وغ يرهم‪ ،‬وفي ه المراهق ون‬
‫والمنحرف ون‪ ،‬وال يص ح أن يتحم ل المجتم ع جميع ا وزر ام رأة ظه ر له ا أن تخ رج‬
‫سافرة بين الناس لتفتنهم‪.‬‬
‫ولو طبقنا هذا األمر ألجزنا لمن يشاء أن يروج المخدرات والخمور وغيرها أن‬
‫يفعل ذلك‪ ،‬ثم نط الب المجتم ع ب أن يت ورع عن الش راء‪ ،‬أو أجزن ا لمن ش اء أن يض ع‬
‫شاشة في الشارع‪ ،‬ويضع فيها ما يشاء له هواه من االنحرافات‪ ،‬ونطالب المجتم ع ب أن‬
‫يغلق عينيه وأذنيه إذا مر عليها‪ ..‬وهذا لم يقل به أحد‪.‬‬

‫‪ )(1‬المرجع السابق‪.‬‬

‫‪116‬‬
‫ولهذا؛ فإن القادة اإليرانيين لم ينظروا إلى اللباس وغيره من المظاهر باعتبارها‬
‫حريات شخصية‪ ،‬وإنما نظ روا إليه ا باعتباره ا اختراق ا يح اول الغ رب من خالل ه أن‬
‫يتسلل للمجتمع إلفساده‪ ،‬وتيسير السيطرة عليه‪.‬‬
‫وقد أشار إلى هذا المعنى الخميني في حوار له مع مذيعة إلحدى القنوات حينها ـ‬
‫وكانت كبيرة السن ـ حيث ق الت ل ه‪( :‬ه ل يعق ل ان تخفي نفس ها وراء ه ذا التش ادور‬
‫[العباءة الس وداء] الم رأة ال تي ش اركت في الث ورة‪ ،‬وقتلت وع ذبت وناض لت ودخلت‬
‫السجون؟)‬
‫فأجابها بقوله‪( :‬أواًل إن المرأة مخيرة في ارتداء التشادور وقد اختارت ه بص ورة‬
‫طوعية‪ ،‬وال يحق لك أن تسلبيهن هذا االختيار‪ ،‬نحن إذا ما طلبنا من النس اء الراغب ات‬
‫في ارتداء التشادور أو الحجاب اإلسالمي النزول إلى الش وارع‪ ،‬فس وف تخ رج ثالث ة‬
‫وثالثون مليونا ً من خمسة وثالثين مليون امرأة‪ ،‬فهل يح ق ل ك الوق وف ب وجههن؟ أي‬
‫استبداد هذا الذي تنسبينه الى النساء؟ ‪ ..‬ثانيا ً نحن ال نحدد حجابا ً بعين ه‪ ،‬كم ا أن النس اء‬
‫الل واتي من عم رك‪ ،‬ال توج د أي ة حساس ية بش أن حج ابهن‪ ،‬ولكنن ا نتص دى للفتي ات‬
‫الش ابات الل واتي يس تخدمن المكي اج المف رط ويخ رجن الى الش وارع متبرج ات حيث‬
‫يالحقهن أفواج الشباب)(‪)1‬‬
‫وتمنينا لو أن هؤالء ال ذين ينك رون على إي ران التزامه ا به ذه المظ اهر الديني ة‬
‫المحافظة‪ ،‬طبقوا ما ذكره الخميني‪ ،‬والحظوا أعداد الذين يطالبون بحقوقهم في الت برج‬
‫والسفور‪ ،‬وقارنوها بعدد الذين يرتدون الحجاب من تلقاء أنفس هم‪ ،‬لخفف وا من غل وائهم‬
‫وتشددهم‪ ،‬وعلموا أنهم يقفون في وجه شعب كامل من أجل حفنة محدودة‪.‬‬
‫ول و أنهم أض افوا إلى تل ك المقارن ة زي ارة الجامع ات والم دارس والس ينما‬
‫والمسرح والمؤسسات الرياضيةوكل المحال لوجدوا للمرأة حض ورا قوي ا ال يض اهيه‬
‫أي حضور في كل تلك الدول التي ال هم لها إال تشويه إيران‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ االنحالل األخالقي ومواجهته‪:‬‬
‫بناء على ما ذكرنا في الفصل األول من أن الحكومة اإللهية تختلف في وظائفه ا‬
‫عن الحكومة الوضعية والعلمانية‪ ،‬ذلك أن ه دف األخ يرة قاص ر على رعاي ة حاج ات‬
‫المجتمع المادية‪ ،‬وعلى توف ير رغبات ه الدنيوي ة‪ ،‬بينم ا الحكوم ة اإللهي ة‪ ،‬وال تي مثله ا‬
‫الرسل وخلفاؤهم؛ ال تهتم ب ذلك فق ط‪ ،‬وإنم ا تهتم قبل ه وبع ده ببن اء المجتم ع الص الح‪،‬‬
‫وتوفير كل ما يخدم هذا البناء‪ ،‬والوقوف في وجه كل ما يعترضه‪ ،‬كم ا ق ال تع الى في‬
‫ث فِي اأْل ُ ِّميِّينَ َر ُسواًل ِم ْنهُ ْم يَ ْتلُو َعلَ ْي ِه ْم آيَاتِ ِه‬
‫تعداد وظائف رسول هللا ‪ ﴿ :‬ه َُو الَّ ِذي بَ َع َ‬
‫ين﴾ [الجمعة‪]2 :‬‬ ‫ضاَل ٍل ُمبِ ٍ‬ ‫َاب َو ْال ِح ْك َمةَ َوإِ ْن َكانُوا ِم ْن قَ ْب ُل لَفِي َ‬
‫َويُ َز ِّكي ِه ْم َويُ َعلِّ ُمهُ ُم ْال ِكت َ‬
‫فالتزكي ة‪ ،‬وهي ترقي ة اإلنس ان وتربيت ه اإليماني ة والروحي ة واألخالقي ة من‬
‫مهمات رس ول هللا ‪ ،‬وال تي ي ذكر ق ادة الث ورة اإلس المية في إي ران أن على ال ولي‬
‫الفقيه أن يتوالها باعتباره نائبا عن رسول هللا ‪ ،‬وعن األئمة في هذه الوظيفة‪.‬‬

‫‪ )(1‬صحيفة اإلمام‪ ،‬ج‪ ،10‬ص‪.79 :‬‬

‫‪117‬‬
‫ومن بين الوسائل التي تستعمل للتزكي ة ـ حس بما ورد في النص وص المقدس ة ـ‬
‫الحدود والتعزيرات ال تي يس تعملها الح اكم المس لم ليحف ظ المجتم ع من تس رب أدوات‬
‫الفساد إليه‪ ،‬ذلك أن فردا واح دا أو أف رادا مع دودين من المنح رفين يمكنهم إذا أعطيت‬
‫لهم الحري ة الكافي ة الخالي ة من أي ردع أن يفس دوا مجتمع ا ك امال‪ ،‬ول ذلك ورد في‬
‫األثر‪( :‬إن هللا يزع بالسلطان ما ال يزع بالقرآن)‬
‫وقد نص القرآن الكريم على هذا المعنى في قوله تعالى عن د بي ان ح د الفاحش ة‪:‬‬
‫﴿ال َّزانِيَةُ َوال َّزانِي فَاجْ لِدُوا ُك َّل َوا ِح ٍد ِم ْنهُ َما ِمائَةَ َج ْل َد ٍة َواَل تَأْ ُخ ْذ ُك ْم بِ ِه َم ا َر ْأفَ ةٌ فِي ِدي ِن هَّللا ِ‬
‫إِ ْن ُك ْنتُ ْم تُ ْؤ ِمنُونَ بِاهَّلل ِ َو ْاليَوْ ِم اآْل ِخ ِر َو ْليَ ْشهَ ْد َع َذابَهُ َما طَائِفَ ةٌ ِمنَ ْال ُم ْؤ ِمنِينَ ﴾ [الن ور‪،]2 :‬‬
‫فقد ربط هللا تعالى بين عقوبة الزناة مع أم ره بحض ور جم اهير الن اس للعقوب ة‪ ،‬ح تى‬
‫يكون ذلك وازعا تربويا لهم‪ ،‬باإلضافة لوسائل أخرى سنعرفها إن ش اء هللا في الفص ل‬
‫الخاص بالقيم التربوية من هذا الكتاب‪.‬‬
‫اص‬
‫ِ‬ ‫وهكذا أخبر القرآن الكريم أن القصاص حياة‪ ،‬ق ال تع الى‪َ ﴿ :‬ولَ ُك ْم فِي ْالقِ َ‬
‫ص‬
‫ب لَ َعلَّ ُك ْم تَتَّقُونَ ﴾ [البق رة‪ ،]179 :‬ذل ك أن إقام ة القص اص على ف رد‬ ‫َحيَاةٌ يَاأُولِي اأْل َ ْلبَا ِ‬
‫واحد يحمي المجتمع من سريان مثل ه ذه الظ اهرة في ه‪ ،‬وب ذلك يحي ا المجتم ع جميع ا‬
‫بحمايته من أمثال هذه الجرائم‪.‬‬
‫بناء على هذا‪ ،‬كانت المقارن ة في مج ال الحري ات وحق وق اإلنس ان بين النظ ام‬
‫العلماني الذي تتبناه أكثر دول الع الم والنظ ام اإلي راني مقارن ة خاطئ ة؛ فالفلس فة ال تي‬
‫يقوم عليها كال النظامين مختلفة تماما‪.‬‬
‫وليس في ذلك أي إجحاف أو ظلم بحق الشعب اإلي راني‪ ،‬ألن ه ه و من ارتض ى‬
‫هذا النظام‪ ،‬وهو من طالب حكامه بأن ينفذوه‪ ،‬وه و ال ذي ظ ل من ذ م ا يق ارب أربعين‬
‫سنة ينتخب مسؤوليه‪ ،‬ويخرج في كل المظاهرات والمسيرات التي تؤكد والءه المطلق‬
‫لنظامه ومسؤوليه‪.‬‬
‫ولذلك؛ فإن الدعايات المغرضة التي تنتقد ق وانين العقوب ات اإليراني ة أو تق ارن‬
‫بينها وبين النظم العلمانية دعايات ق د تقب ل في المجتمع ات غ ير المس لمة‪ ،‬لكن المس لم‬
‫الح ريص على دين ه الع ارف برب ه‪ ،‬ال يمكن ه أن يرفض ها‪ ،‬أو ينتق دها‪ ،‬ألنه ا ق وانين‬
‫شرعية‪ ،‬ومنطلقة من األحكام الفقهية‪ ،‬باإلضافة إلى دورها الكبير في مواجهة الجريمة‬
‫واالنحالل‪ ،‬وهي مع مقومات تربوية أخرى سنراها في محلها تش كل ركن ا أساس يا في‬
‫اإلصالح االجتماعي‪.‬‬
‫وقب ل أن نس رد م ا ذك ره ق ادة الث ورة اإلس المية في ال رد على تل ك الش بهات‬
‫واالعتراضات التي يبثها اإلعالم المغرض‪ ،‬بما فيهم بعض اإلسالميين‪ ،‬أو كثير منهم‪،‬‬
‫نذكر هنا مقارنة أجرتها بعض الصحف بين بعض الممارس ات ال تي يعتبره ا الق انون‬
‫اإليرني جرائم يعاقب عليها بأشد العقوبات في نفس الوقت الذي ال يقاضى فيه مرتكبها‬
‫حسب القوانين األمريكية‪ ،‬وكأنه في رأي صاحب المق ال أمريك ا أك ثر س ماحة وع دال‬
‫من إيران‪.‬‬

‫‪118‬‬
‫وعنوان المقال [ثمان جرائم تستوجب اإلع دام فى إي ران وال براءة في أمريك ا]‬
‫(‪ ،)1‬ومما ورد فيه‪( :‬نفذت إيران حوالى ‪ 700‬حكم باإلعدام فى ‪ ،2015‬على جرائم ال‬
‫تدخلك حتى السجن فى الواليات المتحدة‪ ،‬حسبما ذكر موقع فوكاتيف األمريكي‪ ،‬ورأى‬
‫الموقع أن إيران تنفذ أحك ام اإلع دام ه ذا الع ام بوت يرة قياس ية‪ ،‬حيث تم إع دام ح والى‬
‫‪ 694‬شخصًا منذ شهر يناير الماضى وتتوقع منظمة العفو الدولية أن الع دد س يزيد عن‬
‫أل ف بنهاي ة الع ام‪ ،‬وق ال الموق ع إن الق انون اإلي رانى يف رض عقوب ة اإلع دام على‬
‫مجموعة جرائم‪ ،‬ال تفرض حتى عقوب ة الحبس على األش خاص فى الوالي ات المتح دة‬
‫من بينها تهريب المخدرات والعالق ات الجنس ية الش اذة‪ ..‬وأش ار الموق ع إلى أن بعض‬
‫الجرائم يتم توقيع العقوب ة على مرتكبيه ا بع د االنته اك الراب ع‪ ،‬من ض من ذل ك الزن ا‬
‫والدخول فى عالقات جنسية شاذة ويعاقب الطرفان فى تلك الحاالت بعقوبة اإلعدام)‬
‫وقد نش ر الموق ع ج دوال تفص يليا يق ارن بين ‪14‬جريم ة وعقوباته ا فى ك ل من‬
‫إي ران والوالي ات المتح دة من بينه ا ثم انى ال تعتبره ا أمريك ا ج رائم يع اقب عليه ا‬
‫القانون‪ ،‬بحسب بيانات الفيدرالية الدولية لحقوق اإلنسان‪.‬‬
‫وحسبما ذكر الموقع‪ ،‬هذه هي الممارسات التي يتأسف الكث يرون على اعتباره ا‬
‫جرائم في القانون اإليراني القاس ي حس بما يص ورون‪ ،‬بينم ا ال يع اقب عليه ا الق انون‬
‫األمريكي الرحيم‪:‬‬
‫‪ .1‬زنا المحارم‪ :‬إيران (إعدام)‪ .‬الواليات المتحدة (سجن حتى ‪ 15‬عاما)‬
‫‪ .2‬اغتصاب‪ :‬إيران (إعدام) ‪ .‬الواليات المتحدة ( من ‪ 15 - 5‬عاما سجن)‬
‫‪ .3‬شخص متزوج يمارس الرذيلة مع غير متزوج ‪ :‬إيران (إع دام) ‪ .‬الوالي ات‬
‫المتحدة ( ال تعتبر جريمة)‬
‫‪ .4‬ممارسة الرذيل ة م ع زوج ة األب‪ :‬إي ران (إع دام) ‪ .‬الوالي ات المتح دة ( ال‬
‫تعتبر جريمة)‬
‫‪ .5‬غير مسلم يمارس الرذيلة مع مسلمة‪ :‬إيران (إعدام)‪ .‬الوالي ات المتح دة ( ال‬
‫تعتبر جريمة)‬
‫‪ .6‬عالق ات الش ذوذ الجنس ى‪ :‬إي ران (إع دام)‪ .‬الوالي ات المتح دة ( ال تعت بر‬
‫جريمة)‬
‫‪ .7‬الت آمر إلس قاط الحكوم ة‪ :‬إي ران (إع دام)‪ .‬الوالي ات المتح دة ( ال تعت بر‬
‫جريمة)‬
‫‪ .8‬تس هيل مهم ة الجماع ات المعارض ة للحكوم ة‪ :‬إي ران (إع دام)‪ .‬الوالي ات‬
‫المتحدة ( ال تعتبر جريمة)‬
‫‪ .9‬اغتيال متعمد للقادة السياسيين‪ :‬إيران (إعدام)‪ .‬الواليات المتح دة ( ال تعت بر‬
‫جريمة)‬
‫‪ .10‬سب النبى ‪ :‬إيران (إعدام)‪ .‬الواليات المتحدة ( ال تعتبر جريمة)‬

‫‪ )(1‬ثمان جرائم تستوجب اإلعدام فى إيران والبراءة في أمريكا‪ ،‬دنيا الوطن ـ رام هللا ‪.25/07/2015 ،‬‬

‫‪119‬‬
‫‪ .11‬القتل العمد‪ :‬إيران (إعدام)‪ .‬الواليات المتحدة (إعدام)‬
‫‪ .12‬تهريب المخدرات‪ :‬إيران (إعدام)‪ .‬الواليات المتحدة (‪ 5‬سنوات سجن)‬
‫وهك ذا نج د موقع ا آخ ر‪ ،‬وه و الموق ع الرس مي لمنظم ة العف و الدولية‪ ،‬ي ذكر‬
‫اعتراض جماعات حقوق اإلنسان على القوانين اإليراني ة المرتبط ة ب الخمر‪ ،‬فق د ورد‬
‫وج دا م ذنبين‬‫فيه هذا الخبر‪( :‬قالت منظمة العفو الدولية إنه يتعين ع دم إع دام رجلين ِ‬
‫بتعاطي الكحول للمرة الثالثة‪ ،‬وهو محظ ور بمقتض ى ق انون العقوب ات اإلي راني؛ فق د‬
‫أعلن رئيس الهيئ ة القض ائية في ش مال ش رق إقليم خراس ان رض وي‪ ،‬الس يد حس ن‬
‫شريعتي‪ ،‬أن السلطات تقوم بالتحضيرات لتنفيذ حكمي اإلعدام اللذين أقرتهما المحكم ة‬
‫العليا في طهران‪ ،‬وقد نفذ بحق الرجلين‪ ،‬اللذين لم تتم تسميتهما‪ ،‬حكم بالجل د ‪ 80‬جل دة‬
‫لك ل منهم ا عقب إدان تين س ابقتين بش رب الكح ول‪ ،‬وتنص الم ادة ‪ 179‬من ق انون‬
‫العقوب ات اإلي راني على عقوب ة اإلع دام اإللزامي ة لمن ي دانون للم رة الثالث ة بش رب‬
‫الكح ول‪ ،‬واحتفظت ص يغة منقح ة من ق انون العقوب ات‪ ،‬لم تص بح ناف ذة بع د‪ ،‬بأش د‬
‫العقوبات قسوة هذه لمن تتكرر إدانتهم بالجرم) (‪)1‬‬
‫وجاء في الموقع أن [آن هاريسن] ص رحت ح ول ه ذا األم ر بقوله ا‪( :‬نن اهض‬
‫عقوبة اإلعدام في جميع األحوال‪ ،‬بيد أن شرب الكحول ال يمكن أن يصنَّف منطقيا ً بأنه‬
‫من الجرائم األشد خطورة‪ ،‬التي تشكل الحد األدنى للمعايير الدولية ال تي تج يز عقوب ة‬
‫اإلع دام بالنس بة لل دول ال تي م ا زالت تطب ق العقوب ة‪ ..‬ومن المؤس ف أن الس لطات‬
‫اإليرانية لم تستفد من عملية المراجعة األخيرة لقانون العقوبات كي تجعله يتماش ى م ع‬
‫التزاماتها الوطنية حيال حقوق اإلنس ان وتلغي عقوب تي الجل د واإلع دام لمن يتع اطون‬
‫الكحول)(‪)2‬‬
‫وهكذا تأس فت ه ذه المنظم ة وغيره ا‪ ،‬وال تي ك انت تغض الط رف عن ج رائم‬
‫الشاه‪ ،‬على المتاجرين بالمخدرات‪ ،‬والذين تحكم القوانين اإليرانية عليهم باإلعدام؛ فق د‬
‫ورد في الموق ع ‪( :‬كث يراً م ا تف رض إي ران حكم اإلع دام على الج رائم المتعلق ة‬
‫بالمخ درات‪ ،‬وال س يما على المتّج رين بكمي ات تزيد على حد معين من المخ درات‬
‫المختلفة أو العقاقير غير القانونية‪ .‬وتستمر هذه الطريقة في معالجة المشكلة رغم ع دم‬
‫وجود أدلة واضحة على أن عقوبة اإلع دام ق د ش كلت عام ل ردع فع ال ض د الج رائم‬
‫المتعلقة بالمخدرات‪ ،‬وتأتي إيران في المرتبة الثانية بعد الصين من حيث أع داد أحك ام‬
‫اإلعدام التي تنفذ سنوياً‪ ،‬وقد نفذ العديد من أحكام اإلع دام الص ادرة في ‪ ،2011‬وال تي‬
‫وص ل ع ددها إلى أك ثر من ‪ ،600‬حس بما يعتق د‪ ،‬خل ف س تار من الس رية‪ .‬وتص در‬
‫األغلبية العظمى من أحكام اإلعدام في البالد على مرتكبي جرائم تتعلق بالمخدرات)‬
‫واختتمت آن هاريسن تصريحها بقولها‪( :‬يتعين على إيران وق ف ف رض عقوب ة‬
‫اإلعدام على مرتكبي جرائم المخدرات وتعاطي الكحول المزعومة‪ ،‬كخطوة أولى نحو‬
‫‪ )(1‬إيران‪ :‬ينبغي تخفيف أحكام اإلعدام الصادرة بحق متعاطي الكحول‪ ،‬منظمة العفو الدولية‪ 29 ،‬حزيران ‪ /‬يونيو‬
‫‪ ،2012‬موقع منظمة العفو الدولية‪..‬‬
‫‪ )(2‬المرجع السابق‪.‬‬

‫‪120‬‬
‫اإللغاء التام لهذه العقوبة)‬
‫وهكذا نجد موقعا آخر يدافع عن العقوبات التي تسلطها القوانين اإليران يين على‬
‫[الوشم]‪ ،‬ففي مقال بعن وان [تط اردهم ش رطة األخالق وتع اقبهم أش د العقوب ات‪ ..‬أين‬
‫يحصل الشباب اإليراني على وشومهم رغم تحريمها؟](‪ )1‬جاء فيه‪( :‬الترويج للوش وم‬
‫ليس أمراً يسيراً في هذا البلد المشهور بشرطته المخصصة لألخالق‪ ،‬ويقوم عادةً بذلك‬
‫ولكن العاقب ة ق د تك ون وخيم ة؛ إذ‬ ‫َّ‬ ‫من خالل عدة حسابات على الش بكات االجتماعي ة‪.‬‬
‫يروي تجربة شخصية مري رة‪ ،‬ق ائالً‪( :‬في أح د األي ام‪ ،‬وج دت ش رطة األخالق تقتحم‬
‫االستوديو الخاص بي‪ ،‬واقتادوني إلى قسم الشرطة كأنني قاتل أو سارق‪ ،‬ثم تم اته امي‬
‫مناف لآلداب العامة وتعاليم الجمهورية اإلس المية‪ ،‬وتم الحكم علي‬ ‫ٍ‬ ‫بتهمة مزاولة عمل‬
‫بالسجن ‪ 10‬أشهر)‬
‫وهكذا نجد كل حين المواقع اإلخبارية تتأسف للعقوبات المشددة ال تي وردت في‬
‫ق انون العقوب ات االس المي اإلي راني‪ ،‬والمتعلق ة بالمحارب ة‪ ،‬وتش مل ك ل من يم ارس‬
‫العنف في المجتمع سواء لغاية السرقة أو غيرها‪ ،‬والتي نص ت عليه ا [الم ادة ‪،]190‬‬
‫وال تي ت ذكر أن (ح ّ‌د المحاربة والفس اد في األرض‪ ،‬أحد األحك ام األربعة التالية ‪.1‬‬
‫القتل‪ .2 ،‬االعدام‪ .3 ،‬قطع اليد اليمنى والرجل اليسرى‪ .4 ،‬النفي من البلد)‪ ،‬وتضيف‬
‫[الم ادة ‪ ]191‬أن (اختي ار أي من الح دود االربع ة الم ذكورة‪ ،‬ه و من ص الحيات‬
‫القاضي‪ ،‬سواء أكان المحارب قد قت ل أو ج رح اح داً أو س لب مال ه أم لم يفع ل ذل ك)‪،‬‬
‫وجاء في [المادة ‪( :]195‬إذا تم صلب المجرم؛ فيجب إبق اؤه ثالث ة أي ام على الص ليب‬
‫من دون أن يم وت‪ ،‬واليج وز أك ثر من ثالث ة أي ام‪ ،‬وإذا م ات حينه ا يمكن إنزال ه من‬
‫الصليب)‬
‫مع أن هذه العقوبات منصوص عليها في القرآن الكريم بصيغة قطعية ال تحتم ل‬
‫اربُونَ هَّللا َ َو َرسُولَهُ َويَ ْس َعوْ نَ فِي اأْل َرْ ِ‬
‫ض‬ ‫أي تأويل؛ فقد قال تعالى‪﴿ :‬إِنَّ َما َج َزا ُء الَّ ِذينَ ي َُح ِ‬
‫ف أَوْ يُ ْنفَوْ ا ِمنَ اأْل َرْ ِ‬
‫ض َذلِكَ‬ ‫صلَّبُوا أَوْ تُقَطَّ َع أَ ْي ِدي ِه ْم َوأَرْ ُجلُهُ ْم ِم ْن ِخاَل ٍ‬
‫فَ َسادًا أَ ْن يُقَتَّلُوا أَوْ يُ َ‬
‫َظي ٌم﴾ [المائدة‪]33 :‬‬ ‫ي فِي ال ُّد ْنيَا َولَهُ ْم فِي اآْل ِخ َر ِة َع َذابٌ ع ِ‬ ‫لَهُ ْم ِخ ْز ٌ‬
‫وق د ك ان لتط بيق ه ذا الق انون‪ ،‬أث ره الكب ير في إحالل األمن في الجمهوري ة‬
‫اإلسالمية اإليرانية مقارنة بالكثير من الدول حتى المتقدمة منه ا‪ ،‬ولكن م ع ذل ك ن رى‬
‫المغرضين يدافعون عن الجالد‪ ،‬وينسون الضحية‪ ،‬وهو ليس ذلك الف رد ال ذي تع رض‬
‫لألذى فقط‪ ،‬وإنما المجتمع جميعا‪.‬‬
‫ونحب أن نذكر هن ا ب أن الكث ير من عقوب ات اإلع دام ال تي نص عليه ا الق انون‬
‫اإليراني مرتبط ة بتك رار الجريم ة‪ ،‬فق د ورد في [الم ادة ‪ ]179‬من ق انون العقوب ات‪:‬‬
‫(من كرّر شرب الخمر وأجري عليه الحد في كل ّمرة‪ ،‬يكون جزاؤه االعدام في الم رّة‬
‫الثالثة)‬

‫‪ )(1‬تطاردهم شرطة األخالق وتعاقبهم أشد العقوبات‪ ..‬أين يحصل الشباب اإليراني على وشومهم رغم تحريمها؟‪،‬‬
‫شيماء محمد ‪ ،‬عربي بوست‪.13/04/2018 ،‬‬

‫‪121‬‬
‫وورد في [المادة ‪( :] 90‬إذا زنى رجل أو زنت أمراة عدة مرات وأجري عليهم‬
‫الحد بعد كل م ّرة‪ ،‬يقتل في المرّة الرابعة)‬
‫وورد في [المادة ‪ :]157‬إذا ق ذف ام رئ األخ رين لع ّدة م رات‪ ،‬وأج ري علي ه‬
‫الحد بعد كل مرة‪ ،‬يقتل في المرّة الرابعة)‬
‫وورد في [المادة ‪ ] 201‬بعد بيان ح ّد السرقة في المرة األولى والثاني ة والثالث ة‪:‬‬
‫(جزاء السرقة في المرة الرابعة اإلعدام‪ ،‬حتى إذا حدثت السرقة داخل السجن)‬
‫وسبب ذلك إضافة إلى ما ورد في األحكام الفقهية حول المس ألة‪ ،‬ه و أن تك رار‬
‫الجريمة يدل على تمرد صاحبها على القانون‪ ،‬ونرى مثل هذا في القوانين الغربية؛ فقد‬
‫ورد في بعض المواق ع أن الحكوم ة الفيدرالي ة األمريكي ة وأك ثر من ‪ 25‬والي ة‪ ،‬نص‬
‫قانونه ا على أن ه إذا ارتكبت جريم ة من ن وع واح د لثالث م رات‪ ،‬فع اد ص احبها‪،‬‬
‫وارتكبها بعد أن عوقبت عليها‪ ،‬يعتبر بعد المرة الثالث ة متم رداً (‪ ،)Outlaw‬فتس لب من ه‬
‫كاف ة حقوق ه‪ ،‬ويخس ر حماي ة الق انون‪ ،‬وتس مى األحك ام الص ادرة ض د مث ل ه ؤالء‬
‫المجرمين ‪ ،Mandatory Sentencing‬أي األحكام الثابت ة ال تي ال تقب ل التخفي ف والتغي ير‬
‫والعفو‪ ،‬وهي السجن المؤبد بدون عفو أو تخفيف العقوب ة‪ ،‬وتص در مث ل ه ذه االحك ام‬
‫ضد السياقة في حال السكر‪ ،‬وارتكاب جريمة بسالح خطر‪ ،‬وبيع المخدرات‪ .‬وقد سلب‬
‫القانون الصالحيات التقليدي ة ال تي ك ان يتمت ع به ا القض اة في اتخ اذ الق رارات بش أن‬
‫هؤالء المجرمين(‪.)1‬‬
‫بع د ه ذا الع رض الم وجز للمواق ف المنتق دة لق وانين العقوب ات اإليراني ة‪،‬‬
‫والمرتبطة باالستعمال السيء للحرية‪ ،‬ن ذكر هن ا جواب ا مفص ال للخمي ني يخ اطب ب ه‬
‫جمعيات حقوق اإلنسان‪ ،‬وهو بعن وان [خيان ة وت آمر أدعي اء حق وق اإلنس ان وإهم ال‬
‫المستض عفين]‪ ،‬وق د ألق اه على أعض اء هيئ ة التج ار اإليران يين في الب دايات األولى‬
‫النتصار الثورة اإلسالمية(‪.)2‬‬
‫وقد بدأ جوابه ببيان السبب في تل ك الحمل ة الش ديدة من أدعي اء حق وق اإلنس ان‬
‫على الدولة اإليرانية الفتية في نفس الوقت الذي يسكتون فيه على جرائم الشاه‪ ،‬بل على‬
‫جرائم دول االستكبار العالمي؛ يقول‪( :‬من الطبيعي أن أولئك الذين يرون مصالحهم قد‬
‫تعرضت للخط ر‪ ،‬أو مص الح أرب ابهم س وف يعترض ون على ه ذه الث ورة‪ ،‬ويس عون‬
‫إلخماد هذه النهضة بختلف الوسائل‪ ،‬فت ارة بذريع ة حق وق اإلنس ان واالع تراض على‬
‫اإلعدامات التي حصلت في إي ران‪ ،‬ويعتبرونه ا من مص اديق العن ف‪ ..‬إنهم لم يكون وا‬
‫في إيران حتى يشاهدوا ماذا ج رى على إي ران ط وال أك ثر من خمس ين عام ا‪ ،‬وم اذا‬
‫جرى على شبابنا مؤخراً‪ ،‬ومع ذلك فهم مطلعون‪ ..‬إنهم يعلمون ماذا فعل الشاه الس ابق‬
‫واألسبق في إيران‪ ،‬وما هي الخيانات التي ارتكبها ه ذان ال رجالن في إي ران‪ ..‬وهم لم‬
‫ينطقوا بكلمة أو اشارة إلى حقوق اإلنسان‪ ..‬إنهم ال يأتون بذكر لح ادث الخ امس عش ر‬

‫‪ )(1‬انظر مقاال بعنوان‪ :‬الجرائم الموجبة لعقوبة االعدام في القانون االيراني وقانون العقوبات االسالمي‪.‬‬
‫‪ )(2‬انظر‪ :‬صحيفة اإلمام‪ ،‬ج‪ ،7‬ص‪ ،230 :‬فما بعدها‪.‬‬

‫‪122‬‬
‫من خرداد‪ ،‬لقد قتلوا حسب ما نقلوا قرابة ‪ 15000‬شخص‪ ..‬إن أنصار حق وق اإلنس ان‬
‫ه ؤالء ك أنهم ال يعت برون ه ذا لع دد بش راً‪ ،‬أو ي رونهم بش را ولكنهم اليجعل ون لهم‬
‫حقوقا ً ‪ ..‬إذا كان هؤالء بشراً ولهم حقوق‪ ،‬وكان هؤالء ‪ 60000‬أو أكثر الذين قتلوا في‬
‫إيران خالل األشهر األخيرة وهم من أفض ل ش بابنا ومن جمي ع الفئ ات‪ ،‬إذا ك انت لهم‬
‫حقوق فإنهم حتى لم يسألوهم ما هذه األعمال! إننا لم نسمع صوتهم يعترضون)(‪)1‬‬
‫ثم بين أن م ا نص ت علي ه ق وانين الجمهوري ة اإلس المية من عقوب ة المفس دين‬
‫والظالمين‪ ،‬هو تطبيق لحقوق اإلنس ان‪ ،‬ورعاي ة له ا‪ ،‬يق ول في ذل ك‪( :‬إنن ا نق وم به ذا‬
‫العمل من أج ل حق وق اإلنس ان‪ ،‬وإن ه ذه الجمعي ة ال تي عال ص وتها تط الب بحق وق‬
‫اإلنسان‪ ،‬هم أجراء االستعمار‪ ،‬فأصل ه ذه الجمعي ات ال تي أُسس ت في أمريك ا‪ ،‬أو في‬
‫أماكن أخرى تحت عن وان جمعي ة حق وق اإلنس ان‪ ،‬جمعي ة ك ذا وك ذا‪ ،‬وج دت أساس ا ً‬
‫لتضييع حقوق اإلنسان) (‪)2‬‬
‫ويقارن بين تلك المواقف التي تدافع عن المج رمين باس م حق وق اإلنس ان‪ ،‬وفي‬
‫الوقت تسكت عن إصدار بيانات التشجيب عن الضحايا الذين قتلهم أولئ ك المجرم ون‪،‬‬
‫ويضرب المثل على ذلك بقتل الش يخ مرتض ى مطه ري‪ ،‬فيق ول‪( :‬ه ؤالء ال ذين قتل وا‬
‫الشيخ مطهري‪ ،‬الذي لم يؤذ حتى نملة‪ ،‬إنني أعرف هذا الرجل منذ ما يق رب عش رين‬
‫عاماً‪ ،‬إنس ان بتل ك اإلنس انية وبتل ك الس المة‪ ،‬ب ذلك األدب‪ ،‬لم اذا قتل وه؟ م ا ه و ذنب‬
‫مطهري؟ هل قتل أحداً؟ ماذا فعل؟ أليس هو إنس اناً؟! ألم يكن فيلس وفا ً وعالم ا ً وفقيه اً‪،‬‬
‫ألم يكن بشراً؟! يقتلون هذا اإلنسان به ذا الش كل دون أن يك ون ل ه أي ذنب‪ ..‬إن ل ديهم‬
‫اآلن قائمة بأسماء الذين يريدون قتلهم‪ .‬يتصورون أنه بقتل مطه ري وأمث ال مطه ري‪،‬‬
‫سينحبوا لهيب هذه النهضة‪ ،‬وتضيع ثانية حقوق شعبنا‪ ،‬بل أن أدعياء حقوق اإلنسان لم‬
‫يكتبوا حتى كلمة واحدة بخصوص مقتل الش هيد مطه ري‪ .‬ولم يتح دثوا بش يء‪ ،‬إنن ا لم‬
‫نسمعهم يتكلمون بشيء‪ ،‬أليس هذا إنساناً؟! لم يعترضوا‪ ،‬لم يتكلموا‪ ،‬لم يس تنكروا ه ذه‬
‫الجريمة‪ ،‬هل يجهلون ذلك؟ فلماذا إذاً لم ينتق دوا الجماع ة ال تي ق امت ب ذلك؟‪ ..‬إنن ا إذا‬
‫عثرن ا اآلن على قات ل الش يخ مطه ري وعاقبن اه‪ ،‬وحكمن ا علي ه بالقص اص‪ ،‬س يرتفع‬
‫صوتهم اعتراضا ً على ذلك بأنه عنف! أليس هذا عنفا ً أن يقتل إنسان دون ذنب؟)(‪)3‬‬
‫ثم يبين المفارقة العجيبة التي يقع فيها أدعياء حق وق اإلنس ان حين يس كتون عن‬
‫مقتل عالم وفيلسوف ومصلح في نفس الوقت الذي يدافعون فيه عن المج رمين‪ ،‬يق ول‪:‬‬
‫(نعم‪ ،‬أحيانا ً يكون اإلنسان قد فعل شيئاً‪ ،‬ولكن هذا اإلنسان لم يكن لديه عمل غير التعلم‬
‫والتعليم ك ان إنس انا ً محترم ا ً أعرف ه من ذ قراب ة عش رين عام ا ً ومطل ع على أوض اعه‬
‫وأحواله‪ ،‬وأعرفه بأنه لم يؤذ أحداً‪ .‬شخص قد أجه د نفس ه من أج ل ه ذا الش عب‪ ،‬ك ان‬
‫كاتباً‪ ،‬فيلسوفاً‪ ،‬مفكراً‪ .‬هل يستحق القتل ح تى قتل وه؟ أين هي جمعي ة حق وق اإلنس ان‪،‬‬

‫‪ )(1‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ ،7‬ص‪.230 :‬‬


‫‪ )(2‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ ،7‬ص‪.230 :‬‬
‫‪ )(3‬المرجع السابق‪ :‬ج‪ ، 7‬ص ‪..235‬‬

‫‪123‬‬
‫لم اذا لم تص در منهم أي ة كلم ة؟ إنن ا ل و عثرن ا اآلن على القات ل وقتلن اه‪ ،‬س تبدأ أقالم‬
‫(حقوق اإلنسان) بالكتابة والدعاية ووصف ذلك بالعنف‪ ،‬وأن ه يوج د في إي ران عن ف‪.‬‬
‫وال يراعون حقوق اإلنسان‪ .‬أي أناس؟ إن ني ال أدري أي ة تربي ة ت ربى عليه ا ه ؤالء‪،‬‬
‫وأية حيوانات هم هؤالء؟!)(‪)1‬‬
‫ثم يبين أن العلة التي جعلتهم يقف ون ه ذه المواق ف المتناقض ة هي ن وع التفك ير‬
‫الذي يفكرون به‪ ،‬والفلسفة ال تي ينطلق ون منه ا‪ ،‬وهي فلس فة مادي ة‪ ،‬تجع ل ك ل همه ا‬
‫منصبا نحو حرب الدين ومواجهته‪ ،‬وتستعمل لذلك كل الذرائع‪ ،‬يقول‪( :‬هذا ه و وض ع‬
‫العالم المادي‪ ،‬وهذا هو وضع أدعياء حق وق اإلنس ان الم اديين‪ .‬ه ذا ه و وض ع الع الم‬
‫المادي‪ ،‬حيث ال يالحظ أبناؤه إاّل منافعهم المادية ومنافع أربابهم‪ ،‬وكأنهم غ ير مطلعين‬
‫على أي شيء‪ ،‬يغضون أنظارهم عن كل شيء‪ ،‬فإذا رأوا مص الحهم تتع رض للخط ر‬
‫عال صوتهم‪ ،‬وهذه خصوصية التربية المادية‪ ،‬وهذا هو واقع الحكومات القائمة حالي اً)‬
‫(‪)2‬‬
‫وفي مقاب ل ذل ك ي بين خصوص ية موق ف اإلس الم من حق وق اإلنس ان‪ ،‬وم دى‬
‫صدقها وعمقها وموضوعيتها وعقالنيتها؛ فيقول‪( :‬خصوصية التربية اإلسالمية تتمث ل‬
‫في المعنوي ة‪ ،‬فال يص ح س جن أح د ب دون ذنب‪ ،‬ال يص ح نفي ه‪ ،‬ال يص ح وال يص ح‪..‬‬
‫الحقوق اإلنسانية اإلسالمية هي هذه‪ ،‬ال يجوز الظلم‪ ،‬وال يجوز إض اعة ح ق المظل وم‬
‫أيضاً‪ .‬فال يجوز ظلم أحد‪ ،‬وال يجوز غض الطرف عن ظلم اآلخرين والقول بأن الظلم‬
‫قد وقع وانتهى وتم األمر) (‪)3‬‬
‫وكمثال على هذا يبين الفرق بين المعاملة التي كان يقوم بها الشاه م ع الس جناء‪،‬‬
‫والظلم والتعذيب الذي كان يحي ق بهم‪ ،‬مقارن ة بح الهم بع د الث ورة اإلس المية‪ ،‬تطبيق ا‬
‫للشريعة اإلسالمية؛ فقال‪( :‬لقد أوصينا أن يتم التعامل حتى مع هؤالء االشخاص ال ذين‬
‫قاموا بذلك التعذيب وقتلوا الناس بنحو ال توجه لهم حتى كلمة سيئة واحدة في السجون‪،‬‬
‫لقد أعلنت هذا‪ ،‬وأصدرت بيانا ً حوله‪ ..‬ففي ظل الحكومة اإلس المية ال يح ق للس جانين‬
‫أن ي تركوا الس جناء ج ائعين‪ ،‬ال يح ق لهم أن يص فعوه على وجه ه‪ ،‬ال يح ق لهم أن‬
‫يعذبوه‪ ،‬ال يحق لهم أن يشتموه‪ ،‬إنما حقه أن يح اكموه‪ ،‬ويع اقبوه بس ب جرم ه‪ ،‬وبق در‬
‫جرمه ليس أكثر من ذلك‪ ،‬هذا هو واق ع الس جون في ظ ل الجمهوري ة اإلس المية ال تي‬
‫تضم أمثال هؤالء الجالدين الذين لو كان أحدنا ق د ابتلي ووق ع في أي ديهم س ابقا ً ك انوا‬
‫يتعاملون معه ب ذلك الش كل الفظي ع‪ ،‬إن ه ؤالء الجالدين موج ودون اآلن في س جوننا‪،‬‬
‫وقد جاءوا من الخارج وشاهدوا السجون وقالوا بأنها مطابقة للمقاييس الحضارية)(‪)4‬‬
‫وانطالق ا من ه ذه كل ه يص ور الغ رض من الح دود والعقوب ات الش رعية‪ ،‬وأن‬

‫‪ )(1‬المرجع السابق‪ :‬ج‪ ، 7‬ص ‪..235‬‬


‫‪ )(2‬المرجع السابق‪ :‬ج‪ ، 7‬ص ‪..236‬‬
‫‪ )(3‬المرجع السابق‪ :‬ج‪ ، 7‬ص ‪..236‬‬
‫‪ )(4‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ ،7‬ص‪.233 :‬‬

‫‪124‬‬
‫تطبيقها يحقق مصالح كثيرة‪ ،‬باعتبارها من وس ائل تربي ة المجتم ع‪ ،‬وته ذيب س لوكه‪،‬‬
‫يقول‪( :‬الحدود اإللهية هي لتربية المجتمع‪ ،‬ال من أجل االنتقام فالقاتل إذا لم يقت ل‪ ،‬ف إن‬
‫اص َحيَاةٌ يَاأُولِي اأْل َ ْلبَا ِ‬
‫ب لَ َعلَّ ُك ْم تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة‪ ،]179 :‬إنن ا‬ ‫ص ِ‬‫﴿ولَ ُك ْم فِي ْالقِ َ‬
‫القتل سيكثر َ‬
‫إذا أغلقن ا ب اب القص اص‪ ،‬ولم نع اقب القات ل‪ ،‬ف إن القت ل س يكثر حينئ ذ‪ ،‬وتخت ل حي اة‬
‫الناس‪ ،‬فكل من ش اء يقت ل من ش اء‪ ،‬فالقص اص ه و لض مان حي اة الن اس‪ ،‬إن ه تربي ة‬
‫لمصلحة المجتمع) (‪)1‬‬
‫وهكذا يذكر بأن تطبيق الحدود الشرعية يحمي المجتمع‪ ،‬ويساهم في تنظيف ه من‬
‫كل العناصر الضارة‪ ،‬كما يساهم في تهذيب سلوكه‪ ،‬وتحقق كل متطلبات األمن التي ال‬
‫يمكن قيام المجتمعات من دونها‪ ،‬يقول‪( :‬إن الحدود اإللهية هي لمصلحة المجتم ع؛ فل و‬
‫أن الفعل الفالني الذي قُرّر له في الشرع عقوبة معين ة لم تجع ل ل ه تل ك العقوب ة‪ ،‬فإن ه‬
‫سيكثر وقوعه؛ فالذي يذهب ويفعل ما يشاء مع زوجة شخص ولم يعاقب على ذلك فإن‬
‫الفحشاء ستزيد‪ .‬يجب منع شيوع الفحشاء) (‪)2‬‬
‫وقارن بين العقوبات كما قررها اإلسالم‪ ،‬وبين العقوبات التي وض عتها الق وانين‬
‫الوض عية؛ فق ال‪( :‬إنهم يأخ ذون اللص وص ويودع ونهم الس جون‪ ،‬وهن اك يتعلم ون‬
‫السرقة! يقول ون بأن ه ق د تم فتح درس لتعليم كيفي ة س رقة الجي وب واألس لوب األمث ل‬
‫ل ذلك؟ إنهم ل و أخ ذوا أربع ة من اللص وص وع اقبوهم‪ ،‬طبق ا ً للم وازين‪ ،‬ف إن الس رقة‬
‫ستنتهي في إيران‪ ،‬ويقضى عليها في العالم‪ .‬فلو أقيم الحد على أربعة لصوص بالش كل‬
‫الذي أمر به الشرع وه و ال ذي ال يرض ى بظلم حي وان فض اًل عن اإلنس ان حيث أم ر‬
‫بإقامة الحد على من يسرق‪ .‬وما ذلك إال ألنه يحاف ظ على المص لحة اإلنس انية‪ ،‬وحف ظ‬
‫حقوق اإلنسان)(‪)3‬‬
‫وهك ذا األم ر بالنس بة لعقوب ة من يت اجرون في المخ درات أو بي ع األس لحة‪،‬‬
‫وغيرها من اآلفات االجتماعية‪ ،‬والذين يعاقبهم القانون اإليراني باإلعدام‪ ،‬يق ول‪( :‬ثم ة‬
‫مشكلة أخرى تتمث ل ب المهربين‪ ،‬وب ائعي المخ درات‪ ،‬ومه ربي األس لحة‪ .‬وه ذا أيض ا ً‬
‫مرض وبالء أصيب به هذا الشعب‪ .‬إن هؤالء يعتبرون خونة من الدرج ة األولى له ذا‬
‫البلد‪ .‬إن المتاجرة باألفيون وتوزيعه بين الن اس‪ ،‬جلب اله روئين وتوزيع ه بين ش بابنا‪،‬‬
‫سوف يقض ي على ش عبنا‪ .‬ليلتفت ه ؤالء إلى ه ذا األم ر ويتخل وا عن ه قب ل أن ي أتيهم‬
‫العذاب اإللهي‪ ،‬قبل أن يضربهم السوط اإللهي‪ .‬إنه ا جناي ة‪ ،‬تق ود ش بابنا الش رفاء إلى‬
‫الهالك‪ ،‬ه ذا إفس اد لألجي ال‪ .‬وه ل أغلقت أب واب العيش ح تى يلج أ اإلنس ان إلى بي ع‬
‫الهروئين؟ ليعمل عماًل آخر! اذهب واعمل عماًل آخر!)(‪)4‬‬
‫هذا نموذج من أجوبة الخميني عن تلك الطروحات التي تشوه الموق ف اإلي راني‬

‫‪ )(1‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ ،7‬ص‪.235 :‬‬


‫‪ )(2‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ ،7‬ص‪.236 :‬‬
‫‪ )(3‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ ،7‬ص‪.236 :‬‬
‫‪ )(4‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ ،7‬ص‪.237 :‬‬

‫‪125‬‬
‫من حق وق اإلنس ان‪ ،‬والعجيب كم ا ذكرن ا‪ ،‬أن تص در من المس لمين‪ ،‬ومن كث ير من‬
‫اإلس الميين ال ذين ي دعون إلى تط بيق الش ريعة اإلس المية‪ ،‬ولس ت أدري كي ف يمكن‬
‫تطبيق الشريعة اإلسالمية مع التخلي عن مثل هذه األحكام‪ ،‬التي تعتبر جزءا أساسيا ال‬
‫يمكن إصالح المجتمع من دون القيام به‪ ،‬حتى لو وقف العالم كله ضده‪.‬‬
‫ذلك أن العالم الذي يجيز االستعمار وقتل الماليين‪ ،‬بل يثني على حقوق اإلنس ان‬
‫في دول االس تكبار الع المي ال يص ح أن يس تمع أح د إلنك اره وش جبه‪ ،‬وه ذا م ا فعل ه‬
‫الخميني الذي لم يستسلم لكل تلك التنديدات والتش جيبات مراع اة لمنص به الفقهي ال ذي‬
‫انتخبه على أساسه الشعب اإليراني‪.‬‬

‫‪126‬‬
‫الفصل الرابع‬
‫والية الفقيه‪ ..‬واألخوة اإلنسانية‬
‫من القيم الكبرى التي قامت عليها الجمهورية اإلس المية اإليراني ة ـ بحس ب م ا‬
‫نص عليه قادتها ودستورها‪ ،‬ودل عليه واقعها ـ قيمة [األخوة]‪ ،‬س واء األخ وة الداخي ة‬
‫مع جميع األعراق واألديان والمذاهب‪ ،‬أو األخوة الخارجية م ع جمي ع ش عوب الع الم‪،‬‬
‫وخصوصا المستضعفين منهم‪.‬‬
‫ومن النصوص الدستورية الدالة على ذلك ما ورد في المادة التاس عة عش رة من‬
‫الدس تور اإلي راني‪ ،‬وال تي تنص على م ا يلي‪( :‬يتمت ع أف راد الش عب اإلي راني من أي‬
‫قومية أو عشيرة كانوا‪ ،‬بالمساواة في الحقوق‪ ،‬وال يعتبر اللون والعنص ر أو اللغ ة وم ا‬
‫شابه ذلك سببا لالمتياز)‬
‫ومثلها المادة الثامنة واألربعون‪ ،‬والتي تنص على ما يلي‪( :‬ال يجوز التمييز بين‬
‫مختلف المحافظات والمناطق في مجال استغالل المص ادر الطبيعي ة لل ثروة والم وارد‬
‫الوطني ة العام ة وتنظيم وتقس يم النش اط االقتص ادي في مختل ف المحافظ ات ومن اطق‬
‫البالد‪ ،‬بحيث يوظ ف في ك ل منطق ة رأس الم ال واإلمكان ات الض رورية في ح دود‬
‫حاجاﺗﻬا واستعدادها للنمو)‬
‫هذا فيما يخص األخوة الداخلية‪ ،‬أما الخارجية‪ ،‬فتنص المادة الرابعة والخمس ون‬
‫بع د المئ ة على ه ذه األخ وة كم ا يلي‪( :‬تعت بر الجمهوري ة اإلس المية اإليراني ة س عادة‬
‫اإلنسان في المجتمع البشري كله قضية مقدسة لها‪ ،‬وتعتبر االستقالل والحرية‪ ،‬وإقام ة‬
‫حكومة الحق والعدل حقا ً لجميع الناس في أرجاء الع الم كاف ة‪ ،‬وعلي ه ف إن الجمهوري ة‬
‫اإلسالمية اإليرانية تقوم بدعم النضال المشروع للمستضعفين ضد المس تكبرين في أي ة‬
‫نقطة من العالم‪ ،‬وفي الوقت نفسه ال تتدخل في الشؤون الداخلية للشعوب األخرى)‬
‫وتنص المادة الخامسة والخمسون بعد المئ ة على بعض مقتض يات ه ذه األخ وة‬
‫كما يلي‪( :‬تستطيع حكومة الجمهوري ة اإلس المية اإليراني ة منح ح ق اللج وء السياس ي‬
‫إلى الذين يطلبون ذلك باستثناء الذين يُعتبرون وفقا ً للقوانين اإليرانية مجرمين وخونة)‬
‫أما قادتها ومفكروها وسياسيوها؛ فتصريحاتهم في ذلك كثيرة جدا‪ ،‬سنرى بعض‬
‫نماذجها في هذا المبحث‪ ،‬ومنها ما ورد في مقابلة للخمي ني ح ول [وض ع األقلي ات في‬
‫الحكومة اإلسالمية] أجراها معه مراس لون أفارق ة وآس يويون وغ يرهم في ‪ 27‬مح رم‬
‫‪ 1400‬هـ‪ ،‬فمما جاء فيها‪( :‬تارة نطلق كلمة األقلي ات على األقلي ات الديني ة في إي ران‪،‬‬
‫وهؤالء مشتركون مع سائر اإليرانيين في كل شيء‪ ،‬ويُمنحون حقوقهم حسب القانون‪،‬‬
‫وهم يعيشون في رفاه ودعة وحرية في الحكومة اإلسالمية‪ .‬وت ارة يُ راد به ا القومي ات‬
‫الموجودة في إيران كالكرد واللُر والترك والفرس والبلوش وامثال ذلك‪ ،‬وأنا ال أرغب‬
‫في أن أُس ِّمي هؤالء أقليات‪ ،‬ألنه قد يفهم من ذلك فص ٌل بين األخوة‪ ،‬ومث ل ه ذا الفص ل‬

‫‪127‬‬
‫غير مطروح في اإلس الم إطالق اً‪ ،‬فال ف ارق بين اث نين من المس لمين يتكلّم ان بلغ تين‪.‬‬
‫مسلم عربي ومسلم أعجمي)(‪)1‬‬
‫وذكر أن التفريق بين المسلمين على هذا األساس ليس القصد منه رعاي ة حق وق‬
‫من يسمون األقلي ات‪ ،‬وإنم ا يقص د من ه تفري ق المس لمين وتش تيتهم وص دع وح دتهم‪،‬‬
‫يق ول‪( :‬من المحتم ل ج ّداً أن يك ون أس اس ه ذه األم ور األي دي ال تي ال تري د للبل دان‬
‫اإلسالمية أن تتحد بعض ها م ع بعض‪ .‬يث يرون قض ية الع رب والعجم‪ ،‬وقض ية الك رد‬
‫والعرب والفرس داخل البلدان‪ .‬يثيرون في بلدنا قضية الكرد والعرب والل ر وال تركمن‬
‫والبل وش وأمث ال ذل ك‪ ،‬يثيره ا معارض ونا وهم أص حاب دراس ات ج ّم ة لبل داننا‪ ،‬لق د‬
‫توصّلوا إلى أن اإلسالم إذا طُبَّق كما هو‪ ،‬وتحقق ك ّل ما ي دعو إلي ه فس وف تع زل ك ل‬
‫هذه القوى الموجودة في العالم‪ ،‬وستقع أكبر القوى في أيدي المسلمين وهم االكثر عدداً‬
‫واالكثر خيرات‪ ،‬ولذلك يريدون التفريق على نطاق واسع بين عرب هذه الناحية وترك‬
‫تلك الناحية‪ ،‬وفرس هذه الناحية‪ .‬ولهذا يثيرون النزعات القومية خالفا ً لمنط ق اإلس الم‬
‫مثل‪ :‬نحن إيرانيون ونحن ترك‪ ،‬وما إلى ذلك‪ .‬وم رادهم أن ال يك ون اإلس الم ومنطق ه‬
‫هاهنا‪ ،‬وأن يم ّ‬
‫زقوا قوميات اإلسالم) (‪)2‬‬
‫ثم بين سبب هذه الظاهرة وعالقتها بنظ ام الش اه‪ ،‬ومنافاته ا التام ة م ع الش ريعة‬
‫اإلسالمية؛ فقال‪( :‬األصل والقاعدة في إيران هي أن ال تطرح قض ية األقلي ات ك الكرد‬
‫أو ال ترك‪ ،‬وال يق ال‪ :‬ه ذه أقلي ة وتل ك اقلي ة‪ ،‬إنم ا هم أكثري ة‪ ،‬فه ل ت راهم منفص لون‬
‫بعض هم عن بعض؟ أليس ت إخ وتهم اإلس المية واح دة؟ يجب أن أُذ ِّك َر بنقط ة أخ رى‪،‬‬
‫وهي أن ما يُطرح من أَ ّن الكرد يقولون‪ :‬أعطوا كردستان حقها‪ .‬ولنف ترض أن البل وش‬
‫يقولون أيضا ً أعطوا البلوش حقِّهم‪ ،‬وهكذا‪ ،‬ه ذا س ببه أن الحكوم ة ال تي حكمت إي ران‬
‫كانت ظالم ة‪ .‬وألن ه ذه الحكوم ات ك انت في الغ الب أو دائم ا ً من ش ريحة واح دة هم‬
‫الفرس مثاًل ‪ ،‬ل ذلك لم يعط وا الك رد م ا يحتاجون ه‪ ،‬أو أعط وهم القلي ل‪ .‬كم ا لم يعط وا‬
‫البلوش حاجتهم أو أعطوها منقوصة‪ ،‬وكذلك البختي اريون وس ائر األق وام‪ .‬ك انت تل ك‬
‫أنظمةً غير إسالمية‪ .‬ك ان النظ ام الشاهنش اهي نظام ا ً طاغوتي ا ً غ ير إس المي‪ ،‬ول ذلك‬
‫ظهرت هذه الخالفات والتمييزات داخل البلد مع األسف) (‪)3‬‬

‫وبين موقف الحكومة اإلس المية من ه ذه التفرق ة العنص رية؛ فق ال‪( :‬ل و ك انت‬
‫الحكومة إس المية كم ا أراده ا هللا تب ارك وتع الى‪ ،‬وك انت األح وال الس ائدة إس المية‪،‬‬
‫وكذلك وضع القائمين على الحكومة‪ ،‬وكيفية الحكومة كما قرّرها اإلسالم‪ ،‬ومثلما ك ان‬
‫األمر في صدر اإلسالم تنظر الحكومة نظرة واحدة لكل االفراد‪ ،‬والق انون يطب ق على‬
‫الجمي ع بش كل واح د‪ ..‬إذا ظه رت مث ل ه ذه الحكوم ة اإلس المية ال تي في آمالن ا‬
‫وطموحاتنا‪ ،‬وفي آمال اإلسالم وآمال ائم ة اإلس الم وخلف اء اإلس الم من ذ البداي ة‪ ،‬فأن ا‬

‫‪ )(1‬صحيفة اإلمام‪ :‬ج‪ ، 11‬ص ‪.243‬‬


‫‪ )(2‬المرجع السابق‪ :‬ج‪ ، 11‬ص ‪.243‬‬
‫‪ )(3‬المرجع السابق‪ :‬ج‪ ، 11‬ص ‪.244‬‬

‫‪128‬‬
‫واثق أن هذه األقوال حول حقي وحقك ستزول ألنهم جميعا ً على منوال واح د لهم ح ق‬
‫واحد‪ .‬ليس من حق الحاكم وولي أمر الزمان أن يعتني بمنطقة أكثر من منطقة أخ رى‪.‬‬
‫ليس من حقه إعمار جانب من البلد أكثر من جانب آخر‪ .‬ليس من حقه ح تى أن ي رجّح‬
‫مكانا ً على مكان كأن يمد في ه الش وارع واالس فلت مثاًل ‪ .‬إذا انبثقت مث ل ه ذه الحكوم ة‬
‫ال تي هي مطمحن ا‪ ،‬فال أظن الك رد وال ال ترك وال الف رس وال الع رب وال غ يرهم‬
‫سيطرحون هذه األمور‪ .‬لقد اثيرت هذه األمور ألن الحكومات لم تكن إسالمية‪ ،‬وك انت‬
‫مجحفة‪ .‬حينما ال يكون فرق بين طهران وب اوة‪ ،‬وال بين اص فهان وت ركمن وال يك ون‬
‫فرق في أماكن التركمن من حيث الحكومة والقضاء وتطبيق الق وانين وتنفي ذ ال برامج‪،‬‬
‫يزول داعي القول بأن المكان في أيدينا أو أيديهم)(‪)1‬‬
‫وبين المواقف العملية التي ستنتهجها الحكوم ة اإليراني ة لتطب ق ه ذه المع اني‪،‬‬
‫وه و م ا حص ل بالفع ل؛ فق ال‪( :‬ح تى ال يتص ور الس ادة أن المف روض ه و أن تفع ل‬
‫الحكومة المركزية كل ما تريده‪ ،‬تفعل كل ما تري ده م ع ش ريحة‪ ،‬نحن نن وي أن نحي ل‬
‫شؤون كل منطقة وكل مكان أله الي ذل ك المك ان‪ ،‬لل ذين يعين ون هن اك‪ ،‬ليباش روا هم‬
‫ش ؤون اإلعم ار وش ؤون الزراع ة وش ؤون البلدي ة مثاًل وتع يين بعض المس ؤلين‬
‫الفرعيين‪ ،‬وأن ا اق ول ه ذا للجمي ع‪ ،‬طالم ا لم تنبث ق الحكوم ة اإلس المية بالش كل ال ذي‬
‫نريده‪ ،‬انتم ترغبون ونحن نُق ّدم‪ .‬ولكن اعلموا انه اذا انبثقت الحكوم ة اإلس المية يوم اً‪،‬‬
‫ت أيَّا ً كان‪ .‬وسيقول الفرس ليحكم كائنا ً من ك ان‪ .‬وس يقول‬ ‫سيقول حتى الكرد أنفسهم ليأ ِ‬
‫العرب هذا أيضاً‪ .‬سيقول الجميع هذا‪ .‬هل كانت مثل ه ذه األم ور مطروح ةً أص اًل في‬
‫صدر اإلسالم بأن يعين الناس في منطقة معينة ألنفسهم شخص ا ً م ا؟ لم يكن مث ل ه ذا‪،‬‬
‫ألنه لم يكن ثمة اجحاف‪ .‬لم يكن الحاكم إذا حكم يفرّق بين منطقة وأخ رى‪ ،‬إاّل إذا وق ع‬
‫االنحراف) (‪)2‬‬
‫وهكذا ذكر في خطاب تاريخي له بمناس بة إعالن النظ ام الجمه وري اإلس المي‬
‫في إيران الموافق ‪ 4/1979 /1‬م؛ والذي اهتم فيه كثيرا بهذه القيم ة‪ ،‬ومن ذل ك قول ه‪:‬‬
‫(ال ب د من أن أق ول لجمي ع طبق ات الش عب‪ :‬ال يوج د في اإلس الم تمي يز بين األغني اء‬
‫وغ ير األغني اء‪ ،‬وال بين ال بيض والس ود‪ ،‬وال يوج د امتي از أب داً بين الس نة والش يعة‪،‬‬
‫والعرب والعجم واألت راك وغ ير األت راك‪ ،‬لق د جع ل الق رآن الك ريم العدال ة والتق وى‬
‫ميزاناً‪ ،‬فاالمتياز لمن يملك التقوى ‪ ..‬االمتياز لمن يملك النفس الطيبة‪ ،‬وال يوجد امتياز‬
‫في المادي ات‪ ،‬وال م يزة في ال ثروات‪ ،‬يجب أن ت زال ه ذه االمتي ازات؛ فالن اس كلهم‬
‫سواس ية وحق وق ك ل الطبق ات تمنح له ا‪ ،‬ف الجميع متس اوون م ع البعض‪ ،‬واألقلي ات‬
‫الديني ة ت راعي حق وقهم‪ ،‬فاإلس الم يكن لهم االح ترام ‪ ..‬اإلس الم يكن االح ترام لك ل‬
‫الطبقات)‬
‫ومنها قوله في ذك ر بعض النم اذج التفص يلية ح ول األع راق ال تي ينتظم منه ا‬

‫‪ )(1‬المرجع السابق‪ :‬ج‪ ، 11‬ص ‪.244‬‬


‫‪ )(2‬المرجع السابق‪ :‬ج‪ ، 11‬ص ‪.244‬‬

‫‪129‬‬
‫المجتمع اإليراني‪( :‬األكراد وسائر الطبقات الموجودة مع لغاتهم المختلفة‪ ،‬كلهم إخواننا‬
‫ونحن معهم وإنهم معنا وكلنا شعب واحد ولنا دين واحد‪ .‬وبالنس بة إلى بعض العناص ر‬
‫المفسدة الذين يذهبون إلى مناطق مختلفة من إيران ويقوم ون هن اك بال دعايات الس يئة‬
‫ويحرضون الناس المساكين على الفوضى وقتل اإلخوة‪ ،‬إني آمل من الناس أنفس هم أن‬
‫ينتبهوا وال يسمحوا لهؤالء الخونة بالقيام بمثل هذه األعمال فنحن جميعا ً إخوة)‬
‫وذكر عن موقفه من أهل السنة وغ يرهم‪( :‬نحن إخ وان أله ل الس نة‪ ،‬ويجب أن‬
‫نالحظ حقوق الجميع‪ .‬نحن جميعا ً متساوون في الحقوق والقانون ال ذي س وف يص ادق‬
‫عليه الشعب فيما بعد‪ ،‬وقد لوحظ في ه حق وق جمي ع الطبق ات وحق وق األقلي ات الديني ة‬
‫والنساء وسائر الفئات وال يوجد فرق بين فئة وأخرى في اإلسالم إال بالتقوى واالتك ال‬
‫على هللا‪ .‬ونحن نرجو أن يوفقنا هللا تعالى ما دمنا حتى اآلن ق د أوص لنا األم ر إلى هن ا‬
‫وأعلنا الجمهورية اإلسالمية)‬
‫وم ع ك ل ه ذا‪ ،‬وم ع ك ون الواق ع اإلي راني قب ل الث ورة اإلس المية ك ان ممتلئ ا‬
‫بالعنص رية‪ ،‬ويف رق بين األع راق والم ذاهب واألدي ان‪ ،‬ب ل ك ان يحلم بإع ادة‬
‫اإلمبراطورية الفارسية‪ ،‬ويريد أن يقصي الدين ليحل بدله القومية‪ ،‬ولذلك اس تعمل ك ل‬
‫الوسائل لبعث التراث القديم‪ ،‬وجعل رمز الدول ة األس د والش مس باعتبارهم ا يش يران‬
‫للدولتين األكمينية والساسانية‪.‬‬
‫وم ع ك ل ه ذا‪ ،‬وم ع ك ون إي ران في ثوبه ا اإلس المي ض حت بمكاس ب مادي ة‬
‫ومعنوية كث يرة في س بيل الحف اظ على ه ذه القيم ة إال أنن ا نج د المتربص ين من ق وى‬
‫االستكبار العالمي‪ ،‬وأذنابهم من الدول العربية‪ ،‬بل وأتباعهم من ال ذين يس مون أنفس هم‬
‫إس الميين‪ ،‬يس تعملون ك ل الوس ائل لتش ويه ه ذه القيم ة‪ ،‬وتح ريض جمي ع اإلثني ات‬
‫الموجودة في إيران لتتم رد على ال ولي الفقي ه‪ ،‬وعلى الحكوم ة‪ ،‬وعلى ك ل مؤسس ات‬
‫الدولة‪.‬‬
‫وقد استعملوا لذلك كل أنواع الحيل‪ ،‬بل صرحوا بأنهم ال يمكنوا أن يتغلب وا على‬
‫إيران‪ ،‬ويسقطوا نظامها إال بالتالعب باإلثنيات الموجودة فيها‪.‬‬
‫ولألسف‪ ،‬رأيت من الدعاة لهذا المنهج في مواجهة الخطر اإليراني ـ كما يذكر ـ‬
‫دعاة إسالميون يرون أنه ال يمكن أن يتحقق النصر على إيران إال بتحريض العرقي ات‬
‫والطوائف الدينية والمذهبية فيها‪ ،‬وهم يعلمون أن ذلك حرام‪ ،‬بل هو سنة اليه ود ال ذين‬
‫استعملوا هذه الوسيلة في عهد النبوة ليح دثوا الص راع بين المس لمين في الدول ة الفتي ة‬
‫الجديدة‪.‬‬
‫ومن األمثلة على ذلك الداعية والمفكر الكويتي الدكتور عبد هللا النفيسي‪ ،‬وال ذي‬
‫ال يدع مناسبة إال ويحذر فيها من الخطر اإليراني‪ ،‬ويوصي معه ا بتح ريض اإلثني ات‬
‫الموجودة فيها لتطالب باالنقسام‪ ،‬بل إنه دعا إلى تموين مليشيات للقيام بهذا العمل‪ ،‬فقد‬
‫صرح لص حيفة المرص د داعي ا دول مجلس التع اون الخليجي إلى مواجه ة م ا يس ميه‬
‫[الغطرسة اإليرانية] بإشراك شعوبها في الدفاع عن أوطانهم‪.‬‬
‫وأوضح في ت دوينات ل ه ع بر مواق ع التواص ل االجتم اعي أن هن اك طريق تين‬

‫‪130‬‬
‫لتأس يس الميلش يات‪ ،‬إما ع بر التجنيد اإلجب اري‪ ،‬أو عن طريق تش كيل ميليش يات‬
‫تطوعية يتم نثرها عبر الحدود‪.‬‬
‫وهكذا نجد الكثير من ال دعاة لألس ف ينس ون القض ية الفلس طينية‪ ،‬ليتح دثوا عن‬
‫قضية جديدة مبتدعة اس مها القض ية األحوازي ة‪ ،‬ومن الغ ريب أنهم في غم رة ح ديثهم‬
‫عنها ينسون أن أكثرية األحواز شيعة ال سنة‪.‬‬
‫وقد نبههم إلى هذا الخطأ بعضهم في مق ال بعن وان [يتح دثون عن س نة إي ران‪..‬‬
‫دون علم!]‪ ،‬ومما ورد فيه‪( :‬على هامش زيارة الرئيس االيراني محمود أحم دي نج اد‬
‫مؤخرا للقاهرة خرج علينا نفر من الكتاب ومحللي الفضائيات ومعهم أيضا رج ال دين‬
‫من األزه ريين والس لفيين ليعترض وا على م ا يالقي ه [الس نة في األح واز] من مظ الم‬
‫وانتهاكات ألبسط حقوقهم‪ ،‬ولو أن هؤالء تناولوا مظ الم س نة اي ران بص فة عام ة دون‬
‫تحديد مكانهم لما كان هناك داع لكتابة هذا المقال‪ ،‬ذلك أن تشديدهم على س نة األح واز‬
‫تحدي دا كط رف يتع رض للظلم يكش ف عن قص ور فاض ح ل ديهم في فهم األوض اع‬
‫والسياسات والتقسيمات الديموغرافية في إيران‪ .‬وهذا‪ ،‬بطبيع ة الح ال‪ ،‬ن اجم عن خل و‬
‫جامعاتن ا وكلياتن ا من مراك ز بحثي ة متخصص ة بالش أن االي راني‪ ،‬مقاب ل العدي د من‬
‫المراكز الفارسية المتبحرة في كل ما له عالقة باألوضاع والشؤون الخليجية والعربي ة‬
‫السياسية منها واالقتصادية واالجتماعية والثقافية والعسكرية) (‪)1‬‬
‫ثم بين موضع الخطأ الذي يدل على الجهل المطب ق‪ ،‬ب ل على الحق د ال دفين‪..( :‬‬
‫فاألحواز وإن كان أكثرية سكانها من الع رب‪ ،‬ف إن غ البيتهم من الش يعة وليس الس نة‪،‬‬
‫وهم يتكلمون اللهجة األحوازية الشبيهة باللهجة العراقية‪ ،‬وبالتالي فإن سنة األح واز ال‬
‫يش كلون س وى أقلي ة‪ ،‬ش أنهم في ذل ك ش أن األقلي ة الس نية في كرمانش اه‪ ،‬والرس تان‪،‬‬
‫والمدن المركزية الكبرى)‬
‫وهكذا راح يصحح لهم الكثير من األخطاء التي يقعون فيها‪ ،‬بذكر المناطق ال تي‬
‫يتواجد فيها أهل السنة‪ ،‬وإن كان هو اآلخر قد وق ع فيم ا وق ع في ه غ يره من األخط اء‪،‬‬
‫ذلك أنه راح يذكر التهميش ال ذي يعاني ه أه ل الس نة ومعان اتهم المادي ة دون أن يكل ف‬
‫نفسه بمعرفة معاناة غيرهم من الش يعة‪ ،‬وال ذين يوج د بينهم الفق راء كم ا يوج دون في‬
‫سائر المناطق‪.‬‬
‫وق د رد الخمي ني على ه ذه الش بهات ال تي تث ار بانتق اء بعض مظ اهر الفق ر‬
‫الموج ودة في تل ك المن اطق‪ ،‬والحكم عليه ا ال انطالق ا من أس بابها الحقيقي ة‪ ،‬وهي‬
‫الحصار‪ ،‬والحروب‪ ،‬ونحوها‪ ،‬وإنم ا انطالق ا من ك ون ه ذه المن اطق بال ذات مهمش ة‬
‫مرات كثيرة في خطبه وكتبه ولقاءاته‪.‬‬
‫ومنها ما ذكره في حديث له في ب دايات انتص ار الث ورة اإلس المية ح ول ال دور‬
‫الهام لإلذاعة والتلفزيون في مواجهة المؤامرات التي تواجهها الدول ة الفتي ة؛ فق د ج اء‬
‫في ه‪( :‬لق د عانين ا في الف ترة األخ يرة ومازلن ا من مش كلة كردس تان ومن وج ود بعض‬

‫‪ )(1‬يتحدثون عن سنة إيران‪ ..‬دون علم‪ ،‬عبد هللا المدني‪ ،‬موقع اإلسالميون‪.‬‬

‫‪131‬‬
‫المنح رفين والمفس دين هن اك‪ ،‬وه ؤالء هم من الخون ة العمالء والس اعين إلى إث ارة‬
‫الفوضى واإلضطربات في هذه المحافظة‪ ،‬وفي الحقيقة إن هؤالء يهدفون للقضاء على‬
‫األكراد وعلى االتراك والفرس أيضاً‪ .‬لقد ذكرنا من قبل ومراراً لجميع األخوة األك راد‬
‫الذين حضروا إلى هنا‪ ،‬ولألخوة البلوش أيضاً‪ ،‬أن اإلسالم ال يع ترف به ذه التقس يمات‬
‫والتصنيفات‪ ،‬بل يعتم د على مب دأ ﴿إِ َّن أَ ْك َر َم ُك ْم ِع ْن َد هَّللا ِ أَ ْتقَ ا ُك ْم﴾ [الحج رات‪ ،]13 :‬وال‬
‫يعترف بعرب وعجم وكرد بل عمل اإلنسان وتقواه هو األساس والمعيار‪ ،‬فاهلل سبحانه‬
‫وتعالى لم يفرّق بين طائفة وأخرى بل أنزل على الجميع نعمه وطالبهم بالعمل والسعي‬
‫ولم يفرق في ذل ك بين الع رب وال ترك والعجم‪ ،‬وه ذا رس ول هللا ‪ ‬م ع أن ه ع ربي‪،‬‬
‫ولكنه يقول بص راحة أن ال فض ل لع ربي على أعجمي وال أعجمي على ع ربي فكلكم‬
‫من آدم‪ .‬وكما ي ولي اإلس الم ه ذا األم ر أهمي ة ف إن الجمهوري ة اإلس المية ته دف إلى‬
‫وضع هذا االمر في طليعة أولوياتها‪ ،‬ولكن المهمة ص عبة لشراس ة اإلعالم المع اكس)‬
‫(‪)1‬‬
‫ثم ذكر بعض األساليب التي اس تعملها اإلعالم المغ رض في ذل ك ال وقت‪ ،‬وهي‬
‫نفس األساليب التي تستعمل اآلن‪ ،‬وبتركيز أشد؛ فقال‪( :‬إنهم يبلّغون ضدنا داخ ل البالد‬
‫وخارجها‪ ،‬وبأشكال وص ور مختلف ة؛ ففي خ ارج البالد يص وروننا كنظ ام دكت اتوري‬
‫مثل هتلر أو أكثر فظاعة‪ ،‬وأن فالنا ً أمر ببتر أثداء النساء‪ ،‬وفي داخل البالد ككردستان‬
‫مثاًل يش يعون ال دعايات المغرض ة ض دنا‪ ،‬ولألس ف الش ديد ف إن الكث ير من الس ّذج‬
‫يصدقونهم ويتأثرون بمزاعمهم هذه)(‪)2‬‬
‫ثم ذكر موقفه وموقف قادة الثورة اإلس المية من األك راد اإليران يين؛ فق ال‪( :‬إن‬
‫أهلنا في كردستان هم أخوة لنا وأعزاء علينا‪ .‬إنهم يهاجمون أهلنا في كردستان ويقتلون‬
‫أخوتنا‪ .‬وفيما تسارع القوات الحكومي ة لل دفاع عن كردس تان وع دم الس ماح للمفس دين‬
‫القادمين من الخارج أفواجا ً أفواجا ً والذين يرسلون المال والعتاد والمبلغين والجواسيس‬
‫إلشعال المنطقة‪ ،‬وقتل أخوتنا األكراد‪ ،‬فإن هؤالء المفسدين يحاولون خداع السذج ب أن‬
‫الق وات الحكومي ة عازم ة على قت ل األك راد! ولكنهم أنفس هم يقوم ون ب ذلك ويقتل ون‬
‫إخوتنا األكراد‪ .‬وفي المشافي أيضا ً أث اروا سلس لة من الفض ائح‪ ،‬كم ا أنهم وجّه وا إل ّي‬
‫اتهام ات مختلف ة! في وم أمس أحض روا لي بيان ا ً يحم ل توقي ع (ميليش يا ف دائيي خل ق)‬
‫يكيلون فيه سياًل من االتهامات وينسبون الكثير من الفضائح إلى الجمهورية اإلسالمية)‬
‫(‪)3‬‬
‫ثم رد على تلك الدعايات التي تصور التهميش المرتبط باألكراد وغيرهم‪ ،‬ودور‬
‫النظ ام البائ د في ذل ك؛ فق ال‪( :‬لق د أش رت إلى ه ذه النقط ة كث يراً وهي أن األخ وة في‬
‫كردستان مثاًل غير مطلعين على األوضاع في المناطق األخرى ويظنون أن كردس تان‬

‫‪ )(1‬صحيفة اإلمام‪ ،‬ج ‪ ،10‬ص‪.213 :‬‬


‫‪ )(2‬المرجع السابق‪ ،‬ج ‪ ،10‬ص‪.213 :‬‬
‫‪ )(3‬المرجع السابق‪ ،‬ج ‪ ،10‬ص‪.214 :‬‬

‫‪132‬‬
‫وح دها ال تي تع اني من الحرم ان ونقص الخ دمات‪ ،‬والش ي ء نفس ه بالنس بة أله الي‬
‫بختياري حيث يظنون بأنهم من أكثر المناطق معاناة وتخلف اً‪ ،‬وهك ذا أه الي بلوجس تان‬
‫يفك رون بالطريق ة نفس ها‪ ،‬ألن ه ؤالء جميع ا ً مطلع ون على األوض اع في من اطقهم‬
‫فحسب‪ .‬فمن يذهب إلى كردستان سيرى بأم عينه عدم توفر أي نوع من الخ دمات‪ ،‬فال‬
‫مستشفيات وال طرق معبدة وال مدارس‪ ،‬وبلوجس تان ك ذلك تع اني من نفس المش اكل‪،‬‬
‫وإن السبب في كل ذلك يكمن في الدعايات اإلعالمية التي يمارسها البعض والتي ت دفع‬
‫أهالي كل منطقة للظن بأنهم وحدهم الذين يعانون وأن أهالي المناطق األخرى ينعم ون‬
‫برفاهية ورخاء‪ ،‬وبعد عودتنا إلى إيران ولقاءنا مندوبين عن الكثير من من اطق البالد‪،‬‬
‫أخبرتهم بإنهم على حق ألنهم يرون شيئا ً ويسمعون شيئا ً آخر‪ .‬فلقد م ارس نظ ام الش اه‬
‫سياسة اعالمية موجهة تهدف إلى اعتبار ايران بلد الحضارة الك برى وبواب ة التحض ر‬
‫وهذا ما صدقه الكثيرون واعتبروا أن مناطقهم وحدها التي تعاني بينما تتمت ع المن اطق‬
‫األخرى بخدمات وافرة‪ ،‬وبما أن البلد بلد الحضارة الكبرى‪ ،‬فبقية المناطق حتما ً تمتل ك‬
‫هذه الحضارة التي يتكلم عنها النظام ماعدا منطقتن ا نحن‪ .‬ولكن ل و أمعنّ ا النظ ر جي داً‬
‫لوجدنا أن الحرمان والتخلف كان منتشراً في كل بقعة من البالد) (‪)1‬‬
‫ثم ضرب لهم مثاال على ذلك بالوضع المعيشي لسكان العاصمة طه ران؛ فق ال‪:‬‬
‫(اذهبوا إليها وقارنوا بين األوضاع التي يعيش فيها سكان المن اطق النائي ة في طه ران‬
‫واألوضاع في كردستان وبلوجستان‪ ،‬س تجدون أن ه ؤالء ال ذين يعيش ون في طه ران‬
‫أسوأ حااًل وأشد فاقة‪ ،‬وقد عرض التلفاز مؤخراً مشاهد للحف ر والكه وف ال تي يقطنه ا‬
‫هؤالء! وصوراً من حياتهم اليومية المدقعة في الفق ر والحرم ان‪ ،‬وال ب د من الق ول إن‬
‫الظروف التي يعيشها هؤالء هي اسوأ حااًل من كردستان وبلوجستان‪ .‬لق د تم التخطي ط‬
‫والبرمج ة لك ل ه ذا التخل ف والحرم ان والوق وف أم ام تنمي ة البالد وتطوره ا ونهب‬
‫ثرواتنا وممتلكاتنا ليعيش الشعب في بؤس وفقر وحرمان) (‪)2‬‬
‫ثم بين أن الوضع في جميع المناطق اإليرانية واحد‪ ،‬وأن ه ولي د لسياس ات الش اه‬
‫الذي وهب ك ل ممتلك ات البالد ألمريك ا والغ رب؛ فق ال‪( :‬ال تظن وا أن المن اطق ال تي‬
‫تعيشون فيها هي وحدها المحروم ة‪ ،‬ب ل جمي ع المن اطق على درج ة واح دة من الفق ر‬
‫والحرمان وجميعكم محقون بأن مناطقكم محرومة‪ .‬لقد كان البعض يخبرني عن الحالة‬
‫المأس اوية ال تي يعيش ها س كان المن اطق النائي ة في طه ران من ذ أن كنت في النج ف‬
‫ولمست ذلك أيضا ً من خالل المشاهد التي بثها التلفاز‪ ..‬إن ك ل ه ذا الب ؤس والحرم ان‬
‫الذي ترونه جاء نتيجة لمخططات مدروسة وأهداف خبيثة) (‪)3‬‬
‫ثم بين الهدف األكبر ال ذي يس عى ل ه ه ؤالء المحرض ون‪ ،‬وه و ليس المطالب ة‬
‫بحقوق األع راق والم ذاهب واألدي ان‪ ،‬وإنم ا ه و القض اء على الحكم اإلس المي ال ذي‬

‫‪ )(1‬المرجع السابق‪ ،‬ج ‪ ،10‬ص‪.215 :‬‬


‫‪ )(2‬المرجع السابق‪ ،‬ج ‪ ،10‬ص‪.215 :‬‬
‫‪ )(3‬المرجع السابق‪ ،‬ج ‪ ،10‬ص‪.216 :‬‬

‫‪133‬‬
‫ارتضته إيران نظاما لها‪ ،‬يقول في ذلك‪( :‬واليوم أيضا ً يهدفون إلى عرقل ة تق دم الث ورة‬
‫ومنع تحقيق األهداف اإلسالمية‪ .‬فتارة يصوّرون للناس أن هذا اإلسالم الذي ترونه هو‬
‫أسوأ من النظ ام الس ابق بكث ير! وت ارة أخ رى يزعم ون أن ه ؤالء المعممين هم أك ثر‬
‫دكتاتوري ة من اآلخ رين! وأن دكت اتور العمام ة أس وأ من ال دكتاتور الفالني! أي‬
‫دكتاتور! أنا أيضا ً أعتم العمامة فأي واحد منا تقصدون؟ وعن أي دكتاتورية تتحدثون؟‬
‫الجميع يرى اليوم حجم هذا اإلعالم الموجه والتشويه الخطير لعقول الناس‪ ،‬ألن هؤالء‬
‫ق د فق دوا ك ل ش ي ء ولم يب ق أم امهم إال دس س مومهم هن ا وهن اك لتش ويه ص ورة‬
‫الجمهورية اإلسالمية والنيل من رجاالتها) (‪)1‬‬
‫بناء على هذا‪ ،‬سنحاول في هذا المبحث النظر في مدى موضوعية هذه الش بهة‪،‬‬
‫وبيان المدى الذي وصلت إليه قيمة األخوة في نظام والية الفقيه‪ ،‬مقارنة بنظ ام الش اه‪،‬‬
‫وغيره من األنظمة‪ ،‬وذلك من خالل الموقف من اإلثني ات العرقي ة والديني ة والمذهبي ة‬
‫الموج ودة في إي ران‪ ،‬باإلض افة إلى الموق ف من األخ وة الخارجي ة م ع س ائر ال دول‬
‫اإلسالمية وغيرها‪.‬‬
‫أوال ـ والية الفقيه والتعامل مع االختالف العرقي‪:‬‬
‫بناء على ما تقتضيه المصادر الشرعية ال تي يعتم د عليه ا نظ ام [والي ة الفقي ه]‬
‫يذكر الدستور اإلي راني‪ ،‬وك ل المفك رين والفقه اء المؤم نين به ذا النظ ام أن ه ال مح ل‬
‫لالختالف العرقي في التعامل مع االثنيات الموجودة في إي ران‪ ،‬ب ل إن الص راع بينهم‬
‫وبين القوميين الذين كان يمثلهم الحكم البائد كان شديدا بسبب الفرق بين كال الرؤي تين‪:‬‬
‫الرؤية الدينية‪ ،‬والرؤية القومية‪.‬‬
‫ولذلك بمجرد أن انتصرت الثورة اإلسالمية أزيلت كل الشعارات القومية‪ ،‬وحل‬
‫بدلها شعار اإلسالم‪ ،‬باعتباره دين األغلبية‪ ،‬وباعتباره كذلك يحمي جميع االثنيات‪ ،‬وال‬
‫يفرق بينها‪.‬‬
‫بل إن الخميني يدعو في خطاباته وبياناته وفتاواه الكثيرة إلى تعميم هذا التعام ل‬
‫م ع جمي ع المس لمين‪ ،‬ويعت بر التفري ق بينهم على أس اس أع راقهم ولغ اتهم نوع ا من‬
‫الجاهلية التي أجج نيرانها أعداء األمة ليفرقوا بينها‪.‬‬
‫ومن ذل ك قول ه في خط اب ألق اه على جم ع من المس لمين الباكس تانيين ق اموا‬
‫بزيارته بعد انتصار الثورة اإلس المية [في ‪ 28‬ذي الحج ة ‪ 1400‬هـ]‪( :‬من ذ س نوات‬
‫طويلة ونحن نسعى لل ّم شمل المسلمين وتوحيد كلمتهم‪ ،‬ألن جميع المص ائب والمش اكل‬
‫التي يعانون منها‪ ،‬سببها التفرقة ال تي يعيش ونها وال تي أوج دتها أي دي الق وى األجنبي ة‬
‫الطامع ة بإس تغالل بالد المس لمين ونهب ث رواتهم الغني ة‪ ،‬والس اعية إلخض اعهم‬
‫لسيطرتها‪ .‬فقد سعى هؤالء جاهدين لبث التفرق ة بين المس لمين‪ ،‬وم ا ه ذا الكالم ال ذي‬
‫تبجح به هذا الخبيث إال تنفيذاً لما يريدون‪ .‬أن يضع العرب في كف ة‪ ،‬وجمي ع المس لمين‬
‫اآلخرين في كفّة أخرى‪ ،‬فقط الع رب مس لمون‪ ،‬أ ّم ا الباكس تانيون‪ ،‬اإليراني ون فليس وا‬

‫‪ )(1‬المرجع السابق‪ ،‬ج ‪ ،10‬ص‪.216 :‬‬

‫‪134‬‬
‫بمسلمين‪ ،‬فقط العربي هو المسلم الحقيقي! وعلى هؤالء جميعاً‪ -‬حسب بعض العبارات‬
‫التي ذكرها في كالمه‪ -‬أن يقبلوا بسيادة العربي عليهم‪ ،‬إن هذا ما يعارض اإلس الم‪ ،‬إن‬
‫هذا ما يعارض تعاليم القرآن‪ ،‬القرآن يجع ل الم يزان في الكرام ة التق وى‪ ..‬إن ه ذا م ا‬
‫كانت تصبو إليه القوى الكبرى‪ ،‬أن تف رق بين القومي ات‪ ،‬أن تفص ل الع ربي عن غ ير‬
‫العربي‪ ،‬فتضع الع ربي في ج انب‪ ،‬والفارس ي في ج انب آخ ر‪ .‬ح تى أنهم يري دون أن‬
‫يزرعوا الفرقة بين العرب أنفس هم ع بر التفري ق بين ط وائفهم‪ ،‬وك ذلك األم ر بالنس بة‬
‫للفرس وغيرهم من القوميات‪ ،‬ومح ّمد رضا كان موظفا ً لتنفي ذ ه ذه المهم ة في إي ران‪،‬‬
‫ف لتنفي ذ م آرب‬ ‫وكل من يعزف على هذه األوت ار؛ وت ر القومي ة والطائفي ة ه و موظ ٌ‬
‫األجانب الشريرة‪ ،‬والتي تهدف إلى بث التفرقة بين المسلمين)(‪)1‬‬
‫واعت بر في خطاب ه أن ك ل اله زائم ال تي لحقت بالمس لمين س ببها ذل ك التمي يز‬
‫العنصري الذي أفلح األعداء في استثماره وتأجيج الصراع بسببه بين المسلمين‪ ،‬يقول‪:‬‬
‫(إن المسألة المهمة التي جعلت البالد االسالمية مغلوبة على أمرها وأبعدتها عن ظالل‬
‫الق رآن الك ريم هي مس ألة التمي يز الع رقي‪ :‬فه ذا من أص ل ت ركي‪ ،‬ويجب أن يُص لِّي‬
‫صالته بالتركية‪ ،‬وهذا من أصل ايراني ويجب أن تكون حروفه الهجائي ة ك ذا‪ ،‬و ذل ك‬
‫من أص ل ع ربي‪ ،‬ويجب أن تحكم العروب ة وليس االس الم‪ ،‬ويجب أن يحكم األص ل‬
‫اآلري وليس االسالم متناس ين م ا يرتك ز علي ه المس لمون جميع اً! ويؤس ف على أنهم‬
‫ج ّردوا المسلمين من هذا المرتكز‪ ،‬وال أدري الى أين سيؤول األمر؟! لعبة القومية ه ذه‬
‫هي التي جاء االسالم وشطب عليها بخط أحمر‪ ،‬ولم يفرق بين األسود واألبيض‪ ،‬وبين‬
‫ال ترك والعجم‪ ،‬وبين الع رب وغ ير الع رب اال ب التقوى والخ وف من هللا‪ ،‬والتق وى‬
‫بمعناه ا الحقيقي‪ :‬التق وى السياس ية والمادي ة والمعنوي ة ‪ ..‬ليس هن اك ت رك و ف رس‪،‬‬
‫وعرب وعجم‪ ،‬فالمرتكز هو اإلسالم)(‪)2‬‬
‫ويبين أن من أهداف الثورة اإلس المية القض اء على التفرق ة العرقي ة ال تي ك ان‬
‫نظام الشاه يعتبرها هدفا من أهدافه‪ ،‬يقول‪( :‬وأما قضية التفرقة العرقية‪ ،‬فإنه ا رجعي ة‪،‬‬
‫إن الس ادة يعتبرونن ا رجع يين في حين أنهم يري دون أن يع ودوا القهق رى إلى الفين‬
‫وخمس مئة عام‪ ،‬فهل نحن رجعي ون؟! لم اذا يجب أن تَغفُ ل البالد االس المية عن ه ذه‬
‫األمور؟! لم اذا يجب أن تواج ه البالد االس المية بعض ها بعض اً؟ أولئ ك أق اموا تحالف ا ً‬
‫ثالثيا ً مقابل هؤالء‪ ،‬فليشكل هؤالء تحالفا ً آخر مقابل أولئ ك‪ .‬ل َم يتقات ُل المس لمون؟ وم ا‬
‫الذي دفع المسلمين ليتحاربوا؟ أليست هي أيدي االستعمار؟ فارفعوا ي د االس تعمار عن‬
‫فإن يحك ْم الدين اإلسالمي تُحفظ جمي ع‬ ‫البالد االسالمية‪ ،‬ثم شاهدوا أي صداقة تحصل‪ْ ،‬‬
‫ألن الجميع مسلمون)(‪)3‬‬ ‫الثغور وال تعتد حكومة على أخرى‪ّ ،‬‬
‫ولألسف‪ ،‬فإن هذه الطروحات الممتلئ ة بالص دق‪ ،‬وال تي تمث ل العق ل والحكم ة‬

‫‪ )(1‬صحيفة اإلمام‪ :‬ج ‪ ، 1‬ص‪.. 344‬‬


‫‪ )(2‬المرجع السابق‪ ،‬ج ‪ ، 1‬ص‪. . 345‬‬
‫‪ )(3‬المرجع السابق‪ ،‬ج ‪ ، 1‬ص‪. . 345‬‬

‫‪135‬‬
‫كما تمثل اإلسالم المحمدي األصيل وجدت من يرفضها‪ ،‬ويش وه شخص ية قائليه ا‪ ،‬في‬
‫نفس الوقت الذي يُلمع فيه أولئك القوميون الذين قامت الثورة اإلسالمية لمواجهتهم‪.‬‬
‫وقد تولى القيام بهذا الدور القذر طرف ان‪ :‬أم ا أح دهما؛ فمش بع ب الفكر الغ ربي‪،‬‬
‫وبالرؤية الغربية‪ ،‬ولكنه مع ذلك متناقض مع نفسه؛ فهو يدعو القومي ات اإليراني ة ألن‬
‫تنتفض على نظامها‪ ،‬وتؤسس كيانات هشة ضعيفة‪ ،‬يدب الص راع بينه ا ك ل حين‪ ،‬في‬
‫نفس الوقت الذي يرى فيه دول العالم المتق دم تمتلئ باإلثني ات‪ ،‬وت رى كماله ا في ذل ك‬
‫التنوع‪ ،‬وترى أن المواطنة هي األصل‪ ،‬ال العرق‪ ،‬وال الطائفة‪.‬‬
‫أما الثاني؛ فأولئك اإلس الميون ال ذين ق رأوا النص وص المقدس ة‪ ،‬وق رأوا معه ا‬
‫المواق ف الش رعية المتش ددة من ك ل دع وة للعنص رية والعرقي ة‪ ،‬لكنهم يتجاهلونه ا‬
‫جميعا‪ ،‬ويطلبون من األعراق المختلفة في إيران أن تنتفض‪ ،‬بل يطلبون منها أن تشكل‬
‫ميليشيات لتقاوم النظام‪ ،‬وتحصل على استقاللها‪.‬‬
‫ومن األمثلة على ذلك ما كتبه بعضهم تحت عنوان [تركيب ة الش عوب في إي ران‬
‫ما قبل التاريخ المعاص ر](‪ ، )1‬وال ذي تح دث في ه عن التع دد في األع راق اإليراني ة‪،‬‬
‫وتوزعها على مناطقه المختلفة من أزمنة قديمة‪ ،‬وعالقة ذلك ب دول الج وار‪ ،‬وعالقت ه‬
‫باالقتصاد‪ ،‬حيث أن بعض المن اطق غني ة ج دا‪ ،‬وأخ رى فق يرة ج دا‪ ،‬بحيث ل و ح دث‬
‫االنفصال‪ ،‬سيحدث انقالب عجيب لألعراق المختلفة‪ ،‬بل يحص ل الص راع بينه ا وبين‬
‫دول الجوار‪.‬‬
‫ولكن مع ذلك كله ظل مثل غيره مصرا على الدعوة لالنفص ال والمقاوم ة‪ ،‬ألن‬
‫الغرض ليس تحقيق مصالح تلك األعراق‪ ،‬وإنما الغرض انهيار النظام اإلي راني‪ ،‬ول و‬
‫على حساب تلك الشعوب‪.‬‬
‫وسنحلل هنا بعض ما قال ه من معلوم ات‪ ،‬ل نرى أن مج رد التأم ل فيه ا وح دها‬
‫كفيل بالرد عليه وعلى طروحات جمي ع القوم يين ودع اة االنفص ال‪ ،‬وذل ك في النق اط‬
‫التالية‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ قدم التركيبة السكانية لألعراق الموجودة في إيران‪:‬‬
‫كما هو معلوم؛ فإن تاريخ التركيبة السكانية لألعراق الموجودة في إيران يسبق‬
‫الوالي ات المتح دة األمريكي ة‪ ،‬وه ذا يع ني أن الث ورة اإلس المية لم تقم ب أي تغي ير‬
‫ديمغرافي كالذي قامت به أمريكا عندما أبادت السكان األصليين‪ ،‬وأحلت أعراقا أخرى‬
‫بدلهم‪ ،‬وإنما تعاملت مع الوضع بحسب ما وجد عليه في ف ترات تاريخي ة قديم ة ليس ت‬
‫مسؤولة عنها‪.‬‬
‫يقول في ذلك‪( :‬يعود شكل الدولة االيرانية المعاصرة إلى أوائ ل الق رن الس ادس‬
‫عشر الميالدي‪ ،‬وتحديدا الى العام ‪ ،1501‬وذلك م ع تأس يس الدول ة الص فوية على ي د‬
‫الشاه إسماعيل الصفوي‪ ،‬وفي الحقيقة لم تكن الدول ة في تل ك الف ترة قائم ة على قومي ة‬
‫بعينها‪ ،‬إنما كانت تتكون من أقاليم مختلفة ومجموعات عرقية غ ير متجانس ة ومس تقلة‬

‫‪ )(1‬تركيبة الشعوب في إيران ما قبل التاريخ المعاصر‪ ،‬د‪.‬کریم عبدیان بنی سعید‪ ،‬موقع األحواز‪.‬‬

‫‪136‬‬
‫عن بعضها البعض وتعيش دون أي ارتباط عضوي‪ ..‬باإلضافة الى الش عوب المختلف ة‬
‫التي كانت تعيش في هذه الواحة قبل االسالم كانت هناك ديانات مختلفة مث ل المانوي ة‬
‫والمزدكية والميترائية و الزرادشتية حيث بقت تعيش في ه ذه المنطق ة ح تى بع دالفتح‬
‫االسالمي وهزيمة الساسانين على يد المسلمين العرب في معركةالقادسية)(‪)1‬‬
‫‪ 2‬ـ وحدة التركيبة السكانية وارتباطها بمصالحها‪:‬‬
‫ذكر الكاتب المعلومات التاريخية ـ بناء على المراجع التي يعتمدها ـ وال تي ت دل‬
‫على أن ه ذه األق وام والش عوب بمكوناته ا العرقي ة واللغوي ة والديني ة والثقافي ة ك انت‬
‫مجموعات غ ير متجانس ة ‪ ،‬ولم يكن بينه ا في أي مرحل ة أي انس جام‪ ،‬ال من الناحي ة‬
‫التاريخي ة‪ ،‬وال من الناحي ة السياس ية إلى أن ج اء دور الص فويين؛ فتوح دت ه ذه‬
‫الشعوب تحت مظلة الدولة الصفوية‪.‬‬
‫ولس ت أدري أي عيب في ه ذا التوح د‪ ،‬ب ل المص الح في ه؛ فق وة الش عوب في‬
‫وح دتها ال في تفرقه ا‪ ،‬وإن ذك ر أن الدول ة الص فوية ك انت دول ة ظالم ة؛ فق د ك ان‬
‫العثمانيون ال يقل ون عنهم ظلم ا واس تبدادا‪ ،‬وق د انتش روا في جمي ع البالد اإلس المية‪،‬‬
‫ومارس وا اس تبدادهم فيه ا‪ ،‬وم ع ذل ك ن رى اإلس الميين خصوص ا يثن ون كث يرا على‬
‫العثمانيين في نفس الوقت الذي يشنون فيه حملتهم على الص فويين‪ ،‬ويربط ونهم بنظ ام‬
‫والية الفقيه مع الفرق الش ديد والواس ع بين النظ ام ال ذي اعتم ده الص فويون‪ ،‬والنظ ام‬
‫الذي اعتمدته إيران بعد الثورة اإلسالمية‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ األوضاع المزرية للتركيبة السكانية قبل الثورة اإلسالمية‪:‬‬
‫وهي من القضايا المهمة جدا‪ ،‬والتي يحاول المغرضون التكتم عليه ا‪ ،‬وق د ذك ر‬
‫الكاتب بعض تلك األوضاع التي سبقت الثورة اإلسالمية بالنس بة لتل ك الش عوب‪ ،‬وهي‬
‫أوضاع مزرية جدا‪ ،‬وممتلئة بالعنصرية‪.‬‬
‫وكان األصل عند ذكر مثل ه ذا أن يق دم الثن اء للث ورة اإلس المية لقض ائها على‬
‫تلك العنصرية‪ ،‬لكن نرى العكس من ذلك‪ ،‬حيث يُثنى على الشاه العنصري الق ومي في‬
‫نفس ال وقت ال ذي يس ب في ه الخمي ني ال ذي ي دعو إلى األخ وة بين جمي ع األع راق‬
‫والشعوب‪.‬‬
‫يق ول الك اتب‪( :‬ب دأ حكم الش اه رض ا بهل وي بتنفي ذ مش روع القوم يين الف رس‬
‫المتطرفين بتبني مشروع الدولة األمة‪ ،‬وهو نسخة مشوهة لمشروع الدول ة األم ة في‬
‫أروبا في القرن التاسع عشر‪ ،‬حيث أنه خل ق كيان ا سياس يا جدي دا وهوي ة جدي دة له ذا‬
‫الكيان‪ ،‬بعيدة كل البعد عن الوضع الذي كان قائما قب ل إنقالب ه‪ ،‬وك ان مش روع الدول ة‬
‫األمة الذي تبناه البهلوي متناقض تماما مع المشروع األروبي الذي شكلت الديمقراطية‬
‫أساسه‪ ،‬حيث قام نظام الشاه على مجموع ة من الق رارات تض منت تع ديل بعض بن ود‬
‫الدستور الذي ك ان حص يلة الحرك ة الدس تورية (ث ورة المش روطة) وتعطي ل بعض ها‬
‫اآلخر‪ ،‬وانتهى أمده الى إفراغ الدستور من محتواه ا األساس ي وانحص رت مهمت ه في‬

‫‪ )(1‬تركيبة الشعوب في إيران ما قبل التاريخ المعاصر‪ ،‬د‪.‬کریم عبدیان بنی سعید‪ ،‬موقع األحواز‪.‬‬

‫‪137‬‬
‫التصديق على القرارات التي يصدرها النظ ام تمهي داً لقي ام دول ة مركزي ة قوي ة قائم ة‬
‫على االستبداد)‬
‫وذكر أن النظام الشاهنشاهي وضع نظرية التعص ب الق ومي والثق افي اإلي راني‬
‫الفارسي على (فرضية تاريخية خاطئ ة‪ ،‬مفاده ا أن الحض ارة في األراض ي اإليراني ة‬
‫هي من إبداعات اآلريين دون سواهم‪ ،‬باإلضافة إلى تأكيدها على وح دة ال دم والع رق‪.‬‬
‫وهذه النظري ة تس تثني الع رب واألت راك في إي ران ألنهم غ ير آريين‪ ،‬في حين تعت بر‬
‫األكراد والبلوش هم من الشعب اآلري)‬
‫ونقل عن أحد اهتم ام الش اه ب التنظير للفك ر الق ومي العنص ري‪ ،‬ونق ل عن أح د‬
‫منظريه [محمود أفشار] حديثه عن ضرورة تبني الفكر القومي الفارسي‪ ،‬مقاب ل الفك ر‬
‫القومي العربي‪ ،‬والفكر القومي التركي‪ ،‬حيث كتب قائالً‪( :‬إننا مضطرون لتب ني الفك ر‬
‫القومي المتشدد وأن يكون لنا إيران موحدة‪ ،‬وإلغاء الوجود القومي للقومي ات اإليراني ة‬
‫نهائياً)‬
‫وذكر أن وج ود الع رب في إقليم عربس تان يش كل خط راً على إي ران‪ ،‬واق ترح‬
‫على رضا شاه وحكومته حالً يتمثل باستئصال جذور اللغة العربية من إي ران وإح داث‬
‫تغيرات كبرى على التقسيمات اإلدارية‪ ،‬حتى تتغ ير ح دود عربس تان كلي اً‪ ،‬باإلض افة‬
‫إلى تهجير العرب إلى نقاط خارج عربستان وإسكانهم في مختلف المناطق اإليرانية‪.‬‬
‫وذكر أن رضا شاه كان يتعاطف مع مثل وجهات النظر هذه؛ ألن ه ك ان مت أثراً‬
‫إلى حد كبير باألفكار القومية اإليرانية التي طرحت في القرنين التاسع عش ر وب دايات‬
‫القرن العشرين‪.‬‬
‫وذكر أن ذلك كله أدى إلى معاداة لغة القوميات‪ ،‬وخصوصا العربية التي أهملت‬
‫إهماال شديدا‪ ،‬بل ظهرت الدعوات إلى كتابتها بالحروب الالتينية مثلما حصل مع اللغة‬
‫التركية‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ اهتمام النظام اإلسالم في إيران باللغة العربية‪:‬‬
‫أغفل الكاتب لألسف ذكر ذلك االهتمام الكب ير باللغ ة العربي ة ال ذي أب داه جمي ع‬
‫قادة الثورة اإلسالمية‪ ،‬بل نص عليه الدس تور نفس ه‪ ،‬لدرج ة أن القوم يين الفارس يين ـ‬
‫بع د نج اح الث ورة اإلس المية ـ راح وا يتهمونه ا بكونه ا ث ورة على الفارس ية لص الح‬
‫العربية‪ ،‬وأنها بذلك تريد أن تستأصل المقومات الفارسية‪.‬‬
‫ومن أمثلة ذلك م ا ورد في مق ال بعن وان [حض ارة إي ران ال تي تتآك ل وتص بح‬
‫عربية‪ :‬شوارع طهران تتكلم ع ربي](‪ ، )1‬وه و مق ال مهم ج دا يق ارن في ه كاتب ه بين‬
‫الوضع الذي كانت عليه العربي ة إب ان الش اه‪ ،‬والوض ع ال ذي ص ارت إلي ه بع د نج اح‬
‫أن إي ران تس عى إلى‬ ‫الثورة اإلسالمية‪ ،‬وقد قال في مقدمت ه‪( :‬يعلن كث يرون بال تحف ظ ّ‬
‫إحياء امبراطورية فارس ونشر نفوذها على مناطق العالم العربي خصوصا‪ ،‬وفي ه ذا‬
‫اإلعالن المجاني س وء فهم ت اريخي‪ ،‬ب ل وجه ل شاس ع بحقيق ة الوض ع في جمهوري ة‬
‫حضارة إيران التي تتآكل وتصبح عربية‪ :‬شوارع طهران تتكلم عربي ‪ ،‬ملهم المالئكة‪ ،‬موق ع الع رب‪/7/2 ،‬‬ ‫‪)(1‬‬
‫‪..2016‬‬

‫‪138‬‬
‫إيران اإلسالمية‪ ،‬فإيران اإلسالمية ستذوب في العالم العربي كم ا ذابت عش رات األمم‬
‫فيه تحت راية القرآن واإلسالم)‬
‫وبين أسباب ذلك‪ ،‬فقال‪( :‬في اسمها الذي تُص ّر علي ه دول ة إي ران‪ ،‬فق دت إي ران‬
‫( وتعني الكلمة أرض اآلريين) ثل ثي هويته ا الفارس ية وتح ولت إلى مج رد جمهورية‬
‫إسالمية أخرى؛ فحين قامت ثورة الشعب ضد شاه إيران ال ذي ح رص على بن اء مجد‬
‫بهل وي يس تلهم المجد الساس اني القاج اري‪ ،‬أراد الش عب أن يغ ادر النظ ام الملكي إلى‬
‫ي ثمن‪ ،‬وما إن ركب اإلس الميون ظهر الث ورة ح تى س قط الش اه‪،‬‬ ‫نظ ام جمه وري ب أ ّ‬
‫ووجد الشعب واإلسالميون أنفسهم أمام فراغ سياسي‪ ،‬ال بد من سده‪ ،‬فولدت جمهوري ة‬
‫ارتجالي ة س ريعة‪ ،‬س ماها روح هللا الخمي ني بس رعة [جمه وري إس المي] مس تعيرا‬
‫المصطلح العربي لملء الفراغ اللغ وي في الفارس ية ال تي ال توج د فيه ا كلم ة تص ف‬
‫النظام الجمهوري إال الكلمة العربية‪ ،‬فيم ا ال يج ادل أح د أن كلم ة [إس المية] عربي ة‪،‬‬
‫وهكذا بات ثلثا العنوان الرسمي للدولة عربيا (جمهوري إسالمي إيران)‬
‫ثم يذكر ـ متأس فا ـ أن األم ر لم يقتص ر على اس م الجمهوري ة اإلس المية ال ذي‬
‫تعرب‪ ،‬ب ل وص ل إلى ك ل المح ال‪ ،‬يق ول‪( :‬قس على ذل ك‪ ،‬ف إن اللغ ة الرس مية ال تي‬
‫س ارت عليه ا الجمهوري ة الفتي ة في مؤسس اتها الثوري ة الولي دة نحت في الغ الب إلى‬
‫الفض اء اللغ وي الع ربي لس د الثغ رات في اللغ ة الفارس ية ال تي لم تع رف مؤسس ات‬
‫ودس تور دولة جمهورية إس المية من قبل ولم تصغ لها مف ردات تناس بها‪ ،‬اخت ارت‬
‫الجمهورية اإلسالمية لنفسها دستورا أسماه المشرعون [قانون أساسي كش ور]‪ ،‬وهك ذا‬
‫فإن ثلثي الوصف للدستور [قانون أساسي] عربي وما تبقى هي كلمة [ كشور])‬
‫ويذكر المدى الذي وصل إليه استعمال اللغة العربية في المحافل الرسمية؛ فقال‪:‬‬
‫(لست بصدد أن أؤسس هنا لبحث لغوي متخصص يرصد كل تحوالت اللغ ة الفارس ية‬
‫وذوبانها عبر أربعة عقود من عمر الجمهورية اإلسالمية في اللغ ة العربي ة إلى درج ة‬
‫أن المصطلح الرسمي والسياسي اإليراني ب ات في خطاب ه الرس مي يتعام ل بنح و ‪65‬‬ ‫ّ‬
‫بالمئة بلغة ومصطلحات عربي ة‪ ،‬فه ذا م تروك لمراك ز األبح اث المتخصص ة بالش أن‬
‫اإليراني عبر العالم وهي كثيرة ولكنها مؤسسات غائبة في العالم العربي الذي م ا ف تئ‬
‫ساسته يحذرون من التمدد الفارسي في الخليج وغيره!)‬
‫وبناء على هذا راح يذكر متأسفا الكث ير من األمثل ة ال تي ح ولت اإليران يين إلى‬
‫اللغة العربية؛ فقال‪( :‬أريد أن أعرض بشكل سريع طيفا من التغيرات التي يتعام ل به ا‬
‫اإليرانيون كل يوم‪ ،‬ومن خاللها فقدوا أغلب هوية اللغة الفارسية الجميلة الثرية بس بب‬
‫ح رص المؤسس ة اإلس المية القائم ة على الس لطة على ت رويج المص طلح اإلس المي‬
‫والذي هو بالتأكيد مصطلح عربي ينتمي غالب ا إلى الق رون الس ادس والس ابع والث امن‬
‫ميالدية حيث ولدت الدولة اإلسالمية وامتدت وتوسعت)‬
‫ومن األمثل ة على ذل ك م ا أورده في من نص وص وردت في م دخل الدس تور‬
‫اإليراني بين من خالله ا (أف ول اللغة الفارس ية وتآكلها منهزمة أم ام المص طلح الع ربي‬

‫‪139‬‬
‫الذي يغزو مؤسسات الدولة في الجمهورية اإلسالمية حامال معه بالطبع آثارا عربية ال‬
‫ي دركها اإليراني ون في حماس هم المنقطع النظ ير لنشر الجمهوري ة اإلس المية كم ا‬
‫تصورها السيد الخميني ربيب الحوزة الشيعية العراقية في النجف)‬
‫ثم أورد هذا النص‪ ( :‬أصل ‪ :1‬حکومت إيران جمهوری إسالمي است ک ه ملت‬
‫إي ران‪ ،‬ب ر اس اس اعتق اد دیرینهاش ب ه حک ومت ح ق وع دل ق رآن‪ ،‬در پی انقالب‬
‫إسالمي پیروزمند)‪ ،‬وبين المدى الذي وصل إليه استعمال اللغة العربي ة في أهم ق انون‬
‫رسمي في البالد‪ ،‬مع أنه كان يمكن أن تستعمل كلمات فارسية بدل العربية‪.‬‬
‫ففي ذلك النص السابق نجد كلمات (حكومت‪ ،‬جمهوري‪ ،‬إس المي‪ ،‬ملت (مل ه)‪،‬‬
‫أساس‪ ،‬اعتقاد‪ ،‬حق‪ ،‬عدل‪ ،‬قرآني‪ ،‬انقالب (وتعني بالفارسية اإلسالمية ث ورة) في ه ذا‬
‫السطر ونصف السطر المكون من ‪ 21‬كلمة‪ ،‬ظهرت ‪ 11‬كلمة عربية‪.‬‬
‫وهكذا ذكر األمثلة التي ت بين أن ال ذي وض ع الدس تور ك ان في إمكان ه أن يج د‬
‫مفردات في الفارسية لكنه تركها واستعمل العربي ة‪ ،‬فكلم ة [أصل ‪ ]1‬العربية (لو ش اء‬
‫المشرّع الفارسي أن يستفيد من مفردات لغتهم الستخدم كلمة [رش ته] في ه ذا المك ان‪،‬‬
‫لكنه لم يفعل‪.‬‬
‫وقد ذكر الكاتب تململ القوميين الفارسيين من ذل ك التوج ه الع ربي ال ذي تمي ل‬
‫إليه إيران في عهدها الجديد؛ فقال‪( :‬التوج ه ألس لمة المجتم ع يث ير حفيظ ة الف رس في‬
‫إيران على وجه الخصوص‪ ،‬إذا يرون فيه سياس ة تع ريب تتبعه ا حكوم ة الس ادة وهم‬
‫يقول ون علن ا في ك ل مك ان‪ :‬إذا ك ان الخمي ني‪ ،‬والخ امنئي وخ اتمي من الس ادة‪ ،‬فهم‬
‫هاش ميو النس ب‪ ،‬والهاش ميون ع رب قريش يون ال ش ك فيهم‪ ،‬وهك ذا فحكامن ا هم من‬
‫العرب الساعين إلى تعريب إيران الفارسية)‬
‫وهكذا يذكر الكاتب متأسفا الحملة الشديدة التي قامت بها الث ورة اإلس المية على‬
‫الثقاف ة الفارس ية؛ فيق ول‪( :‬إذا تأملن ا أث ر سياس ة األس لمة ال تي انتهجته ا وم اتزال‬
‫الجمهورية اإلسالمية في إيران سنجد في المحصلة انحسارا ح ادا للحض ارة الفارس ية‬
‫ولغتها وحتى مواريثها‪ ،‬ففي إيران اإلسالمية ال يحب ذ المس ؤولون إحي اء عي د ن وروز‬
‫وهو األساس الذي تحوم حوله حضارة فارس ومن يحيط بها (طاجيكستان‪ ،‬أذربيجان‪،‬‬
‫كردس تان بأقس امها األربع ة‪ ،‬أفغانس تان‪ ،‬أج زاء من باكس تان وغيره ا)‪ ،‬ويح اولون‬
‫جاهدين تحوليه إلى عيد الربيع (بهار) وإض فاء مالمح إس المية علي ه تقص ي رمزيت ه‬
‫وطقوسه الزرادشتية (النار‪ ،‬والقفز فوق النار‪ ،‬إحياء رسم جهارشنبه س وري‪ ،‬وس فرة‬
‫هفت سين التي أضاف إليها إسالميو إي ران الق رآن‪ ،‬االحتف ال لم دة ‪ 13‬يوم ا بم وجب‬
‫الطقوس الزرادشتية)‬
‫وذك ر كي ف غ يرت الث ورة اإلس المية ك ل الع ادات والتقالي د القديم ة لتص بها‬
‫بالصبغة العربية اإلسالمية؛ فيقول‪( :‬يس عى اإلس الميون في إي ران إلى نش ر االحتف ال‬
‫بمواليد األئمة والمعصومين (من آل الرسول) لتح ل مح ل أي ام ن وروز الثالث ة عش ر‪،‬‬
‫وعيد الشتاء‪ ،‬كما يسعون جاهدين إلى تغيير التقويم الفارسي‪ ،‬إلى تقويمهم الجديد ال ذي‬
‫يسمونه (هجري شمسي)‪ ،‬محاولين محو كل الكلمات الفارسية التي تثبّت هذا التقويم‪.‬‬

‫‪140‬‬
‫ومع كل هذا نرى المغرضين‪ ،‬وخصوصا اإلسالميين منهم‪ ،‬يتهمون نظام والية‬
‫الفقيه بالعصبية الفارس ية م ع كون ه يتلقى الع داء من القوم يين من الف رس بس بب ذل ك‬
‫االنصهار الشديد مع اللغة العربية واإلسالم‪ ،‬وكأنهم يريدون من إيران ال تي ك انت في‬
‫كل تاريخها تتكلم الفارسية‪ ،‬وتتعلم بها‪ ،‬أن تتحول فجأة إلى دولة عربية‪ ،‬وتجع ل اللغ ة‬
‫العربية لغتها الرسمية‪.‬‬
‫‪ 5‬ـ اهتمام الدستور اإليراني باللغات المحلية واللغة العربية‪:‬‬
‫أغفل الكاتب ـ مثل غ يره ـ ذك ر م ا ورد في الدس تور اإلي راني في تعامل ه م ع‬
‫اللغات المختلفة‪ ،‬واحترامه لها؛ ففي الم ادة الخامس ة عش رة‪( :‬اللغ ة والكتاب ة الرس مية‬
‫والمش تركة‪ ،‬هي الفارس ية لش عب إي ران‪ ،‬فيجب أن تك ون الوث ائق والمراس الت‬
‫والنصوص الرسمية والكتب الدراسية بهذه اللغة والكتابة‪ .‬ولكن يجوز استعمال اللغات‬
‫المحلية والقومية األخرى في مجال الصحافة ووسائل اإلعالم العام ة‪ ،‬وت دريس آدابه ا‬
‫في المدارس إلى جانب اللغة الفارسية)‬
‫وهذا ما يفسر حديث الخميني والخامنئي في خطبهما ودروس هما بالفارس ية م ع‬
‫إتقانهما الشديد للعربية؛ وهو ليس تعصبا ضد العربية كما يفهم المغرضون‪ ،‬وإنم ا ه و‬
‫مراعاة لقانون البالد‪ ،‬الذي يراعي اللغة السائدة فيها‪.‬‬
‫وفي المادة السادسة عشرة‪( :‬بم ا أن لغ ة الق رآن والعل وم والمع ارف اإلس المية‬
‫هي العربية‪ ،‬وأن األدب الفارسي ممتزج معها بشكل كامل‪ ،‬لذا يجب تدريس هذه اللغ ة‬
‫بعد المرحلة االبتدائية حتى نهاية المرحلة الثانوية في جميع الصفوف واالختصاص ات‬
‫الدراسية)‪ ،‬وبذلك يجعل الدستور اإلي راني اللغ ة العربي ة لغ ة ثاني ة وض رورية‪ ،‬وفي‬
‫فترة كافية إلتقانها خصوصا مع اختالطها الشديد بالفارسية‪.‬‬
‫وهك ذا ن رى في س ائر الم واد اهتمام ا ش ديدا بك ل م ا يص بغ الدول ة بالص بغة‬
‫اإلسالمية‪ ،‬وهي صبغة تجمع بين جميع القوميات الموجودة في إي ران‪ ،‬وتوح د بينه ا‪،‬‬
‫وفي ذلك ما يرد على أولئك الخصوم الذين يريدون تمزيقها لتعيش الفوضى والصراع‬
‫الداخلي والخارجي مع جميع الدول المحيطة‪.‬‬
‫‪ 6‬ـ موانع االنقسام لدى التركيبة السكانية‪:‬‬
‫وق د ذكره ا بتفص يل‪ ،‬ن راه كافي ا لل رد على ه ذه الش بهة‪ ،‬وال رد على ك ل‬
‫المغرضين‪ ،‬وسنذكر هنا باختصار ما ذكره عن بعض تلك األعراق‪:‬‬
‫األتراك األذربايجانيين‪ :‬ويذكر أنهم أكبر قومية في إيران‪ ،‬وأنهم يسيطرون على‬
‫[البازار]‪ ،‬أي اقتصاد السوق‪ ،‬وأنهم ناف ذون في الجيش والح رس الث وري ومؤسس ات‬
‫الدولة‪ ،‬وهذه االمتيازات ترد على تلك الطروحات التي تص ور إي ران باالمبراطوري ة‬
‫الفارسية‪ ،‬والعنصرية المرتبطة بها‪ ،‬وكيف يكون ذلك‪ ،‬وهو يقر بم ا له ذه القومي ة من‬
‫امتيازات؟‬
‫لكنه يغفل عما ذكره‪ ،‬ويبين نقاط ضعف هذه القومية‪ ،‬والمتمثل حس ب رأي ه في‬
‫(فقدانهم تنظيمات قومية قوية‪ ،‬وتشتت صفوفهم‪ ،‬وعدم وج ود قي ادة سياس ية منس جمة‬
‫لديهم‪ ،‬كما أنهم قياسا بالشعوب اإليراني ة األخ رى يعيش ون نوع ا من الرف اه المعيش ي‬

‫‪141‬‬
‫واالقتصادي النسبي‪ .‬وبما ان الكثير منهم يسيطر على اقتصاد السوق‪ ،‬فإن خ وفهم من‬
‫فقدان هذه االمتيازات تدفعهم إلى عدم التفكير او ط رح مطلب االنفص ال او االس تقالل‬
‫أو حتى تقسيم السلطة والثروة)‬
‫وكأنه يريد من هؤالء مع ك ل ه ذه االمتي ازات أن يتم ردوا‪ ،‬وينفص لوا ليش كلوا‬
‫دولتهم الخاصة‪ ،‬وهو يحرضهم على ذلك‪ ،‬وي بين أن (النظ ام يح اول اس تمالتهم بش تى‬
‫الطرق منها على سبيل المثال السماح لهم بتشكيل تكتل في مجلس الشورى (البرلم ان)‬
‫من قبل حوالي ‪ 100‬نائبا من المناطق التركية في ايران)‬
‫وفوق كل هذا يذكر أن من الموانع التي تح ول بينهم وبين االنفص ال (خالف اتهم‬
‫التاريخي ة م ع األك راد ح ول الح دود االداري ة القليمي آذربيج ان وكردس تان‪ ،‬حيث‬
‫يتن ازع الطرف ان ح ول بعض المن اطق المختلط ة بالكس ان االت راك والك راد أو بعض‬
‫الم دن والق رى ذات االغلبي ة الكردي ة في ح دود محافظ ات اقليم آذربيج ان أو من اطق‬
‫يقطنها األتراك في مناطق تتبع اداريا لكردستان وتصاعد ه ذه الخالف ات من ش أنها أن‬
‫تؤدي إلى حرب أهليه وبالتالي إضعاف الجبهة المعادية للنظام)‬
‫وبالتالي يمكننا أن نستبعد ه ذه القومي ة الكب يرة من كونه ا ته دد إي ران ب التمزق‬
‫واالنفص ال‪ ،‬ونس تبعدها ك ذلك من القومي ات المض طهدة حس بما يص ور اإلعالم‬
‫المغرض‪.‬‬
‫األكراد ‪ :‬وهم ـ كما يذكر ـ مع كونهم أصحاب تاريخ نضالي طوي ل‪( ،‬باإلض افة‬
‫إلى وج ود انس جام تنظيمي وقي ادة قوي ة نس بيا إال أن الغالبي ة العظمى من الش عب‬
‫الكردي ملتفة حول هذه األحزاب التي ال يتجاوز عددها أصابع الي د‪ ،‬باإلض افة إلى أن‬
‫قربهم العرقي واللغوي مع الفرس جعلهم يميلون إليهم‪( ،‬حيث أن معظم مثقفي الشعبين‬
‫يعتبرون أنفسهم من اآلريين‪ ،‬ويض عون أنفس هم في مواجه ة الش عوب األخ رى غ ير‬
‫اآلرية‪ ،‬خاصة العرب واألتراك‪ .‬ومن هذه الناحية ك ان الف رس دائم ا يح اولون كس ب‬
‫األكراد وبناء تحالفاتهم معهم على أساس خطاب تفوق العرق اآلري على باقي ش عوب‬
‫المنطقة)‬
‫وبذلك أيضا يمكن استبعاد هذه التركيبة‪ ،‬التي ل و فس ح له ا المج ال‪ ،‬وانفص لت؛‬
‫فستحدث فتن كبرى في كل الدول المحيطة‪ ،‬والتي تحوي جميعا على العرق الكردي‪.‬‬
‫عرب األهواز‪ :‬وهم باإلضافة إلى كونهم شيعة‪ ،‬وهو ما يجعلهم قري بين ج دا من‬
‫النظ ام اإلي راني‪ ،‬ومؤمن ون بطروحات ه‪ ،‬مثلهم مث ل أك ثر ش يعة الع الم‪ ،‬يوج د على‬
‫أرضهم أكبر آبار النفط‪ ،‬والذي أصبح ح ائال بينهم وبين المطالب ة باالنفص ال‪ ،‬ال منهم‬
‫فقط‪ ،‬ولكن من الغرب نفسه؛ ذلك أن (الشركات النفطية الكبرى والعتبارات اقتصادية‬
‫والحفاظ على إيران كسوق اس تهالكية فض لت التعام ل م ع حكوم ات مركزي ة قوي ة‬
‫بعينها بدال من التعامل مع ع دد من ال دويالت‪ ،‬وله ذا الس بب ح افظت ال دول الغربي ة‬
‫وبش كل ح ازم على وح دة إي ران و ع دم تجزئته ا‪ ،‬وق د حص ل ذل ك كل ه العتب ارات‬
‫اقتصادية بحتة‪ .‬من جهة أخرى‪ ،‬فإن احتمال عدم االستقرار والفوضى األمني ة بس بب‬
‫الموقع الجيواستراتيجي للبلد ومن اجل الحافظ على مصالح االقتص اد تع ارض ه ذه‬

‫‪142‬‬
‫الدول أي دعوة لتفكيك ايران)‬
‫اللور والبختيارية‪ :‬والذين ي رى الك اتب أن نق اط ض عفهم تكمن في (ش راء ذمم‬
‫الكثير منهم من قبل النظام الذي منحهم امتي ازات مادي ة وسياس ية باعتب ارهم ينتم ون‬
‫إلى العراق اآلري‪ ،‬ويستخدمهم في مخطط التغيير الديمغرافي في منطقة االهواز حيث‬
‫يقوم الجنرال محس ن رض ائي‪ ،‬أمين مجلس تش خيص مص لحة النظ ام والقائ د الس ابق‬
‫الثوري اإليراني والذي ينتمي للبختياريين‪ ،‬بتهجير ع دد كب ير من الل ور والبختي اريين‬
‫من مناطقهم وأسكنهم في وسط اإلحياء والمدن العربية)‬
‫وهكذا يمكن أن نستبعد هذه التركيبة أيضا‪ ،‬باعتباره ا ن الت ك ل م ا تحتاج ه من‬
‫امتيازات بإقرار الكاتب نفسه‪ ،‬وفوق ذلك ساهمت في تالحم الشعب اإلي راني واختالط‬
‫بعضه ببعض‪.‬‬
‫البلوش‪ :‬وهو يذكر أن من أهم نقاط ضعفهم تفرقهم مثل األكراد في دول مختلفة‬
‫كباكستان وأفغانستان‪ ،‬وانفصالهم يؤدي إلى ص راع مري ر م ع تل ك ال دول‪ ،‬باإلض افة‬
‫إلى ك ون العدي د منهم م وظفين كب ارا‪ ،‬ورج ال أعم ال ومس ؤولين في ع دد من دول‬
‫الخليج‪ ،‬وبذلك تنتفى حاجتهم وفقرهم واضطهادهم كما يزعم‪.‬‬
‫باإلضافة إلى انتشار الحركات السلفية والمتشددة بينهم‪ ،‬وهو ـ كم ا ي ذكر ـ (م ا‬
‫أعطى النظام االيراني الحجج لشن حرب |إعالمية واس عة وقوي ة ض د نض ال الش عب‬
‫البلوشي)‬
‫التركمان‪ :‬ومن نقاط ضعفهم وع دم ق درتهم على االس تقالل ـ كم ا ي ذكر ـ قل ة‬
‫ع ددهم بالنس بة للقومي ات األخ رى‪ ،‬باإلض افة إلى أن (أرض يهم الزراعي ة الخص بة‬
‫تمنحهم القدرة على االكتفاء الذاتي)‪ ،‬باإلضافة إلى كونهم (محاصرين بعدة محافظ ات‬
‫فارسية باإلضافة الى فقدانهم للتجربة التنظيم السياسي السياسية)‬
‫وبهذا التفصيل الذي آثرنا أن نذكره لنثبت من خالله أن مصلحة جميع األع راق‬
‫التي تتكون منه ا إي ران في توح دها‪ ،‬باإلض افة إلى كونه ا جميع ا تُحكم بنظ ام واح د‪،‬‬
‫وقوانين واحدة‪ ،‬وليس هناك أي قوانين تميز جنسا عن جنس‪ ،‬أو منطقة عن منطقة‪.‬‬
‫وإن ظه ر في أي منطق ة من المن اطق بعض مظ اهر الحاج ة والفق ر؛ ف ذلك ال‬
‫يعود للنظام بالدرجة األولى‪ ،‬بل قد يعود أله ل المنطق ة‪ ،‬وج دهم واجته ادهم وعملهم‪،‬‬
‫كما نرى ذلك في كل مدن العالم التي تتف اوت بحس ب نش اط أهله ا‪ ،‬ال بحس ب تقص ير‬
‫الدولة‪.‬‬
‫وق د ذكرن ا س ابقا م ا أج اب ب ه الخمي ني على من يتهم ون النظ ام اإلس المي‬
‫بالتقصير في حق األكراد‪ ،‬وقوله‪( :‬لقد أش رت إلى ه ذه النقط ة كث يراً وهي أن األخ وة‬
‫في كردس تان مثاًل غ ير مطلعين على األوض اع في المن اطق األخ رى ويظن ون أن‬
‫كردستان وحدها ال تي تع اني من الحرم ان ونقص الخ دمات‪ ،‬والش ي ء نفس ه بالنس بة‬
‫ألهالي بختياري حيث يظن ون ب أنهم من أك ثر المن اطق معان اة وتخلف اً‪ ،‬وهك ذا أه الي‬
‫بلوجس تان يفك رون بالطريق ة نفس ها‪ ،‬ألن ه ؤالء جميع ا ً مطلع ون على األوض اع في‬
‫مناطقهم فحس ب‪ .‬فمن ي ذهب إلى كردس تان س يرى ب أم عين ه ع دم ت وفر أي ن وع من‬

‫‪143‬‬
‫الخدمات‪ ،‬فال مستشفيات وال ط رق معب دة وال م دارس‪ ،‬وبلوجس تان ك ذلك تع اني من‬
‫نفس المشاكل‪ ،‬وإن الس بب في ك ل ذل ك يكمن في ال دعايات اإلعالمي ة ال تي يمارس ها‬
‫البعض وال تي ت دفع أه الي ك ل منطق ة للظن ب أنهم وح دهم ال ذين يع انون وأن أه الي‬
‫المناطق األخرى ينعمون برفاهية ورخاء) (‪)1‬‬
‫ثانيا ـ والية الفقيه والتعامل مع االختالف الديني‪:‬‬
‫من االختبارات التي اختبرت بها الث ورة اإلس المية من أول أي ام انتص ارها إلى‬
‫اآلن الموقف من األقليات الدينية‪ ،‬ذلك أن إيران تحوي كثيرا من األقليات الدينية مثلم ا‬
‫تحوي الكثير من األقليات القومية والعرقية؛ فمن األقليات الموجودة فيه ا المس يحيون ـ‬
‫من األشوريين‪ ،‬والكلدانيين‪ ،‬واألرمن ـ باإلضافة لليهود والزرادشتيين‪ ،‬والصابئة‪.‬‬
‫وقد أشار الخميني إلى هذا الموقف عندما كان في منفاه في باريس أمام جمع من‬
‫الطلبة الجامعيين واإليرانيين المقيمين في الخ ارج؛ فق ال‪( :‬إنن ا كث يراً م ا نُس أل كي ف‬
‫ستتعاملون مع األقليات الدينية إذا ما أقيم الحكم اإلسالمي؟ وإن سر تكرار هذا الس ؤال‬
‫هو كثرة ما لقن ه ؤالء بأن ه إذا م ا اقيم الحكم اإلس المي فس يقتلون اليه ود والنص ارى‬
‫والزرادشتيين دون تمييز وبشكل جماعي)(‪)2‬‬
‫ثم راح يفند هذه الشبهة بقوله‪( :‬متى وقعت مث ل ه ذه المج ازر في ظ ل اإلس الم‬
‫وفي بلد إسالمي لم تكن االقليات الدينية في حالة حرب ضده؟! بل وم تى قت ل في ظل ه‬
‫احد منه ا؟! فمن ه ذه االقلي ة الديني ة ك انت تل ك الم رأة اليهودي ة الذمي ة ال تي س لبوها‬
‫خلخالها‪ ،‬ولما سمع امير المؤمنين (االمام علي) بالخبر‪ ،‬قال‪( :‬لو أن امرؤا مسلما ً مات‬
‫من بعد هذا أسفاً‪ ،‬ما كان به ملوماً)‪ .‬النه وقع في ظل حماية اإلسالم‪ ،‬فهل هذا اإلس الم‬
‫ومثل هذا الحكم اإلسالمي‪ ،‬يسيء إلى االقليات الدينية؟!)(‪)3‬‬
‫ثم بين مصدر هذه اإلشاعات؛ فقال‪( :‬هذه كلها دعايات يروج لها الشاه وانصاره‬
‫عبر أبواقهم من أجل تشويه ص ورة اإلس الم وحكومت ه وعلمائ ه في أذه ان الن اس‪ ،‬أو‬
‫على االقل في أذهان االجانب خارج إي ران من غ ير المس لمين والالدين يين‪ ،‬واإليح اء‬
‫لهم بأن علماء اإلسالم يريدون إقامة حكومة رجعية‪ ،‬رجعية إسالمية!) (‪)4‬‬
‫وبين سبب إشاعة مثل هذه الشائعات؛ فقال‪( :‬إنهم يروج ون له ذه األق وال وه ذه‬
‫الش عارات في الخ ارج‪ ،‬كي يزرع وا الخ وف من الحكم اإلس المي في نف وس بعض‬
‫ش بابنا فيقع وا ‪ -‬ال س مح هللا ‪ -‬في ه ذا الخط أ‪ ،‬ويخش ون إقام ة الحكم اإلس المي ألن ه‬
‫بزعمهم سيقفل االبواب على النس اء كي ال يخ رجن من ال بيت أب داً‪ ،‬في حين أن نس اء‬
‫صدر اإلسالم كن حاض رات في مي ادين القت ال وفي الح روب اإلس المية للقي ام بمه ام‬
‫وكن يتعرضن للقتل‪ .‬من قال يجب الحجر على النساء؟ انهن حرّات‬ ‫التمريض وغيره‪ّ ،‬‬

‫‪ )(1‬صحيفة اإلمام‪ ،‬ج ‪ ،10‬ص‪.215 :‬‬


‫‪ )(2‬صحيفة اإلمام‪ ،‬ج‪ ، 4‬ص ‪. 303‬‬
‫‪ )(3‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ ، 4‬ص ‪. 303‬‬
‫‪ )(4‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ ، 4‬ص ‪. 303‬‬

‫‪144‬‬
‫الدينية؟)(‪)1‬‬ ‫كالرجال‪ .‬ومن قال‪ :‬ان الحكم اإلسالمي يسيء معامله االقليات‬
‫ثم بين محال مخاوفهم الحقيقية‪ ،‬وال تي ي ذكرون تل ك اإلش اعات للتس تر عليه ا؛‬
‫فق ال‪( :‬أج ل‪ ،‬إن أح د مخ اوفهم الحقيق ة ه و من إغالق مح ال لعب القم ار والبغ اء‬
‫والمالهي الفاسدة‪ ،‬فاإلسالم ال يسمح ببقائها ألنها هي التي جرت شبابنا إلى هذه الحال ة‬
‫البائسة‪ ،‬وإذا كان أدعياء الثقافة والتحديث يؤيدون بقاء مراكز المفاسد هذه‪ ،‬ف إن الحكم‬
‫اإلسالمي وحفاظا ً على كرامة الشعب‪ ،‬يعارضها ويغلق أبوابها‪ ،‬ويعم ل على تص حيح‬
‫توجهات دور السينما اذ أنها تقوم بإفساد شبابنا وجرّهم إلى الفحشاء) (‪)2‬‬
‫ولهذا كان في لقاءاته مع ممثلي األقلي ات الديني ة يطمئنهم إلى أن ه ال ف رق بينهم‬
‫في ك ل حق وقهم م ع جمي ع المس لمين‪ ،‬وي دعوهم إلى المس اهمة في خدم ة بل دهم مث ل‬
‫إخوانهم من المس لمين‪ ،‬ومن ذل ك م ا قال ه في لق اء ل ه م ع ممثلي [جمعي ة الزرادش ت‬
‫اإليرانيين] في بدايات انتصار الثورة اإلسالمية‪ ،‬حيث ق ال‪( :‬أطمئن الس ادة من جمي ع‬
‫األقليات الدينية بأن االسالم تعام ل دوم ا م ع األقلي ات الديني ة تع امال إنس انيا وع ادال‪،‬‬
‫وكانوا جميعا مرفهينن إنهم كسائر األقليات ج زء من ش عبنا‪ ،‬ونحن وإي اهم نعيش مع ا‬
‫في هذه البالد وسوف يتحقق الرفاه لنا جميعا ان شاء هللا)(‪)3‬‬
‫وذكر الدعايات اإلعالمية التي تحرض هذه األقليات‪ ،‬وتحاول أن تش وه ص ورة‬
‫اإلسالم‪ ،‬وص ورة الحكم اإلس المي؛ فق ال‪( :‬ال دعايات اإلعالمي ة كث يرة‪ ،‬وهي ترتب ط‬
‫ب أمور مختلف ة‪ ،‬وق د رددناه ا في أحاديثن ا‪ ،‬لكنهم يواص لون إثارته ا في الص حف‬
‫الحكومي ة المنتش رة داخ ل إي ران أو المنتش رة هن ا‪ ،‬أو في أم اكن أخ رى‪ ،‬ومن ه ذه‬
‫ال دعايات ال تي يروجونه ا في إعالمهم هي المتعلق ة باألقلي ات الديني ة إذ يقول ون‪ :‬إن‬
‫الحكوم ة اإلس المية‪ -‬إذا أقيمت‪ -‬س تفعل ك ذا وك ذا ب اليهود والنص ارى والزرادش ت‪،‬‬
‫وسترتكب المذابح الجماعية لهم وأمثال ذلك‪ ،‬وهذا ادعاء خ اطئ ج داً‪ ،‬ف إذا أقيم الحكم‬
‫اإلس المي‪ -‬إن ش اء هللا‪ -‬واس تقرت حكوم ة عادل ة‪ -‬بمش يئة هللا‪ -‬س ندعو ح تى اليه ود‬
‫اإليرانيين المخدوعين الذين خرجوا من إيران‪ ،‬وذهب وا إلى اس رائيل ب دافع من أوه ام‬
‫خدعوهم بها فوقعوا بأيدي اليهود واإلسرائيليين الق ادمين من أميرك ا وغيره ا ف أنزلوا‬
‫بهم األذى وهم اآلن في ض يق وعس ر ش ديد‪ ،‬س ندعوهم للع ودة إلى وطنهم إي ران‪،‬‬
‫وستعاملهم الحكومة اإلسالمية بأفص ل ص ورة‪ ،‬ألن اإلس الم ال يري د العس ر ألح د من‬
‫بني اإلنسان‪ ،‬وأحكامه تحترم جميع الفئآت‪ ،‬وبالطبع ثم ة ح االت اس تثنائية في ه ترتب ط‬
‫بمثيري الفتن والمخربين الذين ال يوجد من يقر التس امح في التعام ل معهم‪ ،‬أم ا أمث ال‬
‫اليهود وسائر أهل الكتاب من النصارى والمجوس فهم من أهل الذمة الذين يعيشون في‬
‫ظ ل الدول ة اإلس المية برفاهي ة واح ترام‪ ،‬فم ا يق ال من إقام ة الحكم اإلس المي تع ني‬
‫تعريض هم لألخط ار دعاي ات إعالمي ة تحريفي ة‪ ،‬واله دف حف ظ المل ك وض رب ه ذه‬

‫‪ )(1‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ ، 4‬ص ‪. 303‬‬


‫‪ )(2‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ ، 4‬ص ‪. 304‬‬
‫‪ )(3‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ ،6‬ص‪.155 :‬‬

‫‪145‬‬
‫النهضة)(‪)1‬‬
‫وبناء على هذا الموقف المستمد من الشريعة اإلسالمية نص دس تور الجمهوري ة‬
‫اإلسالمية اإليرانية في مواد كثيرة على كافة الحقوق التي تتعلق بهذه األقلي ات‪ ،‬ومنه ا‬
‫ما ورد في المادة الثالثة والعشرون‪ ،‬وال تي تنص على أن ه (يمن ع محاس بة الن اس على‬
‫عقائدهم‪ ،‬وال يجوز التعرض ألحد أو مؤاخذته لمجرد اعتناقه عقيدة معينة)‬
‫وتنص المادة الرابعة والعشرون على أن (الصحافة والمطبوعات حرة في بي ان‬
‫المواضيع ما لم تخل بالقواعد اإلسالمية والحقوق العامة)‬
‫وتنص الم ادة السادس ة والعش رون على أن (األح زاب‪ ،‬والجمعي ات‪ ،‬والهيئ ات‬
‫السياسيّة‪ ،‬واالتحادات المهنية‪ ،‬والهيئات اإلس المية‪ ،‬واألقلي ات الديني ة المع ترف به ا‪،‬‬
‫تتمتع بالحرية بشرط أال تناقض أسس االس تقالل‪ ،‬والحري ة‪ ،‬والوح دة الوطني ة‪ ،‬والقيم‬
‫اإلس المية‪ ،‬وأس اس الجمهوري ة اإلس المية‪ ،‬كم ا أن ه ال يمكن من ع أي ش خص من‬
‫االشتراك فيها‪ ،‬أو إجباره على االشتراك في أحدها)‬
‫وتنص الم ادة الم ادة الرابع ة والس تون على الحق وق السياس ية له ذه األقلي ات‬
‫الديني ة‪ ،‬وهي تتناس ب م ع أع دادهم‪ ،‬حيث ذك رت أن (ع دد ن واب مجلس الش ورى‬
‫اإلسالمي هو مئتان وسبعون نائبا ً وابتدا ًء من تاريخ االستفتاء العام سنة ‪ 1368‬هجرية‬
‫شمس ية (‪ 1989‬ميالدي ة) وبع د ك ل عش ر س نوات م ع مالحظ ة العوام ل اإلنس انية‬
‫والسياس يّة والجغرافي ة وأمثاله ا يمكن إض افة عش رين نائب ا ً كح د أعلى‪ ،‬وينتخب‬
‫الزرادش ت واليه ود ك ل على ح دة نائب ا ً واح داً‪ ،‬وينتخب المس يحيون اآلش وريون‬
‫والكلدانيون معا ً نائبا ً واحداً‪ ،‬وينتخب المسيحيون األرمن في الجنوب والشمال كل على‬
‫حدة نائبا ً واحداً)‬
‫انطالقا من هذا سنذكر هنا باختصار الديانات الثالث الك برى ال تي تتك ون منه ا‬
‫األقلي ات الديني ة في إي ران‪ ،‬وبي ان واقعه ا الحقيقي ال ذي يح اول اإلعالم المغ رض‬
‫تشويهه‪ ،‬وهي المسيحية‪ ،‬واليهودية‪ ،‬والزرادشتية‪.‬‬
‫وقبل ذلك ننقل هذا النص من مقال يبين الواقع الحقيقي لتلك األقلي ات‪ ،‬وه و من‬
‫مصدر موثوق ومعايش‪ ،‬ال كأولئك ال ذين يهرف ون بم ا ال يعرف ون‪ ،‬وال ينقل ون إال م ا‬
‫تمليه عليهم أهواؤهم‪ ،‬وهو بعنوان [ما ال تعرفون ه عن الحري ات الديني ة في إي ران؟!]‬
‫(‪)2‬؛ فق د ج اء في ه‪( :‬تم ييع وتض ييع الوج ه الحقيقي إلي ران‪ ،‬ب ات الش غل الش اغل‬
‫للماكينات اإلعالمية الغربية والعربية‪ ،‬ففي غياهب التسلح الن ووي واألقلي ات وغيره ا‬
‫من مفردات وجوقات إعالمية ما أنزل هللا بها من سلطان‪ ،‬يخيَّل للبعض أن إي ران بم ا‬
‫فيها وكل ما فيها ليست سوى صورة طبق األصل‪ ،‬لكن خيال اإلعالم وفبركات ه يجافي ا‬
‫الواقع‪ ،‬واقع أثبتت فيه إيران على مدى األربعين عاما من ذ انتص ار الث ورة االس المية‬
‫أن صورتها النقية ساطعة‪ ،‬وشمس حضارتها ال تحجبه ا غي وم حمالت ع ابرة غايته ا‬

‫‪ )(1‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ ،5‬ص‪.180 :‬‬


‫‪ )(2‬ما ال تعرفونه عن الحريات الدينية في ايران؟! ‪ ،‬علي عوباني‪ ،‬موقع العهد‪.10/02/2016 ،‬‬

‫‪146‬‬
‫تش ويه الص ورة واختزاله ا‪ ،‬به دف إخف اء التن وع الثق افي والحض اري في ه ذا البل د‪،‬‬
‫والذي تجلى ويتجلى بالقيم والمثل العليا التي تنتهجها القي ادة اإليراني ة الحكيم ة‪ ،‬س واء‬
‫من خالل التعايش االسالمي المسيحي النموذجي في زمن التكفير واالقصاء‪ ،‬أو حري ة‬
‫ممارسة األقلي ات لش عائرها الديني ة‪ ،‬أو من خالل عاص متها طه ران ال تي ك انت وم ا‬
‫ت زال ملتقى الح وارات بين األدي ان والم ذاهب‪ ،‬أو لجه ة دعم المستض عفين في الع الم‬
‫ضد الجور والظلم والمستمد من مبادئ الثورة التي حاربت ظلم الشاه ومن خلف ه ق وى‬
‫االستعمار واالستكبار‪ ،‬والمتجسد اليوم بمساندة إيران للمقاومة في لبنان وفلسطين ضد‬
‫العدوان واالحتالل الصهيوني‪ ،‬او مساندة دول المنطقة ضد اإلرهاب التكفيري) (‪)1‬‬
‫ثم ذك ر موق ف النظ ام اإلي راني بمؤسس اته المختلف ة من الحري ات الديني ة‪،‬‬
‫واألديان؛ فقال‪( :‬احترام المذاهب والديانات األخرى ومعتقدات األقلي ات في إي ران من‬
‫المقدسات والمسلمات الوطنية‪ ،‬التي ال غب ار عليه ا‪ ،‬وان دماج اتب اع ه ذه ال ديانات في‬
‫المجتمع اإليراني كامل لناحية ممارسة كافة حري اتهم وحق وقهم المدني ة والسياس ية بال‬
‫تمييز أو انتقاص يجعلهم موضع غبن أو تخوّف على وجودهم كما ه و الح ال في دول‬
‫أخرى‪ ،‬وضمان هذه الحري ات والحق وق‪ ،‬والحف اظ على خصوص يات األقلي ات‪ ،‬ليس‬
‫باالمر المستحدث في إيران‪ ،‬وال هو منّة من أحد‪ ،‬وال هم أه ل ذم ة في ه ذا البل د‪ ،‬ب ل‬
‫هو مكرّس دستوريا وبشكل عصري وصريح‪ ،‬في طيات نص وص الدس تور اإلي راني‬
‫ما بعد الثورة‪ ،‬وال يزال مطبقا حتى اليوم‪ ،‬بما يحويه من مواد خصص ت للح ديث عن‬
‫الحريات‪ ،‬تتماثل الى حد بعيد مع دساتير الدول الغربية وشرع حقوق االنسان الدولي ة)‬
‫(‪)2‬‬
‫ثم س اق بعض النص وص في الدس تور اإلي راني‪ ،‬والمتض منة لحري ة المعتق د‪،‬‬
‫وعلق عليها بقوله‪( :‬ميزة هذه الحريات الدينية المنصوص عنها في الدس تور اإلي راني‬
‫انها تضمن التنوع والحفاظ على مكونات المجتمع اإليراني‪ ،‬الذي بينت آخ ر احص ائية‬
‫سكانية رسمية إيرانية صادرة عن مركز االحصاءات اإليراني عام ‪ ،2011‬أنه يتك ون‬
‫على األس اس ال ديني كالت الي‪ :‬المس لمون‪ ،74682938:‬المس يحيون‪،117704:‬‬
‫الزرادشتيون‪ ،25271:‬اليهود‪ ،8756:‬بقية االديان مثل الصائبة‪ ، 49101‬وهذا التنوع‬
‫في التركيبة الديموغرافية يعتبر مصدر غنى إليران‪ ،‬على أكثر من صعيد‪ ،‬ال سيما في‬
‫ظل اندماج األقليات الدينية الكام ل في المجتم ع اإلي راني ومؤسس ات الدول ة‪ ،‬م ا دف ع‬
‫كثيرين ممن زارو إيران للذهول حيال ه ذا التع ايش والتكام ل في النس يج االجتم اعي‬
‫داخ ل إي ران‪ ،‬وللتنوي ه به ذه الم يزة اإليراني ة المتمثل ة بالحف اظ على التركيب ة الديني ة‬
‫المتنوعة للمجتمع‪ ،‬باعتبارها نقطة قوة لصالح النظام االسالمي في إيران‪ ،‬ال نظير لها‬
‫في دول عربية وخليجية مجاورة) (‪)3‬‬

‫‪ )(1‬المرجع السابق‪.‬‬
‫‪ )(2‬المرجع السابق‪.‬‬
‫‪ )(3‬المرجع السابق‪.‬‬

‫‪147‬‬
‫‪ 1‬ـ األقلية المسيحية في إيران ومظاهر التعامل المتسامح معها‪:‬‬
‫تتشكل التركيبة المسيحية في إيران‪ ،‬من عدة طوائف‪ ،‬ولكل منها حريته الكامل ة‬
‫في أداء طقوسه وشعائره‪ ،‬باإلضافة إلى حقوقه المادية والمعنوية‪ ،‬وحتى السياسية‪.‬‬
‫ومنها [طائفة األرمن] الذين يتوزعون جغرافيا على ثالث مناطق هي أص فهان‬
‫وأذربيجان وطهران‪ ،‬ومن مظ اهر التس امح معهم‪ ،‬واعتب ارهم مث ل س ائر المواط نين‬
‫اإليران يين كم ا ي ذكر ص احب المق ال الس ابق أن (ل ديهم حزب ا سياس ي (الطاش ناق)‪،‬‬
‫ويمثلهم عضوان في مجلس الشورى اإلسالمي اإلي راني‪ ،‬وهم يعمل ون بش كل أساس ي‬
‫في الصناعة والتج ارة‪ ،‬من بينهم تج ار أغني اء‪ .‬ويم ارس األرمن طقوس هم وتقالي دهم‬
‫الديني ة بحري ة‪ ،‬وم رجعيتهم هي المطراني ة في إي ران‪ ،‬ول ديهم عش رات الكن ائس‪،‬‬
‫معظمها مسجل في فهرس اآلثار اإليراني الوط ني‪ ،‬ولهم مدارس هم (‪ 50‬مدرس ة ليس‬
‫للمس لمين الح ق ب دخولها‪ ،‬أم ا الطلب ة األرمن فال م انع من تس جيلهم في م دارس‬
‫المسلمين)‪ ،‬التي يدرس فيها تاريخ أرمينيا ولغتها‪ ،‬ولهم عطالتهم الرس مية‪ ،‬ويمنح ون‬
‫أيام اآلحاد إذن ا خاص ا لثالث س اعات لحض ور الق داس‪ ،‬كم ا لهم ن واديهم الرياض ية‪،‬‬
‫وجمعياتهم ومراكزهم الثقافية (‪ 19‬جمعية)(‪)1‬‬
‫ومنها [طائفة األشوريين]‪ ،‬وال تي تتواج د في طه ران وأرومي ة غ رب إي ران‪،‬‬
‫وهي ـ كما يذكر صاحب المقال السابق ـ (مركز الثق ل للديان ة المس يحية‪ ،‬ول ديهم ع دد‬
‫من الكنائس (حوالي ‪ 59‬كنيسة في مدين ة أرومي ا فق ط‪ ،‬و‪ 6‬في طه ران)‪ ،‬ويمارس ون‬
‫نش اطهم السياس ي في البالد‪ ،‬ولهم ممث ل خ اص بهم في مجلس الش ورى اإلس المي‪،‬‬
‫فضال عن مراكز ثقافية واجتماعية (‪ )20‬وجمعيات (‪ )12‬واتحادات مثل اتحاد الطلب ة‬
‫الجامعيين اآلشوريين واتحاد الشبيبة اآلشورية‪ ،‬ومدارس أهمها مدرس ة م ريم للبن ات‪،‬‬
‫ومدرسة بهنام للبنين)(‪)2‬‬
‫ومنه ا [طائف ة الكل دان]‪ ،‬وتتواج د في أورمي ا وس لماس وطه ران‪ ،‬و(ل ديهم ‪8‬‬
‫كهنة‪ ،‬اثن ان من أص ل إي راني و‪ 3‬أت وا من الع راق‪ ،‬و‪ 2‬من فرنس ا وواح د ينتمي إلى‬
‫كنيسة سيرو مالنكار في الهند)(‪)3‬‬
‫ومنه ا [طائف ة الكاثولي ك]‪ ،‬و(ل ديهم ع دد من الكن ائس تت وزع بحس ب تن وعهم‬
‫( ثم ان كن ائس لالرمن الكاثولي ك‪ ،‬ثم ان كن ائس لالش وريين الكل دانيين‪ 9 ،‬كن ائس‬
‫للكاثوليك الالتين)‪ ،‬كما ل ديهم جمعي ات خاص ة‪ ،‬وهم ي ديرون ع ددا من الم دارس من‬
‫بينها ثالث مدارس تعلم فيها التعاليم الكاثوليكية)(‪)4‬‬
‫ومنها [طائفة اإلنجيليين]‪ ،‬و(لها سبع كنائس إنجيلية في مقاطعة رزايه وحولها‪،‬‬

‫‪ )(1‬المرجع السابق‪.‬‬
‫‪ )(2‬المرجع السابق‪.‬‬
‫‪ )(3‬المرجع السابق‪.‬‬
‫‪ )(4‬المرجع السابق‪.‬‬

‫‪148‬‬
‫إيران)(‪)1‬‬ ‫في شمال غربي‬
‫ومنها [طائفة األرثوذكس]‪ ،‬و(يوجد في إي ران كنيس تان ارثوذكس يتان‪ ،‬الكنيس ة‬
‫االرثوذكسية الروسية‪ ،‬واالرثوذكسية اليونانية‪ ،‬والكنيس تان يع ود تاريخهم ا الى بداي ة‬
‫هجرة الروس واليونانيين الى إيران‪ ،‬وال تزال الكنيستان قائمتين تمارس ان نش اطاتهما‬
‫الدينية حتى اليوم)(‪)2‬‬
‫والمسيحيون ـ كما تذكر المصادر الموثوقة ـ يعيشون مثل غيرهم من المسلمين‪،‬‬
‫وبنفس الحقوق‪ ،‬ولهم فوق ذلك بين اإليرانين (مكانتهم الخاصة وحض ورهم يتجلى في‬
‫شتى الميادين السياسية واالجتماعية واالقتصادية‪ ،‬والقيادة اإليرانية س عت جاه دة على‬
‫م دى س نوات ط وال للحف اظ على ه ذا التواج د وص يانته‪ ،‬وإلى إش راكهم في الس لطة‬
‫والقرار‪ ،‬وهم قدموا بالمقابل للوطن الكثير وقدموا شهداء في الح رب المفروض ة على‬
‫إي ران‪ ،‬في أنم وذج راق يحت ذى لقت ال المس لم والمس يحي جنبً ا الى جنب دفا ًع ا عن‬
‫الع رض وال وطن‪ ،‬ولم تكن زي ارة االم ام الخ امنئي االخ يرة (وال تي س بقها زي ارات‬
‫مماثلة) في عي د الميالد ال ذي مض ى لعائل ة ش هيد مس يحي س وى أنم وذج جلي لم دى‬
‫االحترام الذي تكنه القيادة اإليرانية للمسيحيين ليس في إيران فحسب بل في العالم كله‪،‬‬
‫ولعل ذلك ما جعل الرئيس اإليراني حسن روحاني يض ع زي ارة الفاتيك ان ولق اء الباب ا‬
‫على رأس اولويات زيارته االوروبية مؤخرًا) (‪)3‬‬
‫ومن يتابع القنوات الفضائية المعتدلة وغ ير المغرض ة يس مع وي رى الكث ير من‬
‫المش اهد الدال ة على ذل ك التس امح‪ ،‬يق ول ص احب المق ال الس ابق‪( :‬مظ اهر الحري ة‬
‫الديني ة‪ ،‬ت برز على لس ان زائ ري طه ران‪ ،‬ومنهم رج ال دين مس لمون ومس يحيون‬
‫وإعالمي ون‪ ،‬فيتح دثون عن نم وذج التكام ل والت آلف ال ديني في إي ران‪ ،‬وكي ف أنهم‬
‫ش اهدوا ب أم العين في عي د الميالد إيران يين مس لمين يش اركون إخ وتهم المس يحيين‬
‫االحتفال في مناسباتهم الدينية‪ ،‬ويتصورون قرب ش جرة الميالد‪ ،‬كم ا يتح دثون بوق ار‬
‫عن عشرات الكنائس في هذا البلد( ‪ 24‬كنيسة جنوب إي ران وح دها منه ا كنيس ة فان ك‬
‫في منطقة جلفا بمدينة أصفهان والتي تعتبر من أجمل الكنائس في إي ران)‪ ،‬وك ذلك عن‬
‫تمثيل المسيحيين في البرلمان اإليراني بعدد من النواب‪ ،‬ومشاركة أبن اء ه ذه األقلي ات‬
‫الدينية في ادارات الدولة ووظائفها بفعالية تامة) (‪)4‬‬
‫ولم تكتف القوانين اإليرانية بإتاحة حرية االعتقاد والتعبد وبناء الكنائس فقط؛ بل‬
‫أتاحت فوق ذلك (للمسيحيين اإليرانيين أن يكون لهم أح وال شخص ية خاص ة بهم‪ ،‬من‬
‫هنا فإن الق رار الفعلي في أم ور ال زواج والطالق واإلرث ه و بي د الكنيس ة المس يحية‬

‫‪ )(1‬المرجع السابق‪.‬‬
‫‪ )(2‬المرجع السابق‪.‬‬
‫‪ )(3‬المرجع السابق‪.‬‬
‫‪ )(4‬المرجع السابق‪.‬‬

‫‪149‬‬
‫بأمورهم) (‪)1‬‬
‫باختالف طوائفها‪ ،‬كما أنهم يملكون محاكم دينية تهتم‬
‫ولتأكي د ه ذه المعلوم ات أنق ل هن ا تص ريحات وش هادات لبعض الشخص يات‬
‫الرسمية عن واقع المسيحيين في إيران‪ ،‬والحريات المتاح لهم‪.‬‬
‫وأبدؤها بالسفير اإليراني في لبنان [غضنفر ركن أبادي]‪ ،‬والذي صرح لجري دة‬
‫النهار اللبنانية عن م دى التس امح ال ذي يلق اه المس يحيون في إي ران‪ ،‬والرؤي ة العقدي ة‬
‫والفقهية التي ينطلق منها؛ فقال‪( :‬لق د تبل ورت الث ورة االس المية اإليراني ة على أس س‬
‫إنسانية وأخالقية‪ ،‬وإسالمية النظام تقتضي أن تقف الجمهورية االسالمية اإليراني ة إلى‬
‫جانب اإلنسان بما هو إنسان‪ ،‬وأن تنظ ر إلى الجمي ع نظ رة واح دة‪ .‬ف احترام اإلنس ان‪،‬‬
‫بصرف النظر عن دينه وطائفته وقوميته‪ ،‬يشكل أص ال أساس يا في السياس ة الخارجي ة‬
‫للجمهوري ة االس المية اإليراني ة‪ ،‬وه ذا االص ل ال ينحص ر داخ ل إي ران‪ ،‬ب ل ان‬
‫الجمهورية االسالمية اإليرانية تعتم ده كأص ل ع المي‪ ،‬وعلي ه ف ان نظ رة الجمهوري ة‬
‫االسالمية اإليراني ة إلى البش ر من أي دين وطائف ة‪ ،‬هي نظ رة متعادل ة‪ ،‬وتتم ايز ه ذه‬
‫النظرة عندما يطرح بحث الحق والباطل والظالم والمظلوم والمعتدي والمعت دى علي ه‪،‬‬
‫في مثل هذه الحال فان الجمهورية تق وم بواجبه ا طب ق االص ول اإلنس انية واالخالقي ة‬
‫واالس المية الم ذكورة‪ ،‬وتعت بر أن من واجبه ا ان تق ف الى ج انب الح ق والمظل وم‬
‫والمعتدى عليه‪ ،‬وفي مواجهة الباطل والظالم والمعتدي) (‪)2‬‬
‫وبعد ذكره للرؤية العقدية ال تي تنطل ق منه ا الجمهوري ة اإلس المية في نظرته ا‬
‫لآلخر راح يذكر الواقع المسيحي في إيران‪ ،‬والحريات التي يتمت ع به ا‪ ،‬فق ال‪( :‬يوج د‬
‫في الجمهوري ة االس المية اإليراني ة ح والى ثالث مئ ة ال ف م واطن مس يحي‪ ،‬تش مل‬
‫اآلش وريين والكل دانيين واالرمن والكاثولي ك والبروتس تانت واالنجيل يين‪ ،‬وأكثري ة‬
‫مسيحيي إيران هم من األرمن‪ ،‬والمسيحيون في الجمهورية االس المية اإليراني ة‪ ،‬رغم‬
‫انهم يعت برون أقلي ة‪ ،‬لكنهم في الحقيق ة مك ون أساس ي في نس يج المجتم ع اإلي راني‪،‬‬
‫ويتمتع ون بالحري ة الكامل ة والحق وق السياس ية واالجتماعي ة‪ .‬ففي مج ال الش ؤون‬
‫االجتماعية يدير المسيحيون جميع شؤونهم المتعلقة بالزواج والطالق والوصية وتقسيم‬
‫االرث طبق االحوال الشخصية المسيحية‪ ..‬وفي مجال التعليم والثقافة توج د في إي ران‬
‫أكثر من ‪ 50‬مدرسة خاصة مسيحية‪ ،‬ومن جملة النشاطات ال تي يمارس ها المس يحيون‬
‫في إيران‪ :‬نشر الصحف والمجالت المتع ددة مث ل‪ :‬ارارات‪ ،‬اراكس وغيره ا‪ ،‬اض افة‬
‫الى طباع ة االنجي ل باللغ ة الفارس ية وغيره ا‪ .‬كم ا يوج د اك ثر من ‪ 50‬مرك زا ثقافي ا‬
‫مسيحيا في طهران وحدها‪ .‬اضافة الى وجود مجتمعات ثقافية ورياض ية باس م ارارات‬
‫ومراكز عدة لرعاية كبار السن وااليتام الخاصة بالمس يحيين‪ ،‬ويتمت ع مس يحيو إي ران‬
‫بحرية اقامة المراسم الدينية والعبادية في شكل كام ل‪ .‬وللمس يحيين في طه ران وب اقي‬
‫المدن اإليراني ة كن ائس‪ .‬وإح دى اق دم كن ائس الع الم موج ودة في محافظ ة آذربايج ان‬
‫‪ )(1‬المرجع السابق‪.‬‬
‫‪ )(2‬المسيحيون في إيران مكوّ ن أساسي للمجتم ع‪ ،‬غض نفر ركن أب ادي (الس فير اإلي راني في لبن ان)‪ ،‬المص در‪:‬‬
‫النهار‪ ،‬موقع الجمل بما حمل‪..‬‬

‫‪150‬‬
‫الغربية في إيران‪ ،‬واسمها كنيسة قره‪ ،‬ويعتقد ان هذه الكنيس ة هي م زار ت اديوس أح د‬
‫تالمذة السيد المسيح وحواريي ه‪ ،‬وق د ب نيت في الق رن الس ابع الميالدي‪ ،‬وس جلت ه ذه‬
‫الكنيسة العام ‪ 2008‬في منظمة االونيسكو كتراث ديني عالمي)(‪)1‬‬
‫وباإلض افة إلى ه ذا الواق ع ي رد على م ا يروج ه اإلعالم المغ رض من تجاه ل‬
‫الحقوق السياس ية واالجتماعي ة؛ فيق ول‪( :‬في المج ال السياس ي أيض ا للمس يحيين دور‬
‫فعال‪ ،‬ففي مجلس الشورى االسالمي (البرلمان) للمس يحيين ثالث ة ن واب‪ ،‬لآلش وريين‬
‫والكل دانيين ن ائب‪ ،‬ولالرمن نائب ان‪ ،‬ودس تور الجمهوري ة االس المية اإليراني ة لح ظ‬
‫موضوع تزايد عدد السكان ومنهم المجتمع المس يحي في إي ران‪ ،‬ل ذلك ورد في الم ادة‬
‫‪ 64‬من الدستور زيادة عدد ن واب المس يحيين في المجلس أيض ا‪ ،‬تق ول الم ادة ‪ 64‬من‬
‫الدستور‪( :‬لآلشوريين والكلدانيين ن ائب في المجلس‪ ،‬وألرمن الش مال والجن وب س ويا‬
‫نائبان‪ ،‬وعند زيادة تعداد أية أقلية مسيحية يضاف لنوابه ا ن ائب واح د في المجلس ك ل‬
‫عش ر س نوات وعن ك ل ‪ 150‬ال ف نس مة)‪ ،‬ولمس يحيي إي ران نش اطات واس عة في‬
‫المجالين االجتماعي والسياسي‪ ،‬وكان لهم دور اساس ي في انتص ار الث ورة االس المية‬
‫اإليرانية أيضا‪ ،‬الى جانب المسلمين في اسقاط نظام الشاه الملكي االستبدادي‪ ،‬كما ك ان‬
‫للمس يحيين حض ور فاع ل في ثم اني س نوات من الح رب العراقي ة المفروض ة على‬
‫إيران‪ ،‬وقدموا للثورة االسالمية اإليرانية أكثر من مئة شهيد خالل هذه الحرب) (‪)2‬‬
‫ويق ارن بين الحري ة السياس ية للمس يحيين في إي ران مقارن ة بالحري ة السياس ية‬
‫المعط اة للمس لين في ال دول الغربي ة؛ فيق ول‪ 98( :‬في المئ ة من س كان الجمهوري ة‬
‫االسالمية اإليرانية هم من المس لمين‪ ،‬ورغم أن المس يحيين اق ل من ‪ 2‬في المئ ة إال أن‬
‫حصتهم في البرلمان أكثر بكثير‪ ،‬في حين أن ال دول الغربي ة ورغم وج ود ‪30 – 20‬‬
‫في المئ ة من ع دد الس كان من المس لمين في بعض تل ك ال دول‪ ،‬إال أنهم لم يمنح وا‬
‫المسلمين أي نائب في المجلس) (‪)3‬‬
‫هذه الشهادة أو التص ريح األول‪ ،‬وال ذي يع بر عن الموق ف الرس مي اإلي راني‪،‬‬
‫ويصور الواقع بدقة‪ ،‬ويؤكده شهادات الكثير من رجال الدين المسيحيين ال ذين أجمع وا‬
‫على أن الحقوق التي أعطاها النظ ام اإلي راني للمس يحيين ال يوج د مثله ا في أي دول ة‬
‫إسالمية أخرى‪.‬‬
‫ومنهم أمين عام االتحاد الع المي لألش وريين [يون اتن بت كلي ا]‪ ،‬وال ذي ص رح‬
‫أثناء مراسم أقيمت بمناسبة ذكرى ميالد السيد المسيح عليه الس الم في أرومي ه بش مال‬
‫غ رب إي ران بقول ه‪( :‬إن المس يحيين في إي ران اليحت اجون إلى الوص ي وش فقة دع اة‬
‫حقوق اإلنسان الكاذبين)(‪)4‬‬

‫‪ )(1‬المرجع السابق‪.‬‬
‫‪ )(2‬المرجع السابق‪.‬‬
‫‪ )(3‬المرجع السابق‪.‬‬
‫‪ )(4‬أمين عام االتحاد العالمي لالشوريين‪:‬المسيحيون في إي ران ال يحت اجون إلى ش فقة دع اة حق وق اإلنس ان‪ ،‬قن اة‬

‫‪151‬‬
‫وأشاد بمواقف قادة الثورة اإلسالمية تجاه المسيحيين؛ وقال‪( :‬إن لدينا قائدا يتفقد‬
‫منزل شهيد مسيحي ‪ ..‬فأي زعيم في العالم يقوم بمثل هذا اإلجراء؟)‪ ،‬ونوه بأن (مفج ر‬
‫الث ورة االس المية االم ام الخمي ني أك د بع د انتص ار الث ورة االس المية ب أن الش عب‬
‫اإليراني‪ ،‬شعب موحد وكالمه هذا يدل على اننا نعيش في بلد ال يمكن ألحد أن يفص لنا‬
‫عنه‪ ،‬ونحن إيرانيون بكل ما في الكلمة من معني) (‪)1‬‬
‫وأشار الى وقوف المسؤولين و مراج ع ال دين في إي ران إلى ج انب المس يحيين‬
‫اإليرانيين وتقديم التهاني لهم بمناسبة ذكرى ميالد الس يد المس يح علي ه الس الم‪ ،‬وق ال‪:‬‬
‫(ليت دعاة حقوق اإلنسان يدركون هذه الحقائق)‪ ،‬كما أشار إلى مشاركة المسيحيين في‬
‫ف ترة ال دفاع المق دس‪ ،‬وق ال‪( :‬إن ع ددا منهم استش هدوا في تل ك الح رب مؤك دا أن‬
‫المسيحيين شاركوا في الدفاع عن أرضهم)‬
‫ومثله يذكر المطران سيبوه مدى التسامح الذي يعيشه المس يحيون؛ فيق ول‪(:‬عن د‬
‫التطرق إلى موضوع حرية األقليات الدينية في إيران أو في أي بلد آخر ينبغي أن نميز‬
‫بين مفهومين لحرية األديان كي ال نقع في الخطأ‪ :‬األول‪ :‬هي حرية العبادة؛ وفي سياق‬
‫حديثنا عن حرية العبادة نحن األقليات الدينية في إيران لدينا أكثر من حرية في التعب ير‬
‫عن عقائدنا الدينية وممارس ة طقوس نا المقدس ة‪ ،‬ومن ه ذا المنطل ق أق ول إن لألقلي ات‬
‫حرية تام ة في الجمهوري ة اإلس المية اإليراني ة وال أح د يس تطيع أن ينك ر ذل ك‪ ،‬أم ا‬
‫المفهوم الثاني‪ :‬يخص حرية التبش ير بالنس بة لل ديانات ال تي تعت بر أقلي ة في ه ذا البل د‬
‫والتي يخضع فيها المسيحيون إلى ج انب أتب اع ال ديانات الس ماوية األخ رى‪ ،‬للدس تور‬
‫اإليراني وما ينصه القانون المعتمد في البالد وهو أمر محترم لدينا)(‪)2‬‬
‫ومثله يشهد زعيم طائفة األرمن األرث وذوكس في لبن ان [آرام األول كشيش يان]‬
‫بعد اطالعه على أحوال األرمن في إيران‪ ،‬ق ائالً‪( :‬إن المس يحيين ال يحظ ون بالحري ة‬
‫واالحترام في منطقة الشرق األوسط مثلما يحظون بهما في إيران) (‪)3‬‬
‫ومثله يشهد صاحب كتاب (المسيحية في إيران) [سركيس أب و زي د] ق ائال‪(:‬م ع‬
‫بداية الثورة اإلسالمية خاف الكث يرون‪ ،‬ودف ع البعض ثمن عالق اتهم بالش اه‪ ،‬لكن اآلن‬
‫الوضع مستتب‪ ،‬ويوجد ما يقارب المئة وخمسين ألف مسيحي يعيشون في إيران‪ ،‬ليس‬
‫هناك من اضطهاد وال إلغاء‪ ،‬للمسيحيين كنائس ومؤسسات وأندي ة وم دارس وجرائ د‬
‫ومجالت وجمعي ات خيري ة‪ ،‬يعلم ون لغ اتهم‪ ،‬لهم اح ترامهم المك رس في الدس تور‪،‬‬
‫ولديهم ثالثة نواب‪ ،‬اثنان أرمن وواح د آش وري‪ ،‬ينض وون في الجيش‪ ،‬ول ديهم ق انون‬
‫أح وال شخص ية خ اص بهم‪ ،‬زواج‪ ،‬طالق وإرث‪ ،‬ويوج د في إي ران أك ثر من ‪50‬‬
‫مدرس ة خاص ة مس يحية‪،‬و أك ثر من ‪ 50‬مرك زا ثقافي ا مس يحيا في طه ران وح دها ‪،‬‬

‫العالم نقال عن وكالة إرنا‪ ،‬الثالثاء ‪ ٢٦‬ديسمبر ‪.٢٠١٧‬‬


‫‪ )(1‬المرجع السابق‪.‬‬
‫‪ )(2‬المسيحيون في إيران‪ ،‬موقع السكينة‪ 6 ،‬أبريل‪..2012 ،‬‬
‫‪ )(3‬المرجع السابق‪.‬‬

‫‪152‬‬
‫وغيرها)(‪)1‬‬‫ويحق لهم طباعة اإلنجيل باللغة الفارسية‬
‫ومثله [روبيرت بيغالريان]‪ ،‬وهو نائب إيراني أرمني‪ ،‬والذي س ئل في برن امج‬
‫ح واري في قن اة المي ادين عن م دى ان دماج المس يحيين في المجتم ع اإلي راني‪ ،‬وم ع‬
‫الناس‪ ،‬فقال‪( :‬أعتقد أن عملية اندماج المسيحيين في المجتمع اإليراني قد مرّت تاريخيا ً‬
‫بمراحل متعددة وظروف متفاوتة ولكنها ك انت إيجابي ة وجي دة بش كل ع ام‪ .‬ون رى أن‬
‫المجتمع المسيحي‪ ،‬في الوقت الذي استطاع أن يحافظ فيه على هويته الثقافية واللغوي ة‬
‫واألدبي ة وك ذلك الديني ة‪ ،‬نجح في إقام ة عالق ات اجتماعي ة واقتص ادية م ؤثرة م ع‬
‫المجتمع‪ .‬مثالً‪ ،‬عندما يطرح عل ّي هذا السؤال أجيب بأننا نرى أدواراً لألرمن في كاف ة‬
‫المج االت ومنه ا قي امهم ب أدوار مهم ة على الس احة السياس ية خصوص ا ً من ذ الث ورة‬
‫الدستورية وحتى اآلن‪ ،‬وهذا يدل على أن األرمن لم يتجاهلوا مص ير وطنهم‪ ،‬ب ل رأوا‬
‫أن هذا الوطن يش ّكل جزأً من هويتهم‪ .‬فلو كانوا غ ير مب الين لم ا وج دناهم في مختل ف‬
‫المجاالت ومنها السياسية أو أن نشاطهم ك ان ليقتص ر على الح د األدنى‪ ،‬في حين أنن ا‬
‫نجدهم حاضرين في الرياضة والفنون وفي العلوم وفي مختلف المجاالت الثقافي ة منه ا‬
‫السينما والهندسة المعمارية‪ ،‬وهذا يدل على أنهم أوجدوا رابطا ً مع المجتمع) (‪)2‬‬
‫وعن س ؤال ح ول م دى حري ة المس يحيين في إي ران ألداء طقوس هم الديني ة‬
‫وشعائرهم وأعيادهم‪ ،‬أج اب الن ائب المس يحي بقول ه‪( :‬بالنس بة إلى ممارس ة الحري ات‬
‫الدينية فإنه‪ ،‬وفي ما يتعلق بالش عائر الديني ة والتقالي د الديني ة واألنش طة المقام ة داخ ل‬
‫الكنيس ة أو بش كل ف ردي‪ ،‬ال يوج د محظ ورات من أي ن وع‪ ،‬بطبيع ة الح ال‪ ،‬ونظ راً‬
‫لألصول الشرعية والقانونية للجمهورية اإلس المية اإليراني ة‪ ،‬ف إن التبش ير بالمس يحيّة‬
‫ممنوع‪ ،‬ولكن أن يجري التعامل بسلبية مع أي من اآلث ار المس يحية‪ ،‬فال وج ود لش يء‬
‫من ه ذا القبي ل‪ .‬وعلى س بيل المث ال‪ ،‬ل دينا كن ائس في (أذربيج ان) ص نّفتها األونس كو‬
‫ضمن التراث العالمي وذلك بجه د ومس اعدة النظ ام الح الي‪ .‬وه ذا النظ ام يعم ل على‬
‫حفظها وصيانتها كما اآلثار األخرى‪ .‬وبالتالي‪ ،‬نحن نتمتع بحرّية تامة إلقام ة الش عائر‬
‫الدينية داخل الكنيسة وخارجها‪ ،‬أي داخل البيئة المسيحية)‬
‫وعن سؤال حول م ا ورد في الق وانين اإليراني ة من إجب ار النس اء على ارت داء‬
‫الحجاب‪ ،‬وعن شرب النبيذ المحرم على المسلمين‪ ،‬أجاب الن ائب المس يحي بقول ه‪( :‬ال‬
‫توجد موانع فيما يخص إقامة الشعائر الدينية أو االحتفاالت داخ ل الكنيس ة أو ح تى في‬
‫الصاالت الخاصة بنا‪ ،‬نعم هن اك حساس ية تج اه الكح ول بش كل ع ام‪ ،‬لكن ه أم ر غ ير‬
‫مرتبط بالشعائر بحد ذاتها‪ ،‬أما بالنسبة للحجاب ال ذي ذكرت ه‪ ،‬ف إذا اعتبرن اه ش كالً من‬
‫أشكال القيود فإن نظرة المجتمع إلي ه كالت الي‪ :‬المجتم ع يعرّف ه ض من الق وانين العام ة‬
‫للبالد‪ ،‬وليس تضييقا ً على الحرّيات الدينية أو منعا ً لممارس ة الش عائر كم ا أن ه يج اري‬
‫تقاليدنا أيضاً؛ ف المرأة أو الفت اة المس يحيّة عن دما تري د دخ ول الكنيس ة يجب أن تض ع‬
‫‪ )(1‬المرجع السابق‪.‬‬
‫‪ )(2‬المسيحيون في إي ران ان دماج أم اض طهاد‪ ،‬قن اة المي ادين‪ ،‬حص ة استض افت فيه ا زينب الص فار‪ ،‬روب يرت‬
‫بيغالريان ‪ -‬نائب إيراني (أرمني)‪ ،‬بتاريخ‪ 09 :‬حزيران ‪.. 2013‬‬

‫‪153‬‬
‫منديالً على رأسها‪ ،‬وه ذا من ض من التقالي د ال تي ورثناه ا‪ ،‬وال يمكن الق ول إن ه أم ر‬
‫حديث جرى بعد انتصار الثورة‪ .‬هذه هي الخصائص العامة) (‪)1‬‬
‫وعن س ؤال ح ول ال دور ال ذي يق وم ب ه الن ائب المس يحي‪ ،‬وه ل ه و مرتب ط‬
‫بالمسيحيين فقط‪ ،‬أم ال أجاب بقوله‪( :‬بناء على المادة ‪ 86‬من الدستور اإلي راني‪ ،‬يعت بر‬
‫النائب المنتخب نائب ا ً عن ك ل الش عب وبالت الي‪ ،‬ورغم أنن ا نتخب من قب ل المس يحيين‬
‫وضمن صناديق اقتراع منفصلة إالّ أنن ا عن دما ن دخل البرلم ان ون ؤدي القس م‪ ،‬نعت بر‬
‫نوابا ً عن كل الش عب اإلي راني‪ ،‬كم ا أن ل دينا مراجع ات من أن اس مس لمين يراجع ون‬
‫مكاتبن ا لح ل مش كالتهم‪ ،‬وفي داخ ل المجلس أيض ا‪ ً،‬على ص عيد التش ريع والرقاب ة‬
‫والمش اركة في اللج ان‪ ،‬فإنن ا نبحث في مس ائل البل د والقض ايا العام ة كك ل وليس في‬
‫القضايا المرتبطة بالشريحة المسيحية وحسب) (‪)2‬‬
‫وعن س ؤال ح ول م ا يت داول في بعض وس ائل اإلعالم من عملي ات اض طهاد‬
‫واعتقال لبعض األشخاص وزجّهم في الس جون وعن العق اب والتع ذيب أج اب بقول ه‪:‬‬
‫(أنا أرفض مثل هذه اإلتهامات التي توج ه إلى الحكوم ة أو النظ ام‪ ..‬و طبع ا ً بم ا أن ني‬
‫إنسان مسيحي مؤمن بحريّة المعتقد وحقوق اإلنسان‪ ،‬أدين أي ن وع من أن واع الس لوك‬
‫السيىء مع الناس‪ ،‬هذا رأيي الشخصي‪ ،‬لكن أن نق ول أن المس يحي في إي ران مض يق‬
‫عليه لمجرد مسيحيته‪ ،‬فهذه تهم ة أرفض ها س وى م ا كررت ه ح ول النش اط التبش يري‬
‫وشددت عليه) (‪)3‬‬
‫هذه بعض الشهادات الدالة على مدى التسامح الذي يعيشه المس يحيون بط وائفهم‬
‫المختلفة في إيران‪ ،‬تحت ظل والية الفقيه‪ ،‬وهن اك الكث ير من الوث ائق المص ورة ال تي‬
‫تثبت ذلك‪.‬‬
‫وهي كلها تدل على المدى الذي يتعامل به فقهاء المسلمين مع المسيحيين‪ ،‬وك ان‬
‫األجدر بوسائل اإلعالم أن تعتبر هذا التسامح هو المقياس الذي يتعامل به اإلس الم م ع‬
‫األديان المختلفة‪ ،‬لكنها لألسف راحت تعت بر م ا تق وم ب ه الحرك ات المس لحة ك داعش‬
‫والقاعدة وغيرها هي المقياس‪ ،‬وتقوم بتعتيم كبير على التسامح في إيران‪ ،‬لتسيء بذلك‬
‫إلى اإلسالم‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ األقلية اليهودية في إيران ومظاهر التعامل المتسامح معها‪:‬‬
‫كما هو معلوم؛ فإن األقلية اليهودية في إيران تعتبر من أقدم األقليات في الع الم؛‬
‫فهي موجودة فيها ـ كما تذكر المصادر التاريخية ـ قبل أكثر من ثالثة آالف ع ام‪ ،‬حيث‬
‫وص لوا إليه ا بع د اس تيالء المل ك بخت نص ر على الق دس‪ ،‬وقيام ه بس بي اآلالف من‬
‫اليهود ونقلهم إلى بالد ما بين النهرين‪ ،‬ومن بابل إلى إيران‪.‬‬
‫وخالل فترة إقامة اليهود في بابل‪ ،‬قدمت هذه الجماعات المساعدة للف رس ال ذين‬

‫‪ )(1‬المرجع السابق‪.‬‬
‫‪ )(2‬المرجع السابق‪.‬‬
‫‪ )(3‬المرجع السابق‪.‬‬

‫‪154‬‬
‫احتلوا العراق في ذاك الوقت‪ ،‬ونقلوا لهم المعلومات المهمة عن الجيش والتحص ينات‪،‬‬
‫لتسقط المدينة عام ‪ 539‬قبل الميالد‪ ،‬ومقابل مساعدتهم للفرس سمح لهم الملك ك ورش‬
‫مؤسس اإلمبراطورية الفارسية‪ ،‬بالمغ ادرة إلى أي مك ان يريدون ه‪ ،‬وج زء كب ير منهم‬
‫فضل البقاء في إيران‪.‬‬
‫ولذلك يعت بر اليه ود إي ران [أرض ك ورش] ال ذي ح ررهم‪،‬وهم يع تزون به ذه‬
‫الحادث ة‪( ،‬ال تي تع بر عن البق اء ونج اة اليه ود من الم وت في زمن اإلمبراطوري ة‬
‫تقديس ا له ذا المل ك ال ذي جع ل‬
‫ً‬ ‫الفارسية‪ ،‬وغالبًا ما تسرد هذه الحكاية خالل احتفاالتهم‬
‫بعض اليهود يرتبطون بإيران أكثر من ارتباطهم بإسرائيل)(‪)1‬‬
‫وبم ا أن ه ك ان لليه ود عالق ة طيب ة بالش اه‪ ،‬بحكم عالقت ه م ع أمريك ا والكي ان‬
‫الصهيوني‪ ،‬وإقامته سفارة لها في طهران‪ ،‬فقد كان ذلك مث ار رعب للجالي ة اليهودي ة‪،‬‬
‫والتي تصورت أن الثورة اإلسالمية ستقوم بإبادتها‪ ،‬وعمل اإلعالم المغرض عمله في‬
‫إشاعة ذل ك‪ ،‬وإش اعة المع امالت الس يئة ال تي س تلقاها جمي ع األقلي ات في ظ ل الحكم‬
‫اإلسالمي‪.‬‬
‫ولذلك نرى قادة الثورة اإلسالمية يستثمرون كل مناسبة للرد على هذه الدعايات‬
‫المغرضة‪ ،‬ومن ذلك قول الخميني في لقاء له مع جمع من أعضاء الطائفة اليهودية في‬
‫إيران عقب انتصار الثورة اإلس المية‪( :‬عن دما كن ا في ب اريس ك انت س وق ال دعايات‬
‫رائجة في مختلف المجاالت‪ ،‬ومن جملة تلك الدعايات كان يق ال إذا انتص ر المس لمون‬
‫في إيران سوف يوقع ون المج ازر ب اليهود والنص ارى ألن المس لمين يخطط ون لقت ل‬
‫جميع اليهود‪ ،‬وقد أوضحت مراراً في مقابالتي ال تي أجريته ا الحقيق ة ال تي ي ؤمن به ا‬
‫اإلسالم‪ ،‬وقد أتاني ممثل الطائفة اليهودية وتحدثت معه عن منهج اإلسالم) (‪)2‬‬
‫وبعد حديث طويل عن حقيقة اإلسالم‪ ،‬وعالقته باإلنسان‪ ،‬راح يطمئنهم‪ ،‬بأن ه لم‬
‫يحدث أبدا وأن تعرضت األقليات الدينية في ظل الحكم لإلسالم‪ ،‬ألي ممارسات عنف‪،‬‬
‫ثم راح ينفصل بين موقف الثورة اإلسالمية من اليهود في مقابل موقفها من الص هاينة؛‬
‫فيقول‪( :‬إننا نفصل بين اليهود وبين الصهاينة‪ ،‬فالصهيونية ال عالقة لها باليهودية‪ ،‬ألن‬
‫تعاليم موسى سالم هللا عليه تعاليم إلهية‪ ،‬وقد ذكر القرآن الك ريم موس ى أك ثر من بقي ة‬
‫األنبياء‪ ،‬كانت تعاليمه قيمة‪ ،‬وذكر القرآن ت اريخ موس ى وس يرته م ع فرع ون ‪ ..‬ك ان‬
‫راعيا ً للغنم ولكن كان معه عالَ ٌم من القوة واإلرادة وقد نهض لمواجهة طغي ان فرع ون‬
‫وقضى عليه‪ ،‬لقد كان االعتماد على القدرة اإللهية واالهتمام بمصالح المستض عفين في‬
‫مواجه ة المس تكبرين وعلى رأس هم فرع ون والنه وض في وج ه المس تكرين‪ ،‬منهج‬
‫موس ى س الم هللا علي ه‪ ،‬وه ذا المع نى مخ الف تمام ا ً للمش روع الص هيوني‪ ،‬إذ ارتب ط‬
‫الصهاينة بالمستكبرين‪ ،‬إنهم جواسيسهم وأجراء عندهم‪ ،‬ويعمل ون ض د المستض عفين‪،‬‬
‫خالفا ً لتعاليم حضرة موسى عليه السالم الذي اعتمد على هؤالء الن اس الع اديين‪ ،‬مث ل‬
‫‪ )(1‬انظر مقاال بعنوان‪ :‬كيف يعيش يهود إي ران في ظ ل حكم الجمهوري ة اإلس المية؟‪ ،‬ن ور عل وان‪ ،‬موق ع ن ون‬
‫بوست‪ 26 ،‬أغسطس ‪..2017‬‬
‫‪ )(2‬صحيفة اإلمام‪ ،‬ج‪ ،7‬ص‪.218 :‬‬

‫‪155‬‬
‫بقية األنبياء من أبن اء الس وق واألحي اء الش عبية‪ ،‬ونهض بهم ض د فرع ون وج بروت‬
‫فرعون‪ ،‬وكان المستضعفون هم الذين تصدوا للمس تكبرين وأس قطوهم عن اس تكبارهم‬
‫خالفا ً لسلوك الصهاينة المرتبطون بالمستكبرين‪ ،‬ويعملون ضد المستضعفين)(‪)1‬‬
‫وهكذا راح يطنب في المقارنة بين اليهودية الحقيقة‪ ،‬والصهيونية التي اس تعملت‬
‫اليهودية وسيلة للتغرير والخداع‪ ،‬يقول‪( :‬إن هذا التعداد من اليه ود ال ذي خ دع وجُم ع‬
‫من أقطار العالم في فلسطين‪ ،‬لعلهم اآلن نادمون‪ ،‬إن من كان يهوديا ً وال يري د أن يتب ع‬
‫غير تع اليم موس ى الس امية‪ ،‬لعلهم ن ادمون اآلن ل ذهابهم إلى فلس طين‪ ،‬وذل ك ألن من‬
‫يذهب إلى هناك ويشاهد سلوك هؤالء وكيف يقتلون الناس بال مبرر باسم اليهودي ة‪ ،‬ال‬
‫يمكن أن يقبل بذلك؛ فهذه الممارسات تتعارض مع تعاليم موسى عليه السالم‪ ،‬إنن ا نعلم‬
‫أن حساب المجتمع اليهودي غير حساب الصهاينة‪ ،‬وإنن ا معارض ون لهم ومعارض تنا‬
‫نابعة من كونهم يعارض ون جمي ع األدي ان إنهم ليس وا يه وداً‪ ،‬ب ل هم أن اس سياس يون‬
‫يقومون بأعم الهم تحت غط اء اليهودي ة؛ ف اليهود يكره ونهم‪ ،‬وجمي ع الن اس يجب أن‬
‫يكرهوهم) (‪)2‬‬
‫وبعد هذه األحاديث الدعوي ة ال تي أراد الخمي ني من خالله ا أن يع رفهم بعظم ة‬
‫اإلس الم‪ ،‬وعالقت ه بموس ى علي ه الس الم‪ ،‬راح يطمئنهم ب أن الدول ة الفتي ة لن تض يع‬
‫حقوقهم‪ ،‬وسيعيش ون فيه ا مث ل س ائر المواط نين اإليران يين ال ذين تجمعهم المواطن ة؛‬
‫يق ول‪( :‬وأم ا الطائف ة اليهودي ة‪ ،‬وس ائر الطوائ ف الموج ودة في إي ران؛ فهي من ه ذا‬
‫الشعب‪ ،‬فإن اإلسالم يتعامل معهم كما يتعامل مع بقية طوائف هذا الشعب‪ ،‬إن اإلس الم‬
‫ال يجيز اإلجحاف بحقهم أبداً‪ ،‬وال محاربتهم في معيشتهم‪ ،‬فهذا مخالف ألص ل التربي ة‬
‫اإلسالمية‪ ،‬مخالف لما يريده هللا تبارك وتعالى من الرفاهية لجميع الن اس‪ ..‬إن اإلس الم‬
‫يتب ع األحك ام اإللهي ة‪ ،‬فكم ا أن هللا تب ارك وتع الى يف رض االح ترام لجمي ع طوائ ف‬
‫الشعوب‪ ،‬كذلك اإلسالم يفرض احترامهم‪ .‬اطمئنوا لهذا‪ ،‬إنني قد ذكرت هذا حينما كنت‬
‫في باريس للشخص الذي جاءني ممثال عنهم‪ ،‬وقلت له ب أن اإلس الم ال يرض ى بإي ذاء‬
‫أح د‪ ،‬اإلس الم للجمي ع‪ ،‬وينش د الس عادة للجمي ع‪ ،‬فال مع نى لم ا يث ار من أن المس لمين‬
‫سيفعلون باليهود كذا وكذا‪ .‬لقد شاهدتم كيف انتصر المس لمون وم ع ذل ك لم يتعرض وا‬
‫لليهود‪ ،‬ولم يتعرضوا للزردشتيين‪ ،‬لم يتعرضوا لبقية الطوائف‪ ،‬وقد رأيتم ذلك بأعينكم‬
‫‪ ...‬ه ل تع رض أح د ليه ودي بع د انتص ارنا؟ ه ل تع رض لنص راني؟ ه ل تع رض‬
‫لزردشتي؟ لم يكن هناك تعرض في البين‪ .‬وبعد هذا أيضا ً عندما تقام وتستقر الحكوم ة‬
‫اإلسالمية‪ -‬إن شاء هللا‪ -‬بالشكل الذي يريده هللا تبارك وتعالى‪ ،‬فسوف ترون أن اإلسالم‬
‫أفضل من جميع المن اهج األخ رى فيم ا يرتب ط بمراع اة حق وق جمي ع فئ ات الش عب‪،‬‬
‫وسوف يعمل بشكل أفضل من الجميع) (‪)3‬‬

‫‪ )(1‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ ،7‬ص‪.220 :‬‬


‫‪ )(2‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ ،7‬ص‪.221 :‬‬
‫‪ )(3‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ ،7‬ص‪.222 :‬‬

‫‪156‬‬
‫وبعد خت ام جلس ته معهم راح يرف ع يدي ه بال دعاء كعادت ه م ع المس لمين‪ ،‬ويلقي‬
‫عليهم تحية اإلس الم‪ ،‬ومن دعائ ه المختل ط بخطاب ه لهم‪( :‬أس أل هللا تب ارك وتع الى أن‬
‫يك ون جمي ع الن اس في رفاهي ة‪ ،‬وأن تتحق ق لهم الس عادة والهداي ة‪ .‬ه داهم هللا جميع ا ً‬
‫من هللا على الجمي ع بالس عادة‪ ..‬واطمئن وا إن ه ال يوج د ظلم في‬ ‫للص راط المس تقيم‪َّ ،‬‬
‫ُ‬
‫الجمهوري ة اإلس المية‪ .‬إنن ا ال نَظلم وال نظلم‪ ،‬ه ذا م ا علمن ا اإلس الم‪ :‬ال تَظلم وا وال‬
‫تُظلموا‪ ،‬فبمقدار م ا نس تطيع ال نق ع تحت الظلم‪ ،‬وال نَظلم في أي وقت أب داً‪ ،‬وفقكم هللا‬
‫تعالى‪ .‬احرصوا على مساهمتكم في ه ذه النهض ة‪ ،‬كي يتس نى له ا تحقي ق أه دافها‪ .‬إن‬
‫من هللا تع الى عليكم‬‫هذه النهض ة نهض ة انس انية ل ذا يجب على جمي ع الن اس تأيي دها‪ّ .‬‬
‫بالسعادة جميعاً‪ ..‬والسالم عليكم ورحمة هللا وبركاته)(‪)1‬‬
‫وقد ص ّدق الواقع اإليراني ما ذكره الخميني‪ ،‬حيث عاش اليه ود ك ل ه ذه الف ترة‬
‫في استقرار مثلهم مثل سائر المواطنين اإليرانيين‪.‬‬
‫ومن الشهادات الدالة على ذلك ما ورد في تقرير بعنوان [قصة يهود إيران ال تي‬
‫ال تص ّدق]‪ ،‬في موقع يهودي‪ ،‬جاء في ه‪( :‬وفي الحقيق ة‪ ،‬تض اءلت الجالي ة اليهودي ة في‬
‫إيران منذ الثورة اإلسالمية اإليرانية‪ ،‬وقد ه اجر نح و ‪ 70‬أل ف يه ودي من إي ران إلى‬
‫أن وضع الجالية اليهودية اليوم في إيران يعتبر جيدا‪ ..‬حتى أن‬ ‫إسرائيل في أعقابها‪ .‬إال ّ‬
‫هن اك ممثال دائم للجالي ة اليهودي ة في مجلس الش ورى اإلي راني‪ ..‬ويعيش ‪ 80‬ملي ون‬
‫نسمة في إيران‪ ،‬ويق ّدر ع دد الجالي ة بنح و ‪ 20‬أل ف ش خص على األك ثر‪ ،‬رغم ذل ك‪،‬‬
‫لديها مقعد في مجلس الشورى باعتبارها أقلية معترفا بها)(‪)2‬‬
‫ونقل الموقع بعض شهادات اليهود على ذلك‪ ،‬ومنها شهادة الناش طة االجتماعي ة‬
‫اإلسرائيلية التي ُولدت وترع رعت في إي ران‪[ ،‬أورلي ن وي] ال تي ذك رت أن ه (الي وم‬
‫تتعامل السلطات اإليرانية مع الجالية اليهودية من وجهة نظ ر معادي ة إلس رائيل ج دا‪،‬‬
‫ولكن ليست معادية للسامية)‬
‫ونق ل ش هادة ممث ل الطائف ة اليهودي ة في مجلس الش ورى اإلس المي اإلي راني‬
‫[سيامك م ره ص دق]‪ ،‬وه و بروفيس ور في الطب‪ ،‬وزوجت ه دكت ورة في علم الوراث ة‪،‬‬
‫وذلك في مقابل ة أج ريت مع ه‪ ،‬ومم ا ج اء فيه ا‪( :‬ل دينا [يه ود إي ران] ُكنس وم دارس‬
‫ومق ابر ومت اجر ج زارة حالل ومط اعم حالل‪ ..‬ويُس مح لليه ود التعلم والتعليم في‬
‫األكاديمية اإليرانية أيضا)‬
‫وعن دما ُس ئل عن هويت ه‪ ،‬وه ل هي اليهودي ة أم اإليراني ة‪ ،‬ق ال‪( :‬أن ا يه ودي‬
‫ْ‬
‫أصلّي بالعبرية‪ ،‬ولكنني أفكر بالفارسية)‬ ‫وإيراني‪.‬‬
‫وورد في تقري ر ص حفي آخ ر أج ري م ع الطائف ة اليهودي ة في إي ران‪ ،‬وه و‬
‫بعنوان‪[ :‬كي ف يعيش يه ود إي ران في ظ ل حكم الجمهوري ة اإلس المية؟] ‪ ،‬ج اء في ه‪:‬‬

‫‪ )(1‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ ،7‬ص‪.222 :‬‬


‫‪ )(2‬قصة يهود إيران التي ال تص ّدق‪ ،‬يردين ليخترمان‪ ،‬موقع المصدر‪ 05 ،‬نوفمبر ‪.2016‬‬

‫‪157‬‬
‫(ألكثر من ‪ 35‬سنة واليهود في إيران يعيشون تحت ظل األحكام اإلسالمية‪ ،‬وتبدو هذه‬
‫المسألة مشوقة لمعرفة كيف كانت أوضاعهم وأحوالهم في هذه الفترة وما حقوقهم وم ا‬
‫العواقب التي يعيشونها داخل بلدهم األم إيران؟)(‪)1‬‬
‫وقد نقل هذا التقرير بعض ش هادات رج ال ال دين من اليه ود اإليران يين‪ ،‬ومنهم‬
‫[روبرت خالدر]‪ ،‬وهو أحد أعضاء مجلس إدارة المعبد اليه ودي‪ ،‬ال ذي ق ال‪( :‬الث ورة‬
‫اإلسالمية عام ‪ 1979‬كانت خطوة مهمة في حياة يهود إيران‪ ،‬ألن ه ذه الث ورة منحتن ا‬
‫حقوقن ا الكامل ة في ممارس ة عقائ دنا وش عائرنا‪ ،‬كم ا أنه ا جعلت الش عب اليه ودي في‬
‫إيران أكثر تدينًا وتمسًكا بعقائدهم بسبب الحرية الدينية والثقافية التي منحت لهم)(‪)2‬‬
‫ومنها شهادة مسؤولة إدارة مستشفى خيري في جنوب طهران ـ يعتبر واحدا من‬
‫أرب ع مستش فيات خيري ة لليه ود في الع الم ـ [ف ارنغيس حاس يدم]‪ ،‬وال تي ق الت فيه ا‪:‬‬
‫(عندما يأتي مريض للمعالجة فإننا نسأله بماذا يشعر وما الذي يؤلمه‪ ،‬وال نسأله ما دينه‬
‫وما عقيدته‪ 95 ،‬بالمائة من مرضانا وطاقمنا الطبي غير يهود) (‪)3‬‬
‫وذكرت أن هذا هذا المستشفى يعتمد بشكل أساس ي على التبرع ات ال تي يق دمها‬
‫يهود إيران أو الخارج‪ ،‬لكن في السنوات األخيرة قام الرئيس أحمدي نجاد بتقديم تمويل‬
‫مادي لهذا المستشفى بمبلغ ‪ 32‬ألف دوالر أسترالي‪( ،‬والذي اعتبر رسالة إيجابي ة ج دًا‬
‫من الحكومة لليهود والتي كان لها مكانة وأهمية معنوية عظيم ة‪ ،‬ه ذا بحس ب م ا قال ه‬
‫المدير العام للمستشفى سياماك مورسيديغ)‬
‫ومن األمثلة على حرية إبداء الرأي لليهود اإليرانيين موقفهم مما ذك ره ال رئيس‬
‫اإليراني السابق أحمدي نجاد من المحرقة اليهودي ة واعتب اره إياه ا خراف ة‪ ،‬مم ا أث ار‬
‫غض ب الجالي ة اليهودي ة في إي ران‪ ،‬وق د ع بر ممث ل اليه ود في البرلم ان اإلي راني‬
‫[موريس معتمد] في فيلم وثائقي عن يهود إيران‪ ،‬عن رأيه في ذلك ق ائاًل ‪( :‬عن دما نفى‬
‫الس يد نج اد حقيق ة الهولوكوس ت في ف ترة اس تالمه الحكم‪ ،‬قمت أن ا بإص دار تص ريح‬
‫ضا على خطابه‪ ،‬ولقد لقي هذا االعتراض صدى كب يرا في دول الع الم المختلف ة‪،‬‬ ‫معتر ً‬
‫والتي زاد تعاطفها مع الشعب اليهودي الذي شعر باإلهانة بسبب وجهة نظر الرئيس)‬
‫وعندما سئل هذا النائب عن شعور المجتمع اليه ودي في إي ران بالتهدي د بس بب‬
‫ه ذا التص ريح المع ادي للس امية ق ال معتم د‪( :‬لحس ن الح ظ‪ ،‬لم نش عر ب أي تهدي د‪،‬‬
‫فالسياسية العامة للحكومة اإليرانية لم تكن معادية للسامية)‬
‫وأشار إلى أن التميز الوحيد الذي يطبق ض دهم ه و وج ود ق انون ي ذكر أن ه في‬
‫(حال اعتنق اليهود الدين اإلسالمي؛ فإن أمالكه تورث للحكومة وليس لعائلته اليهودية‬
‫إال إذا أسلمت)‬
‫وهذا مبني طبعا على حكم فقهي تبنته الجمهورية اإلسالمية‪ ،‬وهو في حقيقته في‬
‫‪ )(1‬انظر مقاال بعنوان‪ :‬كيف يعيش يهود إي ران في ظ ل حكم الجمهوري ة اإلس المية؟‪ ،‬ن ور عل وان‪ ،‬موق ع ن ون‬
‫بوست‪ 26 ،‬أغسطس ‪.2017‬‬
‫‪ )(2‬المرجع السابق‪.‬‬
‫‪ )(3‬المرجع السابق‪.‬‬

‫‪158‬‬
‫صالح اليهود‪ ،‬ألنه يجعلهم يمنعون أتباعهم من اعتناق اإلسالم‪ ،‬ونتمنى أن يعي د فقه اء‬
‫الجمهوري ة اإلس المية النظ ر في ه ذا الق انون‪ ،‬ألن هن اك أق واال أخ رى في المس ألة‪،‬‬
‫باإلضافة إلى عدم وجود نص صريح في القرآن الك ريم يمن ع ذل ك‪ ،‬ونج د نفس الق ول‬
‫في كتب الفقه السني‪ ،‬بل تعتبره قوال راجحا‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ األقلية الزرادشتية في إيران ومظاهر التعامل المتسامح معها‪:‬‬
‫تعتبر الديانة الزرادشتية‪ ،‬والتي يطلق عليها أيضا لقب [المجوسية] من الديانات‬
‫الموج ودة في إي ران من ذ الق ديم‪ ،‬وهي تنتس ب لمؤسس ها زرادش ت‪ ،‬وتعت بر من أق دم‬
‫الديانات الموحدة في العالم‪ ،‬وقد تأسست قبل ‪ 3500‬سنة تقريبا‪.‬‬
‫وهي من ال ديانات ال تي وق ع فيه ا الخالف بين علم اء المس لمين؛ فمنهم من‬
‫يعتبرها من ال ديانات الس ماوية‪ ،‬وأن الزرادش تيين المج وس من أه ل الكت اب‪ ،‬ول ذلك‬
‫يرون جواز الزواج منهم‪ ،‬وهو القول الذي انتص ر ل ه ابن ح زم‪ ،‬وذك ر األدل ة علي ه‪،‬‬
‫وذكر أنه مذهب الكثير من العلماء‪.‬‬
‫وقد كان البن حزم من العلم بالملل والنحل ما يؤهله لمعرف ة ذل ك‪ ،‬وق د ق ال في‬
‫الفصل‪( :‬أما زرادشت فقد قال كثير من المسلمين بنبوته) (‪ )1‬ثم عقب على ذلك بقوله‪:‬‬
‫(ليست النبوة بمدفوعة قبل رسول هللا ‪ ‬لمن صحت عنه معج زة‪ ،‬ق ال تع الى‪َ ﴿ :‬وإِ ْن‬
‫ص نَاهُ ْم َعلَ ْي كَ ِم ْن‬
‫ص ْ‬ ‫ِم ْن أُ َّم ٍة إِاَّل خاَل فِيهَا نَ ِذيرٌ﴾(فاطر‪ ،)24:‬وقال تعالى‪َ ﴿:‬ور ُ‬
‫ُس اًل قَ ْد قَ َ‬
‫ك ﴾(النساء‪)2()164:‬‬ ‫قَ ْب ُل َو ُر ُساًل لَ ْم نَ ْقصُصْ هُ ْم َعلَ ْي َ‬
‫ثم بين أن الذي ينسب إليه المجوس من األكذوبات باط ل مف ترى منهم‪ ،‬واس تدل‬
‫على ذلك بالتحريفات الواقعة في الديانات المختلفة‪ ،،‬ثم بين قاعدة جليلة في ذل ك فق ال‪:‬‬
‫(وبالجملة فكل كتاب وشريعة كانا مقصورين على رجال من أهلها‪ ،‬وكان ا محظ ورين‬
‫على من سواهما فالتبديل والتحريف مضمون فيهما‪ ،‬وكتاب المج وس وش ريعتهم إنم ا‬
‫كان طول مدة دولتهم عند المؤبذ‪ ،‬وعند ثالثة وعشرين هربذا‪ ،‬لكل هربذ سفر قد أف رد‬
‫به وحده ال يشاركه في ه غ يره من الهراب ذة وال من غ يرهم‪ ،‬وال يب اح بش يء من ذل ك‬
‫ألحد سواهم‪ ،‬ثم دخل فيه الخرم ب إحراق اإلس كندر لكت ابهم أي ام غلبت ه ل دارا بن دارا‪،‬‬
‫وهم مقرون بال خالف منهم أنه ذهب منه مقدار الثلث ذكر ذل ك بش ير الناس ك وغ يره‬
‫من علمائهم) (‪)3‬‬
‫ونفس ما دفع به ابن حزم عن زرادشت ما نسبه إلي ه المج وس ذك ره غ يره من‬
‫العلماء‪ ،‬قال الب اقالني‪(:‬وك ذلك الج واب عن المطالب ة بص حة أعالم زرادش ت إم ا أن‬
‫نقول إنها في األصل مأخوذة عن آحاد‪ ،‬ألن العلم بصدقهم غير واق ع لن ا‪ ،‬أو نق ول إن ه‬
‫ن بي ص ادق ظه رت على ي ده األعالم‪ ،‬ودع ا إلى نب وة ن وح وإب راهيم‪ ،‬وإنم ا ك ذبت‬

‫‪ )(1‬الفصل في الملل واألهواء والنحل ‪.1/90:‬‬


‫‪ )(2‬المرجع السابق ‪.1/90:‬‬
‫‪ )(3‬المرجع السابق‪.1/90:‬‬

‫‪159‬‬
‫المجوس عليه في إضافة ما أضافته إليه من القول بالتثنية وقدم النور والظالم وحدوث‬
‫الشيطان من فكرة وشكة شكها بعض أشخاص النور‪ ،‬وهو بمنزلة كذب النصارى على‬
‫المسيح عليه السالم من دعائه إلى اعتقاد التثليث واالتحاد واالختالط‪ ،‬وأن مريم ولدت‬
‫مسيحا بالهوته دون ناسوته وغير ذلك) (‪)1‬‬
‫وقد ذكر ابن حزم أن هذا القول ليس بدعة للمتأخرين‪ ،‬بل أن من السلف من ق ال‬
‫بذلك‪ ،‬قال‪(:‬وممن قال أن المجوس أه ل كت اب علي بن أبي ط الب وحذيف ة رض ي هللا‬
‫عنهما‪ ،‬وسعيد بن المسيب وقتادة وأبو ثور وجمهور أص حاب أه ل الظ اهر‪ ،‬وق د بين ا‬
‫البراهين الموجبة لصحة هذا القول في كتابنا المس مى اإليص ال في كت اب الجه اد من ه‬
‫وفي كتاب الذبائح منه وفي كتاب النكاح منه) (‪ ،)2‬ثم قال‪(:‬ويكفي من ذلك صحة أخ ذ‬
‫رسول هللا ‪ ‬الجزية منهم‪ ،‬وق د ح رم هللا ع ز وج ل في نص الق رآن في آخ ر س ورة‬
‫نزلت منه وهي براءة أن تؤخذ الجزية من غير كتابي)‬
‫وأحببنا أن نشر إلى هذا للرد على تل ك اإلهان ات الكب يرة ال تي يوجهه ا اإلعالم‬
‫المغرض‪ ،‬والكثير من اإلسالميين للديانة المجوسية‪ ،‬وينسبون الثورة اإلس المية إليه ا‪،‬‬
‫ويرون أنها امتداد للمجوسية‪ ،‬وكال الموقفين خاطئ‪ ،‬أما األول؛ فالمجوس ية ال تختل ف‬
‫عن الديانات السماوية‪ ،‬وهي ديانة توحيدية‪ ،‬والواجب احترامها‪.‬‬
‫وهي باإلضافة إلى ذلك ال تتواجد في إيران وحدها‪ ،‬حسبما يعتقد الكثير‪ ،‬بل هي‬
‫تتواجد في من اطق كث يرة‪ ،‬وق د ق در ع دد الزرادش تيين في الع الم بين ‪ 124,000‬إلى‬
‫‪ 190,000‬نس مة حس ب إحص اء ع ام ‪ ،2004‬وهم ينتش رون في المن اطق التالي ة‪( :‬‬
‫‪ 69،601‬زرادشتي في الهند حسب إحصاء ‪ 2001‬يتكونون من قوميتين وهما بارس ي‬
‫وإي راني‪ ،‬و ‪ 5,000‬زرادش تي في باكس تان ي تركزون في مدين ة كراتش ي‪ ،‬وازداد‬
‫عددهم في السنوات األخ يرة بش كل كب ير بع د هج رة الكث ير من زرادش تي إي ران إلى‬
‫باكس تان‪ ،‬و م ا بين ‪ 18,000‬إلى ‪ 25,000‬زرداش تي في ق ارة أمريك ا الش مالية‪ ،‬و‬
‫‪ 21,400‬زرادشتي في إيران‪ ،‬حيث يتواجدون بش كل خ اص في م دن ي زد وكردم ان‬
‫إضافة إلى العاصمة طهران كما يوجد لهم نائب في البرلمان األيراني وهو من أص ول‬
‫كردي ة‪ ،‬و ‪ 10,000‬زرادش تي في من اطق آس يا الوس طى وخصوص ا في منطق ة بلخ‬
‫الواقعة في شمال أفغانستان‪ ،‬وفي جمهورية طاجيكس تان‪ ،‬وال تي ك انت م وطن الديان ة‬
‫المجوسية سابقا‪ ،‬وتوجد جالية كبيرة في أستراليا يقدر ع ددهم ‪ 3,500‬وخصوص ا في‬
‫مدينة سيدني‪ ،‬و ‪ 40,000‬نسمة في شمال سوريا بمنطقة تسمى عفرين في مدينة حلب و‬
‫أيضا في الشمال الشرقي من سوريا في مدين قامشلي و جوارها‪ ،‬وعدد كب ير منهم في‬
‫مدن شمال عراق و خاصة مدينة موصل وكلهم من األكراد) (‪)3‬‬

‫‪ )(1‬تمهيد األوائل وتلخيص الدالئل‪.203:‬‬


‫‪ )(2‬الفصل في الملل واألهواء والنحل ‪.1/90:‬‬
‫‪ )(3‬انظر مقاال بعنوان‪ :‬الديانة الزرادشتية‪ ،‬اعداد وتقديم ‪ :‬سيد مرتضى محمدي‪ ،‬القسم العربي‪ ،‬موقع تبيان‪.‬‬

‫‪160‬‬
‫وأما الث اني؛ فعجيب ج دا‪ ،‬وق د رددن ا علي ه بتفص يل في الج زء األول من ه ذه‬
‫السلسلة‪ ،‬وقد أشار إليه الخميني في خطاباته متأسفا‪ ،‬ومن ذلك قوله عن دعاوى ص دام‬
‫حسين التي كان يطلقها‪ ،‬ويزعم فيه ا أن حرب ه على إي ران هي ح رب على المج وس‪:‬‬
‫(ماذا نعمل مع مثل هذا الفاسد الذي يريد تدمير العراق وإيران كما يتصور؟ وال ندري‬
‫م اذا نعم ل م ع مث ل ه ذا الرج ل ال ذي يق ول من ذ البداي ة بأنن ا نري د مواجه ة النظ ام‬
‫الزرادشتي أو المجوس رغم أن الشعار الذي نرفع ه ه و ش عار (هللا اك بر)؟ ‪ ..‬إن ك ل‬
‫العمارات االسالمية الموجودة في العراق أو معظمها هي من صنع اإليران يين‪ ،‬فكي ف‬
‫يحارب هذا الرجل إيران باسم محاربة الزرادشتية أو الفارسية؟ وهل يعتبر كون إيران‬
‫فارسية منقصة؟ ويدعي انه يحارب اإليرانيين النهم مجوس ثم علم ان الص فعة جاءت ه‬
‫من االسالم بشعار [هللا اكبر])(‪)1‬‬
‫بل إن من أهداف الثورة اإلسالمية التي أعلنتها في كل مح ل الوق وف ض د تل ك‬
‫السياسات التي كان ينتهجها الشاه‪ ،‬ويريد من خاللها إعادة إيران إلى م ا قب ل اإلس الم‪،‬‬
‫وقد أشار الخميني إلى هذا في مواضع كثيرة من كتبه وخطبه‪ ،‬ومنها قول ه‪ ( :‬ه ل يعلم‬
‫ه ؤالء ال ذين يت ذرعون بال ذرائع المختلف ة‪ ،‬ويواص لون ص متهم ب ل ي أمرون أحيان ا ً‬
‫بالصمت‪ ،‬ما هي التطورات التي س تحدث الحق اً؟ ه ل ق رأوا جري دة (اطالع ات) رقم‬
‫‪ 15575‬التي نشرت ورقة شكر قدمها الزرادشتيون إلى الش اه ج اء فيه ا‪ :‬إن المجتم ع‬
‫الزرادشتي فيالعالم ي رى من واجب ه تق ديم الش كر والعرف ان للش اه وش عر بالمس ؤولية‬
‫لذلك‪ ،‬ألن أحداً لم يعمل من أجل إحياء وحفظ التاريخ والثقافة وال دين الزرادش تي‪ ،‬ولم‬
‫يقدم الدعم لهم‪ ،‬كما فعل الشاه‪ ،‬وذلك منذ أن هاجر الب اريتون األرض اإليراني ة‪ ..‬أ َعلِ َم‬
‫هؤالء أن تغيير التاريخ اإلسالمي إلى تاريخ المجوس كان إحياء للزرادش تية وم ذهبها‬
‫ومعابد نيرانها على حساب اإلسالم؟ ألهم ِعلم أنّه قال في لق اء خ ارج البالد‪( :‬إنّ ه ليس‬
‫للم ذهب دور في حكوم تي)؟ ‪ ..‬الي وم وبع د ممارس ة ال وان الكبت وس لب الحري ات‬
‫بأشكاله المختلفة وممارسة الض غوط ال تي ال تط اق‪ ،‬ف إن إي ران الواعي ة على اعت اب‬
‫انفجار عظيم‪ ،‬وتمضي قدما ً بخطى حثيثة)(‪)2‬‬
‫بعد هذا التوضيح الذي رأينا ضرورته‪ ،‬نذكر أن إيران تحت ظ ل والي ة الفقي ه‪،‬‬
‫تعاملت مع الزرادشتيين بنفس معاملتها مع سائر أهل الكت اب من اليه ود والمس يحيين‪،‬‬
‫وسمحت لهم بأداء شعائرهم وطقوس هم بك ل حري ة‪ ،‬ب ل س محت لهم ب أن يمثلهم ن ائب‬
‫خاص بهم في مجلس الشورى‪.‬‬
‫وقد كان هذا الموق ف مث ار س خط ل دى المغرض ين‪ ،‬ال ذين لم ينظ روا إلى ه ذا‬
‫باعتباره خلقا إسالميا‪ ،‬وهو من حقوق اإلنسان التي ج اء اإلس الم بال دعوة لمراعاته ا‪،‬‬
‫بل رأوا فيه تأكيدا لما يطلقون عليه [مجوسية إيران]‬
‫وكمث ال على ه ذا‪ ،‬م ا ورد في مق ال بعن وان [الزرادش تية في إي ران‪ :‬األص ل‬
‫‪ )(1‬صحيفة اإلمام‪ ،‬ج‪ ،16‬ص‪.368 :‬‬
‫‪ )(2‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ ،3‬ص‪.330 :‬‬

‫‪161‬‬
‫الثقافي والتوظيف السياسي]‪ ،‬والذي راح صاحبه يفس ر ك ل تل ك المواق ف المتس امحة‬
‫من اإليرانيين مع الزرادشتية باعتبارها إحياء لها؛ فمما جاء فيه قوله‪( :‬الظهور العل ني‬
‫لطائفة من أعضاء الكهنوت الزرادشتية في حديقة شرق إي ران في حف ل يس مى [س اد]‬
‫بداية ش هر فبراير الج اري‪ ،‬واس تعدادهم لتنظيم عي د الن وروز واالحتف ال بمول د‬
‫زرادشت‪ ،‬هي مظاهر متظافرة على الوجود العلني ألتباع الديان ة الزرادش تية‪ ،‬وج ود‬
‫يثير مفارقة متصلة بدواعي تغاضي نظام سياسي ديني منغلق مثل النظام اإليراني عن‬
‫تواصل وجود هذه الديانة القديمة‪ ،‬ويدفع إلى البحث في العوامل الكامن ة وراء تواص ل‬
‫بق اء ه ذا المك ون ال ديني في ظ ل نظ ام يقص ي ك ل م ا يختل ف عن ص ياغته لل دين‬
‫والمذهب)(‪)1‬‬
‫ثم راح يردد م ا ي ذكره اإلعالم المغ رض‪ ،‬وم ا ي ردده معهم بعض اإلس الميين‬
‫الذين مأل الحقد على إيران قلوبهم؛ فجعلهم يحولون الحق باطال‪ ،‬والحسنة سيئة‪ ،‬يقول‪:‬‬
‫(إي ران تح رص على إعالء قوميته ا على اآلخ رين‪ ،‬وتتكئ على تاريخه ا وتبحث في‬
‫ثناياه عما يفيد األيديولوجية الحاكمة‪ ،‬والفتح العربي اإلس المي إلي ران ح ول المجتم ع‬
‫الفارس ي إلى مجتم ع مس لم وأح ال الديان ة الزرادش تية إلى مجوس ية إال أن المجتمع‬
‫الفارسي تشبث بفارسيته‪ ،‬بل أضاف لها صنوفا شتى من الع داء لآلخ ر‪ ،‬وعن دما ق رر‬
‫إسماعيل الصفوي‪ ،‬في القرن السادس عشر‪ ،‬اعتم اد الم ذهب الش يعي اإلث ني عش ري‬
‫مذهبا رسميا لدولته‪ ،‬فق د تنك ر لألص ل الت اريخي لإلس الم وانطل ق في س عي محم وم‬
‫الستئص ال الوج ود الس ني في إي ران‪ ،‬وح اول نش ر التش يع الرس مي بح د الس يف‪ .‬ثم‬
‫ج اءت الث ورة اإليراني ة ع ام ‪ 1979‬لتك رس التص ور الص فوي وتط وره إلى ث ورة‬
‫إس المية بم ذاق ش يعي س عت إلى تص ديره خ ارج مجالها السياسي‪ ،‬وفي ك ل ه ذه‬
‫المحطات كانت الزرادشتية حاضرة في المخيال الشعبي اإلي راني‪ ،‬ب ل ك انت مس تفيدة‬
‫من هذا التعاقب‪ ،‬فبعد الفتح اإلسالمي كانت الزرادشتية بالنس بة إلى الف رس (ح تى من‬
‫غير المؤمنين بها) تمثل ضربا من االنتماء إلى مرحلة ما قب ل الع رب‪ ،‬أي أنه ا ك انت‬
‫إحال ة على الماض ي الفارس ي التلي د بالنس بة إليهم‪ ،‬ذل ك أن العص بية اإليراني ة ولئن‬
‫استوعبت اإلسالم إال أنها واصلت عنصريتها تجاه العرب‪ .‬تش بثت باإلس الم وح اولت‬
‫احتكاره وفي ذات الوقت كانت تنظر إلى الزرادش تية باعتباره ا منهال حض اريا يح ق‬
‫لها أن تفخر به)(‪)2‬‬
‫وهكذا راح يردد مثل هذا الهراء‪ ،‬ويبني الكث ير من االس تنتاجات ال تي ال تس تند‬
‫ألي معطيات علمية‪ ،‬ولو أنه كلف نفسه‪ ،‬وقرأ ما كتبه قادة الثورة اإلسالمية‪ ،‬ومواقفهم‬
‫الحترم نفسه‪ ،‬ولما ردد أمثال هذه الدعاوى‪.‬‬
‫وهو يدعو في مقاله ـ مثل الكثير من اإلسالميين ـ النظام اإليراني إلى استئصال‬
‫شأفة كل المجوس في إيران‪ ،‬وربم ا ال ذهاب إلى م واطنهم في البالد األخ رى للقض اء‬
‫‪ )(1‬الزرادشتية في إيران‪ :‬األصل الثقافي والتوظيف السياسي‪ ،‬عبدالجليل معالي‪ ،‬موقع العرب‪.17/2/2017 ،‬‬
‫‪ )(2‬المرجع السابق‪.‬‬

‫‪162‬‬
‫عليهم‪ ،‬حتى يثبت أنه ليس مجوسيا‪ ،‬يقول في ذلك‪( :‬النظام القائم بع د الث ورة اإليراني ة‬
‫م ارس غض نظ ر واض ح عن الديان ة الزرادش تية‪ ،‬ك ان النظ ام اإلي راني يح ارب‬
‫أصحاب البدع الدينية ويصدر أحكاما باإلعدام بتهمة محاربة هللا وتهدي د األمن الق ومي‬
‫الفارسي‪ ،‬وفي الوقت نفسه كانت الديان ة الزرادش تية تحظى بممث ل في مجلس الن واب‬
‫من منطلق الحريات الدينية‪ ،‬وكان النظام اإليراني بهذه االزدواجي ة يض رب عص افير‬
‫عديدة بحجر واحد‪ ،‬فهو يقدم ص ورة للع الم على أن ه متس امح م ع األدي ان والم ذاهب‪،‬‬
‫وهو يغازل المجتمع اإليراني بتصالحه مع م ا تمثل ه الزرادش تية من إرث ل دى عم وم‬
‫الش عب‪ ،‬وه و يق دم م ا يثبت وف اءه للحظ ة إس ماعيل الص فوي وعنص رية المجتم ع‬
‫الفارسي‪ ،‬أي أنه ال يلبس تهمة محاربة هللا لكل ما يصدر عن الثقافة الفارسية)(‪)1‬‬
‫ويستنتج نتائج أخرى أكثر غرابة؛ فيقول‪( :‬الحضور المتزايد للديانة الزرادش تية‬
‫القديمة في إيران‪ ،‬هو تعبير عن تداخل العوامل التاريخية والقومية والديني ة والمذهبي ة‬
‫واالجتماعية‪ ،‬والثابت أن العق ل اإلي راني توص ل إلى ص ياغة متص ور ثق افي م ركب‬
‫يسعى إلى التوفيق بين األصل الزرادشتي والتشيع الرس مي‪ ،‬فاللغ ة الفارس ية والتق ويم‬
‫واألشهر والع ادات واالحتف االت وح تى مك ان دفن اإلم ام علي الرض ا اإلم ام الث امن‬
‫المج اور لم دفن زرادش ت‪ ،‬كله ا مظ اهر دال ة على التش بث اإلي راني ب المنطلق‬
‫الزرادشتي‪ ،‬بل توجد العديد من القراءات التي تعتبر أنه تم تطويع العادات الزرادش تية‬
‫القديمة لخدمة التشيع السياسي اإليراني‪ ،‬ومثلها االحتفاالت السنوية بعي د الن وروز هي‬
‫في حقيقتها احتفال زرادشتي‪ ،‬تمارس علنا وبتش جيع رس مي إي راني وتم ارس خالله ا‬
‫تقاليد القفز فوق النار‪ ،‬لتتاح الفرصة بعد ذلك للزرادشتيين إلحياء مول د زرادش ت بع د‬
‫أيام قليلة من رأس السنة الفارسية)(‪)2‬‬
‫هذا مثال عن النظرة العجيبة التي يتعامل به ا اإلس الميون وغ يرهم م ع إي ران؛‬
‫فهي ال تنجو منهم في ح ال من األح وال؛ فل و أنه ا قمعت الزرادش تية‪ ،‬وأس اءت إليه ا‬
‫لصوروها بصورة المجرم‪ ،‬وراحوا ينقلون لها النصوص التي تدعو إلى التسامح‪ ،‬وإذا‬
‫ما تسامحت راحوا يتهمون بالدعوة للمجوسية‪ ،‬بل للتدين بها‪..‬‬
‫ثالثا ـ والية الفقيه والتعامل مع االختالف المذهبي‪:‬‬
‫من أهم القضايا التي استثمرها أع داء الجمهوري ة اإلس المية اإليراني ة‪ ،‬وأع داء‬
‫نظامها اإلسالمي قض ية االختالف الم ذهبي‪ ،‬أو م ا يس مى [الخالف الس ني الش يعي]؛‬
‫ولذلك نرى الكثير من المغرضين‪ ،‬بما فيهم الحركات اإلسالمية نفسها‪ ،‬ال تعتبر النظام‬
‫اإليراني نظاما إسالميا‪ ،‬بل ال تعتبر إيران نفسها مسلمة‪ ،‬لسبب بسيط‪ ،‬وهي أن قادته ا‬
‫ليسوا من المدرسة السنية‪ ،‬بل من المدرسة الشيعية‪.‬‬
‫ولهذا نجدهم يفض لون الحكم الملكي المتواج د في المنطق ة‪ ،‬المع روف بوالءات ه‬
‫للغرب‪ ،‬وألمريكا خصوصا‪ ،‬على النظام اإليراني‪ ،‬ويعتبرون ه حكم ا إس الميا راش دا‪،‬‬

‫‪ )(1‬المرجع السابق‪.‬‬
‫‪ )(2‬المرجع السابق‪.‬‬

‫‪163‬‬
‫بل يعتبرون كل نظام في الدنيا أفضل من النظام اإليراني‪ ،‬حتى لو ك ان مس تبدا ظالم ا‬
‫وال عالقة له باإلسالم‪ ،‬بل إن الحقد وصل بهم إلى اعتبار نظام الشاه أفضل من النظ ام‬
‫الذي يسمونه [نظام الماللي]‬
‫وقد ترجموا عن هذا الحقد بكل اللغات‪ ،‬وألبسوه جميع األلبسة‪ ،‬فاس تعملوا اللغ ة‬
‫األكاديمية التي تحتال لتحول من النظام اإليراني مؤامرة غربية خفية لض رب اإلس الم‬
‫السني‪ ،‬ويستعملون اللغة الخطابية والعاطفية ليجعلوا من إي ران مجوس ا‪ ،‬ال عالق ة لهم‬
‫باإلسالم‪ ،‬وأنهم لم يدخلوا إلى اإلسالم‪ ،‬وإنما تظاهروا به‪ ،‬حتى يخربوه من داخله‪.‬‬
‫ولن نحت اج إلى ذك ر األدل ة على ذل ك هن ا‪ ،‬ذل ك أن الكتب (‪ )1‬والمحاض رات‬
‫واألشرطة الوثائقية وكل ما في الدنيا من وسائل استثمر ليغ رس ه ذه المف اهيم‪ ،‬لتمتلئ‬
‫القلوب أحقادا على النظام اإليراني‪ ،‬بل على الشعب اإليراني نفسه‪.‬‬
‫ويحتجون لذلك كله بالتضييق على أهل السنة‪ ،‬ومنعهم حقوقهم‪ ،‬ومنعهم من بناء‬
‫المساجد أو الصالة فيها‪ ،‬والنهي عن أن يس موا أنفس هم بأس ماء الص حابة‪ ،‬ومنعهم من‬
‫الدخول للبرلمان في نفس الوقت الذي يسمحون فيه لليهود بال دخول إلي ه‪ ،‬وغيره ا من‬
‫األيقونات الحاقدة التي صار الجميع يرددها من غير أن يتحقق منها‪.‬‬
‫ومن األمثلة على ذلك ما ورد في كت اب تحريض ي ممل وء بالمغالط ات ال تي ال‬
‫يقصد منها إال الشحن الع اطفي والتح ريض الط ائفي‪ ،‬ألق اه بش كل محاض رات الش يخ‬
‫ممدوح الحربي‪ ،‬وجمعت في كتاب باسم [موس وعة الش يعة]‪ ،‬ذك ر في ه م ا توهم ه من‬
‫م ؤامرات على أه ل الس نة‪ ،‬وح اول أن يق ارن في ه بين الوض ع أي ام الش اه‪ ،‬والوض ع‬
‫الجدي د‪ ،‬ليفض ل في ه أي ام الش اه على الوض ع الجدي د‪ ،‬وكأن ه ي دعو اإليران يين إلى‬
‫االنتفاضة على النظام الجديد‪ ،‬وإعادة النظام الشاهنشاهي‪.‬‬
‫يق ول في كتاب ه‪ ،‬تحت عن وان [أه ل الس نة قب ل الث ورة اإليراني ة وبع د الث ورة‬
‫اإليرانية]‪( :‬ال شك أن أه ل الس نة في زمن ش اه إي ران الس ابق وقب ل الث ورة الخميني ة‬
‫كانوا يتمتعون بحرية البيان في عقيدتهم‪ ،‬ومزاولة جمي ع النش اطات من بن اء المس اجد‬
‫والم دارس وإلق اء المحاض رات وطباع ة الكتب في خ ارج البالد‪ ،‬ولكن في نط اق‬
‫المذهب بل كان محظوراً وممنوعا ً منعا ً باتا ً التعرض من الشيعة لمذهب السنة أوالس نة‬
‫للشيعة) (‪)2‬‬
‫ويذكر من األمثل ة على ذل ك أن (رجالً من الش يعة وزع كت اب في ه مس اس ب أم‬
‫المؤم نين الط اهرة عائش ة؛ فمس كه بعض الغي ورين من أه ل الس نة وض ربوه ض ربا ً‬
‫موجعا ً ‪ ،‬ثم قبضت علي ه حكوم ة الش اه‪ ،‬وأدخلت ه الس جن؛ فمن هن ا ك ان أله ل الس نة‬
‫والجماعة حرية تامة في نشر المعتقد السني‪ ،‬وتوعي ة الن اس‪ ،‬وبي ان التوحي د الص افي‬
‫ورد الش رك ‪ ،‬ال ذي ص ار محظ وراً اآلن في حكوم ة الماللي والمعممين ‪ ،‬ب ل يعت بر‬

‫‪ )(1‬انظر على سبيل المثال‪ :‬ماذا يجري ألهل السنة في إيران‪ .‬من منشورات مجلس علماء باكستان عام (‪،)1986‬‬
‫وأحوال أهل السنة في إيران‪ .‬لعب د ال رزاق البلوش ي طب ع (ع ام ‪ ،)1989‬أح وال أه ل الس نة في إي ران‪ .‬لعب د هللا محم د‬
‫الغريب طبع (عام ‪..)1989‬‬
‫‪ )(2‬موسوعة الشيعة‪ ،‬ممدوح الحربي‪ ،‬ص‪.110‬‬

‫‪164‬‬
‫الداعي إلى التوحيد اآلن في إيران وهابيا ً يقبض عليه ف وراً‪ ،‬كم ا أن أه ل الس نة ك انوا‬
‫يتمتعون باألمن واألم ان في أم والهم وأعراض هم ودم ائهم في عه د ش اه إي ران وقب ل‬
‫الثورة الخمينية‪ ،‬كم ا ك ان يتمت ع أه ل الس نة أس وة بالش يعة في الحص ول على الم واد‬
‫الغذائية وبسهولة ويس ر ودون تعب ‪ ،‬أم ا بع د الث ورة الخميني ة فق د ص ارت ك ل ه ذه‬
‫الم وارد الغذائي ة بي د الحكوم ة وال تي ال تق دمها إال بع د االنقي اد والخض وع أمامه ا‬
‫للحصول على المواد المعيشية كلها)(‪)1‬‬
‫ويتطرق في كتابه إلى تفسير كل قانون يقنن في إيران باعتب اره قانون ا لمحارب ة‬
‫أهل السنة‪ ،‬وال ينسى أن يختلق األكاذيب الكثيرة من أجل ذلك‪ ،‬مثل المؤامرة التي عبر‬
‫عنها تحت عنوان [تزويج الشيعيات اإليرانيات من أبناء السنة]‪ ،‬ثم بين كيفية تنفيذ هذه‬
‫المؤامرة بقوله‪( :‬لقد اتخذت الحكومة اإليرانية وسائل أخ رى للقض اء على أه ل الس نة‬
‫والجماعة في إي ران‪ ،‬منه ا ت زويج الس نة بالنس اء الش يعيات‪ ،‬والالتي يرس لن من قب ل‬
‫الحكومة بع د إعط ائهن دروس ا ً مكثف ة وإقن اعهن ب أنهن داعي ات إلى التش يع‪ ،‬وعليهن‬
‫دع وة األزواج وأه ل بي وتهم وذريتهم إلى التش يع‪ ،‬وإظه ار حس ن األخالق والمعامل ة‬
‫الحسنة مع ال زوج وأن تس اير ال زوج في طبيعت ه وشخص يته‪ ،‬فأحيان ا ً تعلن الحكوم ة‬
‫اإليرانية في أحدى مدن أهل السنة مثالً‪ ،‬عن وصول ام رأة [أي ش يعية]؛ فمن ي رغب‬
‫ب الزواج؛ فليب ادر قب ل ف وات الفرص ة‪ ،‬فيب ادر أه ل الس نة إلى ال زواج‪ ،‬وذل ك بقص د‬
‫الشهوة وقضاء الوطر من البيض الحسان‪ ،‬وه ذا ال تزاوج كث يراً م ا يت أثر ب ه األزواج‬
‫وأهلهم؛ فيميل ون إلى معتق دات الش يعة‪ ،‬وأم ا األبن اء ال ذين يول دون من ه ذه المجن دة‬
‫الشيعية فيتشيعون حتما ً وال بد)(‪)2‬‬
‫ومن تلك الم ؤامرات [مخطط ات لتغي ير خارط ة أه ل الس نة في إي ران]‪ ،‬وبين‬
‫كيفية تنفي ذها‪ ،‬ف ذكر أنهم (ق اموا بإنش اء مس توطنات في من اطق الس نة‪ ،‬وبن اء بي وت‬
‫حكومية في المدن السنية وتوزيعها على الش يعة الق اطنين بعي داً عن م دن أه ل الس نة‪،‬‬
‫إضافة إلى جلب األيد العاملة الشيعية إلى مناطق السنة‪ ،‬وذل ك لتك ثيف الع دد الس كاني‬
‫الشيعي؛ فمن زار مثالً مناطق أهل السنة في إي ران يالح ظ نش اط الش يعة ال رهيب في‬
‫إقام ة المس توطنات وخاص ة في كردس تان وتركم ان وبلوشس تان‪ ،‬فمثالً ك انت مدين ة‬
‫زاهدان قبل ‪ 15‬عام ال يسكنها شيعي واحد ال يوجد فيها شيعي واحد؛ واآلن يبلغ تع داد‬
‫الشيعة إلى قرابة ‪ %.1‬من تعداد سكان مدينة زهدان‪ ،‬ومع تش جيع الحكوم ة اإليراني ة‬
‫للشيعة في سكنى المناطق السنية‪ ،‬ففي المقابل يمنعون السنة القادمين من خ ارج إي ران‬
‫من اإلقامة واالستيطان في أماكن السنة وخاصة المهاجرين األفغان السنة)(‪)3‬‬
‫ومن تلك المؤامرات ـ كما يذكر ـ أنهم (قاموا بشراء بعض ذمم علماء السوء من‬
‫أهل السنة‪ ،‬وذلك بإعطائهم بعض المناصب وبناء المساكن وإجراء المرتبات الش هرية‬

‫‪ )(1‬المرجع السابق ‪ ،‬ص‪.110‬‬


‫‪ )(2‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.118‬‬
‫‪ )(3‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.118‬‬

‫‪165‬‬
‫لهم‪ ،‬ومن المحاضرات التي كان يلقيها هذا النوع من العلماء محاض رة ألح دهم ك انت‬
‫بعنوان [واعتصموا بحب ل هللا جميع ا ً وال تفرق وا] بيّن في ه ذه المحاض رة أن الخالف‬
‫بين السنة والشيعة خالف سطحي‪ ،‬ثم يقول وإننا نؤمن أن ما يقولونه الشيعة ح ق‪ ،‬وأن‬
‫القول بوالية الفقيه قول حق‪ ،‬يجب علينا أتباعه‪ ،‬وأن الخالف الوحيد بيننا وبين إخواننا‬
‫الشيعة ه وفي إرس ال الي د وقبض ها‪ ،‬وه ذا خالف ق د وق ع بين أه ل الس نة أيض ا ً كم ا‬
‫هورأي عند بعض المالكية) (‪)1‬‬
‫أما حال [علماء أهل الس نة في إي ران]‪ ،‬في ذكرهم بحس رة ق ائال‪( :‬كم من علم اء‬
‫أفاضل ألقت عليهم الحكومة القبض بدعوى أنهم يحملون المعتقد الوه ابي‪ ،‬وكم أغلقت‬
‫م دارس ب دعوى أن مؤسس يها وه ابيون‪ ،‬وبل غ الح د بهم أن ه دموا إح دى الم دارس‬
‫بالجرافات ليالً بدعوى أن الذي أسسها ممن يحمل العقيدة الوهابية) (‪)2‬‬
‫وهو يختم كل محاضرة من محاضراته بمثل هذا الدعاء ال ذي يمتلئ ب العبرات‪،‬‬
‫مما يثير عواط ف الحاض رين‪( :‬اللهم انص ر المستض عفين من أه ل الس نة في إي ران‪،‬‬
‫اللهم احفظ نساءهم وأبنائهم ودينهم وأعراضهم وأموالهم ومدارسهم ومساجدهم من كيد‬
‫الحاق دين الخبث اء‪ ،‬اللهم احف ظ أه ل الس نة في ك ل مك ان ف إنهم غرب اء‪ ،‬اللهم وأنص ر‬
‫المجاهدين في سبيلك في كل مكان‪ ،‬اللهم عليك باليهود والشيعة والنصارى والهن دوس‬
‫والعلمانيين والشيوعيين والصوفية وك ل ف رق الض الل ال ذين تحزب وا على الموح دين‬
‫القائمين بدينك يا عزيز يا قهار‪ ،‬اللهم وفق والة أمورنا من العلماء واألم راء لينص روا‬
‫أهل السنة في كل مكان‪ ،‬اللهم ارفع سيف الحق بيد األمراء ليدفعوا الظلم والش رك عن‬
‫البالد والعباد)(‪)3‬‬
‫وال ينسى في نهاية كل محاضرة أن يحملق في وج وه الحاض رين‪ ،‬ويق ول لهم‪:‬‬
‫(اللهم هل بلغت اللهم فأشهد‪ ،‬اللهم هل بلغت اللهم فأشهد‪ ،‬اللهم ه ل بلغت اللهم فأش هد)‬
‫(‪)4‬‬
‫هذه مجرد نماذج عن هذه الموسوعة التي جمعت من محاضرات الداعية الكب ير‬
‫الشيخ مم دوح الح ربي‪ ،‬وال تي يعتبره ا الكث ير مص درا أساس يا لهم في التع رف على‬
‫كيفية تعامل النظام اإليراني مع أهل السنة‪.‬‬
‫ونحب أن ن ذكر أن ه ذا الداعي ة الكب ير‪ ،‬وال ذي جمعت محاض راته في ه ذا‬
‫الكتاب‪ ،‬واعتبرت مصدرا للمعلومات حول المؤامرات التي يقوم به ا النظ ام اإلي راني‬
‫في حق أهل السنة‪ ،‬له موس وعة أخ رى ح ول الط رق الص وفية‪ ،‬كفره ا فيه ا جميع ا‪،‬‬
‫وبين فيها مواضع انتشارها‪ ،‬وحرض عوام الناس عليها‪.‬‬
‫وه و من خالل كتب ه ومواقف ه يقص ر أه ل الس نة على المدرس ة الس لفية‪ ،‬أتب اع‬
‫‪ )(1‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.115‬‬
‫‪ )(2‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.119‬‬
‫‪ )(3‬المحاضرات المسموعة للشيخ ممدوح الحربي في موقع طريق اإلسالم‪ ،‬وهي مفرغة أيض ا في نص بعن وان‬
‫[إخواننا أهل السنة في إيران]‪ ،‬موقع فيصل نور‪.10/22/2012 ،‬‬
‫‪ )(4‬المرجع السابق‪.‬‬

‫‪166‬‬
‫الشيخ محمد بن عبد الوهاب‪ ،‬ولذلك عندما يذكر أن ه ال توج د مس اجد أله ل الس نة في‬
‫إيران‪ ،‬يقصد بذلك عدم وجود مساجد للوهابية‪ ،‬ألنه ال يعتبر مساجد المذاهب األربعة‪،‬‬
‫وال مساجد الصوفية‪ ،‬بل يسميها مساجد شرك‪ ،‬كما هي عادة الس لفية‪ ،‬حيث ن راهم في‬
‫كل مدينة يقيمون مساجد خاصة بهم‪ ،‬ويعتبرون ما عداها مساجد مشركين‪.‬‬
‫بناء على هذا‪ ،‬نحاول في هذا المطلب الرد على هذه الش بهة‪ ،‬وبي ان المغالط ات‬
‫التي تحملها‪ ،‬والتي يرفضها الواقع‪ ،‬وذلك عبر نوعين من األدلة‪:‬‬
‫األول‪ :‬المواقف النظرية لقادة الثورة اإلسالمية من العالق ة بين الس نة والش يعة‪،‬‬
‫ومن الخالف السني الشيعي‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬المواقف العملية من حقوق أهل الس نة في إي ران‪ ،‬واالمتي ازات المعط اة‬
‫لهم‪ ،‬والشهادات الدالة على كذب تلك الشبهات المثارة ضدهم‪.‬‬
‫وسنتناول هذين الموقفين من خالل العنوانين التاليين‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ الموقف النظري من االختالف المذهبي‪:‬‬
‫من خالل بحثي المتأني في كتب قادة الثورة اإلس المية‪ ،‬وخطاب اتهم‪ ،‬وبيان اتهم‪،‬‬
‫وفي أدق التفاصيل لم أجد ولو كلم ة واح دة ت دل على الطائفي ة‪ ،‬وال على ك ون الث ورة‬
‫اإلسالمية ثورة شيعية‪ ،‬ب ل نج دهم جميع ا يتح دثون عن اإلس الم‪ ،‬ال عن الطائف ة‪ ،‬وال‬
‫عن المذهب‪ ،‬ويعتبرون انتصار الثورة في إيران انتصارا لإلسالم وليس انتصارا ألي‬
‫جهة‪.‬‬
‫وهم في ك ل مح ل ينبه ون إلى ه ذا‪ ،‬ويعت برون اإلس الم ف وق الطائفي ة‪ ،‬وف وق‬
‫المذاهب‪ ،‬لكن المغرضين ال ينظرون إلى هذا‪ ،‬وإنما ينظرون إلى بعض اقتباسات قادة‬
‫الثورة اإلسالمية من كتب الشيعة‪ ،‬ويعتبرون ذلك طائفية ومذهبية وتحيزا‪.‬‬
‫ولست أدري كيف يفكر هؤالء‪ ،‬وه ل يري دون منهم‪ ،‬وهم في البيئ ة الش يعية أن‬
‫يقتبسوا أقوال مالك والشافعي‪ ،‬ويواجهوا جمهورهم الملتف حولهم بما ال يعرفونه‪ ،‬وال‬
‫يتمذهبون بمذهبه؟‬
‫ثم ما الضرر في أن يذكر قادة الثورة اإلسالمية في أحاديثهم واقتباس اتهم أق وال‬
‫اإلمام علي والحس ن والحس ين وس ائر األئم ة وم واقفهم‪ ،‬وهم مح ل إجم اع من األم ة‬
‫جميع ا؛ فه ل يعت بر ذك ر مال ك والش افعي إس الما‪ ،‬بينم ا ذك ر اإلم ام علي والحس ن‬
‫والحسين مجوسية وطائفية وتحيزا؟‬
‫ال يمكن أن نفسر هذه المواقف إال بالجهل واألنانية والكبرياء‪ ،‬ذل ك أن الص ادق‬
‫ينظر إلى القيم‪ ،‬وال ينظ ر إلى م ا يرتب ط به ا؛ فس واء أخ ذنا مب ادئ الحكم اإلس المي‪،‬‬
‫ومعاني ه من كلم ات اإلم ام علي‪ ،‬أو من كلم ات غ يره‪ ،‬المهم أن تك ون ه ذه الكلم ات‬
‫متوافقة مع القرآن الكريم‪ ،‬ومع قيم الدين‪ ،‬التي هي محل اتفاق األمة جميعا‪.‬‬
‫ولذلك كان العاقل هو الذي يسأل عن توفر القيم في الق وانين وص لتها بالش ريعة‬
‫اإلسالمية‪ ،‬وال يسأل من أي كتاب اقتبس ت‪ ،‬وال في أي م ذهب وردت‪ ،‬وله ذا ف إن م ا‬
‫نص عليه الدس تور اإلي راني من مراع اة الم ذهب الجعف ري في تط بيق الش ريعة‪ ،‬ال‬
‫يعني إال مراعاة البيئة التي ستطبق فيه ا الش ريعة‪ ،‬مثلم ا ه و حاص ل في جمي ع البالد‬

‫‪167‬‬
‫اإلسالمية التي تستند في أحوالها الشخصية إلى الش ريعة‪ ،‬ثم تربطه ا بالم ذهب الس ائد‬
‫في البلد‪.‬‬
‫مع العلم أن إيران ـ كما سنرى ـ تترك للمناطق السنية فيها الحرية في أن تطب ق‬
‫المذاهب المرتبطة بها في فروع الشريعة‪ ،‬أما في القضايا المرتبط ة ب الحكم والسياس ة‬
‫واالقتصاد؛ فهي مح ل اتف اق األم ة‪ ،‬والخالف فيه ا بس يط‪ ،‬ألنه ا أكثره ا من الن وازل‬
‫العصرية‪.‬‬
‫بن اء على ه ذا س نذكر هن ا بعض مواق ف ق ادة الث ورة اإلس المية‪ ،‬ابت داء من‬
‫الخمي ني ال ذي ك ان يتح دث باس م اإلس الم‪ ،‬ال باس م الطائف ة‪ ،‬ب ل يح ذر ك ل حين من‬
‫اإليمان بالطائفة وتقديمها على اإلسالم‪.‬‬
‫ومنها ما صرح به في مقابلة ص حفية م ع بعض وس ائل اإلعالم األجنبي ة‪ ،‬حين‬
‫كان منفيا في باريس؛ فقد سأله الص حفي األم ريكي ق ائال‪( :‬كي ف س تعاملون األقلي ات‬
‫الديني ة في الحكوم ة اإلس المية‪ ،‬وهم المس لمون الس نة‪ ،‬الص وفيون‪ ،‬اآلش وريون‪،‬‬
‫المسيحون واألرمن واليهود والبهائيون؟)‬
‫فأجاب الخميني على البديهة‪( :‬أواًل اإلخوة أهل السنة ليس وا بأقلي ة مذهبي ة ق ط‪،‬‬
‫ونحن قلنا مراراً بأن سلوكنا مع األقليات الديني ة جي د ج داً‪ ،‬فاإلس الم يح ترمهم‪ ،‬ونحن‬
‫سنعطيهم جمي ع حق وقهم‪ .‬فلهم الح ق أن يك ون لهم ممث ل في المجلس ولهم الحري ة في‬
‫ممارس ة النش اطات السياس ية واالجتماعي ة‪ ،‬وعب اداتهم‪ .‬إنهم إيراني ون مث ل جمي ع‬
‫اإليرانيين يعيشون بأمان في ظل الحكومة اإلسالمية)(‪)1‬‬
‫وه ذا يفس ر ع دم وج ود نص في الدس تور يتعل ق بحق وق أه ل الس نة‪ ،‬بخالف‬
‫النصوص الواردة حول األقليات الدينية‪ ،‬ذلك أن الدس تور اإلي راني يعت بر أه ل الس نة‬
‫مثل الشيعة تماما‪ ،‬وهم في حقوقهم ينتخبون على مرشحيهم بحسبب أع داد م دنهم‪ ،‬وال‬
‫عالق ة ل ذلك بالم ذهب والطائف ة‪ ،‬وه ذا من ذك اء واض ع الدس تور وحكمت ه‪ ،‬ألن ه ل و‬
‫وض عت م واد تتعل ق به ذا‪ ،‬العتبره ا الجمي ع ش ماعة العتب ار إي ران دول ة طائفي ة‪،‬‬
‫ويحكمها دستور طائفي‪ ،‬ولهذا ن رى الن واب من أه ل الس نة يف وزون في من اطقهم‪ ،‬ال‬
‫باعتبارهم أهل سنة‪ ،‬وإنما باعتبارهم مرشحين زكاهم الشعب‪.‬‬
‫وقد أشار الخمي ني في ن داء ل ه قب ل االس تفتاء الش عبي الع ام‪ ،‬إلى تل ك الح رب‬
‫الناعم ة ال تي تس تعمل االثني ات الموج ودة في إي ران الس تثمارها في انهي ار الحكم‬
‫اإلسالمي من بدايته‪ ،‬وقبل تجربت ه‪ ،‬فق ال مخاطب ا الش عب اإلي راني‪( :‬تص ل وبمنتهى‬
‫األسف أخبار مزعجة من كنبد وزاهدان واردبيل تتح دث عن قي ام بعض المجموع ات‬
‫المنحرفة ببث الفرقة والسموم بين أهالي تلك المناطق‪ ،‬وترويج شائعة مفادها أن علماء‬
‫الدين سيحرمون اإلخوة من أهل السنة من حقوقهم المشروعة)(‪)2‬‬
‫ثم بين وج ه التن اقض ال ذي يحمل ه مث يرو تل ك الفتن‪ ،‬وال ذين ال يعتق د أك ثرهم‬

‫‪ )(1‬صحيفة اإلمام‪ ،‬ج‪ ،5‬ص‪.202 :‬‬


‫‪ )(2‬صحيفة اإلمام‪ ،‬ج‪ ،6‬ص‪.342 :‬‬

‫‪168‬‬
‫بصالحية اإلسالم بمذاهبه جميعا للحكم أصال‪ ،‬يقول‪( :‬إن ني أق ول وبمنتهى األس ف أن‬
‫هؤالء المنحرفين الذين يستلهمون أمريكا‪ ،‬ويتلبسون بلبوس اليسار‪ ،‬يسعون إلى إع ادة‬
‫عمليات النهب التي كانت رائجة في عهد النظام البائد‪ ،‬ولكن بأسلوب آخر) (‪)1‬‬
‫ثم يذكر العالقة التي تربط قادة الثورة اإلسالمية مع جماهير أهل السنة‪ ،‬وال ذين‬
‫تشكل الطرق الصوفية أغلبهم‪( :‬إننا النرى لنا أي خالف مع إخواننا المسلمين من أه ل‬
‫السنة‪ ،‬ونطمئنهم بأن جميع الفئات االجتماعي ة في البالد س تنال حقوقه ا‪ ،‬س واء أك انوا‬
‫من السنة أو الشيعة؛ فليس هناك من فرق بين طوائف المس لمين في الحق وق السياس ية‬
‫أو االجتماعية أو غيرها‪ ،‬إنني اهيب بجميع اإلخ وة واألخ وات في جمي ع أنح اء البالد‬
‫أاليكترثوا إلى السموم التي تبثها تلك العناصر الفاسدة وأن يتوجهوا في الغد إلى مراكز‬
‫االقتراع‪ ،‬ويدلوا بأصواتهم لما يريدون)(‪)2‬‬
‫وفي خط اب آخ ر ل ه‪ ،‬في المدرس ة العلوي ة بطه ران دع ا في ه جمي ع االثني ات‬
‫اإليرانية إلى المساهمة في إعمار البالد‪ ،‬وقد استهله بقوله‪( :‬نحن والمس لمون من أه ل‬
‫السنة جسم واح د‪ ،‬ألنن ا مس لمون وإخ وة‪ ،‬وإذا ق ال أح د كالم ا يبعث على الفرق ة بين‬
‫المسلمين؛ فاعلموا أنه إما أن يكون جاهال أو أنه من أولئك ال ذين يري دون الوقيع ة بين‬
‫المسلمين‪ ،‬فليس هناك مسألة سنة وشيعة أبدا‪ ،‬الجميع إخوة)(‪)3‬‬
‫وعندما نجح بعض المغرض ين في إث ارة الفتن في بعض المن اطق بع د انتص ار‬
‫الثورة اإلسالمية‪ ،‬وخصوصا في منطقة األكراد‪ ،‬راح الخميني ي ذكرهم ب األخوة ال تي‬
‫تجمع بين السنة والشيعة‪ ،‬وقال في ندائه‪( :‬إلى اهالي كردستان المحترمين‪ ،‬علمن ا ب أن‬
‫مجموعة تتحرك خالفا ً لإلسالم وتثير أعمال ش غب في كردس تان العزي زة‪ ،‬وال ت ترك‬
‫فرصة للمسلمين أن ينعموا براحة البال‪ ..‬إن هذه المجموع ة تنف ذ هجم ات على الجيش‬
‫وتوجه اإلهانات إلى منتسبيه بعد أن عاد إلى أحضان الشعب المسلم وتبعه في نهضته‪.‬‬
‫إن مثل هذه الممارسات تناهض اإلسالم ومص الح المس لمين‪ ..‬وليعلم أه الي كردس تان‬
‫وسائر المناطق‪ ،‬بأن أي تعرض للجيش والجندرم ة أم ر مرف وض من قبلن ا‪ ،‬كم ا أنن ا‬
‫النعتقد بوجود أي خالف بيننا وبين إخواننا من أه ل الس نة فجميعن ا ش عب واح د ولن ا‬
‫قرآن واحد)(‪)4‬‬
‫وفي خطاب مفصل له مع بعض علماء أهل السنة‪ ،‬وفيهم الشيخ أحمد مفتي زاده‬
‫وجمع من اهالي كردستان‪ ،‬راح الخميني يبسط لهم مسائل الخالف بين السنة والشيعة‪،‬‬
‫ويربطها باألنظمة السياسية الجائرة‪ ،‬التي حاولت أن تثير الفتن بين مكونات المسلمين؛‬
‫فق ال‪( :‬إن االختالف بين أتب اع الط ائفتين والم ذهبين يع ود في ج ذوره إلى ص در‬
‫اإلس الم‪ ،‬إذ س عى آن ذاك الخلف اء األموي ون والعباس يون إلى إيج اد الفرق ة والخالف؛‬

‫‪ )(1‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ ،6‬ص‪.342 :‬‬


‫‪ )(2‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ ،6‬ص‪.342 :‬‬
‫‪ )(3‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ ،6‬ص‪.111 :‬‬
‫‪ )(4‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ ،6‬ص‪.305 :‬‬

‫‪169‬‬
‫فك انوا يعق دون المج الس لتك ريس االختالف‪ ،‬وروي دا روي دا أدى ه ذا االختالف إلى‬
‫ظه ور حال ة التن افس بين ع وام الس نة وع وام الش يعة‪ ،‬وإال فال ع وام الس نة عمل وا‬
‫ويعملون بسنة رسول هللا ‪ ، ‬وال عوام الشيعة اتبعوا األئمة األطهار)‬
‫ثم بين م دى التع الي على الطائفي ة ال ذي مثل ه أئم ة أه ل ال بيت‪ ،‬وال ذين ك انوا‬
‫يع برون عن اإلس الم وح ده‪ ،‬ال عن أي طائف ة؛ فق ال‪( :‬لق د س عى أئمتن ا األطه ار إلى‬
‫وضع الجميع في إطار المجتمع‪ ،‬فكانوا يصلون معهم‪ ،‬ويمشون خلف جن ائزهم‪ ،‬ولكن‬
‫األم ور اختلفت ت دريجيا‪ ،‬وق ام المتج برون بمث ل ه ذه األعم ال إلش غال الط ائفتين‬
‫ببعضهما كي يتسنى لهم أن يفعلوا ما يشاءون)(‪)1‬‬
‫ثم ذك ر الم ؤامرات الش يطانية للمس تعمرين‪ ،‬وال تي طبقوه ا في إي ران‪ ،‬كم ا‬
‫طبقوه ا في س ائر بالد الع الم اإلس المي لينش غل المس لمون بالص راع ال داخلي عن‬
‫مواجهتهم؛ فقال‪( :‬قبل ما يقرب من ثالثمائة عام تم تنفيذ سياسة أجنبي ة في إي ران وفي‬
‫الشرق استهدفت في الغالب تحقيق مثل هذه األمور‪.‬؛ فقد عكف خ براؤهم على دراس ة‬
‫الطائفتين وبعض الشخصيات ونفس يات الن اس باإلض افة إلى ج وانب القض ايا المادي ة‬
‫المتعلقة بنا‪ ،‬وحاولوا استغاللنا من طريقين‪ :‬ماديا وكما ترون فقد استغلونا‪ ،‬ونفس يا ً من‬
‫خالل التركيز على توس يع ش قة الخالف بينن ا‪ ،‬وت رون كي ف أن ه اذا تف وه أح د بكلم ة‬
‫واح دة؛ ف إنهم يجعلونه ا ن ارا على علم‪ ،‬فينش رونها ويطبعونه ا‪ ،‬وه ذا ليس من فع ل‬
‫شخص عادي‪ ،‬إنه عم ل الحكوم ات واألج انب ال ذين يس عون إلى نش ر ذل ك وتوس يع‬
‫نطاقه) (‪)2‬‬
‫ثم ذكر المشتركات الكثيرة ال تي تجم ع بين الس نة والش يعة‪ ،‬ودع ا إلى الترك يز‬
‫عليها‪ ،‬وتهميش الخالفات الفرعي ة؛ فق ال‪( :‬نحن مع ا كي ان واح د غ ير قاب ل للتفكي ك‪،‬‬
‫واالختالف بين المذهبين ال ينبغي أن يتحول إلى خالف في أس اس اإلس الم‪ ،‬فاإلس الم‬
‫أسمى من أن يؤدي االختالف فيه إلى ظهور مسلك كذائي فيه‪ ..‬إننا نرى األخطار تهدد‬
‫اإلس الم‪ ،‬ل ذا علين ا جميع ا أن نتك اتف ونتجنب تل ك االش تباهات ال تي ارتكبت في‬
‫الماضي‪ ،‬وأن نقطع االيدي التي تريد أن تفرقنا عن بعضنا) (‪)3‬‬
‫ثم دعا جميع المدارس السنية والشيعية إلى الدعوة إلى المشتركات للحيلولة دون‬
‫تحق ق الم ؤامرات الخارجي ة؛ فق ال‪( :‬إن ني آم ل أن نتمكن من تج اوز ه ذه الفرق ة‬
‫بمساعيكم وجهودكم أنتم أيها العلماء في من اطقهم‪ ،‬وجهودن ا نحن طلب ة العل وم الديني ة‬
‫هنا) (‪)4‬‬
‫ولم ينس أن يذكر أن الخالف ات الموج ودة بين المدرس تين يوج د مثله ا بين ك ل‬
‫مدرس ة‪ ،‬ول ذلك ل و طب ق م ا يري ده األع داء؛ فس يتحول الص راع بين الم دارس إلى‬

‫‪ )(1‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ ،6‬ص‪.81 :‬‬


‫‪ )(2‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ ،6‬ص‪.81 :‬‬
‫‪ )(3‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ ،6‬ص‪.81 :‬‬
‫‪ )(4‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ ،6‬ص‪.81 :‬‬

‫‪170‬‬
‫الصراع بين كل مدرس ة وأتباعه ا؛ يق ول‪( :‬إن االختالف ات موج ودة ح تى بينن ا نحن‪:‬‬
‫كاالختالف بين اإلخباريين والمجته دين‪ ،‬وه و ب اب من أب واب االختالف‪ ،‬واالختالف‬
‫بين الصوفية والمتشرعة‪ ،‬وأخيرا بين األح زاب بعض ها م ع بعض‪ ،‬أو بين الج امعيين‬
‫وطلبة العلوم الدينية‪ ،‬ك ل ه ذا موج ود وهم يس عون إلى تك ريس تل ك االختالف ات كي‬
‫نبقى مشغولين بأنفسنا‪ ،‬وهم يقضون على ما لدينا من اعتبار‪ ،‬فهم ينهبون ثرواتن ا على‬
‫الصعيد المادي وما لدينا من معنويات على الصعيد المعنوي‪ ،‬إال أن ش عبنا ق د اس تيقظ‬
‫اآلن‪ ،‬س واء في أوس اطكم وذل ك ببرك ة وج ودكم أنتم‪ ،‬أو في أوس اطنا ببرك ة وج ود‬
‫علماء الدين هنا) (‪)1‬‬
‫وهكذا نرى القائد الحالي للث ورة اإلس المية‪ ،‬وال ولي الفقي ه إلي ران‪ ،‬الس يد علي‬
‫الخ امنئي‪ ،‬يعت بر ك ل داعي ة للطائفي ة بين المس لمين عميال لألع داء‪ ،‬وه و ي ذكر أن‬
‫اإلسالم للجميع‪ ،‬وح تى [الس لفية] ال تي ي دعيها المغرض ون للجمي ع‪ ،‬يق ول في خطب ه‬
‫صالة الجمعة بطهران‪ ،‬بتاريخ ‪ ..( :03/02/2012‬و[السلفية] إذا ك انت تع ني الع ودة‬
‫إلى أصول القرآن والسنة والتمس ك ب القيم األص يلة ومكافح ة الخراف ات واالنحراف ات‬
‫ّ‬
‫التعص ب‬ ‫وإحياء الشريعة ورفض التغرّب فلتكونوا جميعًا س لفيين‪ ،‬وإذا ك انت بمع نى‬
‫والتحجّر والعن ف في العالق ة بين األدي ان أو الم ذاهب اإلس المية فإنه ا ال تنس جم م ع‬
‫روح التجديد والسماحة والعقالنية التي هي من أركان الفكر والحضارة اإلسالمية‪ ،‬ب ل‬
‫ستكون داعية لرواج العلمانية والتخلّي عن الدين)(‪)2‬‬
‫ثم راح يح ذر كعادت ه من اإلس الم ال ذي ي دعو إلي ه الغ رب‪ ،‬فيق ول‪( :‬كون وا‬
‫متشائمين من اإلسالم الذي تطلبه واشنطن ولندن وب اريس‪ ،‬س واء من الن وع ال َعلم اني‬
‫المتغرّب‪ ،‬أو من نوعه المتحجّر والع نيف‪ .‬ال تثق وا بإس الم يتح ّم ل الكي ان الص هيوني‬
‫لكنه يواجه المذاهب اإلسالمية األخ رى دونم ا رحم ة‪ ،‬ويم ّد ي د الص لح تج اه أمريك ا‬
‫والناتو لكنه يعمد في الداخل إلى إشعال الحروب القبلية والمذهبي ة‪ .‬وراء ه ذا اإلس الم‬
‫من هم أشداء على المؤمنين رحماء بالكافرين‪ ..‬كونوا متشائمين من اإلسالم األم ريكي‬
‫والبريط اني إذ أن ه ي دفعكم إلى َش َرك الرأس مالية الغربي ة وال روح االس تهالكية‬
‫واالنحطاط األخالقي)(‪)3‬‬
‫وهو يدعو في كل خطاباته إلى تجاوز كل ما يثير الفتنة والفرق ة بين المس لمين‪،‬‬
‫وقد عبر عن ذلك في فتاواه وخطب ه‪ ،‬ومن ذل ك قول ه‪( :‬على المس لمين أن يج ابهوا أ ّ‬
‫ي‬
‫عامل من العوامل الناقضة والمضادة للوح دة؛ ه ذا واجب كب ير علين ا جميع اً؛ الش يعة‬
‫يجب أن يقبلوا ه ذا‪ ،‬والس نة أيض ا ً يجب أن يقبل وه‪ ،‬وك ذلك الف رق والش عب المتنوع ة‬
‫داخل الشيعة وأهل السنة يجب أن تتقبّل هذا الشيء)(‪)4‬‬

‫‪ )(1‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ ،6‬ص‪.82 :‬‬


‫‪ )(2‬انظر‪ :‬وثائق الربيع العربي والصحوة اإلسالمية‪ ،‬تحرير حسن الزين‪ ،‬ص‪.343‬‬
‫‪ )(3‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.344‬‬
‫‪ )(4‬وذلك في كله له بتاريخ ‪ .19/01/2014‬تزامنا مع أيام أسبوع الوحدة اإلسالمية‪.‬‬
‫ً‬

‫‪171‬‬
‫ومن ذلك فتواه الشهيرة بحرمة المساس بمقدسات المسلمين‪ ،‬وهي ليس ت مج رد‬
‫فتوى‪ ،‬بل هي من األصول التي نشأت عنها الفروع الفقهية الكث يرة‪ ،‬وال تي تقط ع ك ل‬
‫الحجج ال تي يتش بث ع ادة دع اة الفتن ة من س ب الص حابة ولعنهم والت بري منهم؛ ففي‬
‫سؤال حول معنى التبرّي‪ ،‬أج اب مق رر فت اواه‪( :‬الت ولي والت برّي ال ذان يع دان أحيان ا ً‬
‫ض من أص ول ال دين‪ ،‬ويعت بران في أحي ان أخ رى من ف روع ال دين‪ ،‬وكال ال رأيين‬
‫صحيح‪ ،‬لهم ا ج انب عقي دي وج انب عملي‪ .‬من الناحي ة العقي دة ه و أن نعتق د بوالي ة‬
‫األولي اء اإلله يين ورس ل هللا واألئم ة األطه ار‪ ،‬وأن نحبّهم ونحبّ أتب اعهم وم والیهم‪،‬‬
‫وهناك جانب عملي يتمثل في إطاعتهم‪ ،‬والتبرّي هو الحال ة المعاكس ة للت ولي‪ ،‬بمع نى‬
‫مع اداة أع داء هللا وأع داء أولي اء هللا‪ ،‬وعلى المكلفين أن يؤمن وا به ذين األص لين من‬
‫الناحية العقيدية ويتمسكوا بهما من الناحية العملية)(‪)1‬‬
‫وهذا من المتفق عليه بين المسلمين جميعا‪ ،‬وهو ما يسمى بالوالء وال براء‪ ،‬وق د‬
‫قرره القرآن الكريم في آيات كثيرة منها قوله تعالى‪﴿ :‬اَل ت َِج ُد قَوْ ًم ا ي ُْؤ ِمنُ ونَ بِاهَّلل ِ َو ْاليَ وْ ِم‬
‫اآْل ِخ ِر يُ َوا ُّدونَ َم ْن َح ا َّد هَّللا َ َو َر ُس ولَهُ َولَ وْ َك انُوا آبَ ا َءهُ ْم أَوْ أَ ْبنَ ا َءهُ ْم أَوْ إِ ْخ َوانَهُ ْم أَوْ‬
‫َع ِشي َرتَهُ ْم ﴾ [المجادلة‪ ،]22 :‬وقوله تعالى‪﴿ :‬يَاأَيُّهَا الَّ ِذينَ آ َمنُوا اَل تَتَّ ِخ ُذوا َعد ُِّوي َو َع ُد َّو ُك ْم‬
‫ول َوإِيَّا ُك ْم أَ ْن‬ ‫َّس َ‬‫ق ي ُْخ ِر ُج ونَ الر ُ‬ ‫أَوْ لِيَا َء تُ ْلقُونَ إِلَ ْي ِه ْم بِ ْال َم َو َّد ِة َوقَ ْد َكفَرُوا بِ َما َجا َء ُك ْم ِمنَ ْال َح ِّ‬
‫ض اتِي تُ ِس رُّ ونَ إِلَ ْي ِه ْم‬ ‫تُ ْؤ ِمنُ وا بِاهَّلل ِ َربِّ ُك ْم إِ ْن ُك ْنتُ ْم َخ َرجْ تُ ْم ِجهَ ادًا فِي َس بِيلِي َوا ْبتِ َغ ا َء َمرْ َ‬
‫الس بِي ِل﴾‬ ‫ض َّل َس َوا َء َّ‬ ‫بِ ْال َم َو َّد ِة َوأَنَ ا أَ ْعلَ ُم بِ َم ا أَ ْخفَ ْيتُ ْم َو َم ا أَ ْعلَ ْنتُ ْم َو َم ْن يَ ْف َع ْل هُ ِم ْن ُك ْم فَقَ ْد َ‬
‫[الممتحنة‪]1 :‬‬
‫لكن الخالف في كيفية تطبيق هذا األمر اإللهي‪ ،‬وق د ك ان من الش يعة‪ ،‬وخاص ة‬
‫اإلخباريين منهم من يلزم أتباعه بتسمية المتبرأ منهم‪ ،‬ولعنهم‪ ،‬وهو ما يث ير الفتن‪ ،‬لكن‬
‫تطبيق فتوى الخامنئي تتجاوز هذه المشكلة؛ فقد قال فيها مقرره ا‪( :‬وليس هن اك ل زوم‬
‫بالنسبة للشخص الذي يريد التبرّي بأن يرفق تبرّيه هذا باللعن والش تائم وس وء الق ول‪،‬‬
‫كان هناك الكثير من المسلمين منذ ص در اإلس الم وإلى العص ر الحاض ر‪ ،‬ونم وذجهم‬
‫سماحة اإلمام الخميني وسماحة قائد الثورة اإلسالمية نفسه‪ ،‬هؤالء كانوا طبعا ً من أه ل‬
‫الت ولي والت برّي بح ق‪ ،‬لكنهم ليس وا من أه ل الس باب واللعن‪ .‬إذن‪ ،‬بوس ع اإلنس ان أن‬
‫يكون صاحب تبرّي‪ ،‬من دون أن يو ّجه اإلهانات والسباب واللعن لمقدس ات اآلخ رين‪.‬‬
‫سماحة الس يد القائ د ال يعت بر توجي ه اإلهان ات لمقدس ات اآلخ رين ج ائزاً‪ ،‬ب ل يعت بره‬
‫حراماً)(‪)2‬‬
‫وعن سؤال حول (تنافي حکم الوح دة م ع الت برّي)‪ ،‬أج اب المق رر بقول ه‪( :‬من‬
‫المؤکد أن وحدة المسلمین ال تتنافى مع الت ب ّري‪ ،‬أي إن األف راد بوس عهم مع اداة أع داء‬
‫هللا وأعداء أولیاء هللا‪ ،‬ومجابهة ال ذین یح اربون المس لمین‪ ،‬ویکون وا في ال وقت نفس ه‬

‫‪ )(1‬فتاوى اإلمام الخامنئي فيم ا يخص أحك ام أص حاب الم ذاهب واألدي ان األخ رى‪ ،‬مق رر الفت اوى‪ ،‬فالح زاده ‪-‬‬
‫عضو مکتب اس تفتاءات س ماحة آیة هللا العظمى الس ید الخ امنئي و رئیس مرک ز علم مواض یع األحک ام الفقهیة‪ ،‬موق ع‬
‫الخامنئي‪ ،‬بتاريخ‪.2016 /12/12 :‬‬
‫‪ )(2‬المرجع السابق‪.‬‬

‫‪172‬‬
‫متحدین مع غیرهم من المسلمین‪ ،‬إذن وحدة المسلمین ال تتنافى إطالقا ً م ع الت بري من‬
‫أعداء هللا وأعداء أولیاء هللا‪ ،‬وکمثال على ذلك أن اإلمام الخمینی ك ان والئیا ً ومتبرئ ا ً‬
‫من أعداء هللا وأعداء أولیاء هللا‪ ،‬وال یو ّجه في الوقت نفس ه اإلهان ات واللعن لمقدس ات‬
‫س ائر المس لمین واألش خاص ال ذین یح ترمونهم‪ ،‬وک ان هن اك الکث یر من األع اظم‬
‫واألجالء یدعون الناس إلى الوحدة ویتبرأون في الوقت ذاته من أعداء هللا)(‪)1‬‬
‫وهو يوجب هذا األمر بحكم على واليته على المسلمين ح تى على غ ير مقلدي ه‪،‬‬
‫وقد جاء في تقرير الفتوى‪( :‬والوحدة بین المسلمین وتجنب التفرقة حالة واجبة‪ ،‬وإیجاد‬
‫التفرق ة والخالف ات بین المس لمین لص الح األع داء ولص الح االس تکبار الع المي‬
‫والصهیونیة الدولیة أمر محرم‪ ،‬أما أنهم یجب أن یراعوا هذه الوحدة حتى لو لم یکونوا‬
‫من مقلدي سماحة القائد فنعم یجب على اآلخرین أیضا ً أتباع هذه األوامر حسب فت اوى‬
‫کل مراجع التقلید األجالء األعمال غیر الواجبة علینا‪ ،‬حتى لو کانت مستحبة‪ ،‬إذا ک ان‬
‫أداؤها یؤدي إلى استغاللها من قبل األعداء ضد مذهب أهل البیت‪ ،‬وت ؤدي إلى توجیه‬
‫اإلهان ات ألتب اع م ذهب أه ل ال بیت أو ت ؤدي إلى الخالف بین المس لمین‪ ،‬فهي غ یر‬
‫جائزة‪ ،‬وال فرق في ذلك بین أن یکون اإلنس ان من مقل دي س ماحة الس ید القائ د أو من‬
‫مقلدي سائر المراجع‪ ،‬یجب علیهم مراعاة ذلك) (‪)2‬‬
‫وعن سؤال حول موقف الخامنئي من مراسم اللعن التي تقام في أي ام خاص ة في‬
‫بعض المن اطق‪ ،‬أج اب المق رر بقول ه‪( :‬ق ال س ماحة الس يد القائ د م راراً ال توجه وا‬
‫اإلهانات لمقدسات سائر المذاهب‪ ،‬إذن يجب اجتناب هذه الممارسات‪ ،‬والنقطة الجديرة‬
‫بالمالحظة هي أن البعض يقول ون‪ :‬ال إش کال في أن نعلن في المج الس الخاص ة‪ ،‬لكن‬
‫سماحته لم يقيّد األمر بأن يكون المجلس عاما ً أو خاصاً‪ ،‬بل ق ال على نح و العم وم‪ :‬ال‬
‫توجّهوا اإلهانات لمقدسات سائر المسلمين‪ ،‬أي سائر الفرق اإلس المية‪ ،‬وق ال س ماحته‬
‫في موضع من المواضع‪( :‬ذلك الشيعي الذي تدفعه جهالته وغفلته‪ ،‬أو المغرض أحيان ا ً‬
‫‪ -‬ول دينا مث ل ه ذه الح االت أيض ا ً ونع رف أف راداً من الش يعة مش كلتهم ليس ت مج رد‬
‫الجهل‪ ،‬بل لديهم أوامر ومأموريات بزرع الخالفات ‪ -‬لتوجيه اإلهانات لمقدس ات أه ل‬
‫الس نة‪ ،‬أق ول‪ :‬إن س لوك كال الف ريقين ح رام ش رعا ً وبخالف الق انون)‪ ،‬إذن‪ ،‬توجي ه‬
‫اإلهانات لمقدسات سائر المذاهب اإلسالمية حرام شرعا ً في رأي سماحة الس يد القائ د)‬
‫(‪)3‬‬
‫وحول المجالس العلمية التي تعقد حول الخالف في القض ايا بين الس نة والش يعة‬
‫وعن الشروط المرتبطة بها حتى ال تصطدم بفت وى مراع اة المقدس ات‪ ،‬أج اب بقول ه‪:‬‬
‫(إما أن يكون هناك نقاش علمي فهذا من آراء سماحة السيد القائد‪ ،‬وهو يوافقه‪ .‬األم ور‬
‫التي توجد حولها اختالفات علمية في وجهات النظر بين فرق المس لمين‪ ،‬وبين الش يعة‬

‫‪ )(1‬المرجع السابق‪.‬‬
‫‪ )(2‬المرجع السابق‪.‬‬
‫‪ )(3‬المرجع السابق‪.‬‬

‫‪173‬‬
‫والسنة‪ ،‬فليجتمعوا في جلسات واجتماعات علمية بشكل محترم وينق دوا آراء بعض هم‪،‬‬
‫ولكن بشكل علمي وفي المحافل العلمي ة وبين أه ل الفن واالختص اص‪ ،‬وأس لوب ذل ك‬
‫هو الجدل بالتي هي أحسن على حد تعبير القرآن الکریم‪ .‬مثل هذا النقاش العلمي ال ذي‬
‫ال يؤدي إلى الخالفات والنزاعات والتفرقة والفتن بين المسلمين ال إشكال في ه‪ .‬الش يء‬
‫الذي فيه إشكال وهو حرام إيجاد التفرقة بين المسلمين وبين المجتمعات اإلسالمية) (‪)1‬‬

‫وق د ذك ر نص فت وى الخ امنئي في ه ذا المج ال‪ ،‬وهي‪( :‬إذا أرادوا أن يناقش وا‬
‫نقاشا ً مذهبيا ً فال إشكال في ذلك إطالقاً‪ .‬إن ني أواف ق النق اش الم ذهبي‪ .‬إذا أرادوا إقام ة‬
‫نقاش علمي مذهبي بين العلماء وأص حاب الخ برة واالختص اص فليجتمع وا وليقوم وا‬
‫بذلك‪ ،‬ولكن ال على مرأى الناس وأمامهم‪ ،‬بل ليتناقشوا علميا ً في جلسات علمية) (‪)2‬‬
‫والخامنئي في مناسبات كثيرة يعت بر المخ الفين له ذه الفت اوى‪ ،‬وال ذين يص رون‬
‫على إثارة الفتن‪ ،‬من أتباع [التشيع البريط اني]‪ ،‬ومثلهم من يض اهيهم من أه ل الس نة‪،‬‬
‫الذين ينافسونهم في الشقاق والص راع‪ ،‬ويس ميهم أتب اع [التس نّن األم ريكي]‪ ،‬ذل ك أن ه‬
‫يوجد (في المنطقة اليوم إرادت ان متعارض تان‪ :‬إح داهما إرادة الوح دة واألخ رى إرادة‬
‫التفرقة‪ ،‬إرادة الوحدة تختصّ ب المؤمنين‪ ،‬ون داء اتح اد المس لمين واجتم اعهم يعل و من‬
‫الحناجر المخلصة التي تدعو المسلمين إلى االهتمام بقواسمهم المشتركة؛ فلو حدث هذا‬
‫وتحققت الوحدة لما بقيت أوضاع المسلمين الراهنة على ما هي اليوم علي ه‪ ،‬والكتس ب‬
‫المسلمون العز‪.‬ة‪ .‬الحظوا كيف أن المسلمين اليوم‪ ،‬من أقصى ش رق آس يا في ميانم ار‬
‫إلى غرب أفريقيا في نيجيريا وأمثالها‪ ،‬وفي كل مكان‪ ،‬يُقتلون؛ في بعض األماكن على‬
‫يد البوذيّين‪ ،‬وفي أم اكن أخ رى على ي د بوك وحرام وداعش ومن ش اكلهم‪ .‬وهن اك من‬
‫يصبّ الزيت على هذه النيران؛ التشيّع البريطاني والتسنّن األمريكي متش ابهان‪ ،‬وهم ا‬
‫شفرتان لمقصّ واحد‪ ،‬حيث يسعيان لتن ازع المس لمين وتق اتلهم‪ .‬ه ذه هي رس الة إرادة‬
‫الفُرقة التي هي إرادة ش يطانية؛ لكن ن داء الوح دة ي دعو إلى تج اوز ه ذه االختالف ات‪،‬‬
‫واالصطفاف معًا والتعاون بين المسلمين كافة)(‪)3‬‬
‫‪ 2‬ـ الموقف العملي من االختالف المذهبي‪:‬‬
‫لم تكن تلك الكلمات التي أرسلها قادة الث ورة اإلس المية وفقهاؤه ا ح ول اح ترام‬
‫جميع المذاهب اإلسالمية‪ ،‬واعتبارها وأهلها جزءا أصيال من األمة اإلس المية‪ ،‬مج رد‬
‫كلمات ال معنى لها‪ ،‬ب ل ك انت كلم ات ذات مع نى‪ ،‬وداللته ا تحققت في الواق ع بأجم ل‬
‫صورها التي ال نجد مثلها لألسف في واقع المدارس السنية نفسها‪.‬‬
‫وكمثال على ذلك؛ فإن إيران تتواجد فيها ـ مثل جميع الدول اإلس المية ـ الكث ير‬
‫من الطرق الصوفية‪ ،‬وفيها الكثير من األضرحة المرتبط ة بهم‪ ،‬ذل ك أنه ا ك انت مه دا‬
‫للتصوف في جميع مراحل تاريخها‪ ،‬ومع ذلك لم نسمع أن ض ريحا فُج ر‪ ،‬أو أن ش يخا‬

‫‪ )(1‬المرجع السابق‪.‬‬
‫‪ )(2‬المرجع السابق‪.‬‬
‫‪ )(3‬من خطاب ألقاه الخامنئي بمناسبة والدة الرسول األكرم ‪ ،‬بتاريخ ‪ ،17/12/2016‬موقع الخامنئي‪.‬‬

‫‪174‬‬
‫من مشايخ الصوفية أوذي‪ ،‬أو ذبح‪ ،‬مثلم ا يحص ل في الواق ع الس ني‪ ،‬ب ل نج دهم على‬
‫عكس ذل ك ي ؤدون أورادهم‪ ،‬ويقيم ون مج امعهم بحري ة ال يج دون له ا م ثيال في ك ل‬
‫الدول اإلسالمية التي ينتشر فيها العنف والتطرف‪.‬‬
‫وهكذا نجد في المناطق الس نية في إي ران الم دارس الفقهي ة‪ ،‬وبجنبه ا الم دارس‬
‫العقدية‪ ،‬التي ال تزال ت ؤدي دوره ا كم ا أدت ه في س ائر مراح ل الت اريخ‪ ،‬ولم يف رض‬
‫عليه ا أح د أن ت ترك ت دريس م ذاهبها‪ ،‬أو أن تتركه ا لتل تزم غيره ا‪ ،‬ولم يرمه ا أح د‬
‫بالبدع ة مثلم ا يفع ل المتطرف ون عن دنا‪ ،‬وال ذين يرم ون الزواي ا واألزه ر والق رويين‬
‫والزيتونة بكونها مدارس بدعة‪.‬‬
‫وس ر ذل ك األمن ال ذي تعيش ه تل ك المن اطق ه و تش دد النظ ام اإلي راني م ع‬
‫المتط رفين‪ ،‬ال ذين يحتك رون لقب [الس نة] لهم؛ فل ذلك يُمنع ون من انف رادهم بمس اجد‬
‫خاصة بهم‪ ،‬حتى ال تصبح تلك المساجد مساجد ضرار‪ ،‬وهذا ما يفسر موقف السلطات‬
‫اإليرانية من مسجد طهران الذي أغل ق بس بب تحول ه إلى مس جد ض رار‪ ،‬يجتم ع في ه‬
‫السلفيون‪ ،‬مثلما يجتمعون في المساجد الخاصة بهم في بالدنا ليثيروا الفتن‪.‬‬
‫وذلك التصرف الذي أث ار ض جة كب يرة من المغرض ين مب ني على حكم الفقهي‬
‫مرتبط بأمثال هذه المساجد عن د جمي ع الم دارس اإلس المية‪ ،‬وه و غلقه ا أو منعه ا أو‬
‫﴿والَّ ِذينَ‬
‫هدمها‪ ،‬ائتمارا بما ورد في القرآن الكريم عن مسجد الضرار‪ ،‬كما قال تع الى‪َ :‬‬
‫ب هَّللا َ َو َر ُس ولَهُ‬ ‫ض َرارًا َو ُك ْفرًا َوتَ ْف ِريقًا بَ ْينَ ْال ُم ْؤ ِمنِينَ َوإِرْ َ‬
‫ص ادًا لِ َم ْن َح ا َر َ‬ ‫اتَّ َخ ُذوا َم ْس ِجدًا ِ‬
‫ُس نَى َوهَّللا ُ يَ ْش هَ ُد إِنَّهُ ْم لَ َك ا ِذبُونَ (‪ )107‬اَل تَقُ ْم فِي ِه أَبَ دًا‬‫ِم ْن قَ ْب ُل َولَيَحْ لِفُ َّن إِ ْن أَ َر ْدنَ ا إِاَّل ْالح ْ‬
‫ق أَ ْن تَقُو َم فِي ِه فِي ِه ِر َج ا ٌل ي ُِحبُّونَ أَ ْن يَتَطَهَّرُوا‬ ‫ِّس َعلَى التَّ ْق َوى ِم ْن أَ َّو ِل يَوْ ٍم أَ َح ُّ‬ ‫لَ َم ْس ِج ٌد أُس َ‬
‫َوهَّللا ُ يُ ِحبُّ ْال ُمطَّه ِِّرينَ (‪[ ﴾)108‬التوبة‪]108 ،107 :‬‬
‫وورد في الكثير من المصادر السنية ما يبين كيفية تعامل رسول هللا ‪ ‬مع ه ذا‬
‫النوع من المساجد؛ فقد جمع الحاف ظ ابن كث ير في تفس ير اآلي تين الس ابقتين الرواي ات‬
‫الكثيرة في ذل؛‪ ،‬فقال‪( :‬سبب نزول هذه اآليات الكريمات ‪ :‬أنه كان بالمدين ة قب ل َمق دَم‬
‫رسول هللا ‪ ‬إليها رجل من الخزرج يقال له أبو عامر الراهبُ ‪ ..‬فلما قَ دم رس و ُل هللا‬
‫‪ ‬مهاجرًا إلى المدينة ‪ ،‬واجتم ع المس لمون علي ه ‪ ،‬وص ارت لإلس الم كلم ة عالي ة ‪،‬‬
‫وأظهرهم هللا يوم بدر ‪َ ،‬ش ِرق اللعين أبو عامر بريقه ‪ ،‬وبارز بالعداوة ‪ ،‬وظ اهر به ا ‪،‬‬
‫وخرج فا ًّرا إلى كف ار مك ة من مش ركي ق ريش ‪ ،‬ف ألَّبهم على ح رب رس ول هللا ‪.. ‬‬
‫ورأى أم َر الرسول ‪ ‬في ارتفاع وظهور ‪ ،‬ف ذهب إلى هرق ل مل ك ال روم يستنص ره‬
‫على النبي ‪ ،‬فوعده و َمنَّاه ‪ ،‬وأقام عن ده ‪ ،‬وكتب إلى جماع ة من قوم ه من األنص ار‬
‫من أهل النفاق والريب يعدهم ويُمنَّيهم أنه سيقد ُم بجيش يقاتل به رس ول هللا ‪ ‬ويغلب ه‬
‫ويرده عما هو فيه ‪ ،‬وأمرهم أن يتخذوا له َمعقال يقدم عليهم فيه من يقدم من عنده ألداء‬
‫ُكتُبه ‪ ،‬ويكونَ مرص دًا ل ه إذا ق دم عليهم بع د ذل ك ‪ ،‬فش رعوا في بن اء مس جد مج اور‬
‫لمسجد قباء ‪ ،‬فبنوه وأحكموه ‪ ،‬وفرغوا منه قبل خروج الن بي ‪ ‬إلى تب وك ‪ ،‬وج اءوا‬
‫فس ألوا رس ول هللا ‪ ‬أن ي أتي إليهم فيص لي في مس جدهم ‪ ،‬ليحتج وا بص الته علي ه‬
‫السالم فيه على تقريره وإثباته ‪ ،‬وذكروا أنهم إنما بن وه للض عفاء منهم وأه ل العل ة في‬

‫‪175‬‬
‫الليلة الشاتية ‪ ،‬فعصمه هللا من الصالة فيه فقال ‪ ( :‬إنا على س فر ‪ ،‬ولكن إذا رجعن ا إن‬
‫شاء هللا ) ‪ ،‬فلما قفل عليه السالم راجعًا إلى المدينة من تبوك ‪ ،‬ولم يبق بين ه وبينه ا إال‬
‫يوم أو بعض يوم ‪ ،‬نزل عليه الوحي بخبر مسجد الضِّ رار ‪ ،‬وما اعتمده بانوه من الكفر‬
‫والتفريق بين جماعة المؤمنين في مسجدهم مسجد قب اء ال ذي أس س من أول ي وم على‬
‫التقوى ‪ ،‬فبعث رسول هللا ‪ ‬إلى ذلك المسجد من هَدَمه قبل مقدمه المدينة)(‪)1‬‬
‫هذا ما ذكره ابن كثير‪ ،‬وما ذكره قبل ه وبع ده الكث ير من العلم اء ال ذين اع ترفوا‬
‫بصحة هذه القصة‪ ،‬وقد تعمدنا ذكرنا هنا لنبين أن المساجد ليست ببنائها‪ ،‬وإنما بالتقوى‬
‫واإليمان الذي وجد فيها؛ فإذا تحول المساجد إلى أداة للفتن ة‪ ،‬فإن ه ال خ ير في ه‪ ،‬ب ل إن‬
‫دور المالهي والفجور حينها تكون أفضل منه‪.‬‬
‫لهذا‪ ،‬فإن الصور التي يبثها البعض حول مسجد مهدوم في إيران‪ ،‬نجد مثلها في‬
‫كل بالد المسلمين؛ فال يمكن ألي دولة تحترم نفس ها أن تغض الط رف عن دع اة الفتن‬
‫والتحريض الطائفي دون أن تقطع دابرهم‪ ،‬أو تص د فتنتهم‪ ،‬ح تى ل و اتخ ذوا المس اجد‬
‫مالجئ لهم‪ ،‬مثلما فعل أولئك المنافقون الذي أمر رسول هللا ‪ ‬بهدم مسجدهم‪ ،‬وجع ل‬
‫ذلك سنة يتوالها كل حاكم صالح بعده‪ ،‬حتى ال يُتخذ الدين‪ ،‬وشعائر هللا محال للفتنة‪.‬‬
‫ولذلك؛ فإن الذين يصيحون بأن إي ران تمن ع مس اجد الس نة محق ون في ذل ك إن‬
‫قصدوا مثل تلك المساجد التي ال تمت للسنة بصلة‪ ،‬وإنما هي مساجد فتنة‪ ،‬وأما غيرها‬
‫من المساجد التي يجتمع فيها عامة المسلمين يحترم بعضهم بعضا؛ فال أحد يمنع ذلك‪.‬‬
‫وفوق ذلك كله نرى المساجد في إيران ال تمنع مرتادا له ا س واء ك ان من الس نة‬
‫أو الشيعة؛ فالمساجد هلل‪ ،‬ومتى أدركت المصلي الصالة ص لى من غ ير أن يس أل‪ :‬ه ل‬
‫هذه مساجد سنة‪ ،‬أم مساجد شيعة؟‬
‫وقد ورد في الشهادات الكثيرة المتواترة ما يدل على هذا‪ ،‬وس ننقل هن ا بعض ها‪،‬‬
‫ولمن ش اء أن يت ورع في الحكم على م ا نق ول ال ينبغي أن يبت بش يء‪ ،‬ال س لبا وال‬
‫إيجابا‪ ،‬بل عليه قبل أن يفعل ذلك أن يذهب إلى إيران‪ ،‬وإلى المناطق التي يتواج د فيه ا‬
‫السنة‪ ،‬ليستعلم حقيقة األمر‪.‬‬
‫وأول الشهادات‪ ،‬هو ما ذكرته وكاالت األنباء؛ فقد أف ادت [وكال ة مه ر لألنب اء]‬
‫أنه عقب انتشار شائعة عدم وجود مسجد ألهل السنة بطه ران‪ ،‬وه دم مس جد ومص لى‬
‫ألهل السنة في العاصمة‪ ،‬أوضح مركز متابع ة ش ؤون المس اجد بأن ه يوج د ‪ 9‬مس اجد‬
‫ألهل السنة في طهران(‪ ،)2‬وقال‪( :‬ان هدم مركز باسم مصلى كان بسبب نقض القانون‬
‫‪ )(1‬تفسير ابن كثير (‪)211 /4‬‬
‫‪ )(2‬هذه محال مساجد ألهل السنة في طهران لمن يريد أن يتأكد‪:‬‬
‫‪ -1‬مسجد صادقية‪ ،‬الكائن في الساحة الثانية بحي الصادقية‬
‫‪ -2‬مسجد طهران بارس‪ ،‬الكائن في شارع دالوران‬
‫‪ -3‬مسجد مدينة قدس‪ ،‬الواقع في الكيلومتر ‪ ٢٠‬على طريق كرج القديم‬
‫‪ -4‬مسجد الخليج الفارسي الواقع في طريق فتح السريع‬
‫‪ -5‬مسجد النبي‪ ،‬الكائن في حي دانش‬
‫‪ -6‬مسجد هفت‌جوب‪ ،‬الواقع في طريق مالرد‬

‫‪176‬‬
‫وتغيير استخدامه‪ ،‬وأن هذا المركز كان يعمل لترويج بعض األفكار المتطرفة‪ ،‬وحسب‬
‫عقيدة الناشطين الدينيين‪ ،‬فإن المسجد يطلق على مكان العبادة الذي تقام فيه الص لوات‪،‬‬
‫ويك ون مرك زا لمراجع ة جمي ع االش خاص‪ ،‬فالمس جد بيت هللا وه و مك ان العب ادة‪،‬‬
‫وإطالق تسمية مسجد الشيعة أو مسجد الس نة هي تس مية خاطئ ة‪ ،‬ألن الش يعة يص لون‬
‫في مساجد السنة‪ ،‬وكذلك أهل السنة يصلون في مساجد الشيعة‪ ،‬لذا فان نش ر الش ائعات‬
‫وتلفيق االخبار‪ ،‬يؤدي إلى الخالفات المذهبية)(‪)1‬‬
‫كما ذكرت الوكاله أنه (يوجد ألهل الس نة في إي ران اك ثر من ‪ 15‬أل ف مس جد‪،‬‬
‫وهي أكثر من مساجد الشيعة‪ ،‬وعلى هذا األساس يجب االلتفات إلى أن تخريب مرك ز‬
‫متطرف ج اء بع د ع دة إن ذارات وجهته ا بلدي ة طه ران إلى ه ؤالء االش خاص ال ذين‬
‫ارتكبوا المخالفة القانونية‪ ،‬ففي العام الماضي تم اغالق هذا المصلى الك ائن في منطق ة‬
‫بونك من قبل المراجع القانوني ة‪ ،‬بس بب نقض الق وانين وتحول ه إلى مرك ز لألج انب‪،‬‬
‫وبالرغم من توجيه إنذارات العام الماضي فإن هذا المصلى عاود نشاطه غير الق انوني‬
‫حيث تم تخريبه بحكم قضائي‪ ،‬فالمصلى المذكور تشكل من عدد من الوحدات الس كنية‬
‫حيث تم تأجيره من قبل بعض االشخاص على أنها مكان سكني‪ ،‬ثم تم تغيير اس تخدامه‬
‫وتح ول إلى مص لى‪ ،‬وأن ه ؤالء ك انوا يبغ ون من وراء ذل ك ت رويج بعض االفك ار‬
‫المتطرفة‪ ،‬وفي السنوات الماضية قامت األجهزة المعنية باغالق أو هدم بعض االماكن‬
‫الدينية حسب الظاهر ولكنها في الحقيقة متطرفة‪ ،‬وكان من بينها حسينية في مدين ة قم)‬
‫(‪)2‬‬
‫وهذا ما يذكرنا بما وق ع في الجزائ ر أي ام الفتن ة‪ ،‬حيث ك انت المس اجد لألس ف‬
‫مراكز لها‪ ،‬مما اضطر السلطات إلى هدمها‪ ،‬ومثله يحصل في جميع البالد اإلسالمية‪،‬‬
‫فال يمكن ألي دولة تحترم نفسها أن تغض الطرف عمن يهدد السلم العام‪.‬‬
‫وورد في خبر آخر ذكره موقع تابناك االخباري اإليراني نقال عن محمد ص ادق‬
‫عرب نيا ـ مدير هيئة التخطيط للمدارس الدينية السنية في إيران ـ أن هناك م ا يق ارب‬
‫‪ 13000‬مس جدا أله ل الس نة في إي ران‪ ،‬و‪ 13000‬رج ل دين س ني يقوم ون بإقام ة‬
‫الفرائض في هذه المساجد‪.‬‬
‫وذكر أن المقارنة البسیطة بين عدد مساجد الس نة والش يعة في إي ران تظه ر أن‬
‫هناك مسجدا واحد لكل ‪ 2500‬مواطن شيعي‪ ،‬وبالمقابل مسجد واحد لكل ‪ 500‬مواطن‬
‫سني‪.‬‬
‫وذكر أن الدستور اإليراني ال ينظر إلی أهل السنة كأقلي ة ديني ة ألنهم مس لمون‪،‬‬

‫‪ -7‬مسجد وحيدية‪ ،‬الكائن في شهريار‬


‫‪ -8‬مسجد نسيم شهر‪ ،‬الكائن في حي اكبرآباد‬
‫‪ -9‬مسجد رضي‌آباد‪ ،‬الواقع في مفترق طرق شهريار‪.‬‬
‫‪ )(1‬انظر‪ :‬مركز متابعة شؤون المساجد‪ :‬اهل الس نة ل ديهم ‪ 9‬مس اجد في طه ران واك ثر من ‪ 15‬ال ف مس جد في‬
‫إيران‪ ،‬وكالة مهر لالنباء‪ ٥ ،‬أغسطس ‪..١٨:٥٩ - ٢٠١٥‬‬
‫‪ )(2‬المرجع السابق‪.‬‬

‫‪177‬‬
‫وبل دنا إس المي‪ ،‬والمس لمون هم األكثري ة في ه ذا البل د‪ ،‬وهن اك محافظ ات في البالد‬
‫أغلبيته ا ش يعة‪ ،‬لكن أه ل الس نة هم األكثري ة في مجالس ها البلدي ة‪ ،‬ألن الترش يح‬
‫واالنتخابات ال تتم على أسس طائفية(‪. )1‬‬
‫قد ال يقبل البعض هذه األخبار بحجة كونها من وك االت أنب اء إيراني ة‪ ،‬م ع أنهم‬
‫لألس ف يقبل ون من وك االت األنب اء الفرنس ية واألمريكي ة والبريطاني ة ب ل ح تى من‬
‫اإلسرائيلية‪ ،‬ولكن إيران عندهم دائما كاذبة‪ ،‬وكل ما تفعله خذاع‪ ،‬ولهذا سننقل شهادات‬
‫من جهات أخرى ربما تكون صادقة عندهم‪.‬‬
‫وأولها تلك الرسالة التي أرسلها جمع من علماء أهل الس نة في إي ران إلى مف تي‬
‫مصر األعلى الش يخ ش وقي عالم ردا على الش بهات ال تي أث يرت بش أن أوض اع أهل‬
‫السنة في إيران؛ فق د اعت برت ه ذه الشخص يات الب ارزة من الس نة اإليران يين أن تل ك‬
‫الشبهات تنجم عن عدم اإلحاطة بحقائق األمر وأحوال أهل السنة في إيران‪ ،‬ت أثرا بم ا‬
‫تعكسه وسائل اإلعالم المعادية للجمهورية اإلسالمية في إيران‪.‬‬
‫وهذا نص الرسالة‪ ،‬والتي ذك روا في آخره ا أس ماء مرس ليها ‪( : 2‬بع د أطیب‬
‫)‬ ‫(‬
‫التحیات‪ ،‬نحن علماء أهل السنة في إیران نفتخر ب األزهر الش ریف ونع تز ب دار إفت اء‬
‫الدیار المصریة وذلک لما شاهدنا من المواقف الحکیمة والمعتدلة له ا ح ول الح وادث‬
‫المتع ددة ال تي وقعت في مص ر وس ائر بالد الع الم اإلس المي حیث نت ابع البیان ات‬
‫الصادرة منهما إلی اآلن‪ ،‬کم ا ن ری من واجبن ا تق دیم الش کر لکم علی إص دار البیان‬
‫حول إدانة الهجوم اإلرهابي الذي ارتکبه التکفیر الداعشي المجرم في مجلس الشوری‬
‫اإلسالمي ومرقد اإلمام الخمیني في طهران)‬
‫ثم ذك روا م ا فعل ه المتطرف ون بهم‪ ،‬وال ذين ال يفرق ون في هجم اتهم بين الس نة‬
‫والش يعة‪ ،‬فكت وا‪( :‬طیل ة س نوات ونحن نع اني من الفک ر التکف یري وال ذي یس تهدف‬
‫‪ )(1‬مقارنة بين مساجد السنة والشيعة في إيران‪ ،‬موقع تحرير‪ ،‬انشأ بتاريخ‪ 28 :‬تشرين‪/2‬نوفمبر ‪..2016‬‬
‫‪ )(2‬وهذه أسماؤهم لمن شاء االتصال بهم للتأكد‪:‬‬
‫‪-‬المولوی الدکتور نذیر أحمد سالمی؛ ممثل اهل السنة فی محافظة سیستان وبلوتشستان‬
‫‪-‬الماموستا فایق رستمی؛ ممثل محافظة کردستان فی مجلس خبراء القیادة‬
‫‪-‬الماموستا عبدالرحمن خدایی؛ الممثل السابق لمحافظة کردستان فی مجلس خبراء القیادة وامام الجمعة أله ل الس نة‬
‫فی سنندج‪.‬‬
‫‪-‬الشیخ قربان محمد اونق؛ عض و مجلس التخطیط لم دارس العل وم الدینیة أله ل الس نة والعض و الب ارز فی الهيئ ة‬
‫الفقهیة ألهل السنة فی شمال ایران‪.‬‬
‫‪-‬المولوی الدکتوراسحاق مدنی؛ المستشار السابق للرئیس االیرانی لشوءون أهل السنة‪.‬‬
‫‪-‬الماموستا مال قادر قادری؛ عضو مجلس التخطیط لمدارس العلوم الدینیة ألهل السنة وامام الجمعة أله ل الس نة فی‬
‫مدینة باوة‪.‬‬
‫‪-‬المولوی الدکتورعبدالرحمن سربازی؛ عضو مجلس التخطیط لمدارس العلوم الدینیة ألهل السنة وام ام الجمع ة فی‬
‫مدینة تشابهار‪.‬‬
‫‪-‬الشیخ خلیل افرا؛ عضو مجلس التخطیط لمدارس العلوم الدینیة ألهل السنة ورئیس هیئ ة االفت اء وعلم اء الس نة فی‬
‫محافظة بوشهر‪.‬‬
‫شرفالدین جامی االحمدی؛ عضو مجلس التخطیط لمدارس العلوم الدینیة ألهل السنة وامام الجمعة تربت‬ ‫‌‬ ‫‪-‬المولوی‬
‫جام‪.‬‬
‫المصدر‪ :‬وكالة مهر لألنباء‪.‬‬

‫‪178‬‬
‫بالتفجیرات والعملیات اإلرهابیة السنة والشیعة معا‪ ،‬فإن هوالء المج رمین التکف یریین‬
‫اغتالوا کثیرا من علماءنا في ایران والذي کان منهم سماحة المفتي الکبیر أله ل الس نة‬
‫الشوافع في محافظة کردستان الشیخ الشهید محمد شیخ اإلسالم وزمیل ه الش یخ الش هید‬
‫برهان عالي إمام جمعة الشافعیة)‬
‫ثم راحوا يفندون ما أورده المفتي المصري من دون علم عن أوضاع أهل السنة‬
‫في إي ران‪ ،‬فكتب وا يقول ون‪( :‬ولکن م ا یؤس فنا ه و أنن ا ن ری أن البیان الص ادر عن‬
‫داراإلفتاء حول الهجمات اإلرهابیة في طهران یحم ل معلوم ات خاطئ ة خاص ة ح ول‬
‫أوضاع أهل السنة في ایران‪ ،‬والذي هو غیر موافق للواق ع‪ ،‬وب الطبع لم یکن ذل ک إال‬
‫عن الشفقة علینا‪ ،‬ولکن من الواضح والجلي أنن ا أه ل الس نة في وطنن ا إیران أع رف‬
‫وأدری بأحوالنا ممن یعیش في الخارج ولیس له معلوم ات ص حیحة إال ع بر األخب ار‬
‫ق َش ْيئًا ﴾‬ ‫الظنیة والدعایات اإلعالمیة المفبرک ة وأن ﴿ الظَّ َّن َوإِ َّن الظَّ َّن اَل يُ ْغنِي ِمنَ ْال َح ِّ‬
‫[النجم‪ ]28 :‬وإذا أساء مسلم بأخیه ظنا غیرواقع ربما یص یر مص داقا ل ه ﴿يَاأَيُّهَ ا الَّ ِذينَ‬
‫ْض الظَّنِّ إِ ْث ٌم ﴾ [الحجرات‪) ]12 :‬‬ ‫آ َمنُوا اجْ تَنِبُوا َكثِيرًا ِمنَ الظَّنِّ إِ َّن بَع َ‬
‫ثم راحوا يضربون له بعض األمثلة على األخطاء التي وقع فيها المف تي وغ يره‬
‫ممن يتحدثون عن أه ل الس نة في إي ران؛ فق الوا‪( :‬فعلی س بیل المث ال منطق ة األه واز‬
‫محافظة یسکنها العرب الش یعة في ایران [وس كانها ليس وا س نة]‪ ،‬وه ذا یدل علی أن‬
‫المصدر الذي یرسل إلیکم المعلومات حول ایران وأهل الس نّة ه و بعید ک ل البع د عن‬
‫المعلوم ات الص حیحة حیث یزودکم بمعلوم ات خاطئ ة أو مفبرک ة وفي نفس ال وقت‬
‫یتجاهل محافظة کردستان التي تعتبر العمود الفقري ألهل السنة في ایران)‬
‫ثم راحوا يذكرون له األوضاع الحقيقة ألهل السنة في إيران؛ فقالوا‪( :‬نحن أه ل‬
‫الس نة في ایران یص ل عدیدنا إلی ع دة مالیین نس مة نس کن في محافظ ات متع ددة‪،‬‬
‫ویوج د عن دنا أک ثر من ‪ 16000‬مس جد‪ ،‬وع دد طالبن ا في الم دارس الدینیة یتج اوز‬
‫‪ 12000‬طالبا‪ ،‬حیث یدرس جمیعهم فقه أهل الس نة والجماع ة من الش افعیة والحنفیة‪،‬‬
‫وهذا العدد من المساجد والمدارس والطالب ارتفع إلی عشرة أضعاف بالنس بة إلی م ا‬
‫کنا علیه قبل إنتصار الثورة اإلسالمیة بقیادة اإلمام الخمیني‪ ،‬والریب أن ک ل ذل ک لم‬
‫یتیسر إن لم یکن الدعم من حکومة الجمهوریة اإلسالمیة)‬
‫ثم ذكروا له الحقوق السياسية التي يتمتعون بها؛ فقالوا‪( :‬نحن أه ل الس نة نتمت ع‬
‫بکام ل الحریة في ترش یح الن واب للبرلم ان‪ ،‬وک ذلک مجلس الخ براء الختیار ولی‬
‫الفقیه‪ ،‬حیث لن ا اآلن أک ثر من ‪ 20‬نائب ا في البرلم ان‪ ،‬وک ذلک القض اة في مح اکم‬
‫المحافظات التي نس کن فیه ا نحن الغالبیة الس نیة هم من علمائن ا یقض ون بینن ا بالفق ه‬
‫الشافعي أو الحنفي)‬
‫ثم ختم وا رس التهم بدعوت ه إلى اإلنص اف والتح ري قب ل إطالق الفت اوى‬
‫والبيان ات‪ ،‬وأال يعتم د اإلعالم المض لل‪ ،‬فق الوا‪( :‬ه ذا نم وذج من مواق ف رؤس اء‬
‫الجمهوریة اإلسالمیة قبال مواطنیهم من أهل السنة؛ فهل من اإلنصاف أن نص ف ه ذا‬
‫العمل بالظلم!؟ وهل تتوقعون من العالم الحکیم المعتدل أن ینسب الظلم إلی الحک ام في‬

‫‪179‬‬
‫نظامنا اإلسالمی اإلیرانی‪ ،‬وینشر ذلک في الجرائد والعالم فقط بناء علی ما س معه في‬
‫اإلعالم!؟)‬
‫وفي آخر الرسالة دعوه لزيارتهم‪ ،‬وزيارة المناطق السنية ليتأكد بنفس ه؛ فق الوا‪:‬‬
‫(في نهایة المط اف ن دعوا س ماحتکم باس م علم اء الس نة والجماع ة في الجمهوریة‬
‫اإلس المیة االیرانیة لتش رفونا‪ ،‬أو من یمثلکم بالزیارة إلی إیران لإلطالع بص ورة‬
‫مباشرة علی مدی الحریة الدینیة واإلجتماعیة والثقافیة التي نتمتع بها الس نة في وطنن ا‬
‫إیران)‬
‫ونفس هذه الخاتمة نقولها لكل من يدعي الورع والتقوى بأن يذهب إلى المن اطق‬
‫السنية في إيران‪ ،‬وهناك يعاين الوضع بنفسه‪ ،‬وحينها يحكم بما يشاء‪.‬‬
‫الس نة في إي ران الش يخ‬
‫ومن الشهادات المرتبطة بهذا شهادة رئيس هيئة علم اء ُ‬
‫عب دالرزاق البخ اري‪ ،‬فق د أوردت الص حف المختلف ة ه ذا الخ بر‪( :‬نفى رئيس هيئ ة‬
‫الس نة في إي ران الش يخ عب د ال رزاق البخ اري (‪ )1‬أن يك ون الس نة في إي ران‬‫العلماء ُ‬
‫مض طهدين‪ ،‬مؤك داً ب انهم يعيش ون جنب ا ً إلى جنب م ع الش يعة في ظ ل من العدال ة‬
‫والمساواة في الحقوق والواجبات‪ ..‬وأن لديهم مراك ز ديني ة وح وزات علمي ة مناهجه ا‬
‫تط ابق المن اهج الدراس ية في األزه ر الش ريف والمدين ة المن ورة وس ورية‪ ،‬وأب دى‬
‫البخاري استياءه في لقاء مع «ال وطن» خالل مش اركته في «ملتقى اإلخ وة اإلس المية‬
‫الثالث»‪ ،‬من االشاعات التي تطلق جزافا ً دون التحق ق من بعض م ا ي دور في الس احة‬
‫الس نة والش يعة يعيش ون تحت راي ة التوحي د‬ ‫مطالبا ً بالتحقيق والتدقيق‪ ،‬مش يراً إلى أن ُ‬
‫والش هادتين واإلخ وة في اإلس الم‪ ،‬حيث أن الحكوم ة اإليراني ة بع د الث ورة اإلس المية‬
‫استطاعت التأليف بين المسلمين وإذابة المشاكل التي كانت فترة الشاه)‬
‫وعن سؤال حول وض ع المس لمين س نة وش يعة بع د قي ام الث ورة اإلس المية في‬
‫إيران‪ ،‬أجاب بقوله‪( :‬هناك الكثير من االيجابيات بع د انتص ار الث ورة اإلس المية‪ ،‬فق د‬
‫الس نة والش يعة خالل حكم الش اه‪ ،‬ولكن بع د انتص ار‬‫ذابت الخالف ات ال تي ك انت بين ُ‬
‫الثورة اإلس المية أعلن الس يد الخمي ني في كاف ة الص حف ب أن المس لمين ُس نة وش يعة‬
‫جميعهم إخوة متساوون في الحقوق والواجبات‪ ،‬ومنع اهانة البعض معتبراً ان من يقوم‬
‫بهذا العمل ليس سنيا وال ش يعيا‪ ،‬حيث أن األم ة اإلس المية تجتم ع على كلم ة التوحي د‬
‫والشهادتين «ال إله إال هللا محمد رسول هللا»‪ ،‬وأن من دخل اإلس الم ونط ق الش هادتين‬
‫فق د عص م نفس ه وعرض ه ومال ه وجميعهم إخ وة في اإلس الم ويجب عليهم الت آلف‬
‫والمحبة وفقا ً لما جاء في القرآن الكريم وكذلك االحاديث النبوية الشريفة)‬
‫ثم ذكر ك ثرة المش تركات ال تي تجم ع جمي ع المس لمين س نتهم وش يعتهم؛ فق ال‪:‬‬
‫(والجميع يدرك ب أن هن اك اختالف ا ً في الم ذهب الس ني وبين الم ذاهب االربع ة‪ ،‬ولكن‬
‫نلتقي ونجتمع على كلم ة التوحي د والعقي دة الواح دة‪ ،‬كم ا أن الجمي ع ي ؤدون العب ادات‬
‫والفرائض‪ ،‬وهذا ما هو موجود بين السنُة والشيعة‪ ،‬والمعروف أن االختالفات الفرعية‬
‫‪ )(1‬الشيخ عبد الرزاق البخاري‪ :‬مفتي وخطيب الجامع‪ ،‬وعضو المجمع الع المي للتق ريب بين الم ذاهب‪ ،‬ورئيس‬
‫الجالية الشرعية العرفانية ألهل السُنة والجماعة‪..‬‬

‫‪180‬‬
‫االجتهادية ال ت دخل ض من الخالف ات وال نزاع بين اإلخ وة المس لمين الس نة والش يعة‪،‬‬
‫ويمكن الوص ول لح ل ه ذه الخالف ات الفرعي ة عن طري ق الح وار والمناقش ة وإب داء‬
‫الرأي‪ ،‬ولكن المهم ان الجميع متفقون على المحور االساسي أال وهو كلمة التوحيد)‬
‫ودعا في األخ ير إلى الموض وعية واألن اة والبع د عن التعص ب؛ فق ال‪( :‬أناش د‬
‫اإلخوة في اإلسالم االبتعاد عن التعصب والتحجر في الرأي‪ ،‬وأجزم بأن هذه الخالفات‬
‫أو من يقوم بها تأتي عن طريق الجهل‪ ،‬ألن العقالء ملتزمون ب األخوة اإلس المية‪ ،‬كم ا‬
‫ون﴾ [المؤمن ون‪،]52 :‬‬ ‫جاء في القرآن الكريم ﴿ َوإِ َّن هَ ِذ ِه أُ َّمتُ ُك ْم أُ َّمةً َو ِ‬
‫اح َدةً َوأَنَا َربُّ ُك ْم فَ اتَّقُ ِ‬
‫إذا االساس هو التقوى والعبادة وليس السُنة أو الشيعة‪ ،‬فالمنزلة عن طريق التقوى كم ا‬
‫قال هللا تعالى‪﴿ :‬إِ َّن أَ ْك َر َم ُك ْم ِع ْن َد هَّللا ِ أَ ْتقَا ُك ْم ﴾ [الحجرات‪ ،]13 :‬ل ذا األس اس ه و التق وى‬
‫حيث أن ه ال ف رق بين ع ربي أو أعجمي‪ ،‬وال أس ود وال أبيض اال ب التقوى‪ ،‬ول ذلك‬
‫وب رغم ك ون الحكوم ة اإليراني ة ش يعية إال أن الجمي ع سواس ية أم ام الق انون؛ فالس نة‬
‫والشيعة جميعهم إخوان في الدين والوطنية)‬
‫ومع صدق هذه الشهادة وأمثالها كثير‪ ،‬نجد المغرضين يتفلتون منها‪ ،‬ويحتج ون‬
‫بأن النظ ام اإلي راني اس تطاع أن يخ دع علم اء إي ران‪ ،‬وأن يش تري ذممهم‪ ،‬وهك ذا ال‬
‫ينجو النظام اإليراني مهما فعل‪ ،‬مع العلم أن شهادة الشيخ عب د ال رزاق البخ اري ال تي‬
‫ذكرنا بعضها أدلى بها في الكويت‪ ،‬ومن غير أن يغصبه أحد عليها‪.‬‬
‫هذا بالنسبة لشهادات علماء ال دين من المدرس ة الس نية في إي ران‪ ،‬أم ا ش هادات‬
‫السياس يين‪ ،‬فكث يرة ن ذكر منه ا ش هادة رئيس تكت ل أه ل الس نة في مجلس الش ورى‬
‫اإليراني(‪ ، )1‬والذي صرح في حوار أجري مع ه أن ه (أن الجماع ات التكفيري ة‪ ،‬ال تي‬
‫باتت أداة رئيسية في الحرب التي تشهدها المنطقة‪ ،‬ال یربطها أي عالق ة بأه ل الس نة)‬
‫(‪)2‬‬
‫وذكر في تصريحه الذي أدلى ب ه في لبن ان عن أوض اع أه ل الس نة في إي ران؛‬
‫فقال‪( :‬نحن أهل السنة في ایران لدینا رؤیة مشتركة عن اإلس الم م ع إخوانن ا الش یعة‪،‬‬
‫وال نش عر بف رق كب یر بینن ا‪ ،‬هن اك ‪ 31‬محافظ ة في ایران‪ ،‬ون ری في جمیع ه ذه‬
‫المحافظ ات انتش اراً أله ل الس نة ح تی في بعض المحافظ ات كمحافظ ة «سیس تان‬
‫وبلوشستان» أو محافظة «آذربیجان» أو «غلستان» أو محافظة «فارس» أو ح تی في‬
‫محافظة «خراسان» عدد أهل السنة یفوق عدد إخواننا الشیعة‪ ،‬ولم نشهد طوال التاریخ‬
‫حتی الیوم أي خالفات بین السنة والشیعة‪ ،‬ألننا نلتزم بشعار ومنهج وفكر مفاده أنه ل و‬
‫قلنا إن الشیعة تع ني الحب آلل بیت رس ول هللا ‪ ،‬فنحن جمیعن ا ش یعة‪ ،‬ول و قلن ا إن‬
‫السنة تعني العمل بسنة رسول هللا ‪ ،‬فجمیعنا من أتباع السنة‪ ،‬نحن ن ری أن الخالف‬
‫بین السنة والشيعة یسبب في إضعاف اإلسالم برمته)‬

‫‪ )(1‬هو د‪ .‬عابد فتاحي‪ ،‬طبیب عیون‪ ،‬ورئیس لتکت ل أه ل الس نة في مجلس الش ورى اإلس المي اإلي راني‪ .‬ممث ل‬
‫مدینة أرومیة‪ ،‬مركز محافظة أذربیجان الغربیة‪ ،‬في المجلس‪..‬‬
‫‪ )(2‬رئيس تكتل أهل السنة في إيران‪ :‬ال عالقة للتكفيريين بالسنة ولم نختلف مع الشيعة يوم ا‪ ،‬موق ع المن ار‪-04 ،‬‬
‫ً‬
‫‪.2015-06‬‬

‫‪181‬‬
‫ثم ذكر مدى التسامح والفكر الوحدوي لدى الشيعة في إيران مقابل التش دد ال ذي‬
‫يبديه الكثير من أهل السنة؛ فقال‪( :‬قبل عدة أسابیع حدثت ع دة تفج یرات في الس عودیة‬
‫وباكس تان وأفغانس تان والع راق‪ ،‬راح ض حیتها ع دد من إخوانن ا الش یعة ال ذین ك انوا‬
‫مجتمعین في المساجد من أج ل الص الة‪ ،‬وه ذه العملیات االنتحاریة لم ت ؤد إلی ردود‬
‫فعل من قبل إخواننا الشیعة داخل ایران ضد أهل السنة‪ .‬نحن نعتبر أنفسنا ایرانیین أوالً‬
‫قبل أن ننقسم الی قومیات ومذاهب)‬
‫وذكر الحقوق السياسية ألهل الس نة في إي ران؛ فق ال‪( :‬أله ل الس نة ممثل ون في‬
‫المجلس الش وری اإلس المي‪ ،‬وبحس ب الدس تور‪ ،‬یص ل ع دد ن واب الس نة في مجلس‬
‫الشوری الیوم إلى عشرین نائبا من أصل ‪ ، 290‬وهؤالء یشكلون تكتل أه ل الس نة في‬
‫المجلس‪ ،‬نحن في ایران حاولنا أن نتجاوز األم ور الس طحیة وابتع دنا عن ال دخول في‬
‫التفاصیل التي ال جدوی من الدخول فیها‪ ،‬بالوحدة نس تطیع أن نص ل إلى االنتص ارات‬
‫الكبیرة)‬
‫وعن سؤال حول الجماعات التكفيرية‪ ،‬وعالقتها بأهل الس نة‪ ،‬ق ال‪( :‬الجماع ات‬
‫التكفیریة كداعش وما شابه ال یربطها أي عالقة بأهل السنة‪ ،‬فلیس في قلوب هؤالء أي‬
‫مودة أو شفقة تجاه أهل الس نة‪ .‬قتل وا المئ ات ب ل اآلالف وارتكب وا مج ازر في من اطق‬
‫تواج د أه ل الس نة في س وریا‪ ،‬في الموص ل‪ ،‬في األنب ار‪ ،‬في ص الح ال دین‪ .‬في اقلیم‬
‫كردستان العراق‪ .‬انتهكوا حرمات المسلمین السنة‪ ،‬اق دموا على بیع البن ات الكردیات‬
‫في األسواق‪ .‬من هم األكراد؟ ألیسوا من السنة ویتبعون المذهب الشافعي؟ قابلت بعض‬
‫الذین قدموا من إقلیم كردستان‪ ،‬وسألتهم من هؤالء الداعشیون وماذا یریدون؟ قالوا لي‬
‫إنهم جماعة یختصرون اإلسالم بصرخة [هللا أكبر]‪ ،‬وال یعرفون شیئا ً آخ ر عن ال دین‬
‫ي دفاع عن أهل السنة هذا؟ هؤالء أهرقوا ماء وج ه أه ل الس نة‪ ..‬علین ا أن‬ ‫غیر ذلك‪ .‬أ ّ‬
‫نسأل انفسنا من أین یأتي السالح والتجهیزات لهؤالء؟ لماذا یریدون بث الفتن ة في بالد‬
‫المس لمین ویتركون الغ رب وأع داء اإلس الم؟ أعتق د ألن الغ رب مرك ز القیادة له ذه‬
‫الجماعات)‬
‫وفي األخير ننقل ش هادة من ع الم من علم اء الس نة خ ارج إي ران‪ ،‬زار إي ران‪،‬‬
‫والمناطق السنية فيها بالتحديد‪ ،‬وأدلى بشهادته في ذلك‪ ،‬وه و الن اطق الرس مي لمجلس‬
‫علماء فلسطين في لبنان الشيخ محمد الموعد(‪ ،)1‬ومما ذكره في شهادته التي أدلى به ا‬
‫لموقع العه د اإلخب اري أن (النظ ام اإلس المي في إي ران لم يحف ظ خصوص ية األدي ان‬
‫االخ رى فحس ب (مس يحية‪ ،‬يهودي ة‪ ،‬زرادش ت‪ ،)..‬ب ل حف ظ اوض اع وخصوص ية‬
‫اصحاب المذاهب اإلسالمية االخ رى‪ ،‬وال ذين يمارس ون طقوس هم الديني ة بك ل حري ة‬
‫وأريحية‪ ،‬ولهم أيضا أحوال شخص ية ومدني ة خاص ة بهم‪ ،‬ولهم تع اليمهم‪ ،‬ومدارس هم‬
‫الدينية الخاصة حس ب ديان اتهم‪ .‬ومن ه ؤالء أه ل الس نة والجماع ة‪ ،‬ال ذين يمارس ون‬
‫عب ادتهم الديني ة حس ب فقههم (الم ذهب الحنفي‪ ،‬والش افعي‪ )..‬بك ل حري ة في إي ران‪،‬‬

‫‪ )(1‬ما ال تعرفونه عن الحريات الدينية في ايران؟!‪ ،‬علي عوباني‪ ،‬موقع العهد‪.10/02/2016 ،‬‬

‫‪182‬‬
‫ولديهم أكثر من ‪ 15000‬مسجد‪ ،‬منها ‪ 9‬في العاصمة طه ران‪ ،‬أك بر مس جد في إي ران‬
‫موجود في مناطق السنة‪ ، ،‬الذي زار إي ران م ؤخرا يش ير إلى انهم يتبع ون مدارس هم‬
‫الديني ة وش ؤون اح والهم الشخص ية الخاص ة (ك الزواج والطالق وغ يره‪ )..‬بحس ب‬
‫فقههم‪ ،‬ولهم مفت ون في من اطقهم‪ ،‬ويتقاض ون أم ام مح اكمهم الش رعية الخاص ة ال تي‬
‫تتمتع باستقاللية كاملة في مناطقهم‪ ..‬ولهم حقوق كامل ة بوظ ائف الدول ة والتمثي ل على‬
‫المستوى الحكومي‪ ،‬والني ابي‪ ،‬ول ديهم ممثل ون في مجلس الخ براء ال ذي يخت ار القائ د‬
‫وفي جميع المجالس األخرى‪ ،‬وأبعد من ذلك ليس هناك فقط نواب يمثل ون المحافظ ات‬
‫التي يتواجدون فيها‪ ،‬بل هناك نواب من أهل السنة ببعض المحافظات يمثلون المسلمين‬
‫(س نة وش يعة ‪ )..‬وهن اك س فراء ودبلوماس يون ومح افظون للم دن اإليراني ة من أه ل‬
‫السنة)‬
‫وأكثر ما يلفت الش يخ الموع د‪ ،‬في حديث ه لموق ع العه د االخب اري‪ ،‬أن المعاه د‬
‫الشرعية السنية موجودة في إيران بالمئات‪ ،‬وانها مدعومة مباشرة من قبل القائد‪ ،‬وله ا‬
‫ميزانية خاصة من الدولة‪ ،‬ما يدفعه لالشارة إلى ان ذلك يبرز مدى اهتم ام الجمهوري ة‬
‫بك ل أبن اء الدول ة‪ ،‬واص فا ه ذا االم ر بأن ه بمنتهى الحض ارة والتق دم الفك ري‪ ،‬أن يتم‬
‫تش جيع العلم واعط اء رواتب لطالب العلم في المعاه د الش رعية الس نية الس تكمال‬
‫دراستهم المجانية بالكامل‪ ،‬ودراسة المذهب السني‪.‬‬
‫وذكر الشيخ الموع د الجامع ات الك برى في إي ران كجامع ة الح ديث‪ ،‬وجامع ة‬
‫المصطفى التي تدرس المذهب السني‪ ،‬وأشهار إلى أن عدد الطلبة الذين يدرس ون فيه ا‬
‫خاص ا بالمكتب ة يح وي آالف الكتب الس نية‪ ،‬م ا يؤك د على‬
‫ً‬ ‫مهول‪ ،‬كما أن هناك قس ًما‬
‫مدى حرية االعتقاد والبحث‪ ،‬فضال عن أن عدد الذين تخرج وا من جامع ة المص طفى‬
‫وحدها يزيد عن ‪ 7000‬ط الب وهم درس وا على م ذاهبهم (حنفي‪ ،‬ش افعي‪ ،)..‬ليخلص‬
‫إلى ان كل ذلك يعتبر بمثابة تكريس للوحدة بكل معانيها‪ ،‬وأن الحرية الدينية الموج ودة‬
‫في إيران ملموسة وليس دعاية وهي تعطي الناس كامل حقوقها‪ ،‬بينم ا هن اك اش اعات‬
‫تطمس هذه الحقائق‪.‬‬
‫وهك ذا نج د الش هادات الكث يرة من أعالم الس نة‪ ،‬ب ل من أعالم الحرك ات‬
‫اإلس المية‪ ،‬ولكنهم لألس ف‪ ،‬وبمج رد أن ي دلون بش هاداتهم يص نفون ض من الش يعة‪،‬‬
‫وتس قط ع دالتهم‪ ،‬ألن ه ال يمكن ألح د يش هد بش هادة ح ق عن إي ران إال وي رمى بك ل‬
‫أصناف التهم‪.‬‬
‫ومن أمثلة ذلك ما حصل للدكتور كمال الهلب اوى‪ ،‬وال ذي ك ان قيادي ا ب ارزا في‬
‫حركة اإلخوان المسلمين‪ ،‬وكان يستضاف في كل القنوات ليدافع عنهم‪ ،‬لكنه بمجرد أن‬
‫زار إيران‪ ،‬وشهد بحقيقة ما رأى فيها‪ ،‬أسقط‪ ،‬وصار متهما‪.‬‬
‫ففي مقال بعنوان [هجوم س لفى على «الهلب اوى» بع د زيارت ه إي ران] ‪ 1‬ورد‬
‫)‬ ‫(‬
‫هذا الخبر‪( :‬كشف عالء السعيد‪ ،‬المتحدث باسم ائتالف الدفاع عن الصحب وآل البيت‪،‬‬
‫‪ )(1‬هجوم سلفى على «الهلباوى» بعد زيارته إيران‪ ،‬س عيد حج ازى‪ ،‬جري دة ال وطن‪ ،‬الع دد ‪-01-06 ،1347 :‬‬
‫‪.2016‬‬

‫‪183‬‬
‫عن تفاصيل زيارة الدكتور كمال الهلباوى القيادى اإلخوانى السابق‪ ،‬إليران‪ ،‬األس بوع‬
‫الماضى‪ ،‬وقال الس عيد لـ«ال وطن»‪« :‬الزي ارة تمت خالل م ؤتمر الوح دة اإلس المية‪،‬‬
‫وشهدت تكريم الهلب اوى لمجهودات ه الس ابقة فى التق ريب بين الش يعة والس نة‪ ،‬وهن اك‬
‫صور له أثناء تكريمه‪ ،‬وهى ليست األولى‪ ،‬فكان له العدي د من الزي ارات الس ابقة ألن ه‬
‫شيعى‪ ،‬حيث يرى أن الشيعة مذهب من مذاهب أهل السنة‪ ،‬وصرح بأنه ضد تنفيذ حكم‬
‫اإلعدام على نمر باقر النم ر‪ ،‬رج ل ال دين الش يعى فى الس عودية‪ ،‬م ع أن األم ر ش أن‬
‫داخلى‪ ،‬وحسب األعراف والقوانين الدولية‪ ،‬ال يحق ألحد التدخل فى السياس ة الداخلي ة‬
‫للدول‪ ..‬وهو قد باع نفسه للشيعة وإيران‪ ..‬وهو يسعى ليكون فى الصورة والمش هد كى‬
‫ال يفقد الدعم اإليرانى‪ ،‬وأنا أسأله‪ :‬بكم باع نفسه للشيعة؟)‬
‫وهي نفس العبارات التي تردد مع كل عالم ينصف إيران‪ ،‬أو ينصف الشيعة‪ ،‬أو‬
‫ي دعو إلى الوح دة اإلس المية‪ ،‬وه و م ا ي ذكرنا لألس ف بم ا ورد في الس يرة النبوي ة‬
‫المطهرة عند إسالم عبد هللا بن س الم‪ ،‬وكي ف ك ان محترم ا ص احب ج اه وكلم ة عن د‬
‫اليهود‪ ،‬ولكن بمجرد إسالمه تغير ذلك كله؛ ففي الرواي ة أن ه لم ا أس لم رج ع إلى أه ل‬
‫بيته فأسلموا وكتم إسالمه‪ ،‬ثم خرج إلى رسول هللا ‪ ،‬فق ال‪ :‬ي ا رس ول هللا إن اليه ود‬
‫قوم بهت؛ فإنهم إن يعلموا بإس المي قب ل أن تس ألهم ع ني بهت وني‪ ،‬ف أحب أن ت دخلني‬
‫بعض بيوتك‪ ،‬فأدخله بعض بيوته فجاءت اليهود إليه فقال‪ :‬أي رج ل عب د هللا بن س الم‬
‫فيكم؟ قالوا‪ :‬خيرنا وابن خيرنا وسيدنا وابن سيدنا‪ ،‬قال‪ :‬أرأيتم إن أسلم عب د هللا؟ ق الوا‪:‬‬
‫أعاذه هللا من ذلك؛ فخرج عبد هللا فقال‪ :‬أشهد أن ال إله إال هللا‪ ،‬وأشهد أن محمدا رسول‬
‫هللا‪ ،‬يا معشر اليهود اتقوا هللا واقبلوا ما جاءكم به‪ ،‬فو هللا إنكم لتعلم ون أن ه لرس ول هللا‬
‫تجدونه مكتوبا عندكم في التوراة باسمه وصفته‪ ،‬فإني أشهد أن ه رس ول هللا‪ ،‬وأومن ب ه‬
‫وأصدقه وأعرفه‪ ،‬قالوا‪ :‬كذبت‪ ،‬أنت شرنا وابن شرنا‪ ،‬وانتقصوا‪ .‬قال‪ :‬ه ذا ال ذي كنت‬
‫أخاف يا رسول هللا‪ ،‬ألم أخبرك أنّهم قوم بهت‪ ،‬أهل غدر‪ ،‬وكذب وفجور(‪.)1‬‬
‫ونفس الشيء يمارسه هؤالء الذين يبنون مواق ف س لبية من إي ران‪ ،‬ثم يفس رون‬
‫كل شيء بعدها على ضوء ذلك؛ فإن شهد شاهد بظلم إيران قبلوا ش هادته‪ ،‬من غ ير أن‬
‫يس ألوا أو يحقق وا‪ ،‬وإن ش هد ش اهد عكس ذل ك اتهم وه في دين ه‪ ،‬واعت بروه من أزالم‬
‫النظام‪ ،‬أو من الذين اشتراهم النظام‪.‬‬
‫رابعا ـ والية الفقيه والتعامل مع الشعوب اإلسالمية‪:‬‬
‫على الرغم من تلك العداوة التي تبديها الكث ير من الش عوب العربي ة واإلس المية‬
‫للنظام اإليراني‪ ،‬بل حتى إليران نفس ها بس بب تل ك الحمل ة الشرس ة عليه ا من ط رف‬
‫رجال الدين واإلعالم والسياسة إال أن النظام اإليراني‪ ،‬والشعب اإلي راني‪ ،‬يقف ان على‬
‫النقيض من ذلك الموقف السلبي؛ وهو موقف يجسد حقيقة قوله تع الى عن الق وم ال ذين‬
‫يستبدل بهم العرب حال التقصير‪ ﴿:‬يَاأَيُّهَ ا الَّ ِذينَ آ َمنُ وا َم ْن يَرْ تَ َّد ِم ْن ُك ْم ع َْن ِدينِ ِه فَ َس وْ فَ‬
‫يَ أْتِي هَّللا ُ بِقَ وْ ٍم يُ ِحبُّهُ ْم َويُ ِحبُّونَ هُ أَ ِذلَّ ٍة َعلَى ْال ُم ْؤ ِمنِينَ أَ ِع َّز ٍة َعلَى ْال َك افِ ِرينَ يُ َجا ِه ُدونَ فِي‬

‫‪ )(1‬سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد (‪)54 /12‬‬

‫‪184‬‬
‫اس ٌع َعلِي ٌم ﴾‬ ‫ض ُل هَّللا ِ ي ُْؤتِي ِه َم ْن يَ َش ا ُء َوهَّللا ُ َو ِ‬ ‫يل هَّللا ِ َواَل يَ َخ افُونَ لَوْ َم ةَ اَل ئِ ٍم َذلِ َ‬
‫ك فَ ْ‬ ‫َس بِ ِ‬
‫[المائدة‪]54 :‬‬
‫فه ذه اآلي ة الكريم ة ال تك اد تنطب ق على أح د كم ا تنطب ق على الجمهوري ة‬
‫اإلسالمية اإليرانية‪ ،‬فهي مع مواقفها المتشددة الممتلئة بالعزة مع العت اة المتم ردين من‬
‫المستكبرين‪ ،‬تق ف موقف ا متواض عا إلى ح د ال ذل م ع الش عوب اإلس المية‪ ،‬حيث أنه ا‬
‫تص فح عن ك ل تل ك المواق ف الس لبية ال تي تقفه ا‪ ،‬وت دعوها ك ل حين إلى الوح دة‬
‫اإلسالمية‪ ،‬وترك الخالفات المذهبية‪ ،‬وترك التنابر باأللقاب‪ ،‬وتنصر قض اياها في ك ل‬
‫المحافل‪ ،‬بل تشارك فيها بكل قوة‪.‬‬
‫انطالقا من هذا سنحاول في هذا المبحث التركيز على ناحيتين مهم تين أوالهم ا‬
‫النظام اإليراني أهمية كبرى‪ ،‬وهما‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ الدعوة للوحدة اإلسالمية‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ الدعوة إلصالح الواقع اإلسالمي‪ ،‬وعودته إلى الدين‪.‬‬
‫وقد أسيء فهم كال الدعوتين من طرف الساسة واإلعالميين والمفكرين ورج ال‬
‫الدين‪ ،‬حيث اعتبروا الدعوة األولى دعوة للتشيع‪ ،‬مع أن إيران لم تتحدث إال عن وحدة‬
‫المس لمين بغض النظ ر عن م ذاهبهم‪ ،‬ول و أرادت تش ييع الع الم اإلس المي‪ ،‬لب دأت‬
‫بالماليين من أهل السنة الذين يتمتعون بجميع الحقوق‪ ،‬ويدرسون مذاهبهم بكل حرية‪.‬‬
‫أما الدعوة الثانية‪ ،‬فقد اتهمت بالتمدد الفارسي‪ ،‬والمؤامرة على العالم اإلسالمي‪،‬‬
‫م ع أن إي ران لم تتح دث عن ك ل ذل ك‪ ،‬ب ل ك ل مطالبه ا هي ال دعوة إلى الث ورة على‬
‫الطاغوت‪ ،‬وعلى االستكبار العالمي‪ ،‬والعودة للدين األصيل‪.‬‬
‫من خالل ه ذه المقدم ة نح اول في ه ذا المطلب بي ان موق ف إي ران من كال‬
‫الجانبين من خالل تصريحات قادة ثورتها‪ ،‬ومن خالل ممارساتها الواقعية‪.‬‬
‫‪ 1‬ـ الدعوة للوحدة اإلسالمية‪:‬‬
‫م ع ظه ور الكث ير من ال دعوات للوح دة اإلس المية‪ ،‬ابت داء من جم ال ال دين‬
‫األسدأبادي اإلي راني‪ ،‬ومن بع ده من المفك رين وال دعاة‪ ،‬ال نج د جه ة اهتمت بالوح دة‬
‫اإلسالمية‪ ،‬واعتبرتها ه دفا من أه داف نظامه ا مث ل الجمهوري ة اإلس المية اإليراني ة‪،‬‬
‫التي ضحت بمصالح كثيرة من أجل هذا الهدف النبيل‪.‬‬
‫وذل ك ش يء ط بيعي؛ فال يمكن لنظ ام ي زعم أن ه نظ ام إس المي‪ ،‬أن يتخلى عن‬
‫الوحدة‪ ،‬أو يناقش فيها‪ ،‬وهي مطلب قرآني كم ا ق ال تع الى‪﴿ :‬إِ َّن هَ ِذ ِه أُ َّمتُ ُك ْم أُ َّمةً َو ِ‬
‫اح َدةً‬
‫َوأَنَا َربُّ ُك ْم فَا ْعبُدُو ِن﴾ [األنبياء‪]92 :‬‬
‫ولذلك ال نرى في خطابات قادة الثورة اإلسالمي ذلك البع د العنص ري المرتب ط‬
‫بالقومية‪ ،‬وال الجغرافي المرتبط بالوطن‪ ،‬وال المذهبي المرتبط بالتش يع‪ ،‬وإنم ا نالح ظ‬
‫اهتماما بكل المسلمين‪ ،‬وبقضاياهم جميعا‪ ،‬وكأنهم جسد واحد‪.‬‬
‫ومن األمثل ة على ذل ك ق ول الخمي ني في وص يته السياس ية‪ ،‬وال تي ذك ر في‬
‫مقدمتها أنها موجهة للع الم اإلس المي جميع ا‪ ،‬ومم ا ورد فيه ا من ال دعوة إلى الوح دة‬
‫اإلسالمية قوله‪( :‬ليبادر العلماء االعالم‪ ،‬والخطباء الموقرون في ال دول اإلس المية إلى‬

‫‪185‬‬
‫دع وة الحكوم ات لتحري ر أنفس ها من التبعي ة للق وى االجنبي ة الك برى‪ ،‬وليتفق وا م ع‬
‫شعوبهم فإنهم إذا فعلوا ع انقوا النص ر ال محال ة‪ ،‬عليهم أيض ا ً أن ي دعوا الش عوب إلى‬
‫الوحدة ونبذ العنصرية المخالفة لتعاليم اإلسالم‪ ،‬ومد يد اإلخوة إلى اخوانهم في االيمان‬
‫في أي بلد كانوا ومن أي ع رق ف إن اإلس الم يع د الجمي ع إخ وة‪ ،‬ول و أن ه ذه اإلخ وة‬
‫تحققت يوما ً ما بهمة الحكومات والشعوب وبتأييد هللا العلي‪ ،‬فس يظهر للعي ان كي ف أن‬
‫المسلمين يشكلون أك بر ق وة في الع الم‪ .‬عس ى أن ّ‬
‫يمن هللا س بحانه وتع الى علين ا به ذه‬
‫اإلخوة والمساواة في يوم قريب)(‪)1‬‬
‫وه و ي ذكر ب ألم تل ك الح رب المغرض ة الموجه ة ض د الجمهوري ة اإلس المية‬
‫اإليرانية مع سعيها في خدمة جميع المسلمين‪ ،‬ودعوتها إلى الوحدة بينهم‪ ،‬يقول‪( :‬لماذا‬
‫يق وم البعض في الحج از والك ويت واألم اكن األخ رى بتأوي ل كالمن ا وتوجي ه التهم‬
‫الباطلة إلى دولة إسالمية تسعى إليجاد الوحدة بين المس لمين‪ ،‬وتناض ل من أج ل ط رد‬
‫الغرب من أرض المسلمين‪ .‬إن هؤالء يخدمون الغ رب من جه ة‪ ،‬ويفرق ون المس لمين‬
‫من جهة أخرى‪ ..‬أال يعلمون أنه ال تجوز إثارة التفرقة بين المسلمين وأن ذل ك مخ الف‬
‫للنص الق رآني؟‪ ..‬أال يعلم ون ذل ك حق ا ً أم أنهم يعمل ون على خدم ة الغ رب عن عم د‬
‫وقصد ال سمح هللا؟)(‪)2‬‬
‫وي ذكر أن من أه داف الجمهوري ة اإلس المية اإليراني ة الس عي لتحقي ق الوح دة‬
‫اإلس المية‪ ،‬من غ ير أن يلغي ح ق أي حكوم ة في اس تقاللها‪ ،‬على عكس م ا يش يع‬
‫المغرضون‪ ،‬يقول‪( :‬إننا نسعى للوصول إلى وحدة المسلمين جميع ا ً من خالل تض امن‬
‫الحكومات مع شعوبها واتحاد الدول مع بعضها البعض‪ ،‬ولقد شاهد الجميع كي ف تمكن‬
‫الشعب اإليراني من سحق قوة كبيرة نتيجة اإلتحاد ورص الصفوف‪ ،‬ه دفنا ه و إتح اد‬
‫مليار مسلم مع بعضهم البعض‪ ،‬فباتحادهم هذا لن نس مع بمش كلة فلس طين وأفغانس تان‬
‫ثاني ة‪ .‬ول و ي دعنا وع اظ الس الطين بحالن ا وال يعرقل وا مس ير وح دتنا فإنن ا سننتص ر‬
‫وجميع البلدان اإلسالمية ستنتصر أيضاً) (‪)3‬‬
‫وفي لقاء له مع بعض الوزراء والسفراء العرب‪ ،‬ق ال‪( :‬آم ل أن تك ون عالقاتن ا‬
‫عالقات أخوة مع الجميع السيما ش عوبنا اإلس المية‪ ،‬وأن تتمت ع الحكوم ات اإلس المية‬
‫بعالقات طيبة مع بعضها البعض‪ .‬وعلى هذه الحكومات أن تعزز رواب ط اإلخ وة فيم ا‬
‫بينها حتى تقط ع داب ر الط امعين األج انب‪ ،‬وآم ل أن نك ون إخ وة وأش قاء دائم اً‪ ،‬وأن‬
‫اليحدث نفاق فيما بيننا أبدا)(‪)4‬‬
‫وهكذا نرى القائد الحالي للجمهورية اإلسالمية اإليرانية السيد علي الخ امنئي ال‬
‫ي دع مناس بة إال وي دعو فيه ا للوح دة اإلس المية‪ ،‬وخاص ة في المناس بة الس نوية ال تي‬
‫‪ )(1‬صحيفة اإلمام‪ ،‬ج‪ ،21‬ص‪.381 :‬‬
‫‪ )(2‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ ،13‬ص‪.80 :‬‬
‫‪ )(3‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ ،13‬ص‪.80 :‬‬
‫‪ )(4‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ ،9‬ص‪.160 :‬‬

‫‪186‬‬
‫تستضيف فيه ا إي ران م ؤتمر الوح دة اإلس المية المرتب ط بمناس بة والدة الرس ول ‪‬‬
‫والذي يدعى له النخبة المثقفة من العالم اإلسالمي‪.‬‬
‫ومن خطابات ه في بعض تل ك الم ؤتمرات‪ ،‬وال تي ي ذكر فيه ا تص وره للوح دة‬
‫اإلسالمية قوله‪( :‬الي وم يُع ّد االتّح اد في األ ّم ة اإلس المية أك ثر ض رورة من أي ش يء‬
‫آخر‪ .‬فعلينا أن نصنع الوحدة ونوحّد كلمتنا ونجعل قلوبن ا واح دة‪ ،‬فه ذا تكلي ف ك ّل من‬
‫يمكن أن يكون له تأثير في هذه األ ّمة اإلسالمية الكبرى‪ ،‬سواء الحكوم ات أو المثّقف ون‬
‫أو العلماء أو الفاعلون على المسرح السياس ّي أو االجتم اع ّي‪ .‬وك ل واح د من ه ؤالء‪،‬‬
‫ف باس تنهاض األ ّم ة اإلس المية وبي ان ه ذه‬ ‫في أي دول ة من ال دول اإلس المية‪ ،‬مكلّ ٌ‬
‫الحقائق‪ ،‬فليبيّنوا ه ذه األوض اع الم رّة ال تي أوج دها أع داء اإلس الم للن اس وي دعوهم‬
‫لتح ّمل مسؤوليّتهم‪ ،‬فهذه وظيفة الجميع)(‪)1‬‬
‫ثم بين أن ما يحصل من خالف بين المسلمين هو بسبب الم ؤامرة الك برى ال تي‬
‫أن أع داء اإلس الم والمس لمين يعتم دون‬ ‫قام بها األعداء‪ ،‬وال يزالوان‪ ،‬يق ول‪( :‬اعلم وا ّ‬
‫بشكل أساس اليوم على إيجاد الخالفات والتفرق ة‪ .‬إنهم ال يري دون أن تتق ارب القل وب‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫أن األيادي إذا تماسكت والقلوب إذا تق اربت ف ّ‬
‫إن األ ّم ة اإلس المية س تبدأ‬ ‫ألنّهم يعلمون ّ‬
‫وإن منشأ أكثر ه ذه المش اكل ـ ال تي تُع ّد قض يّة‬
‫بالتفكير في معالجة مشاكلها الكبرى‪ّ .‬‬
‫فلسطين منها‪ ،‬ومنها قضيّة هذه الدولة الصهيونية المختلَقة ـ هم ه ؤالء المقت درون في‬
‫هذا العالم‪ .‬فالعدو يعلم أنّنا سنتمركز‪ّ ،‬‬
‫وأن ك ّل األ ّمة اإلس المية في جمي ع قواه ا س وف‬
‫تتح رّك على ه ذا الطري ق ح تى نواج ه ه ذا االعت داء الس افر ال ذي يج ري‪ ،‬له ذا ال‬
‫يسمحون بتقارب القلوب)(‪)2‬‬
‫وه و ي ذكر ـ كمث ال على الوس ائل ال تي يس تعملها األع داء لنش ر الفرق ة بين‬
‫المسلمين ـ م ا اس تعملوه من [الخالف الس ني الش يعي] وال ذي انطلى على الكث ير من‬
‫المسلمين‪ ،‬يقول‪( :‬واليوم نداء التفرق ة يرتف ع من قب ل أع داء اإلس الم‪ .‬وقض يّة الش يعة‬
‫والس نّة يطرحه ا الي وم األمريكي ون واإلنكل يز‪ ،‬وه ذا ع ارٌ‪ .‬ف المحلّلون األمريكي ون‬
‫واإلنكليز والغربيّون‪ ،‬من جملة القضايا التي يطرحونه ا ويتب احثون بش أنها ويؤ ّك دون‬
‫عليها هي قيامهم بالفصل بين اإلسالم السنّي واإلسالم الشيع ّي وإيج اد النزاع ات بينهم‪.‬‬
‫إن هذا ما يريده العد ّو وهذا ما كان يفعله دوماً‪ .‬وقد سعى أعداء عالم اإلسالم دوم ا ً إلى‬
‫أن يستغلّوا بأقصى ما يمكن هذه الخالف ات المذهبي ة والقومي ة والجغرافي ة واإلقليمي ة‪.‬‬
‫وهم اليوم يستخدمون الوسائل الحديث ة من أج ل ه ذا العم ل‪ .‬وعلين ا أن نلتفت إلى ه ذا‬
‫األمر ونكون يقظين‪ .‬يريدوننا أن ننشغل ببعض لكي ننصرف عن تلك المسألة األساس‬
‫التي ينبغي أن نتوجّه إليها‪ .‬يريدون أن ينشغل المسلمون‪ ،‬شعوبا ً وم ذاهب ش يعة وس نّة‬
‫وغيرهما‪ ،‬ببعضهم بعضا ً حتّى ينسوا قضيّة إسرائيل‪ .‬يجب أن تقرّبنا حادث ة اغتص اب‬
‫فلسطين إلى بعضنا بعضا‪ .‬وه ا هم الي وم يس تغلّون ه ذه القض يّة من أج ل إبعادن ا عن‬
‫‪ )(1‬خطابات الخامنئي ‪ ،2010‬ص‪.75‬‬
‫‪ )(2‬خطابات الخامنئي ‪ ،2010‬ص‪.75‬‬

‫‪187‬‬
‫بعض نا بعض اً‪ .‬إنّهم يُح دثون االختالف في الع الم اإلس الم ّي ح ول نفس ه ذه القض يّة‬
‫إن قض يّة فلس طين قض يّة‬ ‫الفلس طينية‪ ،‬ويجعل ون ال دول في مواجه ة بعض ها بعض اً‪ّ .‬‬
‫واضحة وال يوجد عن د أي م ذهب من الم ذاهب اإلس المية أي ش ك بأنّ ه إذا تعرّض ت‬
‫إن ال دفاع‬ ‫أراض ي اإلس الم والمس لمين في أي وقت من األوق ات للهج وم واالعت داء ف ّ‬
‫فإن ك ّل المذاهب اإلس المية تُجم ع على ه ذا األم ر‪ .‬وه و‬ ‫واجبٌ على جميع المسلمين‪ّ .‬‬
‫ليس مح ّل اختالف‪ .‬ومث ل ه ذه القض يّة المتّفَ ق عليه ا يجعلونه ا م ورد ش كٍّ ويفرّق ون‬
‫المس لمين ويش تتونهم‪ ،‬ويزي دون من العص بيات المذهبي ة والطائفي ة في القل وب‬
‫ويؤجّجون نيرانها‪ ،‬حتى يقوموا بما يريدون بسهولة)(‪)1‬‬
‫ويذكر اهتمام الجمهورية اإلسالمية منذ نشأتها بالوح دة اإلس المية‪ ،‬ودعوته ا له ا بك ل‬
‫الوسائل‪ ،‬يقول‪( :‬علينا أن نستيقظ‪ ،‬وهذه هي كلمة الجمهورية اإلس المية‪ .‬فالجمهوري ة‬
‫اإلس المية من ذ بداي ة تأسيس ها جعلت في األس طر األولى األس اس من أه دافها اتّح اد‬
‫المسلمين وتقارب قلوبهم ومنها قضية فلسطين‪ ،‬وفي كلمات إمامنا الراح ل ق دس س ره‬
‫تظهر هاتان القضيّتان بوضوح تا ّم وجالء‪ :‬إح داهما قض يّة إتّح اد المس لمين في جمي ع‬
‫القضايا والتقليل من خالفاتهم والتخفيف من اختالفاتهم ومنع الخالفات الفكرية والفقهية‬
‫والكالمية وأمثالها من أن تج ّر هاتين الفئتين إلى الع داوة والتن احر‪ ،‬والقض يّة األخ رى‬
‫هي قضية فلسطين‪ ،‬وقد التزمت الجمهورية اإلسالمية به ذا الكالم‪ .‬ونحن ن دفع أثمان ه‬
‫ب ومس ؤولية ش رعية ويعلم أنّن ا إذا‬ ‫باهظ ة‪ّ .‬‬
‫إن ش عبنا ينظ ر إلى ه ذه القض يّة ك واج ٍ‬
‫استطعنا أن نُخرج ه ذا الس رطان المهل ك والخط ر من جس د المجتم ع اإلس الم ّي ف ّ‬
‫إن‬
‫الكثير من مش اكل مجتمعاتن ا اإلس المية س وف تُح ّل وس وف يح ّل مكانه ا الكث ير من‬
‫التعاون)(‪)2‬‬
‫‪ 2‬ـ الدعوة إلصالح الواقع اإلسالمي‪:‬‬
‫‪ 2‬ـ الدعوة إلصالح الواقع اإلسالمي‪:‬‬
‫انطالقا من األخوة التي يستشعرها النظام اإليراني تجاه جميع المسلمين؛ فإن ه لم‬
‫يكتف فقط بالدعوة للوحدة بين الحكومات والش عوب اإلس المية‪ ،‬وإنم ا دع ا ك ذلك إلى‬
‫خروج المسلمين من هيمنة الغرب‪ ،‬والفكر الغ ربي عليهم‪ ،‬وذل ك ب العودة إلى اإلس الم‬
‫في جميع مجاالته‪ ،‬واالستفادة من التجربة اإليرانية في ذلك‪ ،‬والتي استطاعت التخلص‬
‫من الهيمنة األمريكية‪ ،‬واالستقالل التام عن الشرق والغرب‪ ،‬والتمسك باإلسالم وح ده‪،‬‬
‫باعتب ار النظ ام اإللهي ال ذي يمل ك المنظوم ة اإلص الحية الش املة المس تغنية ب ذاتها‪،‬‬
‫والمتوافقة مع الفطرة‪.‬‬
‫وهذا ما أطلق عليه مؤسس الجمهوري ة اإلس المية اإليراني ة‪ ،‬وفيلس وفها اإلم ام‬
‫الخمي ني [تص دير الث ورة]‪ ،‬وال ذي أس يء فهم ه كث يرا‪ ،‬ال من الحك ام الخ ائفين على‬
‫عروشهم فقط‪ ،‬بل من رجال الدين أنفس هم ال ذين راح وا يؤول ون ه ذا بكون ه تص ديرا‬

‫‪ )(1‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.75‬‬


‫‪ )(2‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.76‬‬

‫‪188‬‬
‫للتشيع‪ ،‬مع أن الخميني لم يتذكر التشيع أبدا‪ ،‬بل تحدث عن قضايا مشتركة‪ ،‬يتفق عليها‬
‫المسلمون جميعا‪.‬‬
‫وقد فسر الخميني مراده من تصدير الثورة‪ ،‬ورد على الشبه التي يلفقها األع داء‬
‫حولها في مناسبات كثيرة‪ ،‬ومن ذلك قول ه‪( :‬إن اله دف من تص دير الث ورة إلى ال دول‬
‫اإلسالمية وكافة الدول التي يناضل فيها المستضعفون ض د المس تكبرين ه و الوص ول‬
‫إلى حالة معينة تكون فيها الحكومة غير مستبدة وغير ظالم ة‪ ،‬وال يك ون الش عب فيه ا‬
‫عدواً للحكومة‪ .‬فه دفنا األص لي ه و المص الحة بين الش عوب والحكوم ات؛ فل و ق امت‬
‫حكوم ات بل دان الع الم بدراس ة التجرب ة اإليراني ة واطلعت على حقيق ة العالق ة بين‬
‫الحكومة والشعب لتأثرت أيما تأثر)(‪)1‬‬
‫ويذكر بأسف ما تقوم به ما يسميها (األقالم المأجورة ووكاالت األنباء والقن وات‬
‫المغرضة التي تعادي إيران حكوم ة وش عباً) من تش ويه (ص ورة الث ورة في الخ ارج‪،‬‬
‫والجميع هنا يعرف اله دف من ذل ك‪ .‬فحكومتن ا وش عبنا ملتحمين متح دين ويق ف فيه ا‬
‫الجامعيون مع رجال الدين جنبا ً إلى جنب وكذلك بقية فئات الشعب كما ينص هر الجيش‬
‫والعسكر مع عامة الشعب في بوتقة واحدة‪ ،‬ومع وجود هذا التالحم ال يمكن للغ رب أن‬
‫يصل إلى أهدافه وال يمكن لحكومة خائنة أن تصل للسلطة وتعمل على خدمة المصالح‬
‫الغربي ة‪ .‬فل و أدلى وزي ر أو رئيس ال وزراء بكلم ة تص ب في مص الح الغ رب لواج ه‬
‫معارضة شديدة من الشعب)(‪)2‬‬
‫وهو يذكر بأسف الدور الذي قام به رجال الدين في الدول اإلس المية من تش ويه‬
‫إيران‪ ،‬بدل أن يدعموها‪ ،‬ويستفيدوا من تجربتها‪ ،‬فيقول‪( :‬إننا فضاًل عن المعان اة ال تي‬
‫تسببها لنا أمريكا واالتحاد السوفيتي فإننا في مواجهة فتنة عظيمة تتمث ل بأولئ ك ال ذين‬
‫ي ّدعون التدين ويتحدثون باسم الدين‪ ،‬والكثير من هؤالء يتربع على رأس الهرم ال ديني‬
‫ومؤسسات اإلفتاء في العالم اإلسالمي‪ ،‬حيث يفسر هؤالء كالمن ا كم ا يحل و لهم‪ ،‬ومن‬
‫ثم يتهموننا بالكفر ويعتبرونا من الخارجين عن الدين‪ .‬فإن كان ذلك ناتجا ً عن سوء فهم‬
‫فإني أنص ح ه ؤالء بالدراس ة المعمق ة واالطالع ال دقيق على الحق ائق لي دركوا فداح ة‬
‫الخطأ الذي ارتكبوه وبطالن التهم التي انهالوا بها علينا‪ ،‬وأن الغرب هو الرابح الوحيد‬
‫النعكاسات هذه الفتنة‪ ،‬وإن كان في ذلك تعم داً مغرض ا ً فليعلم ه ؤالء ب أنهم يواجه ون‬
‫دولة إسالمية سعت ومازلت تسعى لرص الصفوف والمص الحة بين اإلخ وة في س بيل‬
‫اتحاد الدول اإلسالمية بعيداً عن أسلوب التكفير الذي يتبع ه الجبن اء ولكن البعض ممن‬
‫يرتدي لباس اإلفتاء ويلقب بالمفتي األعظم والشيخ األكبر راح ينش ر س مومه ويغ رس‬
‫مخالبه) )(‪)3‬‬
‫ثم يتساءل متعجبا من المصادر التي يستقي منها هؤالء م واقفهم‪ ،‬وعن عالقته ا‬

‫‪ )(1‬صحيفة اإلمام‪ ،‬ج‪ ،13‬ص‪.79 :‬‬


‫‪ )(2‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ ،13‬ص‪.79 :‬‬
‫‪ )(3‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ ،13‬ص‪.79 :‬‬

‫‪189‬‬
‫بال دين؛ فيق ول‪( :‬لم اذا يق وم البعض في الحج از والك ويت واألم اكن األخ رى بتأوي ل‬
‫كالمن ا وتوجي ه التهم الباطل ة إلى دول ة إس المية تس عى إليج اد الوح دة بين المس لمين‬
‫وتناضل من أج ل ط رد الغ رب من أرض المس لمين؟ أن ه ؤالء يخ دمون الغ رب من‬
‫جهة ويفرقون المسلمين من جهة أخ رى‪ ..‬أال يعلم ون أن ه ال تج وز إث ارة التفرق ة بين‬
‫المسلمين وأن ذلك مخالف للنص القرآني؟‪ ..‬أال يعلمون ذل ك حق ا ً أم أنهم يعمل ون على‬
‫خدمة الغرب عن عمد وقص د ال س مح هللا؟‪ ..‬أال يعلم ه ؤالء ب أن أفع الهم وتص رفاتهم‬
‫هذه مخالفة لإلس الم وتعاليم ه وتص ب في مص لحة الغ رب ليس إال؟‪ ..‬أال يعلم ه ؤالء‬
‫أنهم بأفعالهم وأقوالهم هذه يخدمون الغرب عن قصد أو غير قصد؟)(‪)1‬‬
‫وهو يذكر الشبه ال تي يورده ا المغرض ون من أج ل تش ويه الث ورة اإلس المية‪،‬‬
‫حتى ال تستفيد منها سائر البالد اإلسالمية‪ ،‬ومن األمثلة على ذلك قوله‪( :‬عندما نتح دث‬
‫نحن عن اإلمام المهدي‪ ،‬وهو القوة التنفيذية في اإلسالم؛ فإننا نقصد أنه س يمأل األرض‬
‫بالعدل ولديهم هم نفس المعنى (يمأل األرض قسطا ً وعداًل بعد أن ملئت ظلما ً وج وراً)‪،‬‬
‫ونحن نقول إن األنبياء لم يوفقوا في الوصول إلى أه دافهم بش كل كام ل‪ ،‬وسيرس ل هللا‬
‫سبحانه وتعالى في آخر الزمان من يتابع طريق األنبياء ويحقق أهدافهم المنشودة بشكل‬
‫كامل‪ ،‬لكن هؤالء الناس وال أدري أن كانوا متعمدين أم غافلين راحوا يؤول ون كالمن ا‬
‫ومعتقداتنا وقالوا ب أن فالن ي زعم ب أن اإلم ام المه دي س يتمم الش ريعة‪ ،‬إن ه ذا األم ر‬
‫يبعث على األسف الشديد وه و مخ الف لم ا نعتق ده فنحن نعت بر اإلم ام المه دي (علي ه‬
‫السالم) خادما ً لإلسالم وتابعا ً لرس ول اإلس الم وه و في نفس ال وقت ن ور عين رس ول‬
‫هللا‪ ،‬وسيجري كل ما أمر به الرسول األكرم ‪)2()‬‬
‫وهو يبين المنهج الذي تصدر به الثورة؛ فيقول‪( :‬كونوا على ثق ة بأن ه ل و تحق ق‬
‫اإلسالم بكل معانيه في ايران‪ ،‬فإن الدول سوف تقتفي هذا النهج الواحدة تل و األخ رى‪،‬‬
‫إن كل فئة تأتي إلى هنا تقول بأن شعبها مهتم بإيران ويسعى لتحقيق هذا الهدف هن اك‪،‬‬
‫في العراق والكويت ومصر وفي كل مك ان‪ ،‬فل و أ ّدين ا ه ذا ال دور بش كل جي د وطبقن ا‬
‫اإلسالم كما هو في ايران‪ ،‬فإنه باالضافة إلى انتصارنا حتى النهاي ة ب إذن هللا‪ ،‬س ينتقل‬
‫منا إلى الش عوب اإلس المية‪ .‬ونحن نطمح أن تق ام حكوم ة الع دل اإلس المي في جمي ع‬
‫البالد اإلسالمية! لقد كان حب مختلف الفئات من أبن اء الش عب له ذا النظ ام اإلس المي‬
‫حبا ً إلهيا ً ووجد بيد غيبية لدى كل الناس بحيث أن األطفال الذين أخ ذوا ينطق ون ح ديثا ً‬
‫وحتى الشيوخ الذين هم على عتبة القبر‪ ،‬كانوا صوتا ً واحداً ويريدون اإلسالم!)(‪)3‬‬
‫وهو يبين للعالم اإلسالمي السبب الذي جعل الثورة اإلسالمية في إيران تنتصر‪،‬‬
‫ليقوموا بنفس العمل‪ ،‬فيقول‪( :‬إن حب اإلسالم هو الذي نص رنا‪ ،‬وعلين ا اآلن أن نحف ظ‬
‫هذه الكرامة وهذا الحب! فلنعلم أن كل شيء مرتبط باهلل وكل شيء يتم بيده وأن إرادته‬

‫‪ )(1‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ ،13‬ص‪.80 :‬‬


‫‪ )(2‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ ،13‬ص‪.79 :‬‬
‫‪ )(3‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ ،10‬ص‪.132 :‬‬

‫‪190‬‬
‫هي ال تي أوص لتنا إلى منتص ف طري ق النص ر‪ .‬وإذا م ا حفظن ا الجه ات ال تي ينبغي‬
‫حفظها‪ ،‬فإن هذه اإلرادة ستبقى محفوظة‪ -‬إن شاء هللا‪ -‬وستوصلنا إلى النص ر النه ائي!‬
‫والنصر النهائي هو انتصار كل البلدان والمستضعفين على جميع المستكبرين)(‪)1‬‬
‫وهك ذا ن رى الخمي ني في لقاءات ه م ع المس ؤولين‪ ،‬وخصوص ا ممن لهم عالق ة‬
‫بالخارج‪ ،‬ينصحهم بأن يعطوا صورة حسنة عن اإلسالم‪ ،‬حتى يتبعهم غيرهم‪ ،‬ويقت دوا‬
‫بهم‪.‬‬
‫ومن أقوال ه في ه ذا المج ال‪ ،‬وه و يخ اطب س فراء الجمهوري ة اإلس المية‬
‫اإليرانية‪ ،‬وجم ع من أعض اء االتح ادات الطالبي ة اإلس المية في الخ ارج‪( :‬إن ال تزام‬
‫السادة المقيمين في الخارج أصعب بكثير من التزامنا نحن المقيمين في ال داخل‪ ،‬وذل ك‬
‫ألن شعبنا مطلع على الموازين والمعايير اإلس المية‪ ،‬وعلى ف رض قي ام بعض الفئ ات‬
‫واألشخاص بأفعال منافي ة لإلس الم ف إن الش عب س يدين ذل ك ويس تنكره‪ ،‬وأ ّم ا من في‬
‫الخارج فإنهم يقيمون في بيئة غير إسالمية ويعيشون وسط شعوب غير مسلمة‪ ،‬وح تى‬
‫إن كانوا مسلمين فإن اهتمامهم بمسائل اإلسالم ليس كما يجب‪ ،‬ولهذا فإن أي س لوك أو‬
‫تصرف يصدر عنكم ويكون مخالفا ً لإلسالم‪ ،‬سيعتبره ه ؤالء الج اهلون باإلس الم‪ ،‬من‬
‫اإلسالم‪ ،‬ويكوّنون تصوراً عن اإلسالم من خاللكم‪ .‬فل و ك انت س فاراتنا في الخ ارج ال‬
‫تزال تعيش األجواء الطاغوتية أو ما هو قريب منها‪ ،‬فهذا يع ني أن اإلس الم لم ي دخلها‬
‫أبدا)(‪)2‬‬
‫وينصحهم قائال‪( :‬من أهم األم ور ال تي تق ع في دائ رة مس ؤوليتكم ومس ؤوليتنا‪،‬‬
‫مسألة تجسيد قيم اإلسالم والثورة من خالل سلوككم وطريقة تع املكم م ع الع املين في‬
‫السفارة والناس الذين يراجعونها‪ ،‬إلعطاء صورة مش رقة عن اإلس الم‪ ،‬مم ا يس هم في‬
‫تصدير ثورتكم إلى البلد الذي تقيمون فيه‪ .‬فااللتزام بالقيم األخالقي ة ورعايته ا‪ ،‬يس ري‬
‫ت أثيره في نف وس الن اس‪ ،‬وذل ك ألن المس ائل األخالقي ة ذات ج ذور فطري ة‪ ،‬ونف وس‬
‫الناس مجبولة على تقبلها‪ ،‬ففطرة الناس سليمة ولكن طريقة التربية هي ال تي تفس دها‪..‬‬
‫وعليكم أن تمارسوا دوركم التربوي والتوعوي في البلدان التي أنتم فيه ا‪ ،‬كم ا ل و أنكم‬
‫في بلدكم‪ ،‬وأن تصدروا اإلسالم إليها وذل ك من خالل االل تزام العملي بتع اليم اإلس الم‬
‫وآدابه وقيمه األخالقية‪ ،‬وتجسيد ذلك في سلوككم وتعاملكم مع الناس من حولكم)(‪)3‬‬
‫ويق ول‪( :‬عليكم أنتم الس ادة في الس فارات أن تح افظوا على البس اطة فيه ا ق در‬
‫اإلمك ان وأن تع املوا من هم تحت أي ديكم من الم وظفين معامل ة أخوي ة‪ ،‬على رغم‬
‫إطاعتهم لكم‪ ،‬البد أن تعاملوهم معاملة أخوية‪ .‬كذلك ينبغي أن تكون معامل ة ض يوفكم‪،‬‬
‫بحيث يشعر كل قادم بتجسد اإلسالم عمليا ً في سلوككم‪ .‬فنحن مهما ادعينا بأننا مسلمون‬
‫وأننا جمهورية إسالمية‪ ،‬فلن يصدقنا أحد ما لم يطابق قولنا فعلنا وما لم نجس د اإلس الم‬

‫‪ )(1‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ ،10‬ص‪.132 :‬‬


‫‪ )(2‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ ،13‬ص‪.379 :‬‬
‫‪ )(3‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ ،13‬ص‪.380 :‬‬

‫‪191‬‬
‫في س لوكنا وتص رفاتنا وم ا لم تكن س فاراتنا س فارات إس المية‪ .‬والب د من ذل ك ح تى‬
‫تص در الث ورة إلى البل دان األخ رى فإن ه ال يمكن تص ديرها ب القوة واإلك راه‪ ،‬وه ذه‬
‫مهمتكم ال تي يمكن إنجازه ا من خالل س لوككم وكتاب اتكم وإص داركم لمجالت فكري ة‬
‫إسالمية مصورة‪ .‬واعلموا أنه لو سعيتم في تبليغ الثورة اإلسالمية من م وقعكم وك ذلك‬
‫قام الطلبة اإليرانيون في الخارج بتبليغ الثورة من موقعهم وقاموا ب الرد على م ا يكتب‬
‫وينشر في الصحف والمجالت هناك وأثبت وا ك ذب إدع اءاتهم المغرض ة ض د الث ورة‪،‬‬
‫فإن عملهم هذا سيسهم كثيراً في تصدير الثورة وتبيين حقائقها)(‪)1‬‬
‫وفي لق اء ل ه م ع بعض الوف ود من الهن د والباكس تان وض ح لهم مقص وده من‬
‫تصدير الثورة؛ فقال‪( :‬إن المسألة األخري هي تصدير الث ورة‪ ،‬وق د قلت م راراً‪ :‬إنن ا‬
‫النحارب أحداً لقد تم تصدير ثورتنا اليوم‪ .‬ففي ك ل مك ان نج د أن اإلس الم ي ذكر‪ ،‬وأن‬
‫المستضعفين يتطلع ون إلى اإلس الم يجب تق ديم اإلس الم إلى الع الم كم ا ه و من خالل‬
‫الدعايات الصحيحة‪ ،‬و عندما تعرف الشعوب حقيقة اإلسالم فانها ستقبل عليه المحالة‪،‬‬
‫ونحن النريد شيئا ً إال تطبيق أحكام اإلسالم في العالم)(‪)2‬‬
‫وهكذا نرى الخميني يق وم بنفس ال دور من دع وة الش عوب اإلس المية ك ل حين‬
‫إلص الح حاله ا‪ ،‬والع ودة لإلس الم للتخلص من ك ل أش كال الهيمن ة الغربي ة‪ ،‬ومن‬
‫خطاباته في ذلك قوله في بعض مؤتمرات الوحدة اإلسالمية‪( :‬األ ّم ة اإلس المية بلح اظ‬
‫تعداد الس ّكان تمثّل مجموعة عظيمة ـ حوالي المليار ونصف المليار نس مة هم مجم وع‬
‫وإن من اطق وج ود ه ذه المجموع ة العظيم ة من حيث الوض ع‬ ‫األ ّم ة اإلس المية ـ ّ‬
‫الجغرافّي والخصائص الطبيعية والثروات الحيوية هي من أه ّم مناطق الع الم وأكثره ا‬
‫حساسيّة‪ ،‬وبالرغم من أنّه ال ينقصها شيء على صعيد القابليّ ات اإلنس انية واإلمكان ات‬
‫إن‬‫فإن هذه األ ّمة اليوم هي مجموعة حائرة‪ .‬وعالمة حيرتها هو ما تشاهدونه‪ّ .‬‬ ‫الطبيعية ّ‬
‫كل أس اس في ه ذه ال دول اإلس المية‪ .‬ف الفقر في‬ ‫المصائب الكبرى في العالم تحدث بش ٍ‬
‫هذه األ ّمة والظلم والتمييز فيما بينن ا والتخل ف العلم ّي والتكنول وج ّي واالنه زام الثق اف ّي‬
‫والضعف الثقاف ّي كلّه يمثّل حال األ ّمة اإلسالمية‪ .‬والمقتدرون في ه ذا الع الم يض يّعون‬
‫ق هذه األ ّمة بك ّل بساطة وصراحة‪ ،‬وال تس تطيع ه ذه األ ّم ة اإلس المية أن ت دافع عن‬ ‫ح ّ‬
‫حقّها)(‪)3‬‬
‫ويضرب لهم المثل على ذلك بما يحصل في فلسطين‪ ،‬فيقول‪( :‬انظروا اليوم إلى‬
‫ك بأنها نموذج هام جداً‪ ،‬لكنّه ال يختصّ بفلسطين‪.‬‬ ‫أوضاع فلسطين‪ ،‬فهي نموذج‪ .‬وال ش ّ‬
‫رح كب ير في جس دها‪،‬‬ ‫أن األ ّمة اإلس المية تع اني من ج ٍ‬ ‫فانظروا إلى فلسطين‪ ،‬سترون ّ‬
‫وهو قضيّة شعب فلسطين العظيم وأرض فلسطين التاريخية المق ّدسة‪ .‬ماذا أنزل وا به ذه‬
‫األرض؟‪ ،‬وعلى رأس هذا الشعب؟ وماذا يفعلون بهؤالء الناس؟ وهل يمكن نس يان م ا‬

‫‪ )(1‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ ،13‬ص‪.381 :‬‬


‫‪ )(2‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ ،15‬ص‪.273 :‬‬
‫‪ )(3‬خطابات الخامنئي ‪ ،2010‬ص‪.73‬‬

‫‪192‬‬
‫جرى على غ ّزة؟ وه ل يمكن مح وه من ذاك رة األ ّم ة اإلس المية؟ ‪ ..‬لق د آلت أوض اع‬
‫وكأن ما يحصل ال عالقة لها به‪ ،‬وك أن م ا‬ ‫ّ‬ ‫األ ّمة اإلسالمية مقابل هذه الظاهرة إلى ح ّد‬
‫يُغصب ليس ت حقّه ا وكأنه ا ليس هي ال تي تتع رّض للظلم‪ .‬فلم اذا نحن هك ذا؟ ولم اذا‬
‫ابتُليت األ ّمة اإلسالمية بهذه الحال ة؟ لق د أوج د أع داء اإلس الم واأل ّم ة اإلس المية ذل ك‬
‫السرطان المهلك الخ ِطر المس ّمى دولة إسرائيل الصهيونية المزعومة في هذه المنطق ة‪.‬‬
‫والداعمون لهذا الكي ان ش ركاء ل ه في الظلم والج رائم الكب يرة ال تي يرتكبه ا‪ .‬وه ا هم‬
‫ي دافعون عن إس رائيل وال يمكن لأل ّم ة اإلس المية أن ت دافع عن نفس ها‪ ،‬فه ذا ض عفنا‪.‬‬
‫لماذا؟ علينا أن نجبر هذا الضعف بالرجوع إلى اإلسالم وبجعل تعاليم الرس ول المك رّم‬
‫محوراً لكافة اهتماماتنا) (‪)1‬‬
‫هذه تصورات قادة الثورة اإلسالمية لمعنى تصدير الثورة الذي أس يء فهم ه‪ ،‬ال‬
‫من السياسيين فقط‪ ،‬وإنما من المتدينين‪ ،‬بل من رجال ال دين أنفس هم‪ ،‬ال ذين لم يق رؤوا‬
‫ولو كلمة واحدة مما قاله هؤالء القادة‪ ،‬واكتف وا بم ا يملى عليهم‪ ،‬أو بم ا ت ذكره وس ائل‬
‫اإلعالم‪ ،‬أو بما يذكره سادتهم من السياسيين‪.‬‬
‫خامسا ـ والية الفقيه والتعامل مع العالم‪:‬‬
‫خامسا ـ والية الفقيه والتعامل مع العالم‪:‬‬
‫الرؤية المبدئية التي ينطلق منها النظام اإليراني في تعامله مع العالم هي ما نص‬
‫ونن عليهم‬ ‫عليه اإلمام علي في وصيته لمالك األشتر حين والّه مصر وق ال ل ه‪( :‬ال تك َّ‬
‫سبعا ً ضاريا ً تغتنم أكلهم‪ ،‬فإنهم صنفان؛ إ ّما أ ّخ لك في ال دين‪ ،‬أو نظ ي ٌر ل ك في الخل ق)‬
‫(‪)2‬‬
‫أو م ا نص علي ه قب ل ذل ك م ا ورد في الق رآن الك ريم من األم ر بل زوم رعاي ة‬
‫العدل‪ ،‬وعدم التجاوز بالنسبة إلى أي إنسان ـ مسلما ً كان أو غير مس لم ـ كم ا في قول ه‬
‫ار ُك ْم أَ ْن‬ ‫تع الى‪﴿ :‬اَل يَ ْنهَ ا ُك ُم هَّللا ُ َع ِن الَّ ِذينَ لَ ْم يُقَ اتِلُو ُك ْم فِي ال د ِ‬
‫ِّين َولَ ْم ي ُْخ ِر ُج و ُك ْم ِم ْن ِديَ ِ‬
‫تَبَرُّ وهُ ْم َوتُ ْق ِسطُوا إِلَ ْي ِه ْم إِ َّن هَّللا َ ي ُِحبُّ ْال ُم ْق ِس ِطينَ ﴾ [الممتحنة‪]8 :‬‬
‫ولهذا‪ ،‬فإن قادة الثورة اإلسالمية لم ينظروا إلى العالم غير المسلم بكون ه ك افرا‪،‬‬
‫يجب استئصاله كما تؤمن الحركات اإلسالمية المتطرفة‪ ،‬وإنما ينظرون إلي ه باعتب اره‬
‫عالما محترما يحتاج منا أن نع رض ل ه اإلس الم بص ورة حس نة‪ ،‬وأن نع ايش قض اياه‬
‫ومش اكله‪ ،‬ونح اول عالج ه من منطل ق األخ وة اإلنس انية‪ ،‬ال من منطل ق الهيمن ة‬
‫واالستبداد‪.‬‬
‫ولهذا نالحظ اإلمام الخميني يصحح للحركة اإلسالمية تعامله ا م ع الع الم‪ ،‬فه و‬
‫ي رى أن الص راع ليس ص راعا عقائ ديا بين الكف ر واإليم ان‪ ،‬وإنم ا ه و ص راع بين‬
‫المستكبرين والمستضعفين‪ ،‬كما نص على ذل ك الق رآن الك ريم في آي ات كث يرة كقول ه‬
‫ال ْال َمأَل ُ الَّ ِذينَ ْ‬
‫اس تَ ْكبَرُوا ِم ْن قَوْ ِم ِه لِلَّ ِذينَ‬ ‫تعالى حكاية عن قوم ص الح علي ه الس الم‪﴿ :‬قَ َ‬

‫‪ )(1‬خطابات الخامنئي ‪ ،2010‬ص‪.73‬‬


‫‪ )(2‬نهج البالغة الكتاب (‪.)53‬‬

‫‪193‬‬
‫ص الِحًا ُمرْ َس ٌل ِم ْن َربِّ ِه قَ الُوا إِنَّا بِ َم ا أُرْ ِس َل بِ ِه‬
‫ض ِعفُوا لِ َم ْن آ َمنَ ِم ْنهُ ْم أَتَ ْعلَ ُم ونَ أَ َّن َ‬
‫ا ْستُ ْ‬
‫َّ‬ ‫ْ‬
‫ال ال ِذينَ ا ْستَكبَرُوا إِنَّا بِال ِذي آ َم ْنتُ ْم بِ ِه َكافِرُونَ (‪[ ﴾ )76‬األعراف‪- 75 :‬‬ ‫َّ‬ ‫ُم ْؤ ِمنُونَ (‪ )75‬قَ َ‬
‫‪]77‬‬
‫وقد نص على المبادئ ال تي تق وم عليه ا العالق ة بين إي ران ودول الع الم اإلم ام‬
‫الخميني حين سئل عن سياسة الجمهورية اإلسالمية اإليراني ة تج اه ال دول األوروبي ة‪،‬‬
‫فأجاب بقوله‪ :‬إننا نريد أن تكون لنا عالقات ودية حسنة مع جميع شعوب الع الم ودول ه‬
‫تقوم على أساس االحترام المتبادل ما عدا الدول التي تعاملنا معاملة عدائي ة‪ ،‬وتري د أن‬
‫تظلمنا‪ ،‬وتحاول السيطرة علينا‪ ،‬فإننا نرفض ذلك‪ ،‬ولن نسمح ألحد أن يتدخل في أمور‬
‫بالدنا‪ ،‬ويتحكم فيها‪ ،‬كما كان يتحكم فيها في العهد البائد‪ .‬فنحن ـ طبعا ً ـ ال نس تطيع أن‬
‫نقيم عالقات ودية مع هؤالء‪ .‬أما الدول التي لها معنا عالقات حسنة‪ ،‬فلنا معها عالقات‬
‫حسنة أيضاً‪ .‬فإذا احتاجت هذه ال دول إلى ش يء نمتلك ه نحن‪ ،‬واحتجن ا نحن إلى ش يء‬
‫يمتلكونه هم‪ ،‬فال م انع من التب ادل‪ ،‬فمثاًل ‪ :‬إذا ك ان ه ؤالء يحت اجون إلى النف ط‪ ،‬ونحن‬
‫نحتاج إلى أشياء محدودة‪ ،‬فهذا تبادل يمكن أن يحص ل بش كل ط بيعي بين األف راد كم ا‬
‫يمكن أن يحصل بين الدول‪ .‬وأمر ذلك يعود طبعا ً إلى مجلس الثورة‪ ،‬ثم إلى الحكوم ة)‬
‫(‪)1‬‬
‫وانطالقا من النصوص المقدسة الداعية إلى البراءة من المس تكبرين‪ ،‬وتح ديهم‪،‬‬
‫وعدم الركون إليهم نرى الخميني يوج ه نداءات ه المتتالي ة للمس لمين للوق وف في وج ه‬
‫االستكبار العالمي‪ ،‬وإظهار البراءة منه‪ ،‬وهو ما أثار عليه غضب كل أذناب االستكبار‬
‫الذين يعتبرون أنفسهم حلفاء لهم‪ ،‬مع أنهم ليسوا سوى عبيد بين يديه‪.‬‬
‫وقد رد الخميني على هؤالء‪ ،‬وخصوصا رج ال ال دين ال ذين وقف وا ض د دع وة‬
‫الخميني‪ ،‬بل راحوا يصورونها بصورة التمدد الشيعي‪ ،‬ال بصورة النهضة اإلس المية‪،‬‬
‫يقول الخميني‪( :‬من المسلم به أن المستعمرين وأع داء الش عوب لن يق ر لهم ق رار بع د‬
‫هذه المراسم‪ ،‬وسوف يتوسلون بكافة المكائد والحيل ويحوكون المؤامرات ويستنجدون‬
‫بعلماء البالط وأجراء السالطين والقوميين والمنافقين‪ ،‬ويتجهون نحو الفلسفة والتفس ير‬
‫المغلوط والمنحرف‪ ،‬ويقدمون على أي عمل يضمن لهم نزع أسلحة المسلمين وتوجي ه‬
‫ضربة قاصمة ألبهة واقتدار أمة محمد ‪ ،‬و ربما يقول الجهال المتنسكون أنه اليجب‬
‫هت ك حرم ة بيت هللا وكعب ة اآلم ال بالش عارات والمظ اهرات والمس يرات وإعالن‬
‫البراءة‪ ،‬وأن الحج عبادة وذكر وليس ميدان استعراض وقت ال‪ ،‬و ربم ا ي وحي العلم اء‬
‫بأن القتال والحرب وال براءة من عم ل رج ال ال دنيا‪ ،‬وول وج السياس ة وفي‬ ‫المتهتكون ّ‬
‫إن ه ذه اإليح اءات تع د من خفي سياس ات‬ ‫أيام الحج بال ذات دون ش أن علم اء ال دين‪ّ ..‬‬
‫المستعمرين وتحريضاتهم‪ ،‬لذا ينبغي على المس لمين أن يهب وا لل دفاع عن القيم االلهي ة‬
‫ومصالح المسلمين ويواجهوا األع داء بك ل االمكاني ات والس بل المتاح ة‪ ،‬وأن يرص وا‬
‫صفوفهم لهذا الدفاع المقدس‪ ،‬وأال يفس حوا المج ال له ؤالء الجهل ة والمس تائين وأتب اع‬

‫‪ )(1‬صحيفة اإلمام‪ ،‬ج‪ ،11‬ص‪.135 :‬‬

‫‪194‬‬
‫المسلمين)(‪)1‬‬ ‫الشيطان لالنقضاض على عقيدة وعزة‬
‫ثم يبين المغزى من ال دعوة إلى ال براءة من المس تكبرين والوق وف في وجههم‪،‬‬
‫(إن ص رختنا ب البراءة من المش ركين الي وم هي ص رخة من ج ور الظ المين‪،‬‬ ‫فيق ول‪ّ :‬‬
‫ً‬
‫وصرخة شعب ض اق ذرع ا من تط اول الش رق والغ رب علي ه وعلى رأس هم أمريك ا‬
‫وأذنابها‪ ،‬ونهب بيته ووطنه وثروته) (‪)2‬‬
‫ثم يذكر نماذج عن المستضعفين‪ ،‬وما قام به المستكبرون تجاههم‪ ،‬يقول‪( :‬تمث ل‬
‫صرختنا ب البراءة ص رخة الش عب األفغ اني المظل وم‪ ،‬وأن ا متأس ف من ع دم إص غاء‬
‫االتحاد السوفيتي لتحذيري بشأن افغانستان‪ ،‬فقام بمهاجمة ه ذه الدول ة اإلس المية؛ قلت‬
‫مراراً وأنا اآلن أقول‪ :‬دعوا الشعب األفغاني وشأنه‪ ،‬دعوه يحدد مصيره بنفسه ويتكف ل‬
‫باستقالل بلده؛ أنه ليس بحاجة لوالية من الكرملين أو وصاية من أمريك ا‪ ،‬ومن المس لم‬
‫أنه لن يستسلم لسلطة أخرى بعد خروج الجنود األجانب من وطن ه‪ ،‬وس وف يقص مون‬
‫ظهر أمريكا فيما لو نوت الت دخل في ش ؤون بل دهم‪ ..‬و تمث ل ص رختنا ك ذلك ص رخة‬
‫الشعب اإلفريقي المسلم‪ ،‬صرخة إخواننا وأخواتنا في الدين ال ذين يتحمل ون س ياط ظلم‬
‫األش قياء العنص ريين ال لش يء إال الس وداد بش رتهم‪ّ ..‬‬
‫إن هتافن ا ب البراءة ه و هت اف‬
‫الشعب اللبناني والفلسطيني وكافة الشعوب األخ رى ال تي نهبت الق وى العظمى نظ ير‬
‫أمريكا واسرائيل ثرواتها وترنو إليه ا بطم ع‪ ،‬فنص بت عمالئه ا ومأجوريه ا على تل ك‬
‫الشعوب‪ ،‬وأمسكت بمقاليد األمور في بلدانهم وهي تبعد آالف الكيلو م ترات‪ ،‬وأحكمت‬
‫قبضتها على حدودها البرية والبحرية‪ ..‬إن ص رختنا ب البراءة هي ص رخة ال براءة من‬
‫جميع الشعوب التي ضاقت ذرعا ً بتف رعن أمريك ا وغطرس تها‪ ،‬وال تي الت رغب بكظم‬
‫غيظها في حناجرها إلى األبد‪ ،‬وأزمعت أن تعيش حرة وتموت حرة) (‪)3‬‬
‫وهو يرى أن هذه البراءة ليست خاصة بالمستضعفين من بالد العالم اإلس المي‪،‬‬
‫بل هي تشمل المستضعفين في جميع الع الم‪ ،‬يق ول‪( :‬تمث ل ص رختنا ب البراءة ص رخة‬
‫ال دفاع عن الم ذهب والش رف والع رض‪ ،‬وص رخة ال ذود عن األم وال وال ثروات‪،‬و‬
‫الص رخة المؤلم ة للش عوب ال تي م زقت حرب ة الكف ر والنف اق قل وبهم الط اهرة‪ّ ..‬‬
‫إن‬
‫صرختنا بالبراءة هي صرخة الفقر والفاقة للجائعين والمحرومين لم ا اب تز المموه ون‬
‫واللصوص المحترفون حاصل ع رق ج بينهم وأتع ابهم‪ ،‬وأق دموا على س لب ممتلك ات‬
‫الش عوب الفق يرة والفالحين والعم ال والك ادحين باس م الراأس مالية واالش تراكية‬
‫والشيوعية‪ ،‬فربطوا شريان االقتصاد العالمي بأنفس هم‪ ،‬وحرم وا الن اس من بل وغ أق ل‬
‫الحقوق) (‪)4‬‬
‫وانطالقا من هذه المعاني حملت الثورة اإلسالمية شعار [ال ش رقية وال غربي ة]‬

‫‪ )(1‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ ،20‬ص‪.260 :‬‬


‫‪ )(2‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ ،20‬ص‪.260 :‬‬
‫‪ )(3‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ ،20‬ص‪.261 :‬‬
‫‪ )(4‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ ،20‬ص‪.261 :‬‬

‫‪195‬‬
‫لتبين عدم انحيازها ألي جهة أو دول ة أو نظ ام‪ ،‬ولتعطي النم وذج للمستض عفين ح تى‬
‫يتحرروا من التبيعة للشرق والغرب‪ ،‬يقول الخميني‪( :‬كان شعار [الشرقية وال غربية]‬
‫الشعار المبدئي للثورة اإلسالمية في عالم الجياع والمستضعفين‪ ،‬وراسم معالم السياسة‬
‫الواقعية لعدم االنحياز في الدول اإلسالمية‪ ،‬تلك الدول التي ستجعل اإلسالم في القريب‬
‫العاجل المدرسة الوحيدة إلنقاذ عالم البشرية‪ ،‬ولن تعدل عن ه ذه االسياس ة قي د أنمل ة‪،‬‬
‫فال يجب أن تعلق ال دول اإلس المية والش عوب المس لمة في الع الم آماله ا على الغ رب‬
‫وأوربا وأمريكا أو الشرق وروسيا) ) (‪)1‬‬
‫وهو يذكر أن من مقتضيات هذه الش عارات الخ روج من أي تبعي ة وألي جه ة‪،‬‬
‫يقول‪( :‬ال يتصور متصور أن هذا الشعار مقطعي‪ ،‬ب ل ه ذه سياس ة أبدي ة لن ا ولش عبنا‬
‫ألن شرط دخول صراط النعمة حق‬ ‫وللجمهورية اإلسالمية ولكافة المسلمين في العالم؛ ّ‬
‫ال براءة واالبتع اد عن ص راط الض الين‪ ،‬ويجب أن يطب ق ذل ك في ك ل المجتمع ات‬
‫اإلسالمية وعلى كافة األصعدة‪ ..‬يجب على المس لمين أن يفك روا في ط رد االس تعمار‬
‫من بلدانهم اإلسالمية ويوظفوا كل طاقاتهم لذلك‪ ،‬وأال يجعل وا المس تعمرين يس تثمرون‬
‫إمكاني اتهم لص الحهم ولض رب ال دول اإلس المية‪ ،‬فمن الخ زي والع ار على البل دان‬
‫اإلسالمية ورؤسائها أن يتوغل األجانب إلى المراكز الس رية والعس كرية للمس لمين‪ ،‬و‬
‫إن ص روح‬ ‫على المسلمين أن ال يخشوا الض جيج والص خب وال دعايات المغرض ة‪ ،‬ف ّ‬
‫االستكبار العالمي وقدراته العس كرية والسياس ية أوهن من بيت العنكب وت وت ؤول إلى‬
‫االنهيار‪ ..‬يجب على المسلمين في العالم أن يعمل وا على إص الح الق ادة العمالء لبعض‬
‫الدول‪ ،‬وأن يوقظوهم من هذا النوم العميق الذي يجع ل مص الحهم ومص الح االش عوب‬
‫اإلس المية في مهب ال ريح عن طري ق النص يحة أو التهدي د؛ وعليهم أن اليغفل وا عن‬
‫خطر المنافقين ووسطاء االستكبار العالمي‪ ،‬وأن اليقفوا مكتوفي األيدي ويتفرجوا على‬
‫مشهد اندحار اإلسالم ونهب ثرواته وانتهاك أعراض المسلمين) (‪)2‬‬
‫وه و يتح دث في ك ل مناس بة عن ض رورة وق وف األم ة جميع ا م ع فلس طين‪،‬‬
‫ومواجهة العدو الصهيوني‪ ،‬وع دم الجل وس مع ه في أي مفاوض ات‪ ،‬يق ول‪( :‬يجب أن‬
‫تفك ر الش عوب اإلس المية على إنق اذ فلس طين‪ ،‬وأن تع بر عن اس تنكارها الش ديد من‬
‫مساومة بعض القادة العمالء الذين أضاعوا أه داف مس لمي ه ذه المنطق ة‪ ،‬وأال تس مح‬
‫بجلوس ه ؤالء الخون ة على طاول ة المفاوض ات ليص بح ذل ك وص مة ع ار في ج بين‬
‫الشعب الفلسطيني الباسل‪ ..‬عجبا ً لهؤالء البشر‪ ،‬فكل يوم يمضي على الكارثة المروعة‬
‫الغتصاب فلسطين يزداد ص مت ومس اومة ق ادة ال دول اإلس المية ومج اراة إس رائيل‬
‫الغاصبة‪ ،‬حتى وصل األمر إلى أن شعار تحرير بيت المقدس ال يتناهى إلى األس ماع؛‬
‫ولئن ق امت دول ة ك إيران ال تي تم ر بحال ة من الح رب والحص ار بمس اندة الش عب‬
‫الفلس طيني الس تنكروا وش جبوا ذل ك‪ ،‬حتىأنّهم يفزع ون من تس مية أح د األي ام بي وم‬

‫‪ )(1‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ ،20‬ص‪.262 :‬‬


‫‪ )(2‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ ،20‬ص‪.262 :‬‬

‫‪196‬‬
‫القدس‪ ..‬أخشى أن يتصور أولئك أن مرور الزمن سيلمع صورة اسرائيل والصهيونية‪،‬‬
‫أو أن الذئاب الص هيونية الض ارية ق د تخلت عن فك رة تك وين بل د يمت د من الني ل إلى‬
‫الفرات) (‪)1‬‬
‫وهو يبين أن سياسة إيران نحو فلسطين مثل سياس تها نح و جمي ع المستض عفين‬
‫سياس ة ثابت ة ومس تمرة ح تى ل و خالفه ا في ذل ك جمي ع المس لمين‪ ،‬يق ول‪( :‬لن يقل ع‬
‫المسؤولون االيرانيون المح ترمون وش عبنا األبي والش عوب اإلس المية عن قت ال ه ذه‬
‫الشجرة الخبيثة ح تى استئص الها‪ ،‬فتجب االس تفادة من ع زم أنص ار اإلس الم والق درة‬
‫المعنوي ة ألم ة محم د ‪ ‬وإمكاني ات ال دول اإلس المية‪ ،‬وجع ل إس رائيل نادم ة عم ا‬
‫ارتكبته من جرائم‪ ،‬وتحرير األراضي المغتصبة عبر تشكيل خاليا للمقاومة في جمي ع‬
‫أنحاء العالم‪ ..‬إنني أحذر مجدداً من خطر استشراء الغدة السرطانية للصهانية في جس د‬
‫الدول اإلسالمية‪ ،‬وأعلن مساندة ايران شعبا ً وحكومة لنضال جميع الشعوب اإلس المية‬
‫ال سيما الفتية الغيارى في طريق تحري ر الق دس‪ ،‬وأع رب عن جزي ل ش كري لش باب‬
‫لبنان األعزاء الذين رفعوا هامة األم ة اإلس المية عالي ا ً ب إذاللهم المس تعمرين‪ ،‬وأدع و‬
‫لنصرة كافة األحبة في داخل األراضي المحتلة وخارجها الذين يوجهون ضربة قاس ية‬
‫إلسرائيل ومصالحها مستندين إلى سالح االيمان والجهاد) (‪)2‬‬
‫وعلى هذا النهج استمر القائد الحالي للثورة اإلسالمية السيد علي الخامنئي ال ذي‬
‫ال يكاد تخلو خطاباته من ال دعوة لمواجه ة المس تكبرين ونص رة المستض عفين‪ ،‬وبك ل‬
‫الوسائل‪ ،‬ومن ذلك قوله في بعض خطبه‪( :‬إننّا نقول الشيء الذي في قلوبن ا‪ ،‬ونعلم أنّ ه‬
‫حديث قلوب الشعوب وقلوب الكثير من الحكومات‪ .‬إنّنا نع ارض االس تكبار ونع ارض‬
‫نظام الهيمنة ونعارض بش ّدة تسلّط بضعة بلدان على مصير العالم ونك افح ه ذا التس لّط‬
‫وال نسمح لهم بالتالعب بمصير العالم)(‪)3‬‬
‫وهو ـ مثلما ذك ر الخمي ني ـ ي ذكر أن ه ذا الخط اب لن يعجب ق وى االس تكبار‬
‫الع المي‪ ،‬له ذا تلف ق التهم ك ل حين‪ ،‬وال تي ال تنطلي إال على المغفلين‪ ،‬يق ول‪( :‬ومن‬
‫ي وما يتّص ل بحق وق‬ ‫ّ‬
‫الملف النوو ّ‬ ‫الواضح أن تعارضنا تلك الحكومات فتتذرع بذرائع‬
‫اإلنسان والديمقراطية‪ .‬والك ّل في الع الم يعلم أنّهم يك ذبون ويمارس ون الري اء والنف اق‪.‬‬
‫وقد بعثوا مأمورهم ثانية إلى هنا يجول في أط راف الخليج الفارس ّي ويك ّرر نفس تل ك‬
‫األكاذيب والهذيان ض ّد الجمهورية اإلسالمية‪ :‬إيران تروم الحصول على قنبلة نووي ة!‬
‫من الذي يص ّدق كالمكم؟ من يص ّدق أنّكم تف ّكرون بمص الح ش عوب ه ذه المنطق ة؟ أنتم‬
‫ال ذين س حقتم ش عوب ه ذه المنطق ة‪ ،‬م ا اس تطعتم وبمق دار م ا ُس مح لكم‪ ،‬تحت أق دام‬
‫مص الحكم غ ير المش روعة‪ ..‬أنتم مث يرو الح روب‪ ،‬أنتم ه اجمتم الع راق وه اجمتم‬
‫ي مك ان آخ ر اس تطعتم‪ ،‬ثم‬ ‫أفغانستان وتهاجمون باكستان وتعيدون جرائمكم ه ذه في أ ّ‬

‫‪ )(1‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ ،20‬ص‪.260 :‬‬


‫‪ )(2‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ ،20‬ص‪.263 :‬‬
‫‪ )(3‬خطابات الخامنئي ‪ ،2010‬ص‪.49‬‬

‫‪197‬‬
‫تأتون لتصرّحوا ضد الجمهوري ة اإلس المية؟ جمي ع ش عوب المنطق ة تعلم والكث ير من‬
‫أن الجمهوري ة اإلس المية تناص ر الس الم وتناص ر األخ وة‬ ‫حكوم ات المنطق ة تعلم ّ‬
‫زة البلدان اإلسالمية)(‪)1‬‬ ‫وتناصر ع ّزة بلدان هذه المنطقة وع ّ‬
‫هذه نم اذج بس يطة عن موق ف الجمهوري ة اإلس المية اإليراني ة من دول الع الم‬
‫وشعوبها‪ ،‬فهي تقسمها بحسب التقسيم القرآن إلى المستض عفين والمس تكبرين‪ ،‬وت دعو‬
‫إلى مواجهة المستكبرين مهما كان دينهم‪ ،‬حتى لو ادعوا اإلسالم‪ ،‬وتدعو إلى مناص رة‬
‫المستضعفين‪ ،‬حتى لو كانوا من غير المسلمين‪.‬‬
‫وذل ك كل ه ليس س وى تط بيق لم ا ورد في الق رآن الك ريم من ال دعوة الح ترام‬
‫الش عوب بعض ها لبعض‪ ،‬وح وار بعض ها م ع بعض ها‪ ،‬وتعاونه ا جميع ا على نص رة‬
‫المستضعفين‪ ،‬ومواجهة المستكبرين‪ ،‬كما قال تعالى‪ ، :‬وهو ما نص عليه قوله تع الى‪:‬‬
‫الرِّج ا ِل َوالنِّ َس ا ِء َو ْال ِو ْل دَا ِن الَّ ِذينَ‬
‫َ‬ ‫َض َعفِينَ ِمنَ‬‫يل هَّللا ِ َو ْال ُم ْست ْ‬
‫﴿ َو َم ا لَ ُك ْم اَل تُقَ اتِلُونَ فِي َس بِ ِ‬
‫ك َولِيًّا َواجْ َعلْ لَنَا ِم ْن‬ ‫يَقُولُونَ َربَّنَا أَ ْخ ِرجْ نَا ِم ْن هَ ِذ ِه ْالقَرْ يَ ِة الظَّالِ ِم أَ ْهلُهَا َواجْ َعلْ لَنَا ِم ْن لَ ُد ْن َ‬
‫يل هَّللا ِ َوالَّ ِذينَ َكفَ رُوا يُقَ اتِلُونَ فِي َس بِي ِل‬ ‫َص يرًا (‪ )75‬الَّ ِذينَ آ َمنُ وا يُقَ اتِلُونَ فِي َس بِ ِ‬ ‫لَ ُد ْنكَ ن ِ‬
‫ض ِعيفًا﴾ [النساء‪]76 ،75 :‬‬ ‫ان َكانَ َ‬ ‫ت فَقَاتِلُوا أَوْ لِيَا َء ال َّش ْيطَا ِن إِ َّن َك ْي َد ال َّش ْيطَ ِ‬‫الطَّا ُغو ِ‬

‫‪ )(1‬المرجع السابق‪ ، ،‬ص‪.49‬‬

‫‪198‬‬
‫الفصل الخامس‬
‫والية الفقيه‪ ..‬والمساواة العادلة‬
‫تعتبر [المساواة] ـ بحسب مفهومها اإلس المي األص يل ـ من القيم الك برى ال تي‬
‫قامت عليها الجمهورية اإلسالمية اإليرانية‪ ،‬كما نص على ذلك قادتها ودستورها‪ ،‬ودل‬
‫عليه واقعها‪ ،‬وهي قيمة تشمل جمي ع المواط نين بغض النظ ر عن أع راقهم وأجناس هم‬
‫وأديانهم ومذاهبهم‪.‬‬
‫ومن النصوص الدستورية الدالة على ذلك ما ورد في المادة التاس عة عش رة من‬
‫الدستور اإليراني‪ ،‬والتي تنص على ما يلي‪( :‬يتمت ع أف راد الش عب اإلي راني ـ من أي ة‬
‫قومية أو قبيلة كانوا ـ بالمساواة في الحقوق وال يعتبر اللون أو العنص ر أو اللغ ة أو م ا‬
‫شابه ذلك سببا ً للتفاضل)‬
‫وتنص المادة العشرون على أن (حماية القانون تشمل جميع أفراد الشعب ـ نساء‬
‫ورج االً ـ بص ورة متس اوية‪ ،‬وهم يتمتع ون بجمي ع الحق وق اإلنس انية والسياس يّة‬
‫واالقتصاديّة واالجتماعيّة والثقافية ضمن الموازين اإلسالمية)‬
‫وق د نص كاف ة ق ادة الجمهوري ة اإلس المية ومفكروه ا وفقهاؤه ا على ه ذا‪،‬‬
‫واعتبروه من أساسيات الشريعة‪ ،‬ب ل ك ان من األه داف الك برى للث ورة اإلس المية في‬
‫إيران مواجه ة الحكم األرس تقراطي والطبقي ة ال تي ك ان يفرض ها الش اه‪ ،‬ول ذلك ك ان‬
‫يرمي اإلسالميين وقادة الثورة اإلسالميين بكونهم يساريين وشيوعيين‪ ،‬ألنهم يط البون‬
‫بالمساواة‪ ،‬وحقوق العمال وحقوق المستضعفين‪.‬‬
‫واالهتمام بهذه القيمة هو الذي أكسب الثورة اإلس المية جمه ورا عريض ا‪ ،‬ومن‬
‫جميع أطياف الناس‪ ،‬ذلك أن قادة تلك الثورة لم يعتبروا الصراع ص راعا ديني ا‪ ،‬وإنم ا‬
‫اعت بروه ص راعا بين المس تكبرين والمستض عفين‪ ،‬ول ذلك وق ف بجنبهم جمي ع‬
‫المستضعفين‪.‬‬
‫وعند مطالعة الخطابات والبيانات والنداءات ال تي ك ان يلقيه ا الخمي ني في ذل ك‬
‫الحين نكتش ف نمط ا عجيب ا من ال دعاة ال ذين اس تطاعوا بحنكتهم أن يكس بوا ود ك ل‬
‫الشعب‪ ،‬ألنه مثل قضاياهم وحاجاتهم‪ ،‬وبين في نفس الوقت أن الشريعة اإلس المية هي‬
‫وحدها من يمكنها أن تراعي تلك الحاجات‪ ،‬وأن تكفل تحققها في الواقع‪.‬‬
‫وقد اس تطاع الخمي ني ب ذلك الس لوك أن يقض ي على تل ك المقول ة ال تي يطلقه ا‬
‫الش يوعيون [ال دين أفي ون الش عوب]‪ ،‬ح تى أن الكث ير من اليس اريين تخل وا عن تل ك‬
‫المقولة بعد أن رأوا الدور العظيم الذي قام به الخميني‪ ،‬بل فيهم من ص ار ملتزم ا‪ ،‬ب ل‬
‫فيهم من أعلن إسالمه‪.‬‬
‫وقد أشار إلى هذا بعض المواقع المغرضة الحاق دة عن د ذكره ا إلس الم روجي ه‬
‫ج ارودي‪ ،‬ففي مق ال بعن وان [حقيق ة روجي ه ج ارودي]‪ ،‬ورد ه ذا النص‪( :‬ج ارودي‬

‫‪199‬‬
‫والرافض ة‪ :‬الباطني ة جميع ا ً أم ة واح دة وإن تع ددت وجوهه ا‪ ،‬أو اختلفت في بعض‬
‫المواقف والتفاصيل‪ ،‬وهكذا نجدها جميعا ً في صف الثورة الرافضية التي فجرها كاهن‬
‫النجف‪ :‬الخميني‪ ،‬وجارودي منهم‪ ،‬ولذلك نجده يقول‪( :‬م ع هال ة الظف ر الهائ ل للط ف‬
‫والقوة الروحية في مواجهة قوة األسلحة المادي ة‪ ،‬ص ار اإلم ام الخمي ني القائ د الب اهر‬
‫للبالد باسم األخالقية اإللهية المقاومة لقمع الشيطان األم ريكي وربيب ه؛ الش اه الس ابق)‬
‫(‪. )1‬‬
‫بل إن جارودي لم يكف عن ذكر ذلك‪ ،‬بع د أن به ره االنتص ار الت اريخي ال ذي‬
‫حققته الثورة اإلسالمية بقيادة الخميني وفي أقل م دة‪ ،‬وبأق ل التض حيات‪ ،‬وفي أص عب‬
‫الظروف‪ ،‬فقد قال يصفها في أحد مقاالته‪( :‬إن الث ورة اإلس المية ال تي تزعمه ا اإلم ام‬
‫الخميني ال تشبه حقا أيا ً من الثورات السابقة التي قامت لتغيير النظم السياس ية‪ ،‬وك ذلك‬
‫الثورات اإلجتماعية التي شهدها العالم تعبيراً عن نقمة الفقراء وسخطهم على األغني اء‬
‫وأف رغت ج ام غض بها على رؤوس المس تعمرين والغاص بين‪ .‬لكن الث ورة اإلس المية‬
‫اإليرانية هي االخرى كانت تحظى بكل هذه الدوافع والمسببات‪ ،‬ك ان له ذه الث ورة إلى‬
‫ج انب م ا تق دم مع ان جدي دة ‪.‬فانه ا لم تطح بحكوم ة سياس ية وإجتماعي ة وإس تعمارية‬
‫فحسب وانما اطاحت كذلك بحضارة ورؤية عالمية مميزة كانت قد تح ّدت الدين)(‪)2‬‬
‫ب ل إن ج اروي ـ نتيج ة انبه اره الش ديد ب الثورة اإلس المية اإليراني ة ـ وكي ف‬
‫اس تطاعت أن تنتص ر على الط اغوت ال ذي يمثل ه الش اه‪ ،‬ومن يق ف خلف ه من ق وى‬
‫االستكبار العالمي‪ ،‬راح يؤلف كتابه الذي عنونه [ثورة اإلمام الخمي ني]‪ ،‬وق د ورد في‬
‫التعريف به ما يلي‪( :‬يبدو أن مفاجأة جارودي بحدث اختصار الثورة اإلسالمية ب إيران‬
‫كان وراء اعتناقه اإلسالم‪ ،‬وإعالن ذل ك أواخ ر ع ام ‪ .1981‬وفي ه ذه الف ترة بال ذات‬
‫نشر عدة كتب عن اإلسالم منها‪ :‬وعود اإلسالم ‪ ،1981‬اإلسالم والغ رب ‪1987‬م‪ .‬ولم‬
‫يبرح هذا المفك ر الكب ير على ط ول األع وام العش رين الماض ية عن مواص لة نش اطه‬
‫العلمي سوا ًء أكان عن طريق الكتابة والتأليف أم المساهمة بإلق اء تص وراته وإيص الها‬
‫إلى الناس عن طريق المؤتمرات في كل مكان يقصده‪ ،‬وبعد مرور عشرين عام ا ً على‬
‫انتصار الثورة اإلسالمية ب إيران‪ ،‬وبمناس بة ال ذكرى الس نوية العاش رة لرحي ل اإلم ام‬
‫الخمي ني بال ذات استض اف المرك ز اإلس المي بلن دن م ؤتمرا تحت عن وان [نظري ات‬
‫اإلمام الخميني حول المشاكل المعاصرة] وكانت هذه المقالة هي إحدى الدراسات ال تي‬
‫قدمت لهذا المؤتمر‪ .‬وقد ألقاها الفيلسوف روجي ه غ ارودي‪ ،‬وفيها ح اول ال تركز على‬
‫دور اإلمام الخميني كقائد روحي ينفرد بمزايا الخاص ة‪ ،‬وعلى الث ورة العص رية ال تي‬
‫نهض بها كأطروحة بديلة لنظ ام جدي د يجم ع بين المكون ات ال تي تق وم عليه ا الفلس فة‬
‫التكاملية)(‪)3‬‬

‫‪ )(1‬حقيقة روجيه جارودي‪ ،‬الشيخ عبد الحق التركماني‪ ،‬موقع الراصد‪ 20 ،‬يونيو ‪.2012‬‬
‫‪ )(2‬نقال عن مقال بعنوان‪ :‬الثورة اإلسالمية في ايران وقيمها الثقافية‪ ،‬محمد ساالر‪ ،‬موقع إذاعة طهران العربية‪.‬‬
‫‪ )(3‬ثورة اإلمام الخميني‪ ،‬روجيه غارودي‪ ،‬ص‪..3‬‬

‫‪200‬‬
‫وعن د مطالع ة م ا يس مى [ص حيفة اإلم ام] تل ك الص حيفة ال تي جمعت خطب‬
‫وبيانات ونداءات ولقاءات الخميني‪ ،‬وفي أجزائه ا ال تي تتج اوز العش رين ج زءا نج د‬
‫الشعور بالمساواة مع جميع المواطنين تتجلى بأنصع صورها‪ ،‬بل إن الخميني يتج اوز‬
‫فيها المساواة والندية مع شعبه المحب له إلى أن يعتبر نفسه مجرد خادم متواضع له‪.‬‬
‫وال بأس أن نذكر هنا حادثة ترتبط بمدى تواضع الخمي ني‪ ،‬وهي من الح وادث‬
‫الكثيرة التي جعلت شعبه يثق فيه‪ ،‬باعتباره يمثل كل ما يقوله خير تمثيل‪ ،‬ويرويها أحد‬
‫موظفي مكتبه الخاص أيام حياته‪ ،‬واسمه [الشيخ هاتفي]‪ ،‬والتي قدم له ا بقول ه‪( :‬ك انت‬
‫تأتي إلى بيت اإلمام أصناف مختلفة من الزوار‪ ،‬منهم المسيحي ومنهم اليه ودي ومنهم‬
‫الشيوعي ومنهم الليبرالي‪ ،‬إلى ج انب أحبائ ه وأنص اره طبع اً‪ ،‬ولكن الكث ير منهم ك ان‬
‫بمجرد أن يطلع على زوايا البيت الصغير الذي كان يعيش فيه اإلمام يبدأ بالبكاء‪ ،‬ألنهم‬
‫لم يكونوا يصدقوا أن يكون بإمك ان رج ل يعيش ك ل ه ذه البس اطة والزه د ان يتح دى‬
‫جبابرة عصره أو أن يكون بإمك ان ه ذا الرج ل الزاه د تأس يس دول ة عص رية؛ وكم ا‬
‫اعتقد فان مثل هذه المشاعر طبيعية جداً ألي إنسان يمتلك فطرة سليمة) (‪)1‬‬
‫ثم ذكر الحادثة‪ ،‬وهي من عشرات الحوادث المروية عنه كما ذكرنا؛ يقول‪( :‬في‬
‫أح د األي ام أص اب الحنفي ة ال تي ك ان يتوض أ منه ا اإلم ام عط ل بس يط‪ ،‬ف أمر اإلم ام‬
‫بإصالح العطل‪ ،‬لكنا فضلنا إبدال الحنفية بأكملها بأخرى جديدة‪ ،‬وعندما علم اإلمام بما‬
‫قمنا به أخذ يوبخنا لما اعتبره إسرافا في صرف المال‪ ،‬بل إن ه ق ال لن ا بأن ه س وف لن‬
‫يتوضأ من هذه الحنفية الجديدة حتى يتم إبدالها بتلك الحنفية القديمة التي اضطررنا إلى‬
‫إص الحها فيم ا بع د‪ ،‬وفي حادث ة مش ابهة كن ا ق د قررن ا إع ادة طالء الج دار ال داخلي‬
‫للحسينية التي كان يقابل فيها اإلمام زواره وجماهيره‪ ،‬وذل ك بع د أن الحظن ا أن جانب ا ً‬
‫من الجدار بدأ يستهلك‪ ،‬لكن اإلمام وعندما س مع أص وات العم ال وهم يهم ون بالعم ل‬
‫خرج إلى ش رفة المس جد ليطلب من ا إيق اف العم ل ف وراً‪ ،‬مش يراً إلى أن ه ذا المس جد‬
‫سيبقى كما هو دون أي تجميل أو إعادة بناء ما دام هو حياً‪ ،‬قائالً‪( :‬عندما أموت افعل وا‬
‫ما تشاءون)‬
‫واإلمام الخميني ي ذكر ل زواره ال ذين يت أثرون بزه ده وتواض عه م ا ك ان علي ه‬
‫رسول هللا ‪ ،‬وما كان عليه أهل بيته‪ ،‬حتى يصرفهم عن النظر إليه إلى النظر الق دوة‬
‫األكمل الذي أمرت األمة جميعا بالتأسي به‪.‬‬
‫ّ‬
‫ومن أقوال ه في ذل ك‪( :‬الن ب ّي الك ريم ‪ ‬ال ذي ك ان علم ه من ال وحي اإلله ّي‪،‬‬
‫وكانت روحه من العظمة بحيث إنّها بمفردها غلبت نفسيّات ك ّل البشر‪ّ ،‬‬
‫إن هذا النب ّي قد‬
‫وضع جميع العادات الجاهليّة واألديان الباطلة تحت قدميه‪ ،‬ونسخ جميع الكتب‪ ،‬واختتم‬
‫حلقة النبوّة بشخصه الكريم‪ ،‬وكان ه و س لطان ال دنيا واآلخ رة والمتص رّف في جمي ع‬
‫ي ش خص آخ ر‪ .‬ك ان‬ ‫العوالم بإذن هللا‪ ،‬ومع ذلك كان تواضعه م ع عب اد هللا أك ثر من أ ّ‬
‫يكره أن يقوم له أصحابه احتراماً‪ ،‬وإذا دخل مجلسا ً لم يتص ّدره‪ ،‬ويتناول الطعام جالس ا ً‬

‫‪ )(1‬انظر مقاال بعنوان‪ :‬تواضع اإلمام الخميني حيًّر األعداء‪.‬‬

‫‪201‬‬
‫على األرض‪ ،‬قائالً‪ :‬إنّني عب ٌد‪ ،‬آكل مثل العبيد وأجلس مجلس العبيد‪ ..‬كان ذلك اإلنسان‬
‫العظيم يركب الحمار مع غالمه أو غيره‪ ،‬ويجلس على األرض مع العبيد‪ ،‬وفي سيرته‬
‫أنّه كان يشترك في أعمال المنزل‪ ،‬ويحتلب األغنام ويرقّع ثياب ه ويخص ف نعل ه بي ده‪،‬‬
‫ويطحن مع خادمه ويعجن‪ ،‬ويحمل متاعه بنفس ه‪ ،‬ويج الس الفق راء والمس اكين ويأك ل‬
‫معهم‪ ..‬هذه وأمثالها‪ ،‬نماذج من سيرة ذلك اإلنسان العظيم وتواضعه‪ ،‬مع أنّه فضالً عن‬
‫ي كان في أكمل حاالت الرئاسة الظاهريّة)(‪)1‬‬ ‫مقامه المعنو ّ‬
‫وبناء على هذا؛ فإن الدعوة التي كان يدعو من خاللها للمساواة بين جميع أف راد‬
‫المجتمع‪ ،‬ومواجهة الطبقية والظلم الذي كان يمارسه النظ ام االرس تقراطي ال ذي تبن اه‬
‫الشاه‪ ،‬لم تكن دعوة باللسان‪ ،‬وإنما كانت واقعا عمليا يعيشه؛ فهو كسائر أبن اء المجتم ع‬
‫يعيش مثلما يعيشون‪ ،‬ويتألم لكل ما يتألمون‪.‬‬
‫وله ذا نج د في كلمات ه ح رارة نفتق دها في الكث ير من ال دعاة ال ذين نج د عن دهم‬
‫الكثير من الكالم‪ ،‬وال نجد عندهم ذرة من األفعال المثبتة لما يقولون‪.‬‬
‫ومن األمثل ة على ذل ك أن ه قب ل ال دورة األولى النتخاب ات رئاس ة الجمهوري ة‪،‬‬
‫تعرض لوعك ة ص حية‪ ،‬وذهب إلى مستش فى القلب في طه ران‪ ،‬ورأى بعض مظ اهر‬
‫الرعاية الصحية التي قوبل بها‪ ،‬ق ال ـ وه و يخ اطب ش عبه وكأن ه يعت ذر ل ه عن تل ك‬
‫العناية الخاصة التي عومل بها ـ‪( :‬أريد أن أق ول كلم تين‪ :‬األولى عن ح التي ال تي هي‬
‫والحمد هلل ليست بسيئة‪ ،‬وربما وفّر لي السادة األطباء والسيد وزير الص حة الكث ير من‬
‫الخدمات التي لم نتعود نحن طلبة العلوم الدينية عليها‪ ،‬وسأكون مس روراً حين أعلم أن‬
‫هؤالء السادة يهتمون ويوفّرون الرعاية حاليا ً لس ّكان األكواخ والخي ام في الم دن ال ذين‬
‫لم يكون وا يحظ ون ب أي عناي ة في زمن الط اغوت‪ ،‬إن الخ دمات الص حية تعت بر من‬
‫الحاجات األولية للن اس‪ ،‬ويجب أن تت وفر للجمي ع؛ فال تك ون لش خص رعاي ة خاص ة‬
‫ولشخص آخر ال ش يء‪ ،‬وأن ا أرج و أن يهتم األطب اء أينم ا ك انوا‪ ،‬والحكوم ة ووزي ر‬
‫الصحة والشعب بالوضع الصحي لسكان األكواخ‪ ،‬هؤالء الفقراء وهم عيال هللا)(‪)2‬‬
‫وله ذا؛ فإن ه في ك ل خطابات ه قب ل الث ورة وبع دها يوج ه األنظ ار إلى العام ة‬
‫والمستضعفين‪ ،‬ويطلب أن تتحقق المساواة والعدالة بين كل أف راد المجتم ع‪ ،‬ومن ذل ك‬
‫قوله أثناء تواجده في باريس قبيل انتصار الث ورة اإلس المية مخاطب ا جمع ا من الطلب ة‬
‫واإليرانيين المقيمين في الخارج رد فيه على بعض ما نشرته الصحف الشيوعية ح ول‬
‫برجوازية اإلسالم‪ ،‬وكونه أفيونا للشعوب‪ ،‬ومما جاء فيه قول ه‪( :‬ينبغي أن نالح ظ ه ل‬
‫أن القرآن‪ ،‬وهو مصدر اإلسالم األول‪ ،‬واإلسالم وبنصوص ه األص لية ال تي لم تمس ها‬
‫أيدي التحريف؛ هل كان يدعو الناس إلى الخضوع لألغنياء والسكوت على م ا يرتكب ه‬
‫أصحاب النفوذ واألقوياء من سرقات وتجاوز على ثرواتهم‪ ،‬وه ل ك ان يم نيهم بالجن ة‬
‫ثمن ا ً له ذا الس كوت‪ ،‬أم أن الق رآن فتح الحج از وه زم الط واغيت به ؤالء المع دمين‬

‫الخميني قدس سره‪ ،‬ص ‪ 95‬ـ ‪..96‬‬


‫ّ‬ ‫‪ )(1‬األربعون حديثاً‪ ،‬اإلمام‬
‫‪ )(2‬صحيفة اإلمام‪ ،‬ج‪ ،4‬ص‪.218 :‬‬

‫‪202‬‬
‫والفقراء الذين لم يكن لكثير منهم مأوى؛ فيضطرون للمبيت في صفة المسجد متقاربين‬
‫فيما بينهم ولم يكن لديهم م ا يقت اتون علي ه إال القلي ل ال ذي يعطون ه من هن ا وهن اك أو‬
‫يحصلون عليه‪ ،‬بل كانوا يتقاسمون التمرة الواحدة فيما بينهم‪ .‬فهل من يفعل هذا مخدر‪،‬‬
‫أم أنك أنت ال ذي تري د تخ دير اآلخ رين بمث ل ه ذه االدع اءات؟! ‪ ..‬إن ال ذين يص فون‬
‫اإلسالم باألفيون يريدون إغراق المسلمين في نوم الغفل ة وإبع ادهم عن دينهم ليتمكن وا‬
‫من نهب ث رواتهم‪ ،‬إذن األفي ون ه و ذات االدع اء ب أن اإلس الم أفي ون الش عوب وليس‬
‫اإلسالم إذ أن إطالق مثل هذه االدعاءات يهدف إلى اس تغفال الن اس وتخ ديرهم؛ وه ذا‬
‫هو األفيون الحقيقي وليس ال دين ال ذي ج اء ب ه الن بي األك رم وفتح في عه ده الحج از‬
‫بمجموعة قليلة من الفقراء فنشر القسط والعدل في ربوعها)(‪)1‬‬
‫وي ذكر كي ف واج ه أولئ ك الض عفاء كب ار االمبراطوري ات العالمي ة كف ارس‬
‫والروم‪ ،‬وكيف استطاعوا أن يهزموهم؛ فقال‪( :‬وفي وقت كان الفرس يزين ون خي ولهم‬
‫بالذهب وأمثاله‪ ،‬جاء هؤالء الحفاة الحاسري الرؤوس‪ ،‬تتناوب كل مجموعة منهم على‬
‫جم ل أو حص ان واح د‪ ،‬ألنهم ك انوا يفتق رون إلى التع داد الك افي من الخي ل والجم ال‬
‫والمؤن المناسبة؛ لكنهم كانوا مقت درين‪ :‬إذ منحتهم تع اليم اإلس الم األص لية تل ك الق وة‬
‫الفائقة‪ ،‬وقد منحهم ذلك ال ذي جس د حقيق ة اإلس الم‪ ،‬تل ك الق وة ال تي جعلت من أولئ ك‬
‫المع دمين ال ذين ك انوا يتخطفهم الن اس‪ ،‬يحمل ون س يوفهم الي وم ويهزم ون ه اتين‬
‫االمبراطوريتين‪ ،‬وفي ذلك الوقت ك انت هات ان اإلمبراطوريت ان تهيمن ان على الع الم؛‬
‫فكيف هزمهما تعداد قليل من العرب المعدمين والصعاليك ال ذين ك انت جيوش هم تفتق د‬
‫العدة الكافية من السيوف والدروع وسائر المعدات الضرورية؟! لقد انطلق هؤالء بأي د‬
‫خالية لكنهم ك انوا يتمتع ون بق وة معنوي ة عالي ة وهبه ا لهم اإلس الم‪ ،‬فلم يكون وا مثلن ا‬
‫ضعاف النفوس والقل وب!! انطلق وا بتل ك الع دة القليل ة والق وة اإللهي ة والدعام ة ال تي‬
‫وفرها اإلسالم ودعوتهم لهم‪ ،‬وهزموا اإلمبراطوريتين العظم يين وفتح وا أراض يهما‪،‬‬
‫حيث فتحت ايران وبالد ال روم في وقت لم يمض على ظه ور اإلس الم ثالث ون عام اً‪،‬‬
‫وامت دت دول ة اإلس الم إلى ذاك الج انب من إفريقي ا والى إس بانيا‪ .‬غ ير أن المس لمين‬
‫انفسهم أظهروا فيما بعد تراخيا ً وضعفاً‪ ،‬وهذه قضية أخرى)(‪)2‬‬
‫ثم ي ذكر كي ف ك ان رس ول هللا ‪ ،‬وخلف اؤه من بع ده؛ فيق ول‪( :‬عن دما ن درس‬
‫مصادر اإلسالم األصلية النج د فيه ا أي تأيي د لم زاعم من قبي ل اإلس الم ج اء لتس ليط‬
‫السالطين واألقوياء على الفقراء والضعفاء‪ ،‬لنرى كيف كانت حياة دعاة اإلسالم؟ على‬
‫سبيل المثال‪ ،‬الرسول األكرم ومن بعده الخلفاء األوائل ـ الذين كانوا على نحو آخر ـ ثم‬
‫اإلمام علي أمير المؤمنين‪ ..‬فهل كانت حياتهم تشبه حياة وعاظ البالط؟ وهل كان للنبي‬
‫‪ ‬بالط أم أنه ح ارب البالط ات ودمره ا؟!‪ ..‬ه ل ك ان أم ير المؤم نين من أص حاب‬
‫البالطات أم أنه جاهد س لطة ك انت تتس تر باإلس الم مث ل س لطة معاوي ة‪ ،‬وقتال ه له ذه‬

‫‪ )(1‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ ،4‬ص‪.221 :‬‬


‫‪ )(2‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ ،4‬ص‪.222 :‬‬

‫‪203‬‬
‫السلطة هو حجتنا الشرعية على جواز ومش روعية ب ل وج وب الجه اد ال ذي يخوض ه‬
‫المس لمون ض د ه ذه الس لطة الفاس دة (نظ ام الش اه)؟ كم ا أن حجتن ا الش رعية على‬
‫مشروعية ذلك تستند أيضا ً إلى عمل سيد الشهداء (اإلمام الحسين)‪ ،‬حيث جاه د اإلم ام‬
‫علي وابنه سيد الشهداء هذين الرجلين اللذين تسلطا على الشامات)(‪)1‬‬
‫وي رد على دع وى اقتص ار تحقي ق المس اواة والعدال ة االجتماعي ة على النظ ام‬
‫ال ديمقراطي؛ فيق ول‪( :‬ه ل ك انت الحكوم ة اإلس المية‪ ،‬ونقص د هن ا ص در اإلس الم‬
‫ومصادره األصلية‪ ،‬حكومة ديمقراطية أم نظاما ً متجبراً استبدادياً؟! أعطونا نم اذج من‬
‫ال دول الديمقراطي ة األولى في الع الم‪ ،‬تش ابه م ا ينقل ه الت اريخ عن الحكم اإلس المي؛‬
‫وبعدها قولوا‪ :‬إن هذا أفضل من ذاك)‬
‫ثم راح ينقل لهم بعض الوقائع التاريخية عن رسول هللا ‪ ،‬والخلف اء من بع ده؛‬
‫فيقول‪( :‬الروايات بهذا الخصوص كثيرة‪ ،‬ولكن أنقل لكم نماذج احدها عن حياة رس ول‬
‫هللا ‪، ‬واآلخ ر عن أم ير المؤم نين‪ ،‬وث الث عن الخليف ة الث اني‪ .‬فعن دما أراد عم ر‬
‫الذهاب إلى مصر بعد فتحها وتعاظم قوة اإلسالم الذي انتشر في ك ل مك ان؛ ك ان لدي ه‬
‫بعير يتناوب على ركوبه مع غالمه؛ فكان أحدهما يركبه واآلخر يأخذ بزمام ه ويق وده‬
‫فإذا تعب ركبه ونزل اآلخر وهكذا؛ وعن دما دخ ل مص ر ك انت نوب ة رك وب الراحل ة‬
‫لمرافق ه الغالم‪ ،‬حس بما ي روي الت اريخ؛ فك ان الخليف ة يق ود الراحل ة والغالم راكب اً‪،‬‬
‫واستقبله أهل مصر على هذه الحال ة؛ هك ذا ك ان ح ال الخليف ة‪ ،‬ورغم مؤاخ ذاتنا على‬
‫عم ر‪ ،‬غ ير أن ه ذا التص رف تص رف إس المي‪ ،‬وه و من برك ات اإلس الم وتجس يد‬
‫لتعاليمه‪ ،‬وهكذا كان نبي اإلسالم‪ ،‬إذ كان يمتطي الحمار‪ ،‬وي ردف خلف ه شخص ا ً آخ ر‬
‫يشرح له أحكام اإلسالم ويعلمه‪ ،‬هاتوا لنا نموذجا ً واحداً من ه ذه ال ديمقراطيات يش ابه‬
‫هذه النماذج حيث يتعامل سلطان زمانه الذي كانت رقع ة س لطنته تتس ع ع دة أض عاف‬
‫عن رقعة إيران أو فرنسا‪ ،‬هاتوا لن ا بس لطان ديمق راطي يتعام ل م ع خادم ه على ه ذا‬
‫النح و فيتن اوب مع ه رك وب الراحل ة دون أي ة أبه ة‪ ،‬انظ روا كي ف ي دخل س لطان‬
‫(ديمقراطي) فاتح دولة مهزمة‪ ،‬ثم قارنوا ذل ك م ع خليف ة ي دخل بل داً مفتوح ا ً م ترجاًل‬
‫وبيده زمام راحلة استقر عليها غالمه ال ذي ك ان يتن اوب م ع الخليف ة ركوبه ا؛ فج اءه‬
‫أشراف مصر وعظموه جميعاً‪ .‬فما ذلك إال من وحي تعاليم اإلسالم)(‪)2‬‬
‫ويبين لهم كيف كان رسول هللا ‪ ‬مع رعيته‪ ،‬وتواضعه معهم‪ ،‬وعدم اس تعالئه‬
‫عليهم‪ ،‬بل كونهم كأحدهم‪ ،‬يقول‪( :‬والنبي األكرم ‪ ‬ك ان يجلس بين أص حابه ويعلمهم‬
‫ويحدثهم ويبين األحكام لهم ويقضي بينهم ويقوم بكافة مهامه بنحو إذا دخ ل الغ ريب لم‬
‫يتمكن من التعرف عليه بين الجالسين؛ فال يميز الحاكم عن الرعية؛ فلم يكن لديه ح تى‬
‫هذا المقعد الذي أجلستموه عليه‪ ،‬إذ أنه كان يجلس على األرض وعليها يتناول طعامه؛‬
‫وأي طعام بسيط هو؟ هل تتصورون أنهم كانوا يعدون له طعاما ً ومائدة متنوعة؟! كال‪.‬‬

‫‪ )(1‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ ،4‬ص‪.222 :‬‬


‫‪ )(2‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ ،4‬ص‪.224 :‬‬

‫‪204‬‬
‫كيف كان إدام اإلمام أمير المؤمنين الذي ك ان يحكم دول ة تزي د مس احتها على مس احة‬
‫ايران أضعافا مضاعفة؟ كان طعامه قطعة من خ بز الش عير يض عها في ج راب ويختم‬
‫عليها لكي ال تصب عليها ابنته مثاًل شيئا ً من الزيت يرطبها قلياًل شفقة عليه‪ ،‬أج ل ه ذا‬
‫الخ بز الي ابس ه و طع ام (االم براطور) ال ذي ك ان يحكم دول ة عظيم ة‪ ،‬وهك ذا ك ان‬
‫سلوكه) (‪)1‬‬
‫ويضرب لهم مثاال على المساواة التي ك ان يمارس ها رس ول هللا ‪ ‬إب ان تولي ه‬
‫قيادة المسلمين في المدينة المنورة‪ ،‬باعتباره ـ كم ا ي ذكر الخمي ني ـ أول ولي فقي ه في‬
‫هذه األمة؛ فيقول‪( :‬رسول هللا ‪ ‬ارتقى المنبر في أيامه األخ يرة‪ ،‬وخطب في الن اس‪،‬‬
‫وقال‪( :‬فمن كان له قبلي تبعة أو مظلمة فليتقص مني)‪ ،‬ولم يكن ألح د علي ه ح ق؛ فق ام‬
‫رجل‪ ،‬وذكر أن قضيب ناقة الرسول ‪ ‬أصاب بطن ه في المعرك ة الفالني ة‪ ،‬فق ال ل ه‪:‬‬
‫(قم واقتص م ني ح تى ترض ى)؛ ف ذكر الرج ل أن بطن ه ك انت عاري ة‪ ،‬وطلب من‬
‫الرسول ‪ ‬أن يكشف عن بطنه ففعل‪ ،‬فقبلها الرجل‪ ،‬فكان يهدف من قول ه تقبي ل بطن‬
‫الرسول ‪)2()‬‬
‫ثم علق عليها بقوله‪( :‬أي ديمق راطي‪ ،‬وأي رئيس جمهوري ة ع ادل! يق وم بمث ل‬
‫هذا العمل؛ أيهم يعطي أحداً من رعيته حق القصاص؟ أين تجدون مثل هذا السلوك في‬
‫أية دولة من هذه الدول الديمقراطية‪ ..‬هذا هو اإلسالم ال ذي تص فونه باالس تبداد؛ وتل ك‬
‫هي ال ديمقراطيات األخ رى! نحن نق ول‪ :‬إن بل دانكم ليس ت ديمقراطي ة‪ ،‬ب ل هي‬
‫إستبدادية‪ ،‬وإن تنوعت المظاهر‪ ،‬وإن رؤس اء جمهوري اتكم مس تبدون غاي ة األم ر أن‬
‫العناوين كثيرة جداً لكنها ألفاظ دون محتوى) (‪)3‬‬
‫وبعد أن ذكر هذا النموذج وغيره راح يذكر للحضور‪ ،‬وعلى مس مع من الع الم‪،‬‬
‫أن هذه الحكومة التي مثلها رسول هللا ‪ ‬هي الحكومة اإللهي ة ال تي ي راد تحقيقه ا في‬
‫الواقع اإليراني‪ ،‬بل الواقع اإلسالمي جميعا‪ ،‬قال‪( :‬نحن عندما نطالب بالحكم اإلسالمي‬
‫إنما نتطلع لمثل هذه السلوكيات‪ ،‬نحن نريد حكوم ة إذا اس تدعى القاض ي رئيس ها ل بى‬
‫وحضر على الفور؛ فهل من الممكن أن يقول أحد لـ (ص احب الجالل ة) إن ك غص بت‬
‫مالي؟ هل يمكن ألحد أهالي مازندران أن يقول للشاه مث ل ذل ك؟ وه ل يج رؤ القاض ي‬
‫على استدعاء (صاحب الجاللة) ح تى في األوض اع الحالي ة ال تي تعل و فيه ا ص يحات‬
‫األطفال بالموت للشاه؟ وأنتم تعرفون أي وضع مأساوي كان حاكما ً قبل أعوام‪ ،‬ولكنكم‬
‫ترون في المقابل‪ -‬في الحكومة اإلسالمية‪ -‬أن القاضي يستدعي رئيس الدول ة فيحض ر‬
‫ويحكم القاضي ضده فيسلم لحكمه دون نقاش) (‪)4‬‬
‫وقد ظل اإلمام الخميني يردد ه ذه المع اني بع د انتص ر الث ورة اإلس المية؛ ففي‬

‫‪ )(1‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ ،4‬ص‪.224 :‬‬


‫‪ )(2‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ ،4‬ص‪.225 :‬‬
‫‪ )(3‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ ،4‬ص‪.225 :‬‬
‫‪ )(4‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ ،4‬ص‪.225 :‬‬

‫‪205‬‬
‫أول نداء وجهه للشعب اإليراني بمناسبة اعالن الجمهوري ة اإلس المية‪ ،‬ق ال‪( :‬لق د َّ‬
‫من‬
‫هللا تعالى علينا؛ فحطم نظ ام االس تكبار بي ده المقت درة ال تي تمث ل ق درة المستض عفين‪،‬‬
‫وجع ل من ش عبنا امام ا ورائ دا للش عوب المستض عفة وقيض لكم إرث ه الح ق بإقام ة‬
‫الجمهورية اإلسالمية‪ ،‬إنني أعلن في هذا اليوم المب ارك‪ ،‬ي وم أمام ة االم ة وي وم الفتح‬
‫والظفر للشعب‪ ،‬أعلن قيام الجمهورية اإلسالمية االيراني ة‪ ..‬مب ارك لكم الحكوم ة ال تي‬
‫ستنظر سواسية إلى الجميع‪ ،‬مبارك لكم نور العدالة االلهية الذي سيس طع على الجمي ع‬
‫بشكل متجانس‪ ،‬مبارك لكم غيث رحمة القرآن والسنة النبوية الذي سينزل على الجميع‬
‫دون تفريق‪ ،‬مبارك لكم هذه الحكومة التي ال تنظر إلى اختالف العنصر وال تف رق بين‬
‫األس ود واألبيض وال تركي والفارس ي والل ري والك ردي والبلوش ي‪ ،‬ف الجميع إخ وة‬
‫والكرامة فقط وفقط في ظل التقوى والتفاضل ب االخالق الس امية واألعم ال الص الحة‪،‬‬
‫مبارك لكم هذا اليوم الذي ينال فيه كل أبناء الشعب حقوقهم المشروعة‪ ،‬وال يف رق في ه‬
‫بين الم رأة والرج ل أو بين االقلي ات الديني ة واآلخ رين في اج راء العدال ة‪ ،‬لق د دفن‬
‫الط اغوت وس وف ي دفن بع ده الطغي ان واالس تبداد‪ ،‬وتم انق اذ البالد من أس ر االع داء‬
‫الداخليين والخارجيين والناهبين والسارقين‪ ،‬واصبحتم اآلن يا ابناء هذا الشعب الشجاع‬
‫حراس الجمهورية اإلسالمية‪ ،‬أصبحتم مكلفين بحفظ هذا اإلرث اإللهي بح زم واقت دار‬
‫والحيلول ة دون نف وذ فل ول النظ ام المتعفن ال ذين يتربص ون بن ا وأنص ار اللص وص‬
‫الدوليين وسراق النفط الطفيليين)(‪)1‬‬
‫وفي ذل ك اإلعالن الت اريخي أعطى المس اواة بين جمي ع أف راد الش عب أهمي ة‬
‫كبرى؛ قال‪( :‬أق ول لجمي ع فئ ات الش عب للجمي ع بأن ه اليوج د في اإلس الم تم ايز بين‬
‫األغني اء وغ ير االغني اء‪ ،‬بين االس ود واالبيض‪ ،‬بين الفئ ات المختلف ة‪ ،‬بين الس نة‬
‫والشيعة‪ ،‬العرب والعجم‪ ،‬والترك وغير الترك أبدا‪ ،‬والقرآن جع ل التم ايز على أس اس‬
‫التقوى والعدالة؛فمن اتقى كان مميزا‪ ،‬ومن تتجسد فيه معاني روحية عالية فهو متميز‪،‬‬
‫فاالمتي از ليس بالمادي ات وليس بالملكي ة وال ثروة‪ ،‬يجب أن ت زول ه ذه االمتي ازات‬
‫فالناس سواسية‪ ،‬الجميع يحصلون على حقوقهم‪ ،‬والجميع متساوون في الحقوق‪ ،‬ك ذلك‬
‫يجب مراعاة حقوق االقليات الدينية‪ ،‬فاإلس الم ي وليهم احترام ا خاص ا‪ ،‬اإلس الم ي ولي‬
‫جمي ع الفئ ات احترام ا‪ ،‬االك راد وس ائر القومي ات الموج ودة‪ ،‬جميعهم اخوانن ا ونحن‬
‫اخوانهم‪ ،‬جميعنا ابناء ش عب واح د ودين واح د‪ ..‬إنن ا إخ وة‪ ،‬نحن إخ وة البن اء العام ة‬
‫والسنة وال يحق لنا التآمر على بعضنا‪ ،‬بل علينا أن نحف ظ حق وق بعض نا بعض ا‪ .‬نحن‬
‫متساوون في الحقوق‪ ،‬والدستور أيضا إن شاء هللا سيطرح أمام الشعب لالق تراع علي ه‬
‫لحظ حقوق الجميع‪ ،‬وال يوجد في اإلسالم فرق بين فئة وفئ ة‪ ،‬الف رق يكمن في التق وى‬
‫فقط‪ ،‬في تقوى هللا) (‪)2‬‬
‫وهكذا نجد خطاباته ونداءاته جميعا تدعو إلى المس اواة باعتباره ا ركن ا أساس يا‬

‫‪ )(1‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ ،6‬ص‪.360 :‬‬


‫‪ )(2‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ ،6‬ص‪.360 :‬‬

‫‪206‬‬
‫من األركان التي يقوم عليها النظام اإلسالمي‪ ،‬مثله مثل الحرية واإلخ اء‪ ،‬يق ول‪( :‬ليس‬
‫في اإلس الم كبت وقم ع‪ ،‬اإلس الم يض من الحري ة لجمي ع الفئ ات‪ :‬للنس اء‪ ،‬للرج ال‪،‬‬
‫واالبيض واالسود‪ ،‬للجميع‪ .‬على الناس أن يخافوا من اآلن فص اعداً من أنفس هم ال من‬
‫الحكوم ة‪ ،‬أن يخ افوا من انفس هم ومن احتم ال ارتك ابهم لخط أ معين‪ .‬فحكوم ة الع دل‬
‫تحول دون وق وع المخالف ات واالخط اء‪ ،‬وتع اقب على ارتكابه ا‪ .‬علين ا أن نخ اف من‬
‫أنفسنا خشية أن نقع في المخالفات‪ ،‬وإال فإن حكومة اإلسالم لن ترتكب المخالف ات؛ فال‬
‫يوجد جه از اس تخبارات بع د اآلن‪ ،‬وليس هن اك من ع ذاب يمارس ه ه ذا الجه از ليس‬
‫بوسع رجال السافاك بعد اآلن أن يضطهدوننا أو يضطهدوا شعبنا‪ ،‬لن تتمكن الحكوم ة‬
‫من اضطهاد الشعب بعد اآلن‪ ،‬فالحكومة اإلسالمية في خدمة الش عب‪ ،‬عليه ا أن تك ون‬
‫في خدم ة الش عب‪ .‬وإذا م ا م ارس رئيس ال وزراء أي ظلم ف إن على أبن اء الش عب أن‬
‫يشكوه للمحاكم‪ ،‬وعلى المحاكم استدعاءه‪ ،‬وإذا ثبتت عليه التهمة فلتعاقبه؛ ففي اإلس الم‬
‫ال يوجد من فرق بين رئيس الوزراء ومن عداه)(‪)1‬‬
‫ويبين في خطاب آخر أن سبب كل ما أصاب المس لمين من ويالت وتخل ف ه و‬
‫ذلك التمييز العنصري الذي ك ان من آث ار الجاهلي ة‪ ،‬يق ول‪( :‬إن المس ألة المهم ة ال تي‬
‫جعلت البالد اإلسالمية مغلوبة على أمرها وأبعدتها عن ظالل القرآن الكريم هي مسألة‬
‫التمييز العرقي‪ :‬فه ذا من أص ل ت ركي‪ ،‬ويجب أن يُص لِّي ص الته بالتركي ة‪ ،‬وه ذا من‬
‫أصل ايراني ويجب أن تكون حروفه الهجائية كذا‪ ،‬وذل ك من أص ل ع ربي‪ ،‬ويجب أن‬
‫تحكم العروبة وليس اإلسالم‪ ،‬ويجب أن يحكم األصل اآلري وليس اإلسالم متناسين ما‬
‫يرتكز عليه المسلمون جميعاً! ويؤس ف على أنهم ج رّدوا المس لمين من ه ذا المرتك ز‪،‬‬
‫وال أدري إلى أين سيؤول األم ر؟! لعب ة القومي ة ه ذه هي ال تي ج اء اإلس الم وش طب‬
‫عليها بخط أحمر‪ ،‬ولم يفرق بين األس ود واألبيض‪ ،‬وبين ال ترك والعجم‪ ،‬وبين الع رب‬
‫وغير العرب اال بالتقوى والخوف من هللا‪ ،‬والتقوى بمعناها الحقيقي‪ :‬التق وى السياس ية‬
‫والمادية والمعنوية‪ ..‬ليس هناك ترك وف رس‪ ،‬وع رب وعجم‪ ،‬ف المرتكز ه و اإلس الم‪.‬‬
‫وأما قضية التفرقة العرقية‪ ،‬فإنه ا رجعي ة‪ ،‬أن الس ادة يعتبرونن ا رجع يين في حين أنهم‬
‫يريدون أن يعودوا القهقرى إلى الفين وخمس مئة عام)(‪)2‬‬
‫ولكن الخميني مع ك ل ه ذه ال دعوات للمس اواة‪ ،‬ي رد على تل ك المف اهيم الس يئة‬
‫المرتبطة بها‪ ،‬والتي حاول الشاه من خاللها أن يغير أحكام ال دين أو يس يء إلي ه‪ ،‬ومن‬
‫األمثل ة على ذل ك معارض ته لبعض الق وانين ال تي أص درها الش اه‪ ،‬وال تي تس يء إلى‬
‫المرأة بحجة مساواتها مع الرجل‪ ،‬فقال في نداء وجهه للشعب‪ ،‬يطلب فيه معارضة تلك‬
‫القوانين‪( :‬إنا هلل وإنا اليه راجعون‪ ،‬لقد اعتدت الس لطة الحاكم ة في إي ران على احك ام‬
‫اإلسالم المق ّدسة‪ ،‬وتنوي االعتداء على احك ام الق رآن المس لّمة‪ ،‬إن ن واميس المس لمين‬
‫على وشك أن تنتهك‪ ،‬وأن السلطة المتجبّ رة بمص ادقتها على الل وائح المخالف ة للش رع‬

‫‪ )(1‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ ،6‬ص‪.368 :‬‬


‫‪ )(2‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.345 :‬‬

‫‪207‬‬
‫والدستور‪ ،‬تسعي لإلس اءة إلى النس اء العفيف ات وإذالل الش عب االي راني‪ ..‬إن الس لطة‬
‫المتجبرة تتطلع للمصادقة على مساواة حقوق المرأة والرج ل والعم ل به ا‪ ،‬وهي ب ذلك‬
‫تتخلّى عن أحكام اإلس الم والق رآن الك ريم الض رورية‪ ،‬أي أنه ا تس وق الفتي ات ذوات‬
‫السبعة عشر ربيعا ً إلى الخدم ة العس كرية‪ ،‬وت زج بهن في المعس كرات‪ ،‬وت دفع ب القوة‬
‫والحراب الفتيات المسلمات العفيفات إلى مراكز الفحشاء)(‪)1‬‬
‫بناء على هذه التصريحات ال تي ت ذكر الخلفي ة الفكري ة ال تي ينطل ق منه ا نظ ام‬
‫الجمهوري ة اإلس المية‪ ،‬ومص ادرها في ذل ك نح اول أن ن ذكر هن ا قض يتين مهم تين‬
‫يتطرق الغرب إليهما عادة عند الحديث عن المساواة؛ فيعتبرهما معيارا لتحققها‪ ،‬وهم ا‬
‫الموق ف من الم رأة وحقوقه ا‪ ،‬وعالقته ا بالرج ل‪ ،‬والموق ف من العم ال‪ ،‬وحق وقهم‪،‬‬
‫وسنتناولهما في العنوانين التاليين‪:‬‬
‫أوال ـ المرأة وحقوقها في الرؤية السياسية اإليرانية‪:‬‬
‫ربما تكون المرأة‪ ،‬والحقوق المرتبطة بها من أهم القضايا التي يتعلق بها الغرب‬
‫وأذنابه من الع رب‪ ،‬ومن ينط ق باس مهم من جمعي ات حق وق اإلنس ان في م وقفهم من‬
‫الجمهورية اإلسالمية اإليرانية‪ ،‬ذلك أنهم ال ينتبهون لوجود المرأة اإليراني ة في جمي ع‬
‫المؤسس ات العلمي ة‪ ،‬ومراك ز األبح اث‪ ،‬وجمي ع المعام ل والمؤسس ات ال تي تناس ب‬
‫طبيعتها وقدرتها‪ ،‬وجميع المؤسسات الحقوقية والسياسية‪ ،‬وح تى الرياض ية‪ ،‬ويكتف ون‬
‫فقط بالنظر إلى تل ك العب اءة ال تي تلبس ها‪ ،‬أو ذل ك الخم ار ال ذي تض عه على رأس ها‪،‬‬
‫ويتصورون أنه فرض عليها‪ ،‬وأنها لن تتحرر إال بنزعه‪ ،‬وال يعلم ون أن ه الت اج ال ذي‬
‫وضعه على رأسها الولي الفقيه‪ ،‬حتى يخرجها من أن تكون سلعة مهانة‪ ،‬بدل أن تكون‬
‫إنسانا مكرما‪.‬‬
‫وذلك كله مبني على مغالطات كبيرة لمفهوم حقوق اإلنسان‪ ،‬والذي أراد الغ رب‬
‫فرضه على هذه األمة‪ ،‬ب ل على البش ر جميع ا ليمس خهم عن ط بيعتهم‪ ،‬وينكس هم عم ا‬
‫تقتضيه أخالقهم وقيمهم؛ فمفهوم حقوق اإلنس ان عن د الغ رب يختل ف عن مفهوم ه في‬
‫الشرق‪ ،‬ويختلف مفهومه عند المسلمين خصوصا؛ فحقوق اإلنسان في اإلس الم ترتب ط‬
‫بحقيقة اإلنس ان‪ ،‬وب القيم األخالقي ة الرفيع ة‪ ،‬بينم ا هي في الغ رب مراع اة لك ل ن زوة‬
‫وش ذوذ وانح راف‪ ،‬ول ذلك أج ازوا ال زواج المثلي‪ ،‬وحول وا الم رأة إلى مج رد س لعة‬
‫يتاجرون بها‪ ،‬مثل سائر السلع‪.‬‬
‫ولذلك كان من ق وة النظ ام اإلي راني وس يادته واس تقالليته ع دم تبعيت ه لهم فيم ا‬
‫يذكرونه عن حقوق اإلنسان في هذا الجانب‪ ،‬ذل ك أن ه ك ان يمكن ه أن ي تيح أمث ال ه ذه‬
‫الحريات ليحافظ على صورته الحسنة‪ ،‬مثلما يفعل النظ ام ال تركي ال ذي يزعم ون أن ه‬
‫نظام إسالمي‪ ،‬أو مثلما تفعل الكثير من األنظمة التي تتيح ك ل الحري ات‪ ،‬لتحاف ظ على‬
‫سلطتها واستبدادها‪ ،‬ألن المهم عندها سلطتها‪ ،‬ال شعبها‪.‬‬
‫ولهذا نرى الخميني يرد على كل تلك األطروح ات المرتبط ة بحق وق اإلنس ان‪،‬‬

‫‪ )(1‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.163 :‬‬

‫‪208‬‬
‫والتي تخالف في نفس الوقت الش ريعة اإلس المية؛ فق د ق ال في ح وار أج ري مع ه في‬
‫باريس قبل انتصار الثورة اإلسالمية مبينا الفرق بين تصوره لحقوق المرأة‪ ،‬والحق وق‬
‫التي يتصورها الغرب‪ ،‬وال تي ك ان الش اه ينف ذها بك ل دق ة‪ّ :‬‬
‫(إن الش اه ه و ال ذي يج ّر‬
‫النساء للفساد‪ ،‬ويريد أن يجعل منهن ليس أك ثر من دُمى‪ ،‬وال دين يع ارض ه ذا الواق ع‬
‫المأساوي ال حرية المرأة‪ ،‬وقد برهنت مشاركة النساء في االستفتاء االخ ير على م دى‬
‫تفاهة مزاعم الش اه الفارغ ة للجمي ع‪ ،‬النس اء انتفض ن للوق وف على ق دم المس اواة م ع‬
‫الرجال‪ ،‬وطالبن بحريتهن واستقاللهن‪ ،‬وأَد ََّن الشاه‪ ،‬وكما هو معروف قُتل في (الجمعة‬
‫السوداء) نحو ستمائة امرأة من نس ائنا الح رات على أي دي عمالء الش اه‪ ،‬ه ذا ه و فهم‬
‫الشاه لحرية المرأة والتطور الحضاري)(‪)1‬‬
‫والخميني يذكر أن هذا ليس مطلبه فقط‪ ،‬وال مطلب الدين الذي يفرض ه الرج ال‬
‫على النساء‪ ،‬بل هو مطلب النساء اإليرانيات العفيفات المحافظات الالتي يرفض ن تل ك‬
‫الحرية والمساواة التي يريدها الغرب؛ فيقول‪( :‬إن النساء الب ارزات في إي ران الل واتي‬
‫يطالبن بحقوقهن اإلنسانية‪ ،‬ويشكلن أكثرية النساء اإليراني ات ي ثرن الي وم على الش اه‪،‬‬
‫وي ردن تحطيم ه وجميعهن الي وم يعلمن أن حري ة الم رأة في منط ق الش اه إنم ا تع ني‬
‫تحطيم مكانة المرأة اإلنسانية والتعامل معها ك أداة‪ ،‬إن الحري ة في منط ق الش اه تع ني‬
‫ملء الس جون من النس اء اإليراني ات الل واتي ال يرض خن لالنحطاط ات األخالقي ة‬
‫الشاهنشاهية)(‪)2‬‬
‫ويذكر األسباب ال تي جعلت الش اه يطب ق تل ك الحق وق المزيف ة للم رأة في نفس‬
‫الوقت الذي يغض الطرف عن حقوقها الحقيقية التي تري دها؛ فيق ول‪( :‬عن دما زار ه ذا‬
‫الرجل غير الالئق تركية رأى أتاتورك مارس مثل ه ذه األعم ال الش ائنة‪ ،‬ومن هن اك‬
‫أرسل برقية إلى أزالمه أن يوحّدوا أزياء الناس‪ ..‬وهُتك الحجاب تقليداً ألت اتورك غ ير‬
‫الالئق‪ ،‬أتاتورك المسلم غير الص الح‪ ،‬وم ا تب ع ذل ك من فض ائح‪ ،‬هللا يعلم م اذا ج رى‬
‫على هذا الشعب اإليراني في نزع الحج اب ه ذا‪ ،‬ه ؤالء م ّزق وا حج اب اإلنس انية‪ ،‬هللا‬
‫خ َّدرات هُتِكت حرمتُها على أيدي هؤالء وعدد الذين هتكوهم) (‪)3‬‬ ‫يعلم كم من الم ُ‬
‫وذك ر بعض المظ اهر عن ذل ك التهت ك واالس تبداد ال ذي مارس ه باس م حق وق‬
‫المرأة‪ ،‬ومنها أنه كان يجبر النساء على سلوكات ال تليق بكرامتهن‪ ،‬يقول‪( :‬لقد أجبروا‬
‫العلماء‪ -‬بقوة الحراب‪ -‬على المشاركة م ع نس ائهم في االحتف االت‪ ،‬وك انت أمث ال تل ك‬
‫االحتف االت على حس اب الجم اهير‪ ،‬والن اس ت دفع ثمنه ا بك اء وألم اً‪ ،‬وهك ذا ك انوا‬
‫يروّجون للتب ّرج‪ ،‬ويدعون بقية الناس مجموعة مجموعة‪ ،‬ويج برونهم على أن يحتفل وا‬
‫مع نسائهم دون حجاب‪ .‬كانت حرية الم رأة هي ه ذه ال تي ك انوا يفرض ونها‪ .‬يج برون‬
‫الناس المحترمين‪ ،‬والتجار المحترمين‪ ،‬والعلماء وأصحاب المهن لتنفيذ رغب اتهم بق وة‬

‫‪ )(1‬صحيفة اإلمام‪ ،‬ج‪ ،3‬ص‪.401 :‬‬


‫‪ )(2‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ ،5‬ص‪.166 :‬‬
‫‪ )(3‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ ،3‬ص‪.274 :‬‬

‫‪209‬‬
‫السالح‪ .‬بكى الناس كثيراً‪ ،‬ولو أن هؤالء كان لديهم حي اءاً لن دموا على ذل ك االحتف ال)‬
‫(‪)1‬‬
‫وقد كان الشاه مع كل هذا االستبداد في فرض ما ال يتناسب مع طبيع ة المجتم ع‬
‫اإليراني مرضيا عن ه عن د جمعي ات حق وق اإلنس ان‪ ،‬ألن ح ق الم رأة عن دهم مرتب ط‬
‫بتبرجها وانحاللها األخالقي؛ وما عدا ذلك ال يعتبره‪ ،‬وال يهتم له‪.‬‬
‫وفي مقابل ذلك المفهوم لحقوق المرأة والذي تبناه الش اه‪ ،‬ووافق ه علي ه الغ رب‪،‬‬
‫نرى مفهوما آخر لهذه الحقوق عند الخميني‪ ،‬وهو مفهوم يتناسب مع اإلس الم والفط رة‬
‫وكرامة المرأة؛ ففي مقابلة للخميني بباريس قبل انتصار الثورة اإلس المية س أله أس تاذ‬
‫بجامعة أمريكية قائال‪( :‬يقال بأن الرئيسة السابقة التح اد النس اء الحقوقي ات اإليراني ات‬
‫السيدة مهوش صفي نيا كانت قد صرحت بأن النش اط ال ديني في إي ران أج بر المجلس‬
‫على إقرار القوانين ال تي تح د حق وق النس اء‪ .‬مث ل تخفيض س ن ال زواج إلى الخامس ة‬
‫عش رة‪ ،‬ومن ع مش اركة النس اء في الجيش وإعالن (اإلجه اض) عماًل اجرامي اً‪ ..‬فه ل‬
‫تؤيدون مثل هذه القوانين؟)‬
‫فأجاب الخميني‪( :‬فيما يتعلق بالزواج أعطى اإلس الم الم رأة الحري ة في اختي ار‬
‫الزوج‪ ،‬وباستطاعة كل امرأة أن تختار الرجل الذي تريده في إطار القوانين اإلسالمية‪.‬‬
‫واإلسالم يعارض اإلجهاض‪ ،‬ويعده حراما ً والنساء كما قلت سابقا ً يس تطيعن االلتح اق‬
‫بالجيش‪ ،‬والشيء الذي يعارضه اإلسالم ويراه حراما ً هو الفساد‪ ،‬سواء كان من ج انب‬
‫المرأة أو الرجل ال ف رق في ذل ك‪ .‬فه ؤالء ال ذين تعت برونهم فقه اء ق انونيين هم ال ذين‬
‫كانوا يض لون نس اءنا دائم اً‪ ،‬نس اؤنا النجيب ات مألن الس جون الي وم‪ ،‬وه ؤالء الفقه اء‬
‫ر وأصيل (نجيب؟)(‪)2‬‬ ‫القانونيون كانوا يؤيدون دائما ً جرائم الشاه‪ .‬فأي الفريقين ح ّ‬
‫وعن سؤال يقول‪( :‬م ا هي التغي يرات ال تي تش عرون بأنه ا الزم ة في المجتم ع‬
‫االيراني لمكانة المرأة في المجتمع االي راني؟ وحس ب نظ ركم كي ف س تغير الحكوم ة‬
‫اإلسالمية أحوال النساء في العم ل في اإلدارات الحكومي ة والعم ل في المهن المختلف ة‬
‫مثل الطب والهندسة والشؤون األخرى مثل الطالق‪ ،‬اإلجهاض‪ ،‬ح ق الس فر‪ ،‬اإلجب ار‬
‫على لبس الشودر (الحجاب)‪ ،‬أجاب الخميني بقوله‪( :‬الشاه وأتباع ه ض للوا الن اس عن‬
‫حرية المرأة‪ ،‬ليروا أن اإلسالم جاء ليجلعها ربة بيت فقط‪ .‬لماذا نعارض تعليم الم رأة؟‬
‫لماذا نعارض عمل المرأة؟ لماذا ال تستطيع المرأة ممارس ة األعم ال الحكومي ة؟ لم اذا‬
‫نعارض سفر المرأة؟ المرأة حرة مثل الرجل في جمي ع ه ذه األم ور‪ ،‬وال ف رق بينهم ا‬
‫أص اًل ‪ .‬نعم الم رأة في اإلس الم يجب أن تحتجب‪ ،‬ولكن ليس من الض روري أن يك ون‬
‫الحجاب شودراً‪ ،‬فالمرأة مخيرة في انتخاب حجابها‪ .‬نحن ال نستطيع واإلس الم ال يري د‬
‫أن تكون المرأة عبارة عن شيء أو لعب ة أطف ال في ي دنا‪ .‬اإلس الم يحاف ظ على كرام ة‬
‫المرأة ويصنع منها انسانا ً فعااًل وماهراً‪ ..‬ونحن لن نسمح أبدا بأن تكون النساء ش يئا ً أو‬

‫‪ )(1‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ ،3‬ص‪.274 :‬‬


‫‪ )(2‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ ،5‬ص‪.201 :‬‬

‫‪210‬‬
‫آلة هوى للرجال‪ .‬واإلسالم يحرم اإلجهاض‪ ،‬وتستطيع الم رأة أن تحتف ظ لنفس ها بح ق‬
‫الطالق ضمن عقد الزواج‪ .‬وما أعطاها اإلس الم من الحري ة واالح ترام لم يمنحه ا له ا‬
‫مدرسة وال قانون)(‪)1‬‬
‫ومع هذا التص ريح وأمثال ه كث ير ال ي زال الغ رب يف رض مفاهيم ه على الع الم‬
‫وعلى الش رق وعلى المس لمين‪ ،‬ليص ور لهم أن حق وق الم رأة لن تتحق ق في الواق ع‬
‫اإليراني إال بعد أن تتحول المرأة إلى سلعة مهانة ذليلة مثلها مثل المرأة الغربية‪.‬‬
‫وهكذا نجد الولي الفقيه المعاصر السيد علي الخ امنئي يس ير على نفس ال درب؛‬
‫فال يتنازل رغم الظروف الكث يرة الص عبة ال تي م رت به ا إي ران عن أي مفه وم تل ك‬
‫المفاهيم التي طرحها أستاذه الخميني‪.‬‬
‫ومن تصريحاته في ذلك قوله‪( :‬بالنسبة لقضية الم رأة ال تي م ا زالت تط رح في‬
‫العالم‪ ،‬فإن كالما ً كثيراً قيل فيه ا ويق ال‪ ،‬وعن دما ننظ ر إلى الخريط ة اإلنس انية للع الم‬
‫والمجتمعات البشرية وإلى المجتمعات اإلسالمية كبلدنا وسائر البلدان اإلس المية‪ ،‬وإلى‬
‫المجتمعات غير اإلسالمية‪ ،‬ومنها المجتمعات التي تع ّد متمدِّنة ومتط ّورة‪ ،‬لألسف فإنن ا‬
‫نجد في كل هذه المجتمعات قضية باسم المرأة ما تزال موج ودة‪ ،‬ه ذا األم ر ي دل على‬
‫وجود نوع من النظرة المعوجّة والسيرة المعو ّج ة‪ ،‬ويحكي عن وج ود ن وع من قص ر‬
‫النظر تجاه القضايا اإلنسانية‪ .‬ويتبين أن البشر رغم ك ّل ِ إدعاءاتهم‪ ،‬ورغم كل الجه ود‬
‫التي قام بها المخلصون والمتح ِّمسون‪ ،‬ورغم ك ّل ِ الجهود الثقافي ة الواس عة ال تي ب ذلت‬
‫حول قضية المرأة خاصة؛ لكنهم حتى اآلن لم يتم ّكنوا من العثور على ص راط مس تقيم‬
‫وطريق صحيح لقضية الجنسين‪ ،‬ولقضية الم رأة ال تي تتبعه ا قض ية الرج ل بش كل أو‬
‫بآخر)(‪)2‬‬
‫وبذلك فإن الخامنئي ومثله الخميني لم يتنازلوا عن مفهومهم لحق وق الم رأة‪ ،‬وال‬
‫لحقوق اإلنس ان ألي وجه ة نظ ر غربي ة‪ ،‬ب ل هم طبق وا مف اهيمهم الخاص ة على ه ذا‬
‫الجانب كما طبقوها في سائر الجوانب‪ ،‬وه و دلي ل على اس تقاللية فكري ة حقيقي ة‪ ،‬وال‬
‫يمكن أن تستقل األرض ما لم يستقل الفكر‪.‬‬
‫وق د نص الدس تور اإلي راني على جمي ع تل ك المع اني الس امية والمتوافق ة م ع‬
‫الشريعة‪ ،‬بل المنطلقة منه ا؛ فق د نص ت الم ادة الحادي ة والعش رون على أن (الحكوم ة‬
‫مسؤولة ـ في إطار اإلسالم ـ عن تأمين حقوق المرأة في كافة المج االت وعليه ا القي ام‬
‫بما يلي‪ 1 :‬ـ إيجاد الظروف المساعدة لتكامل شخص ية الم رأة وإحي اء حقوقه ا المادي ة‬
‫والمعنوية‪ 2 ..‬ـ حماية األمهات وال سيّما في مرحلة الحم ل وحض انة الطف ل‪ ،‬ورعاي ة‬
‫األطفال الذين ال معيل لهم‪ 3 ..‬ـ إيج اد المحكم ة الص الحة للحف اظ على كي ان األس رة‬
‫واستمرار بقائها‪ 4 ..‬ـ توفير تأمين خاص لألرامل‪ ،‬والنساء العجائز‪ ،‬وفاقدات المعيل‪..‬‬
‫‪ 5‬ـ إعطاء األمهات الصالحات القيمومة على أوالدهن عند فقدانهم ال ولي الش رعي من‬

‫‪ )(1‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ ،5‬ص‪.203 :‬‬


‫‪ )(2‬دور المرأة في األسرة‪ ،‬ص‪.16‬‬

‫‪211‬‬
‫أجل رعايتهن)‬
‫وانطالق ا من ه ذا س نحاول في ه ذا المطلب أن نبحث في أن واع الحق وق ال تي‬
‫أولتها الجمهورية اإلسالمية للم رأة‪ ،‬وق د رأين ا أن ه يمكن تص نيفها إلى أربع ة حق وق‪،‬‬
‫هي‪:‬‬
‫أ ـ الحقوق المرتبطة بالصيانة والتكريم‪.‬‬
‫ب ـ الحقوق المرتبطة بالتعليم والتربية‪.‬‬
‫ج ـ الحقوق المرتبطة بالعمل واإلنتاج‪.‬‬
‫د ـ الحقوق السياسية‪.‬‬
‫وسنذكر هنا ـ باختصار ـ الرؤية النظرية والتطبيق العملي لهذه الحقوق األربع ة‬
‫الكبرى‪ ،‬وموقف المغرضين منها‪.‬‬
‫‪ 1‬ـ حقوق المرأة المرتبطة بالصيانة والتكريم‪:‬‬
‫ق د يس تغرب الكث ير من اعتبارن ا ص يانة الم رأة وتكريمه ا حق ا له ا‪ ،‬ب ل أعظم‬
‫حقوقها‪ ،‬وهذا ن اتج عن تل ك األفك ار والفلس فات المادي ة ال تي ح ولت الم رأة اإلنس ان‬
‫المكرمة شيئا من األشياء وسلعة من السلع‪ ،‬ولذلك راحت تض حك عليه ا‪ ،‬وتس خر من‬
‫عقلها‪ ،‬وتذكر لها أن حريتها في أن تض ع نفس ها بالص ورة ال تي تجع ل منه ا جس دا ال‬
‫روح فيه‪ ،‬وال عق ل ل ه‪ ،‬وه و م ا ن راه في الم رأة الغربي ة‪ ،‬ال تي أهينت بك ل أص ناف‬
‫اإلهانات‪.‬‬
‫وبما أن الجمهورية اإلسالمية اإليرانية‪ ،‬ونظام ال ولي الفقي ه‪ ،‬ينب ني على فلس فة‬
‫أخرى غير الفلسفة المادية؛ فقد راح يواجه ذلك االحتق ار واالمته ان للم رأة؛ فس ن من‬
‫الق وانين م ا يحفظه ا من عبث الع ابثين‪ ،‬وأوله ا‪ ،‬م ا ط البت ب ه الش ريعة من فريض ة‬
‫الحجاب‪ ،‬وكل م ا يرتب ط ب ه من س لوكات أخالقي ة تجع ل الم رأة مص ونة مكرم ة‪ ،‬ال‬
‫يتعرض لها المتعرضون‪ ،‬أو يتحرش بها المتحرشون‪.‬‬
‫وإن فرض‪ ،‬وحصل ذلك؛ فإن قوانين العقوبات اإليرانية المس تمدة من الش ريعة‬
‫اإلسالمية تتعامل بحزم شديد مع من يفعلون ذلك‪ ،‬بل قد تعتبرهم من المح اربين ال ذين‬
‫يعدمون‪ ،‬ليكونوا عبرة لغيرهم‪ ،‬ولهذا كانت المرأة اإليرانية من أكثر نساء العالم أمن ا؛‬
‫حيث تسير في الشوارع متى تشاء‪ ،‬ال يجرؤ على التعرض لها أحد‪..‬‬
‫ولو قارنا المخالفات التي تقع في إيران حول النس اء م ع غيره ا من دول الع الم‬
‫المتقدم لوجدنا قيمة تلك القوانين التي فرضتها الجمهورية اإلسالمية‪ ،‬ودورها في حفظ‬
‫األمن‪ ،‬وحفظ المرأة‪ ،‬وكرامتها وصيانتها‪.‬‬
‫ّ‬
‫ففي مقال بعنوان [ما ال تعرفه عن مع دالت التح رّش واالغتص اب في الغ رب]‬
‫أن بالد الديموقراطية والحرّية تعاني من مشكلة خطيرة عن دما‬ ‫ورد هذا التقرير‪( :‬يبدو ّ‬
‫يأتي األمر إلى مع ّدالت التحرش الجنسي واالغتصاب‪ .‬على ال رغم من ظه ور عص ر‬
‫أن النظ رة الجنس ية‬‫التنوير وحقوق المرأة ومساواتها بالرجل على النم ط الغ ربي‪ ،‬إاّل ّ‬
‫للمرأة ما تزال قائمة حتّى في أكثر البلدان تقد ًما وتط ورًا في الع الم‪ ،‬وفي ه ذا التقري ر‬
‫نسلّط الضوء على إحصائيات موثوقة صادرة عن مراكز بحثية وهيئات غربية متعددة‬

‫‪212‬‬
‫عن مع ّدالت التح رش الجنس ي واالغتص اب في الغ رب‪ .‬ليس الغ رض من ه ذه‬
‫اإلحص ائيات الق ول بع دم وج ود ح االت ش بيهة في ش رقنا‪ ،‬إاّل ّ‬
‫أن الف ارق بين النس بة‬
‫والدوافع هي بين السماء واألرض)(‪)1‬‬
‫ثم ذكر اإلحص ائيات ال تي ت دل على المهان ة ال تي تمتهن به ا الم رأة في ال دول‬
‫الغربية التي تزعم لنفسها أنها أكبر من دافع وحقق حقوق المرأة في الواق ع‪ ،‬ومن ذل ك‬
‫قول صاحب المقال‪( :‬وفق إحصائيات ‪ ،1998‬يتم االعتداء على شخص م ا جنس يًا في‬
‫كمتوس ط ح والي ‪ 320000‬ض حية‬ ‫ّ‬ ‫الواليات المتّحدة األمريكية ك ّل ‪ 98‬ثاني ة‪ ،‬وهن اك‬
‫لالعتداءات الجنسية أو التحرّش كل سنة في الواليات المتحدة‪ 54 .‬بالمائ ة من ه ؤالء‬
‫هم بين عمر ‪ 34-18‬سنة‪ .‬و‪ 15‬بالمائة منهم بين الثانية والسابعة عشرة من العم ر‪1 .‬‬
‫ّضن للتحرّش مرّة واحدة على األقل في عملهن)(‪)2‬‬ ‫من بين ك ّل ‪ 3‬نساء يتعر ْ‬
‫هذا بالنسبة إلحصيات ‪ ،1998‬أما بعد ذلك‪ ،‬وفي إحصائيات ‪ ،2015‬فيذكر نقال‬
‫عن الجه ات الرس مية أن (هن اك ‪ 20‬بالمائ ة من جمي ع نس اء أمريك ا تعرّض ْن‬
‫لالغتصاب‪ ،‬يبلغ تعدادهن حوالي الـ‪ 32.2‬مليون امرأة‪ ،‬وهو عد ٌد أكبر من عدد س ّكان‬
‫أن ُخمس نساء أمريكا مغتصبات‪ ،‬والفتيات بين عم ر ‪19-16‬‬ ‫السعودية‪ ،‬وهو ما يعني ّ‬
‫عا ًما معرّضات ‪ 4‬مرات أكثر لالعتداءات الجنسية المختلفة) (‪)3‬‬
‫وهذا كله كما يذكر بناء على ما يتم اإلبالغ عنه إلى الش رطة‪ ،‬م ع العلم ّ‬
‫(أن ‪83‬‬
‫بالمائة من حاالت االغتصاب في الواليات المتّحدة ال يتم اإلبالغ عنها إلى الشرطة)‬
‫ويض يف التقري ر‪( :‬أ ّم ا عن التح رّش الجنس ي‪ ،‬فق د تعرّض ت ‪ 88‬بالمائ ة من‬
‫األمريكيات إلى التحرّش الجنسي مرّة واح دة على األق ل في حي اتهن‪ 25 .‬بالمائ ة من‬
‫هذه الحاالت كانت على األقل من قبل زميل في العمل)‬
‫وي ذكر التقري ر اآلث ار االقتص ادية لتل ك الجريم ة؛ فيق ول‪( :‬االغتص اب يكلّ ف‬
‫الواليات المتّحدة أك ثر من أي جريم ة أخ رى في البالد‪ ،‬حيث ت دفع الوالي ات المتّح دة‬
‫‪ 127‬ملي ار دوالر س نويًا من ميزانيته ا ألج ل ب رامج دعم ص حّية ونفس ية للض حايا‬
‫وأمور أخ رى متعلّق ة بتل ك الج رائم‪ .‬بينم ا ت دفع ‪ 93‬ملي ار دوالر س نويًا لالعت داءات‬
‫ٍ‬
‫العا ّمة و‪ 71‬مليار دوالر فقط لجرائم القتل سنويًا) (‪)4‬‬
‫وقد ذكر التقرير إحصائيات أخرى عن سائر الدول الغربية‪ ،‬وكله ا ص ادرة عن‬
‫مراكز أبحاث رسمية‪ ،‬وهي تدل على ما يعاني ه نس اء الغ رب من ج راء تل ك البهيمي ة‬
‫البشرية التي سببها االنحالل األخالقي‪ ،‬كما سببتها تلك الحرية في اختيار الملبس الذي‬
‫تخرج به المرأة إلى الشارع‪ ،‬والذي يحرض على الجريمة‪.‬‬
‫وقد يعجب الكثير بتلك العناية التي توليها الق وانين األمريكي ة للنس اء المتح رش‬
‫‪ )(1‬ما ال تعرفه عن مع ّدالت التحرّ ش واالغتصاب في الغرب‪ ،‬محمد هاني صباغ‪ ،‬موقع تبيان لصنع الوعي‪20 ،‬‬
‫رمضان ‪1438‬ﻫ‪.‬‬
‫‪ )(2‬المرجع السابق‪.‬‬
‫‪ )(3‬المرجع السابق‪.‬‬
‫‪ )(4‬المرجع السابق‪.‬‬

‫‪213‬‬
‫بهن‪ ،‬وتلك التعويضات التي تسلمها لهن‪ ،‬ولكنهم يغفلون عن أن أمث ال ه ذه الج رائم ال‬
‫يمكن م داواتها‪ ،‬ألنه ا ج رم ش رف وع رض‪ ،‬وهي متعلق ة ب الجوانب النفس ية ال تي ال‬
‫يمكن ألموال الدنيا جميعا أن تسد آالمها‪.‬‬
‫ولهذا نستطيع أن نذكر بكل جزم بأن الدولة الوحيدة في العالم التي وجدت الح ل‬
‫الج ذري له ذه المش كلة هي الجمهوري ة اإلس المية اإليراني ة العتماده ا على الحل ول‬
‫الشرعية المرتبطة بالجانبين‪:‬‬
‫الجانب األول‪ :‬المرأة بإلزامها الحج اب واآلداب المرتبط ة ب ه‪ ،‬ذل ك أن الرج ل‬
‫ينفر عادة من التعرض للمتحجبة الملتزمة‪.‬‬
‫الجانب الثاني‪ :‬وضع أقسى العقوب ات في ح ق من يتع رض للم رأة‪ ،‬أو ي ذلها أو‬
‫يتحرش بها‪ ،‬والتي قد تصل إلى حد اإلعدام‪ ،‬باعتباره محاربا‪.‬‬
‫وفوق ذلك استعمل النظام اإليراني كل مؤسس اته الديني ة والتربوي ة واإلعالمي ة‬
‫والثقافية في مواجهة تلك الظ اهرة الخط يرة‪ ،‬ح تى تحف ظ كرام ة الم رأة وتص ان؛ فال‬
‫يتعرض لها أحد‪.‬‬
‫بل إننا ال نجد في قادة العالم أجمع من اهتم بالحجاب‪ ،‬أو دعا إليه مثلما نراه من‬
‫قادة الجمهورية اإلسالمية اإليرانية‪ ،‬وفي أرفع مستوياتهم‪.‬‬
‫وكمث ال على ذل ك تل ك الخطب الكث يرة ال تي ألقاه ا القائ د الح الي للجمهوري ة‬
‫اإلسالمية اإليرانية السيد علي الخامنئي‪ ،‬وتعرض فيها للحج اب وض رورته وأهميت ه‪،‬‬
‫ومنها قوله‪( :‬عفة المرأة هي أهم عنص ر في شخص يتها‪ ،‬وهي وس يلة لس مو شخص ية‬
‫المرأة ورفعتها وتكريمها في أعين اآلخ رين‪ ،‬ح تى في أعين الرج ال المتهتكين‪ ،‬فعف ة‬
‫المرأة علة احترام شخصيتها‪ ..‬فقضية الحجاب والمحارم وغير المحارم والنظر وع دم‬
‫النظر‪ ،‬إن كل تلك األم ور واألحك ام إنم ا وض عت للمحافظ ة على بق اء العفّ ة س المة؛‬
‫فاإلسالم يولي مسألة عفاف المرأة األهمية‪ ،‬طبعا ً فإن عفاف الرجل مهم أيض اً‪ ،‬فالعف ة‬
‫ليست مختصة بالمرأة‪ ،‬بل على الرجال أيضا ً أن يل تزموا العف ة‪ ،‬ك ل م ا في األم ر أن‬
‫الرجل في المجتمع يمتلك قدرة وقوة جسمية أكبر‪ ،‬ويمكنه ب ذلك أن يظلم الم رأة‪ ،‬ل ذلك‬
‫طلب من المرأة االحتياط أكثر؛ فعندما تنظرن إلى العالم ترون أن أح د مش اكل الم رأة‬
‫في العالم الغربي وخاصة في الواليات المتحدة األمريكية هي استغالل الرج ال لق وتهم‬
‫واالعتداء على عفة النساء)(‪)1‬‬
‫ثم ذكر ما عليه الوضع في الدول التي ت زعم أنه ا أعطت للم رأة حقوقه ا‪ ،‬وهي‬
‫تغفل عن هذا الحق العظيم الذي هو أولى الحقوق وأهمها؛ فقال‪( :‬إن االحصاءات ال تي‬
‫نشرها المسؤولون الرسميون في أمريكا نفسها ‪ ..‬إحصاءات مرعبة حقاً‪ ،‬ففي كل س تة‬
‫ثوان يقع اعتداء عنف في أمريكا! انظرن إلى مدى أهمي ة العف ة‪ ،‬عن دما أهمل وا العف ة‬
‫بلغ بهم األمر هكذا‪ ،‬كل ستة ثوان يقع اعتداء بالعنف‪ ،‬خالفا ً لميل المرأة يستخدم رج ل‬
‫قوته‪ ،‬رجل ظالم متهتك غير عفيف يعتدي على عفة المرأة‪ ،‬إن اإلس الم يالح ظ ذل ك‪،‬‬

‫‪ )(1‬المرأة حقوق وحرية وحجاب (ص‪.)56 :‬‬

‫‪214‬‬
‫)(‪)1‬‬ ‫إن قضية الحجاب التي أكد عليها اإلسالم إلى هذا الحد‪ ،‬تأكيده من أجل هذا‬
‫وبين أهمية الحجاب ودوره في صيانة المرأة والحفاظ على كرامته ا واعتباره ا‬
‫إنسانا ال مجرد سلعة يتالعب بها؛ فقال‪( :‬من أجل أن ال يقع االختالط‪ ،‬وتحف ظ الح دود‬
‫األخالقية‪ ،‬قام اإلسالم بتعيين الحجاب للمرأة‪ ،‬وهذا الحجاب وس يلة من وس ائل األمن‪،‬‬
‫فبحجاب المرأة تجد الم رأة المس لمة أمنه ا‪ ،‬ويج د الرج ل المس لم أمن ه‪ ،‬وعن دما يبع د‬
‫الحج اب عن النس اء وتق ترب من الع ري والتهت ك يس لب أمنه ا هي بالدرج ة األولى‬
‫ويسلب األمن من الرجال والشبّان ثاني اً؛ له ذا ف إن اإلس الم عيّن الحج اب من أج ل أن‬
‫يك ون الج و س الما ً وآمن اً‪ ،‬ولتتمكن الم رأة من مزاول ة عمله ا في المجتم ع‪ ،‬وليتمكن‬
‫الرجل أيضا ً من أداء مسؤولياته‪ ،‬وهذا الحجاب من األحكام اإلس المية الب ارزة‪ ،‬وأح د‬
‫فوائده هو ما ذكرته‪ ،‬وله فوائد أخرى ) (‪)2‬‬
‫بل إن السيد الخامنئي يتحدث عن بعض تفاصيل الحجاب الش رعي ال ذي يحق ق‬
‫المقاصد الشرعية بأحس ن ص ورها؛ فيق ول منتق دا بعض الطروح ات ال تي تح اول أن‬
‫تض ع الحج اب في ص ورة أك ثر تقبال في المجتم ع ال دولي‪( :‬إنن ا ن رى أن الدراس ات‬
‫ّ‬
‫عليكن َ االلتف ات‬ ‫والبحوث الجارية التي تدور حول ستر المرأة هي بح وث جي دة‪ ،‬لكن‬
‫أن أيّا ً من هذه البحوث حول س تر الم رأة يجب أن ال يك ون مت أثراً ب الهجوم اإلعالمي‬ ‫ّ‬
‫الغربي‪ ،‬فإن كان متأثراً فسيفشل‪ .‬كأن نف ِّكر مثالً أن الحجاب جيد‪ ،‬لكن ال داعي للعباءة‬
‫ذلك تفكير خاطى ء‪ ،‬وال أعني بذلك أن الحجاب ال يكون إال بالعباءة‪ ،‬ب ل إني أق ول إن‬
‫العباءة هي أفضل أنواع الحجاب‪ ..‬هل تظنون أننا إذا تركنا العباءة‪ ،‬وتمس كنا بالمقنع ة‬
‫بأن الغ رب س يدعنا لش أننا؛ كال‪ ،‬لن يقتنع وا ب ذلك‪ ،‬إنهم يري دون منّ ا أن نتب ع ثق افتهم‬
‫المنحوسة) (‪)3‬‬
‫وهكذا تحدث في مواضع كثيرة عن أن الحجاب مجرد لبنة من اللبنات التي أق ام‬
‫عليها اإلسالم جدار العفة في المجتمع‪ ،‬ومن اللبنات األخرى ال تي اهتم به ا الخ امنئي‪،‬‬
‫ما عبر عنه بقوله‪( :‬هناك شي ء في الغرب يمأل العيون‪ ،‬وه و ع دم وج ود تف اوت في‬
‫السيرة االجتماعية للرجل والم رأة في المجتم ع؛ فكم ا أن الرج ل ي دخل إلى االجتم اع‬
‫فيس لِّم وينض م إلى الحاض رين‪ ،‬ك ذلك الم رأة ت دخل بنفس الس هولة وتنض م إلى‬
‫الموجودين‪ ،‬وهي نقطة ايجابية‪ ،‬لكنها سطحية وظاهري ة وإلى جانبه ا س لبيات كث يرة)‬
‫(‪)4‬‬
‫ومن تل ك الس لبيات ال تي ذكره ا عن ه ذه الظ اهرة ال تي ال تتناس ب م ع أحك ام‬
‫الشريعة اإلسالمية‪ ،‬كما ال تتناسب مع كرامة المرأة ( إنهما (أي الرجل والمرأة) داخل‬
‫األس رة ليس ا ك ذلك إطالق اً‪ ،‬فاالحص اءات واألخب ار القطعي ة‪ ،‬ال الكالم المن بري‬

‫‪ )(1‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.57‬‬


‫‪ )(2‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.58‬‬
‫‪ )(3‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.63‬‬
‫‪ )(4‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.59‬‬

‫‪215‬‬
‫والشعارات‪ ،‬كلها تشير إلى ظلم المرأة‪ ،‬حتى الرج ل يظلم‪ ،‬لكن ه رج ل وص احب الي د‬
‫األقوى‪ ،‬لكن التي تظلم بشكل قطعي هي المرأة‪ ،‬ذلك ألن زوجها يقيم عالقات عاطفي ة‬
‫وجنسية مع ع ّدة نساء غيرها‪ ،‬وله عالقات حميم ة ودافئ ة ال يقيمه ا م ع زوجت ه! ذل ك‬
‫يشكل أكبر ضربة للمرأة؛ فالمرأة ترغب مع شريك حياتها‪ ،‬وأن تكون بينهم ا عالق ات‬
‫عاطفية صادقة‪ ،‬وأن يكون األقرب إلى بعضهما من العالم كلِّه) (‪)1‬‬
‫وهك ذا تح دث عن االختالط الس لبي وآث اره ال تي ال تتناس ب م ع الش ريعة‬
‫اإلس المية؛ فق ال‪( :‬في اإلس الم هن اك حج اب بين الم رأة والرج ل‪ ،‬إن ه أم ر ال يمكن‬
‫إنك اره‪ ،‬فه ذا الحج اب موج ود‪ ،‬وه و موج ود لحكم ة م ا‪ ،‬وحقيق ة ال ب د من وج وده‪.‬‬
‫وعندما يقال أن انفراد الرجل والمرأة داخ ل غرف ة مغلق ة لوح دهما ح رام‪ ،‬ف إن ل ذلك‬
‫التحريم معنى عميق وحكيم‪ ،‬وهو أمر صحيح‪ ،‬وكل رجل وامرأة إذا عادا إلى أنفسهما‬
‫فسيؤيدان هذا الحكم‪ ،‬والحكم ال ذي يح رّم على الم رأة أن تظه ر بزينته ا أم ام الرج ال‬
‫وفي جمع من الرجال‪ ،‬حكم صحيح؛ فالثقافة اإلسالمية تذ ّم ُ التبرُّ ج لغير الزوج) (‪)2‬‬
‫لكن ه ينب ه إلى أن حرم ة االختالط ليس ت مطلق ة‪ ،‬ب ل هي خاص ة بم ا ذكرت ه‬
‫الشريعة‪ ،‬وفي المحال المحددة المضبوطة‪ ،‬أما ما عداها مما ال عالقة ل ه بالفتن ة؛ ف إن‬
‫الش ريعة تس امحت في ذل ك‪ ،‬يق ول الخ امنئي‪( :‬ومن جمل ة ذل ك (األحك ام اإلس المية)‬
‫مسألة الحجاب‪ ،‬ومسألة وجود حد بين الرجل والم رأة‪ ،‬وذل ك الح د في منطق ة خاص ة‬
‫وال يشمل كل األماكن) (‪)3‬‬
‫هذا مث ال عن بعض مواق ف الس يد الخ امنئي من حق وق الم رأة المرتبط ة به ذا‬
‫الج انب‪ ،‬وعلى أساس ه ش رعت الق وانين اإليراني ة ال تي حفظت المجتم ع من التهت ك‬
‫وإثارة الغرائز؛ فال ذي يتح رك في الش وارع اإليراني ة ال ي رى إال الطه ارة والعف اف‪،‬‬
‫الذي تفتقده أكثر المجتمعات اإلسالمية‪.‬‬
‫وه ذا ال يع ني عص مة المجتم ع جميع ا؛ ف ذلك مس تحيل؛ فليس هن اك مجتم ع‬
‫معصوم‪ ،‬ولكن العبرة بالعموم‪ ،‬ولألسف نجد المغرض ين ينقل ون ص ورا لت برج بعض‬
‫اإليرانيات أو كونهن في أوضاع مخل ة بالحي اء‪ ،‬وفي أم اكن مغلق ة‪ ،‬أو ربم ا اختالس ا‬
‫عن الشرطة المكلفة برعاية األخالق‪ ،‬ثم يذكرون أن هذا هو واق ع المجتم ع اإلي راني‪،‬‬
‫أو الواقع الذي يطالب به الشعب اإليراني‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ حقوق المرأة المرتبطة بالتربية والتعليم‪:‬‬
‫وهي من أهم الحقوق التي أكد عليها قادة الثورة اإلس المية قب ل انتص ار الث ورة‬
‫وبعدها‪ ،‬وق د كفله ا الدس تور وجمي ع الق وانين‪ ،‬ول ذلك ن رى للم رأة حض ورا قوي ا في‬
‫المؤسسات العلمية والتربوية في جميع المراحل‪ ،‬بل نراها تفوق الرجال في الكث ير من‬
‫المؤسسات العلمية‪ ،‬سواء في مراحل التعليم العادي أو التعليم العالي‪.‬‬

‫‪ )(1‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.60‬‬


‫‪ )(2‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.60‬‬
‫‪ )(3‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.60‬‬

‫‪216‬‬
‫وربما يكون سر ذلك في تلك الدعوات الحثيثة من قادة الثورة اإلس المية للم رأة‬
‫بالمشاركة الفاعلة في تحقيق أهداف الثورة‪ ،‬ومن أهم نشر العلوم والمعارف بين جميع‬
‫أفراد الشعب‪.‬‬
‫وق د س بق أن ذكرن ا بعض النص وص عن اإلم ام الخمي ني‪ ،‬واهتمام ه به ذه‬
‫الجوانب‪ ،‬وسنذكر هنا باختصار بعض تصريحات السيد الخامنئي‪ ،‬وتص وراته لكيفي ة‬
‫تحقيقه في الواقع‪.‬‬
‫فمن ذلك قوله في خط اب موج ه للنس اء‪ ،‬ي دعوهن إلى التعلم‪ ،‬وجعل ه مقص ودا‬
‫لذات ه‪ ،‬ال وس يلة لغ يره‪( :‬إني أؤك د ّ‬
‫لكن أيته ا النس وة المس لمات والمؤمن ات الل واتي‬
‫منكن ت درس فلت درس بج ّد‪ ،‬لكن الدراس ة ليس ت مقدم ة‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫اجتمعتن اليوم هنا‪ :‬من ك انت‬
‫إن ِ دراسة النساء أم ر مهم ج داً به دف‬ ‫للعمل فقط‪ ،‬ليست من أجل العمل وكسب المال ّ‬
‫اكتساب المعرفة‪ ،‬ومهمة من أجل رفع مستوى الرشد الفكري‪ .‬أما العمل فإنّ ه ي أتي في‬
‫الدرجة الثانية)(‪)1‬‬
‫وبين أهمي ة دخ ول الم رأة للمؤسس ات العلمي ة في مراحله ا جميه ا؛ فق ال‪( :‬إن‬
‫المجتمع الذي تدرس فيه النساء والرجال‪ ،‬ف إن ع دد المتعلمين في ه يك ون ض عف ع دد‬
‫المتعلمين في المجتم ع ال ذي ال ي درس في ه إال ذك وره‪ .‬وعن دما ت درّس النس اء في‬
‫المجتمع‪ ،‬فإن عدد المعلمين سيتض اعف عم ا ه و علي ه عن دما يك ون الرج ال وح دهم‬
‫معلمون)(‪)2‬‬
‫ويض رب مثال على ذل ك؛ فيق ول‪( :‬على ف رض أن ل دينا بين الخمس ين ملي ون‬
‫إنسان في مجتمعنا‪ ،‬لدينا مثالً ثالثين أو خمسة وثالثين ملي ون إنس ان في عم ر يناس ب‬
‫تقديم الثم ار له ذا البل د‪ ،‬فمن الط بيعي أن نص ف ه ذا الع دد ه و من النس اء‪ ،‬فه ل من‬
‫المعقول أن نغفل بسهولة عن كل هذه الطاقات الكامنة؟ وهل يعقل أن نتغاضى عن هذه‬
‫ّ‬
‫بينهن العالمات) (‪)3‬‬ ‫ّ‬
‫بوجودهن ِ؟ ال بد أن يكون‬ ‫الخزانة اإللهية المتمثلة‬
‫وهكذا نراه ي دعو المس ؤولين إلى تش جيع النس اء‪ ،‬ال على الدراس ة فق ط‪ ،‬وإنم ا‬
‫على مواصلة البحث والتعليم إلى آخر مراحله؛ فيقول‪( :‬ادفعن النساء للدراسة‪ ،‬ش جّعن‬
‫الفتيات على الدراسات العليا‪ ،‬أ ّم ّن َ وسهلن وسائل دخول الفتيات إلى المراكز العليا من‬
‫خالل الطرق القانونية‪ .‬إذا حصل ذلك فستحل كل األمور برأيي) (‪)4‬‬
‫وه و ي دعو إلى رب ط العلم بالتربي ة والس لوك األخالقي‪ ،‬واالهتم ام بالحكم ة‪،‬‬
‫باعتبارها الوسيلة التي يحقق بها اإلنسان إنسانيته‪ ،‬يقول‪( :‬إن الجوهر اإلنس اني عزي ز‬
‫لدى المرأة والرجل‪ ،‬وعندما يتعلّمان العلم والحكمة‪ ،‬فإنهم ا يس عيان إلى إب راز وجالء‬
‫ذلك الجوهر أكثر فأكثر‪ .‬فإذا كانت هن اك ام رأة م ا ق د بلغت مس توى عالي ا ً من العلم‪،‬‬

‫‪ )(1‬المرأة علم وعمل وجهاد‪ ،‬ص‪..22 :‬‬


‫‪ )(2‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.12‬‬
‫‪ )(3‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.12‬‬
‫‪ )(4‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.13‬‬

‫‪217‬‬
‫لكنها غفلت عن جوهرها اإلنساني‪ ،‬ولم تعتني به‪ ،‬وقللت من احترامه‪ ،‬فم ا هي قيمته ا‬
‫حينئ ٍذ؟ إن الجوهر اإلنساني يجب أن ينمو لدى المرأة والرجل‪ ،‬وهي مسألة ذات قيم ة)‬
‫(‪)1‬‬
‫وهو يدعو النساء كذلك إلى االهتمام بالمطالعة‪ ،‬وع دم االكتف اء بم ا يدرس نه في‬
‫المؤسسات الدراسية؛ فيقول‪( :‬إن من جملة األمور األساس ية ج داً تعليم النس اء الق راءة‬
‫والكتابة‪ ،‬ومن جملة األعمال المهمة جداً دف ع النس اء للمطالع ة‪ ،‬ج دن أس اليب مبتك رة‬
‫وتهن ِ‪ .‬لألس ف إن نس اءنا ال يأنس ن كث يراً‬
‫ّ‬ ‫لجع ل النس اء يمارس ن المطالع ة داخ ل بي‬
‫ّ‬
‫بالمطالع ة‪ ،‬آالف الكتب تص در في األس واق وتنف ذ دون أن يطلعن عليه ا‪ .‬ه ذه الكتب‬
‫تمثل المعارف البشرية‪ ،‬وهي توق د األذه ان لفهم أفض ل وفك ر أحس ن وابتك ار أك ثر‪،‬‬
‫وتجعلها في موقع أفضل وأسلم) (‪)2‬‬
‫ويق ول‪( :‬عليهم أن يس محوا لبن اتهم بالدراس ة والمطالع ة وق راءة الكتب‪ ،‬وأن‬
‫ّ‬
‫ولهن ِ وتنش ط‪ ،‬إن ه أم ر‬ ‫ّ‬
‫أذهانهن ِ وعق‬ ‫يطّلعن على المعارف الدينية واإلنسانية‪ ،‬لتقوى‬
‫ضروري جداً) (‪)3‬‬
‫وهو يدعوهن إلى االهتمام بتعلم كل ما يرتبط بالحي اة‪ ،‬وخاص ة األس رية منه ا؛‬
‫ّ‬
‫تعليمهن ِ األس اليب الص حيحة للعم ل‬ ‫فيقول‪( :‬من جمل ة األم ور األخ رى الهام ة ج داً‬
‫والتص ّرف داخل البيت‪ ،‬أي كيفية التعام ل م ع ال زوج واألبن اء‪ ،‬فهن اك نس اء جي دات‪،‬‬
‫لكنهن ِ يجهلن األس اليب الص حيحة للتص رف م ع‬ ‫ّ‬ ‫يمتلكن الص بر والعف و واألخالق‪،‬‬
‫موهن ِ األساليب العلمية واألمور التي تطوّرت من خالل التجربة‬ ‫ّ‬ ‫الزوج أو األوالد‪ .‬علّ‬
‫ومنكن ِ من خاض ت تج ارب جي دة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫البشرية يوما ً بعد يوم‪ ،‬ح تى بلغت مراح ل جي دة‪.‬‬
‫عليكن أن تجدن األساليب المناسبة إلرشاد السيدات إلى هذه المسائل) (‪)4‬‬ ‫ّ‬
‫وهكذا يدعوهن إلى التعرف على األحكام والقوانين التي تتيح لها أن تحافظ على‬
‫حقوقها‪ ،‬حتى ال يظلمها أحد‪ ،‬يقول‪( :‬على الم رأة نفس ها أن تع رف قب ل غيره ا ش أنها‬
‫اإلس المي وت دافع عن ه‪ .‬عليه ا أن تع رف م ا ه و حكم هّللا والق رآن واإلس الم ح ول‬
‫قضاياها‪ ،‬وما يُراد منها‪ ،‬وتفرضه عليها مسؤوليتها‪ .‬وعليها أن تؤمن بما ق ال اإلس الم‬
‫وأراد‪ ،‬وأن ت دافع عن ذل ك‪ .‬ألنه ا إن لم تفع ل ذل ك ف إن ال ذين ال يل تزمون ب أي مب دأ‬
‫سيسمحون ألنفسهم بظلم الم رأة‪ .‬كم ا ه و الح ال الي وم في الع الم الغ ربي حيث يلح ق‬
‫الرجل الغربي أفدح الظلم بالمرأة تحت ظ ل األنظم ة المادي ة لتل ك ال ديار‪ ،‬ورغم ك ل‬
‫الشعارات ال تي يطلقونه ا ح ول الم رأة‪ .‬حيث األب يظلم ابنت ه‪ ،‬واألخ أخت ه‪ ،‬وال زوج‬
‫زوجته‪ ،‬وحيث تؤكد اإلحصاءات ال تي ينش رونها أن أك بر ظلم وتع رّض وتع ٍد يلح ق‬
‫بالنس اء والزوج ات واألخ وات ب ل وح تى البن ات يرتكب ه الرج ال ال ذين يعيش ون في‬

‫‪ )(1‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.13‬‬


‫‪ )(2‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.14‬‬
‫‪ )(3‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.14‬‬
‫‪ )(4‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.14‬‬

‫‪218‬‬
‫األنظمة الغربي ة‪ .‬أي أن ه عن دما يك ون النظ ام غ ير محك وم للقيم المعنوي ة‪ ،‬وال تعم ر‬
‫قلوب أهله باهّلل ؛ فإن الرجل يج د الطري ق أمام ه مفتوح ا ً ليظلم الم رأة ويعت دي عليه ا‪،‬‬
‫معتمداً بذلك على قدرته الجسدية‪ ،‬إن الذي يمنع ذل ك أم ران‪ :‬الخ وف من هّللا واح ترام‬
‫القانون وعمران القلب باإليمان وما إلى ذلك‪ ،‬وأن تكون المرأة مطلعة جيداً على حقه ا‬
‫اإلنسان واإللهي‪ ،‬وأن تدافع عنه‪ ،‬وأن تجد نفسها بالمعنى الحقيقي للكلمة) (‪)1‬‬
‫ومع أن هذا القول طبيعي‪ ،‬بل يدل على حرص أب وي كب ير من الس يد الخ امنئي‬
‫على المرأة اإليرانية‪ ،‬ودعوته إلى الترقي والتربية والتحضر‪ ،‬لكن المغرض ين راح وا‬
‫ينقلون حديثه هذا‪ ،‬مبتورا عن س ائر األح اديث‪ ،‬ويش يعون ب أن النظ ام اإلي راني يمن ع‬
‫المرأة من التعلم إال في المجاالت التي تختص باألسرة ونحوها‪.‬‬
‫ومن األمثل ة على ذل ك م ا كتبت ه ص حفية تونس ية تحت عن وان [دور الم رأة‬
‫المتعلمة في إيران يقتصر على تربية األبناء]‪ ،‬والذي قالت فيه‪( :‬تؤمن الطبقة الحاكم ة‬
‫في الجمهورية اإلسالمية اإليرانية بأن المرأة خلقت لتنجب وت ربي األبن اء وب أن تقبّ ل‬
‫خروجه ا للتعلم ليس إال لتمكينه ا من الم ؤهالت والثقاف ة ال تي تس هل عليه ا أداء ه ذه‬
‫المهمة‪ ،‬ويترجم هذا اإليمان في كل ما يتصل بالمرأة في إيران) (‪)2‬‬
‫وكان دليلها على هذا هو أنه طهران ـ كم ا ت ذكر ـ نظمت ن دوة بعن وان [مكانة‬
‫المرأة العالمة في إيران والع الم الع ربي]‪ ،‬وهي لم تش غل نفس ها كث يرا ب االطالع على‬
‫المحاضرات ال تي ألقيت‪ ،‬وال البح وث ال تي كتبت‪ ،‬وإنم ا اكتفت ببن د من التوص يات‪،‬‬
‫ي ذكر (دور الم رأة العالمة في تنش ئة األجي ال)‪ ،‬وال ذي علقت علي ه بقوله ا‪( :‬ال تتغ ير‬
‫نظرة السلطات اإليرانية للمرأة بحسب مستواها التعليمي‪ ،‬فال ف رق بين ال تي تحص لت‬
‫على أعلى الشهادات العلمية أو األمية أو ذات المستوى التعليمي المتواضع ألن دورها‬
‫األول واألخير يظل تربية األبناء وتقديم فروض الطاعة للرجل‪ ،‬هذه هي عقيدة الساسة‬
‫اإليرانيين المتشددة والمحافظة إزاء المرأة والتي عمل وا على ترس يخها وتكريس ها في‬
‫ثقافة ووعي المجتمع اإليراني)‬
‫ولألسف؛ فإنها تردد ه ذه المغالط ة الخط يرة م ع كونه ا تق ر بالنس ب المرتفع ة‬
‫لتعليم النس اء في إي ران‪ ،‬وأن ه ليس هن اك ح واجز تح ول دون تعليمين‪ ،‬ب ل هن اك‬
‫المحفزات التي ترغب في ذلك‪ ،‬قالت‪ ..( :‬ورغم أن نسب تسجيل اإليرانيات بالمدارس‬
‫والجامعات مرتفعة‪ ،‬وقد تفوق أعداد الطالبات في العدي د من الجامع ات أع داد الطالب‬
‫الذكور‪ ،‬وك ذلك ترتف ع نس ب المتحص الت على ش هادات التعليم الع الي إال أن ذل ك ال‬
‫يترجم في أدوارهن في المجتمع واالقتصاد كقوى عاملة مؤثرة كما ال يسجلن حضورا‬
‫بارزا في التمثيل السياسي‪ ،‬وفي مواقع القرار في مختلف أجهزة الدولة)‬
‫ثم عللت ذلك برؤيتها العلمانية ال تي اكتس بتها من األنظم ة ال تي حكمت ت ونس؛‬
‫فأصبحت من حيث ال تشعر تنظّر للدول اإلسالمية‪ ،‬وكأن ت ونس ووض ع النس اء فيه ا‬

‫‪ )(1‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.18‬‬


‫‪ )(2‬دور المرأة المتعلمة في إيران يقتصر على تربية األبناء‪ ،‬سماح بن عبادة‪ ،‬موقع العرب‪.2017/01/25 ،‬‬

‫‪219‬‬
‫نموذج ينبغي أن تحتذيه سائر الدول اإلسالمية‪ ،‬تقول‪( :‬يفسر واقع المرأة في إيران بما‬
‫تراه الحكوم ة اإليراني ة تطبيق ا لقراءته ا للش ريعة اإلس المية القائم ة على التمي يز بين‬
‫الرجال والنساء‪ ،‬وفي حال وجدت فعاليات تركز على المرأة فإنها لن تأتي بم ا يخ الف‬
‫هذه النظرة‪ ،‬لذلك فإن طرح موضوع ح ول مكان ة الم رأة العالم ة ال ينتظ ر من ه غ ير‬
‫التأكيد على أن تعليم المرأة ال يندرج ضمن تكوينها لتلعب أدوارا كثيرة وفعالة في بناء‬
‫االقتصاد وال التأثير على السياسة بل هو فقط ينير عقلها ويمنحه ا الثقاف ة ال تي تلزمه ا‬
‫عندما تصبح مسؤولة عن تربية الناشئة)‬
‫ولو أن ه ذه الص حفية كلفت نفس ها باالنتق ال إلى الواق ع اإلي راني‪ ،‬أو بمطالع ة‬
‫خطب قادة الث ورة اإلس المية‪ ،‬لص ححت نظرته ا القائم ة على إس قاط نم وذج طالب ان‬
‫وغيره على النظام اإلسالمي في إيران‪.‬‬
‫ومن األمثلة على ذلك قول السيد الخامنئي مطالبا النس اء بالتخص ص في جمي ع‬
‫ف روع الطب‪ ،‬وع دم االكتف اء ب أمراض النس اء؛ فيق ول‪( :‬وأش ير هن ا إلى ض رورة‬
‫صصات الطبية‪ ،‬وعدم االكتفاء بالطب النسائي‪،‬‬ ‫تخصص النساء في كافة الفروع والتخ ّ‬
‫فما دمنا نعتق د بض رورة وج ود فاص لة في العالق ة واالرتب اط االجتم اعي بين الم رأة‬
‫والرج ل‪ ،‬ونؤك د على رفض االختالط الح ر بين الم رأة والرج ل‪ ،‬ونعتق د بالحج اب‬
‫بمعناه الواقعي والكامل؛ ل ذلك ال يمكنن ا إهم ال المس ألة الطبي ة‪ .‬أي أن ه يلزمن ا وج ود‬
‫نس اء طبيب ات بنفس النس بة الموج ودة من األطب اء الرج ال‪ ،‬ح تى تتمكن الم رأة من‬
‫مراجعة الطبيبة في أي اختصاص أرادت‪ ،‬وال داعي للمساس بتلك الفاص لة‪ .‬ب ل علين ا‬
‫أن ن رتب األم ر لتتمكن الم رأة من مراجع ة الطبيب ة دون أي إش كال‪ ،‬الطبيب ة الم رأة‬
‫وليس الط بيب الرج ل‪ ،‬بعض النس وة يعتق دن أن على الم رأة أن ت درس التخصص ات‬
‫هن محص وراً ب أمراض الحم ل وال والدة‪ ،‬لكن األم ر‬ ‫النسائية فقط‪ ،‬وأن يبقى تخصص ّ‬
‫ليس كذلك‪ ،‬على النساء أن يدرسن جميع أنواع وأقسام الفروع التخصصية مث ل‪ :‬القلب‬
‫عليهن ِ‪ ،‬وهو تكليف على‬‫ّ‬ ‫واألمراض الداخلية واألعصاب وغير ذلك‪ ،‬إن ذلك فريضة‬
‫النساء أكثر من الرجال حالياً‪ .‬فرغم حاجة مجتمعنا لدراسة الفروع المختلفة للعل وم من‬
‫أجل بناء المجتمع) (‪)1‬‬
‫وي دعوهن إلى ال دخول في ك ل الف روع العلمي ة؛ فيق ول‪( :‬اس عين إلى تش جيع‬
‫بإعدادهن في مختلف الفروع العلمية‪ .‬فإن هذا العم ل س يحقق أه داف‬‫ّ‬ ‫الجامعيات وقمن‬
‫لخدماتكن‪ ،‬كما إنهم بحاجة ألس لوب ولطريق ة تعه دكن ِّ‬
‫ّ‬ ‫الثورة والبالد‪ ،‬والناس بحاجة‬
‫ّ‬
‫والتزامكن ِ بالدين)(‪)2‬‬
‫ويقول في محل آخر‪( :‬إن العلم أمر عزي ز ج داً‪ ،‬وإني أؤي د أن تتعلم النس اء في‬
‫مجتمعنا جميع الفروع العلمية‪ .‬في اللقاء السابق قبل عام أو ع امين أك دت على أولوي ة‬
‫الفروع الطبية‪ ،‬ذلك ألن الطب ض رورة نقدي ة وفوري ة لن ا‪ ،‬لكن على النس اء أن يقبلن‬

‫‪ )(1‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.17‬‬


‫‪ )(2‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.18‬‬

‫‪220‬‬
‫ّ‬
‫طاقاتهن) (‪)1‬‬ ‫على جميع الفروع واالختصاصات‪ ،‬ويستثمرن‬
‫وهكذا نراه يدعو النساء إلى مواجهة ظاهرة توقيف البنات على الدراسة في سن‬
‫مبكر لغرض تزويجهن‪ ،‬وه و م ا ي رد ردا حاس ما على م ا يش اع عن مواق ف النظ ام‬
‫اإليراني في هذه الجوانب؛ يقول‪( :‬لقد قلت عدة م رات أن ج زءاً مهم ا ً من ه ذا األم ر‬
‫لكن ِ الج زء المهم اآلخ ر يق ع على ع اتق النس اء‬‫يق ع على ع اتق واض عي الق وانين‪ّ ،‬‬
‫أنفسهن‪ ،‬أوالً من خالل الدراس ة واكتس اب المع ارف الديني ة والعلمي ة وع دم االكتف اء‬
‫ّ‬
‫بالدراسة الرسمية فق ط‪ ،‬وق راءة الكتب واألنس به ا‪ .‬ومن خالل اإلطالع على الحق وق‬
‫التي ضمنها اإلسالم للمرأة المسلمة‪ ،‬وحقوق المرأة داخل أس رتها‪ .‬ف إذا س رنا في ه ذا‬
‫الطريق الذي أشار إليه اإلسالم‪ ،‬فسيختفي الظلم الذي لح ق ب المرأة ط وال الت اريخ في‬
‫سائر المجتمعات‪ ،‬ومن بينها مجتمعاتنا اإلسالمية مع األسف)(‪)2‬‬
‫وهو يدعو إلى ال تزام القيم األخالقي ة عن د التعلم‪ ،‬وخاص ة م ا يرتب ط بالص يانة‬
‫وكرام ة الم رأة‪ ،‬يق ول‪( :‬إن على نس اء إي ران‪ ،‬وخاص ة الل واتي اس تطعن أن يدرس ن‬
‫ّ‬
‫وهن ِ‬ ‫العل وم المختلف ة في إط ار اإلس الم وأحكام ه‪ ،‬وأهم من ذل ك ّ‬
‫أنهن فعلن ذل ك‬
‫ّ‬
‫عليهن ِ أن يفهمن النساء والفتي ات والجامعي ات في الع الم أن العلم‬ ‫ملتزمات بالحجاب‪،‬‬
‫ال يع ني التهت ك‪ ،‬وليس من ش روط طلب العلم التهت ك في الم وازين األخالقي ة وفي‬
‫المعاش رة بين الم رأة والرج ل؛ ب ل يمكن تحص يل العلم م ع االل تزام الكام ل به ذه‬
‫ّ‬
‫ودكن ِ يمكن ه أن يش كل‬ ‫الموازين‪ ،‬والوصول إلى درج ات ومس تويات عالي ة‪ .‬وإن وج‬
‫نموذجا ً من ذلك النداء العالمي لإلسالم) (‪)3‬‬
‫ب ل إن ه ي دعو المس ؤولين للتفك ير في إنش اء جامع ات خاص ة بالنس اء؛ فيق ول‪:‬‬
‫(بلغني أن هناك نية وحديث إليج اد جامع ة خاص ة بالنس اء إن ش اء هّللا ‪ ،‬أي أن يك ون‬
‫األس تاذ فيه ا والم دير والطالب‪ ،‬ب ل وح تى الجه از اإلداري من النس اء‪ ،‬خاص ة في‬
‫الجامعات الطبية‪ .‬إنها فكرة جيدة جداً‪ .‬إني أنظر لألمر من بعيد‪ ،‬دون أن أتابع ج وانب‬
‫القضية بشكل مفصّل‪ ،‬لعدم وجود فرصة لذلك‪ ،‬لكنّي أرى بشكل إجمالي أن هذا األم ر‬
‫جيد جداً‪ ،‬ويتناسب بشكل كامل مع األهداف العامة والقيمة لحركة المرأة في مجتمعن ا‪.‬‬
‫ّ‬
‫ويؤيدكن ِ في ذلك) (‪)4‬‬ ‫ّ‬
‫يوفقكن ِ‬ ‫أسأل هّللا أن‬
‫وقد آتت تعليمات قادة الثورة اإلس المية آثاره ا في المجتم ع اإلي راني؛ فوس ائل‬
‫اإلعالم تنشر كل حين أخبار تفوق النساء اإليرانية في المجاالت العلمية المختلفة‪ ،‬وهو‬
‫أكبر رد على ذلك اإلعالم المغرض الذي يحاول أن ينقل صورة مختلف ة تمام ا ممتلئ ة‬
‫بالتزوير والكذب‪.‬‬

‫‪ )(1‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.18‬‬


‫‪ )(2‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.19‬‬
‫‪ )(3‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.19‬‬
‫‪ )(4‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.20‬‬

‫‪221‬‬
‫ومن تلك األخبار ما ورد في مقال بعنوان [الم رأة المتفوق ة تح ٍّد إي راني]‪ ،‬ج اء‬
‫فيه‪( :‬الدراسة الجديدة ‪ -‬التي ق ام به ا مرك ز الش ورى اإلي راني ح ول التح والت ال تي‬
‫ط رأت على تعليم الم رأة خالل العق د الماض ي تش ير إلى ارتف اع أع داد الطالب ات‬
‫المقبوالت في مرحلة االستعداد لدخول الجامعة من ‪ 32‬بالمائ ة إلى ‪ 65‬بالمائ ة ‪ ،‬وق د‬
‫تبين أن نسبة كبيرة من هوالء المقبوالت هن متفوقات‪ ،‬ما ينعكس على مسيرة حي اتهن‬
‫الجامعية‪ ،‬وبالتالي يفرض على الحكومة توف ير ف رص عم ل لالس تفادة من خ براتهن‪.‬‬
‫األمر اآلخر ه و أن الهيئ ات المش رفة على توزي ع المقاع د الجامعي ة اض طرت خالل‬
‫العامين الماضيين إلى اتباع سياسة جديدة في توزيع المقاعد الجامعية بحيث خصص ت‬
‫‪ 40-30‬بالمائ ة لل ذكور‪ ،‬و‪ 40-30‬بالمائ ة لإلن اث‪ ،‬فيم ا ت ركت ح والي ‪ 25‬بالمائ ة‬
‫للتنافس الحر بين الجنسين) (‪)1‬‬
‫‪ 3‬ـ حقوق المرأة المرتبطة بالعمل واإلنتاج‪:‬‬
‫وهي من الحق وق األساس ية ال تي كفله ا الدس تور‪ ،‬ودع ا إليه ا ك ل ق ادة الث ورة‬
‫اإلسالمية؛ بل إن دعواتهم للمرأة بأن تؤدي واجبها في المجتمع‪ ،‬وفي جميع المج االت‬
‫التي تطيقها ال نكاد نجد مثلها في أي نظام آخر‪.‬‬
‫ومن األمثلة على ذلك ما ذكره قائد الثورة اإلسالمية الحالي السيد علي الخامنئي‬
‫من ضرورة مشاركة المرأة في كل مجاالت الحياة؛ فقال‪( :‬إنّنا نعتقد ّ‬
‫أن ِ النساء في ك ّل‬
‫وعليهن ِ أن يجدن الفرصة لبذل الجهد والتسابق في مجال‬ ‫ّ‬ ‫سالم قادرات‬
‫مجتمع بشري ٍ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫ّ‬
‫همهن‪ .‬وفي ه ذا‬ ‫التق ّدم العلمي واالجتماعي والبناء واإلدارة في هذا الع الم في ح دود س‬
‫ي ُ فرق بين المرأة والرجل)(‪)2‬‬‫المجال ليس هناك أ ّ‬
‫ويقول في موضع آخ ر‪( :‬في الس احة الثاني ة‪ ،‬أي س احة النش اطات االجتماعي ة‬
‫والسياسية والعلمية وباقي النشاطات المتنوعة‪ ،‬يحق للمرأة المس لمة كم ا يح ق للرج ل‬
‫المسلم أن تقوم حسب مقتض ى الزم ان بم ل ء الف راغ المحس وس وأداء المه ام الملق اة‬
‫على عاتقها)(‪)3‬‬
‫ويقول‪( :‬ل ذلك ليس هن اك أي تف اوت بين الم رأة والرج ل في مج االت اإلع داد‬
‫واالقتص اد والتخطي ط والتفك ير ووض ع الدراس ات لش ؤون البل د والمدين ة والقري ة‬
‫والجماعة والشؤون الشخصية لألسرة‪ ،‬فالكل مسؤول وعلى الكل أن يؤدي المسؤولية)‬
‫(‪)4‬‬
‫ويرد على المتشددين الذين قد ينكرون هذا؛ فيقول‪( :‬ال يوجد تف اوت بين الرج ل‬
‫والمرأة في مزاولة النشاطات المختلفة في شتى المجاالت في نظر اإلسالم؛ فمن يق ول‬
‫إن الرجل يمكنه أن يدرس والمرأة ال يمكنها ذلك‪ ،‬والرجل يمكنه أن يدرّس والم رأة ال‬

‫‪ )(1‬المرأة المتفوقة تح ٍّد إيراني!‪ ،‬محجوب الزويري‪ ،‬مجلة الغد االلكترونية‪ 14 ،‬شباط ‪ /‬فبراير ‪..2008‬‬
‫‪ )(2‬المرأة علم وعمل وجهاد (ص‪)11 :‬‬
‫‪ )(3‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.25‬‬
‫‪ )(4‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.25‬‬

‫‪222‬‬
‫يمكنها ذلك‪ ،‬والرجل يمكنه أن يمارس نشاطا ً اقتصاديا ً والمرأة ال يمكنها ذلك‪ ،‬والرجل‬
‫يمكن ه أن يم ارس العم ل السياس ي والم رأة ال يمكنه ا ذل ك؛ فإن ه ال ي بين المنط ق‬
‫اإلسالمي‪ ،‬وكالمه مخالف لكالم اإلسالم؛ فإن رأي اإلسالم ه و أن للرج ل والم رأة أن‬
‫يمارسا جميع النشاطات المتعلقة ب المجتمع البش ري ونش اطات الحي اة‪ ،‬وهم ا في ذل ك‬
‫سواسية) (‪)1‬‬
‫وهو يذكر دائما األدلة الشرعية التي ترد على أولئك الذين يقزمون دور المرأة‪،‬‬
‫ويحصرونه في ممارسة نشاطاتها األس رية؛ ومن ذل ك قول ه‪( :‬فالس احة مش رّعة أم ام‬
‫الرج ال والنس اء في المجتم ع اإلس المي‪ ،‬والش اهد على ذل ك جمي ع اآلث ار اإلس المية‬
‫الموجودة في هذه المجاالت‪ ،‬وجميع التك اليف اإلس المية ال تي تجع ل الم رأة والرج ل‬
‫متساويين في مسؤولياتهما االجتماعية) (‪)2‬‬
‫ومن األدلة التي يستدل بها عادة على ذلك قوله ‪( : ‬من أصبح ولم يهتم بأمور‬
‫المسلمين فليس بمسلم)‪ ،‬ويعلق عليه بكونه (ال يختصّ بالرجال‪ ،‬بل على النس اء أيض ا ً‬
‫ّ‬
‫ؤولياتهن ِ تج اه أم ور المس لمين والمجتم ع اإلس المي وأم ور الع الم‬ ‫أن ي دركن مس‬
‫اإلسالمي وكل ما يجري في العالم‪ ،‬وأن يبدين اهتماما ً بذلك‪ ،‬ألنه واجب إسالمي)(‪)3‬‬
‫وهو يرى أن من ع الم رأة من ممارس ة نش اطاتها ال تي تطيقه ا ظلم‪ ،‬يق ول‪( :‬إذا‬
‫كانت الم رأة تمتل ك طاق ات علمي ة مثالً‪ ،‬أو ق درة على االختراع ات واالكتش افات‪ ،‬أو‬
‫كانت مؤهلة ألداء نشاط سياسي أو عم ل اجتم اعي‪ ،‬ولم يس مح له ا أن تس تغ ّل طاقته ا‬
‫تلك‪ ،‬وأن تن ّمي قدراتها تلك‪ ،‬فذلك ظلم)(‪)4‬‬
‫ويق ول‪( :‬نعم إط رحن ه ذا الس ؤال وه و‪ :‬لم اذا ال تت ولى النس اء مس ؤوليات‬
‫ومديريات أساسية؟ فهو سؤال مقبول‪ .‬فحيث تمتلك المرأة مؤهالت جيدة يمكنه ا ذل ك‪،‬‬
‫صب وتقلن يجب أن تتولى المرأة المنصب الفالني‪ ،‬نعم في األم اكن‬ ‫ّ‬
‫يأخذكن التع ّ‬ ‫ال أن‬
‫التي ال يمنع اإلسالم منها البأس‪ ،‬فهناك أماكن ق د يمن ع اإلس الم منه ا‪ ،‬وفي غيره ا ال‬
‫ضير من تولّي المستويات العليا‪ ،‬عن دما يري دون اختي ار األص لح لت ولي ه ذه األم ور‬
‫يجب أن ينظر إلى النس اء إلى ج انب الرج ال‪ ،‬وي رون من ه و األص لح منهم دون أي‬
‫تعصّب)(‪)5‬‬
‫وهذه التصريحات التي ذكرها الخامنئي‪ ،‬والتي نجد نظائر لها كثيرة في كلم ات‬
‫الخميني‪ ،‬وقد سبق ذكر بعضها‪ ،‬لم تكن مجرد كلمات‪ ،‬بل كان الواقع اإليراني كله يدل‬
‫عليها‪.‬‬
‫وقد ورد في مقال بعن وان [الم رأة اإليراني ة ودوره ا الرس الي في األم ة] ذك ر‬

‫‪ )(1‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.25‬‬


‫‪ )(2‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.26‬‬
‫‪ )(3‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.27‬‬
‫‪ )(4‬المرأة حقوق وحرية وحجاب (ص‪.)30 :‬‬
‫‪ )(5‬المرأة حقوق وحرية وحجاب (ص‪.)31 :‬‬

‫‪223‬‬
‫مختصر لبعض األدوار التي ساهمت بها المرأة في خذم ة الث ورة اإلس المية اإليراني ة‬
‫قبل االنتصار وبعده‪ ،‬ومما ورد فيه‪( :‬اض طلعت الم رأة اإليراني ة ب دور مهم وأساس ي‬
‫في حركة النهضة اإلس المية المبارك ة من ذ انطالقه ا‪ ،‬وواكبت مس يرتها‪ ،‬وق دمت له ا‬
‫دعما ً كبيراً حتى تحقق النصر المنشود‪ ،‬فكان النصر نتيجة بطوالت وتضحيات الم رأة‬
‫المسلمة‪ .‬حتى إن مفجر الثورة اإلسالمية اإلمام الخميني الراحل أشاد ب دور الم رأة في‬
‫الث ورة اإلس المية وخاطبه ا ب القول‪( :‬أنتن أيتها النس اء األبط ال‪ ،‬كنتن وما زلتن في‬
‫طليعة ه ذا النصر)‪ ..‬وق ال‪( :‬لقد أثبتن أيتها النس اء أنكن دائم ا ً في الص فوف األمامي ة‪،‬‬
‫وأنكن سباقات على الرجال‪ ،‬وأن الرجال يستلهمون ع زيمتهم منكن‪ ،‬إن رج ال إي ران‬
‫استلهموا بطوالتهم من النساء وتعلموا منهن)(‪)1‬‬
‫وذكر صاحب المقال أن ذلك النشاط الذي مارسته المرأة اإليرانية قبل االنتصار‬
‫وبعده‪ ،‬لم يتعارض أبدا مع القيم األخالقية واإليمانية التي جاءت بها الشريعة‪ ،‬بل ك ان‬
‫منطلقا منها‪ ،‬يقول‪( :‬بالطبع إن النشاط الذي قامت به الم رأة اإليراني ة في ف ترة الث ورة‬
‫اإلسالمية وبعدها لم يتعارض مطلق ا م ع حج اب الم رأة واحتش امها والتزامه ا ال ديني‬
‫واألخالقي‪ ،‬فقد كانت القيم واألخالق حاضرة بتفاصيلها مع المرأة اإليرانية أينم ا حلت‬
‫وأثناء حركتها وثورتها مما جعله ا نموذج ا ً للم رأة المس لمة الواعي ة بمالبس ات الحي اة‬
‫والمدركة لتقلبات الزمن وأهمية المرحلة الراهنة وآفاق المستقبل)‬
‫وأشار صاحب المق ال إلى بعض األدوار ال تي ق امت به ا الم رأة اإليراني ة بع د‬
‫انتصار الث ورة اإلس المية؛ فق ال‪( :‬لق د ق امت الم رأة اإليراني ة بع د الث ورة اإلس المية‬
‫ب أدوار مهم ة أيض ا ً على ص عيد بن اء المجتم ع وإنش اء المؤسس ات اإلجتماعي ة‬
‫واإلقتصادية والمدنية وأدت رسالتها على أفضل وج ه ممكن مم ا دف ع اإلم ام الخمي ني‬
‫إلى القول‪( :‬إن نساء إيران يمارسن اليوم نشاطاتهن في كل المجاالت‪ ،‬سواء الثقافية أو‬
‫االقتصادية حيث تعمل شريحة كب يرة منهن في الزراعة وأخ رى في الص ناعة‪ ،‬وثالثة‬
‫تمارس نشاطها في حقل الثقافة واألدب والفن‪ ،‬إن جميع ه ذه الجه ود مش كورة عند هللا‬
‫تبارك وتعالى وهي في عنايته ورعايته إن شاء هللا)‬
‫وذكر أدوار المرأة في الخدم ة االجتماعي ة‪ ،‬والمؤسس ات المرتبط ة به ا؛ فق ال‪:‬‬
‫(قامت المرأة اإليرانية بدور فاعل في رفع الحرمان عن الطبق ات الفق يرة في المجتم ع‬
‫من خالل نشاطاتها في مؤسسات دعم المستضعفين ال تي تأسس ت بع د انتص ار الث ورة‬
‫اإلس المية‪ ،‬ب ل إن ه ذه الم رأة حملت هم المستض عفين في أقص ى نق اط البالد فق امت‬
‫بتقديم ما تملكه من المدخرات واألموال من أجل تحقيق بعض الرفاهي ة والس عادة لهم‪،‬‬
‫وقد أشار اإلمام الخميني إلى هذا المعنى في إحدى خطبه فق ال‪( :‬فئ ات كث يرة ومختلفة‬
‫من النساء جاءت لتقدم ما ا ّدخرته في حياتها إلى المستضعفين ليبنوا لهم بيوتا)‬
‫وذك ر أدوار الم رأة على ص عيد التعليم خصوص ا؛ فق ال‪( :‬ش كلت س احة العلم‬
‫والتعليم مج االً لتم ارس الم رأة اإليراني ة دوره ا الرس الي بش كل واس ع‪ ،‬ف ازدحمت‬
‫‪ )(1‬المرأة اإليرانية ودورها الرسالي في األمة‪ ،‬موقع براس اإليراني اإلخباري‪ 7 ،‬مارس ‪..2018‬‬

‫‪224‬‬
‫المدارس والجامعات والمؤسسات التعليمية والمراكز الثقافية بالنساء الالتي قدمن إليه ا‬
‫من كل حدب وصوب من أجل أداء رسالتهن المقدسة)‬
‫وما ذكره صاحب المقال يدل عليه الواق ع اإلي راني‪ ،‬وال ذي تش ارك في ه الم رأة‬
‫مشاركة واسعة‪ ،‬قد تفوق في بعض المحال الرجل نفسه‪.‬‬
‫وهي م ع ك ل ه ذه المش اركة ال تتخلى عن قيمه ا اإليماني ة واألخالقي ة‪ ،‬وأوله ا‬
‫التزامه ا بالحج اب الش رعي‪ ،‬واآلداب المرتبط ة ب ه‪ ،‬التزام ا بتوجيه ات ق ادة الث ورة‬
‫اإلسالمية الذين يتحدثون كل حين أن حقيقة اإلنسان وج وهره من وط بتل ك القيم‪ ،‬وليس‬
‫بالحقوق التي ينالها‪.‬‬
‫ومن ذلك قول السيد الخامنئي‪ ،‬وهو يخاطب مجمعا نسويا‪( :‬افترضن أن ام رأة‬
‫ق د تقلَّدت منص با ً حكومي ا ً كب يراً‪ ،‬وك ان ذل ك المنص ب مهم ا ً ج داً‪ ،‬ويراجع ه رج ال‬
‫كثيرون‪ ،‬فال إشكال في ذلك‪ ،‬وال مانع من تولي امرأة لذلك المنصب‪ ،‬فيمكن للم رأة أن‬
‫تستقبل في منصبها آالف الرجال والمراجعين‪ ،‬وبشكل حكيم‪ ،‬وك ذلك األم ر في س احة‬
‫المواجه ة وفي س احة الح رب‪ ،‬كالس احة ال تي ش اركت فيه ا الس يدة زينب‪ ،‬والس يدة‬
‫الزهراء‪ ،‬والسيدة حكيمة‪ ،‬أو أخت اإلمام الص ادق علي ه الس الم حيث طلب اإلم ام من‬
‫سائليه أن يسألوه)(‪)1‬‬
‫وق ال ـ يحث النس اء على االهتم ام بالمش اركة في الوظ ائف المرتبط ة ب المرأة‬
‫خصوصا ـ ‪( :‬ما دمنا نعتقد بضرورة وجود فاصلة في العالق ة واالرتب اط االجتم اعي‬
‫بين الم رأة والرج ل‪ ،‬ونؤك د على رفض االختالط الح ر بين الم رأة والرج ل‪ ،‬ونعتق د‬
‫بالحجاب بمعناه الواقعي والكامل؛ لذلك ال يمكننا إهمال المسألة الطبي ة‪ ،‬أي أن ه يلزمن ا‬
‫وجود نساء طبيبات بنفس النسبة الموجودة من األطباء الرجال‪ ،‬حتى تتمكن الم رأة من‬
‫مراجعة الطبيبة في أي اختصاص أرادت‪ ،‬وال داعي للمساس بتلك الفاص لة‪ .‬ب ل علين ا‬
‫أن ن رتب األم ر لتتمكن الم رأة من مراجع ة الطبيب ة دون أي إش كال‪ ،‬الطبيب ة الم رأة‬
‫وليس الطبيب الرجل) (‪)2‬‬
‫وه و ي دعو النس اء إلى ع دم إهم ال أهم نش اط تزاول ه الم رأة‪ ،‬وه و اهتمامه ا‬
‫بأسرتها‪ ،‬يقول‪( :‬البعض يعيش اإلفراط‪ ،‬والبعض اآلخر يعيش التفريط‪ ،‬فالبعض يقول‬
‫بما أن النش اط االجتم اعي ال يس مح لي باالهتم ام ب البيت وال زوج واألوالد‪ ،‬ل ذا عل ّي ِ‬
‫ترك النشاط االجتماعي‪ ،‬والبعض تقول بما أن البيت والزوج واألوالد ال يس محون لي‬
‫بمزاولة النش اط االجتم اعي‪ ،‬إذاً عل ّي ِ أن أتخلى عن ال زوج واألوالد‪ .‬وكال النظ رتين‬
‫خطأ‪ ،‬فال يجوز ترك هذا لذاك‪ ،‬وال ذاك لهذا)(‪)3‬‬
‫أحضانهن ِ بشراً دون عقد‪ ،‬وإنسانا ً صحيحا ً وس الماً‪ ،‬تل ك‬
‫ّ‬ ‫ويقول‪( :‬أن يربّين في‬
‫هي أهم قيمة لعمل المرأة‪ ،‬وهو ال يتنافى مع العم ل العلمي والعملي‪ ،‬وه و أحب عم ل‬

‫‪ )(1‬المرأة حقوق وحرية وحجاب (ص‪.)62 :‬‬


‫‪ )(2‬المرجع السابق‪( ،‬ص‪.)29 :‬‬
‫‪ )(3‬المرجع السابق‪( ،‬ص‪.)30 :‬‬

‫‪225‬‬
‫النساء)(‪)1‬‬ ‫لدى‬
‫ومع كل هذه التصريحات التي دل عليها الواقع اإليراني نجد ـ لألسف ـ اإلعالم‬
‫المغرض يصور األمر بص ورة مختلف ة تمام ا؛ فه و يص ورها بص ورة المظلوم ة‪ ،‬ال‬
‫لكونها لم تشارك في كل نشاطات الحياة‪ ،‬وإنما لكونها تمارس ها وهي ملزم ة ب االلتزام‬
‫والحشمة والحجاب‪ ،‬وكأن ه يتص ور أن ه ال يمكن أن تم ارس أي وظيف ة إال بخل ع تل ك‬
‫القيم األخالقية‪.‬‬
‫ومن األمثل ة على ذل ك م ا ورد في مق ال مغ رض بعن وان [الم رأة اإليرانيّ ة‪..‬‬
‫أنصفها التاريخ أكثر من الحاضر]‪ ،‬والذي يقر ص احبه بمش اركة الم رأة اإليراني ة في‬
‫كل شؤون الحياة‪ ،‬ح تى الس ينما‪ ،‬لكن ه يح اول أن يص ور ب أن ك ل ذل ك يم ارس تحت‬
‫ضغوط كبيرة‪.‬‬
‫يقول في ذلك‪( :‬باس تثناء الس ينما‪ ،‬تش ارك الم رأة اإليراني ة في الفن ون بمختل ف‬
‫أش كالها‪ .‬في الموس يقى‪ ،‬ن رى نس اء يع زفن في حفالت عام ة على مختل ف اآلالت‬
‫الموسيقية‪ .‬لكن ال يمكنهن الغناء بشكل منف رد‪ .‬يس تطعن فق ط الغن اء ض من مجموع ة‪.‬‬
‫بعض اإليرانيات لم يح رمن أنفس هن من ش غفهن ب الفن التش كيلي‪ .‬ص حيح أن ه م ا من‬
‫قانون يمنع ذلك‪ ،‬إال أن الدولة تفرض عدداً من القيود بحق الفنانين والفنان ات على ح د‬
‫س واء‪ .‬على س بيل المث ال‪ ،‬تح دد الجامع ات المواض يع ال تي يمكن للطالب العم ل في‬
‫إطارها‪ ،‬وتمنع رسم جسد امرأة أو نحته حتى لو كان األمر خدم ة للفن التش كيلي‪ .‬وإن‬
‫برزت المرأة اإليرانية كعنصر أساسي على لوحة أو تمث ال‪ ،‬ف ذلك ألنه ا تمث ل األم أو‬
‫زوجة الش هيد‪ .‬وي رى البعض في ذل ك تكريم ا ً للم رأة في ه ذا المجتم ع‪ ،‬بع دما ك انت‬
‫تظهر في السابق كجاري ة أو غ ير ذل ك‪ .‬وخالل األع وام ال تي تلت الث ورة اإلس المية‪،‬‬
‫ش هدت الس ينما اإليراني ة انح داراً كب يراً‪ ،‬وغ ابت الم رأة عن معظم األفالم‪ .‬لكن م ع‬
‫وصول السينما اإليرانية إلى العالمي ة في تس عينيات الق رن الماض ي‪ ،‬أص بحت الم رأة‬
‫المخرجة والممثلة والمص ورة ج زءاً من جمي ع األفالم‪ .‬في البداي ة‪ ،‬لم تتط رق األفالم‬
‫إلى مشاكلها همومه ا وطموحاته ا‪ ،‬علم ا ً أن أفالم الي وم ب اتت تتن اول مش اكل وهم وم‬
‫وتطلعات المرأة)(‪)2‬‬
‫وما ذكره صاحب المقال من القيود المفروض ة على الم رأة في مج االت عمله ا‬
‫صحيح‪ ،‬ذلك أن النظام اإلسالمي في إيران ال يريد أن يكسب سمعة طيب ة ل دى حق وق‬
‫اإلنسان على حساب قيمه ومبادئه وأخالقه‪ ،‬ألن تل ك المب ادئ هي األس اس ال ذي تق وم‬
‫عليه كل النشاطات‪.‬‬
‫وقد نبه السيد الخامنئي إلى هذا المعنى عند استعراضه للمج االت ال تي يمكن أن‬
‫تعمل فيها المرأة‪ ،‬والمتناسبة مع طبيعتها؛ فقال‪( :‬إن أهم عمل تقوم به الم رأة ه و ذل ك‬
‫العمل الذي ينسجم ويتناسب مع خلقتها النسوية‪ ،‬ويتالءم مع أحاسيسها وعواطفها ال تي‬

‫‪ )(1‬المرجع السابق‪( ،‬ص‪.)30 :‬‬


‫‪ )(2‬المرأة اإليرانيّة‪ ..‬أنصفها التاريخ أكثر من الحاضر‪ ،‬العربي الجديد‪ 24 ،‬نوفمبر ‪.2014‬‬

‫‪226‬‬
‫أودعها هللا في وجودها‪ ،‬إن من المهم محاكاة العواط ف الجيّاش ة والتفاع ل م ع المحبّ ة‬
‫التي أودعها هللا تعالى في وجود المرأة كله)(‪)1‬‬
‫ويضرب مثاال على ذلك؛ فيقول‪( :‬لنفترض أن بعض النساء قد يش كين من ع دم‬
‫تولي المرأة من قيادة الشاحنات مثالً‪ ،‬ومن أمثال ذلك‪ ،‬تلك األمور ليس ت هام ة‪ ،‬وليس‬
‫لها القيمة التي تجعل اإلنسان يكافح لتحقيقها) (‪)2‬‬
‫ويذكر حادثة وقعت له في هذا؛ فيقول‪( :‬أذكر أني حللت ضيفا ً على أحد الطالب‬
‫الج امعيين في الهن د‪ ،‬أردن ا أن نس تريح بع د الظه ر‪ ،‬فس معنا ص وتا ً ي أتي من الش باك‬
‫الصطدام شيء‪ ،‬نظرت من الشباك فرأيت داخل ساحة من خمسمائة م تر تقريب ا ً س يدة‬
‫في العق د الخ امس من عمره ا‪ ،‬تحم ل مطرق ة في ي دها‪ ،‬وتحطّم األحج ار ال تي تمأل‬
‫الساحة تلك‪ ..‬فسألته‪ :‬لماذا تتولّى تلك المرأة هذا العمل؟‪ ..‬قال‪ :‬إنها عاملة‪ ..‬س ألته‪ :‬كم‬
‫تتقاضى من األجر يومياً؟‪ ..‬قال‪ 4 :‬أو ‪ 5‬روبيات يومياً‪ ..‬وكان ذل ك ع ام ‪ 1980‬م بع د‬
‫انتصار الثورة) (‪)3‬‬
‫ثم علق على هذه الحادثة بقول ه‪( :‬أعتق د إن ه لمن ب واعث الفخ ر أنن ا ال نج د في‬
‫األجواء اإلسالمية من يكلّف المرأة بمثل تلك األعمال الشاقة‪ .‬نعم لدينا نس اء يعملن في‬
‫ّ‬
‫لكنهن ِ ال يعلمن ك أجيرات لآلخ رين!‬ ‫إنهن ِ يعملن في الش مال لحس ّ‬
‫ابهن‪،‬‬ ‫زارعهن‪ّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫م‬
‫فهل من المعقول أن يخوض اإلنسان نضاالً مريراً من أجل أن تصل الم رأة إلى القي ام‬
‫بمثل تلك المهام الشاقة؟! ليست تلك األمور بذات بال) (‪)4‬‬
‫ومن هن ا؛ ف إن الق وانين والواق ع اإلي راني يمن ع الم رأة من ممارس ة بعض‬
‫الوظ ائف ال تي ال تنس جم م ع طبيعته ا‪ ،‬وليس في ذل ك إال مزي د اح ترام له ا‪ ،‬يق ول‬
‫الخ امنئي‪( :‬هن اك بعض األعم ال ال تي ال تناس ب الم رأة‪ ،‬وال تتالءم م ع تركيبه ا‬
‫الجسدي‪ .‬كما أن هناك بعض األعم ال ال تي ال تناس ب الرج ل‪ ،‬وال تتالءم م ع وض عه‬
‫األخالقي والجسدي‪ .‬لكن ال عالقة لذلك بقدرة المرأة على التواجد في ساحة النش اطات‬
‫االجتماعية أو عدم قدرتها‪ .‬فإن تقسيم األعمال يتم حسب اإلمكانات والرغب ة واقتض اء‬
‫كل عمل) (‪)5‬‬
‫بل إنه يعتبر ممارسة المرأة لما ال يتناسب مع طبيعتها وقيمها وأخالقها ظلم لها‪،‬‬
‫وليس حقوقا تطالب بها‪ ،‬يقول‪( :‬إذا ك انت الظ روف بش كل يس لب الم رأة ق درتها على‬
‫االهتمام بأخالقها ودينها ومعرفتها بسبب كثرة عملها وضغط المشاغل المتنوعة‪ ,‬فذلك‬
‫ظلم) (‪)6‬‬

‫‪ )(1‬المرأة علم وعمل وجهاد (ص‪)35 :‬‬


‫‪ )(2‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.35‬‬
‫‪ )(3‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.35‬‬
‫‪ )(4‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.35‬‬
‫‪ )(5‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.37‬‬
‫‪ )(6‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.40‬‬

‫‪227‬‬
‫‪ 4‬ـ الحقوق السياسية للمرأة‪:‬‬
‫وهي من الحقوق التي دل عليها الواقع اإليراني حيث ن رى الم رأة تم ارس ك ل‬
‫النشاطات السياسية مثل الرجل تماما؛ فلها حق الترشح‪ ،‬وحق االنتخاب‪ ،‬وحق الدخول‬
‫في األحزاب السياسية‪ ،‬بل ترأسها‪ ،‬وهكذا نجدها كل المجاالت السياسية متاحة لها‪.‬‬
‫وهي وإن لم يكن ع ددها كب يرا في مجلس الش ورى مثال؛ ف ذلك ال يع ود للقي ود‬
‫التي تفرض عليها‪ ،‬وتحول بينها وبين الترشح‪ ،‬وإنما لطبيعة المجتمع اإليراني الذي ال‬
‫يختلف عن سائر المجتمعات اإلسالمية في النظر إلى هذا الجانب‪ ،‬ولذلك قد ال تترش ح‬
‫المرأة في بعض المناطق المحافظة جدا‪ ،‬وقد ال تنجح في حال ترش حها‪ ،‬وذل ك ال ي دل‬
‫على كون النظام اإليراني ضد ممارسة المرأة حقها السياسي‪.‬‬
‫وهذا نج ده ح تى في ال دول المتط ورة‪ ،‬وال تي يس يطر الرج ال فيه ا على أك ثر‬
‫المناصب السياسية‪ ،‬بل ال نكاد نجد ام رأة تت ولى المناص ب الحساس ة فيه ا‪ ،‬م ع ك ون‬
‫القوانين تسمح بذلك‪.‬‬
‫فل ذلك ال يص ح م ا ي ذكره اإلعالم المغ رض عن الحق وق السياس ية للم رأة‬
‫اإليرانية‪ ،‬ذلك أنه ال يعتمد التنظيرات التي نص عليه ا ق ادة الث ورة‪ ،‬وال الحق وق ال تي‬
‫نص عليها الدستور والق وانين اإليراني ة‪ ،‬وإنم ا يعتم د الواق ع‪ ،‬ويحس ب األم ر حس ابا‬
‫كميا؛ فيتصور أن قلة عدد النساء في البرلم ان دلي ل على القي ود ال تي تف رض عليهن‪،‬‬
‫وذلك غير صحيح‪.‬‬
‫ول و طبقن ا ه ذا المقي اس ل ذكرنا أن أمريك ا ال تج يز للم رأة أن تت ولى رئاس ة‬
‫الجمهورية‪ ،‬وأنه محجور عليه ا‪ ،‬ونس تدل ل ذلك بع دم ت ولي أي ام رأة ه ذا المنص ب‪،‬‬
‫وهذا غير صحيح‪ ،‬وال علمي‪.‬‬
‫وله ذا؛ ف إن المنهج الص حيح في التع رف على الموق ف الحقيقي في أمث ال ه ذه‬
‫القضايا هو النظر في الرؤية الفكرية للقادة السياسيين‪ ،‬ألنها تشكل القاع دة ال تي تنب ني‬
‫عليها القوانين‪.‬‬
‫وعند مطالعة ما قاله الخميني‪ ،‬الذي يعتبر األب الروحي للنظ ام اإلي راني‪ ،‬ومن‬
‫توصياته تشكلت أكثر القوانين‪ ،‬نجد أنه يتيح للم رأة ممارس ة ك ل النش اطات السياس ية‬
‫التي تقدر عليها‪ ،‬بشرط الكفاءة التي تؤهلها لذلك‪ ،‬ألن الهدف ليس هو أن تتولى الم رأة‬
‫المنصب‪ ،‬وإنما أن يكون المنصب حقيقا بها‪ ،‬وهي حقيقة به‪.‬‬
‫وقد ذكر الخميني رؤيته في ه ذا المج ال قب ل انتص ار الث ورة اإلس المية‪ ،‬أثن اء‬
‫لهن وم ا عليهن‬‫جوابه على سؤال يقول‪( :‬تشغل النساء تجمعا ً كبيراً بين المس لمين فم ا ّ‬
‫في ظل النظ ام اإلس المي؟)؛ فأج اب بقول ه‪( :‬تش ارك نس اء إي ران المس لمات اآلن في‬
‫المقاوم ة والنض ال السياس ي والمظ اهرات على الش اه‪ ،‬وق د أُعلمت أنهن يعق دن‬
‫اجتماعات سياسية في المدن اإليرانية‪ .‬وللمرأة في ظل النظ ام اإلس المي نفس الحق وق‬
‫التي يتمت ع به ا الرج ل‪ :‬ح ق التعليم والعم ل والتمل ك واالنتخ اب والترش يح‪ .‬وفي ك ل‬
‫المجاالت التي للرجل حق فيها لها حق‪ .‬ومن األمور والمراف ق م ا يح رم على الرج ل‬
‫لظهور المفاسد فيها‪ ،‬وهكذا على المرأة‪ .‬فاإلس الم يري د المحافظ ة على مكان ة ك ل من‬

‫‪228‬‬
‫الرجل والمرأة‪ ،‬وال يريد أن تكون المرأة ألعوبة بيد الرجل‪ ،‬وما يش يع في الخ ارج من‬
‫أن المرأة تعامل في اإلسالم بقسوة وخشونة هو أمر غير صحيح وشائعات باطلة‪ ،‬فكال‬
‫الم رأة والرج ل يتمتع ان بص الحيات في اإلس الم على ال رغم من اختالف ات االث نين‬
‫المتعلقة بطبيعتهما)(‪)1‬‬
‫وهك ذا نج د الخ امنئي ي رغب النس اء في الثقاف ة والعم ل السياس ي في جمي ع‬
‫مجاالته؛ فيقول مخاطبا لبعض التجمعات النسوية‪( :‬أدعوكن إلى زيادة الحضور في‬
‫القض ايا اإلجتماعي ة والسياس ية‪ ،‬والص مود والص بر والمقاوم ة والحض ور السياس ي‬
‫واإلرادة السياس ية‪ ،‬واإلدراك وال وعي السياس ي ومعرف ة البل د واأله داف الوطني ة‬
‫الكبرى واألهداف اإلسالمية للدول والشعوب اإلسالمية‪ ،‬ومعرف ة م ؤامرات األع داء‪،‬‬
‫ومعرفة العدو وأساليبه‪ .‬عليها أن تقدم في ذلك يوما ً بعد يوم)(‪)2‬‬
‫وي ذكر لهن األمثل ة على ذل ك من النس اء الص الحات المؤمن ات‪ ،‬الالتي كن‬
‫يشاركن في كل قضايا األمة؛ فيقول‪( :‬أما اإلسالم فكان قبلهم بكثير قد أثبت للمرأة ح ق‬
‫البيعة والتملك والتواجد في الساحات األساسية السياس ية واإلجتماعي ة ﴿يَاأَيُّهَ ا النَّبِ ُّي إِ َذا‬
‫َات يُبَايِ ْعنَكَ َعلَى أَ ْن اَل يُ ْش ِر ْكنَ بِاهَّلل ِ﴾ [الممتحنة‪ ]12 :‬؛ فكانت النساء ت أتي‬
‫ك ْال ُم ْؤ ِمن ُ‬
‫َجا َء َ‬
‫لتبايع النبي ‪ ،‬ولم يرفض النبي ‪ ‬ذلك‪ ،‬ويقول ليأتي الرجال فقط للبيع ة‪ ،‬ولم يأخ ذ‬
‫برأي الرجال فقط‪ ،‬ولم يجبر النساء على ما قرره الرجال‪ ،‬بل قال للنساء البيعة أيض اً‪،‬‬
‫لهن ِ إبداء رأيهن بقب ول حكوم تي ه ذه‪ ،‬والمش اركة في قب ول ه ذا النظ ام اإلجتم اعي‬ ‫ّ‬
‫والسياسي)(‪)3‬‬
‫ويض رب األمثل ة على م دى كف اءة النس اء‪ ،‬وق درتهن على ممارس ة العم ل‬
‫السياسي؛ فيقول‪( :‬وفي الساحات السياسية أيضاً‪ ،‬رأينا وم ا زلن ا ن رى س يدات يمتلكن‬
‫القدرة على التحليل وخطيبات‪ ،‬ومستع ّدات لتولّي المسؤولية في النظام اإلسالمي‪ .‬طبعا ً‬
‫إن هذا األمر يشهد اتّساعاً‪ ،‬ويجب أن يتطوّر) (‪)4‬‬
‫ويضرب المث ل لهن بالنس اء المؤمن ات في زمن النب وة وبع ده؛ فيق ول‪( :‬أولس نا‬
‫ق؟ إذن علينا‬ ‫ق الح ّ‬ ‫نقول أنها ـ أي الزهراء ـ كانت تذهب إلى المسجد رغم ضعفها‪ ،‬لتح ّ‬
‫َ‬
‫أن نسعى إلحقاق الحق في جميع الح االت‪ ،‬علين ا أن ال نخ اف من أح د أيض اً‪ .‬أ َولس نا‬
‫نقول أنها وقفت وحيدة في مواجهة مجتمع ذل ك الزم ان؟‪ ..‬علين ا أن نق ف في مواجه ة‬
‫عالم الظلم واالستكبار‪ ،‬ونواجهه دون خوف على رغم قلة عددنا) (‪)5‬‬
‫وه و يعت بر أن الع برة في ك ل ذل ك بالكف اءة‪ ،‬فهي ال تي تح دد نوعي ة العم ل‪،‬‬
‫وكيفيته‪ ،‬وال عالقة لذلك بكون العامل رجال أو امرأة؛ فيقول‪( :‬إني أرى أن أهمي ة ه ذا‬
‫‪ )(1‬صحيفة اإلمام‪ ،‬ج‪ ،5‬ص‪.130 :‬‬
‫‪ )(2‬المرأة علم وعمل وجهاد (ص‪)33 :‬‬
‫‪ )(3‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.34‬‬
‫‪ )(4‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.34‬‬
‫‪ )(5‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.35‬‬

‫‪229‬‬
‫العمل الذي تقوم به السيدات اليوم ال يق ّل أهميّة عن المشاغل األخرى التي يقمن بها في‬
‫البالد‪ ،‬بل إن أهميته أكبر من معظم تلك المشاغل‪ .‬نعم إطرحن هذا السؤال وهو‪ :‬لم اذا‬
‫ال تتولى النساء مسؤوليات ومديريات أساسية؟ فهو سؤال مقبول؟‪ ..‬والجواب عليه ه و‬
‫أنه إذا كانت المرأة تمتلك طاقات علمية مثالً‪ ،‬أو قدرة على االختراعات واالكتش افات‪،‬‬
‫أو كانت مؤهلة ألداء نشاط سياسي أو عمل اجتماعي‪ ،‬ولم يسمح لها أن تستغ ّل طاقته ا‬
‫تلك‪ ،‬وأن تن ّمي قدراتها تلك؛ فذلك ظلم) (‪)1‬‬

‫أما بالنسبة لالختالط الذي قد تفرضه أمثال هذه األدوار؛ فيجيب عنه بقوله‪( :‬لقد‬
‫وضع اإلسالم حدوداً لهذه النشاطات‪ ،‬لكن تلك الح دود ال عالق ة له ا ب المرأة والس ماح‬
‫لها بالنشاط‪ ،‬بل إنها متعلقة بمس ألة االختالط بين الم رأة والرج ل حيث يب دي اإلس الم‬
‫حساسية تجاهها؛ فاإلسالم يعتقد أن على الرجل والمرأة أن يحافظا على ح ٍّد بينهم ا في‬
‫كل مك ان‪ ،‬في الش ارع وال دائرة والمتج ر‪ .‬لق د عيّن حجاب ا ً وح ّداً بين الم رأة والرج ل‬
‫إن ِ اختالط الم رأة والرج ل ليس ك اختالط الرج ال م ع بعض هم واختالط‬ ‫المسلمين؛ ف ّ‬
‫بعضهن‪ ،‬وعليهم أن يراعوا تلك الح دود‪ .‬على الرج ل مراع اة ذل ك‪ ،‬وعلى‬ ‫ّ‬ ‫النساء مع‬
‫ً‬
‫الم رأة أيض ا مراع اة ذل ك‪ ،‬وإذا روعيت حساس ية اإلس الم ه ذه ح ول العالق ة ون وع‬
‫االختالط بين الرجل والمرأة‪ ،‬عندها ستتمكن النس اء من مزاول ة جمي ع األعم ال ال تي‬
‫يمارس ها الرج ال في المج االت االجتماعي ة‪ ،‬إن ّ‬
‫كن ِ يمتلكن الق درة الجس دية ألدائه ا‪،‬‬
‫لهن ِ الفرصة المناسبة) (‪)2‬‬‫لديهن ِ الرغبة نحوها‪ ،‬وأتيحت ّ‬‫ّ‬ ‫وكانت‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ّ‬
‫ويقول‪( :‬افترضن أن امرأة قد تقلدت منصبا حكوميا كب يرا‪ ،‬طبع ا ال أذك ر اس م‬
‫ي منصب قد ال تكون واضحة جداً ودقيقة‪ ،‬وال داعي ألن‬ ‫المنصب‪ ،‬ألن خصوصيات أ ّ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫يضع اإلنسان أصبعه على منصب خاص‪ ،‬وكان ذل ك المنص ب مهم ا ج دا‪ ،‬ويراجع ه‬
‫رجال كثيرون‪ ،‬فال إشكال في ذل ك‪ ،‬وال م انع من ت ولّي ام رأة ل ذلك المنص ب‪ ،‬فيمكن‬
‫للمرأة أن تستقبل في منصبها آالف الرجال والمراجعين وبشكل حكيم‪ ،‬وأن تقض ي لهم‬
‫ما يتوقعونه من ذلك المنصب من مطالب مشروعة ومحقّة‪ .‬ال مانع من ذلك) (‪)3‬‬
‫وه و ينب ه دائم ا إلى أن اله دف ليس وج ود الم رأة في تل ك الوظ ائف السياس ية‬
‫وغيرها‪ ،‬ليقال ب أن المجتم ع اإلي راني ي راعي حق وق النس اء في ه ذا الج انب‪ ،‬وإنم ا‬
‫اله دف ه و تحقي ق المص الح الش رعية‪ ،‬ول ذلك ال يهم أن يك ون ع دد النس اء في تل ك‬
‫المؤسسات أكبر أم عدد الرجال؛ ف العبرة بالكف اءة‪ ،‬وليس بالع دد‪ ،‬يق ول في ذلك‪( :‬إني‬
‫مسرور جداً لرؤيتي األخوات النواب وقد ش ّكلن بحمد هللا كتل ة كيفي ة وكميّ ة مهم ة في‬
‫مجلس الشورى اإلسالمي‪ .‬وال أعني بذلك مثالً أن يكون من بين مائتين وسبعين نائب اً‪،‬‬
‫أن يك ون هن اك مائ ة وك ذا ن ائب من النس اء‪ ،‬كال ليس المطل وب أن تح دد أع داد‬
‫المس ؤوليات ال تي تتواله ا النس اء وأع داد م ا يت والّه الرج ال‪ ..‬بالمناس بة ف إني أرى‬

‫‪ )(1‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.35‬‬


‫‪ )(2‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.38‬‬
‫‪ )(3‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.40‬‬

‫‪230‬‬
‫نظن ِ أن عدد النساء يجب أن يساوي عدد الرجال في كل‬ ‫االهتمام بذلك أمراً سلبياً‪ ،‬أن ّ‬
‫ساحة ومجال! فذلك فكر ابتدائي وبسيط وطف ولي‪ .‬إني ال أق ول أن ني مس رور من ه ذا‬
‫المجال‪ ،‬بل إني مسرور لشعوري أن هناك حركة جدي ة وحقيقي ة تج ري لحس ن الح ظ‬
‫من أجل إعادة االعتبار لشخصية المرأة) (‪)1‬‬

‫ثانيا ـ العمال وحقوقهم في الرؤية السياسية اإليرانية‪:‬‬


‫للعم ل في الرؤي ة السياس ية اإليراني ة قيم ة كب يرة‪ ،‬س واء قب ل انتص ار الث ورة‬
‫اإلسالمية‪ ،‬أو بعدها‪ ،‬ألنها ثورة قامت ضد األرستقراطية والرأسمالية التي ب نى عليه ا‬
‫الشاه حكمه‪ ،‬لذلك كان يرمي الث وار اإلس الميين بك ونهم يس اريين وش يوعيين‪ ،‬نتجي ة‬
‫مطاالبتهم بحقوق المستضعفين‪ ،‬بمن فيهم العمال‪.‬‬
‫ولهذا نالحظ كثيرا تبرؤ ق ادة الث ورة اإلس المية من النظ ام الش يوعي‪ ،‬واعتب ار‬
‫ثورتهم ثورة إسالمية خالصة‪ ،‬ال ش رقية وال غربي ة‪ ،‬وأن أه دافها أه داف تنس جم م ع‬
‫اإلسالم وتنطلق منه حتى لو تقاطعت مع الشيوعيين أو غيرهم في بعض المطالب‪.‬‬
‫ولنرى مدى تشرب ق ادة الث ورة اإلس المية بالرؤي ة اإلس المية في التعام ل م ع‬
‫العم ال‪ ،‬ننق ل نصوص ا من خط اب مهم للخمي ني بمناس بة ي وم العم ال‪ ،‬ألق اه بع د‬
‫االنتصار‪ ،‬والذي قدم له ببيان مشروعية االحتفال في هذا اليوم من باب تكريم العم ال؛‬
‫فقال‪( :‬إن اختصاص يوم بالعمال لعله بلحاظ التك ريم والتعظيم‪ ،‬وإاّل ف إن ك ل ي وم ه و‬
‫يوم العمل والعمال‪ ،‬بل العالم قد تشكل من العمل والعام ل‪ ..‬وإن تخص يص ي وم للع الم‬
‫كمن يخص ص يوم ا ً للن ور‪ ،‬تخص يص ي وم للش مس‪ ،‬إذ الن ور موج ود في ك ل ي وم‪،‬‬
‫والنهار نور‪ .‬كل يوم هو يوم الشمس‪ ،‬ولكن لعل ذلك ك ان من أج ل التعظيم والتك ريم‪،‬‬
‫ولهذا فال يوجد إشكال في هذا األمر)(‪)2‬‬
‫ثم بين أهمية العمل في الرؤية العقدية اإلسالمية‪ ،‬وكون ه واجب ا وش رفا ال يمكن‬
‫االس تغناء عن ه‪ ،‬وفي ك ل المح ال؛ فق ال‪( :‬إذا أردن ا الواقعي ة؛ ف إن العم ل والعام ل‬
‫موج ودان في جمي ع ع والم م ا قب ل الطبيع ة وفي ع الم الطبيع ة وفي ع والم م ا بع د‬
‫الطبيع ة‪ .‬فالعم ل والعام ل موج ودان في ك ل مك ان‪ ،‬وجمي ع موج ودات الع الم س واء‬
‫موجودات ما قبل الطبيعة‪ ،‬أم الموجودات الطبيعية أم موج ودات م ا بع د الطبيع ة ف إن‬
‫جميعها ق د تحققت بس بب العام ل‪ .‬فالعم ل نظ ير (الوج ود) حاض ر في جمي ع ش ؤون‬
‫العالم)(‪)3‬‬

‫ثم ذكر بعض تفاصيل ذلك‪ ،‬فقال‪( :‬لقد وجد العالم من فعالية هللا‪ ،‬ووجدت أجزاء‬
‫الع الم من الفعالي ات لبعض الموج ودات‪ .‬إنكم ال تس تطيعون العث ور على موج ود إاّل‬
‫والعامل والعمل موجودان فيه‪ ،‬بل هو بنفسه عمل‪ ،‬العمال أيضا ً هم بأنفسهم عمل‪ ،‬وقد‬
‫وج دوا من العم ل‪ ..‬إن ذرات الكائن ات في ع الم الطبيع ة فعال ة من أج ل إيج اد جمي ع‬

‫‪ )(1‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.28‬‬


‫‪ )(2‬صحيفة اإلمام‪ ،‬ج‪ ،7‬ص‪.131 :‬‬
‫‪ )(3‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.131‬‬

‫‪231‬‬
‫كائنات هذا العالم حتى الجمادات واألشجار جميعا ً حية‪ ،‬جميعها عاملة‪ ،‬فالعم ل محي ط‬
‫بكل العوالم‪ ،‬ومنذ البداية إنما وجد العالم بالعمل‪ ،‬فالعامل مبدأ جميع الموجودات)(‪)1‬‬
‫وبناء على ما ورد في النصوص المقدسة من أن الجنة مبنية باألعمال الصالحة‪،‬‬
‫والنار مبنية باألعمال الخبيثة‪ ،‬يذكر الخميني أن العمل يمتد إلى عوالم م ا بع د الطبيع ة‬
‫نفسها‪ ،‬فيقول‪( :‬إن عالم ما بعد الطبيعة‪ -‬الجنة والن ار‪ -‬أيض ا ً ق د ظه ر بالعم ل‪ ،‬الجن ة‬
‫والنار تتحققان من عمل اإلنسان؛ فعمل اإلنسان إما عمل صالح وعمل حسن وهو مبدأ‬
‫تحقق الجنة‪ ،‬وإما عمل غير صالح وفاسد وهو مبدأ النار)(‪)2‬‬
‫وبعد هذه المقدمات العقدية التي تعود كل قادة الثورة اإلسالمية أن ينطلق وا منه ا‬
‫في توضيح الحقائق ليربطوا الدنيا باآلخرة‪ ،‬والغيب بالشهادة‪ ،‬يذكر أن الش رف العظيم‬
‫للعمال مرتبط بالمسؤوليات العظيمة المناطة بهم‪ ،‬ذلك أنهم ـ كما يذكر ـ هم وراء تق دم‬
‫الدول وانحطاطها‪ ،‬وحال أعمالهم كحال األعمال التي تنتج إما نارا أو جنة؛ يقول‪( :‬إذا‬
‫اتجه بلد نحو التقدم‪ ،‬فإن ه يس ير باتج اه التط ور بي دكم أنتم أيه ا العم ال‪ ،‬وإذا س ار بل د‬
‫باتجاه االنحطاط‪ ،‬فهو أيضا ً يبدكم أنتم‪ ،‬إذ بعدم العمل أو بقلة العمل أو بعدم الرغبة في‬
‫العمل يسير البلد نحو االنحطاط؛ فالحكوم ة الي وم منكم‪ ،‬من العم ال‪ ،‬والبل د بل دكم‪ .‬فلم‬
‫يعد لألجانب تدخل فيه‪ .‬لم يعد هناك كبت‪ .‬لم يعد هناك اختناق‪ .‬لم يعد هناك نهب‪ .‬البل د‬
‫اليوم بلدكم‪ ،‬وأنتم مسؤولون عنه مباشرة‪ .‬فإذا لم تبذلوا الجهد في هذه المسؤولية‪ ،‬إذا لم‬
‫تبذلوا الجهد في هذا األمر ال ذي بعه دتكم‪ ،‬وإذا لم ت ؤدوا ذل ك ال ّدين ال ذي عليكم تج اه‬
‫بلدكم وتجاه اإلسالم‪ ،‬ستتحملون مسؤولية ذلك)(‪)3‬‬
‫وهو ـ خالفا لما عليه الفكر المادي‪ ،‬الذي تبنى عليه األنظم ة الوض عية ـ وال تي‬
‫تنطلق من إغراءات مادية أو معنوية تقدمها للعمال قصد تحفيزهم‪ ،‬ينطلق الخميني من‬
‫ذلك الفضل العظيم الذي ورد في النص وص المقدس ة ح ولهم‪ ،‬وتل ك األج ور العظيم ة‬
‫التي ينالونها؛ فيقول‪(:‬إذا بذلتم جهدكم وأدرتم عجلة البلد‪ ،‬ف إن لكم قيم ة كب يرة عن د هللا‬
‫تبارك وتعالى؛ فاإلسالم يجعل لكم قيمة كبيرة‪ ،‬ويعتبركم ُخ َّزان األرض‪ ،‬ف أنتم األمن اء‬
‫على خزائن األرض‪ ،‬وعليكم إحياء األرض)(‪)4‬‬
‫وهو يحذرهم من تلك الصرخات التي تحرضهم‪ ،‬وتدعوهم إلى الثورة‪ ،‬ليس تعيد‬
‫النظ ام البائ د بع د ذل ك عافيت ه‪ ،‬ويحكم الس يطرة عليهم؛ يق ول‪( :‬التص غوا إلى ال ذين‬
‫اليريدون له ذه العجل ة أن ت دور‪ .‬إنهم اليحب ونكم‪ ،‬اإلس الم العزي ز ه و ال ذي يهتم بكم‬
‫ويحترمكم ويطالب بحقوقكم ويعمل على إحقاقها‪ .‬دع وا اإلس الم يحكم‪ ،‬دع وا الج ذور‬
‫الفاسدة لالستبداد واالستعمار تستأصل وتتالشى‪ ،‬وليمنى الذين يريدون خدمة األج انب‬

‫‪ )(1‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.131‬‬


‫‪ )(2‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.132‬‬
‫‪ )(3‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.132‬‬
‫‪ )(4‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.132‬‬

‫‪232‬‬
‫والفشل)(‪)1‬‬ ‫بالخيبة‬
‫وهو يذكر لهم أن الحكم اإلسالمي ال يعني تهميشهم ـ كما يشيع المغرضون ـ بل‬
‫إن ه يعطي األولوي ة لهم‪ ،‬ب ل يجع ل زم ام األم ور بأي ديهم‪ ،‬يق ول‪( :‬إنكم إخوتن ا‪ ،‬إنكم‬
‫أعزتنا‪ ،‬عليكم إدارة هذا البلد‪ ،‬أنتم من يستطيع األخذ بهذا البلد إلى ب ّر األم ان‪ .‬أنتم من‬
‫يستطيع في المصانع ادارة عجلة المصانع وانقاذ البلد‪ .‬أنتم أيه ا الفالح ون من يس تطيع‬
‫أن يح رك عجل ة الزراع ة‪ ،‬وفع اليتكم هي ال تي تس تطيع تحقي ق الزراع ة بش كلها‬
‫الص حيح‪ ،‬فكم ا تعلم ون أنهم خرب وا الزراع ة ودمروه ا‪ ،‬وعليكم أنتم اآلن‪ ،‬بع د أن‬
‫أصبح البلد بأيديكم وقطعت أي دي األج انب‪ ،‬أن تهتم وا ب زراعتكم‪ ،‬وأعط وا الحكوم ة‬
‫الفرصة حتى تساعدكم‪ ،‬تساعدكم بالمقدار الذي تس تطيعه‪ .‬وأنتم اخوتن ا العم ال‪ ،‬دع وا‬
‫المعامل تعمل ليمكن إعمار ه ذه البل د للجمي ع‪ ،‬أعط وا الفرص ة لتعم ل ه ذه المص انع‬
‫وتدور عجلة البلد‪ ،‬وإنكم جميعا ً إخ وة لن ا‪ ،‬ونحن جميع ا ً في خ دمتكم‪ .‬أنتم من يس تطيع‬
‫إدارة البلد والقضاء على هذه الفوضى)(‪)2‬‬
‫ثم يذكر لهم الواقع المادي ال ذي تعيش ه إي ران بع د ثورته ا‪ ،‬وأن ه ال يس مح له ا‬
‫بالوفاء بالحقوق المادية التي يستحقها العمال كم ا ينبغي‪ ،‬ول ذلك يحت اجون إلى الص بر‬
‫ح تى تس تعيد البل د عافيته ا‪ ،‬يق ول‪( :‬كم ا تعلم ون أن ه ؤالء ق د رحل وا ت اركين البل د‬
‫مضطراً‪ .‬نهبوا ورحلوا‪ ،‬أفرغوا خزائننا ورحلوا‪ .‬فيجب علينا اآلن جميعاً‪ .‬وليست فئ ة‬
‫واحدة‪ ،‬علينا جميعا ً أن نس عى ونح رك عجالت ه ذا البل د ح تى تتحس ن أوض اعه‪ ،‬إن‬
‫اإلسالم جعل لكم حقوقاً‪ ،‬وسوف يعطي حقوق الجميع‪ .‬اإلسالم جعل حقوقا ً للعم ال من‬
‫الرجال والنساء‪ .‬لجميع النساء والرج ال الم زارعين‪ .‬وه و يك رمهم وس وف ي رد لهم‪،‬‬
‫دعوا اإلسالم يحكم‪ ،‬لتتحق ق جمهوري ة اإلس الم وأحك ام اإلس الم النوراني ة‪ .‬ال تعب أوا‬
‫بأولئ ك ال ذين ال يري دون له ذه العجالت أن ت دور‪ ،‬وال يري دون لزراعتن ا أن تس ير‬
‫أمورها‪ ،‬ومعاملنا أن تعمل‪ ،‬التص غوا إليهم وال تنخ دعوا بهم وال تفس حوا لهم المج ال‬
‫ليعملوا ما يريدون‪ .‬إنهم يريدون خداعكم لينهبوا ثروات هذا البلد‪ ،‬لينهب وا خ زائن ه ذا‬
‫البلد‪ ،‬ليكون الطريق مفتوح ا ً أم ام من يري د م ّد ي ده لينهب من ه ذه الخ زائن‪ .‬يجب أن‬
‫تحولوا دون ذلك‪ .‬علينا جميعا أن نمنع وقوع ذلك)(‪)3‬‬
‫وما ذكره الخميني في تلك األيام التي بدأت به ا الث ورة اإلس المية‪ ،‬ينطب ق على‬
‫ف ترات كث يرة بع دها‪ ،‬حيث أن المس تكبرين اس تعملوا ك ل وس ائل التض ييق على‬
‫الجمهورية اإلسالمية اإليرانية‪ ،‬ح تى تُتهم الحق ا بالتفري ط في حق وق العم ال‪ ،‬م ع أن‬
‫المشكلة ليست في النظام‪ ،‬وال في العمال‪ ،‬ولكن في االستكبار العالمي الذي مارس ك ل‬
‫أنواع الحصار‪.‬‬
‫ومع ذلك‪ ،‬ومع الحصار المرير‪ ،‬والحرب الضروس استطاع العمال اإليرانيون‬

‫‪ )(1‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.132‬‬


‫‪ )(2‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.133‬‬
‫‪ )(3‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.134‬‬

‫‪233‬‬
‫أن يوفروا حدا أدنى من المعيشة أفضل بكثير أيام الشاه‪ ،‬الذي كانت تذهب أكثر الثروة‬
‫اإليرانية فيه لجيبه وجيب االستكبار العالمي الذي خضع له خضوعا مطلقا‪.‬‬
‫وقد أشار الخميني في خطاب له بعد أكثر من ست س نوات على انتص ار الث ورة‬
‫اإلسالمية ـ وبحضور الخامنئي حين كان رئيس ا للجمهوري ة ـ فق ال ـ يع دد إنج ازات‬
‫(إن م ا أري د قول ه‬ ‫الثورة في تلك الفترة القصيرة الممل وءة بك ل أص ناف التض ييق ـ‪َّ :‬‬
‫للسادة القادمين من الخارج أن التشاهدوا وتجلسوا ساكتين إلى النهاي ة‪ ،‬تع الوا انظ روا‬
‫هنا‪ ،‬اذهبوا وانظروا وضع السجناء واألسرى العراقيين وأوضاع فئات الشعب ووضع‬
‫الفاّل حين في القرى واألرياف البعي دة في أقاص ي البالد كي ف ك انت في العه د الس ابق‬
‫وكيف هي اآلن؟ ففي الوقت الذي نواجه اآلن ه ذه المعارض ة من قب ل ك ل البل دان إاّل‬
‫القليل منه ا‪ ،‬وم ع ذل ك فإنن ا خالل ه ذه الس نوات المع دودة من انتص ار الث ورة وب دء‬
‫ت علينا من قبل أمريكا‪ ،‬فانظروا إلى هذا الشعب بما أن حكومته شعبية‬ ‫الحرب التي ُشنَّ ْ‬
‫ومنبثقة من الشعب‪ ،‬فإن رئيس وزرائ ه ك ان كاس با ً في الس وق‪ ،‬وافترض وا أن فاّل ح ا ً‬
‫ي مك ان من ال دنيا تج دون مث ل ه ذا؟ إين تج دون‬ ‫جاء وتس لّم المنص ب الفالني‪ ،‬ففي أ ّ‬
‫طالب علم يصبح رئيس ا ً للجمهوري ة؟ ‪ ..‬وأين تج دون كاس با ً يص بح رئيس ا ً لل وزراء؟‬
‫وفاّل حا ً يكون ما يكون؟ فهذا نم وذج ال مثي ل ل ه في ال دنيا‪ ،‬وم ا ه ذا إاّل تح وّل الن اس‬
‫وتغييرهم‪ ،‬وهؤالء جزء من الناس)(‪)1‬‬
‫وهو يطلب منهم أن يوضحوا للع الم مزاي ا النظ ام اإلس المي‪ ،‬وال تي تحققت في‬
‫الواقع العملي‪ ،‬ولم تبق مجردا نظري ات‪ ،‬يق ول‪( :‬اعترض وا على ه ؤالء ال ذين يبث ون‬
‫الدعايات المغرضة ضد إيران‪ ،‬فأنتم عند ما تتج ّولون في شوارع البالد هل رأيتم أحداً‬
‫يقتل الناس في الشوارع؟ وهل انزوت النساءفي إيران وحجزن في البيوت‪ ،‬أم يشاركن‬
‫الرجال في إعمار البالد ويسرن معهم جنبا ً إلى جنب؟ هل ترون أن تتهتّ ك النس اء هن ا‬
‫وتتحلل من كل قيد؟ أن ه ذا خالف التح وّل ال ذي ظه ر ل دى النس اء‪ ،‬وخالف التح وّل‬
‫الذي طرأ علىشعبنا‪ ،‬ال تكونوا متفرجين فقط تأتون وتشاهدون ثم تعودون إلى أعم الكم‬
‫وال شأن لكم في شيء حتى العام القادم لتُ ْدعَوا للحضور هنا م رة أخ رى‪ ،‬إذ ل و تك رر‬
‫هذا األمر بهذا الشكل مئة عام فال يساوي شيئا ً ولن ينتهي بنتيجة مثمرة‪ .‬عند م ا ت أتون‬
‫إلى هنا وتعودون إلى بلدانكم إذكروا ألبناء شعبكم وغيرهم م ارأيتم‪ ،‬والتظنّ وا أن ه ذا‬
‫غير ممكن فقد رأينا أنه ممكن وقد حصل)(‪)2‬‬

‫ثم يذكر لهم وضع الشعب اإليراني سابقا‪ ،‬فيقول‪( :‬ه ل تظن ون أن إي ران ك انت‬
‫في الس ابق هك ذا؟ كاّل ‪ ،‬لم تكن هك ذا من قب ل‪ ،‬فكم تح ّم ل ه ذا الش عب من اآلالم وكم‬
‫ضحّى من الشبّان‪ ،‬وكم ضحّى هذا الشعب بكل شيئ وم ا ي زال يض حّي‪ ،‬وم ا ذل ك إاّل‬
‫ألن هذا الشعب قد وعى واستيقظ وتقدم خطوة من أج ل هللا فتفض ل هللا تب ارك وتع الى‬

‫‪ )(1‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ ،19‬ص‪.412 :‬‬


‫‪ )(2‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ ،19‬ص‪.419 :‬‬

‫‪234‬‬
‫بعنايته) (‪)1‬‬ ‫عليه‬
‫وهكذا نرى الخميني في كل خطاباته يشجع العمال‪ ،‬ويرفع معنوياتهم‪ ،‬ويدعوهم‬
‫إلى العم ل ب إخالص في خدم ة بالدهم‪ ،‬ويخ اطب في ك ل ذل ك اإليم ان في قل وبهم‪،‬‬
‫ويضرب لهم األمثال على ذلك بما كان عليه رسول هللا ‪ ،‬يقول‪(:‬ال بد أنكم سمعتم ما‬
‫ورد عن الرسول األكرم ‪ ‬من أنه قبل يد العامل‪ ،‬أي تل ك الي د ال تي أص بحت خش نة‬
‫بسبب العمل‪ ،‬وهذه الحادثة تعكس مكان العامل على طول التاريخ‪ ،‬فالنبي األكرم الذي‬
‫هو أعظم إنسان كامل‪ ،‬وهو أول أفراد اإلنسان‪ ،‬تواضع للعامل بهذا الش كل‪ ،‬وقبّ ل ي ده‬
‫التي هي عالمة للعمل‪ ،‬وقد قبّل باطن اليد ال ظهر اليد‪ ،‬وهذه مالحظة مهمة إذ أن آثار‬
‫العمل تظهر في باطن اليد‪ ،‬وإنه يريد من ذلك أن يبين قيمة العمل لبني اإلنسان‪ ،‬ويقول‬
‫للمسلمين بأن قيمة العمل تتجلى هناك حيث عم ل العام ل‪ ،‬وق د ظه رت عالم ة بس بب‬
‫العمل‪ ،‬وأنا أقبّل ذلك المكان لكي تدرك الشعوب اإلسالمية والبشرية قيمة ه ذا العم ل)‬
‫(‪)2‬‬
‫ويضرب لهم مثال آخر عن اإلمام علي‪ ،‬فيقول‪( :‬كان الرجل الث اني في اإلس الم‬
‫وهو علي بن أبي طالب عامالً‪ ،‬أي كان يحفر بئراً ويستخرج من ه الم اء‪ ،‬ك ان ع امالً‪،‬‬
‫وكان يعمل من أجل إعاشة نفسه أيضاً‪ ،‬ورغم أنه قد حفر تلك اآلبار بيده فإنه قد حم ل‬
‫في نفس اليوم بحسب النقل الذي بايعوه فيه بالخالفة واإلمامة وعندما انتهت البيعة‪ ،‬فقد‬
‫حمل المسحاة بيده وذهب للعمل)(‪)3‬‬
‫ويضرب المثل على حرمة العمل وأهميته وش موله لجمي ع الن اس‪ ،‬ح تى األئم ة‬
‫أنفسهم‪ ،‬فيقول‪( :‬لم يقتصر ذلك على اإلمام علي بن أبي طالب‪ ،‬ب ل إن اإلم ام الص ادق‬
‫والباقر كانوا كذلك؛ فقد نقلوا أنهما كانا يعمالن في مكان‪ ،‬ونُقل عن اإلمام الصادق أن ه‬
‫كان يعمل في مكان ما رغم عمله الكثير‪ ،‬رغم عمله المعنوي الكثير وعمله اإلعالمي‪،‬‬
‫فقالوا له ـ كما يُنقل ـ‪ :‬اترك لن ا ه ذا العم ل لكي نق وم ب ه‪ ،‬لكن ه أج ابهم‪ :‬إن ني أحب أن‬
‫أشعر بحرارة الشمس في بدني إزاء ذلك العمل الذي أريد أن أقوم ب ه بنفس ي‪ ،‬وي ا له ا‬
‫من قيمة كبرى أن يقوم الرجل األول في زمانه ورغم امتالك ه لتل ك المنزل ة بممارس ة‬
‫العمل بنفسه‪ ،‬مما يعلمنا قيمة العمل)(‪)4‬‬
‫هذا بالنسبة للدعم المعنوي ال ذي أواله الخمي ني أهمي ة ك برى‪ ،‬ح تى يجع ل من‬
‫شعبه شعبا عقائديا يقوم بأداء مهامه بإخالص وتفان‪ ،‬ولوجه هللا تعالى‪.‬‬
‫لكنه مع ذلك لم يغفل الدعم المادي‪ ،‬لكنه ال يربط ه بوع ود ق د ال تتحق ق‪ ،‬وإنم ا‬
‫يربطه ويعلقه بما يقوم به العمال أنفسهم‪ ..‬فهم ـ باجته ادهم وعملهم وص دقهم ـ يمكنهم‬
‫أن يحققوا المكاسب التي ال تخدم بلدهم فقط‪ ،‬وإنما تخدمهم هم أيضا‪ ،‬يق ول في خط اب‬

‫‪ )(1‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ ،19‬ص‪.419 :‬‬


‫‪ )(2‬العمل والعمال في فكر اإلمام الخميني (ص‪.)3 :‬‬
‫‪ )(3‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.4‬‬
‫‪ )(4‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.5‬‬

‫‪235‬‬
‫االنتصار‪( :‬لقد رحل هؤالء الخونة من إي ران وترك وا لن ا بل داً خرب ا ً ومق ابر ع امرة‪،‬‬
‫دمروا بالدنا وعمروا مقابرنا بقبور شبابنا‪ ،‬وال نستطيع في سنة أو سنتين أو خالل مدة‬
‫قصيرة أن نبني هذا الخراب وأن نحفظ بلدنا من هذا الوضع المتأزم‪ .‬نحت اج إلى اتح اد‬
‫كل الشعب اإليراني لكي نبني معا ً ما خربوه‪ ،‬ولذلك ال تنتظ روا من الحكوم ة أن تع ِّمر‬
‫ك ل ش يء‪ ،‬الحكوم ة لوح دها غ ير ق ادرة على ذل ك‪ .‬ال تنتظ روا من رج ال ال دين أن‬
‫يعمروا الخراب‪ ،‬رجال الدين لوحدهم ال يستطيعون البناء‪ ،‬يجب أن يساعد الواح د من ا‬
‫اآلخر‪ ،‬من الفالح والعامل والصانع والع الِم‪ ،‬رج ل ال دين والج امعي‪ ،‬ح تى الموظ ف‬
‫والعسكري‪ .‬الثورة اآلن في وسط الطريق ‪ ..‬لق د ط ردتم اللص وص فق ط من بالدكم ‪..‬‬
‫طردتم المفسدين‪ ،‬لكن الخرائب ال زالت باقية‪ .‬المهم أن هذه الخرائب التي تركوها لنا‪،‬‬
‫نعمرها من جديد باالستعانة بهممكم العظيمة وعزائمكم الراسخة)(‪)1‬‬
‫وهو ينبه العمال خصوصا إلى أنهم مستهدفون‪ ،‬وأن هناك جهات خارجي ة تري د‬
‫أن تستعملهم لينفذوا أغراضها‪ ،‬غير م راعين لوض ع البل د؛ فيق ول‪( :‬انتبه وا ‪ ..‬كون وا‬
‫على حذر ‪ ..‬المفسدون قد نصبوا لكم المكامن‪ ،‬األجانب مترصدون لكم‪ .‬إنهم لن يغفل وا‬
‫عنكم‪ ،‬وعليكم أن ال تغفل وا عنهم‪ ،‬إنهم يرس مون لكم الخط ط بط رق وأش كال مختلف ة‪.‬‬
‫بع د أن س قط النظ ام الشاهنش اهي المنح ط‪ ،‬يري دون أن يع ودوا ولكن بش كل آخ ر‪،‬‬
‫ويجددوا االستثمار ويبدأوا النهب واإلرهاب من جديد‪ ..‬علينا أن نحفظ ثورتن ا ب الوعي‬
‫واليقظ ة‪ .‬إذا م الت ه ذه النهض ة نح و الجم ود ـ ال س مح هللا ـ ف انتظروا إع ادة تل ك‬
‫المص ائب‪ .‬إذا أردتم إنق اذ إي ران ‪ ..‬إذا أردتم إنق اذ اإلس الم ‪ ..‬إذا أردتم إنق اذ الق رآن‬
‫الك ريم فيجب أن تحتفظ وا به ذه النهض ة قوم وا بالمظ اهرات عن د الحاج ة‪ ،‬أقيم وا‬
‫االجتماع ات‪ .‬المظ اهرات الي وم ليس ت مظ اهرات غ ير س لمية‪ .‬يجب أن تبقى ه ذه‬
‫النهضة‪ ،‬يجب أن يحيى هذا الشعب‪ ،‬لق د ولى ذل ك العص ر ال ذي يحكمن ا في ه ش رطي‬
‫واحد ‪ ..‬لقد ولى ذلك اليوم الذي يحكمنا فيه ضابط واحد‪ .‬اليوم جميعا ً (المسؤولون) في‬
‫خدمتكم ‪ ..‬في خدمة اإلسالم‪ .‬اعرفوا جميعا ً قدر هذه النعمة‪ ،‬ال تستسلموا إلى اليأس‪ .‬ال‬
‫تقولوا ولى ذلك الشخص (الشاه) وانتهى كل شيء) (‪)2‬‬
‫وهكذا نجد القائد الحالي للثورة اإلسالمية السيد علي الخامنئي يواصل المس يرة‪،‬‬
‫ويخاطب العمال‪ ،‬ليبث فيهم اإليمان والوعي ال ذي يجعلهم بمن أى عن ك ل الم ؤامرات‬
‫التي تستهدف النظام الذي تكفل بحقوقهم في حدود ما أتيح له من إمكانات‪.‬‬
‫ففي خطاب له عن د لقائ ه حش داً من عم ال الجمهوري ة اإلس المية بمناس بة عي د‬
‫العمال لس نة ‪ ،2018‬ذك ر أهمي ة العنص ر البش ري في أي نظ ام‪ ،‬وأن ه أهم بكث ير من‬
‫الثروات وغيرها من األشياء التي تتوفر للدولة؛ فقال‪( :‬تعتبر القوى البشرية واحدة من‬
‫إن قيم ة وج ود العام ل والمص ّمم والمهن دس والناش ط‬ ‫أكبر وأهم ث روات أي بل د‪ .‬أي َّ‬
‫لإلنتاج في أي مجال في البالد أكبر بكثير من قيمة المصادر الجوفية ومن الذهب ومن‬

‫‪ )(1‬خطاب االنتصار‪.‬‬
‫‪ )(2‬خطاب االنتصار‪.‬‬

‫‪236‬‬
‫أن هن اك‬‫النفط ومن الماس وما شاكل؛ فهذا هو ما يمكن ه أن يع ّم ر بل داً‪ .‬الحظ وا اآلن َّ‬
‫بلدانا ً ينتج فيها كل أو أكثر ماس العالم لكنهم يعيشون في تعاس ة وفق ر‪ ،‬لم اذا؟ ألنهم ال‬
‫يمتلك ون الطاق ات البش رية الكافي ة وال يمتلك ون الق وى اإلنس انية‪ ،‬ال يمتلك ون الق وى‬
‫اإلنسانية المفك رة‪ .‬الق وى اإلنس انية هي أك بر ث روة في أي بل د‪ ،‬وأنتم هي تل ك الق وى‬
‫اإلنسانية‪ .‬أنتم العمال وأنتم صانعو فرص العمل‪ ،‬وأنتم المهندسون‪ ،‬وأنتم المص ممون‪،‬‬
‫وأنتم الناش طون في مختل ف المج االت‪ ،‬أنتم الق وى اإلنس انية‪ .‬ه ذه هي القيم ة العالي ة‬
‫للقوى اإلنسانية‪ ،‬وطبقة العمال هي جزء من هذه القيمة الراقية وهذه الثروة العظيمة)‬
‫ثم أشاد بما يقوم به العم ال اإليراني ون رغم الظ روف الص عبة ال تي تم ر البالد‬
‫بسبب الحصارات الكثيرة المتعاقبة‪ ،‬والتي لم يرضخ لها العمال‪ ،‬ولم يستسلموا‪ ،‬يق ول‪:‬‬
‫(جهود ع ّمالنا جهود تفوق الح ّد المألوف والمتوسط في الع الم من حيث القيم ة‪ .‬ه ذا م ا‬
‫قلت ه م راراً ح ول القطاع ات المختلف ة‪ ،‬ح ول الطلب ة الج امعيين‪ ،‬وح ول المحققين‬
‫والب احثين‪ ،‬ثم َّ‬
‫إن التق ارير ال تي يرفعونه ا تؤي د كله ا ه ذا المع نى‪ ،‬وه ذا م ا أعتق ده‬
‫بخصوص العمال أيضاً‪ .‬العامل اإليراني من أفضل العمال في العالم؛ أي َّ‬
‫إن يده الفنانة‬
‫وفكره ودوافعه العالية أرقى من المتوسط العالمي‪ .‬وه ذا في حين لم يكن هن اك اهتم ام‬
‫بالعمل والعامل والمجتمع العمالي واإلنتاج والقضايا الوطني ة خالل عه د القم ع وف ترة‬
‫الظلم البهلوي وقبل ذلك خالل حقبة الغفلة والنوم الدائم)‬
‫وبناء على هذه التوجيه ات من ق ادة الث ورة اإلس المية‪ ،‬نص الدس تور اإلي راني‬
‫على كافة الحقوق المرتبطة بالعمال‪ ،‬والتي ال تقل عن نظيراتها في البالد ال تي ت دعي‬
‫الديمقراطية وحماية حقوق اإلنس ان‪ ،‬ب ل ق د تفوقه ا في رعاي ة األخالق والقيم ال تي ال‬
‫نجد أي اهتمام بها في الدول الغربية‪ ،‬بل حتى في الكثير من الدول اإلسالمية‪.‬‬
‫ومن األمثلة على ذلك ما ورد في المادة الثامنة والعشرون‪ ،‬والتي تض بط أن واع‬
‫األعم ال ال تي يمكن أن يمارس ها العام ل اإلي راني‪ ،‬ونص ها‪( :‬لك ل ش خص الح ق في‬
‫اختيار المهنة التي ي رغب فيه ا م ا لم تخ الف اإلس الم أو المص الح العام ة‪ ،‬أو حق وق‬
‫اآلخ رين‪ ،‬والحكوم ة مس ؤولة عن توف ير ف رص العم ل للجمي ع‪ ،‬وإيج اد الظ روف‬
‫المتكافئة للحصول على العمل‪ ،‬وذلك مع مالحظة حاجة المجتمع للمهن المختلفة)‬
‫وهي مادة مهمة تبين مدى هيمنة الشريعة اإلسالمية على الواقع اإلي راني‪ ،‬ذل ك‬
‫أن أك ثر األنظم ة العالمي ة تعطي حري ة كب يرة للعم ال في ممارس ة م ا يش تهون من‬
‫وظائف‪ ،‬ولو على حساب القيم واألخالق‪ ،‬مثلما ه و حاص ل لألس ف في بعض ال دول‬
‫التي يدعمها اإلسالميون‪ ،‬كتركيا أو قطر أو اإلمارات وغيره ا‪ ،‬في نفس ال وقت ال ذي‬
‫يصبون فيه كل أحقادهم على إيران ونظامها اإلسالمي‪.‬‬
‫ومن الم واد الض امنة لحق وق العم ال في الدس تور اإلي راني الم ادة التاس عة‬
‫والعشرون‪ ،‬والتي تنص على ما يلي‪( :‬الضمان االجتماعي من الحقوق العامة‪ ،‬ويتمت ع‬
‫به الجميع في مجال التقاعد‪ ،‬والبطالة والشيخوخة‪ ،‬والعجز عن العمل‪ ،‬وفقدان المعيل‪،‬‬
‫وحال ة ابن الس بيل‪ ،‬والح وادث الطارئ ة‪ ،‬والحاج ة إلى الخ دمات الص حية والعالجي ة‬
‫والرعاية الطبية كالضمان الصحي وغيره‪ ،‬والحكومة مسؤولة حسب القانون عن تقديم‬

‫‪237‬‬
‫هذه الخدمات وتقديم المساعدات المالي ة الم ذكورة آنف ا ً لك ل ف رد من أبن اء الش عب من‬
‫مواردها المالية العامة‪ ،‬ومن المساهمات الشعبية)‬
‫ومنها المادة الثالثون‪ ،‬والتي تنص على ما يلي‪( :‬على الحكومة أن توفر وس ائل‬
‫التربية والتعليم بالمجان لكافة أبن اء الش عب ح تى نهاي ة المرحل ة الثانوي ة‪ ،‬وعليه ا أن‬
‫توسع وسائل التعليم العالي بصورة مجانية‪ ،‬لكي تبلغ البالد حد االكتفاء الذاتي)‬
‫وتنص المادة الحادية والثالثون على ما يلي‪( :‬امتالك المس كن المناس ب للحاج ة‬
‫حق لكل فرد إيراني‪ ،‬ولكل أسرة إيرانية‪ ،‬والحكومة ملزمة بإع داد مق دمات تنفي ذ ه ذه‬
‫المادة حسب أولوية األكثر حاجة إلى السكن‪ ،‬ال سيّما سكان القرى والعمال)‬
‫وتنص المادة الرابع ة بع د المئ ة على م ا يلي‪( :‬به دف تحقي ق الع دل اإلس المي‬
‫والمس اهمة في إع داد ال برامج وتوف ير التنس يق لتط وير مراف ق اإلنت اج والص ناعة‬
‫والزراع ة‪ ،‬يتم تش كيل مج الس ش ورى من ممثلي العم ال والفالحين وس ائر الع املين‬
‫والمدراء في هذه المرافق‪ ،‬أم ا في المؤسس ات التعليمي ة واإلداري ة والخدمي ة ونحوه ا‬
‫فيتم تشكيل مجالس شورى من ممثلي أعضاء هذه المؤسسات)‬
‫هذه بعض المواد التي تقرر وتنظم الحقوق التي تكفله ا الدول ة للعم ال‪ ،‬ولجمي ع‬
‫طبقات الشعب‪ ،‬وهي وحدها كافية في الرد على م ا ينش ره اإلعالم المغ رض‪ ،‬وال ذي‬
‫يحاول أن يصور العامل اإليراني بص ورة األس ير المس خر‪ ،‬ال بص ورة العام ل الح ر‬
‫المخلص الذي يتفانى في عمله‪ ،‬ولو بأدنى األجور‪ ،‬ليخدم بلده‪ ،‬ألنه يعلم أن ما أصابها‬
‫من شدائد‪ ،‬ليس بسبب الفساد‪ ،‬وإنما بس بب الحص ار الش ديد‪ ،‬ال ذي ي راد من ه تق ويض‬
‫النظام‪ ،‬ليعود المستبدون من جديد‪.‬‬

‫‪238‬‬
‫الفصل السادس‬
‫والية الفقيه‪ ..‬والقيم التربوية‬
‫من أهم ما يميز نظام والية الفقيه عن جميع أنظمة العالم‪ ،‬الق ديم منه ا والجدي د‪،‬‬
‫اهتمامه بالقيم التربوية بجميع أصنافها‪ ،‬وفي جميع مجاالتها‪ ،‬ذلك أن هدف ه ذا النظ ام‬
‫ليس توفير حاجيات الش عب الحس ية فق ط‪ ،‬وإنم ا يه دف ف وق ذل ك إلى بن اء اإلنس ان‪،‬‬
‫وتحقيق ما يطلق عليه [التقوى االجتماعية]‬
‫وهذا الدور الكبير للولي الفقيه‪ ،‬وللمؤسسات التابع ة ل ه‪ ،‬مرتب ط بم ا ذكرن اه في‬
‫الفصل األول من أن هذا الولي ورث واليته من رسول هللا ‪ ‬ومن خلفائه من األئم ة‪،‬‬
‫ث فِي اأْل ُ ِّميِّينَ َر ُس واًل ِم ْنهُ ْم‬
‫والذين نص هللا تع الى على وظ ائفهم؛ فق ال‪﴿ :‬هُ َو الَّ ِذي بَ َع َ‬
‫ضاَل ٍل ُمبِي ٍن﴾‬ ‫َاب َو ْال ِح ْك َمةَ َوإِ ْن َكانُوا ِم ْن قَ ْب ُل لَفِي َ‬
‫يَ ْتلُو َعلَ ْي ِه ْم آيَاتِ ِه َويُزَ ِّكي ِه ْم َويُ َعلِّ ُمهُ ُم ْال ِكت َ‬
‫[الجمعة‪]2 :‬‬
‫والجهل بهذه القيمة من لدن المغرضين هو الذي جعلهم يتهمون النظام اإلي راني‬
‫بكونه أسوأ األنظمة في مجال حق وق اإلنس ان‪ ،‬ألنهم يتص ورون أن تدخل ه في تح ريم‬
‫المسكرات‪ ،‬ومنعه لدور اللهو‪ ،‬ومنعه لكل وسائل اإلعالم التي تبث االنحراف‪ ،‬ومنع ه‬
‫لكل ما ينحرف باألخالق‪ ،‬تدخل في الشؤون الشخصية‪ ،‬ولم يعلم وا أن النظ ام الحقيقي‬
‫هو الذي يكون فيه الحاكم والدا لرعيته ومربيا لهم‪ ،‬يوجههم‪ ،‬ويحميهم من كل ما يمكن‬
‫أن يتسبب في فسادهم وانحرافهم‪.‬‬
‫وله ذا وض ع النظ ام اإلي راني المؤسس ات ال تي تحمي الش عب من أن يمثل ه‬
‫المتهتكون أو الفاسدون في أخالقهم؛ ففي الوقت الذي نجد في ه ك ل ديمقراطي ات الع الم‬
‫ت أذن لمن هب ودب في الترش ح ألي ن وع من االنتخاب ات نج د على عكس ها النظ ام‬
‫اإليراني يض ع الش روط األخالقي ة والديني ة في ال ذين يمكن قب ولهم‪ ،‬ح تى ال يتس رب‬
‫الفاسدون والمفسدون إلى الجه ات الحساس ة؛ فيفس دوا الش عب‪ ،‬ويعبث وا ب ه‪ ،‬كم ا ق ال‬
‫الخمي ني في وص يته السياس ية‪( :‬من األم ور الض رورية أيض اً‪ ،‬ت ديّن ن واب مجلس‬
‫الشورى االسالمي‪ ،‬فقد رأينا جميعا ً أيٌة إضرار محزنة لحقت باإلسالم وب إيران نتيج ة‬
‫عدم صالحية مجلس الشورى وانحرافه منذ الفترة التي تلت النهضة الدستورية وح تى‬
‫عهد النظام البهل وي المج رم‪ ،‬وال تي ك ان س واها وأخطره ا عه د ذل ك النظ ام الفاس د‬
‫المفروض‪ .‬يالها من مصائب وخسائر مدمرة حلت ب البالد والش عب على أي دي ه ؤالء‬
‫العبيد التافهين المجرمين‪ ،‬لقد أدى وجود أكثرية مص طنعة مقاب ل أقلي ة مظلوم ة خالل‬
‫الخمسين عاما ً األخيرة ـ من العهد البائد ـ إلى تمكن إنجلترا واالتحاد السوفيتي وأمريكا‬
‫بعد ذلك من تمرير كل ما أرادوه على أيدي هؤالء المنحرفين الغافلين عن هللا مما ج ر‬
‫البالد الى حافة الدمار واالنهيار‪ .‬فمنذ ما تال الحركة الدستورية لم يطب ق ش يء تقريب ا ً‬
‫من مواد الدستور األساسية‪ ،‬وقد تم ذلك قبل عهد رض ا خ ان ع بر الم أمورين للغ رب‬

‫‪239‬‬
‫وحفنة من الباشوات واإلقطاعيين‪ ،‬وعبر النظام الس فاك وحواش ي البالط وأزالم ه في‬
‫عهد النظام البهلوي)(‪)1‬‬
‫وبناء على هذه التجربة القاسية التي ذكرها الخميني‪ ،‬والتي مرت بها إيران دع ا‬
‫إلى التشدد في اختيار النواب‪ ،‬واالهتمام بالتزامهم الديني واألخالقي ح تى ال يخ ترقهم‬
‫العدو‪ ،‬ويمرر مشاريعه التدميرية من خاللهم‪ ،‬يقول في ذلك‪( :‬أم ا اآلن‪ ،‬وحيث أص بح‬
‫مصير البالد ـ وبلطف هللا وعنايته وهمة الشعب العظيم ـ بأيد المواطنين أنفسهم‪ ،‬حيث‬
‫أصبح النواب منبثقين من سواد الجماهير يتم انتخابهم لمجلس الشورى اإلس المي دون‬
‫تدخل الحكومة أو الباشوات‪ ،‬فإن المؤمل أن يحول ال تزامهم باإلس الم وحرص هم على‬
‫مصالح البالد دون وقوع أي انحراف‪ ،‬لذا ف إني أوص ي أبن اء الش عب أن يص وتوا في‬
‫ك ل دورة انتخابي ة ـ حاض راً ومس تقبالً ـ لص الح المرش حين المل تزمين باإلس الم‬
‫والجمهوري ة اإلس المية انطالق ا ً من إرادتهم الص لبة وال تزامهم بأحك ام اإلس الم‬
‫وحرصهم على مصالح البالد)(‪)2‬‬
‫ولهذا نرى لألخالق والتقوى والروحانية قيمة كبيرة في المجتمع اإليراني‪ ،‬ذل ك‬
‫أن كل من يريد أن يتولى أي منصب يحتاج إلى أن يكون له من تلك القيم ما يم ّكن ه من‬
‫ذلك‪ ،‬وإال يحال بينه وبينه‪.‬‬
‫وقد أشار الخميني إلى هذا المع نى عن دما ذك ره الف رق بين نظ ام والي ة الفقي ه‪،‬‬
‫وس ائر األنظم ة‪ ،‬وذل ك بع د س ت س نوات من انتص ار الث ورة اإلس المية‪ ،‬وبع د تل ك‬
‫الضجة الكبيرة التي واجه بها الع الم ه ذا النظ ام‪ ،‬فق د ق ال في ذك رى انتص ار الث ورة‬
‫(عشرة الفجر)‪ ،‬بحضور جميع غفير من المسؤولين اإليرانيين‪ (:‬إن هذه الثورة تختلف‬
‫عن سائر الثورات‪ ،‬ألن الثورات التي حدثت في العالم لحد اآلن قد نقلت السلطة من يد‬
‫جبار إلى يد جبار آخر إما مثله أو أسوأ منه‪ ،‬طالعوا وض ع الث ورات ال تي حص لت أو‬
‫االنقالبات التي تقع في ال دنيا ك ل ي وم تج دوها وقعت في غفل ة من الن اس حيث زالت‬
‫سلطة وحلّت محلها سلطة أخرى مثله ا أو أس وأ منه ا ولم تختل ف أوض اع الن اس وق د‬
‫تك ون أس وأ من ذي قب ل‪ .‬فه ذه الث ورة الفرنس ية‪ ،‬وه ذه الثورةالروس ية كي ف ك انت‬
‫األوضاع قبل وقوعها وكيف الحال اآلن؟ وهل استفاد الناس منها؟ وهل ف ّكروا بتحسين‬
‫أوضاع الشعوب أم مارسوا االضطهاد والقمع؟)(‪)3‬‬
‫ثم بين الميزة التي ميزت الثورة اإلسالمية عن غيره ا من ث ورات الع الم؛ وهي‬
‫(إن الث ورة ال تي حص لت في إي ران ق د وقعت قبله ا‬ ‫ارتباطها بالدين واألخالق؛ فق ال‪َّ :‬‬
‫ثورة في باطن أبناء شعبنا‪ ،‬وهذه الثورة الباطنية هي اتجاه مختلف طبقات شعبنا وفئاته‬
‫ي أح د ولم‬ ‫نحو اإلسالم الذي لم يبق منه في هذا العصر سوى طقوس جاف ة ال تض ّر أ ّ‬
‫ولكن ه ذا الش عب‬ ‫َّ‬ ‫يف ّكر أحد بح ال الش عوب‪ ،‬وق د أوك ل أم ر ه ذا ال دين إلى النس يان‪،‬‬

‫‪ )(1‬صحيفة الثورة اإلسالمية‪ ،‬الخميني‪ ،‬ص‪.40‬‬


‫‪ )(2‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.41‬‬
‫‪ )(3‬صحيفة اإلمام‪ ،‬ج‪ ،19‬ص‪.413 :‬‬

‫‪240‬‬
‫وبإرادة هللا تبارك وتعالى وعنايته الخاصة قد تغيّر أ ّواًل من الناحية المعنوية‪ ،‬وقد رجع‬
‫الشبّان من الحال السابقة إلى حال إسالمية‪ ،‬وفهموا م اذا يجب على اإلس الم أن يفع ل‪،‬‬
‫وم اذا عليهم أن يفعل وا‪ ،‬وعلى إث ر ه ذا حص لت الث ورة‪ ،‬فل و لم يحص ل ه ذا التح وّل‬
‫والتغيير لكانت حال ثورتنا كحال الثورات األخرى التي ترون حالها ورأيتموه)(‪)1‬‬
‫وهو ب ذلك يفس ر التغي ير الخ ارجي ال ذي حص ل إلي ران بم ا فس ره ب ه الق رآن‬
‫الكريم‪ ،‬والذي اعتبر التغيير معلقا بتغيير ما في األنفس‪ ،‬قال تعالى‪ ﴿ :‬إِ َّن هَّللا َ اَل يُ َغيِّ ُر َما‬
‫بِقَوْ ٍم َحتَّى يُ َغيِّرُوا َما بِأ َ ْنفُ ِس ِه ْم﴾ [الرعد‪]11 :‬‬
‫وهكذا نرى الخميني يق ول مفس را س بب نج اح الث ورة اإلس المي في إي ران في‬
‫الوقت الذي فشلت فيه باقي الثورات‪( :‬إن الذي حصل هنا‪ ،‬والذي يجب أن نع ّده إح دى‬
‫المعج زات ه و الث ورة الباطني ة له ذا الش عب‪ .‬ف الثورة الباطني ة له ؤالء‪ ،‬ومع رفتهم‬
‫لإلسالم‪ ،‬وتوجههم نحو هللا تبارك وتعالى استوجب أن يكون الظرف ال ذي نعيش ه من ذ‬
‫بداية النهضة وتحوّلها فيما بعد إلى ثورة ثم انتص ارها ح تى ه ذه اللحظ ة حيث ت رون‬
‫حضور الشعب والتزامه يزداد يوما ً بعد يوم‪ ،‬وهذا ما لم يحصل بسبب هذه الث ورة ب ل‬
‫لكن الثورة الباطنية ال تي‬ ‫بسبب الثورة الباطنية‪ ،‬فالثورات كانت في كثير من األماكن‪َّ ،‬‬
‫حصلت في هذا البلد لم تكن إاّل بعناية هللا تبارك وتعالى) (‪)2‬‬
‫وهو كعادته في الحديث عن إنجازات الثورة وانتصاراتها‪ ،‬ينس ب ك ل ش يء هلل‬
‫تعالى‪ ،‬ليعلم شعبه التواضع والعبودية والروحانية المتسامية؛ فيقول‪( :‬إننا ال نملك شيئا ً‬
‫من عندنا‪ ،‬وكل الذي كان هو عناياته التي اس توجبت ظه ور ه ذه الثورةالباطني ة ال تي‬
‫حوّلت الشعب كله من الحال السابقة التي نعرفها كلنا إلى الحال المتغ يرة ال تي ترونه ا‬
‫اآلن مما أدى إلى انتصار الثورة)‬
‫وهو يعطي القاعدة العامة لهذا لكل الشعوب التي تريد أن تتحرر تحررا حقيقي ا‪،‬‬
‫فيقول‪( :‬يجب علينا أن نبحث عن النصر في الثورة الباطنية للناس‪ ،‬وما لم يتحق ق ه ذا‬
‫فإن الثورات ال تتعدى نقل السلطة من نظام إلى نظام آخ ر ويبقى وض ع الش عب‬ ‫األمر َّ‬
‫على حاله السابق) (‪)3‬‬
‫وللمشككين في نجاح الثورة‪ ،‬أو الذين يربط ون نجاحه ا برخ اء أو رف اه مزي ف‬
‫ي ذكر لهم أن النج اح الحقيقي ه و في تل ك القيم األخالقي ة ال تي أص بحت س ائدة في‬
‫المجتمع اإلي راني‪ ،‬وال تي ال يعوض ها أي كس ب م ادي مهم ا ك انت ض خامته‪ ،‬يق ول‪:‬‬
‫(على هؤالء السادةالذين جاءوا من الخارج ـ وأش كرهم على ذل ك ـ أن يالحظ وا أنهم‬
‫ي مك ان من الع الم يج دون ه ذا االجتم اع حيث يجلس فاّل ح ه إلى جنب رئيس‬ ‫في أ ّ‬
‫جمهوريت ه‪ ،‬ورئيس وزرائ ه إلى جنب عامل ه ومس ؤولون بعض هم جنب بعض بش كل‬
‫يجعل الداخل إليه ال يدري من هو رئيس الجمهورية؟ وال من رئيس ال وزراء؟ وال من‬

‫‪ )(1‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ ،19‬ص‪.413 :‬‬


‫‪ )(2‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ ،19‬ص‪.413 :‬‬
‫‪ )(3‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ ،19‬ص‪.413 :‬‬

‫‪241‬‬
‫الفاّل ح؟ أين تجدون مثل هذا؟ إن هذا التحوّل هو الذي أوجب ظهور هذا اإلعج از‪ ،‬أين‬
‫تجدون رئيس الجمهورية يجلس جنبا ً إلى جنب مع الفاّل ح؟ فأنتم أينما تنظرون تج دون‬
‫رؤساء الجمهوريات في وض ع ال ارتب اط لهم بالن اس‪ ،‬وال يحس بون الن اس ج زءاً من‬
‫الكائنات‪ ،‬إنهم ال يرون إاّل أنفسهم)(‪)1‬‬
‫ه ذا بعض م ا ذك ره الخمي ني في بي ان أهمي ة التغي ير ال داخلي في الحكوم ة‬
‫اإلسالمية‪ ،‬والتي ال تهتم فقط بإصالح االقتص اد وتنمي ة البالد وتطويره ا‪ ،‬وإنم ا تهتم‬
‫مع ذلك وقبله وبعده بإيمان الشعب وتقواه وروحانيته وأخالقه‪.‬‬
‫ولم يكن ذل ك مج رد ح ديث‪ ،‬وإنم ا اس تعملت إي ران ك ل المؤسس ات الديني ة‬
‫والتربوية والثقافية لتحقيقه في الواقع‪ ،‬بل تولى قادتها ومسؤولوها الكبار ش رحه‪ ،‬ذل ك‬
‫أن الكث ير منهم جمع وا بين الدراس ة الديني ة والعلمي ة‪ ،‬وه و م ا أت اح لهم أن يرفع وا‬
‫مستوى خطابهم‪ ،‬ليؤدي دوره التوجيهي واإلصالحي‪.‬‬
‫ولهذا يستغرب الكثير من الذين تعودوا على األنظمة المدنية التي ال تب الي بمث ل‬
‫هذه المسائل من الخطاب السياس ي اإلي راني‪ ،‬وذل ك لتص ورهم أن السياس ة بعي دة عن‬
‫ه ذه األم ور‪ ،‬بينم ا الحقيق ة هي أن السياس ة ـ بحس ب الفلس فة ال تي يفك ر به ا النظ ام‬
‫اإليراني ـ هي سياسة األنفس قبل سياسة الشعوب‪.‬‬
‫وق د أش ار الش يخ ج وادي آملي إلى الف رق بين نظ ام والي ة الفقي ه وغ يره من‬
‫األنظمة في هذا الجانب عندما قسم الحكومات إلى ثالثة أنواع(‪:)2‬‬
‫‪ 1‬ـ الحكومة االستبدادية‪ :‬وهي المبنية على أساس السيطرة والقوة‪ ،‬والتي ت رى‬
‫أن األقوى هو الذي يمسك زمام األمور بكل قدرة ممكنة‪ ،‬كما قال هللا تع الى حاكي ا عن‬
‫اس تَ ْعلَى﴾ [ط ه‪ ،]64 :‬وال مك ان في ه ذه الحكوم ة ل رأي‬ ‫فرعون‪َ ﴿ :‬وقَ ْد أَ ْفلَ َح ْاليَ وْ َم َم ِن ْ‬
‫الناس‪ ،‬وال اهتمام له ا بمص الحهم‪ ،‬وال ب أخالقهم‪ ،‬وال ب دينهم‪ ،‬ألن اله دف عن دها ه و‬
‫تأمين مصالح السلطة الحاكمة‪.‬‬
‫بل إن هذه الحكومة قد تستعمل ـ مثلما اس تعمل الش اه ـ ك ل وس ائل االنح راف‪،‬‬
‫لتشغل الش عب بالش هوات عن مواجه ة الس لطة‪ ،‬كم ا ق ال تع الى عن وس ائل فرع ون‬
‫اسقِينَ ﴾ [الزخرف‪]54 :‬‬ ‫َخَف قَوْ َمهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُ ْم َكانُوا قَوْ ًما فَ ِ‬
‫لتطويع شعبه‪﴿ :‬فَا ْست َّ‬
‫‪ 2‬ـ حكومة الشعب‪ :‬أو حكومة الناس على الناس‪ ،‬مثل الحكومات التي يصطلح‬
‫عليها بالديمقراطية‪ ،‬وتق وم على أس اس رأي األكثري ة‪ ،‬وه دفها ت أمين حاج ات الن اس‬
‫المادية‪ ،‬ويك ون المعي ار للمص لحة والفس اد والجم ال والقبح والح ق والباط ل والخ ير‬
‫والشر فيها مبنيا ً على رأي األكثرية‪ ،‬حتى لو كان ذلك الرأي مخالفا للصواب‪ ،‬ومنافي ا‬
‫للعقل والفطرة‪ ،‬وهو السائد‪ ،‬كما قال تعالى‪َ ﴿ :‬و َما أَ ْكثَ ُر النَّ ِ‬
‫اس َولَوْ َح َر ْ‬
‫ص تَ بِ ُم ْؤ ِمنِينَ ﴾‬
‫[يوسف‪]103 :‬‬
‫ً‬
‫‪ 3‬ـ الحكومة اإللهية‪ :‬وهي الحكومة التي ليست حق ا للح اكم ال ذي يظف ر ب القوة‬

‫‪ )(1‬صحيفة اإلمام‪ ،‬ج‪ ،19‬ص‪.414 :‬‬


‫‪ )(2‬الكلمة الطيبة (دروس في والية الفقيه) جوادي آملي (ص‪.)12 :‬‬

‫‪242‬‬
‫والسلطة‪ ،‬وال حقا ً للناس بحيث تكون خاضعة لقوانينهم‪ ،‬بل هي ح ق هلل ال ذي ه و رب‬
‫العالمين‪ ،‬وحدود فعالية هذا النوع من الحكومات هي أنها تشمل‪ ،‬باإلضافة إلى األم ور‬
‫االجتماعية‪ ،‬األخالق والعقائد؛ فهي تقدم للشعب البرنامج الواضح على مستوى العقيدة‬
‫وتقرر لهم القوانين والقواعد على مستوى األخالق والسلوك‪.‬‬
‫وهذا البرنامج ليس خاصا بالشعب‪ ،‬وإنما هو ع ام بالش عب ومس ؤوليه‪ ،‬وال ذين‬
‫يخضعون جميعا لما تتطلبه القيم اإليمانية واألخالقية التي هي الحكم األكبر في الدولة‪،‬‬
‫كما قال اإلمام علي‪( :‬أيها الناس‪ ،‬إني وهللا ما أحثكم على طاعة إال وأس بقكم إليه ا‪ ،‬وال‬
‫أنهاكم عن معصية إال وأتناهى قبلكم عنها)(‪)1‬‬
‫وهذا المعنى الذي ذكره الشيخ جوادي آملي‪ ،‬ذكره الخميني في لقاء له م ع جم ع‬
‫من أعضاء الطائفة اليهودية في إيران عقب انتص ار الث ورة اإلس المية‪ ،‬وال ذي ح اول‬
‫من خالله أن يشرح لهم الفلسفة التي يقوم عليها نظ ام والي ة الفقي ه‪ ،‬فق د ق ال‪( :‬إن ك ل‬
‫األديان ال تي أن زلت من عن د هللا تب ارك وتع الى وجمي ع األنبي اء العظ ام هي من أج ل‬
‫راح ة االنس ان وتربيت ه‪ ،‬إن هللا تب ارك وتع الى ق د أراد بإنزال ه ال وحي على األنبي اء‬
‫العظام هداية الناس وتربية اإلنسان‪ ،‬اإلنسان بجميع أبعاده)(‪)2‬‬
‫ثم ذكر أن هذا البعد الذي تراعي ه الحكوم ة اإللهي ة‪ ،‬وتعت بره في قم ة أولوياته ا‬
‫وأهدافها‪ ،‬ال تب الي به ا األنظم ة األخ رى‪ ،‬لكونه ا أنظم ة دنيوي ة محض ة‪ ،‬يق ول‪( :‬إن‬
‫المذاهب والمسالك األخرى ال شغل له ا بم اذا يك ون علي ه اإلنس ان في ذات ه وج وهره‬
‫ومع نفسه‪ ،‬إنهم يتطلعون إلى حفظ دنياهم‪ ،‬وحفظ النظام بينهم فحسب؛ ف إذا ك ان النظم‬
‫مس تقراً فليفع ل اإلنس ان م ا يش اء‪ ،‬ول يرتكب ك ل م ا يش اء من المخالف ات بعي داً عن‬
‫األنظار‪ ،‬إذ ال ربط لذلك بالحكومة‪ ،‬فليس من ق انون هن ا ـ في النظم غ ير التوحيدي ة ـ‬
‫يمنع اإلنسان من بعض األمور داخ ل بيت ه‪ ..‬وإنم ا المهم عن دهم فق ط ه و أن ال يس ير‬
‫االنسان في الشارع معربداً ويخل بالنظم‪ ،‬إن جمي ع المس الك غ ير التوحيدي ة هي به ذا‬
‫الشكل وهذا بخالف المسالك التوحدية واألديان التي نزلت على األنبياء العظام) (‪)3‬‬
‫ثم أشار إلى المسؤوليات المناطة بالحكومة اإللهية مقارن ة بالمس ؤوليات الملق اة‬
‫على الحكومات المدنية؛ فقال‪( :‬إن جميع هذه األم ور من أج ل ان يك ون ه ذا اإلنس ان‬
‫الذي يُراد إيجاده إنسانا ً مهذباً‪ ،‬ص الحا للعم ل‪ ،‬متحلي ا ً بمحاس ن االخالق واالعتق ادات‬
‫الصحيحة‪ ،‬يقوم بأعمال حسنة ويعرف كيف ينبغي أن يكون س لوكه م ع الن اس‪ ،‬كي ف‬
‫ينبغي أن يكون سلوكه في المجتمع‪ ،‬كيف ينبغي أن يكون مع الجيران‪ ،‬كي ف ينبغي ان‬
‫يكون مع أبناء مدينته‪ ،‬كيف ينبغي أن يكون مع أبناء دينه‪ ،‬ومع أتباع األديان األخرى‪،‬‬
‫إن األديان التي جاءت من عند هللا تبارك وتعالى إنما تهتم بكل هذه األمور الن هللا ه و‬

‫‪ )(1‬نهج البالغة‪.‬‬
‫‪ )(2‬صحيفة اإلمام‪ ،‬ج‪ ،7‬ص‪.218 :‬‬
‫‪ )(3‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ ،7‬ص‪.218 :‬‬

‫‪243‬‬
‫الذي خلق االنسان ويريد تربيته في جميع أبعاده وله ذا الف رق بين دين وآخ ر في ه ذه‬
‫المسألة‪ ،‬ألنها جميعها جاءت لتربية االنسان) (‪)1‬‬
‫بن اء على ه ذا س نحاول في ه ذا الفص ل التع رض إلى المج امع الك برى للقيم‬
‫التربوية‪ ،‬وتصورات قادة الثورة اإلس المية اإليراني ة حوله ا‪ ،‬ومن اهجهم لتحقيقه ا في‬
‫الواقع‪ ،‬وهما قيمتان‪:‬‬
‫األولى‪ :‬القيم الروحية‪ ،‬ونقص د به ا ك ل المع اني والوس ائل ال تي ترب ط الم ؤمن‬
‫باهلل‪ ،‬وتخرج دينه من دائر الظاهر والسطح إلى دائرة الباطن والعمق‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬القيم األخالقية‪ ،‬ونقصد به ا ك ل م ا يس اهم في ته ذيب س لوك اإلنس ان‪،‬‬
‫حتى يتوافق مع فطرته السليمة‪ ،‬ومع النظام الذي بنى هللا عليه كونه‪.‬‬
‫أوال ـ القيم الروحية ووسائل تحقيقها في الواقع‪:‬‬
‫وهي األس اس ال ذي تنطل ق من ه ك ل القيم التربوي ة‪ ،‬ذل ك أن من زكى نفس ه‬
‫وطهرها‪ ،‬وس ما به ا إلى المأل األعلى لن يص عب علي ه أن يه ذب نفس ه في المج االت‬
‫األخرى‪ ،‬بل إن تزكي ة النفس في ه ذا الج انب ق د تغ ني عن أي رياض ة في الج وانب‬
‫األخرى‪ ،‬ذلك أن هللا تعالى يزكي ويربي من يتقرب منه‪ ،‬كم ا ق ال تع الى عن الص الة‬
‫الص اَل ةَ‬ ‫ب َوأَقِ ِم َّ‬
‫الص اَل ةَ إِ َّن َّ‬ ‫ك ِمنَ ْال ِكتَ ا ِ‬ ‫وغيرها من الشعائر التعبدية‪﴿ :‬ا ْت ُل َما أُ ِ‬
‫وح َي إِلَ ْي َ‬
‫تَ ْنهَى َع ِن ْالفَحْ َشا ِء َو ْال ُم ْن َك ِر َولَ ِذ ْك ُر هَّللا ِ أَ ْكبَ ُر َوهَّللا ُ يَ ْعلَ ُم َما تَصْ نَعُونَ ﴾ [العنكبوت‪]45 :‬‬
‫وقد أشار إلى هذا المعنى الخميني عند بحثه عن أسباب الص راع والفتن القائم ة‬
‫بين البشر‪ ،‬وفي كل األزمنة‪ ،‬فق ال‪( :‬جمي ع االختالف ات القائم ة بين البش ر هي بس بب‬
‫عدم التزكي ة‪ ،‬وغاي ة البعث ة أن تُ ز ّكي الن اس حتّى يتعلّم وا بواس طة التزكي ة الحكم ة‪،‬‬
‫ويتعلّموا القرآن والكتاب‪ ،‬وال يحدث الطغيان فيما لو ت ّمت التزكيّة) (‪)2‬‬
‫ويضرب مثاال على ذلك بالغرور‪ ،‬الذي ه و من أخط ر األم راض؛ فيق ول‪ّ :‬‬
‫(إن‬
‫طغَى (‪ )6‬أَ ْن َرآهُ ا ْستَ ْغنَى‬ ‫من يُصاب بالغرور ال يرى نفسه فانيا ً أبداً ﴿ َكاَّل إِ َّن اإْل ِ ْن َسانَ لَيَ ْ‬
‫﴾ [العلق‪]7 ،6 :‬؛ فعندما يرى اإلنسان نفسه‪ ،‬ويرى لنفسه مقاما ً ويرى لنفس ه عظم ة‪،‬‬
‫وإن أس اس ك ّل ه ذا االختالف‬ ‫إن ه ذه األنانيّ ة ورؤي ة النفس تك ون س ببا ً للطغي ان‪ّ ،‬‬ ‫ف ّ‬
‫الموجود بين البشر‪ ،‬واالختالف الحاصل بينهم حول الدنيا يعود إلى الطغي ان الموج ود‬
‫في النفوس‪ ،‬وهذه مصيبة مبتلى بها اإلنسان‪ ،‬مبتلى بنفسه وبأهوائه النفسانيّة)(‪)3‬‬
‫وقد ذكرنا في الجزء السابق من هذه السلسلة مدى اهتم ام اإليران يين من ذ الق ديم‬
‫بالقيم الروحية‪ ،‬وكي ف اس تطاع النظ ام اإلي راني أن يس تفيد من ذل ك في إقام ة الث ورة‬
‫أوال‪ ،‬وفي تعميم ذلك االهتمام على كل المؤسسات ثانيا‪.‬‬
‫وقد ذكرنا أن مظاهر ذلك االهتمام تجلت في ثالث نواح كبرى‪:‬‬
‫أولها‪ :‬االهتمام بالشعائر التعبدية‪ ،‬والتركيز على الجوانب الروحية العميقة فيها‪،‬‬

‫‪ )(1‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ ،7‬ص‪.218 :‬‬


‫‪ )(2‬منهجيّة الثورة اإلسالميّة‪ ،‬ص ‪..225‬‬
‫‪ )(3‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪..225‬‬

‫‪244‬‬
‫بدل الجوانب الشكلية‪.‬‬
‫ثانيها‪ :‬االهتم ام بالمجاه دات الس لوكية ال تي وردت في النص وص المقدس ة‪،‬‬
‫وذكرها أئمة أهل البيت‪ ،‬واستفادها منهم الصوفية والعرفاء‪.‬‬
‫ثالثها‪ :‬االهتم ام ب األذواق والمع ارف الروحي ة‪ ،‬وف ق م ا ورد في النص وص‬
‫المقدسة وفي الروايات الشارحة لها‪.‬‬
‫وذكرنا أن هذه التجليات الثالث كافية للدالل ة على أن مفه وم الت دين في إي ران ـ‬
‫وخاص ة في ظ ل نظامه ا اإلس المي الجدي د ـ ليس محص ورا في تل ك الظ واهر‬
‫والش عارات‪ ،‬وإنم ا يمت د إلى أعم ق أعم اق النفس اإلنس انية‪ ،‬وه و م ا يم يز التجرب ة‬
‫اإليرانية عن تجارب الحركات اإلسالمية التي احتق رت التص وف والس لوك الب اطني‪،‬‬
‫واحتقرت معها الطرق الصوفية‪ ،‬واعتبرتها خرافة وضاللة‪ ،‬ولهذا لم تس تطع أن تنجح‬
‫في أي مشروع من مشاريعها‪.‬‬
‫وبناء على ذلك سنحلل هنا وثيقة مهمة لإلمام الخميني‪ ،‬لها أهميتها الك برى عن د‬
‫الشعب اإليراني عامته وخاصته؛ ألنها ـ مع كونها وجهها البن ه أحم د وغ يره ـ إال أن‬
‫الشعب اإليراني يعتقد أنها موجهة إليه جميعا‪.‬‬
‫وهذه الوثيقة هي ما يس مى بـ [الوص ية اإللهي ة العرفاني ة]‪ ،‬وهي م ع [الوص ية‬
‫السياسية] تشكل مصدرا مهم ا من مص ادر النظ ام اإلس المي في إي ران‪ ،‬الحس ي من ه‬
‫والمعنوي‪.‬‬
‫ومن خالل االطالع على محتويات هذه الوثيقة‪ ،‬والقيم الروحي ة المرتبط ة به ا‪،‬‬
‫نجد نوعين من الحديث‪:‬‬
‫أوال ـ الحديث عن المعارف واألذواق الروحية التي يجدها المؤمن عند تواص له‬
‫مع هللا‪ ،‬أو رسل هللا وأوليائه‪ ،‬وقد أطلقنا عليها اصطالح [القيم العرفانية والذوقية]‬
‫ثانيا ـ الح ديث عن الطري ق المؤدي ة لتل ك القيم‪ ،‬وهي م ا أطلقن ا علي ه [القيم‬
‫السلوكية والتحققية]‬
‫وسنحاول هنا ذكر الخصائص المميزة لكال الناحيتين من خالل وصية الخميني‪،‬‬
‫ومن خالل الواقع الروحي الذي تبنته الجمهورية اإلس المية اإليراني ة‪ ،‬وال ذي يختل ف‬
‫عن ذلك الذي تبنته الطرق الص وفية في المدرس ة الس نية‪ ،‬وإن ك ان يش ترك معه ا في‬
‫الكثير من األهداف‪.‬‬
‫‪ 1‬ـ االهتمام بالقيم العرفانية والذوقية‪:‬‬
‫الهدف األكبر من القيم الروحية هو تحويل الحقائق اإليمانية من مج رد مع ارف‬
‫ومعلومات يختزنها الذهن إلى حقائق يمتلئ بها الكيان جميعا‪ ،‬ويحصل حينها التواصل‬
‫الذوقي مع هللا‪ ،‬بالمحبة والشوق واألنس‪ ،‬وغيرها من األحوال الروحية‪.‬‬
‫وهذا الهدف النبيل يخرج العقيدة اإلسالمية من أن تصبح مجرد ق وانين لإليم ان‬
‫من خالفه ا يُحكم علي ه ب الكفر والبدع ة والض اللة‪ ،‬كم ا تفع ل الم دارس اإلس المية‬
‫المتشددة‪ ،‬وخصوصا السلفية منها‪ ،‬سواء سلفية السنة أو سلفية الش يعة‪ ،‬وال تي تحص ر‬
‫العقيدة في متون تحفظها‪ ،‬وتجعل كل من يخالف حرفا منها كافرا وضاال ومبتدعا‪.‬‬

‫‪245‬‬
‫وله ذا ن رى ق ادة الث ورة اإلس المية في إي ران ال يش جعون على ه ذا الن وع من‬
‫المعرفة‪ ،‬بل يدعون إلى المعرف ة التحققي ة الذوقي ة‪ ،‬ألنه ا حقيق ة اإليم ان أوال‪ ،‬وألنه ا‬
‫كذلك منب ع لك ل الفض ائل‪ ،‬بخالف ذل ك االختص ار للحق ائق العقدي ة‪ ،‬وال ذي مارس ته‬
‫الم دارس المتش ددة‪ ،‬وال ذي ح ول من العقي دة وس يلة للص راع والج دال‪ ،‬ال الطمأني ة‬
‫والسالم‪.‬‬
‫وعند البحث عن التوجه الروحي لقادة الثورة اإلسالمية‪ ،‬نجدهم جميع ا من ذوي‬
‫هذه المشارب‪ ،‬وخصوصا الخميني الذي ألف في ذلك المؤلفات وكتب األشعار‪ ،‬ولو لم‬
‫يقم بهذه الثورة‪ ،‬ألدرج ضمن الصوفية‪ ،‬ولم يدرج ضمن السياسيين‪.‬‬
‫ومن أقوله في وصيته العرفانية‪ ،‬مخاطبا ابن ه ي بين ل ه أهمي ة المعرف ة التحققي ة‬
‫الذوقية‪( :‬اعلم أن في اإلنسان ـ إن لم أقل في كل موجود ـ حبا ً فطري ا للكم ال المطل ق‪،‬‬
‫وحبا ً للوصول إلى الكمال المطلق‪ ،‬وهذا الحب يستحيل أن ينفصل عنه‪ ،‬كما أن الكم ال‬
‫المطل ق مح ال أن يتك رر أو أن يك ون اث نين‪ ،‬فالكم ال المطل ق ه و الح ق ج ل وعال‪،‬‬
‫والجميع يبحثون عنه‪ ،‬وإليه تهفو قلوبهم وإن ك انوا ال يعلم ون؛ فهم محجوب ون بحجب‬
‫الظلمة والنور‪ ،‬ولهذا فهم يتوهمون أنهم يطلبون شيئا آخر وهم ال يقنع ون بتحقي ق أي ة‬
‫مرتبة من الكمال‪ ،‬وال بالحصول على أي جمال أو ق درة أو مكان ة‪ .‬فهم يش عرون أنهم‬
‫ال يجدون في كل ذلك ضالتهم المنشودة‪ .‬فالمقتدرون وأصحاب الق وى العظمى‪ ،‬هم في‬
‫سعي دائم للحصول على الق درة األعلى مهم ا بلغ وا من الق درة‪ .‬وطالب العلم يطلب ون‬
‫الدرجة األعلى من العلم مهما بلغوا منه وال يجدون ضالتهم التي غفلوا عنه ا في ذل ك‪.‬‬
‫ولو أعطي الساعون الى القدرة والسلطة‪ ،‬التصرف في كل العالم المادي من األرضين‬
‫والمنظومات الشمسية والمجرات‪ ،‬وكل ما فوقها‪ ،‬ثم قيل لهم‪ :‬إن هناك قدرةً ف وق ه ذه‬
‫القدرة التي تملكونها‪ ،‬وهناك عالم أو عوالم أخ رى أبع د من ه ذا الع الم‪ ،‬فه ل تري دون‬
‫الوصول إليها؟ فإنهم من المحال أن ال يتمن وا ذل ك‪ ،‬ب ل إنهم س يقولون بلس ان الفط رة‪:‬‬
‫ليتنا بلغنا ذلك أيضا!‪ ..‬وهكذا طالب العلم‪ ،‬فهو إن ظن أن هناك مرتبة أخرى ‪-‬غير م ا‬
‫بلغه‪ -‬فإن فطرته الباحثة عن المطلق ستقول‪ :‬ياليت لي الق درة للوص ول إلي ه أو ي اليت‬
‫لي سعةً من العلم تشمل تلك المرتبة أيضا!)(‪)1‬‬
‫وبعد أن قدم هذه المقدمة البديهية ال تي يتف ق عليه ا جمي ع العقالء‪ ،‬وال تي يش ير‬
‫إليها األثر المعروف‪( :‬منهومان ال يشبعان‪ :‬ط الب علم‪ ،‬وط الب دني ا)(‪ ، )2‬رب ط ذل ك‬
‫بمعرفة هللا‪ ،‬وأن من عرف هللا وصل إلى النبع الذي يرتوي منه ظمؤه وأشواقه‪ ،‬فق ال‪:‬‬
‫(إن ما يُطمئن الجميع ويخمد نيران النفس المتمردة ويح ُّد من إلحاحه ا واس تزادتها في‬
‫الطلب‪ ،‬إنما هو الوصول إليه تعالى‪ ،‬والذكر الحقيقي له ج َّل وعال؛ إذا كان مظهراً ل ه‪،‬‬
‫وكأن قول ه تع الى‪ ﴿ :‬أَاَل بِ ِذ ْك ِر هَّللا ِ ت ْ‬
‫َط َمئِ ُّن‬ ‫ّ‬ ‫فإن االستغراق فيه يبعث الطمأنينة والهدوء‪،‬‬
‫ْالقُلُوبُ ﴾ [الرعد‪ ]28 :‬هو ن وع من اإلعالن أن‪ :‬انتب ه انتب ه! علي ك أن تلج أ إلى ذك ره‬

‫‪ )(1‬الوصية اإللهية العرفانية ‪ ،‬ص‪.20‬‬


‫‪ )(2‬كشف األستار عن زوائد البزار (‪)95 /1‬‬

‫‪246‬‬
‫حتى تحصل على الطمأنين ة لقلب ك الح يران ال ذي يواص ل القف ز من مك ان إلى مك ان‬
‫والطيران من غصن إلى غصن)(‪)1‬‬
‫ثم يخاطب ابنه ـ ومعه الشعب اإليراني ـ بكل رقة قائال‪( :‬فاستمع ياولدي العزيز‬
‫ب قلق محتار‪ ،‬وال تتعب نفسك‬ ‫‪-‬الذي أسأل هللا أن يجعل قلبك مطمئنا بذكره‪ -‬لنصيحة أ ٍ‬
‫باالنتقال بطرق باب هذا الباب أو ذاك الباب‪ ،‬للوص ول إلى المنص ب أو الش هرة ال تي‬
‫تشتهيها النفس‪ ،‬فأنت مهما بلغت من مق ام‪ .‬فإن ك س وف تت ألم وتش تد حس رتك وع ذاب‬
‫روحك لعدم بلوغك ما فوق ذلك‪ ،‬وإن سألتني‪ :‬لِ َم لَ ْم تعمل أنت به ذه النص يحة؟ أجبت ك‬
‫بالقول‪ :‬أنظر إلى ما قال‪ ،‬ال إلى من ق ال؛ فم ا قلت ه ل ك ص حيح‪ ،‬ح تى وإن ص در عن‬
‫مجنون أو مفتون)(‪)2‬‬
‫ٍ‬
‫وهو يقارن بين هذا النوع من المعرفة بتلك التي اهتم بها الفالس فة والمتكلم ون‪،‬‬
‫ويبين مدى اتساع الهوى بين كال المعرف تين؛ فيق ول‪( :‬ق د يب دو للوهل ة األولى أن ه ذا‬
‫االدعاء (بأن بعض األمور البرهاني ة يمكن أن ال تك ون موض عا للتص ديق واإليم ان)‬
‫عقدةٌ يصعبُ االقتناع بها‪ ،‬بل لعل البعض قد يقطع بأنه أم ر ال أس اس ل ه‪ .‬ولكن ينبغي‬
‫أن تعلم ب أن ه ذا األم ر أم ر وج داني‪ ،‬وق د وردت إش ارات إلي ه في الق رآن الك ريم‪،‬‬
‫كاآليات الكريم من سورة التكاثر‪ ،‬وأما الوجدان‪ ،‬فأنت تعلم بأن الموتى ال تصدر عنهم‬
‫أية حركة ‪ ،‬وأنهم ال يستطيعون إلحاق األذي بك‪ ..‬إال أنك قد ال تمتلك القدرة على النوم‬
‫وحيداً براحة في المق ابر‪ ،‬وه ذا ليس إالّ ألن قلب ك لم يص دق بم ا عن دك من علم‪ ،‬وأن‬
‫اإليمان بهذا األمر لم يتحصل لديك‪ ،‬في حين أن أولئ ك ال ذين يقوم ون بتغس يل وتكفين‬
‫تحص ل لهم اإليم ان واليقين به ذا األم ر نتيج ة تك رار العم ل‪ ،‬فهم يس تطيعون‬ ‫ّ‬ ‫الموتى‬
‫الخلوة مع الموتى براح ة ب ال واطمئن ان‪ .‬ك ذلك ف إن الفالس فة ال ذين أثبت وا ب البراهين‬
‫العقلية أن هللا حاض ٌر في كل مكان‪ ،‬دون أن يصل قلوبهم م ا أثبتت ه عق ولهم بالبره ان‪،‬‬
‫ولم تؤمن ب ه قل وبهم ‪ ،‬ف إن أدب الحض ور لن يتحق ق ل ديهم‪ ،‬في حين أن أولئ ك ال ذين‬
‫أيقن وا بحض ور هللا بقل وبهم‪ ،‬وآمنت قل وبهم ب ذلك‪ ،‬ف إنهم ‪-‬رغم أن ال م راودة لهم م ع‬
‫البراهين‪ -‬ف إنهم يتحلّ ون ب أدب الحض ور‪ ،‬ويجتنب ون ك ل م ا ين افي حض ور الم ولى‪.‬‬
‫فالعلوم المتعارفة إذن ‪-‬وإن كانت الفلسفة وعلم التوحيد‪ -‬لكنها تعد في حد ذاته ا حجب ا‪،‬‬
‫وكلما ازدادت تزيد الحجاب غلظة وسمكاً)(‪)3‬‬
‫وهو يذكر أن هذا المنهج العرف اني في تحص يل المع ارف اإللهي ة وت ذوقها ه و‬
‫منهج األنبياء واألولي اء ال ذين جعلهم هللا ق دوة وأس وة لخلق ه‪ ،‬يق ول‪( :‬إنن ا نعلم جميع ا‬
‫ون رى ب أن دع وة األنبي اء عليهم الس الم واألولي اء الخلص ليس ت من س نخ الفلس فة‬
‫والبرهان المتعارف‪ ،‬بل إنهم يهتمون بأرواح وقلوب الناس‪ ،‬ويوصلون نتائج البراهين‬
‫إلى قلوب العباد‪ ،‬ويبذلون الجهد لهدايتهم من داخل ال روح والقلب‪ ،‬وإن ش ئت فق ل‪ :‬إن‬

‫‪ )(1‬الوصية اإللهية العرفانية ‪ ،‬ص‪.21‬‬


‫‪ )(2‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.21‬‬
‫‪ )(3‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.32‬‬

‫‪247‬‬
‫الفالسفة وأهل البراهين يزيدون الحجب‪ ،‬في حين أن األنبي اء عليهم الس الم وأص حاب‬
‫القلوب يسعون في رفعها‪ .‬لذا ترى أن من تربّوا على أيدى األنبياء مؤمنون وعاشقون‪،‬‬
‫في حين أن طالب علم اء الفلس فة أص حاب بره ان وقي ٍل وق ال‪ ،‬ال ش أن لهم ب القلب‬
‫والروح) (‪)1‬‬
‫وهو ينبهه إلى أن مقصده من هذا ليس احتقار الفلسفة وال علم الكالم وال العل وم‬
‫العقلي ة المرتبط ة به ا؛ فيق ول‪( :‬ليس مع نى م ا أوردت ه أن تتجنب الفلس فة والعل وم‬
‫البرهاني ة والعقلي ة‪ ،‬أو أن تش يح بوجه ك عن العل وم االس تداللية‪ ،‬فه ذا خيان ة للعق ل‬
‫واالستدالل والفلسفة‪ ،‬بل المعنى هو أن الفلسفة واالستدالل وسيلة للوصول إلى اله دف‬
‫األساسي‪ ،‬فال ينبغي ‪-‬والحال كذلك‪ -‬أن تحجبك عن المقصد والمقصود والمحبوب‪ ..‬أو‬
‫فقل‪ :‬إن هذه العلوم معب ٌر نحو الهدف وليست الهدف بحد ذاتها‪ ،‬فكم ا أن ال دنيا مرزع ة‬
‫اآلخرة‪ ،‬فإن العلوم المتعارفة مزرعةٌ للوصول إلى المقص ود‪ ،‬تمام ا ً كم ا أن العب ادات‬
‫معب ٌر نحو هللا جل وعال‪ ،‬فالص الة ‪-‬هي أس مى العب ادات‪ -‬مع راج الم ؤمن والك ل من ه‬
‫وإليه تعالى) (‪)2‬‬
‫وهو يذكر له أن هذه المعارف اإللهية بحر ال ساحل ل ه‪ ،‬وأن ه ال يمكن اإلحاط ة‬
‫بها‪ ،‬يقول‪( :‬بني‪ :‬لم أقصد من هذه اإلشارات إيجاد السبيل ألمثالي وأمثال ك لمعرف ة هللا‬
‫وعبادته حق العبادة مع أنه قد نقل عن أعرف الموجودات بالحق تعالى‪ ،‬وأعرفها بحق‬
‫العبادة له جل وعال‪ ،‬قوله‪( :‬ما عرفناك حق معرفتك‪ ،‬وما عبدناك حق عبادتك)‪ ،‬وإنم ا‬
‫ألجل أن نفهم عجزنا‪ ،‬وندرك ضالتنا‪ ،‬ونهيل ال تراب على أنانيتن ا وإنيتن ا‪ ،‬لعلّن ا ب ذلك‬
‫نكبح جماح هذا الغول‪ ،‬ولعلنا نلجمه بعد ذلك ونر ّوضه‪ ،‬فنتحرر بعدها من خطر عظيم‬
‫يكوي ‪-‬مجرد تذكره‪ -‬الروح ويحرقها) (‪)3‬‬
‫وكعادة الخميني في خطاباته التي يمزج فيه ا بين خطاب ه لغ يره وخطاب ه لنفس ه‬
‫يقول‪( :‬يا ليتنا نصحو من نومتنا ونلج أول منزل وهو اليقظة‪ ،‬وياليت ه ج ل وعال يأخ ذ‬
‫بأي دينا‪ -‬بألطاف ه وعنايات ه الخفي ة‪ -‬فيرش دنا إلى جمال ه الجمي ل‪ ،‬وي اليت ف رس النفس‬
‫الجموح تهدأ قليال‪ ،‬فت نزل عن مق ام اإلنك ار‪ ،‬وياليتن ا نُلقي ه ذا العبء الثقي ل من على‬
‫كواهلنا إلى األرض‪ ،‬فننطلق مخفّين نحوه تعالى! ياليتن ا نح ترق ك الفراش ح ول ش مع‬
‫جماله دون أن نتكلم‪ ،‬وياليتنا نخطو خطوة واح دة بق دم الفط رة وال نبتع د عن طريقه ا‬
‫بهذا القدر‪ ،‬وآالف التمنيات واألماني األخرى التي تزدحم في ذاكرتي‪ ،‬وأنا على ش فير‬
‫الموت في شيخوختي هذه‪ ،‬ولكن دون أن تصل يدي إلى أي مكان)(‪)4‬‬
‫وبناء على هذا نجد لغة خاصة في التعبير عن المعارف اإللهية وحقائق الوج ود‬
‫تمتلئ بها كتب الخميني ورسائله‪ ،‬حيث نراها تم زج بين اللغ ة العلمي ة والفلس فية‪ ،‬م ع‬

‫‪ )(1‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.32‬‬


‫‪ )(2‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.33‬‬
‫‪ )(3‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.34‬‬
‫‪ )(4‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.34‬‬

‫‪248‬‬
‫اللغة الذوقية والشاعرية‪ ،‬وربم ا يك ون ه ذا من األس باب الك برى ال تي جعلت ل ه تل ك‬
‫القابلية عند الشعب اإليراني؛ فالشعب اإليراني ـ كما ذكرن ا في الج زء الس ابق ـ يمي ل‬
‫إلى التصوف والروحانيات أكثر من ميل ه للفلس فة والكالم‪ ،‬وإن ك ان ال يخل و اهتمام ه‬
‫من كليهما‪ ،‬وأبو حامد الغزالي أحسن نموذج على ذلك‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ القيم الروحية والتشجيع على الحركة والثورة‪:‬‬
‫وهي من الخ واص الك برى ال تي تم يز العرف ان بحس ب رؤي ة الخمي ني وق ادة‬
‫الثورة اإلسالمية عن أكثر المدارس الصوفية التي اهتمت بالحق ائق أك ثر من اهتمامه ا‬
‫بتغيير المجتمع وإصالحه‪.‬‬
‫ومن األمثلة على ذلك ما قاله الخميني في رس الته البن ه‪ ،‬فق د ق ال ل ه‪( :‬ب ني‪ :‬ال‬
‫اإلعتزال الصوفي دليل اإلرتب اط ب الحق‪ ،‬وال ال دخول في المجتم ع وتش كيل الحكوم ة‬
‫شاهد اإلنفصال عن الحق‪ ،‬الميزان في األعمال ه و دوافعه ا‪ ،‬فكث يراً م ا يك ون العاب د‬
‫الش َرك بم ا يناس به من األناني ة والغ رور‬ ‫والزاهد مبتل ًى ب َش َرك إبليس وهو يوسع ذلك َّ‬
‫والعجب والتكبر وتحق ير خل ق هللا والش رك الخفي وأمث ال ذل ك مم ا يبع ده عن الح ق‬
‫الش رك‪ ..‬وكث يراً م ا يك ون المتص دي لش ؤون الحكوم ة ذا داف ٍع إلهي‬ ‫وي ؤدي ب ه إلى ِّ‬
‫فيحظى بمعدن قرب الحق ك داود الن بي وس ليمان الن بي عليهم ا الس الم‪ .‬وأعلى منهم ا‬
‫وأس مى ك النبي األك رم ‪ ‬وخليفت ه ب الحق على بن أبي ط الب‪ ،‬وكحض رة المه دي‬
‫أرواحنا لمقدمه الفداء في عصر حكومته العالمية‪ ..‬إذاً‪ ،‬ميزان العرف ان والحرم ان ه و‬
‫الدافع‪ ،‬كلما كانت الدوافع أقرب إلى نور الفطرة‪ .‬وأكثر تحرراً من الحجب حتى حجب‬
‫النور‪ ،‬تكون أكثر ارتباطا بمبدأ النور إلى حيث يصبح الكالم عن اإلرتباط كفراً)(‪)1‬‬
‫وقال مخاطب ا ل ه ي دعوه إلى أن يف ر من أي مس ؤولية تلقى علي ه بحج ة التف رغ‬
‫للحق سبحانه وتع الى‪( :‬ب ني‪ :‬ال تل ق عن كاهل ك حم ل المس ؤولية اإلنس انية ال تي هي‬
‫خدمة الحق في صورة خدمة الخلق‪ ..‬فإن جوالت الشيطان وص والته في ه ذا المي دان‬
‫ليست بأق ل من جوالت ه وص والته بين المس ؤولين والمتص دين لألم ور (العام ة)‪ .‬وال‬
‫تتعب نفسك للحصول على مقام مهما كان ‪-‬س واء المق ام المعن وي أم الم ادي‪ -‬مت ذرعا ً‬
‫بأني أريد أن أقترب من المعارف اإللهي ة أك ثر‪ ..‬أو أني أري د أن أخ دم عب اد هللا‪ ،‬ف إن‬
‫التوجه إلى ذلك من الشيطان‪ ،‬فضال عن بذل الجهد للحصول عليه)(‪)2‬‬
‫إن في األعم ال الشخص ية‬ ‫ويق ول ل ه‪( :‬الم يزان في أول الس ير ه و القي ام هلل‪ْ ،‬‬
‫والفردية أو في النشاطات االجتماعية‪ ،‬فاس َع أن تكون موفق ا في ه ذه الخط وة األولى‪..‬‬
‫فإذا تيسر إلنسان ما ـ بدافع إلهي ـ ُملك الجن واإلنس‪ ،‬بل إذا حصل عليه‪ ،‬فهو ع ارف‬
‫باهلل وزاهد في الدنيا‪ ..‬وإذا كان الدافع نفسانيا وشيطانيا‪ ،‬فكل م ا حص ل علي ه ح تى إذا‬
‫كان سبحة فقد ابتعد بهذا المقدار عن هللا تعالى) (‪)3‬‬

‫‪ )(1‬الوصايا العرفانية لإلمام الخميني‪ ،‬ص‪.55‬‬


‫‪ )(2‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.56‬‬
‫‪ )(3‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.56‬‬

‫‪249‬‬
‫وهذه الكلم ات الممتلئ ة بالحكم ة‪ ،‬ال تي ذكره ا الخمي ني وص ية البن ه وللش عب‬
‫اإليراني تتطابق تماما مع الحكمة العطائية المعروفة‪ ،‬وال تي يق ول فيه ا ابن عط اء هللا‬
‫الس كندري‪( :‬إرادت ك التّجري د م ع إقام ة هّللا إيّ اك في األس باب من الش هوة الخفيّ ة‪،‬‬
‫وإرادتك األسباب مع إقامة هّللا إياك في التجريد انحطاط عن اله ّمة العليّة)‬
‫وقد قال صاحب الحكمة ابن عطاء هللا يحكي عن نفسه‪ ،‬وما قال له شيخه‪ ،‬وه و‬
‫يشبه إلى حد كبير ما ذكره الخميني في خطابه البنه‪ ،‬فقد ق ال‪( :‬دخلت على الش يخ أبي‬
‫العباس المرسي‪ ،‬وفي نفسي الع زم على التجري د ق ائال في نفس ي‪ :‬إن الوص ال إلى هّللا‬
‫تع الى على ه ذه الحال ة ال تي أن ا عليه ا بعي د من االش تغال ب العلم الظ اهر‪ ،‬ووج ود‬
‫المخالطة للناس‪ ،‬فقال لي؛ من غير أن أسأله‪ :‬صحبني إنسان مشتغل بالعلوم الظ اهرة‪،‬‬
‫ومتصدر فيها فذاق من هذا الطريق شيئا‪ ،‬فجاء إل ّي‪ ،‬فقال لي يا سيدي‪ :‬أخرج عم ا أن ا‬
‫فيه وأتفرغ لصحبتك فقلت له‪ :‬ليس الشأن ذا‪ ،‬ولكن امكث فيم ا أنت في ه‪ ،‬وم ا قس م هّللا‬
‫لك على أيدينا‪ ،‬فهو لك واص ل‪ ،‬ثم ق ال الش يخ ونظ ر إل ّي‪ :‬وهك ذا ش أن الص ديقين‪ ،‬ال‬
‫يخرجون من شيء حتى يكون الحق سبحانه ه و ال ذي يت ولى إخ راجهم‪ ،‬فخ رجت من‬
‫عنده وقد غسل هّللا تلك الخواطر من قلبي‪ ،‬ووجدت الراحة بالتسليم إلى هّللا تعالى)(‪)1‬‬
‫وهو يذكر أيض ا بم ا قال ه س يد قطب بع د ذك ره لبعض المع اني الروحي ة ال تي‬
‫ذكره ا الص وفية‪ ،‬وكي ف أنهم انش غلوا به ا عن واجب اتهم الدعوي ة؛ فق ال‪( :‬وه ذه هي‬
‫مدارج الطريق التي حاولها المتص وفة‪ ،‬فج ذبتهم إلى بعي د! ذل ك أن اإلس الم يري د من‬
‫الن اس أن يس لكوا الطري ق إلى ه ذه الحقيق ة وهم يكاب دون الحي اة الواقعي ة بك ل‬
‫خصائصها‪ ،‬ويزاولون الحياة البشرية‪ ،‬والخالفة األرضية بكل مق ّوماتها‪ ،‬شاعرين م ع‬
‫هذا أن ال حقيقة إال هللا‪ .‬وأن ال وجود إال وجوده‪ .‬وأن ال فاعلي ة إال فاعليت ه‪ ..‬وال يري د‬
‫طريقا غير هذا الطريق! من هنا ينبثق منهج كامل للحياة‪ ،‬ق ائم على ذل ك التفس ير وم ا‬
‫يشيعه في النفس من تص ورات ومش اعر واتجاه ات‪ :‬منهج لعب ادة هللا وح ده‪ .‬ال ذي ال‬
‫حقيق ة لوج ود إال وج وده‪ ،‬وال حقيق ة لفاعلي ة إال فاعليت ه‪ ،‬وال أث ر إلرادة إال إرادت ه‪..‬‬
‫ومنهج لالتج اه إلى هللا وح ده في الرغب ة والرهب ة‪ .‬في الس راء والض راء‪ .‬في النعم اء‬
‫والبأساء‪ .‬وإال فما جدوى التوجه إلى غير موجود وج ودا حقيقي ا‪ ،‬وإلى غ ير فاع ل في‬
‫الوجود أصال؟! ومنهج للتلقي عن هللا وحده‪ .‬تلقي العقيدة والتص ور والقيم والم وازين‪،‬‬
‫والش رائع والق وانين واألوض اع والنظم‪ ،‬واآلداب والتقالي د‪ .‬ف التلقي ال يك ون إال عن‬
‫الوجود الواحد والحقيقة المفردة في الواق ع وفي الض مير‪ ..‬ومنهج للتح رك والعم ل هلل‬
‫وحده‪ ..‬ابتغاء القرب من الحقيقة‪ ،‬وتطلعا إلى الخالص من الحواجز المعوقة والشوائب‬
‫المضللة‪ .‬سواء في قرارة النفس أو فيما حولها من األشياء والنفوس‪ .‬ومن بينه ا ح اجز‬
‫الذات‪ ،‬وقيد الرغبة والرهبة لشيء من أشياء هذا الوجود! ومنهج يربط‪ -‬م ع ه ذا‪ -‬بين‬
‫القلب البش ري وبين ك ل موج ود برب اط الحب واألنس والتع اطف والتج اوب‪ ..‬فليس‬
‫معنى الخالص من قيودها هو كراهيتها والنفور منه ا واله روب من مزاولته ا‪ ..‬فكله ا‬

‫‪ )(1‬إيقاظ الهمم فى شرح الحكم‪ ،‬ص‪.33 :‬‬

‫‪250‬‬
‫خارجة من ي د هللا وكله ا تس تمد وجوده ا من وج وده‪ ،‬وكله ا تفيض عليه ا أن وار ه ذه‬
‫الحقيقة‪ .‬فكلها إذن حبيب‪ ،‬إذ كلها هدية من الحبيب!)(‪)1‬‬
‫وال يكتفي الخميني بدعوة العلماء إلى ممارسة الحي اة السياس ية‪ ،‬وإنم ا يح ذرهم‬
‫من أن تقاعسهم عن النهي عن المنكر‪ ،‬أو المشاركة في الحي اة بك ل مجاالته ا س يؤدي‬
‫إلى انتشار الفساد‪ ،‬وقد قال معقب ا على قول ه تع الى‪﴿ :‬لَ وْ اَل يَ ْنهَ اهُ ُم ال َّربَّانِيُّونَ َواأْل َحْ بَ ا ُر‬
‫ص نَعُونَ ﴾ [المائ دة‪( :]63 :‬وإن ك انت‬ ‫س َم ا َك انُوا يَ ْ‬ ‫ع َْن قَوْ لِ ِه ُم اإْل ِ ْث َم َوأَ ْكلِ ِه ُم ُّ‬
‫الس حْ تَ لَبِ ْئ َ‬
‫خطابا ً للرب انيين واألحب ار‪ ،‬لكن الخط اب موجَّه للجمي ع‪ .‬ولق د ذ َّم هللا تع الى الرب انيين‬
‫واألحبار‪ ،‬واستنكر عليهم لسكوتهم امام ظلم الظلمة خوفا ً أو طمعاً‪ ،‬مع ك ونهم ق ادرين‬
‫على القيام بما يمنع الظلم من خالل المعارضة ورفع الصوت والكالم‪ ،‬فعلم اء اإلس الم‬
‫أيضا ً إذا سكتوا‪ ،‬ولم يقوموا بوجه الظالمين؛ فإنهم سوف يقعون محالً الستنكار هللا عز‬
‫وجل)(‪)2‬‬
‫وهك ذا ن رى أن العرف ان ال ذي ي دعو إلي ه الخمي ني‪ ،‬وال ذي تبنت ه الجمهوري ة‬
‫اإلسالمية اإليرانية عرفان إيجابي ال ينعزل عن المجتمع‪ ،‬وال يتعالى على مشاكله‪ ،‬بل‬
‫يخوض فيها‪ ،‬ويحاول إصالحه‪ ،‬ويقوم بواجباته نحوها‪ ،‬لتحقيق ما يطلق عليه [التقوى‬
‫االجتماعي] أو [العرفان االجتماعي]‬
‫‪ 3‬ـ القيم الروحية والتوحيد الخالص‪:‬‬
‫مع كثرة ما كتبه الخميني حول التوحيد الخالص هلل‪ ،‬نجد أعداءه‪ ،‬وأع داء إي ران‬
‫يلهجون كل حين برميه بالشرك‪ ،‬ورمي إيران جميعا بذلك‪ ،‬مع أن ما طرح ه من رؤى‬
‫حول التوحيد‪ ،‬لم يخطر على بالهم‪ ،‬فالتوحي د عن ده ه و األس اس ال ذي تق وم علي ه ك ل‬
‫الحياة‪ ،‬وما نظام والية الفقيه‪ ،‬بحسب طروحاته سوى تجل من تجليات التوحيد‪.‬‬
‫ومما ذكره في وصيته العرفانية قوله البنه وللشعب اإلي راني‪ ،‬وه و يحثهم على‬
‫التأمل في الكائنات للعبور منها إلى هللا تعالى‪( :‬اعلم‪ ،‬أن العالم سواء ك ان أزلي ا ً وأب ديا ً‬
‫أم ال‪ ،‬وس واء ك انت سالس ل الموج ودات غ ير متناهي ة أم ال‪ ،‬وس واء ك انت سالس ل‬
‫الموجودات غير متناهية أم ال‪ ،‬فإنّها جميعا محتاج ةٌ‪ ،‬ألن الوج ود ليس ذاتي ا ً له ا‪ ،‬ول و‬
‫تفك رت وأحطت عقلي ا بجمي ع السالس ل غ ير المتناهي ة فإن ك س تدرك الفق ر ال ذاتي‬
‫واالحتياج في وجودها وكمالها إلى الوجود الموجود بذاته وال ذي تمث ل الكم االت عين‬
‫ذات ه‪ ،‬ول و تمكنت من مخاطب ة سالس ل الموج ودات المحتاج ة ب ذاتها خطاب ا ً عقلي ا‬
‫وسألتها‪ :‬أيتها الموجودات الفقيرة‪ ،‬من يستطيع ت أمين احتياج اتكم؟ فإنه ا س تر ُّد جميع ا‬
‫بلسان الفطرة‪( :‬إننا محتاجون إلى من ليس محتاجا ً مثلنا إلى الوجود‪ ،‬وكم ال الوج ود)‬
‫(‪)3‬‬
‫ويذكر حاجة كل الك ون إلى هللا‪ ،‬وافتق اره إلي ه فق را مطلق ا‪ ،‬بمن فيهم أنبي اء هللا‬

‫‪ )(1‬في ظالل القرآن (‪)4003 /6‬‬


‫‪ )(2‬الحكومة االسالمية (ص‪.)133 :‬‬
‫‪ )(3‬الوصايا العرفانية لإلمام الخميني‪ ،‬ص‪.11‬‬

‫‪251‬‬
‫وأولياءه وكل خلق هللا؛ فيقول‪( :‬والمخلوقات الفقيرة ب ذاتها لن تتب دل إلى غني ة ب ذاتها‪،‬‬
‫فمثل هذا التبديل غير ممكن الوقوع‪ ،‬وألنها فقيرة بذاتها ومحتاجه‪ ،‬فلن يس تطيع س وى‬
‫الغني بذاته أن يرفع فقرها واحتياجها‪ .‬كما أن هذا الفق ر ال ذي ه و الزم ذاتي له ا‪ ،‬ه و‬
‫صفة دائمة أيضا‪ ،‬سواء كانت هذه السلسلة أبدية أم ال‪ ،‬أزلي ة أم ال‪ ،‬وليس س واه تع الى‬
‫من يستطيع حل مشاكلها وتأمين احتياجاتها) (‪)1‬‬
‫بل إنه يتجاوز ذلك االفتقار‪ ،‬ليعمق ذلك التوحيد ببيان أن كل م ا ن راه من كم ال‬
‫ي كمال أو جم ال‬ ‫إنما هو كمال إلهي‪ ،‬ولذلك كان الثناء عليه ثناء على هللا‪ ،‬يقول‪( :‬إن أ ّ‬
‫﴿و َم ا‬
‫ينطوي عليه أي موجود ليس منه ذاتا‪ ،‬إنما هو مظه ر لكم ال هللا تع الى وجمال ه َ‬
‫َر َميْتَ إِ ْذ َر َميْتَ َولَ ِك َّن هَّللا َ َر َمى﴾ [األنفال‪ ]17 :‬حقيقةٌ تصدق على كل شيء وك ل فع ل‬
‫وكل قول)(‪)2‬‬
‫ي موج ود من الموج ودات ـ ب دءاً من غيب ع والم‬ ‫ويق ول‪( :‬اعلم أن ليس أل ّ‬
‫ئ من القدرة أو العلم أو الفض يلة‪ ،‬وك ل م ا فيه ا‬ ‫الجبروت وإلى ما فوقها أو تحتها ـ شي ٌ‬
‫من ذلك إنما هو منه ج َّل وعال‪ ،‬فهو الممسك بزم ام األم ور من األزل إلى األب د‪ ،‬وه و‬
‫األحد الصمد‪ ،‬فال تخش من هذه المخلوق ات الجوف اء الخاوي ة الخالي ة‪ ،‬وال تُل ق آمال ك‬
‫ك‪ ،‬والخوف من غيره جلت عظمته كف ر)‬ ‫عليها أبداً‪ ،‬ألن التعويل على غيره تعالى شر ٌ‬
‫(‪)3‬‬
‫والنتيجة التي يصل إليها من تعمقت فيه هذه المعارف هي ـ كما يذكر الخمي ني ـ‬
‫السعي للتواصل مع هللا وحده باعتباره الهدف األعلى من كل شيء‪ ،‬والغاية العظمة في‬
‫ك ْال ُم ْنتَهَى ﴾ [النجم‪ ،]42 :‬يقول‪( :‬إن ك لُّ‬
‫الرحلة األزلية‪ ،‬كما قال تعالى‪َ ﴿ :‬وأَ َّن إِلَى َربِّ َ‬
‫يرجو غيره تعالى)‬
‫َ‬ ‫من يدرك هذه الحقيقة ويتذوقها‪ ،‬لن يتعلق قلبه بغير هللا تعالى‪ ،‬ولن‬
‫(‪)4‬‬
‫ثم يخاطب ابنه‪ ،‬ومعه الشعب اإليراني مبينا ل ه المنهج ال ذي يص ل ب ه إلى ه ذه‬
‫الحقيقة ذوقا‪( :‬هذه بارقةٌ إلهي ة‪ ،‬ح اول أن تفك ر فيه ا في خلوات ك‪ ،‬ولقن قلب ك الرقي ق‬
‫وكرره ا علي ه إلى أن ينص اع اللس ان له ا‪ ،‬وتس طع ه ذه الحقيق ة في مل ك وملك وت‬
‫وجودك‪ .‬وارتبط بالغن ّي المطلق حتى تس تغني عمن س واه‪ ،‬واطلب التوفي ق من ه ح تى‬
‫يجذبك من نفسك ومن جميع من سواه‪ ،‬ويأذن لك بالدخول والتشرف بالحضور) (‪)5‬‬
‫والنتيجة العظيمة التي يصل إليه ا المتأم ل له ذه الحق ائق العظيم ة ـ كم ا ي ذكر‬
‫الخمي ني ـ هي الوص ول إلى محب ة هللا‪ ،‬ب ل إلى عش ه‪ ،‬فالبش ر جميع ا ـ كم ا ي ذكر ـ‬
‫(مفطورون على عشق الكمال المطل ق‪ ،‬ومن ه ذا العش ق ‪-‬ش ئنا أم أبين ا‪ -‬ينش أ العش ق‬

‫‪ )(1‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.11‬‬


‫‪ )(2‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.12‬‬
‫‪ )(3‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.15‬‬
‫‪ )(4‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.13‬‬
‫‪ )(5‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.14‬‬

‫‪252‬‬
‫لمطلق الكم ال ال ذي ه و من آث ار الكم ال المطل ق‪ ،‬واألم ر المالزم لفطرتن ا ه ذه ه و‬
‫السعي للخالص من النقص المطلق‪ ،‬وتالزم ه الرغب ة في الخالص من مطل ق النقص‬
‫أيضا) (‪)1‬‬
‫وبناء على هذا‪ ،‬فكلنا ـ وإن لم ندرك ذلك ـ (عاشقون هلل تعالى‪ ،‬الذي ه و الكم ال‬
‫المطل ق‪ .‬ونعش ق آث اره ال تي هي تجلي ات الكم ال المطل ق‪ .‬وأي ش خص أو أي ش يء‬
‫نكرهه ونبغضه‪ ،‬أو نحاول التخلص منه‪ ،‬فهو نقص مطلق أو مطلق النقص الذي يق ف‬
‫في الجهة المقابلة‪ ،‬وعلى النقيض من األول تماماً‪ .‬وال شك أن نقيض الكم ال ه و ع دم‬
‫الكمال‪ ،‬وألننا محجوبون‪ ،‬فإننا نض ّل في التشخيص‪ .‬ولو زال الحج اب التّض ح لن ا أن‬
‫كل ما هو منه جل وعال محبوب‪ ،‬وكل ما ه و مبغ وض فليس من ه‪ ،‬وه و بالت الي ليس‬
‫موجودا) (‪)2‬‬
‫وهو يؤكد هذه الحقائق عند تعليقه على ما ورد في المناجاة‪( :‬أيك ون لغ يرك من‬
‫الظهور ما ليس لك‪ ،‬حتى يكون هو المظهر لك؟ متى غبت حتى تحت اج إلى دلي ل ي دل‬
‫عليك‪ ،‬ومتى بعدت حتى تكون اآلثار هي التي توصل إليك؟ عميت عين ال تراك عليها‬
‫رقيبا)(‪)3‬‬
‫ومثلها ما ورد في المناجاة الشعبانية التي يثني عليه ا كث يرا‪ ،‬وخاص ة على ه ذا‬
‫المقطع منها‪( :‬إلهي هب لي كمال االنقطاع إلي ك‪ ،‬وأن ر أبص ار قلوبن ا بض ياء نظره ا‬
‫إليك‪ ،‬ح تى تخ رق أبص ار القل وب حجب الن ور‪ ،‬فتص ل إلى مع دن العظم ة‪ ،‬وتص ير‬
‫أرواحن ا معلق ة بع ِّز قدس ك‪ ،‬إلهي واجعل نى ممن ناديت ه فأجاب ك‪ ،‬والحظت ه فص عق‬
‫لجاللك)‬
‫فقد علق عليهم ا ق ائال‪( :‬ب ني‪ :‬نحن م ا زلن ا في قي د الحجب الظلماني ة‪ ،‬وبع دها‬
‫الحجب النورية‪ ،‬ونحن المحجوبون ما زلنا عند منعطف زقاق ضيّق) (‪)4‬‬
‫وهو يبين أن هذه المعارف التوحيدية ليست معارف كمالية‪ ،‬ب ل هي ض رورية‪،‬‬
‫وأن على كل مؤمن السعي لتحصيلها ح تى يتجنب س وء األدب م ع هللا‪ ،‬وخاص ة عن د‬
‫الخاتمة‪ ،‬يقول‪( :‬عليك أن تنتبه! فهناك خطر قد يعترض اإلنسان في اللحظات األخ يرة‬
‫من عمره‪ ،‬وهو يه ّم بمغادرة ه ذا الع الم‪ ،‬واإلنتق ال إلى مس تقره األب دي‪ .‬ف إن ذل ك ق د‬
‫يجعل المبتلي بحب النفس وما يولّده من حب الدنيا‪ .‬بأبعادهما المختلفة ‪-‬ي رى وه و في‬
‫حال اإلحتضار‪ ،‬وحيث تنكشف لإلنسان بعض األمور فيراها عياناً‪ ،‬أن مأمور هللا ج ّل‬
‫وعال يريد فصله عن محبوبه ومعشوقه! فيرحل عن هذه ال دنيا وه و غاض ب على هللا‬
‫جل وعال متنف ٌر من ه! وه ذه عاقب ة وثم رة حب النفس وال دنيا‪ ،‬وق د أش ارت إلى ذل ك‬

‫‪ )(1‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.31‬‬


‫‪ )(2‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.31‬‬
‫‪ )(3‬مقطع من دعاء اإلمام الحسين يوم عرفة‪ ،‬ويروى كذلك في مناجاة ابن عطاء هللا السكندري‪.‬‬
‫‪ )(4‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.14‬‬

‫‪253‬‬
‫المختلفة) (‪)1‬‬ ‫الروايات‬
‫ويروي في ذلك حكاية عن أحد المتعبدين الثقاه أنه ق ال‪( :‬ذهبت لزي ارة أح دهم‪،‬‬
‫وكان يحتضر؛ فقال وه و على ف راش الم وت‪ :‬إن الظلم ال ذي لحق ني من هللا تع الى لم‬
‫يلح ق أح دا من الن اس‪ ،‬فه و يري د أن يأخ ذني من أبن ائي ال ذين ص رفت دم القلب في‬
‫تربيتهم ورعايتهم! فقمت من عنده ثم توفى) (‪)2‬‬
‫ثم يعلق عليها بقوله‪( :‬لعل هناك بعض التفاوت بين ما نقلته وما سمعته من ذل ك‬
‫العالم المتعبد‪ ،‬على أية حال‪ ،‬فإن ذلك ولو كان مجرد احتم ال الح دوث فه و أم ر على‬
‫درجة خطيرة من األهمية تدفع اإلنسان إلى التفكير بجدية للنجاة منه) (‪)3‬‬
‫بل إنه يذكر أن رؤية األنا والغفلة عن التوحيد ق د ت نزل أولي اء هللا من الم راتب‬
‫الرفيعة التي حولها‪ ،‬ألنهم لم ي نزلوا تل ك الم راتب إال بفن ائهم عن أنفس هم‪ ،‬واع ترافهم‬
‫بقصورهم وعجزهم وافتقادرهم الدائم إلى هللا‪ ،‬وقد روى في ذلك (أن هللا تعالى خاطب‬
‫أحد أنبيائه‪ ،‬فطلب إليه أن يأتيه بمخلوق أسوأ منه‪ ،‬فقام النبي عليه السالم بعدها بسحب‬
‫رفاة حمار قليال إال أنه ندم فتركها‪ ،‬فخوطب بالقول‪ :‬لو أنك أتيت ني بتل ك الجيف ة‪ ،‬لكنت‬
‫سقطت من مقامك)(‪)4‬‬
‫ثم علق على الرواي ة بقول ه‪( :‬وأني ال أع رف م دى ص حة الح ديث‪ ،‬ولكن لع ل‬
‫األمر بالنسبة لمقام األولياء‪ ،‬يعد سقوطا ً حينما ي رون األفض لية ألنفس هم على غ يرهم‪،‬‬
‫فتلك أنانية وغرور‪ .‬وإالّ فلِم كان النبي األكرم ‪ ‬يأسف ذلك األسف المرير على ع دم‬
‫إيم ان المش ركين‪ ،‬إلى الح د ال ذي خاطب ه هللا تع الى بقول ه‪﴿ :‬فَلَ َعلَّكَ بَ ِ‬
‫اخ ٌع نَ ْف َس كَ َعلَى‬
‫ث أَ َسفًا ﴾ [الكهف‪]6 :‬؛ فليس هذا سوى أنه عش ق جمي ع‬ ‫ار ِه ْم إِ ْن لَ ْم ي ُْؤ ِمنُوا بِهَ َذا ْال َح ِدي ِ‬
‫آثَ ِ‬
‫عباد هللا‪ ،‬و ِعشق هللا هو عشق لتجلياته‪ ،‬فهو ‪ ‬يتألم مما تؤدي إلي ه الحجب الظلماني ة‬
‫لألنانية والغرور في المنحرفين‪ ،‬من دفعهم إلى الشقاء ثم العذاب األليم في جهنم نتيج ةً‬
‫ألعم الهم في حين أن ه يري د الس عادة للجمي ع‪ .‬فه و مبع وث لتحقي ق الس عادة للجمي ع‪.‬‬
‫والمشركون المنحرفون ‪-‬عُمي القلوب‪ -‬وقفوا بوجهه‪ ،‬ونصبوا له العداء رغم أن ه ج اء‬
‫إلنقاذهم) (‪)5‬‬
‫هذه بعض االقتباسات من كالم الخميني في التوحي د‪ ،‬وكون ه اله دف األك بر من‬
‫السير التحققي‪ ،‬وه و أك بر رد على من يرمون ه ب الغلو في األئم ة‪ ،‬وأن ه ي نزلهم ف وق‬
‫منازلهم‪ ،‬ومثل هذا نجد نصوصا كثيرة جدا في أعماق التوحيد ال تي ال تل وح على ب ال‬
‫أولئك المنكرين‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ القيم الروحية والسلوك التحققي والتخلقي‪:‬‬

‫‪ )(1‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.26‬‬


‫‪ )(2‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.26‬‬
‫‪ )(3‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.26‬‬
‫‪ )(4‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.27‬‬
‫‪ )(5‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.27‬‬

‫‪254‬‬
‫من أهم المزايا التي تميز بها الط رح العرف اني للخمي ني والمدرس ة ال تي ينتمي‬
‫قادة الث ورة اإلس المية اإليراني ة هي ذل ك االهتم ام بالس لوك التحققي والتخلقي‪ ،‬أو م ا‬
‫يطلقون عليه لقب [العرفان العملي]‪ ،‬وهو ما أبعدهم عن تلك الشطحات التي وق ع فيه ا‬
‫بعض المدارس الصوفية‪ ،‬الذين أهملوا العمل‪ ،‬أو قص روا في ه‪ ،‬ب ل إن بعض هم اعت بر‬
‫االهتمام بالعمل والسلوك نوعا من االنشغال عن الحق‪.‬‬
‫ولهذا ن رى الخمي ني ينهى عن االهتم ام بمطالع ة كتب العرف ان‪ ،‬م ع الخل و من‬
‫العمل‪ ،‬ألن ذلك قد ينشئ الغرور‪ ،‬ويبعد عن التقوى‪ ،‬يقول في وصاياه مخاطب ا زوج ه‬
‫ابن ه فاطم ة‪( :‬ابن تي‪ :‬اإلنش غال ب العلوم ح تى العرف ان والتوحي د إذا ك ان الكتن از‬
‫االصطالحات ‪-‬هو حاصل‪ -‬أو ألجل نفس تلك العلوم‪ ،‬فإنه ال يقرب السالك من اله دف‬
‫بل يبعده عنه (العلم هو الحجاب األكبر)‪ ،‬وإذا كان البحث عن الحق وعشقه هو الهدف‬
‫‪-‬وهو ناد ٌر جداً‪ -‬فذلك مصباح الطريق ونور الهداية‪( ،‬العلم ن ور يقذف ه هللا في قلب من‬
‫يشاء من عباده)‪ ،‬وللوصول إلى يسير منه يل زم الته ذيب والتطه ير والتزكي ة؛ ته ذيب‬
‫النفس وتطه ير القلب من غ يره فض الً عن الته ذيب من األخالق الذميم ة ال تي يحت اج‬
‫كثير من المجاهدة وفضال عن تهذيب العمل مم ا ه و خالف رض اه‬ ‫ٍ‬ ‫الخالص منها إلى‬
‫جل وعال‪ ،‬والمواظبة على األعمال الصالحة‪ ،‬من قبيل الواجبات التي هي في الطليعة‪،‬‬
‫والمستحبات بقدر الميسور وبالقدر الذي ال يوقع اإلنسان في العجب واألنانية) (‪)1‬‬
‫وله ذا نج د الخمي ني ينتهج منهج ص وفية المجاه دات‪ ،‬من أمث ال المحاس بي‬
‫والغزالي؛ فيحذركل حين من الخطرات ووساوس النفس األم ارة بالس وء‪ ،‬وي دعو إلى‬
‫مجاهدتها‪ ،‬واستعمال كل الوسائل الشرعية في ذلك‪.‬‬
‫ومن ذلك ما ذكره في وصيته العرفانية‪ ،‬والتي يقول فيه ا مخاطب ا ابن ه وش عبه‪:‬‬
‫(إن ما هو مذموم‪ ،‬وأساس ومنشأ جميع ألوان الشقاء والعذاب والمهالك‪ ،‬ورأس جمي ع‬
‫الخطايا والذنوب إنما هو [حب الدنيا]‪ ،‬وهو حب ناشئ من [حب النفس]؛ فمع أن عالم‬
‫ال ُملك ليس مذموما في ح ِّد ذاته‪ ،‬فهو مظه ر الح ق‪ ،‬ومق ام ربوبيت ه‪ ،‬ومهب ط مالئكت ه‪،‬‬
‫ومس جد عب اده‪ ،‬وتربي ة أنبيائ ه وأوليائ ه‪ ،‬وم وطن تجلي الح ق على قل وب عش اق‬
‫المحبوب الحقيقي‪ ،‬فإن كان حب [عالم المل ك] ناش ئا ً عن حب هللا باعتب اره مظه را ل ه‬
‫ج َّل وعال؛ فهو أمر مطلوب ويس توجب الكم ال‪ .‬أم ا إذا ك ان منش ؤه حب النفس‪ ،‬فه و‬
‫رأس الخطاي ا جميع ا‪ .‬فال دنيا المذموم ة هي في داخل ك أنت‪ ،‬والتعل ق بغ ير ص احب‬
‫القلب‪ ،‬هو الموجب للسقوط‪ .‬وجميع المخالفات ألوامر هللا وجمي ع المعاص ي والج رائم‬
‫والجناي ات ال تي يُبتلى به ا اإلنس ان‪ ،‬كله ا من حب النفس ال ذي يولِّد حب ال دنيا‬
‫وزخارفها‪ ،‬وحب المقام والجاه والمال ومختلف األماني‪ .‬وفي الوقت نفسه فإن أي قلب‬
‫ال يمكن ه فطري ا أن يتعل ق بغ ير ص احب القلب الحقيقي لكن ه ذه الحجب الظلماني ة‬
‫والنورانية هي التي تجعلنا نميل خطأ ً واشتباها ً نحو غير ص احب القلب‪ ،‬وهي ظلم ات‬

‫‪ )(1‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.110‬‬

‫‪255‬‬
‫ظلمات) (‪)1‬‬ ‫فوقها‬
‫وهو يعتبر حب الدنيا أكبر العقبات الحائل ة بين الس الكين والوص ول إلى الح ق‪،‬‬
‫ويعت بر تحطيم ص نم حب ال دنيا البداي ة الص حيحة للس لوك التحققي والتخلقي؛ فيق ول‪:‬‬
‫(مادمنا في حجاب النفس واألنانية‪ ،‬فنحن شيطانيّون مطرودون من محض ر ال رحمن‪،‬‬
‫وما أصعب تحطيم هذا الصنم الذي يع ُّد أم األص نام؛ فنحن م ا دمن ا خاض عين هلل (ج ل‬
‫وعال) وال مطيعين ألوامره‪ ،‬وما لم يُحطَّم هذا الصنم؛ فإن الحجب الظلمانية لن تتمزق‬
‫ولن تُ زال‪ .‬علين ا أن نع رف م ا ه و الحج اب أوالً‪ ،‬فنحن إذا لم نعرف ه‪ ،‬لن نس تطيع‬
‫المبادرة إلى إزالته‪ ،‬أو تضعيف أث ره‪ ،‬أو على األق ل‪ ،‬الح د من تزاي د رس وخه وقوت ه‬
‫بمرور الوقت) (‪)2‬‬
‫وهكذا نراه يتدرج في خطابه ومواعظه العرفانية‪ ،‬وي أمر ابن ه وش عبه ك ل حين‬
‫بالمسارعة إلى التوبة؛ فيقول‪( :‬بني‪ :‬أتح دث إلي ك اآلن وأنت م ا زلت ش اباً‪ ،‬علي ك أن‬
‫تنتبه إلى أن التوبة أسهل على الشبان‪ ،‬كما إن إصالح النفس وتربيتها يتم بسرعة أك بر‬
‫عندهم‪ .‬في حين أن األهواء النفسانية والسعي للجاه وحب الم ال والغ رور أك ثر وأش ّد‬
‫بكثير لدى الشيوخ منه لدى الشبان‪ .‬أرواح الشبان رقيقة شفافة سهلة القياد‪ ،‬وليس ل دى‬
‫الشبان من حب النفس وحب الدنيا بقدر ما لدى الشيوخ‪ .‬فالشاب يستطيع بسهولة نس بيا‬
‫أن يتخلص من ش ر النفس األم ارة بالس وء‪ ،‬ويتوج ه نح و المعنوي ات‪ .‬وفي جلس ات‬
‫الوعظ والتربية األخالقية يتأثر الشبان بدرج ة كب يرة ال تحص ل ل دى الش يوخ‪ ،‬فلينتب ه‬
‫الش بان‪ ،‬وليح ذروا من الوق وع تحت ت أثير الوس اوس النفس انية والش يطانية‪ ،‬ف الموت‬
‫قريب من الشبان والشيوخ على ح ٍّد سواء وأ ّ‬
‫ي من الش بان يس تطيع االطمئن ان إلى أن ه‬
‫سيبلغ مرحلة الشيخوخة؟ وأيُّ إنسان مصون من حوادث الدهر؟ ب ل ق د يك ون الش بان‬
‫أكثر تعرضا لحوادث الدهر من غيرهم) (‪)3‬‬
‫وهو يرد على أولئك الذين يضيعون الف رص‪ ،‬ويتص ورون أن الش فاعة وح دها‬
‫ستكفيهم‪ ،‬وتصد عنهم عذاب هللا الذي كتبه على المنحرفين من عباده؛ فيقول‪( :‬ب ني‪ :‬ال‬
‫تضيّع الفرص ة من ي ديك‪ ،‬واس َع إلص الح نفس ك في مرحل ة الش باب‪ ،‬وعلى الش يوخ‬
‫أيضا ً أن يعلموا أنهم ما داموا في هذا العالم‪ ،‬فإنهم يس تطيعون ج بران م ا خس روا وم ا‬
‫ضيّعوا‪ ،‬وأن يكفّروا عن معاصيهم‪ ،‬فإن األمر سيخرج من أي ديهم بمج رد انتق الهم من‬
‫ه ذا الع الم‪ ،‬والتعوي ل على ش فاعة أولي اء هللا عليهم الس الم‪ ،‬والتج رؤ في ارتك اب‬
‫المعاصي من الخدع الشيطانية الكبرى‪ ،‬تأ ّمل أنت ح االت ال ذين عوّل وا على ش فاعتهم‬
‫غافلين عن هللا وتجرأوا على المعاصي‪ ،‬تأم ل في س يرتهم‪ ،‬وانظ ر في أنينهم وبك ائهم‬
‫ودعائهم وتحرقهم واعتبر من ذلك) (‪)4‬‬

‫‪ )(1‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.23‬‬


‫‪ )(2‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.24‬‬
‫‪ )(3‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.36‬‬
‫‪ )(4‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.37‬‬

‫‪256‬‬
‫ويروي عن اإلمام الصادق أنه جمع أهل بيت ه وأقارب ه في أواخ ر عم ره‪ ،‬وق ال‬
‫لهم‪( :‬إنكم ستردون على هللا بأعمالكم‪ ،‬فال تظنوا أن قرابتكم لي ستنفعكم ي وم القيام ة)‪،‬‬
‫وعلق عليه بقوله‪( :‬إن كان هناك احتمال ب أن تن الهم الش فاعة‪ ،‬ألن االرتب اط المعن وي‬
‫حاصل بينهم وبين الشافع لهم‪ ،‬فالرابطة اإللهية بينهم تجعلهم مؤهلين أك ثر من غ يرهم‬
‫لنيل الشفاعة‪ ،‬وإن لم يحصل هذا األمر لهم في هذا العالم‪ ،‬فلعله يحصل لهم بعد تنقيات‬
‫وتزكيات أنواع من العذاب البرزخي أو الجهنمي‪ ،‬حتى يصبحوا بعده الئقين للش فاعة‪،‬‬
‫وهللا العالم بم دى م ا سيص يبهم‪ ،‬فض الً عن ه ذا‪ ،‬ف إن اآلي ات ال تي وردت في الق رآن‬
‫الكريم حول الشفاعة ال تبعث ـ بعد التأمل فيه ا ـ االطمئن ان في اإلنس ان‪ ،‬ق ال تع الى‪:‬‬
‫﴿ َم ْن َذا الَّ ِذي يَ ْش فَ ُع ِع ْن َدهُ إِاَّل بِإِ ْذنِ ِه ﴾ [البق رة‪ ،]255 :‬وق ال‪َ :‬‬
‫﴿واَل يَ ْش فَعُونَ إِاَّل لِ َم ِن‬
‫ضى﴾ [األنبياء‪ ،]28 :‬وأمثال ذلك من اآليات التي تثبت موضوع الش فاعة‪ ،‬ولكنه ا‬ ‫ارْ تَ َ‬
‫في الوقت نفسه ال تبعث االطمئنان لدى اإلنسان وال تسمح له ب االغترار به ا‪ ،‬ألنه ا لم‬
‫توضح من هم أولئك ال ذين س تكون الش فاعة من نص يبهم‪ ،‬أو م اهي ش روطها‪ ،‬وم تى‬
‫تكون شاملة لهم‪ ..‬نحن نأم ل بالش فاعة‪ ،‬ولكن ينبغي أن ي دفعنا ه ذا األم ل نح و طاع ة‬
‫الحق تعالى‪ ،‬ال نحو معصيته) (‪)1‬‬
‫وبناء على هذا كله يدعوه إلى الورع في التعامل مع أبس ط الحق وق‪ ،‬س واء تل ك‬
‫الحقوق المتعلقة باهلل‪ ،‬أم المتعلقة بخلقه‪ ،‬يقول ل ه‪ ،‬ولش عبه‪( :‬ب ني‪ :‬اح رص على أن ال‬
‫تغادر هذا العالم بحقوق الناس؛ فما أصعب ذلك وما أقساه‪ .‬واعلم أن التعام ل م ع أرحم‬
‫ال راحمين أس هل بكث ير من التعام ل م ع الن اس‪ .‬نع وذ باهلل تع الى أن ا وأنت وجمي ع‬
‫المؤم نين من الت ورط في االعت داء على حق وق اآلخ رين‪ ،‬أو التعام ل م ع الن اس‬
‫المتورطين‪ ..‬وال أقصد من هذا دفعك للتساهل بحقوق هللا والتجرؤ على معاص يه‪ ،‬فل و‬
‫أننا أخذنا بنظر االعتبار ما يستفاد من ظاهر بعض اآليات الكريمة‪ ،‬فإن البلي ة س تزداد‬
‫باطراد‪ ،‬ونجاة أهل المعصية بالشفاعة يتم بعد المرور بمراحل طويلة‪ .‬فتجسم األخالق‬
‫واألعم ال‪ ،‬وم ا يس تتبع ذل ك من مالزمته ا لإلنس ان إلى م ا بع د الم وت وإلى القيام ة‬
‫الكبرى‪ ،‬ثم الى م ا بع دها ح تى الوص ول إلى التنزي ه وقط ع الرواب ط ب نزول الش دائد‬
‫والعذاب بمختلف اش كاله في ال برزخ وفي جهنم‪ ،‬وع دم التمكن من االرتب اط بالش فيع‪،‬‬
‫واالشتمال بالشفاعة‪ ،‬كلها أم ور ي ؤدي التفك ير فيه ا إلى إثق ال كاه ل اإلنس ان‪ ،‬وي دفع‬
‫المؤمنين نحو الجدية في اإلصالح‪ .‬وال يمكن ألي شخص أن ي دعي أن ه يقط ع بخالف‬
‫هذه االحتم االت‪ ،‬إال إذا ك ان ش يطان نفس ه ق د تس لط علي ه بدرج ة عالي ة‪ ،‬ح تى راح‬
‫يتالعب به‪ ،‬ويص ده عن طري ق الح ق‪ ،‬فيجعل ه ُمنك راً ال يف رق بين الض وء والظالم‪،‬‬
‫وأمثال هؤالء من عمي القلوب كثير‪ .‬حفظنا هللا من شرور أنفسنا) (‪)2‬‬
‫‪ 5‬ـ القيم الروحية ومركزية القرآن الكريم‪:‬‬
‫من الخصائص المهمة التي نكتشفها في التراث العرف اني ال ذي ترك ه الخمي ني‪،‬‬

‫‪ )(1‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.38‬‬


‫‪ )(2‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.39‬‬

‫‪257‬‬
‫ومن معه من قادة الثورة اإلسالمية ذلك البعد عن الشطحات‪ ،‬أو االهتمام بنقل قص ص‬
‫الكرامات والغرائب‪ ،‬أو االهتمام بذكر الكشوف والمشاهدات وغيره ا مم ا نج د أمثال ه‬
‫في التراث الصوفي‪ ..‬بل نجده مهتما إما بالسلوك التحققي‪ ،‬أو بذكر المع ارف مرتبط ة‬
‫بالقرآن الكريم خصوصا‪ ،‬مع تدعيمها بما ورد في الروايات واألدعية ونحوها‪.‬‬
‫ولهذا نجدهم يعطون مركزية للقرآن الكريم في التعام ل م ع الحق ائق العرفاني ة‪،‬‬
‫باعتباره مصدرا قطعيا معصوما‪ ،‬على خالف الكشوف والمشاهدات الروحية ال تي ق د‬
‫ال تخلو من الشوائب والخلل‪.‬‬
‫وهذا ال يعني عدم اعترافهم بالشهود والكشف‪ ،‬وال يع ني ك ذلك ع دم اح ترامهم‬
‫لمن كتبوا في ذلك؛ فهم يستندون إليهم أحيانا‪ ،‬ولكنهم في نفس الوقت يعطون المركزية‬
‫الكبرى للقرآن الكريم‪ ،‬ويجعلونها معيارا لنقد كل كشف أو شهود أو عرفان يخالفه‪.‬‬
‫وله ذا ن رى الخمي ني في ك ل مناس بة ي دعو إلى ق راءة الق رآن الك ريم وت دبره‬
‫باعتباره المصدر األكبر للعرف ان‪ ،‬يق ول في خطاب ه البن ه وش عبه‪( :‬ب ني‪ :‬تع رف إلى‬
‫القرآن‪ ،‬كتاب المعرفة العظيم‪ ،‬ولو بمجرد قراءته‪ ،‬وشق منه طريقا إلى المحبوب‪ ،‬وال‬
‫تتوهمن أن القراءة من غير معرفة ال أث ر له ا‪ ،‬فه ذه وس اوس الش يطان‪ ،‬فه ذا الكت اب‬
‫كتابٌ من المحبوب إلي ك وإلى الجمي ع‪ ،‬وكت اب المحب وب محب وبٌ ‪ ،‬وإن ك ان العاش ق‬
‫المحب ال يدرك معنى ما ُكتب فيه وق د ج اء إلي ك هادف ا ً خل ق ه ذا األم ر ل ديك‪[ :‬حب‬
‫المحبوب] ال ذي يمث ل غاي ة الم رام‪ ،‬فلعل ه يأخ ذ بي دك‪ ،‬واعلم أنن ا ل و أنفقن ا أعمارن ا‬
‫بتمامها في سجد ِة شكر واح دة على أن الق رآن كتابن ا؛ لم ا وفين ا ه ذه النعم ة حقه ا من‬
‫الشكر) (‪)1‬‬
‫وه و يض ع بين ي دي مريدي ه الكث ير من الط رق والمن اهج ال تي يس تفيدون من‬
‫خاللها من المدد المعرفي القرآني الذي ال حدود له‪ ،‬ومن ذلك قوله بع د تبيان ه لمقاص د‬
‫القرآن الكريم‪ ،‬وإحاطتها بكل الشؤون‪( :‬إذا علمت اآلن مقاص د ه ذه الص حيفة اإللهي ة‬
‫ومطالبه ا فال ب د ل ك أن تلفت النظ ر إلى مطلب مهم يكش ف ل ك بالتوج ه إلي ه طري ق‬
‫االس تفادة من الكت اب الش ريف‪ ،‬وتنفتح على قلب ك أب واب المع ارف والحكم‪ ،‬وه و أن‬
‫يك ون نظ رك إلى الكت اب الش ريف اإللهي نظ ر التعليم‪ ،‬وت راه كت اب التعليم واإلف ادة‬
‫وترى نفسك موظفة على التعلم واالستفادة)(‪)2‬‬
‫وه و ينفي مقص وده التعليم والتعلم واإلف ادة واالس تفادة م ا ن راه في الواق ع من‬
‫الترك يز على األدب والنح و والص رف‪( ،‬أو تأخ ذ من ه الفص احة والبالغ ة والنك ات‬
‫البيانية والبديعية‪ ،‬أو تنظر في قصصه وحكاياته بالنظر التاريخي واالطالع على األمم‬
‫السالفة‪ ،‬فإنه ليس شيء من هذه داخالً في مقاصد القرآن‪ ،‬وهو بعيد المنظ ور األص لي‬
‫للكتاب اإللهي بمراحل والذي أوجب أن تكون استفادتنا من هذا الكتاب العظيم بأقل من‬
‫القليل هو هذا المعنى‪ ،‬فإم ا أال ننظ ر إلي ه نظ ر التعليم والتعلم كم ا ه و الغ الب علين ا‪،‬‬

‫‪ )(1‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.19‬‬


‫‪ )(2‬القرآن الثقل األكبر (ص‪)38 :‬‬

‫‪258‬‬
‫ونقرأ القرآن للثواب واألجر فقط ولهذا ال نعت ني بغ ير جه ة تجوي ده‪ ،‬ونري د أن نق رأه‬
‫صحيحا ً حتى يعطي لنا الثواب ونحن واقفون في الحد وقانعون بهذا األم ر‪ ،‬ول ذا نق رأ‬
‫القرآن أربعين سنة وال تحصل االستفادة منه بوجه إالّ ألجر والثواب والقراءة‪ ،‬وأما أن‬
‫نشتغل إن كان نظرنا التعليم والتعلّم بالنكات البديعيّة ووج وه إعج ازه‪ ،‬وأعلى من ه ذا‬
‫بقليل ف إلى الجه ات التاريخي ة وس بب ن زول اآلي ات وأوق ات ال نزول‪ ،‬وك ون اآلي ات‬
‫والسور مكية أو مدنية‪ ،‬واختالف الق راءات واختالف المفس رين من العام ة والخاص ة‬
‫وسائر األمور العرضية الخارجة عن المقصد بحيث تكون ه ذه األم ور نفس ها موجب ة‬
‫لالحتجاب عن القرآن والغفلة عن الذكر اإللهي) (‪)1‬‬
‫وهو مع احترامه ـ كما يذكر ـ للمفسرين والعلماء الذين بحثوا في عل وم الق رآن‬
‫إال أنه ينكر عليهم إهمال هذا الجانب من التعليم الق رآني؛ فيق ول‪( :‬إن ّ‬
‫مفس رينا العظ ام‬
‫أيضا ً صرفوا عمدة ه ّمهم في إحدى ه ذه الجه ات أو أك ثر ولم يفتح وا ب اب التعليم ات‬
‫على الناس‪ ،‬وبعقيدتي الكاتب لم يكتب إلى اآلن التفس ير لكت اب هللا ألن مع نى التفس ير‬
‫على نحو كلّي هو أن يكون شارحا ً لمقاصد الكتاب المفسّر ويكون مه ّم النظ ر إلى بي ان‬
‫منظور صاحب الكتاب‪ ،‬فه ذا الكت اب الش ريف ال ذي ه و بش هادة من هللا تع الى كت اب‬
‫قص ة‬ ‫للمفس ر أن يعلّم للمتعلم في ك ّل ّ‬
‫ّ‬ ‫الهداية والتعلم ونور طريق سلوك اإلنسانية يلزم‬
‫من قصصه بل في كل آية من آياته جهة االهت داء إلى ع الم الغيب وحيثي ة الهداي ة إلى‬
‫طريق السعادة وسلوك طريق المعرفة واإلنسانية) (‪)2‬‬
‫ويضرب مثاال على ذلك؛ فيقول‪( :‬ففي قصة آدم وحواء أو قض اياهما م ع إبليس‬
‫من ابتداء خلقهما إلى ورودهما في األرض‪ ،‬وقد ذكرها الحق تعالى مكررة في كتاب ه‪،‬‬
‫كم من المعارف والمواعظ م ذكورة فيه ا ومرم وز إليه ا‪ ،‬وكم فيه ا من مع ايب النفس‬
‫وكماالتها ومعارفها وأخالق إبليس موجودة فيها نتعرف عليها ونحن عنه غافلون) (‪)3‬‬
‫وبناء على هذا يدعو المفس رين إلى الترك يز في تفاس يرهم على ه ذه الج وانب‪،‬‬
‫باعتباره ا مقاص د الق رآن الك برى من نزول ه‪ ،‬يق ول‪( :‬كت اب هللا ه و كت اب المعرف ة‬
‫واألخالق والدعوة إلى الس عادة والكم ال‪ ،‬فكت اب التفس ير أيض ا ً ال ب د أن يك ون كتاب ا ً‬
‫عرفانيا ً وأخالقيا ً ومبيّنا ً للجهات العرفانية واألخالقية وسائر جهات الدعوة إلى السعادة‬
‫التي في القرآن‪ ،‬فالمفسّر الذي يغفل عن هذه الجهة أو يص رف عنه ا النظ ر أو ال يهتم‬
‫بها فقد غفل عن مقص ود الق رآن والمنظ ور األص لي إلن زال الكتب وإرس ال الرس ل‪،‬‬
‫وهذا هو الخطأ الذي حرم الملة اإلسالمية منذ قرون من االستفادة من القرآن الشريف‪،‬‬
‫وسد طريق الهداية على الناس‪ ،‬فال بد لنا أن نأخذ المقصود من تنزي ل ه ذا الكت اب من‬
‫نفس هذا الكتاب مع قطع النظر عن الجهات العقلية البرهانية التي تفهمنا المقصد) (‪)4‬‬

‫‪ )(1‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.38‬‬


‫‪ )(2‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.39‬‬
‫‪ )(3‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.40‬‬
‫‪ )(4‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.40‬‬

‫‪259‬‬
‫وه و يعطي الحجج الكث يرة على ه ذه ال دعوة‪ ،‬وأوله ا مراع اة المقاص د‬
‫الموضوعة في القرآن الكريمة‪ ،‬والتي ص رحت به ا اآلي ات الكث يرة‪ ،‬يق ول‪( :‬منص ف‬
‫الكتاب أع رف بمقص ده‪ ،‬ف اآلن إذا نظرن ا إلى م ا ق ال ه ذا المص نف فيم ا يرج ع إلى‬
‫ْب فِي ِه هُ دًى لِ ْل ُمتَّقِينَ ﴾ [البق رة‪،]2 :‬‬ ‫ك ْال ِكتَ ابُ اَل َري َ‬ ‫شؤون القرآن‪ ،‬ن رى أن ه يق ول ﴿ َذلِ َ‬
‫فعرّف هذا الكتاب بأنه كتاب الهداية‪ ،‬ونرى أنه في سورة قص يرة ك رّر م رّات عدي دة‬
‫﴿ولَقَ ْد يَسَّرْ نَا ْالقُرْ آنَ لِل ِّذ ْك ِر فَهَلْ ِم ْن ُم َّد ِك ٍر ﴾ [القمر‪ ،]17 :‬نرى أنه يقول‪َ ﴿ :‬وأَ ْنزَ ْلنَا‬ ‫قوله‪َ :‬‬
‫َّ‬
‫اس َما نُ ِّز َل إِلَ ْي ِه ْم َولَ َعلهُ ْم يَتَفَ َّكرُونَ ﴾ [النحل‪ ،]44 :‬ونرى أنه يق ول‪:‬‬ ‫إِلَ ْيكَ ال ِّذ ْك َر لِتُبَيِّنَ لِلنَّ ِ‬
‫ب﴾ [ص‪ ]29 :‬إلى غير ذلك‬ ‫ك لِيَ َّدبَّرُوا آيَاتِ ِه َولِيَتَ َذ َّك َر أُولُو اأْل َ ْلبَا ِ‬ ‫﴿ ِكتَابٌ أَ ْن َز ْلنَاهُ إِلَ ْي َ‬
‫ك ُمبَا َر ٌ‬
‫من اآليات الشريفة التي يطول ذكرها) (‪)1‬‬
‫وه و ألج ل تحقي ق ه ذه المقاص د القرآني ة ي دعو إلى رف ع الحجب الحائل ة بين‬
‫المؤمن الذي يريد أن يتحقق بالعرفان والقرآن الكريمة‪ ،‬ذلك أن الهداية القرآني ة تحت اج‬
‫إلى توفر شروط لتنزله ا‪ ،‬يق ول‪( :‬إذا علمت اآلن عظم ة كت اب هللا من جمي ع الجه ات‬
‫المقتضية للعظمة‪ ،‬وانفتح طريق استفادة المطالب منه؛ ف الالزم على المتعلم والمس تفيد‬
‫من كتاب هللا أن يجري أدبا ً آخر من اآلداب المهمة ح تى تحص ل االس تفادة وه و رف ع‬
‫موانع االستفادة‪ ،‬ونحن نعبّر عنها بالحجب بين المستفيد والقرآن) (‪)2‬‬
‫ثم ذكر األمثلة الكث يرة عن تل ك الحجب‪ ،‬وكيفي ة رفعه ا‪ ،‬ومنه ا [حج اب رؤي ة‬
‫النفس]‪ ،‬حيث (ي رى المتعلم نفس ه بواس طة ه ذا الحج اب مس تغنية أو غ ير محتاج ة‬
‫لالستفادة‪ ،‬وهذا من المكائد األصلية المهمة للشيطان من حيث إنه يزيّن لإلنس ان دائم ا ً‬
‫الكماالت الموهومة‪ ،‬ويرضى اإلنسان ويقنعه بما فيه‪ ،‬ويسقط من عينه كل شيء سوى‬
‫ما عنده‪ ،‬مثالً يقنّع أهل التجوي د ب ذلك العلم الج زئي ويزيّن ه في أعينهم إلى ح ّد يس قط‬
‫س ائر العل وم عن أعينهم‪ ،‬ويطبّ ق في نظ رهم حمل ة الق رآن عليهم ويح رمهم من فهم‬
‫الكتاب النوراني اإللهي واإلستفادة منه‪ ،‬ويرضى أصحاب األدب بتلك الصورة بال لبّ‬
‫ويمثّل جميع شؤون القرآن فيم ا ه و عن دهم‪ ،‬ويش غل أه ل التفاس ير المتعارف ة بوج ود‬
‫القراءات واآلراء المختلفة ألرباب اللغ ة ووقت ال نزول وش أن ال نزول وك ون اآلي ات‬
‫مكية أو مدنية وتعدادها وتعداد الحروف وأمثال تلك األمور‪ ،‬ويقن ع أه ل العل وم أيض ا ً‬
‫بعلم فن ون ال دالالت فق ط ووج وه االحتجاج ات وأمثاله ا ح تى إن ه يحبس الفيلس وف‬
‫والحكيم والعارف االصطالحي في الغليظ من حجاب االصطالحات والمف اهيم وأمث ال‬
‫ذلك‪ ،‬فعلى المستفيد أن يخرق جمي ع الحجب ه ذه وينظ ر إلى الق رآن من ورائه ا‪ ،‬وال‬
‫يتوقف في شيء من هذه الحجب وال يتأخر عن قافلة السالكين وال يح رم من ال دعوات‬
‫الحلوة اإللهية‪ ،‬ويستفاد عدم الوقوف وعدم القناعة إلى ح ّد معين من نفس القرآن) (‪)3‬‬
‫وهو يستشهد لهذا بما وقع لألنبياء عليهم السالم‪ ،‬وال ذين لم ينش غلوا بم ا عن دهم‬

‫‪ )(1‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.41‬‬


‫‪ )(2‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.44‬‬
‫‪ )(3‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.44‬‬

‫‪260‬‬
‫من العلوم عن سؤال المزيد‪ ،‬يقول‪( :‬فموسى الكليم مع ما له من المقام العظيم في النبوّة‬
‫ما اقتنع بذلك المقام وما توقف في مقام علمه الشامخ‪ ،‬وبمج رد أن القى شخص ا ً ك امالً‬
‫ُش دًا﴾ [الكه ف‪:‬‬ ‫قال له بكل تواضع وخضوع‪﴿ :‬هَ لْ أَتَّبِ ُع كَ َعلَى أَ ْن تُ َعلِّ َم ِن ِم َّما ُعلِّ ْمتَ ر ْ‬
‫‪ ،]66‬وصار مالزما ً لخدمته حتى أخذ من ه العل وم ال تي ال ب د من أخ ذها‪ ،‬وإب راهيم لم‬
‫﴿ربِّ أَ ِرنِي َك ْي فَ تُحْ ِي‬
‫يقتن ع بمق ام ش امخ اإليم ان والعلم الخ اص لألنبي اء‪ ،‬ب ل ق ال‪َ :‬‬
‫ْال َم وْ تَى﴾ [البق رة‪ ، ]260 :‬ف أراد أن ي رتقي من اإليم ان القل بي إلى مق ام االطمئن ان‬
‫الشهودي‪ ،‬وأعظم من ذلك أن هللا تبارك وتعالى يأمر نبيّه الخاتم وهو أع رف خل ق هللا‬
‫بالكريمة الشريفة ﴿ َوقُلْ َربِّ ِز ْدنِي ِع ْل ًما﴾ [طه‪ ،]114 :‬فهذه األوامر في الكت اب اإللهي‬
‫ونقل هذه القصص ألن نتنبّه ونستيقظ من نوم الغفلة) (‪)1‬‬

‫ومن الحجب التي دعا الخميني إلى رفعها حتى يتحقق السالك بالحقائق القرآنية‪،‬‬
‫ويمد ي ده إليه ا [حج اب اآلراء الفاس دة والمس الك والم ذاهب الباطل ة]‪ ،‬وه و ي ذكر أن‬
‫مصدره هو التبعية والتقليد‪ ،‬ويضرب مثاال على ذلك؛ فيقول‪( :‬مثالً إذا رسخ في قلوبن ا‬
‫اعتق اد بمج رّد االس تماع من األب أو األم أو من بعض جهل ة أه ل المن بر تك ون ه ذه‬
‫العقي دة حاجبي ة بينن ا وبين اآلي ات الش ريفة اإللهي ة‪ ،‬ف إن وردت آالف من اآلي ات‬
‫والروايات تخالف تل ك العقي دة‪ ،‬فإم ا أن نص رفها عن ظاهره ا أو ال ننظ ر فيه ا نظ ر‬
‫الفهم) (‪)2‬‬
‫ويضرب مثال على ذلك بما ورد في الق رآن الك ريم من ذك ر [لق اء هللا]‪ ،‬وال ذي‬
‫راح المتكلمون يحجبون عنه ـ كما يذكر ـ بسبب ما ارتب ط ب ه من التش بيه ال ذي وقعت‬
‫فيه بعض المدارس‪ ،‬أوتعلق به العوام؛ فيقول‪( :‬قد وردت اآلي ات الكث يرة الراجع ة إلى‬
‫لقاء هللا ومعرفة هللا‪ ،‬ووردت روايات كثيرة في هذا الموضوع مع كثير من اإلش ارات‬
‫والكنايات والصراحات في األدعية والمناجاة لألئمة؛ فبمجرد ما نش أت عقي دة في ه ذا‬
‫الميدان من العوام وانتشرت بأن طريق معرفة هللا مسدود بالكلية‪ ،‬فيقيسون باب معرفة‬
‫هللا ومشاهدة جماله على باب التفكر في الذات على الوجه الممنوع بل الممتنع‪ ،‬فإم ا أن‬
‫يؤوّلوا ويوجّهوا تلك اآليات والروايات‪ ،‬وكذلك اإلشارات والكناي ات والص راحات في‬
‫أدعية األئم ة ومناج اتهم‪ ،‬وإم ا أالّ ي دخلوا في ه ذا المي دان أص الً وال يعرّف وا أنفس هم‬
‫بالمعارف التي هي ق ّرة العين لألنبياء واألولياء‪ ،‬فم ّما ي وجب األس ف الش ديد أله ل هللا‬
‫أن بابا ً من المعرفة الذي يمكن أن يقال إنه غاية بعثة األنبياء‪ ،‬ومنتهى مطلوب األولياء‬
‫قد س ّدوه على الناس بحيث يع ّد التف ّوه به محض الكفر وصرف الزندقة) (‪)3‬‬

‫وهو يذكر أن سبب ه ذا الموق ف يع ود إلى أن (ه ؤالء ي رون مع ارف األنبي اء‬
‫واألولياء في ما يختص بذات الحق تع الى وأس مائه وص فاته مس اوية لمع ارف الع وام‬

‫‪ )(1‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.45‬‬


‫‪ )(2‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.45‬‬
‫‪ )(3‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.46‬‬

‫‪261‬‬
‫والنساء فيه‪ ،‬بل يظهر من هؤالء أحيانا ً ما ه و أعظم من ذل ك فيق ول أح دهم‪ :‬إن لفالن‬
‫عقائد عامية حسنة فيا ليت لنا مثلما له من العقيدة العامية‪ ..‬وهذا الكالم منه صحيح ألن‬
‫هذا المسكين يتف ّوه بهذا الكالم قد أخرج من يده العقائد العامية ويرى معارف الخ واص‬
‫وأهل هللا باطلة‪ ،‬فهذا التمني منه عينا ً كتمني الكفار) (‪)1‬‬
‫وهو يرى أن هذا السلوك ال ذي امت د لن واح كث يرة في الق رآن الك ريم‪ ،‬ن وع من‬
‫الهجران للقرآن‪ ،‬ونوع من تقديم غيره عليه‪ ،‬يقول‪( :‬إن مهجوري ة الق رآن له ا م راتب‬
‫كث يرة ومن ازل ال تحص ى‪ ،‬ولعلن ا متص فون بالعم دة منه ا‪ ،‬أت رى أنن ا إذا جلّ دنا ه ذه‬
‫الصحيفة اإللهية جلداً نظيفا ً وقيّما ً وعند قراءته ا أو االس تخارة به ا قبّلناه ا ووض عناها‬
‫على أعيننا ما اتخ ذناه مهج وراً؟ أت رى إذا ص رفنا غ الب عمرن ا في تجوي ده وجهات ه‬
‫اللغوية والبيانية والبديعية قد أخرجنا هذا الكتاب الشريف عن المهجورية؟ ه ل أنن ا إذا‬
‫تعلّمنا القراءات المختلفة وأمثالها قد ت ّخلصنا من عار هجران القرآن؟ هل أننا إذا تعلّمنا‬
‫وجوه إعجاز القرآن وفنون محسوساته قد تخلّصنا من شكوى رسول هللا ‪‬؟ هيه ات‪..‬‬
‫فإنه ليس شيء من هذه األمور مورداً لنظر الق رآن ومنزله ا العظيم الش أن‪ ،‬إن الق رآن‬
‫كتاب إلهي وفيه الشؤون اإللهية‪ ،‬والقرآن ه و الحب ل المتص ل بين الخ الق والمخل وق‪،‬‬
‫وال بد أن يوجد الربط المعنوي واالرتباط الغيبي بتعليماته بين عب اد هللا وم ربّيهم‪ ،‬وال‬
‫بد أن يحصل من القرآن العلوم اإللهية والمعارف اللدنيّة) (‪)2‬‬

‫ومن الحجب التي دعا الخميني إلى رفعها حتى يتحقق السالك بالحق ائق القرآني ة‬
‫المفس رون أو‬ ‫ّ‬ ‫[االعتقاد بأنه ليس ألحد حق االستفادة من الق رآن الش ريف إالّ بم ا كتب ه‬
‫فهموه]‪ ،‬وقد عزا هذا الحجاب إلى االشتباه الواقع بين ال دعوة القرآني ة للتفك ر والت دبّر‬
‫في اآليات الشريفة‪ ،‬م ع م ا ورد في النص وص من تح ريم التفس ير ب الرأي الممن وع‪،‬‬
‫وبناء على هذا االشتباه حصل نوع آخر من الهجران للق رآن الك ريم‪ ،‬يق ول‪( :‬بواس طة‬
‫ه ذا ال رأي الفاس د والعقي دة الباطل ة جعل وا الق رآن عاري ا ً من جمي ع فن ون االس تفادة‬
‫واتخذوه مهجوراً بالكلية في حال أن االستفادات األخالقية واإليمانية والعرفانية ال ربط‬
‫لها بالتفسير‪ ،‬فكيف بالتفسير بالرأي‪ ،‬فمثالً إذا استفاد اح د من كيفي ة م ذاكرات موس ى‬
‫مع الخضر‪ ،‬وكيفية معاشرتهما وش ّد موسى رحاله إليه مع ما له من عظمة مقام النب وّة‬
‫ألخذ العلم الذي ليس موجوداً عنده وكيفية عرض حاجته إلى الخض ر‪ ،‬وكيفي ة ج واب‬
‫الخضر واالعتذارات ال تي وقعت من موس ى [عظم ة مق ام العلم وآداب س لوك المتعلم‬
‫م ع المعلّم]‪ ،‬ولعله ا تبل غ من اآلي ات الم ذكورة إلى عش رين أدب اً؛ ف أي رب ط له ذه‬
‫االستفادات بالتفسير‪ ،‬فضالً من أن تكون تفسيراً بالرأي) (‪)3‬‬

‫ويض رب مثال آخ ر على ذل ك‪ ،‬فيق ول‪( :‬واالس تفادة من ه ذا القبي ل في الق رآن‬
‫كثير‪ ،‬ففي المع ارف مثالً إذا اس تفاد أح د من قول ه تع الى‪ْ ﴿ :‬ال َح ْم ُد هَّلِل ِ َربِّ ْال َع الَ ِمينَ ﴾‬

‫‪ )(1‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.45‬‬


‫‪ )(2‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.47‬‬
‫‪ )(3‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.48‬‬

‫‪262‬‬
‫[الفاتحة‪ ]2 :‬الذي حصر جميع المحامد هلل‪ ،‬وخصّ جميع األثنية للح ق تع الى التوحي د‬
‫األفعالي‪ ،‬وقال بأنه يستفاد من اآلية الش ريفة أن ك ل كم ال وجم ال وك ّل ع ّزة وجالل‬
‫الموجودة في العالم وتنسبها العين الحوالء والقلب المحدوب إلى الموجودات من الح ق‬
‫تعالى‪ ،‬وليس لموجود من قب ل نفس ه ش يء‪ ،‬ول ذا المحم دة والثن اء خ اص ب الحق‪ ،‬وال‬
‫ي ربط لهذا إلى التفسير حتى يس ّمى بالتفسير بالرأي أو ال يس ّمى؟‬‫يشاركه فيها احد‪ ،‬فأ ّ‬
‫إلى غير ذلك من األمور التي تستفاد من لوازم الكالم وال ربط لها بوج ه إلى التفس ير)‬
‫(‪)1‬‬
‫هذه مجرد نماذج عن دعوة الخميني إلى مركزية القرآن الكريم للتحقق بالحقائق‬
‫العرفانية النظرية والعملية‪ ،‬ونجد مثلها في سائر المجاالت‪ ،‬وهذا ما يص دق م ا ي ذكره‬
‫قادة الثورة اإلسالمية عن ثورتهم بكونها ثورة قرآنية‪ ،‬تريد أن تحيي الحق ائق القرآني ة‬
‫في الواقع‪ ،‬وتعيد لها االعتبار‪.‬‬
‫ثانيا ـ القيم األخالقية ووسائل تحقيقها في الواقع‪:‬‬
‫بناء على النتيجة التي خلصنا إليها في الجزء السابق‪ ،‬وفي الفصل الخاص بالقيم‬
‫األخالقية‪ ،‬والتي عبرنا عنه ا بقولن ا‪( :‬والنتيج ة ال تي خلص نا إليه ا‪ ،‬هي أن إي ران في‬
‫الوقت الحالي‪ ،‬تمثل ـ اجتماعيا وسياسيا وتراثيا ـ جميع القيم األخالقية النبيلة التي ج اء‬
‫اإلسالم بالدعوة إليها‪ ،‬وبذلك هي تمث ل نم وذج الت دين األص يل‪ ،‬ال ذي يعت بر األخالق‬
‫ركنا أساسيا ال يمكن االستغناء عنه‪ ..‬بل إننا لو تخلينا عن أحقادنا وقرأن ا الواق ع اإلي راني‬
‫جيدا قراءة منصفة‪ ،‬لعلمنا أن كل م ا حص ل إلي ران من ح روب وحص ار وظلم في العق ود‬
‫األخير كان نتيجة لتمسكها ب القيم األخالقي ة ال تي لم تس مح له ا أن تتخلى عن مبادئه ا ألج ل‬
‫تحقيق مصالحها‪ ،‬فهي دولة مبدئية ـ شعبا ونظاما ـ ولهذا ابتليت بكل أولئك األعداء)(‪)2‬‬
‫وذكرنا أن (الذين يقارنونه ا بغيره ا من ال دول اإلس المية‪ ،‬وخصوص ا تركي ا ودول‬
‫الخليج يخطئون كث يرا‪ ،‬ألنهم ينظ رون إلى التق دم الم ادي‪ ،‬وال ينظ رون إلى التق دم في القيم‬
‫واألخالق‪ ،‬وقد كان في إمكان إيران أن تحصل على الكثير على ما يحصل عليه غيره ا من‬
‫التقدم المادي والرخاء االقتصادي لو أنها تنازلت كم ا تن ازلت تركي ا ودول الخليج‪ ،‬لكنه ا لم‬
‫تفعل‪ ،‬وهذا ما يبرهن على مدى تغلغل القيم األخالقية في المجتمع والسياس ة اإليراني ة‪ ،‬ذل ك‬
‫أن السياسة لم تكن لتقف تلك المواقف الصلبة لوال وجود حضانة شعبية لمواقفها)(‪)3‬‬
‫بناء على هذا‪ ،‬وحتى ال نك رر م ا ذكرن اه س ابقا من األدل ة المفص لة ال تي تثبت‬
‫اهتمام المؤسسات اإليرانية الدينية والتربوية واإلعالمية باألخالق‪ ،‬ووض عها منظوم ة‬
‫تشريعية كاملة لذلك‪ ،‬نكتفي هنا ببيان اتساع مفهوم األخالق لدى قادة ثورتها‪.‬‬
‫فاألخالق عندهم ليس ت تل ك الس لوكات واآلداب الظ اهرة‪ ،‬فحس ب‪ ،‬وإنم ا تمت د‬
‫لتش مل الس لوكات الباطن ة‪ ،‬وال تي ال يمكن االطالع عليه ا م ع أهميته ا وض رورتها‪،‬‬

‫‪ )(1‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.48‬‬


‫‪ )(2‬إيران‪ :‬دين وحضارة‪ ،‬ص‪.350‬‬
‫‪ )(3‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.351‬‬

‫‪263‬‬
‫وكونها األساس الذي تقوم عليها األخالق الظاهرة‪.‬‬
‫وبما أننا ذكرنا في المبحث الس ابق رؤي ة الخمي ني للقيم الروحي ة؛ فس نذكر هن ا‬
‫رؤي ة الخ امنئي للقيم األخالقي ة‪ ،‬وإن ك ان كالهم ا من مدرس ة واح دة‪ ،‬وكالهم ا اهتم‬
‫بجميع أنواع القيم التي يقوم عليه ا النظ ام اإلي راني ابت داء من القيم الروحي ة‪ ،‬وانته اء‬
‫بالقيم األخالقية والحضارية‪.‬‬
‫فالخامنئي في كل كتبه وخطبه يركز على األبعاد األخالقي ة‪ ،‬ويعتبره ا األس اس‬
‫الذي يقوم عليه الكمال اإلنساني‪ ،‬ول ذلك ف إن المظه ر األول ال دال على رقي أي دول ة‬
‫ليس مستواها االقتصادي وال العسكري‪ ،‬وإنما رقيها ورقي شعبها األخالقي‪ ،‬يق ول في‬
‫(إن تبليغ الدِّين وتبيين الحقائق‪ ،‬الّذي يُع ّد واجب علماء اإلسالم والمبلّغين العظام‪،‬‬ ‫ذلك‪ّ :‬‬
‫يشمل اليوم ك ّل تلك األمور‪ .‬فلو أنّنا بلغنا أعلى المس تويات االقتص اديّة‪ ،‬وض اعفنا من‬
‫لكن أخالق مجتمعن ا لم تكن أخالق ا ً‬ ‫ق درتنا وع ّزتن ا السياس يّة الحاليّ ة ع ّدة أض عاف‪ْ ،‬‬
‫إسالميّة‪ ،‬وكنّا نفتقر إلى العفو والصبر والحلم وحُسن الظن‪ ،‬لساء وضعنا)(‪)1‬‬
‫ولذلك؛ فهو يرى أن األخالق هي األساس الذي تقوم عليه الدولة‪ ،‬وي رى أن من‬
‫األدوار المهمة للحكومة اإلسالمية قبل التطور المادي أن تراعي هذه الجوانب‪ ،‬يق ول‪:‬‬
‫(الحكومة اإلسالميّة تهدف إلى تربية البش ر في ه ذا الج وّ‪ ،‬لتس مو أخالقهم‪ ،‬وليكون وا‬
‫وأن يقص دوا الق رب من ه‪ ،‬فحتّى السياس ة ال بُ ّد فيه ا من قص د القرب ة‪،‬‬ ‫أقرب إلى هللا‪ْ ،‬‬
‫والقضايا السياسيّة ال بُ ّد فيها من قصد القربة‪ ،‬فمن يتح ّدث في القضايا السياسيّة‪ ،‬والّذي‬
‫يكتب عنها‪ ،‬والّذي ي ُحلِّلها‪ ،‬والّذي يتّخذ القرارات فيها‪ ،‬ال ب ُ ّد لهم من قصْ د القربة)(‪)2‬‬
‫ويبين مراده من [قصد القربة]‪ ،‬فيقول‪( :‬عن دما يبحث اإلنس ان ويُط الع األم ور‬
‫فإن وجد رض ا هللا في ه ذا األم ر عن دها يُمكن ه قص د‬ ‫وينظر إلى مدى رضا هللا فيها‪ْ ،‬‬
‫القربة)(‪)3‬‬
‫وبن اء على ه ذا‪ ،‬ي ذكر أن ه يمكن أن توض ع ال برامج ال تي تس اهم في إص الح‬
‫األخالق‪ ،‬وذلك لكونها ليست صفة الزمة ال يمكن تغييرها‪ ،‬بل هي مثل أي شيء آخر‪،‬‬
‫يمكن تغييره إن توفرت اإلرادة لذلك‪.‬‬
‫وقد أشار إلى هذا المعنى الذي قرره علماء األخالق المسلمون‪ ،‬بل أك ده الق رآن‬
‫أن يتخلّى اإلنس ان ويجتنب ك ّل رذيل ة أخالقيّ ة‪،‬‬ ‫(التحول األخالق ّي يعني ّ‬‫ُّ‬ ‫الكريم‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫ّ‬
‫وك ّل أخالق ذميمة‪ ،‬وك ّل روحيّة سيِّئة ومرفوضة‪ ،‬م ّما يوجب أذيّة اآلخرين‪ ،‬أو تخل ف‬
‫وأن يتحلّى بالفضائل والس جايا األخالقيّ ة‪ .‬ف المجتمع الخ الي من الحس د‬ ‫اإلنسان نفسه‪ْ ،‬‬
‫والض غينة والحق د‪ ،‬والمف ِّكرون الّ ذين ال يس تخدمون فك رهم في الت آمر على اآلخ رين‬
‫والتزوير والخ داع‪ ،‬والمثقّف ون وأص حاب العل وم إذا لم يس تخدموا عل ومهم في إلح اق‬
‫الض رر بالن اس ومس اعدة أع داء الن اس‪ ،‬وك ان جمي ع أبن اء المجتم ع يُري دون الخ ير‬

‫‪ )(1‬توجيهات أخالقية (ص‪.)15 :‬‬


‫‪ )(2‬توجيهات أخالقية (ص‪.)15 :‬‬
‫‪ )(3‬المرجع السابق‪( ،‬ص‪.)15 :‬‬

‫‪264‬‬
‫لبعضهم)(‪)1‬‬
‫والطريق الذي يتحقق به ذلك ـ كما يذكر ـ ه و مجاه دة النفس وض بط ش هواتها‬
‫وأهوائها لتنسجم مع الشريعة اإلسالمية انسجاما كليا‪ ،‬وهو االنسجام ال ذي يض من له ا‬
‫كل‬‫(إن اإلنس ان في أس مى ش ٍ‬ ‫التحلي بمحاسن األخالق‪ ،‬واالبتع اد عن رذائه ا‪ ،‬يق ول‪ّ :‬‬
‫وأكمل حياة هو ذلك اإلنسان الّذي يُمكنه التحرُّ ك في سبيل هللا ويرضي هللا عنه‪ ،‬والذي‬
‫ّ‬
‫ي الّ ذي يق ع أس ير‬ ‫ال تأسره شهواته‪ ،‬ذلك هو اإلنسان السالم والكامل‪ .‬أ ّما اإلنسان الما ّد ّ‬
‫ً‬
‫شهوته وغضبه وأهوائه النفسيّة وأحاسيس ه فإنّ ه إنس ان حق ير‪ ،‬مهم ا ك ان كب يرا على‬
‫الظاهر وله منصب‪ ،‬فرئيس جمهوريّة أكبر دول العالَم الّتي تمتلك أكبر ثروات الع الَم‪،‬‬
‫إذا ك ان ع اجزاً عن لجم ش هواته وقمعه ا‪ ،‬وك ان أس ير طلبات ه النفس يّة‪ ،‬فإنّ ه إنس ان‬
‫أن يتف وّق على ش هواته‪ ،‬ويط وي الطري ق‬ ‫وض يع‪ ،‬أ ّم ا اإلنس ان الفق ير الّ ذي يُمكن ه ْ‬
‫ٌ‬
‫إنسان عظيم)(‪)2‬‬ ‫الصحيح‪ ،‬أي طريق كمال اإلنسان وطريق هللا‪ ،‬فإنّه‬
‫وهو يذكر أن اإلنسان بمفرده قد ال يستطيع أن يواج ه ه ذه العقب ات ال تي تح ول‬
‫بينه وبين التخلق‪ ،‬خاصة إن كانت البيئة التي يعيش فيها تزيد وضعه األخالقي س وءا‪،‬‬
‫وله ذا ك ان إلص الح المجتم ع‪ ،‬وللدول ة‪ ،‬دوره ا الكب ير في نش ر األخالق الص الحة‪،‬‬
‫ومواجهة األخالق الفاسدة‪ ،‬وكل أنواع االنحراف‪ ،‬يقول‪( :‬األمر الّ ذي يس توقفني الي وم‬
‫واألخالق‬
‫ِ‬ ‫ي اإلس الم س عى لتث بيت القيم‬ ‫ول األك َرم ‪ ‬ه و َّ‬
‫أن ن ب َّ‬ ‫الر ُس ِ‬
‫ث حي ا ِة َ‬ ‫في بح ِ‬
‫اإلسالميّ ِة بشك ٍل كامل في المجتمع‪ ،‬ولتمتزج بروح الناس وعقائ دهم وحي اتهم وتختل ط‬
‫فيها‪ ،‬لذلك كان يُعطِّر ج ّو الحياة بالقيم اإلسالميّة‪ ،‬فق د يُص در اإلنس انُ أوام ر أو يُو ِّجه‬
‫كأن ينصح الناس ويُعلّمهم ويأمرهم ويوصيهم بحسن ال ُخلق والعفو والص بر‬ ‫توصيات‪ْ ،‬‬
‫أن ذلك‬‫واالستقامة في سبيل هللا وعدم الظلم والسعي إلقامة العدل والقسط‪ ،‬وعلى رغم ّ‬
‫لكن نب ّي اإلسالم كان يُعلّمهم دروس المعرف ة والحي اة‪ ،‬ك ان يُم ارس التعليم‬ ‫أمر الزم‪ّ ،‬‬
‫من جهة‪ ،‬ويُنفِّذ ذلك في سيرته‪ .‬فمن أجل تثبيت هذه األخالق والواجبات اإلس الميّة في‬
‫المجتمع كان يواجه العقائ د الخاطئ ة للن اس‪ ،‬ويُح ارب األحاس يس الجاهليّ ة ورواس ب‬
‫األخالق غير اإلسالميّة ويواجهها‪ ،‬ويُعطي المجتمع شحنات‪ ،‬ويم ارس في المناس بات‬
‫بشكل كامل‪ ،‬وإذا أراد أيُّ مجتمع‬ ‫ٍ‬ ‫وبأسلوب مناسب الصفة واألخالق واألسلوب الحسن‬
‫ّ‬
‫وأن يوجد األخالق اإلس الميّة الص حيحة في محيط ه‪ ،‬فإن ه يحت اج إلى ه ذا‬ ‫أن يتطوّر ْ‬
‫ْ‬
‫األسلوب)(‪)3‬‬
‫وعلى هذا األساس يفسر م ا ورد في الق رآن الك ريم من اعتب ار [التزكي ة] دورا‬
‫من أدوار رسول هللا ‪ ،‬فيقول‪(:‬ولع ّل المقصود من التزكية الّتي ُذكرت في ع ّدة آي ات‬
‫قرآنية‪ ،‬بتعبير [يُزَ ِّكي ِهم] بعد عبارة [يُ َعلِّ ُمهُ ُم] أو قبلها‪ ،‬لع ّل المقصود في هذه اآليات هو‬
‫أن‬ ‫هذا‪ ،‬أي تنقية وتطه ير وت زيين الن اس‪ ،‬ك الطبيب الّ ذي ال يكتفي بتوص ية مريض ه ْ‬

‫‪ )(1‬توجيهات أخالقية (ص‪ ،)17 :‬وهو جزء من كلمة ألقاها في عيد الربيع (‪ 3/1991 /20‬م)‬
‫‪ )(2‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪ ،18‬من خطبة الجمعة (‪ 2/1997 /1‬م)‬
‫‪ )(3‬حديث الوالية‪ ،‬ج ‪،2‬ص ‪.241‬‬

‫‪265‬‬
‫يفع ل ك ذا وك ذا‪ ،‬ب ل يض عه في مك ا ٍن خ اصٍّ ‪ ،‬ويُعطي ه م ا يلزم ه من دواء وعالج‪،‬‬
‫ويُخرج منه ما يضرّه‪ .‬هكذا ك ان وض ع الن ب ّي األك رم ‪ ‬وه ذا أس لوبه ط وال ثالث ة‬
‫وعشرين عاما ً من نبوّته‪ ،‬وخصوص ا ً خالل الس نوات العش ر الّ تي عاش ها في المدين ة‬
‫ومرحلة حكم اإلسالم وتشكيل الحكومة اإلسالميّة) (‪)1‬‬
‫وانطالقا من ذلك كله‪ ،‬القيم األخالقية عنده تنتظم في أمرين‪:‬‬
‫أولهما مراع اة أحك ام الش ريعة‪ ،‬ألنه ا من يض ع المع ايير األخالقي ة وح دودها‬
‫وموازينها‪ ،‬وليس األهواء البشرية التي قد تخلط بين الخلق الحسن والخلق السيء‪.‬‬
‫والث اني‪ :‬مراع اة اإلخالص والص دق والتج رد هلل‪ ،‬والبع د عن الري اء والعجب‬
‫والغرور‪ ،‬واألخالق البراغماتية التي تنطلق من المصالح‪.‬‬
‫وسنشرح كال المعنيين في المطلبين التاليين‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ مراعاة أحكام الشريعة ودورها في إصالح األخالق‪:‬‬
‫بناء على كون المقصد األعلى من الشريعة اإلسالمية تحقيق األخالق في الواق ع‬
‫اإلسالمي الفردي واالجتماعي‪ ،‬والسياسي واالقتص ادي‪ ،‬ب ل في ك ل مج االت الحي اة؛‬
‫فإن رعاية الشريعة‪ ،‬وعدم تجاوز حدودها هو الكفي ل وح ده بتحقي ق المس لم المتخل ق‪،‬‬
‫والمجتمع المتخلق‪ ،‬والسياسي المتخلق‪ ،‬وهكذا ال تمس الشريعة شيئا إال وأضفت علي ه‬
‫محاسن األخالق‪ ،‬وجمي ل اآلداب‪ ،‬كم ا ق ال رس ول هللا ‪( : ‬إنم ا بعثت ألتمم مك ارم‬
‫األخالق)(‪)2‬‬
‫ولهذا لم تكن عقوبة الذنوب قاصرة على تلك السيئات التي تن ال ال واقعين فيه ا‪،‬‬
‫وإنما عقوبتها األكبر في تلك األخالق السيئة التي تغرسها في المرتكب لها‪ ،‬وقد تصبح‬
‫ملكة فيه يصعب عليه االنفكاك منها‪.‬‬
‫وبما أن التقوى هي الحجاب األكبر الذي يحول بين المؤمن والوقوع في ال ذنب‪،‬‬
‫كانت هي الوسيلة األكبر لتحصيل األخالق الطيبة‪ ،‬الظاهرة منها والباطنة‪.‬‬
‫ولهذا نجد قادة الثورة اإلسالمية يركزون في كل المحال على الدعوة للتقوى‪ ،‬ال‬
‫الفردية وح دها‪ ،‬وإنم ا االجتماعي ة والسياس ية وفي ك ل مج االت الحي اة‪ ،‬ومن كلم ات‬
‫القائد الح الي للث ورة اإلس المي الس يد علي الخ امنئي قول ه في تحدي د مفه وم التق وى‪،‬‬
‫أن ي ؤ ّدي اإلنس ان جمي ع التك اليف الّ تي‬ ‫ودورها في حياة المؤمن‪( :‬معنى التّق وى ه و ْ‬
‫أن يؤ ّدي الواجب ات وي ترك المحرَّم ات‪ .‬تل ك هي أولى م راتب‬ ‫أمره هللا تعالى بأدائها‪ْ ،‬‬
‫التّقوى‪ .‬لذا ال بُ ّد من معرف ة المحرّم ات اإللهيّ ة واالبتع اد عنه ا وع دم الح وم حوله ا‪.‬‬
‫وعندما يت ُّم ترسيخ روحيّة التّقوى وتسليم القلب هلل والتعامل م ع هللا وذك ر هللا والتو ّج ه‬
‫ي الم ؤمن الج امع ّي أو ط الب العلم أو من‬ ‫والدعاء والتو ُّكل في قلب هذا الش ابّ التعب و ّ‬
‫ي الّ ذي تعج ز‬ ‫ف المرص وص والق و ّ‬ ‫ي فئ ٍة ومدينة وقرية كان‪ ،‬عندها س يُمثّلون الص ّ‬ ‫أ ِّ‬

‫‪ )(1‬المرجع السابق‪ ،‬ج ‪،2‬ص ‪.241‬‬


‫‪ )(2‬رواه أحمد ‪)8939( 2/381‬‬

‫‪266‬‬
‫والثورة)(‪)1‬‬ ‫عن ه ّزه أيُّ قوّة في العالَم‪ .‬وهو الضامن لتق ُّدم أهداف اإلسالم‬
‫وهو يذكر كل حين بأن التقوى هي الوصفة الربانية التي ال ينال الم ؤمن ثوابه ا‬
‫(إن التّق وى‪ ،‬ه ذا‬ ‫في اآلخرة فقط‪ ،‬بل ينال ثوابها في الدنيا قب ل ذل ك‪ ،‬يق ول الخ امنئي‪ّ :‬‬
‫العامل العظيم‪ ،‬تؤثِّر في جميع ميادين الحياة‪ .‬الحظوا القرآن كم أك ثر من الح ديث عن‬
‫التّقوى‪ ،‬ليس فقط عندما تموتون وتنتقلون إلى العالَم اآلخر ستنالون األج ر من هللا‪ ،‬كاّل‬
‫أن الحياة في هذه النشأة هي الّتي تصنع تلك‬ ‫فالتّقوى تُدير الحياة في هذه النشأة‪ ،‬صحيح ّ‬
‫لكن ترك التّقوى يجعل اإلنسان غافالً‪ ،‬والغفلة تلطم رأس اإلنسان باألرض)(‪)2‬‬ ‫النشأة‪ْ .‬‬
‫وانطالقا من هذا يتحدث عن آثار التقوى االجتماعية‪ ،‬ودورها في تقدم المجتم ع‬
‫وتحضره‪ ،‬فيق ول‪( :‬إذا اتّص ف الش عب أو الف رد ب التّقوى‪ ،‬فس تأتيه ك ّل خ يرات ال دنيا‬
‫واآلخرة‪ .‬فائدة التقوى ال تنحصر في كسب رضا هللا وني ل الجنّ ة اإللهيّ ة ي وم القيام ة‪،‬‬
‫فاإلنسان المتّقي يجد فائدة التّق وى في ال دنيا أيض اً‪ ،‬ف المجتمع المتّقي‪ ،‬والمجتم ع الّ ذي‬
‫يختار طريق هللا بدقّة‪ ،‬ويتحرّك في هذا الطريق بدقّة‪ ،‬فس ينال نِ َعم هللا في ال دنيا أيض اً‪،‬‬
‫وس ينال الع ّزة الدنيويّ ة أيض اً‪ ،‬وس يلهمه هللا العلم والمعرف ة بش ؤون ال دنيا أيض اً‪.‬‬
‫والمجتمع الّذي يتح ّرك في طريق التّقوى يكون ج وّه س الما ً ومفعم ا ً بالمحبّ ة والتع اون‬
‫والتنسيق بين أفراده)(‪)3‬‬
‫ويضرب لهم المثل بتأثير الذنوب حتى لو ك انت ص غيرة في حص ول الهزيم ة؛‬
‫ُقعد الذنب اإلنسان؟ مثالً في معركة‬ ‫ومن ذلك ما حصل في معركة أُحُد‪ ،‬فيقول‪( :‬كيف ي ِ‬
‫أن المس لمين‬ ‫أُحُد تحوّل االنتصار إلى هزيمة بسبب التقص ير الجم اع ّي للمس لمين‪ .‬أي ّ‬
‫ق الجب ل ليحفظ وا ظه ر‬ ‫أن يبقوا عند ش ّ‬ ‫لكن الرماة الّذين يُفترض ْ‬ ‫انتصروا في البداية‪ّ ،‬‬
‫الجبهة من النفوذ والتسلُّل‪ ،‬طمعوا بالغنائم وترك وا متاريس هم وتوجّه وا نح و الس احة‪،‬‬
‫فالتف العد ّو من الخلف ونفّذ هجومه‪ ،‬فم ّزق المسلمين وكانت هزيمة أُ ُح د بس بب ذل ك‪.‬‬ ‫ّ‬
‫وقد تح ّدثت عشرة أو اثنتا عشرة آية من سورة آل عمران عن قضيّة الهزيمة تلك‪ّ ،‬‬
‫ألن‬
‫المسلمين كانوا يعيشون اضطرابا ً شديداً بسبب تلك الهزيمة‪ ،‬وكانت ثقيلة عليهم كثيراً‪،‬‬
‫فجاءت آيات القرآن تل ك لتهبهم االطمئن ان وته ديهم‪ ،‬ولتُفهمهم س بب ه زيمتهم وس بب‬
‫ذل ك الض عف‪ ،‬إلى أن يص ل إلى اآلي ة الش ريفة‪ ﴿ :‬إِ َّن الَّ ِذينَ ت ََولَّوْ ا ِم ْن ُك ْم يَ وْ َم ْالتَقَى‬
‫ْال َج ْم َعا ِن إِنَّ َما ا ْستَزَ لَّهُ ُم ال َّش ْيطَانُ بِبَع ِ‬
‫ْض َما َك َسبُوا َولَقَ ْد َعفَا هَّللا ُ َع ْنهُ ْم إِ َّن هَّللا َ َغفُ و ٌر َحلِي ٌم ﴾‬
‫[آل عمران‪ ،]155 :‬أي ما رأيتموه في معركة أُحُد من استدبار بعضكم للع د ّو وتس بّب‬
‫داخلي‪ ،‬فق د أزلّهم‬ ‫ٍّ‬ ‫عف‬‫بالهزيمة كانت له أسبابه ومق ّدماته‪ ،‬فكان ه ؤالء يُع انون من ض ٍ‬
‫إن ذن وبهم الس ابقة ق د‬ ‫الشيطان بمساعدة األعمال الّتي كانوا قد ارتكبوه ا من قب ل‪ ،‬أي ّ‬
‫تظهر آثارها في الجبهة‪ ،‬في الجبه ة العس كريّة أو السياس يّة أو عن د مواجه ة الع د ّو أو‬
‫عن د ممارس ة البن اء أو في ممارس ة التعليم والتربي ة‪ ،‬وحيث تجب االس تقامة‪ ،‬وحيث‬

‫‪ )(1‬حديث الوالية‪ ،‬ج ‪ ،8‬ص ‪..232‬‬


‫‪ )(2‬المرجع السابق‪ ،‬ج ‪ ،6‬ص ‪..213‬‬
‫‪ )(3‬أخالق ومعنويت (فارسي)‪ ،‬ص ‪.116‬‬

‫‪267‬‬
‫أن يكون اإلنسان ك الفوالذ يقط ع ويتق ّدم وال‬ ‫يجب الفهم واإلدراك الدقيق‪ ،‬وحيث يجب ْ‬
‫ّ‬
‫تقف الموانع بوجهه‪ .‬طبعا ً تلك هي الذنوب التي لم تمحه ا التوب ة النص وح واالس تغفار‬
‫ي) (‪)1‬‬‫الحقيق ّ‬
‫ولهذا يخ اطب المس ؤولين ك ل حين من موق ع مس ؤوليته ك ولي عليهم بالدرج ة‬
‫األولى؛ يح ذرهم من أن تحي ق بهم أمث ال تل ك اله زائم بس بب تقص يرهم في تحقي ق‬
‫ي ش أن من‬ ‫التقوى؛ فيقول‪( :‬أينما كنتم‪ ،‬ومهم ا ك ان عملكم‪ ،‬وأيّ ة مس ؤولية تح ّملتم‪ ،‬وأ ّ‬
‫أن تنصبَّ ه ّمتكم في الدرجة األولى على نيل رضا‬ ‫الشؤون االجتماعيّة كان لكم‪ ،‬يجب ْ‬
‫أن تُق دموا على أداء التكلي ف‬ ‫هللا وأداء التكليف اإلله ّي‪ ،‬وذلك هو التّقوى‪ ،‬ف التّقوى هي ْ‬
‫وتحترزوا من االنحراف والضياع‪ .‬إذا وج د فيكم ه ذا الحسّ ‪ ،‬وب ذلتم اله ّم ة والس عي‪،‬‬
‫وخطوتم أوّل خطوة‪ ،‬فسي ُعينكم هللا تعالى في الخطوة التالية)(‪)2‬‬
‫ويخبرهم عن التقوى وأنها الكفيلة بكل انتص ار ونج اح يحققون ه‪ ،‬فيق ول‪( :‬كلّم ا‬
‫علت مناصبنا احتجنا إلى التّق وى أك ثر‪ .‬والتّق وى هي الّ تي تنص ر اإلنس ان في س احة‬
‫الجهاد أيضاً‪ .‬والتّق وى هي الّ تي نص رتكم في س احة المواجه ة م ع االس تكبار وخالل‬
‫سنوات الثورة حتّى انتصرتم في مثل هذه األيّام من عام ‪ 1979‬م‪ .‬لقد انتصرتم بتق وى‬
‫ذلك القائد الّذي ال يهت ّم أبداً إاّل باألوامر اإللهيّة والتكليف الشرع ّي‪ ،‬وبتق وى ك ّل واح د‬
‫منكم يا أبناء الشعب الّذين تخلّيتم عن أهوائكم ومصالحكم الشخصيّة من أجل هللا)(‪)3‬‬
‫وي ذكرهم بم ا حص ل لهم أي ام الث ورة حين تحققت فيهم التق وى؛ فمن هللا عليهم‬
‫باالنتصار‪ ،‬يقول‪( :‬تذكرون في تلك األيّ ام كي ف ت وجّهت القل وب كلّه ا باتج اه اله دف‬
‫المق ّدس‪ ،‬لم يذكر أح ٌد نفسه‪ ،‬لم يُف ِّكر أح ٌد باكتناز المال‪ ،‬لم يُف ِّكر أح ٌد بزي ادة ثروت ه‪ ،‬لم‬
‫يُف ِّكر أح ٌد بعم ٍل أو منصب‪ ،‬لم يُف ِّكر أح ٌد باستباق اآلخرين‪ ،‬بل ك لُّ واح ٍد ك ان يُف ِّكر في‬
‫أن نقوم اليوم بذلك أيضاً)(‪)4‬‬ ‫ي فيؤ ّديه‪ ،‬علينا ْ‬
‫تكليفه الشرع ّي واإلسالم ّي والثور ّ‬
‫وعندما يحلل ما حصل للغرب من مآس وانحراف عن اإلنسانية والقيم المرتبطة‬
‫بها‪ ،‬يجعل سبب ذلك في هجر التقوى‪ ،‬وعدم التزامهم به ا‪ ،‬يق ول‪( :‬التّق وى هي مفت اح‬
‫تئن من أن واع الص عاب واآلالم‬ ‫إن البشريّة الضائعة الّتي ُّ‬ ‫السعادة الدنيويّة واألخرويّة‪ّ ،‬‬
‫الشخصيّة واالجتماعيّة‪ ،‬تُعاني من سياط عدم التّق وى والغفل ة وع دم االلتف ات والغ رق‬
‫في وح ول الش هوات الّ تي أُع دت له ا‪ .‬فالمجتمع ات المتخلّف ة أمره ا معل وم‪ْ ،‬‬
‫لكن‬
‫المجتمعات المتقدِّمة الّتي تحسُّ بالسعادة في بعض نواحي حياتها بسبب تنبّهها ويقظته ا‬
‫في بعض شؤون حياتها‪ ،‬تُعاني أيضا ً من الف راغ ومن النقص المميت الّ ذي يُعبّ ر عن ه‬
‫الكتّاب والخطباء والفنّانون بمائة طريقة وتعبير)(‪)5‬‬

‫‪ )(1‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.116‬‬


‫‪ )(2‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.116‬‬
‫‪ )(3‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.116‬‬
‫‪ )(4‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.117‬‬
‫‪ )(5‬خطاب ألقاه خالل لقائه بقادة قوات حرس الثورة اإلسالميّة (‪ 9/1995 /19‬م)‬

‫‪268‬‬
‫وهكذا نرى الخميني في وصيته‪ ،‬وعند حديثه في البند الس ابع من بن ود الوص ية‬
‫عن السياس ة الداخلي ة واألح زاب واالنتخاب ات والمب ادئ ال تي تحكمه ا‪ ،‬يق ول‪( :‬من‬
‫األمور الضرورية أيضاً‪ ،‬تديّن نواب مجلس الشورى االسالمي‪ ،‬فق د رأين ا جميع ا ً أيٌ ة‬
‫إضرار محزنة لحقت باإلسالم وبإيران نتيجة عدم صالحية مجلس الشورى وانحراف ه‬
‫منذ الفترة التي تلت النهضة الدستورية وحتى عهد النظام البهلوي المجرم‪ ،‬وال تي ك ان‬
‫سواها وأخطرها عهد ذلك النظام الفاسد المفروض‪ .‬يالها من مصائب وخس ائر م دمرة‬
‫حلت بالبالد والشعب على أيدي هؤالء العبيد التافهين المجرمين‪ ،‬لقد أدى وجود أكثرية‬
‫مصطنعة مقابل أقلية مظلوم ة خالل الخمس ين عام ا ً األخ يرة ـ من العه د البائ د ـ إلى‬
‫تمكن إنجلترا واالتحاد السوفيتي وأمريكا بعد ذلك من تمرير ك ل م ا أرادوه على أي دي‬
‫هؤالء المنحرفين الغافلين عن هللا مما جر البالد الى حافة الدمار واالنهيار‪ .‬فمنذ ما تال‬
‫الحركة الدستورية لم يطبق شيء تقريبا ً من مواد الدستور األساس ية‪ ،‬وق د تم ذل ك قب ل‬
‫عهد رض ا خ ان ع بر الم أمورين للغ رب وحفن ة من الباش وات واإلقط اعيين‪ ،‬وع بر‬
‫النظام السفاك وحواشي البالط وأزالمه في عهد النظام البهلوي)(‪)1‬‬
‫وبناء على هذه التجربة القاسية التي ذكرها الخميني‪ ،‬والتي مرت بها إيران دع ا‬
‫إلى التشدد في اختيار النواب‪ ،‬واالهتمام بالتزامهم الديني واألخالقي ح تى ال يخ ترقهم‬
‫العدو‪ ،‬ويمرر مشاريعه التدميرية من خاللهم‪ ،‬يقول في ذلك‪( :‬أم ا اآلن‪ ،‬وحيث أص بح‬
‫مصير البالد ـ وبلطف هللا وعنايته وهمة الشعب العظيم ـ بأيد المواطنين أنفسهم‪ ،‬حيث‬
‫أصبح النواب منبثقين من سواد الجماهير يتم انتخابهم لمجلس الشورى اإلس المي دون‬
‫تدخل الحكومة أو الباشوات‪ ،‬فإن المؤمل أن يحول ال تزامهم باإلس الم وحرص هم على‬
‫مصالح البالد دون وقوع أي انحراف‪ ،‬لذا ف إني أوص ي أبن اء الش عب أن يص وتوا في‬
‫ك ل دورة انتخابي ة ـ حاض راً ومس تقبالً ـ لص الح المرش حين المل تزمين باإلس الم‬
‫والجمهوري ة اإلس المية انطالق ا ً من إرادتهم الص لبة وال تزامهم بأحك ام اإلس الم‬
‫وحرصهم على مصالح البالد) (‪)2‬‬
‫ثم ذك ر أن الع ادة جاري ة ب أن أمث ال ه ؤالء ال يكون ون من الطبق ة المترف ة‬
‫المستغرقة في الدنيا‪ ،‬بل يكونون من عامة الناس‪ ،‬وهم لذلك أك ثر احتكاك ا بهم‪ ،‬وأك ثر‬
‫إحساسا بحاجاتهم‪ ،‬يقول‪( :‬وال شك أن مثل هؤالء المرشحين يكونوا غالبا ً من الطبق ات‬
‫االجتماعية الوسطى ومن بين المحرومين غير المنحرفين عن الص راط المس تقيم نح و‬
‫الغرب أو الشرق‪ ،‬ومن غير الميالين نحو المدارس العقائدية المنحرفة‪ ،‬ومن المتعلمين‬
‫المطلعين على مجريات االمور المعاصرة والسياسات اإلسالمية) (‪)3‬‬
‫‪ 2‬ـ مراعاة اإلخالص ودوره في إصالح األخالق‪:‬‬
‫يعتبر اإلخالص وم ا يل زم عن ه من التج رد والص دق ركن ا أساس يا ال يمكن أن‬

‫‪ )(1‬صحيفة اإلمام‪ ،‬ج ‪ ،21‬ص‪.375 :‬‬


‫‪ )(2‬المرجع السابق‪ ،‬ج ‪ ،21‬ص‪.375 :‬‬
‫‪ )(3‬المرجع السابق‪ ،‬ج ‪ ،21‬ص‪.375 :‬‬

‫‪269‬‬
‫تقوم األخالق من دونه‪ ،‬ذل ك أن الم رائي والمعجب والمغ رور مهم ا فع ل من خص ال‬
‫يظل أسير رؤية الناس ل ه‪ ،‬أو أس ير رؤيت ه لنفس ه‪ ،‬بينم ا المخلص ينطل ق من ه الخل ق‬
‫بسهولة ويسر‪ ،‬وفي الخلوة والجلوة‪ ،‬وفي ك ل األح وال‪ ،‬ب ل ال يش عر أص ال ب ه‪ ،‬ألن ه‬
‫فطري وبديهي عنده‪ ،‬وليس فيه أدنى تكلف‪.‬‬
‫وله ذا ن رى ق ادة الث ورة اإلس المية يرك زون في خطبهم لعام ة الش عب على‬
‫اإلخالص؛ ألن ه ال يمكن أن تق وم دول ة من دون إخالص أهله ا‪ ،‬وال يمكن أن تس تقيم‬
‫عالقات المجتمع من دون أن يكون اإلخالص هو المحرك الدافع لها‪.‬‬
‫ومن األمثلة على ذلك م ا ذك ره الخمي ني في خط اب ع ام ل ه ألق اه على الق وات‬
‫المسلحة وغيره ا بع د انتص اراتها على الح رب الموجه ة على الجمهوري ة اإلس المية‬
‫اإليرانية‪( :‬ال تتوقعوا انتم أيها المق اتلون أن أك ون أن ا أو أي ش خص آخ ر ق ادرا على‬
‫تكريمكم‪ ،‬فاهلل هو الذي اشتراكم‪ ،‬حيث قدمتم كل ما تملكون حتى الروح وهي أغلى م ا‬
‫تملكون في سبيل هللا‪ ،‬سواء منكم من استش هد ولقي هللا أن ش اء هللا أو أنتم الموج ودون‬
‫هنا‪ ،‬لقد حققتم أمرين وال يستطيع أحد من البشر أن يكرمكم على ذل ك‪ ،‬األول ه و أنكم‬
‫وضعتم أعظم ما تملكون وهو الحياة على طبق اإلخالص‪ ،‬واآلخر هو أنكم قدمتم ه ذه‬
‫الهدية مخلصين؛ فاألس اس ه و اإلخالص ال ذي تجلى فيكم‪ ،‬وبه ذا اإلخالص واإليث ار‬
‫ض منتم الجمهوري ة اإلس المية‪ ،‬فاالنتص ارات ال تي تحققت على أي ديكم خصوص ا في‬
‫الفتح الم بين‪ ،‬ال يمكن قياس ها ب أي معي ار ك ان‪ ،‬وال يس تطيع أي لس ان أن يع بر عنه ا‬
‫ويص فها‪ ،‬لكن األهم من ك ل ه ذا ه و ص دقكم وإخالص كم عن د هللا تع الى‪ ،‬فاإليث ار‬
‫إخالصا أهم من كل شيء عند هللا)(‪)1‬‬
‫ويض رب لهم المث ل على قيم ة اإلخالص ودوره الج وهري في أي عم ل من‬
‫األعمال الصالحة بما ورد في قوله تعالى‪َ ﴿ :‬وي ْ‬
‫ُط ِع ُمونَ الطَّ َعا َم َعلَى ُحبِّ ِه ِم ْس ِكينًا َويَتِي ًم ا‬
‫َوأَ ِسيرًا (‪ )8‬إِنَّ َما نُ ْ‬
‫ط ِع ُم ُك ْم لِ َوجْ ِه هَّللا ِ اَل نُ ِري ُد ِم ْن ُك ْم َج زَ ا ًء َواَل ُش ُكورًا (‪ )9‬إِنَّا نَخَ افُ ِم ْن‬
‫َربِّنَا يَوْ ًما َعبُوسًا قَ ْمطَ ِريرًا ﴾ [اإلنسان‪]10 - 8 :‬‬
‫ويعلق عليها بقوله‪( :‬فاإلطعام في حد ذاته ليس شيئا مهما‪ ،‬خاص ة عن دما يك ون‬
‫بقرص من خبز الشعير‪ ،‬بل المهم أن يكون ذلك (على حبه)؛ فاإلخالص والحب اللذان‬
‫تملكانهم ا لهم ا القيم ة عن د هللا تع الى‪ ،‬وال يس تطيع أح د وص فهما‪ ،‬ألنكم تض حون‬
‫بأرواحكم‪ ،‬وهناك الكثيرون يفعلون ذل ك في أم ور منحرف ة‪ ،‬فالعم ل واح د في الش كل‬
‫لكن المعنى والفحوى يختلفان‪ ،‬والمعيار هو فحوى العمل وليس شكله) (‪)2‬‬
‫‪ .‬وهكذا يضرب لهم المثل ببطوالت اإلم ام علي‪ ،‬ومواقف ه في اإلس الم؛ فيق ول‪:‬‬
‫(السيف الذي جرده اإلمام علي‪ ،‬وضرب به ذلك الش خص وقتل ه‪ .‬ه و م ا يق ع في ك ل‬
‫مكان وقد فعل ذلك كثير من الناس ويفعلون‪ .‬والقيمة ليست هنا‪ ،‬بل القيمة هي ما كانت‬
‫في قلب علي أبي ط الب وم ا ك ان ي دور في ذهن ه ودرج ة اإلخالص ال ذي ك ان في‬

‫‪ )(1‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ ،16‬ص‪.149 :‬‬


‫‪ )(2‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ ،16‬ص‪.149 :‬‬

‫‪270‬‬
‫عمله‪ ..‬إن درجة اإلخالص هي التي جعلت تلك الض ربة أفض ل من عب ادة الثقلين‪ ،‬أي‬
‫عبادة اإلنس والجن) (‪)1‬‬
‫ثم ي دعوهم إلى المحافظ ة على نعم ة اإلخالص ال تي ال تع دلها أي نعم ة‪ ،‬ألن‬
‫جزاءها عند هللا أعظم الجزاء؛ فيقول‪( :‬يا أعزائي حافظوا على هذه النعمة التي منحكم‬
‫هللا إياها وغيركم بفضله الذاتي وبيد غيبي ة وجعلكم مخلص ين لذات ه يض حون بك ل م ا‬
‫عندهم وبأرواحهم في سبيل هللا ﴿إِ َّن هَّللا َ ا ْشتَ َرى ِمنَ ْال ُم ْؤ ِمنِينَ أَ ْنفُ َس هُ ْم َوأَ ْم َوالَهُ ْم بِ أ َ َّن لَهُ ُم‬
‫يل هَّللا ِ فَيَ ْقتُلُ ونَ َويُ ْقتَلُ ونَ َو ْع دًا َعلَ ْي ِه َحقًّ ا فِي التَّوْ َرا ِة َواإْل ِ ْن ِجي ِل‬ ‫ْال َجنَّةَ يُقَ اتِلُونَ فِي َس بِ ِ‬
‫َو ْالقُ رْ آ ِن َو َم ْن أَوْ فَى بِ َع ْه ِد ِه ِمنَ هَّللا ِ فَا ْستَب ِْش رُوا بِبَي ِْع ُك ُم الَّ ِذي بَ ايَ ْعتُ ْم بِ ِه َو َذلِ كَ هُ َو ْالفَ وْ ُز‬
‫ْال َع ِظي ُم﴾ [التوب ة‪ ،]111 :‬فالجن ة ال تي منحكم المش تري ليس ت كالجن ة ال تي يعطيه ا‬
‫لآلخرين‪ ،‬وأرجو أن تكون هذه الجنة جنة اللقاء‪ ،‬وأرجو أن يستضيفكم المشتري عنده‪،‬‬
‫حيث أن أولياء هللا في الدار اآلخرة ال يرجون غير هللا‪ ،‬حيث يصرفون النظ ر عن نعم‬
‫الجنة‪ ،‬ويرغبون في لقاء الحق تعالى‪ ،‬وأنتم حيث تض حون ب أرواحكم وتتوجه ون إلى‬
‫س احات الح رب به دف الش هادة وت دافعون عن اإلس الم وتزرع ون الي أس في ال دول‬
‫الطامعة في هذا البلد‪ ،‬إنم ا تقوم ون بعم ل قيم ونفيس ج دا‪ ،‬لكن األفض ل من ذل ك ه و‬
‫إخالصكم وإيث اركم في س بيل هللا‪ ،‬فه و أس مى من ك ل قيم ة لكم‪ .‬وال يمكن قي اس ه ذا‬
‫اإليثار واإلخالص في ميزان عالم الغيب بل يقاس ويعرف عند هللا تعالى) (‪)2‬‬
‫وهكذا نراه في حديثه مع العمال والطلبة والمسؤولين وكل الجهات ي دعوهم إلى‬
‫اإلخالص‪ ،‬والتوجه بصدق هلل‪ ،‬وعدم انتظار أي جزاء من أحد‪ ،‬ألن المكاسب الحقيقية‬
‫ال تتحقق إال لمن صدق مع هللا‪ ،‬وقصد وجهه الكريم‪.‬‬
‫وهكذا نرى خليفته الولي الفقيه المعاصر السيد علي الخامنئي ال يدع مناس بة إال‬
‫ويذكر فيه ا ب اإلخالص‪ ،‬ومن ذل ك قول ه في التعري ف ب اإلخالص وبي ان اآلث ار ال تي‬
‫أن يؤ ّدي اإلنسان عمل ه هلل ومحبّ ةً في أداء ال واجب‪،‬‬ ‫يحدثها في الواقع‪( :‬اإلخالص هو ْ‬
‫وأن ال يعمل اإلنسان من أجل هوى النفس‪ ،‬ولتحصيل الم ال وال ثروة‪ ،‬وني ل المنص ب‬ ‫ْ‬
‫والس معة وحكم الت اريخ وال دوافع النفس يّة‪ ،‬وإش باع ص فة الحس د والطم ع والح رص‬
‫أن ي ؤ ّدي واجب ه هلل وألداء ال واجب محض اً‪ ،‬ه ذا ه و مع نى اإلخالص‪،‬‬ ‫والزيادة‪ ،‬ب ل ْ‬
‫إن مثل هذا العم ل كالس يف البتّ ار يُزي ل ك ّل الموان ع عن طريق ه‪،‬‬ ‫وهكذا يتق ّدم العمل‪ّ .‬‬
‫واإلم ام الخمي ني ك ان مجهّ زاً به ذا الس الح‪ ،‬حيث قاله ا ع ّدة م رّات‪ :‬إنّي لن أغضّ‬
‫ق‪ ،‬وهك ذا ك ان حقّ اً‪ ،‬وق د‬ ‫الطرف عن أقرب المقرّبين إل ّي إذا خطوا خطوة خالف ا ً للح ّ‬
‫أن المه ّم بالنسبة إليه ه و أداء ال واجب‪ ،‬لق د أظه ر ذل ك في‬ ‫أظهر في المواقع الحسّاسة ّ‬
‫العلن وفي الوحدة‪ ،‬وفي األعمال الكبيرة والصغيرة‪ ،‬وأضحى فعله ذاك درسا ً لمريدي ه‬
‫وأبنائه وتالمذته‪ ،‬م ّما جعلهم يسطّرون المعاجز في جبهات الحرب بهذا السالح نفس ه)‬

‫‪ )(1‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ ،16‬ص‪.150 :‬‬


‫‪ )(2‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ ،16‬ص‪.150 :‬‬

‫‪271‬‬
‫(‪)1‬‬
‫ويبين لهم أن أهم مظهر لإلخالص الحقيقي أن يتج رد الش خص من نفس ه وك ل‬
‫أهوائها‪ ،‬وأن ال يقصد من العمل إال هللا‪ ،‬حتى لو نسبت أعماله وكل جهوده لغيره‪ ،‬فهو‬
‫ال يبالي ألنه لم يرد به ا إال هللا تع الى‪ ،‬ويحكي في ذل ك أن ه ق رأ عن بعض كب ار أه ل‬
‫أن جميع األعمال الّتي قام بها‬ ‫السلوك والمعرفة في رسالة له قوله‪( :‬لو افترضنا محاالً ّ‬
‫نبي اإلسالم المكرّم ‪ ‬والتي كان ينوي القيام بها‪ ،‬كان عليه أن يؤ ّديها باسم أح ٍد آخر‪،‬‬ ‫ُّ‬
‫نبي اإلسالم سيسخط من ذلك؟ وهل كان سيرفض القيام بها ألنّه ا س تت ّم باس م‬ ‫فهل كان ُّ‬
‫ي اس م‬ ‫أن تت ّم تلك األعمال‪ ،‬وليس مه ّما ً بأ ِّ‬
‫أن هدفه كان ْ‬ ‫غيره؟ هل كان األمر كذلك؟ أم ّ‬
‫ستت ّم؟ إذاً فالهدف هو المه ّم‪ ،‬أ ّما الشخص و(أنا) و(نفس ي) فليس ت مه ّم ة عن د اإلنس ان‬
‫أن هللا تع الى س يغلّب ه ذا‬ ‫المخلص‪ ،‬فلدي ه اإلخالص ولدي ه االعتم اد على هللا‪ ،‬ويعلم ّ‬
‫﴿وإِ َّن ُج ْن َدنَا لَهُ ُم ْال َغ الِبُونَ ﴾ [الص افات‪ ، ]173 :‬وكث ير من ه ؤالء‬
‫اله دف‪ ،‬ألنّ ه ق ال‪َ :‬‬
‫﴿وإِ َّن‬
‫الجنود الغ البين يس قطون ش هداء في س احة الجه اد ويرحل ون‪ ،‬ورغم ذل ك ق ال‪َ :‬‬
‫ُج ْن َدنَا لَهُ ُم ْ‬
‫الغَالِب ُونَ ﴾ ‪ ،‬فالغلبة لهم رغم ذلك) (‪)2‬‬
‫وهو يذكر في مواطن كثيرة أن كل ما تحقق إليران من انتصارات على أعدائها‬
‫الذين اجتمعوا عليها يريدون س حقها لم يتحق ق ل وال إكس ير اإلخالص والص دق ال ذي‬
‫تحلى به أبناء الش عب اإلي راني؛ فص بروا على الحص ار‪ ،‬وق دموا ك ل ش يء من أج ل‬
‫الدفاع عن وطنهم؛ فيقول‪( :‬بلطف هللا وبسبب جهاد الجماهير وإيمانهم وإخالصهم فق د‬
‫فشلت جميع الحسابات الدوليّة‪ .‬هذا هو فع ل هللا‪ ،‬وإالّ فمن الّ ذي ق ام ب ذلك؟ أنتم؟ وه ل‬
‫إن الحرك ة المخلص ة‬ ‫أن ي ّدعي أنّه قام بذلك؟ كاّل ‪ ،‬ال أحد يُمكن ه ذل ك‪ّ .‬‬ ‫هناك من يُمكنه ْ‬
‫أن انتصار الثورة اإلس الميّة ليس ألح ٍد م ا‬ ‫والجهاديّة للجميع هي الّتي فعلت ذلك‪ .‬كما ّ‬
‫أن ينسبه لنفسه‪ .‬واإلمام الخميني بعظمته وبشخصيّته وقيادته الّتي ال تُجاريها أيّة قي ادة‬ ‫ْ‬
‫ق في أعناقن ا‪ ،‬لكنّ ه لم ينس ب النص ر لنفس ه أب داً‪ .‬وإذا‬ ‫معاصرة في العالَم‪ ،‬وله كلُّ الح ّ‬
‫أن األمر كذلك‪ ،‬ألنّه كان يُش ِّكل في الحقيقة وس يلة إلهيّ ة للن اس‪.‬‬ ‫دقّقنا في األمر لوجدنا ّ‬
‫فحركة الناس العظيمة واإلخالص والتضحيات أ ّدت إلى االنتصار هنا‪ ..‬فالقدرة اإللهيّة‬
‫أن تخط وا ه ذه الخط وة ب اإلخالص والتس امح والوح دة‬ ‫طريقه ا اإلخالص‪ .‬عليكم ْ‬
‫وأن تكون النيّ ة‬ ‫واألخوّة‪ ،‬وال يتحرّك أح ٌد لنيل السلطة‪ ،‬وليتحرّك الجميع في سبيل هللا‪ْ ،‬‬
‫فإن هللا تعالى سيُبارك هذه الخطوة ويجعلها‬ ‫فإن أضحت األمور هكذا‪ّ ،‬‬ ‫هلل في ك ِّل عمل‪ْ ،‬‬
‫على أفضل وجه)(‪)3‬‬
‫وبناء على هذا يذكر أن اإلخالص هو الترياق الذي تحل به المش اكل‪ ،‬وتفتح ب ه‬
‫إن‬ ‫كل األبواب‪ ،‬وتصد به كل الهجم ات‪ ،‬يق ول‪( :‬عالج ك لِّ مش اكلنا ه و اإلخالص‪ .‬ف ْ‬
‫كان هناك إخالص فستزول كلُّ األمور الّتي تؤذي حاليا ً نظامنا ومجتمعنا‪ ،‬ف اإلخالص‬
‫‪ )(1‬توجيهات أخالقية (ص‪ ،)27 :‬والخطاب ألقاه خالل االجتماع الكبير لقوات التعبئة الشعبية ب ذكرى تش كيلها (‬
‫‪.11/1997 /25‬‬
‫‪ )(2‬توجيهات أخالقية (ص‪ ،)28 :‬والخطاب ألقاه خالل لقائه بأعضاء الحرس والتعبئة (‪ 11/1998 /22‬م)‬
‫‪ )(3‬حديث الوالية‪ ،‬ج ‪ ،6‬ص ‪.5‬‬

‫‪272‬‬
‫في العمل سيؤ ّدي إلى تعميق‬
‫الوحدة)(‪)1‬‬
‫وهو يبين أن أعظم المكاسب التي تحققت في إيران بعد الثورة ليس ذلك الوقوف‬
‫في وجه أعدائها‪ ،‬وال تحكمها في وضعها‪ ،‬وسيرها التصاعدي نحو التط ور في جمي ع‬
‫المجاالت‪ ،‬وإنما في بناء اإلنس ان‪ ،‬وتوف ير عنص ر اإلخالص في ه‪ ،‬يق ول‪( :‬هلل الحم د‪،‬‬
‫أن نتط وّر في ه ذا‬‫فإن نسبة كبيرة من هذه المع ايير موج ودة في بل دنا‪ ،‬ومن األفض ل ْ‬‫ّ‬
‫ّ‬
‫المجال‪ ،‬فالبلد الذي يمتل ك ه ذه الخص ائص‪ ،‬من طالب ه الج امع ّي إلى ت اجره ومتن وّره‬
‫وعالم ه ودولت ه‪ ،‬وبهك ذا إيم ان وداف ع ووح دة‪ ،‬فلن تتم ّكن ال أمريك ا وال عش ر ق وى‬
‫أن تنال من شعرة من رأس أحد أبنائه في مواجهته ا وع دوانها على مث ل ه ذا‬ ‫كأمريكا ْ‬
‫الشعب في ساحة السياسة الدوليّة)(‪)2‬‬
‫ه ذه بعض النم اذج عن خطاب ات وبيان ات ق ادة الث ورة اإلس المية في دور‬
‫اإلخالص في تحقي ق جمي ع المكاس ب الدنيوي ة واألخروي ة‪ ،‬وعلى جمي ع األص عدة‬
‫الشخصية واالجتماعية والسياسية والعسكرية‪ ،‬وكل المجاالت‪.‬‬
‫وهي ت بين لن ا قيم ة وج ود ال ولي الفقي ه في الدول ة‪ ،‬فه و ال يق وم فق ط ب دور‬
‫المراقبة‪ ،‬وال سن القوانين‪ ،‬وال التحكم في المؤسس ات المختلق ة‪ ،‬وإنم ا يق وم قب ل ذل ك‬
‫وبعده بدور األب الناصح‪ ،‬والشيخ الم ربي‪ ،‬والداعي ة اله ادي‪ ،‬وهي أدوار ال يمكن أن‬
‫يقوم بها أي سياسي في الدنيا‪.‬‬
‫ولذلك فإن قيمة الولي الفقيه تتجاوز بكثير ال دور السياس ي‪ ،‬فه و ليس إال ج زءا‬
‫بسيطا من وظائفه؛ فوظيفته الحقيقية هي اإلشراف الكلي على كل م ا في الدول ة ابت داء‬
‫من أفرادها بتربيتهم وتوجيههم وإص الحهم‪ ،‬وانته اء باإلش راف على ك ل المؤسس ات‬
‫بنصحها وتوجيهها وتقويم معوجها‪ ،‬وإصالح فاسدها‪.‬‬

‫‪ )(1‬المرجع السابق‪ ،‬ج ‪ ،5‬ص ‪..1990‬‬


‫العالمي (‪ 01/1996 /03‬م‪.‬‬
‫ّ‬ ‫العالمي لمقاومة االستكبار‬
‫ّ‬ ‫‪ )(2‬من بيانه بمناسبة اليوم‬

‫‪273‬‬
‫الفصل السابع‬
‫والية الفقيه‪ ..‬والقيم الحضارية‬
‫مثلم ا رأين ا االختالف الش ديد في مفه وم الجمهوري ة‪ ،‬والحري ة‪ ،‬واألخ وة‪،‬‬
‫والمساواة‪ ،‬وغيره ا من المف اهيم في الفص ول الس ابقة‪ ،‬بين رؤي ة نظ ام والي ة الفقي ه‪،‬‬
‫وغيره من األنظمة؛ فسنرى في هذا الفصل نفس ه ذا االختالف في مفه وم الحض ارة‪،‬‬
‫والقيم المرتبطة بها‪.‬‬
‫ذلك أن نظام والية الفقيه‪ ،‬يحاول الجمع بين المادة والروح‪ ،‬وبين الدين والحياة‪،‬‬
‫وبين الف رد والمجتم ع‪ ،‬بخالف س ائر األنظم ة ال تي ترك ز على الم ادة المج ردة عن‬
‫ال روح‪ ،‬أو الحي اة المج ردة عن ال دين‪ ،‬أو الف رد المج رد عن المجتم ع‪ ،‬أو المجتم ع‬
‫المجرد عن الفرد‪.‬‬
‫وله ذا نالح ط التن افر الش ديد بين النظ ام اإلي راني‪ ،‬واألنظم ة الغربي ة؛ فال ه و‬
‫يتقبلها‪ ،‬وال هي تتقبله‪ ،‬بل إنها ال تكتفي بعدم تقبله‪ ،‬وإنما تستعمل ك ل الوس ائل لحرب ه‬
‫وتشويهه‪ ،‬وتستعمل كل أدواتها لتحقي ق ذل ك‪ ،‬العتقاده ا أن انتش ار نموذج ه سيقض ي‬
‫عليه ا تمام ا‪ ،‬ألن ه يمس ك بك ل م ا تحن إلي ه البش رية من قيم‪ ،‬من غ ير أن يف رط في‬
‫مكتسبات الحضارة الحديثة‪.‬‬
‫وهو كذلك يستعمل الوسائل التي تعود عليها إلقناع جماهير ش عبه‪ ،‬أو المقتنعين‬
‫بمبادئه‪ ،‬بأن هذه الحضارة حضارة عرجاء عمي اء‪ ،‬تتكئ على الم ادة وح دها‪ ،‬وتهم ل‬
‫الروح‪ ،‬ولذلك ال يمكن أن يرجى منه ا خ ير‪ ،‬وال يمكن أن تتش رف بتخليص البش رية‪،‬‬
‫وكيف تخلصها‪ ،‬وهي نفسها تحتاج إلى من يخلصها‪.‬‬
‫وق د أش ار إلى ه ذه المع اني الس يد علي الخ امنئي‪ ،‬فق ال‪( :‬دعوتن ا هي إيج اد‬
‫حض ارة تس تند إلى المعنوي ات‪ ،‬وتعتم د على هللا وعلى ال وحي اإللهي‪ ،‬وعلى التعليم‬
‫الربّاني والهداية اإللهية‪ .‬فلو استطاعت الشعوب اإلسالمية الي وم ـ حيث إن الكث ير من‬
‫إن البش رية‬ ‫تؤس س مث ل ه ذه الحض ارة‪ ،‬ف ّ‬‫هذه الشعوب بحمد هللا استيقظ ونهض ـ أن ّ‬
‫ّ‬
‫ستصبح سعيدةً‪ .‬وهذا ما تدعو إليه الجمهورية اإلسالمية والثورة اإلسالمية‪ .‬إننا بص دد‬
‫مثل هذه الحضارة)(‪)1‬‬
‫وه و ي ذكر دائم ا أن من أه داف الث ورة اإلس المية الك برى تحقي ق الحض ارة‬
‫اإلس المية بص يغة جدي د في الواق ع‪ ،‬متوافق ة م ع اإلس الم المحم دي األص يل‪ ،‬لتك ون‬
‫نموذجا للبشرية‪ ،‬يدلها على الهداية‪ ،‬ويخلصها من آفات الحضارة الغربية‪ ،‬يق ول‪( :‬ل و‬
‫أخذنا التق ّدم من جميع األبع اد بمع نى بن اء الحض ارة اإلس الميّة الجدي دة ـ ففي النهاي ة‬
‫إن ه دف‬ ‫ق عين ّي وخارج ّي للتق ّدم وف ق المفه وم اإلس الم ّي ـ هن ا س نقول ّ‬‫يوجد مصدا ٌ‬

‫‪ )(1‬خطابات الخامنئي ‪ ،2012‬ص‪.247‬‬

‫‪274‬‬
‫شعب إيران‪ ،‬وهدف الثّورة اإلسالميّة‪ ،‬هو عبارة عن إيج اد حض ارة إس الميّة جدي دة)‬
‫(‪)1‬‬
‫ويبين المرتكزات التي تقوم عليها هذه الحضارة الجديدة‪ ،‬في ذكر أنه ا تق وم على‬
‫ركيزتين(‪:)2‬‬
‫أوالهما‪ :‬تتعلّق ب األداة والوس يلة‪ ،‬ويقص د منه ا (تل ك القيم ال تي نطرحه ا الي وم‬
‫والص ناعة‪ ،‬والسياس ة‪ ،‬واالقتص اد‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫تحت عن وان تط وّر البل د‪ :‬العلم‪ ،‬واالخ تراع‪،‬‬
‫واالقتدار السياس ّي والعسكريّ‪ ،‬والشأنيّة الدولية‪ ،‬واإلعالم وأدوات ه‪ ،‬فك ّل ذل ك ه و من‬
‫قسم أداة الحضارة ووسيلتها) (‪)3‬‬
‫وهو يذكر أن إيران لم تقص ر في تطوره ا في ه ذه الج وانب‪ ،‬بحس ب الوس ائل‬
‫والزمن المتاح‪ ،‬يقول‪( :‬لقد أُنجزت أعما ٌل كثيرة وجيّدة‪ ،‬سواء في المج ال السياس ّي أو‬
‫العلم ّي أو القضايا االجتماعيّة‪ ،‬وفي مجال االختراعات‪ ،‬وما شابه إلى ما ش اء هللا على‬
‫مستوى البلد ككل‪ .‬ففي هذا القسم المتعلّق باألداة والوسيلة‪ ،‬حصل تط ّو ٌر جيّ ٌد في البالد‬
‫ل الضغوط والحظر وأمثاله) (‪)4‬‬ ‫بالرغم من ك ّ‬
‫وثانيهما‪ :‬تتعل ق بالمض مون واألس اس واألص ل‪ ،‬ويعتبره ا الرك يزة الحقيقي ة‬
‫للحضارة‪ ،‬فيقول‪( :‬أ ّما القسم الحقيق ّي فهو تلك األمور التي تش ّكل مضمون حياتنا‪ ،‬وهو‬
‫نمط الحياة الّ تي تح ّدثنا عن ه‪ .‬فه ذا ه و القس م الحقيق ّي واألساس ّي للحض ارة‪ ،‬كقض يّة‬
‫األس رة‪ ،‬ونم ط ال زواج‪ ،‬ون وع المس كن واللب اس ونم ط االس تهالك‪ ،‬ونوعيّ ة الغ ذاء‬
‫التكس ب والعم ل‪ ،‬وس لوكنا في مح ّل‬‫ّ‬ ‫والطبخ والترفيه‪ ،‬ومسألة الخطّ‪ ،‬واللغة‪ ،‬وقض يّة‬
‫العم ل والجامع ة وفي المدرس ة‪ ،‬وفي النش اط السياس ّي وفي الرياض ة‪ ،‬وفي اإلعالم‬
‫الخاض ع إلرادتن ا‪ ،‬وفي س لوكنا م ع األب واألم‪ ،‬وم ع ال زوج واألبن اء وم ع ال رئيس‬
‫والمرؤوس والشرطة والعامل الحكوم ّي‪ ،‬وفي أسفارنا ونظافتنا وطهارتنا وسلوكنا م ع‬
‫الصديق والعد ّو واألجنب ّي‪ ،‬فك ّل هذه ترتبط بالقسم األساس ّي للحضارة التي تمثّل ص لب‬
‫حياة اإلنسان) (‪)5‬‬
‫وهو يذكر أن أحكام الشريعة تنطوي على كل م ا يرتب ط به ذا القس م‪ ،‬وتفي ب ه‪،‬‬
‫(إن الحض ارة اإلس الميّة الجدي دة ـ ذاك الش يء‬ ‫وبكل ما يحتاجه من تفاص يل‪ ،‬يق ول‪ّ :‬‬
‫ال ذي نري د التط رّق إلي ه ـ في قس مها األساس ّي تتش ّكل من ه ذه األم ور؛ فه ذه هي‬
‫المضامين األساسيّة للحياة‪ ،‬وهذا هو الشيء الذي يُعبّر عنه في المصطلح اإلس الم ّي بـ‬
‫[العقل ال ُمعاش(‪])6‬؛ فالعقل ال ُمعاش ال ينحصر بتحص يل الم ال وإنفاق ه وكيفيّ ة تأمين ه‬
‫‪ )(1‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.494‬‬
‫‪ )(2‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.494‬‬
‫‪ )(3‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.494‬‬
‫‪ )(4‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.495‬‬
‫‪ )(5‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.495‬‬
‫‪ )(6‬ويراد به‪ :‬حسن التدبير وإتقان العمل والحكمة في ابتغاء الوسيلة والتصرّف وفق مقتض يات العق ل والحكم ة‪،‬‬
‫كما رد في نهج البالغة‪ :‬أوحى هللا إلى داود عليه السالم‪( :‬إذا رأيت عاقالً فكن له خادماً)‬

‫‪275‬‬
‫وصرفه‪ ،‬كاّل ‪ ،‬فك ّل هذه السّاحة الواسعة التي ُذكرت تُع ّد من العقل ال ُمعاش‪ ،‬وتوج د في‬
‫العش رة]‪ ،‬فكت اب العش رة‬ ‫كتبنا الروائيّة األصيلة والمه ّمة أب وابٌ تحت عن وان [كت اب ِ‬
‫آيات كثيرة ناظرةٌ إلى ه ذه األم ور)‬‫ٌ‬ ‫يتناول هذه األمور‪ .‬وفي القرآن الكريم نفسه توجد‬
‫(‪)1‬‬
‫وهو يستعمل األساليب المعاص رة في ش رح ه ذا المع نى‪ ،‬في ذكر أن ه ذا القس م‬
‫يش به قس م البرمجيّ ات (‪ )software‬في ع الم الكم بيوتر‪ ،‬أم ا القس م األوّل‪ ،‬فيرتب ط‬
‫باألجهزة واألدوات‪ ،‬وهو لذلك يشبه القسم الصلب فيها (‪)hardware‬‬
‫وبناء على هذا التشبيه المبسط والبليغ في نفس الوقت يذكر أن التحضر يقتض ي‬
‫كال الركيزتين‪ ،‬وإن كانت حاجته إلى الركيزة الثانية أكبر‪ ،‬ذلك أنه ـ كم ا ي ذكر ـ (ل و‬
‫أنّنا لم نتق ّدم في هذا القسم المتعلّق بمتن الحياة‪ّ ،‬‬
‫فإن ك ّل أنواع التطوّر ال تي حقّقناه ا في‬
‫القسم األوّل ال يمكنها أن تنقذنا‪ ،‬وال يمكنه ا أن تمنحن ا األمن والطمأنين ة النفس يّة‪ ،‬كم ا‬
‫الحظتم كيف أنّها لم تتم ّكن من ذلك في الغرب‪ .‬فهناك توج د الكآب ة والي أس واإلحب اط‬
‫وال دمار ال داخل ّي وانع دام أمن الن اس في المجتم ع وفي األس رة‪ ،‬والالهدفيّ ة والعبثيّ ة‬
‫بالرغم من وج ود ال ثروة والقنبل ة النوويّ ة واألن واع المختلف ة للتط وّر العلم ّي‪ ،‬والق وّة‬
‫العسكريّة‪ .‬فأساس القضيّة هو أن نتم ّكن من إص الح الحي اة في جوهره ا ومض مونها‪،‬‬
‫ي للحضارة) (‪)2‬‬ ‫وإصالح هذا القسم األساس ّ‬
‫وه و على عكس م ا أش اد ب ه من تط ور في األس اس الم ادي من الحض ارة في‬
‫إيران‪ ،‬يرى أن األساس الثاني يحتاج إلى المزيد من الجهد‪ ،‬باعتباره أصعب الجوانب‪،‬‬
‫وأهمها‪ ،‬يقول‪( :‬بالتأكيد‪ ،‬لم يكن تط ّورنا في الثورة في هذا المجال تطوّراً ملحوظاً؛ فلم‬
‫يكن تح ّركنا في هذا المجال مشابها ً للتحرّك الّذي حص ل في القس م األوّل‪ ،‬فلم نتط وّر)‬
‫(‪)3‬‬
‫ول ذلك ي دعو إلى معالج ة األس باب والعقب ات ال تي تح ول دون تحقي ق الج انب‬
‫الثاني؛ فيقول‪( :‬يجب علينا أن نح ّدد اآلفّ ات‪ ،‬فلم اذا لم نتط وّر في ه ذا القس م؟ ‪ ..‬وبع د‬
‫كشف العل ل واألس باب ننهض لتن اول كيفيّ ة معالج ة ه ذه األم ور‪ .‬فعلى من تق ع ه ذه‬
‫المها ّم؟ إنّها تقع على عاتق النخب ـ النخب الفكريّ ة والسياس يّة ـ وعلى ع اتقكم وعلى‬
‫عاتق الشباب‪ .‬فلو ُوجد في بيئتنا االجتماعيّة الخطاب الن اظر إلى رف ع اآلف ات في ه ذا‬
‫المجال‪ ،‬يمكن االطمئنان إلى أنّنا سنحقّق تق ّدما ً جيّداً في هذا القسم‪ ،‬ب النظر إلى النّش اط‬
‫الموجود في نظام الجمهوريّة اإلسالميّة وفي شعب إيران‪ ،‬واالستعداد الحاصل‪ .‬حينه ا‬
‫سيصبح تألّق شعب إيران وانتشار الفك ر اإلس الم ّي لش عب إي ران والث ورة اإلس الميّة‬
‫اإليرانيّة في العالم أسهل‪ .‬يجب علينا أن نح ّدد اآلفات وبعدها نقوم بالعالج) (‪)4‬‬

‫‪ )(1‬خطابات الخامنئي ‪ ،2012‬ص‪.495‬‬


‫‪ )(2‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.495‬‬
‫‪ )(3‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.495‬‬
‫‪ )(4‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.496‬‬

‫‪276‬‬
‫وبذلك فإن الحضارة ـ كما يتصورها قادة الثورة اإلسالمية ـ تقوم على جن احين‪:‬‬
‫جناح العلماء والباحثين والتقنيين‪ ،‬وجن اح الفقه اء والفالس فة والمفك رين‪ ..‬فكالهم ا ل ه‬
‫دوره الكبير في هذه الحضارة‪.‬‬
‫واألم ر يش به في ذل ك نظ ام ال ولي الفقي ه نفس ه‪ ،‬وال ذي يعتم د على الحكوم ة‬
‫اإللهية‪ ،‬كما يعتمد في نفس الوقت على الجمهورية‪ ،‬والقابلية الشعبية‪.‬‬
‫ويذكر األص ناف ال تي يمكن أن ت ؤدي دوره ا في رعاي ة الج انب ال روحي من‬
‫الحضارة‪ ،‬فيقول‪( :‬النخب مسؤولون‪ ،‬وك ذلك الح وزة والجامع ة والوس ائل اإلعالميّ ة‬
‫والمنابر المختلفة ومديرو الكثير من األجهزة‪ ،‬وخصوصا ً األجهزة العامل ة في المج ال‬
‫الثقاف ّي والتربية والتعليم‪ .‬وأولئك ال ذين يخطّط ون للجامع ات أو الم دارس في المج ال‬
‫التعليم ّي هم مسؤولون في هذا المجال‪ .‬والذين يح ّددون المن اهج التعليميّ ة ومخطط ات‬
‫الكتب الدراسيّة‪ ،‬هم أيضا ً مسؤولون‪ .‬فك ّل هذه تمثّل مس ؤوليةً واح دةً ملق اة على ع اتق‬
‫الجّميع‪ .‬يجب علينا أن نس تنفر جميع ا ً ونعلي الص وت‪ .‬في ه ذا المج ال يجب علين ا أن‬
‫نعمل وأن نتحرّك) (‪)1‬‬
‫وردا على ما يذكره المغرضون الذين يري دون ع زل ال دين عن الحي اة‪ ،‬وع زل‬
‫القيم عن الحضارة‪ ،‬يذكر أنه ال يمكن أن تقوم أي حض ارة من دون أي ديولوجيا‪ ،‬ح تى‬
‫ب يدعو إلى بناء حضارة‪ ،‬يمكن ه أن‬ ‫ي شع ٍ‬ ‫لو كانت أيديولويجا مادية‪ ،‬يقول‪( :‬ال يوجد أ ّ‬
‫ب يمكن أن‬ ‫يشع ٍ‬ ‫ً‬
‫يتح رّك من دون أي ديولوجيّا‪ .‬ولم يح دث مث ل ه ذا س ابقا‪ .‬ال يوج د أ ّ‬
‫فكر أو أيديولوجيّا أو مذهب‪ .‬تلك‬ ‫ي ٍ‬ ‫يكون صانعا ً للحضارة من دون أن يكون ممتلكا ً أل ّ‬
‫األمور التي تشاهدونها اليوم‪ ،‬والتي أوجدت الحض ارة الما ّدي ة في الع الم‪ ،‬إنّم ا تحقّقت‬
‫من خالل األي ديولوجيّا‪ ،‬وق د ص رّحوا ب ذلك وق الوا نحن ش يوعيّون‪ ،‬وق الوا نحن‬
‫رأسماليّون‪ ،‬وق الوا نحن نعتق د باالقتص اد الرأس مال ّي‪ ،‬وطرح وه واعتق دوا ب ه وس عوا‬
‫نحوه‪ .‬ب الطبع لق د تح ّمل وا المت اعب ودفع وا األثم ان‪ .‬ف دون امتالك م ذهب أو فك ر أو‬
‫إيمان‪ ،‬وبدون السعي من أجله واإلنفاق عليه‪ ،‬ال يمكن صناعة الحضارة)(‪)2‬‬
‫وب ذلك ي ذكر أن ه على من يري د أن يب ني حض ارة جدي دة أن يمتل ك قب ل ذل ك‬
‫أيديولوجيا صحيحة وقوية ومبتكرة يمكنه أن يجعلها أساسا لتحضره‪ ،‬ذلك أن ه ال يمكن‬
‫أن تقوم حضارة شعب يعتم د على غ يره‪ ،‬أو يقل د غ يره تقلي دا م ذال‪ ،‬يق ول‪( :‬ب الطّبع‪،‬‬
‫بعض ال ّدول مقلّدة‪ ،‬إذ أخذ من الغرب ومن صنّاع الحضارة الما ّديّة شيئا ً وش ّكل حيات ه‬
‫إن هؤالء من الممكن أن يصلوا إلى بعض أن واع التق ّدم‪ ،‬وإلى تق ّد ٍم‬ ‫على أساسه‪ .‬أجل‪ّ ،‬‬
‫شكل ّي وسطح ّي‪ ،‬ولكنّهم مقلّدون وليسوا صنّاع حضارة‪ ،‬فهم فاقدون للج ذور وعرض ةً‬
‫لآلفات‪ .‬فلو حصل إعصا ٌر ما ف إنّهم س يزولون ألنّهم فاق دون للج ذور‪ .‬وباإلض افة إلى‬
‫أنّهم بن وا أعم الهم على التقلي د‪ ،‬والتقلي د س يطيح بهم‪ ،‬فهم س ينالون‪ ،‬بعض من افع‬
‫لكن جمي ع آفاته ا‬‫الحض ارة الما ّديّ ة الغربيّ ة دون أن يك ون الكث ير منه ا من نص يبهم‪ّ ،‬‬

‫‪ )(1‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.496‬‬


‫‪ )(2‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.499‬‬

‫‪277‬‬
‫وأضرارها ستكون من نصيبهم‪ .‬أنا ال أريد أن آتي على ذكر أسماء الدول‪ .‬هناك بعض‬
‫ي في كلم اتهم‬ ‫الدول ال تي يطرحه ا بعض مثقّفين ا كنم اذج تُحت ذى في النم ّو االقتص اد ّ‬
‫وكتاب اتهم‪ .‬أج ل‪ ،‬من الممكن أنّهم ق د حص لوا على ص ناعة‪ ،‬وحقّق وا تق ّدما في مج ا ٍل‬
‫ي أو في مج ا ٍل علم ٍّي وص ناع ّي‪ ،‬لكنّهم مقلّ دون أ ّوالً‪ ،‬وق د ُوس مت جب اههم بمذلّ ة‬ ‫ماد ّ‬
‫التقلي د وش ينه‪ .‬وباإلض افة إلى ه ذا‪ ،‬ف إنّهم يع انون من جمي ع آف ات الحض ارة الماديّ ة‬
‫للغرب‪ ،‬ولكنّهم فاقدون ألكثر منافعها‪ .‬واليوم نرى الحضارة الماديّة الغربيّة تظه ر م ا‬
‫أوجدته من مشاكل للبشريّة وألتباعها)(‪)1‬‬
‫وهو يقصد بهذا أولئ ك ال ذين ينف رون من ال دين‪ ،‬ويتص ورون أن ه حج اب دون‬
‫تحقيق الحضارة‪ ،‬أو يختصرون دورهم في الشؤون البسيطة التي ال عالقة لها بالحياة‪،‬‬
‫يقول‪( :‬في يومن ا ه ذا وفي البيئ ات الثقافيّ ة‪ ،‬يوج د أش خاصٌ يح ّذروننا من الش عارات‬
‫بأشكال وطرق مختلفة‪ ،‬ويش ّككون بمرحلة ذروة الشعارات الدينيّة التي حص لت‬ ‫ٍ‬ ‫الدينيّة‬
‫في السنوات العشر التي تلت الثورة‪ ،‬وهم اليوم يوهمون أنفسهم بشأن تكرار الشعارات‬
‫والش عارات الثوريّ ة واإلس الميّة‪ ،‬ويري دون أن يلق وا ه ذه األوه ام في قل وب‬ ‫ّ‬ ‫الدينيّ ة‬
‫ف وموج ٌع لل رأس‪ ،‬ويس تتبع الحظ ر‬ ‫إن ه ذا مكل ٌ‬ ‫اآلخ رين ويقول ون‪ :‬أيّه ا الس يّد ّ‬
‫والتهديدات‪ .‬وإذا أحسنا الظّ ّن بهم‪ ،‬نقول إنّهم لم يط العوا الت اريخ؛ فل و ك انوا ق د ق رأوا‬
‫التّاريخ‪ ،‬واطّلعوا على ما جرى وم ا ب دأت ب ه الحض ارات وانطلقت من ه‪ ،‬ومنه ا ه ذه‬
‫الحضارة الماديّة الغربيّة التي تري د الي وم أن تس يطر على الع الم‪ ،‬لم ا ق الوا مث ل ه ذه‬
‫الكالم)(‪)2‬‬
‫وهو يحذر هؤالء الدعاة التنويري ون أو الح داثيون من اآلف ات ال تي تعترض هم‪،‬‬
‫(إن المجتم ع دون مب ادئ ودون‬ ‫وتعترض هذا الصنف المشوه من الحض ارة؛ فيق ول‪ّ :‬‬
‫مذهب ودون إيمان يمكن أن يصل إلى الثروة والقدرة‪ ،‬لكنّه عندما يبلغهما فإنّ ه يص بح‬
‫وإن قيم ة اإلنس ان الج ائع هي أه ّم من الحي وان الش بعان؛‬ ‫حيوان ا ً ش بعانَ ومقت دراً‪ّ .‬‬
‫فاإلسالم ال يريد هذا‪ ،‬اإلسالم يؤيّد اإلنسان ال ذي يح وز على أم ور وه و مقت در وه و‬
‫شاك ٌر وعب ٌد هلل‪ ،‬فيمرّغ جبهة العبوديّة بالتراب‪ .‬اإلنس انيّة واالقت دار والعبوديّ ة هلل‪ ،‬ه ذا‬
‫ما يريده اإلسالم‪ .‬يريد أن يصنع إنساناً‪ ،‬ويوجد أنموذجا ً لصناعة اإلنسان) (‪)3‬‬
‫وهو يذكرهم بالعولمة التي تمارسها الحضارة الغربي ة ال تي ي دعون إليه ا؛ فهي‬
‫تستعمل كل الوسائل للقضاء على هويات الشعوب‪ ،‬وتخليصها من القيم ال تي تحكمه ا‪،‬‬
‫وأحسن مثال على ذلك ـ كما يذكر ـ ه و م ا حص ل للش عوب ال تي رض يت لنفس ها أن‬
‫إن تقليد الغ رب بالنّس بة لل ّدول ال تي استحس نت ه ذا‬ ‫تصير تابعة ذليلة للغرب‪ ،‬يقول‪ّ ( :‬‬
‫التقليد لنفسها وعملت به‪ ،‬لم يعد عليها إاّل بالضرر والفاجعة‪ ،‬بم ا في ذل ك ال ّدول ال تي‬
‫وص لت بحس ب الظ اهر إلى الص ناعات واالختراع ات وال ثروة لكنّه ا ك انت مقلّ دة‪.‬‬
‫‪ )(1‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.499‬‬
‫‪ )(2‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.500‬‬
‫‪ )(3‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.501‬‬

‫‪278‬‬
‫أن ثقافة الغرب هي ثقافة هجوميّة‪ .‬ه ذه الثقاف ة هي ثقاف ةٌ إلب ادة الثقاف ات‪.‬‬ ‫والسبب هو ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫فأينما جاء الغربيّ ون أب ادوا الثقاف ات المحليّ ة‪ ،‬واجتث وا األس س االجتماعيّ ة‪ ،‬وغيّ روا‬
‫تاريخ الشعوب ولغاتها وحروفها (خطوطها) ما استطاعوا) (‪)1‬‬
‫وهو يضرب المثل على ذل ك بم ا فعل ه اإلنكل يز ال ذين حيثم ا حل وا (ب ّدلوا لغ ة‬
‫الناس المحليّ ة إلى اإلنكليزيّ ة‪ ،‬وإذا ُوج دت اللغ ة المناس بة‪ ،‬ف إنّهم ك انوا يجتثّونه ا من‬
‫الجذور‪ .‬ففي شبه القارّة الهنديّة كانت اللغة الفارس يّة هي اللغ ة الرس ميّة لع ّدة ق رون‪..‬‬
‫إلى أن جاء اإلنكليز ومنعوا اللغة الفارسيّة بالقوّة في الهن د‪ ،‬وروّج وا للغ ة اإلنكليزي ة)‬
‫(‪)2‬‬
‫وهك ذا ـ كم ا ي ذكر ـ فع ل الفرنس يّون حين راح وا هم أيض ا ً يفرض ون اللغ ة‬
‫الفرنسيّة في ك ّل الدول التي ك انت تحت اس تعمارهم‪ ،‬ومثلهم البرتغ اليّون والهولن ديّون‬
‫واإلسبانيّون‪( ،‬فأينما ذهبوا فرضوا لغاتهم‪ ،‬وه ذا م ا يمكن تس ميته بالثقاف ة الهجوميّ ة‪.‬‬
‫فإن ثقافة الغرب هجوميّة‪ ،‬أينما استطاعوا‪ ،‬اجتثّوا أسس الثقافات والعقائد) (‪)3‬‬ ‫لهذا‪ّ ،‬‬
‫وهي باإلضافة إلى هجومياتها وهيمنته ا واجتثاثه ا لهوي ات الش عوب‪ ،‬حض ارة‬
‫مادية‪( ،‬تجعل األذهان واألفكار ما ّديّة‪ ،‬وتن ّمي النزعة الما ّدي ة‪ ،‬وتجع ل الم ال وال ثروة‬
‫ي من األذهان)(‪)4‬‬ ‫هدف الحياة‪ ،‬وتجتث المبادئ السامية والقيم المعنويّة والرق ّي الروح ّ‬
‫ونتيجة لذلك ال تراعي هذه الحضارة القيم الدينية واألخالقية‪ ،‬فهي ـ كما ي ذكر ـ‬
‫تجعل (المعصيّة أمراً عاديّاً‪ ،‬وكذلك اآلثام الجنسيّة‪ ،‬وقد جلب هذا الوضع في يومنا هذا‬
‫العار للغرب‪ ،‬في البداية‪ ،‬ك ان األم ر في إنكل ترا‪ ،‬ث ّم انتق ل إلى بعض ال ّدول األخ رى‬
‫وأمريك ا‪ .‬فأص بحت ه ذه المعص ية الك برى المتعلّق ة بالش ذوذ الجنس ّي قيم ةً‪ ،‬ويت ّم‬
‫ّ‬
‫الشاذين! انظ روا إلى‬ ‫االعتراض على السياس ّي الفالن ّي ألنّه يخالف الشذوذ أو يعارض‬
‫أين يص ل االنحط اط األخالق ّي‪ ،‬ه ذه هي الثقاف ة الغربيّ ة‪ .‬ك ذلك هن اك تف ّك ك األس رة‬
‫وانتشار المشروبات الكحوليّة والمخ ّدرات) (‪)5‬‬
‫بناء على هذا‪ ،‬نحاول في هذا الفصل ومن خالل ما طرحه قادة الثورة اإلسالمية‬
‫التع رف على القيم ال تي تق وم عليه ا الحض ارة الجدي دة ال تي دع وا إليه ا‪ ،‬وذل ك في‬
‫المجاالت السياسية واالقتصادية والتربوية والعلمي ة والفني ة‪ ،‬باعتباره ا أهم المج االت‬
‫التي تظهر فيها القيم الحضارية‪.‬‬
‫أوال ـ الجانب السياسي وقيم الحضارة‪:‬‬
‫رأينا في الفصول السابقة تص ورات النظ ام اإلي راني للج انب السياس ي‪ ،‬وم دى‬
‫استقالليتها وتفردها عن كل أنظمة العالم في القديم والحديث؛ فهي تم زج بين الحاكمي ة‬

‫‪ )(1‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.501‬‬


‫‪ )(2‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.502‬‬
‫‪ )(3‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.502‬‬
‫‪ )(4‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.504‬‬
‫‪ )(5‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.505‬‬

‫‪279‬‬
‫اإللهية مع الجمهورية والقابلية الش عبية‪ ،‬وتم زج بين ال دعوة للحري ة‪ ،‬في نفس ال وقت‬
‫الذي تدعو فيه إلى االنضباط والمسؤولية‪ ،‬وهكذا في كل الشؤون نرى تفردها وتميزها‬
‫وإبداعها‪ ،‬وهو أساس من األسس التي تقوم عليها الحضارة‪ ،‬فالحضارة إبداع ال تقلي د‪،‬‬
‫وال تبعية‪.‬‬
‫وباإلضافة إلى ذلك كله؛ ف إن أهم القيم الحض ارية ال تي تحكم الج انب السياس ي‬
‫لدى النظام اإليراني هي العدالة‪ ،‬ذلك أن العدالة بحسب ما تدل عليه النصوص المقدسة‬
‫ك خَ لِيفَ ةً‬ ‫هي أساس الحكم‪ ،‬كما قال تعالى مخاطبا داود عليه السالم‪ ﴿ :‬يَادَا ُوو ُد إِنَّا َج َع ْلنَا َ‬
‫يل هَّللا ِ إِ َّن الَّ ِذينَ‬
‫ُض لَّكَ ع َْن َس بِ ِ‬ ‫ق َواَل تَتَّبِ ِع ْالهَ َوى فَي ِ‬ ‫اس بِ ْال َح ِّ‬‫ض فَ احْ ُك ْم بَ ْينَ النَّ ِ‬ ‫فِي اأْل َرْ ِ‬
‫ب ﴾ [ص‪]26 :‬‬ ‫يل هَّللا ِ لَهُ ْم َع َذابٌ َش ِدي ٌد بِ َما نَسُوا يَوْ َم ْال ِح َسا ِ‬ ‫ضلُّونَ ع َْن َسبِ ِ‬
‫يَ ِ‬
‫ولهذا نرى قادة الثورة اإلسالمية يركزون في خطاباتهم على ضرورة العدل في‬
‫كل المجاالت‪ ،‬بل يدعون شعبهم إلى مراقبة كل حركة وق انون‪ ،‬ومحاس بة من يم ارس‬
‫أي جور أثناء أدائه لصالحياته‪.‬‬
‫ونحب في ه ذا المق ام أن نقتبس بعض األفك ار والنص وص من محاض رة قيم ة‬
‫لمرشد الثورة اإلسالمية الحالي السيد علي الخ امنئي ألقاه ا في الملتقى الث اني لألفك ار‬
‫اإلستراتيجية‪ ،‬عام ‪ 1431‬هـ‪ ،‬والتي استهلها بذكر مدى اهتمام األديان والنخبة المفكرة‬
‫أن العدالة كانت ه ّما ً دائما ً للبشر عبر التاريخ‪ .‬ونتيجة‬ ‫بالعدالة؛ فقال‪( :‬إحدى هذه النقاط ّ‬
‫الشعور بالحاجة إلى العدالة التي عمت جميع الناس على م ّر الت اريخ وإلى يومن ا ه ذا‪،‬‬
‫دخل مف ّكرو البشرية والفالسفة والحكم اء في ه ذه المقول ة وأض حت م ورد اهتم امهم‪.‬‬
‫لهذا ت ّم البحث بشأن العدال ة والعدال ة االجتماعي ة من األزمن ة القديم ة وإلى يومن ا ه ذا‬
‫أن م ا‬ ‫لكن دور األدي ان ك ان دوراً اس تثنائياً‪ .‬أي ّ‬ ‫بهذا المعنى العام‪ ،‬وقُ ّدمت النظريات‪ّ ،‬‬
‫ذكرت ه األدي ان ع بر األزمن ة ح ول العدال ة وأرادت ه واهت ّمت ب ه ك ان منقط ع النظ ير‬
‫واستثنائياً‪ .‬ومثل هذا االهتمام الذي أولته األديان ال نشاهده في آراء الحكماء والعلم اء)‬
‫(‪)1‬‬
‫وهو يبين نتيجة لذلك أن العدالة هدف األديان النهائي‪ ،‬على خالف ما يعتقد دعاة‬
‫العلمانية من اقتصار األديان على الشعائر التعبدية‪ ،‬و الشؤون الشخص ية‪ ،‬يق ول معلق ا‬
‫َاب َو ْال ِمي َزانَ لِيَقُ و َم النَّاسُ‬ ‫ت َوأَ ْنزَ ْلنَا َم َعهُ ُم ْال ِكت َ‬
‫على قوله تعالى‪﴿ :‬لَقَ ْد أَرْ َس ْلنَا ُر ُسلَنَا بِ ْالبَيِّنَا ِ‬
‫أن ه دف إرس ال الرس ل‬ ‫أن ه ذه اآلي ة تحكم ب ّ‬ ‫بِ ْالقِ ْس ِط ﴾ [الحدي د‪( :]25 :‬من المؤ ّك د ّ‬
‫أن القي ام بالقس ط وك ّل م ا‬ ‫كب ّ‬ ‫وإنزال الكتب ومجيء البيّنات هو القيام بالقس ط؛ وال ش ّ‬
‫يتعلّق بالحياة الدنيوية واالجتماعية والفردي ة للنّ اس‪ ،‬ه و مق ّدم ة ل ذاك اله دف المتعلّ ق‬
‫ُون﴾ [ال ذاريات‪ ، ]56 :‬أي العبودي ة‪ ،‬أي‬ ‫س إِاَّل لِيَ ْعبُ د ِ‬ ‫ت ْال ِج َّن َواإْل ِ ْن َ‬‫ب الخلق ﴿ َو َم ا َخلَ ْق ُ‬
‫إن ه ذه العبودي ة نفس ها تُع ّد أعلى‬ ‫ه دف الخلق ة ص يرورة اإلنس ان عب داً هلل‪ ،‬حيث ّ‬
‫الكماالت‪ .‬إالّ أنّه للوصول إلى ذاك الهدف‪ ،‬الذي ه و ه دف النب وّات وإرس ال الرّس ل‪،‬‬

‫‪ )(1‬خطابات الخامنئي ‪ ،2011‬ص‪.151‬‬

‫‪280‬‬
‫النظام) (‪)1‬‬
‫يحتاج إلى العدالة وبناء‬
‫ويستدل لهذا بكون األنبياء عليهم الصالة والسالم ـ كما يصورهم الق رآن الك ريم‬
‫ـ ك انوا دائم ا في ص ف المستض عفين والمظل ومين‪ ،‬بخالف أع دائهم ال ذين ك انوا من‬
‫ير إِاَّل قَ ا َل‬ ‫﴿و َم ا أَرْ َس ْلنَا فِي قَرْ يَ ٍة ِم ْن نَ ِذ ٍ‬
‫الطواغيت والمترفين والمأل؛ كما قال تع الى‪َ :‬‬
‫ُم ْت َرفُوهَا إِنَّا بِ َما أُرْ ِس ْلتُ ْم بِ ِه َكافِرُونَ ﴾ [سبأ‪ ،]34 :‬وقد علق عليه ا الخ امنئي بقول ه‪( :‬فم ا‬
‫ترفون وك ان الن ب ّي يُح اربهم‪ ،‬وهك ذا ك ان ح ال‬ ‫بي إال وك ان في مقابل ه ُم َ‬ ‫نج د من ن ٍّ‬
‫إن‬‫الممسكين بالقدرة وأصحاب السلطة‪ .‬والطاغوت له معنى يشمل جميع هؤالء‪ .‬لهذا ف ّ‬
‫األنبياء كانوا دائما ً إلى جانب المظلوم في الصراع بين الظالم والمظلوم؛ فكانوا ينزلون‬
‫إلى الميدان من أجل العدالة وي ُحاربون؛ وهذا ما ال نظير له) (‪)2‬‬
‫ويقارن بين الدور الذي قام به األنبياء وورثتهم في الدعوة للعدالة‪ ،‬والدور ال ذي‬
‫قام به الفالسفة والمفكرون‪ ،‬ويرى أن دور الفالس فة والمفك رين أحق ر بكث ير‪ ،‬ذل ك أن‬
‫األنبياء وورثتهم لم يكتف وا ب الكالم‪ ،‬وإنم ا نزل وا للمي دان‪ ،‬وض حوا بأنفس هم في س بيل‬
‫ذلك‪ ،‬بخالف غيرهم‪ ،‬يقول‪ :‬لقد تح ّدث الحكم اء عن العدال ة‪ ،‬ولكنّهم في أوق ات كث يرة‬
‫كانوا مث ل كث ير من المف ّك رين المختلفين ال ذين يكتف ون ب الكالم ولكنّهم ال ي نزلون إلى‬
‫الميدان عندما يحين دور العمل‪ .‬وقد شاهدنا مثل هذا في مرحلة المواجهة [ضد الش اه]‬
‫وأيضا شاهدناه بعد ذلك في مرحلة الدفاع المق ّدس‪ .‬وهذا ما نشاهده تقريبا ً الي وم أيض اً‪.‬‬
‫لم يكن األنبياء هكذا‪ ،‬بل كانوا ينزلون إلى الميدان ويُعرّضون أنفسهم للخطر‪ ،‬حتى أنّه‬
‫ص لُوا‬ ‫في الوقت الذي كانوا يقولون لهم لماذا تقفون إلى ج انب الطبق ات المظلوم ة‪ ،‬انفَ ِ‬
‫َري أَ ْعيُنُ ُك ْم لَ ْن‬‫عنهم؛ ك ان األنبي اء يواجه ونهم‪ .‬فاآلي ة الش ريفة‪َ ﴿ ،‬واَل أَقُ و ُل لِلَّ ِذينَ تَ ْزد ِ‬
‫ي ُْؤتِيَهُ ُم هَّللا ُ خَ ْيرًا هَّللا ُ أَ ْعلَ ُم بِ َما فِي أَ ْنفُ ِس ِه ْم إِنِّي إِ ًذا لَ ِمنَ الظَّالِ ِمينَ ﴾ [ه ود‪ ]31 :‬تتح ّدث عن‬
‫ج واب الن بي ن وح لمعارض يه هي في ه ذا المج ال أيض اً‪ .‬ل ذا‪ ،‬فأولئ ك ال ذين ك انوا‬
‫محرومين من العدالة كانوا أوّل من ي ُؤمن باألنبياء أيضاً) (‪)3‬‬
‫وما ذك ره الخ امنئي ه و نفس م ا ذك ره الخمي ني عن د رده على ال ذين ص وروا‬
‫الثورة اإلسالمية أنها ثار قام بها الشيوعيون وحصد ثمارها اإلسالميون‪ ،‬أو قولهم ب أن‬
‫الدين أفيون الشعوب‪ ،‬ولذلك كانت مواجهتة للشيوعية ال تقل عن مواجهته للرأسمالية‪.‬‬
‫ومن أقواله في ذلك‪( :‬إن شبابنا يُخ دعون بص ورة عفوي ة دون االلتف ات إلى م ا‬
‫يقوله هؤالء وما هو ه دف المدرس ة الش يوعية ال تي يعرفونه ا مثاًل ! أن ه دف ه ؤالء‬
‫إظهار اإلسالم والمسلمين بص ورة يرت د به ا الش باب عن اإلس الم! يظه رون اإلس الم‬
‫وكأنه جاء لسيطرة األعيان واالش راف على رق اب الن اس دون أن يعترض وا‪ ،‬والح ق‬
‫لهم فهم لم يقرؤوا القرآن ليدركوا لماذا ج اء اإلس الم‪ ،‬ذل ك أن الحجم الكب ير من آي ات‬
‫القتال الواردة يشير إلى أن اإلسالم قد أعلن حرب ه ض د ه ؤالء الرأس ماليين واألعي ان‬

‫‪ )(1‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.151‬‬


‫‪ )(2‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.152‬‬
‫‪ )(3‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.153‬‬

‫‪281‬‬
‫الناس)(‪)1‬‬ ‫والملوك والسالطين‪ ،‬ال أنه سايرهم ليسلبوا‬
‫وراح يذكر األمثلة الكثيرة التي اتفق على ت دوينها المؤرخ ون؛ فق ال‪( :‬لق د ك ان‬
‫نبي اإلسالم وأئمته وعلماؤه دائم ا ً في ن زاع م ع س الطين عص رهم‪ ،‬إن ال ذين ك انوا‬
‫ملوكا ً باسم الخلفاء سجنوا االمام موس ى بن جعف ر عش ر س نين أو خمس عش رة س نة‪،‬‬
‫لماذا؟ هل ألنه كان يصلي؟! لقد كان ه ارون والم أمون يص ليان أيض اً‪ ،‬وكان ا يؤ ّم ان‬
‫صالة الجمعة والجماعة! فهل قبض وا علي ه ألن ه من أحف اد الن بي أو ألن ه إم ام؟! ه ل‬
‫القضية هذه؟! كاّل ‪ ،‬بل ألن االمام موسى بن جعفر كان يخالف ذلك النظ ام الط اغوتي!‬
‫وكانت معارضته له سببا ً لمشاكله) (‪)2‬‬
‫وهكذا يذكر الكثير من الثورات التي حصلت في التاريخ‪ ،‬والتي قام به ا العلم اء‬
‫والصالحون‪ ،‬والذين لم يقرأ عنهم الش يوعيون‪ ،‬ولم يعرف وا التض حيات ال تي ق دموها‪،‬‬
‫يقول‪( :‬كما لدينا في عصرنا عدة ثورات قام به ا العلم اء‪ .‬العلم اء ال ذين يتح دث عنهم‬
‫اليساريون والمنحرفو بأنهم أعوان البالط! وال غرابة في ذلك فهم لم يدرس وا‪ ،‬وليس ت‬
‫آذانهم مفتوحة ليعلموا كم مرة ثار علماء اإلسالم في عهد رضا شاه وعهد محمد رض ا‬
‫شاه‪ ،‬حيث كان يجتمع علم اء أص فهان وآذربيج ان ومش هد وقم ويُعلن ون اعتراض هم‪،‬‬
‫فهل كان أولئك من أعوان البالط؟!)(‪)3‬‬
‫وه و ي ذكر أن أمث ال ه ذه ال دعايات ال تي تص ور العلم اء بص ورة المخ درين‬
‫للش عوب‪ ،‬وال تي تعتم د على أف راد مح دودين منح رفين عن ال دين الص حيح دعاي ات‬
‫مغرضة اله دف منه ا إبع اد اإلس الم عن الحكم بحج ة منافات ه للعدال ة‪ ،‬وه و يخ اطب‬
‫هؤالء بالدعوة إلى الرجوع إلى مصادر الدين وممثليه الحقيق يين‪ ،‬يق ول‪( :‬انظ روا إلى‬
‫زعماء هذه المدارس الفكرية‪ ،‬فكيف كان يعيش الرسول ‪ ‬الذي جاء بهذه المدرسة؟!‬
‫وكيف كان يعيش أمير المؤمنين علي خليفة الرسول ‪ ‬الح ق؟! ش اهدوا حيات ه كي ف‬
‫كانت بالرغم من أن حكومته كانت تشمل رقعة واسعة تعادل عدة أض عاف إي ران‪ ،‬من‬
‫الحجاز إلى أقصى إفريقي ا! وكي ف ك ان يقض ي يوم ه وكي ف ك ان ليل ه وكي ف ك انت‬
‫عبادته‪ ،‬وكيف كانت رعايته للناس وكيف كان مع الض عفاء؟! ك ان يح زن إذا م ا أك ل‬
‫هو خبز الشعير خشية أن يكون هناك شخص على الحدود‪ ،‬وفي اليمامة‪ ،‬ليس لدي ه من‬
‫الطعام ما يكفيه!)(‪)4‬‬
‫ويقارن هذه المواقف بما عليه حال زعماء الشيوعية ال ذين يك ذبون على الن اس‬
‫حين يص ورون أنفس هم دع اة للعدال ة؛ فيق ول‪( :‬إن ه ؤالء الرؤس اء ال ذين خ دعوكم‬
‫ُمتخمون من كثرة األكل! فذلك قائد الصين الذي يد ّعي الش يوعيون أن ه محبّ لإلنس ان‬
‫وقائد الجماهير! حينما دخل إيران قد م ّر فوق جماجم الن اس وأش الء قتالن ا! فالش اه لم‬
‫‪ )(1‬صحيفة اإلمام‪ ،‬ج‪ ،4‬ص‪.69 :‬‬
‫‪ )(2‬صحيفة اإلمام‪ ،‬ج‪ ،4‬ص‪.69 :‬‬
‫‪ )(3‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ ،4‬ص‪.70 :‬‬
‫‪ )(4‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ ،4‬ص‪.70 :‬‬

‫‪282‬‬
‫يتمكن من السير معه في الشوارع اليصاله إلى محل اقامته‪ ،‬الن الجم اهير لم يس محوا‬
‫له بالمرور وسط تظاهراتهم وهتافاتهم الم وت لفالن‪ .‬ل ذا اض طر إلى نقل ه بالمروحي ة‬
‫إلى محل اقامته‪ .‬فمثل هذا الشخص الذي يقول‪ :‬إننا شيوعيون واننا نفعل للجماهير ك ذا‬
‫وكذا‪ ،‬يرى كل هذه االفواج من القتلى غير أنه يتجاهل ذلك ويأتي ويضع يده بيد الشاه)‬
‫(‪)1‬‬
‫ويذكر بعض م ا عايش ه من خ داع الش يوعيين؛ فيق ول‪ ( :‬م ا زلت ات ذكر جي داً‬
‫عندما جاء رؤساء الحلفاء إلى ايران‪ ،‬فقد ج اء تشرش ل بس يارته ووص ل روزفلت في‬
‫مراسم اعتيادية‪ ،‬غير أن ستالين جاء ببقرته كي ال يشرب حليبا ً غير حليبها‪ ،‬هذا ال ذي‬
‫يأتي ببقرته كانت جيوشه منتش رة في المن اطق االيراني ة المحاذي ة لالتح اد الس وفيتي‪،‬‬
‫وقد رأيت بنفس ي في الطري ق إلى خراس ان كي ف أن جن وده ك انوا ي أتون ويس تجدون‬
‫السجارة‪ ،‬وكيف أن وضعهم كان مزري للغاية) (‪)2‬‬
‫ويخاطب المتأثرين بالشيوعية‪ ،‬والذين تصوروا أنها تطالب حقيقة بالعدالة قائال‪:‬‬
‫(أش هد هللا أنهم يخ دعونكم! إنهم خ دعوا أبناءن ا ال ذين ج اءوا إلى الخ ارج‪ ،‬أن أولئ ك‬
‫االفراد الذين يعيشون في إيران وأك ثر ال ذين يعيش ون هن ا ليس وا بش يوعيين‪ ،‬إنهم من‬
‫رجال األمن‪ ،‬ولذلك رفعوا شعارات شيوعية في مقبرة بهشت زهراء‪ ،‬وكشفهم الناس‪،‬‬
‫وقالوا لهم أنتم جئتم من األمن إلى هنا‪ ،‬فطردوهم‪ ،‬يري دون ارس ال جماع ة من ه ؤالء‬
‫الموظفين إلى الجامعة أيضاً‪ ،‬ليرفعوا الشعارات الشيوعية ويرعبوا الناس! حتى يقولوا‬
‫إذا ذهب (صاحب الجاللة) ستضطرب الدنيا بعد ذل ك! وتص بح إي ران ش يوعية! كال‪،‬‬
‫فإذا ذهب سيتحسن وضع إيران تحسنا ً كبيراً‪ ،‬ويكون قد ذهب من ك ان مس يئا ً إلي ران‪،‬‬
‫وإيران تستطيع إدارة نفسها بنفسها!) (‪)3‬‬
‫وبناء على هذا يص ر جمي ع ق ادة الث ورة اإلس المية على أن الق ائمين الحقيق يين‬
‫بالثورة في إيران هم اإلسالميون‪ ،‬وذلك ردا على ما كان ينشره المغرضون وال زال وا‬
‫عن ك ون الث ورة اإليراني ة ك انت ش يوعية‪ ،‬تالعب به ا اإلس الميون‪ ،‬وحولوه ا إلى‬
‫صفهم‪.‬‬
‫يقول الخميني في خطاب طويل في بداية انتص ار الث ورة اإلس المية مح ذرا من‬
‫تسلل الشيوعيين وغيرهم إليها‪ ،‬ليحرفوها عن مسارها‪( :‬إن العالمة ال تي تعرف ون به ا‬
‫الخ ارجين عن مس يركم‪ ،‬الخ ارجين عن مس ير ه ذا الش عب ال ذي ض حى في س بيل‬
‫اإلسالم‪ ،‬هو أن تالحظوا هؤالء الذين قدموا دماءهم‪ ،‬شبابنا ال ذين نزل وا إلى الش وارع‬
‫ونس اءنا الالتي ن زلن إلى الش وارع وتظ اهروا وقض وا بقبض اتهم المحكم ة على ه ذا‬
‫العدو القوي‪ .‬البد من مالحظة هؤالء وأنهم هل ك انوا ديمقراط يين؟ ه ل ك ان م ذهبهم‬
‫وطريقهم ديمقراطياً؟ هل كانوا يريدون جمهورية مثل الجمهورية التي يري دها االتح اد‬

‫‪ )(1‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ ،4‬ص‪.70 :‬‬


‫‪ )(2‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ ،4‬ص‪.70 :‬‬
‫‪ )(3‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ ،4‬ص‪.70 :‬‬

‫‪283‬‬
‫السوفييتي؟ هل كانوا يتطلعون إلى الجمهورية التي تري دها س ائر ال دول المعادي ة لن ا؟‬
‫أمريكا جمهورية أيضاً‪ .‬أن شعبنا الذي بذل دمه ونادى (هللا أكبر)‪ ،‬ونادى (الجمهوري ة‬
‫اإلسالمية)‪ ،‬فهل هذه التض حية والف داء وب ذل ال دماء ك انت ب وحي في اإلس الم‪ ،‬أم أن‬
‫األهداف التي يسعى إليها االتحاد السوفييتي ك انت هي ال دافع؟ أم أن ال ذي دفع ه ل ذلك‬
‫هي تلك األهداف التي تسعى إليها أمريكا؟ أم كانت أهداف إسرائيل هي المحرك؟ فه ذه‬
‫أيضا ً جمهوريات)(‪)1‬‬
‫وذكر أن أهداف الثورة كانت واضحة منذ البداية‪ ،‬وأنه ا لم تتالعب‪ ،‬ولم تخ ادع‬
‫أحدا‪ ،‬قال‪( :‬لقد أعلنت منذ البداية ورفعت صوتي بأننا نريدهاتين الكلمتين (الجمهوري ة‬
‫اإلس المية)‪ ،‬إذا رأيتم أنهم ق د أض افوا كلم ة أخ رى ف اعلموا أن مس يرهم مخ الف‬
‫لمسيركم‪ .‬حتى ولو وضعوا إلى جانبه ا كلم ة اإلس المية ف إنهم يري دون خ داعكم‪ .‬وإذا‬
‫رأيتم أنهم قد أسقطوا كلمة وقالوا (الجمهورية) فاعلموا أن مسيرهم مخ الف لمس يركم‪،‬‬
‫إنهم يريدون استدراجكم إلى ما يخالف اإلسالم‪ .‬حتى لو فرضنا أنهم معارضين للنظ ام‬
‫السابق ـ وأكثرهم كذلك ـ ولكن هدفنا لم يكن مج رد القض اء على النظ ام الس ابق‪ .‬ليس‬
‫هدف المسلم القضاء على الطائفة الفالنية مثاًل ‪ .‬لقد عارضنا النظام ألنه كان حائاًل دون‬
‫تحقق اإلسالم‪ ،‬دون تحقق أحكام اإلسالم‪ ،‬دون العمل بالقرآن‪ .‬لو أن النظام ك ان يعم ل‬
‫بأحكام اإلسالم‪ ،‬لما كان هناك نزاع بيننا‪ ..‬لقد بُذلت تلك الدماء ال من أجل القضاء على‬
‫النظام فحسب وإنم ا من أج ل تط بيق اإلس الم‪ .‬أن اله دف من إزال ة األنظم ة الفاس دة‪،‬‬
‫وقطع أيدي األعداء هو أن تصبح إي ران دول ة إس المية‪ ،‬حكوم ة إس المية‪ ،‬وأن تك ون‬
‫سياساتها سياس ة إس المية‪ .‬ل و ك ان اله دف ينحص ر فق ط في إزال ة الحكوم ة والنظ ام‬
‫السابق ومجيء نظام آخر غير إسالمي‪ ،‬لكانت دماء شبابنا قد ذهبت هدراً‪ .‬ألننا نك ون‬
‫نحن الذين قمنا به ذه الث ورة وحطمن ا ه ذا الس د‪ ،‬فيم ا ج اء اآلخ رون وحص دوا ثم ار‬
‫تضحيات أبناء شعبنا)(‪)2‬‬
‫ثم يصرح بقوة‪ ،‬بأن كل من ينادي بش عار غ ير ش عار اإلس الم‪ ،‬أو بعدال ة غ ير‬
‫عدالة اإلسالم‪ ،‬فهو معاد للثورة اإلسالمية‪ ،‬يقول‪( :‬إن عدونا لم يتمثل في محم د رض ا‬
‫خان فحسب‪ ،‬بل إن كل من لم يكن مسيره مسير اإلسالم فهو عدو لنا مهما ك ان اس مه‪.‬‬
‫كل من يطالب بالجمهورية بمعزل عن اإلسالم فهو عدو لنا ألنه عدو لإلسالم‪ .‬ك ل من‬
‫يضع إلى جانب الجمهورية اإلسالمية كلم ة الديمقراطي ة فه و ع دولنا‪ .‬ك ل من ين ادي‬
‫بالجمهورية الديمقراطية فهو عدولنا‪ ،‬ألنه ال يريد اإلسالم‪ .‬إننا نريد اإلسالم‪ .‬لقد ق ّدمنا‬
‫كل هذه التضحيات‪ ،‬وخاض شبابنا كل هذا الصراع وتحمل وا المت اعب واآلالم وب ذلوا‬
‫الدماء‪ ،‬ألنهم ينشدون اإلسالم‪ .‬إن الذي دفع بهذه الثورة إلى األم ام ه و ذاك ال ذي ك ان‬
‫يقول‪ :‬إنني أرى الشهادة فوزاً عظيماً‪ .‬ه ل ك ان ي رى الش هاة ف وزاً للديمقراطي ة؟ ه ل‬
‫يرى اإلنسان الشهادة فوزاً لليسار أو لليمين؟ هل كان شبابنا يطالبون بالجمهوري ة على‬

‫‪ )(1‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ ،7‬ص‪.328 :‬‬


‫‪ )(2‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ ،7‬ص‪.329 :‬‬

‫‪284‬‬
‫نسق ما موج ود في االتح اد الس وفييتي‪ ،‬ه ل ك انوا ينش دون الجمهوري ة ال تي يري دها‬
‫الش يوعيون ول ذلك ك انوا ين ادون به ا تبع ا ً لهم؟! ه ل ق ّدمنا ال دماء من أج ل تل ك‬
‫الجمهورية؟! هل بذلنا ال دماء من أج ل جمهوري ة غربي ة؟! لق د ب ذلنا ال دماء من أج ل‬
‫اإلسالم‪ .‬بذل شبابنا الدماء من أج ل اإلس الم‪ .‬أنتم أيه ا الش باب ال ذين ق دمتم من مك ان‬
‫بعيد‪ ،‬تجشمتم عناء السفر وجئتم إلى هنا‪ ،‬هل جئتم لتلتقوا مع ديمق راطي؟! لتلتق وا م ع‬
‫من يميل إلى االتحاد السوفييتي؟! لتلتقوا مع أمريكي؟! بريط اني؟! أم جئتم لتلتق وا م ع‬
‫المسلم؟ لتلتقوا مع من يدعو إلى اإلسالم؟ تحملتم كل هذه المش قة لتلتق وا م ع روس ي؟!‬
‫لتلتقوا مع بريطاني؟! لتلتقوا مع ألماني؟! إنكم لم تأتوا إلى هنا من أج ل ذل ك‪ ،‬لق د جئتم‬
‫إلى شخص تك ون آالم ه آالمكم‪ .‬إنن ا جميع ا ً ننش د اإلس الم‪ .‬الب د من االنتب اه إلى ذل ك‬
‫والتعرف على عالئمه التي ذكرتها‪ .‬مايريده هو ماتريدونه‪ .‬يجب أن تعرفوه‪ ،‬وعالمت ه‬
‫هي هذه التي ذكرتها)(‪)1‬‬
‫وهكذا كانت القيم اإلسالمية في المج ال السياس ي هي الحاكم ة من ذ البداي ة على‬
‫مسيرة الثورة اإلسالمية وتصوراتها‪ ،‬فهي لم تخلط معه ا ال ش رقا وال غرب ا‪ ،‬ولم تتبن‬
‫أي فك ر يك ون منافس ا أو ب ديال عن الفك ر اإلس المي األص يل‪ ،‬يق ول الخمي ني‪( :‬إن‬
‫مسيرهم غير مسيرنا‪ .‬إن مسيرنا اإلسالم‪ ،‬إننا نريد اإلسالم‪ .‬فنحن النريد الحري ة ال تي‬
‫ال إسالم فيها‪ .‬إننا ال نريد اإلستقالل الذي ال إس الم في ه‪ ،‬إنن ا نري د اإلس الم‪ .‬إنن ا نري د‬
‫الحري ة في ظ ل اإلس الم‪ ،‬ونري د االس تقالل في ظ ل اإلس الم‪ .‬م اذا تفي دنا الحري ة‬
‫واالستقالل إذا كانتا بمعزل عن اإلسالم؟ عندما ال يكون اإلسالم مطروح اً‪ ،‬وعن دما ال‬
‫يكون نبي اإلسالم مطروحاً‪ ،‬عندما ال يكون ق رآن اإلس الم مطروح اً‪ ،‬فل و ك ان هن اك‬
‫ألف لون للحرية فإننا ال نريدها‪ ،‬فالدول األخرى عندها حريات أيضاً)(‪)2‬‬
‫ويقول محذرا‪( :‬إنهم يريدون تأسيس دولة غربية لكم فتكونون أحراراً وتكون ون‬
‫مستقلين أيضاً‪ ،‬ولكن على أن ال يكون هللا مطروحاً‪ ،‬وال الن بي‪ ،‬وال إم ام العص ر‪ ،‬وال‬
‫القرآن‪ ،‬وال أحكام هللا‪ ،‬وال الصالة‪ ،‬وال أي شيء آخر‪ .‬هل تعتبرون الش هادة ف وزاً لكم‬
‫لتكونوا مثل السويد‪ ،‬أم أنكم تنشدون القرآن؟ لقد نهضتم من أجل اإلس الم‪ .‬إن ك ل ه ذه‬
‫المعاناة والمشقة التي تحملها ويتحمله ا علم اء ال دين إنم ا هي من أج ل اإلس الم‪ .‬أينم ا‬
‫قالوا (الجمهورية) فاعلموا أن هناك مؤامرة حيث لم يذكروا اس م اإلس الم‪ .‬أينم ا ق الوا‬
‫(الجمهورية الديمقراطية) فاعلموا أن هناك م ؤامرة ‪ ،‬واعلم وا أنهم يري دونها من دون‬
‫اإلسالم‪ ،‬الحرية من دون اإلسالم‪ ،‬االستقالل من دون اإلسالم)(‪)3‬‬
‫ويؤكد الخامنئي بعد سنوات طويلة من هذا الخطاب الصريح الذي ألقاه الخمي ني‬
‫على أن الثورة اإلسالمية حافظت على أصالتها‪ ،‬وعلى القيم التي جاء بها اإلسالم‪ ،‬ولم‬
‫تتبن أي منهج آخر‪ ،‬بل إنها تسير في مسار تصاعدي لتحقيق ذلك بصورة ترفع الواق ع‬

‫‪ )(1‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ ،7‬ص‪.329 :‬‬


‫‪ )(2‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ ،7‬ص‪.329 :‬‬
‫‪ )(3‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ ،7‬ص‪.330 :‬‬

‫‪285‬‬
‫إلى المستوى اإلسالمي بعيدا عن كل التوجهات‪.‬‬
‫(ن العدالة في ثورتن ا اإلس المية ال تي ك انت حرك ة ديني ة ك انت‬ ‫يقول في ذلك‪ّ :‬‬
‫بشكل طبيعي في موقع ممتاز‪ ،‬واآلن هي ك ذلك‪ .‬وه ذه الموقعي ة المميّ زة مش هودة في‬
‫الش عارات الش عبية‪ ،‬وفي الدس تور‪ ،‬وفي كلم ات اإلم ام الراح ل‪ ،‬وفي الخطاب ات‬
‫المقطعي ة‪ ،‬وفي األزمن ة المختلف ة‪ ،‬وفي المواق ف المختلف ة ال تي أعلنته ا الجمهوري ة‬
‫اإلسالمية)(‪)1‬‬
‫وهو يؤكد مثلما فعل الخميني على أن مفهوم في العدالة ال ذي تتبن اه الجمهوري ة‬
‫اإلس المية ليس ه و بالض رورة ذل ك المفه وم ال ذي يتبن اه الغ رب‪ ،‬ألن الغ رب ل ه‬
‫تصوراته الخاصة المبنية على الفلسفة المادية التي تعزل الدين‪ ،‬وال ترى له أي أثر في‬
‫(إن توجّه الرؤي ة اإلس المية إلى العدال ة يختل ف م ع تو ّج ه النُظُم‬
‫توجيه الحياة‪ ،‬يقول‪ّ :‬‬
‫والنظريات الغربية‪ .‬ففي اإلسالم تنشأ العدال ة من الح ق‪ ،‬باإلض افة إلى ه ذا يوج د في‬
‫أن التوجّه نحو العدالة في اإلسالم يُع ّد وظيف ة إلهي ة‪ ،‬في حين ّ‬
‫أن‬ ‫العدالة الوجوب‪ ،‬أي ّ‬
‫األم ر في الم ذاهب الغربي ة ليس ك ذلك‪ .‬في الم ذاهب الغربي ة تُط رح العدال ة بأش ٍ‬
‫كال‬
‫مختلفة؛ ففي االش تراكية تط رح بنح و‪ ،‬وفي الليبرالي ة بنح و آخ ر م ع ك ّل التط وّرات‬
‫واألشكال المختلفة لهذه الم ذاهب‪ .‬وفي جمي ع ه ذه الم ذاهب لم يكن النظ ر إلى العدال ة‬
‫نظراً بنيويا ً وأساسيا ً ومبنيا ً على القيم األصولية كما هو الحال في الدين واإلسالم)(‪)2‬‬
‫هذه بعض تصورات قادة الثورة اإلسالمية لمفهوم العدال ة والقيم المرتبط ة به ا‪،‬‬
‫والمصادر التي تستند إليها‪ ،‬وعلى أساس هذا المفهوم ق امت التش ريعات والق وانين في‬
‫النظام اإليراني‪ ،‬والتي لم تستند للشرق‪ ،‬وال للغرب‪ ،‬وإنما استندت للشريعة اإلسالمية‪،‬‬
‫كما رأينا بعضها في الفصول السابقة‪ ،‬ورأينا تل ك الض جة ال تي تث ار عليه ا ك ل حين‪،‬‬
‫والتي ال يبالي بها النظام اإليراني‪ ،‬ألنه يعلم أن تلك الض جة ليس له ا من ه دف س وى‬
‫تحويل الجمهورية اإلسالمية اإليرانية إلى الجمهوري ة الديمقراطي ة اإليراني ة‪ ،‬ومن ثم‬
‫يتسلطون عليها‪ ،‬مثلما تسلطوا على كل الديمقراطيات في العالم‪.‬‬
‫ثانيا ـ الجانب االقتصادي وقيم الحضارة‪:‬‬
‫مثلما رأينا دفاع قادة الثورة اإلسالمية عن العدالة وفق الرؤية اإلسالمية‪ ،‬ن راهم‬
‫في الجانب االقتصادي أيضا يتبنون نفس الرؤية؛ فهم لم يتبنوا منذ اليوم األول‪ ،‬بل قبله‬
‫بكث ير‪ ،‬أي نم وذج لالقتص اد ع دا نم وذج االقتص اد اإلس المي المب ني على القيم‬
‫األخالقية‪ ،‬وليس على الجشع الرأسمالي‪ ،‬وال االستبداد الشيوعي‪.‬‬
‫يقول الخميني في وصيته السياسية‪( :‬من األمور التي تستلزم التوصية والت ذكير‬
‫هي أن اإلسالم ال يتف ق م ع نظ ام الرأس مالية الظ الم المتس يّب‪ ،‬والم ؤدي إلى حرم ان‬
‫الجماهير المظلومة المسحوقة‪ .‬ب ل يدين ه بق وّة في الكت اب والس نة‪ ،‬ويعت بره معارض ا‬

‫‪ )(1‬خطابات الخامنئي ‪ ،2011‬ص‪.153‬‬


‫‪ )(2‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.156‬‬

‫‪286‬‬
‫االجتماعية)(‪)1‬‬ ‫للعدالة‬
‫وهو يرد بشدة على بعض الفقهاء‪ ،‬وخصوصا السلفيين منهم ممن تميل م واقفهم‬
‫وأطروح اتهم إلى النظ ام االقتص ادي الرأس مالي بإباح ة الملكي ة المطلق ة‪ ،‬يق ول‪..( :‬‬
‫ورغم وجود بعض ذوي الفهم المنحرف‪ ،‬والجاهلين بطبيعة نظام الحكومة اإلس المية‪،‬‬
‫وبالمسائل السياسية الموجودة في اإلسالم‪ ،‬الذين كانوا وال يزالون يوح ون في أق والهم‬
‫وكتاباتهم أن اإلسالم يؤي د الرأس مالية والملكي ة (الخاص ة) دون ح ّد أو حص ر‪ ،‬وبه ذا‬
‫الفهم المع و ّج عن اإلس الم يغطّ ون على وج ه اإلس الم الن يرّ‪ ،‬ويمه دون الس بيل‬
‫للمغرضين وأعداء اإلسالم كي يطعنوا باإلسالم‪ ،‬ويعت بروه نظام ا ً كالنظ ام الرأس مالي‬
‫الغ ربي الس ائد في أميرك ا وبريطاني ا وس ائر البل دان الغربي ة الجش عة‪ ،‬ه ؤالء‬
‫(المغرضون) يستندون إلى أقوال وأفعال أولئ ك الجهل ة عن قص د أو عن بالدة‪ ،‬ودون‬
‫الرجوع إلى علماء اإلسالم الحقيقيين‪ ،‬فيهبون لمعارضة اإلسالم) (‪)2‬‬
‫وهكذا يرد على الذين يصورون االقتصاد اإلسالمي بص ورة النظ ام الش يوعي؛‬
‫فيقول‪( :‬ليس اإلسالم أيضا ً كالنظام الشيوعي‪ ،‬والماركسي الليني ني ال ذي ينفي الملكي ة‬
‫الفردية‪ ،‬ويعلن مفهوم االشتراك (في كل شيء) على اختالف كبير بين هذا المفهوم في‬
‫العصور القديمة والحديثة‪ ،‬والذي ينطوي على دكتاتورية واستبداد ساحق) (‪)3‬‬

‫وفي مقابل ذلك ي ذكر أن النظ ام االقتص ادي اإلس المي (نظ ام متع ادل يع ترف‬
‫بالملكية ويحترمها مع تحديد السبل الحصول على الثروة وسبل إنفاقها‪ .‬ول و طب ق ه ذا‬
‫النظام حق التطبيق ألدى إلى دفع عجلة االقتص اد الس ليم إلى األم ام‪ ،‬ولتحققت العدال ة‬
‫االجتماعية التي يستلزمها أي نظام سليم) (‪)4‬‬
‫وبن اء على ه ذا ي رى أن النظ ام اإلس المي‪ ،‬تحت مظل ة والي ة الفقي ه‪ ،‬ل ه من‬
‫الصالحيات ما يمكن أن يصحح األوضاع في حال تحول األغني اء إلى ال ثراء الف احش‬
‫الذي يهدد المجتمع بالطبقية‪ ،‬وخاصة إن كان ذلك الثراء قد حصل من طرق مختلط ة‪،‬‬
‫يقول‪( :‬اإلسالم أكثر معرفة بالفقراء والمعوزين منه باألثرياء والمترفين‪ .‬وكم ا ذك رتم‬
‫ق غ ير‬ ‫فإن هؤالء أصحاب رؤوس األموال الضخمة‪ ،‬انما جمعوا هذه األموال من طر ٍ‬
‫مش روعة‪ ،‬واإلس الم ال يع ترف رس ميا ً بهك ذا أم وال‪ ،‬ف األموال في اإلس الم يجب أن‬
‫تكون مشروعة ومح دودة بح ٍد بحيث إن زادت عن ه ورأى الح اكم الش رعي أو ال ولي‬
‫الفقيه عدم صالح ذلك‪ ،‬يمكنه أخذ هذا المقدار الزائ د والتص رف ب ه‪ .‬فمن مه ام والي ة‬
‫الفقيه هي تحديد هذه األمور‪ ،‬ولكن المؤس ف أن مفكرين ا لم ي دركوا بع د حقيق ة والي ة‬
‫الفقيه‪ .‬ففي نفس الوقت الذي اعتبر الش ارع المقّ دس الملكي ة الشخص ية حق ا ً محترم ا‪ً،‬‬
‫ولكن أعطى الولي الفقيه الحق في تحديدها وإن كانت مشروعة‪ ،‬ومص ادرة الب اقي إذا‬

‫‪ )(1‬وصية اإلمام السياسية‪ ،‬ص‪.71‬‬


‫‪ )(2‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.71‬‬
‫‪ )(3‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.72‬‬
‫‪ )(4‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.72‬‬

‫‪287‬‬
‫ذلك)(‪)1‬‬ ‫ما اقتضت مصلحة اإلسالم والمسلمين‬
‫وهكذا نرى الخميني يدعو الفقهاء والمفكرين واالقتصاديين إلى استنباط الحل ول‬
‫التي تحقق القيم الحضارية اإلسالمية في المجال االقتص ادي في الواق ع بعي دا عن ك ل‬
‫الت أثيرات الخارجي ة‪ ،‬معتم دين على اإلس الم وح ده‪ ،‬يق ول‪( :‬إح دى المس ائل المهم ة‬
‫األخرى التي تقع على عاتق العلماء والفقهاء هي مواجهة الثقاف ة االقتص ادية المنحط ة‬
‫للشرق والغرب ومجابهة السياسات االقتصادية للرأس مالية واالش تراكية في المجتم ع)‬
‫(‪)2‬‬
‫ويبين أن التبعية ألحد النظامين الرأسمالي أو الش يوعي لن ينتج عن ه إال التبعي ة‬
‫واالستعمار االقتصادي‪ ،‬يقول‪( :‬إن استشرت هذه المصيبة وشملت جمي ع الش عوب في‬
‫العالم مما يفرض عليهم عبودية جدي دة‪ ،‬ف التحقت أغلب المجتمع ات البش رية بأس يادها‬
‫الظلمة في الحياة اليومية‪ ،‬فسلب منهم حق اتخاذ القرار في الش ؤون االقتص ادية‪ ،‬فعلى‬
‫الرغم من امتالكهم ثروات طبيعية غزيرة وأك ثر األراض ي خص وبة في الع الم ومي اه‬
‫وبحار وغابات واحتياطيا ً الينضب من ذل ك‪ ،‬ابتل وا ب الفقر الم دقع‪ ،‬س لب الش يوعيون‬
‫والمموهون والرأسماليون حق المبادرة من عامة الن اس بإقام ة العالق ات الحميم ة م ع‬
‫المس تكبرين‪ ،‬وأمس كوا عماًل بزم ام االقتص اد الع المي بإح داث ش ركات احتكاري ة‬
‫ومتعددة الجنس يات‪ ،‬وجعل وا جمي ع س بل التص دير واالس تخراج والتوزي ع والع رض‬
‫والطلب باالضافة الى التسعير والص ناعة المص رفية تختص بهم‪ ،‬وأوهم وا الجم اهير‬
‫المحروم ة عن طري ق إيح اءاتهم ودراس اتهم الملفق ة بأنّ ه الس بيل لهم إال العيش تحت‬
‫سيطرتهم أو االستسالم للفق ر م دى الحي اة‪ ،‬وه ذا مقتض ى الخلق ة للمجتم ع االنس اني‪،‬‬
‫حيث يتضور أغلب الناس جوعا ً وتصاب ثلة منهم بالتخمة من االفراط باألكل) (‪)3‬‬
‫ثم يبين أن هذه الخدع التي يستعملها الغرب قصد السيطرة على ال دول المتخلف ة‬
‫المستضعفة قد انطلى على أكثر بالد العالم اإلسالمي‪ ،‬والتي راحت تس لم نفس ها للنظم‬
‫الغربية‪ ،‬تاركة النظام اإلسالمي الممتلئ بالعدالة‪ ،‬يقول‪( :‬على أي ة ح ال‪ ،‬تل ك مص يبة‬
‫فرضها المستكبرون على البشرية فآل المآل بالدول االسالمية الى هذا الوضع المزري‬
‫نتيج ة ض عف االدارة والتبعي ة للغ ير‪ ،‬وهن ا ت برز أهمي ة قي ام العلم اء والمحققين‬
‫والمتخصص ين االس الميين باس تبدال النظ ام االقتص ادي المزي ف الس ائد في الع الم‬
‫االسالمي ببرنامج بناء ومتضمن لمصالح المحرومين والمضطهدين إلخراج المسلمين‬
‫والمستضعفين من دائرة الفقر) (‪)4‬‬
‫وإضافة إلى هذه المفاهيم والقيم المرتبطة باالقتص اد اإلس المي ـ كم ا يتص وره‬
‫الخميني ـ نرى الخامنئي يع رض مفهوم ا جدي د‪ ،‬أو قمي ة حض ارية اقتص ادية جدي دة‪،‬‬

‫‪ )(1‬صحيفة اإلمام‪ ،‬ج‪ ،10‬ص‪.352 :‬‬


‫‪ )(2‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ ،20‬ص‪.375 :‬‬
‫‪ )(3‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ ،20‬ص‪.375 :‬‬
‫‪ )(4‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ ،20‬ص‪.375 :‬‬

‫‪288‬‬
‫يسميها [االقتصاد المقاوم]‪ ،‬وذلك بعد أن رأى االستكبار الع المي‪ ،‬وبع د فش له في ك ل‬
‫مخططاته في مواجهة النظام اإلسالمي في إيران‪ ،‬راح يس تعمل الحص ار االقتص ادي‬
‫وسيلة لذلك‪.‬‬
‫وهذا االقتص اد يعتم د بالدرج ة األولى على (دعم مختل ف الوح دات االنتاجي ة‪،‬‬
‫وتفضيل السلع والمنتجات المحلية على الس لع األجنبي ة في ك ّل القطاع ات‪ ،‬والح ّد من‬
‫اعتماد الموازنة العا ّمة على االيرادات النفطية)(‪)1‬‬
‫ومن أحاديث ه الداعي ة إلي ه‪ ،‬والمبين ة لقيمت ه‪ ،‬ودوره في دحض ك ل الم ؤامرات‬
‫األجنبية‪ ،‬وتحقيق الرفاه واالستقالل االقتصادي قوله‪( :‬كان هدف العد ّو أن ير ّك ز على‬
‫االقتصاد لكي يصيب النم ّو الوطني بض رب ٍة‪ ،‬ويو ّج ه لطم ة لحال ة العم ل والعمال ة من‬
‫أج ل أن يُص اب الرف اه الوط ني ب االختالل والخط ر‪ ،‬ويق ع الن اس في المش اكل‪،‬‬
‫ويضطربون وينفصلون عن النظ ام اإلس المي‪ .. ،‬وك ان ملموس اً‪ ،‬وبإمك ان الم رء أن‬
‫يش اهد ه ذا األم ر‪ .‬لق د قلت ع ام ‪ 1986‬م‪ :‬إنّهم يالحق ون القض ية االقتص ادية‪ ،‬وك ان‬
‫أن ه ذه الش عارات المتعلّق ة بك ّل ع ام‪ ،‬هي حلق ات‬ ‫المرء بعدها قادراً على أن يس تنتج ّ‬
‫ض من سلس لة ته دف إلى إيج اد منظوم ٍة كامل ة في المج ال االقتص اديّ‪ ،‬أي ترش يد‬
‫االستهالك‪ ،‬وقضية اجتناب اإلسراف‪ ،‬وقض ية اله ّم ة المض اعفة والعم ل المض اعف‪،‬‬
‫وقضية الجهاد االقتصادي‪ ..‬نحن لم نط رح ه ذه األم ور كش عارات ع ابرة‪ ،‬ب ل ك انت‬
‫أموراً بإمكانه ا أن تو ّج ه وتنظّم الحرك ة العا ّم ة للبالد في المج ال االقتص ادي‪ ،‬وك ان‬
‫باإلمكان أن تتق ّدم بنا‪ ،‬وعلينا أن نكمل هذا الطريق)(‪)2‬‬
‫وي ذكر أن االقتص اد المق اوم ه و االقتص اد األق رب للش عب‪ ،‬واألك ثر خدم ة‬
‫لمص الحه‪ ،‬باعتب اره اقتص ادا ش عبيا بالدرج ة األولى‪ ،‬يق ول‪ّ :‬‬
‫(إن لالقتص اد المق اوم‬
‫مقتض يات‪ ،‬منه ا االقتص اد الش عبي (جعل ه ش عبياً) وه و يُع ّد من متطلّب ات االقتص اد‬
‫المقاوم‪ .‬وهذه السياسات التي تم اإلعالن عنه ا في الدس تور يمكنه ا أن تح دث تح ّوالً‪،‬‬
‫ويجب القي ام به ذا العم ل‪ .‬ب الطبع‪ ،‬لق د ت ّم إنج از مجموع ة من األعم ال‪ ،‬ويجب ب ذل‬
‫المزيد من المس اعي‪ .‬يجب تقوي ة القط اع الخ اص‪ ،‬ويجب العم ل على تحف يز النش اط‬
‫االقتصادي‪ ،‬ويمكن للنظام المص رفي في البل د‪ ،‬واألجه زة الحكومي ة المختلف ة وك ذلك‬
‫تلك األجه زة ـ كالس لطة التش ريعية والس لطة القض ائية ـ أن تعين على ذل ك‪ ،‬وتحفّ ز‬
‫الناس على النزول إلى هذا الميدان) (‪)3‬‬
‫ومن مقتضيات االقتصاد المقاوم ـ كما يذكر ـ (خفض االعتماد على النفط‪ ،‬فه ذا‬
‫االعتماد هو اإلرث المشؤوم للقرن األخير الذي م ّر علينا‪ ،‬فلو أنّن ا اس تطعنا أن نس تفيد‬
‫من هذه الفرصة المتاحة اليوم‪ ،‬وس عينا لنس تبدل النف ط باألنش طة االقتص ادية المنتج ة‬

‫‪ )(1‬خطابات الخامنئي ‪ ،2012‬ص‪.)264‬‬


‫‪ )(2‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.265‬‬
‫‪ )(3‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.265‬‬

‫‪289‬‬
‫االقتصادي) (‪)1‬‬ ‫األخرى‪ ،‬لكنا قد أنجزنا أعظم حركة مه ّمة في المجال‬
‫ومن أهم البدائل التي يطرحها الخ امنئي عن االعتم اد على النف ط باإلض افة إلى‬
‫إن الصناعات المعتمدة على‬ ‫ما سبق‪ ،‬االعتماد على المعلوماتية‪ ،‬يقول‪( :‬في يومنا هذا‪ّ ،‬‬
‫العلم من األم ور ال تي يمكن أن تمأل ه ذا الف راغ إلى ح ٍّد كب ير‪ .‬هن اك االس تعدادات‬
‫والطاقات المتنوّعة في هذا البلد التي يمكن أن تمأل ه ذا الف راغ‪ .‬فلنب ذل ه ّمتن ا في ه ذا‬
‫المجال‪ ،‬ونتّجه نحو التقليل من هذه التبعية مهما أمكن) (‪)2‬‬
‫ومن أركان االقتصاد المقاوم ـ كم ا يش رحها الخ امنئي في خطاب ه الس ابق ـ م ا‬
‫(إن قضية إدارة االستهالك تُع ّد من أرك ان‬ ‫يسميه [إدارة االستهالك]‪ ،‬ويشرحه بقوله‪ّ :‬‬
‫االقتصاد المقاوم‪ ،‬أي االستهالك المت وازن والبعي د عن اإلس راف والتب ذير‪ .‬ف األجهزة‬
‫الحكومية وغير الحكومية‪ ،‬وكل أفراد هذا الشعب‪ ،‬والعائالت يجب أن يلتفتوا إلى ه ذه‬
‫إن اجتناب اإلسراف‪ ،‬ورعاية الت وازن في اإلنف اق هم ا‬ ‫القضية‪ ،‬وهذا بح ّد ذاته جهاد‪ّ ،‬‬
‫أن له ذا األم ر أج ر‬‫بال شك نشاطان جهادي ان بوج ه األع داء‪ ،‬يمكن للم رء أن ي ّدعي ّ‬
‫الجهاد في سبيل هللا) (‪)3‬‬
‫ومن أرك ان االقتص اد المق اوم ـ كم ا ي ذكر ـ [االس تفادة من اإلنت اج المحلّي]‪،‬‬
‫ويدعو جميع أجهزة الدولة المرتبطة بالس لطات الثالث إلى (أن تس عى لكي ال تس تهلك‬
‫ّ‬
‫وليفض ل أبن اء ش عبنا اس تهالك‬ ‫أي ُمنتج غ ير إي راني‪ ،‬فليعق دوا الع زم على ذل ك‪.‬‬
‫إن بعض هم‬ ‫المنتجات المحلّي ة على البض ائع أو المارك ات األجنبي ة المعروف ة ـ حيث ّ‬
‫يس عون وراء المارك ات األجنبي ة فق ط ألج ل اس مها وألج ل التف اخر والتظ اهر في‬
‫المجاالت المختلفة؛ فليقم شعبنا بس ّد طريق استهالك البضائع األجنبية بأنفسهم) (‪)4‬‬
‫ومن أرك ان االقتص اد المق اوم ـ كم ا ي ذكر ـ اإلج راءات المرتبط ة بترش يد‬
‫االستهالك‪ ،‬حتى ال يقع المواطن في التب ذير المح رم‪ ،‬والمض ر باالقتص اد‪ ،‬ويض رب‬
‫مثاال على ذلك بالحصص المتعلّق ة بالمحروق ات‪ ،‬وي ذكر أن ه (ل و لم يتم اعتم اد نظ ام‬
‫الحصص في البنزين لكان استهالكنا لهذه الما ّدة قد تجاوز أكثر من مئة مليون لي تر في‬
‫ى مهم ج داً‪ .‬ح تى أنّ ه‬‫اليوم‪ ،‬لقد تم ّكنوا من السيطرة على هذا األمر وهو الي وم بمس تو ً‬
‫يجب العمل بطريقة ال نحتاج معها إلى الخارج) (‪)5‬‬
‫وه و ي ذكر ـ كمث ال على ج دوى االقتص اد المقاوم ة في مواجه ة المخطط ات‬
‫الخارجية ـ أن ترشيد استهالك البنزين‪ ،‬قد حماه من اآلثار التي حصلت بعد ذلك حينما‬
‫(وضعوا الحظ ر على الب نزين ض من برن امجهم‪ ،‬وق د أحب ط االقتص اد المق اوم ذل ك‪.‬‬

‫‪ )(1‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.265‬‬


‫‪ )(2‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.265‬‬
‫‪ )(3‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.265‬‬
‫‪ )(4‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.265‬‬
‫‪ )(5‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.265‬‬

‫‪290‬‬
‫البلد) (‪)1‬‬ ‫وكذلك فيما يتعلّق بسائر األمور التي يحتاجها‬
‫هذه بعض النماذج عن طروح ات ق ادة الث ورة اإلس المية للقيم الحض ارية ال تي‬
‫تحكم االقتصاد‪ ،‬وقد دل الواقع على جدواها‪ ،‬حيث نرى تمتع االقتصاد اإليراني ـ على‬
‫الرغم من الحرب التي مر بها‪ ،‬والحصار الذي أعقبه ا ـ من االنهي ار‪ ،‬ووف ر االكتف اء‬
‫الذاتي في الكثير من المجاالت‪.‬‬
‫ثالثا ـ الجانب التربوي وقيم الحضارة‪:‬‬
‫بناء على البعد العقائدي لنظام والية الفقيه‪ ،‬وبناء على كون المؤسسات التربوية‬
‫والتعليمية هي المراكز التي تتخرج منه ا األجي ال‪ ،‬وتب نى فيه ا المف اهيم‪ ،‬وترس خ بين‬
‫عرصاتها القيم‪ ،‬ك ان له ذه المؤسس ات‪ ،‬وللج انب ال تربوي أهميت ه الك برى ل دى ق ادة‬
‫الثورة اإلسالمية‪ ،‬ولدى جميع مسؤوليها‪.‬‬
‫وقد أشار إلى هذه األهمي ة الخ امنئي بقول ه‪( :‬ل و أن اإلنس ان في الواق ع أراد أن‬
‫يقسّم أعمال البل د وقطاعات ه المختلف ة ويض عها بحس ب األهمي ة‪ ،‬ف ّ‬
‫إن التربي ة والتعليم‬
‫توضع في أعلى الالئحة وعلى رأسها)(‪)2‬‬
‫وانطالقا من ه ذا وض عت في إي ران فلس فة خاص ة للتربي ة والتعليم تتم يز عن‬
‫غيرها من بالد العالم‪ ،‬وهي أيضا كانت ـ كسائر الجوانب ـ هدفا للمغرض ين‪ ،‬ال ذين ال‬
‫يتصورون أن هناك مناهج تعليمية وتربوية تختلف عن المناهج الغربية التي يعرفونها‪.‬‬
‫ومن خالل اس تقراء م ا كتب ه ق ادة الث ورة اإلس المية‪ ،‬أو ألق وه من خطب‪ ،‬ومن‬
‫خالل الواق ع ال تربوي في إي ران يمكنن ا أن نكتش ف خاص يتين ب ارزتين‪ ،‬أو قيم تين‬
‫حضاريتين كبيرتين‪ ،‬نفتقدهما لألسف في أكثر البالد اإلسالمية‪.‬‬
‫‪ 1‬ـ تجنب التقليد واالهتمام بالقيم اإلسالمية‪:‬‬
‫وهي الخاصية التي نجدها في كل المناهج والمؤسسات التربوية وغيرها‪ ،‬والتي‬
‫يمكن تسميتها بـ [التربية المقاومة]‪ ،‬وهي مبنية على أساس الموقف من الغرب‪ ،‬وفكره‬
‫المادي الذي ال ينسجم مع اإلسالم الذي يجمع بين المادة والروح‪ ،‬وبين العلم والتربي ة‪،‬‬
‫ويعتبر كل مفاصلة بينهما نوعا من العلمانية‪ ،‬أو األخذ ببعض الكتاب‪.‬‬
‫وقد ذكر الخميني ذلك في خطاب االنتصار بعد نجاح الث ورة اإلس المية‪ ،‬ووع د‬
‫به شعبه‪ ،‬فقال‪( :‬يجب أن تتغير جميع األمور في إيران في ظل الجمهورية اإلس المية‪.‬‬
‫فالجامع ات يجب أن تتغ ير في الجمهوري ة اإلس المية‪ ،‬وتتب دل الجامع ات العميل ة إلى‬
‫جامع ات مس تقلة‪ .‬ثقافتن ا يجب أن تتب دل‪ ،‬وتح ل الثقاف ة المس تقلة مح ل الثقاف ة‬
‫االس تعمارية‪ .‬وزارة الع دل يجب أن تتغ ير‪ .‬فالقض اء الغ ربي ال ب د أن يتح ول إلى‬
‫القض اء اإلس المي‪ .‬اقتص ادنا يجب أن يتغ ير‪ .‬االقتص اد العمي ل يجب أن يتح ول إلى‬
‫اقتصاد مس تقل‪ .‬وجمي ع األش ياء ال تي ك انت في حكوم ة الط اغوت وك انت ق د طبقت‬
‫استجابة ألوامر األجانب في هذا البلد الضعيف‪ ،‬هذه األشياء يجب أن تنقلب رأس ا ً على‬

‫‪ )(1‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.265‬‬


‫‪ )(2‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.158‬‬

‫‪291‬‬
‫اإلسالمية)(‪)1‬‬ ‫عقب بعد أن استقرت الحكومة اإلسالمية والجمهورية‬
‫وما ذكره الخميني وقادة الث ورة اإلس المية عن التغي ير ال يقص دون ب ه التغي ير‬
‫ألجل التغيير‪ ،‬وإنم ا يقص دون ب ه التغي ير اله ادف‪ ،‬والمب ني على أن تل ك المؤسس ات‬
‫كانت خاضعة للغرب‪ ،‬وثقافة الغرب وقيمه ال تتناسب مع اإلسالم‪ ،‬وال مع إي ران‪ ،‬وال‬
‫مع أي شعب من الشعوب‪ ،‬كما عبر عن ذلك الخامنئي في قول ه‪( :‬لق د حقّ ق الغربيّ ون‬
‫نقلة نوعيّة في المجال المادي وق اموا بقف زة في ف ترة من الف ترات‪ ،‬بي د ّ‬
‫أن ه ذه القف زة‬
‫كانت منفصلة ومتعارض ة م ع الحرك ة األخالقيّ ة‪ .‬ك انت قف زة ماديّ ة مئ ة بالمئ ة‪ .‬في‬
‫البداية‪ ،‬لم يدرك أحد ما الذي حصل! لكن ها هم اآلن‪ ،‬قد ب دأوا يفهم ون بالت دريج‪ ،‬فهم‬
‫أن حض ارة ماديّ ة‬ ‫وهمن أح د ّ‬
‫ّ‬ ‫يشعرون بخس ائر ال تع وّض تص يبهم ش يئًا فش يئًا‪ .‬ال يت‬
‫محضة‪ ،‬وبعيدة عن المعنويّة ستستطيع أن تروي شعوبها ما ًء هنيئً ا زالاًل ‪ .‬كال! س وف‬
‫يالقون األم ّرين‪ ،‬وهاهم اآلن يعانون األمرّين‪ .‬ليس بسبب هذه التظ اهرات في ش وارع‬
‫إن حاج ة‬ ‫إن مص يبة الغ رب هي أعم ق من ه ذه األم ور‪ّ .‬‬ ‫أوروبا وم ا إلى ذل ك‪ ،‬كال‪ّ ،‬‬
‫اإلنسان الضروريّة واألساسيّة‪ ،‬قبل ك ّل ش يء‪ ،‬هي لألمن ال روحي واألمن األخالقي‪،‬‬
‫واألمن الوجداني وراحة الضمير‪ .‬وهذه األم ور مفق ودة في البيئ ات الغربيّ ة‪ ،‬وس وف‬
‫ي زداد الوض ع س و ًءا يو ًم ا بع د ي وم‪ .‬حين تطّلع ون على م ا يقول ه كتّ ابهم ونق اّدهم‬
‫ومف ّكروهم‪ ،‬تش اهدون بوض وح كي ف أنّهم ومن ذ س نوات ارتفعت أص واتهم‪ ،‬وقرع وا‬
‫جرس اإلنذار‪ ،‬وها هم ينشرون أخبار وأس رار الزواي ا المظلم ة والفاس دة‪ ،‬وكي ف ّ‬
‫أن‬
‫الفساد يتضاعف في مجتمعهم‪ .‬هكذا هي الحياة الماديّ ة‪ .‬نعم‪ ،‬هم تط وّروا من الن واحي‬
‫لكن الج انب اآلخ ر من القض يّة بقي‬ ‫العلميّة والتقنيّة وما شابه‪ ،‬أنجزوا أعم ااًل كب يرة‪ّ ،‬‬
‫مترو ًكا ومعطّاًل ‪ ،‬وهذا ما يشلّهم ويطرحهم أرضًا)(‪)2‬‬
‫وه و ي ذكر ب ألم واق ع الع الم‪ ،‬وبع ده عن مراع اة القيم األخالقي ة‪ ،‬والس لوك‬
‫المتناسب مع طبيعة اإلنس ان ووظائف ه‪ ،‬فيق ول‪( :‬الع الم يس ير حالي ا ً في طري ق س يئ‪.‬‬
‫ويعيش أوض اعا ً س يئة‪ .‬األخالق تُس حق في الع الم‪ .‬والش عوب تع اني وتت ألم من ه ذا‬
‫االنحط اط األخالقي‪ ،‬ومفك رو الش عوب متنبه ون له ذه الخس ارة الك برى‪ ،‬ويب دون‬
‫انزعاجهم وقلقهم‪ ،‬وهذا ما يمكن أن يالحظ من كالمهم وآرائهم)(‪)3‬‬
‫ويذكر كذلك الدور الذي على إيران أن تفعله إلنقاذ البشرية من هذا التيه‪ ،‬وذل ك‬
‫بإعطائه ا النم وذج المث الي عن القيم الرفيع ة ال تي تحكم الحي اة‪ ،‬وتس اهم التربي ة في‬
‫تش كيلها‪ ،‬يق ول‪( :‬ه ذا المص ير المف زع الماث ل أم ام البش رية يمكن تغي يره‪ ،‬والخط وة‬
‫األولى أن نوجد في أنفسنا ذلك التحرك الكبير والتحول العظيم‪ .‬واألمر يبدأ من التربي ة‬
‫والتعليم‪ .‬لقد توفرت البُنى التحتية والحمد هلل طوال هذه السنوات الثالثين في القطاعات‬
‫المختلفة بشكل جيد‪ .‬ويمكن التحرك على أساس ه ذه البُ نى التحتي ة‪ .‬والمس ؤولية ثقيل ة‬

‫‪ )(1‬خطاب اإلنتصار (ص‪ ،)7 :‬والخطاب ألقاه بتاريخ ‪ 4/1979 /1‬م‪.‬‬


‫‪ )(2‬خطابات الخامنئي ‪ ،2014‬ص‪.230‬‬
‫‪ )(3‬خطابات الخامنئي ‪ ،2010‬ص‪.180‬‬

‫‪292‬‬
‫والطريق طويل والعمل ص عب‪ ،‬ولكن في نهاي ة الطري ق يل وح الض ياء والن ور ال ذي‬
‫يمنحه هللا‪ ،‬وبوسع المرء أن يرى ذلك‪ .‬نهاية الطريق مش رقة‪ ،‬واألف ق مش رق‪ ،‬ويمكن‬
‫عداء ضدنا)(‪)1‬‬‫السير في هذا الطريق بصورة جيدة‪ .‬هناك حاالت ِ‬
‫وهو يذكر أن كل ذلك العداء الموجه إليران ليس سوى تعب ير عن الخط ر ال ذي‬
‫يش عر ب ه المس تكبرون خوف ا من تنفي ذ القيم اإلس المية في الواق ع‪ ،‬وإعط اء النم وذج‬
‫المثالي لذلك‪ ،‬وال ذي ق د يح رك جه ات أخ رى للتأس ي ب ه‪ ،‬يق ول‪( :‬أي نج اح يح رزه‬
‫الشعب اإليراني يؤدي إلى أن يش عر بعض هم في الع الم باإلخف اق‪ .‬األقوي اء يص طفّون‬
‫بشكل طبيعي إزاء هذه التحركات غير المنسجمة مع مصالحهم غير المش روعة‪ .‬وه ذا‬
‫ليس بالشيء العجيب وغير المتوقّع‪ ،‬إنم ا ه و ش يء متوق ع بالنس بة لك ل ش عب ي دخل‬
‫ساحة الكفاح الحياتي العظيم ‪ ..‬شيء متوقع‪ .‬واصل شعبنا مسيرته هذه منذ بداية الثورة‬
‫وإلى اليوم مواجها ً هذه العقبات والموانع‪ .‬هذه ليست بش يء‪ .‬ه ذه التهدي دات والكلم ات‬
‫التي يطلقونها وحاالت المعارض ة والعرقل ة ال تي تص در عنهم‪ ،‬أثبتت تجرب ة الش عب‬
‫اإليراني أن ال تأثير له ا في مس يرة الش عب ولن ت ؤدي إلى إبط اء حركت ه وسيواص ل‬
‫الشعب مسيرته وطريق ه‪ .‬المهم أن يع رف ك ل ش خص دوره‪ ،‬أن يع رف ك ل ش خص‬
‫أينما كان واجبه الملقى على عاتقه بنحو صحيح ويقوم به‪ .‬وسوف يساعدنا هللا بمش يئته‬
‫ع َّ‬
‫ز وجلَّ)(‪)2‬‬
‫‪ 2‬ـ التخطيط االستراتيجي لتكوين الشخصية المسلمة‪:‬‬
‫من األس باب الك برى ال تي جعلت ق ادة الث ورة اإلس المية يول ون أهمي ة ك برى‬
‫للتربية والتعليم هو كونه المؤسسة التي يمكنها أن تؤدي أدوره ا في تش كيل الشخص ية‬
‫التي تتناسب مع نظام والية الفقيه‪ ،‬ذلك أنه ال يمكن تط بيق أحك ام الش ريعة اإلس المية‬
‫بصورتها المثالية إال بعد توفر القابلية ل ذلك‪ ،‬وهي تس تدعي القناع ة باإلس الم‪ ،‬وب القيم‬
‫التي جاء بها ومحاولة تنفيذها في الحياة‪.‬‬
‫وقد ظهر في هذا المجال ما يطلق عليه في إيران [وثيقة التحوّل البنيوي]‪ ،‬وهي‬
‫الوثيقة التي ترسم سياسة الدولة‪ ،‬وتضع الخطط االستراتيجية لها في المجال ال تربوي‪،‬‬
‫وقد تحدث عنها الخامنئي كثيرا في خطبه ونوه بها‪ ،‬ودعا إلى تفعيلها في الواقع‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫(لقد كنت دائما ً أكرّر في لقاءاتي مع المعلّمين والمس ؤولين الثق افيين‪ ،‬والمجلس األعلى‬
‫للث ورة الثقافي ة وغ يرهم ه ذا األم ر‪ ،‬ولحس ن الح ظ‪ ،‬ق د وص ل إلى نتيج ة‪ ،‬بحيث ّ‬
‫إن‬
‫صوّبت‪ .‬ف اليوم له ذه المؤسس ة وثيق ة مدوّن ة تح ّدد‬‫[وثيقة التحوّل البنيوي] قد أع ّدت و ُ‬
‫منهج التحوّل البنيوي في التعليم والتربية)(‪)3‬‬
‫وهو يذكر أن هذه الوثيقة تشبه الوصفة الطبية‪ ،‬وهي م ع أهميته ا ليس ت كافي ة‪،‬‬
‫ذل ك أنن ا (إذا ذهبن ا إلى الط بيب‪ ،‬وأ ّدين ا ح ّ‬
‫ق المعاين ة‪ ،‬والط بيب ق ام بالمعاين ة أو‬

‫‪ )(1‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.180‬‬


‫‪ )(2‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.181‬‬
‫‪ )(3‬خطابات الخامنئي ‪ ،2012‬ص‪.157‬‬

‫‪293‬‬
‫أن األم ر‬ ‫التشخيص‪ ،‬وكتب لنا وصفةً ووضعناها في جيبنا‪ ،‬ث ّم ذهبنا إلى البيت وظننّ ا ّ‬
‫قد انتهى‪ ،‬فهل يختلف هذا األمر عن عدم مراجعة الط بيب بش يء س وى أنّ ه ق د أنفقن ا‬
‫المال وقطعنا مسافة على الطريق‪ ،‬ينبغي تناول الدواء‪ ،‬ففي هذه الوص فة ق د ُدوّن اس م‬
‫ي وقت‪ ،‬ويجب تنفي ذ ه ذا وتطبيق ه‪ ،‬ول و لم‬ ‫الدواء ومقدار ما ينبغي تناول ه من ه وفي أ ّ‬
‫حسن‪ ،‬لدينا اآلن [وثيقة التح وّل‬ ‫ٌ‬ ‫نفعل‪ ،‬فالذهاب إلى الطبيب وأخذ الوصفة كأن لم يكن‪.‬‬
‫ّ‬
‫البنيوي] في التربية والتعليم‪ ،‬وهذه الوصفة تحتاج إلى تخطي ٍط دقي ق فيم ا يتعل ق بك ل‬
‫فإن الحديث هو حول التحوّل البنيوي ال الشكلي الظاهري)(‪)1‬‬ ‫بنودها‪ّ .‬‬
‫وبناء على ه ذا ي دعو إلى أن تك ون هن اك (خارط ة للطري ق‪ ،‬وال يك ون األم ر‬
‫قرار ثم يقوم في‬‫ٍ‬ ‫إن أي مسؤول أو وزير أو مدير في أي قطاع يقوم اليوم باتّخاذ‬ ‫بحيث ّ‬
‫اليوم التالي بتغييره بحسب سليقته‪ .‬فك ّل هذا هو إهدا ٌر لألوقات والطاق ات‪ .‬وه ذه نقط ةٌ‬
‫ق ألجل ه ذا التح وّل الب نيوي‪ ،‬يجب‬ ‫أساسية‪ .‬ويجب أن يكون هناك تخطيطٌ محك ٌم ودقي ٌ‬
‫أن نضع بين األي ادي خارط ةً للطري ق‪ ،‬وه ذا م ا ينبغي أن يقب ل ب ه الجمي ع ويؤيّ دوه‬
‫أن التربية والتعليم ستسلك هذا الطريق حتى النهاية وطبق ه ذا‬ ‫ويؤمنوا به ويُضمن فيه ّ‬
‫البرنامج) (‪)2‬‬
‫ومن أهم األه داف ال تي تس عى خارط ة الطري ق في المج ال ال تربوي‪ ،‬وال تي‬
‫ذكرها الخامنئي ودع ا إلى تحقيقه ا‪ ،‬والعم ل بموجبه ا‪ ،‬هي تش كيل الشخص ية الس وية‬
‫التي تتبنى اإلسالم والقيم اإلسالمية بكل أبعادها ومجاالتها‪ ،‬يقول‪( :‬بوسع المعلم تربي ة‬
‫هذا الحدث أو الطفل وجعله إنسانا ً عالما ً مفكراً يتحلى بروح البحث العلمي ويرغب في‬
‫البحث والدراسة والعلم‪ ،‬أو يجعله إنسانا ً سطحيا ً غير راغب في العلم والتعمق والبحث‬
‫العلمي‪ .‬بوسعه أن يخ ِّرجه ويقدمه للمجتمع إنسانا ً شريفا ً نجيبا ً خيّ راً طيب القلب ط اهر‬
‫النفس‪ ،‬أو على العكس قد يجعله إنسانا ً شريراً مسيئاً‪ .‬وبمقدوره أن يجعله إنسانا ً متفائالً‬
‫ذا ثقة بالنفس وممل وءاً باألم ل ومحب ا ً للعم ل والنش اط‪ ،‬أو على الض د من ذل ك يمكن ه‬
‫تخريجه إنسانا ً يائسا ً قانطا ً منعزالً ومنكفئا ً على نفسه‪ .‬كما بوسعه أن يجعل من ه إنس انا ً‬
‫ال وغ ير آب ه للقيم األخالقي ة والتع اليم‬ ‫مت دينا ً تقي ا ً ورع ا ً وط اهراً‪ ،‬أو إنس انا ً غ ير مب ٍ‬
‫الدينية‪ .‬بوسعه التغلب حتى على عوامل التربية الخارجية مث ل وس ائل اإلعالم‪ .‬ب ل إن‬
‫التعليم المستمر على مدى سنوات والعمل على هذه المادة الخ ام والقلب المس تعد لتقبّ ل‬
‫األش كال المختلف ة‪ ،‬يمكن ه التف وق ح تى على ال دور ال تربوي للوال دين‪ .‬ه ذا ه و دور‬
‫المعلم)(‪)3‬‬
‫ويق ول في خط اب آخ ر مخاطب ا المعلمين‪( :‬ص ناعة اإلنس ان وتش كيل وبن اء‬
‫اإلنس ان المطل وب في اإلس الم ه و أم ر يحص ل بالتربي ة‪ ..‬ف المعلّم يعلّم العلم‪ ،‬ويعلّم‬
‫إن تعليم األخالق والسلوك ليس من قبي ل تعليم‬ ‫التفكير‪ ،‬ويعلّم األخالق والسلوك أيضًا‪ّ .‬‬

‫‪ )(1‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.157‬‬


‫‪ )(2‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.157‬‬
‫‪ )(3‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.178‬‬

‫‪294‬‬
‫العلم بحيث يقرأ اإلنسان ويدرّس من الكتب فقط‪ .‬درس األخالق ال يمكن نقل ه بواس طة‬
‫الكتب‪ ،‬الس لوك م ؤثّر أك ثر من الكت اب والكالم‪ .‬أي إنّكم في الص ف وبين التالمي ذ‬
‫ضا‪ ،‬ويجب إسداء النصيحة‪،‬‬ ‫تدرّسونهم بسلوككم‪ .‬بالطبع‪ ،‬يجب القول والبيان بالكالم أي ً‬
‫لكن السلوك تأثيره أعمق وأشمل‪ .‬سلوك اإلنسان يبيّن صدق الكالم‪ ،‬ه ذا ه و م ا نقول ه‬ ‫ّ‬
‫ّ‬
‫للمعلمين‪ .‬هؤالء الطاّل ب أمانة في أيدي المعلمين‪ ،‬يجب االنتباه لهذا المع نى واالهتم ام‬ ‫ّ‬
‫به‪ .‬إذا قام معلّمونا ـ إن شاء هللا ـ برف ع مس توى األطف ال والتق ّدم بهم الى األم ام به ذا‬
‫أن ذلك سيكون له تأثيرات أساسيّة كبيرة في مستقبل المجتمع)(‪)1‬‬ ‫األسلوب‪ ،‬فأتصوّر ّ‬
‫وبناء على هذا يدعو إلى دعم خاص لهذا القط اع‪ ،‬باعتب اره من أهم المؤسس ات‬
‫المنتجة في البالد‪ ،‬ألنه ال ينتج بض اعة‪ ،‬وإنم ا ينتج إنس انا‪ ،‬يق ول‪( :‬واجب ومس ؤوليّة‬
‫جميع األجهزة والمؤسّسات في الحكومة دعم قطاع التربية والتعليم‪ .‬س واء المؤسّس ات‬
‫المختص ة بالتخطي ط والميزانيّ ة أو األجه زة ال تي تص ادق على ه ذه الميزانيّ ات في‬ ‫ّ‬
‫مجلس الشورى اإلسالم ّي‪ ،‬يجب عليهم جميعًا أن تك ون نظ رتهم للتربي ة والتعليم مث ل‬
‫أن هذا القطاع قط اع يس تهلك التك اليف والميزانيّ ات فق ط ـ‬ ‫هذه النظرة‪ ،‬فال يتصوّروا ّ‬
‫إن جهاز التربي ة والتعليم ه و قط اع‬ ‫وهذه نظرة مشهودة في بعض األحيان‪ ،‬إذ يقولون ّ‬
‫يس تهلك ويكلّ ف ـ كاّل ‪ ،‬إنّ ه جه از كلّم ا خصّص تم ميزانيّ ات‪ ،‬وأنفقتم علي ه أك ثر‬
‫فستربحون أض عافًا مض اعفة‪ .‬إنّ ه قط اع س يتخرّج من ه ص نّاع ال ثروة في المس تقبل‪،‬‬
‫وصنّاع العلم في المستقبل‪ ،‬وص نّاع الحض ارة في المس تقبل‪ ،‬وم دراء المس تقبل‪ .‬ليس‬
‫أن التربي ة والتعليم تح ّملن ا نفق ات ومص اريف فق ط‪ .‬كاّل ‪ ،‬فال‬ ‫من الصحيح أن نتص وّر ّ‬
‫يوجد أرباح ومكاسب أكبر من مكاسب التربية والتعليم‪ .‬ك ّل ما تشاهدونه في ك ّل أرجاء‬
‫إن ج ذوره هن ا‪ ،‬أص لحوا ه ذا‬ ‫البالد من مؤ ّشرات ومظاهر التق ّدم واإلنتاج واإلبداع‪ ،‬ف ّ‬
‫ل شيء)(‪)2‬‬ ‫القطاع فيصلح عندها ك ّ‬
‫وإلى جانب االهتمام بدعم هذه المؤسسات لتؤدي دورها‪ ،‬نرى الخامنئي يدعوها‬
‫إلى االل تزام بوظيفه ا وع دم الخ روج عنه ا‪ ،‬لبن اء األجي ال الص الحة البعي دة عن ك ل‬
‫الشوائب التي قد تنحرف بها‪ ،‬يقول‪( :‬على المدراء الذين نختارهم أن ينصبّ اهتم امهم‬
‫إن النزعات والتوجّهات السياس يّة والحزبيّ ة‬ ‫على القضيّة األصليّة في التربية والتعليم‪ّ .‬‬
‫والفئويّة وما إلى ذلك هي س ّم مهلك للتربية والتعليم‪ .‬لقد ش اهدنا‪ ،‬في ف ترة من الف ترات‬
‫ط وال ه ذه األع وام المتمادي ة م دى الض رر والخس ارة ال تي لحقت بالتربي ة والتعليم‪.‬‬
‫راقبوا واحذروا! فليكن التعامل مع مختلف مسائل قط اع التربي ة والتعليم بحيث تك ون‬
‫القض يّة األه ّم بالنس بة لم دير أي قس م أو دائ رة في ه ذا الجه از العظيم الواس ع قض يّة‬
‫[التربية والتعليم]‪ ،‬أن تكون قضيّة [تربية اإلنسان]‪ ،‬وتربية الطاقات الثوريّة)(‪)3‬‬
‫وه و ي ذكر لهم أن اله دف النه ائي ال ذي تس عى ك ل المؤسس ات اإليراني ة إلى‬

‫‪ )(1‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.226‬‬


‫‪ )(2‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.228‬‬
‫‪ )(3‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.229‬‬

‫‪295‬‬
‫تشكيله‪ ،‬وتستعمل كل الوسائل في ذل ك ه و تحقي ق المجتم ع المس لم بجمي ع القيم ال تي‬
‫يحملها‪ ،‬يقول‪( :‬إنّنا حينما نش ّدد على الطاقات والكوادر الثوريّة والمتديّن ة‪ّ ،‬‬
‫فألن أمامن ا‬
‫دربًا طوياًل ‪ ،‬أمام هذا الش عب درب طوي ل‪ .‬اله دف ال ذي رس م للجمهوريّ ة اإلس الميّة‬
‫على أساس التع اليم األساس يّة للث ورة ه و ه دف س ام ج ًًّّدا‪ ،‬فاله دف ه و خل ق مجتم ع‬
‫نموذجي‪ .‬إنّكم تريدون وفي إطار إيران العزي زة‪ ،‬والواقع ة من الناحي ة الجغرافيّ ة في‬
‫منطقة حسّاسة ج ًًّّدا من العالم‪ ،‬أن تص نعوا مجتم ًع ا يك ون ببرك ة اإلس الم وتحت راي ة‬
‫القرآن‪ ،‬أسوة ونموذجا‪ .‬نموذجا في األبعاد الماديّ ة والتق ّدم الم ادي‪ ،‬وفي ال وقت نفس ه‬
‫أسوة ونموذج في األبعاد المعنويّة واألخالقيّة)(‪)1‬‬
‫وبناء على هذا يدعو إلى الت دقيق في ك ل م ا تمارس ه ه ذه المؤسس ة ابت داء من‬
‫التكوين الجيد للمعلمين بإنشاء جامعات خاصة بهم وبتحديث تكوينهم كل حين‪ ،‬وانتهاء‬
‫بالمقررات الدراسية‪ ،‬والتي يق ول في ش أنها‪( :‬يجب االنتب اه والت دقيق كث يرًا في الكتب‬
‫الدراس يّة‪ ،‬إذ ينبغي أن تك ون متقن ة؛ فالمض مون واألفك ار والكالم الض عيف في ه ذه‬
‫الكتب مض رّ‪ .‬ليس أنّ ه غ ير مفي د ب ل ه و مض رّ‪ ،‬وك ذلك االنحراف ات السياس يّة أو‬
‫االنحرافات الدينيّة أو االنحراف عن الحقائق والواقعيّات‪ ،‬في هذه الكتب مضرّة‪ .‬ال ذين‬
‫يتولّون مسؤوليّة هذه العمليّة يجب أن ينجزوا هذا العمل بمنتهى األمانة والدقّة)(‪)2‬‬
‫رت ه ذا لل وزير المح ترم قلت ل ه‪[ :‬جامع ة‬ ‫ويق ول عن جامع ة المعلّمين‪( :‬ذك ُ‬
‫المعلّمين]‪ ،‬أو [جامعة إعداد المعلّم] ـ حسب التعبير القديم ـ هي جامعة‪ ،‬ولكنّها تختل ف‬
‫عن الجامعات العاديّة‪ .‬فض اًل عن االمتي ازات الموج ودة في الجامع ات األخ رى‪ ،‬ف ّ‬
‫إن‬
‫ميزة إع داد المعلّم وتخريج ه تختصّ فق ط به ذه الجامع ة‪ .‬وله ذا األم ر طب ًع ا ش روطه‬
‫ومقتضياته‪ .‬ينبغي االهتمام بهذه الجامعة بمنتهى الجديّة) (‪)3‬‬
‫هذه بعض طروحات ق ادة الث ورة اإلس المية في ه ذا المج ال‪ ،‬وهي ت بين عم ق‬
‫األه داف ال تي يتوخونه ا من ه ذا الج انب المهم‪ ،‬وق د دل على م دى نج احهم في ه ذا‬
‫الجانب ذلك االستقرار الذي عاشه المجتمع اإليراني على الرغم من ك ل اس تعمل مع ه‬
‫من أدوات الحرب الناعمة‪ ،‬وال تي ح اولت أن تث ير ش عبه‪ ،‬لكن ه لم ي ثر‪ ،‬ب ل بقي وفي ا‬
‫لثورته وقادته‪ ..‬وذلك وحده دليل على نجاح المخططات التربوية‪.‬‬
‫رابعا ـ الجانب العلمي وقيم الحضارة‪:‬‬
‫مثلم ا رأين ا في الج وانب الس ابقة من ح رص النظ ام اإلي راني على التم يز‬
‫واإلب داع‪ ،‬والبع د عن التبعي ة والتقلي د‪ ،‬واالهتم ام ب القيم والحق ائق‪ ،‬ب دل الش كليات‬
‫والظ واهر‪ ،‬نالح ظ ك ذلك في الج انب العلمي ه ذا االهتم ام‪ ،‬وربم ا بص ورة أك ثر‬
‫وضوحا‪.‬‬
‫حيث أننا عندما نتابع أحاديث قادة الثورة اإلسالمية‪ ،‬وخصوص ا القائ د الح الي‪،‬‬

‫‪ )(1‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.229‬‬


‫‪ )(2‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.232‬‬
‫‪ )(3‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.232‬‬

‫‪296‬‬
‫نجد اهتماما كبيرا بهذا الجانب‪ ،‬فهو يحضر الجلسات ال تي تص ف األوض اع‪ ،‬أو ال تي‬
‫تضع االستراتيجيات المستقبلية‪ ،‬ويدلي برأي ه فيه ا‪ ،‬وبص ورة ال نك اد نج دها عن د أي‬
‫زعيم من زعماء العالم‪.‬‬
‫ومن األمثل ة على ذل ك لق اؤه ال ذي تم بت اريخ ‪ 7/2012 /29‬م‪ ،‬م ع حش د من‬
‫الب احثين والمختصّص ين والمب دعين ومس ؤولي المؤسّس ات البحثي ة‪ ،‬وال ذي ق ال في‬
‫مقدمته‪( :‬أتمنّى أن تستطيع هذه الجلسة والجلسات المماثلة األخرى أن تساعد على س ّد‬
‫الحاجة األساسية ال تي يعيش ها بل دنا الي وم‪ ،‬وال تي هي عب ارة عن تنمي ة العلم والبحث‬
‫العلمي والتقنية‪ ،‬وتخريج المواهب وإع دادها‪ ،‬وزي ادة انتش ار ثم ار الم واهب المميّ زة‬
‫لشعبنا في حياة كل أبناء الشعب)(‪)1‬‬
‫ثم ذكر مدى ما يوليه النظ ام اإلي راني للعلم واالبتك ارات العلمي ة‪ ،‬ح تى يتحق ق‬
‫االس تقالل الحقيقي‪ ،‬وفي جمي ع الج وانب‪ ،‬فق ال‪( :‬م ا نص ّر ونؤك د علي ه ه و ّ‬
‫أن العلم‬
‫بالنسبة للبالد رأس مال ال ينفد وال ينتهي‪ .‬إذا تحرّكت عجلة إنتاج العلم في بل ٍد ما‪ ،‬وإذا‬
‫ك انت ث ّم ة موهب ة انطلقت وس ارت‪ ،‬وإذا ب دأت اإلمكاني ات والقابلي ات ت برز وتظه ر‬
‫فستكون مصدراً ال ينفد‪ .‬العلم ظاهرة ذاتية اإلثمار‪ ،‬وليس شيئا ً يضط ّر المرء من أجل ه‬
‫للتبعية‪ .‬نعم‪ ،‬إذا أردتم أخذ العلم حاضراً وجاهزاً فستكون فيه تبعية واحتياج لآلخ رين‪،‬‬
‫وم ّد األيدي نحوهم‪ ،‬ولكن بعد أن يتك ّون الصرح العلمي في بلد من البلدان‪ ،‬وإذا ك انت‬
‫في ذلك البلد مواهب‪ ،‬فسيكون كالينابيع المتدفقة) (‪)2‬‬
‫ومثلم ا دع ا في االقتص اد إلى إيج اد االقتص اد المق اوم ال ذي يخلص البالد من‬
‫التبعية‪ ،‬ويجعلها تستهلك ما تنتج ال ما يمن به عليها‪ ،‬دعا كذلك في المج ال العلمي إلى‬
‫[الجهاد العلمي]‪ ،‬والذي ال يقل عن الجهاد في جبهات الحروب‪ ،‬يقول‪( :‬إن البل د الي وم‬
‫بحاجة إلى جها ٍد علمي‪ .‬وعندما أذكر العلم هنا فإن قصدي هو المعنى العام للعلم وليس‬
‫العلوم التجريبية فقط‪ .‬يلزمنا جها ٌد علمي‪ ..‬ففي المفهوم اإلسالمي يك ون الجه اد عب ارة‬
‫عي جه اداً‪ .‬فجه اد النفس‪ ،‬وجه اد‬ ‫عن ذلك السعي مقابل عدو ما أو خصم‪ .‬فليس كل س ٍ‬
‫الشيطان‪ ،‬والجهاد في الميدان العسكري هو مواجهة ع دو أو مخ الف‪ .‬ونحن الي وم في‬
‫مج ال العلم بحاج ة إلى مث ل ه ذا الس عي في البل د‪ ،‬نش عر ب أن هن اك موان ع علين ا أن‬
‫نزيلها‪ ،‬وعوائق يجب أن نحطّمها‪ ،‬وفي مجال توفير اإلمكانات العلمية يوجد خسة لدى‬
‫أولئك الذين يمتلكونها ـ وهي الدول المتط ورة علمي اً‪ ،‬وعلين ا أن نظه ر من أنفس نا في‬
‫المقابل ع ّزة ونهضة تحركا ً نحو األفضل‪ .‬العالم الي وم ورغم تظ اهره بالس خاء العلمي‬
‫هو في منتهى الخسّة من حيث العلم‪ .‬فالذين تم ّكنوا‪ ،‬لعوامل مختلفة‪ ،‬من أن يمتلك وا في‬
‫فترة ما تطوراً علميا ً وا ِعتلوا مركب التطور وتفوّقوا على غيرهم ـ وهم الدول الغربي ة‬
‫المتطورة التي حصلت على ذلك منذ عصر النهضة‪ ،‬وقد كان ذلك في أيدينا يوما ً ـ هم‬
‫احتكاريون‪ ،‬فهم ال يريدون أن تتسع دائرة هذا العلم وهذا االقتدار‪ ،‬فله ذا يخ الفون علم‬

‫‪ )(1‬خطابات الخامنئي ‪ ،2012‬ص‪.270‬‬


‫‪ )(2‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.270‬‬

‫‪297‬‬
‫للسياسة)(‪)1‬‬ ‫الشعوب‪ ،‬وخصوصا ً بعد أن أصبح هذا العلم وسيلة بأيديهم‬
‫وهو يذكر أن من دالئل ال أخالقية الحضارة الغربية ذلك االحتكار الذي تمارسه‬
‫للعلم‪ ،‬مع أن األصل فيه أن يشاع حتى يس تفيد من ه البش ر جميع ا‪ ،‬وه و ي ذكر أن ه ذا‬
‫ليس خاصا بعصر من العص ور‪ ،‬ففي الف ترات الس ابقة ك ان العلم وس يلة للمس تعمرين‬
‫للهيمن ة والظلم‪ ،‬يق ول‪( :‬فاالس تعمار ظه ر من العلم‪ .‬والعلم ه و ال ذي م ّكنهم وجعلهم‬
‫مقتدرين‪ ،‬لهذا جالوا العالم واستعمروه‪ ،‬هذا حينما كانت الش عوب تعيش مس تقلة‪ .‬ف أين‬
‫هي بريطانيا وأين هي أندونيسيا؟! فأولئك استطاعوا أن يحتلوا تل ك المن اطق بواس طة‬
‫العلم‪ .‬وعندما صار االستعمار وليد العلم واعتمدت القوة الدولية والقدرة السياس ية على‬
‫العلم‪ ،‬قالت إنه ال ينبغي لهذا العلم أن يكون بيد اآلخ رين‪ ،‬وإال فإن ه يه دد ه ذه الق درة‪.‬‬
‫وها هم اليوم وما زالوا على هذا المنوال)(‪)2‬‬
‫وما دام العلم أصبح بهذه الص ورة في ي د الحض ارة الغربي ة‪ ،‬ف إن على العلم اء‬
‫اإليرانيين ـ كما يذكر الخامنئي ـ أن يقوموا ب دورهم الجه ادي ح تى ال تس تعمر بالدهم‬
‫ب العلم كم ا اس تعمرت بالد أخ رى‪ ،‬ول ذلك يبث في ه ال روح العقائدي ة ال تي تجعلهم‬
‫يتحركون لمواجهة الخطر‪ ،‬وبكل عزم وإيمان‪.‬‬
‫وه و يش ير في ه ذا الج انب إلى ض رورة التخطي ط وف ق اس تراتيجية واض حة‬
‫ودقيقة‪ ،‬يقول معلقا على بعض المشاركات في المؤتمر‪( :‬أشار األصدقاء إلى التخطي ط‬
‫لمئة سنة‪ .‬بالطبع إنني ال أعتقد بالتخطيط لمئة سنة‪ ،‬لكنني أستحسن ه ذا التفك ير وه ذه‬
‫الروحية التي نشعر معها بأننا ما زلنا نخط و الخط وة األولى رغم م رور ثالثين س نة‪،‬‬
‫حتى إذا أردنا أن نخطو عشر خطوات فهذا يعني ثالثمائ ة س نة‪ .‬علين ا أن نعلم أنن ا في‬
‫خطواتنا األولى‪ ،‬ويجب أن نعلم أننا نستطيع أن نخط و خط وات أك بر‪ ،‬يجب أن نخل ق‬
‫هذا الشعور‪ .‬وإنني أعتقد بأنه سيتحقق حتماً‪ ،‬فمثلم ا أن ه ذه الحرك ة العلمي ة العظيم ة‬
‫وهذه اإلبداعات العلمية وه ذا اإلنت اج العلمي والعب ور إلى ح دود العلم لم تكن لتخط ر‬
‫على بالنا‪ ،‬وها هي قد طُرحت وقيلت وتوبعت‪ ،‬وها أنتم ترون ثمراتها اليوم‪ ،‬لهذا فإننا‬
‫نستطيع أن نخطو خطوات أكبر ونستطيع أن ننجز أعماالً كبرى)(‪)3‬‬
‫ومثلما دعا في الجوانب السابقة إلى االبتكار والخروج من التقليد والتبعية ي دعو‬
‫كذلك في هذا المجال‪ ،‬بل يبين الخطوات العملية لتحقيقه‪ ،‬وهي تنمية التفك ير اإلب داعي‬
‫والنقدي في عقول الطلبة حتى تكون لديهم اآلليات التي تجعلهم يمارس ون اإلنت اج ب دل‬
‫االستهالك‪ ،‬يقول‪( :‬أساس العلم وقاعدته هي الفلسفة‪ ،‬ولو لم يكن هناك فلس فة لم يوج د‬
‫علم‪ .‬ما لم يكن تحليل واس تنتاج فلس في ف العلم س يكون بال مع نى‪ .‬إن إنت اج الفك ر مهم‬
‫ج داً‪ .‬وب الطبع ف إن إنت اج الفك ر أص عب من إنت اج العلم‪ .‬ف المفكرون والنخب الفكري ة‬
‫معرضون لآلفات التي هي أقل في ساحة النخب العلمية‪ .‬لهذا ف إن العم ل هن ا ص عب‪،‬‬

‫‪ )(1‬خطابات الخامنئي ‪ ،2010‬ص‪.313‬‬


‫‪ )(2‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.313‬‬
‫‪ )(3‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.314‬‬

‫‪298‬‬
‫جداً)(‪)1‬‬ ‫لكنه مهم‬
‫وألجل تحقيق هذا يدعو إلى تحفيز الطلب ة وتش جيعهم‪ ،‬وزرع الثق ة فيهم‪ ،‬ح تى‬
‫يتمكنوا من أداء مسؤولياتهم‪ ،‬وإخراج بالدهم من التبعي ة العلمي ة‪ ،‬وتحقي ق النص ر في‬
‫هذا الجانب‪ ،‬مثلما تحقق في الجوانب األخرى‪ ،‬يقول‪( :‬لقد كان الشعب اإليراني ط وال‬
‫أعوام متمادية قبل الثورة أسيراً إلضعاف روح الثق ة بال ذات‪ .‬من ذ أن فتح المس ؤولون‬
‫الحكوميون أعينهم أوالً‪ ،‬ث ّم فتح أبناء الشعب تدريجيا ً أعينهم وبهتوا أم ام التق ّدم العلمي‬
‫المذهل للغرب‪ ،‬بدأ ترويج الشعور ب النقص والدوني ة واالس تهانة بال ذات في ه ذا البل د‬
‫فإن الثورة غيّرت ك ّل ش يء‪ ،‬بم ا في ذل ك ه ذه الحال ة‬ ‫وبين أبناء شعبه‪ ،‬ولحسن الحظّ ّ‬
‫إن تأس يس األعم ال والمش اريع االقتص ادية على أس اس العلم‬ ‫وهذه ال روح‪ .‬وعلي ه‪ ،‬ف ّ‬
‫ي ؤ ّدي إلى تعزي ز الروحي ة والشخص ية والهوي ة الوطني ة ويزي د ك ذلك من االقت دار‬
‫السياسي‪ .‬االستقالل واالعتماد على الذات في بل د م ا ي ورث االقت دار السياس ي فض الً‬
‫عن االقتدار االقتصادي الذي سيتحقّق بشكل طبيعي) (‪)2‬‬
‫ودعا في هذا الصدد إلى االهتمام بالمخترعين‪ ،‬والسعي إليهم‪ ،‬وتشجيعهم‪ ،‬ح تى‬
‫ال تمتد إليهم األيادي الغربية‪ ،‬لتأخذهم‪ ،‬يقول‪( :‬من القضايا المه ّم ة أن ترص د أجهزتن ا‬
‫الحكومي ة االختراع ات وبراءاته ا‪ ،‬وتتو ّج ه هي نح و أص حاب االختراع ات والنخب‬
‫الفكرية وتطالبهم بالتعاون والمساعدة كي يس تطيعوا أن يس اهموا في تأس يس ش ركات‬
‫البحث العلمي وفي أقس ام معين ة منه ا‪ .‬ال تقع د أجهزتن ا ح تى يأتيه ا المخ ترعون‬
‫ويراجعوها وتقع األعمال في التالفيف والتعقيدات اإلدارية والبيروقراطية وغيرها من‬
‫ك المحفّزات واالستعدادات)(‪)3‬‬ ‫المشكالت ‪ ..‬هذه األمور تضعف بال ش ّ‬
‫فإن األجانب يرصدون المواهب الموجودة في‬ ‫ي ّ‬ ‫ويقول‪( :‬حسب التقارير التي لد َّ‬
‫بالدنا‪ ،‬وما ينفعهم منه ا ي أتون ويس تثمرونه ويأخذون ه‪ .‬الم واهب والطاق ات اإلنس انية‬
‫أثمن ما يمتلكه البل د‪ .‬يجب أن ال نس مح وال ن دع ه ذا يحص ل‪ .‬والش كل المنطق ّي لع دم‬
‫السماح هو أن نوفّر الفرص واألرضية‪ ،‬ونشجّع ونأخذ باأليدي‪ ،‬وندفعهم نح و العم ل‪،‬‬
‫ونأخذهم إلى الميدان ليعملوا ويكونوا متفائلين متشوّقين‪ ،‬وعندها س يتوفّر ذل ك الينب وع‬
‫المتدفّق الذي ال ينضب)(‪)4‬‬
‫وهو يدعو لتحقيق هذا‪ ،‬وللمنع من هجرة األدمغ ة‪ ،‬واالس تفادة من ك ل الطاق ات‬
‫إلى التعامل الحريص على الطلبة‪ ،‬وتشجيعهم وتوفير الفرص لهم‪ ،‬وع دم ممارس ة أي‬
‫س لوك ق د يجعلهم ينف رون من البحث‪ ،‬يق ول‪( :‬هن اك من يجلس على قلب الط الب‬
‫الجامعي واألستاذ ليتلو عليه آيات اليأس واإلحباط‪ :‬هذا ال يتحقق‪ ،‬وهذا ال نق در علي ه‪،‬‬
‫وه ذا ال فائ دة من ه؛ فه ؤالء في الواق ع مث ل حش رة العث‪ :‬مخلوق ات دنيئ ة ومخرب ة‬

‫‪ )(1‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.316‬‬


‫‪ )(2‬خطابات الخامنئي ‪ ،2012‬ص‪.273‬‬
‫‪ )(3‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.274‬‬
‫‪ )(4‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.274‬‬

‫‪299‬‬
‫ومدمرة‪ .‬فالبلد يتحرك نحو األمام بك ل يس ر‪ ،‬والغرس ة ق د أص بحت بحم د هللا ش جرة‬
‫طيبة‪ ..‬فنحن نتقدم في جميع المجاالت‪ ،‬وبالطبع نواجه تحديات‪ .‬ول و أراد الم رء أن ال‬
‫يسقط أرضا ً فعليه أن ال يسير أبداً‪ .‬وإذا أردنا التحرك فهناك سقوط وارتطام‪ .‬ومواجهة‬
‫التحديات تعد من خصائص حرك ة أي ش عب‪ ،‬وب دونها ال تك ون حرك ة‪ .‬فبه ذا اليس ر‬
‫والثبات يتقدم شعبنا‪ ،‬فيما تجلس جماعة من الناس لنشر اليأس واإلحباط)(‪)1‬‬
‫ولم يفت ه أن ي ذكر في ه ذا الموض ع بعض مظ اهر التق دم العلمي ال ذي حص ل‬
‫إليران‪ ،‬وقد علق على بعضهم في هذا‪ ،‬فق ال‪( :‬الحظت أن بعض المتح دثين ليس لدي ه‬
‫اطالع على بعض األقسام األخرى‪ ،‬وأنا مطلع عليها‪ .‬على سبيل المثال في التكنولوجيا‬
‫العسكرية هنا إنجازات كثيرة ومدهش ة‪ .‬وم ا يش اهده الم رء في التلفزي ون ليس س وى‬
‫واجهة‪ ،‬والواجهة ال يمكن أن تُظهر حقيقة األمر وعظمته وتعقيداته‪ .‬لقد أُنج ز الكث ير)‬
‫(‪)2‬‬
‫أن تق ّدم البالد في القطاع ات‬ ‫وقال‪( :‬في هذه اإلحص ائيات ال تي ُذك رت الحظتم ّ‬
‫ّ‬
‫مؤش ر‬ ‫المه ّمة والعلوم الحديثة والمؤثّرة في الحياة ك ان ملفت ا ً خالل ع ّدة أع وام‪ .‬وه ذا‬
‫على وجود مواهب وإمكانيات واستعداد‪ .‬علينا أن نأخذ هذه المسألة بج ّدي ة‪ ،‬أي أن نهتم‬
‫لقضية العلم واالعتماد على العلم في البالد‪ ،‬ونجعلها أساسا ً لألمور والمشاريع‪ .‬هذا هو‬
‫ما نقوله في هذه األعوام) (‪)3‬‬
‫وهو ي ذكر أن تط ور االقتص اد مربت ط بتط ور العلم‪ ،‬فأحس ن أدوات االقتص اد‬
‫المقاوم هو الجهاد العلمي‪ ،‬يقول‪( :‬إذا جرى االهتم ام ب العلم في القطاع ات والمج االت‬
‫المختلفة فستستطيع شركات البحث العلمي والتي تعمل وتنتج وتوفّر الثروة على أساس‬
‫العلم أن تصل باقتص اد البالد ت دريجيا ً لالزده ار ال واقع ّي‪ .‬الحص ول على ال ثروة عن‬
‫طريق بيع المصادر النافدة مثل النفط ونظائره ليس ازدهاراً وال تق ّدماً‪ ،‬إنّما ه و خ داع‬
‫أن هذا ف ّخ بالنسبة لش عبنا‪ .‬لق د‬‫للذات‪ .‬وقد وقعنا في هذا الفخ‪ ،‬ويجب أن نعترف ونتقبّل ّ‬
‫ابتلينا ببيع الخام‪ ،‬وهذا واق ٌع وص لنا ك تراث من الماض ي وج رى تعوي د البالد علي ه‪.‬‬
‫طبعا ً جرت محاوالت في هذه األعوام األخيرة لترك هذا اإلدم ان المض ّر ب البالد‪ ،‬لكن‬
‫هذا لم يحدث بنحو تا ّم‪ .‬يجب أن نعتق د أوالً أن البل د ينبغي أن يص ل إلى حيث يس تطيع‬
‫بإرادته‪ ،‬وأنّه متى ما شاء يسد آبار نفط ه ‪ ..‬يجب أن نص ل إلى ه ذه العقي دة والقناع ة‪.‬‬
‫هذا ما يتعلق بقضية النفط‪ .‬وبيع الخام في مختلف أنواع المواد الخام والمعادن ال ي زال‬
‫قائماً‪ .‬وهذه من نقاط ضعفنا ومن مشكالت بالدنا‪ .‬إذا أردنا أن ننج و من ه ذا الوض ع‪،‬‬
‫ونحقق النمو االقتصادي الحقيقي‪ ،‬فالسبيل إلى ذلك هو االعتماد على العلم‪ ،‬وهذا مت اح‬
‫عن طريق تقوية شركات البحث العلمي)(‪)4‬‬

‫‪ )(1‬خطابات الخامنئي ‪ ،2010‬ص‪.316‬‬


‫‪ )(2‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.316‬‬
‫‪ )(3‬خطابات الخامنئي ‪ ،2012‬ص‪.272‬‬
‫‪ )(4‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.272‬‬

‫‪300‬‬
‫وذكر أن أهمية ذلك ال تقتصر على المجال االقتصادي‪ ،‬ب ل تعم ك ل المج االت‪،‬‬
‫يق ول‪( :‬إذا اس تطعنا إن ش اء هللا التق ّدم ببن اء األعم ال االقتص ادية على أس اس العلم‪،‬‬
‫وتحويل ذلك إلى طابع غالب على اقتصاد البالد‪ّ ،‬‬
‫فإن ذلك لن يمنح البالد قوة اقتصادية‬
‫وحسب‪ ،‬بل سيمنحها قوة سياسية أيضاً‪ ،‬وقوة ثقافية‪ .‬حينما يشعر البلد ّ‬
‫أن بوس عه إدارة‬
‫نفسه وشعبه بعلمه ومعرفت ه ويق ّدم الخ دمات لس ائر الش عوب‪ ،‬فس وف يش عر بالهوي ة‬
‫والشخصية‪ .‬وهذا بالضبط ما تحتاجه الشعوب المسلمة اليوم) (‪)1‬‬
‫هذه مجرد نماذج عن مدى حض ور ال ولي الفقي ه في جمي ع مج االت الحي اة في‬
‫إيران‪ ،‬وتوجيهاته لها‪ ،‬وهو ما ي بين أن دوره والص الحيات ال تي أعطيت ل ه‪ ،‬لم تع ط‬
‫من فراغ‪ ،‬ألن هذا الدور وتلك الصالحيات هي التي ت تيح ل ه أن يت دخل في السياس ات‬
‫المختلفة ليوجهها توجيها استراتيجيا لتحقيق المكاسب الكبرى‪.‬‬
‫وأحب أن أختم هذا المبحث ببعض ما ذكرته وسائل اإلعالم من النجاحات التي‬
‫حققته ا الجمهوري ة اإلس المية في ه ذا المج ال‪ ،‬وفي تل ك الف ترة القص يرة المش حونة‬
‫بالمؤامرات‪.‬‬
‫ففي مقال إخب اري بعن وان [إنج ازات اي ران م ا بع د الث ورة اإلس المية] وردت‬
‫اإلحصائيات التالية(‪:)2‬‬
‫في القط اع الص حي‪ :‬زاد ع دد األطب اء من ‪ 15،000‬إلى أك ثر من ‪111،000‬‬
‫طبيب‪ ،‬والقضاء التام على حاجة البالد إلى توظيف األطباء األجانب‪ ،‬فضال عن جذب‬
‫السياحة الصحية‪ ،‬وقبول وعالج المرض ى األج انب ال ذين يع انون من مختل ف أن واع‬
‫االمراض‪.‬‬
‫ومن االبتكارات التي حققها اإليرانيون في هذا القطاع‪ :‬التطور الكبير في مج ال‬
‫الخاليا الجذعية‪ ،‬وفي زراع ة الكلى وعالج أم راض العي ون‪ ،‬باإلض افة إلى حص ول‬
‫إيران على المرك ز األول في الش رق األوس ط بإنت اج ‪ 97‬بالمئ ة من األدوي ة الالزم ة‬
‫وتصدير األدوية‪ ،‬بما في ذلك العقاقير والتكنولوجيا الحيوية‪.‬‬
‫وقد حصل االكتفاء الذاتي في صنع اللقاحات والقضاء على شلل األطفال وغيره‬
‫من األمراض الشاملة‪ ،‬حيث تغطي اللقاحات اليوم ‪ 100‬بالمئ ة من اراض ي البالد بع د‬
‫أن ك انت ‪ 30‬بالمئ ة قب ل الث ورة‪ ،‬وق د نتج عن ه ذا التط ور انخف اض مع دل وفي ات‬
‫األطفال دون سن سنة واحدة من أكثر من ‪ 12‬بالمئة قبل الثورة إلى أقل من ‪ 1.5‬بالمئة‬
‫والحد من وفيات األمهات من ‪ 54.2‬بالمئة إلى ‪ 0.24‬بالمئة بعد الثورة‪.‬‬
‫في المجال الصناعي‪ :‬حصلت زيادة وتطوير معامل التكري ر والبتروكيماوي ات‬
‫وتصنيع أكثر من ‪ 40‬محطة كب يرة للنف ط والغ از والبتروكيماوي ات على م دى العق ود‬
‫الثالثة الماضية‪.‬‬
‫وارتفعت نسبة انت اج االس منت من ‪ 6.6‬ماليين طن الى ح والي ‪ 80‬ملي ون طن‬

‫‪ )(1‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.272‬‬


‫‪ )(2‬انظر‪ :‬إنجازات ايران ما بعد الثورة اإلسالمية‪ ،‬موقع براس اإليراني اإلخباري‪ 13 ،‬فبراير ‪.2018‬‬

‫‪301‬‬
‫وازدادت الصادرات غير النفطية من ‪ 523‬مليون دوالر عام ‪ 1979‬الى ‪ 5731‬مليارا‬
‫عام ‪.2017‬‬
‫وارتفع مستوى االكتفاء ال ذاتي في ص ناعة النف ط من ‪ 4‬بالمئ ة إلى ‪ 80‬بالمئ ة‪،‬‬
‫والبتروكيماويات من ‪ 4‬ماليين طن في عام ‪ 1979‬إلى ‪ 38‬مليون طن بعد الثورة‪.‬‬
‫في المجال العلمي‪ :‬يحتل الباحثون اإليرانيون اليوم المرتب ة السادس ة عش ر من‬
‫اإلنتاج العلمي‪ ،‬وبحلول ع ام ‪ ،2012‬تم تس جيل أك ثر من ‪ 26196‬ب راءة اخ تراع في‬
‫البالد‪ ،‬وارتف ع ال ترتيب الع المي إلي ران في المج ال العلمي في الف ترة من ‪ 1996‬إلى‬
‫‪ 2015‬من ‪ 16‬إلى ‪ 53‬بالمئة بعد الثورة‪.‬‬
‫باإلضافة إلى ذل ك تحت ل اي ران مرتب ة كب يرة بين ال دول المتقدم ة األخ رى في‬
‫مجال العلوم الجديدة مثل‪ :‬نانو االلكترونيات الدقيقة ناهي ك عن دخ ول العلم الى مج ال‬
‫تصنيع الروبوتات‪.‬‬
‫أما الجامعات‪ ،‬فقد زادت قدرتها من ‪ 15‬جامعة حكومية إلى ‪ 615‬جامع ة (‪115‬‬
‫جامعة حكومية و‪ 500‬جامعة غير حكومي ة) وزي ادة ع دد الطالب من ‪ 175‬أل ف قب ل‬
‫الثورة إلى أكثر من ‪ 4‬ماليين طالب في أعقاب الثورة اإلسالمية‪.‬‬
‫وقد نتج عن ذلك كله ارتفاع كبير وملحوظ في مجال نش ر المق االت العلمي ة من‬
‫‪ 669( ٪0.1‬مقال ة) في ع ام ‪ 1979‬إلى ‪ 23( ٪165.1‬أل ف مقال ة) في الس نة بع د‬
‫الثورة‪.‬‬
‫في المجال العام واالجتماعي‪ :‬تطورت ش بكات توزي ع مي اه الش رب م ع زي ادة‬
‫قدرها من ‪ 3.7‬ماليين قبل الثورة إلى ‪ 11908658‬مش تركا بع د الث ورة وع دد الم دن‬
‫التي لديها شبكة مياه صحية من ‪ 45‬مدينة إلى أكثر من ‪ 1000‬مدين ة ومن ع دة مئ ات‬
‫من القرى قبل الثورة إلى حوالي ‪ 33297‬قرية حاليا‪.‬‬
‫وزادت معاشات الضمان االجتماعي من ‪ 89،000‬إلى حوالي ‪ 4‬ماليين شخص‬
‫والتأمين الصحي من ‪10‬بالمئة إلى أكثر من ‪ 95‬بالمئة‪.‬‬
‫وتم تنفيذ خطة مهر اإلسكانية‪ ،‬وتط وير الص ناعة الس ياحية‪ ،‬وتنظيم المع ارض‬
‫الدولية المختلفة‪ ،‬وتمهيد الطريق لتحسين نوعية الحياة للشعب االيراني‪.‬‬
‫في المجال الزراعي‪ :‬قبل الثورة‪ ،‬كان حدود اإلنت اج ال زراعي ‪ 25‬ملي ون طن‪،‬‬
‫واآلن يتجاوز االنتاج الزراعي االيراني ‪ 100‬مليون طن‪ ،‬باإلض افة إلى اعتم اد البالد‬
‫على نفسها في انتاج كل المحاصيل‪.‬‬
‫وتم توفير ‪ 90‬في المئة من طلب البالد من المنتجات الزراعي ة واالس تراتيجية‪،‬‬
‫مثل القمح‪ ،‬وتعتبر اي ران ث اني أك بر منتج اس تراتيجي واس تهالكي لل رز بمع دل نم و‬
‫يتراوح بين ‪ 60‬و‪ 70‬في المئة مقارنة بمرحلة ما قبل الثورة اإلسالمية‪.‬‬
‫وقد تطورت الصناعات ذات الصلة بالقطاع الزراعي بحيث زادت قدرة اإلنتاج‬
‫ال زراعي في البالد إلى ‪ 33‬ملي ون طن في ع ام ‪ ،2006‬وارتفعت في نهاي ة البرن امج‬
‫الرابع إلى ‪ 42‬مليون طن‪ ،‬وإي ران هي المنتج األول للفس تق والزعف ران والرم ان في‬
‫العالم‪.‬‬

‫‪302‬‬
‫في مجال بناء المدن والعم ران‪ :‬زي ادة نس بة الوص ول إلى المي اه المك ررة إلى‬
‫‪ 96.2‬بالمئة من الشعب‪ ،‬وزيادة الطرق الرئيس ية في البالد من ‪ 36‬أل ف كيلوم تر إلى‬
‫أكثر من ‪ 200‬أل ف كيلوم تر‪ ،‬وتط وير الس كك الحديدي ة من ‪ 4‬آالف كيلوم تر إلى م ا‬
‫يق رب من ‪ 20‬أل ف كيلوم تر‪ ،‬وزي ادة ع دد المط ارات من ‪ 22‬مط ارا إلى نح و ‪100‬‬
‫مطار‪ ،‬وزيادة عدد الموانئ ورفع طاقتها الى ‪ 10‬ماليين طن‪ ،‬والطرق الريفية في عام‬
‫‪1977‬كانت بطول ‪ 26‬الف كيلو متر ومن التراب اما اليوم فيبلغ طولها أكثر من ‪100‬‬
‫الف كم‪ ،‬و‪ 56‬بالمئة منها طرق من االسفلت‪.‬‬
‫خامسا ـ الجانب الفني وقيم الحضارة‪:‬‬
‫من المزايا التي تميز بها النظام اإليراني‪ ،‬وباتفاق الكثير حتى المغرضين منهم‪،‬‬
‫اهتمامه بالفنون الجميلة بجميع أنواعها‪ ،‬ما تعلق منها بالسمع كاإلنش اد والغن اء‪ ،‬أو م ا‬
‫تعلق بالبصر كالرسم والنحت‪ ،‬أو ما تعلق بهما جميعا كالمسرح والسينما وغيرهما‪.‬‬
‫وميزت ه األخ رى المتعلق ة به ذا‪ ،‬وال تي ت رد على تل ك المف اهيم الخاطئ ة ح ول‬
‫الطريقة التي يفكر بها الولي الفقيه‪ ،‬أو القدرات الشخصية الموفرة ل ه‪ ،‬ه و اهتم ام كال‬
‫من قائ ده األول‪ ،‬مؤس س الجمهوري ة اإلس المية اإلم ام الخمي ني‪ ،‬وخليفت ه الس يد علي‬
‫الخامئني بالفنون‪ ،‬وبالكتاب ة األدبي ة‪ ،‬والنق د األدبي‪ ،‬وبالش عر؛ فكالهم ا أديب وش اعر‬
‫وفنان‪.‬‬
‫وقد ذكرنا في الجزء السابق‪ ،‬عند حديثنا عن العرفان بعض المقطوعات الجميلة‬
‫للخمي ني‪ ،‬وال تي تض اهي أش عار جالل ال دين ال رومي‪ ،‬وفري د ال دين العط ار‪ ،‬وابن‬
‫الفارض‪ ،‬وغيرهم‪ ،‬كنموذج لذلك االهتمام األدبي‪ ،‬والروح الشاعرية‪.‬‬
‫وهكذا شأن الخامنئي‪ ،‬فقد ذكرنا في الجزء السابق أيضا م دى اهتمام ه بمطالع ة‬
‫الروايات و القصص‪ ،‬وخبرته فيها‪ ،‬وتوجيهاته المتعلقة بها‪ ،‬وقد كانت عالقت ه ب األدب‬
‫قديمة ابتدأت من شبابه الباكر‪ ،‬حينما كان في مشهد‪ ،‬حيث ش ارك في بعض الجمعي ات‬
‫األدبية التي تشكلت آنذاك بمشاركة شعراء كبار‪ ،‬و كان ينقد الشعر في ه ذه الجمعي ات‬
‫األدبية‪.‬‬
‫باإلضافة إلى ذلك كله كان شاعرا‪ ،‬وق د كتبت بعض المواق ع عن ه تحت عن وان‬
‫[خامنئي الشاعر متعطش لــ (كأس الحي اة)] تق ول‪( :‬كث يرة هي األخب ار ال تي تحيطن ا‬
‫بجوانب من شخصية السيد خامنئي السياس ية‪ ،‬لكن قل ة من المق ربين من ه تعرف وا على‬
‫خ امنئي األديب والش اعر وتمكن وا من ول وج عالم ه الخ اص‪ .‬فعلى ال رغم من ولع ه‬
‫بالشعر منذ أكثر من ستين عاماً‪ ،‬إال أنه ال يزال يشعر بالخج ل من إلق اء قص ائده أم ام‬
‫المأل‪ ،‬وي تردد في إص دار ديوان ه األول‪ .‬لكن الش هر الماض ي تج اوز خ امنئي خجل ه‬
‫وألقى أحدث أعماله الشعرية أمام زمالئه الشعراء) (‪)1‬‬
‫وعلقت كاتبة هذا الخبر عليه بقولها‪( :‬لطالم ا اتهم علم اء ال دين ب االنغالق تج اه‬
‫الفن ون‪ ،‬وب أنهم ال يملك ون نظ رة واض حة في الفن‪ ،‬لكن خ امنئي كس ر ه ذه القاع دة‬

‫‪ )(1‬خامنئي الشاعر متعطش لــ (كأس الحياة)‪ ،‬زهراء ديراني‪ ،‬موقع الميادين‪.‬‬

‫‪303‬‬
‫بانفتاحه على الساحة األدبية بشكل واسع‪ .‬فهو من كبار الناقدين لألدب‪ ،‬وله ذوق نقدي‬
‫يشهد له كبار الشعراء واألدباء المعاصرين اإليرانيين)‬
‫ومن اهتماماته المتعلقة بهذا الج انب‪ ،‬وال تي ت رد على خص ومه ال ذين يتهمون ه‬
‫ويتهمون مشروع الجمهورية اإلسالمية بالتعصب للفارسية‪ ،‬اهتمام ه‪ ،‬ب ل عش قه للغ ة‬
‫العربية‪ ،‬وآدابها وفنونها؛ فقد نقلت جريدة (كيهان العربي) بت اريخ ‪ 21‬رجب ‪1414‬هـ‬
‫عن بعض المقربين من السيد علي الخامنئي الدكتور محم د علي آذرش ب‪( ،‬المستش ار‬
‫الثقافي للخامنئي) قول ه‪( :‬آي ة هللا الخ امنئ ّي يعش ق األدب واللغ ة العربيّ ة‪ ،‬وإنّ ه وحتّى‬
‫اليوم مع زحمة األعمال الّتي تحيط به‪ ،‬يعقد جلسات بحث أس بوعية في األدب والش عر‬
‫العرب ّي يتعرّض خاللها القليل من الش عر الق ديم ولكث ير من الش عر الح ديث‪ ،‬وخالله ا‬
‫أسمعه مرارًا يقول‪( :‬طالما تمنّيت أنّني ولدت في بل د ع رب ّي يم ّكن ني من الكالم باللّغ ة‬
‫العربيّة)‬
‫ويعقب محم د علي آذرش ب على ه ذا بقول ه‪( :‬لق د ط الع موس وعات في األدب‬
‫العرب ّي بأجمعها ووضع عليها هوامش وتعليقات‪ ،‬من ذلك كت اب األغ اني‪ ،‬فق د طالع ه‬
‫فهرس ا ك اماًل قب ل‬
‫ً‬ ‫بأجمعه ووضع على حواشيه تعليقات ومالحظات ها ّمة؛ كما وضع‬
‫أن تبادر دار الكتب إلى طباعة فهرس األغاني‪ .‬وحاول منذ سنٍّ مبكر أن يق رأ لج بران‬
‫خليل جبران‪ ،‬ويترجم ل ه ويق رأ دي وان الج واهري ويعلّ ق علي ه‪ ،‬وحتّى في الس جن لم‬
‫ُفوت فرصة االرتباط بمن له ذوق باألدب العرب ّي‪ ،‬من ذلك أنّه التقى في س جن القلع ة‬ ‫ي ِّ‬
‫سنة ‪1963‬م بمجموعة من السجناء العرب الخوزستانيّين‪ ،‬فآنس بهم وآنس وا ب ه وك ان‬
‫منهم المرحوم السيّد باقر النزاري‪ ،‬ويذكر الخامنئي‪ ،‬إنّه كان دائ ًما يحاول أن يتكلّم م ع‬
‫ه ؤالء الع رب ويتح ادث معهم‪ ،‬وك ان يعلّم بعض هم قواع د اللّغ ة العربيّ ة ويتعلّم منهم‬
‫المحادثة العربيّة‪ ،‬حتّى أنَّه حينم ا خ رج من الس جن عمل وا ل ه هوس ة‪( :‬ي ا س يّد ج ّدك‬
‫ويّانه)(‪)1‬‬
‫وفي هذا المجال نذكر عالقته بالشاعر العراقي الكبير‪ ،‬بل شاعر ال َع َرب األك بر‬
‫ُمح ّمد مهدي الجواهري‪ ،‬والذي كتب عنه على الصفحة األولى من كتاب ه ( ذكري اتي )‬
‫قصيدة أهداها إليه قال فيها‪:‬‬
‫أنتَ‬
‫ذو ِمن ة َو الم ِدل‬ ‫ّ‬ ‫أنتَ‬ ‫َسيّدي أيّه ا األع ز األ َج ل‬
‫…‬
‫ُكل ما قي ل في ِس واه يَقِ ل‬ ‫عج ُز الح رف أن يُ وفّي‬ ‫يَ َ‬
‫اً‬ ‫عظيم‬
‫زَ عيم ا ً لِثَ و َر ِة تَس تَ ِهل‬ ‫أيّه ا الش ا ِمخ ال ذي ش ا َء ُه‬
‫هللاُ‬
‫يَ ٌد َمن َم ّس ها بِس و ِء ت َِش ل‬ ‫ك في ِذ ّم ة اإلل ه يَ ٌ‬
‫مين‬ ‫لَ َ‬
‫لَكَ في الح رب ِمض َرب ال‬ ‫لَ َ‬
‫ك في ّ‬
‫الس لم ِمنبَ ٌر ال‬
‫ل‬ ‫يَفِ‬ ‫ارى‬ ‫يُج‬

‫‪ )(1‬جريدة (كيهان العربي) بتاريخ ‪ 21‬رجب ‪1414‬هـ‪.‬‬

‫‪304‬‬
‫لَ كَ بَع َد المكرُم ات َوقَب ل‬ ‫ق ال ّذرى‬‫ك أه ٌل فَ و َ‬ ‫لَ َ‬
‫ل‬ ‫َوم َح‬
‫ي ا عَطوف ا ً عَلى ُخطى َمن‬ ‫ف َاغتَفِر لي م ا ج ا َء في‬
‫ِزل‬ ‫يَ‬ ‫اتي‬ ‫ِذكري‬
‫ويتص ورون ال ولي‬ ‫وبناء على هذه االهتمامات‪ ،‬والتي يجهله ا الكث ير لألس ف‪،‬‬
‫الفقيه بصورة الفقيه الجاف‪ ،‬الذي ال يعرف إال الفتوى‪ ،‬وم ا يرتب ط به ا‪ ،‬ويغفل ون عن‬
‫كون قادة الثورة اإلسالمية جميعا كانوا فالس فة ومفك رين وأدب اء‪ ،‬ويتقن ون ف وق ذل ك‬
‫لغات متعددة تتيح لهم االطالع على الثقافة العالمية‪.‬‬
‫وقد كان في إمكان النظام اإليراني أن يخت ار لقب [ال ولي الحكيم]‪ ،‬ب دل [ال ولي‬
‫الفقيه]‪ ،‬لهذا االعتبار‪ ،‬خاصة مع اهتمام جميع قادة الثورة اإلسالمية ومفكريها بالحكمة‬
‫والفلسفة‪ ،‬لكنهم لم يفعلوا ذلك‪ ،‬ألن ال ولي الفقي ه يم ارس ص الحيته انطالق ا من الفق ه‪،‬‬
‫الذي هو التعرف على األحكام الشرعية‪ ،‬والتعريف بها‪ ،‬ومحاولة تنفيذها في الواقع‪.‬‬
‫انطالقا من هذا نحاول هنا باختصار أن نذكر تص ورات ق ادة النظ ام اإلس المي‬
‫في إيران‪ ،‬للفن‪ ،‬وأهميه‪ ،‬وخصائصه التي تتبناها الجمهورية اإلسالمية‪.‬‬
‫ومثلما سبق ذكره في الجوانب األخرى من التحذير والتقليد والتبعية والتغ ريب‪،‬‬
‫نرى كذلك في هذا الجانب دعوة ملح ة من جمي ع الق ادة إلى اإلب داع واالبتك ار‪ ،‬وبن اء‬
‫منظومة فنية شاملة نابعة من الهوية‪ ،‬ومن القيم اإلسالمية‪.‬‬
‫ولذلك نرى الخامنئي ينكر ـ في محاضراته وخطبه وكتبه ـ على الفنون الغربية‪،‬‬
‫ألنها فن ون مادي ة‪ ،‬وتض ليلية‪ ،‬وتس يء إلى األخالق والقيم اإلنس انية‪ ،‬وهي ف وق ذل ك‬
‫تخدم االستعمار والحرب الناعمة‪ ،‬يقول ـ في خطاب له موجه للفنانين‪ ،‬في أحد لقاءات ه‬
‫بهم ـ ‪( :‬من النقاط التي ينبغي االلتفات إليها في مواجهة عالم الغرب بشكل كام ل‪ ،‬ه و‬
‫الفن إلى أقص ى الح دود‬ ‫الفن وأداته التي يستخدمها الغربيّون‪ .‬لقد اس تفادوا من ّ‬ ‫عنصر ّ‬
‫ّ‬
‫من أجل ترويج ه ذه الثقاف ة الخاطئ ة والمنحط ة والماحق ة للهويّ ات‪ ،‬وال س يّما الفن ون‬
‫صة االستفادة من السينما وبأقصى ما يمكن‪ .‬فهؤالء يجعل ون‬ ‫المسرحية (األدائية)‪ ،‬وخا ّ‬
‫مشروع ما‪ ،‬فيكتشفون نقاط ضعفه‪ ،‬ويس تفيدون من‬ ‫ٍ‬ ‫ب تحت الدراسة على شكل‬ ‫ي شع ٍ‬ ‫أ ّ‬
‫علماء النفس وعلماء االجتماع والمؤرّخين والفنّانين وأمثالهم‪ ،‬ليكتش فوا ط رق الهيمن ة‬
‫على هذا الشعب‪ .‬ث ّم بعد ذلك‪ ،‬يوصون منتجا ً سينمائيّا ً أو مؤسّسة فنّيّة في هوليوود لكي‬
‫تصنع فيلماً‪ .‬فالكثير من األفالم التي ينتجونها لنا وللدول هو من هذا القبيل)(‪)1‬‬
‫ثم ذك ر م دى وض وح ه ذا ال دور التض ليلي ال ذي تق وم ب ه الس ينما األمريكي ة‬
‫ع على‬ ‫ي اطّال ٌ‬
‫خصوص ا م ع جمي ع الش عوب ح تى األوروبي ة منه ا‪ ،‬يق ول‪ ( :‬ليس ل د ّ‬
‫لكن ما ينتجونه للشعوب فيه بع ٌد هجوم ّي‪ .‬قب ل ع ّدة‬ ‫األفالم المتعلّقة بال ّداخل األمريك ّي‪ّ ،‬‬
‫أن بعض الدول األوروبيّة الك برى ق رّرت أن تواج ه األفالم‬ ‫سنوات‪ ،‬نُشر في األخبار ّ‬
‫األمريكية‪ .‬هؤالء ليسوا مسلمين‪ ،‬لكنّهم يستشعرون هذا الخطر‪ ،‬خطر الهجوم) (‪)2‬‬

‫‪ )(1‬خطابات الخامنئي ‪ ،2012‬ص‪.506‬‬


‫‪ )(2‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.506‬‬

‫‪305‬‬
‫وهو يذكر أن إيران تستشعر هذا الخطر‪ ،‬ولذلك تراقب كل ما يص در من إنت اج‬
‫فني غربي‪ ،‬وتضع البدائل له‪ ،‬يقول‪( :‬وب الطبع‪ّ ،‬‬
‫إن ال دول اإلس الميّة‪ ،‬وبل دنا الث ور ّ‬
‫ي‬
‫بشكل أخصّ ‪ ،‬يستشعرون هذا األمر أكثر‪ .‬فهم ينظرون ويقيسون الخصائص‪ ،‬ويزنون‬
‫األوضاع‪ ،‬وينتجون األفالم‪ ،‬ويع ّدون األخب ار على ه ذا األس اس‪ ،‬وك ذا اإلعالم ف إنّهم‬
‫يش ّكلونه ويبثّونه وفقا ً لذلك)(‪)1‬‬
‫وقد سبق أن ذك ر الخمي ني ه ذا‪ ،‬ودع ا إلي ه في أوائ ل س نوات انتص ار الث ورة‬
‫اإلس المية‪ ،‬حيث ق ال في خط اب موج ه للش عب‪( :‬المراك ز اإلعالمي ة المس موعة‬
‫والمرئي ة وال تي هي على إتص ال دائم باأل ّم ة لي ل ونه ار في س ائر أنح اءالبالد‬
‫سواءالمطبوعات في مقاالتها وكتاباتها‪ ،‬أو اإلذاعة والتلفزيون في برامجها وتمثيلياته ا‬
‫وعرض الفنون واختيار األفالم والفنون البناءة‪ ،‬عليها كلها أن تعقد العزم وتعمل أك ثر‬
‫م ا تس تطيع وتطلب إلى الفن انين المل تزمين أن يأخ ذوا بنظ ر اإلعتب ار أوض اع فئ ات‬
‫المجتمع كافة في سبيل تربية المجتم ع وتهذيب ه بش كل ص حيح‪ ،‬وتعليم ه س بيل الحي اة‬
‫الش ريفة والمتح ررة ب الفنون والمس رحيات والتمثيلي ات والمسلس الت‪ ،‬ومن ع الفن ون‬
‫المبتذل ة والس يئة التعليم‪ ،‬فالش عب العزي ز وعلى م دى خمس ين عام ا ً أس ودَ‪ ،‬ق د ابتلى‬
‫بمجالت وجرائد مخرّبة ومفسدة لجي ل الش باب‪ ،‬ك انت الس ينما واإلذاع ة والتلفزي ون‪،‬‬
‫أسوأ منها إذ دحرجت ببرامجها الشعب إلى ح ّد كبيرالى أحض ان الغ رب والمتغ رّبين‪.‬‬
‫ووسائل األعالم الجماعية أشد ضرراً وأسوأ من المدافع وال دبابات واألس لحة الم دمرة‬
‫إذ أن أضرار اإلسلحة أض رار ع ابرة واألض رار الثقافي ة باقي ة وتس ري إلى األجي ال‬
‫القادمة كم ا ش اهدتم وتش اهدون‪ ،‬ول و لم يكن اللط ف الخ اص من هللا المنّ ان والتغي ير‬
‫الس ريع البناءالش عب على مس توى البالد كله ا فال ن دري إلى أين س يُجرفُ مص ير‬
‫اإلسالم والبالد)(‪)2‬‬
‫ولهذا ن راهم يس نون الق وانين ال تي تحمي الفن ون من الوق وع في فخ العلماني ة‪،‬‬
‫لتبتع د عن ال دين ال ذي ه و أع ز م ا يملك ه اإليراني ون‪ ،‬ب ل إن الخ امنئي ال يكتفي في‬
‫خطابه للفنانين بتلك الشكليات المرتبطة بالدين‪ ،‬وإنما يدعو إلى ممارس ة رقاب ة مش ددة‬
‫حتى ال تتسلل األفكار العلمانية في ثوب فني‪ ،‬يقول‪( :‬في بعض األحي ان يك ون اإلعالم‬
‫(والتوجهات اإلعالمية)‪ ،‬ظاهره دينيّا ً والكالم كالم ال دين‪ ،‬والش عار ش عار ال دين‪ ،‬أ ّم ا‬
‫في الباطن فيكون علمانيّا‪ ،‬أي يدعو لفصل الدين عن الحياة)‬
‫تغاض بالنسبة للتلفزيون‬
‫ٍ‬ ‫ويقول في لقاء آخر‪( :‬إنني ال أحمل أية نظرة تساهل أو‬
‫ومن أية جهة‪ .‬فالفنون التمثيلية مهمة جداً‪ ،‬وم دى الت أثير ال ذي تحدث ه وبناؤه ا للثقاف ة‬
‫واس ٌع جداً‪ ،‬ونحن اليوم كأ ّمة حيّة لها كلمتها وتشعر بهويتها ووجوده ا لن ا أع داء كب ار‬
‫ونواجه عداوات من مختلف األنواع وبأساليب متعددة‪ ،‬منها ما يتعلق باس تخدام الفن ون‬
‫وأكثرها الفنون التمثيلية‪ .‬وهذا يد ّل على أهمية أن نولي كأمة حيّة وكجماعة لها كلمته ا‬

‫‪ )(1‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.506‬‬


‫‪ )(2‬صحيفة اإلمام‪ ،‬ج‪ ،19‬ص‪.145 :‬‬

‫‪306‬‬
‫في العالم وهدفها قضية الفنون التمثيلي ة االهتم ام الك افي له ا ونب ذل ألجله ا الرس اميل‬
‫المادية والمعنوية)(‪)1‬‬
‫وهو يحذر من تلك الممارسات التي تقع في الغ رب بحج ة الس ينما الواقعي ة‪ ،‬أو‬
‫تصوير الواقع‪ ،‬ويعتبرها نوعا من الدعوة للفساد‪ ،‬يقول‪( :‬أجل إن إظه ار حرك ة الش ر‬
‫ال إش كال في ه‪ ،‬ولكن فليُعلم بوج ود حرك ة خ ير‪ ،‬وأن شخص ية البط ل تس عى إليه ا‪،‬‬
‫وتحارب من أجلها‪ ،‬وتضحي في سبيلها‪ ،‬حتى أنه أحيانا ً يضحي بنفسه من أجله ا ومن‬
‫أج ل الوص ول إلى ذل ك اله دف‪ .‬وص حي ٌح أنكم هن ا أظه رتم العيب والقبح‪ ،‬ولكنكم‬
‫أظهرتم شيئا ً أكبر وهو الجه اد من أج ل مواجه ة ه ذا المنك ر‪ ،‬ه ذا م ا يُس ّمى انتق اداً‪.‬‬
‫وإنني كعالم دين‪ ،‬وكمس ؤول في نظ ام الجمهوري ة اإلس المية‪ ،‬أق ول لكم إن مث ل ه ذا‬
‫االنتق اد ال إش كال في ه ب ل ه و مطل وب ألن ه ذا االنتق اد يتق ّدم ب المجتمع على طري ق‬
‫القض اء على النق ائص‪ ،‬ويم ده بالحرك ة‪ ،‬وه و أم ٌر جي د‪ .‬ولكن في بعض األحي ان ال‬
‫يكون األمر كذلك‪ ،‬وإنما اعتراض مجرد االعتراض‪ ،‬حيث ين تزع الم رء نقط ة س لبية‬
‫ويصر عليها‪ .‬فهل أن النقاط السلبية ونقاط الضعف ت زول من المجتم ع؟ ه ل يمكن أن‬
‫تُقتلع بشكل كامل؟ وهناك أم ٌر آخر‪ ،‬أن يكون معترضا ً وسوداويا ً وباعثا ً على الي أس ال‬
‫يعد هدفا ً للفنان أو هدفاً‪ ،‬وهو ال يُعد امتيازاً أو فخراً‪ ،‬ففي بعض األحيان أنتم تُظه رون‬
‫منكراً دون أن تُظهروا عامل الخير الذي من المف ترض أن يتغلب على ذل ك المنك ر أو‬
‫يواجهه‪ ،‬وبهذا تنشرون اليأس في المجتمع وتغذونه‪ ،‬ومن يشاهد فيلمكم من جانب آخر‬
‫يقول‪ :‬ما هي الفائدة؟ رغم األثر الكبير الذي يكون للفيلم ورغم جودة التمثيل) (‪)2‬‬
‫ويلخص لهم ه ذا المع نى بقول ه‪( :‬أن ا أق ول لكم انتق دوا ولكن فليكن انتق ادكم‬
‫بالمعنى الواقعي للكلمة‪ ،‬أي أن تُظهروا صراع الخ ير والش ر لكي يُعلم أن ه م ع وج ود‬
‫نقطة قبيحة ومنكرة في المجتمع‪ ،‬هن اك داف ٌع إلزالته ا‪ ،‬وهن اك تي ار يس عى القتالعه ا‬
‫والقضاء عليها‪ .‬فإذا أظهرتم الفقر‪ ،‬فال يكون ذلك بطريقة يظهر فيها الفقر في المجتم ع‬
‫دون أي تحرك لمواجهته‪ .‬لو حصل ذلك‪ ،‬فإن هذا الفيلم س يكون مثبط ا ً حتم اً‪ ،‬ويعكس‬
‫سوداوية األجواء) (‪)3‬‬
‫وهو يشيد بالنجاحات التي حققها المش رفون على الفن ون في إي ران‪ ،‬وي ذكر في‬
‫بعض لقاءاته إحصاءات مرتبطة بها‪ ،‬فيقول‪( :‬إنني أشكركم جميعا ً وأق دركم‪ ،‬بي د أن ني‬
‫أذكر أن هناك مجاالً كبيراً للعم ل ول دينا إمكان ات هائل ة‪ .‬فمن بين ‪ 33‬أل ف س اعة من‬
‫البث خالل الع ام وض من م ا ق دم لن ا من إحص اء ف إن أك ثر من ‪ 60‬بالمائ ة من‬
‫المسلسالت هو من إنتاج محلي‪ ،‬وفي مجال األفالم فإن ما يبلغ حوالي ‪ 40‬بالمائة ه و‬
‫إنتاج محلي‪ ،‬وهو رق ٌم مرتفع جداً‪ ،‬وهذا يدل على وجود إمكانات مدهشة في البل د‪ ،‬ب ل‬
‫كث ير من ال دول في الع الم ال تمتل ك ه ذه اإلمكان ات م ا خال ع دد مح دود من ال دول‬

‫‪ )(1‬خطابات الخامنئي ‪ ،2010‬ص‪.232‬‬


‫‪ )(2‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.234‬‬
‫‪ )(3‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.234‬‬

‫‪307‬‬
‫المعروف ة في الع الم‪ .‬وفي الواق ع ف إن الكث ير من مراك ز ص ناعة األفالم في مختل ف‬
‫الدول يدار من قبل مجموع ة مع دودة من ال دول‪ ،‬وعم دتها أمريك ا وهولي وود‪ ،‬ونحن‬
‫لدينا هذه اإلمكانات‪ ،‬وهذه الموارد البشرية الجيدة‪ ،‬وهذه اإلمكانات التجهيزية‪ ،‬وأيض ا ً‬
‫القدرة البرمجية المميزة‪ ،‬وهذا التاريخ المليء بالحوادث‪ .‬لهذا فإن لدينا إمكانات كب يرة‬
‫للعمل‪ .‬لقد بذلتم جهوداً كبيرة‪ ،‬وفي الواقع فإن نتاج أتعابكم هو هذه اآلثار الجيدة‪ ،‬ولكن‬
‫ال زال بين ما أُنجز وما يمكن إنجازه بهذه اإلمكانات العظيمة مسافة بعيدة) (‪)1‬‬
‫ويذكر بعض النماذج الفنية الناجحة في ذل ك‪ ،‬فيق ول‪( :‬ه ا أنتم هن ا انظ روا إلى‬
‫مسلسل كمسلسل النبي يوسف‪ .‬وهو مسلسل أُنتج وتمت مراعاة جميع الجهات الشرعية‬
‫وغيرها فيه‪ .‬فإنه يبيّن سيرة أحد األنبياء وأساس العمل في ه مب ن ّي على العف اف‪ ،‬وليس‬
‫على األساس الرائج في األفالم العالمية‪ ،‬من العشق والشهوة وأمثالهم ا‪ .‬وفيم ا بع د يتم‬
‫اإلقبال عليه بهذا الشكل في أنحاء العالم اإلسالمي ـ ولعله في بعض مناطق غير الع الم‬
‫اإلس المي‪ .‬ولق د تم انتق اده في الجرائ د وأس يء الق ول نح وه واعترض وا علي ه علن ا ً‬
‫واختلقوا حوله أموراً أخرى‪ .‬في النهاية‪ ،‬مثل هذه األمور تح دث‪ ،‬إن ني أري د أن أق ول‬
‫لكم أن ال تحملوا في أنفسكم كل هذا القل ق من االنتق اد والقي ل والق ال‪ ،‬فل و ك ان األم ر‬
‫مبنيا ً على أن تعتنوا بمثل هذه األمور المقلقة‪ ،‬ولعل بعضها غير واقعي ومما يتص وره‬
‫الفنان بسبب رقته‪ ،‬وهو وهم‪ ،‬لما أمكن لإلنسان القيام بأي عمل‪ ،‬هذا ما أؤمن به‪ .‬له ذا‬
‫ال ينبغي أن تحزنوا كثيراً من هذه األمور المقلقة) (‪)2‬‬
‫بعد إيرادنا لهذه التصورات العامة لمكان ة الفن عن د ق ادة الجمهوري ة اإلس المية‬
‫اإليرانية‪ ،‬والدعم المعنوي والمادي الذي يولونه لها‪ ،‬أحب أن أذكر هنا بعض نجاح ات‬
‫الفن اإلي راني‪ ،‬وقدرت ه على أن يحظى ب احترام الع الم‪ ،‬ويحطم ب ذلك الكث ير من‬
‫أسطورات التشويه التي تشن حول تشدد نظام الولي الفقيه‪.‬‬
‫ففي مق ال بعن وان [ كي ف ان تزعت الس ينما اإليراني ة اح ترام الع الم؟] يق ول‬
‫صاحبه‪( :‬فجرت صناعة السينما اإليرانية مكامن اإلبداع في أقل من عشرين س نة بع د‬
‫قيام الثورة اإلسالمية‪ ،‬ومألت الكرة األرضية كله ا بأعماله ا الالمع ة‪ ،‬وأص بحت ه ذه‬
‫النجاحات مصدر فخر إليران‪ .‬والمدهش في هذه التجربة أنه ب الرغم من أن الظ روف‬
‫لم تكن في ص الحها (الح رب العراقي ة‪-‬اإليراني ة إض افة إلى الفوض ى العارم ة‬
‫والمؤامرات الخارجية) استطاعت هذه السينما أن تبرز وتفرض نفس ها عالمي ا وتك رم‬
‫في أك بر المحاف ل والمهرجان ات‪ .‬وأض حت بعض ال دول مث ل أمريك ا وأس تراليا‬
‫وبريطانيا وألمانيا واليابان وغيرها تقيم مهرجان ات خاص ة ب األفالم اإليراني ة‪ .‬وب اتت‬
‫تع د من ال دول الثالث األولى في الع الم وذل ك بفوزه ا ب أكثر من أل ف ومائ ة وثم ان‬
‫وأربعين جائزة دولية ومشاركتها في أك ثر من خمس ة عش رة أل ف مهرج ان دولي في‬
‫مختل ف أنح اء الع الم‪ .‬كم ا ش ارك خ براء الس ينما اإليراني ة في تش كيلة لج ان التحكيم‬

‫‪ )(1‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.237‬‬


‫‪ )(2‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.233‬‬

‫‪308‬‬
‫للمهرجانات الدولية ألك ثر من م ائتين وخمس ين م رة‪ .‬وحص لت عش ر إيراني ات على‬
‫جوائز أحسن ممثلة من اكبر المهرجانات الدولية مثل مونريال‪ ،‬ولوك ارنو‪ ،‬وموس كو‪،‬‬
‫والقاهرة‪ ،‬ونانت‪ .‬كما رش حت بعض الممثالت األخري ات إلى أحس ن ممثل ة في القس م‬
‫األجنبي في األوسكار األمريكية)(‪)1‬‬
‫وهكذا ذكر الكثير من النماذج عن نجاح اإليرانيين في نيل الجوائز العالمية على‬
‫الرغم من اإلمكانيات البسيطة التي يؤدون بها أعمالهم‪ ،‬مقارنة بما هو علي ه الح ال في‬
‫الدول الكبرى‪.‬‬
‫ويتساءل الكاب العربي المغربي عن سر ذلك النجاح ال ذي حص ل إلي ران‪ ،‬ولم‬
‫يحصل مثله للدول العربية‪ ،‬وخصوصا الخليجي ة على ال رغم من اإلمكان ات الض خمة‬
‫التي لديها‪ ،‬ويجب عن ذلك بقوله‪( :‬في ال وقت ال ذي نج د في ه ال دول العربي ة والس يما‬
‫الخليجية منها والتي تطل على س واحل إي ران تستنس خ المركب ات الرياض ية العمالق ة‬
‫وناطحات السحاب الشاهقة وتتباهى بها‪ ،‬نج د إي ران تس تثمر في الثقاف ة والفك ر والفن‬
‫الذي يرفع من شأن شعبها‪ .‬فاالسمنت ال روح له سيما إذا بنته أياد أجنبي ة بينم ا الثقاف ة‬
‫تحمل تعريفا للمجتمع‪ .‬وفي الوقت الذي نجد فيه المخ رج المب دع الع ربي يق ف لوح ده‬
‫في عراك مستميت إلنتاج فيلم واحد‪ ،‬وربما االنسحاب بعد ذل ك من الس احة الفني ة إلى‬
‫األبد‪ ،‬نجد إيران تتخذ إس تراتيجية تلقي بك ل ثقله ا الم ادي والمعن وي وراء مخرجيه ا‬
‫وتجعل من السينما نافذة يطل عبرها الشعب اإلي راني على الع الم قص د التواص ل م ع‬
‫الثقافات والحضارات األخرى‪ .‬وتتخذ إيران أهم خطوة مسؤولة فتعين مفكرا وفيلس وفا‬
‫على رأس وزارة الثقاف ة من س نة ‪ 1982‬إلى س نة ‪ ،1992‬أي عش ر س نوات‪ .‬وتض م‬
‫وزارة الثقافة مؤسس ة الف ارابي الس ينمائية‪ ،‬وتعه د ه ذا المفك ر ب النهوض بالمش روع‬
‫الس ينمائي اإلي راني وته يئ األرض ية الالزم ة وإع ادة الثق ة واالعتب ار إليه ا خالل‬
‫السنوات العشر‪ .‬فكان هذا الرجل بمثابة األب الروحي للسينما اإليرانية) (‪)2‬‬
‫وهو يذكر بعض األدلة على اهتمام النظام اإليراني ب الفنون الس ينمائية‪ ،‬فيق ول‪:‬‬
‫(نشير هنا أن في إيران أكثر من ‪ 500‬مخرج ويتخرج من معاهدها ‪ 20‬امرأة مخرج ة‬
‫سنويا وبذلك تتفوق حتى على الدول الغربية)‬
‫وي ذكر أن وزارة الثقاف ة اإليراني ة أنش أت [مدين ة س ينمائية] (جن دت له ا ك ل‬
‫الطاقات ورؤوس األموال وآخ ر المكتش فات التقني ة والتكنولوجي ة المتط ورة كم ا هي‬
‫الح ال في اس توديوهات هولي ود‪ .‬ب ذلك تك ون ق د أع دت األرض ية الالزم ة للس ينما‬
‫اإليرانية خالل السنوات التالية كما أنها أتاحت الجو الالئق للمخرجين حتى يب دعوا في‬
‫إنتاجاتهم‪ .‬وفتحت وزارة الثقافة ه ذه المدين ة لك ل المخ رجين اإليران يين دون اس تثناء‬
‫وب أرخص األثمن ة في الع الم‪ .‬ويق وم باإلنت اج الس ينمائي المخرج ون بص فتهم منتجين‬
‫منفذين ويحصلون على الدعم ألول ثالثة أفالم ويتم شراؤها وتقوم شركة توزيع كب يرة‬

‫‪ )(1‬كيف انتزعت السينما اإليرانية احترام العالم؟ ‪ ،‬حسن بنشليخة‪ ،‬نشر في هبة بريس يوم ‪.2010 – 06 - 18‬‬
‫‪ )(2‬المرجع السابق‪.‬‬

‫‪309‬‬
‫أنشأتها الدولة بتوزيع األفالم داخليا وخارجي ا‪ .‬وبنت أرقى وأك بر ع دد ممكن من دور‬
‫الس ينما‪ ..‬ونج د أن في طه ران لوح دها أك ثر من ‪ 100‬قاع ة س ينمائية كم ا أن هن اك‬
‫مركبات قيد البن اء تتس ع ل‪ 1200‬متف رج‪ .‬كم ا دش نت وزارة الثقاف ة مهرج ان الفج ر‬
‫الس ينمائي ال ذي ال يكتفي في نش اطه ب دعوة ض يوف أج انب‪ ،‬ويقيم لهم الحفالت‬
‫الصاخبة‪ ،‬وتهدر األموال الباهظ ة ب دون فائ دة‪ ،‬ب ل الغ رض أن يك ون وس يلة إلنج از‬
‫إنتاجات مشتركة ودفع عملية تعاون أوثق مع المهرجانات األخرى وتبادل اآلراء على‬
‫المستوى العالمي‪ .‬وأصبح يعد تظاهرة فنية عالمية تستقبل أكثر من ‪ 45‬دول ة من بينه ا‬
‫أمريك ا‪ ،‬فرنس ا‪ ،‬الياب ان‪ ،‬بريطاني ا‪ ،‬ايطالي ا‪ ،‬الص ين‪ ،‬ألماني ا‪ ،‬هولن دا‪ ،‬ودول أمريك ا‬
‫الجنوبية وغيرها‪ .‬وتوافد على المهرجان في الس نة الماض ية أك ثر من ‪ 200‬وكي ل من‬
‫‪ 47‬بلد و‪ 123‬موزع ومنتج عالمي بما فيهم الواليات المتح دة‪ ،‬كم ا حض ر ‪ 91‬موف دا‬
‫من المهرجانات العالمية (لوكا رنوا‪ ،‬كان‪ ،‬البندقية‪ ،‬برلين‪ ،‬تورنتو) هذا باإلض افة إلى‬
‫‪ 141‬وكيل من ‪ 39‬شركة إنتاج إيرانية حيث تم تبادل األفالم الهامة المنتجة)(‪)1‬‬
‫وهو يشيد كذلك بنوعية األفالم والمسلسالت اإليراني ة‪ ،‬وكونه ا نابع ة من القيم‪،‬‬
‫ومحافظ ة على األص الة‪ ،‬فيق ول‪( :‬تمكن الس ينمائيون اإليراني ون بفض ل كف اءتهم‬
‫وج رأتهم وحبهم للفن الس ابع من العم ل وتق ديم أفالم واقعي ة تحم ل رس ائل إنس انية‬
‫ومسحة جمالية وتحترم القيم وال تشتم في ثوابت التراث‪ ،‬وال تتاجر بجسد الم رأة ومن‬
‫دون أن تكش ف ح تى غط اء رأس ها‪ ،‬وال تغطي بالض جيج والعن ف الغ ير ال واقعي‬
‫والنم اذج البطولي ة المزيف ة تفاه ة المض مون وال تعتم د على ميزاني ة ال ديكورات‬
‫الضخمة‪ .‬إنها سينما بالغة البساطة‪ ،‬ملتزمة وهادفة‪ ،‬وبذلك تك ون ق دمت مجموع ة من‬
‫روائع األفالم ونماذج عظيمة للفن اإلنساني الراقي‪ .‬وأبرع م ا في ذل ك أنه ا تعتم د في‬
‫تصوير الكث ير من األفالم على ك اميرا الفي ديو الرقمي ة المحمول ة على الكت ف (أغلب‬
‫األفالم اإليرانية تنتج بأقل من‪ 200‬أل ف دوالر أي ح والي ‪ 160‬ملي ون س نتيم مغ ربي‬
‫وتحصد األرباح الكثيرة مثل فيلم [أطفال الجن ة] ال ذي حق ق أرباح ا تتمث ل في ملي ون‬
‫دوالر من أمريكا وحدها‪ ،‬واألهم من ذلك أنها ليست سينما نجوم‪ ،‬فمعظم أبطالها ليسوا‬
‫ممثلين محترفين) (‪)2‬‬
‫وهو يشيد باألفكار المطروحة في السينما اإليرانية‪ ،‬والنابعة من ثقافتها‪ ،‬فيق ول‪:‬‬
‫(أما السيناريو فهو يحمل عمقا مدهشا ولغ ة ثري ة متنوع ة ومكت وب بنكه ة اإلب داعات‬
‫القصص ية الراس خة في الثقاف ة اإليراني ة الش عبية‪ ،‬وتش م من خالل ه رائح ة حاف ظ‬
‫الشيرازي وعمر الخيام وجالل الدين الرومي‪ .‬ونظرا لطبيعته التأملية والفلسفية وقيم ة‬
‫مادته الجمالية ولغته التعبيرية يصبح الس يناريو واح دا من أهم خصوص يات وم يزات‬
‫السينما اإليرانية‪ .‬فالطابع الشرقي المحلي حاضر‪ ،‬والهوية الثقافي ة مس تمدة من الواق ع‬
‫االجتماعي وقمة التمثيل تدهش المشاهد ومه ارة الك اميرا وتحكمه ا في المش اهد ودق ة‬

‫‪ )(1‬المرجع السابق‪.‬‬
‫‪ )(2‬المرجع السابق‪.‬‬

‫‪310‬‬
‫اختيار مواضيعها والتركيز على الحس الجمالي في أرقى مس تجدياته ح تى تحس أن ك‬
‫أمام السجاد اإليراني المفعم بروعة الفن وجمال النق وش واألل وان ال تي تع بر ب دورها‬
‫عن شاعرية اإلنسان اإليراني ودفئه العاطفي وحبه للفن) (‪)1‬‬
‫وه و ي ذكر أن الس ينما اإليراني ة متف ردة في الكث ير من الن واحي عن الس ينما‬
‫العالمي ة‪ ،‬وخاص ة فيم ا يرتب ط بحفاظه ا على هويته ا وأص التها‪ ،‬يق ول‪( :‬والس ينما‬
‫اإليرانية مختلفة من خالل تأكيدها على هويتها وخصوصياتها وتفرده ا وع دم تش بهها‬
‫ب أي س ينما أخ رى‪ .‬ومع روف أن أهم م ا يم يز الس ينما اإليراني ة يتمث ل في بس اطتها‬
‫العميقة في مضامينها ورمزيتها مما جعلها تنافس المستويات العالمي ة‪ .‬وش كل الره ان‬
‫على المحلية الذي اعتمدت عليه األفالم اإليرانية أهم خطواتها نح و العالمي ة إذ اهتمت‬
‫بتوثي ق مش اغل مجتمعه ا وهموم ه وتخلت في المقاب ل على اإلكسس وارات الزاهي ة‬
‫واهتمت بالمواطن اإليراني وآالمه وهواجس ه‪ .‬وب ذلك تك ون الس ينما اإليراني ة ق دمت‬
‫استعراضا ً راقيا ً يصل إلى الجمهور المحلي والعالمي يستحق ك ل اإلعج اب والتق دير)‬
‫(‪)2‬‬
‫وهو يشبهها في دقتها وغموضها وجماله ا بالس جاد اإلي راني‪ ،‬فيق ول‪( :‬الس ينما‬
‫اإليرانية‪ ،‬مثل السجاد اإليراني‪ :‬لوحة بديعة تنبض بالجمال وبش اعرية فياض ة‪ .‬وك ان‬
‫لزاما على المتفرج أن يدقق بعين ثاقبة الن السينما اإليرانية بها غموض غريب وإثارة‬
‫ال يستطيع معها المتفرج اإلمساك بالمعنى الذي يريد المخرج التعبير عن ه‪ .‬فالتفاص يل‬
‫فيها مهمة ألنها تحمل الكثير من ألوان الطبيع ة الش عرية والقصص ية ال تي تزخ ر به ا‬
‫الثقافة الفارسية المليئة أيض ا ب الرموز الروحي ة والتعب يرات واإليح اءات الخفي ة‪ .‬فهم‬
‫يحكون قص ة لكنهم ال يكش فون ك ل جوانبه ا وي تركون ه ذه المهم ة للمتف رج ليتفاع ل‬
‫معها‪ .‬فيكون الفيلم بديعا في تفاصيله وألوانه‪ ،‬مليئا بالفلسفة والعمق والتناغم الش عري‪،‬‬
‫غنيا بالمشاعر اإلنسانية المستلهمة من الهوية والكرامة والحضارة اإليرانية)(‪)3‬‬
‫هذه مجرد شهادة صادقة عن بعض نجاحات الجمهورية اإلسالمية اإليراني ة في‬
‫الجوانب الفنية‪ ،‬ومثلها شهادات كثيرة‪ ،‬وهي تتصاعد كل ي وم بمق دار تط ور الق درات‬
‫اإليرانية في هذا الجانب‪ ،‬والذي ال يختلف كثيرا عن تطورها في سائر المجاالت‪.‬‬
‫والملفت للنظر في هذا الجانب خصوصا ه و تل ك العالق ة الطيب ة بين الخ امنئي‬
‫وبين المخرجين‪ ،‬كالمخرج الكبير فرج هللا سلحش ور‪ ،‬ص احب مسلس ل [يوس ف علي ه‬
‫السالم]‪ ،‬والذي ذكر عالقته الشخصية بقائد الثورة اإلسالمية‪ ،‬واس تفادته من توجيهات ه‬
‫في إنتاجاته الفنية‪.‬‬
‫وهكذا الحال مع شهريار بحراني‪ ،‬مخرج مسلسل [م ريم المقدس ة]‪ ،‬وال ذي لقي‬
‫إكبارا في جميع أنحاء العالم‪ ،‬فقد ذكر اس تفادته من توجيه ات قائ د الث ورة اإلس المية‪،‬‬

‫‪ )(1‬المرجع السابق‪.‬‬
‫‪ )(2‬المرجع السابق‪.‬‬
‫‪ )(3‬المرجع السابق‪.‬‬

‫‪311‬‬
‫ومتابعته للمسلسل أثناء إخراجه‪.‬‬
‫وهذا كله يزيل تلك الصورة القاتمة المتوحشة التي يرسمها له المغرضون؛ فه و‬
‫ليس سياسيا فقط‪ ،‬وإنما هو أديب وشاعر وفنان‪ ..‬وفوق ذل ك فيلس وف ومفك ر وفقي ه‪..‬‬
‫ولست أدري إن لم يستحق مثل هذا منصب إرشاد شعبه وأهل بلده؛ فمن يستحقه‪.‬‬

‫‪312‬‬

You might also like