Professional Documents
Culture Documents
Guide الدليل التوجيهي لمشروع اليد في اليد
Guide الدليل التوجيهي لمشروع اليد في اليد
Guide الدليل التوجيهي لمشروع اليد في اليد
´hô°ûª`d
zó«dG »`a ó«dG{
2018
1
2
المقدمة
• يع ّد هذا الدليل التوجيهي إسهاما يف تدشني مرحلة متقدمة إلرساء خطاب بديل للفاعلني الدينني يف تونس
عامة واألمئة الخطباء والوعاظ خاصة .غاية مركز دراسة اإلسالم والدميقراطية الذي أرشف عىل إنجاز الدليل ضمن
مرشوع « اليد يف اليد» ملكافحة اإلرهاب والتطرف العنيف هو تعزيز جهود الفاعلني الدينيني املحليني يف التص ّدي
لظاهرة التطرف العنيف باعتامد مقاربات وخطاب يفكك اسرتاتيجيات ظاهرة التطرف العنيف ويتجاوزها بتدعيم
فكر إسالمي أصيل متجدد..
• لقد حرصنا يف هذا الدليل التوجيهي مبا وفّره من منهجية معارصة وإضاءات مفاهيمية ودالالت وتصورات
بص كل املهتمني بالشأن الديني مبستلزمات بناء خطاب إسالمي وا ٍع بأولوية «إدارة قرآنية ونبوية تأسيسية أن يُ ِّ
التم ّدن» ،وتقدمها عىل سائر االعتبارات الفكرية والرتبوية واالجتامعية .يف هذا اعتمدنا مقاربة مقاصدية تنويرية
وموجهات علمية وتراثية تساعد السادة األمئة الخطباء والوعاظ وكافة الفاعلني الدينيني عىل االرتقاء بالحصيلة
الفكرية واملعرفية والرتبوية التي يعتمدونها يف جهودهم من أجل خطاب مقنع ،تواصيل بَ ّناء.
• وما انتهينا إليه يف الدليل التوجيهي جاء حصيلة سلسلة اجتامعات تشاورية وأعامل بحثية ولقاءات علمية
وورشات تفاعلية بارشها املرشوع منذ انطالقه معتمدا عىل رؤية تربوية متكاملة وف ّعالة .شاركت يف هذا العمل
التأسييس كفاءاتٌ فكرية متميزة يف العلوم الرشعية واإلنسانية واالجتامعية والنفسية إىل جانب خرباء وفاعلني رسميني
ومبارشين عاملني يف مجال الخطابة والدعوة والرتبية دعمتها طاقات شبابية ترصد الواقع وتقيمه وهي جميعها متفقة
عىل أولوية وضع معامل الرؤية النظرية والعلمية لها من أجل تط ّور نوعي للخطاب الديني البديل.
• وما تأكدنا منه يف خالصة هذه األعامل التي جمعتنا هو أن ما ينبغي أن يتوفر لإلمام الخطيب والواعظ
املدرس من علوم رشعية ومعرفة تراثية ال ينفصل عن الحاجة امللحة إىل التحرر من مضائق التقليد وا ّدعاء امتالك
الحقيقة مع ما ينجر عن ذلك من فكر إطالقي شمويل .لقد ذهلنا يف الغالب عن أصالة الروح النقدية التي عرفها
عب عنها الخليفة الثاين عمر ابن الخطاب ريض الله عنه حني خاطب عبد الله بن عباس ،وهو املسلمون األوائل والتي ّ
فتى عندئذ ،مشجعا إياه عىل السؤال واملراجعة واالجتهاد قائال« :قل يا ابن أخي وال تحقر نفسك».
• كيف لنا أن نتجاوز ما ضاق من مجاالت االجتهاد والتجديد نتيجة اإلقرار بأنه «ليس باإلمكان أبدع مام
كان»؟ مبثل هذا السؤال برزت لنا ونحن نعمل يف الدليل التوجيهي رضورة االنتقال إىل مرحلة أكرث عملية وإجرائية مبا
تقتضيه اللقاءات التفاعلية وورشات العمل .ذلك هو عني ما سيجسده الدليل التدريبي املكمل لهذا الدليل التوجيهي
مبقوماته التأسيسية والنظرية ومبا يفتحه الجانبان املتكامالن من أبواب التالزم العضوي بني النجاح يف إجراء الخصائص
العملية وما ينجر عنها من إعادة بناء الفكر والوعي والسلوك وبني حسن متثل األساس النظري الذي يستمد من الجهد
التدريبي مصداقيته وفاعليته وتجدده.
3
مدخل منهجي
إن موضوعات الخطاب الديني تتفرع يف الجملة إىل ثالثة أصناف أ ّولها إرشادية يغلب عليها الطابع املعريف
والروحاين .وثانيها تربوية غايتها تقويم السلوك األخالقي ،وثالثها وإصالحية تحكمها املقاصد االجتامعية املرتبطة
بعالقة اإلنسان باإلنسان ومبختلف املناشط واملؤسسات العا ّمة.
وميكن إجامل الرشوط املنهجية التي تساعد عىل حسن تناول منف من هذه املواضيع ،يف محارضة أو خطبة
منربية ،يف املوجهات الستة التالية:
1ـ حسن اختيار املوضوع بحسب الظرف املوضوعي الزماين واملكاين ،االجتامعي والسيايس ،وحتى املناخي
ـ املحيل والكوين ـ الذي يتنزل ضمنه الخطاب .فتلك ضامنة أولية ألن يلقى الكالم املبثوث قبوال حسنا لدى املتلقني،
ويش ّد انتباههم فيتشوفون إىل الظفر مبقرتحات عملية مناسبة وحلول واقعية تتعلق باإلشكال املطروح ضمن الخطاب
امللقى،
2ـ رضورة طرح املوضوع يف قالب أسئلة من أجل ضامن شد انتباه السامعني ،وإثارة الحرية لديهم ،ودفع
عقولهم إىل التساؤل الواعي عام يروم املتكلم مخاطبتهم بشأنه .فاملطلوب أن تقع صياغة اإلشكال العام ،منذ مقدمة
الخطاب وجوبا؛ وأن يكون ذلك بأسلوب بيداغوجي مثري غري تلقيني وال مدريس رتيب .الهدف األسايس من ذلك
تحريك سواكن الفكر والحثّ عىل متابعة الخطبة بطريقة إيجابية يحرض فيها العقل والوجدان معا ،ويسودها نوع
من التشوف والتشويق.
3ـ تفريع اإلشكال العام إىل إشكاليات ثانوية (يشار إليها يف املقدمة أيضا بإجامل وبأسلوب يحسن أن يكون
استفهاميا) .تشكل هذه التفريعات عناوين أساسية لبنية املحارضة أو الخطبة كاملة.
4ـ إن اإلعداد املسبق للخطاب (مرتجال كان أو مكتوبا) يُع ّد أمرا رضوريا .فعدم اإلعداد يولّد االرتباك الخطايب
ويفكّك املعنى وقد يوقع يف التناقض ،فيفقد الكالم فاعليته املرجوة يف اإلرشاد والرتبية واإلصالح.
5ـ يقتيض حسن إعداد الخطاب ضبط ما ميكن أن نسميه «مراجع االستدالل» أو «العناوين الهادية»
للخطبة .وهي مبثابة املواضيع املجاورة التي من شأنها أن تساعد عىل ضبط حدود املوضوع ،ورسم وجهة الخطبة( ،أي
التخطيط القصدي لبنية الخطاب) ،وأن توفر للمحارض أو الخطيب معينا زاخرا باملستندات واألدلة النصية والعقلية
التي تدعم أطروحته ،وتساعد يف ذات الوقت عىل تفنيد نقيضها.
6ـ إن نجاعة الخطاب الديني يف اإلرشاد ويف اإلصالح الرتبوي واالجتامعي تفرض الخربة يف استعامل تقنيات
الخطاب السجايل ،واجتناب تقنيات الخطاب الرسدي ما استطاع املرء إىل ذلك سبيال .فالطريقة الرسدية عادة ما تكون
تعليمية وتقريرية مملة تحرص عىل نقل الروايات والرشوح من غري رابط موضوعي بينها أحيانا .وعادة ما يكون
رهانها عىل إقناع السامعني بفحوى الخطاب باالستناد إىل فقه الدليل ،أكرث من متكينهم من منهج متجدد يف التديّن،
أي جعلهم قادرين عىل متثل ذايت معارص للدين يتفاعل إيجابيا وبطريقة بناءة مع رشوط الواقع املعيش وإشكاالته
ومتطلباته.
4
مفاهيم مفتاحية
.1مفهوم الدين
تن ّوعت مفاهيم ال ّدين وتع ّددت حسب زوايا نظر الباحثني يف حقيقته ومعناه ،وهو ما أ ّدى يف أغلب األحيان
يدل عىل قلق اإلنسان يفإىل التباس يف إدراك جوهره ومصدره وغاياته ،فقد ا ْعتُ ِ َب مرحلة من مراحل التفكري البرشي ّ
الوجود وخوفه من قوى خفية تحكم هذا الوجود.
فكيف ميكن تحديد مفهوم الدين؟ ماهي أهدافه ودعامئه؟ ما الفرق بني الدين والتدين ؟ وماهي الحدود
الفاصلة والواصلة بينهام؟
املفاهيم املتصلة (الوسم) :التد ّين -الرشيعة-العقيدة -امللّة -املذهب.
االستنتاج
أجمع العلامء عىل صعوبة توحيد الدالالت اللغوية ملصطلح الدين وهو ما يعني صعوبة تحديده معناه،
يصح تحديد تعريف للدين وقد تب ّنى مصطفى عبد الرازق وعبد الكريم الخطيب هذا املوقف، وذهبوا إىل أنه ال ّ
واعترب الخطيب أن الدين عاطفة إنسانية وأن الناس يختلفون يف الصدق واألمانة واملكابدة الروحية.
5
.2مفهوم التدين
تحض الشعوب وتوازنها الفكري والعقدي والروحي من خالل إدراك مظاهر تدينها وأشكال يفهم مقدار ّ
مامرسته ،فكلّام حرضت املغاالة يف الدين والتش ّدد يف فهمه كان التديّن مظهرا من مظاهر الرتاجع الفكري والحضاري،
ومن هذا املنطلق تتباين الفروق بني الدين والتديّن.
املفاهيم املتّصلة (الوسم) الدين -الرشع -معتقد -التخلّق -اإلميان -اإلسالم -السلف ّية -التشدد
االستنتاج
إن أمناط التدين هي انعكاس مبارش لطبيعة اإلنسان وطبيعة ظروفه وبيئته االجتامعية .فإذا كان الدين
متعاليا عىل ظروف الزمان واملكان ،وليس خاضعا ملقتضيات األوضاع االقتصادية واالجتامعية والسياسية .فإن أمناط
6
التدين عىل العكس من ذلك متاما .إذ هي نتاج الظروف والبيئة .وال ميكن أن تتشكل أمناط التدين بعيدا عن جهد
اإلنسان ومستوى وعيه وإدراكه لعنارص واقعه وراهنه.
.3مفهوم الغلوّ
إذا كان التفريط وجها من وجوه االنحالل والتسيب ،فإ ّن اإلفراط عالمة تش ّدد ومجاوزة وقد يكون أمارة
رشع ،ذاك أ ّن جلب املصلحة ودرء نص الشارع عىل تج ّنبهام حفاظا عىل روح الرشع ومقاصد امل ّ تط ّرف وعنف ،ولهذا ّ
املفسدة ال يكونان إالّ بتوخي االعتدال يف التفكري واالعتقاد وانتهاج الوسطية يف السلوك واملعاملة.
املفاهيم املتّصلة( الوسم) التع ّمق -التنطّع -التش ّدد -املجاوزة -اإلفراط -التع ّنت -الغل ّو
أ .في تعريف الغلوّ
تنص عليه الرشيعة ويف مجاوزة الح ّد يف نهى الله يف كتابه العزيز عن اإلفراط يف التأويل ويف اعتقاد ما مل ّ
تطبيقها ،ذاك أ ّن اإلفراط ال ينبني عىل الحكمة والتعقّل ،وإمنا مر ّده إىل األهواء واالنفعال وال يؤ ّدي يف النهاية إالّ إىل
الضالل وسوء املآل.
َ
اب َل تَ ْغلُوا ِفي ِدي ِنك ُْم َغ ْي َر الْ َح ِّق َو َل تَ َّت ِب ُعوا أ ْه َوا َء َق ْو ٍم َقدْ ضَ لُّوا ِم ْن َق ْب ُل َ
قال الله تعاىلُ ﴿ :ق ْل يَاأ ْه َل الْ ِك َت ِ
السبِيلِ ﴾ [املائدة]77 : َوأَضَ لُّوا كَ ِثي ًرا َوضَ لُّوا َع ْن َس َوا ِء َّ
قال عبد الرحمن بن شبل :سمعت رسول الله صىل الله عليه وسلم يقول« :اقرءوا القرآن وال تغلوا فيه وال تجفوا عنه
وال تأكلوا به وال تستكرثوا به».
-وقد ع ّرف أهل اللغة الغل ّو عىل أنّه مجاوزة الح ّد يف أمر ما والتش ّدد يف إقراره ،ويطلق عليه لفظ التع ّمق أيضا
وهو التعريف نفسه الذي تبناه أهل الرشع إذ ع ّرفه الحافظ ابن حجر بأنّه «املبالغة يف اليشء والتشديد فيه بتجاوز الح ّد »
والنص الحديثي والتعريف اللغوي أنّ: النص القرآين ّ تبني من خالل ّ
النص القرآين -الغل ّو هو تش ّدد يف فهم حدود الشارع ،وهو رفض الدالالت املمكنة التي ميكن أن ينطوي عليها ّ
وهو دعوة إىل قراءة أحاديّة ي ّدعي فيها صاحبها امتالك الحقيقة والصواب وما دونه خطأ وضالل.
-تؤ ّدي املغاالة يف الدين إىل ظاهرة التكفري واستحالل الدماء فهي مرحلة من مراحل مامرسة العنف الفكري
والعقدي وصوال إىل العنف الجسدي واملا ّدي. ّ واللفظي
-تكشف املغاالة يف الدين عن رفض لكل ما هو مختلف وإقصاء ملقاالته وقضاياه ،فهو يف شكل من أشكاله
وشق صفوف وحدتهم وإجامعهم. إثارة الفتنة بني املسلمني ّ
ب .أسباب الغلوّ
تع ّددت أسباب الغل ّو وتن ّوعت عىل م ّر التاريخ تنوعا بحسب الفهوم واألوضاع السياسية والحضارية عا ّمة
تغذّيه الخلفيات املذهبية والعقدية والعرقية والطائفية الضيقة ،ومن أه ّم األسباب:
-عدم التفقه يف ال ّدين :يُ ْعر ُِض املتش ّددون عن النصوص األصلية يف الترشيع والعقيدة ،ويستأنسون بآراء بعض
العلامء املغالني عوض تدبّر مقصود الشارع يف القرآن وفهم بيان الس ّنة النبوية لهذا املقصود مع ّولني عىل التقليد،
متعصبني آلراء األمئة وتحميلها ما ال تحتمل. ّ
-عدم األخذ عن العلامء :إ ّن االستئناس بآراء العلامء وفتاويهم وقراءاتهم مطلب أسايس غايته إيضاح ما
َ
استكشل من أمور ،ولهذا جعل الله العلامء ورثة األنبياء ،وحثّ الناس عىل الرجوع إليهم يقول تعاىلُ ﴿ :ه َو الَّ ِذي أنْ َز َل
ات َفأَ َّما الَّ ِذي َن ِف ُقلُو ِبه ِْم َز ْي ٌغ َف َي َّت ِب ُعونَ َما تَشَ ا َبهَ ِم ْنهُ اب َوأُ َخ ُر ُم َتشَ ا ِب َه ٌات ُم ْحك ََم ٌت ُه َّن أُ ُّم الْ ِك َت ِاب ِم ْنهُ آ َي ٌ َعلَ ْيكَ الْ ِك َت َ
ابْ ِتغَا َء الْ ِف ْت َن ِة َوابْ ِتغَا َء تَأْوِيلِ ِه َو َما يَ ْعل َُم تَأْوِيلَهُ إِ َّل اللَّهُ َوال َّر ِاسخُونَ ِف الْ ِعل ِْم يَقُولُونَ آ َم َّنا ِب ِه ك ٌُّل ِم ْن ِع ْن ِد َربِّ َنا َو َما يَ َّذكَّ ُر
اب﴾ [آل عمران.]7 : إِ َّل أُولُو ْالَلْ َب ِ
يتصل باملنحى األخالقي عند بعض املؤ ّولني ،إذ يعتربون أنفسهم أو -االعتداد بالنفس :وهو سبب قيمي ّ
النص الرشعي ،فال يأبهون بتأويالت غريهم من املجتهدين أو العلامء ،وقد يكون أمئتهم األقدر عىل الفهم وإدراك كنه ّ
التعصب والهوى للمذهب عىل إقصاء من خالفهم. هؤالء املؤ ّولون مج ّرد مقلّدين حملتهم نعرة ّ
ج .أنواع الغلوّ
يل سلويك
اعتقادي وغل ّو عم ّ
ّ ميكن تقسيم الغل ّو نوعني غل ّو
رضع إىل األنبياء واألولياء الصالحني واالستغاثة
االعتقادي يف بعض مظاهر اإلرشاك من خالل الت ّ
ّ -ويتمثل الغل ّو
بهم وتقديم القرابني إليهم .ويتجىل الغل ّو أيضا من خالل ظاهرة التكفري والتفسيق واستحالل دم املسلمني وقد سعت
7
إىل ترسيخ هذا الفهم بعض الحركات ذات الطابع السيايس مثل الخوارج.
-يتمثل الغل ّو السلويك يف التش ّدد يف تطبيق أحكام الرشيعة اإلسالم ّية وترك التيسري وترك األخذ األخذ بالرخص
وعدم مراعاة القواعد الفقهية يف الفتاوى .ومن مظاهر التش ّدد إحداث البدع والتشديد يف العبادة ومن أمثلة ذلك
صيام الدهر وقيام الليل ،واجتناب تفاصيل الحياة اليومية .فقد نصح رسول الله صىل الله عليه وسلّم أحد الصحابة
م ّمن يصومون الدهر فقال« :يَا َع ْب َد اللَّ ِه ...الَ تَ ْف َع ْل ُص ْم َوأَف ِْط ْرَ ،وقُ ْم َونَ ْم ،فَ ِإ َّن لِ َج َس ِد َك َعلَ ْي َك َحقًّا».
د .عالج الغلوّ
-يقتيض التص ّدي للغل ّو تكامل الجهود بني علامء الدين وأويل األمر والجمعيّات املدنيّة العاملة يف الحقل
وتتجل سبل القضاء عىل الغل ّو يف:
ّ العلمي واالجتامعي.
-تصحيح املفاهيم الخاطئة :ويكون ذلك متى أدرك املتلقي الفروق بني املفردات واملصطلحات الواردة يف
املفسين واملح ّدثني العلامء.
القرآن واألحاديث ،باالستعانة مبا جاء عن كبار ّ
-ر ّد شبهات املغالني :وذلك بتفكيك بنية تفكريهم وإدراك الخلفيات العقدية واملذهبية املتحكمة يف خطابهم،
قصد بلورة خطاب ضديد ير ّد شبهات املغالني ويكشف عن تهافتها وضعف الحجج فيها ،وهذا أمر موكول إىل
مؤسسات علمية واسرتاتيجية تض ّم خرباء يف املجالني.
-إصالح مناهج التعليم :حتى يقوم بدوره يف ترسيخ البعد القيمي األخالقي يف الرشيعة اإلسالم ّية ويؤكّد
معاين الوسطية واالعتدال يف املعاملة والسلوك واالنفتاح والتعارف يف االعتقاد والفكر ،وهو ما يحقق كونية اإلسالم
وعامليته.
االستنتاج
-تقاس درجة تقدّ م األمم مبدى سيطرتها عىل ظاهرة التشدّ د والغل ّو بني أفرادها ويف بنى تفكريها إذ أنّ
هذه الظاهرة سبيل إىل االنغالق الثقايف والتقوقع الحضاري والتكفري واختالق الفنت الطائفية والعصبيات الدينية.
-يؤكد الشارع يف القرآن عىل مبدإ االعتدال والوسطية يف تدبّر املعاين والدالالت ويف مراعاة البعد اإلنساين
القيمي يف عالقة الخالق باملخلوق ويف عالقة املخلوق باملخلوق ،ومن هذا املنطلق تكون املغاالة عنوان إقصاء
للمختلف وجحودا للخالق وإدبارا عن معاين التعارف والتآلف بني الشعوب والقبائل.
.4مفهوم السماحة
انبنت روح الرشع اإلسالمي عىل أرضية التيسري ودرء املشقّة وجلب املصلحة ،وال يتس ّنى تحقيق مبدإ التيسري
إالّ متى كان الرتفق واملالينة واملالطفة أسسا يف التعامل بني الناس وسلوكا يُ ْنتَ َه ُج يف عالقة املسلم مبحيطه.
االستنتاج
-السامحة قيمة إنسانية قبل أن تكون قيمة دينية وعليها ينهض التآلف االجتامعي والتعامل البرشي،
تعم الفوىض ويستوحش اإلنسان ضدّ اإلنسان وينعدم االجتامع البرشي. وبانعدامها ّ
-تكشف السامحة عن مقدار قبول االختالف وفهم أبعاده وخلفياته ،كام تكشف عن ثقة اإلنسان يف خالقه
ويف نفسه ،فأماّ ثقته يف الخالق فتتمثل يف أنّ رحمة املسلم للمسلم تؤدي إىل رحمة الخالق بعبده الراحم ،وأماّ ثقته
يف نفسه فتتمثل يف رصانة أفعاله ،والتحكم يف انفعاالته ،وقدرته عىل أن يكون محبوبا من غريه.
9
دالالت قرآنية
.1مقصد الهداية:
اب َل َريْ َب ِفي ِه هُدً ى لِلْ ُم َّت ِقي َن ( )2الَّ ِذي َن يُ ْؤ ِم ُنونَ بِالْ َغ ْي ِب َويُ ِقي ُمونَ َّ
الص َل َة قال الله تعاىل ﴿الم (َ )1ذلِكَ الْ ِك َت ُ
َو ِم َّما َر َز ْق َنا ُه ْم ُي ْن ِفقُونَ (َ )3والَّ ِذي َن ُي ْؤ ِم ُنونَ ِب َما أُنْز َِل إِلَ ْيكَ َو َما أُنْز َِل ِم ْن َق ْبلِكَ َوب ِْال ِخ َر ِة ُه ْم ُيو ِق ُنونَ ( )4أُولَ ِئكَ َعلَى
هُدً ى ِم ْن َربِّه ِْم َوأُولَ ِئكَ ُه ُم الْ ُم ْفلِ ُحونَ ﴾ [البقرة]5 - 1 :
-هذه هي اآليات األوىل من السورة األوىل بعد سورة الفاتحة ،وهي تق ّدم تعريفا بالقرآن الكريم ،وبالقارئ
املستفيد من القرآن.
أ ّما القرآن فع ّرفته:
• تعريفا شكليّا فهو مك ّون من حروف عربية مثل األلف والالم وامليم.
• وتعريفا توثيق ّيا إذ ال ريب يف نسبته إىل الله تعاىل.
• وتعريفا مقصديّابأن جعل مقصد جميع آياته وسوره الهداية.
وتتأسس عىل أمرين أ ّولهام اإلميان بالغيب الذي -ووصف القارئ املستفيد من هداية القرآن بصفة التقوىّ ،
جاء منه القرآن ،وبالكتب الساموية واآلخرة .وثانيهام العبادة كالصالة والزكاة...
اس) [البقرة ]185 :ووصف هنا بأنّه ﴿هُدٗ ى لّلم َّت ِق َني﴾ .وكونه -وقد وصف القرآن يف آية أخرى بأنّه ( ُه ٗدى لِّل َّن ِ
هدى لل ّناس يعني الهداية العا ّمة لجميعهم يف مرحلة الدعوة والبيان ،وكونه هدى للمتقني يعني االهتداء الفعيل بعد
اإلميان وقبول الدعوة.
-والحاصل أ ّن القرآن نزل لغايات ومقاصد تعود كلّها إىل مقصد الهداية .والهداية هي الداللة إىل الخري
واملصلحة مع توفّر رشطني يف ذلك أ ّولهام مضموين يتميز بالوضوح ،أي بالبالغ املبني ،وثانيهام أسلويب يتميز باللطف،
أي املخاطبة بالتي هي أحسن.
-أ ّن كلامت القرآن ليس لها سقف معريف تتوقف عنده إمدادا للبرشية وهداية مهام تغريت ظروفها وتعقدت
إشكالياتها .فليست املشكلة يف قدرة القرآن عىل «اإلمداد» بل يف قدرة املسلمني عىل «االستمداد» عن طريق التدبّر
النص عىل الواقع.
وحسن تنزيل ّ
نصا عاديا
-ال ميكن لعرص من العصور أن يبلغ نهاية ما أودعه الله تعاىل يف كلامته التي ال تنفد ،فالقرآن ليس ّ
مفس واحد أو مذهب واحد ،أل ّن عطاءه ال يتوقّف. معي أو أن يحتكر فهمه ّ ميكن أن يستنفد أغراضه زمن ّ
-كام تكلّم العلامء قدميا عىل «تنجيم النزول» زمن الوحي فمن امله ّم أن نتكلم اليوم عىل «تنجيم الداللة» عرب الزمن
كله ،مبعنى أ ّن كل عرص ميكنه أن يقرأ يف القرآن ما مل يقرأه السابقون ،وإنّ ا تُستكشف دالالته مبرور الزمن يف إطار
السقف املعريف لكل عرص ،ويف سياق التفاعل الحيوي بني النص والواقع.
10
.3المنهج النبوي في تعليم القرآن:
قال الله تعاىل:
﴿ ُه َو الَّ ِذي َب َع َث ِفي ْالُ ِّم ِّيي َن َر ُس ًول ِم ْن ُه ْم َي ْتلُو َعلَ ْيه ِْم آ َياتِ ِه َو ُي َزكِّيه ِْم َو ُي َعلِّ ُم ُه ُم الْ ِك َت َ
اب َوالْ ِحكْ َم َة َوإِنْ كَانُوا
ِين﴾ [الجمعة]2 : ِم ْن َق ْب ُل لَ ِفي ضَ َللٍ ُمب ٍ
صل الله عليه وسلّم يف تعليم القرآن ،وهو منهج منوذجي تخ ّرج عليه تبي هذه اآلية منهج الرسول ّ ّ -
الصحابة بوصفهم الدفعة األوىل من جيل القرآن.
-يقوم هذا املنهج عىل أربعة عنارص واضحة ومتكاملة بحيث إذا فُقدت كلّها أو بعضها يكون املتعلّم عرضة
للوقوع يف الضالل املبني:
أ( .يَتلُواْ َعلَيهِم َءايَٰته) :تحفيظ القرآن وتعليم التالوة قصد تأثيث الذاكرة وتوثيق النص .لك ّن الحفظ وحده ال ِ ِ
يؤ ّهل صاحبه للدعوة والفتيا.
بَ ( .و ُي َزكِّيهِم) :ترسيخ التفاعل الوجداين مع القرآن قصد تغذية القلب والروح لتكوين اإلنسان الصالح التقي.
لك ّن اإلنسان التقي الذي يحفظ كالم الله حفظا جيّدا يظل غري مؤ ّهل لالجتهاد وبيان أحكام القرآن ،لذلك الب ّد من
إضافة العنرصين التاليني.
جَ ( .ويُ َعلِّ ُم ُه ُم ٱلك َٰت َب) :تعليم مضامني القرآن العقدية والعملية ،وبيان أحكامه ،وكيفية االجتهاد يف فهمه
قصد تغذية العقل.
دَ ( .وٱل ِحك َم َة) :تعليم مقاصد القرآن قصد إحكام تنزيل نصوصه عىل الواقع .ومن معاين الحكمة اتخاذ القرار
التنفيذي املناسب يف الظرف املناسب .لذلك تطلق الحكمة عىل الس ّنة ألنّها تطبيق عميل حكيم للنص القرآين يف واقع
الرسالة.
-فاملعرفة النظرية بأحكام القرآن غري كافية ،بل قد تكون ضا ّرة إذا صحبها سوء تنزيل عىل الواقع ،كتنزيل
اآليات الخاصة باملرشكني العرب عىل املسلمني قصد تكفريهم ،وتنزيل اآليات التي تأمر بطاعة أويل األمر عىل أمراء
الجامعات اإلسالمية ،وغري ذلك من التنزيالت الشاذّة.
-لذلك كانت الحكمة رضورية يف كل برنامج تعليمي متعلّق بالقرآن .ولذلك جمع املنهج النبوي يف تعليم
القرآن بني الرتتيل الرشيق ،لتغذية الذاكرة ،واإلميان الوثيق ،لتغذية القلب ،والفهم العميق ،لتغذية العقل ،والتطبيق
الدقيق ،لتغذية الواقع .وإنّ ا وقع الخلل يف تعاملنا مع النص القرآين بسبب انعدام التوازن بني هذه العنارص األربعة.
11
ج .أ ّما خصوص ّية رسالة اإلسالم فتتمثل يف الجمع بني كل الرشائع السابقة ،فهي مل تأت ملعالجة مشاكل مؤقتة
ألقوام مخصوصني ،بل هي مو ّجهة إىل الناس جميعا يف مختلف أنحاء العامل وال ريب أ ّن كل ظرف تاريخي أو اجتامعي
وسيايس له خصوصياته التي ميكن أن يجد لها صدى يف القرآن الكريم برشط حسن الفهم وإتقان عملية التنزيل.
د .ويقتيض الشمول يف رسالة اإلسالم من املسلمني فهم متطلبات كل ظرف يعيشون فيه ،ومعالجة قضاياه
املخصوصة بناء عىل منهجيات تناسب الكليات املشرتكة التي ينبغي استصحابها يف كل عرص.
هـ .الحاصل :كام أ ّن لكل نبي رشعة ومنهاجا يف إطار األصول املشرتكة فإ ّن لكل ظرف فقهه النظري املخصوص
ومنهجه التنزييل املخصوص يف إطار الثوابت املشرتكة.
15
تصورات تأسيسية
أ .الرحمة
-هذا التجيل التاريخي للرحمة يف سرية الرسول األكرم يعود إىل مكانتها يف القرآن مام جعلها مفهوما قرآنيا
صميم ّيا مؤسسا للبناء التص ّوري والخلقي والحضاري لإلسالم.
-لقد ورد لفظ الرحمة يف 268موضعا بالصيغة االسمية مثل قوله تعاىلَ ﴿ :و َر ْح َم ِتي َو ِس َع ْت ك َُّل شَ ْي ٍء﴾
َاسرِي َن﴾ [األعراف: [األعراف ،]156 :وبالصيغة الفعلية مثل قوله ﴿ َقالُوا لَ ِئ ْن ل َْم َي ْر َح ْم َنا َر ُّب َنا َو َي ْغ ِف ْر لَ َنا لَ َنكُونَ َّن ِم َن الْخ ِ
.]149هذا إضافة إىل صيغتي املبالغة الرحمن والرحيم اللتني تردان يف البسملة.
-إذا كانت الرحمة تفيد الرقة والعطف والرأفة واإلحسان باملرحوم ،فإن االستعامل جعل هذا املعنى صفة
لله تثبت له ما يليق بجالله وعظمته كقوله تعاىلَ ﴿ :و َربُّكَ الْ َغ ِن ُّي ُذو ال َّر ْح َم ِة﴾ [األنعام .]133 :أو جعله شامال لكل
خري يصدر عنه ويكون فيه نفع يعود لإلنسان يف دنياه وآخرته.
وسعت معنى اإلحسان بإكسابه قيمة -من هذا االعتبار اكتست الرحمة يف االستعامل القرآين داللة مميزة ّ
تصورية أصيلة وشاملة تنتظم رؤية املؤمن للحياة بكل متظهراتها .لهذا ُع َّد من لوازم الرحمة القرآنية داللتها عىل الجنة
وذلك يف قوله تعاىل ﴿ :أُولَ ِئكَ يَ ْر ُجونَ َر ْح َم َت اللَّ ِه﴾ [البقرة ،]218 :أو أنها تعني القرآن ذاته يف قولهُ ﴿ :ق ْل ِبفَضْ لِ
ِالسو ِء إِ َّل َما َر ِح َمْس َلَ َّما َر ٌة ب ُّ
اللَّ ِه َو ِب َر ْح َم ِت ِه َف ِب َذلِكَ َفلْ َي ْف َر ُحوا﴾ [يونس ،]58 :أو أنها العصمة يف قوله تعاىل ﴿إِنَّ ال َّنف َ
َربِّي﴾[يوسف.]53 :
-ندرك من هذا االتساع الداليل التالزم بني الرحمة القرآنية واسم الجاللة فَتَ َمثُّلُ َها مالزم لصفة القدرة ،فقد
خلق الله تعاىل الخلق بقدرته وهيأه برحمته .لذلك قيل إنه ال تَ َق ُّر َب إىل الله بأعظم من التعلق بالرحمة ،فكانت
أفضل وسيلة للتقرب إليه رحم ُة عباده فقد خلقهم الله لريحمهم وليسعدهم.
-تتأكد هذه القيمة العالية والشاملة للرحمة يف القرآن إذ ال نجد قضية تناولها القرآن إال كانت الرحمة
َ
علّتها ومقصدها مبا يجعل اإلسالم دين الرحمة اعتقادا وترشيعا وأخالقا تصديقا لقوله تعاىلَ ﴿ :و َما أ ْر َسلْ َناكَ إِ َّل َر ْح َم ًة
لِلْ َعالَ ِمي َن﴾ [األنبياء.]107 :
18
-نجد هذا الطابع التصوري املؤسس يف رواية البخاري قال« :جعل الله الرحمة مئة جزء ،فأمسك عنده تسعة
وتسعني ،وأنزل يف األرض جز ًءا واح ًدا ،فمن ذلك الجزء يرتاحم الخالئق».
ب .الرحمن
-اسم الرحمن وصف ذايت ثابت له سبحانه يستغرق كل رحمة تالزم املخلوقات كافة من حيث الوجود
والتقدير والتقويم والعناية واللطف.
-معنى ذلك أن كل املخلوقات تفضّ ل الله عليها برحمته عندما أوجدها بعد أن مل تكن وعندما خلقها بنظام
واتزان وعدل وتسوية .يظهر هذا يف سورة امللك اآلية 19يف قوله عن الطري يف الجو ﴿ َما يُ ْم ِسكُ ُه َّن إِ َّل ال َّر ْح َم ُن﴾
الن َْسانَ (َ )3علَّ َمهُ الْ َب َيانَ ﴾ [الرحمن: [امللك .]19 :وتشهد سورة الرحمن بكاملها﴿ :ال َّر ْح َم ُن (َ )1عل ََّم الْ ُق ْرآنَ (َ )2خل ََق ْ ِ
]4 - 1عىل أن جميع املخلوقات مشمولة برحمته وعنايته.
-تلك هي رحمة الرحمن التي كتبها الله عىل نفسه عندما برش املؤمنني قائال ﴿ َوإِ َذا َجا َءكَ الَّ ِذي َن يُ ْؤ ِم ُنونَ
بِآيَاتِ َنا َفق ُْل َس َل ٌم َعلَ ْيك ُْم كَ َت َب َربُّك ُْم َع َل نَف ِْس ِه ال َّر ْح َم َة﴾ [األنعام .]54 :وقد كتبها تفضال وإحسانا ويصدق هذا عىل
الجميع دون استثناء .وهذا ما يفرس ورود التذكري املتواصل للثقلني من الجن واإلنس «فبأي آالء ربكام تكذبان» للنعم
الشاملة لهم والشاهدة عىل حقيقة الرحمة اإلله ّية.
ج .الرحيم
-اسم من أسامء الله الحسنى وهو الذي يدل عىل خصوصية الرحمة باملؤمنني وعىل تجددها واستمرارها.
فإذا كانت رحمة «الرحمن» عامة شاملة للمخلوقات فإن رحمة «الرحيم» خاصة باملؤمنني بإميانهم ودعائهم وصالح
أعاملهمويتعني ذلك يف اآلخرة خاصة.
يم } [األحزاب ]43 :وأنه يتوب عىل التائبني منهم قال -لذلك نجد يف محكم التنزيل ﴿ َوكَانَ بِالْ ُم ْؤ ِم ِن َني َر ِح ً
اب ال َّر ِحي ُم﴾ [البقرة ،]37 :وأن املؤمنني يدعونه باسم الرحيم تعاىل{ :فَتَلَقَّى آ َد ُم ِم ْن َربِّ ِه كَلِ َم ٍت فَتَ َ
اب َعلَ ْي ِه إِنَّ ُه ُه َو التَّ َّو ُ
لئال يقنطوا من رحمتهُ ﴿ :ق ْل َيا ِع َبا ِد َي الَّ ِذي َن أَ ْس َرفُوا َعلَى أَنْف ُِسه ِْم َل تَ ْق َنطُوا ِم ْن َر ْح َم ِة اللَّ ِه إِنَّ اللَّهَ َي ْغ ِف ُر ال ُّذن َ
ُوب
يم﴾ [الزمر.]53 : َج ِمي ًعا إِنَّهُ ُه َو الْ َغفُو ُر ال َّر ِح ُ
-وإذا كان الرحمن صفة ذاتية فهي أش ّد مبالغة من الرحيم يف الدنيا يف حني أن الرحيم صفة فعلية أشد
مبالغة من الرحمن يف اآلخرة فهو يجازي املؤمنني أضعاف حسناتهم.يقول الله تعاىل عىل لسان أهل الجنة﴿ :إِنَّا كُ َّنا
يم﴾ [الطور]28 : ِم ْن َق ْب ُل نَدْ ُعو ُه إِنَّهُ ُه َو ال َ ُّْب ال َّر ِح ُ
-بناء عىل ما سبق أمكن القول إن اإلنسان قبل اإلميان يف رحمة الرحمن وبعد اإلميان يف رحمة الرحيم فطوىب
ملن جمع بينهام.
.3اإليمان بالغيب
يقصد من النظر يف اإلميان بالغيب تحقيق األهداف التالية:
.1هدفان علميّان :تحديد معنى اإلميان بالغيب ،وعرض األدلّة من القرآن والس ّنة.
.2أهداف دعويّة تربويّة :وهي كشف قيمة اإلميان بالغيب :يف إحداث التوازن النفيس لإلنسان ،ويف إحداث
التوازن االجتامعي لإلنسان ،ويف تربية اإلنسان عىل املسؤول ّية الجامع ّية (مدن ّية اإلنسان).
أ .تحديد المفهومين
اإلميان :لغة :التصديق ،ورشعا :االعتقاد بالقلب واإلقرار باللسان .والغيب غيبان :غيب حقيقي مطلق وهو ما
غاب عن الخلق أجمعني .وغيب إضايف وهو ما غاب علمه عن بعض املخلوقني دون بعض كالذي يعلمه املالئكة وال
يعلمه البرش...
والغيب اإلضايف أنواع أخرب عنها الوحي وهي :الغيب ما يقابل الشهادة ،فيدخل يف ذلك :املالئكة والجن
والجنة والنار ، ...والغيب ما مىض من أحداث الخلق األ ّول أو أخبار األ ّولني .والغيب ما غاب عن العباد من الحارض
واملستقبل.
ب .معنى اإليمان بالغيب:
-هو التصديق بالقلب بوجود عامل الغيب ،وبص ّحة ما أخربنا به الله ورسوله ،وكل هذا مض ّمن يف الشهادتني.
ج .مضمون اإليمان بالغيب
ويشمل اإلميان بالغيب اإلميان بالخلق األ ّول وبالله ومالئكته وكتبه ورسله واليوم اآلخر والقدر.
• اإليمان بالخلق األوّل :ونعني به كل ما يتعلّق ببدايات الكون والحياة واإلنسان.
ف َبدَ أَ الْ َخل َْق﴾ [العنكبوت]20 : ﴿ ُق ْل ِسي ُروا ِفي ْالَ ْر ِض فَانْظُ ُروا كَ ْي َ
وأورد البخاري أ ّن رسول الله قال« :كان الله ومل يكن يشء قبله وكان عرشه عىل املاء .ثم خلق السموات واألرض،
وكتب يف الذكر كل يشء».
مم
ترفع اإلجابة عىل سؤال الخلق األ ّول الحرية عن مسائل وجوديّة مل ّحة تح ّدد بشكل عميق موقف اإلنسان ّ
يدور يف الحياة.
وأن يربط الفرد (أو األ ّمة) حياته بعامل غيب إقرار بحكمة الخلق وبتكريم اإلنسان ،وهو ما يوفّر رؤية للكون
واإلنسان تقوم عىل الغائ ّية والعدالة بعكس الرؤية التي تقيم الوجود عىل الصدفة أو الرصاع التي تدفع نحو اإلميان
بالعبث ّية املطلقة والعدم ّية اله ّدامة.
• معرفة اهلل واإليمان به :وهذا أه ّم ما يتعلّق به اإلميان بالغيب.
ات َو ْالَ ْر ِض َو ُه َو يُطْ ِع ُم َو َل يُطْ َع ُم[ ﴾...األنعام]14 : الس َما َو ِ ﴿ ُق ْل أَ َغ ْي َر اللَّ ِه أَتَّ ِخ ُذ َولِ ًّيا ف ِ
َاط ِر َّ
«روى مسلم ...قال :قال رسول الله صىل الله عليه وسلم« :لو يعلم املؤمن ما عند الله من العقوبة ما طمع بجنته،
ولو يعلم الكافر ما عند الله من الرحمة ما قنط من جنته».
اإلميان بالله انخراط يف منهاج يح ّدد سلوك الفرد والجامعة بجملة من القيم ميكن أن تضبط ضمن منظومات
أه ّمها املنظومة األخالقيّة.
يو ّجه اإلميان بالله اإلنسا َن وجهة تقوم عىل حسن العودة إليه فالحياة ليست غاية يف ذاتها.
• اإليمان بالقدر :اإلميان بالقدر نتيجة لسائر مضامني اإلميان بالغيب ،فمعرفة الله ومعرفة صفاته تؤ ّديان
إىل اإلميان بالقدر.
اب ِم ْن َق ْبلِ أَنْ نَ ْب َرأَ َها﴾ [الحديد]22 :
اب ِم ْن ُم ِصي َب ٍة ِفي ْالَ ْر ِض َو َل ِفي أَنْف ُِسك ُْم إِ َّل ِفي ِك َت ٍ ﴿ َما أَ َص َ
روى الرتمذي ...قال :خرج رسول الله صىل الله عليه وسلم ونحن نتنازع يف القدر ،فغضب ،حتى كأمنا فُقئ يف وجهه
حب الرمان حمر ًة من الغضب ،فقال« :أبهذا أمرتم؟ أم بهذا أرسلت إليكم؟.»...
يبعد اإلميان بقدر الله اإلنسا َن عن الحرسة والتوتّر حينام يقع املكروه وعن ادعاء القدرة املطلقة عىل الفعل حينام
يتحقّق له ما يريد .واألوىل مصدر األمل ،والثانية مصدر الكرب وكلتاهام تفسد الوعي والعالقة باآلخرين وباملوجودات.
20
يوفّر اإلميان بالقدر لإلنسان األساس النفيس والنظري ملنهج يف الحياة يح ّدد الواجب يف الكدح إىل الخالق أ ّما النتيجة
فبيد الله فإن تحقّق لإلنسان ما يريد فم ّنة من خالقه وإن مل يتحقّق فبإرادة منه والخري لإلنسان يف كلتا الحالتني.
• اإليمان بالمالئكة :املالئكة مخلوقات خلقها الله خلقا مغايرا لإلنسان ،ال يعصون الله ما أمرهم.
﴿ َو َم ْن يَكْ ُف ْر بِاللَّ ِه َو َم َلئِكَ ِت ِه َوكُ ُت ِب ِه َو ُر ُسلِ ِه َوالْ َي ْو ِم ْال ِخ ِر َف َقدْ ضَ َّل ضَ َل ًل بَ ِعيدً ا﴾ [النساء]136 :
• اإليمان بالجنّ والشياطين :هم من عامل الغيب والج ّن مكلّفون مبا جاء به الرسول مح ّمد صىل الله
رش.
عليه وسلّم ،أ ّما الشياطني فهم املخلوقات التي تأيت عىل النقيض من املالئكة إذ هم أهل الغواية وال ّ
﴿يَا بَ ِني آ َد َم لَ يَ ْف ِت َن َّن ُك ُم الشَّ يْطَا ُن ك ََم أَ ْخ َر َج أَبَ َويْ ُك ْم ِم َن الْ َج َّن ِة يَ ْن ِز ُع َع ْن ُه َم لِبَ َاس ُه َم[ ﴾...األعراف]27 :
روى مسلم :قال رسول الله صىل الله عليه وسلم «خلقت املالئكة من نورٍ .وخلق الجان من مار ٍج من نارٍ.
وخلق آدم مام وصف لكم».
يؤمن املسلم باملالئكة والشياطني والج ّن فيكون بإميانه واعيا بأنّه ليس وحيدا يف الكون ،وبأ ّن املالئكة قدوة
له ،بعد الرسول األكرم مح ّمد ،يف التق ّرب إىل الله ،وبأ ّن الشياطني أعداؤه فيكون بذلك حذرا يف أفعاله وأقواله ،وذلك يف
إطار تحقيق الخالفة يف األرض.
واإلميان باملالئكة إميان بكائنات مل يخالطها الدنس والعصيان ،واإلميان بالشياطني والج ّن إميان بكائنات ذات
ق ّوة خارقة ،ورغم ذلك فقد كتب عليها ما كتب عىل اإلنسان من املوت بل إن لإلنسان درجة عىل املالئكة من خالل
التزامه اإلرادي بدين الله ،ودرجة عىل الج ّن والشياطني رغم ضعفه الظاهر.
• اإليمان بالكتب :الكتب التي يؤمن املسلم أن الله أنزلها عىل رسله وأنبيائه غري محصورة بالعدد ولك ّن
الله ذكر منها أربعة ،وأشار يف مواطن من القرآن إىل صحف إبراهيم وأورد بعض ما فيها.
﴿آ َم َن ال َّر ُس ُول ِب َما أُنْز َِل إِلَ ْي ِه ِم ْن َر ِّب ِه َوالْ ُم ْؤ ِم ُنونَ ك ٌُّل آ َم َن بِاللَّ ِه َو َم َلئِكَ ِت ِه َوكُ ُت ِب ِه َو ُر ُسلِ ِه﴾ [البقرة]285 :
أَ ْخ َ َبنَا ُم َعا ُذ بْ ُن َهانِئٍ َّ :...
السبْ ُع الطُّ َو ُل ِمث ُْل التَّ ْو َرا ِةَ ،والْ ِم ِئ َني ِمث ُْل ا ِإلنْجِيلِ َ ،والْ َمث َِان ِمث ُْل ال َّزبُورَِ ،و َسائِ ُر الْ ُق ْرآنِ بَ ْع ُد فَضْ ٌل.
• اإليمان بالرسل :اإلميان بالرسل رشط اإلميان بالغيب.
ُ َ
﴿إِنَّ الَّ ِذي َن يَكْ ُف ُرونَ بِاللَّ ِه َو ُر ُسلِ ِه َويُرِيدُ ونَ أنْ يُ َف ِّر ُقوا بَ ْي َن اللَّ ِه َو ُر ُسلِ ِه )150( ...أولَ ِئكَ ُه ُم الْكَا ِف ُرونَ َحقًّا﴾...
[النساء]151 ،150 :
«روى أحمد عن أيب ذر قال :أتيت النبي صىل الله عليه وسلم وهو يف املسجد فجلست ...قلت؟ يا رسول
رش جام غف ًريا)»... الله :أي األنبياء كان أول؟ قال( :آدم) ...قلت :يا رسول الله ،كم املرسلون؟ قال( :ثالمثائ ٍة وبضعة ع َ
يدل املؤمن عىل الغيب الذي يؤمن به .وهو ما يد ّعم الدالالت اإلميان بالكتب والرسل استناد عىل دليل ملموس ّ
االجتامع ّية والنفس ّية التي تنتج عن اإلميان بالله وبالقدر...
اإلقرار بتواتر األنبياء وبحملهم لدين واحد عىل مراحل يدرج الحركة اإلنسانيّة يف التاريخ يف مسار معقول،
ويحدث عالقات قبول متبادل عميقة مع أصحاب الديانات األخرى.
• اإليمان باليوم اآلخر :وهو أن يص ّدق املسلم تصديقا سليام بأن الله يبعث من يف القبور ملحاسبتهم يف
يوم هو يوم القيامة وأن املحسن يف الج ّنة واملجرم يف النارَ ﴿ .واللَّهُ الَّ ِذي أَ ْر َس َل ال ِّر َي َ
اح َف ُت ِثي ُر َس َحا ًبا ف َُس ْق َنا ُه إِلَى َبلَ ٍد
َم ِّي ٍت َفأَ ْح َي ْي َنا ِب ِه ْالَ ْر َض بَ ْعدَ َم ْوتِ َها كَ َذلِكَ ال ُّنشُ و ُر﴾ [فاطر]9 :
روى الطرباين قال :قال رسول الله صىل الله عليه وسلم« :يطلع عليكم قبل الساعة سحابة سوداء من
قبل املغرب مثل الرتس فال تزال ترفع يف السامء وتنترش حتى متأل السامء ثم ينادي مناد أيها الناس أىت أمر الله فال
تستعجلون»
تخص
إذا كان ما سبق من مضمون اإلميان بالغيب قامئا عىل االقتناع العقيل أو النفيس ،فإن لإلميان باليوم اآلخر أسسا ّ
كل مجاالت الحياة اإلنسان ّية .فهو إميان قائم عىل اإلخالص لله والتوكل عليه ،إذ اإلميان باليوم اآلخر يستدعي املحاسبة
واالعتبار والخوف والرجاء .فعن الغفلة عن الله واليوم اآلخر تنتج الخبائث كلها.
هذه املحاسبة اليوم ّية تعطي للقانون (أو الرشيعة) سلطانا نفس ّيا قويّا ،تقوم عليه كل رشيعة تحظى باحرتام
يؤسس مدنيّة عالقة الفرد واملجموعات باألفراد واملجموعات. أصحابها ،وهذا السلطان هو الذي ّ
الحواس وفق ما أق ّرته الكتب السامويّة من وحدان ّية لله وملا يف ّ أهم النتائج :اإلميان بالغيب إميان مبا ال يقع تحت ّ
ستتم يف املستقبل. عاملي السامء واألرض وملا وجد من أحداث متّت يف املايض أو يف الحارض أو ّ
ولهذا اإلميان أهم ّية عظيمة يف تحديد املسار العميل لإلنسان ولسلطة القانون وملدن ّية العالقات بني األفراد
والجامعات.
21
الوسم :اإلميان؛ الغيب؛ غيب حقيقي؛ غيب إضايف؛ املالئكة؛ الج ّن؛ العالقات املدن ّية؛ االطمئنان النفيس؛ اإلخالص؛
عالقات التبادل بني أهل الديانات املختلفة؛ األنبياء...
.4األمة والجماعة
غايتنا يف هذه الورقة :بيان معنى األ ّمة لغة واصطالحا ،ثم بيان مفهوم األ ّمة يف اإلسالم ،والتع ّرف عىل الفروق
بني مفهوم األ ّمة ومفهوم الجامعة.
.1األمة لغة:
للفظ «أمة» لغة أربع دالالت هي :األصل ،واملرجع ،والجامعة ،والدين .أ ّما يف القرآن فتأيت األمة بعدة معان أهمها:
1ـ الجيل أو الجنس من األحياء :قال تعاىلَ ﴿ :و َما ِم ْن َدابَّ ٍة ِفي ْالَ ْر ِض َو َل طَائِ ٍر يَ ِطي ُر ِب َج َنا َح ْي ِه إِ َّل أُ َم ٌم
أَ ْمثَالُك ُْم﴾ [األنعام.]38 :
2ـ الدين :قال تعاىل﴿ :إِنَّا َو َجدْ نَا آبَا َءنَا َعلَى أُ َّم ٍة﴾ [الزخرف.]22 :
اس يَ ْسقُونَ ﴾ [القصص ،]23 :وجاء يف صحيفة املدينة التي ُ
3ـ الجامعة :قال تعاىلَ ﴿ :و َجدَ َعلَ ْي ِه أ َّم ًة ِم َن ال َّن ِ
كتبها رسول الله ﷺ « :إن يهود بني عوف أمة مع املؤمنني» (سرية ابن هشام.)3/34 ،
يم كَانَ أُ َّم ًة﴾ [النحل.]120 : 4ـ اإلمامة :قال تعاىل﴿ :إِنَّ إِ ْب َرا ِه َ
5ـ الرجل املنفرد بدينه :قال الرسول الله ﷺ يف زيد بن عمرو بن نُفيل ،وهو رجل عاش قبل البعثة عىل
ملة النبي إبراهيم« :يُب َعث أمة وحده» (النسايئ ،السنن الكربى).
6ـ جامعة العلامء :قال تعاىلَ ﴿ :ولْ َتكُ ْن ِم ْنك ُْم أُ َّم ٌة يَدْ ُعونَ إِلَى الْ َخ ْيرِ﴾ [آل عمران.]104 :
7ـ املدة يف الزمن :قال تعاىلَ ﴿ :و َق َال الَّ ِذي نَ َجا ِم ْن ُه َم َوا َّدكَ َر َب ْعدَ أُ َّم ٍة﴾ [يوسف.]45 :
.2األمة اصطالحا
أما اصطالحا ،فإن األمة تعني أنرتوبولوجيا الجامعة الكبرية من الناس الذين تربطهم وشائج ثقافية من أهمها
الدين واللغة ،ولهم تاريخ مشرتك ،وتجمعهم مصالح كربى مشرتكة تقتضيها حياتهم املادية والرمزية ،ولهم حضارة
ممتدة يف الزمن.
وقد زادت بعض التعريفات مفهوم األمة حرصا وتضييقا ،فجعلت من رشوط قيامها أن يرتبط أفرادها بوشائج
عرقية ودموية واحدة ،وأن يتكلموا بلسان واحد ،ويعيشوا يف رقعة ترابية واحدة ،ويجمعهم كيان سيايس مشرتك.
يف ضوء هذه الرشوط اإلضافية ميكن أن نالحظ إن مفهوم األمة غدا أقرب إىل مفهوم «الشعب» سواء باملعنى
األنرتوبولوجي الذي مييل إىل ما يسمى «الصفاء العرقي» (الذي تقول به النظرية الصهيونية اليهودية ،وسبق أن قالت
به النظرية النازية يف زمن هتلر ،)..أو باملعنى السيايس األضيق املعت َمد يف معجم الفكر السيايس الحديث والذي يقرتن
مبفهومي الوطن والدولة.
.3مفهوم األمة في اإلسالم
الوقوف عندها بالتأمل والتحليل: َ لألمة يف االصطالح القرآين مواصفات أربعة أساسية يقتيض تحدي ُد املفهوم
خية ،وسط وشاهدة. فهي أمة واحدةِّ ،
َ ُ ُ
أ .أمة واحدة بدليل قوله تعاىل﴿ :إِنَّ َه ِذ ِه أ َّم ُتك ُْم أ َّم ًة َوا ِحدَ ًة َوأنَا َربُّك ُْم فَا ْع ُبدُ ونِ ﴾ [األنبياءَ ﴿ ،]92 :وإِنَّ
َ
َه ِذ ِه أ َّم ُتك ُْم أ َّم ًة َوا ِحدَ ًة َوأنَا َربُّك ُْم فَاتَّقُونِ ﴾ [املؤمنون .]52 :يتضح من سياق النصني املتقدمني أهمية معنى الوحدة ُ ُ
بني البرش ليس باعتباره معطى َخلقيا موضوعيا محتوما ،وإمنا باعتباره حصيلة مسرية تاريخية قادها عدد كبري من
األنبياء ومن أتباعهم املؤمنني ،وباعتباره مقصدا لرابطة األمة يحث النص القرآين ضمنيا عىل استمرار تحقيقه.
ما يلفت االنتباه أن هذا التوحيد يف بعده األفقي األريض االجتامعي اإلنساين مقرتن بتوحيد ذي بعد آخر عمودي وذي
طبيعة تصورية عقدية وروحانية.
مؤدى ذلك أن الرشط األساس لألمة اإلسالمية هو رشط ثقايف جوهري يتمثل يف اشرتاك املنتمني إليها يف اإلميان
بالله الواحد .فهي إذن أمة املؤمنني برصف النظر عن اختالف ألوانهم ،وألسنتهم ،وأوطانهم ،وجنسياتهم ،ودولهم،
ومصالحهم..
اس﴾ [آل عمران .]110 :فالصيغة التقريرية التي ُ ُ
خية بدليل قوله تعاىل﴿ :كُ ْن ُت ْم َخ ْي َر أ َّم ٍة أ ْخ ِر َج ْت لِل َّن ِ ب .أمة ِّ
وردت بها هذه اآلية ال تدل البتة عىل أن خريية األمة هي معطى يتعلق بانتامئها العرقي ألن ذلك من شأنه أن يس ّوغ
متيي َز األمة اإلسالمية تفاضليا عن غريها من األمم عىل أساس عرقي يفيض إىل العنرصية .وهذا غري جائز مبقتىض البنية
22
العامة لآلية التي تورد األمر باملعروف والنهي عن املنكر ثم اإلميان بالله باعتبارها أسبابا للخريية ورشوطا لتحققها.
بذلك تكون الخرييّة نتيجة لفعل إنساين حر مطلوب تحققه .وأبعاد هذا الفعل األخالقية وأولوية اإلصالح االجتامعي
والسيايس فيه (األمر باملعروف والنهي عن املنكر) مبنيّة عىل االعتبار العقدي الذي جاء يف آخر اآلية.
ج .أمة وسط بدليل قوله تعاىلَ ﴿ :وكَ َذلِكَ َج َعلْ َناك ُْم أُ َّم ًة َو َسطًا[ ﴾...البقرة .]143 :ومام تعنيه الوسطية اعتدال
التصور والسلوك بني طرفني مذمومني :إفراط وتفريط وتخاذل وتشدد وميوعة وتطرف ..وتعني الوسطية أيضا العدل
بني الناس .فقد ورد يف القرآن الكريمَ ﴿ :ق َال أَ ْو َسطُ ُه ْم أَل َْم أَ ُق ْل لَك ُْم لَ ْو َل ت َُس ِّب ُحونَ ﴾ [القلم ، ]28 :قال املفرسون:
أوسطهم أي أعدلهم .فهل يعني ذلك أن الله قد أوجد األمة اإلسالمية عىل هيئة مكتملة ونهائية من الوسطية كام قد
يُفهم من لفظة «جعلناكم» الواردة يف اآلية؟
ينبغي االنتباه إىل الفرق بني مفهوم «الخلق» ومفهوم «الجعل» .فإذا كان الخلق متعلقا بفعل إلهي مفض
إىل نتيجة محتومة ،فإن الجعل هو فعل إلهي ال يستبعد الكسب اإلنساين بل يوفر أسبابه يف ذات اإلنسان بحكم ما
أوجده الله فيه من استعدادات أولية وإرادة حرة .وهذا أساس ديني متني للحرية يح ّمل اإلنسان مسؤولية كاملة عن
عمله االختياري سواء باتجاه تحقيق املراد اإللهي (وهو يف صورة الحال أن تكون األمة وسطا) ،أو باتجاه مغاير لذلك
املراد .فشتان بني الخلق القدري السالب للحرية ،وبني الجعل الذي يضمر يف ذات الوقت دعوة إىل الفعل اإلنساين
الصالح ويوفر أسباب تحققه.
د .أمة شاهدة بدليل قوله تعاىل﴿ :لِ َتكُونُوا شُ َهدَ ا َء َعلَى ال َّن ِ
اس َويَكُونَ ال َّر ُس ُول َعلَ ْيك ُْم شَ هِيدً ا﴾ [البقرة.]143 :
كل قوم نب ّيهم وينكرون أنّه بلّغهم رسالة ربّهم ولك ّن والشهادة نوعان :شهادة أخروية :ففي يوم القيامة يكذّب ّ
املسلمني يشهدون بأنّه بلّغ ما أمر بتبليغه .وشهادة دنياوية :وهي أن يشهد الناس املسلمون لشخص عىل التقوى أو
الفساد.
يُفهم من هذا أن لألمة مسؤولية ثابتة إزاء ذاتها ،حاال ومآال ،وإزاء اإلنسانية قاطبة ،حاال ومآال ،سواء بسواء.
كام يُفهم أن األمة مستأمنة بشكل جامعي عىل مدى تحقيق مراد الله يف تعمري األرض وصالحها وعدم إفسادها ،مبا
مينع قيام أي بديل عن إرادتها العامة ،سواء من داخلها أو من خارجها ،مهام كانت الذرائع الدينية والسياسية وغريها..
الجامعة بُعد عمراين سيايس
إذا كان مفهوم األمة يف اإلسالم تغلب عليه االعتبارات الثقافية القامئة عىل معاين الوحدة والتوحيد وقيم الخري
والوسطية والشهادة ،فإن مفهوم الجامعة تغب عليه االعتبارات االجتامعية والسياسية األقرب إىل املجال العميل وإىل
مقتضيات إدارة العمران وتدبري أمور السلطة عىل نحو ما وردت يف النصوص املرجعية اإلسالمية.
ولعل هذا ما يفرس وفرة ورود مصطلح الجامعة يف املعجم اللغوي للسنة النبوية بالقياس إىل محدودية حجم
وروده وصيغه الضمنية يف املعجم القرآين .ذلك أن النبوة ذات تعلق أكرب باملجال العميل الدنيوي بينام الرسالة ،التي
تجد أصلها األول يف القرآن ،متعلقة أساسا مبسائل بناء التصور واالعتقاد وقيم األخالق والسلوك .من ثم كانت آيات
األحكام قليلة نسبيا (يف حدود الخمس مائة آية ،وهي أقل من ذلك بحسب بعض العلامء) .وقد وردت كثري من تلك
األحكام املتعلقة خاصة بقضايا االجتامع والسياسة كلية عامة ،مبا يفتح باب االجتهاد يف شأنها.
جامع القول أن االستقراء املستفيض لألحاديث النبوية التي تتحدث عن الجامعة يفيد أن هذا املفهوم متعلق
بالتكريس العميل التطبيقي ملعاين األمة عىل نحو ما سبق بيانها ،ولزوم مقتضياتها العمرانية والسياسية التي منها عدم
التفرق ،واعتامد اإلمرة ،والشورى...
وال يخفى ما يف تواتر عبارة «عدم إجامع األمة عىل الضاللة» ضمن األحاديث النبوية من أهمية يف تأسيس
مبدأ اإلرادة العامة يف الفكر السيايس اإلسالمي ،باعتبارها أساسا لحكم األغلبية ،ومن ثم لرشعية السلطة ومنع
االستبداد.
الوسم :أمة ،توحيد ،وسط ،خري ،شهادة ،عمران ،إرادة عامة ،إمرة ،إجامع ،رشعية ،استبداد.
24
والجامعي وما أحدثه مفهوم الالشعور من زلزلة لقطب ّية الذات ومركزيّتها) ويف علم االجتامع واألنرثوبولوجيا (ما أحدثته
األقل] يعي وجودها ويدرك ثقافاتها)...
الدراسات األنرثوبولوج ّية من تعريف بشعوب مل يكن أحد [يف الغرب عىل ّ
د .مفهوم اآلخر في الفكر الديني:
النص الديني أوجب أن يكون اآلخر ال نجد يف الفكر الديني وعيا باآلخر باعتباره مشكلة فلسف ّية ،ولك ّن ّ
حارضا يف جملة من العلوم أه ّمها علام الفقه والكالم:
يف الفقه اإلسالمي:
-يشار إىل اآلخر هنا من حيث األحكام الفقه ّية القانون ّية اإلسالم ّية التي تعنيه وتتعلّق هذه األحكام
بالعالقات الجامعة بني املسلم وغري املسلم ال غري وال تشمل ما يه ّمه من حيث أفعاله وعباداته ألنّه ليس معن ّيا
باألحكام اإلسالم ّية يف ذلك
الخاصة بالعالقات الجامعة بني املسلم واآلخر تصنيفه إىل أنواع: ّ -وقد أوجبت األحكام
• أهل الحرب وهؤالء ليس لهم يف الفقه اإلسالمي إال ما طلبوه ،عىل أنّه من الرضوري التأكيد أن املسلمني ال
يعلنون الحرب إال عىل من أعلنها عليهم وال يبدؤون الغري بها.
• طالبو األمن يف حمى املسلمني رغم كونهم يف األصل من أهل الحرب ولكن سعيهم إىل األمن أخرجهم
َ
من النوع األ ّول فأوجب عندئذ حكام مخالفا وهو االستجارة وتوفري األمن له يقول تعاىلَ ﴿ :وإِنْ أ َحدٌ ِم َن الْ ُمشْ ِر ِكي َن
ْاس َت َجا َركَ َفأَجِ ْر ُه َح َّتى يَ ْس َم َع ك ََل َم اللَّ ِه ثُ َّم أَبْلِغْهُ َمأْ َم َنهُ َذلِكَ ِبأَنَّ ُه ْم َق ْو ٌم َل يَ ْعلَ ُمونَ ﴾ [التوبة]6 :
• املعاهدون :وهم يف األصل أهل الحرب ولك ّنهم تعاهدوا مع املسلمني عىل عدم خوضها ،ولذلك أوجب
الس ِم ُ
يع لسل ِْم فَا ْج َن ْح لَ َها َوتَ َوك َّْل َعلَى اللَّ ِه إِنَّهُ ُه َو َّ
الرشع عىل املسلمني احرتام عهودهم .يقول الله تعاىلَ ﴿ :وإِنْ َج َن ُحوا لِ َّ
الْ َعلِيم﴾ [األنفال]61 :
• أهل الذ ّمة :وهم الذين رضوا بالعيش يف بالد املسلمني أو الذين رضوا بأن يكون الحاكم مسلام دون أن
يتع ّرضوا للدولة ولقوانينها باملعارضة أو املحاربة .وللفقه اإلسالمي باب كامل يف ما يعرف بـ»أحكام أهل الذ ّمة»،
ويتم ّيز عيشهم يف بالد املسلمني باألمن وعدم اإليذاء والكرامة واملساواة يف كل الحقوق والواجبات ...وقد ح َّرم ُ
رسول
صل الله عليه وسلَّم -ظلمهم والتعدي عليهم بالقتل. الله َّ -
يقول القرايف« :إ َّن َع ْق َد الذمة يوجب حقوقًا علينا لهم؛ ألنَّهم يف جوارنا ويف خفارتنا ،و ِذ َّم ِة الله تعاىل ،و ِذ َّم ِة
أحدهم ،أو نوع من أنواع األذيَّة ،أو أعان رسوله ،و ِدينِ اإلسالم ،فمن اعتدى عليهم ولو بكلم ِة سوء ،أو ِغيبة يف ِع ْرض ِ
عىل ذلك ،فقد ض َّي َع ِذ َّمة الله تعاىل و ِذ َّمة رسوله ،و ِذ َّمة ِدين اإلسالم».
يف علم الكالم:
يتعلّق االهتامم باآلخر يف علم الكالم مبن يخالفون الذات يف املذهب ويف الفرقة الدين ّية .وعىل هذا فاملوا ّد
التي تتناولهم يف علم الكالم هي تلك التي تتعلّق باإلميان والكفر أو بالتفسيق والتكفري والتبديع...
الخاتمة
.1ما يحتقظ به المتقبل
يخص اإلنسان املختلف
يخص كل املوجودات ومصطلح الغري ّ -مصطلح اآلخر ّ
-قبول اآلخر والتسامح فلسفة يقوم عليها الدين اإلسالمي وليست مج ّرد فرع ّيات أو آيات منسوخة بآية السيف
-فلسفة االختالف تقوم عىل إعادة فهم مقاصدي للخطاب القرآين مبني عىل تصنيف اآليات إىل آيات
تأسيس ّية وآيات فرع ّية وآيات تفصيل ّية
-من هذه اآليات اآليات التي تدعو إىل العدل واإلحسان وإىل القسط وإىل الحريّة...
-فلسفة االختالف تقوم عىل ضوابط حديث ّية ب ّينت كيف ّية التعامل مع الغري سواء كان مسلام أوغري مسلم
-يف ضوء فلسفة االختالف واالعرتاف باآلخر تقرأ مصطلحات من قبيل االستخالف والحاكم ّية والتعارف
-ميكن أن نعيد بناء فقه األقل ّيات والطوائف يف ضوء فلسفة االختالف
-تفهم آية السيف والحرب ضمن فلسفة االختالف.
.2أهمّ الكلمات المفاتيح
اآلخر؛ الغري؛ فلسفة االختالف؛ التسامح؛ التعارف؛ السالم؛ العدل؛ الحريّة؛ السلم األهيل؛ التالقي؛ التثاقف؛ االستخالف؛
االعرتاف بالغري...
25
في إدارة التمدن
االستنتاج:
السعة والحر ّية ،وتوطئة للعيش أحرارا
كانت الهجرة انتقاال من مكان إىل آخر ،وكانت خروجا من االستبداد إىل ّ
كواطنني متعاونني .ووراء ذلك عمل دؤوب من ال ّتعليم ،وتهذيب الخلق برفق إخراجا لإلنسان من ال ّتوحش إىل
التّمدّ ن ومن «الهمج ّية» والفردان ّية إىل األنس واملواطنة.
الوسم :الهجرة – التع ّرب – التوحش -املدينة -املواطنة -التعارف -الحريّة ...
.3المرأة في القرآن
يحتاج حضور املرأة يف القرآن تجلية وبيانا ،ووعيا بالوحي املح ّمدي ومقاصده يف شأن اإلنسان ودوره يف
الحياة ،وهنا نعرض إىل بعض املسائل املفاهيم ّية ذات العالقة الوطيدة بكتاب الله يف شأن املرأة.
أ .في أصل الخلق واإلنسانيّة:
خلق الرجل واملرأة من نفس واحدة فهام يف الجنس واألصل واإلنسانيّة سواء ،وقد س ّوي خلقهام وع ّدل يف
أحسن صورة مركّبة ،مبقتىض إرادة الله وسابق مشيئته.
أ ّما قوله تعاىلَ ﴿ :ولَ ْي َس ال َّذكَ ُر ك َْالُنْثى﴾ [ 36آل عمران] فيؤخذ عىل ظاهره .فال ّنفي نفى للمثلية ،وليس نفيا
للمساواة يف أصل الخلقة واملاهية.
ب .في التّكريم والتّكليف:
واملرأة مساوية للرجل يف التّكريم ألنّه تكريم لإلنسان عموما وليس للذّكر عىل حساب األنثى .يف التّكليف:
والتغيب وهو ما توضّ حه
الشع ّية واألخالق ويف التّحذير ّ
وتستوي املرأة وال ّرجل يف التّكليف عىل مستوى الواجبات ّ
آيات القرآن
-وهام يستويان يف واجب التديّن والعبادة ،وتقاس أعاملهام مبقياس واحد.
ج .القوامة والوالية:
• القوامة:
لئل
-الحياة الزوج ّية حياة اجتامعية وال ب ّد فيها من يتح ّمل مسؤول ّية الجامعة زيادة عىل مسؤول ّية نفسه ّ
ويختل نظامهم .فاملساواة بني الرجال والنساء ليست مطّردة
ّ يعمل كل فرد ض ّد اآلخر فتنفصم عروة الوحدة الجامعة
28
-ال تتعلق ال ّرئاسة بالذكورة أو األنوثة ،وإنّ ا تتعلّق بالعائلة باعتبارها هيئة مرك ّبة من ائتالف أشخاص ،ويف
حالة التّوافق والشّ ورى ويف كنف املو ّدة وال ّرحمة ،ليست ال ّرئاسة يف العائلة سوى تراتب ّية اعتباريّة ال تشعر بالتّسلّط
الصاع ...يف مقابل أداء واجب حامية األرسة وتثبيت اجتامعها وصيانة وجودها من أن تفرتسه وال تثري التوت ّر وال ّ
عوامل التّصدع والشّ قاق.
-يقيض واجب حامية األبناء بش ّد حبل مصلحتهم بعنق أحد الوالدين ...وهو يف هذه الحالة :األب .والطّاعة
يف البيت إنّ ا هي يف املعروف والخري...
-وأصل القيام يف اللّغة هو االنتصاب املضا ّد للجلوس واالضطجاع ،وإنّ ا يقوم القائم لقصد عمل صعب ال
السيادة
يتأت من قعود فعندما ينتصب ال ّرجل خادما ألهله يكون للبيت ق ّواما ..وعىل قدر القوامة أي الخدمة ،تكون ّ ّ
«س ِّي ُد الْ َق ْو ِم َخا ِد ُم ُه ْم».
وال ّرئاسة( )...ويف الحديث َ
-والقوامة املذكورة يف اآلية هي قوامة الرجل داخل أرسته ال غري ،فيجوز أن تكون املرأة رئيسة رجل يف
أي عمل خارج البيت .وإذا كانت لل ّرجل زوجة طبيبة يف مستشفى فال دخل له يف عملها الف ّني ،وال سلطان له عىل ّ
وظيفتها يف مستشفاها) (..
• الوالية:
بييستدل املانعون للمرأة من بلوغ منصب الوالية العا ّمة ومن املشاركة يف املجالس النياب ّية بحديث ال ّن ّ ّ -
صىل الله عليه وسلم أنّه سألَ :م ْن يَ ِل أَ ْم َر فَار َِس؟ « قَالُوا :ا ْم َرأَةٌ ،ق ََالَ :ما أَفْل ََح قَ ْو ٌم يَ ِل أَ ْم َر ُه ْم ا ْم َرأَ ٌة » ومناسبة الورود
تدل عىل أ ّن املقصود هي مملكة فارس الضعيفة – حينها -وقد جعل مرياث عرشها لفتاة ال تدري شيئا ،فكان ذلك ّ
إيذانا بأ ّن ال ّدولة كلّها إىل ذهاب.
تول اإلمامة العظمى (الخالفة) أل ّن من رشطها عندهم «الذّكورة» فيمن اتفق الفقهاء عىل منع املرأة من ّ
باملؤسسات. ّ خاصا باألفراد بل يليها..والواقع أن أمر الوالية مل يعد ّ
مؤسيس يشرتك يف الحكم فيه عدد من القضاة ..فإذا كانت الفردي إىل قضاء ّ ّ -فقد تح ّول القضاء من القضاء
املرأة عضوا مشاركا يف هيئة املحكمة ،فال معنى لل ّنظر هل واليتها رشع ّية أم ال ،ألن الوالية هنا ملؤسسة وجمع،
وليست لفرد من األفراد ،رجالً كان أو امرأة.
خصيص يف تقنني مؤسسية متثّل االجتهاد الجامعي والتّ ّ -واستنباط القانون ومدارسته يت ّم مبشاركة جامعيّة ّ
األحكام وصياغتها .والقايض تبعا لذلك ليس له أن يحكم وفق اجتهاده املطلق وإنّ ا صار منفّذا للقانون الذي ق ّننته
املؤسسة الترشيع ّية.
يصح أيضا يف السلطة التّتنفيذيّة يف ال ّنظم ال ّدميقراط ّية « حيث تح ّولت السالفتني ّ السلطتني ّ صح يف ّ -وما ّ
واملختصة يف صناعة القرار ...فإذا شاركت املرأة يف هذه ّ املؤسسات املق ّننة واملراقَبة من الفرد إىل الجامعة يف إطار ّ
املؤسسات وانتخبت لرئاستها فليس من الوارد الحديث عن والية املرأة -يف املطلق -باملعنى الذي ارتسم قدميا – ّ
بحكم الواقع -يف أذهان الفقهاء.
قصة ملكة سبأ فأثنى عليها ألنّها -وهذا الفهم ،من جهة طبيعة الحكم ونظام ال ّدولة ،ش ّجع عليه القرآن يف ّ
باملؤسسة الشورية .وذ ّم فرعون ،وهو رجل ،النفرده بالوالية العامة ،واستبداده بالرأي. ّ كانت تحكم
تول سلطة ال ّدولة ،وإمنا العربة باألساس يف كون هذه الوالية «مؤسسة -فليست العربة باألنوثة أو الذكورة ىف ّ
فردي مطلق مستب ّد»؟ شورية منتخبة ومراقَ َبة أم هي «سلطان ّ
لضو َر ِة ك ََم قَالَ ُه ابْ ُن َع ْب ِد َّ
الس َل ِم»( -ويف كتب الفقه قالواَ )...( «:ولَ ْو اُبْتُلِي َنا ِبوِلَ يَ ِة ا ْم َرأَ ٍة ْ ِ
ال َما َم َة نَ َف َذ ُح ْك ُم َها لِ َّ ُ
نص قطعي ال تتنازعه ال ّرؤى يف املسألة وإمنا بني القول عندهم باملنع ملا كان معتادا بينهم من ) ،وهذا ينفي وجود ّ
حال املرأة يف عزلها عن الشّ أن العام.
االستنتاج:
-املرأة يف اإلسالم كائن مك ّرم مثيل لل ّرجل يف الخلق ويف الحقوق والواجبات ،وإن كان لل ّرجل عليها درجة
فذلك لرضورة مبارشة شؤون العائلة وإلزامه بحقوق األبناء حال انفصام ال ّزوج ّية ،وهذه القوامة تكون له مبقدار ما
يخدم أهله ويكون ق ّواما عليهم ،وهي له يف بيته ،وداخل أرسته...
السلطة ..وما يعرتض به عليها ناشئ عن عادة ال ّتف ّرد
تتول مناصب ّ -أ ّما يف مسألة الوالية فللمرأة أن ّ
بالسلطة ...أ ّما يف الحكم الجامعي املؤطّر بنصوص القانون املراقب من الهيئات االجتامع ّية فإنّ القرارات فيه ال
ّ
29
تنسب للذكر وال لألنثى ألنّها قرارت جامع ّية قانون ّية شور ّية.
الوسم :الخلق .التكريم .التكليف .الحقوق .القوامة .الدرجة .الوالية.
.4نماذج من التعارف
بالسيف تقابلها حقيقة أنّه كان األقوى ح ّجة يف جداله مع األديان واألفكار فدخل فيه
شبهة انتشار اإلسالم ّ
الناس أفواجا يطلبون راحة ال ّروح وطأمنينة القلب وصفاء العقل؟ شعوب كثرية كان يكفيها التع ّرف عىل هذا اإلسالم
عرب حسن املعاملة واستقامة السلوك ...يك يسلموا.
أ .إسالم ثمامة بن أثال:
كان مثامة س ّيدا من سادات الياممة يقف عىل تجارتها .أرس يف املدينة وربط إىل سارية يف املسجد النبوي ،وكان الرسول
غي الله قلبه نحو الرغبة يف اإلسالم ،ومح ّبة الرسول. يحسن إليه يف القول ث ّم أمر بإطالقه يف اليوم الثالث فأسلم وقد ّ
وحينام اعتمر أخرب املرشكني يف مكّةَ « :والَ َواللَّ ِه ،الَ يَأْتِي ُك ْم ِم َن اليَ َم َم ِة َحبَّ ُة ِح ْنطَ ٍةَ ،حتَّى يَأْ َذ َن ِفي َها ال َّنب ُِّي صىل الله عليه
وسلم».
ب .اإليناس بترانيم القسس:
فقد كان املسلمون يجدون يف ترانيم القساوسة ما يؤنسهم حتّى أ ّن النووي أخرب أ ّن اسم تونس راجع إىل عبارة قالها
عقبة بن نافع الفهرى فاتح املغرب إذ كان يسمع قرب معسكره أنغام القسس وهم يرتنّ ون يف اللّيل فقال هذه البقعة
تونس -بحذف الهمزة -فس ّميت بذلك».
ج .نصرة القبطيّ:
وحادثة القبطي الذي رضبه ابن عمرو بن العاص مشهورة فقد رضب ابن عمرو بن العاص املرصي فشكاه إىل
اقتص له من ظامله وقال قولته الشهرية« :يا عمرو ،متى استعبدتُم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم عمر بن الخطّاب الذي ّ
أحرا ًرا؟»
د .جواز الهدية إلى المشرك المحارب:
عن عبد الله بن عمر قال«:جاءت رسول الله صىل الله عليه وسلم ُح ٌلل ،فأعطى عمر منها ُحلَّة ،فقال عمر:
قلت يف حلّة عطارد ما قلت؟» فقال رسول الله صىل الله عليه وسلم« :إين مل أَك ُْس َك َها يا رسول الله ،كسوتنيها وقد َ
لتَلبِسها» ،فكساها عمر أ ًخا له مرشكًا مبكّة.
هـ .الدّعاء للكافر بالهداية:
فقد دعا رسول الله بالهداية لقبيلة دوس وثقيف يف حادثتني مشهورتني.
و .تعرّف المسيحيّين على اإلسالم:
وأخبار انتقال املسيح ّيني إىل اإلسالم كثرية ترجع ملّها إىل سامحة املسلمني وعظمة سلوكهم.
ز .االطمئنان إلى حكم المسلمين:
بالشق من سقوط بيت املقدس يف يد املسلمني فيقول :ومن املؤكّد أ ّن لقد ّبي سري أرنولد موقف املسيح ّيني ّ
املسيحيّني من أهايل هذه البالد قد آثروا حكم املسلمني عىل الصليبيّني .ويظهر أن أهايل فلسطني من املسيحيّني ،مل ّا
بالسادة الجدد واطأمنّوا إليهم ورضوا بحكمهم. وقع بيت املقدس ىف أيدي املسلمني نهائيا سنة 1244م ر ّحبوا ّ
ح .التعرف على قيم اإلسالم:
مبش دومينقاين زار ويذكر (أرنولد) أ ّن ركلدوس دي مونت كروسيس ،de Monte Crusis Ricoldusوهو ّ
الرشق يف نهاية القرن الثالث عرش ،كان ينطلق بالثّناء عىل املسلمني الذين كان قد اشتغل بني أظهرهم ،وكان يقول«:
الصالة ،وأيّة أي إخالص يف ّ من ذا الذي ال يعجب إذا تأ ّمل ج ّيدا أيّة عناية فائقة بال ّدراسة ميكن أن توجد بني العربّ ،
وأي وقار يف أخالقهم ،ويف معاملتهم للغرباء ،وأيّة وأي تبجيل السم الله واألنبياء واألماكن املق ّدسةّ ،رحمة بالفقريّ ،
مو ّدة تربط بني جنسهم؟»
ط .ال إكره في الدّين:
ومم أورده توماس أرنولد محاولة وقد أعجب الغرب بسامحة املسلمني وعدم إكراه غريهم عىل دينهمّ ،
املأمون يف دعوة زعيم املجوس إىل اإلسالم فرغم رفضه الدعوة ،أمر املأمون بحراسة موكبه حتى يصل إىل فارس.
ي .نصارى جبل لبنان
ومن العجب أ ّن ال ّنصارى املجاورين لجبل لبنان إذا رأوا به بعض املنقطعني من املسلمني جلبوا لهم القوت وأحسنوا
30
إليهم ويقولون :هؤالء ممن انقطع إىل الله عز وجل فتجب مشاركتهم.
ابن جبري ،األندليس( ،ت614هـ) ،رحلة ابن جبري ،ص .259
ك .دخول اإلسالم مملكة تايالند:
السابع امليالدي عىل أيدي التّجار العرب والفرس املسلمني ،الذين ظهر اإلسالم يف تايالند منذ منتصف القرن ّ
الصين ّية ،وكان احتكاكهم املستمر مع األهايل ،وخصوصا ات ّخذوا األرايض التايالندية طرقا لهم بني أرخبيل املاليو والهند ّ
التّجار منهم قد م ّهد السبيل لظهور الدعوة بينهم ،وكانت سالمة ال ّدعوة بينهم وبعدها عن التّد ّخل يف الشّ ؤون
السليم هي التي جعلت السياسيّة قد ضمن لها االستمرار يف الحركة ،كام أ ّن التّعاليم املنسجمة مع التفكري اإلنساين ّ ّ
ال ّديانة املحل ّية (البوذيّة وغريها) ال تجد ح ّجة قويّة معقولة لص ّد ال ّدعوة اإلسالم ّية عن مواصلة سريها إىل األمام ...ويف
والصوم.
كالصالة ّ
تلك املرحلة كان ال ّداخلون يف اإلسالم يكتفون بإعالن الشّ هادتني وأداء أركان اإلسالمّ ،
االستنتاج:
تربز هذه ال ّنامج اقتدار اإلسالم عىل ال ّنفاذ إىل قلوب املخالفني يف لني ورفق ،ويعود ذلك أساسا إىل ارتكاز
ييس عىل املتع ّرف عليه سبيل مم ّ
السليم ،وانسجام تعاليمه مع الفطرة البرشيّةّ ، عقائده عىل بداهات العقل ّ
اعتناقه وارتضائه دينا ورشعة ومنهاج حياة.
الوسم :مثامة بن أثال – ترانيم القسس -املرشك -صالح الدين -يزدانبخت -النصارى -تايالند...
.5الرفق
مم فسد من خلق الجاهل ّية وميلؤهم مبكارم األخالق اإلنسان ّية بي صىل الله عليه وسلم يفرغ أصحابه ّ كان ال ّن ّ
واآلداب اإلسالميّة ،وكانت الهجرة إىل املدينة ومشاهدة األنوار املح ّمديّة سبيال لتم ّدن العر ّيب ورقيّه الحضاري ...لكن
من شأن األخالق أن تذهب ،ومن حال سلوك أهلها أن ينحرف ...وإذا ك ّنا نعيش أزمة قيم وتر ّدي خلق ...فهل ميكن
استعادة مدن ّيتنا بالعودة إىل حاضنة ال ّدين وما حفلت به نصوصه من توجيهات خلق ّية وإسوة حسنة؟
الشيف ما يكفل لنا بناء شخص ّية مدن ّية وييرس ضبط إ ّن يف تت ّبع معاين النامذج اآلتية من نصوص الحديث ّ
منوذج ملواطنة راقية.
أ .الرفق:
السا ُم َعلَ ْي َك ،فَق ََال ال َّنب ُِّي صىل الله عليه َع ْن عائشة أ َّن الْ َي ُهو َد َد َخلُوا َع َل ال َّنب ِِّي صىل الله عليه وسلم ،فَقَالُواَّ : َ
ول الل ِه صىل الله عليه وسلم «:يَا َعائِشَ ُةَ ،م ْه ال تكوين السا ُم ،فَق ََال َر ُس ُوسلم«:السا ُم َعلَ ْي ُك ْم» ،فَقَال َْت َعائِشَ ُة :بل َعلَ ْي ُك ْم ّ َّ
ُ ِ ِ ِ َ
ول الله أ َما َسم ْع َت َما قَالُوا؟ ق ََال «:أ َو َما َسم ْعت َما َر َددْتُ َعلَيْ ِه ْم؟ يَا َعائشَ ة ،لَ ْم يَ ْد ُخلِ ال ِّرف ُْق ِف ِ َ ِ فاحشة» ،فَقَال َْت :يَا َر ُس َ
شء إِ َّل شَ انَ ُه».ٍ ش ٍء إِ َّل زَانَ ُهَ ،ولَ ْم يُ ْن َز ْع ِم ْن َ ْ
َْ
ب .السالم:
ول الل ِه صىل الله عليه وسلم«:لَ تَ ْد ُخلُو َن الْ َج َّن َة َحتَّى تُ ْؤ ِم ُنواَ ،ولَ تُ ْؤ ِم ُنوا َحتَّى َع ْن أَ ِب ُه َريْ َرةَ ،ق ََال :ق ََال َر ُس ُ
ش ٍء إِذَا فَ َعلْتُ ُمو ُه تَ َحابَبْتُ ْم؟ أَفْشُ وا َّ
الس َل َم بَيْ َن ُك ْم». تَ َحابُّوا ،أَ َولَ أَ ُدلُّ ُك ْم َع َل َ ْ
ات الْ ُم ْسلِم:ج .التعاون :قَضَ ا ُء َحا َج ِ
َ َ َ
َع ْن أن َِس بْنِ َمالِ ٍك ،أ َّن ال َّنب َِّي صىل الله عليه وسلم ق ََال«:الْ َخل ُْق كُلُّ ُه ْم ِع َي ُال الل ِه ،فَأ َح ُّب الْ َخلْقِ إِ َل الل ِه أنْ َف ُع ُه ْم لِ ِع َيالِ ِه». َ
د .األلفة:
اس َويَ ْص ِ ُب َع َل أَذَا ُه ْم أَفْضَ ُل ول اللَّ ِه صىل الله عليه وسلم«:الْ ُم ْؤ ِم ُن ال َِّذي يُ َع ِ ُ
اش ال َّن َ َعنِ ابْنِ ُع َم َر ق ََال :ق ََال َر ُس ُ
َ
اس َولَ يَ ْص ِ ُب َع َل أذَا ُه ْم». اش ال َّن َِم َن الْ ُم ْؤ ِمنِ ال َِّذي لَ يُ َع ِ ُ
هـ .اإلصالح بين الناس:
الص َدقَ ِة ،قَالُوا: الصالَ ِة َو َّ ول الل ِه صىل الله عليه وسلم :أَالَ أُ ْخ ِ ُبكُ ْم ِبأَفْضَ َل ِم ْن َد َر َج ِة ِّ
الص َي ِام َو َّ َع ْن أَ ِب ال َّد ْر َدا ِء ،ق ََال :ق ََال َر ُس ُ
َات البَ ْ ِي ِه َي ال َحالِ َق ُة».
َات البَ ْيِ ،فَ ِإ َّن ف ََسا َد ذ ِ بَ َل ،ق ََالَ :صال َُح ذ ِ
و .صون األعراض والحرمات:
ول اللَّ ِه صىل الله عليه وسلم ق ََال«:لَ ْي َس ِم َّنا َم ْن أَف َْس َد ا ْم َرأَ ًة َع َل َز ْو ِج َها».
اس أَ َّن َر ُس َ
َعنِ ابْنِ َع َّب ٍ
ز .األخوّة في اهلل:
وعن أَن َُس أَ َّن ال َّنب َِّي صىل الله عليه وسلم ق ََال«:لَ تَبَاغَضُ واَ ،ولَ تَ َح َاس ُدواَ ،ولَ تَ َدابَ ُرواَ ،وكُونُوا ِعبَا َد الل ِه إِ ْخ َوانًاَ ،ولَ يَ ِح ُّل
31
لِ ُم ْسلِ ٍم أَ ْن يَ ْه ُج َر أَ َخا ُه فَ ْو َق �ث َ َل ِث لَ َيا ٍل ،يَلْتَ ِق َيانِ فَ َي ُص ُّد َهذَا َويَ ُص ُّد َهذَاَ ،و َخ ْ ُي ُه َم ال َِّذي يَ ْب َدأُ ب َّ
ِالس َل ِم».
مسلم وَاحت َقا ِرهِ: ِ يم ُظ ْل ِم ا ْلح .تح ِر ِ
املسلم؛ ال يَظْلِ ُم ُه،
ِ قال«:املسلم أخو رسول الل ِه صىل الله عليه وسلم َ ريض الل ُه عنهام أ َّن َ عبد الل ِه بن عم َر َ عن ِ
ِ
كربات مسلم كُرب ًة؛ ف َّرج الله عن ُه كُ ْرب ًة ِمن وال يُ ْسلِ ُم ُه ،و َمن كا َن يف حا َج ِة أخي ِه؛ كان الله يف حا َج ِته ،و َمن فَ َّرج عن ٍ
يوم القيا َم ِة ،و َمن َس َ َت مسلامً؛ سرته الله يو َم القيا َم ِة». ِ
ط .صون ال ّلسان عن الفحش واألذى:
ُول«:الظُّلْ ُم ظُل َُمتٌ يَ ْو َم الْ ِقيَا َم ِة، ول الل ِه صىل الله عليه وسلم يَق ُ َع ْن َعبْ ِد الل ِه بْنِ َع ْمرِو ق ََالَ :س ِم ْع ُت َر ُس َ
َ َ ِ
َوإِيَّاكُ ْم َوالْ ُف ْح َش ،فَ ِإ َّن الل َه لَ يُح ُّب الْ ُف ْح َشَ ،و َل التَّ َف ُّح َشَ ،وإِيَّاكُ ْم والشُّ َّح ،فَ ِإ َّن الشُّ َّح أ ْهل ََك َم ْن كَا َن قَ ْبلَ ُك ْم ،أ َم َر ُه ْم
ول الل ِه ،أَ ُّي الْ ِ ْس َل ِم بِالْق َِطي َع ِة ،فَ َقطَ ُعواَ ،وأَ َم َر ُه ْم بِالْ ُب ْخلِ ،فَ َب ِخلُواَ ،وأَ َم َر ُه ْم بِالْ ُف ُجورِ ،فَ َف َج ُروا» ق ََال :فَقَا َم َر ُج ٌل فَق ََال :يَا َر ُس َ
أَفْضَ ُل؟ ق ََال«:أَ ْن يَ ْسلَ َم الْ ُم ْسلِ ُمو َن ِم ْن لِ َسانِ َك َويَ ِد َك».
ي .الكذب:
َ ِ َ
َع ْن َص ْف َوا َن بْنِ ُسلَ ْي ٍم؛ أنَّ ُه ق َيل لِ َر ُسو ِل الل ِه صىل الله عليه وسلم :أيَكُو ُن الْ ُم ْؤ ِم ُن َج َباناً؟ فَق ََال«:نَ َع ْم .فَ ِق َيل لَ ُه:
َ
أيَكُو ُن الْ ُم ْؤ ِم ُن بَ ِخيالً؟ فَق ََال« :نَ َع ْم» .فَ ِق َيل لَ ُه :أيَكُو ُن الْ ُم ْؤ ِم ُن كَذَّاباً ؟ فَق ََال« :الَ». َ
ك .عمارة األرض:
ول الل ِه صىل الله عليه وسلمَ «:ما ِم ْن ُم ْسلِ ٍم يَ ْز َر ُع َز ْر ًعا ،أَ ْو يَ ْغر ُِس َغ ْر ًسا ،فَيَأْك ُُل ِم ْن ُه ط ْ ٌَي، َع ْن أَن ٍَس ق ََال :ق ََال َر ُس ُ
َ
أ ْو إِن َْسانٌ ،أ ْو بَهِي َم ٌة إِ َّل كَا َن لَ ُه ِب ِه َص َدقَ ٌة». َ
ل .العمل وإتقانه:
َع ْن َعائِشَ َة ،أَ َّن ال َّنب َِّي صىل الله عليه وسلم ق ََال «:إِ َّن الل َه تَ َبا َر َك َوتَ َع َال يُ ِح ُّب إِذَا َع ِم َل أَ َح ُدكُ ْم َع َم ًل أَ ْن يُتْ ِق َن ُه».
م .آداب الطريق:
ولَات ،قَالُوا :يَا َر ُس َ ُوس ِف الطُّ ُرق ِ ول اللَّ ِه صىل الله عليه وسلم «:إِيَّاكُ ْم َوالْ ُجل َ َ
َع ْن أ ِب َس ِع ٍيد الْ ُخ ْدر ِِّي ق ََال :ق ََال َر ُس ُ
ول اللَّ ِه, ِيق َح َّق ُه ،قَالُوا :يَا َر ُس َ َ َ َ
اللَّ ِهَ ,ما لَ َنا ِم ْن َم َجالِ ِس َنا بُ ٌّد نَتَ َح َّدثُ ِفي َها ،ق ََال :فَأ َّما إِذَا أبَ ْيتُ ْم إِال الْ َم ْجلِ َس ,فَأ ْعطُوا الطَّر َ
المَ ،واألَ ْم ُر بِالْ َم ْع ُر ِ
وفَ ،وال َّن ْه ُي َعنِ الْ ُم ْن َكرِ. صَ ،وك َُّف األَذَىَ ،و َر ُّد َّ
الس ِ ف ََم َح ُّق الطَّرِيقِ ؟ ق ََال :غ َُّض الْ َب َ ِ
ن .احترام ذي الشيبة والرفق بالصغير وإجالل أهل العلم:
ول الل ِه صىل الله عليه وسلم ق ََال «:لَ ْي َس ِم ْن أُ َّم ِتي َم ْن لَ ْم يُج َِّل كَ ِب َرينَاَ ،ويَ ْر َح ْم َص ِغ َرينَا،
الصا ِم ِت ،أَ َّن َر ُس َ
َع ْن ُع َبا َد َة بْنِ َّ
ول الل ِه صىل الله عليه وسلم «:إِ َّن ِم ْن إِ ْج َل ِل الل ِه إِكْ َرا َم ِذي الشَّ ْي َب ِة الْ ُم ْسلِ ِم».
َويَ ْعر ِْف لِ َعالِ ِم َنا»َ .وق ََال َر ُس ُ
االستنتاج:
تشتمل هذه النامذج الحديث ّية عىل قسط وفري من األخالق اإلسالم ّية املؤطرة لحركة املسلم يف معاشه
والضّ ابطة لتفاعله مع غريه ومحيطه ...ويحتاج متثّلها يف الواقع إىل اقتناع بها وتدريب عليها.
السالم -ال ّتعاون -الكذب -الفحش -األرض -العمل...الوسم :ال ّرفق ّ -
خاتمة
إن الجهاد يف وجهه القتايل إمنا هو مبدأ دفاعي رشعه اإلسالم حامية لكيان املجتمع وأمنه ،وجعله محكوما
برشوط وأحكام منها أن يكون تحت راية الدولة ،حتى ال يكون سببا يف التنازع واالحرتاب البيني أو العدوان عىل
الغري .وبهذا املعنى تكون وزارة الدفاع يف أي دولة مسلمة هي املخولة الوحيدة إلدارة الشأن الجهادي دون سواها.
34
فن الخطابة
في كيفية بناء الخطبة واإلقناع
التوطئة
• نروم يف هذه الورقة أن نحقّق األهداف التالية:
– تقديم تعريفات لجملة من املفاهيم واملصطلحات التي تحتاج إىل توضيح
– بيان كيف ّية بناء الخطبة بناء يحقّق لها أهدافها
– توضيح أنواع الحجاج ومراتب االستفادة منها
• يقوم عملنا منهجيّا عىل:
– تقسيم دقيق ملراحل بناء الخطبة من قبل تحديد موضوعها إىل كيف ّية إلقائها
– عرض األفكار مخترصة مركّزة دون إحاالت كثيفة قد تفسد استيعاب املضمون
نعني بإنتاج الخطبة الكيف ّية التي بها تتحقّق الخطبة وقد ضبطت بـ 3مراحل هي اإليجاد ،والرتتيب،
والتعبري شفويّا كان أو كتاب ّيا.
أ .اإليجاد
• تعريف اإليجاد:
– اإليجاد هو القدرة عىل بلورة األفكار بشأن موضوع( ،أمثلة ،حجج)...
– يتعلّق اإليجاد مبا لنا من طاقة خالّقة ،ومن ثقافة واسعة واستيعاب دقيق مله ّمتنا وملا نريد قوله.
– وميكن تقسيم اإليجاد إىل ما يتعلّق مبا ّدة أو موضوع وما يتعلّق بأطروحة:
• املا ّدة أو املوضوع:
.01ما يتعلّق مبا ّدة أو موضوع عا ّم وهو ما ميكن أن يتناوله بالدرس كل مشتغل بالعلم كأن تكون القض ّية
اجتامع ّية (األرسة ،العالقات يف الشارع ،عالقات الصداقة والزمالة )...أو أن تكون القض ّية تربويّة (الشباب ،الدروس
الخصوصيّة ،أهميّة التعليم )...أو أن تكون القضيّة ص ّحيّة (األمراض ،املخ ّدرات ،الص ّحة النفسيّة)...
خاص وهو ما ال ميكن أن يتناوله بالدرس إال الخطيب كأن تكون القض ّية .02ما يتعلّق مبا ّدة أو موضوع ّ
(الحج ،الصالة ،قضايا التفسري )...أو أن تكون القض ّية
ّ وعظ ّية (االبتالء ،السعادة ،الرضا بالقضاء )...أو أن تكون تعليم ّية
مم يحدث ،تدبّر القرآن ،تهذيب النفس)... اعتباريّة (العربة ّ
• األطروحة:
خاصة ،وهي فكرة أساس ّية أو فرع ّية -واألطروحة جزء من املا ّدة أو املوضوع سواء كانت ما ّدة القول عا ّمة أو ّ
يطرحها الخطيب عىل سامعيه.
-وتستدعي األطروحة نشاطا فكريّا يقوم به الخطيب وسامعوه يف وقت واحد عرضا واستيعابا.
• رشوط اإليجاد:
-الرشط هو ما يتوقف عليه وجود اليشء ،وليس جزءا ً منه ،من ذلك رشوط الصالة التي منها الطهارة (يف
الثوب واملكان )...والطهارة ليست من الصالة.
-وترتبط رشوط اإليجاد مبتلقي الخطبة ومبناسبتها ومبقامها.
• املتلقّي
محل اهتامم الخطيب وهدف كالمه. -املتلقّي أو السامع هو ّ
35
الشاب ومنهم الشيخ...
ّ -واملتلقّي أنواع فمنهم العامل مبوضوع الخطبة ومنهم غري ذلك ومنهم
• املناسبة
املناسبة هي موافقة الكالم للظرف االجتامعي العام الذي مي ّر بها املتلقّي .وتكون املناسبة بنوع املعاين املؤكّد
ولكل موضوع أسلوبه وهو ما يرتبط باملقام. ولكل مناسبة مواضيعها ّ عليها وبنوع األلفاظ واألساليب املوظّفةّ .
• املقام
يحف بعمل ّية الكالم كمكان الخطبة وزمانها وأحوال سامعيها ...فهو مجموع الرشوط االجتامع ّية كل ما ّ -هو ّ
والثقافيّة التي يتح ّدد بها خطاب ما .ومجموع املعطيات املشرتكة ألطراف الخطاب حول حالتهم الثقافيّة والنفسيّة.
-ويوجب املقام عىل الخطيب لباسا مخصوصا (تعارف عليه أن يكون زيتون ّيا) .ولغة مدروسة بعناية وتنويعا
يف طرق بسط أطروحته...
• الحجاج
-الحجاج عمليّة ذهنيّة تقوم عىل توفري مجموعة من الرباهني لدعم أطروحة معيّنة أو دحضها.
-وتكمن قيمة الحجاج يف قدرة صاحبه عىل بنائه وترتيب براهينه وفق الغاية التي يريد الوصول إليها
األقل املسار االستقرايئ واملسار التفسريي -وعمل ّية بناء الحجاج تس ّمى مسارا حجاج ّيا وهي ثالثة أنواع عىل ّ
واملسار االستنتاجي .وميكن للخطيب أن يكتفي مبسار واحد من هذه املسارات الحجاج ّية وميكنه أن يوظّفها جميعا.
• املسار االستقرايئ:
يهت ّم الخطيب فيه بالبحث عن براهني فكرته باستقراء الظواهر أو األحداث التاريخ ّية ليستخرج أمثلة دقيقة
تربهن عىل ما يق ّدم ،أو باستقراء اإلحصائ ّيات أو الشهادات املق ّدمة يف ما ّدة أطروحته.
• املسار التفسريي:
ويقوم عىل ضبط املفاهيم التي يعرضها وتوضيحها ،وعىل وصف أطروحته ومك ّوناتها ،وعىل إقامة مقارنات
بني ما يعرضه وما يوجد عند غريه أو بني ما مي ّيز موضوعه عن مواضيع أخرى ،وأه ّم ما يعتني به الخطيب يف املسار
نص ّية من القرآن أو من الس ّنة او من أقوال العلامء. التفسريي ما يراكمه من حجج ّ
• املسار االستنتاجي:
الكل إىل الجز ّيئ...
الخاص او من ّ ّ
ّ ويكون ببناء الحجاج بناء ينطلق من املق ّدمة إىل النتيجة أو من العا ّم إىل
ب .الترتيب
• تعريف الرتتيب
-اختيار األطروحة يجعل الخطبة كال متامسكا .وينتج الخطيب خطبة تقوم عىل الحجاج ،ولذلك فعليه أن
يرتّب مختلف عنارص كالمه ترتيبا يحقّق هدف الخطبة.
ينسق الرتتيب األفكار التي جمعتها مرحلة اإليجاد ويُظهر االرتباط فيام بينها. ّ -
-يقوم الرتتيب عىل تقسيم األفكار وتفريعها .وهو عمليّة تقديم وتأخري لجملة الحجج واألفكار التي تؤث ّث
الخطبة.
يتغي من وحدة إىل أخرى. -ويقوم الرتتيب عىل مقياس مح ّدد يحسن أن ال ّ
• أنواع الرتتيب
للرتتيب أنواع كثرية نذكر منها خمسة هي األكرث استعامال:
التمش الجديل :ويقوم عىل عرض األطروحة ومسارها الحجاجي ،ثم عىل عرض أطروحة تناقضها ومسارها ّ -
الحجاجي ،ث ّم تقديم األطروحة التي يريد الخطيب أن يقنع بها املتلقي.
التمش التصنيفي :ويقوم عىل ضبط حجج األطروحة بحسب تصنيف مخصوص يختاره. ّ -
التمش التعاريض :ويقوم عىل بيان ما يتعلّق باألطروحة من مقابالت أو تعارضات مثل محاسن املسألة ّ -
ومساوئها ،أسباب الظاهرة ونتائجها...
مم هو رشط رضوري إىل األقل رضورة إىل البعيد... التمش املباعد :ويقوم عىل تت ّبع األطروحة بالتنقّل ّّ -
التمش الزمني :وذلك بتت ّبع األطروحة يف تط ّورها الزمني. ّ -
• ضوابط الرتتيب
-ال ينبغي أن نجاوز الح ّد يف التقسيم والتفريع ،إذ غاية الخطيب الوضوح.
36
-االختزال يف التفريع يبقي األطروحة غامضة فيتعطّل اقتناع املتلقّي بها .واملبالغة يف التفريع يثقل ذهنه
فينقطع اهتاممه بالخطبة.
-وغاية الرتتيب إقناع السامع .وأفضل ترتيب أن يبدأ الخطيب بالح ّجة الضعيفة متد ّرجا إىل ح ّجة اقوى منها
حتى يصل إىل الح ّجة التي ال ميكن ر ّدها .يح ّدد ضعف الح ّجة وق ّوتها بحسب مقام الخطبة وما ّدة األطروحة.
ج .التعبير
•تعريف التعبري
التعبري هو املرحلة األخرية من عمل ّية بناء الخطبة وهو أه ّم املراحل إذ يت ّم فيها اإلنجاز ،ويستعني الخطيب يف
أداء خطبته بال ّنربات والحركات واإلمياءات ونحو ذلك .ونهت ّم هنا مبا يتعلّق بالخطبة ومبا يتعلّق بالخطيب.
• ما تعلّق بالخطبة
عىل الخطيب أن يكون يف خطبته فصيحا وإال فإنّه سيجد عناء كبريا يف تحقيق أهداف خطبته .وتشمل
والنص
الفصاحة الكلمة والجملة ّ
-وتظهر فصاحة الكلمة يف بعدها عن الغموض وعدم الدقّة يف التعبري عن فكرتها ،ويف أالّ تكون غريبة عن
املتلقّني (ويغلب عليهم األميّون أو ذوو التكوين املحدود).
-وتظهر فصاحة الجملة يف بعدها عن تنافر الكلامت التي تك ّونها ،ويف متانة تأليفها ،وتج ّنب التعقيد والتكرار
يف بنائها.
النص يف حسن الفصل والوصل بني عنارصه الكربى والصغرى ،ويف عدم اإلطالة. ونتبي الفصاحة يف ّ ّ -
• ما تعلّق بالخطيب
وعىل الخطيب أن يكون حسن السمت يف غري مبالغة ،قريبا من الناس يف مظهره يف غري ابتذال .وأه ّم ما يؤث ّر
يف بالغ الخطيب صفات تتعلّق بصوته ،وأخرى بلغته ،وثالثة بثوبه
-وأه ّم صفة يف صوته أن يكون قويّا جهريا يف غري إزعاج مع سكون الجوارح أو تحريكها يف غري مبالغة.
-وأن تكون لغته بني اللغة الفصحى واللهجة العا ّميّة.
-أن يكون ثوب الخطيب مالمئا ملقام خطبته .فقد قال أناس زمن الجاحظ ألحد البلغاء بعد أن أهانوه «
زي مسكني ،تكلمنا بكالم امللوك». الذنب مقسوم بيننا وبينك ،أتيتنا يف ّ
الخالصة
أهم ما يحتفظ به متلقّي هذه الورقة: ّ
• تعدّ الخطبة إعدادا علم ّيا دقيقا ،وغري كاف أن يكون الخطيب فصيحا إن كان غري قادر عىل بناء خطبته
بناء علم ّيا حجاج ّيا
• مي ّر إعداد الخطبة بـ 3مراحل هي :اإليجاد ،والرتتيب ،والتعبري.
• يحدّ د اإليجاد موضوع الخطبة وحججها ،ويحدّ د الرتتيب أنواع املسار الحجاجي ،ويحدّ د التعبري رشوط
إلقاء الخطبة.
• ال بدّ يف وضع حجج األطروحة من ترتيبها ترتيبا مخصوصا وفق ما يريده الخطيب ،ويحسن أن يكون
الرتتيب من الحجج الضعيفة إىل الح ّجة القويّة عىل أن ال تتجاوز الثالثة أو األربعة.
ونصا وهيئة
• يعتني الخطيب بالتعبري لفظا ّ
التمش
الوسم :البالغة؛ التفكري؛ الحجاج؛ التعبري؛ الفصاحة؛ الخطاب؛ الخطبة؛ اإليجاد؛ التعبري؛ الرتتيب؛ ّ
النص؛ األطروحة؛ املا ّدة؛ أنواع
التمش املباعد؛ ّ
التمش التصنيفي؛ ّ
التمش الزمني؛ ّ التمش التعاريض؛ ّ الجديل؛ ّ
الحجاج؛ املقام؛ املناسبة؛ املتلقّي...
37
الفهرس العام
المقدمة 3 ................................................................................................................................................
38