Professional Documents
Culture Documents
ممو زين
ممو زين
أﺣﻤﺪ ﺧﺎﻧﻲ
اﻻھﺪاء:
ﺻﺎغ أﺣﺪاث ھﺬه اﻟﻘﺼﺔ ﺷﻌﺮا ,ﺷﺎﻋﺮ ﻛﺮدي ﻛﺒﯿﺮ ھﻮ أﺣﻤﺪ ﺧﺎﻧﻲ ,وھﻮ واﺣﺪ ﻣﻦ ﻋﻠﻤﺎء اﻷﻛﺮاد اﻟﺬﻳﻦ
ﺑﺮﻋﻮا ﻓﻲ ﻋﻠﻮم اﻟﻔﻘﻪ واﻟﻔﻠﺴﻔﺔ واﻟﺘﺼﻮف واﻷدب .وﻛﺎن ﻣﻦ آﺛﺎره دﻳﻮان ﺷﻌﺮ ﺑﺎﻟﻠﻐﺔ اﻟﻜﺮدﻳﺔ دون ﻓﯿﻪ
أﺣﺪاث ھﺬه اﻟﻘﺼﺔ.
ﻓﻲ ﻣﺪﻳﻨﺔ ﺑﯿﺎزﻳﺪ ,اﻟﺘﻲ أﺧﺬت ﻣﻜﺎﻧﮫﺎ ﻋﻠﻰ ﺻﺪر ﻣﻨﻄﻘﺔ ھﻜﺎري ﺑﻜﺮدﺳﺘﺎن ﺗﺮﻛﯿﺎ .اﻟﻤﻀﻄﺠﻌﺔ ﻓﻲ أﺣﻀﺎن
اﻟﺠﺒﺎل اﻟﺸﺎھﻘﺔ ,واﻟﻤﺘﺰﻳﻨﺔ ﺑﺄﺑﮫﻰ ﺣﻠﺔ ﻣﻦ اﻟﺴﻨﺪس واﻟﯿﺎﺳﻤﯿﻦ ,وﺑﺄﺷﺠﺎر اﻟﺼﻨﻮﺑﺮ واﻟﺴﻨﺪﻳﺎن ,أﺿﺎﻓﺖ
اﻟﺤﯿﺎة اﻟﻰ ﻗﺎﺋﻤﺔ اﻟﻤﺸﺮدﻳﻦ ﻃﻔﻼ آﺧﺮ ,ﻣﺸﺮدا ﺟﺪﻳﺪا زاد ﻓﻲ ﺻﻔﻮف اﻟﻔﻘﺮاء اﻟﺠﺎﺋﻌﯿﻦ ,ھﻮ أﺣﻤﺪ ﺧﺎﻧﻲ .
ﻧﻌﻢ ..وﻟﺪ أﺣﻤﺪ ﺟﺎﺋﻌﺎ ,ﻋﺎرﻳﺎ ﻛﻐﯿﺮه ﻣﻦ أﺑﻨﺎء اﻟﻔﻘﺮاء ,ﺣﺘﻰ ان أﺣﺪا ﻟﻢ ﻳﺒﺎﻟﻲ ﺑﻪ ﻓﯿﺪون ﻳﻮم ﻣﻮﻟﺪه ,ﻣﻤﺎ
أدى اﻟﻰ اﺧﺘﻼف ﻛﺒﯿﺮ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﻣﻦ ﺟﺎء ﺑﻌﺪه ﻓﻲ ﺗﺤﺪﻳﺪ ذﻟﻚ اﻟﯿﻮم اﻟﺬي ﺷﮫﺪت ﺷﻤﺴﻪ وﻻدة ﻃﻔﻞ ﻏﯿﺮ
ﻋﺎدي ,ﺳﻮف ﻳﻐﺪو ﺷﺎﻋﺮا ﻛﺒﯿﺮا ,وﻋﺒﻘﺮﻳﺎ ﻓﺬا وﺻﻮﺗﺎ ﻣﻦ أﺻﻮات اﻟﺤﻖ ﻳﻨﺎدي ﺑﺤﺮﻳﺔ ﺷﻌﺒﻪ .وﻟﻜﻦ ﻣﺎ اﺗﻔﻖ
ﻋﻠﯿﻪ اﻟﻤﺆرﺧﻮن ھﻮ 1650م .
ﻛﻐﯿﺮه ﻣﻦ أﺑﻨﺎء ﻋﺼﺮه ,ﺗﻠﻘﻰ ﺧﺎﻧﻲ ﻋﻠﻮﻣﻪ اﻹﺑﺘﺪاﺋﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﻜﺘﺎﺗﯿﺐ واﻟﺠﻮاﻣﻊ ,ﻋﻠﻰ أﻳﺪي ﺷﯿﻮخ زﻣﺎﻧﻪ ,ﺛﻢ
ﻓﻲ اﻟﻤﺪارس اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺘﻮﻓﺮة أﻧﺬآك ﻓﻲ اﻟﻤﺪن اﻟﻜﺒﯿﺮة ,ﻣﺜﻞ ﺗﺒﺮﻳﺰ وﺑﺪﻟﯿﺲ ,ﺣﯿﺚ ﻇﮫﺮت ﻓﯿﻪ ﻋﻼﺋﻢ
اﻟﻨﺒﻮغ ﻣﺒﻜﺮة ,وھﻮ ﻟﻢ ﻳﺘﺠﺎوز اﻟﺮﺑﯿﻊ اﻟﺮاﺑﻊ ﻋﺸﺮ ﻣﻦ ﻋﻤﺮه .وﺳﻌﯿﺎ وراء اﻟﻤﺰﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﻌﻠﻢ ,زار ﻣﺪﻧﺎ ﻛﺜﯿﺮة ,
وﺗﺠﻮل ﻓﯿﮫﺎ ,وأﻗﺎم ﻓﻲ ﻣﺮاﺑﻌﮫﺎ ردﺣﺎ ﻣﻦ اﻟﺰﻣﻦ ,ﻣﺜﻞ اﻵﺳﺘﺎﻧﺔ-اﺳﺘﺎﻧﺒﻮل -ودﻣﺸﻖ .ﻛﻤﺎ زار ﻣﺼﺮ أﻳﻀﺎ ,
ﻓﺎﻃﻠﻊ ﻋﻠﻰ ﻋﻠﻮم ﻋﺼﺮه .وﺗﻠﻘﻔﮫﺎ ﻓﺠﻤﻊ ﺑﯿﻦ اﻷدب وﻻ ﺳﯿﻤﺎ اﻟﺸﻌﺮ ,وﺑﯿﻦ اﻟﻔﻘﻪ واﻟﺘﺼﻮف ,ﻓﺬاﻋﺖ
ﺷﮫﺮﺗﻪ ﻣﻘﺮوﻧﺔ ﺑﺎﻟﺜﻘﺎﻓﺔ اﻟﻮاﺳﻌﺔ واﻟﻤﻌﺮﻓﺔ اﻟﻌﻤﯿﻘﺔ ﻓﻲ اﻷﻣﻮر اﻷدﺑﯿﺔ واﻟﻔﻠﺴﻔﯿﺔ واﻟﺪﻳﻨﯿﺔ.
ﻓﻲ ھﺬه اﻟﻔﺘﺮة ﻣﻦ اﻟﺘﺎرﻳﺦ ﻛﺎﻧﺖ ﻛﺮدﺳﺘﺎن ﻣﻠﻌﺒﺎ ﻣﻦ ﻣﻼﻋﺐ اﻟﺼﺮاع ﺑﯿﻦ اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻌﺜﻤﺎﻧﯿﺔ ,واﻟﺪوﻟﺔ
اﻟﺼﻔﻮﻳﺔ ,اﻟﻠﺘﯿﻦ ﻗﺴﻤﺘﺎھﺎ ﺑﯿﻨﮫﻤﺎ إﺛﺮ ﻣﻌﺮﻛﺔ ﺟﺎﻟﺪﻳﺮان اﻟﺸﮫﯿﺮة 1514م ,وراﺣﺖ ﻛﻞ ﻣﻨﮫﻤﺎ ﺗﺤﺎول أن ﺗﻀﻢ
اﻟﯿﮫﺎ اﻹﻣﺎرات اﻟﻜﺮدﻳﺔ .ﻓﻜﺎﻧﺖ اﻟﺪﻣﺎء اﻟﻜﺮدﻳﺔ ﺗﺮاق ﻣﺪرارا ﻋﻠﻰ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ اﻧﻪ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻟﻸﻛﺮاد ﻓﻲ ﻛﻞ ذﻟﻚ
أي ﺷﺄن وﻃﻨﻲ أو إﻧﺴﺎﻧﻲ ,ﺑﻞ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺨﺴﺎرة ﺗﺤﺼﺪھﻢ ﻣﻦ اﻟﻄﺮﻓﯿﻦ ﻓﻲ ﻛﻠﺘﺎ اﻟﺤﺎﻟﺘﯿﻦ .وﻛﺎن ﺧﺎﻧﻲ
ﻳﺘﺄﻣﻞ ھﺬا اﻟﻮﺿﻊ اﻟﻤﺘﺮدي وﻳﻘﻠﺒﻪ ﻋﻠﻰ ﻛﻞ اوﺟﮫﻪ ,ﻋﺴﻰ أن ﻳﺠﺪ ﻓﯿﻪ ﺑﻌﻀﺎ ﻣﻤﺎ ﻳﺴﺘﺤﻖ أن ﺗﺮاق ,ﻣﻦ
أﺟﻞ اﻟﻮﺻﻮل إﻟﯿﻪ ,ھﺬه اﻟﺪﻣﺎء ,وﻟﻜﻦ أﻧﻰ ﻟﻪ ذﻟﻚ !! ﻟﯿﺲ ﻓﻲ ﻛﻞ ذﻟﻚ ﺷﯿﺊ ﻣﻤﺎ ﻳﺨﺺ اﻷﻛﺮاد ﻓﻲ أﻣﻮر
ﺣﯿﺎﺗﮫﻢ ,ﺑﻞ ﻋﻠﯿﮫﻢ اﻟﻄﺎﻣﺔ ,وﺿﯿﺎع اﻟﺒﻼد ,وﻟﻌﻞ ذﻟﻚ اﻟﻮاﻗﻊ اﻟﻤﺮ ,ﺑﻞ وﻻدﺗﻪ ﻓﻲ ﺧﻀﻤﻪ ,ﺛﻢ ﺗﺄﻣﻠﻪ ﻓﯿﻪ
وﺗﻔﺎﻋﻠﻪ ﻣﻌﻪ وإﻧﻔﻌﺎﻟﻪ ﺑﻪ ﻛﺎن ﻣﻦ أھﻢ ﻋﻮاﻣﻞ ﺗﻜﻮﻳﻨﻪ اﻟﻔﻜﺮي.
ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻠﻐﺎت اﻟﻌﺮﺑﯿﺔ واﻟﺘﺮﻛﯿﺔ واﻟﻔﺎرﺳﯿﺔ ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ اﻟﻰ اﻟﻠﻐﺔ اﻟﻜﺮدﻳﺔ ھﻲ اﻟﻠﻐﺎت اﻟﺴﺎﺋﺪة ﻓﻲ اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ .
ﻓﺈﻧﻜﺐ ﺧﺎﻧﻲ ﻋﻠﯿﮫﺎ ﺟﻤﯿﻌﺎ ,وﻏﺮف ﻣﻦ ﻣﻌﯿﻨﮫﺎ إﻟﻰ أن أﺗﻘﻨﮫﺎ ﻛﻠﮫﺎ .ﺛﻢ اﻟﺘﻔﺖ ﻟﻸﻃﻔﺎل ,ﻓﺠﺴﺪ ﺣﺒﻪ ﻟﮫﻢ
ﻣﻦ ﺧﻼل ﺗﻌﻠﯿﻤﮫﻢ وﺗﻠﻘﯿﻨﮫﻢ ﻣﺒﺎدئ اﻟﻠﻐﺘﯿﻦ اﻟﻜﺮدﻳﺔ واﻟﻌﺮﺑﯿﺔ ,ﻓﻮﺿﻊ ﻗﺎﻣﻮﺳﻪ اﻟﻜﺮدي -اﻟﻌﺮﺑﻲ ,اﻟﺬي
ﺧﺼﮫﻢ ﺑﻪ ,ﺣﺘﻰ اﻧﻪ أﺳﻤﺎه ) اﻟﺮﺑﯿﻊ اﻟﺠﺪﻳﺪ ﻟﻠﺼﻐﺎر ( وراح ﻳﻔﺘﺢ اﻟﻤﺪارس ,وﻳﺘﻄﻮع ﻟﻠﺘﻌﻠﯿﻢ ﻓﯿﮫﺎ ﺑﻨﻔﺴﻪ
دون ﻣﻘﺎﺑﻞ ﻣﺠﺴﺪا ﺑﺬﻟﻚ ﺣﺒﻪ ﻟﻠﻌﻠﻢ .
وﻋﻠﻰ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ﺗﻤﻜﻨﻪ ﻣﻦ اﻟﻠﻐﺎت اﻟﻌﺮﺑﯿﺔ واﻟﻔﺎرﺳﯿﺔ واﻟﺘﺮﻛﯿﺔ ,ﺗﺮاه ﻗﺪ آﺛﺮ أن ﻳﻜﺘﺐ ﻣﺆﻟﻔﺎﺗﻪ ﺑﺎﻟﻠﻐﺔ اﻟﻜﺮدﻳﺔ
,ﻟﯿﺆﻛﺪ ﺑﺬﻟﻚ ﻣﺴﺎھﻤﺔ اﻷﻛﺮاد ﻓﻲ ﺑﻨﺎء اﻟﺤﻀﺎرة اﻹﻧﺴﺎﻧﯿﺔ .ﻓﺨﻠﻒ ﻣﻦ ﺑﻌﺪه أروع ﻣﺎ ﻛﺘﺐ ﻓﻲ اﻷدب
اﻟﻜﺮدي .ﻣﺒﺪﻋﺎ اﻟﺸﻌﺮ اﻟﻘﺼﺼﻲ ﻓﻲ ھﺬا اﻷدب وذﻟﻚ ﻣﻦ ﺧﻼل ) ﻣﻤﻲ آﻻن ( و( ﻣﻤﻮ زﻳﻦ ( دﻳﻮاﻧﻪ اﻟﺬاﺋﻊ
اﻟﺼﯿﺖ اﻵن ﻓﻲ اﻟﺸﺮق واﻟﻐﺮب ,واﻟﻤﻨﺘﺸﺮ ﺑﯿﻦ اﻵداب اﻟﻌﺎﻟﻤﯿﺔ .
وﻳﺒﺪو أن اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ اﻟﺘﻲ اﻧﺠﺒﺘﻪ ﻗﺪ اﺳﺘﺎﺛﺮت ﺑﻪ ﻃﯿﻠﺔ ﺣﯿﺎﺗﻪ ,وﻟﻢ ﺗﺴﺘﻐﻦ ﻋﻨﻪ إﻻ ﻟﺒﻌﺾ اﻟﻮﻗﺖ وآﺛﺮت أن
ﻳﻮارى ﻓﻲ ﺛﺮاھﺎ ,ﻓﺎﺧﺘﻄﻔﺘﻪ ﻳﺪ اﻟﻤﻨﻮن وﺗﻮﻓﻲ -رﺣﻤﻪ اﷲ -ﻓﻲ ﻣﺪﻳﻨﺔ ﺑﯿﺎزﻳﺪ ﻣﺴﻘﻂ راﺳﻪ ﺳﻨﺔ 1708م
.
إن ﻟﺒﻄﻠﻲ ھﺬه اﻟﻘﺼﺔ اﻟﻤﺆﺛﺮة ﻗﺒﺮﻳﻦ ﻣﻌﺮﻓﯿﻦ ﻓﻲ ﺟﺰﻳﺮة اﺑﻦ ﻋﻤﺮ .وﻗﺪ أﻗﯿﻢ ﻋﻠﯿﮫﻤﺎ ,ﻓﯿﻤﺎ ﺑﻌﺪ ,ﻣﺪرﺳﺔ
ﻛﺒﯿﺮة ﻟﻄﻼب اﻟﻌﻠﻮم اﻟﺸﺮﻋﯿﺔ .واﻟﻘﺒﺮان ﺟﺎﺛﻤﺎن ھﻨﺎك ﻟﻜﻞ ﻣﻦ ﻳﺮﻳﺪ رؤﻳﺔ اﻟﺤﺐ اﻟﺬي ﻧﺒﺖ ﻓﻲ اﻷرض ,
وأﻳﻨﻊ ﻓﻲ اﻟﺴﻤﺎء.
ﺗﻌﺎل اﯾﻬﺎ اﻟﺴﺎﻗﻲ ﻓﺎﻣﻸ ﻫﺬا اﻟﺠﺎم ﺧﻤﺮا ...اﻣﻸه ﻣﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﺨﻤﺮة اﻟﻮردﯾﺔ اﻟﺘﻲ اﻋﺘﺼﺮت ﻣﻦ ﺟﻨﻰ اﻟﺮوح ,
واﺳﺘﺨﻠﺼﺖ ﻣﻦ ذوب ﺳﺮ اﻟﻘﻠﻮب .ﺛﻢ اﺳﻘﻨﯿﻬﺎ ﻣﻦ ﺷﻔﺎه ﻛﺆوﺳﻚ اﻟﺪرﯾﺔ اﻟﻤﺠﻮﻫﺮة أﻗﺪاﺣﺎ إﺛﺮ أﻗﺪاح ,اﺳﻘﻨﯿﻬﺎ
ﻧﺸﻮة ﺗﻬﯿﺞ ﻣﻨﻲ ﻓﺆادي اﻟﻐﺎﻓﻲ وﺗﺴﻜﺮ ﻋﻘﻠﻲ اﻟﺤﯿﺮان )1).
وأﻧﺖ أﯾﻬﺎ اﻟﺸﺎدي ...ﺗﻌﺎل ﻓﺎﺟﻠﺲ اﻟﻰ ﺟﺎﻧﺒﻲ ﻟﺘﺘﻢ ﺳﻜﺮة اﻟﺮوح ﺑﺸﺠﻲ ﻣﻦ ﻏﻨﺎﺋﻚ ,أﺳﻤﻌﻨﻲ أﻧﻐﺎم اﻟﻨﺎي واﻟﻜﻤﺎن
,أﻃﺮﺑﻨﻲ ﺑﻮﻗﻊ اﻟﺪﻓﻮف واﻷﻟﺤﺎن.
أﺑﻬﺠﻮا ﻋﯿﻨﻲ ﺑﻤﺮآى اﻟﻮرود اﻟﻔﺎﺗﻨﺔ واﻷﻏﺼﺎن اﻟﻤﺘﻤﺎﯾﻠﺔ ,دﻋﻮا ﻛﻞ ﻫﺬا ﯾﺎﺧﺬ ﺑﻤﺸﺎﻋﺮي وإﺣﺴﺎﺳﻲ ﻟﯿﺴﻜﺮﻧﻲ
ﻋﻦ ﻫﺬا اﻟﻮﺟﻮد اﻟﺬي ﺣﻮﻟﻲ ,ﻓﻌﺴﻰ أن ﺗﻀﻤﺤﻞ ﻣﻨﻲ ﻛﺜﺎﻓﺔ ﻫﺬه اﻟﻤﺎدة واﻟﺠﺴﻢ ﻓﺄﻇﻞ ﻗﻠﺒﺎ وروﺣﺎ ,وأﺑﻘﻰ ﻣﻌﻨﻰ
وإﺣﺴﺎﺳﺎ .وﻋﺴﻰ أن ﯾﺪﻛﺮﻧﻲ إذ ﯾﺪرﻛﻨﻲ إذ ذاك ﻓﯿﺾ ﻣﻦ ﻧﻮر اﻟﻘﺪس ,ﻓﯿﻌﻜﺲ إﻟﻰ ﻧﻔﺴﻲ ﻗﺒﺴﺎ ﻣﻦ إﺷﺮاﻗﻪ
وﯾﻘﺬف ﻓﯿﻬﺎ ﻧﻮرا ﻣﻦ ﺿﯿﺎﺋﻪ ,ﻓﯿﺼﻔﻮ ﻣﻨﻲ اﻟﻘﻠﺐ وﺗﺠﻠﻮ أﻣﺎم ﻋﯿﻨﻲ أﺳﺮار ﻫﺬه اﻟﺤﯿﺎة .ﻟﻜﻲ أﻏﺪو ﻣﻊ ﻛﻞ ﺻﺒﺎح
ﻓﺄﺗﺮﺟﻢ ﻟﻠﻨﺎس ﺣﺪﯾﺚ اﻟﻨﺴﯿﻢ ﻣﻊ اﻷﻏﺼﺎن ,وأﺷﺮح ﻟﻬﻢ ﻣﻐﺎزﻟﺔ اﻟﻄﯿﻮر ﻟﻸزﻫﺎر ,وﻟﻜﻲ أﺳﯿﺮ ﻣﻊ اﻷﺻﺎﺋﻞ ﻓﺄﻗﺮأ
ﻟﻬﻢ آﯾﺎت اﻟﺸﻤﺲ اﻟﻤﻨﺒﺴﻄﺔ ﻓﻮق ﺻﻔﺤﺔ اﻟﺨﻤﺎﺋﻞ واﻟﻐﺪران ,وأردد ﻣﻊ اﻟﻌﻨﺎدل واﻟﺒﻼﺑﻞ أﻧﻐﺎم اﻟﺤﺐ واﻟﺠﻤﺎل ,
وﻟﻜﻲ أﺳﻜﺮﻫﻢ ﻣﻦ ﺟﻤﺎل ﻫﺬا اﻟﻜﻮن ﺑﺨﻤﺮ ﻣﻦ ﻣﺪاد ﻗﻠﻤﻲ ,وأﻃﺮﺑﻬﻢ ﻣﻦ أﻟﺤﺎﻧﻪ ﺑﺒﯿﺎن ﻗﻠﺒﻲ وﻟﺴﻨﻲ.
ﻫﺎت أﯾﻬﺎ اﻟﺴﺎﻗﻲ ...ﻫﺎﺗﻬﺎ ﻛﺆوﺳﺎ ﻣﺘﺮﻋﺔ ﻣﻦ ﻫﺬه اﻟﺮاح ,ﻟﻜﻲ أﻧﻔﺾ ﺑﻬﺎ ﻣﻦ ﻗﻠﺒﻲ أﺣﺰاﻧﻪ ,وﻟﻜﻲ أﻏﺪو ﻣﺨﻤﻮرا
ﺑﺤﺮارة ﻟﺬﻋﻬﺎ وﯾﺴﻜﺮ ﻣﻨﻲ اﻟﻌﻘﻞ ﺑﻨﺸﻮﺗﻬﺎ.
ﻫﺎﺗﻬﺎ ﻟﯿﻬﯿﺞ ﻣﻨﻲ اﻟﻔﻜﺮ ﻓﺄﻧﻄﻖ ﺑﺄﺳﺮار اﻟﻘﻠﻮب ,وﻟﺘﺴﺘﻌﻠﻲ ﻣﻨﻲ اﻟﺮوح ﻓﺄﻧﺜﺮ ﻣﻦ ﻣﻜﻨﻮن اﻟﻤﻌﺎﻧﻲ ودرﻫﺎ ,
وأﻛﺸﻒ ﻋﻦ ﺧﻠﺠﺎت اﻟﻨﻔﻮس ووﺟﺪﻫﺎ ,وأﺑﯿﻦ ﻋﻦ آﻻم اﻷﻓﺌﺪة وﺣﺒﻬﺎ.
ﺳﺄرﺳﻠﻬﺎ أﻧﻐﺎﻣﺎ ﺗﻄﺮب اﻟﻘﻠﻮب ﻣﻦ ﻏﯿﺮ أوﺗﺎر ,ﺳﺄﺑﻌﺜﻬﺎ ﺷﺬى ﻋﻄﺮا ﯾﺒﻬﺞ اﻟﻨﻔﻮس ﻣﻦ دون أزﻫﺎر ,ﺳﺄﺑﻌﺚ
اﻟﯿﻮم ﺗﺎرﯾﺨﺎ ﻣﻦ اﻟﺤﺴﺮات واﻵﻻم أﻏﻤﺾ ﻋﯿﻨﯿﻪ ﻣﻦ دﻫﺮ وﻧﺎم ,ﺳﺄﺷﻌﻞ ﻣﻦ ﺟﺪﯾﺪ زﻓﺮات ﻟﻤﻌﺖ ﻓﻲ ﺻﺪور ..
وﻧﺎرا اﻟﻬﺒﺖ ﻓﻲ ﻗﻠﻮب ,ﺛﻢ ﺧﻤﺪت ﺑﻌﺪ أن أﺣﺎﻟﺘﻬﺎ إﻟﻰ رﻣﺎد ! ﺳﺄﻋﯿﺪ اﻟﺤﯿﺎة ﺑﺮوح ﻣﻦ ﺑﯿﺎﻧﻲ إﻟﻰ ) ﻣﻤﻮ ( و ) زﯾﻦ
( ﺿﺤﯿﺘﻲ ﻧﺎر اﻟﺤﺐ واﻟﻐﺮام .ﻷدواي ﻗﻠﺒﯿﻬﻤﺎ ﺑﻔﯿﺾ ﻣﻦ ﺷﻌﺮي وإﺣﺴﺎﺳﻲ ,إذ ﻟﻢ ﯾﺮﺣﻤﻬﻤﺎ أﺣﺪ ﺑﺪواء اﻟﻮﺻﻞ
واﻹﺳﻌﺎد ,ﺳﺄزﯾﺢ ﻟﻠﻨﺎس اﻟﺤﺠﺎب ﻋﻦ ﻗﻠﺐ ذﻟﻚ اﻟﻤﺴﻜﯿﻦ اﻟﺬي ﻛﻮاه اﻟﺤﺐ اﻟﻤﺴﺘﻌﺮ وﺳﺤﻘﻪ اﻟﻜﯿﺪ واﻟﺤﻘﺪ ,وﻋﻦ
ﻗﻠﺐ ﺗﻠﻚ اﻟﺒﺮﯾﺌﺔ اﻟﻄﺎﻫﺮة ﻃﻬﺎرة اﻟﻤﺰن ﺑﯿﻦ اﻟﺴﺤﺐ .ﺗﻠﻚ اﻟﺘﻲ أذاﺑﻬﺎ اﻟﺸﻘﺎء واﻋﺘﺼﺮﺗﻬﺎ ﯾﺪ اﻟﻈﻠﻢ ﻛﻤﺎ ﺗﻌﺘﺼﺮ
اﻟﻮردة اﻟﻨﺎﻋﻤﺔ ﻓﻲ ﻛﻒ ﻏﻠﯿﻈﺔ ﻗﺎﺳﯿﺔ .ﺳﺄﻟﺒﺲ ﻛﻼ ﻣﻦ ﻫﺬﯾﻦ اﻟﺤﺒﯿﺒﯿﻦ ﺛﻮﺑﺎ ﻣﻄﺮزا ﻣﻦ ﺑﯿﺎﻧﻲ ,ﺛﻢ أرﻓﻌﻬﻤﺎ إﻟﻰ
أوج اﻟﺘﺎرﯾﺦ ﻓﻠﯿﺨﻠﺪا وﻟﯿﺨﻠﺪ ﺻﺪى زﻓﺮاﺗﻬﻤﺎ ﻣﺪى اﻟﺪﻫﺮ واﻟﺤﯿﺎة ,ﺛﻢ ﻟﯿﻤﺮ ﻣﻦ أﻣﺎﻣﻬﻤﺎ ﻛﻞ ﻣﺴﺘﻌﺮض وﻧﺎﻇﺮ .
ﻓﻠﯿﺒﻚ أﻧﺎس ﺣﺮﻣﺎﻧﻬﻤﺎ واﺣﺘﺮاﻗﻬﻤﺎ ,وﻟﯿﻔﺘﺘﻦ آﺧﺮون ﺑﻠﻄﻒ )زﯾﻦ ( وﺟﻤﺎﻟﻬﺎ.
وﻋﺴﻰ أن ﯾﺴﺄل ﻟﻲ اﻟﺮﺣﻤﺔ أﯾﻀﺎ ﻛﻞ ﻣﻦ ﯾﺴﺘﺮﺣﻢ ﻟﻬﻤﺎ ,وﻋﺴﻰ أن ﯾﺪرﻛﻨﻲ أﻧﺎ أﯾﻀﺎ أﺛﺮ ﻣﻦ ﻋﻄﻔﻬﻢ وﻗﺒﺲ ﻣﻦ
دﻋﺎﺋﻬﻢ ,وﻋﺴﻰ أن ﯾﻘﻮل أﻧﺎس :رﺣﻤﻪ اﷲ ﻓﻘﺪ وﺷﻰ ﺣﯿﺎﺗﻬﻤﺎ ﺑﻮﺷﻲ ﺟﻤﯿﻞ ,وﻏﺮس ﻗﺼﺘﻬﻤﺎ ﻓﻲ ﺑﺴﺘﺎن
اﻟﺨﻠﻮد.
وﻋﺴﻰ أن ﯾﺘﻠﻄﻒ اﻟﻨﺎﻗﺪون ﻟﺴﻔﺮي ﻫﺬا ﻓﻲ ﻧﻘﺪﻫﻢ ,ﻓﻬﻮ وإن ﻟﻢ ﯾﺒﻠﻎ درﺟﺔ اﻟﻜﻤﺎل وﻟﻜﻨﻪ ﻃﻔﻠﻲ اﻟﻐﺎﻟﻲ ...ﻋﺰﯾﺰ
اﻟﻰ ﻧﻔﺴﻲ ,ﻣﺪﻟﻞ ﻋﻨﺪ ﻗﻠﺒﻲ ,ﺟﻤﯿﻞ ﻓﻲ ﻋﯿﻨﻲ .وﻫﻮ ﺑﺴﺘﺎن وإن ﻛﺎن ﻗﺪ ﯾﺮى ﺑﯿﻦ ﺛﻤﺎره ﻣﺎ ﻫﻮ ﻓﺞ ﻏﯿﺮ ﯾﺎﻧﻊ ,
ﻏﯿﺮ ﯾﺎﻧﻊ ,ﻏﯿﺮ أﻧﻬﺎ ﺣﺪﯾﻘﺔ ﻓﺆادي وأزﻫﺎر ﻓﻜﺮي وﻟﺒﻲ .وﺣﺴﺒﻬﻤﺎ ﻣﻦ ﺟﻬﺪي ﻣﺎ ﻗﺪﻣﺖ ,وﺣﺴﺒﻲ ﻣﻨﻬﺎ ﻣﺎ
أﺛﻤﺮت
1اﻟﺸﺎﻋﺮ ﻛﻤﺎ ﻗﻠﺖ ﻓﻲ اﻟﻤﻘﺪﻣﺔ ﺻﻮﻓﻲ اﻟﻨﺰﻋﺔ وﻋﻠﻰ ﺟﺎﻧﺐ ﻛﺒﯿﺮ ﻣﻦ اﻟﺪﻳﻦ واﻟﻌﻠﻢ ...ﻓﺤﺪﻳﺜﻪ ﻋﻦ اﻟﺨﻤﺮ
واﻷﻗﺪاح وﻧﺤﻮ ذﻟﻚ ﻣﻤﺎ ﻳﻌﺒﺮ ﺑﻪ ﻛﺜﯿﺮ ﻣﻦ اﻟﺸﻌﺮاء واﻟﻤﺘﺼﻮﻓﺔ ﻋﻠﻰ ﺳﺒﯿﻞ اﻟﻤﺸﺎﻛﻠﺔ واﻟﻤﺠﺎز
اﻟﺠﺰﻳﺮة اﻟﺨﻀﺮاء
ﺣﺪث ذﻟﻚ ﻓﻲ ﺣﻮاﻟﻲ ﻋﺎم 1393م ﻓﻲ ﺟﺰﯾﺮة ) ﺑﻮﻃﺎن ) اﻟﻤﻌﺮوﻓﺔ اﻟﯿﻮم ﺑﺎﺳﻢ -ﺟﺰﯾﺮة اﺑﻦ ﻋﻤﺮ -ﺗﻠﻚ اﻟﺘﻲ ﺗﻘﻊ
ﻋﻠﻰ ﺷﺎﻃﺊ دﺟﻠﺔ ,وﺗﻤﺘﺪ ﻓﻲ اﺗﺴﺎع ﺷﺎﺳﻊ ﺑﯿﻦ اﻟﻬﺎب واﻟﺘﻼل اﻟﺨﻀﺮ اﻟﻮاﻗﻌﺔ ﻓﻲ ﺷﻤﺎل اﻟﻌﺮاق.
واﺳﻢ ﻫﺬه اﻟﺠﺰﯾﺮة ﯾﺘﺄﻟﻖ ﻓﻲ ﻣﻘﺪﻣﺔ رﺑﻮع ﻛﺮدﺳﺘﺎن اﻟﺘﻲ ﯾﻤﺘﺎز ﻣﻌﻈﻤﻬﺎ ﺑﻘﺴﻂ واﻓﺮ ﻣﻦ ﺟﻤﺎل اﻟﻄﺒﯿﻌﺔ وﺑﻬﺎﺋﻬﺎ ,
اذ ﻧﻨﺸﻌﺐ ﺑﯿﻦ رﯾﺾ ﻃﺒﯿﻌﯿﺔ ﺑﺪﯾﻌﺔ ,وﯾﻨﻌﻜﺲ اﻟﯿﻬﺎ ﻣﻦ ﺷﺎﺋﺮ أﻃﺮاﻓﻬﺎ ﺑﺮﯾﻖ دﺟﻠﺔ اﻟﺬي ﯾﺤﻒ ﺑﻤﻌﻈﻢ ﺟﻬﺎﺗﻬﺎ ,
ﻛﻤﺎ ﯾﺰﯾﺪ ﻓﻲ روﻋﺔ ﺟﻤﺎﻟﻬﺎ ﺟﺒﺎﻟﻬﺎ اﻟﺸﺎﻫﻘﺔ ﻓﻲ ﺟﻮ اﻟﺴﻤﺎء ,اﻟﺘﻲ ﺗﻔﺎﺧﺮ ﻓﻲ ﻋﻠﻮﻫﺎ اﻟﻌﺠﯿﺐ وﻓﺘﻨﺘﻬﺎ اﻟﺨﻀﺮاء
ﻣﻌﻈﻢ ﺟﺒﺎل اﻟﻌﺎﻟﻢ ,وﺗﻨﺘﺸﺮ ﻣﻦ ﺣﻮﻟﻬﺎ ﺳﺮ اﻟﺨﻠﻮد وآﯾﺎت اﻟﺠﻼل.
واﻧﺒﻌﺜﺖ ﺣﻮادث ﻫﺬه اﻟﻘﺼﺔ ﻣﻦ ﻗﺼﺮ أﻣﯿﺮ اﻟﺠﺰﯾﺮة ) اﻷﻣﯿﺮ زﯾﻦ اﻟﺪﯾﻦ ( ,ﺣﯿﺚ ﻛﺎﻧﺖ ﺑﻼ اﻷﻛﺮاد آﻧﺬاك وﻣﺎ ﺑﻌﺪ
ذﻟﻚ اﻟﻌﺼﺮ إﻟﻰ أواﺳﻂ ﻋﻬﺪ اﻟﻌﺜﻤﺎﻧﯿﯿﻦ ﻣﻨﻘﺴﻤﺔ إﻟﻰ ﻋﺪة إﻣﺎرات ,ﯾﺘﻮﻟﻰ إدارة ﻛﻞ ﻣﻨﻬﺎ أﻣﯿﺮ ﯾﺘﻤﺘﻊ ﺑﺎﻟﺠﺪارة
واﻟﻘﻮة.
وﻟﻢ ﯾﻜﻦ اﻷﻣﯿﺮ زﯾﻦ اﻟﺪﯾﻦ ذا ﻛﻔﺎءة ﻋﺎﻟﯿﻪ ﻓﺤﺴﺐ ...ﺑﻞ ﻛﺎن ﯾﺘﻤﺘﻊ إﻟﻰ ذﻟﻚ ﺑﻐﻨﻰ واﺳﻊ وﺑﻤﻈﻬﺮ ﻛﺒﯿﺮ ﻣﻦ اﻟﻘﻮة
واﻟﺴﻠﻄﺎن .واﻟﻐﺮﯾﺐ أن ذﻟﻚ ﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﻟﯿﻤﻨﻌﻪ ﻣﻦ اﻣﺘﻼﻛﻪ اﻟﻌﺠﯿﺐ ﻟﻘﻠﻮب أﻣﺘﻪ ,واﻛﺘﺴﺎﺑﻪ ﻣﺤﺒﺔ ﺳﺎﺋﺮ ﻃﺒﻘﺎت ﺷﻌﺒﻪ
,ﻣﻤﺎ أذاع اﺳﻤﻪ ﻣﻘﺮوﻧﺎ ﺑﺎﻟﻬﯿﺒﺔ واﻹﺟﻼل ﻻ ﻓﻲ ﺑﻮﻃﺎن وﺣﺪﻫﺎ ,ﺑﻞ ﻓﻲ ﺳﺎﺋﺮ أﻧﺤﺎء ﻛﺮدﺳﺘﺎن وإﻣﺎراﺗﻬﺎ.
وﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﻗﺼﺮه اﻟﺬي ﻛﺎن ﯾﺮى ﻣﻦ ﺑﻌﯿﺪ ﻛﺄﻧﻪ ﺑﺮج ﻫﺎﺋﻞ ,ﻛﻘﺼﻮر ﺑﻘﯿﺔ اﻷﻣﺮاء ﻣﻦ أﻣﺜﺎﻟﻪ ,وإﻧﻤﺎ ﻛﺎن آﯾﺔ ﻣﻦ
آﯾﺎت اﻟﻔﻦ واﻹﺑﺪاع ..ﻛﺎن ﻣﻨﺘﻬﯿﺎ إﻟﻰ أﻗﺼﻰ ﺣﺪ ﻓﻲ اﻟﺒﺬخ اﻟﻤﺒﺬول ﻟﺘﺼﻤﯿﻤﻪ وﺗﺸﯿﯿﺪه وإﻗﺎﻣﺔ أﺑﻬﺘﻪ!..
وﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻓﻲ داﺧﻠﻪ أﺑﻬﺎء وﻗﯿﻌﺎن ﻓﺎﺧﺮة ﻓﺤﺴﺐ ,وإﻧﻤﺎ ﻛﺎن ﯾﺰدان أﯾﻀﺎ ﺑﻤﺘﺎﺣﻒ ﺗﻀﻢ ﻣﺨﺘﻠﻒ اﻟﻌﺠﺎﺋﺐ واﻟﻨﻮادر
,وأﻧﻮاع اﻟﻤﺠﻮﻫﺮات اﻟﻐﺮﯾﺒﺔ واﻟﻔﺎﺧﺮة!..
أﻣﺎ رﺣﺎﺑﻪ وﺷﺮﻓﺎﺗﻪ ﻓﻜﺎﻧﺖ ﺗﻤﯿﺲ ﺑﻌﺸﺮات اﻟﻐﻠﻤﺎن ..وﺑﻤﺜﻞ ذﻟﻚ ﻣﻦ أﺟﻤﻞ اﻟﺠﻮاري واﻟﻔﺘﯿﺎت ...ﯾﺠﺒﻦ ﻓﻲ
أﻧﺤﺎﺋﻪ ,وﯾﻀﻔﻦ ﻋﻠﻰ رﺣﺎﺑﻪ ﺟﻮا ﺳﺤﺮﯾﺎ ﯾﺸﻊ ﺑﺎﻟﻔﺘﻨﺔ واﻟﺠﻤﺎل.
ﻏﯿﺮ أن اﻵﯾﺔ اﻟﻜﺒﺮى ﻟﻠﺠﻤﺎل ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﻘﺼﺮ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻣﻨﺒﻌﺜﺔ ﻋﻦ أي واﺣﺪة ﻣﻦ ﺗﻠﻚ اﺟﻮاري واﻟﺤﺴﺎن ,وإﻧﻤﺎ
ﻛﺎﻧﺖ ﺳﺮا ﻟﺪرﺗﯿﻦ ﺷﻘﯿﻘﺘﯿﻦ ﻏﯿﺮ ﻛﻞ أوﻟﺌﻚ .ﺧﻠﻘﻬﻤﺎ اﷲ ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﻘﺼﺮ ،ﺑﻞ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﺠﺰﯾﺮة ﻛﻠﻬﺎ ﻣﺜﻼ أﻋﻠﻰ
ﻟﻠﺠﻤﺎل ،وﻧﻤﻮذﺟﺎ ﻛﺎﻣﻼ ﻟﻠﻔﺘﻨﺔ واﻟﺴﺤﺮ اﻹﻟﻬﻲ ﻓﻲ اﺳﻤﻰ ﻣﻈﺎﻫﺮﻫﻤﺎ ،وﻛﺄﻧﻤﺎ أﺑﺪﻋﺘﻬﻤﺎ ﯾﺪ اﻟﺨﻼق ﻫﺬا اﻹﺑﺪاع
اﻟﻌﺠﯿﺐ ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﻘﺼﺮ اﻟﺮاﺋﻊ ﻟﯿﺆﻣﻦ ﻛﻞ ﻓﻨﺎن ﺑﺎرع ،وﻣﺒﺪع وﺻﺎﻧﻊ ،ﺑﺄن اﻟﺠﻤﺎل إﻧﻤﺎ ﻫﻮ ﻫﺬا !..ﻻ رﺻﻒ
اﻷﺣﺠﺎر وﻓﻦ اﻟﻨﻘﺶ وﺻﻨﻌﺔ اﻟﺘﻠﻤﯿﻊ ،ﻫﺬه ﻓﺘﻨﺔ ﺗﺒﻬﺮ اﻟﻘﻠﻮب وﺗﺴﻜﺮ اﻷﻟﺒﺎب ،وذﻟﻚ روﻧﻖ ﯾﺒﺮق ﻓﻲ اﻷﻋﯿﻦ
وﯾﺰﯾﻎ ﺑﺎﻷﺑﺼﺎر ،وﺷﺘﺎن ﻣﺎ ﺑﯿﻨﻬﻤﺎ ﻣﻦ ﻓﺮق.
وﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻫﺎﺗﺎن اﻟﺸﻘﯿﻘﺘﺎن ﺳﻮى أﺧﺘﯿﻦ ﻟﻸﻣﯿﺮ زﯾﻦ اﻟﺪﯾﻦ .ﻛﺎن اﺳﻢ ﻛﺒﺮاﻫﻤﺎ ) ﺳﺘﻲ ) وﻛﺎﻧﺖ ﺑﯿﻦ اﻟﺒﯿﺎض
اﻟﻨﺎﺻﻊ واﻟﺴﻤﺮة اﻟﻔﺎﺗﻨﺔ /ﻗﺪ أﻓﺮغ اﻟﺠﻤﺎل ﻓﻲ ﻛﻞ ﺟﺎرﺣﺔ ﻣﻦ ﺟﺴﻤﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺣﺪة ،ﺛﻢ أﻓﺮغ ﺑﻤﻘﺪار ذﻟﻚ ﻛﻠﻪ ﻋﻠﻰ
ﻣﺠﻤﻮع ﺟﺴﻤﻬﺎ وﺷﻜﻠﻬﺎ ،ﻓﻌﺎدت ﺷﯿﺌﺎ أﺑﺮع ﻣﻦ اﻟﺴﺤﺮ وأﺑﻠﻎ ﻣﻦ اﻟﻔﺘﻨﺔ.
وأﻣﺎ اﻟﺼﻐﺮى واﺳﻤﻬﺎ ) زﯾﻦ ( ﻓﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ وﺣﺪﻫﺎ اﻟﺒﺮﻫﺎن اﻟﺪال ﻋﻠﻰ أن اﻟﯿﺪ اﻹﻟﻬﯿﺔ ﻗﺎدرة ﻋﻠﻰ ﺧﻠﻖ اﻟﺠﻤﺎل
واﻟﻔﺘﻨﺔ ﻓﻲ ﻣﻈﻬﺮ أﺑﺪع ﻣﻦ أﺧﺘﻬﺎ وأﺳﻤﻰ.
ﻛﺎﻧﺖ ﻫﯿﻔﺎء ﺑﻀﺔ ذات ﻗﻮام راﺋﻊ ،ﻗﺪ ازدﻫﺮ ﻓﻲ ﺑﯿﺎﺿﻬﺎ اﻟﻨﺎﺻﻊ ﺣﻤﺮة اﻟﻠﻬﺐ ،ذات ﻋﯿﻨﯿﻦ دﻋﺠﺎوﯾﻦ أودﻋﻬﻤﺎ
اﷲ ﻛﻞ آﯾﺎت اﻟﻔﺘﻚ واﻟﻠﻄﻒ اﻟﺘﻲ ﺗﺘﺴﺎﻣﻰ ﻋﻠﻰ اﻟﺘﻌﺒﯿﺮ.
وﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﺷﻘﺮاء ،ﻏﯿﺮ أن ﺷﻌﺮﻫﺎ اﻻﺳﻮد اﻟﻔﺎﺣﻢ -وﻗﺪ أﺣﺎط ﻛﺴﺤﺮ اﻟﻠﯿﻞ ﺑﻮﺟﻬﻬﺎ اﻟﺬي ﻗﺴﻤﺖ ﻣﻼﻣﺤﻪ أﺑﺪع
ﺗﻘﺴﯿﻢ واﻣﺘﺰج ﻓﯿﻪ ﻋﻨﺪ اﻟﺸﻔﺎه وﻟﻬﺐ اﻟﻮﺟﻨﺘﯿﻦ ﺑﺒﯿﺎﺿﻪ اﻟﻨﺎﺻﻊ -ﻛﺎن ﯾﺜﺨﻦ اﻷﻟﺒﺎب ﻓﺘﻜﺎ وﯾﻐﻤﺮ اﻟﻌﻘﻞ ﺳﻜﺮا.
وﻛﺎﻧﺖ ﻟﻬﺎ اﻟﻰ ذﻟﻚ ﻛﻠﻪ رﻗﺔ ﻋﺠﯿﺒﺔ ﻓﻲ روﺣﻬﺎ ،وﺧﻔﺔ ﻣﺘﻨﺎﻫﯿﺔ ﻓﻲ دﻣﻬﺎ .ﻓﻜﺎﻧﺖ ﻓﻲ ﻣﺠﻤﻮﻋﻬﺎ ﺧﻼﺻﺔ ﻷروع
أﻣﺜﻠﺔ اﻟﻤﺎل واﻟﺨﻔﺔ واﻟﻠﻄﻒ.
وﻋﻠﻰ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ أن ﻫﺎﺗﯿﻦ اﻟﻐﺎدﺗﯿﻦ ﻛﺎﻧﺘﺎ ﻟﺆﻟﻮﺗﯿﻦ ﻣﺤﺠﻮزﺗﯿﻦ ﻓﻲ ﺻﺪﻓﺔ ذﻟﻚ اﻟﻘﺼﺮ ﻋﻦ ﻣﻌﻈﻢ اﻷﺑﺼﺎر ،ﻓﻘﺪ
ﻛﺎن اﺳﻤﺎﻫﻤﺎ ذاﺋﻌﯿﻦ ﻣﻨﺘﺴﺮﯾﻦ ﻓﻲ ﺳﺎﺋﺮ أﻃﺮاف اﻟﺠﺰﯾﺮة ﺑﻞ ﻓﻲ ﻛﺜﯿﺮ ﻣﻦ ﺑﻼد ﻛﺮدﺳﺘﺎن ،ﯾﺘﺨﺬون ﻣﻦ ﺷﻬﺮﺗﻬﻤﺎ
اﻟﻤﻘﯿﺎس اﻷﻋﻠﻰ واﻟﻤﺜﻞ اﻟﻜﺎﻣﻞ ﻟﻠﺠﻤﺎل.
وﻗﺪ ﻛﺎن ﻣﻦ اﻟﻐﺮﯾﺐ ﻓﻲ اﻟﻮاﻗﻊ أن ﺗﺨﻠﻖ ﺗﻠﻚ اﻟﻔﺎﺗﻨﺘﺎن ﻓﻲ ﻗﺼﺮ أﻣﯿﺮ ﺑﻮﻃﺎن ﻟﺘﺼﺒﺤﺎ أﺟﻤﻞ زﻫﺮﺗﯿﻦ ﺗﺤﺒﺴﺎن ﻓﻲ
رﺣﺎﺑﻪ ﻋﻦ اﻷﻧﻈﺎر ،ﻟﻮﻻ أن اﻟﺸﻌﺐ اﻟﻜﺮدي ﻋﺎﻣﺔ وأوﻟﻲ اﻟﺰﻋﺎﻣﺔ ﻓﯿﻬﻢ ﺧﺎﺻﺔ ﻏﺮﺳﺖ ﻓﻲ ﻃﺒﯿﻌﺘﻬﻢ ﻏﯿﺮة ﻣﻠﺘﻬﺒﺔ
ﻻ ﺗﻜﺎد ﺗﻔﺎرق ﺟﻮاﻧﺤﻬﻢ ،ﻣﻤﺎ ﯾﺠﻌﻠﻬﻢ ﯾﺘﺤﺮﺟﻮن ﻣﻦ اﺧﺘﻼط اﻟﺠﻨﺴﯿﻦ أﻻ ﺑﻤﻘﺪار ...ﻫﺬا أﻟﻰ أن ﺷﻘﯿﻘﻬﻤﺎ اﻷﻣﯿﺮ
ﻛﺎن ﻗﺪ أوﺗﻲ ﻣﺰﯾﺪا ﻣﻦ ﻫﺬه اﻟﻐﯿﺮة ﺑﯿﻦ ﺟﺎﻧﺒﯿﻪ ،وزادﻫﺎ ﻣﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺘﻤﺘﻊ ﺑﻪ اﺧﺘﺎه ﻣﻦ ذﻟﻚ اﻟﺠﻤﺎل اﻟﻨﺎدر اﻟﺬي أﺑﻰ
إﻻ أن ﯾﺬﯾﻊ اﺳﻤﯿﻬﻤﺎ ﻓﻲ اﻟﺠﺰﯾﺮة ﻛﻠﻬﺎ وﻓﻲ ﻣﻌﻈﻢ اﻟﺒﻼد اﻻﺧﺮى ..وﻟﺬﻟﻚ ﻓﻘﺪ ﻛﺎن ﻣﻦ اﻟﻌﺴﯿﺮ ﺟﺪا أن ﯾﻜﻮن
ﻟﻌﺸﺎق ذﻟﻚ اﻟﻘﺼﺮ اﻟﻜﺜﯿﺮﯾﻦ ﻧﺼﯿﺐ ﻣﻨﻪ ﻏﯿﺮ اﻟﺴﻤﺎع ...وﺗﺴﻘﻂ اﻷﺧﺒﺎر
ﻛﺎن اﻟﻮﻗﺖ أﺻﯿﻼ ،واﻟﻨﺎس ﯾﻮدﻋﻮن ﯾﻮم 20ﻣﺎرس ﻟﯿﺴﺘﻘﺒﻠﻮ ﻣﻦ وراﺋﻪ رﺑﯿﻊ ﺳﻨﺔ ﺟﺪﯾﺪة ،وﻛﺎﻧﺖ أﻋﻤﺎﻟﻬﻢ
وﺣﺮﻛﺎت ﻃﺮﻗﻬﻢ وأﺳﻮاﻗﻬﻢ ﻗﺪ اﺗﺨﺬت ﻣﻈﻬﺮا ﻟﻨﺸﺎط ﺟﻠﻲ ﻏﯿﺮ ﻣﻌﻬﻮد .ﻓﻘﺪ ﻛﺎن ﻋﻠﯿﻬﻢ ﺟﻤﯿﻌﺎ أن ﯾﺘﻬﯿﺌﻮا
وﯾﺴﺘﻌﺪوا ﻟﻠﺨﺮوج ﻣﻊ ﺻﺒﺎح اﻟﯿﻮم اﻟﺜﺎﻧﻲ إﻟﻰ ﻇﺎﻫﺮ اﻟﻤﺪﯾﻨﺔ .وﯾﻘﻀﻮا ﺑﯿﺎض ﻧﻬﺎرﻫﻢ ﻓﻮق اﻟﻤﻬﺎد اﻟﺨﻀﺮ
اﻟﻮارﻓﺔ ،وﻋﻠﻰ ﺿﻔﺎف دﺟﻠﺔ وﻓﻲ ﺳﻔﻮح ﺗﻠﻚ اﻟﺠﺒﺎل .وذﻟﻚ ﺟﺮﯾﺎ وراء ﺗﻠﻚ اﻟﻌﺎدة اﻟﺴﺎرﯾﺔ ﻓﻲ ﺟﻤﯿﻊ أﻧﺤﺎء
ﻛﺮدﺳﺘﺎن ﻣﻦ اﻹﺣﺘﻔﺎل ﻓﻲ ﻣﺜﻞ ذﻟﻚ اﻟﯿﻮم ﺑﺸﺮوق اﻟﺮﺑﯿﻊ وﯾﻮﻣﻪ اﻟﺠﺪﯾﺪ .ﻓﺎﻟﻄﺒﯿﻌﺔ ﻟﻬﺎ ﻋﻠﯿﻬﻢ ﺣﻖ وﻣﻨﺔ ﻛﺒﺮى .
وﻣﻦ واﺟﺒﻬﺎ ﻋﻠﯿﻬﻢ أن ﯾﺤﺘﻔﻠﻮا ﺑﻬﺎ ﻓﻲ ﻣﻮﻟﺪﻫﺎ اﻟﺠﺪﯾﺪ ،ﻓﯿﻨﻄﻠﻘﻮا ﺟﻤﯿﻌﺎ ﻣﻦ ﻛﺒﯿﺮ وﺻﻐﯿﺮ ورﺟﻞ وأﻧﺜﻰ ﺗﺎرﻛﯿﻦ
وراﺋﻬﻢ ﻛﻞ آﺛﺎر اﻟﺘﺼﻨﻊ واﻟﺘﻜﻠﻒ اﻟﺘﻲ ﺗﻌﺞ ﺑﻬﺎ دﻧﯿﺎ اﻟﻤﺪن واﻟﻌﻤﺮان ،اﻟﻰ ﺣﯿﺚ ﺗﻠﻮح ﺻﻔﺤﺎت اﻹﺑﺪاع اﻹﻟﻬﻲ
اﻟﺴﺎﺣﺮ .ﻓﯿﺨﺸﻌﻮن ﻟﻬﺎ وﺣﺪﻫﺎ ،وﯾﻈﻠﻮن ﻣﻌﻬﺎ ﻓﻲ ﻧﺸﻮة وﻣﺮح إﻟﻰ أن ﺗﺘﻮارى ﻋﻨﻬﻢ ﺷﻤﺲ ذﻟﻚ اﻟﯿﻮم...
وﻛﺎن ﻣﻈﻬﺮ ﻫﺬا اﻟﻨﺸﺎط اﻟﻤﻠﻤﻮح ﻋﺎﻣﺎ ﻓﻲ ﻛﻞ أرﺟﺎء اﻟﺠﺰﯾﺮة وأﻃﺮاﻓﻬﺎ ،ﻻ ﺳﯿﻤﺎ ﺣﻮل ﻗﺼﺮ اﻷﻣﯿﺮ .ﻓﻘﺪ ﻛﺎن
ﻋﻠﻰ رﺟﺎل اﻟﻘﺼﺮ وﺣﺎﺷﯿﺘﻪ أن ﯾﻔﺮﻏﻮا ﻣﺴﺎء ذﻟﻚ اﻟﯿﻮم ﻣﻦ ﺗﻨﻈﯿﻢ ﻣﻨﻬﺎج ﻟﻤﻮﻛﺐ اﻷﻣﯿﺮ اﻟﺬي ﺳﯿﺸﺮف ﺑﻨﻔﺴﻪ
ﻋﻠﻰ ﻣﻬﺮﺟﺎن اﻟﺮﺑﯿﻊ .وﻗﺪ ﯾﻨﺘﻬﺰ اﻟﻔﺮﺻﺔ ﻓﯿﻘﻮم أﯾﻀﺎ ﺑﺮﺣﻠﺔ إﻟﻰ اﻟﺼﯿﺪ ﻣﻊ ﺟﻤﻊ ﻣﻦ رﺟﺎﻟﻪ وﺣﺎﺷﯿﺘﻪ .أﻣﺎ داﺧﻞ
اﻟﻘﺼﺮ ،ﻓﻘﺪ ﻛﺎن أﻫﺪأ ﻧﺎﺣﯿﺔ ﻓﯿﻪ اﻟﻘﺴﻢ اﻷﻋﻠﻰ ﻣﻨﻪ .ﻛﺎن ﺧﺎﻟﯿﺎ ﺗﻤﺎﻣﺎ ﻟﯿﺲ ﻓﯿﻪ أﺣﺪ إﻻ اﻷﻣﯿﺮﺗﺎن زﯾﻦ و ﺳﺘﻲ ،
ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻨﺤﺎزﺗﯿﻦ إﻟﻰ إﺣﺪى اﻟﺸﺮﻓﺎت وﻣﺘﺨﺬﺗﯿﻦ ﻣﺠﻠﺴﻬﻤﺎ ﻋﻠﻰ ﺑﻌﺾ ﻣﺘﻜﺂت ﺗﻠﻚ اﻟﺸﺮﻓﺔ ﺗﺮﻗﺒﺎن ﺳﺎﻋﺔ اﻟﻐﺮوب ،
وﺗﺮﻧﻮان إﻟﻰ اﻷﺻﯿﻞ واﻵﻛﺎم ،وﻋﻠﻰ ﺻﻔﺤﺔ دﺟﻠﺔ اﻟﺬي ﯾﺘﺸﻌﺐ ﻣﻠﺘﻮﯾﺎ ﺣﻮل ﻣﻌﻈﻢ أﻃﺮاف اﻟﺠﺰﯾﺮة.
ﻗﺎﻟﺖ ﺳﺘﻲ ’’ :ﯾﺒﺪو أﻧﻨﻲ ﻟﻦ أﻋﺜﺮ ﻋﻠﻰ اﻟﺮﺟﻞ اﻟﺬي أﻋﺠﺐ ﺑﻪ إﻻ أذا ﺑﻠﻎ أﺛﺮ ﺟﻤﺎﻟﻪ ﻟﺪي ﻣﺒﻠﻎ ﻓﺘﻨﺔ ﻫﺬه اﻟﻄﺒﯿﻌﺔ
اﻟﺤﺎﻟﻤﺔ وأﺛﺮﻫﺎ ﻓﻲ ﻧﻔﺴﻲ ‘‘..
ﻓﺄﺟﺎﺑﺘﻬﺎ زﯾﻦ ’’ :وﻟﻜﻦ وﯾﺤﻚ إن ﻫﺬا ﯾﻌﻨﻲ أن ﯾﻜﻮن ذﻟﻚ اﻟﺮﺟﻞ ﺑﺎﻟﻎ اﻟﺬروة ﻓﻲ اﻟﺠﻤﺎل .وأﯾﻦ ﺗﺠﺪﯾﻦ ﻣﻦ ﻗﺪ
اﺳﺘﻘﺮ ﻓﻮق ﻫﺬه اﻟﺬروة ..؟ أم ﻟﻌﻠﻚ ﺗﺤﺴﺒﯿﻦ أن اﻟﺮﺟﺎل ﻛﻠﻬﻢ ﯾﻌﯿﺸﻮن ﻓﻲ ﻗﺼﺮ ﻣﺜﻞ ﻗﺼﺮك ﻫﺬا ،وﯾﻨﺸﺆون ﻓﻲ
ﻣﺜﻞ ﻣﺎ أﻧﺖ ﻓﯿﻪ ﻣﻦ ﻧﻌﻤﺔ ؟ ‘‘
ﻗﺎﻟﺖ ’’ :وﻟﻜﻦ ﻻ ﺑﺪ ﻋﻨﺪ اﻟﺒﺤﺚ أن ﯾﻮﺟﺪ ﻣﺜﻞ ﻫﺬا اﻟﺮﺟﻞ اﻟﺬي أﺗﺨﯿﻠﻪ وأﻋﻨﯿﻪ ‘‘.
ﻓﺄﺟﺎﺑﺘﻬﺎ زﯾﻦ ﻣﺴﺘﻀﺤﻜﺔ ’’ :وﻟﻜﻦ ﻛﯿﻒ ﺗﺴﺘﻄﯿﻌﯿﻦ أن ﺗﺒﺤﺜﻲ ﻋﻦ رﺟﻞ ﺧﯿﺎﻟﻚ ﻫﺬا ..؟ أم أﻧﻚ ﻗﺪ أﺻﺒﺤﺖ رﺟﻼً
ﻛﺎﻟﺮﺟﺎل ..ﺗﺪاﺧﻠﯿﻨﻬﻢ وﺗﺴﺘﻌﺮﺿﯿﻨﻬﻢ ﻓﻲ أﻧﺪﯾﺘﻬﻢ وﻣﺠﺎﻣﻌﻬﻢ ﺣﺘﻰ إذا ﻣﺎ ﻋﺜﺮﺗﻲ ﻋﻠﯿﻪ أﺗﯿﺖ ﺑﻪ ورﻛﻨﺖ اﻟﯿﻪ ..؟‘‘!
ﻓﺄﻃﺮﻗﺖ ﺳﺘﻲ ﻣﺘﻜﺌﺔ ،وﻫﻲ ﺗﺪاﻋﺐ ﺧﺼﻼت ﻣﻦ ﺷﻌﺮﻫﺎ ،ﺛﻢ ﻫﺰت رأﺳﻬﺎ وﻫﻲ ﺗﻘﻮل ’’ :أﺟﻞ ،ﻓﺎﻟﻤﺸﻜﻠﺔ إﻧﻤﺎ
ﻫﻲ ﻫﺬه ﻓﻘﻂ‘‘...
وﻋﺎدت إﻟﻰ اﻟﺴﻜﻮت.
وﺑﻌﺪ ﻗﻠﯿﻞ اﻧﻔﺠﺮت زﯾﻦ ﺑﻀﺤﻜﺔ ﻋﺎﻟﯿﻪ ..ﺛﻢ أﺳﺮت إﻟﻰ أﺧﺘﻬﺎ ﻗﺎﺋﻠﺔ :
’’ﻟﻘﺪ وﺟﺪت ﻟﻬﺬه اﻟﻤﺸﻜﻠﺔ ﺣﻼ ﻓﺎﺳﻤﻌﻲ‘‘...
واﻋﺘﺪﻟﺖ ﻓﻲ ﺟﻠﺴﺘﻬﺎ ،ﺛﻢ دﻧﺖ إﻟﻰ أﺧﺘﻬﺎ ،ﻛﺄﻧﻤﺎ ﺗﺨﺸﻰ أن ﯾﺴﻤﻌﻬﺎ أﺣﺪ .وأﺧﺬت ﺗﻘﻮل:
’’ﺗﻌﻠﻤﯿﻦ أن ﻏﺪا ﻫﻮ ﻋﯿﺪ اﻟﺮﺑﯿﻊ ،وأن أﻫﻞ اﻟﺠﺰﯾﺮة ﻛﻠﻬﺎ ﺳﯿﺨﺮﺟﻮن ﻓﻲ ﻫﺬه اﻟﻤﻨﺎﺳﺒﺔ إﻟﻰ اﻟﺤﻘﻮل واﻟﺮﯾﺎض .
وﻻ ﺷﻚ أن ذﻟﻚ أﺟﻤﻞ ﻓﺮﺻﺔ ﻟﻤﺎ ﺗﻔﻜﺮﯾﻦ ﻓﯿﻪ‘‘..
ﻓﻘﺎﻟﺖ ’’ :وﯾﺤﻚ وأﯾﻦ اﻟﺤﻞ ﻓﻲ ﻫﺬا ..؟؟ ﻓﻤﺘﻰ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻨﺴﺎء ﯾﻤﺘﺰﺟﻦ ﺑﺎﻟﺮﺟﺎل ﻓﻲ ﻣﺜﻞ ﻫﺬا اﻟﯿﻮم اﻹﻣﺘﺰاج اﻟﺬي
ﺗﻈﻨﯿﻦ !..وﻫﻞ ﺗﺠﻬﻠﯿﻦ أﻧﻪ ﺳﺘﻜﻮن ﻟﻨﺎ أﻣﻜﻨﺔ ﺧﺎﺻﺔ ﻣﻦ دون اﻟﺮﺟﺎل ،أم ‘‘..
ﻓﻘﺎﻃﻌﺘﻬﺎ زﯾﻦ ﻗﺎﺋﻠﺔ ’’ :وﻟﻜﻨﻨﻲ ﻟﻢ أﻗﻞ ﻟﻚ اﻟﺤﻞ ﺑﻌﺪ .أرﯾﺪ أن أﻗﻮل إن أﺣﺪا ﻣﻦ اﻟﻨﺎس ﻟﻦ ﯾﺒﻘﻰ ﻏﺪا ﻓﻲ ﻫﺬه
اﻟﻤﺪﯾﻨﺔ ،وﺳﯿﺘﻼﻗﻰ ﻛﻠﻬﻢ ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﻔﻀﺎء .ﻓﻤﺎ ﻋﻠﯿﻨﺎ إﻻ أن ﻧﺘﺄﺧﺮ ﻋﻦ ﻣﻮﻛﺐ اﻟﻘﺼﺮ ﻏﺪا ﻣﺘﻈﺎﻫﺮﺗﯿﻦ ﺑﻔﺘﻮر
واﻧﺤﻄﺎط ﺟﺴﻤﻲ ﯾﻤﻨﻌﻨﺎ ﻣﻦ اﻟﺨﺮوج ،ﺣﺘﻰ إذا ﺧﻼ اﻟﻘﺼﺮ ﺧﺮﺟﻨﺎ ﻣﺘﻨﻜﺮﺗﯿﻦ ﻓﻲ ﻟﺒﺎس اﻟﺮﺟﺎل وﻫﯿﺂﺗﻬﻢ ،ﺛﻢ
ﻧﻨﺪس ﻓﻲ ﺻﻔﻮﻓﻬﻢ وﻻ ﺷﻚ أﻧﻬﻢ ﺳﯿﺤﺴﺒﻮﻧﻨﺎ ﻣﻦ ﺷﺒﺎب اﻟﻘﺼﺮ وﻏﻠﻤﺎﻧﻪ .وأﻛﺒﺮ اﻟﻈﻦ أﻧﻨﺎ ﺳﻨﻨﺠﺢ ﻓﻲ اﻟﻔﻜﺮة ،
وﺳﯿﺘﺎح ﻟﻜﻞ ﻣﻨﺎ أن ﺗﺠﺪ ﻣﻦ ﺑﯿﻦ ﻣﺨﺘﻠﻒ ﺷﺒﺎب ﻫﺬه اﻟﺠﺰﯾﺮة اﻟﻮاﺳﻌﺔ اﻷﻃﺮاف ﻣﻦ ﯾﺮوﻗﻬﺎ وﯾﻌﺠﺒﻬﺎ ‘‘ ..
وﻟﻢ ﺗﻜﺪ زﯾﻦ ﺗﻌﺮض اﻟﻔﻜﺮة ﻋﻠﻰ أﺧﺘﻬﺎ ﺣﺘﻰ أﻋﺠﺒﺖ ﺑﻬﺎ ،وﺳﺮﻋﺎن ﻣﺎ اﺗﻔﻘﺘﺎ ﻋﻠﻰ ﺗﻄﺒﯿﻘﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﺼﺒﺎح اﻟﺒﺎﻛﺮ.
ﺛﻢ أﺧﺬﺗﺎ ﺗﺘﺤﺪﺛﺎن ﻋﻦ وﺳﺎﺋﻞ ﺗﻨﻔﯿﺬ اﻟﻔﻜﺮة وﻋﻤﺎ ﯾﺠﺐ اﺗﺨﺎذه ﺣﯿﺎل ذﻟﻚ ﻣﻦ ﺗﺪاﺑﯿﺮ ..ﻏﯿﺮ أﻧﻬﻤﺎ اﺿﻄﺮﺗﺎ أﺧﯿﺮا
إﻟﻰ ﻗﻄﻊ اﻟﺤﺪﯾﺚ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﻨﺒﻬﺘﺎ إﻟﻰ أن اﻟﺸﻤﺲ ﻗﺪ ﺗﻮارت ﻓﻲ ﻏﯿﺒﻬﺎ ﻣﻨﺬ ﻓﯿﻨﺔ ،وإﻟﻰ أن اﻟﻈﻼم اﻟﺬي اﻣﺘﺪ ﻋﻠﻰ
ﺳﻄﺢ اﻟﺠﺰﯾﺮة وﺗﻜﺎﺛﻒ ﻓﻮق ﺑﯿﻮﺗﻬﺎ اﻟﺘﻲ راﺣﺖ ﺗﺨﺘﻔﻲ ﻋﻦ اﻷﻋﯿﻦ ﻣﺨﻠﻔﺔ آﺛﺎرﻫﺎ ﻣﻦ اﻷﺿﻮاء اﻟﻤﺘﻔﺮﻗﺔ اﻟﺘﻲ
ﺗﺸﻊ ﻫﻨﺎ وﻫﻨﺎك .وﺧﺸﯿﺘﺎ أن ﯾﺤﻮم ﺣﻮل ﻣﺠﻠﺴﻬﻤﺎ ذاك ﻣﻦ ﯾﺴﻤﻊ ﺷﯿﺌﺎ ﻣﻦ ﺣﺪﯾﺜﻬﻤﺎ اﻟﺬي ﯾﻨﺒﻐﻲ أن ﯾﻜﻮن ﺳﺮا ﻻ
ﯾﻄﻠﻊ ﻋﻠﯿﻪ أﺣﺪ ،ﻓﻄﻮﺗﺎ اﻟﺤﺪﯾﺚ ،وﻏﺎدرﺗﺎ اﻟﺸﺮﻓﺔ ،وأﺧﺬﺗﺎ ﺗﺘﺪرﺟﺎن ﻓﻲ اﻟﻤﻤﺸﻰ اﻟﻔﺴﯿﺢ اﻟﺬي ﯾﺆدي إﻟﻰ اﻟﺒﻬﻮ
.
وﻫﻨﺎك رأﺗﺎ ﺑﻌﺾ ﻏﻠﻤﺎن اﻟﻘﺼﺮ ﻓﺴﺄﻟﺘﺎه ’’ :أﺧﺮج اﻷﻣﯿﺮ ﻣﻦ اﻟﺪﯾﻮان أم ﻻ ..؟؟‘‘ ﻓﺄﺟﺎﺑﻬﻤﺎ ﺑﺄﻧﻪ ﻻ ﯾﺰال ﻓﻲ
اﻟﺪﯾﻮان ﻣﻊ ﺑﻌﺾ رﺟﺎﻟﻪ ،ﯾﺘﺤﺪﺛﻮن ﻋﻤﺎ ﯾﺨﺘﺺ ﺑﺮﺣﻠﺔ اﻟﺼﯿﺪ اﻟﺘﻲ ﻋﻘﺪ ﻋﻠﯿﻬﺎ اﻟﻌﺰم ﻣﻊ ﺑﻌﺾ أﺻﻔﯿﺎﺋﺔ ﻓﻲ
ﺻﺒﺎح اﻟﻐﺪ .ﺛﻢ ﺣﯿﺎﻫﻤﺎ ﺑﺎﻧﺤﻨﺎءة واﻧﺼﺮف.
ﻓﺴﺮﻫﻤﺎ ﻫﺬا اﻟﻨﺒﺄ ...إذ ﻛﺎن ذﻟﻚ ﻣﻦ ﺟﻤﻠﺔ اﻷﺳﺒﺎب اﻟﺘﻲ ﺳﺘﯿﺴﺮ ﻟﻬﻤﺎ اﻟﻨﺠﺎح ﻓﻲ ﺗﻨﻔﯿﺬ اﻟﻔﻜﺮة اﻟﺘﻲ اﺗﻔﻘﺘﺎ ﻋﻠﯿﻬﺎ
..ﺗﻠﻚ اﻟﻔﻜﺮة اﻟﺘﻲ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﺳﻮى أﺛﺮ ﻟﻤﺎ ﺗﺘﻤﺘﻌﺎن ﺑﻪ ﻣﻦ اﻟﺠﻤﺎل اﻟﻨﺎدر ،إذ ﻛﺎﻧﺘﺎ ﺗﺘﺼﻮران أﻧﻪ ﻻ ﯾﻜﺎﻓﺌﻬﻤﺎ إﻻ ﻣﻦ
ﻛﺎن ﻓﻲ ﻣﺜﻞ ذﻟﻚ اﻟﺠﻤﺎل أو ﻧﺤﻮه .وﻟﺬﻟﻚ ﻓﻘﺪ ﻛﺎﻧﺘﺎ ﺗﺘﻤﻨﻌﺎن ﻋﻠﻰ ﻛﺜﯿﺮ ﻣﻦ اﻟﺮاﻏﺒﯿﻦ ﻓﯿﻬﻤﺎ واﻟﻄﺎﻣﻌﯿﻦ ﺑﻬﻤﺎ ،
اﻧﺘﻈﺎرا ﻟﻠﻔﺘﻰ اﻟﻤﻨﺎﺳﺐ....
ﺛﻢ إﻧﻬﻤﺎ ﺗﺒﺎدﻟﺘﺎ اﻟﺘﺤﯿﺔ ..وإﻧﺼﺮﻓﺖ ﻛﻞ ﻣﻨﻬﻤﺎ إﻟﻰ ﻣﻘﺼﻮرﺗﻬﺎ اﻟﺨﺎﺻﺔ ،ﻋﻠﻰ أن ﻣﻮﻋﺪﻫﻤﺎ اﻟﺼﺒﺎح...
وﻓﻲ ﺻﺒﺎح اﻟﯿﻮم اﻟﺘﺎﻟﻲ أﺷﺮﻗﺖ ﺷﻤﺲ ﺑﻮﻃﺎن ﻋﻠﻰ أﺳﻮاق ﺧﺎﻟﯿﺔ ،وﻣﯿﺎدﯾﻦ ﺧﺎوﯾﺔ . .ﻓﻘﺪ ﺧﺮج ﺟﻤﯿﻊ ﻣﻦ ﻓﯿﻬﺎ
ﯾﺴﺘﺠﻠﻮن اﻟﻌﯿﺪ اﻟﺬي أﻗﺒﻞ ﯾﺤﯿﯿﻬﻢ ﻣﻦ ﻓﻮق ﻣﺴﺎرح اﻟﻄﺒﯿﻌﺔ اﻟﻐﻨﺎء اﻟﺘﻲ اﻧﺘﺸﺖ وازدﻫﺮت ﻣﻦ ﺟﺪﯾﺪ ﺑﻌﺪ أن ﻇﻠﺖ
ﻣﻨﻜﻤﺸﺔ ﻣﺘﻮارﯾﺔ ﺷﻬﻮرا ﻋﺪﯾﺪة ﺗﺤﺖ أﻋﺎﺻﯿﺮ اﻟﺸﺘﺎء ورﻛﺎم اﻟﺜﻠﻮج.
ﻛﺎن اﻟﻨﺎس ﻛﻠﻬﻢ ﯾﻨﺘﺸﺮون ﺑﯿﻦ أﺟﻮاء ﺧﻤﺮﯾﺔ ﺳﺎﺣﺮة ،ﺗﺘﻬﺎدى ﻋﻠﻰ ﺿﻔﺎف اﻟﻨﻬﺮ اﻟﻔﻀﻲ ..وﻓﻮق اﻟﺮواﺑﻲ
اﻟﺨﻀﺮ ..اﻟﻤﻄﺮزة ﺑﺄﺑﺪع ﻧﻘﻮش اﻟﺰﻫﻮر ،وﻓﻮق ﺳﻔﻮح ’’ ﺟﻮدي ‘‘ اﻟﻤﻔﺮوﺷﺔ ﺑﺄﺑﻬﻰ دﯾﺒﺎﺟﺔ ﻣﻦ اﻟﺴﻨﺪس
اﻟﻤﺘﺄﻟﻖ.
وﻛﻨﺖ ﺗﻨﻈﺮ إﻟﯿﻬﻢ ﻓﺘﻤﺘﺪ ﺑﻬﻢ اﻟﻌﯿﻦ ﻓﻲ اﻟﺠﻬﺎت اﻷرﺑﻊ ،ﺛﻢ ﻻ ﺗﻜﺎد ﺗﺒﻠﻎ اﻟﻨﻬﺎﯾﺔ .ﺗﺮاﻫﻢ ﺧﻠﯿﻄﺎ ﻣﺘﻀﺎرﺑﺎ ﻣﻦ ﺷﺘﻰ
اﻟﻄﺒﻘﺎت واﻷﺷﻜﺎل واﻻﺗﺠﺎﻫﺎت ،ﻗﺪ اﻣﺘﺰج ﻓﯿﻬﻢ اﻟﻐﻨﻲ واﻟﻔﻘﯿﺮ ،وﺗﺤﺎذى اﻟﺼﻐﯿﺮ واﻟﻜﺒﺮ وﺗﻼﻗﻰ اﻟﻤﺜﻘﻒ
واﻟﺠﺎﻫﻞ .ﻓﯿﻬﻢ اﻟﻌﺎﺷﻖ اﻟﺬي ﺟﺎء ﻟﯿﻐﻤﺮ ﺟﺮاح ﻗﻠﺒﻪ ﺑﻜﺆوس ﻣﻦ ﺧﻤﺮ اﻟﻨﺴﯿﺎن ..وﻓﯿﻬﻢ اﻟﺸﺎﻋﺮ اﻟﺬي أﻃﺮق
ﺧﺎﺷﻌﺎ ﯾﺮﻧﻮ إﻟﻰ اﻟﻔﺘﻨﺔ اﻟﺤﺎﻟﻤﺔ ،ﯾﺴﺘﻮﺣﻲ ﻣﻨﻬﺎ آﯾﺎت اﻹﻟﻬﺎم ،وﻓﯿﻬﻢ اﻟﻔﯿﻠﺴﻮف اﻟﺬي أﺳﺮﺗﻪ اﻟﺤﯿﺮة وﻣﻠﻜﻪ
اﻟﺬﻫﻮل ،ﻓﻬﻮى ﺳﺎﺟﺪا ﻟﺨﺎﻟﻖ ﻫﺬا اﻟﺴﺤﺮ واﻟﺠﻤﺎل!!...
وﻻ ﺑﺪع ..ﻓﺎﻟﻄﺒﯿﻌﺔ أﻣﻬﻢ ﺟﻤﯿﻌﺎ ﻣﻦ دون ﺗﻔﺮﯾﻖ ،ﺗﺤﻨﻮ ﻋﻠﯿﻬﻢ ﺣﻨﻮا واﺣﺪا وﺗﺒﺘﺴﻢ ﻟﻬﻢ اﺑﺘﺴﺎﻣﺔ واﺣﺪة ،
وﺗﺴﻘﯿﻬﻢ ﺣﻤﯿﺎﻫﺎ ﻣﻦ ﻛﺄس ﻻ ﺗﺨﺘﻠﻒ .ﻓﻠﻬﻢ ﺟﻤﯿﻌﺎ أن ﯾﺜﻤﻠﻮا اﻟﯿﻮم ﺑﺮﺣﯿﻘﻬﺎ وﯾﺮﻗﺼﻮا ﻓﻲ أﺣﻀﺎﻧﻬﺎ ،وأن ﯾﺠﺪ
ﻛﻞ ﻓﻲ ﺳﺮﻫﺎ دواء ﻗﻠﺒﻪ ،وﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﻣﻈﺎﻫﺮ اﻟﺠﻤﺎل اﻟﺰاﺋﻒ وأﺷﻜﺎﻟﻪ اﻟﻤﺼﻄﻨﻌﺔ أن ﺗﻨﺘﺒﺬ ﻋﻨﻬﻢ إﻟﻰ ﻣﻜﺎن ﻗﺼﻲ ..
ﻓﺎﻟﺨﻤﺮ ﻫﻨﺎ ﻟﯿﺲ إﻻ ﻣﺎ اﻋﺘﺼﺮ ﻣﻦ ﺷﺬاﻫﺎ ،واﻟﺠﻤﺎل ﻟﯿﺲ إﻻ ﻣﺎ اﻧﻌﻜﺲ ﻣﻦ ﺑﻬﺎﺋﻬﺎ...
وﻟﻜﻦ أﻣﺮا واﺣﺪا ﻏﯿﺮ ﻫﺬا اﺳﺘﻄﺎع أن ﯾﻠﻔﺖ ﻋﻘﻮل اﻟﻨﺎس ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﯿﻮم ﻓﻲ ﺣﯿﺮة ﺑﺎﻟﻐﺔ ،ﻓﻘﺪ ﻛﺎن ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﺠﻤﻊ
ﺷﺎﺑﺎن ﻟﻮ أن ﺗﻠﻚ اﻟﻄﺒﯿﻌﺔ اﻟﺨﻼﺑﺔ اﺳﺘﺠﻤﻌﺖ ﻛﻞ ﻓﺘﻨﻬﺎ وﺳﺤﺮﻫﺎ ﺛﻢ أرادت أن ﺗﻘﺬف ﺑﺠﻤﯿﻊ ذﻟﻚ إﻟﻰ اﻟﺪﻧﯿﺎ ﻓﻲ
ﻣﻈﻬﺮ ﺷﺎﺑﯿﻦ ﻓﯿﻬﻤﺎ ﻛﻞ ﺗﻠﻚ اﻟﻔﺘﻨﺔ وذﻟﻚ اﻟﺴﺤﺮ ﻟﻤﺎ اﺳﺘﻄﺎﻋﺖ أن ﺗﺠﻮد ﺑﺄﺑﺪع ﻣﻨﻬﺎ وأﺟﻤﻞ!!..
ﻛﺎﻧﺎ ﯾﺜﯿﺮان ﻋﻮاﺻﻒ اﻟﺪﻫﺸﺔ ﻟﺪى ﻛﻞ ﻣﻦ ﯾﻠﻤﺤﻬﻤﺎ ﻣﻤﺎ آﺗﺎﻫﻤﺎ اﷲ ﻣﻦ ذﻟﻚ اﻟﺠﻤﺎل اﻟﻐﺮﯾﺐ !!..وﻛﺎن ﻻ ﯾﻤﺮ أﺣﺪ
ﻣﻦ أوﻟﺌﻚ اﻟﺤﺸﺪ إﻻ وﻗﻔﺔ اﻟﺬﻫﻮل ﻓﺘﺮة ..ﻛﺄﻧﻤﺎ ﯾﺘﺴﺎﺋﻞ :ﻣﻦ ﻋﺴﻰ أن ﯾﻜﻮن ﻫﺬان اﻟﺸﺎﺑﺎن اﻟﻠﺬان ﻻ ﯾﺒﺪو ﻓﯿﻬﻤﺎ
ﺷﯿﺊ ﻣﻦ ﻛﺜﺎﻓﺔ اﻟﺪﻧﯿﺎ ..؟؟ أﻟﻌﻠﻬﻤﺎ ﻣﻠﻜﺎن ﻧﺰﻻ ﻣﻦ ﺳﻤﺎﺋﻬﻤﺎ ﻟﻠﻤﺸﺎرﻛﺔ ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﻌﯿﺪ ؟ !! أم ﻫﻤﺎ ﺗﻮأﻣﺎن ﻟﻬﺬه
اﻟﻄﺒﯿﻌﺔ اﻟﺨﻼﺑﺔ ..ﺟﺴﺪﺗﻬﻤﺎ ﻓﻲ ﻣﻈﻬﺮ ﻫﺬﯾﻦ اﻟﺸﺎﺑﯿﻦ ﻫﺪﯾﺔ إﻟﯿﻨﺎ وﺷﻜﺮا ﻻﺣﺘﻔﺎﺋﻨﺎ ﺑﻬﺎ ..؟!!
وﻟﻘﺪ ﻛﺎن ﻟﻬﻢ ﻓﻲ اﻟﻮاﻗﻊ أن ﯾﻌﺠﺒﻮا ﻛﻞ ذﻟﻚ ..ﻓﺈن ذﯾﻨﻚ اﻟﺸﺎﺑﯿﻦ ﻟﻢ ﯾﻜﻮﻧﺎ ﺳﻮى اﻷﻣﯿﺮﺗﯿﻦ ﺳﺘﻲ وزﯾﻦ !..ﺧﺮﺟﺘﺎ
ﺗﺸﺘﺮﻛﺎن ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻹﺣﺘﻔﺎل ﺑﻌﺪ أن ﺗﻨﻜﺮﺗﺎ ﻓﻲ ﻟﺒﺎس اﻟﺮﺟﺎل وأﺷﻜﺎﻟﻬﻢ ،ﻟﯿﺴﻬﻞ ﻋﻠﯿﻬﻤﺎ اﺳﺘﻌﺮاض ذﻟﻚ اﻟﺠﻤﻊ
اﻟﺤﺎﺷﺪ اﻟﺬي ﻗﺪ ﺗﺠﺪ ﻓﯿﻪ ﻛﻞ ﻣﻨﻬﻤﺎ ﻓﺘﻰ أﺣﻼﻣﻬﺎ ،واﻟﺸﺎب اﻟﻤﻼﺋﻢ ﻟﺠﻤﺎﻟﻬﺎ.
ﺑﯿﺪ أن اﻷﻣﯿﺮﺗﯿﻦ اﻟﻠﺘﯿﻦ ﺳﺤﺮﺗﺎ اﻷﻟﺒﺎب ﻟﻢ ﺗﺴﺘﻄﯿﻌﺎن اﻟﻌﺜﻮر ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﯿﻮم ﻋﻠﻰ أي ﺷﺎب ﺑﯿﻦ ذﻟﻚ اﻟﺠﻤﻊ اﻟﻐﻔﯿﺮ
ﯾﺴﺤﺮ ﻟﺒﻬﻤﺎ وﯾﺤﻮز إﻋﺠﺎﺑﻬﻤﺎ !!..إذ ﻛﺎﻧﺘﺎ ﺗﻨﻈﺮان إﻟﻰ ﻣﻌﻨﻰ اﻟﺠﻤﺎل ﺑﻤﻘﯿﺎﺳﻬﻤﺎ اﻟﺨﺎص ،وﺗﻘﺪرﻧﺎه ﺑﺎﻟﻨﻈﺮ
ﻟﻠﻤﻌﺠﺰة اﻟﺘﻲ اﺧﺘﺼﻬﻤﺎ اﻟﺨﻼق ﺑﻬﺎ ! وأﻧﻰ ﻟﻠﻤﻌﺠﺰة اﻟﺨﺎرﻗﺔ أن ﺗﻈﻬﺮ ﻫﻨﺎ وﻫﻨﺎك ؟ وﻛﯿﻒ ﯾﺘﺄﻧﻰ ﻟﻠﻤﺜﻞ اﻷﻋﻠﻰ
أن ﯾﺘﺨﺬ ﻣﻈﻬﺮه ﻓﻲ أﻓﺮاد ﻋﺪﯾﺪة ..ﻛﺄي ﺷﻲء آﺧﺮ ﻏﯿﺮ ﻣﻌﺠﺰ أو ﻏﺮﯾﺐ ..؟!
وﻫﻜﺬا ﻇﻞ اﻟﻨﺎس ﺑﯿﺎض ﻧﻬﺎرﻫﻢ ذاك ﯾﻠﻬﻮن وﯾﻤﺮﺣﻮن ﻋﻠﻰ ﺷﻄﺂن اﻷﻧﻬﺎر وﺑﯿﻦ اﻟﻮرود واﻷزﻫﺎر ،وﻓﻮق اﻵﻛﺎم
واﻟﺘﻼل وﺗﺤﺖ ﻇﻼل اﻷﺷﺠﺎر ،إﻟﻰ أن ﻫﺐ اﻟﻨﻬﺎر ﻟﯿﺪﺑﺮ ،وأﺧﺬت أﺷﻌﺔ اﻟﺸﻤﺲ ﺗﺘﻘﻠﺺ ﻧﺤﻮ اﻟﻤﻐﯿﺐ ،وﻇﻬﺮت
ﻇﻼل اﻟﺮواﺑﻲ واﻷﺷﺠﺎر ﺷﺎﺣﺒﺔ ﻣﺘﻄﺎوﻟﺔ ﺑﯿﻦ اﻟﺤﺸﺎﺋﺶ واﻷزﻫﺎر ،وأﺧﺬت اﻟﺸﻤﺲ ﺗﺮﻧﻮ إﻟﯿﻬﻢ ﻣﻦ ﻓﻮق
ﻣﻨﺤﺪرﻫﺎ ﺻﻔﺮاء ذاوﯾﺔ ،ﺗﺤﯿﯿﻬﻢ ﺗﺤﯿﺔ اﻟﻮداع وﺗﻮﻗﻈﻬﻢ ﻣﻦ ﻏﻤﺰة اﻟﺨﯿﺎل اﻟﺤﺎﻟﻢ إﻟﻰ ﻣﻮاﺟﻬﺔ اﻟﺤﻘﯿﻘﺔ ..اﻟﺤﻘﯿﻘﺔ
اﻟﺘﻲ ﺗﻄﺒﻊ ﻛﻞ ﺷﻲء ﺑﻄﺎﺑﻊ اﻟﺰوال واﻟﻔﻨﺎء ،وﺗﺤﺮﻣﻪ ﻣﻦ ﻋﻈﻤﺔ اﻟﺨﻠﻮد واﻟﺒﻘﺎء.
وﻣﻊ ﺗﻠﻚ اﻟﺘﺤﯿﺔ اﻟﺘﻲ راﺣﺖ اﻟﺸﻤﺲ ﺗﻠﻮح إﻟﯿﻬﻢ ﺑﻬﺎ ﻗﺎم اﻟﻨﺎس ﺟﻤﯿﻌﺎ ﻣﻨﺼﺮﻓﯿﻦ إﻟﻰ دورﻫﻢ.
وﻋﻨﺪ اﻟﺮﺟﻮع ﺣﯿﺚ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻄﺮق واﻟﺸﻌﺎب ﺗﻬﺪر ﺑﺘﻠﻚ اﻟﺠﻤﻮع ﻣﻦ اﻟﺮﺟﺎل واﻟﻨﺴﺎء واﻟﻮﻟﺪان ،ﻋﺎﺋﺪﯾﻦ إﻟﻰ
ﺑﯿﻮﺗﻬﻢ ،وﻗﺪ اﻧﺤﺎزت اﻷﻣﯿﺮﺗﺎن ﻓﻲ ﺳﯿﺮﻫﻤﺎ إﻟﻰ ﻃﺮﯾﻖ ﺑﻌﯿﺪة ﻗﻠﯿﻼ ﻋﻦ زﺣﺎم أوﻟﺌﻚ اﻟﻨﺴﺎء اﻟﻠﻮاﺗﻲ اﻣﺘﺰﺟﻦ ﻣﻊ
اﻟﺮﺟﺎل ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﻄﺮﯾﻖ ،ﺣﺪث اﻣﺮ ﻏﺮﯾﺐ!!!...
ﻓﻘﺪ اﻧﺘﺒﻬﺖ اﻷﻣﯿﺮﺗﺎن إﻟﻰ أن ﻓﺘﺎﺗﯿﻦ ﻣﻦ ﺑﯿﻦ ذﻟﻚ اﻟﺤﺸﺪ ﺗﻘﺒﻼن ﻧﺤﻮﻫﻤﺎ ﻓﻲ ﺧﻄﻰ ﻣﺘﻌﺜﺮة ووﺟﻬﯿﻦ ﻣﺸﺪوﻫﯿﻦ !..
ﻓﺄﺣﺮﺟﺘﺎ ..وﻟﻚ ﺗﺸﻜﺎ ﻓﻲ أﻧﻬﻤﺎ ﻓﺘﺎﺗﯿﻦ ﻗﺪ ﻋﺮﻓﺘﻨﺎ وأﻟﻤﺘﺎ ﺑﺄﻣﺮﻫﻤﺎ.
وﻟﻜﻦ اﻟﻔﺘﺎﺗﯿﻦ ﻣﺎ إن دﻧﺘﺎ ﻣﻨﻬﻤﺎ ﺣﺘﻰ أﺻﺎﺑﻬﻤﺎ ﻣﺎ ﯾﺸﺒﻪ اﻟﺪوار ،وﻇﻠﺘﺎ ﺗﺘﻘﺪﻣﺎن إﻟﯿﻬﻤﺎ ،ﺛﻢ وﻗﻔﺘﺎ أﻣﺎﻣﻬﻤﺎ ،
وﺷﺨﺼﺖ ﻋﯿﻨﺎﻫﻤﺎ ﻓﻲ ﺷﻜﻠﯿﻬﻤﺎ ،ﺛﻢ أﺧﺬت ﺗﺘﺮﻧﺢ ﻣﻦ ﻛﻞ ﻣﻨﻬﻤﺎ اﻟﻘﺎﻣﺔ ...ﺛﻢ ﺳﻘﻄﺖ ﻛﻞ ﻣﻨﻬﻤﺎ ﻋﻠﻰ اﻷرض
اﻟﻮاﺣﺪة ﺗﻠﻮ اﻷﺧﺮى ،ﻓﻲ ﻏﯿﺒﻮﯾﺔ ﻛﺎﻣﻠﺔ ﻋﻦ اﻟﺪﻧﯿﺎ وﻣﺎ ﻓﯿﻬﺎ!..
أﻣﺎ اﻷﻣﯿﺮﺗﺎن ﻓﻘﺪ اﻧﺘﺎﺑﻬﻤﺎ ذﻫﻮل ﺷﺪﯾﺪ ﻟﺬﻟﻚ وﺗﻌﻠﻘﺘﺎ ﺑﻤﻌﺮﻓﺔ ﺗﯿﻨﻚ اﻟﺠﺎرﯾﺘﯿﻦ وﻣﻦ ﻋﺴﻰ ﺗﻜﻮﻧﺎن ..وﻣﻦ أي ﻃﺒﻘﺔ
ﻫﻤﺎ ..؟ وﻟﻜﻨﻬﻤﺎ ﺧﺸﯿﺘﺎ ﻷن ﺗﻘﻔﺎ ﻗﻠﯿﻼ إﻟﻰ ﺟﺎﻧﺒﻬﻤﺎ ﻟﻠﻮﻗﻮف ﻋﻠﻰ ﺳﺮﻫﻤﺎ ،ﻓﯿﻠﻔﺖ ذﻟﻚ ﻧﻈﺮ اﻟﻨﺎس اﻟﺬﯾﻦ ﯾﻤﺮون
ﻋﻠﻰ ﻣﻘﺮﺑﺔ ﻣﻨﻬﻤﺎ وﯾﺠﺘﻤﻌﻮا ﻋﻠﯿﻬﻢ ..ﻓﺘﻈﺎﻫﺮﺗﺎ ﺑﻌﺪ اﻻﻧﺘﺒﺎه إﻟﻰ ﺷﻲء ﻏﯿﺮ ﻃﺒﯿﻌﻲ وأﺧﺬﺗﺎ ﺗﻮاﺻﻼن ﺳﯿﺮﻫﻤﺎ ﻏﯿﺮ
ﻣﻜﺘﺮﺛﺘﯿﻦ ..ﺣﺘﻰ إذا اﺑﺘﻌﺪ اﻟﻨﺎس ﻋﻦ ﻣﻜﺎن اﻟﺠﺎرﯾﺘﯿﻦ وأدرﻛﺘﺎ أن اﻟﺠﻤﻮع ﻗﺪ ﺗﺠﺎوزﺗﻬﻤﺎ ﻋﺎدﺗﺎ أدراﺟﻬﻤﺎ ﺧﻠﺴﺔ
إﻟﻰ ﻣﺼﺮﻋﻬﻤﺎ وﻗﺪ داﺧﻠﺘﻬﻤﺎ رﺣﻤﺔ وﺷﻔﻘﺔ ﺷﺪﯾﺪة ﻋﻠﯿﻬﻤﺎ.
ووﺻﻠﺘﺎ إﻟﻰ ﻣﻜﺎﻧﻬﻤﺎ ..وﻫﻤﺎ ﻻ ﺗﺰاﻻن ﻓﻲ ﻏﺸﯿﺘﻬﻤﺎ ﺗﻠﻚ ،ﻓﺠﻠﺴﺘﺎ إﻟﻰ ﺟﺎﻧﺒﻬﻤﺎ ﺗﺴﺮﺣﺎن اﻟﻨﻈﺮ ﻓﻲ ﻣﻼﻣﺤﻬﻤﺎ ،
وﺗﻤﻌﻨﺎن ﻓﻲ ﺷﻜﻞ ﻛﻞ ﻣﻨﻬﻤﺎ وﻫﯿﺌﺘﻬﻤﺎ اﻟﺘﻲ ﻗﺪ ﺗﻜﺸﻒ ﻟﻬﻤﺎ اﻟﺴﺘﺎر ﻋﻦ ﺷﺨﺼﯿﺘﻬﻤﺎ وﻟﻌﻠﻬﻤﺎ ﺗﺬﻛﺮان أﺗﻌﺮﻓﺎﻧﻬﻤﺎ أم
ﻻ ؟ ..وﻟﻜﻨﻬﻤﺎ ﻟﻢ ﺗﻌﺮﻓﺎ ﻋﻨﻬﻤﺎ ﺷﯿﺌﺎ ،وﻟﻢ ﺗﺴﺘﻄﻊ إﺣﺪاﻫﻤﺎ أن ﺗﺘﺬﻛﺮ أﻧﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ رأﺗﻬﻤﺎ أو رأت واﺣﺪة ﻣﻨﻬﻤﺎ ﻓﻲ
ﯾﻮم ﻣﺎ ﻓﻲ أي ﻣﻜﺎن!.
ﻛﺎﻧﺖ ﻋﻠﻰ وﺟﻪ ﻛﻞ ﻣﻨﻬﻤﺎ ﻣﺴﺤﺔ راﺋﻌﺔ ﻣﻦ اﻟﺠﻤﺎل ﻣﺸﻮب ﺑﺴﯿﻤﺎ اﻟﺠﻼل وﻣﻌﻨﻰ اﻟﻌﺰة .ﻣﻤﺎ ﯾﺪل ﻋﻠﻰ أﻧﻬﻤﺎ
ﺗﺘﻤﺘﻌﺎن ﺑﻤﻜﺎﻧﺔ ذات ﺳﻤﻮ !..وﻛﺎﻧﺖ ﺛﯿﺎﺑﻬﻤﺎ ﻣﺘﺸﺎﺑﻬﺔ ﻓﻲ ﻃﺮازﻫﺎ وﺷﻜﻠﻬﺎ ،ﻣﻤﺎ ﯾﺪل ﻋﻠﻰ أﻧﻬﻤﺎ ﺷﻘﯿﻘﺘﺎن أو
ﻗﺮﯾﺒﺘﺎن ..أﻣﺎ أﻧﺎﻗﺔ ذﻟﻚ اﻟﻬﻨﺪام وﺑﺪاﻋﺔ وﺷﯿﻪ وﻃﺮزه ﻓﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺪل دﻻﻟﺔ واﺿﺤﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﺒﻠﻎ اﻟﻨﻌﻤﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺘﻘﻠﺒﺎن
ﻓﯿﻬﺎ!!..
وأﺧﺬت اﻷﻣﯿﺮﺗﺎن ﺗﺮﻧﻮان اﻟﯿﻬﻤﺎ ﺑﻌﯿﻦ ﻣﻦ اﻷﺳﻰ واﻹﺷﻔﺎق ،وﻫﻤﺎ ﻣﻄﺮوﺣﺘﺎن ﻓﻮق ﺗﻠﻚ اﻷرض ،وﻗﺪ ﻏﻤﺮ ﻛﻞ
ﻣﻨﻬﻤﺎ اﻹﺣﺴﺎس ﻓﻲ ﺑﺤﺮ ﻟ ﺠﻲ ﻣﻦ اﻟﺬﻫﻮل اﻟﻤﻄﺒﻖ .وﻟﯿﺲ ﻣﻦ ﺣﺮﻛﺔ ﻓﯿﻬﻤﺎ إﻻ ﺗﻨﻔﺲ اﻟﺼﻌﺪاء اﻟﺬي ﯾﻤﺮ ﻓﻲ
ﺻﺪرﻫﻤﺎ ﺟﯿﺌﺔ وذﻫﺎﺑﺎ .وراح ذﻟﻚ اﻹﺷﻔﺎق ﯾﺴﺘﺤﯿﻞ ﺗﺪرﯾﺠﺎ ﺑﻘﺪرة ﺧﺎﻟﻖ اﻷرواح إﻟﻰ ﺣﺐ ﻏﺮﯾﺐ ﻏﯿﺮ ﻣﻔﻬﻮم!!.
وأﺧﺬت ﻧﻈﺮاﺗﻬﻤﺎ وﻫﻤﺎ ﺟﺎﻟﺴﺘﺎن إﻟﻰ ﺟﺎﻧﺒﻬﻤﺎ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﺒﯿﺪاء ﺗﺘﺴﺎﺋﻞ ﻓﻲ ﻋﺠﺐ :أي روض ﺗﺮى إﺧﻀﺮ ﻓﯿﻪ
ﻫﺬان اﻟﻐﺼﻨﺎن ؟ وﻓﻲ أي ﺧﻤﯿﻠﺔ ﺗﻔﺘﺤﺖ ﻫﺎﺗﺎن اﻟﻮردﺗﺎن !.؟ أم أي اﻟﺠﺪاول واﻟﻐﺪران أﻛﺴﺒﺘﻬﻤﺎ ﺳﺤﺮﻫﺎ ؟!!
وﻟﻢ ﯾﻄﻞ ﺟﻠﻮﺳﻬﻤﺎ ..ﻓﻘﺪ ﻟﻤﺤﺘﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﺒﻌﺪ ﻓﺮﺳﺎﻧﺎ ﺗﺠﺮي ﺑﻬﻢ اﻟﺨﯿﻮل ﻓﻲ ﺑﻌﺾ ﺗﻠﻚ اﻟﺸﻌﺎب ﺑﺎﺗﺠﺎه اﻟﻤﺪﯾﻨﺔ .
ﻓﺄدرﻛﺘﺎ أﻧﻬﻢ اﻷﻣﯿﺮ وﺻﺤﺒﻪ ﻋﺎﺋﺪﯾﻦ ﻣﻦ اﻟﺼﯿﺪ ،وﺗﺬﻛﺮﺗﺎ أن ﻣﻦ اﻷﻧﺴﺐ ﻋﻮدﺗﻬﻤﺎ إﻟﻰ اﻟﻘﺼﺮ ﻗﺒﻞ وﺻﻮل اﻷﻣﯿﺮ
.ﻓﻨﻬﻀﺘﺎ ﺗﻮدﻋﺎن اﻟﺠﺎرﯾﺘﯿﻦ اﻟﻠﺘﯿﻦ ﻟﻢ ﺗﺰاﻻ ﻓﻲ ﻏﯿﺒﺔ ﻋﻦ رﺷﺪﻫﻤﺎ ،ﺑﻌﺪ أن ﻋﻤﺪت ﻛﻞ ﻣﻨﻬﻤﺎ إﻟﻰ اﻟﺨﺎﺗﻢ اﻟﻨﺎدر
اﻟﺜﻤﯿﻦ اﻟﺬي ﯾﺘﻸﻷ ﻓﻲ أﺻﺒﻌﻬﻤﺎ ،واﻟﺬي ﻧﻘﺸﺖ ﻋﻠﯿﻪ ﺑﻮﺷﻲ دﻗﯿﻖ راﺋﻊ ﻣﻦ ﺣﺠﺎرة اﻟﻤﺎس واﻟﯿﺎﻗﻮت اﺳﻢ
ﺻﺎﺣﺒﺘﻪ ﻓﺄﻟﺒﺴﺘﻪ إﺻﺒﻊ ﻛﻞ ﻣﻦ اﻟﺠﺎرﯾﺘﯿﻦ ،واﺳﺘﺒﺪﻟﺘﺎ ﺑﻪ ﺧﺎﺗﻤﯿﻦ ﺑﺴﯿﻄﯿﻦ ﻛﺎﻧﺘﺎ ﻓﻲ ﯾﺪ ﻛﻞ ﻣﻨﻬﻤﺎ ،ﻟﯿﻨﻮب ذﻟﻚ
ﻋﻨﻬﻤﺎ ﻓﻲ اﻟﺘﻌﺒﯿﺮ ﻋﻦ ﺗﻘﺪﯾﺮﻫﻤﺎ واﻟﻌﻄﻒ ﻋﻠﯿﻬﻤﺎ ،ﺛﻢ ﻟﯿﻜﻮن وﺳﯿﻠﺔ ﻟﻬﻤﺎ ﻓﯿﻤﺎ ﺑﻌﺪ إﻟﻰ ﻣﻌﺮﻓﺘﻬﻤﺎ واﻹﻫﺘﺪاء إﻟﻰ
أﺻﻠﻬﻤﺎ .وﻫﻜﺬا ﻣﻀﺖ اﻷﻣﯿﺮﺗﺎن ﺑﻌﺪ أن اﺳﺘﻌﺎﺿﺘﺎ ﻋﻦ اﻟﺪر واﻷﻟﻤﺎس اﻟﻨﺎدرﯾﻦ ﺧﺮزا وزﺟﺎﺟﺎ ﺑﺴﯿﻄﯿﻦ
*ﻋﯿﺪ اﻟﺮﺑﯿﻊ اﻟﺬي أﺷﺎر اﻟﯿﻪ اﻟﺨﺎﻧﻲ ھﻨﺎ ھﻮ ﻋﯿﺪ ﻧﻮروز ..ﻳﺤﺘﻔﻞ ﺑﻪ اﻷﻛﺮاد واﻟﻔﺮس ﻓﻲ اﻟﺤﺎدي واﻟﻌﺸﺮﻳﻦ
ﻣﻦ آذار ﻣﻦ ﻛﻞ ﺳﻨﺔ ...ﻳﺤﺘﻔﻞ ﺑﻪ أﺑﻨﺎء اﻟﺸﻌﺐ اﻟﻜﺮدي ﺑﺎﻟﺨﺮوج إﻟﻰ اﻟﻄﺒﯿﻌﺔ ﻣﺘﺰﻳﻨﯿﻦ ﺑﺎﻟﺤﻠﻰ اﻟﻔﻠﻜﻠﻮرﻳﺔ
...ﻳﻌﻘﺪون ﺣﻠﻘﺎت اﻟﺮﻗﺺ واﻟﺪﺑﻜﺎت ..وﻳﺸﻌﻠﻮن اﻟﻨﺎر اﻟﺘﻲ ﺗﺮﻣﺰ إﻟﻰ اﻟﻨﺎر اﻟﺘﻲ أﺷﻌﻠﮫﺎ ) ﻛﺎوا اﻟﺤﺪاد ( ﻗﺒﻞ
آﻻف اﻟﺴﻨﯿﻦ ﻣﻌﻠﻨﺎ ﻧﮫﺎﻳﺔ اﻟﻈﻠﻢ واﻹﺳﺘﺒﺪاد ..رﻣﺰا ﻟﻠﻨﺼﺮ واﻟﺘﺤﺮر.
ﺳﺮ اﻟﺠﺎرﻳﺘﯿﻦ
ﻟﻢ ﺗﻜﻦ اﻟﺠﺎرﯾﺘﺎن اﻟﻠﺘﺎن ﻛﺎن ﻣﻦ أﻣﺮﻫﻤﺎ ﻣﺎ ﺣﺪث ﻣﻦ اﻟﺼﺪﻣﺔ واﻟﺬﻫﻮل اﻣﺮأﺗﺎن ﻛﻤﺎ ﺗﺒﺪوان !..وإﻧﻤﺎ ﻛﺎﻧﺎ ﺷﺎﺑﯿﻦ
ﺑﺎرزﯾﻦ ﻣﻦ رﺟﺎل دﯾﻮان اﻷﻣﯿﺮ ! ﻛﺎن أﺣﺪﻫﻤﺎ اﺑﻦ اﻟﻮزﯾﺮ اﻷول اﺳﻤﻪ ) ﺗﺎج اﻟﺪﯾﻦ ( ،وواﺣﺪا ﻣﻦ أﺷﻘﺎء ﺛﻼﺛﺔ
ﻋﺮﻓﻮا ﻣﻦ ﺑﯿﻦ ﺳﺎﺋﺮ اﻟﺤﺎﺷﯿﺔ ﺑﺎﻟﻨﺠﺪة واﻟﺸﺠﺎﻋﺔ اﻟﺨﺎرﻗﺔ ،واﻗﺘﺮﻧﺖ أﺳﻤﺎؤﻫﻢ ﻓﻲ أﻧﺤﺎء اﻟﺠﺰﯾﺮ ﻛﻠﻬﺎ ﺑﺎﻟﻬﯿﺒﺔ
واﻹﺟﻼل ،وﻛﺎن ﻟﻸﻣﯿﺮ اﻋﺘﻤﺎد ﺑﺎﻟﻎ ﻋﻠﯿﻬﻢ ﻓﻲ ﻛﺜﯿﺮ ﻣﻦ ﻇﺮوﻓﻪ اﻟﺨﺎﺻﺔ واﻟﻤﻨﺎﺳﺒﺎت .وﻛﺎن اﺳﻢ أﺣﺪ ﺷﻘﯿﻘﻲ ﻫﺬا
اﻟﺸﺎب ) ﻋﺎرف ( واﻟﺜﺎﻧﻲ ) ﺟﻜﻮ) .
وأﻣﺎ اﻵﺧﺮ ﻓﻜﺎن أﺣﺪ ﺳﻜﺮﺗﯿﺮﯾﺔ اﻟﺪﯾﻮان ﯾﻘﺎل ﻟﻪ ) ﻣﻤﻮ ( وﻛﺎن اﻟﺼﻔﻲ اﻟﻮﺣﯿﺪ ﻟﺘﺎج اﻟﺪﯾﻦ ﻣﻦ ﺑﯿﻦ ﺷﻘﯿﻘﯿﻪ وﺳﺎﺋﺮ
أﺻﺤﺎﺑﻪ ،ﻗﺪ ﺟﻌﻞ اﷲ ﺑﯿﻨﻬﻤﺎ ﻣﻦ اﻟﻤﻮدة واﻹﺧﺎء ﻣﺎ ﯾﻨﺪر اﺗﻔﺎق ﻣﺜﻠﻪ ﺑﯿﻦ أي أﺧﻮﯾﻦ أو ﺻﺪﯾﻘﯿﻦ .وﻟﻌﻞ اﻟﺬي
ﺟﻤﻌﻬﻤﺎ ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ اﻟﺘﺤﺎﺑﺐ واﻹﺧﺎء ﻣﺎ ﻋﺮﻓﺎ ﺑﻪ ﻣﻦ ﺗﻌﻠﻘﻬﻤﺎ اﻟﺸﺪﯾﺪ ﻟﻠﺠﻤﺎل .ﻓﻘﺪ ﻛﺎﻧﺎ ﻣﻮﻟﻬﯿﻦ ﺑﻪ وﻟﻬﺎ ﻋﺠﯿﺒﺎ ﻓﻲ
ﻛﻞ ﺻﻮره وﻣﻈﺎﻫﺮه ،وﻛﺎن ﯾﺒﻠﻎ ﺑﻬﻤﺎ اﻟﺘﺄﺛﺮ ﺑﺤﻘﯿﻘﺘﻪ ﻣﺒﻠﻐﺎ ﻓﻮق ﻣﺎ ﻫﻮ ﻣﻌﺘﺎد أو ﻃﺒﯿﻌﻲ ،ﻛﻤﺎ ﻛﺎﻧﺎ ﻓﻲ ﺷﻮق
ﺷﺪﯾﺪ إﻟﻰ أن ﯾﻠﻤﺤﺎ وﻟﻮ ﻣﺮة ﻓﻲ اﻟﻌﻤﺮ ﻫﺎﺗﯿﻦ اﻷﻣﯿﺮﺗﯿﻦ اﻟﻠﺘﯿﻦ ذاع ﺟﻤﺎﻟﻬﻤﺎ ﻓﻲ ﻣﻌﻈﻢ ﺟﻬﺎت ﻛﺮدﺳﺘﺎن وﺑﻘﺎﻋﻬﺎ.
وﻗﺪ ﻛﺎن ﻫﺬا ﻫﻮ اﻟﺬي دﻋﺎﻫﻤﺎ ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﯿﻮم إﻟﻰ اﻟﺘﻨﻜﺮ ﻓﻲ ﻟﺒﺎس اﻟﻨﺴﺎء وﻫﯿﺄﺗﻬﻦ واﻟﻈﻬﻮر ﺑﻤﻈﻬﺮﻫﻦ ،ﻓﺎﺳﺘﺒﺪل
ﻛﻞ ﻣﻨﻬﻤﺎ ﻋﻦ ﺣﻠﺘﻪ ﺑﻐﻼﻟﺔ ﺣﺮﯾﺮﯾﺔ ﻣﻦ أﻓﺨﺮ أﻧﻮاع اﻹﺳﺘﺒﺮق ،وﺗﻤﻨﻄﻖ ﻓﻲ وﺳﻄﻪ ﺑﻤﻨﻄﻘﺔ ﻣﺰرﻛﺸﺔ ﻣﻦ أﻓﺨﺮ ﻣﺎ
ﺗﺤﻮﯾﻪ اﻟﻐﺎﻧﯿﺎت اﻟﻔﺎﺗﻨﺎت .ﻛﻤﺎ ﻟﻒ ﻛﻞ ﻣﻨﻬﻤﺎ ﻋﻠﻰ رأﺳﻪ ﻣﻌﺠﺰا راﺋﻌﺎ ﺗﺘﺪﻟﻰ ﻣﻦ ﺳﺎﺋﺮ ﺣﻮاﺷﯿﻪ ﺧﯿﻮﻃﻪ اﻟﺤﺮﯾﺮﯾﺔ
اﻟﻨﺎﻋﻤﺔ ،وﺣﺒﻜﻪ ﻓﻮق ﺟﺒﯿﻨﻪ ﺣﺒﻜﺎ ﻓﺎﺗﻨﺎ ﻋﻠﻰ ﻧﺤﻮ ﻣﺎ ﺗﻔﻌﻠﻪ ﻓﺘﯿﺎت اﻷﻛﺮاد ،وﺗﺮك ﺧﺼﻼ ﻣﻦ ﺷﻌﺮه اﻟﻄﻮﯾﻞ ﺗﺒﺮز
ﻣﻦ ﻓﻮق اﻟﺼﺪﻏﯿﻦ ،ﻛﺄﻧﻬﻤﺎ ﺳﺎﻟﻔﺎن راﺋﻌﺎن ﯾﻈﻬﺮان ﻣﻦ ﺗﺤﺖ ذﻟﻚ اﻟﻤﻌﺠﺰ اﻟﺒﺪﯾﻊ .ﺛﻢ اﻧﻄﻠﻘﺎ ﯾﺴﺘﻌﺮﺿﺎن اﻟﺠﻤﺎل
ﻓﻲ ﻛﻼ ﻣﻈﻬﺮﯾﻪ ،ﻣﻈﻬﺮ اﻟﻄﺒﯿﻌﺔ اﻟﺤﺎﻟﻤﺔ واﻟﻤﺮوج اﻟﺒﺪﯾﻌﺔ ،وﻣﻈﻬﺮ اﻟﻮﺟﻮه اﻟﻔﺎﺗﻨﺔ واﻟﻠﺤﺎظ اﻟﺴﺎﺣﺮة ،وﻛﺎن
أﻛﺒﺮه ﻫﻤﻬﻤﺎ ﻫﻮ اﺳﺘﺠﻼء ﺟﻤﺎل ﺗﯿﻨﻚ اﻷﻣﯿﺮﺗﯿﻦ اﻟﻠﺘﯿﻦ ﺳﺤﺮﺗﺎ اﻟﺠﺰﯾﺮة ﺑﺎﺳﻤﯿﻬﻤﺎ ،وﻣﺎ زاﻻ ﻣﻨﺬ أﻣﺪ ﺑﻌﯿﺪ
ﯾﺘﺮﻗﺒﺎن اﻟﻔﺮص اﻟﺴﺎﻧﺤﺔ ﻟﺮؤﯾﺘﻬﻤﺎ.
وﻓﻲ أﺛﻨﺎء رﺟﻮﻋﻬﻤﺎ ﻣﻊ اﻟﻨﺎس ﻛﺎﻧﺎ ﻗﺪ اﻧﺘﺸﯿﺎ ﺑﺮوح اﻟﺠﻤﺎل وﺛﻤﻞ ﻋﻘﻞ ﻛﻞ ﻣﻨﻬﻤﺎ ﺑﺨﻤﺮه ،ﻓﻜﺎن ﻟﺮؤﯾﺘﻬﻤﺎ ﻓﻲ
ﺗﻠﻚ اﻟﺴﺎﻋﺔ ﻓﻌﻞ اﻟﻄﻌﻨﺔ اﻟﻘﺎﺿﯿﺔ اﻟﺘﻲ ﺻﺪﻋﺖ ﻗﻠﺒﯿﻬﻤﺎ .وﻟﻢ ﯾﻜﻦ ذﻟﻚ ﻛﻠﻪ ﻟﯿﻔﻘﺪﻫﻤﺎ اﻟﺮﺷﺪ واﻹدراك ﻟﻮﻻ أن
ﺣﻘﯿﻘﺔ روﺣﺎﻧﯿﺔ أﺟﻞﱠ ﻣﻦ ذﻟﻚ ﺳﺎورﺗﻬﻤﺎ وﻃﻐﺖ ﻋﻠﻰ ﻣﺸﺎﻋﺮﻫﻤﺎ .ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻠﻚ اﻟﺤﻘﯿﻘﺔ ﻫﻲ اﻟﺤﺐ ..اﻟﺤﺐ اﻟﺮوﺣﺎﻧﻲ
اﻟﺨﺎﻟﺺ اﻟﺬي ﯾﺘﺴﺎﻣﻰ ﻋﻠﻰ اﻹﻋﺘﺒﺎرات اﻟﺠﺴﺪﯾﺔ ،وﺗﻌﺎﻟﻰ ﻓﻮق ﺣﻘﯿﻘﺔ اﻟﺠﻨﺴﯿﺔ ﻣﻦ ذﻛﻮرة وأﻧﻮﺛﺔ .ﻓﻘﺪ ﻣﺲ ﻛﻞ
ﻣﻦ ﻛﻠﯿﻬﻤﺎ ﺳﻮﯾﺪاء ﻗﻠﺒﻪ ،واﻧﻄﻠﻖ ﺗﯿﺎره اﻟﺨﻔﺎق ﻣﻨﺒﻌﺜﺄ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﺪاﺧﻞ اﻟﺮوح اﻷﺧﺮى اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻌﻠﻘﺖ ﺑﻬﺎ ﻣﻨﺬ
اﻷزل ،ﺛﻢ ﺿﻠﺖ ﻋﻨﻪ ﻓﻲ ﻣﻨﺤﺪرﻫﻤﺎ إﻟﻰ ﺧﻀﻢ ﻫﺬا اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﻤﺘﻼﻃﻢ ،ﺣﯿﺚ ﻃﻔﻘﺖ ﺗﺒﺤﺚ ﻋﻨﻬﻤﺎ ﺑﯿﻦ ﺻﻮر اﻟﻄﺒﯿﻌﺔ
واﻷزﻫﺎر .وﺗﺼﻐﻲ إﻟﻰ ﺻﻮﺗﻬﺎ ﻓﻲ ﻏﻨﺎء اﻟﻌﻨﺎدل واﻷﻃﯿﺎر ،وﺗﻔﺘﺶ ﻋﻦ ﻣﻈﻬﺮﻫﺎ ﻓﻲ اﻟﻮﺟﻮه واﻷﺷﻜﺎل ،إﻟﻰ أن
اﻟﺘﻘﺖ ﺑﻬﺎ اﻟﯿﻮم ﺑﻌﺪ اﻟﺸﻮق اﻟﻤﺴﺘﻌﺮ واﻟﻔﺮاق اﻟﻄﻮﯾﻞ .ﻓﻼ ﻏﺮاﺑﺔ أن ﺗﺬﻫﻞ اﻟﺮوح ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﺴﺎﻋﺔ ﻋﻦ ﺟﺴﻤﻬﺎ ،
وﻻ ﻋﺠﺐ ﺣﯿﻨﺌﺬ ﻟﻠﻌﯿﻦ أن ﺗﺸﺨﺺ وﻟﻠﻌﻘﻞ أن ﯾﺘﺒﺪد وﻟﻺﺣﺴﺎس أن ﯾﻐﯿﺾ .وﻻ ﻏﺮاﺑﺔ أن ﯾﺘﻐﻠﺐ اﻟﺤﺐ ..ﻓﯿﺼﺮع
ذﯾﻨﻚ اﻟﻔﺎرﺳﯿﻦ وﯾﻄﺮﺣﻬﻤﺎ ﻛﻔﺮاﺷﺔ ﺑﯿﻦ أذﯾﺎل اﻟﻠﻬﺐ.
وﺑﻌﺪ ﻫﺰﯾﻊ ﻃﻮﯾﻞ ﻣﻀﻰ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﻠﯿﻠﺔ ،اﺳﺘﻄﺎع اﻟﺠﺴﻢ أن ﯾﻠﻔﺖ إﻟﯿﻪ روﺣﻪ وﯾﺴﺘﻌﯿﺪﻫﺎ ﻣﺮة أﺧﺮى ،ﻛﻤﺎ
اﺳﺘﻄﺎع اﻟﻌﻘﻞ أن ﯾﺴﺘﯿﻘﻆ وﯾﺆوب إﻟﻰ رﺷﺪه.
واﺳﺘﯿﻘﻆ ﻣﻤﻮ وﺗﺎج اﻟﺪﯾﻦ ﻣﻦ ﻏﯿﺒﻮﺑﺘﻬﻤﺎ ﻟﯿﺠﺪ ﻛﻞ ﻣﻨﻬﻤﺎ ﻧﻔﺴﻪ ﻣﻨﻄﺮﺣﺎ ﺑﯿﻦ ﺗﻼﻓﯿﻒ ﻟﯿﻞ أﺳﻮد ﻣﻈﻠﻢ ﻗﺪ ﺗﻮارت
ﻣﻦ ﺳﻤﺎﺋﻪ اﻟﻨﺠﻮم ،ﻓﻲ ﻓﻼة ﺧﺎﺷﻌﺔ ﻻ ﺗﺠﻮب ﻋﻠﻰ أرﺿﻬﺎ ﻗﺪم ،وﻻ ﯾﺮﻓﺮف ﻓﻲ ﺳﻤﺎﺋﻬﺎ ﺟﻨﺎح .وﻗﺪ أﻃﺒﻖ
ﻋﻠﯿﻬﻤﺎ ﺟﻮﱞ ﻣﻦ اﻟﻨﺴﯿﺎن واﻟﺬﻫﻮل ،ﻓﻬﻤﺎ ﻻ ﯾﺬﻛﺮان ﺷﯿﺌﺎ ﻣﻤﺎ ﺣﺪث ﻟﻬﻤﺎ ،وﻻ ﯾﻌﻠﻤﺎن ﻣﺎ اﻟﺬي ﻃﺮﺣﻬﻤﺎ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ
اﻷرض وﻣﺎ اﻟﺴﺒﺐ ﻓﻲ ﺑﻘﺎﺋﻬﻤﺎ ﻫﻨﺎك .ﻏﺎﯾﺔ ﻣﺎ اﺳﺘﻄﺎع ﻛﻞ ﻣﻨﻬﻤﺎ أن ﯾﺸﻌﺮ ﺑﻪ ﻓﻲ ﻧﻔﺴﻪ ﺧﻔﻘﺎن ﻏﺮﯾﺐ ﻓﻲ اﻟﻘﻠﺐ
،واﻧﻬﯿﺎر ﺗﺎم ﻓﻲ اﻷﻋﺼﺎب وﻓﺘﻮر ﻋﺎم ﻓﻲ اﻟﻘﻮى ،وﺧﺒﻞ ﺷﺪﯾﺪ ﻓﻲ اﻟﺬاﻛﺮة!!..
وﺑﻌﺪ ﻗﻠﯿﻞ ﻧﻬﻀﺎ ﻓﻲ ﺟﻬﺪ ﻣﻠﻤﻮح وإرﻫﺎق واﺿﺢ ﻟﯿﺄﺧﺬ ﺳﻤﺖ ﻃﺮﯾﻘﻬﻤﺎ إﻟﻰ اﻟﻤﺪﯾﻨﺔ ﺣﯿﺚ اﺳﺘﻄﺎﻋﺎ أن ﯾﺼﻼ إﻟﻰ
داﺧﻞ اﻟﻌﻤﺮان ﺑﻌﺪ ﺗﺤﺎﻣﻞ ﺷﺪﯾﺪ وإﻋﯿﺎء .وﻫﻨﺎك ﺣﯿﺎ ﻛﻞ ﻣﻨﻬﻤﺎ اﻵﺧﺮ واﻧﺼﺮف إﻟﻰ ﺑﯿﺘﻪ.
وﻣﻀﻰ ﯾﻮم ..و ﯾﻮﻣﺎن ...وﻣﺎ ﯾﻘﺎرب اﻹﺳﺒﻮع ..وﻛﻞ ﻣﻦ ﻣﻤﻮ وﺗﺎج اﻟﺪﯾﻦ ﯾﻘﺎﺳﻲ آﻻﻣﺎ ﻏﺎﻣﻀﺔ ﺗﺸﺘﺪ وﻻ ﺗﻠﯿﻦ
!! وﺗﺰداد وﻻ ﺗﻘﻞ ،وﯾﻌﺎﻧﻲ ﺷﻌﻮراً ﻏﺮﯾﺒﺎَ ﻻ ﯾﺪرى ﺳﺒﺒﻪ وﻻ ﯾﺪرك ﺗﻔﺴﯿﺮه .وأﺧﺬ إﺣﺴﺎس ﻛﻞ ﻣﻨﻬﻤﺎ ﺑﻤﻈﺎﻫﺮ
اﻷﺷﯿﺎء وﺻﻮر اﻟﻨﺎس ﯾﺨﺘﻠﻒ ﻋﻦ اﻷول اﺧﺘﻼﻓﺎ ﺑﺎدﯾﺎ ! ﻓﻘﺪ أﺻﺒﺢ ﻛﻞ ﻣﻨﻬﻤﺎ ﯾﺸﻌﺮ ﺑﺎﻟﻮﺣﺸﺔ ﻣﻦ ﻛﻞ ﺷﻲء ،
وﯾﺤﺲ ﺑﺎﻟﻤﻠﻞ ﻣﻦ ﺳﺎﺋﺮ ﻣﺎ ﻛﺎن ﯾﺄﻟﻔﻪ .وﻛﺄﻧﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ روح ﻛﻞ ﻣﻨﻬﻤﺎ ﺗﺒﺤﺚ ﻓﻲ أﻋﻤﺎق ﻧﻔﺴﻪ ﻋﻦ ﺷﻲء ﻋﺰﯾﺰ
اﻓﺘﻘﺪه ،وﻋﻦ ﺣﻘﯿﻘﺔ ﺳﺎﻣﯿﻪ ﻻﺣﺖ ﻟﻬﺎ ﺛﻢ ﺿﻠﺖ ﻋﻨﻬﺎ ،وﻟﻜﻦ ﻣﺎ ﻫﻮ ذﻟﻚ اﻟﺸﻲء ؟ وﻣﺘﻰ أﺣﺲ ﺑﻪ ﺣﺘﻰ ﯾﺸﻌﺮ
ﺑﺄﻧﻪ اﻓﺘﻘﺪه ؟ ﻛﻞ ذﻟﻚ ﻛﺎن ﺳﺮا ﻏﺎﻣﻀﺎ ﻋﻨﻬﻤﺎ ،ﯾﺤﻮﻣﺎن ﺣﻮﻟﻪ وﻻ ﯾﺴﺘﻄﯿﻌﺎن اﺧﺘﺮاﻗﻪ .وﻛﺎﻧﺖ ﻏﺮاﺑﺔ ذﻟﻚ
اﻟﺸﻌﻮر وﻏﻤﻮض ﺗﻠﻚ اﻷﺣﺎﺳﯿﺲ ﯾﺠﻌﻼن ﻛﻼً ﻣﻨﻬﻤﺎ ﻣﺘﺤﻔﻈﺎ ﻋﻦ اﻹﻓﻀﺎء ﺑﺬﻟﻚ إﻟﻰ ﺻﺎﺣﺒﻪ ،وﯾﺸﻌﺮه ﺑﺤﺮج ﻣﻦ
ﺑﯿﺎﻧﻪ وإﯾﻀﺎﺣﻪ ﻟﻪ ،إذ ﻗﺪ ﯾﺬﻫﺐ ﺣﺪﯾﺜﻪ اﻟﻐﺎﻣﺾ ﻣﺬاﻫﺐ ﻛﺜﯿﺮة ﺑﺼﺎﺣﺒﻪ ﻟﺘﻔﺴﯿﺮه وﻛﺸﻔﻪ...
ﻏﯿﺮ أن ﺗﻠﻚ اﻵﻻم واﻟﻤﺸﺎﻋﺮ اﻟﻤﺮﻫﻘﺔ ..ﻣﺎ ﻟﺒﺜﺖ أن اﺗﺨﺬت ﻣﻈﻬﺮﻫﺎ ﻓﻲ ﺻﻮرة ﻛﻞ ﻣﻨﻬﻤﺎ وأوﺿﺎﻋﻪ .ﻓﻘﺪ أﺧﺬ
ﯾﺒﺪو ذﻟﻚ ﺟﻠﯿﺎ ﻓﻲ ذﺑﻮل ﺷﻜﻠﻬﻤﺎ وﻓﺘﻮر ﻧﺸﺎﻃﻬﻤﺎ وﻛﺜﺮة ﺗﻔﻜﯿﺮﻫﻤﺎ .ﻣﻤﺎ ﯾﺴﺮ ﻟﻜﻞ ﻣﻨﻬﻤﺎ أﺧﯿﺮا ﺳﺒﯿﻞ اﻹﻓﻀﺎء
ﺑﺄﻣﺮه وﻋﺮض ﺷﻜﻮاه وأوﺟﺎﻋﻪ ﻋﻠﻰ اﻵﺧﺮ وﻟﻜﻦ دون أن ﯾﻔﯿﺪﻫﻤﺎ ذﻟﻚ ﻓﻲ اﺳﺘﺠﻼء ﺷﻲء ﻣﻦ اﻟﺤﻘﯿﻘﺔ أو ﻓﻬﻢ
ﺳﺮﻫﺎ اﻟﻤﻜﻨﻮن ،اﻟﻠﻬﻢ إﻻ ﻣﺎ ﯾﺘﺒﺎدﻻﻧﻪ ﻣﻦ اﻟﻤﻮاﺳﺎة ،وﻣﺎ ﯾﺸﻌﺮان ﺑﻪ ﻣﻦ اﻷﻧﺲ وﻟﻮ ﻛﺎن ﻣﺠﻬﻮﻻ ﻣﺼﺪرﻫﺎ.
وﺑﯿﻨﻤﺎ ﻛﺎﻧﺎ ذات ﯾﻮم ﻣﺠﺘﻤﻌﯿﻦ ﻓﻲ ﺑﻌﺾ ﺧﻠﻮاﺗﻬﻤﺎ ،إذ ﻟﻤﺢ ﺗﺎج اﻟﺪﯾﻦ ﻓﻲ ﯾﺪ ﻣﻤﻮ ﺧﺎﺗﻤﺎ ﻣﻦ اﻟﺠﻮﻫﺮ اﻟﻨﺎدر ﯾﺘﺄﻟﻖ
ﻓﻲ إﺻﺒﻌﻪ ،ﻓﺄﻣﻌﻦ اﻟﻨﻈﺮ ﻓﯿﻪ ﻗﻠﯿﻼ ،ﺛﻢ ﻗﺎل:
’’ﻟﻘﺪ ﻛﺎن ﻋﻠﻲ أن أﺑﺎرك ﻟﻚ ﻫﺬا اﻟﺨﺎﺗﻢ اﻟﺒﺪﯾﻊ ،وﻟﻜﻨﻲ ﻟﻢ أﻟﻤﺤﻪ ﻓﻲ ﯾﺪك ﻗﺒﻞ اﻟﯿﻮم ،ﻓﻤﺘﻰ اﺳﺘﺤﺪﺛﺘﻪ ؟‘‘
ﻓﻨﻈﺮ ﻣﻤﻮ ﻓﻲ أﺻﺎﺑﯿﻊ ﯾﺪﯾﻪ ،وﻫﻮ ﻻ ﯾﺪري ﺷﯿﺌﺎ ﻋﻤﺎ ﯾﻘﻮﻟﻪ ﺗﺎج اﻟﺪﯾﻦ ،ﻟﯿﺠﺪ ﻓﻲ ﻣﻜﺎن ﺧﺎﺗﻤﻪ ﻗﻄﻌﺔ ﻣﻦ اﻟﺠﻮﻫﺮ
اﻟﺜﻤﯿﻦ ﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﻗﻂ ﺷﻌﺮ ﺑﻬﺎ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ! وﺳﺮﻋﺎن ﻣﺎ ﻋﻤﺪ إﻟﯿﻬﺎ ﻓﺄﺧﺮﺟﻬﺎ ﻣﻦ إﺻﺒﻌﻪ وﻗﺪ اﺳﺘﻮﻟﺖ ﻋﻠﯿﻪ دﻫﺸﺔ ﺑﺎﻟﻐﺔ
،ﺛﻢ أﺧﺬا ﯾﻤﻌﻨﺎن ﻓﯿﻪ ﺑﺎﺳﺘﻐﺮاب وﺗﻌﺠﺐ .وﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻷﺛﻨﺎء اﻧﺘﺒﻬﺎ إﻟﻰ اﺳﻢ ’’ زﯾﻦ ‘‘ ﻣﻨﻘﻮﺷﺎ ﻋﻠﯿﻪ ﺑﺄﺟﻤﻞ وﺷﻲ
ﻣﺘﺄﻟﻖ ﻣﻦ ﺣﺠﺎرة اﻟﻤﺎس واﻟﯿﺎﻗﻮت ،وﻗﺒﻞ أن ﯾﺒﺪي ﻣﻤﻮ ﻋﺠﺒﻪ ﻟﺬﻟﻚ اﻟﺨﺎﺗﻢ اﻟﺬي ﻻ ﯾﺪري ﻋﻨﻪ أي ﺷﻲء ﻻﺣﻆ
ﺑﻮﺣﻲ اﻟﺤﺎﻟﺔ ﺧﺎﺗﻤﺎ ﺗﻤﺎﻣﺎ ﻓﻲ إﺻﺒﻊ ﺗﺎج اﻟﺪﯾﻦ !..وﻗﺪ ﻧﻘﺶ ﻋﻠﯿﻪ ﺑﻤﺜﻞ ذﻟﻚ اﻟﻮﺷﻲ واﻟﻄﺮاز اﺳﻢ ’’ ﺳﺘﻲ‘‘ .
وﻏﺸﯿﺘﻬﻤﺎ اﻟﺤﯿﺮة ﻣﻦ ﺟﺪﯾﺪ ،وازداد ﻋﻠﯿﻬﻤﺎ اﻟﺴﺮ ﻏﻤﻮﺿﺎ وأﺧﺬا ﯾﺮددان ﻓﻲ دﻫﺸﺔ ﺑﺎﻟﻐﺔ ﻫﺬﯾﻦ اﻻﺳﻤﯿﻦ ’’ زﯾﻦ
‘‘ و ’’ ﺳﺘﻲ ‘‘ ،وﻟﻜﻦ دون أن ﯾﺘﺰﻛﺮ أﺣﺪ ﻣﻨﻬﻤﺎ ﻣﻦ ﻫﻤﺎ ﺳﺘﻲ وزﯾﻦ!!...
وﻫﻨﺎ رﻓﻊ رأﺳﻪ إﻟﻰ ﻣﻤﻮ ،وﻧﻈﺮ إﻟﯿﻪ ﻛﺎﻟﻤﺤﻤﻮم ﻗﺎﺋﻼ:
’’وﯾﺤﻚ إﻧﻬﻤﺎ ﺧﺎﺗﻤﺎ اﻷﻣﯿﺮﺗﯿﻦ ...أﻣﯿﺮﺗﻲ اﻟﺠﺰﯾﺮة ...ﺷﻘﯿﻘﺘﻲ اﻷﻣﯿﺮ زﯾﻦ اﻟﺪﯾﻦ‘‘...
وﻋﺎد ﻛﻞ ﻣﻨﻬﻤﺎ ﯾﺤﻤﻠﻖ ﻓﻲ اﻟﺨﺎﺗﻢ اﻟﺬي ﺑﯿﺪه ﻣﺮة أﺧﺮى ،وﯾﻤﻌﻦ ﻓﻲ ﻧﻘﺸﻪ وﺗﺄﻟﻘﻪ اﻟﺮاﺋﻊ ﻣﻤﺎ أﻛﺪ ﻟﻬﻤﺎ أن
ﺻﺎﺣﺒﺘﯿﻪ ﻟﯿﺴﺘﺎ ﺳﻮى أﺧﺘﻲ اﻷﻣﯿﺮ !.وﻣﻦ ﺑﯿﻦ ذﻟﻚ اﻟﺒﺮﯾﻖ اﻟﻤﺘﺄﻟﻖ أﺧﺬ ﺳﺮﻫﻤﺎ اﻟﺬي ﻛﺎن ﻏﺎﻣﻀﺎ ﯾﺠﻠﻮ وﯾﺒﯿﻦ ،
وذﻫﺒﺖ ذاﻛﺮة ﻛﻠﻢ ﻧﻬﻤﺎ ﺗﻌﻮد أدراﺟﻬﺎ إﻟﻰ اﻟﻤﺎﺿﻲ ....اﻟﻤﺎﺿﻲ اﻟﺬي ﻛﺎن ﻏﯿﺒﺎ ﻋﻨﻬﻤﺎ إﻟﻰ ﺗﻠﻚ اﻟﻠﺤﻈﺔ.
ﻟﻘﺪ ﺗﺬﻛﺮا أﻧﻬﻤﺎ ﻓﻲ ﯾﻮم اﻟﻨﻮروز ﺣﺎوﻻ رؤﯾﺔ ﻫﺎﺗﯿﻦ اﻷﻣﯿﺮﺗﯿﻦ ،وﻟﻜﻨﻬﻤﺎ ﻟﻢ ﯾﺮﯾﺎ واﺣﺪة ﻣﻨﻬﻤﺎ ﺑﯿﻦ اﻟﻮﺟﻮه
واﻷﺷﻜﺎل .ﺛﻢ ﺗﺬﻛﺮا ﺳﺎﻋﺔ اﻟﻌﻮدة ..وﺗﺬﻛﺮا أﻧﻬﻤﺎ ﻟﻤﺤﺎ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻷﺛﻨﺎء ﺷﺎﺑﯿﻦ ﻻ ﻛﺎﻟﺸﺒﺎب ..ﻛﺎﻧﺎ ﻓﻲ ﻏﺎﯾﺔ
اﻟﺮوﻋﺔ واﻟﺠﻤﺎل ..وأﻧﻬﻤﺎ ﻗﺪ دﻧﯿﺎ ﻣﻨﻬﻤﺎ ﻟﯿﻌﺮﻓﺎ ﻣﻦ ﯾﻜﻮﻧﺎن ...و ...إﻟﻰ ﻫﻨﺎك ﺗﻮﻗﻔﺖ اﻟﺬاﻛﺮة ﺑﻬﻤﺎ ! ﻏﯿﺮ أﻧﻬﻤﺎ
ﻟﻢ ﯾﺸﻜﺎ ﻓﻲ أن ﺷﻲء ﻏﯿﺮ ﻃﺒﯿﻌﻲ ﻗﺪ ﺣﺪث ﻟﻬﻤﺎ إذ ذاك ﺑﺴﺒﺐ ذﯾﻨﻚ اﻟﺸﺎﺑﯿﻦ ،وأن اﻟﻐﺸﯿﺔ اﻟﺘﻲ ﺣﺒﺴﺘﻬﻤﺎ ﻓﻲ
اﻟﻔﻼة ﺗﻠﻚ اﻟﻠﯿﻠﺔ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻦ أﺛﺮ ذﻟﻚ اﻟﺤﺎدث ،وﻻ ﺑﺪ أن ﻫﺬﯾﻦ اﻟﺨﺎﺗﻤﯿﻦ ﻗﺪ وﺟﺪا ﻟﺪﯾﻬﻤﺎ ﻣﻨﺬ ﺗﻠﻚ اﻟﻠﯿﻠﺔ .وأﺧﯿﺮا
اﺳﺘﻄﺎﻋﺎ أن ﯾﺘﺄﻛﺪا ﻣﻦ أن ذﯾﻨﻚ اﻟﺸﺎﺑﯿﻦ ﻟﻢ ﯾﻜﻮﻧﺎ ﺳﻮى اﻷﻣﯿﺮﺗﯿﻦ اﻟﻠﺘﯿﻦ ﻛﺎﻧﺎ ﯾﺒﺤﺜﺎن ﻋﻨﻬﻤﺎ ،وأﻧﻪ ﻗﺪ ﻗﺎم ﻟﺪﯾﻬﻤﺎ
أﯾﻀﺎ ﻣﺎ ﻛﺎن ﻗﺪ ﻗﺎم ﻓﻲ ذﻫﻨﯿﻬﻤﺎ ﻣﻦ ﻓﻜﺮة اﻟﺘﻨﻜﺮ ...وإﺧﻔﺎء اﻟﺤﻘﯿﻘﺔ ...أﻣﺎ اﻟﺨﺎﺗﻤﺎن ﻓﻠﻢ ﯾﺸﻜﺎ ﻓﻲ أﻧﻬﻤﺎ إﻧﻤﺎ
ﺗﺮﻛﺘﺎﻫﻤﺎ ﻓﻲ ﯾﺪﯾﻬﻤﺎ واﺳﺘﺒﺪﻟﺘﺎ ﺑﻬﻤﺎ ﻣﺎ ﻛﺎن ﻣﻌﻬﻤﺎ ﻟﺸﻌﻮر ﺟﻤﯿﻞ ﻋﻠﻰ اﻷﻗﻞ ﺑﺎدﻟﺘﺎﻫﻤﺎ ﺑﻪ.
وﺑﺎرﺗﻔﺎع اﻟﺴﺘﺎر اﻟﺬي ﻛﺎن ﺣﺎﺋﻼ دون ﻓﻬﻤﻬﻤﺎ ﻟﺘﻠﻚ اﻵﻻم واﻻﺣﺴﺎﺳﺎت اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺴﺎورﻫﻤﺎ ،ﺷﻌﺮ ﻛﻞ ﻣﻨﻬﻤﺎ
ﺑﺮاﺣﺔ واﻧﻄﻼﻗﺔ ﻫﺪأﺗﺎ ﻣﻦ ﺣﺎﻟﯿﻬﻤﺎ .ﻏﯿﺮ أن ذﻟﻚ اﻟﺸﻌﻮر ﻣﺎ ﻟﺒﺚ أن أوﺟﺪ ﻓﻲ ﻧﻔﺲ ﻛﻞ ﻣﻨﻬﻤﺎ ﺗﺄﺛﯿﺮا ﻣﺨﺘﻠﻔﺎ ﻋﻦ
اﻵﺧﺮ .أﻣﺎ ﺗﺎج اﻟﺪﯾﻦ ﻓﻘﺪ اﺳﺘﻄﺎع أن ﯾﺘﻐﻠﺐ ﺑﺬﻟﻚ ﻋﻠﻰ آﻻﻣﻪ ،وأن ﯾﻨﺸﻂ وﻟﻮ إﻟﻰ ﺣﺪ ﻣﻦ ذﻟﻚ اﻻرﻫﺎق اﻟﺬي ﻛﺎن
ﯾﻌﺎﻧﯿﻪ .وﻛﺄﻧﻤﺎ ﻛﺎن ﻣﻌﻈﻢ آﻻﻣﻪ ﺗﻠﻚ آﺗﯿﻪ ﻣﻦ ﺗﻌﻤﻲ اﻷﻣﺮ وﻏﻤﻮﺿﻪ ﻋﻠﯿﻪ .وأﻣﺎ ﻣﻤﻮ ﻓﺈن اﻧﻘﺸﺎع اﻟﺤﻘﯿﻘﺔ
ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ إﻟﯿﻪ ﻣﺎ ﻟﺒﺚ أن أﺿﺮم ﺟﺬوة ﻧﺎره وزاد ﻓﻲ دﻗﺎت ﻗﻠﺒﻪ ،وﻛﺄﻧﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ روﺣﻪ ﻗﺒﻞ ذﻟﻚ ﺗﺎﺋﻬﺔ ﻋﻦ اﻟﻄﺮﯾﻖ
اﻟﺬي اﻫﺘﺪت إﻟﯿﻪ ،ﺿﺎﻟﺔ ﻋﻦ اﻟﺬات اﻟﺘﻲ ﺷﻐﻔﺖ ﺑﻬﺎ .أﻣﺎ اﻟﯿﻮم وﻗﺪ إﺗﻀﺢ ﻛﻞ ﺷﻲء ،وﻇﻬﺮ اﻧﺴﺎن ﺗﻠﻚ اﻟﺮوح ،
ﻓﻬﯿﻬﺎت ﻣﻨﻬﺎ اﻟﻬﺪوء ﻣﺎ داﻣﺖ ﺑﻌﯿﺪة ﻋﻨﻪ ،وﻫﯿﻬﺎت أن ﻻ ﺗﺜﻮر وﺗﻀﻄﺮب إﻻ ﺑﻌﺪ أن ﺗﻠﻘﺎه وﺗﺮﻛﻦ إﻟﯿﻪ.
وﺷﻌﺮ ﺗﺎج اﻟﺪﯾﻦ ﺑﻤﻌﺎﻧﻲ اﻷﺳﻰ ﺑﺎدﯾﺔ ﻓﻲ ﻣﻈﻬﺮ ﻣﻤﻮ ﻓﻨﻬﺾ اﻟﯿﻪ ،وأﻟﻘﻰ ﺑﯿﺪه ﻋﻠﻰ ﻛﺘﻔﻪ ﻗﺎﺋﻼً:
’’إﺳﻤﻊ ﯾﺎ ﺻﺪﯾﻘﻲ :إن ﻣﻦ اﻻﻣﻌﺎن ﻓﻲ اﻟﺨﻄﺄ أن ﻧﺴﻠﻢ أﻧﻔﺴﻨﺎ إﻟﻰ اﺿﻄﺮاﺑﺎت ﻣﻦ ﻫﺬا اﻟﻨﻮع ،ﻓﻠﻦ ﺗﻜﻮن
اﻟﻨﺘﯿﺠﺔ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﺳﻮى اﺳﺘﻔﺤﺎل ﺗﺄﺛﯿﺮﻫﺎ واﺷﺘﺪاد وﻃﺄﺗﻬﺎ .وﻻ رﯾﺐ أن ذﻟﻚ ﻟﯿﺲ ﻣﻨﺎﺳﺒﺎ ﻟﻤﺜﻠﻲ وﻣﺜﻠﻚ ...ﻓﻜﻼﻧﺎ
ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﺒﻠﺪ ﻣﻌﺮوف ﺑﺎﻟﺠﻠﺪ واﻹﻗﺪام وﻛﻞ ﻣﻨﺎ ﺗﻌﺮﻓﻪ ﻫﺬه اﻟﺠﺰﯾﺮة ﺑﺎﻟﺒﻄﻮﻟﺔ واﻟﻌﺰم واﻟﺒﺄس ،ﻓﻤﺎذا ﻋﺴﻰ أن
ﯾﻜﻮن أﺛﺮ ﻫﺬا اﻟﺬي ﻧﻌﺎﻧﯿﻪ ﻓﻲ ﺳﻤﻌﺘﻨﺎ إذا ﻋﺮف ذﻟﻚ ﻏﺪاً ﺑﯿﻦ اﻟﻨﺎس ؟؟ وﻣﺎذا ﺳﯿﻠﺤﻖ ﺑﻨﺎ إذا ﺗﺴﺎﻣﻊ اﻟﻨﺎس
ﺑﺤﺪﯾﺜﻨﺎ ...وﻛﯿﻒ أﻧﻨﺎ وﻧﺤﻦ أوﻟﻮ اﻟﻌﺰﯾﻤﺔ واﻟﺸﺠﺎﻋﺔ واﻟﺒﺄس ﻗﺪ ﺗﺨﺎذﻟﺖ ﻋﺰﯾﻤﺘﻨﺎ واﻧﻬﺮات ﺷﺠﺎﻋﺘﻨﺎ وﺗﺒﺪد ﺑﺄﺳﻨﺎ
ﺑﺴﻼح اﻣﺮأﺗﯿﻦ وﻗﻮﺗﻬﻤﺎ ﻓﻘﻂ ..؟؟ ﻓﻠﯿﻨﻬﺾ ﻛﻞ ﻣﻨﺎ ﻣﻦ ﻓﺮاش ﻫﺬا اﻟﻔﺘﻮر ،وﻟﻨﻤﻂ ﻋﻨﺎ رداء اﻟﺘﻮﺟﻊ اﻟﻮﻫﻤﻲ اﻟﺬي
إﻧﻤﺎ أﺳﺒﻠﻨﺎه ﻧﺤﻦ ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺴﻨﺎ وﻟﻨﺘﺬﻛﺮ أﻧﻨﺎ أﺷﺪاء ...وأﻧﻪ ﻻ ﯾﻤﻜﻦ ﻟﻠﻮﻫﻦ أن ﯾﺘﺨﺬ ﻃﺮﯾﻘﻪ إﻟﻰ ﻧﻔﻮﺳﻨﺎ‘‘..
وﻟﻜﻦ ﻣﻤﻮ ﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﯾﺒﺪو ﻋﻠﯿﻪ أﻧﻪ ﯾﻌﻲ ﺷﯿﺌﺎ ﻣﻤﺎ ﯾﻘﻮﻟﻪ ﺗﺎج اﻟﺪﯾﻦ ،ﻓﻘﺪ ﻛﺎن واﺿﺤﺎ أﻧﻪ ﻛﺎن ﯾﻘﺎﺳﻲ آﻻﻣﺎ ﻋﻨﯿﻔﺔ
ﺟﻠﯿﺔ ﻓﻲ ﺧﻔﻘﺎت ﻗﻠﺒﻪ اﻟﻈﺎﻫﺮة وﻋﯿﻨﯿﻪ اﻟﻤﺨﻀﻠﺘﯿﻦ .ﻛﺎن اﻻﺳﻢ اﻟﻮﺣﯿﺪ اﻟﺬي ﯾﺮدده ﻫﻮ ’’زﯾﻦ ‘‘ ،وﻛﺎن اﻟﺸﻲء
اﻟﻮﺣﯿﺪ اﻟﻤﻨﺘﺒﻪ إﻟﯿﻪ ﻫﻮ اﻟﺨﺎﺗﻢ اﻟﺬي ﻓﻲ ﯾﺪه .ﻓﻘﺪ ﻛﺎن ﻣﺮة ﯾﺤﻤﻠﻖ ﻓﯿﻪ ،وأﺧﺮى ﯾﻘﺒﻠﻪ وﯾﻈﻞ ﺿﺎﻣﺎً ﻋﻠﯿﻪ ﺷﻔﺘﯿﻪ .
وأﺧﯿﺮاً ﻧﻈﺮ إﻟﻰ ﺗﺎج اﻟﺪﯾﻦ وﻗﺎل ﻟﻪ:
’’أﺧﻲ :إن ﻫﺬا اﻟﺬي ﺗﺤﺪﺛﻪ اﻵن ﻟﯿﺲ ذﻟﻚ اﻟﺬي ﻋﺮﻓﺘﻪ ،إﻧﻤﺎ ﻫﻮ اﻟﯿﻮم اﻧﺴﺎن آﺧﺮ ،ﻓﻼ ﺗﺒﺤﺚ ﻓﻲﱠ ﻋﻦ ﺷﻲء
ﻣﻤﺎ ﺗﺴﻤﯿﻪ اﻟﺒﺄس واﻟﺠﻠﺪ واﻟﻌﺰم .ﻓﻘﺪ واﷲ ﻓﻘﺪت ﻛﻞ ذﻟﻚ ،وﻟﯿﺲ اﻟﺬي ﺗﺮاه اﻵن إﻻ ﺟﺴﻤﺎ ﻣﺘﻬﻠﻬﻼ ﻗﺪ ﻋﺸﺶ
اﻷﻟﻢ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻧﻘﻄﺔ ﻣﻨﻪ .وﻗﻠﺒﺎ ﻣﺘﺄﺟﺎﺟﺎً ﺗﺘﻘﺪ ﻓﯿﻪ ﻧﺎر ﻻ ﺗﻌﺮف ﻫﻮﻟﻬﺎ ،أﻣﺎ اﻟﺮاﺣﺔ واﻟﻄﺎﻗﺔ واﻟﺠﻠﺪ واﻟﺼﺒﺮ ،ﻓﻘﺪ
اﻧﺘﻬﺖ ﻋﻼﻗﺔ ﻛﻞ ذﻟﻚ ﻣﻦ ﺳﺎﺋﺮ ﺟﻮارﺣﻲ وﺟﺴﻤﻲ ﻓﺪﻋﻨﻲ ﻋﻠﻰ اﻷﻗﻞ أﺳﺘﻘﺒﻞ ﻗﺪري إن ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﺗﺸﻌﺮ ﺑﺎﻟﻤﻌﺬرة ﻟﻲ
‘‘..
وﻟﻢ ﯾﻜﺪ ﺗﺎج اﻟﺪﯾﻦ ﯾﺴﻤﻊ ﻫﺬه اﻟﻜﻠﻤﺎت ﻣﻦ ﻣﻤﻮ ﺣﺘﻰ أﯾﻘﻦ أن اﻷﻣﺮ ﻗﺪ ﺗﺠﺎوز ﺑﻪ إﻟﻰ ﺣﺎﻟﺔ ﻻ ﺗﻐﻨﻲ ﻓﯿﻬﺎ اﻟﻨﺼﯿﺤﺔ
واﻹرﺷﺎد ،واﻣﺘﺰﺟﺖ ﻓﻲ ﺳﺎﺋﺮ ﻣﺸﺎﻋﺮه رﻗﺔ ﺷﺪﯾﺪة ﻣﻦ أﺟﻠﻪ ﻟﻢ ﯾﺴﺘﻄﻊ ﺣﯿﺎﻟﻬﺎ إﻻ أن ﯾﻌﺘﺼﻢ ﺑﺎﻟﺴﻜﻮت.
ﻋﺠﻮز اﻟﻘﺼﺮ
وﻟﻨﺘﺮك اﻵن ﺣﺪﯾﺚ ﻣﻤﻮ وﺗﺎج اﻟﺪﯾﻦ ﻟﻨﻌﻮد إﻟﻰ اﻟﻘﺼﺮ وﻧﻌﻠﻢ ﻣﺎ اﻟﺬي ﻛﻦ ﻣﻦ أﻣﺮ ﺳﺘﻲ وزﯾﻦ ،ﻓﻠﻘﺪ رﺟﻌﺘﺎ ﻓﻲ
ﺗﻠﻚ اﻟﻠﯿﻠﺔ أدراﺟﻬﻤﺎ إﻟﻰ اﻟﻘﺼﺮ ،واﺳﺘﻄﺎﻋﺘﺎ دﺧﻮﻟﻪ دون أن ﯾﻨﺘﺒﻪ أﺣﺪ إﻟﻰ ﺣﻘﯿﻘﺘﯿﻬﻤﺎ .ودون أن ﯾﺮﺗﺎب أﺣﺪ ﻣﻦ
اﻟﺤﺠﺎب ﻓﻲ أﻧﻬﻤﺎ ﻣﻦ ﺑﻌﺾ اﻟﻐﻠﻤﺎن اﻟﺤﺴﺎن ﻓﻲ اﻟﻘﺼﺮ.
وﻣﺎ إن ﺗﺠﺮدت ﻛﻞ ﻣﻨﻬﻤﺎ ﻣﻦ ذﻟﻚ اﻟﻤﻈﻬﺮ اﻟﺬي ﺗﻨﻜﺮﺗﺎ ﻓﯿﻪ وﺟﻠﺴﺘﺎ ﺗﺴﺘﺮﯾﺤﺎن ﻣﻦ اﻟﻨﺼﺐ اﻟﺬي ﻟﺤﻘﻬﻤﺎ ﻓﻲ ذﻟﻚ
اﻟﯿﻮم ﺣﺘﻰ أﺧﺬت ﻛﻞ ﻣﻨﻬﻤﺎ ﺗﺸﻌﺮ ﺑﻘﻠﻖ واﺿﻄﺮاب واﺿﺤﯿﻦ ﻓﻲ ﻧﻔﺴﻬﻤﺎ ،وﻟﻢ ﺗﻜﻦ إﺣﺪاﻫﻤﺎ ﺗﻌﺮف ﺷﯿﺌﺎ ﻋﻦ ﺳﺮ
ذﻟﻚ اﻟﻘﻠﻖ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ أن ﻟﻪ اﺗﺼﺎﻻً ﺑﺘﯿﻨﻚ اﻟﺠﺎرﯾﺘﯿﻦ اﻟﻠﺘﯿﻦ ﺣﺪث ﻟﻬﻤﺎ ذﻟﻚ اﻟﺸﺄن اﻟﻌﺠﯿﺐ .ﻓﻘﺪ ﻛﺎن ﻣﻨﻈﺮﻫﻤﺎ ،
وﻫﻤﺎ ﻋﻠﻰ ﺗﻠﻚ اﻟﺤﺎﻟﺔ ﻣﻦ اﻟﺬﻫﻮل وﻋﻠﻰ وﺟﻬﯿﻬﻤﺎ ﺗﻠﻚ اﻟﻤﺴﺤﺔ ﻣﻦ اﻟﺠﻤﺎل اﻟﻤﺸﻮب ﺑﺴﻤﺎ اﻟﻮﻗﺎر -ﻣﻼزﻣﺎ
ﻟﺨﻠﺪﻫﻤﺎ .وﻛﺎﻧﺖ ﺗﺘﻀﺎﻓﺮ ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ ﻋﺪة ﻋﻮاﻣﻞ ،ﺑﻌﻀﻬﺎ ﻏﺮاﺑﺔ ذﻟﻚ اﻟﺤﺎدث اﻟﺬي أﺻﺎﺑﻬﻤﺎ ،وﺑﻌﻀﻬﺎ اﻟﺘﻄﻠﻊ
إﻟﻰ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﺣﻘﯿﻘﺘﯿﻬﻤﺎ وﻣﻦ ﺗﻜﻮﻧﺎن ﻣﻦ اﻟﻨﺎس ،وﺑﻌﻀﻬﺎ ذﻟﻚ اﻟﺸﻌﻮر اﻟﻐﺮﯾﺐ اﻟﺬي أﺧﺬ ﯾﺴﺎروﻫﻤﺎ ﻧﺤﻮ ﺗﯿﻨﻚ
اﻟﺠﺎرﯾﺘﯿﻦ اﻟﻤﺠﻬﻮﻟﺘﯿﻦ ﻣﻦ ﺣﻨﺎن وإﻋﺠﺎب ﺑﻞ وﺣﺐ آخ ﻓﻲ اﻟﺰﯾﺎدة واﻹﺷﺘﺪاد رﻏﻢ أﻧﻬﻤﺎ اﻣﺮأﺗﺎن ﻣﺜﻠﻬﻤﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ
ﺗﻈﻨﺎن وﺗﺤﺴﺒﺎن.
وﻫﻜﺬا أﺧﺬ اﻟﺘﻔﻜﯿﺮ ﻓﻲ اﻟﺠﺎرﯾﺘﯿﻦ ﯾﺴﺘﻮﻟﻲ ﺗﺪرﯾﺠﯿﺎ ﻋﻠﻰ ﺧﯿﺎل ﻛﻞ ﻣﻨﻬﻤﺎ ،وﺑﺪأت ﺗﻠﻚ اﻷﺣﺎﺳﯿﺲ ﺗﺴﯿﻄﺮ ﻋﻠﻰ
ﻗﻠﺒﯿﻬﻤﺎ ،ﻓﻠﻢ ﺗﻜﻮﻧﺎ ﺗﻮﺟﺪان إﻻ ﻣﺨﺘﻠﯿﺘﯿﻦ ﻓﻲ ﺑﻌﺾ ﻏﺮف اﻟﻘﺼﺮ أو ﺟﻬﺎﺗﻪ ﺗﺘﻬﺎﻣﺴﺎن ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﺸﺄن وﺗﺘﺒﺎدﻻن
إﻓﻀﺎء ﺧﻠﺠﺎﺗﻬﻤﺎ اﻟﻨﻔﺴﯿﺔ ﺣﻮل ذﻟﻚ.
ﻏﯿﺮ أﻧﻪ ﻟﻢ ﯾﺴﺘﻄﻊ أﺣﺪ ﻣﻦ ﺳﻜﺎن اﻟﻘﺼﺮ رﻏﻢ ذﻟﻚ ﻣﻼﺣﻈﺔ ﺣﺎﻟﻬﻤﺎ ﺗﻠﻚ ﺳﻮى ﻣﺮﺑﯿﺔ ﻋﺠﻮز ﻟﻬﻤﺎ ﯾﻘﺎل ﻟﻬﺎ )
ﻫﯿﻼﻧﺔ ( .ﻛﺎﻧﺖ ﻫﺮﻣﺔ ﻣﺴﻨﺔ ،ﻏﯿﺮ أﻧﻬﺎ أﻗﻮى ﻣﻦ اﻟﺪﻫﺮ ﻓﻲ ﻣﻜﺮه ،وﻛﺎﻧﺖ ﻣﺘﻐﻀﻨﺔ اﻟﻤﻼﻣﺢ ﺑﺎﻫﺘﺔ اﻟﺸﻜﻞ إﻻ أن
ذﻛﺎﺋﻬﺎ ﻛﺎن ﻓﺘﯿﺎ ﯾﻠﺘﻬﺐ .ﻓﻘﺪ أﺧﺬت ﻫﺬه اﻟﻌﺠﻮز ﺗﻼﺣﻆ أن ﺣﺎﻟﺔ ﻃﺎرﺋﺔ ﺗﻄﻮف ﺑﻬﻤﺎ ﻣﻨﺬ اﻟﯿﻮم اﻟﺬي ﺧﺮج ﻓﯿﻪ
اﻟﻨﺎس إﻟﻰ ﻣﻬﺮﺟﺎن ﻧﻮروز ،وﻣﻀﺖ ﺗﺮاﻗﺐ ﻓﯿﻬﻤﺎ ﺗﻄﻮرات ﺗﻠﻚ اﻟﺤﺎﻟﺔ اﻟﺘﻲ ﻟﻚ ﺗﻠﺒﺚ أن اﺗﺨﺬت ﻣﻈﻬﺮﻫﻤﺎ ﻓﻲ
ﻛﺜﯿﺮ ﻣﻦ أوﺿﺎﻋﻬﻤﺎ وأﺣﻮاﻟﻬﻤﺎ!
وﻓﻲ ﺻﺒﺢ ذات اﻟﯿﻮم اﺳﺘﺄذﻧﺖ ﻋﻠﯿﻬﻤﺎ ﻓﻮﺟﺪﺗﻬﻤﺎ ﻣﻄﺮﻗﺘﯿﻦ ذاﻫﻠﺘﯿﻦ ،وﻗﺪ أﺧﺬ اﻟﺘﻔﻜﯿﺮ ﻣﻨﻬﻤﺎ ﻛﻞ ﻣﺄﺧﺬ ،وﺗﺠﻠﺖ
ﻣﻈﺎﻫﺮ اﻟﺤﯿﺮة واﻷﺳﻰ ﻋﻠﻰ وﺟﻪ ﻛﻞ ﻣﻨﻬﻤﺎ ،ﻓﺪﻧﺖ إﻟﯿﻬﻤﺎ ،وﺟﺜﺖ ﻋﻠﻰ ﻣﻘﺮﺑﺔ ﻣﻨﻬﻤﺎ ،ﺛﻢ ﻗﺎل:
’’ﺑﺮوﺣﻲ ﯾﺎ أﻣﯿﺮﺗﻲﱠ اﻟﺼﻐﯿﺮﯾﺘﯿﻦ ﻓﺪﯾﺘﻜﻤﺎ ،وﺟﻌﻠﺖ اﷲ رﺑﻲ ﺣﺎﻓﻈﺎ ﻟﻜﻤﺎ ،ﻓﺄﻧﺘﻤﺎ اﻧﺴﺎن ﻛﻞ ﻋﯿﻦ ،وﺣﺒﺔ اﻟﺸﻮق
ﻟﻜﻞ ﻓﺆاد .ﯾﺨﯿﻞ إﻟﻲ أن ﻫﺬا اﻟﻘﺼﺮ ﻗﺪ ﻛﻤﺪ ﺑﻌﺾ ﺑﺮﯾﻘﻪ وﺗﻮارى ﻣﻦ أﻧﺤﺎﺋﻪ اﻟﻜﺜﯿﺮ ﻣﻦ أﻧﺴﻪ ﻣﻨﺬ اﻟﯿﻮم اﻟﺬي
ﺧﺮﺟﺘﻤﺎ ﻓﯿﻪ ﻟﻤﻬﺮﺟﺎن اﻟﺮﺑﯿﻊ ﺛﻢ ﻋﺪﺗﻤﺎ ﺑﻤﺎ ﺗﺤﻤﻼن ﻣﻦ ﻫﺬا اﻹﻃﺮاق واﻟﺘﻔﻜﯿﺮ واﻟﺬﺑﻮل !!.ﻓﻬﻞ ﻟﻲ أن أﺳﺄل ﻋﻦ
اﻟﺴﺮ اﻟﺬي ﻃﻮاه ﻣﻘﺪﻣﻜﻤﺎ ،أو ﻋﻦ اﻟﺨﻤﺮة اﻟﺘﻲ ﺗﺴﺒﺒﺖ ﻛﻞ ﻫﺬا ﻓﻲ ذﻫﻮﻟﻜﻤﺎ ؟ ﻓﻘﺪ أﺳﺘﻄﯿﻊ ﻣﻌﻮﻧﺘﻜﻤﺎ ﻓﻲ ﺷﻲء إذا
ﻛﺎن ﻣﺴﺘﻌﺼﯿﺎ ،أو اﺳﺘﺨﺪام ﺗﺪﺑﯿﺮي وﺳﺤﺮي إن ﻛﺎن ﺧﺎﻓﯿﺎً‘‘.
ﻓﻨﻈﺮت ﻛﻞ ﻣﻦ ﺳﺘﻲ وزﯾﻦ اﻟﻮاﺣﺪة ﻣﻨﻬﻤﺎ إﻟﻰ اﻷﺧﺮى ،ﻛﺄﻧﻤﺎ ﺗﺘﺸﺎوران ﻓﻲ إﻓﻀﺎء اﻷﻣﺮ إﻟﯿﻪ .ﺛﻢ ﻗﺎل إﺣﺪاﻫﻤﺎ:
’’إن ﻛﻞ ﻣﺎ ﺣﺪث ﻟﻨﺎ أﻧﻨﺎ أﺻﺒﻨﺎ -ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﯾﺒﺪو -ﻣﻨﺬ ذﻟﻚ اﻟﯿﻮم ﺑﻀﯿﻖ وﻛﺮب ﻻ ﻧﺪري ﻟﻬﻤﺎ ﺳﺒﺒﺎ ،وﯾﺒﺪو أن
ﺷﯿﺌﺎ ﺑﺴﯿﻄﺎ ﻣﻦ أﺛﺮ ذﻟﻚ ﻻ ﯾﺰال ﯾﺴﺎورﻧﺎ‘‘ ..
ﻓﺄدرﻛﺖ ﻫﯿﻼﻧﺔ أﻧﻬﻤﺎ ﺗﺤﺎوﻻن ﻛﺘﻢ اﻷﻣﺮ ﻋﻨﻬﺎ .ودﻋﺎﻫﺎ ذﻟﻚ اﻹدراك إﻟﻰ ﻇﻦ أن ﯾﻜﻮن اﻷﻣﺮ ﺣﺒﺎ أو ﻏﺮاﻣﺎ
اﻧﻌﻘﺪت ﻧﻮاﺗﻪ ﻟﺪﯾﻬﻤﺎ ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﯿﻮم .إذ ﻛﺜﯿﺮا ﻣﺎ ﯾﺤﺪث ﻓﯿﻪ أن ﯾﺘﺼﺎدف اﻟﺸﺒﺎب واﻟﻔﺘﯿﺎت وﺗﺘﺒﺎدل اﻷﻟﺤﺎظ ﻣﻈﺎﻫﺮ
اﻟﻔﺘﻨﺔ واﻟﺠﻤﺎل ،وﯾﺤﺼﻞ اﻟﺘﻌﺎرف واﻟﺘﻌﻠﻖ ...ﻓﺪﻧﺖ ﻣﻨﻬﻤﺎ ،ﺛﻢ أﺧﺬت ﺗﻘﻮل ﻟﻬﻤﺎ:
’’ﯾﺒﺪو أﻧﻜﻤﺎ ﯾﺎ أﻣﯿﺮﺗﻲﱠ ﻻ ﺗﻌﻠﻤﺎن ﺑﻌﺪ ﻣﺒﻠﻎ ﻣﺎ آﺗﺎﻛﻤﺎ اﷲ ﻣﻦ ﺳﺤﺮ وﺟﻤﺎل ،وأﻧﻜﻤﺎ ﺗﺠﻠﺴﺎن ﻣﻨﻪ ﻋﻠﻰ ﻋﺮش ﻋﺰ
ﻋﻠﻰ اﻟﺪﻧﯿﺎ ﻛﻠﻬﺎ أن ﺗﺠﺪ ﻟﻜﻤﺎ ﻓﯿﻪ ﻧﻈﯿﺮا ،وإﻻ ﻷدرﻛﺘﻤﺎ أن ﻛﻞ ﺟﻤﺎل ﻓﻲ ﻫﺬه اﻟﺠﺰﯾﺮة ﺧﺎﺷﻊ ﻣﻨﺤﻦ أﻣﺎﻣﻜﻤﺎ ﺣﺘﻰ
ﺗﺜﯿﺮا اﻟﺤﯿﺮة ﻣﻦ أﺟﻠﻪ وﺗﺬﻛﯿﺎ ﻧﺎر اﻟﻘﻠﺐ ﻣﻦ وراﺋﻪ ؟ وﻫﻼ أﺧﺒﺮﺗﻤﺎﻧﻲ ﻋﻨﻪ ﺣﺘﻰ ﺗﻌﺮﻓﺎ ﻛﯿﻒ ﯾﺄﺗﻲ أﺳﯿﺮا ﻓﻲ ﻗﯿﻮد
اﻟﻬﻮى ،ذﻟﯿﻼ ﺗﺤﺖ ﺳﻠﻄﺎن ﻫﺬا اﻟﺴﺤﺮ ؟!! ‘‘ .
ﻓﺄﺟﺎﺑﺘﻬﺎ ﺳﺘﻲ:
’’ﻟﯿﺲ ﻫﺬا اﻟﺬي ﺗﻈﻨﯿﻦ أﯾﺘﻬﺎ اﻟﺨﺎﻟﺔ ﻫﻮ اﻟﺴﺒﺐ ﻓﻲ ﺣﯿﺮﺗﻨﺎ ...إﻧﻤﺎ اﻟﺴﺒﺐ ﻓﻲ ذﻟﻚ ﺷﻲء آﺧﺮ ...ﻛﻨﺎ ﻧﻮد أن
ﻧﺴﺘﻄﯿﻊ إﯾﻀﺎﺣﻪ واﻹﺑﺎﻧﺔ ﻋﻨﻪ ﺣﺘﻰ ﺗﻌﺎﻟﺠﯿﻪ ﻟﻨﺎ ﺑﺪﻫﺎﺋﻚ وﺗﺪﺑﺮﯾﻚ .وﻟﻜﻨﻪ ﻟﻐﺰ ...ﻟﻐﺰ ﻣﻘﻔﻞ ﻣﻦ ﻛﻞ ﺟﻮاﻧﺒﻪ ﻻ ﻧﻔﻬﻢ
ﺷﯿﺌﺎ ﻋﻨﻪ .ﻛﻞ ﻣﺎ ﻧﺴﺘﻄﯿﻊ ﺑﯿﺎﻧﻪ ﻫﻮ أن ﻧﻘﻮل ﻟﻚ اﻟﻘﺼﺔ اﻟﺘﻲ ﺟﺮت ...واﻷﻣﺮ اﻟﺬي رأﯾﻨﺎه‘‘...
وﻫﻨﺎ ﺗﺒﺴﻄﺖ اﻟﻌﺠﻮز ﻓﻲ ﺟﻠﺴﺘﻬﺎ ،وﻣﺪت وﺟﻬﻬﺎ ﻧﺤﻮ ﺳﺘﻲ ﺑﻌﺪ أن أﺳﻨﺪت أﺳﻔﻠﻪ إﻟﻰ ﻛﻔﻬﺎ ﻗﺎﺋﻠﺔ:
’’ﺣﺪﺛﯿﻨﻲ ﯾﺎ اﺑﻨﺘﻲ ﻋﻦ اﻟﻘﺼﺔ ..ﻓﻼ ﺑﺪ ﻟﻲ إن ﺷﺎء اﷲ ﻣﻦ ﻛﺸﻒ ﺳﺮﻫﺎ وﺣﻞ ﻟﻐﺰﻫﺎ ‘‘..
وﻣﻀﺖ ﺗﺤﺪﺛﻬﺎ ﺳﺘﻲ اﻟﻘﺼﺔ ﻗﺎﺋﻠﺔ:
’’ﺑﯿﻨﻤﺎ ﻛﻨﺎ ﻧﻤﺸﻲ ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﯿﻮم ...ﯾﻮم اﻟﺮﺑﯿﻊ ﺑﯿﻦ اﻟﻤﺮوج واﻟﺮﯾﺎض ،إذ ﻓﺎﺟﺄﺗﻨﺎ ﻏﺎدﺗﯿﻦ ﻟﻢ ﻧﺮ ﻣﺜﻠﻬﻤﺎ ﻟﻄﻔﺎ
وﺟﻤﺎﻻ ﺗﻘﺒﻼن ﻧﺤﻮﻧﺎ ﻓﻲ ﻟﻬﻔﺔ ﺑﺎدﯾﺔ وﺑﺨﻂ ﻣﺘﻌﺜﺮة .ﺣﺘﻰ إذ أﺻﺒﺤﺘﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﻘﺮﺑﺔ ﻣﻨﺎ إذا ﺑﻌﺎﺻﻒ ﻣﻦ اﻟﺬﻫﻮل
اﻟﺸﺪﯾﺪ ﯾﻌﺼﻒ ﺑﻬﻤﺎ وﯾﻄﺮﺣﻬﻤﺎ ﻓﻲ ﺟﺎﻧﺐ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ اﻻرض ...ودﻧﻮﻧﺎ إﻟﯿﻬﻤﺎ ﻟﻨﻨﻈﺮ ﻓﻲ ﺷﻜﻠﯿﻬﻤﺎ وﻧﺴﺘﻜﺸﻒ
ﺷﺨﺼﯿﻬﻤﺎ ،وﻟﻜﻨﻨﺎ ﻟﻢ ﻧﺴﺘﻄﻊ أن ﻧﻔﻬﻢ ﻋﻨﻬﻤﺎ ﺷﯿﺌﺎ ،ﻓﻘﺪ ﻛﺎﻧﺘﺎ ﺗﺒﺪوان ﻏﺮﯾﺒﺘﯿﻦ ﻓﻲ زﯾﻬﻤﺎ وﻣﻼﻣﺤﻬﻤﺎ.
ووﻗﻔﻨﺎ ﻓﺘﺮة أﻣﺎم ﻣﻨﻈﺮﻫﻤﺎ وﻫﻤﺎ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻐﯿﺒﻮﺑﺔ وﻗﺪ ﺳﺮى ﺗﺄﺛﯿﺮ ﺷﺪﯾﺪ ﻣﻨﻪ إﻟﻰ ﻧﻔﺲ ﻛﻞ ﻣﻨﺎ ،وﺷﻌﺮﻧﺎ ﺑﺮوﺣﯿﻦ
ﺳﺮﻋﺎن ﻣﺎ ﻃﺎﻓﺘﺎ ﺣﻮل ﻗﻠﺒﯿﻨﺎ ﺛﻢ اﺳﺘﻘﺮﺗﺎ ﻓﻲ ﺳﻮﯾﺪاﺋﻪ ...ﻓﺈذا ﺑﻬﻤﺎ ﯾﺨﻔﻘﺎن ﺑﻤﻌﺎن ﻛﺜﯿﺮة ﻣﻦ ﺑﻌﻀﻬﺎ اﻟﺤﻨﺎن
واﻟﺤﺐ.
ﻛﺎﻧﺘﺎ ﺗﺒﺪوان أﯾﺘﻬﺎ اﻟﺨﺎﻟﺔ ﻛﺄﺑﺪع ﻛﺂﺳﯿﻦ ﺻﺎﻓﯿﯿﻦ ،وإن ﻛﻨﺎ ﻧﺤﻦ اﻟﺨﻤﺮ اﻟﺘﻲ ﺗﺘﺮﻗﺮق ﻓﯿﻬﻤﺎ ،ﺑﻞ ﻛﺎﻧﺘﺎ ﻛﺄﺟﻤﻞ
ﻣﺼﺒﺎﺣﯿﻦ ﻣﻀﯿﺌﯿﻦ وإن ﻛﻨﺎ ﻧﺤﻦ اﻟﻨﻮر اﻟﻤﺘﻮﻗﺪ ﻣﻦ ذﺑﺎﻟﺘﻬﻤﺎ .ﺑﻞ ﻛﺎﻧﺖ ﻓﻲ ﺷﻜﻞ أزﻫﻰ ﻣﺮآﺗﯿﻦ وﺿﯿﺌﺘﯿﻦ ،وإن
ﻛﻨﺎ ﻧﺤﻦ اﻟﺸﻤﺴﯿﻦ اﻟﻠﺘﯿﻦ ﺗﺸﻌﺎن ﻣﻨﻬﻤﺎ.
ﺛﻢ ﺗﺮﻛﻨﺎﻫﻤﺎ أﯾﺘﻬﺎ اﻟﺨﺎﻟﺔ ﻋﻠﻰ ﺗﻠﻚ اﻟﺤﺎﻟﺔ وﻣﻀﯿﻨﺎ ...دون أن ﻧﻌﻠﻢ ﻣﺎ اﻟﺬي ﺗﻢ ﺑﺸﺄﻧﻬﻤﺎ .ﺑﻞ ﻟﻢ ﻧﺪر أﻛﺎن ذﻟﻚ
ﺣﻘﯿﻘﺔ أم رأﺗﻪ أﻋﯿﻨﻨﺎ ،أم ﺣﻠﻤﺎ ﻣﻦ أﺣﻼم ﺗﻠﻚ اﻟﻄﺒﯿﻌﺔ ﺻﻮرﺗﻬﺎ ﻟﻨﺎ ﺧﻤﺮﻫﺎ ؟!! ‘‘.
ﻓﺄﻃﺮﻗﺖ اﻟﻌﺠﻮز ﺑﺮأﺳﻬﺎ ﺗﺤﻤﻠﻖ ﻓﻲ اﻷرض وﻗﺪ أدﻫﺸﻬﺎ ﻣﺎ ﺳﻤﻌﺖ ،ﺛﻢ ﻧﻈﺮت إﻟﯿﻬﻤﺎ وﻗﺎﻟﺖ:
’’ﺑﻞ أﻇﻦ ﯾﺎ أﻣﯿﺮﯾﺘﻲ اﻟﺼﻐﯿﺮة أن ذﻟﻚ ﻛﻤﺎ ﻗﻠﺖ ﺣﻠﻤﺎ ﻣﻦ أﺣﻼم اﻟﻄﺒﯿﻌﺔ ..أﻣﺎ أﻧﻪ ﻛﺎن ﺣﻘﯿﻘﺔ رأﺗﻬﺎ ﻋﯿﻨﺎﻛﻤﺎ ،
وأﻣﺎ أﻧﻪ ﯾﻘﯿﻨﺎ ﻗﺪ ﺗﻌﻠﻖ ﻗﻠﺒﺎﻛﻤﺎ ﻣﻦ ﻛﻞ ذﻟﻚ اﻟﺠﻤﻊ اﻟﺤﺎﺷﺪ ﻣﻦ اﻟﺸﺒﺎب واﻟﻔﺘﯿﺎن ﺑﺘﯿﻨﻚ اﻟﺠﺎرﯾﺘﯿﻦ اﻟﻤﺠﻬﻮﻟﺘﯿﻦ .
ﻓﺬﻟﻚ أﻣﺮ ﻣﺴﺘﺤﯿﻞ أو ﻟﻌﻠﻪ واﻗﻊ ﻛﻤﺎ ﺗﻘﻮﻟﯿﻦ ،وﻟﻜﻨﻜﻤﺎ ﺗﻤﻨﯿﺘﻤﺎ ﻣﺜﻞ ﺗﯿﻨﻚ اﻟﺠﺎرﯾﺘﯿﻦ أﻃﻔﺎﻻ ﻟﻜﻤﺎ .ﻻ أﻧﻜﻤﺎ ﺷﻐﻔﺘﻤﺎ
ﺑﻬﻤﺎ ﺣﺒﺎ ﻣﻦ دون اﻟﺮﺟﺎل.
ﻣﻦ اﻟﺬي -ﯾﺎ ﺑﻨﯿﺘﻲ -ﯾﺼﺪق أن اﻟﻤﺮأة ﯾﺘﻢ ﺟﻤﺎﻟﻬﺎ إﻻ إذا ﻛﺎن اﻟﺮﺟﻞ ﻫﻮ ﻣﺮآة ذﻟﻚ اﻟﺠﻤﺎل ،وﻣﻦ اﻟﺬي ﯾﺼﺪق أن
اﻟﺮﺟﻞ ﯾﻤﻜﻦ أن ﯾﻜﻮن ﻟﺠﻤﺎﻟﻪ ﻣﻌﻨﻰ ﻟﻮ ﻟﻢ ﺗﺄت اﻟﻤﺮأة ﻟﺘﻀﻊ ﻓﯿﻪ ذﻟﻚ اﻟﻤﻌﻨﻰ ؟ وﻫﻞ أﺛﺒﺖ ﺟﻤﺎل ﻟﯿﻠﻰ وﻓﺘﻨﺔ ﺣﺴﻨﻬﺎ
ﻟﻮ ﻟﻢ ﯾﻨﻌﻜﺲ إﻟﯿﻬﺎ ﺗﺎج ’’ ﺧﺎﺳﺮو ‘‘ وﺳﻠﻄﺎﻧﻪ !! وﻫﻞ ﺳﻤﻊ أﺣﺪ ﻓﻲ اﻟﻨﺎس أن زﻫﺮة ﻗﺪ اﻓﺘﺘﻨﺖ ﺑﺎﻟﺰﻫﺮ أو أن
ﺑﻠﺒﻼ ﻏﻨﻰ ﻓﻮق أﻋﺸﺎش اﻟﺒﻼﺑﻞ ؟؟!
ﻻ ﯾﺎ أﻣﯿﺮﺗﻲﱠ اﻟﻔﺎﺗﻨﺘﯿﻦ ،ﻟﯿﺲ ﻫﺬا اﻟﺬي ﺗﻘﻮﻻﻧﻪ إﻻ وﻫﻤﺎ ﻣﻦ اﻟﺨﯿﺎل أو ﺣﻠﻤﺎ ﻣﻦ اﻷﺣﻼم .ﻓﻼ ﺗﺪﻋﺎ ﻟﻠﻮﻫﻢ واﻷﺣﻼم
ﻣﺠﺎﻻ إﻟﻰ ﻗﻠﺒﯿﻜﻤﺎ...‘‘.
ﻓﺎﺑﺘﺪرﺗﻬﺎ زﯾﻦ ﻗﺎﺋﻠﺔ:
’’وﻟﻜﻨﻚ ﻗﻠﺖ ﻟﻨﺎ أن ﻟﺪﯾﻚ ﻣﻦ اﻟﺘﺪﺑﯿﺮ واﻟﻌﺰاﺋﻢ واﻟﺪﻫﺎء ﻣﺎ ﺗﺴﺘﻄﯿﻌﯿﻦ اﻟﻜﺸﻒ ﺑﻪ ﻋﻦ ﻛﻞ ﻟﻐﺰ وﺧﺎﻓﯿﺔ .ﻓﻬﻼ
اﺳﺘﻌﻤﻠﺖ ﺷﯿﺌﺎ ﻣﻦ ذﻟﻚ ﻓﻲ ﺣﻞ ﻫﺬا اﻟﻠﻐﺰ ..أم ﯾﺒﺪو أن ﻋﺰاﺋﻤﻚ ﻗﺪ ﺧﺮﻓﺖ وﺗﻘﺪم ﺑﻬﺎ اﻟﺴﻦ ،ﻓﻠﻢ ﺗﻌﺪ ﺗﺼﻠﺢ ﻟﺸﻲء
.
أﻣﺎ أن ﺣﺪﯾﺜﻨﺎ ﻫﺬا ﺧﯿﺎل أو وﻫﻢ ﻓﻠﯿﺲ ﻛﺬﻟﻚ ،وﻣﺎ ﻫﻮ واﷲ إﻻ اﻟﺤﻘﯿﻘﺔ اﻟﺘﻲ ﺷﺎﻫﺪﻧﺎﻫﻤﺎ ﺑﺄﻋﯿﻨﻨﺎ ،وﻟﻘﺪ دﺧﻞ ﺣﺐ
ﺗﯿﻨﻚ اﻟﺠﺎرﯾﺘﯿﻦ ﻓﻲ ﻗﺮارة ﻗﻠﺐ ﻛﻞ ﻣﻨﺎ .وﺳﻮاء أﻛﺎﻧﺘﺎ ﻓﻲ اﻟﺤﻘﯿﻘﺔ ﻣﻠﻜﯿﻦ أو ﺷﯿﻄﺎﻧﯿﻦ أو اﻣﺮأﺗﯿﻦ ،ﻓﺈن ﻋﻨﺪﻧﺎ
ﻣﻨﻬﻤﺎ ﻫﺬا اﻟﺒﺮﻫﺎن اﻟﺬي ﯾﺆﻛﺪ أن ﻣﺎ رأﯾﻨﺎه ﺣﻘﯿﻘﺔ ﻻ ﺧﯿﺎل ،وﻫﻮ ﻫﺬان اﻟﺨﺎﺗﻤﺎن اﻟﻠﺬان ﺳﻠﻠﻨﺎﻫﻤﺎ ﺣﯿﻨﺬاك ﻣﻦ
إﺻﺒﻌﯿﻬﻤﺎ ﻟﯿﻜﻮﻧﺎ ﻋﻮﻧﺎ ﻟﻨﺎ ﻓﻲ اﻟﺒﺤﺚ ﻋﻨﻬﻤﺎ‘‘ .
وﻋﻤﺪت إﻟﻰ اﻟﺨﺎﺗﻤﯿﻦ ﻓﺄﻟﻘﺖ ﺑﻬﻤﺎ إﻟﯿﻬﺎ.
ﻓﺘﻠﻘﻔﺘﻬﻤﺎ اﻟﻌﺠﻮز ،وﻣﻀﺖ ﺗﺤﻤﻠﻖ ﻓﯿﻬﻤﺎ وﺗﻘﻠﺒﻬﻤﺎ وﺗﻤﻌﻦ ﻓﻲ ﺷﻜﻠﯿﻬﻤﺎ ،ﺛﻢ ﻫﺰت رأﺳﻬﺎ وﻗﺎل:
’’أﻣﺎ اﻵن ﻓﺄﺳﺘﻄﯿﻊ أن أﻓﻬﻢ ﺷﯿﺌﺎ ﻣﻤﺎ ﺗﻘﻮﻻن ،وأﺳﺘﻄﯿﻊ أن أﻗﻮل ﻟﻜﻤﺎ إﻧﻲ ﻋﺜﺮت ﻋﻠﻰ ﺧﯿﻮط ﻫﺬا اﻟﺴﺮ اﻟﺬي ﻻ
ﺑﺪ ﻟﻲ ﻣﻦ ﻛﺸﻒ ﻗﻨﺎﻋﻪ .وﻟﻜﻦ ﻻ ﺑﺪ ﻟﺬﻟﻚ ﻟﻲ ﻣﻦ ﻣﻬﻠﺔ ،وﻻ ﺑﺪ أﯾﻀﺎ ﻣﻦ ﺑﻘﺎء ﻫﺬﯾﻦ اﻟﺨﺎﺗﻤﯿﻦ ﻟﺪي‘‘..
ﻓﺄﺟﺎﺑﺘﺎﻫﺎ إﻟﻰ ذﻟﻚ ﺑﺸﺮط أن ﺗﺤﺎﻓﻆ ﻋﻠﯿﻬﻤﺎ ﻣﺤﺎﻓﻈﺔ ﺷﺪﯾﺪة ،وأن ﺗﻜﺘﻢ اﻟﻤﻮﺿﻮع ﻛﺘﻤﺎﻧﺎ ﺗﺎﻣﺎ ﻋﻦ ﻛﻞ واﺣﺪ.
ﺛﻢ إﻧﻬﺎ ﻗﺎﻣﺖ ﻋﻦ ﻣﺠﻠﺴﻬﻤﺎ ﺑﻌﺪ أن ﻧﻔﺤﺘﺎﻫﺎ ﻗﺴﻄﺎ ﻛﺒﯿﺮا ﻣﻦ اﻟﻤﺎل ،ووﻋﺪﺗﺎﻫﺎ ﺑﺎﻟﻤﺰﯾﺪ ﻋﻨﺪ ﻧﺠﺎﺣﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﻤﻬﻤﺔ.
وإن ﻫﻮ إﻻ أﻣﺪ ﻗﺼﯿﺮ ﺣﺘﻰ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻌﺠﻮز ﻗﺪ أوﺻﻠﺖ ﻧﻔﺴﻬﺎ إﻟﻰ ﺷﯿﺦ ﻫﺮم ﻓﻲ ﺑﻌﺾ أﺟﺰاء اﻟﺠﺰﯾﺮة أﻣﻀﻰ ﺣﯿﺎﺗﻪ
ﻛﻠﻬﺎ ﻓﻲ ﻋﻠﻮم اﻟﺤﺮف وﺣﺴﺎﺑﻪ ،ﺣﯿﺚ ﻧﻘﺪﺗﻪ دﯾﻨﺎرا ،ﺛﻢ ﺟﻠﺴﺖ إﻟﯿﻪ ﺗﻘﻮل:
’’ﻟﻲ ﻃﻔﻼن ﯾﺘﯿﻤﺎن أﯾﻬﺎ اﻟﺸﯿﺦ ﻫﻤﺎ ﺳﺎﺋﺮ ﻣﺎ ﺑﻘﻲ ﻟﻲ ﻣﻦ أﻣﻞ ﻓﻲ اﻟﺤﯿﺎة ﺧﺮﺟﺎ ﻣﻊ ﻫﺆﻻء اﻟﻨﺎس -ﺑﺤﻜﻢ
ﻃﻔﻮﻟﺘﻬﻤﺎ -إﻟﻰ اﻟﻔﻼة ﻓﻲ ﯾﻮم ﻋﯿﺪ اﻟﺮﺑﯿﻊ وﻫﻤﺎ ﺑﻜﺎﻣﻞ وﺿﻌﻬﻤﺎ اﻟﻄﺒﯿﻌﻲ وﻋﻠﻰ أﺣﺴﻦ ﻣﺎ ﯾﻜﻮﻧﺎن رﺷﺪا وﻋﻘﻼ ،
ﻓﻠﻤﺎ ﺟﺎء اﻟﻤﺴﺎء ﻋﺎدا إﻟﻰ اﻟﺒﯿﺖ وﻗﺪ ﺗﺸﻌﺜﺖ ﻫﯿﺄﺗﻬﻤﺎ ،وﺗﻤﺰق ﻟﺒﺎﺳﻬﻤﺎ ،ذاﻫﻠﯿﻦ ﻻ ﯾﻤﻠﻜﺎن وﻋﯿﺎ وﻻ إﺣﺴﺎﺳﺎ ،
ﻣﺸﺪوﻫﯿﻦ ﻛﺄﻧﻤﺎ ﻗﺪ أﺻﯿﺒﺘﺎ ﺑﻤﺲ ﻓﻲ ﻋﻘﻠﯿﻬﻤﺎ .وﻫﻤﺎ -أﯾﻬﺎ اﻟﺸﯿﺦ -إﻟﻰ ﻫﺬه اﻟﺴﺎﻋﺔ ﻋﻠﻰ ﻫﺬا اﻟﻮﺿﻊ اﻟﻐﺮﯾﺐ
اﻟﺬي ﻟﻢ أﻓﻬﻢ ﻟﻪ ﺗﺄوﯾﻼ.
وﻟﻘﺪ ﺟﺌﺘﻚ ﺑﺨﺎﺗﻤﯿﻦ ﻟﻬﻤﺎ ،ﻟﻢ أﻟﻤﺤﻬﻤﺎ ﻓﻲ ﯾﺪﯾﻬﻤﺎ إﻻ ﻣﻨﺬ ذﻟﻚ اﻟﯿﻮم -وﯾﺨﯿﻞ إﻟﻲﱠ أن ﻓﯿﻬﻤﺎ ﺳﺮ اﻟﺨﻤﺮة اﻟﺘﻲ
أودت ﺑﻌﻘﻠﯿﻬﻤﺎ إﻟﻰ ﻫﺬا اﻟﺬﻫﻮل -ﻟﻜﻞ ﺗﺴﺘﻌﯿﻦ ﺑﻬﻤﺎ ﻓﻲ اﺳﺘﺨﺪام ﻃﺎﻗﺘﻚ ﻻﻛﺘﺸﺎف ﺣﺎل ﻫﺬﯾﻦ اﻟﻄﻔﻠﯿﻦ وﺑﯿﺎن ﺣﻘﯿﻘﺔ
ﻫﺬا اﻟﺒﻼء اﻟﻤﺘﺸﺒﺚ ﺑﻬﻤﺎ ،أﻫﻮ ﺻﺮع وﺟﻨﻮن ..أم ﺧﻤﺮ ﻫﻮ وﻋﺸﻖ ..أم ﻫﻮ ﻣﺎذا ؟؟ !!
ذﻟﻚ رﻣﺰ أﻟﻘﯿﺘﻪ إﻟﯿﻚ أﯾﻬﺎ اﻟﺸﯿﺦ ﻓﺎﻓﻬﻤﻪ .وﻫﻨﺎك ﺳﺮ دﻓﯿﻦ ﻓﻲ ﻫﺬﯾﻦ اﻟﺨﺎﺗﻤﯿﻦ ﻓﺎﻋﻠﻤﻪ .وﺣﺴﺒﻚ أن ﺗﺮﺷﺪﻧﻲ إﻟﻰ
ﺻﺎﺣﺒﯿﻬﻤﺎ ،وﺗﻨﺒﺌﻨﻲ أﻫﻤﺎ ﻣﻠﻜﺎن ﯾﺠﻮﺑﺎن اﻟﺴﻤﺎء ،أم ﺷﯿﻄﺎﻧﺎن ﺗﺤﺖ اﻟﻄﻮاﯾﺎ اﻟﺴﺒﻊ ،أم ﺑﺸﺮان ﻣﺜﻠﻨﺎ ﻓﻮق أدﯾﻢ
اﻷرض ؟! ‘‘ .
ﻓﺄﺧﺬ اﻟﺸﯿﺦ اﻟﺨﺎﺗﻤﯿﻦ ،ﺛﻢ أﻛﺐ ﻋﻠﻰ دﻓﺎﺗﺮه وﺣﺴﺎﺑﻪ ...وأﺧﺬ ﯾﻨﻬﻤﻚ ﻣﺮة ﻓﻲ اﻟﺤﺴﺎب واﻟﺘﺮﻗﯿﻢ ،وﻣﺮة ﻓﻲ
اﻹﻃﺮاق واﻟﺘﻔﻜﯿﺮ.
وﺑﻌﺪ ﻗﻠﯿﻞ رﻓﻊ رأﺳﻪ إﻟﻰ اﻟﻌﺠﻮز ،وأﺧﺬ ﯾﻨﻈﺮ إﻟﯿﻬﺎ ﺑﻌﯿﻨﯿﻦ ذاوﯾﺘﯿﻦ ﻗﺪ ﺗﻐﻀﻦ ﻣﺎ ﺣﻮﻟﻬﻤﺎ ﻗﺎﺋﻼ :
’’أو ﻻ ﺑﺪ ﻣﻦ ﻛﻞ ﻫﺬا اﻟﻜﺬب واﻟﺘﺰوﯾﺮ أﯾﺘﻬﺎ اﻟﻤﺎﻛﺮة اﻟﻌﺠﻮز ..؟
ﺗﻘﻮﻟﯿﻦ ﻃﻔﻼك اﻟﯿﺘﯿﻤﺎن ..ﻓﻬﻼ ﺻﺪﻗﺖ وﻗﻠﺖ اﻟﺪرﺗﺎن اﻟﯿﺘﯿﻤﺘﺎن واﻟﻐﺎدﺗﺎن اﻟﻨﺎدرﺗﺎن ؟ وﺗﻘﻮﻟﯿﻦ ﺻﺮع ..وﻣﺲ ..
وﺟﻨﻮن ..ﻓﻬﻼ أوﺿﺤﺖ اﻟﺤﻘﯿﻘﺔ اﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﻣﺲ اﻟﺮوح ﻟﻠﺮوح ،وﺗﻌﻠﻖ ﻗﻠﺐ ﺑﺂﺧﺮ ؟
أﻣﺎ ﻫﺬان اﻟﺨﺎﺗﻤﺎن ،ﻓﻠﯿﺲ ﺻﺎﺣﺒﺎﻫﻤﺎ ﻣﻠﻜﯿﻦ ﻓﻲ اﻟﺴﻤﺎء وﻻ ﺷﯿﻄﺎﻧﯿﻦ ﻣﻦ اﻟﺠﻦ ،وﻟﻜﻨﻬﻤﺎ ﺷﺎﺑﺎن ﻣﻌﺬﺑﺎن ﺿﺎع
ﻗﻠﺒﺎﻫﻤﺎ ﻣﻨﺬ ذﻟﻚ اﻟﯿﻮم اﻟﻤﺸﻬﻮد وراء ﻫﺎﺗﯿﻦ اﻟﻐﺎدﺗﯿﻦ اﻟﻠﺘﯿﻦ ﺗﻘﻮﻟﯿﻦ ﻋﻨﻬﻤﺎ ،ﻃﻔﻼك.‘‘.
ﻓﻬﺰ رأﺳﻪ ﻣﻄﺄﻃﺌﺎ وﻫﻮ ﯾﻘﻮل ’’ :ﻣﻦ ﻏﯿﺮ ﺷﻚ.‘‘ .
وﻫﻨﺎ دﻧﺖ إﻟﯿﻪ اﻟﻌﺠﻮز وﻗﺎﻟﺖ :
’’وﻟﻜﻨﻲ ﻛﻨﺖ أود أن أﻋﺮف ﻣﻦ أي اﻟﻨﺎس ﻫﻤﺎ ؟ وﻛﯿﻒ اﻟﻌﺜﻮر ﻋﻠﯿﻬﻤﺎ ؟ أﻻ ﻗﻞ ﻟﻲ أﯾﻬﺎ اﻟﺸﯿﺦ وأوﺿﺢ ،ﻓﺈن
ﻟﻚ ﻋﻨﺪي ﻓﻮق ﻣﺎ ﺗﺮﯾﺪ إن أﻧﺖ ﻛﺸﻔﺖ اﻟﺴﺘﺎر ﻋﻨﻬﻤﺎ ،أو أرﺷﺪﺗﻨﻲ إﻟﻰ ﺟﻬﺘﻬﻤﺎ وﻣﻜﺎﻧﻬﻤﺎ.‘‘.
ﻓﻘﺎل ﻟﻬﺎ ’’ :أﻣﺎ ﻫﺬا ﻓﻠﯿﺲ ﻟﻲ إﻟﻰ ﻓﻬﻤﻪ ﺳﺒﯿﻞ ،وﻛﻞ ﻣﺎ وراء اﻟﺬي أﺧﺒﺮﺗﻚ ﻋﻨﻪ ﻻ ﯾﻤﻜﻦ اﻟﺨﻮض ﻓﻲ ﺷﻲء ﻣﻨﻪ
إﻻ ﺑﺎﻟﺤﺪس واﻟﺘﺨﻤﯿﻦ .ﻏﯿﺮ أﻧﻲ أﺳﺘﻄﯿﻊ إرﺷﺎدك إﻟﻰ ﺣﯿﻠﺔ ﻗﺪ ﺗﻨﻔﺬﯾﻦ ﻣﻨﻬﺎ إﻟﻰ ﻣﻌﺮﻓﺘﻬﻤﺎ واﻹﺟﺘﻤﺎع ﺑﻬﻤﺎ ،
وﻫﻲ أن ﺗﻨﻄﻠﻘﻲ ﻓﻲ ﺷﻜﻞ ﻃﺒﯿﺒﺔ ﻣﺎﻫﺮة ﻓﺘﻄﻮﻓﻲ ﺑﻤﺨﺘﻠﻒ أﻧﺤﺎء ﻫﺬه اﻟﺠﺰﯾﺮة وﺑﯿﻮﺗﻬﺎ ،وﺗﻠﻔﺘﻲ اﻷﻧﻈﺎر ﺑﻠﺒﺎﻗﺔ
وﺑﺮاﻋﺔ ،إﻟﻰ أﻧﻚ ذات ﺧﺒﺮة ودراﯾﺔ ﺑﻤﺨﺘﻠﻒ اﻷﻣﺮاض اﻟﻨﻔﺴﯿﺔ واﻟﺠﺴﻤﯿﺔ ،وأن ﻟﺪﯾﻚ اﻟﻮﺳﺎﺋﻞ اﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ
ﻟﻤﻌﺎﻟﺠﺔ ﻣﺜﻞ ﻫﺬه اﻷﻣﺮاض وﻣﺎواﺗﻬﺎ .ﻓﻼ رﯾﺐ أن ﻫﺬﯾﻦ اﻟﺸﺎﺑﯿﻦ ﻣﻌﺬﺑﯿﻦ اﻟﯿﻮم وﻻ رﯾﺐ أﻧﻬﻤﺎ إذ ﯾﺴﻤﻌﺎن ﺑﺄﻣﺮك
ﯾﺴﺘﺪﻋﯿﺎﻧﻚ ﻟﺸﺄﻧﻬﻤﺎ وﻣﻌﺎﻟﺠﺔ أﻣﺮﻫﻤﺎ. ‘‘.
ﻓﺄﻋﺠﺒﺖ اﻟﻌﺠﻮز ﺑﻬﺬا اﻟﺮأي .ﺛﻢ أﻋﻄﺘﻪ دﯾﻨﺎرا آﺧﺮ ،وﺷﻜﺮﺗﻪ واﻧﺼﺮﻓﺖ.
اﻟﻄﺒﯿﺒﺔ اﻟﺴﺎﺋﺤﺔ
ﻟﻢ ﺗﻌﺪ اﻟﻌﺠﻮز ﻫﯿﻼﻧﺔ -ﺑﻌﺪ ﻣﻐﺎدرﺗﻬﺎ ﻟﺬﻟﻚ اﻟﺸﯿﺦ -إﻟﻰ اﻟﻘﺼﺮ ،وإﻧﻤﺎ ﺑﺎدرت ﻓﻲ إﻋﺪاد اﻟﻌﺪة وﺗﻬﯿﺌﺔ اﻟﻮﺳﺎﺋﻞ
ﻟﻜﻲ ﺗﺼﺒﺢ ﻃﺒﯿﺒﺔ .وﺑﻌﺪ ﺣﯿﻦ أﺻﺒﺤﺖ ذات ﻣﻨ ﻈﺮ ﺟﺪﯾﺪ وﺷﻜﻞ ﻏﺮﯾﺐ ...ﺣﯿﺚ ارﺗﺪت ﻓﻮق ﺛﯿﺎﺑﻬﺎ رداء ﺳﺎﺑﻐﺎ
ﻓﻀﻔﺎﺿﺎ ﻗﺪ ﺷﻖ ﻣﻦ أﻣﺎﻣﻪ ﻓﺒﺪا ﻣﻦ ﺗﺤﺘﻪ ﻣﺎ ﻋﻠﻘﺘﻪ ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﻣﻦ ﺟﻨﺒﯿﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﺤﻘﺎﺋﺐ اﻟﺘﻲ ﻣﻸت ﺑﻌﻀﻬﺎ ﺑﺰﺟﺎﺟﺎت
وﻋﻘﺎﻗﯿﺮ .. .وﺣﺸﺖ ﺑﻌﻀﻬﺎ اﻵﺧﺮ ﻣﺒﺎﺿﻊ وﻫﻨﺎت ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﻣﻦ ﻛﻞ ﻣﺎ ﯾﺤﺘﺎج إﻟﯿﻪ اﻟﻄﺒﯿﺐ اﻟﻤﺎﻫﺮ ..ﺛﻢ اﺳﺘﻮت
ﻋﻠﻰ ﻇﻬﺮﻫﺎ واﻧﻄﻠﻘﺖ ﺗﻄﻮف ﺑﺎﻷﺣﯿﺎء ،وﺗﺆم اﻟﻤﺠﺎﻟﺲ واﻟﺒﯿﻮت ،ﺗﺘﺴﻤﻊ ﺧﺒﺮ أي ﻣﺮﯾﺾ ﻣﻄﺮوح أو ﻣﺘﺄﻟﻢ
ﻣﻮﺟﻮع ،ﻟﻜﻲ ﺗﺄﺧﺬ ﻃﺮﯾﻘﻬﺎ إﻟﯿﻪ ﻣﺘﺒﺮﻋﺔ ﺑﻤﻌﺎﻟﺠﺘﻪ وﻣﻮاﺳﺎﺗﻪ.
وﻫﻜﺬا ﺑﺪأت ﺗﻮﺣﻲ إﻟﻰ اﻟﻨﺎس ﺑﺄﻣﻜﺮ أﺳﻠﻮب ﻣﺒﻠﻎ ﻣﺎ اوﺗﯿﺘﻪ ﻣﻦ ﺑﺮاﻋﺔ ﻓﻲ ﻓﻦ اﻟﻄﺐ ﺑﻤﺨﺘﻠﻒ أﻧﻮاﻋﻪ...
وﻟﻢ ﺗﻤﺾ ﺳﻮى ﺑﺮﻫﺔ ﺣﺘﻰ ﻛﺎن اﺳﻤﻬﺎ ﻗﺪ اﻧﺘﺸﺮ ﻓﻲ ﻛﺜﯿﺮ ﻣﻦ أﻧﺤﺎء اﻟﺠﺰﯾﺮة ،وﺗﺴﺎﻣﻊ اﻟﻨﺎس ﺑﺄن ﻋﺠﻮزا
ﺳﺎﺋﺤﺔ ﻗﺪ وﺻﻠﺖ إﻟﻰ اﻟﺠﺰﯾﺮة ،ﺗﻌﺎﻟﺞ أﻧﻮاع اﻻﻣﺮاض واﻷدواء اﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ ﺑﻤﻬﺎرة ﻓﺎﺋﻘﺔ .وﻛﺎن ﻣﻤﻮ وﺗﺎج اﻟﺪﯾﻦ
إذ ذاك ﻗﺪ ﺳﺎﺋﺖ ﺑﻬﻤﺎ اﻟﺤﺎل أﻛﺜﺮ ﻣﻦ اﻷول وأﺻﺒﺢ ﻛﻞ ﻣﻨﻬﻤﺎ ﻧﻬﺒﺎ ﻷﻓﻜﺎر وآﻻم ﻣﺘﻮاﺻﻠﺔ ﻣﻤﺎ ﻟﻔﺖ إﻟﯿﻬﻤﺎ أﻧﻈﺎر
ذوﯾﻬﻤﺎ ﺑﻞ ﻣﻌﻈﻢ أﺻﺤﺎﺑﻬﻤﺎ وﻟﻜﻦ دون أن ﯾﻌﻠﻢ أﺣﺪ ﺑﺤﻘﯿﻘﺔ اﻷﻣﺮ أو ﯾﺪرك ﺷﯿﺌﺎ ﻣﻤﺎ ﺣﺪث ﻟﻬﻤﺎ.
وﻟﻢ ﯾﻜﻦ -ﻓﻲ اﻟﻮاﻗﻊ -ﻣﻨﺸﺄ ﺗﻠﻚ اﻵﻻم واﻷﻓﻜﺎر واﺣﺪاً ﺑﺎﻟﻨﻈﺮ اﻟﯿﻬﻤﺎ ،ﺑﻞ ﻛﺎن ﻣﺨﺘﻠﻔﺎ إﻟﻰ ﺣﺪ ﺑﻌﯿﺪ .أﻣﺎ ﻣﻤﻮ ﻓﻘﺪ
ﻛﺎن اﻟﺴﺒﺐ ﻓﻲ ذﻟﻚ زﯾﺎدة ﺗﻌﻠﻘﻪ وﺗﻔﺎﻗﻢ وﺟﺪه ..ﻓﻠﻢ ﯾﻜﻦ ﯾﻘﺮ ﻟﻪ ﻗﺮارا أو ﯾﻠﯿﻦ ﻟﺠﻨﺒﻪ ﻣﻀﺠﻌﺎ ﻣﻨﺬ ﻋﺮف أن اﻟﺘﻲ
ﺿﺎع ﻋﻨﺪﻫﺎ رﺷﺪه إﻧﻤﺎ ﻫﻲ أﻣﯿﺮة اﻟﺠﺰﯾﺮة ..وﻣﻨﺬ أﺧﺬ ﯾﻔﻜﺮ ﻛﯿﻒ أن ﺗﻠﻚ اﻟﻐﺎدة اﻟﺤﺴﻨﺎء رأﻓﺖ ﺑﻘﻠﺒﻪ ورﻗﺖ
ﻟﺤﺎﻟﻪ ،ﻓﺘﺮﻛﺖ ﺧﺎﺗﻤﺎ اﻟﺪري ﻓﻲ ﯾﺪه ﻟﻜﻲ ﯾﻨﻮب إﺷﺮاﻗﻪ ﻋﻦ اﺑﺘﺴﺎﻣﺘﻬﺎ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﯾﻐﯿﺐ ﻃﯿﻔﻬﺎ ﻋﻨﻪ ،وﻟﻜﻲ ﯾﻘﻮم
ﻣﻘﺎﻣﻬﺎ ﻓﻲ ﻣﻮاﺳﺎﺗﻪ إذا ﺗﻠﻈﻰ ﻣﻨﻪ اﻟﻘﻠﺐ .ﻛﺎن ذﻟﻚ اﻟﺘﻔﻜﯿﺮ ﯾﺴﺘﺤﯿﻞ ﻧﺎرا ﺗﺘﻘﺪ ﻓﻲ أﺣﺸﺎﺋﻪ وﺗﺴﻌﺮ ﻛﻞ ﻣﺸﺎﻋﺮه
وأﺣﺴﺎﺳﯿﻪ ،وﻛﺎﻧﺖ ﺗﺰداد ﺛﻮرة ﻫﺬه اﻵﻻم ﻓﻲ ﻧﻔﺴﻪ ﺣﯿﻨﻤﺎ ﯾﻘﻌﺪ ﻟﯿﻔﻜﺮ ﻓﻲ ﺷﺨﺼﻪ وﻓﻲ ﻣﺮﻛﺰه اﻟﺒﺴﯿﻂ اﻟﺬي ﻻ
ﯾﺠﻌﻠﻪ اﻫﻼ ﻷن ﯾﺘﻘﺪر إﻟﻰ اﻷﻣﯿﺮ زﯾﻦ اﻟﺪﯾﻦ ﻟﺨﻄﺒﺔ أﺧﺘﻪ .ﺑﻞ ﻻ ﯾﻌﻘﻞ ﻣﻦ اﻷﻣﯿﺮ أن ﯾﻘﺒﻞ ﻣﺜﻠﻪ ﺻﻬﺮا ﻟﻪ ﻣﻦ ﺑﯿﻦ
ﻣﺨﺘﻠﻒ أﻓﺮاد ﺣﺎﺷﯿﺘﻪ ووزراﺋﻪ .ﻓﻜﺎن ذﻟﻚ ﯾﺰﯾﺪ ﻓﻲ آﻻﻣﻪ ﻣﺮارة اﻟﯿﺄس ,وﯾﺴﻠﻤﻪ إﻟﻰ زﻓﺮات ﻃﻮﯾﻠﺔ ﺗﻜﺎد ﺗﺸﻖ
ﺻﺪره.
أﻣﺎ ﺗﺎج اﻟﺪﯾﻦ ﻓﻌﻠﻰ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ أﻧﻪ أﯾﻀﺎ ﻛﺎن ﻣﺘﻌﻠﻖ اﻟﻘﻠﺐ ﺑﺼﺎﺣﺒﺔ اﻟﺨﺎﺗﻢ اﻟﺬي ﻓﻲ ﯾﺪه وﻣﻨﺼﺮﻓﺎ ﺑﻤﺸﺎﻋﺮه
ﻧﺤﻮﻫﺎ إﻧﺼﺮاﻓﺎ ﺗﺎﻣﺎ ،إﻻ أﻧﻪ ﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﯾﻘﺎﺳﻲ ﻓﻲ ذﻟﻚ ﻣﺜﻞ آﻻم ﻣﻤﻮ وﺛﻮراﺗﻪ اﻟﻨﻔﺴﯿﺔ .وﯾﺒﺪو أن اﻟﺴﺒﺐ ﻓﻲ ذﻟﻚ
ﻫﻮ أﻧﻪ ﻛﺎن ذا أﻣﻞ ﻗﻮي ﻓﻲ اﻟﻮﺻﻮل إﻟﯿﻬﺎ ،وﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﯾﺨﺎﻣﺮه ﺷﻚ ﻓﻲ أن اﻷﻣﯿﺮ ﻟﻦ ﯾﺘﺮدد ﻓﻲ ﻗﺒﻮﻟﻪ ﺻﻬﺮا ﻟﻪ ..
ﻓﻬﻮ اﺑﻦ وزﯾﺮ اﻟﺪﯾﻮان ،وﻫﻮ أﺣﺪ أﺷﻘﺎء ﺛﻼﺛﺘﻬﻢ ﻋﻤﺪة اﻷﻣﯿﺮ ﻓﻲ ﻛﺜﯿﺮ ﻣﻦ اﻟﻈﺮوف واﻻﺣﻮال ،واﻷﻣﯿﺮ ﻧﻔﺴﻪ
ﯾﺪرك أن ﻣﺼﻠﺤﺘﻪ ﺗﻘﻀﻲ ﺑﺈﻛﺮاﻣﻬﻢ وﺗﻘﺮﯾﺒﻬﻢ ﻣﻨﻪ.
وﻟﻜﻦ ﺗﺎج اﻟﺪﯾﻦ ﻛﺎن ﯾﻌﺎﻧﻲ أﻓﻜﺎرا أﺧﺮى ﺗﺆﻟﻤﻪ وﺗﺮﻫﻖ ﻣﺸﺎﻋﺮه إرﻫﺎﻗﺎ ﺷﺪﯾﺪا ،وﻻ ﯾﻬﺘﺪي إﻟﻰ ﻣﺨﻠﺺ ﻣﻨﻬﺎ !
ﻓﻘﺪ ﻛﺎن ﻣﻤﻮ ﻛﻤﺎ ﻗﻠﻨﺎ ﺻﻔﯿﻪ اﻟﻮﺣﯿﺪ ﻣﻦ دون اﻟﻨﺎس ﻛﻠﻬﻢ ،وﻛﺎن ﯾﻨﺰﻟﻪ ﻣﻦ ﻗﻠﺒﻪ ﻣﻨﺰﻟﻪ ﺷﻘﯿﻘﻪ ..ﺑﻞ أﺳﻤﻰ ﻣﻦ
ذﻟﻚ وأﻋﻈﻢ ..وﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﯾﺨﻔﻰ ﻋﻠﯿﻪ ﻣﺎ ﯾﻘﺎﺳﯿﻪ ﻣﻦ وﺟﺪ وﺗﺤﺮق ..ﻓﻜﺎن ﯾﻘﻌﺪ ﻟﯿﻔﻜﺮ ﻓﻲ أن ﻣﺮﻛﺰه ﻛﺴﻜﺮﺗﯿﺮ
ﻟﻠﺪﯾﻮان ﻻ ﯾﺆﻫﻠﻪ ﻷن ﯾﺘﻘﺪم إﻟﻰ اﻷﻣﯿﺮ ﺑﻄﻠﺐ ﯾﺪ أﺧﺘﻪ ﻣﻨﻪ ،وﻟﻜﻦ ﻻ ﯾﻌﻘﻞ أﯾﻀﺎ أن ﯾﻤﻀﻲ ﻫﻮ ﻣﺘﻨﻌﻤﺎ ﺑﻤﺮاده
ﺗﺎرﻛﺎ ﺧﻠﯿﻠﻪ اﻟﻮﺣﯿﺪ وراء ﻇﻬﺮه ﯾﺘﻘﻠﺐ ﻓﻲ ﻧﺎره .ﻓﻜﯿﻒ اﻟﺘﺪﺑﯿﺮ وﻣﺎ اﻟﻌﻤﻞ ؟! ..أﯾﻀﺤﻲ ﺑﻘﻠﺒﻪ وﺳﻌﺎدﺗﻪ ﻣﻦ أﺟﻞ
ﺻﺪﯾﻘﻪ ﻣﻤﻮ وﯾﻈﻞ إﻟﻰ ﺟﺎﻧﺒﻪ ﯾﻮاﺳﯿﻪ وﯾﻘﺎﺳﻤﻪ ﺿﺮه ؟ أم ﯾﺒﺤﺚ ﻋﻦ ﺳﺒﯿﻞ ﻹﻣﻜﺎن وﺻﻮﻟﻬﻤﺎ ﻣﻌﺎ إﻟﻰ أﻣﻨﯿﺘﻬﻤﺎ
اﻟﻤﻨﺸﻮدﺗﯿﻦ ؟ وﻟﻜﻦ ﻛﯿﻒ اﻟﻌﺜﻮر ﻋﻠﻰ ﻫﺬا اﻟﺴﺒﯿﻞ اﻟﺨﻔﻲ اﻟﺸﺎﺋﻚ ؟؟!! ..
وﻫﻜﺬا أﺿﺤﻰ ﻛﻼ اﻟﺨﻠﯿﻠﯿﻦ ﻣﻈﻬﺮا ﻟﻠﻘﻠﻖ واﻟﺘﻔﻜﯿﺮ اﻟﺪاﺋﻢ ﻣﻤﺎ ﺟﻌﻠﻬﻤﺎ ﻣﺤﻮرا ﻟﺘﻔﻜﯿﺮ اﻻﻫﻞ واﻷﻗﺮﺑﯿﻦ ،واﻟﺤﯿﺮة
ﻓﻲ ﺷﺄﻧﻬﻤﺎ.
وذات أﻣﺴﯿﺔ ،وﺑﯿﻨﻤﺎ ﻛﺎن ﻣﻤﻮ و ﺗﺎج اﻟﺪﯾﻦ ﺟﺎﻟﺴﯿﻦ ﻓﻲ رﻛﻦ ﻣﻦ ﻗﺎﻋﺪة اﻟﻀﯿﺎﻓﺔ اﻟﺘﺎﺑﻌﺔ ﻟﺪار ﺗﺎج اﻟﺪﯾﻦ وﺷﻘﯿﻘﻪ
ﻣﻊ زﻣﺮة ﻣﻦ اﻷﻫﻞ واﻷﺻﺤﺎب ﯾﺘﺴﺎﻣﺮون ،ﻣﺮت ﻣﻦ أﻣﺎﻣﻬﻢ اﻟﻄﺒﯿﺒﺔ اﻟﻌﺠﻮز وأﻟﻘﺖ اﻟﺘﺤﯿﺔ ﻋﻠﯿﻬﻢ ،وﻛﺎﻧﻮ ﻗﺪ
ﺳﻤﻌﻮا ﺑﺎﺳﻤﻬﺎ وﺗﺬاﻛﺮ ﻣﻌﻈﻤﻬﻢ ﻓﻲ اﺳﺘﺪﻋﺎﺋﻬﺎ ﻟﻌﺮض ﺣﺎﻟﺔ ﻣﻤﻮ وﺗﺎج اﻟﺪﯾﻦ ﻋﻠﯿﻬﺎ ،ﻓﺮدوا ﻋﻠﯿﻬﺎ اﻟﺘﺤﯿﺔ وﻃﻠﺒﻮا
إﻟﯿﻬﺎ اﻟﺠﻠﻮس ﻣﻌﻬﻢ ﺑﻌﺾ اﻟﻮﻗﺖ .وﺑﻌﺪ أن اﺳﺘﻘﺮ ﺑﻬﺎ اﻟﻤﺠﻠﺲ ﺳﺄﻟﻬﺎ ﻋﺎرف ﻗﺎﺋﻼ ’’ :ﻣﻦ أﯾﻦ أﻧﺘﻲ اﯾﺘﻬﺎ اﻟﺨﺎﻟﺔ
وﻣﺎ ﺷﺄﻧﻚ ؟‘‘ .
’’ -أﻣﺎ أﻧﺎ ﻓﻤﻦ ﻗﺮﯾﺔ ﺻﻐﯿﺮة ﺗﻘﻊ وراء ﻟﻚ اﻟﺠﺒﻞ وﺗﺒﻌﺪ ﻋﻨﻪ ﻗﻠﯿﻼ ،وأﻣﺎ ﺷﺄﻧﻲ ﻃﺒﯿﺒﺔ أﺳﯿﺢ ﻓﻲ أﻧﺤﺎء اﻟﺒﻼد
ﻹﻏﺎﺛﺔ اﻟﻤﺮﺿﻰ وﻣﻌﺎﻟﺠﺔ ﺷﻮؤﻧﻬﻢ..‘‘.
’’ -وﻣﺎ ﻫﻲ اﻷﻣﺮاض اﻟﺘﻲ ﺗﻌﺎﻟﺠﯿﻨﻬﺎ ؟؟‘‘ .
’’ -اﻟﻮاﻗﻊ أﻧﻨﻲ اﺷﺘﻬﺮت ﻓﻲ اﻟﻤﻬﺎرة ﻓﻲ ﻣﻌﺎﻟﺠﺔ اﻷﻣﺮاض اﻟﻨﻔﺴﯿﺔ واﻟﺮوﺣﯿﺔ ﻓﻘﻂ ..ﻏﯿﺮ أﻧﻲ اﺳﺘﻄﯿﻊ ﺑﺤﻜﻢ
ﻣﺮاﻧﻲ اﻟﻄﻮﯾﻞ ﻣﻌﺎﻟﺠﺔ ﻏﯿﺮ ذﻟﻚ أﯾﻀﺎ ﻣﻦ اﻷﻣﺮاض اﻟﺒﺪﻧﯿﺔ..‘‘.
وﻫﻨﺎ ﻓﺎﺟﺄﻫﺎ ﺗﺎج اﻟﺪﯾﻦ ﻣﻦ رﻛﻦ ﺑﻌﯿﺪ ﻓﻲ اﻟﻤﺠﻠﺲ ﻗﺎﺋﻼ :
’’ -ﻣﺬا ﺗﻌﺮﻓﯿﻦ ﻣﻦ اﻷﻣﺮاض اﻟﺮوﺣﯿﺔ اﯾﺘﻬﺎ اﻟﻄﺒﯿﺒﺔ ؟؟‘‘ .
ﻓﺎﻟﺘﻔﺘﺖ اﻟﻌﺠﻮز ﺻﻮﺑﻪ واﺧﺬت ﺗﻠﺤﻈﻪ ﺑﻌﯿﻨﯿﻬﺎ اﻟﻀﻌﯿﻔﺘﯿﻦ ﺣﯿﻨﻤﺎ ﻛﺄﻧﻤﺎ ﺗﺮﯾﺪ أن ﺗﻌﺮف ﻣﻦ ﻫﻮ ﻫﺬا اﻟﺬي ﯾﺴﺄل ﻋﻦ
اﻟﺮوح وأﻣﺮاﺿﻬﺎ.
ﺛﻢ ﻗﺎﻟﺖ ﻟﻪ وﻗﺪ ﺧﺎﻟﻬﺎ ﺷﻚ ﻓﻲ أن ﯾﻜﻮن ﻫﺬا أﺣﺪ اﻟﻠﺬﯾﻦ ﺗﺒﺤﺚ ﻋﻨﻬﺎ:
’’-أﻋﺮف ﯾﺎ اﺑﻨﻲ ﻣﻦ ﻫﺬه اﻷﻣﺮاض أﻧﻮاع ﻛﺜﯿﺮة ،ﻛﻨﺖ ﻗﺪ ﻋﺎﻟﺠﺘﻬﺎ ﻓﻲ ﻛﺜﯿﺮ ﻣﻦ اﻟﻨﺎس ،ﻓﻬﻞ ﺗﺸﻜﻮ -ﻻ ﺳﻤﺢ
اﷲ -ﺷﯿﺌﺎ ﻣﻨﻬﺎ‘‘.
وﻗﺒﻞ أن ﯾﺠﯿﺒﻬﺎ ﺗﺎج اﻟﺪﯾﻦ ﺑﺎدرﻫﺎ ﻣﻤﻮ ﻗﺎﺋﻼ :
’’-ﻣﺎ ﻫﻮ أﺷﺪ أﻧﻮاع ﻫﺬه اﻷﻣﺮاض أﯾﺘﻬﺎ اﻟﺨﺎﻟﺔ ؟؟ وﻫﻞ ﻟﻜﻲ أن ﺗﺼﻔﯿﻪ ﻟﻨﺎ وﺗﺤﺪﺛﯿﻨﺎ ﻋﻨﻪ ؟‘‘.
ﻓﻨﻈﺮت اﻟﯿﻪ وﻗﺪ ﻗﻮي ﺷﻜﻬﺎ وﻏﻠﺐ ﻋﻠﻰ ﻇﻨﻬﺎ أﻧﻬﺎ أﻣﺎم ﺿﺎﻟﺘﯿﻬﺎ اﻟﻤﻨﺸﻮدﺗﯿﻦ .ﺛﻢ ﺗﻨﻬﺪت ﺑﻌﻤﻖ وﻗﺎﻟﺖ ﻟﻪ:
’’أﺷﺪ أﻧﻮاع ﻫﺬا اﻟﻤﺮض ﯾﺎ ﺑﻨﻲ ،ﻧﻮع -ﻻ أذاﻗﻚ اﷲ إﯾﺎه -ﯾﺴﺮي ﻣﻦ اﻷﻟﺤﺎظ .وﯾﺴﻠﻚ ﻃﺮﯾﻘﻪ ﻓﻲ اﻷﻟﺤﻆ ..ﺛﻢ
ﯾﺘﺨﺬ ﻣﺴﺘﻘﺮه ﻓﻲ اﻟﻘﻠﻮب .ﻫﻮ ﻓﻲ أول أﻣﺮه رﻋﺪة ﻓﻲ اﻟﻤﺸﺎﻋﺮ ،ودﻗﺎت ﺑﯿﻦ أﻟﻮاح اﻟﺼﺪر ،وﺗﻠﻮن ﻋﻠﻰ ﻣﻼﻣﺢ
اﻟﻮﺟﻪ .ﻓﺈذا ﻧﻤﻰ وﺗﺮﻋﺮع ﻓﻬﻮ ﺑﺮق ﯾﺴﺘﻌﺮ وﻣﯿﻀﻪ ﻓﻲ اﻷﺣﺸﺎء ،ﺗﺘﻠﻈﻰ اﻟﺠﻮاﻧﺢ ﺑﻨﺎره ﻣﻦ ﻏﯿﺮ ﻟﻬﺐ ،وﯾﺸﻮى
اﻟﻔﻮاﺋﺪ ﻓﻲ وﻫﺠﻪ ﻣﻦ ﻏﯿﺮ ﺟﻤﺮ .ﺛﻢ إذا اﺳﺘﻘﺮ وﺗﻤﻜﻦ ﻓﻬﻮ ﻧﻬﺶ وﻓﺘﻚ ﻟﺴﻮﯾﺪاء اﻟﻘﻠﺐ ،ﯾﺠﺮﺣﻪ ﺑﻼ ﻣﺒﻀﻊ ،
وﯾﻨﺰﻋﻪ ﻣﻦ ﻏﯿﺮ ﺳﻨﺎن .ﻓﻬﻨﺎك ﯾﺸﺨﺐ دﻣﻪ ﻣﻨﻬﻤﺮا ﻣﻦ اﻟﻌﯿﻨﯿﻦ ،وﯾﺬوب اﻟﺠﺴﻢ ﺑﯿﻦ ﺑﻮﺗﻘﺔ اﻟﺤﺸﺎ وزﻓﺮات
اﻟﺼﺪر .وﻫﻨﺎك ﻻ ﯾﻐﻨﻲ اﻟﻄﺒﯿﺐ وﻻ ﻋﻘﺎﻗﯿﺮه وﻻ ﯾﺠﺪي ﺳﻮى أن ﺗﺘﻀﺎﻣﻦ اﻟﺮوح وﺗﺘﻄﺄ اﻟﻨﺎر ﺑﺒﺮد اﻟﻮﺻﺎل‘‘ .
وﺳﻜﺘﺖ اﻟﻌﺠﻮز ﻫﻨﺎ ..ﻓﻘﺪ ﻻﺣﻈﺖ ﻧﺸﯿﺠﺎ ﻗﻮﯾﺎ ﺑﺪا ﯾﺘﻌﺎﻟﻰ ﻣﻦ ﺻﺪر ﻣﻤﻮ اﻟﺬي ﻟﻢ ﯾﻌﺪ ﯾﻤﻠﻚ دﻣﻮﻋﻪ ،واﺻﻔﺮارا
ﺷﺪﯾﺪا ﺗﻠﻄﻊ ﺑﻪ وﺟﻪ ﺗﺎج اﻟﺪﯾﻦ اﻟﺬي أﻃﺮق ذاﻫﻼ ،واﺗﻔﺘﺖ إﻟﻰ ﺑﻘﯿﺔ اﻟﺠﺎﻟﺴﯿﻦ وﻗﺪ ﺧﺸﻌﺖ ﻣﻼﻣﺤﻬﻢ ،وداﺧﻠﺘﻬﻢ
رﻗﺔ ﺷﺪﯾﺪة ﻣﻦ أﺟﻞ ذﯾﻨﻚ اﻟﻤﺴﻜﯿﻨﯿﻦ اﻟﺬﯾﻦ ﻟﻢ ﺗﻌﺪ ﺗﺸﻚ ﻓﻲ أﻧﻬﻤﺎ ﺿﺤﯿﺘﺎ اﻷﻣﯿﺮﺗﯿﻦ ﻓﻲ اﻟﯿﻮم اﻟﺘﺎرﯾﺨﻲ اﻟﻔﺎﺋﺖ.
ﺛﻢ أﻧﻬﺎ ﻗﺎﻣﺖ ﻣﻦ ﻣﻜﺎﻧﻬﺎ ﺗﺆم اﻟﺮﻛﻦ اﻟﺬي ﻛﺎﻧﺎ ﯾﻘﺒﻌﺎن ﻓﯿﻪ ورﺑﺘﺖ ﻋﻠﻰ ﻛﺘﻔﯿﻬﻤﺎ ﻗﺎﺋﻠﺔ:
’’ﻻ ﺑﺪ أﻧﻜﻤﺎ ﯾﺎ وﻟﺪي ﺗﻌﺎﻧﯿﺎن ﻣﺠﻬﻮدا أو أﻟﻤﺎ ﻣﻦ ﻫﺬا اﻟﻨﻮع ،وﻟﻜﻦ ﻻﺿﯿﺮﻋﻠﯿﻜﻤﺎ ،ﻓﺈن دواﺋﻜﻤﺎ ﻋﻨﺪي‘‘.
ﺛﻢ ﺗﻮﺟﻬﺖ إﻟﻰ ﺑﻘﯿﺔ اﻟﺤﺎﺿﺮﯾﻦ وﻗﺎﻟﺖ:
’’-ﻻ ﺑﺪ ﻟﻲ ﻣﻦ ﺗﺸﺨﯿﺺ أﻣﺮ ﻫﺬﯾﻦ اﻟﺸﺎﺑﯿﻦ ،وﻻﺑﺪ أن ﯾﻜﻮن ذﻟﻚ ﻋﻠﻰ ﺧﻠﻮة ﻣﻌﻬﻤﺎ ،ﻓﻬﻞ أﺳﺘﻄﯿﻊ أن اﻟﺘﻤﺲ
ﻣﻨﻜﻢ اﻟﻤﻮاﻓﻘﻪ ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ!! ‘‘ .
وﺑﻌﺪ ﻗﻠﯿﻞ ..ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻐﺮﻓﺔ ﻗﺪ أﺻﺒﺤﺖ ﺧﺎﻟﯿﻪ إﻻ ﻣﻦ اﻟﻤﺮﯾﻀﯿﻦ ..وﻃﺒﯿﺒﺘﻬﻤﺎ اﻟﺘﻲ أﺧﺬت ﺗﺴﺮح ﻓﯿﻬﻤﺎ وﺗﻘﻠﺒﻪ ﻟﺘﺠﺪ
ﺷﺎﺑﯿﻦ راﺋﻌﯿﻦ ﻟﻢ ﯾﺘﺨﻄﯿﺎ رﺑﯿﻊ اﻟﻌﻤﺮ ،ﺗﺒﺪو ﻋﻠﻰ ﻣﺨﺎﯾﻞ ﻛﻞ ﻣﻨﻬﻤﺎ ﻣﻌﺎﻧﻲ اﻟﻌﺰ واﻟﻤﺠﺪ ،إﻟﻰ ﺟﺎﻧﺐ ﻣﺎ ﯾﻈﻬﺮ ﻓﻲ
ﺷﻜﻠﯿﻬﻤﺎ ﻣﻦ ﺳﯿﻤﺎ اﻟﺮوﻋﺔ واﻟﺠﻤﺎل ،ﻋﻠﻰ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻤﺎ اﺻﻄﺒﻐﺖ ﺑﻪ ﻣﻼﻣﺤﻤﺎ ﻣﻦ ﻣﻈﻬﺮ اﻟﻜﺂﺑﺔ واﻹﻧﻜﺴﺎر.
وﺑﻌﺪ أن ﻣﻀﺖ ﺗﻮاﺳﯿﻬﻤﺎ ﻣﺴﺘﺪرﺟﺔ ﻟﻬﻤﺎ ﻓﻲ اﻟﺤﺪﯾﺚ ﻋﻦ ﺷﺄﻧﻬﻤﺎ وﻗﺼﺘﻬﻤﺎ إﻟﻰ أن ﻓﻬﻤﺖ ﻛﻞ ﺷﻲء ،ﻓﺎﺑﺘﺴﻤﺖ
ﻗﺎﺋﻠﺔ:
’’ﻟﯿﻄﺐ ﺧﺎﻃﺮﻛﻤﺎ ﯾﺎ وﻟﺪي وﻟﺘﻘﺮﻋﯿﻨﺎﻛﻤﺎ ﻓﻤﺎ أﻧﺎ واﷲ إﻻ رﺳﻮﻻ ﻣﻦ أﻣﯿﺮﺗﻲ ﺑﻮﻃﺎن إﻟﯿﻜﻤﺎ ﻷﺳﺮي ﻋﻨﻜﻤﺎ
وأواﺳﻲ ﺟﺮﺣﻜﻤﺎ ،وﻫﺎ ﻫﻮ ذا ﺧﺎﺗﻢ ﻛﻞ ﻣﻨﻜﻤﺎ ...
وﻟﻢ ﺗﻜﺪ اﻟﻌﺠﻮز ﺗﻨﻄﻖ ﺑﻬﺬه اﻟﻜﻠﻤﺎت وﺗﻤﺪ ﯾﺪﻫﺎ ﻟﺘﺮﯾﻬﻤﺎ اﻟﺨﺎﺗﻤﯿﻦ ﺣﺘﻰ دار ﺑﻜﻞ ﻣﻨﻬﻤﺎ ﻓﻀﺎء ،وﻏﺸﯿﺘﻬﻤﺎ ﻣﻮﺟﺔ
ﺷﺪﯾﺪة ﻣﻦ اﻟﺬﻫﻮل ﻟﻢ ﯾﺴﺘﻄﯿﻊ ﻣﻤﻮ أن ﯾﺜﺒﺖ ﺑﺄﻋﺼﺎﺑﻪ أﻣﺎﻣﻬﺎ ﻓﻬﻮ ﻛﻄﻔﻞ ﺻﻐﯿﺮ ﯾﻘﺒﻞ إﻟﻰ أﺣﻀﺎن اﻟﻌﺠﻮز ﯾﻘﺒﻞ
أذﯾﺎﻟﻬﺎ وﯾﺘﺸﺒﺚ ﺑﺄﻃﺮاﻓﻬﺎ دون أن ﯾﻤﻠﻚ رﺷﺪا .ﺑﯿﻨﻤﺎ ﻇﻞ ﺗﺎج اﻟﺪﯾﻦ ﻓﺘﺮة ﻣﻦ اﻟﻮﻗﺖ ﻣﺸﺪوﻫﺎ ﯾﺤﻤﻠﻖ ﻓﻲ اﻟﻌﺠﻮز
دون أن ﯾﺴﺘﻄﯿﻊ ﻧﻄﻘﺎ أو ﯾﻤﻠﻚ ﺣﺮاﻛﺎ..
أﻣﺎ اﻟﻌﺠﻮز ..ﻓﻤﺎ إن أﺑﺼﺮت ﻣﻨﻈﺮﻫﻤﺎ ذاك ،وﻣﺎ آﻟﺖ إﻟﯿﻪ ﺣﺎﻟﻬﻤﺎ ،ﺣﺘﻰ داﺧﻠﺘﻬﺎ رﻗﺔ ﺷﺪﯾﺪة ﻣﻦ أﺟﻠﻬﻤﺎ ،
وﻓﺎض ﻗﻠﺒﻬﺎ ﺣﻨﺎﻧﺎ ﻟﻬﻤﺎ ورﺣﻤﺔ ،ﻓﺄﺧﺬت ﺑﯿﻤﯿﻦ ﻛﻞ ﻣﻨﻬﻤﺎ ﻗﺎﺋﻠﺔ:
’’ﻻ داﻋﻲ إﻟﻰ ﻛﻞ ﻫﺬا اﻟﻬﻢ واﻟﻐﻢ ﯾﺎ وﻟﺪي ...ﻓﻮﺣﻖ اﷲ اﻟﻤﻌﺒﻮد ﻟﻢ أدﻋﻜﻤﺎ ﻣﺎ ﺣﻔﻠﻨﻲ اﻟﺘﻮﻓﯿﻖ ﺣﺘﻰ أﺑﻠﻎ ﺑﻜﻞ
ﻣﻨﻜﻤﺎ إﻟﻰ أﻣﻨﯿﺘﻪ وﻫﻮاه ..وﻟﻦ ﯾﻄﯿﺐ ﻟﻲ اﻟﻤﻮت إﻻ ﺑﻌﺪ أن أراﻛﻢ أﻧﺘﻢ اﻷرﺑﻌﺔ ...وﻗﺪ ﺟﻤﻌﻜﻢ اﻟﺸﻤﻞ وأﻇﻠﻜﻢ ﻧﻌﯿﻢ
اﻟﻮﺻﺎل وﻣﺎ ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﻣﻨﻜﻤﺎ اﻵن -ﻟﻜﻲ أﺳﺘﻄﯿﻊ اﻟﺸﺮوع ﺑﺎﻟﻤﻬﻤﺔ ﻣﻨﺬ اﻟﺴﺎﻋﺔ -إﻻ أن ﯾﺨﺒﺮﻧﻲ ﻋﻦ اﺳﻤﻪ
وﯾﻄﻠﻌﻨﻲ ﻋﻠﻰ ﺷﺄﻧﻪ وﻣﺮﻛﺰه ﻓﻲ ﻫﺬه اﻟﺠﺰﯾﺮة .ﻛﻤﺎ وأرﺟﻮ وﻗﺪ اﺗﯿﺘﻜﻤﺎ ﺑﺨﺎﺗﻤﯿﻜﻤﺎ أن ﺗﺴﻠﻤﺎﻧﻲ ﻫﺬﯾﻦ اﻟﺨﺎﺗﻤﯿﻦ
ﻷﻋﻮد ﺑﻬﻤﺎ إﻟﻰ ﺻﺎﺣﺒﺘﯿﻬﻤﺎ ﺗﺠﻨﺒﺎ ﻹﻓﺘﻀﺎح اﻷﻣﺮ ..وﻟﻦ ﺗﻄﻮل ﻏﯿﺒﺘﻲ ﻋﻨﻜﻤﺎ ،ﺑﻞ ﻻ ﺑﺪ أن أﻋﻮد إﻟﯿﻜﻤﺎ ﻗﺮﯾﺒﺎ
ﺑﺎﻟﺠﻮاب.
ﻓﺘﻬﻠﻠﺖ أﺳﺎرﯾﺮ ﺗﺎج اﻟﺪﯾﻦ ،وﻗﺎم ﻓﺄﻋﻄﺎﻫﺎ ﺧﺎﺗﻢ ﺳﺘﻲ اﻟﺬي ﻛﺎن ﻣﻌﻪ ﺑﻌﺪ أن ﻋﺮﻓﻬﺎ ﺑﺎﺳﻤﻪ وﺷﺄﻧﻪ ،أﻣﺎ ﻣﻤﻮ ﻓﺈﻧﻪ
أﻃﺮق ﻗﻠﯿﻼ ﺛﻢ ﻗﺎل ﻟﻠﻌﺠﻮز:
’’ﻟﻌﻠﻜﻲ ﯾﺎ ﺳﯿﺪﺗﻲ ﺗﻌﺬرﯾﻨﻨﻲ إذا ﻗﻠﺖ ﺑﺄﻧﻪ ﻟﯿﺲ ﺑﻮﺳﻌﻲ إﻋﻄﺎء ﻫﺬا اﻟﺬي ﺗﺮﯾﺪﯾﻦ ..وﻟﻌﻠﻜﻲ ﺗﺼﺪﻗﯿﻨﻨﻲ إذا ﺣﻠﻔﺖ
ﻟﻜﻲ ﺑﺄن ﻫﺬا اﻟﺨﺎﺗﻢ اﻟﺬي ﻋﻨﺪي ﻫﻮ اﻟﯿﻮم ﺑﻘﯿﺔ روﺣﻲ اﻟﺘﻲ ﺗﺨﻔﻖ ﺑﯿﻦ ﺟﻨﺒﻲ ! وﻣﻦ ذا ﯾﺴﺘﻄﯿﻊ أن ﯾﻌﻤﺪ إﻟﻰ
روﺣﻪ ﻓﯿﻨﺘﺰﻋﻬﺎ ؟! ...ﻻ ﯾﺎ ﺳﯿﺪﺗﻲ ...إﻧﻨﻲ أﺗﺸﻔﻊ إﻟﯿﻚ ﺑﻨﺎري اﻟﺘﻲ ﺗﺬﯾﺐ أﺣﺸﺎﺋﻲ ،وأﺗﻮﺳﻞ إﻟﯿﻚ ﺑﺎﺳﻢ ) زﯾﻦ (
أن ﺗﺘﺮﻛﯿﻬﺎ ﻓﻲ ﻫﺬه اﻟﺒﻘﯿﺔ ﻣﻦ اﻟﺮﻣﻖ ،وﺗﺪﻋﻲ ﻫﺬا اﻟﺨﺎﺗﻢ ﻓﻲ ﯾﺪي...‘‘.
وﺳﻜﺖ ﻗﻠﯿﻼ ﻛﺄﻧﻤﺎ ﯾﻐﺎﻟﺐ آﻻﻣﺎ ﺗﺜﻮر ﻓﻲ ﻧﻔﺴﻪ .ﺛﻢ ﻣﻀﻰ ﻓﻲ ﺣﺪﯾﺜﺔ ﯾﻘﻮل:
’’واﻵن دﻋﯿﻨﻲ ﯾﺎ أﻣﺎه ..وأﻧﺘﻲ رﺳﻮل ﻗﻠﺒﻲ اﻟﻀﺎﺋﻊ ...أﺑﺜﻚ رﺳﺎﻟﺔ ﻧﻔﺴﻲ إﻟﻰ رﺑﺔ ﻫﺬا اﻟﻘﻠﺐ :ﻗﻮﻟﻲ ﻟﻬﺎ أﻧﻪ
ﻣﺴﻜﯿﻦ ﻣﻦ اﻟﻨﺎس ...ﻻ ﯾﺒﻠﻎ أن ﯾﻜﻮن ﻛﻔﺆا ﻟﺬوي اﻹﻣﺮة واﻟﺴﻠﻄﺎن .ﻏﯿﺮ أن ﺳﻬﺎم اﻟﺤﺐ ﻃﺎﺋﺸﺔ ..ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﺗﻔﺮق
ﯾﻮﻣﺎ ﻣﺎ ﺑﯿﻦ ﻓﺆاد ﻣﺴﻜﯿﻦ وأﻣﯿﺮ ،وﻫﻮ اﻟﯿﻮم ﻻ ﯾﺘﻄﺎول إﻟﻰ ﻣﺮﻛﺰ ﻟﯿﺲ أﻫﻼ ﻟﻪ ،وﻟﻜﻨﻪ ﯾﺘﻄﻠﻊ إﻟﻰ ﻋﻄﻒ ﻣﻦ
ﺷﺄن اﻻﻣﺮاء أن ﯾﺸﻤﻠﻮ ﺑﻪ ﻋﺎﻣﺔ اﻟﻨﺎس ،وﺣﺴﺒﻪ ﻣﻦ ﻫﺬا اﻟﻌﻄﻒ أن ﺗﺨﻄﺮﯾﻪ ﻋﻠﻰ ﺑﺎﻟﻚ ﺑﯿﻦ وﻗﺖ وآﺧﺮ ..وأن
ﺗﺴﺎﻟﻲ ﻋﻦ ﺣﺎﻟﻪ وﻟﻮاﻋﺠﻪ ﺑﯿﻦ اﻟﻔﯿﻨﺔ واﻷﺧﺮى‘‘...
ﻓﺘﺄﺛﺮت اﻟﻌﺠﻮز ﻣﻦ ﻟﻬﺠﺔ ﻛﻼﻣﻪ ،وﻟﻢ ﺗﺠﺪ ﺑﺪا ﻣﻦ أن ﺗﺮﺣﻤﻪ ﻓﺘﺪع اﻟﺨﺎﺗﻢ ﻓﻲ ﯾﺪه .وﺑﻌﺪ أن ﺣﺎوﻟﺖ ﻣﻮاﺳﺎﺗﻬﻤﺎ
ﻓﺘﺮة ﻣﻦ اﻟﻮﻗﺖ ﻗﺎﻣﺖ ﻓﻮدﻋﺘﻬﻤﺎ ..ووﻋﺪﺗﻬﻤﺎ ﻓﻲ اﻟﻌﻮدة ﺑﺄﻗﺮب ﺣﯿﻦ.
إﻧﻪ اﻟﺤﺐ
وﻟﻨﺴﺮع اﻵن إﻟﻰ اﻟﻘﺼﺮ ﻗﺒﻞ ﻋﻮدة اﻟﻌﺠﻮز ،ﻟﻨﻌﻠﻢ ﻣﺎ اﻟﺬي آﻟﺖ إﻟﯿﻪ ﺣﺎل ﺳﺘﻲ و زﯾﻦ ،ﻣﻨﺬ أن ﺧﺮﺟﺖ ﻣﻦ
ﻋﻨﺪﻫﻤﺎ وﻟﻢ ﺗﻌﺪ.
واﻟﻮاﻗﻊ أﻧﻬﻤﺎ أﺧﺬﺗﺎ ﺗﻨﺘﻈﺮاﻧﻬﺎ ﻋﻠﻰ أﺣﺮ ﻣﻦ اﻟﺠﻤﺮ ،وﺗﺮﻗﺒﺎن رﺟﻮﻋﻬﻤﺎ ﺑﯿﻦ ﻛﻞ ﺳﺎﻋﺔ وأﺧﺮى .ﻓﻘﺪ ﺗﺮﻛﺘﻬﻤﺎ
ﻟﺘﺬﻫﺐ ﻓﺘﺴﺘﻜﺸﻒ ﻟﻬﻤﺎ اﻟﺴﺮ اﻟﻤﺨﺒﻮء ،وﺗﺄﺗﯿﻬﻤﺎ ﺑﺎﻟﺨﺒﺮ اﻟﯿﻘﯿﻦ ﻋﻦ ﺣﻘﯿﻘﺔ ﺗﯿﻨﻚ اﻟﺠﺎرﯾﺘﯿﻦ اﻟﻠﺘﯿﻦ ﺷﻐﻠﺘﺎ ﻗﻠﺒﯿﻬﻤﺎ
و ﻓﻜﺮﯾﻬﻤﺎ ،وﻟﻜﻨﻬﻤﺎ ذﻫﺒﺖ وﻟﻢ ﺗﻌﺪ ! ..وﺑﻄﻮل ﻏﯿﺒﺘﻬﺎ ﻋﻨﻬﻤﺎ اﺳﺘﺒﺪ ﺑﻬﻤﺎ اﻟﻘﻠﻖ وزاد اﺿﻄﺮاﺑﻬﻤﺎ وﻟﻢ ﯾﻌﺪ ﯾﻘﺮ
ﻟﻬﻤﺎ ﻗﺮار ،وﯾﻬﻨﺄ ﻟﻬﻤﺎ ﻣﺄﻛﻞ أو ﻣﺸﺮب ،وأﺧﺬ اﻟﻔﻜﺮ ﯾﺬﻫﺐ ﺑﻜﻞ ﻣﻨﻬﻤﺎ ﻣﺬاﻫﺐ ﻣﺘﺸﻌﺒﺔ ﻓﯿﻤﺎ ﯾﻤﻜﻦ أن ﯾﻜﻮن
اﻟﺴﺒﺐ ﻓﻲ ﺗﺄﺧﺮ ﻋﻮدة اﻟﻌ ﺠﻮز!
وﺑﯿﻨﻤﺎ ﻛﺎﻧﺘﺎ ذات ﯾﻮم ﺟﺎﻟﺴﺘﯿﻦ ﻓﻲ إﺣﺪى ﻣﻘﺼﻮاﺗﻬﻤﺎ اﻟﺨﺎﺻﺔ ﻣﻦ اﻟﻘﺼﺮ ﺗﺘﺤﺪﺛﺎن ،إذا ﺑﻄﺎرق ﯾﺴﺘﺄذﻧﻬﻤﺎ ﻓﻲ
اﻟﺪﺧﻮل .وﻣﺎ إن ﺗﻮﺟﻪ ﻧﻈﺮﻫﻤﺎ ﻧﺤﻮ اﻟﺒﺎب ،ﺣﺘﻰ أﺑﺼﺮﺗﺎ اﻟﻌﺠﻮز ﺑﻮﺟﻬﻬﺎ اﻟﻤﺘﻐﻀﻦ وﻇﻬﺮﻫﺎ اﻟﻤﻨﺤﻨﻲ واﻗﻔﺔ
أﻣﺎﻣﻬﻤﺎ ،ﺗﺮﻣﻘﻬﻤﺎ ﺑﺎﺑﺘﺴﺎﻣﺔ ﻋﺮﯾﻀﺔ ذات ﻣﻐﺰى...
وﻫﺒﺖ اﻷﻣﯿﺮﺗﺎن ﺗﻄﻮﻗﺎﻧﻬﺎ ،وﺗﺒﺜﺎﻧﻬﺎ ﺷﻮﻗﻬﻤﺎ ،ﺛﻢ أﺳﺮﻋﺘﺎ ﻓﺄﺟﻠﺴﺘﺎﻫﺎ ﺑﯿﻨﻬﻤﺎ ،وأﺧﺬﺗﺎ ﺗﺴﺄﻻﻧﻬﺎ ﻋﻤﺎ اﺳﺘﻄﺎﻋﺖ
أن ﺗﺼﻞ إﻟﯿﻪ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻫﺬه اﻟﻐﯿﺒﺔ ﻣﻦ اﻟﻤﻌﻠﻮﻣﺎت ،وﻋﻦ ﻣﺪى ﻣﺎ ﻛﺸﻒ ﻟﻬﺎ ﻋﻠﻤﻬﺎ وﺑﺤﺜﻬﺎ ﻋﻦ ﺳﺮ ﺗﯿﻨﻚ اﻟﺠﺎرﯾﺘﯿﻦ
وﻣﻜﺎﻧﻬﻤﺎ.
ﻓﻘﺎﻟﺖ ﻟﻬﻤﺎ وﻫﻲ ﻻ ﺗﺰال ﺗﻠﻬﺚ ﻣﻦ اﻟﺘﻌﺐ:
’’-أﻗﺴﻢ ﻟﻜﻤﺎ أﻣﯿﺮﺗﻲّ ﺑﺎﻟﺨﺎﻟﻖ اﻟﺬي أوﻻﻛﻤﺎ ﻫﺬا اﻟﺴﺤﺮ واﻟﺠﻤﺎل أﻧﻨﻲ آﺗﯿﺔ اﻵن ﻣﻦ ﻋﻨﺪﻫﻤﺎ .وإن ﻗﻠﺒﻲ ﻻ ﯾﺰال
ﯾﺨﻔﻖ رﺣﻤﺔ وﺣﻨﺎﻧﺎ ﻟﻤﻨﻈﺮﻫﻤﺎ .وا ﻛﺒﺪي ﻟﻬﻤﺎ ﯾﺎ اﺑﻨﺘﻲ ...ﻛﻠﻤﺎ ﺳﻤﻌﺎ ﺑﺎﺳﻢ ﺳﺘﻲ وزﯾﻦ اﻟﺘﻬﺐ ﻓﯿﻬﻤﺎ اﻟﺪم ﻧﺎرا ،
وﺗﻤﺸﺖ ﻓﻲ أوﺻﺎﻟﻬﻤﺎ رﻋﺪة ﺗﺜﯿﺮ اﻟﺮﺣﻤﺔ ﻟﻬﻤﺎ واﻹﺷﻔﺎق.
ﻫﻤﺎ واﷲ ﯾﺎ اﺑﻨﺘﻲ ﺧﯿﺮ ﺷﺎﺑﯿﻦ أﺑﺪﻋﻬﻤﺎ اﷲ ﻟﻄﻔﺎ وﺟﻤﺎﻻ وﺷﻬﺎﻣﺔ وﻛﻤﺎﻻ .وﻣﺎ ﻋﺠﺒﻲ ﻣﻦ ذﻟﻚ ﺑﻤﻘﺪار ﻋﺠﺒﻲ ﻣﻦ
أﻧﻜﻤﺎ -ﻓﺪﯾﺘﻜﻤﺎ -ﻛﯿﻒ وﻓﻘﺘﻤﺎ ﻻﻧﺘﻘﺎﺋﻬﻤﺎ .واﻫﺘﺪﯾﺘﻤﺎ ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﺠﻤﻊ اﻟﺤﺎﺷﺪ إﻟﻰ ﻣﻜﺎﻧﻬﻤﺎ ! ﻓﻬﻤﺎ واﷲ -ﺳﻮاء
أﻛﺎﻧﺎ أﻣﯿﺮﯾﻦ أم زﻋﯿﻤﯿﻦ أم ﺑﺴﯿﻄﯿﻦ ﻣﻦ اﻟﻨﺎس -ﺧﯿﺮ ﻛﻔﺆﯾﻦ ﻟﻜﻤﺎ ،وﻻﺋﻘﯿﻦ ﻟﺠﻤﺎﻟﻜﻤﺎ‘‘.
وﻛﺎن ﻃﺒﯿﻌﯿﺎ ﻫﻨﺎ أن ﺗﺘﻤﻠﻚ ﻛﻼ ﻣﻦ ﺳﺘﻲ وزﯾﻦ ﺣﯿﺮة ﺑﺎﻟﻐﺔ وﺗﻄﻮف ﺑﻬﻤﺎ دﻫﺸﺔ ﺷﺪﯾﺪة ﻣﻦ ﻫﺬا اﻟﻜﻼم .ﻓﻘﺪ ﻛﺎﻧﺘﺎ
ﺗﺘﺼﻮران ﻛﻞ ﻣﺤﺘﻤﻞ ﻟﺸﺄن اﻟﺠﺎرﯾﺘﯿﻦ ،ﺳﻮى أن ﺗﻜﻮﻧﺎ رﺟﻠﯿﻦ ﻣﻦ اﻟﻨﺎس ﻗﺎم ﻓﯿﺬﻫﻨﯿﻬﻤﺎ ذﻟﻚ اﻟﯿﻮم ﻣﺜﻞ ﻣﺎ ﻗﺎم
ﻟﺪﯾﻬﻤﺎ أﯾﻀﺎ ﻣﻦ اﻟﺘﻨﻜﺮ وإﺧﻔﺎء اﻟﺤﻘﯿﻘﺔ ...ﻓﻠﻢ ﯾﻜﻦ ذﻟﻚ اﻟﺤﺘﻤﺎل ﻟﯿﺘﻄﺮق إﻟﻰ ﺧﯿﺎﻟﻬﻤﺎ ﻗﻂ.
واﺳﺘﻔﺎﻗﺎ ﻣﻦ ﺣﯿﺮﺗﻬﻤﺎ ودﻫﺸﺘﻬﻤﺎ ﻟﺘﺸﻌﺮا ﺑﻠﻮاﻋﺞ ﺣﺐ ﺷﺪﯾﺪ ﻗﺪ ﻇﻬﺮت ﻓﻲ ﻣﺸﺎﻋﺮﻫﻤﺎ ،وأﺧﺬت ﺗﺘﻀﺮم ﺳﻌﺎرا
ﻓﻲ ﻗﻠﺐ ﻛﻞ ﻣﻨﻬﻤﺎ .ﻛﺎﻧﺖ ﻓﻲ اﻟﻤﺎﺿﻲ آﻻﻣﺎ واﺿﻄﺮاﺑﺎت ﺣﻮل اﻟﺴﺮ اﻟﻤﺨﺒﻮء اﻟﺬي ﻻ ﺗﻌﺮﻓﺎﻧﻪ ،وﻟﻜﻨﻬﺎ اﻟﯿﻮم
أﺻﺒﺤﺖ ﺣﻘﯿﻘﺔ أﺧﺮى ذات ﺧﻄﻮرة أﺷﺪ ..ﻓﻬﻲ اﻟﺤﺐ ..اﻟﺤﺐ اﻟﺬي ﺑﺪأت رﻋﺪﺗﻪ ﺗﺴﺮي ﻓﻲ ﻣﺸﺎﻋﺮ ﻛﻞ ﻣﻨﻬﻤﺎ
ﻣﻦ اﻟﻔﺮق إﻟﻰ اﻟﻘﺪم!
ﺛﻢ أﻧﻪ ﻟﻢ ﯾﻄﻞ اﻟﺘﻔﻜﯿﺮ ﻓﻲ اﻟﻤﻮﺿﻮع ﺑﻌﺪ أن ﺷﺮﺣﺖ اﻟﻌﺠﻮز ﻟﻬﻤﺎ ﻋﻦ ﺗﺎج اﻟﺪﯾﻦ وﻣﻤﻮ ﻛﻞ ﺷﻲء ..وﺑﻌﺪ أن
ﻧﻈﺮﺗﺎ ﺣﻮﻟﻬﻤﺎ ﻓﻠﻢ ﺗﺠﺪا ﺳﻮى اﻟﻌﺠﻮز اﻟﺘﻲ ﻗﺪ أﺿﺤﺖ ﺧﺒﯿﺮة ﺑﺤﺎﻟﻬﻤﺎ ﻣﻄﻠﻌﺔ ﻋﻠﻰ ﺳﺮﻫﻤﺎ .ﻓﻘﺎﻟﺖ ﻟﻬﻤﺎ إﺣﺪاﻫﺎ:
’’ -ﻟﻌﻠﻪ ﻟﯿﺲ ﺧﺎﻓﯿﺎ ﻋﻠﯿﻚ -أﯾﺘﻬﺎ اﻟﺨﺎﻟﺔ -أن ﺧﺒﺮك ﻫﺬا زاد ﻓﻲ ﻗﻠﺐ ﻛﻞ ﻣﻨﺎ آﻻﻣﺎ ﻃﺎرﺋﺔ ..وأرﻫﻖ ﻣﺸﺎﻋﺮﻧﺎ
ﺑﺈﺣﺴﺎﺳﺎت ﺟﺪﯾﺪة ..وﻟﺴﻨﺎ ﻧﺮى ﻏﯿﺮك اﻟﻄﺒﯿﺐ ﻵﻻﻣﻨﺎ ،وﻟﻦ ﻧﺠﺪ إﻻ ﻟﺪﯾﻚ اﻟﻌﻼج ﻟﻘﻠﺒﯿﻨﺎ .وﻟﻦ ﻧﻘﺪر أن ﻧﺘﺼﺮف
ﻓﻲ ﺷﻰء ﻣﻦ ﻫﺬا اﻷﻣﺮ إﻻ ﺑﺴﻌﯿﻚ ،وﻻ ﻧﺘﻜﻠﻢ ﻋﻨﻪ إﻻ ﺑﻠﺴﺎﻧﻚ .ﻓﻬﻞ ﻟﻚ أن ﺗﺘﺤﻤﻠﻲ ﻣﻦ أﺟﻠﻨﺎ ﺷﯿﺌﺎ ﻣﻦ اﻟﺠﻬﺪ
وﺗﻜﻮﻧﻲ ﻟﺴﻨﻨﺎ اﻟﻨﺎﻃﻖ ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﺴﺒﯿﻞ!‘‘.
ﻓﺄﺟﺎﺑﺖ اﻟﻌﺠﻮز ﻣﺘﻬﻠﻠﺔ:
’’إﻧﻨﻲ ﻣﻨﻘﺎدة ﯾﺎ أﻣﯿﺮﺗﻲّ ﻛﻞ ﻣﺎ ﺗﺒﻐﯿﺎﻧﻪ وﺗﺄﻣﺮاﻧﻨﻲ ﺑﻪ .وأي ﺟﻬﺪ ﻫﺬا اﻟﺬي ﺳﯿﻠﺤﻘﻨﻲ ﻓﻲ ﺳﺒﯿﻞ إﺳﻌﺎدﻛﻤﺎ ؟ ﺑﻞ
أﯾﺔ راﺣﺔ ﺳﺄﺷﻌﺮ ﺑﻬﺎ ﻣﺎ دﻣﺘﻤﺎ ﻣﻌﺬﺑﺘﯿﻦ ﻛﻤﺎ أرى ؟‘‘
ﻓﻘﺎﻟﺘﺎ ﻟﻬﺎ:
’’إن ﻛﻞ ﻣﺎ ﻧﺒﻐﺎه ﻫﻮ أن ﺗﺴﺮﻋﻲ ﻓﺘﻌﻮدي إﻟﻰ ذﯾﻨﻚ اﻟﺸﺎﺑﯿﻦ ﻟﺘﻨﻮﺑﻲ ﻋﻨﺎ ﻓﻲ ﻣﻮاﺳﺎﺗﻬﻤﺎ وﻣﻌﺎﻟﺠﺔ ﺷﺄﻧﻬﻤﺎ ،إذ ﻻ
رﯾﺐ أﻧﻬﻤﺎ اﻵن ﯾﻌﺎﻧﯿﺎن ﻣﺰﯾﺪا ﻣﻦ اﻵﻻم اﻟﺘﻲ ﺣﺪﺛﺘﻨﺎ ﻋﻨﻬﺎ .ﻫﺪﺋﻲ أﯾﺘﻬﺎ اﻟﺨﺎﻟﺔ ﻣﻦ ﻛﺮﺑﻬﻤﺎ ،واﻣﺴﺤﻲ ﺑﺪﻻ ﻋﻨﺎ
ﺑﯿﻤﯿﻨﻚ زﻓﺮاﺗﻬﻤﺎ ،ﻗﻮﻟﻲ ﻟﻬﻤﺎ :اﻧﻌﻤﺎ ﺑﺎﻻً ،ﻓﻠﺴﺘﻤﺎ وﺣﯿﺪﯾﻦ ﻓﻲ ﻫﺬه اﻟﻤﺸﺎﻋﺮ واﻵﻻم .إن ﺗﯿﻨﻚ اﻟﻠﺘﯿﻦ ﺻﺮﻋﻜﻤﺎ
ﺣﺒﻬﻤﺎ ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﻤﺴﺎء ...ﺑﯿﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﺸﻌﺎب ...ﺗﺬوﻗﺎن ﻣﻌﻜﻤﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﺒﻌﺪ ﻣﺜﻞ ذﻟﻚ .ﻛﺎن ﻗﺒﻞ اﻟﯿﻮم ﻋﻄﻔﺎ ﻋﻠﯿﻜﻤﺎ
ورﻗﺔ ﻣﻦ أﺟﻠﻜﻤﺎ ،وﻫﻮ اﻵن ﺣﺐ ﯾﺨﻔﻖ ﺑﻪ ﻗﻠﺒﯿﻬﻤﺎ ﻛﻤﺎ ﯾﺨﻔﻖ ﻣﻨﻜﻤﺎ ذﻟﻚ وﺗﻘﺎﺳﯿﺎن ﻣﻨﻪ ﻛﻤﺎ ﺗﻘﺎﺳﯿﺎن وﻟﺌﻦ
اﺳﺘﻄﻌﻨﺎ أن ﻧﻜﺘﻢ ﻫﺬه اﻟﻠﻮاﻋﺞ إﻟﻰ اﻟﯿﻮم ،ﻓﺈن ذﻟﻚ ﻟﺴﻠﻄﺎن اﻟﺤﯿﺎء و ﺣﺎﺟﺒﻪ اﻟﻤﺴﺪل ﻋﻠﯿﻨﺎ ..و ﻟﻘﺪ آن ﻟﻬﺬا
اﻟﺤﺠﺎب أن ﯾﺰاح ﻋﻨﻜﻤﺎ ..ﻟﺘﻌﻠﻤﺎ أﻧﻨﺎ ﻗﺪ ارﺗﻀﯿﻨﺎﻛﻤﺎ رﻓﯿﻘﻨﻲ ﻟﺤﯿﺎﺗﻨﺎ ﺣﺴﺐ اﻹﺧﺘﯿﺎر اﻟﺬي دل ﻋﻠﯿﻪ ﺧﺎﺗﻢ ﻛﻞ ﻣﻨﺎ
ﻣﻨﺬ ﻟﻘﺎﺋﻨﺎ ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﯿﻮم اﻟﻤﺸﻬﻮد .وﻟﻜﻞ ﻣﻨﻜﻤﺎ إذا ﺷﺎء أن ﯾﺘﻘﺪر اﻟﯿﻮم إﻟﻰ اﻷﻣﯿﺮ ﻟﺨﻄﺒﺘﻨﺎ ﻣﻨﻪ .ﻓﯿﺴﻊ إﻟﯿﻪ ﻋﻦ
ﻛﻞ ﻣﻨﻜﻤﺎ أﻧﺎس ﯾﻌﺮﺿﻮن ﻋﻠﯿﻪ اﻟﺨﻄﺒﺔ .وآﺧﺮون ﻣﻦ ذوي اﻟﺸﺄن ﯾﺘﻮﺳﻄﻮن إﻟﯿﻪ ﻓﻲ رﺟﺎء اﻟﻘﺒﻮل .أﻣﺎ اﻟﻤﻜﺎن
واﻟﺸﺄن ..واﻟﻐﻨﻰ واﻟﻤﺎل واﻟﻤﻬﺮ ..ﻓﻘﻮﻟﻲ ﻟﻬﻤﺎ أﻧﻬﻤﺎ رﺿﯿﺘﺎ ﻣﻦ ذﻟﻚ ﻛﻠﻪ ﺑﺎﻟﺤﺐ اﻟﺬي ﺧﻔﻖ ﻓﻲ ﻗﻠﺒﯿﻬﻤﺎ ﻣﻨﺬ ذﻟﻚ
اﻟﯿﻮم واﺗﻀﺢ ﻣﺪى إﺧﻼﺻﻪ.
وﻛﻞ ﻣﺎ اﻣﺘﺪت إﻟﯿﻪ ﻃﺎﻗﺘﻬﻤﺎ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﻣﻦ اﻟﺪﻧﯿﺎ وأﺳﺒﺎﺑﻬﺎ ﻓﻬﻮ ﻣﻨﻬﻤﺎ ﻣﻘﺒﻮل وﺟﻤﯿﻞ ..ﻫﺬه ﻫﻲ رﺳﺎﻟﺘﻨﺎ -أﯾﺘﻬﺎ
اﻟﺨﺎﻟﺔ -ﺑﻠﻐﯿﻬﺎ ﻋﻨﺎ إﻟﯿﻬﻤﺎ ﻋﻠﻰ أﺣﺴﻦ وﺟﻪ ،ﻓﻌﺴﻰ اﷲ أن ﯾﻜﻮن ﻣﻘﺪرا ﻟﻨﺎ ﻓﻲ أزﻟﻪ ﺳﻌﺎدة اﻟﻮاﺻﺎل ،ﻛﻤﺎ ﻗﺪر
ﻋﻠﯿﻨﺎ ﻓﻲ ﻏﯿﺒﻪ ارﺗﺸﺎف ﻛﺄس ﻫﺬا اﻟﺤﺐ. ‘‘ .
اﻟﺒﺸﺮى
ﻟﯿﺲ أﺟﻤﻞ ﻟﻨﻔﺲ اﻟﻌﻠﯿﻞ اﻟﻤﺪﻧﻒ اﻟﺬي ﺗﺴﻌﺮت ﺟﻮاﻧﺤﻪ ﻓﻲ ﺳﻤﻮم اﻟﺤﺐ ﻣﻦ ﺳﺎﻋﺔ ﺗﻔﺠﺆه ﺑﺒﺸﺎرة اﻟﻮﺻﻞ
واﻟﺮﺿﻰ ،وﺗﺤﻤﻞ إﻟﯿﻪ ﻣﻦ ﻣﺤﺒﻮﺑﻪ ﺻﻮت اﻟﺤﻨﺎن واﻟﻌﻄﻒ ﻓﯿﻨﺘﻔﺾ ﻗﻠﺒﻪ ﺑﺬﻟﻚ ﻣﻦ ﻣﺮارة اﻟﯿﺄس وآﻻﻣﻪ .إن ﻓﯿﻬﺎ
ﻟﺤﻨﺎ ﺗﻌﺠﺰ ﻋﻦ أداء ﻣﺜﻠﻪ اﻷوﺗﺎر ،وﺟﻤﺎﻻ ﻻ ﯾﺸﻊ ﻣﺜﻠﻪ ﻣﻦ ﻣﻨﻈﺮ اﻟﺨﻤﺎﺋﻞ واﻟﺰﻫﻮر ،وﻓﯿﻬﺎ ﻧﺸﻮة ﻻ ﯾﻨﺒﻌﺚ ﺳﺮﻫﺎ
ﻣﻦ ﺳﺎﺋﺮ أﻧﻮاع اﻟﺨﻤﺮ!.
إﻧﻬﺎ ﺗﻠﻚ اﻟﺴﺎﻋﺔ اﻟﺘﻲ ﻃﻨﺖ دﻗﺎﺗﻬﺎ ﻓﻲ ﻣﺴﻤﻊ ﻣﻤﻮ وﺗﺎج اﻟﺪﯾﻦ ﺣﯿﻨﻤﺎ ﻋﺎدت اﻟﻌﺠﻮز إﻟﯿﻬﻤﺎ ﺑﻤﻈﻬﺮﻫﺎ اﻷول ﺣﯿﺚ
أﻫﺪﺗﻬﻤﺎ اﻟﺒﺸﺎرة ﻋﻠﻰ أﺣﺴﻦ وﺟﻪ ،وﺑﻠﻐﺘﻬﻤﺎ رﺳﺎﻟﺔ اﻷﻣﯿﺮﯾﺘﻦ ﺑﺎﻟﻨﺺ .وﻟﻢ ﺗﻜﻦ رﺳﺎﻟﺔ وﺑﺸﺮى ﻓﻘﻂ ﺑﻞ ﻛﺎﻧﺖ
ﺑﻠﺴﻤﺎ ﻟﺪاﺋﯿﻬﻤﺎ ،وروﺣﺎ ﺟﺪﯾﺪا ﺳﺮت ﻓﻲ ﺟﺴﻤﯿﻬﻤﺎ.
وﻏﻤﺮت اﻟﻌﺎﺷﻘﯿﻦ ﻟﺤﻈﺎت ﻣﻦ اﻟﻨﺸﻮة واﻟﻔﺮح ،وﻃﺎف ﺑﻬﻤﺎ ﻣﻦ ﺣﺪﯾﺚ اﻟﻌﺠﻮز أرﯾﺞ ﻋﻄﺮي ﺑﺪﯾﻊ ،وﺗﻤﻮﺟﺖ ﻓﻲ
ﺳﻤﺎﺋﻬﻤﺎ ﻣﻦ ﺻﺪاه أﻧﻐﺎم ﺳﺤﺮﯾﺔ ﺳﺮت ﻓﻲ ﻣﺸﺎﻋﺮﻫﻤﺎ ،وأﺳﻜﺮت ﻟﺒﻬﻤﺎ .ﺛﻢ ﻗﺎم ﻓﻨﻔﺢ ﻛﻞ ﻣﻨﻬﻤﺎ ﻃﺒﯿﺒﺘﻪ اﻟﻤﺒﺸﺮة
ﻣﺎ اﺳﺘﻄﺎع ﻣﻦ اﻟﻬﺪاﯾﺎ واﻟﻤﺎل ﻟﻘﺎء ﺗﻠﻚ اﻟﺒﺸﺮى اﻟﺘﻲ زﻓﺘﻬﺎ إﻟﯿﻬﻤﺎ.
وﻫﺐ اﻟﺼﺪﯾﻘﺎن ﯾﺴﺮﻋﺎن إﻟﻰ اﻷﻗﺎرب واﻷﺻﺤﺎب ﯾﻘﺼﺎن ﻋﻠﯿﻬﻢ ﻷول ﻣﺮة ﻗﺼﺔ ﺣﺒﻬﻤﺎ ،وﯾﺒﻠﻐﺎﻧﻬﻢ اﻟﺒﺸﺮى اﻟﺘﻲ
وﺻﻠﺘﻬﻤﺎ .ﻓﻌﻤﻬﻢ اﻻﺑﺘﻬﺎج واﻟﻔﺮح ،ﻻ ﺳﯿﻤﺎ ﻋﺎرف وﺟﻜﻮ اﻟﻠﺬﯾﻦ ﻛﺎﻧﺎ ﻓﻲ ﺣﯿﺮة ﺑﺎﻟﻐﺔ ﻣﻦ أﻣﺮ أﺧﯿﻬﻤﺎ ﺗﺎج اﻟﺪﯾﻦ
وﺻﺪﯾﻘﻪ.
وﻓﻲ ﺻﺒﺎح اﻟﯿﻮم اﻟﺘﺎﻟﻲ ﺗﺄﻟﻒ ﻣﻨﻬﻢ ﺟﻤﻊ ﻣﻦ وﺟﻮه اﻟﺠﺰﯾﺮة وأﻋﯿﺎﻧﻬﺎ وﻋﻠﻰ رأﺳﻬﻢ ﺷﻘﯿﻘﺎ ﺗﺎج اﻟﺪﯾﻦ ،واﻧﻄﻠﻘﻮا
ﻣﺘﻮﺟﻬﯿﻦ إﻟﻰ ﻗﺼﺮ اﻻﻣﯿﺮ زﯾﻦ اﻟﺪﯾﻦ ﻟﯿﻜﻠﻤﻮه ﻓﻲ اﻟﺸﺄن وﯾﻠﺘﻤﺴﻮا ﻣﻨﻪ ﻗﺒﻮل ﻫﺬﯾﻦ اﻟﺼﺪﯾﻘﯿﻦ ﺻﻬﺮﯾﻦ ﻟﻪ .
وﻟﻜﻨﻬﻢ رأوا ﻓﯿﻤﺎ ﺑﯿﻨﻬﻢ أﻧﻪ ﻻ ﺑﺪ ﻟﻜﻲ ﯾﻀﻤﻨﻮا إﺟﺎﺑﺔ اﻷﻣﯿﺮ ﻟﺨﻄﺒﺔ ﻣﻤﻮ أﯾﻀﺎ أن ﯾﻠﺘﻤﺴﻮا أوﻻ ﯾﺪ اﻷﻣﯿﺮة ﺳﺘﻲ
ﻟﺘﺎج اﻟﺪﯾﻦ دون أن ﯾﺬﻛﺮوا ﺷﯿﺌﺎ ﻋﻦ ﺻﺎﺣﺒﻪ ،ﻓﺈذا ﻣﺎ أﺟﺎب اﺗﺨﺬوا ﻣﻦ ذﻟﻚ ﻓﯿﻤﺎ ﺑﻌﺪ وﺳﯿﻠﺔ ﻻﻟﺘﻤﺎس ﯾﺪ اﻷﻣﯿﺮة
زﯾﻦ ﻟﻤﻤﻮ ،وﺳﯿﻤﻬﺪ وﯾﻬﯿﺊ ﻟﺬﻟﻚ ﻣﺎ ﺳﯿﺤﺪث ﻣﻦ اﺣﺘﻜﺎك ﻣﻤﻮ ﺑﺎﻟﻘﺼﺮ وﺗﻘﺮﺑﻪ إﻟﻰ اﻷﻣﯿﺮ ﺑﺴﺒﺐ ﻣﺎ ﺑﯿﻨﻪ وﺑﯿﻦ
ﺗﺎج اﻟﺪﯾﻦ ﻣﻦ اﻟﻤﻮدة واﻟﻌﻼﻗﺔ اﻟﺸﺪﯾﺪة.
ودﺧﻞ اﻟﻮﻓﺪ دﯾﻮان اﻷﻣﯿﺮ ..وأدوا أﻣﺎﻣﻪ ﻣﺮاﺳﻢ اﻟﺘﺤﯿﺔ واﻹﺟﻼل ..وﺑﻌﺪ أن اﺳﺘﻘﺮ ﺑﻬﻢ اﻟﻤﻜﺎن ﻧﻬﺾ ﻋﺎرف
ﻣﺴﺘﺄذﻧﺎ اﻷﻣﯿﺮ ﻓﻲ اﻟﻜﻼم ﺛﻢ ﻗﺎل:
’’ -ﻣﻮﻻي ﺻﺎﺣﺐ اﻟﺴﻠﻄﺎن :إن ﻟﻨﺎ ﻓﻲ ﻋﻄﻔﻜﻢ اﻟﺬي اﻣﺘﺪ ﻇﻠﻪ ﻣﻊ اﻣﺘﺪاد ﺳﻠﻄﺎﻧﻜﻢ اﻟﺸﺎﻣﻞ ﻣﺎ ﯾﺸﺠﻌﻨﺎ ﻋﻠﻰ أن
ﻧﻌﺮض ﻓﻲ رﺣﺎﺑﻜﻢ ﻫﺬا اﻟﺮﺟﺎء:
ﻻ رﯾﺐ ﯾﺎ ﻣﻮﻻي أن اﻟﻌﺰﯾﺰ ﻣﻨﺎ ﻣﻦ ﺷﺮﻓﺘﻪ ﺑﻌﻨﺎﯾﺘﻚ ،وﻻ ﯾﻔﯿﺪه ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ أن ﺗﺤﺎول اﻟﺪﻧﯿﺎ إذﻻﻟﻪ ،واﻟﻤﻬﯿﻦ ﻣﻦ
ﺣﺮم ﻣﻦ ﻋﻄﻔﻚ ،وﻻ ﺗﻐﻨﯿﻪ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ أي ﻗﻮة ﯾﺮﻛﻦ إﻟﯿﻬﺎ أو ﺳﻠﻄﺎن ﯾﻌﺘﺰ ﺑﻪ.
وإن ﺗﺎج اﻟﺪﯾﻦ ﯾﺎ ﻣﻮﻻي وإن ﻛﺎن ﻟﻪ ﻓﻲ ﺳﻼﻟﺘﻪ ﻓﺨﺮ اﻹﻣﺎرة واﻟﻤﺠﺪ إﻻ أن ﺷﯿﺌﺎ ﻣﻦ ﻟﻚ ﻻ ﯾﻘﺪﻣﻪ إن ﻟﻢ ﯾﺸﺮﻓﻪ
ﻓﺨﺮ اﻟﻨﺴﺒﺔ إﻟﯿﻚ ..وﻫﻮ اﻟﯿﻮم ﯾﺄﻣﻞ ﻣﻦ ﻣﻮﻻه أن ﯾﺘﻔﻀﻞ ﻋﻠﯿﻪ ﺑﻔﺨﺮ ﻫﺬا اﻟﻨﺴﺐ ..ﻣﻠﺘﻤﺴﺎ ﻣﻨﻪ ﯾﺪ اﻷﻣﯿﺮة ’’
ﺳﺘﻲ ‘‘ وﻟﻘﺪ ﺳﻌﯿﻨﺎ إﻟﻰ رﺣﺎﺑﻜﻢ ﻟﻌﺮض رﺟﺎﺋﻪ ﻫﺬا ﻣﻊ ﻋﺮض أﻣﻠﻨﺎ ﻋﻠﯿﻜﻢ ﻓﻲ ﻗﺒﻮل ﻫﺬا اﻟﺮﺟﺎء .ﻓﻬﻮ ﯾﺎ ﻣﻮﻻي
أﺧﻠﺺ ﺧﺎدم ﯾﺴﺘﺄﻫﻞ ﻋﻄﻔﻜﻢ ،وﻟﻌﻠﻪ أﻟﯿﻖ ﺷﺎب ﺑﺎﻟﺘﺸﺮف ﺑﻤﺼﺎﻫﺮﺗﻜﻢ. ‘‘.
ﺛﻢ ﻋﺎد ﻋﺎرف ﻓﺠﻠﺲ ﻓﻲ ﻣﻜﺎﻧﻪ .وﺗﻌﻠﻘﺖ أﻧﻈﺎر اﻟﺠﻤﯿﻊ ﺑﺸﻔﺘﻲ اﻷﻣﯿﺮ ﯾﻨﺘﻈﺮون ﺟﻮاﺑﻪ .وﻟﻜﻦ اﻷﻣﯿﺮ ﻟﻢ ﯾﻄﻞ
ﺗﻔﻜﯿﺮه ،ﺑﻞ ﺳﺮﻋﺎن ﻣﺎ ﻧﻈﺮ إﻟﯿﻬﻢ ﻗﺎﺋﻼ:
’’اﻟﺤﻖ أﻧﻪ ﻟﯿﺲ ﻟﺪي ﻣﺎ ﯾﻤﻨﻌﻨﻲ ﻣﻦ اﻹﺟﺎﺑﺔ إﻟﻰ ﻣﺎ ﺗﻄﻠﺒﻮن ،ﺑﻞ أﻧﺎ ﺳﻌﯿﺪ ﺑﻤﻮاﻓﻘﺘﻜﻢ ﻓﯿﻤﺎ أﺟﻤﻌﺘﻢ ﻋﻠﻰ رؤﯾﺘﻪ
ﻻﺋﻘﺎ وﻣﻮاﻓﻘﺎ .ﻓﻠﯿﺘﻘﺪم إﻟﯿﻨﺎ ﻣﻦ ﻛﺎن وﻛﯿﻼ ﻋﻦ ﺗﺎج اﻟﺪﯾﻦ ﻓﻲ ﻫﺬا .واﻃﻠﺒﻮا ﻟﻨﺎ اﻟﻘﺎﺿﻲ اﻟﺬي إﻟﯿﻪ إﺑﺮام اﻟﻌﻘﻮد ،
ﻓﻘﺪ ﻗﺮرﻧﺎ ﻋﻘﺪ ﻧﻜﺎح ﺳﺘﻲ ﻋﻠﻰ ﺗﺎج اﻟﺪﯾﻦ ﻣﻨﺬ اﻵن. ‘‘.
ﻓﻬﺐ ﺟﻜﻮ ﻣﻦ ﻣﻜﺎﻧﻪ ﻣﻨﻜﺒﺎ ﻋﻠﻰ ﯾﺪ اﻷﻣﯿﺮ ﯾﻘﺒﻠﻬﺎ وﯾﺸﻜﺮه ﺑﺤﺮارة وﻟﻬﻔﺔ وﺗﺎﺑﻌﻪ اﻟﺠﻤﯿﻊ ﯾﺸﻜﺮوﻧﻪ ﻋﻠﻰ ﺗﻔﻀﻠﻪ
وﻋﻄﻔﻪ .ﺑﯿﻨﻤﺎ ﺗﺎﺑﻊ اﻷﻣﯿﺮ ﺣﺪﯾﺜﻪ ﻗﺎﺋﻼ:
’’ﻻ رﯾﺐ أن ﻫﺬا اﻟﺸﺎب ﻗﺪ أﻣﻀﻰ أﯾﺎﻣﺎ ﻃﻮﯾﻠﺔ ﻓﻲ ﺧﺪﻣﺘﻨﺎ ووﻗﻒ ﺣﯿﺎﺗﻪ ﺑﺈﺧﻼص ﻟﻨﺎ .وإن ﻣﻦ ﺷﺮوط اﻟﻮﻓﺎء
ﻋﻠﯿﻨﺎ أن ﻧﻘﺪر ﻓﯿﻪ إﺧﻼﺻﻪ ،وﻧﺆدﯾﻪ ﺣﻖ ﺧﺪﻣﺘﻪ ،وأن ﻧﻘﻮم ﺑﻮاﺟﺐ ﻫﺬا اﻟﻮﻓﺎء ﻟﻪ اﻟﯿﻮم .وﻻ ﺑﻮرك ﻟﻲ ﻓﻲ
اﻹﻣﺎرة واﻟﺴﻠﻄﺎن إن ﻟﻢ أﻋﻄﻪ ﺣﻘﻪ ﻛﺎﻣﻼ ﻏﯿﺮ ﻣﻨﻘﻮص ،وإن ﻟﻢ أﺟﻌﻞ ﻟﻪ ﻓﻲ رﺣﺎب ﻗﺼﺮي ﻫﺬا ﻣﺤﻔﻼ ﺗﺰدان
ﻓﯿﻪ اﻟﻮﻻﺋﻢ واﻷﻓﺮاح ﻟﯿﺎﻟﻲ وأﯾﺎﻣﺎ‘‘ .
ﺛﻢ اﻟﺘﻔﺖ ﻓﺎﺳﺘﺪﻋﻰ رﺟﺎل اﻟﻘﺼﺮ ﻗﺎﺋﻼ:
’’ﻋﻠﯿﻜﻢ أن ﺗﺒﺎدروا ﻣﻦ اﻵن ﻓﻲ إﻋﺪاد اﻟﻌﺪة وﺗﻬﯿﺌﺔ اﻟﻮﺳﺎﺋﻞ واﻷﺳﺒﺎب ﻹﻗﺎﻣﺔ اﻷﻓﺮاح وﻣﺠﺎﻟﺲ اﻟﺼﻔﻮ واﻟﻤﺮح
.ﻫﯿﺌﻮا ﻟﻬﺎ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻃﺎب ﻣﻦ أﻧﻮاع اﻟﺸﺮاب ،وادﻋﻮا إﻟﯿﻬﺎ ﻛﻞ أﺻﺤﺎب اﻟﻄﺮب واﻟﻐﻨﺎء ،ﻓﻠﺴﻨﺎ ﻧﻀﻤﻦ ﻣﻦ اﻟﺤﯿﺎة
إﻻ ﻫﺬه اﻟﺴﻮﯾﻌﺎت اﻟﺘﻲ ﺣﻮﻟﻨﺎ .ﻟﺴﻨﺎ ﻧﺪري وﻟﯿﺲ أﺣﺪ ﯾﺪري أﺳﻮف ﻧﻈﻞ ﻓﻲ ﻣﺜﻞ ﻫﺬا اﻟﺤﯿﻦ ﻣﻦ اﻟﻐﺪ ﻧﻤﻠﻚ ﺣﯿﺎﺗﻨﺎ
،أم ﺳﯿﺘﺨﻔﻄﻬﺎ ﻣﻨﺎ اﻟﻘﺪراﻟﻤﺤﺘﻮم.
ﻫﺬه اﻟﺤﯿﺎة وﺑﻬﺠﺘﻬﺎ ،وﻫﺬا اﻟﺴﻠﻄﺎن وأﺑﻬﺘﻪ ،وﻫﺬا اﻟﻔﻠﻚ اﻟﺪاﺋﺮ ﻣﻦ ﺣﻮﻟﻨﺎ ،ﻛﻞ ذﻟﻚ ﻣﻈﺎﻫﺮ ﻻاﻃﻤﺌﻨﺎن إﻟﯿﻬﺎ وﻻ
أﻣﺎن ﻟﻬﺎ ،ﻫﺬه اﻷﺷﻜﺎل اﻟﺘﻲ ﯾﺘﻀﺮب ﻓﯿﻬﺎ اﻟﻨﻮر اﻟﺴﺎﻃﻊ ﺑﺎﻟﻈﻠﻤﺎت اﻟﻘﺎﺗﻤﺔ ،وﻫﺬه اﻟﺼﻮر اﻟﺘﻲ ﺗﻤﺘﺰج ﻓﯿﻬﺎ اﻟﻨﻮر
اﻟﺴﺎﻃﻊ ﺑﺎﻟﻈﻠﻤﺎت اﻟﻘﺎﺗﻤﺔ ،وﻫﺬه اﻟﺼﻮر اﻟﺘﻲ ﺗﻤﺘﺰج ﻓﯿﻬﺎ ﻣﺒﺎﻫﺞ اﻷﻓﺮاح واﻷﻋﺮاس ﺑﻤﺂﺳﻲ اﻟﻤﺂﺗﻢ واﻷﺣﺰان ،
ﻛﻞ ذﻟﻚ ﯾﺤﺬرﻧﺎ ﻣﻦ ﺗﻔﻮﯾﺖ اﻟﻔﺮص ﺑﻌﺪ ﺣﻠﻮﻟﻬﺎ وﯾﻨﺒﻬﻨﺎ إﻟﻰ ﺗﺪارك ﺳﺎﻋﺎت اﻟﻠﺬه ﻗﺒﻞ ﻏﺮوﺑﻬﺎ .ﻓﺎﻟﺪﻫﺮ ﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﯾﻮﻣﺎ
ﻣﺎ ﯾﻔﺮق ﻓﻲ ﺧﺪاﻋﻪ ﺑﯿﻦ ﺷﯿﺦ وأﻣﯿﺮ ،وﺳﻠﻄﺎن وﻓﻘﯿﺮ‘‘.
ﺛﻢ اﻟﺘﻔﺖ إﻟﻰ ﺷﻘﯿﻘﻲ ﺗﺎج اﻟﺪﯾﻦ وﻣﻦ ﻣﻌﻬﻤﺎ ،واﺑﺘﺴﻢ ﻗﺎﺋﻼ:
’’ﻓﻸﻛﻦ واﺣﺪا ﻣﻨﻜﻢ ﻣﻦ أﺟﻞ ﺗﺎج اﻟﺪﯾﻦ اﻟﯿﻮم .وﻟﺘﺤﺴﺒﻮﻧﻲ ﻣﻦ ﺟﻤﻠﺘﻜﻢ ﻓﻲ اﻟﺴﻌﻲ إﻟﻰ ﻫﺬا اﻟﻄﻠﺐ ،واﻟﻘﯿﺎم ﻓﻲ
ﺳﺒﯿﻞ إرﺿﺎﺋﻪ‘‘..
وﻓﻲ ﻣﺴﺎء اﻟﯿﻮم اﻟﺘﺎﻟﻲ ﻛﺎن اﻟﻘﺼﺮ ﻗﺪ أﻣﺴﻰ ﻗﻄﻌﺔ ﻣﻦ اﻟﻔﺮدوس ،ﻣﻤﺎ ﻛﺎن ﯾﺘﺄﻟﻖ ﻓﯿﻪ ﻣﻦ ﻣﻈﺎﻫﺮ اﻟﺒﻬﺠﺔ
واﻟﺰﯾﻨﺔ وﺗﺘﺮاﻗﺺ ﻓﻲ ﻛﻞ أﻧﺤﺎﺋﻪ ﻛﻞ ﻣﻌﺎﻟﻢ اﻟﻤﺮح واﻟﺘﺮف ،ﻛﻤﺎ ﻏﺺ ﻛﻞ ﻧﻮاﺣﻲ اﻟﻘﺼﺮ وأﻃﺮاﻓﻪ ﺑﻤﺨﺘﻠﻒ
اﻟﻄﺒﻘﺎت واﻷﺷﻜﺎل ﻣﻦ اﻟﻨﺎس .وأﻗﯿﻢ ﻓﻲ ردﻫﺘﻪ اﻟﻤﺘﺴﻌﺔ ﺧﻮان ﻋﻈﯿﻢ اﻣﺘﺪ ﺑﻪ اﻟﻄﻮل واﻟﻌﺮض اﻣﺘﺪادا ﺷﺎﺳﻌﺎ ،
وﺻﻔﺖ ﻣﻦ ﻓﻮﻗﻪ ﻋﺸﺮات اﻟﻄﺒﺎق اﻟﻔﻀﯿﺔ اﻟﺘﻲ اﺳﺘﺪﯾﺮ ﺑﻌﻀﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺷﻜﻞ ﻧﺠﻮم ،وﻗﻮس ﺑﻌﻀﻬﺎ اﻵﺧﺮ ﻋﻠﻰ ﺷﻜﻞ
أﻗﻤﺎر ،وأﻗﯿﻢ ﻓﻮﻗﻬﺎ ﻗﺒﺎب ﻣﻦ أﻏﻄﯿﻪ ﻓﻀﯿﺔ ﺗﺘﺄﻟﻖ ﻓﻲ ﻫﻨﺪﺳﺔ ﻣﺎ ﺗﺤﺘﻬﺎ وﺷﻜﻠﻪ ،وﻗﺪ ﻛﻤﻦ ﺗﺤﺖ ﻛﻞ ﻣﻨﻬﺎ ﺧﺮوف
ﻣﺸﻮي ﻟﻢ ﺗﻤﺲ ﻫﯿﺄﺗﻪ وﻟﻢ ﯾﺘﻐﯿﺮ ﺷﻜﻠﻪ ،ﻛﻤﺎ ﺣﺸﺮ ﺑﯿﻦ ذﻟﻚ ﻣﺌﺎت ﻣﻦ أﻃﺒﺎق اﻟﻔﺎﻛﻬﺔ واﻟﺤﻠﻮى وﻣﺨﺘﻠﻒ أﻟﻮان
اﻟﻄﻌﺎم و ﻧﺜﺮت ﻓﻲ ﺳﺎﺋﺮ اﻷﻃﺮاف ﻛﺆوس ﯾﺘﺮﻗﺮق ﻓﯿﻬﺎ أﻟﻮان اﻟﺸﺮاب.
وﻟﻢ ﯾﻜﺪ اﻟﻌﺸﺎء ﯾﺮﺗﻔﻊ ﺣﺘﻰ ﺑﺪأ اﻟﺤﻔﻞ ﻣﻦ ﺟﺪﯾﺪ ،واﺗﺨﺬ اﻟﻨﺎس أﻣﻜﻨﺘﻬﻢ ﻓﻲ اﻟﺸﺮﻓﺔ اﻟﻮاﺳﻌﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻄﻞ ﻋﻠﻰ
ﺣﺪﯾﻘﺔ اﻟﻘﺼﺮ .وﺟﻲء ﺑﻤﺨﺘﻠﻒ أﻟﻮان اﻟﺸﺮاب ﻓﻲ أﺑﺎرﯾﻖ ﻣﻔﻀﻀﺔ ﺑﺪﯾﻌﺔ ،ﯾﺪﯾﺮﻫﺎ ﻏﻠﻤﺎن ﻗﺪ أﻓﺮﻏﻮا ﻓﻲ أروع
ﻗﺎﻟﺐ ﻣﻦ اﻟﻠﻄﺎﻓﺔ واﻟﺨﻔﺔ واﻟﺠﻤﺎل .وأدﯾﺮ أرق أﻧﻮاع اﻟﻌﻄﻮر ،ﻓﺎﻧﺘﺸﺮ ﺷﺬاﻫﺎ ﻓﻲ اﻟﺤﺎﺿﺮﯾﻦ ﻣﺘﻬﺎدﯾﺎ ﻣﻊ ﻧﺴﯿﻢ
اﻟﻠﯿﻞ وأﺿﻮاﺋﻪ .وﻣﻊ ﺣﻔﯿﻒ ذﻟﻚ اﻟﻨﺴﯿﻢ أﺧﺬت أﺻﻮات اﻟﻐﻨﺎء ﺗﻨﺴﺎب إﻟﻰ اﻵذان ﻓﻲ ﺟﻮ ﺣﺎﻟﻢ ﺧﻼب ﺑﺄﻟﺤﺎن
اﻟﻔﺮح واﻟﺒﻬﺠﺔ .ﻓﺮادى ﺣﯿﻨﺎ ،وﺣﯿﻨﺎ ﺗﻨﺴﺎب أﺻﻮاﺗﻬﻢ ﺟﻤﯿﻌﺎ ﻓﻲ ﻣﻘﺎﻣﺎت وأﻟﺤﺎن ﺳﺤﺮﯾﺔ ﺗﺘﺮدد أﺻﺆﻫﺎ ﺣﻠﻮة
ﺑﺪﯾﻌﺔ ﺑﯿﻦ ﺣﻔﺒﻒ ﺗﻠﻚ اﻟﻨﺴﻤﺎت اﻟﻌﻄﺮة اﻟﺘﻲ ﺗﺪاﻋﺐ اﻟﻘﻮم ﻓﻲ ﺳﻜﻮن ﺣﺎﻟﻢ.
وﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻷﺛﻨﺎء أﺧﺬت أﻧﻈﺎر اﻟﺠﻤﯿﻊ ﺗﺮﺗﻜﺰ ﻋﻠﻰ ﻣﻘﻌﺪ ﻓﻲ ﺻﺪر اﻟﻤﻜﺎن ،ﺣﯿﺚ ﻛﺎن ﯾﺠﻠﺲ ﻓﯿﻪ ﺗﺎج اﻟﺪﯾﻦ ،وﻗﺪ
ﺑﺪا ﻓﻲ ﻋﯿﻨﯿﻪ ﺑﺮﯾﻖ اﻷﻣﻞ اﻟﺴﻌﯿﺪ ،وﺗﺠﻠﺖ ﻓﻲ ﻣﻼﻣﺢ وﺟﻬﻪ ﻓﺮﺣﺔ اﻟﺴﻌﺎدة .وﻛﺎن ﻛﻞ ﻣﻦ ﯾﺪﻗﻖ ﻓﻲ ﻧﻈﺮﺗﻪ ﯾﺪرك
ﺑﺴﻬﻮﻟﺔ أﻧﻪ ﻻ ﯾﻜﺎد ﯾﺮﻓﻊ ﺑﺼﺮه ﻋﻦ ﻧﺎﺣﯿﺔ ﺑﻌﯿﻨﻬﺎ ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﻤﺠﻠﺲ ،ﻓﺈذا ﻣﺎ ﺗﺒﻊ ﺑﺼﺮه إﻟﻰ ﺗﻠﻚ اﻟﻨﺎﺣﯿﺔ رأى
ﻫﻨﺎﻟﻚ ’’ ﻣﻤﻮ ‘‘ وﻗﺪ ﺟﻠﺲ ﺟﻠﺴﺔ ﺗﺪل ﻋﻠﻰ أﻧﻪ ﻣﻨﻄﻮ ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺴﻪ اﻧﻄﻮاء ﺗﺎﻣﺎ ،ﻓﻬﻮ ﻻ ﯾﻜﺎد ﯾﺸﻌﺮ ﺑﺸﻲء ﻣﻤﺎ
ﺣﻮﻟﻪ .وﻧﻈﺮة ﻓﻲ ﻋﯿﻨﯿﻪ اﻟﺬاﺑﻠﺘﯿﻦ ،وﻓﻲ ﻣﻼﻣﺢ وﺟﻬﻪ اﻟﺬي أﻣﺎﻟﻪ وأﺳﻨﺪه ﻋﻠﻰ ﻇﻬﺮ ﻛﻔﻪ ﻓﻲ إﻃﺮاﻗﺔ ﻃﻮﯾﻠﺔ -
ﺗﺪل ﻋﻠﻰ أن ﺷﯿﺌﺎ ﻣﻦ ﺳﺤﺮ ذﻟﻚ اﻟﺠﻮ وﺟﻤﺎل ﺗﻠﻚ اﻷوﺗﺎر واﻷﻟﺤﺎن ﻻ ﯾﻼﻣﺲ ﻧﻔﺴﻪ ،اﻟﻠﻬﻢ إﻻ ﻟﻤﺴﺔ ﻋﺎﺑﺮة ﻏﯿﺮ
ﻣﺒﺎﻟﯿﺔ ،ﻛﺄﻧﻤﺎ ﺗﻘﻮل ﻟﻪ ’’ :ﻻ أﻋﺮﻓﻚ ...وﻟﺴﺖ ﻣﻦ أﺟﻠﻚ‘‘..
و ﺑﯿﻨﻤﺎ اﻟﻨﺎس ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻷﺛﻨﺎء إذ ﺳﻜﺖ ﻛﻞ ﺷﻲء ..وﻫﺐ اﻟﻨﺎس ﺟﻤﯿﻌﻬﻢ ﻗﯿﺎﻣﺎ ..ﻓﻘﺪ دﺧﻞ اﻷﻣﯿﺮ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﺴﺎﻋﺔ .
وﻗﺒﻞ أن ﯾﺼﻞ إﻟﻰ اﻟﺼﺪر اﻟﺬي ﻛﺎن ﯾﺠﻠﺲ ﺗﺎج اﻟﺪﯾﻦ ﻓﻲ ﺑﻌﺾ ﻣﻘﺎﻋﺪه ﻧﻬﺾ ﻫﺬا ﻣﻦ ﻣﻜﺎﻧﻪ ﻣﺴﺮﻋﺎ ﻓﻘﺒﻞ ﯾﺪه .
ﻓﺄﺧﺬ اﻷﻣﯿﺮ ﺑﯿﻤﯿﻨﻪ وﻣﻀﻰ ﺑﻪ ﻓﺄﺟﻠﺴﻪ إﻟﻰ ﺟﺎﻧﺒﻪ ﺑﻌﺪ أن أﺷﺎر إﻟﻰ اﻟﺤﺸﺪ اﻟﻜﺒﯿﺮ ﺑﺘﺤﯿﺔ ﺑﺎﺳﻤﺔ.
وﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﯾﺨﻔﻰ ﻋﻠﻰ اﻷﻣﯿﺮ أن ﺑﯿﻦ ﺗﺎج اﻟﺪﯾﻦ وﻣﻤﻮ ودا ﺷﺪﯾﺪا وﻣﺤﺒﺔ ﺻﺎدﻗﺔ ،ﻓﺄﺧﺬ ﯾﺠﯿﻞ اﻟﻨﻈﺮ ﻓﻲ ﻫﺪوء ﺑﺎﺣﺜﺎ
ﻋﻨﻪ إﻟﻰ أن ﻋﺜﺮت ﻋﯿﻨﺎه ﻋﻠﯿﻪ ،ورآه ﺳﺎﻫﻤﺎ ﻣﻄﺮﻗﺎ .ﻓﺄدرك أﻧﻪ رﺑﻤﺎ أوﺣﺸﻪ أن ﯾﻜﻮن ﺑﻌﯿﺪا ﻋﻦ ﺻﺪﯾﻘﻪ ﻓﻲ ﻫﺬا
اﻟﺤﻔﻞ اﻟﺬي ﯾﻘﺎم ﻣﻦ أﺟﻠﻪ ،ﻓﺎﺳﺘﺪﻋﺎه إﻟﯿﻪ ﺛﻢ ﻗﺎل:
’’أﻧﺖ ﺻﺪﯾﻖ ﺗﺎج اﻟﺪﯾﻦ وﺻﺎﺣﺐ وده .وﻟﯿﺲ ﺛﻢ أﻗﺮب ﻣﻨﻚ إﻟﯿﻪ وأﻟﯿﻖ ﺑﺄن ﯾﻜﻮن ’’ ﺣﻔﯿﻈﻪ ‘‘* ﻣﻨﺬ اﻟﻠﯿﻠﺔ إﻟﻰ
آﺧﺮ أﯾﺎم ﻋﺮﺳﻪ .ﻓﺘﻌﺎل واﺟﻠﺲ إﻟﻰ ﺟﺎﻧﺒﻪ ﻫﻨﺎ‘‘.
ﻓﺎﻧﺤﻨﻰ ﻣﻤﻮ ﻟﻸﻣﯿﺮ ﻗﺎﺋﻼ ’’:أﻣﺮ ﻣﻮﻻي ‘‘.ﺛﻢ ﺗﺮاﺟﻊ وﺟﻠﺲ إﻟﻰ ﺟﺎﻧﺐ ﺗﺎج اﻟﺪﯾﻦ.
وﻋﺎد اﻟﻄﺮب واﻟﻐﻨﺎء ،وﻋﺎدت اﻟﻜﺆوس ﺗﺪور .وﻛﺎﻧﺖ ﻟﯿﻠﺔ راﺋﻌﺔ أﺿﻔﺖ ﻋﻠﻰ ﻛﻞ اﻟﺤﺎﺿﺮﯾﻦ ﺳﻌﺎدة وأﻧﺴﺎ .
واﻣﺘﺪت ﺗﻠﻚ اﻟﻠﯿﻠﺔ اﻟﺴﻌﺎدة اﻣﺘﺪاد اﻟﻠﯿﻞ ،ﺣﯿﺚ ﻛﺎﻧﺖ ﻧﻬﺎﯾﺘﻬﺎ أول أﺳﺎس ﻓﻲ ﺑﻨﺎء ﻋﺮس ﺗﺎج اﻟﺪﯾﻦ .وﻛﺎن ذﻟﻚ
اﻷﺳﺎس ﻫﻮ ﻋﻘﺪ ﻧﻜﺎﺣﻪ ﻋﻠﻰ اﻷﻣﯿﺮة ’’ ﺳﺘﻲ‘‘ .
*ﺣﻔﯿﻆ اﻟﻌﺮﻳﺲ ھﻮ ذاك اﻟﺬي ﻣﻜﺎﻧﻪ ﺑﺠﺎﻧﺒﻪ وﻳﻤﺸﻲ وراﺋﻪ ﻛﺄﻧﻤﺎ ھﻮ ﺣﺎرﺳﻪ .وھﻲ ﻋﺎدة ﻣﻦ ﻋﺎدات
اﻷﻛﺮاد ﻓﻲ أﻋﺮاﺳﮫﻢ .وﻳﺨﺘﺎر اﻟﺤﻔﯿﻆ ﻣﻦ أﺧﻠﺺ أﺻﺤﺎب اﻟﻌﺮﻳﺲ وأﻗﺮﺑﮫﻢ إﻟﯿﻪ.
اﻟﻌﺮس
وﻧﻌﻮد اﻵن ﻣﺮة أﺧﺮى إﻟﻰ رﺣﺎب ﻗﺼﺮ اﻷﻣﯿﺮ ﺑﻌﺪ أن ﻣﻀﺖ ﻣﺪة ﻋﻠﻰ ﻧﻜﺎح ﺗﺎج اﻟﺪﯾﻦ ،واﻧﻬﻤﻚ ﺧﻼﻟﻬﺎ ﻓﻲ
إﻋﺪاد اﻟﻌﺪة وﺗﻬﯿﺌﺔ اﺳﺒﺎب اﻟﻌﺮس .وﻗﺪ ﻏﺼﺖ ردﻫﺔ اﻟﻄﺎﺑﻖ اﻟﻌﻠﻮي ﻣﻨﻪ ﺑﻌﺸﺮات اﻟﻮﺻﯿﻔﺎت اﻟﻠﻮاﺗﻲ أﺧﺬن ﻓﻲ
ﺗﻬﯿﺌﺔ ﺷﺘﻰ وﺳﺎﺋﻞ اﻟﺰﯾﻨﺔ واﻟﺘﺠﻤﯿﻞ ﻟﻸﻣﯿﺮة اﻟﻌﺮوس وأﺧﺘﻬﺎ ،وﻟﯿﻀﻔﯿﻦ ﻋﻠﻰ ﻓﺘﻨﺘﻬﺎ روح اﻷﻧﺎﻗﺔ ،وﯾﺰدن ﻓﻲ
ﺳﺤﺮﻫﺎ روﻋﺔ اﻟﺼﻨﻌﺔ.
وأﻗﺒﻠﻦ إﻟﻰ اﻟﻌﺮوس ﯾﺴﺮﺣﻦ اﻟﻨﻈﺮ أوﻻ ﻓﻲ ﺷﻌﺮﻫﺎ ...ﺷﻌﺮ ﻛﺴﺘﻨﺎوي ﻓﻲ ﻧﻌﻮﻣﺔ اﻟﺤﺮﯾﺮ ..ﻗﺪ ﺗﻤﻮج ﻣﻦ ﺳﺎﺋﺮ
أﻃﺮاﻓﻪ ﻓﻲ ﻏﺰارة ﻣﻨﺴﺎﺑﺎ إﻟﻰ ﻣﺎ ﺗﺤﺖ اﻟﻤﻨﻜﺒﯿﻦ ﻓﻲ ﺑﻬﺎء وﻓﺘﻨﺔ ...وﺗﻤﺎﯾﻠﺖ ﻣﻦ أﻋﻼه ﺧﺼﻞ ﻣﻠﺘﻮﯾﺔ ﻓﻮق اﻟﺠﺒﯿﻦ
ﻓﻲ دﻻل وﻟﻄﻒ ،ﺑﯿﻨﻤﺎ اﺳﺘﺪار ﺳﺎﺋﺮه أﻣﺎم اﻟﺼﺪﻏﯿﻦ وﺣﻮل اﻟﻮﺟﻪ ﻓﻲ ﺗﺠﺎﻋﯿﺪ راﺋﻌﺔ ذات ﺳﺤﺮ .ﺗﺼﻤﯿﻢ إﻟﻬﻲ
ﺑﺪﯾﻊ ﻻ ﯾﺴﺘﻄﯿﻊ أي ﻣﺨﻠﻮق أن ﯾﻠﻤﺲ ﻓﻲ روﻋﺘﻪ ﻧﻘﺼﺎ ﻟﯿﻜﻤﻠﻪ ،أو ﺧﻄﺄ ﻟﯿﻌﺪل ﻓﯿﻪ.
واﻧﺘﻘﻠﺖ أﺑﺼﺎرﻫﻦ إﻟﻰ اﻟﻌﯿﻨﯿﻦ ...ﻋﯿﻨﯿﻦ واﺳﻌﺘﯿﻦ ﺗﻨﻈﺮان ﺑﺴﻬﺎم اﻟﻔﺘﻚ ،ﺗﺤﺖ ﺣﺎﺟﺒﯿﻦ ﯾﻨﻄﻠﻖ ﻣﻨﻬﻤﺎ ﻣﺜﻞ ﻣﺎ
ﯾﻨﻄﻠﻖ ﻣﻦ ﻛﺒﺪ اﻟﻘﻮس وأﻫﺪاب ﻧﺎﻋﺴﺔ ﺳﻮداء ﻓﻲ ﺳﻮاد اﻟﻠﯿﻞ ...ﺗﺴﺘﺮﺧﻲ ﻋﻠﻰ ﺗﻠﻚ اﻟﻤﺤﺎﺟﺮ اﺳﺘﺮﺧﺎء ﺷﺎﻋﺮﯾﺎ
ﯾﻔﻌﻞ ﻓﻲ اﻷﻟﺒﺎب ﻣﺎ ﺗﻔﻌﻠﻪ اﻟﺨﻤﺮ .ﻫﺬه اﻟﻔﺘﻨﺔ ﻣﻦ اﻟﻜﺤﻞ اﻹﻟﻬﻲ اﻟﻌﺠﯿﺐ ،وﻫﺬا اﻟﺒﺮﯾﻖ اﻟﺴﺎﺣﺮ اﻟﻤﻨﺒﻌﺚ ﻣﻦ ﻫﺬه
اﻟﻨﻈﺮات ،أي إﺛﻤﺪ أو ﺻﺒﻎ ﻓﻲ اﻟﺪﻧﯿﺎ ﻟﻪ أن ﯾﻐﯿﺮ ﻣﻦ ذﻟﻚ وﯾﺒﺪل ؟!
ﺛﻢ اﺳﺘﺪارت أﻧﻈﺎرﻫﻦ إﻟﻰ اﻟﻘﻮام ..ﻗﻮام ﻣﯿﺎد أﻓﺮغ ﻓﻲ أروع ﻗﺎﻟﺐ ﻣﻦ اﻟﺘﻨﺎﺳﻖ واﻟﺠﻤﺎل ،وﺻﻤﻢ ﻓﻲ أدق ﺗﻜﻮﯾﻦ
إﻟﻬﻲ ﻣﻌﺠﺰ .ﻓﺠﺎء ﻣﻨﺴﺠﻤﺎ ﻣﻦ ﻛﻞ أﺟﺰاﺋﻪ وأﻃﺮاﻓﻪ ،ﯾﺒﻌﺚ ﺑﻌﻀﻪ اﻟﻔﺘﻨﺔ ﻓﻲ ﺑﻌﺾ .ﻓﺄي ﯾﺪ ﻣﻦ أﯾﺪي اﻟﺘﻘﻠﯿﺪ
واﻟﺼﻨﻌﺔ ﺗﺰﻋﻢ أﻧﻬﺎ ﺳﺘﺰﯾﺪ ﻓﯿﻪ روﻋﺔ وإﺑﺪاﻋﺎ ؟
ووﻗﻔﺖ اﻟﻮﺻﯿﻔﺎت ﻣﻦ ﺣﻮل ﺳﺘﻲ ﻓﻲ ﺟﻤﻮد وذﻫﻮل ﯾﻤﺠﺪن ﺧﺎﻟﻖ ﻫﺬا اﻟﺠﻤﺎل ،وﻗﺪ اﻋﺘﺮﻓﺖ ﺣﯿﺮﺗﻬﻦ ﺑﺄن اﻟﺠﻤﺎل
اﻟﺬي ﺻﻮرﺗﻪ ﯾﺪ اﻟﺨﺎﻟﻖ ﻻ ﺳﺒﯿﻞ ﻟﯿﺪ اﻟﻤﺨﻠﻮق ﻓﻲ ﺗﻐﯿﯿﺮه.
ﺛﻢ رأﯾﻦ أن ﻟﯿﺲ ﻟﻬﻦ إﻻ أن ﯾﺘﻮﺟﻦ ذﻟﻚ اﻟﺠﻤﺎل ﺑﺈﻛﻠﯿﻞ رﺻﻊ ﺑﺎﻟﺪر وأﺛﻤﻦ أﻧﻮاع اﻟﻤﺎس .ﯾﻀﻌﻨﻪ ﻓﻮق ﺟﺒﯿﻨﻬﺎ
اﻟﻤﺸﺮق وﺑﯿﻦ أﻣﻮاج ذﻟﻚ اﻟﺸﻌﺮ اﻟﺤﺮﯾﺮي اﻟﺮﺟﺮاج .أﻣﺎ ﻗﻮاﻣﻬﺎ ﻓﻘﺪ ﺗﺮﻛﻦ ﻓﺘﻨﺘﻪ ﺗﺸﻊ ﻣﻦ ﺧﻠﻒ ﺛﻮب ﻣﻦ اﻟﻘﻄﯿﻔﺔ
اﻟﺒﯿﻀﺎء ،ﺳﺮت ﻓﯿﻪ ﻧﻘﻮش راﺋﻌﺔ ﻣﻦ ﺧﯿﻮط اﻟﺬﻫﺐ اﻟﺨﺎﻟﺺ ،وﻗﺪ اﻟﺘﻒ ﻣﻦ اﻻﻋﻠﻰ ﻋﻠﻰ ﺟﺴﻤﻬﺎ اﻟﺘﻔﺎﻓﺎ ﯾﺒﻌﺚ
اﻟﺴﺤﺮ .ﺑﯿﻨﻤﺎ اﺗﺴﻊ ﻣﻦ اﻷدﻧﻰ اﺗﺴﺎﻋﺎ ﻛﺒﯿﺮا ،وﺗﺮك ﻟﻪ ذﯾﻞ ﻃﻮﯾﻞ ﯾﺘﻬﺎدى ﻣﻦ ﺣﻮﻟﻬﺎ ﻋﻠﻰ اﻷرض .أﻣﺎ ﻧﺤﺮﻫﺎ
وﻣﺎ دون ذﻟﻚ إﻟﻰ اﻟﺼﺪر ﻓﻘﺪ ﺗﺮك إﺷﺮاﻗﻪ ﺑﺎدﯾﺎ ﻟﯿﺘﺄﻟﻖ ﻓﯿﻪ ﻋﻘﺪ ﻣﻦ اﻟﻤﺎس ﺗﺪﻟﺖ ﻣﻦ ﺳﺎﺋﺮ أﻃﺮاﻓﻪ ﻋﻠﻰ اﻟﻨﺤﺮ
ﺣﺒﺎت اﻟﻠﺆﻟﺆ اﻟﻨﺎدر.
واﻧﺼﺮﻓﻦ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ إﻟﻰ ’’ زﯾﻦ ‘‘ وﻟﻜﻨﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ أﻏﻨﻰ ﻣﻦ أﺧﺘﻬﺎ ﻋﻦ اﻟﺘﺠﻤﯿﻞ اﻟﻤﺼﻄﻨﻊ ﻟﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ ﻫﻲ وﺣﺪﻫﺎ اﻵﯾﺔ
اﻟﺘﻲ دﻟﺖ ﻋﻠﻰ أن ﻟﻺﺑﺪاع اﻹﻟﻬﻲ أن ﯾﺴﻮ ﻋﻠﻰ ﻓﺘﻨﺔ ’’ ﺳﺘﻲ ‘‘ وﺟﻤﺎﻟﻬﺎ ﻓﻠﻢ ﯾﻜﻦ اﻟﺸﺄن ﻓﻲ ﺗﺰﯾﯿﻨﻬﺎ ﯾﺤﺘﺎج أﻛﺜﺮ
إﻟﻰ ﻣﻤﺎ ﻗﻤﻦ ﺑﻪ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻷﺧﺘﻬﺎ..
وﻟﻢ ﺗﻤﺾ ﺳﻮى ﻣﺪة ﻗﺼﯿﺮة ﺣﺘﻰ اﻧﺒﻌﺚ ﻣﻦ ﻗﺼﺮ اﻷﻣﯿﺮ ﻣﻮﻛﺐ ﯾﺘﻬﺎدى ﻣﻦ وراء ﺻﻔﯿﻦ ﻣﻦ اﻟﺨﯿﻮل اﻟﻤﺰﯾﻨﺔ ،
ﻣﻮﻛﺐ ﯾﺰدان ﺑﺄﻓﺨﻢ ﻣﻈﺎﻫﺮاﻟﺠﻤﺎل .ﻋﺸﺮات ﻣﻦ اﻟﻮﺻﯿﻔﺎت واﻟﺠﻮاري ﯾﺘﻤﺎﯾﻠﻦ ﻓﻲ أﺑﺪع أﻧﻮاع اﻟﺰﯾﻨﺔ واﻟﺤﻠﻲ ،
ﺗﺘﻮﺳﻄﻦ ﻏﺎدﺗﯿﻦ ﻟﻮ أن اﻟﺸﻤﺲ اﻟﺴﺎﻃﻌﺔ ﻓﻲ اﻟﺴﻤﺎء اﻧﻘﻠﺒﺖ إﻟﻰ اﻧﺜﻰ ﻣﻦ ﺑﻨﺎت ﺣﻮاء ﻟﻤﺎ اﺳﺘﻄﺎﻋﺖ أن ﺗﻜﻮن ﻓﻲ
ﺳﺤﺮﻫﺎ وﺟﻤﺎﻟﻬﺎ ! ﻣﻦ وراﺋﻬﻦ ﻋﺸﺮات اﻟﻐﻠﻤﺎن اﻟﺬﯾﻦ أﻓﺮﻏﺖ ﻋﻠﯿﻬﻢ ﻛﺄس اﻟﺰﯾﻨﺔ ﺑﺄﻧﻮاﻋﻬﺎ ،ﯾﺤﻤﻠﻮن أﻃﺒﺎﻗﺎ
ﻣﺘﺄﻟﻘﺔ ﻣﻠﺌﺖ ﺑﺎﻟﺤﻠﻮى واﻟﻨﻔﺎﺋﺲ واﻟﺘﺤﻒ.
وﺑﺪأ اﻟﻤﻮﻛﺐ اﻟﺮاﺋﻊ ﯾﻌﻮم ﻓﻲ ﯾﻢﱟ ﻣﺘﻼﻃﻢ ﻣﻦ اﻟﺨﻼﺋﻖ ،اﻟﺬﯾﻦ ﺗﺪﻓﻘﺖ ﺑﻬﻢ اﻟﺠﺰﯾﺮة ﻣﻦ ﺷﺘﻰ ﻧﻮاﺣﯿﻬﺎ ،ﯾﺘﻄﻠﻌﻮن
ﻓﻲ ذﻫﻮل إﻟﻰ ﺗﯿﻨﻚ اﻟﻐﺎدﺗﯿﻦ اﻟﻠﺘﯿﻦ ﻃﺎﻟﻤﺎ ﺳﻤﻌﻮا ﺑﻬﻤﺎ ،وﺣﺮﻣﻬﻢ اﻟﻘﺼﺮ رؤﯾﺘﻬﻤﺎ .وﻣﻀﻰ اﻟﻤﻮﻛﺐ ﯾﻤﺨﺮ اﻟﻌﺒﺎب
...وﯾﺘﻬﺎدى ﻓﻲ وﺳﻄﻪ ،واﻷﻋﯿﻦ ﻛﻠﻬﺎ ﺷﺎﺧﺼﺔ ﻓﻲ ﻣﺸﺮق ﺗﻠﻚ اﻟﻔﺘﻨﺘﯿﻦ إﻟﻰ أن رﺳﺎ أﻣﺎم ﻗﺼﺮ ﺗﺎج اﻟﺪﯾﻦ ...
وﻫﻮ ﻗﺼﺮ ﺷﯿﺪه ﻋﻠﻰ أﺑﺪع ﻣﺎ ﺗﺨﯿﻠﻪ ﻣﻦ ﻃﺮز .رﻓﻊ أﻋﻤﺪﺗﻪ وﻓﺮش أرﺿﻪ وﺟﺪراﻧﻪ ﺑﺄﻓﺨﺮ أﻧﻮاع اﻟﻤﺮﻣﺮ اﻟﻤﺘﺄﻟﻖ
،وﺟﻌﻞ أﺑﻮاﺑﻪ وﻧﻮاﻓﺬه ﻣﻦ اﻟﺼﻨﺪل واﻷﺑﻨﻮس اﻟﻨﺎدر ،ﺛﻢ ﺣﻠﻰﱠ أﻃﺮاﻓﻪ وﺳﻘﻔﻪ ﺑﻨﻘﻮش دﻗﯿﻘﺔ ﻣﻦ ﻣﺎءاﻟﺬﻫﺐ
اﻟﺨﺎﻟﺺ.
وﻣﺎ إن دﺧﻠﺖ اﻟﻌﺮوس إﻟﻰ اﻟﺮدﻫﺔ اﻟﺨﺎرﺟﯿﺔ ﻟﻠﻘﺼﺮ ﺣﺘﻰ رﻓﻌﺖ ﻓﻮق ﻋﺮش ﻓﺨﻢ ﻣﻦ اﻷﺑﯿﻨﻮس ﻛﺎن ﯾﻨﺘﻈﺮﻫﺎ
ﻫﻨﺎك.
وﻓﻲ ﻣﺜﻞ ﻃﺮﻓﺔ اﻟﻌﯿﻦ اﻋﺘﻠﻰ ذﻟﻚ اﻟﻌﺮش ﻓﻮق ﻋﺸﺮات اﻷﯾﺪي واﻷﻛﺘﺎف .ﯾﺘﻬﺎدى وﺳﻂ ذﻟﻚ اﻟﺨﻀﻢ ﻣﻦ اﻟﻨﺎس ،
وﺑﯿﻦ ﺻﺨﺐ ﻣﻤﺘﺰج ﻣﻦ اﻟﺰﻏﺎرﯾﺪ وأﺻﻮات اﻟﺪﻓﻮف واﻟﻤﻌﺎزف وﻋﺒﺎرات اﻟﺪﻫﺸﺔ واﻹﻋﺠﺎب ،ﺣﯿﺚ ﺻﺪﱢر أﺧﯿﺮا
ﻓﻲ ﺑﻬﻮ اﻟﻄﺒﻘﺔ اﻟﻌﻠﯿﺎ ﻣﻦ اﻟﻘﺼﺮ ،ﺑﯿﻨﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺠﻤﻮع اﻟﺤﺎﺷﺪة ﻣﻦ اﻟﻤﺪﻋﻮﯾﻦ ﯾﺠﻠﺴﻮن ﻓﻲ ﺟﻨﺎح آﺧﺮ ﻣﻨﻪ ،
ﺗﻄﻮف ﻋﻠﯿﻬﻢ ﻛﺆوس اﻟﺸﺮاب ،وﻗﻌﺪ إﻟﻰ ﺟﺎﻧﺒﻪ ’’ ﻣﻤﻮ ‘‘ وﻗﺪ ﺑﺪا ﻓﻲ ﻣﺜﻞ أﻧﺎﻗﺘﻪ وﻣﻈﻬﺮه .وراﺣﺖ ﺟﺰﯾﺮة
ﺑﻮﻃﺎن ﻛﻠﻬﺎ ﺗﺴﻬﺮ ﻓﻲ ﺛﻤﻞ وﻣﺮح .وﺗﺘﻤﺎﯾﻞ ﻓﻲ أﺣﻀﺎن اﻟﻠﻬﻮ واﻟﻄﺮب .وﺗﻮارت ﻣﻦ وﺟﻪ اﻟﺪﻫﺮ ﻛﺂﺑﺘﻪ ،وأﺧﺬ
ﯾﻄﻞ ﻋﻠﻰ اﻟﻨﺎس ﺑﺨﺎﻟﺺ ﻣﻦ ﻣﻈﻬﺮ اﻟﺼﻔﻮ واﻟﺴﻌﺎدة .ﻛﺆوس اﻟﺮاح ﺗﺪور ،ورﻧﺎت اﻟﻌﯿﺪان وﺻﻮت اﻟﻐﻨﺎء
واﻟﺪﻓﻮف ﯾﺸﻖ ﺟﻮ اﻟﺴﻤﺎء ،وﻣﺌﺎت اﻟﺠﻮاري واﻟﺸﺒﺎب ﯾﺮﻗﺼﻮن رﻗﺼﺎت ﺟﻤﺎﻋﯿﺔ ﻓﺘﺎﻧﺔ ﺗﺘﻬﺎدى ﻣﻌﻬﺎ اﻟﻘﻠﻮب
واﻟﻤﺸﺎﻋﺮ .وﻇﻬﺮت ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻷﺛﻨﺎء أﻃﺒﺎق ﻓﻀﯿﺔ ﻓﻮق أﻛﻒ رﺟﺎل ﻣﻦ ﺣﺸﻢ اﻟﻘﺼﺮ ﻗﺪ ﻓﺎض ﻛﻞ ﻣﻨﻬﺎ ﺑﺄﻛﻮام ﻣﻦ
اﻟﺬﻫﺐ واﻟﻔﻀﺔ وﻛﺮاﺋﻢ اﻟﺘﺤﻒ وﻧﻔﺎﺋﺴﻬﺎ ،ﺣﯿﺚ أﺧﺬوا ﯾﻨﺜﺮون ﺗﻠﻚ اﻷﻛﻮام ﻣﻦ ﻋﻠﻮ ﻓﻮق ﺗﻠﻚ اﻟﺠﻤﻮع اﻟﺤﺘﺸﺪة
ﻓﻲ ﺳﺎﺋﺮ ﺟﻬﺎت اﻟﻘﺼﺮ و أﻧﺤﺎﺋﻪ ،ﻓﺘﺘﻔﺮق ﻓﯿﻤﺎ ﺑﯿﻨﻬﻢ ﻓﻲ ﺑﺮﯾﻖ ﻛﺄﻧﻬﺎ اﻟﻨﺠﻮم ﺗﺘﻬﺎوى ﻋﻠﯿﻬﻢ ﻓﻲ ﻏﺰارة ﻣﻦ
اﻟﺴﻤﺎء .وﻋﻢ ﻛﺮم اﻷﻣﯿﺮﺟﻤﯿﻊ اﻟﻨﺎس .وأدﺧﻞ اﻟﻔﺮﺣﺔ واﻟﺒﻬﺠﺔ إﻟﻰ ﺟﻤﯿﻊ اﻟﻘﻠﻮب .ﻓﻜﻢ ﻣﻦ ﻓﻘﯿﺮ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻠﯿﻠﺔ
اﺳﺘﻐﻨﻰ ،وﻛﻢ ﻣﻦ ﻋﺪﯾﻢ أﯾﺴﺮ ،وﻟﻚ ﺗﺰل ﻫﺬه اﻷﻓﺮاح ﻋﻠﻰ ﻫﺬا اﻟﻤﻮﻧﺎل ﻗﺎﺋﻤﺔ ﻻ ﺗﻬﺪأ إﻟﻰ ﺳﺒﻊ ﻟﯿﺎل ﻛﺎﻧﺖ ﻛﻠﻬﺎ
ﻣﺠﻤﻌﺎ ﻟﻠﺼﻔﻮ واﻟﻤﺮح ،وﻣﻘﺪﻣﺔ ﺑﯿﻦ ﯾﺪي ﺳﺎﻋﺔ اﻟﻌﻤﺮ ...ﺳﺎﻋﺔ اﻟﻮﺻﻞ ﺑﯿﻦ ﺳﺘﻲ وﺗﺎج اﻟﺪﯾﻦ.
وﻓﻲ ﺳﺎﻋﺔ اﻟﺴﺤﺮ ﻣﻦ اﻟﻠﯿﻠﺔ اﻟﺴﺎﺑﻌﺔ ،واﻷﻓﺮاح داﺋﺮة وﻗﻠﻮب اﻟﻨﺎس ﻣﺴﺘﻄﯿﺮة -ﻛﺎن ﻗﺪ ﺑﻠﻎ اﻟﺸﻮف ﺑﺎﻟﻌﺮوﺳﯿﻦ
أﺷﺪه ،واﺳﺘﻌﺮت ﻧﺎر اﻟﺸﻮق ﻓﻲ ﺿﻠﻮﻋﻬﻤﺎ ،واﻣﺘﺰج وﻫﺠﻪ ﺑﻨﺪى ذﻟﻚ اﻟﺴﺤﺮ وﻧﺴﯿﻤﻪ ،وأﺧﺬ ﻛﻞ ﻣﻈﺎﻫﺮ
اﻷﻧﺲ واﻟﺒﻬﺠﺔ ﻣﻦ ﺣﻮﻟﻬﻤﺎ ﯾﻠﻤﺲ ﻓﺆادﯾﻬﻤﺎ ﻟﻤﺴﺔ ﻛﺎوﯾﺔ .ﯾﻠﺘﻒ ﺑﻬﺎ اﻟﻨﺴﯿﻢ ،وﯾﻘﺎم ﻣﻦ ﺣﻮﻟﻬﺎ اﻟﺨﺸﯿﻢ ،ﻻ ﺑﺪ أن
ﺗﺘﻮﻫﺞ وﺗﺘﻠﻒ...
ﻫﻨﺎﻟﻚ ...وﻓﻲ ﻟﺤﻈﺔ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ ﻟﻠﺤﻈﺎت اﻟﻤﺘﻤﻮﺟﺔ ﻓﻲ ﻧﺴﻤﺎت ذﻟﻚ اﻟﺴﺤﺮ -اﻧﻔﺘﺢ ﺑﺎﺑﺎ ﺗﻠﻘﺎء اﻷرﯾﻜﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺎن
ﯾﺠﻠﺲ ﻋﻠﯿﻬﺎ ﺗﺎج اﻟﺪﯾﻦ ﻇﻬﺮت وراﺋﻪ ﻣﻘﺼﻮرة ﻣﺰﯾﻨﺔ ﺗﻤﯿﺲ ﻓﻲ ﻓﺘﻨﺔ ﺣﺎﻟﻤﺔ ...وﻗﺪ ﻓﺎح ﻣﻦ أرﻛﺎﻧﻬﺎ أرﯾﺞ اﻟﻌﻄﺮ
،وأﻗﯿﻢ ﻓﻲ ﺳﺎﺋﺮ أﻃﺮاﻓﻬﺎ ﺷﻤﻮع ﺗﺸﻊ ﺑﺄﺿﻮاء ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ اﻟﺸﻜﻞ ﺗﻨﺘﺸﺮ ﻓﻲ ﺟﻮﻫﺎ ﻧﻮرا ﻧﺎﻋﺴﺎ ذا ﺟﻤﺎل وﺳﺤﺮ ،ﻛﻤﺎ
ﻧﻈﻤﺘﻔﻲ ﺑﻌﺾ ﺟﻬﺎﺗﻬﺎ أﻃﺒﺎق ﺻﻐﯿﺮة ﻣﺬﻫﺒﺔ ﺷُﻜﻞ ﻓﯿﻬﺎ أﻟﻮان اﻟﺤﻠﻮى ووﺳﺎﺋﻞ اﻟﺘﺴﻠﯿﺔ .ﺛﻢ ﻇﻬﺮت ﻓﻲ أﯾﺪي ﺟﻤﻊ
ﻣﻦ ذوي اﻟﻌﺮوﺳﯿﻦ ﺷﻤﻌﺔ ﺑﺎﺳﻘﺔ ،ﻓﻲ ﻃﻮل اﻟﻘﺎﻣﺔ .وﻗﺪ وﺷﯿﺖ أﻃﺮاﻓﻬﺎ ﺑﺄﻏﺼﺎن ﻣﻦ ﻣﺎء اﻟﺬﻫﺐ ،وﺗﻮج
أﻋﻼﻫﺎ ﺑﺈﻛﻠﯿﻞ ﻣﻦ اﻟﺰﺟﺎج اﻟﻤﻨﻘﻮش ﯾﺸﻊ ﻣﻦ وراﺋﻪ ﻟﺴﺎن ﻣﻦ اﻟﻨﻮر اﻟﻤﺘﻮﻫﺞ ..ﺣﯿﺚ أﻗﺎﻣﻮﻫﺎ ﻓﻲ وﺳﻂ ﺗﻠﻚ
اﻟﻤﻘﺼﻮرة ﺗﻠﻘﺎء ﻧﻈﺮ ﺗﺎج اﻟﺪﯾﻦ ،ﻟﺘﻘﻮل ﻟﻪ ﺑﻠﺴﺎن ﺣﺎﻟﻬﺎ:
’’أﯾﻬﺎ اﻟﻌﺎﺷﻖ اﻟﺬي أﻓﻘﺪه اﻟﺸﻮق ﺻﺒﺮه وﻗﺮاره ..ﯾﺒﺪو أﻧﻚ ﻣﺜﻠﻲ ﻓﻤﺎ أﻗﺎﺳﯿﻪ ﻣﻦ أﻟﻢ واﺣﺘﺮاق..
إذن ﻓﻘﻢ ﻣﻦ ﻣﻜﺎﻧﻚ ﻫﺬا اﻟﺬي ﺳﺌﻤﺘﻪ إﻟﻰ ﺣﯿﺚ ﺗﻨﺘﻈﺮك ﻋﺮوﺳﻚ...
ﻗﻢ ﻓﻘﺪ آن أن ﺗﺬوق ﺑﻌﺪ ﻫﺬا اﻟﺬي ﻋﺎﻧﯿﺘﻪ -ﻧﻌﯿﻢ اﻟﻮﺻﺎل...
ﻗﻢ ﻓﺈن ﺷﻤﻌﺘﻚ ﻣﺜﻠﻚ ﻓﻲ اﻹﻧﺘﻈﺎر ..ﺗﻘﺎﺳﻲ ﻣﺜﻞ ﻣﺎ ﺗﻘﺎﺳﯿﻪ ﺟﻮاﻧﺤﻚ...
ﻣﻦ ﻧﺎر اﻹﺻﻄﺒﺎر...
ﺣﺴﺒﻚ ﻣﺜﻠﻲ ذوﺑﺎ واﺣﺘﺮاﻗﺎ ...وﻛﻔﺎك ﻣﺜﻠﻲ دﻣﻮﻋﺎ وﺗﺴﻜﺎﺑﺎ...
إن ذﻟﻚ اﻟﻨﻮر اﻟﺬي ﺿﺎع وراﺋﻪ ﻗﻠﺒﻚ ..ﻫﻮ ذا أﻣﺎﻣﻚ اﻟﯿﻮم ...ﻓﻠﺘﺮﺗﻢ ﻓﯿﺄذﯾﺎﻟﻪ ،ﻛﻤﺎ ﺗﻔﻌﻞ اﻟﻔﺮاﺷﺔ اﻟﻤﻠﺘﺎﻋﺔ ..إذ
ﺗﻨﺜﺮ روﺣﻬﺎ ﻋﻠﻰ أذﯾﺎل اﻟﻠﻬﺐ.
أﯾﻬﺎ اﻟﺴﺎﻋﻲ ...ﻃﺎﻟﻤﺎ أﺗﻌﺒﺖ ﻗﺪﻣﯿﻚ اﺑﺘﻐﺎء اﻟﻮﺻﻮل إﻟﻰ ﻫﺬا اﻟﻤﻄﺎف..
أﯾﻬﺎ اﻟﺴﺎﻟﻚ ..ﻛﻢ أﻇﻤﺄت ﻛﺒﺪك ﻗﺼﺪا إﻟﻰ اﻟﻄﻮاف...
ﻟﻘﺪ ﻗﺪر اﷲ ﻟﻚ ﻛﻞ ذﻟﻚ ﻓﻲ ﺳﻬﻮﻟﺔ ...وﺣﻘﻘﻪ ﻣﻦ أﺟﻠﻚ ﻓﻲ ﯾﺴﺮ...
ﻫﺎ ﻫﻲ ﻛﻌﺒﺘﻚ ..ﻗﺪ ﺳﻌﺖ ﻧﺤﻮك .وﻫﺎ ﻫﻮ ذا ﻣﻄﺎﻓﻚ ﻗﺪ ﺗﺪاﻧﻰ إﻟﯿﻚ...
أﯾﻬﺎ اﻟﻌﺎﺷﻖ اﻟﺴﻌﯿﺪ ..ﻗﻢ ﻟﺘﻄﻮف وﺗﻠﺘﺰم ..وﺗﻘﺒﻞ وﺗﺴﺘﻠﻢ...
أﯾﻬﺎ اﻟﻌﺎﺷﻖ اﻟﻈﻤﺂن ..ﻗﻢ ،ﻓﺎﻟﻜﺄس ﻣﺘﺮﻋﺔ ..وﺧﻤﺮﺗﻚ ﻓﻲ اﻹﻧﺘﻈﺎر... ‘‘ .
وأدرك ﺗﺎج اﻟﺪﯾﻦ ﻣﻦ ﻫﺬه اﻹﺷﺎرة وﻣﻼﺑﺴﺎﺗﻬﺎ أن ﻗﺪ ﺣﺎﻧﺖ ﺳﺎﻋﺔ اﻟﻮﺻﻞ وﻻح ﻓﺠﺮه ..ﻓﻨﻬﺾ ﻣﻦ ﻣﻜﺎﻧﻪ ﻓﻲ
ﺳﻜﯿﻨﺔ وﻫﺪوء ،وﺳﺎر ﻧﺤﻮ اﻟﻤﻘﺼﻮرة اﻟﺘﻲ ﻓﺘﺢ ﺑﺎﺑﻬﺎ ﻓﻲ اﻧﺘﻈﺎره ،وإﻟﻰ ﺟﺎﻧﺒﻪ ﻣﻤﻮ ﺻﺪﯾﻖ ﺳﺮوره وأﺣﺰاﻧﻪ ،
ﯾﺪه ﻓﻲ ﯾﺪه وﻗﻠﺒﻪ ﻣﻊ ﻗﻠﺒﻪ ،وﻗﺪ اﺷﺘﻤﻞ ﻋﻠﻰ ﺳﯿﻒ ﻓﻲ ﺟﻨﺒﻪ ،وﻫﻮ ﺷﺄن ’’ ﺣﻔﯿﻆ ‘‘ اﻟﻌﺮوس ﻓﻲ اﻟﻌﺎدة .وﻋﻨﺪ
اﻟﺒﺎب وﻗﻒ ﻣﻤﻮ ﻣﻨﺤﺎزا ﻟﯿﻮدع ﺧﻠﯿﻠﻪ وﯾﺸﯿﺮ إﻟﯿﻪ ﺑﺎﻟﺪﺧﻮل ،وﻛﺎﻧﺖ ﻟﺤﻈﺎت ...ﺗﻮارى ﻣﻦ ﺑﻌﺪﻫﺎ ﺗﺎج اﻟﺪﯾﻦ وراء
اﻟﺒﺎب اﻟﺬي ﻣﺎ ﻟﺒﺚ أن أﻏﻠﻖ ،ﺑﯿﻨﻤﺎ ﻇﻞ ﺻﺎﺣﺒﻪ واﻗﻔﺎ ﻓﻲ ﻣﻜﺎﻧﻪ ذﻟﻚ ﻛﺄﻧﻪ ﺣﺎﺟﺐ أﻣﯿﻦ.
ودﺧﻞ ﺗﺎج اﻟﺪﯾﻦ إﻟﻰ اﻟﻤﻘﺼﻮرة ،ﻟﯿﺠﺪ ﻋﺮوﺳﻪ ﺟﺎﻟﺴﺔ ﻣﻦ وراء ﺗﻠﻚ اﻟﺸﻤﻌﺔ اﻟﺘﻲ ﺣﺪﺛﺘﻪ ﺑﺪﻣﻮﻋﻬﺎ ﺣﺪﯾﺚ اﻟﺤﺐ
واﻟﻮﺻﺎل ..ﺣﯿﺚ ﺗﺼﺎﻓﺤﺖ ﻋﯿﻨﺎﻫﻤﺎ ﻓﻲ ﺳﻜﻮن ﺣﺎﻟﻢ وﺗﻌﺎﻧﻖ ﻗﻠﺒﺎﻫﻤﺎ ﻓﻲ ذﻫﻮل ﻃﻮﯾﻞ ،وﺗﺒﺪﻟﺖ ﻧﺎر ﺿﻠﻮﻋﻬﻤﺎ
ﺷﻬﺪا وﺧﻤﺮا .وﺑﺎرﻛﺖ ﻟﻬﻤﺎ ﺗﻠﻚ اﻟﺸﻤﻮع اﻟﺘﻲ ﺗﺤﺘﺮق ﻛﺆوﺳﺎ ﻣﺘﺮﻋﺔ ﻣﻦ اﻟﺮﺣﯿﻖ ..وﺷﻬﺪت وﺣﺪﻫﺎ أﺟﻤﻞ
ﻟﺤﻈﺎت اﻟﺪﻧﯿﺎ ﻟﺪى اﻷﺣﺒﺔ...
وﻇﻞ اﻟﻌﺮوﺳﺎن ﺛﻼﺛﺔ أﯾﺎم ﻓﻲ اﻧﺸﻐﺎل ﻋﻦ اﻟﺪﻧﯿﺎ وﻣﺎ ﻓﯿﻬﺎ ،ﯾﺮﻗﺪان ﻓﻲ ﻣﻬﺪ اﻷﺣﻼم ،وﯾﺴﺘﯿﻘﻈﺎن ﻋﻠﻰ اﻷﺣﻼم ،
ﻏﺬاؤﻫﻤﺎ ﺷﻬﺪ اﻟﻮﺻﺎل ،وﺷﺮاﺑﻬﻤﺎ ﻛﻮﺛﺮ اﻟﺸﻔﺎه
أﻣﺎ ﻣﻤﻮ ﻓﺈﻧﻪ ﻟﻢ ﯾﺸﺄ -ﺣﺘﻰ ﺑﻌﺪ أن اﻧﻔﺾ اﻟﺠﻤﻊ ،واﻧﺼﺮف اﻟﺠﻤﯿﻊ -أن ﯾﺒﺎرح ﻣﻜﻨﻪ ﻣﻦ ﻗﺼﺮ ﺻﺪﯾﻘﻪ ،إذ ﻛﺎن
ﺳﻌﯿﺪا ﺑﺄﻧﯿﺘﻮﻻﻫﺎ ﻟﺼﺪﯾﻘﻪ اﻟﻤﺤﺒﻮب ،ﺗﻘﻀﻲ -إذا أرﯾﺪ أن ﺗﻜﻮن ﻓﻲ أﺳﻤﻰ درﺟﺎت اﻹﺧﻼص -ﺑﺄن ﯾﻈﻞ ﻣﻜﺎﻧﻪ
ﻛﺄي ﺣﺎﺟﺐ ﻣﺨﻠﺺ إﻟﻰ أن ﯾﺨﺮج اﻟﻌﺮوس ﻓﻲ اﻟﯿﻮم اﻟﺜﺎﻧﻲ أو اﻟﺬي ﯾﻠﯿﻪ ،ﻟﯿﺘﻠﻘﺎه وﯾﻜﻮن أول ﻣﻦ ﯾﻬﻨﺌﻪ ﻣﻦ
أﺻﺤﺎﺑﻪ
وﻫﻜﺬا اﺗﺨﺬ ﻣﻤﻮ ﻣﻜﺎﻧﻪ ﻓﻲ ﻧﺎﺣﯿﺔ ﻣﻦ ﻓﻨﺎء ﺻﺮح ﺗﺎج اﻟﺪﯾﻦ اﻟﺬي ﻛﺎن ﻋﺒﺎرة ﻋﻦ ﺣﺪﯾﻘﺔ ﻏﻨﺎء ﺗﺤﯿﻂ ﺑﻪ ﻣﻦ ﺳﺎﺋﺮ
ﺟﻬﺎﺗﻪ وﺣﻤﻠﺘﻪ دواﻋﻲ إﺧﻼﺻﻪ ﻋﻠﻰ أن ﯾﻼزم اﻟﻤﻜﺎن ﻃﻮال ﺗﻠﻚ اﻷﯾﺎم اﻟﺜﻼﺛﺔ ،ﻓﻠﻢ ﯾﻜﻦ ﯾﺒﺎرﺣﻪ إﻻ ﺑﻌﺪ ﻣﻨﺘﺼﻒ
اﻟﻠﯿﻞ ،أو إﻟﻰ ﺷﺄن ﺿﺮوري ﻟﻪ ،ﺛﻢ ﻻ ﯾﻠﺒﺚ أن ﯾﻌﻮد ﻣﺴﺮﻋﺎ إﻟﻰ ﻣﻜﺎﻧﻪ ﻓﻲ اﻧﺘﻈﺎر ﺧﺮوج ﺻﺪﯾﻘﻪ ﻟﯿﻬﻨﺌﻪ ﺑﺤﺒﻪ
اﻟﺬي ﺳﻌﺪ ﺑﻪ.
واﻟﺤﻖ أن ﺷﻌﻮر ﻣﻤﻮ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻔﺘﺮة ﻻ ﺳﯿﻤﺎ ﺑﻘﯿﺔ اﻟﻠﯿﻠﺔ اﻷوﻟﻰ ﻋﻨﺪﻣﺎ اﻧﻔﻀﺖ ﺣﺸﻮد اﻟﻨﺎس ،وﻃﻮى ﺑﺴﺎط ذﻟﻚ
اﻷﻧﺲ واﻟﺼﺨﺐ ،وﻟﻢ ﯾﺒﻖ ﺳﻮاه واﻗﻔﺎ ﻋﻨﺪ ذﻟﻚ اﻟﻘﺼﺮ وﺳﻂ ﺳﻜﻮن اﻟﻠﯿﻞ -ﻛﺎن ﺷﻌﻮرا ﺛﺎﺋﺮا أﻟﻬﺐ ﺷﻮق ﻓﺆاده
،وأﺣﺎﻃﻪ ﺑﻤﻌﻨﻰ اﻟﻮﺣﺸﺔ واﻟﻐﺮﺑﺔ ،وأﯾﻘﻆ آﻻﻣﻪ اﻟﺘﻲ ﺑﯿﻦ ﺿﻠﻮﻋﻪ ،وأﺛﺎر ﺣﺒﻪ اﻟﻌﻨﯿﻒ اﻟﺬي ﻛﺎن ﻣﻦ ﻏﯿﺮ ﺷﻚ
أﺷﺪ ﻣﻦ ﺣﺐ ﺗﺎج اﻟﺪﯾﻦ .ﻓﺈذا ﻋﻠﻤﺖ أﯾﻀﺎ ﺑﺄﻧﻪ ﻛﺎن ﻗﺪ ﻟﻤﺢ ﻣﻠﯿﻜﺔ ﻗﻠﺒﻪ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻠﯿﻠﺔ واﻟﻠﯿﺎﻟﻲ اﻟﺘﻲ ﻗﺒﻠﻬﺎ وﻟﻤﺤﺘﻪ
أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻣﺮة ،ورأﺗﻬﺎ ﻋﯿﻨﺎه وﻫﻲ ﻏﺎرﻗﺔ إﻟﻰ ﺟﺎﻧﺐ أﺧﺘﻬﺎ ﻓﻲ أﺑﻬﻰ زﯾﻨﺔ وﺣﻠﻲ -أدرﻛﺖ أن ﺷﻌﻮره إذ ذاك
ﺟﺪﯾﺮا ﺑﺄن ﯾﺤﺪث أﺛﺮا ﺟﺒﺎرا ﻓﻲ ﻧﻔﺴﻪ ،وﻣﻦ ﺑﻌﯿﺪ أن ﯾﺘﺤﻤﻠﻪ ﻣﻬﻤﺎ آﺗﺎه اﷲ وأﻣﺪه ﺑﻪ ﻣﻦ ﺟﻠﺪ وﺻﺒﺮ.
ﻏﯿﺮ أن ﺑﺮدا ﻣﻦ اﻵﻣﺎل اﻟﻤﻨﻌﺸﺔ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺴﺮي إذ ذاك ﻓﻲ ﻣﺸﺎﻋﺮه ،ﻓﺘﺨﻔﻒ ﻣﻘﺪارا ﻣﻦ اﻵﻻم واﻟﺜﻮرة ﻓﻲ ﻧﻔﺴﻪ
وﺗﺠﻌﻞ ﻓﻜﺮه ﯾﻨﺸﻐﻞ ﺑﻨﺸﻮﺗﻬﺎ ﻋﻦ اﻹﻧﺘﺒﺎه إﻟﻰ ﺗﻠﻚ اﻟﻠﻮاﻋﺞ اﻟﺸﺪﯾﺪة.
ﻓﻠﻘﺪ ﻛﺎن ﻻ ﯾﻔﺘﺄ -وﻫﻮ ﯾﺠﻮب ﻛﺎﻟﺤﺎرس ﻓﻲ أﻃﺮاف اﻟﻘﺼﺮ وﺑﯿﻦ ﺣﺪاﺋﻘﻪ -ﯾﻔﻜﺮ ﻓﻲ اﻟﻚ اﻟﻤﻼﻃﻔﺔ اﻟﺘﻲ أﺑﺪاﻫﺎ
اﻷﻣﯿﺮ ﻧﺤﻮه ﺗﻠﻚ اﻟﻠﯿﻠﺔ واﻟﻠﯿﺎﻟﻲ اﻟﺘﻲ ﻗﺒﻠﻬﺎ ،وﻗﺪ أﺧﺬ ﯾﺘﺮاءى ﻟﻪ ﻣﻦ ذﻟﻚ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ دﻟﯿﻞ ﻋﻠﻰ أن آﻣﺎﻟﻪ ﻗﺪ راﺣﺖ
ﺗﺰدﻫﺮ.
إذ ﻫﻞ ﯾﻤﻜﻦ أن ﯾﻌﺘﺒﺮ ﺷﻲء ﻣﻦ ذﻟﻚ اﻟﺘﻘﺪﯾﺮ اﻟﺬي أﺑﺪاه ﻟﻤﺎ ﺑﯿﻨﻪ وﺑﯿﻦ ﺗﺎج اﻟﺪﯾﻦ ﻣﻨﻌﻼﻗﺔ اﻟﻮد واﻟﺨﻠﺔ ،أو اﺧﺘﯿﺎره
ﻟﻪ ﺧﺎﺻﺔ أن ﯾﻜﻮن ﻗﺮﯾﻨﻪ وﺣﻔﯿﻈﻪ إﻟﻰ ﺟﺎﻧﺒﻪ ﻓﻲ ﻋﺮﺳﻪ ،أو ﺗﻠﻚ اﻟﻤﻼﻣﺢ اﻟﺨﺎﺻﺔ اﻟﻤﻔﺎﺟﺌﺔ اﻟﺘﻲ ﻇﻬﺮت ﻓﻲ
ﻋﻨﺎﯾﺘﻪ وﻋﻄﻔﻪ ﻋﻨﺪﻣﺎ اﻣﺮه ﺑﺄن ﯾﻘﻌﺪ إﻟﻰ ﺟﺎﻧﺐ ﺗﺎج اﻟﺪﯾﻦ وﯾﺘﺘﺰﯾﻰ ﺑﻤﺜﻞ زﯾﻪ وﺣﻠﺘﻪ ،ﻫﻞ ﯾﻤﻜﻦ أن ﯾﻜﻮن ﺷﻲء
ﻣﻦ ذﻟﻚ إﻻ أﻛﺒﺮ ﺑﺮﻫﺎن ﻗﺎﻃﻊ ﻋﻠﻰ أﻧﻪ ﻟﻦ ﯾﻤﺎﻧﻊ أﺑﺪا ﻣﻦ أن ﯾﺴﻌﺪ ﻫﻮ اﻵﺧﺮ ب’’ زﯾﻦ ‘‘ وﻋﻠﻰ أن ﯾﺘﺰوﺟﻪ ﺑﻬﺎ ،
وﯾﻘﯿﻢ ﻟﻬﻤﺎ ﻣﺜﻞ ﻫﺬا اﻟﺤﻔﻞ اﻟﺮاﺋﻊ ﻋﻨﺪ أول إﺷﺎرة أو رﺟﺎء ؟!....
ﺑﻞ ﻣﻦ ﯾﺪري ؟ ﻓﻘﺪ ﯾﻜﻮن اﻷﻣﯿﺮ ﻻﺣﻆ ﻃﺮﻓﺎ ﻣﻦ ﻫﺬا اﻟﺤﺐ اﻟﻤﺘﻤﺮد ﻓﻲ ﻓﺆاده وأدرﻛﺘﻪ رﻗﺔ ورﺣﻤﺔ ﻟﺤﺮﻣﺎﻧﻪ ﻣﻦ
ﻫﺬا اﻟﺤﻔﻞ اﻟﺒﻬﯿﺞ اﻟﺬي ﯾﻨﻔﺮد ﻓﯿﻪ ﺻﺪﯾﻘﻪ ﺑﺎﻟﺴﻌﺎدة واﻟﻬﻨﺎء ،ﻓﺄراد أن ﯾﺸﻌﺮه ﺑﺎﻷﻣﻞ ،وﯾﺪﺧﻞ إﻟﻰ ﻗﻠﺒﻪ اﻟﺒﺸﺮى ،
ﻓﺠﻌﻞ ﻣﻦ ﺗﺼﺮﻓﻪ ﻫﺬا أﻟﻄﻒ إﺷﺎرة إﻟﻰ ذﻟﻚ.
وأﺧﺬت ﻫﺬه اﻵﻣﺎل اﻟﺠﻤﯿﻠﺔ ﺗﺠﻌﻠﻪ ﯾﺸﺮع ﻓﻲ ﺗﺼﻮﯾﺮ ﺣﯿﺎة ﺳﻌﺎدﺗﻪ وﺑﻨﺎء أﺣﻼم ﺣﺒﻪ .وراح ﯾﻔﻜﺮ ﻛﯿﻒ أﻧﻪ
ﺳﯿﺤﺎول ﺗﺸﯿﯿﺪ ﺻﺮح ﺟﻤﯿﻞ ﻛﺼﺮح ﺻﺪﯾﻘﻪ ،وﺳﯿﺠﻌﻠﻪ ﯾﺰدان ﺑﺄﺑﻬﻰ أﺛﺎث وﯾﺤﯿﻄﻪ ﺑﻔﺘﻨﺔ ﺧﻀﺮاء ﻛﻬﺬه اﻟﺤﺪﯾﻘﺔ
.ﺑﻞ ﻟﻘﺪ ﺣﺪﺛﺘﻪ ﻧﻔﺴﻪ ﺑﺄﻧﻪ ﻻ ﺑﺪ ﻣﻦ أن ﯾﺸﺮع ﻓﻲ اﻟﺘﻔﻜﯿﺮ ﻟﺘﺪﺑﯿﺮ ﻛﻞ ﻫﺬا ﻣﻦ اﻵن ﻓﻤﺎ أﺿﯿﻖ اﻟﻮﻗﺖ إذا ﺗﻘﺪم إﻟﻰ
اﻷﻣﯿﺮ ﺑﻌﺪ أﯾﺎم ﻟﺨﻄﺒﺔ ﺣﺒﯿﺒﺔ ﻓﺆاده ،وﻋﺎﺟﻠﻪ اﻷﻣﯿﺮ ﻓﻲ ﻛﻞ ﺷﻲء ﻛﻤﺎ ﻋﺎﺟﻞ ﺗﺎج اﻟﺪﯾﻦ ،وﻣﺎ أﺷﺪ ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺴﻪ
اﻟﺼﺒﺮ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﻓﻲ اﻧﺘﻈﺎر ﺗﻬﯿﻲء اﻟﺠﻬﺎز وﺗﺪﺑﯿﺮ اﻷﺳﺒﺎب.
واﻟﺨﻼﺻﺔ أن ﺣﻠﺔ ﻣﻤﻮ اﻟﻨﻔﺴﯿﺔ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻷﯾﺎم اﻟﺜﻼﺛﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ أول ﻋﻬﺪ ﻓﺮاﻗﻪ ﻋﻦ ﺗﺎج اﻟﺪﯾﻦ ،واﻟﺘﻲ ﻗﻄﻌﻬﺎ
ﻣﻨﻔﺮدا ﻓﻲ ﻓﻨﺎء ﻗﺼﺮه ﯾﻨﺘﻈﺮ ﺧﺮوﺟﻪ ورؤﯾﺘﻪ -ﻛﺎﻧﺖ أﺷﺒﻪ ﻣﺎ ﺗﻜﻮن ﺑﻘﻮس ﻗﺰح ﻣﻦ أﻟﻮان ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﻣﻦ اﻟﻤﺸﺎﻋﺮ
واﻷﺣﺎﺳﯿﺲ ،ﻻ ﯾﻤﻜﻦ أن ﯾﺴﻤﻮ إﻟﻰ ﺗﺼﻮرﯾﻬﺎ أي ﺑﯿﺎن .ﻓﻠﻘﺪ اﻣﺘﺰج اﻟﺤﺐ اﻟﻘﺎﺳﻲ اﻟﻌﻨﯿﻒ ﺑﺄد ﻟﻬﯿﺐ ﻣﻦ اﻟﺸﻮق
وﺧﺎﻟﻄﻬﻤﺎ اﻷﻣﻞ اﻟﻤﺰدﻫﺮ ﻓﻲ أﺟﻤﻞ ﺻﻮره وأﺻﺪق إﺷﺮاﻗﻪ ،ﺛﻢ اﻧﺒﺜﺖ ﻛﻞ ذﻟﻚ ﻣﺠﺘﻤﺎ ﻓﻲ ﺳﺎﺋﺮ ﻣﺸﺎﻋﺮه ،وراح
ﯾﺨﻠﻖ ﻟﻪ ﻣﻦ ﺑﯿﻦ ﺿﺮام اﻟﻮاﺟﺪ أﺣﻼﻣﺎ ﺳﻌﯿﺪة ،وﻧﺸﻮة ﻋﻄﺮة ،واﺑﺘﻬﺎﺟﺎ ﺑﻔﺮﺣﺔ ﺻﺪﯾﻘﻪ ووﺻﻮﻟﻪ إﻟﻰ ﻣﺒﺘﻐﺎه.
وﻓﻲ ﺻﺒﯿﺤﺔ اﻟﯿﻮم اﻟﺜﺎﻟﺚ ﺧﺮج ﺗﺎج اﻟﺪﯾﻦ ...وﻛﺎن أول ﻣﺎ دﻋﺎه إﻟﻰ اﻟﺨﺮوج ﻫﻮ ﺗﺬﻛﺮه ﻟﻤﻤﻮ .ﻓﻠﻘﺪ ﻃﺎﻟﺖ ﻏﯿﺒﺘﻪ
ﻋﻨﻪ ،واﺷﺘﺎق إﻟﻰ أن ﯾﺮاه وﯾﻄﻤﺄن ﻋﻠﻰ ﺣﺎﻟﺘﻪ ﻣﻊ ﻗﻠﺒﻪ اﻟﺠﺮﯾﺢ.
ﺧﺮج ﻣﻦ اﻟﻘﺼﺮ ..وأﺧﺬ ﯾﺴﯿﺮ ﻓﻲ اﻟﺤﺪﯾﻘﺔ ﻣﺘﺠﻬﺎ ﻧﺤﻮ ﺑﺎﺑﺎﻫﺎ اﻟﺨﺎرﺟﻲ ﻗﺎﺻﺪا دار ﻣﻤﻮ دون أن ﯾﻌﻠﻢ أﻧﻪ ﻻ ﯾﺰال
واﻗﻔﺎ ﻫﻨﺎك ،وﻟﻢ ﯾﻨﺘﺒﻪ إﻟﻰ وﺟﻮده إﻻ ﺑﻌﺪ أن ﻟﻤﺤﻪ ﻋﻠﻰ اﻟﺒﻌﺪ وأﺳﺮع ﯾﺠﺮي إﻟﯿﻪ..
وﻫﻨﺎك اﻣﺘﺰج اﻟﺼﺪﯾﻘﺎن ﻓﻲ ﻋﻨﺎق ﻃﻮﯾﻞ ،وﻧﻈﺮ ﺗﺎج اﻟﺪﯾﻦ إﻟﻰ وﺟﻪ ﺻﺪﯾﻘﻪ ،ﻓﺄدرك أن ﻫﻨﺎك آﻻﻣﺎ وﻟﻮاﻋﺞ ﻓﻲ
ﻧﻔﺴﻪ ،ﻗﺪ ﺣﺎول ﻃﯿﻬﺎ وﺟﻤﻌﻬﺎ ﻓﻲ زاوﯾﺔ ﺻﻐﯿﺮة ﻣﻦ ﻗﻠﺒﻪ ﻟﻜﻲ ﯾﺘﺴﻊ ﻟﻼﺑﺘﻬﺎج اﻟﺘﺎم ﺑﻔﺮﺣﺔ أﺧﯿﻪ ...ﻓﺘﻨﺤﻰ ﺑﻪ
ﺟﺎﻧﺒﺎ ﻣﻦ اﻟﺤﺪﯾﻘﺔ وأﺧﺬ ﺑﻜﻔﻪ ﻗﺎﺋﻼ:
’’أﻗﺴﻢ ﻟﻚ ﯾﺎ ﺻﺪﯾﻘﻲ أﻧﻨﻲ ﻟﻮ وﺟﺪت أي ﺳﺒﯿﻞ ﻟﺘﻘﺪﯾﻢ ﺳﻌﺎدﺗﻚ ﻋﻠﻰ ﺳﻌﺎدﺗﻲ وﻟﻮ ﻇﻬﺮ ﻟﻲ أي ﻃﺮﯾﻖ ﯾﻤﻜﻨﻨﻲ أن
أﻓﺘﺪي ﻓﯿﻬﺎ ﻫﻨﺎﺋﻲ وﺣﺒﻲ ﺑﻠﺤﻈﺔ واﺣﺪة ﻣﻦ ﺣﺒﻚ وﺳﻌﺎدﺗﻚ ﻟﻤﺎ ﺗﻮاﻧﯿﺖ ﻋﻦ ذﻟﻚ .وﻟﻜﻨﻚ ﺗﻌﻠﻢ أن ﻫﺬه ﻫﻲ اﻟﺴﺒﯿﻞ
اﻟﻮﺣﯿﺪة ﻟﻮﺻﻮل ﻛﻠﯿﻨﺎ إﻟﻰ آﻣﺎﻟﻨﺎ اﻟﺘﻲ ﻋﻠﻖ اﻟﻘﻀﺎء ﻗﻠﺒﯿﻨﺎ ﺑﻬﺎ .وﺛﻖ أﻧﻨﻲ ﻟﻦ أﺳﺘﺴﯿﻎ ﻃﻌﻢ ﺳﻌﺎدﺗﻲ اﻟﺘﻲ ﺗﻬﻨﺌﻨﻲ
ﺑﻬﺎ إﻻ ﺑﻌﺪ أن ﯾﺴﻌﺪﻧﻲ اﻟﺘﻮﻓﯿﻖ ﻓﻲ إﯾﺼﺎﻟﻚ إﻟﻰ ﻣﻨﺎك وآﻣﺎل ﺣﺒﻚ‘‘.
وﻫﻜﺬا ﻇﻞ اﻟﺼﺪﯾﻘﺎن ﺑﺮﻫﺔ ﻣﻦ اﻟﻮﻗﺖ ﯾﺘﺒﺎدﻻن اﻟﺘﻬﻨﺌﺔ واﻟﻤﺼﺎﺑﺮة .ﻫﺬا ﯾﻬﻨﺌﻪ ﻣﻦ ﻛﻞ ﻗﻠﺒﻪ وﯾﺸﻌﺮه ﺑﻔﺮﺣﺔ ﻓﺆاده
ﻣﻦ أﺟﻞ ﺳﻌﺎدﺗﻪ ،وذاك ﯾﻮاﺳﯿﻪ وﯾﺤﻤﻠﻪ ﻋﻠﻰ اﻟﺼﺒﺮ ،وﯾﺒﺸﺮه ﺑﻘﺮب وﺻﺎﻟﻪ ﻫﻮأﯾﻀﺎ.
اﻟﺼﺪﯾﻖ ...؟؟؟؟ أﻻ ﻣﺎ أﺛﻤﻦ اﻟﺼﺪﯾﻖ اﻟﺬي ﯾﺘﺴﻊ ﻗﻠﺒﻪ اﻟﻤﺤﺮوم ﻟﻼﺑﺘﻬﺎج ﺑﺴﻌﺎدﺗﻚ ،وﯾﻘﯿﻢ وراء ﺻﺪره اﻟﻤﻜﻠﻮم
ﻋﺮﺳﺎ ﯾﻮم ﻓﺮﺣﻚ.
ﻫﺬا اﻟﺼﺪﯾﻖ اﻟﺬي ﻣﻨﺤﺘﻚ اﻟﺪﻧﯿﺎ ﻣﺜﻠﻪ ﻓﺈﻓﺪه ﺑﺴﺎﺋﺮ ﻣﻈﺎﻫﺮﻫﺎ وﻣﻦ ﻓﯿﻬﺎ ،ﻓﺈﻧﻤﺎ ﻫﻮ ﺳﺮاج ﻣﻦ أﺟﻠﻚ ﻓﻲ اﻟﻈﻠﻤﺎء ،
وﻫﻮ أﻣﻞ ﻟﻘﻠﺒﻚ ﻋﻨﺪ اﻟﯿﺄس.
اﻟﻔﺘﻨﺔ
اﻟﻜﻮن ﻛﻠﻪ ﻣﻨﺬ ﻓﺠﺮ اﻟﺤﯿﺎة ﻣﺴﺮح ﻟﻠﺼﻮر اﻟﻤﺘﻀﺎد واﻟﻤﻈﺎﻫﺮ اﻟﻤﺘﻨﺎﻗﻀﺔ .ﻓﻬﺬا اﻟﻠﯿﻞ واﻟﻨﻬﺎر ،واﻟﻨﻮر واﻟﻈﻼم ،
ﻫﺬه اﻟﺸﻤﺲ اﻟﻤﺘﻮﻫﺠﺔ واﻟﻈﻼل اﻟﻮارﻓﺔ ،ﻫﺬا اﻟﻬﺠﺮ واﻟﻮﺻﺎل ،واﻟﻤﺂﺗﻢ واﻷﻋﺮاس ،ﻫﺬه اﻟﻤﺂﺳﻲ واﻷﻓﺮاح ،
وﻫﺬا اﻟﺒﺆس واﻟﻨﻌﯿﻢ ،ﻫﺬه اﻟﻮرود اﻟﻨﺎﻋﻤﺔ ﺑﯿﻦ أﺷﻮاﻛﻬﺎ اﻟﺪاﻣﯿﺔ -ﻛﻞ ذﻟﻚ ﻧﻤﺎذج ﻟﻤﺸﻬﺪ ﻫﺬا اﻟﻜﻮن اﻟﻤﺘﻨﺎﻗﺾ
أﺑﺪﻋﻪ اﷲ ﻛﺬﻟﻚ ﻟﯿﻮﺟﺪ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﻦ اﻟﺨﯿﺮ واﻟﺸﺮ ﻣﻌﻨﺎه ،وﻟﯿﺴﺘﺒﯿﻦ ﻛﻞ ﻣﻨﻬﻤﺎ ﺑﺎﻵﺧﺮ وﯾﺘﻤﯿﺰ ﻛﻞ ﻋﻨﺼﺮ ﺑﻨﻘﯿﻀﻪ ﺛﻢ
ﻟﻜﻲ ﺗﺸﯿﻊ ﻓﻲ اﻟﻜﻮن روح اﻟﺤﺮﻛﺔ واﻟﻜﻔﺎح وﻟﺘﺮﺗﺒﻂ ﻫﺬة اﻟﺨﻼﺋﻖ ﺑﻨﻈﺎم اﻟﺴﻌﻲ واﻟﺘﻌﺎون.
وﯾﺄﺑﻰ ﻫﺬا اﻟﺴﻨﻦ ﻓﻲ اﻟﻜﻮن إﻻ أن ﯾﺠﺮي ﻓﻲ ﻗﺼﺘﻨﺎ أﯾﻀﺎ ،ﻓﯿﺠﻤﻊ ﻓﯿﻬﺎ ﻋﻨﺼﺮي اﻟﺨﯿﺮ واﻟﺸﺮ وﯾﻤﺰج ﻓﺮﺣﺔ
اﻟﺴﻌﺎدة ﺑﺪﻣﻮع اﻟﺒﺆس ...وﻋﻨﺼﺮ اﻟﺸﺮ ﻓﻲ ﻫﺬه اﻟﻘﺼﺔ ﻫﻮ ﺣﺎﺟﺐ ﺧﺎص ﻟﺪﯾﻮان اﻷﻣﯿﺮ ،أﻣﺎ اﺳﻤﻪ ’’ ﺑﻜﺮ ‘‘
وأﻣﺎ اﺳﻢ أﺑﯿﻪ ﻓﻠﻢ ﯾﻜﻦ ﯾﻌﺮف ﻣﻦ ﻫﻮ ﺣﺘﻰ ﯾﻌﺮف اﺳﻤﻪ .ﻛﺎﻧﺖ ﻟﻬﺬا اﻟﺤﺎﺟﺐ ﻧﻔﺲ ﺗﻨﻄﻮي ﻋﻠﻰ أﺷﺪ أﻟﻮان اﻟﺨﺒﺚ
واﻟﻤﻜﺮ .وﻛﺄﻧﻤﺎ ﻏﺬﯾﺖ روﺣﻪ ﺑﺤﺐ اﻟﻔﺘﻨﺔ ﻓﻬﻮ ﯾﺘﻌﺸﻖ اﻟﻮﻟﻮج ﻓﯿﻬﺎ ﺣﯿﺜﻤﺎ ﻻح ﻟﻪ ﺑﺎﺑﻬﺎ .وﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﻓﻲ ﻣﻈﻬﺮه
ﻗﺼﯿﺮا وﻗﻤﯿﺌﺎ ﻓﻘﻂ ،ﺑﻞ ﻛﺎن إﻟﻰ ذﻟﻚ أﺟﺮد اﻟﺸﻜﻞ ﺑﺎﻫﺖ اﻟﺴﺤﻨﺔ ذا ﻋﯿﻨﯿﺖ ﺗﺸﻌﺎن ﺑﻤﺰﯾﺞ ﻣﻦ اﻟﺤﻘﺪ واﻟﻜﺮاﻫﯿﺔ
واﻟﺤﺴﺪ.
وﻛﺜﯿﺮا ﻣﺎ ﻛﺎن ﯾﻘﺘﺮح ﺗﺎج اﻟﺪﯾﻦ ﻟﻸﻣﯿﺮ أن ﻟﻮ اﺳﺘﻐﻨﻰ ﻋﻦ ﻫﺬا اﻟﻤﺎﻛﺮ اﻟﺨﺒﯿﺚ واﺳﺘﺒﺪل ﺑﻪ آﺧﺮ ﯾﻜﻮن أﻟﯿﻖ
ﺑﺎﻟﻘﺼﺮ ،وأﺷﺮف ﻣﻨﻪ ﺧﻠﻘﺎ وأﺻﻼ .وﻛﺎن ﯾﻘﻮل ﻟﻪ ﻋﻨﻪ ﻓﯿﻤﺎ ﯾﻘﻮل:
’’ ...إن اﻟﺤﺎﺟﺐ ﯾﺎ ﻣﻮﻻي وإن ﻛﺎن ﻻ ﯾﺮﺟﻰ ﻣﻨﻬﻢ ﻓﻮق ﻣﺎ ﯾﺮﺟﻰ ﻣﻦ أن اﻟﻜﻼب ﻓﯿﻬﺎ ﻃﺒﯿﻌﺔ اﻹﺧﻼص واﻟﻮﻓﺎء
أﻣﺎ ﻫﺬا ﻓﺈﻧﻪ ﻻ ﯾﻌﻨﯿﻪ ﺷﻲء ﺳﻤﻰ أن ﯾﻜﻮن وﻏﺪا ﺧﺒﯿﺜﺎ‘‘...
ﻓﻜﺎن اﻷﻣﯿﺮ ﯾﻬﺰ رأﺳﻪ ﻟﻜﻼﻣﻪ ،ﺛﻢ ﯾﺒﺘﺴﻢ إﻟﯿﻪ ﻗﺎﺋﻼ:
’’إن ﺣﯿﺎﺗﻨﺎ ﯾﺎ ﺗﺎج اﻟﺪﯾﻦ ﺗﻀﻄﺮﻧﺎ إﻟﻰ ﺳﻔﯿﻪ ﻣﻦ ﻫﺬا اﻟﻨﻮع ...ﻓﺈن ﻟﻨﺎ ﺧﺎرج ﻫﺬا اﻟﻘﺼﺮ ﺷﺆوﻧﺎ وﻣﺼﺎﻟﺢ ...وﻟﻨﺎ
أﯾﻀﺎ ﻫﻨﺎك ﻣﺸﻜﻼت ذات ﻋﻘﺪ ...ﻗﺪ ﻧﺤﺘﺎج إﻟﻰ ﻣﺘﺎﻋﺐ ﻛﺜﯿﺮة ﻓﻲ ﺣﻠﻬﺎ ﻟﻮ ﻟﻢ ﻧﺤﻮ ﻣﻦ ﺣﻮﻟﻨﺎ ﺳﻔﻬﺎء ﻣﻦ ﻫﺬا
اﻟﻘﺒﯿﻞ .وإن ﻛﻞ ﻫﺆﻻء اﻟﺤﺠﺎب واﻟﺤﺮاس اﻟﺬﯾﻦ ﺗﺮاﻫﻢ ﻣﻦ ﺣﻮل ﻗﺼﻮر اﻷﻣﺮاء واﻟﺤﻜﺎم ،ﻻ ﯾﺮاد ﻣﻨﻬﻢ أن
ﯾﻜﻮﻧﻮا ﺣﺠﺎﺑﺎ ﺑﻤﻘﺪار ﻣﺎ ﯾﺮاد ﻣﻨﻬﻢ أن ﯾﻜﻮﻧﻮا أداة ﺑﺎرﻋﺔ ﻟﺘﺴﯿﯿﺮ ﺷﺆوﻧﻬﻢ وﺣﻞ ﻣﻌﻀﻼﺗﻬﻢ .أﻣﺎ أﻧﻪ ﻏﯿﺮ ذي
ﻧﺴﺐ وأﺻﻞ ،ﻓﻠﻦ ﯾﻀﯿﺮ ﺷﻲء ﻣﻦ ذﻟﻚ ﻓﻲ ﻣﺼﺎﻟﺤﻨﺎ ﻣﺎ داﻣﺖ ﺗﻘﻀﻰ ،وأﻣﺎ أﻧﻪ ذو ﻓﺘﻨﺔ و ﺧﺒﺚ ﻓﺈن ﺷﯿﺌﺎ ﻣﻦ
ﺧﺒﺜﻪ وﻓﺘﻨﺘﻪ ﻟﻦ ﯾﺘﻄﺎول إﻟﯿﻨﺎ ﺑﻤﻜﺮوه أو ﺿﺮر‘‘.
وﻫﻜﺬا أﺻﺮ اﻷﻣﯿﺮ ﻋﻠﻰ اﺳﺘﺒﻘﺎﺋﻪ ،وﻟﻚ ﯾﺴﺘﻄﻊ ﺗﺎج اﻟﺪﯾﻦ أن ﯾﻘﻨﻌﻪ ﺑﻮﺟﻮد ﻣﺎ ﯾﺪﻋﻮ إﻟﻰ ﻃﺮده واﻻﺳﺘﺒﺪال ﺑﻪ.
وﻣﻀﺖ اﻷﯾﺎم ﻟﻚ ﯾَﺨْﻒَ ﻓﯿﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺑﻜﺮ أن ﺗﺎج اﻟﺪﯾﻦ ﯾﻜﻦﱡ ﻟﻪ ﻛﺮاﻫﯿﺔ وﺑﻐﻀﺎ ،ﻓﻄﻮى ﻓﻲ ﻗﺮارة ﻧﻔﺴﻪ أﻣﺮا ،وراح
ﯾﻀﻊ ﺑﯿﻦ ﻋﯿﻨﯿﻪ ﺧﯿﻮﻃﺎ ﻟﻔﺘﻨﺔ ﯾﺜﯿﺮﻫﺎ ﻋﻠﻰ رأس ﺗﺎج اﻟﺪﯾﻦ ...وﻣﻀﻰ ﯾﺘﺤﯿﻦ ﻟﺬﻟﻚ اﻟﻔﺮص اﻟﺴﺎﻧﺤﺔ ،إﻟﻰ أن
ﻛﺎﻧﺖ ذات أﻣﺴﯿﺔ....
ﻛﺎن اﻷﻣﯿﺮ إذ ذاك ﺟﺎﻟﺴﺎ ﻋﻠﻰ اﻧﻔﺮاد ﻓﻲ ﺟﺎﻧﺐ ﻣﻦ ﺣﺪﯾﻘﺔ ﻗﺼﺮه ،وﻟﯿﺲ ﻣﻦ أﺣﺪ ﺣﻮﻟﻪ إﻻ ﺣﺎﺟﺒﻪ ﺑﻜﺮ اﻟﺬي ﻛﺎن
ﻣﻨﻬﻤﻜﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﻘﺮﺑﺔ ﻣﻨﻪ ﻓﻲ ﺗﻘﻠﯿﻢ ﺑﻌﺾ اﻷﻏﺼﺎن اﻟﯿﺎﺑﺴﺔ ﻣﻦ أﺷﺠﺎر اﻟﺤﺪﯾﻘﺔ وﺗﻨﺴﯿﻘﻬﺎ.
وﻻﺣﺖ ﻟﺒﻜﺮ ﻓﺮﺻﺔ ﺳﺎﻧﺤﺔ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺳﺄﻟﻪ اﻷﻣﯿﺮ ’’ :أﺟﺎء ﺗﺎج اﻟﺪﯾﻦ ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﯿﻮم إﻟﻰ اﻟﻘﺼﺮ أم ﻻ ؟ ‘‘ ...ﻓﻘﺪ
أﺟﺎﺑﻪ ﻗﺎﺋﻼ:
’’إن ﺗﺎج اﻟﺪﯾﻦ ﯾﺎ ﻣﻮﻻي ﻟﻢ ﯾﻤﺮ ﺑﺎﻟﻘﺼﺮ ﻣﻨﺬ أرﺑﻌﺔ أﯾﺎم‘‘.
وﺳﻜﺖ ﻫﻨﯿﻬﺔ ،ﺛﻢ ﻋﺎد ﻓﻘﺎل:
’’ﻛﺄﻧﻲ أرى ﯾﺎ ﻣﻮﻻي أن ﺗﺎج اﻟﺪﯾﻦ ﻟﻢ ﯾﻌﺪ ﯾﻔﺮغ ﻟﻠﺘﺮدد ﻋﻠﻰ اﻟﺪﯾﻮان ﻛﺴﺎﺑﻖ ﻋﻬﺪه! ‘‘
ﻓﺴﺄﻟﻪ اﻷﻣﯿﺮ:
’’وﻣﺎ اﻟﺬي أﺻﺒﺢ ﯾﺸﻐﻠﻪ ؟ ‘‘
’’ﻻ أدري ،ﻗﺪ ﯾﻜﻮن ﻣﺠﺮد أﻧﻪ ﻟﻢ ﯾﺠﺪ داﻋﯿﺎ ﻷن ﯾﺘﺮدد ﻛﺜﯿﺮا ‘‘...ﺛﻢ اﻧﺘﻬﺰ ﻓﺮﺻﺔ ﺗﻔﻜﯿﺮ ﺑﺪت ﻣﻼﻣﺤﻪ ﻋﻠﻰ
وﺟﻪ اﻷﻣﯿﺮ ودﻧﺎ إﻟﯿﻪ ﻗﺎﺋﻼ:
’’اﻟﻮاﻗﻊ ﯾﺎ ﻣﻮﻻي أﻧﻪ ﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﯾﻤﻜﻦ أﺣﺪ ﻣﻦ اﻟﻨﺎس أن ﯾﺼﺪق ﺑﺄن اﻷﻣﯿﺮة ﺳﺘﻲ ﯾﻤﻜﻦ أن ﺗﻘﺪم رﺧﯿﺼﺔ ﺑﻬﺬا
اﻟﺸﻜﻞ ﻟﻤﺜﻞ ﺗﺎج اﻟﺪﯾﻦ ﻓﻲ ﺣﯿﻦ أن ﺟﻤﯿﻊ أﻣﺮاء ﻛﺮدﺳﺘﺎن وﺳﻼﻃﯿﻨﻬﺎ ﻛﺎﻧﻮا ﯾﺘﻤﻨﻮن ﻫﺬا اﻟﺸﺮف ﻟﻘﺎء ﺟﻤﯿﻊ ﻣﺎ
ﺗﻤﺘﺪ أﯾﺪﯾﻬﻢ ﻣﻦ ﻣﺠﺪ وﻣﺎل‘‘.
ﻓﺄﺟﺎﺑﻪ اﻷﻣﯿﺮ وﻗﺪ ﺑﺪا ﻋﻠﯿﻪ اﻟﺘﻘﺰز ﻣﻦ ﻛﻼﻣﻪ:
’’وﻣﻦ ﯾﻜﻮن ﻫﺆﻻء اﻟﺬﯾﻦ ﯾﺤﺴﺒﻮن وﯾﻈﻨﻮن ..؟ ﺑﻞ ﻣﻦ ﯾﻜﻮن أوﻟﺌﻚ اﻷﻣﺮاء واﻟﺴﻼﻃﯿﻦ أﻣﺎم ﻛﻞ ﻣﻦ ﺗﺎج اﻟﺪﯾﻦ
وﺷﻘﯿﻘﯿﻪ ..؟ إن ﻛﻞ واﺣﺪ ﻣﻦ ﻫﺆﻻء اﻷﺷﻘﺎء اﻷﺑﻄﻞ ﯾﺴﺎوي ﻋﻨﺪﻧﺎ ﻓﻲ ﯾﻮم واﺣﺪ ﻣﻦ أﯾﺎم اﻟﺤﺮب اﻟﻜﺮﯾﻬﺔ ﺟﻤﯿﻊ
ذﻟﻚ اﻟﺮﻛﺎم ﻣﻦ اﻷﻣﻮال واﻟﺴﻼﻃﯿﻦ‘‘.
ﻓﻠﻤﺎ ﺳﻤﻊ ﺑﻜﺮ ﻫﺬه اﻟﻠﻬﺠﺔ ﻣﻦ اﻷﻣﯿﺮ أﯾﻘﻦ أن ذﻟﻚ اﻹﺳﻠﻮب ﻟﻦ ﯾﻔﯿﺪه ﻓﯿﻤﺎ ﯾﺮﯾﺪ .ﻓﻐﯿﺮ ﻣﺠﺮى اﻟﺤﺪﯾﺚ وﻗﺎل وﻫﻮ
ﯾﺘﺸﺎﻏﻞ ﺑﻤﺎ ﺑﯿﻦ ﯾﺪﯾﻪ:
’’ﻻ ﺷﻚ أﻧﻪ ﯾﺠﻤﻞ ﺑﺎﻟﺴﺎدة أن ﯾﺸﺠﻌﻮا ﻏﻠﻜﻤﺎﻧﻬﻢ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺰﯾﺪ ﻣﻦ اﻻﺳﺘﻘﺎﻣﺔ واﻟﺨﺪﻣﺔ ﻋﻦ ﻃﺮﯾﻖ إﻛﺮاﻣﻬﻢ
وإﺷﺮاﻛﻬﻢ ﻓﻲ ﻣﺠﺎﻟﺲ ﺻﻔﻮﻫﻢ وأﻧﺴﻬﻢ ،وﻟﻜﻦ ﺑﺸﺮط أن ﻻ ﯾﻨﺴﯿﻬﻢ اﻷﻧﺲ ﺣﻘﯿﻘﺘﻬﻢ وﻻ ﯾﺴﻜﺮﻫﻢ ﻋﻦ أداء
واﺟﺒﺎﺗﻬﻢ ،وأن ﺗﻈﻞ اﻧﺤﻨﺎآﺗﻬﻢ ﻟﻸواﻣﺮ ﻓﻲ ﺳﺎﻋﺎت اﻟﺼﻔﻮ واﻟﻤﺮح ،ﻣﻮﺟﻮدة ﺑﻨﻔﺴﻬﺎ ﻋﻨﺪ اﻟﺸﺪاﺋﺪ وﻓﻲ ﺳﺎﻋﺔ
اﻟﻜﺮ واﻟﻔﺮ.
ﻏﯿﺮ أﻧﻨﻲ أﺧﺸﻰ ﯾﺎ ﻣﻮﻻي أن ﯾﻜﻮن ﺑﻌﺾ ﻫﺬا اﻟﺘﻔﻀﻞ ﻣﻨﺼﺮﻓﺎ إﻟﻰ ﻏﯿﺮ أﻫﻠﻪ ﻓﺘﻜﻮن ﻧﺘﯿﺠﺘﻪ اﻟﻜﻔﺮان واﻟﻄﻐﯿﺎن .
إن اﻟﺒﺨﯿﻞ ﯾﺎ ﻣﻮﻻي ﻻ ﺗﻠﯿﻖ ﺑﯿﻦ ﯾﺪﯾﻪ اﻟﻨﻌﻤﺔ واﻟﺜﺮاء ،واﻟﺤﻘﯿﺮ ﻻ ﯾﻼﺋﻤﻪ‘‘...
وﻫﻨﺎ ﻗﺎﻃﻌﻪ اﻷﻣﯿﺮ ﺑﺤﺪة ﺷﺪﯾﺪة ﻗﺎﺋﻼ:
’’ﺻﻪ أﯾﻬﺎ ﻻﻗﺬر ،ﻓﻤﺎ اﻟﺤﻘﯿﺮ ﻏﯿﺮك .إﻧﻨﻲ أﻋﻠﻢ ﻣﻦ ﻫﻮ ﺗﺎج اﻟﺪﯾﻦ ﻓﻲ ﺣﺒﻪ وإﺧﻼﺻﻪ ،وأﻋﻠﻢ ﻣﺎ ﯾﺠﺐ ﻋﻠﻲﱠ
ﻓﻌﻠﻪ ،ﻓﻼ ﺗﺘﻤﺎد ﻓﯿﻤﺎ ﻟﯿﺲ ﻣﻦ ﺷﺄﻧﻚ‘‘ ...
ﻓﺘﺼﺎﻏﺮ ﺑﻜﺮ ﺣﻮل ﻧﻔﺴﻪ ،وﺗﻤﺘﻢ ﻗﺎﺋﻼ:
’’ﻟﻘﺪ ﻛﻨﺖ أﻇﻦ ﻓﯿﻪ ﻫﺬا اﻹﺧﻼص ...ﻟﻮﻻ أﻧﻲ اﻃﻠﻌﺖ ﻣﻨﻪ ﻋﻠﻰ أﻣﺮ ﻟﻌﻞ ﻣﻮﻻي اﻷﻣﯿﺮ ﻟﻢ ﯾﻄﻠﻊ ﻋﻠﯿﻪ‘‘..
ﻓﻘﺎل ﻟﻪ اﻷﻣﯿﺮ ﻓﻲ اﺷﻤﺌﺰاز:
’’وﻣﺎ ﻫﻮ ﻫﺬا اﻟﺬي اﻃﻠﻌﺖ ﻋﻠﯿﻪ ؟‘‘
’’ -ﻟﻘﺪ أﺻﺒﺢ ﯾﺎ ﻣﻮﻻي ﻣﻨﺬ أوﻟﯿﺘﻤﻮه ﺷﺮف ﻫﺬا اﻟﻘﺮب ﯾﺴﺘﻘﻞ ﺑﺎﻟﺘﺼﺮف ﻓﻲ ﻛﺜﯿﺮ ﻣﻦ ﺷﺆون اﻟﻘﺼﺮ اﻟﺨﺎﺻﺔ ...
وﻟﻘﺪ ﻛﺎن أول ﻣﺎ أذﻫﻠﻨﻲ ﻣﻦ ﺗﺼﺮﻓﺎﺗﻪ ﻓﻲ ذﻟﻚ ﻫﻮ أن راح ﯾﻘﺪم اﻷﻣﯿﺮة ’’ زﯾﻦ ‘‘ إﻟﻰ ﺻﺪﯾﻘﻪ ﻣﻤﻮ ،وﯾﺪه
ﺑﺘﺰوﯾﺠﻬﺎ ﻣﻨﻪ‘‘!...
وﻣﺎ إن ﺳﻤﻊ اﻷﻣﯿﺮ ﻫﺬا اﻟﻜﻼم ﺣﺘﻰ أخ اﻟﺬﻫﻮل ﻣﻨﻪ ﻛﻞ ﻣﺄﺧﺬ ،وﻫﺐ ﻣﻦ ﻣﻜﺎﻧﻪ ﯾﺪﯾﺮ ﻋﯿﻨﯿﻪ ﻓﯿﻤﺎ ﺣﻮﻟﻪ ﻣﻦ اﻟﻔﻀﺎء
ﻗﺎﺋﻼ:
’’ﻣﺎذا ؟ ﺗﺎج اﻟﺪﯾﻦ ...ﯾﺘﺼﺮف ﻓﻲ ﻣﺜﻞ ﻫﺬا اﻟﺸﺄن دون أن أﻋﻠﻢ ..؟ ﺗﺎج اﻟﺪﯾﻦ ﯾﻘﻮم ﺑﺘﺰوﯾﺞ ﺷﻘﯿﻘﺘﻲ ﻟﻤﻦ ﯾﺮﯾﺪ .
دون أن ﯾﺴﺘﺸﯿﺮﻧﻲ ﻋﻠﻰ اﻷﻗﻞ ؟ أم ﯾﺒﺪو واﷲ ﻗﺪ أﺳﺮﻓﺖ ﻓﻲ اﻟﻌﻄﻒ ﻋﻠﯿﻪ ﺣﺘﻰ ﻟﻢ ﺗﺒﻖ ﻓﻲ ﻧﻔﺴﻪ أﯾﺔ رﻫﺒﺔ ﻣﻨﻲ
وﻻ ﺧﻮف‘‘.
ﻓﺪﻧﺎ ﻣﻨﻪ ﺑﻜﺮ ﻗﺎﺋﻼ:
’’أﻟﯿﺲ ﯾﺪري ﻣﻮﻻي ﻣﻦ ﻫﻮ ﺗﺎج اﻟﺪﯾﻦ ..؟ إﻧﻪ ذﻟﻚ اﻟﻤﻌﺘﺰ ﺑﻨﻔﺴﻪ ،اﻟﻤﻐﺮور ﺑﺮأﺳﻪ ﺣﺘﻰ ﻗﺒﻞ أن ﯾﺤﻈﻰ ﻣﻦ
ﻣﻮﻻي ﺑﻬﺬا اﻟﻌﻄﻒ ...ﻓﻜﯿﻒ وﻗﺪ ﻧُﻔﺢ ﻏﺮوره اﻟﯿﻮم ؟ وإن أﺷﺪ ﻣﺎ أﺧﺸﺎه واﷲ ﯾﺎ ﻣﻮﻻي أن ﯾﻜﻮن ﻫﺬا اﻟﺮﺟﻞ
ﯾﻬﺪف ﻣﻦ وراء اﺳﺘﺒﺪاده اﻟﻄﺎﺋﺶ إﻟﻰ ﻏﺮس ﻧﻔﻮذه وﻧﻔﻮذ ذوﯾﻪ ﻓﻲ رﺣﺎب اﻟﻘﺼﺮ ﻋﻦ ﻃﺮﯾﻖ اﻟﻤﻨﺎﺳﺒﺔ
واﻟﻤﺼﺎﻫﺮة ،ﻟﯿﻌﻠﻢ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ اﻹﻣﺎرة ﻟﻨﻔﺴﻪ ،وﯾﺴﻠﺴﻠﻬﺎ ﻣﻦ ﻟﺪن آﺑﺎﺋﻪ وأﺟﺪاده ‘‘..
وﻋﺎد اﻷﻣﯿﺮ ﻓﺠﻠﺲ ﻓﻲ ﻣﻜﺎﻧﻪ وﻫﻮ ﯾﻘﻮل:
’’ﻟﻘﺪ ﻛﺎن ﻟﻲ ﻋﺰم واﷲ ﻋﻠﻰ أن أﺟﻌﻞ زﯾﻨﺎ ﻣﻦ ﻧﺼﯿﺐ ﻣﻤﻮ ،وأن أﻗﯿﻢ أﻓﺮاﺣﻬﻤﺎ ﻋﻤﺎ ﻗﺮﯾﺐ .وﻟﻜﻦ ﻫﺎ أﻧﺬا أﻗﺴﻢ
اﻟﯿﻮم ﺑﻔﺨﺮ أﺟﺪادي ﻓﻮق ﻫﺬه اﻷرض أﻻ أدع ذﻟﻚ ﯾﻜﻮن ،وﻟﻮ ﺟﺮت ﻓﻲ ﺳﺒﯿﻠﻪ ﺳﯿﻮل ﻣﻦ اﻟﺪﻣﺎء ﺣﻮﻟﻲ .ﻓﻠﯿﺘﻘﺪم
إﻟﻲّ إن ﺷﺎء ﻛﻞ ﻣﻦ ﺿﺠﺮ ﻣﻦ ﺣﻤﻞ رأﺳﻪ ﻟﯿﺘﻮﺳﻂ أو ﯾﺴﺘﻌﻤﻞ ﻧﻔﻮذه ﻓﻲ ذﻟﻚ‘‘.
وﻫﻜﺬا أﻗﺎم اﻷﻣﯿﺮ ،ﺑﻔﺘﻨﺔ ﺣﺎﺟﺒﻪ اﻟﺨﺒﯿﺚ ،أﺻﻠﺐ ﺣﺎﺟﺰ ﺑﯿﻨﻪ وﺑﯿﻦ ﻛﻞ ﻣﻦ ﻛﺎﻧﻮا ﯾﺮﯾﺪون أن ﯾﺘﻮﺳﻄﻮا إﻟﯿﻪ ﻓﻲ
ﺗﺰوﯾﺞ ’’ زﯾﻦ ‘‘ ﻟﺼﺪﯾﻖ ﺗﺎج اﻟﺪﯾﻦ ،وﻫﺪم آﺧﺮ ﺳﺎف ﻣﻦ اﻷﻣﻞ ﻓﻲ إﻗﺎﻣﺔ ﻓﺮح ﻫﺬﯾﻦ اﻟﺤﺒﯿﺒﯿﻦ ،وﻟﻜﻦ دون أن
ﯾﻌﻠﻢ ﻣﻤﻮ أو ﺗﺎج اﻟﺪﯾﻦ أو أي واﺣﺪ ﻣﻦ أﺻﺪﻗﺎﺋﻬﻤﺎ ﻫﺬه اﻟﻮﺷﺎﯾﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺴﺒﺒﺖ ﻓﻲ ذﻟﻚ ..وﻫﺬا اﻟﺪور اﻟﺨﺒﯿﺚ اﻟﺬي
ﻟﻌﺒﻪ ﺑﻜﺮ ﻟﻠﻮﺻﻮل ﺑﺎأﻣﯿﺮ إﻟﻰ ﺗﻠﻚ اﻟﻘﺴﻮة ﻓﻲ اﻟﻤﻮﺿﻮع .ﻏﺎﯾﺔ اﻷﻣﺮ أﻧﻪ ﻛﺎن ﯾﺼﺪ إﻟﯿﻪ ﻛﻞ ﻣﻦ ﻛﺎن ﯾﻔﺎﺗﺤﻪ ﻓﻲ
ﻫﺬا اﻟﺸﺄن ،أو ﯾﺤﺎول اﻟﺮﺟﺎء أو اﻟﺘﻮﺳﻞ إﻟﯿﻪ ﻟﺘﺰوﯾﺞ ﻣﻤﻮ ﻣﻦ ﺷﻘﯿﻘﺘﻪ زﯾﻦ وﻛﺎن آﺧﺮ ﻣﺎ ﻗﺎﻟﻪ ﻓﻲ ﻣﺠﻠﺲ ﺿﻢ
ﺗﺎج اﻟﺪﯾﻦ وﺷﻘﯿﻘﯿﻪ وﺟﻤﻌﺎ ﻛﺒﯿﺮا ﻣﻦ أﺻﺪﻗﺎﺋﻬﻢ ،ﯾﺤﺎوﻟﻮن ﻓﯿﻪ اﺳﺘﺮﺿﺎءه ﺑﺸﺘﻰ اﻟﻮﺳﺎﺋﻞ ،ﻫﻮ أن ﻗﺎل:
’’ ...ﺗﺄﻛﺪوا ﺟﻤﯿﻌﺎ أﻧﻪ ﻗﺪ ﯾﻤﻜﻦ أن ﺗﻈﻞ زﯾﻦ ﻃﻮال ﺣﯿﺎﺗﻬﺎ ﻋﺰﺑﺔ ﻓﻲ اﻟﻘﺼﺮ ،وﻟﻜﻦ ﻻ ﯾﻤﻜﻦ أﺑﺪا أن أﺟﻌﻠﻬﺎ ﯾﻮﻣﺎ
ﻣﺎ ﻣﻦ ﻧﺼﯿﺐ ﻣﻤﻮ وﻻ داﻋﻲ أﯾﻀﺎ إﻟﻰ أن ﺗﻌﺮﻓﻮا ﺳﺒﺒﺎ ﻟﺬﻟﻚ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ أﻧﻨﻲ ﻫﻜﺬا أردت .وﻻ داﻋﻲ أﯾﻀﺎ إﻟﻰ أن
ﺗﻌﯿﺪوا ﺑﻌﺪ اﻟﯿﻮم إﻟﻰ ﺳﻤﻌﻲ ﻫﺬا اﻟﺤﺪﯾﺚ ،إﻻ إذا رأﯾﺘﻢ داﻋﯿﺎ إﻟﻰ إﺛﺎرة ﺷﺮ أﻧﺘﻢ اﻟﯿﻮم ﻓﻲ ﻏﻨﻰ ﻋﻨﻪ‘‘..
وﻟﻘﺪ ﻛﺎد ﺗﺎج اﻟﺪﯾﻦ أن ﯾﻌﻠﻦ ﻟﻸﻣﯿﺮ إذ ذاك أﻧﻬﻢ ﻟﯿﺴﻮا ﻓﻲ ﻏﻨﻰ ﻋﻦ ﻫﺬا اﻟﺸﺮ ﻣﺎ دام ﻫﻮ وﺣﺪه اﻟﺜﻤﻦ ﻟﻤﺎ ﺗﻘﺪﻣﻮا
إﻟﯿﻪ ﺑﺮﺟﺎء ﺗﺤﻘﯿﻘﻪ ،ﻟﻮﻻ أﻧﻪ ﻛﺎن ذا أﻣﻞ ﻓﻲ ﺗﻄﻮرات اﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻞ اﻟﺘﻲ ﻗﺪ ﺗﺴﻬﻞ اﻟﻤﻮﺿﻮع ،وﻟﻮﻻ أﻧﻪ ﻛﺎن ﯾﺮﺟﻮ
اﺳﺘﺮﺿﺎء اﻷﻣﯿﺮ ﯾﻮﻣﺎ ﻣﺎ ﻋﻦ ﻃﺮﯾﻖ اﻟﺴﯿﺎﺳﺔ واﻟﻠﯿﻦ ﻋﻮﺿﺎ ﻋﻦ اﻟﺜﻮرة واﻟﺸﺪة.
اﻷﯾﺎم ﺗﻤﺮ ﻋﻠﻰ ﺳﺘﻲ وﺗﺎج اﻟﺪﯾﻦ ﺻﺎﻓﯿﺔ ﻣﺸﺮﻗﺔ ،واﻟﺪﻫﺮ ﯾﺒﺘﺴﻢ ﻟﻬﻤﺎ ﺑﺄﻟﻮان ﻣﻦ اﻟﺼﻔﻮ واﻟﺴﺮور ،وﯾﻤﺪ ﻣﻦ
ﺣﻮﻟﻬﻤﺎ ﺣﯿﺎﺗﻬﻤﺎ اﻟﺠﺪﯾﺪة ﻇﻼﻻ وارﻓﺔ ﻣﻦ اﻟﻨﻌﯿﻢ ،وﯾﻘﺪم ﻛﺆوﺳﺎ ﻣﺘﺮﻋﺔ ﻣﻦ اﻟﺴﻌﺎدة اﻟﺘﻲ أﻧﺴﺘﻬﻤﺎ أﯾﺎم اﻟﻠﻮﻋﺔ
واﻟﻔﺮاق.
واﻟﺤﺒﯿﺒﺎن اﻵﺧﺮان ﻻ ﯾﺰاﻻن ﻓﻲ ﻟﻈﻰ ﻣﻦ ﻧﺎر ﺻﺒﺮﻫﻤﺎ وﺣﺮﻣﺎﻧﻬﻤﺎ .ﯾﻘﻀﻲ ﻛﻞ ﻣﻨﻬﻤﺎ اﻟﻠﯿﺎﻟﻲ واﻷﯾﺎم ﻓﻲ ﺻﻮﻣﻌﺔ
اﻧﻔﺮاده ﻻ ﯾﺒﺼﺮ ﻣﻦ ﺣﻮﻟﻪ أي ﻣﺆﻧﺲ وﻻ ﯾﻨﺘﻬﻲ إﻟﻰ ﺳﻤﻌﻪ ﺻﻮت أي راﺣﻢ.
واﻟﻬﻤﻮم إذا ﻟﻢ ﺗﺠﺪ ﺻﺎﺣﺒﺎ ﯾﺨﻔﻒ ﻣﻦ آﻻﻣﻬﺎ ،واﻟﺰﻓﺮات إن ﻟﻢ ﺗﺼﺎدف ﻣﻮاﺳﯿﺎ ﯾﺒﺮد ﻣﻦ ﺣﺮﻫﺎ ،ﻓﺄﻧﻰ ﻟﺼﺎﺣﺐ
ﻫﺬه اﻟﻬﻤﻮم واﻟﺰﻓﺮات أن ﯾﺘﺤﻤﻞ ؟ وأﻧﻰ ﻟﻠﺘﺠﻤﻞ واﻟﻬﺪوء أن ﯾﺠﺪ وﺳﯿﻠﺔ إﻟﻰ اﻟﻘﻠﺐ ؟ ﻻ ﺑﺪ ﻟﻸﻓﺮاح ﻟﻜﻲ ﺗﺼﺒﺢ
ﻣﺸﺮﻗﺔ ،وﻻ ﺑﺪ ﻟﻸﺣﺰان ﻟﻜﻲ ﺗﻜﻮن ﻣﺘﺤﻤﻠﺔ ﻣﻦ ﺻﺎﺣﺐ وﺷﺮﯾﻚ ﻓﯿﻬﻤﺎ .وإﻻ ﻓﻤﺎ أﺣﺮى ﺑﺎﻟﻬﻤﻮم اﻟﺘﻲ ﺗﺤﯿﻂ ﺑﻬﺎ
اﻟﻮﺣﺸﺔ واﻟﻨﻔﺮاد أن ﺗﺼﺒﺢ ﺳﺒﺒﺎ ﻟﻠﻬﯿﺎج واﻟﺠﻨﻮن.
ﻛﺎن ﺗﺎج اﻟﺪﯾﻦ ﻓﯿﻤﺎ ﻣﻀﻰ أﻟﯿﻒ ﻣﻤﻮ ﻟﺪى ﺳﺮوره وأﺣﺰاﻧﻪ ﻓﻜﺎن ﺧﯿﺮ ﻃﺒﯿﺐ وﻣﻮاس ﻟﻘﻠﺒﻪ ﻛﻠﻤﺎ ﻫﺎج ﺑﻪ اﻟﺸﻮق .
وﻛﺎﻧﺖ ﺳﺘﻲ أﯾﻀﺎ ﻫﻲ وﺣﺪﻫﺎ ﻣﺄوى اﻵﻻم واﻷﻓﺮاح ﻷﺧﺘﻬﺎ زﯾﻦ ،ﻓﻤﺪاﻣﻌﻬﺎ ﻻ ﺗﻨﺴﻜﺐ إﻻ ﺑﯿﻦ أﺣﻀﺎﻧﻬﺎ ،
وﺳﺮورﻫﺎ ﻻ ﯾﺘﻢ إﻻ إﻟﻰ ﺟﺎﻧﺒﻬﺎ.
أﻣﺎ اﻟﯿﻮم ﻓﻘﺪ ﻣﻀﻰ ﻫﺬان اﻻﺛﻨﺎن إﻟﻰ ﺳﺒﯿﻞ ﺳﻌﺎدﺗﻬﻤﺎ ،واﻧﺸﻐﻞ ﻛﻞ ﻣﻨﻬﻤﺎ ﺑﺎﻟﻔﺮﺣﺔ ﺑﺎﻵﺧﺮ ...وﺑﻘﻲ ﻣﻤﻮ ﻟﻮﺣﺪﺗﻪ
اﻟﻤﻮﺣﺸﺔ ،ﯾﺸﻜﻮ ﻓﻼ ﯾﺠﺪ ﻣﻦ ﺣﻮﻟﻪ ﻣﻦ ﯾﺘﻮﺟﻊ إﻟﻪ ،وﯾﺘﺄوه ﻓﻼ ﯾﺮى أﻣﺎﻣﻪ ﻣﻦ ﯾﻮاﺳﯿﻪ .ﻛﻤﺎ ﺑﻘﯿﺖ زﯾﻦ أﯾﻀﺎ
ﻣﻨﻄﻮﯾﺔ ﻋﻠﻰ آﻻﻣﻬﺎ دون أن ﯾﺪرك أﺣﺪ ﻣﺎ ﺑﻬﺎ ،ﻓﻬﻲ داﺋﻤﺎ ﻣﺨﺘﻠﯿﺔ ﻓﻲ ﻏﺮﻓﺘﻬﺎ ،ﺗﺴﻜﺐ ﻣﺪاﻣﻌﻬﺎ ﺑﯿﻦ ﻇﻠﻤﺎت
اﻟﻮﺣﺸﺔ واﻟﻨﻔﺮاد ،ﺗﺘﺄوه آﻧﺎ ﻣﻦ وﺣﺸﺘﻬﺎ ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﻘﺼﺮ ،وﺗﺒﻜﻲ آﻧﺎ آﺧﺮ ﺣﻈﻬﺎ اﻟﺘﻌﺲ اﻟﻤﺸﺆوم.
وﻣﻀﻰ ﻋﻠﻰ زﯾﻦ ﻣﻦ ﻋﺮس أﺧﺘﻬﺎ أرﺑﻌﻮن ﯾﻮﻣﺎ ...وﻫﻲ ﺗﻘﺎﺳﻲ آﻻﻣﺎ وﻟﻮاﻋﺞ ﺗﺤﺮق ﺿﻠﻮﻋﻬﺎ ،وﻻ ﺗﻜﺸﻒ إﻟﻰ
أﺣﺪ ﻣﻦ اﻟﻤﺨﻠﻮﻗﺎت ﺳﺮﻫﺎ.
أرﺑﻌﻮن ﯾﻮﻣﺎ ...ﻛﺎﻧﺖ زﯾﻦ ﻓﻲ ﺧﻼﻟﻬﺎ ﺷﺎردة اﻟﻠﺐ ،ﻗﺪ اﺗﺨﺬت ﻣﻦ ﻏﺮﻓﺘﻬﺎ ﻣﺤﺮﺑﺎ ﻟﻠﺒﻜﺎء واﻟﺰﻓﺮات ،ﻃﻌﺎﻣﻬﺎ ﻛﻠﻪ
ﻏﺼﻪ ،وﺷﺮاﺑﻬﺎ ﻣﺰﯾﺞ ﺑﺎﻟﺪﻣﻮع.
أرﺑﻌﻮن ﯾﻮﻣﺎ ...ﺑﺪت ﻣﻦ وراﺋﻬﺎ ﺗﻠﻚ اﻟﻐﺎدة اﻟﺘﻲ ﻃﺎﻟﻤﺎ ﺳﺤﺮ ﺟﻤﺎﻟﻬﺎ وأﺳﻜﺮ ،وﻗﺪ ذﺑﻞ ﻣﻨﻬﺎ ذﻟﻚ اﻟﺠﻤﺎل وﺗﻬﺪل ،
وﻋﺎد ﻛﺄﻧﻪ اﻟﺒﺪر إذ ﯾﺴﺮي ﺑﻌﺪ ﺗﺄﻟﻘﻪ ﻧﺤﻮ اﻟﺮﻗﺔ واﻟﺬوﺑﺎن.
وﻟﻢ ﯾﻌﺪ ﯾﺨﻔﻲ ﻋﻠﻰ إﺣﺪى ﻓﺘﯿﺎت اﻟﻘﺼﺮ وﺟﻮارﯾﻪ ﻣﺎ اﻧﺘﻬﻰ إﻟﯿﻪ ﺣﺎﻟﻬﺎ .ﻓﻜﻦ ﯾﻌﺠﺒﻦ ﻣﻦ أﻣﺮﻫﺎ ،وﯾﺮﺛﯿﻦ ﻟﺸﺄﻧﻬﺎ .
وﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﺗﺸﻚ إﺣﺪاﻫﻦ ﻓﻲ أﻧﻬﺎ ﺗﻘﺎﺳﻲ ﻫﺬه اﻵﻻم ﻟﻔﺮاق أﺧﺘﻬﺎ اﻟﺘﻲ ﺗﺤﺒﻬﺎ ﺣﺒﺎ ﺷﺪﯾﺪا ..ﻓﻜﺎﻧﺖ ﻛﺜﯿﺮا ﻣﺎ ﺗﻨﺘﻬﺰ
إﺣﺪاﻫﻦ اﻟﻤﻨﺎﺳﺒﺎت ﻟﺘﺨﻔﻒ ﻋﻨﻬﺎ وﻃﺄة ﻫﺬه اﻟﺬﻛﺮى ﻟﺸﻘﯿﻘﺘﻬﺎ ،وﻟﻜﻦ دون أي ﺟﺪوى.
وﻓﻲ ذات ﯾﻮم ﺗﺠﻤﻌﻦ ﻛﻠﻬﻦ ،وذﻫﺒﻦ إﻟﯿﻬﺎ ﻓﻲ ﻏﺮﻓﺘﻬﺎ اﻟﺘﻲ ﺗﻈﻞ ﻣﺨﺘﻠﯿﺔ ﻓﯿﻬﺎ ،وﺟﻠﺴﻦ ﻣﻦ ﺣﻮﻟﻬﺎ ﯾﻮاﺳﯿﻨﻬﺎ
وﯾﻘﻠﻦ ﻟﻬﺎ ﻓﻲ رﻗﺔ وﻋﻄﻒ:
’’ﻛﻢ ﻟﻚ أﯾﺘﻬﺎ اﻷﻣﯿﺮة اﻟﺼﻐﯿﺮة ﺗﺴﻜﺒﯿﻦ ﻫﺬه اﻟﺪﻣﻮع ﻓﻲ ﻏﺰارة وأﻟﻢ ؟! وإﻟﻰ ﻣﺘﻰ ﺗﻌﯿﺸﯿﻦ ﻣﻊ ﻫﺬه اﻷﺣﺰان
وﺗﺘﻮﺳﺪﯾﻦ ﻫﺬا اﻟﻬﻢ ؟ !
إن أﺧﺘﻚ وإن ﺗﻜﻦ ﻓﺎرﻗﺘﻚ ﻏﯿﺮ أﻧﻬﺎ اﻧﻄﻠﻘﺖ ﺳﻌﯿﺪة ﻣﺒﺘﻬﺠﺔ ﺑﺸﺮﯾﻚ ﺣﯿﺎﺗﻬﺎ .ﻓﺒﺄي ﺳﺒﺐ ﺗﺘﻘﻠﺐ ﻫﻲ ﻫﻨﺎك ﻓﻲ
ﺳﻌﺎدﺗﻬﺎ وأﻧﺴﻬﺎ ،وأﻧﺖ ﻫﻬﻨﺎ ﺗﺠﻠﺴﯿﻦ ﺑﯿﻦ اﻟﺪﻣﻮع واﻷﺟﺰان ؟
ﺣﺴﺒﻚ ﯾﺎ ﻣﻮﻻﺗﻲ ...ﺣﺴﺒﻚ ﻫﺬا اﻟﺠﺰع اﻟﺬي ﻻ داﻋﻲ إﻟﯿﻪ .ﻗﻮﻣﻲ ..ﻓﺎﻗﺘﻠﻌﻲ ﻣﻦ ﻗﻠﺒﻚ ﻫﺬه اﻟﻬﻤﻮم واﻵﻻم ،
وأزﯾﺤﻲ ﻋﻦ ﻣﻔﺎﺗﻨﻚ ﻗﺘﺎم ﻫﺬه اﻷﺣﺰان .ﺟﻔﻔﻲ ﻟﺤﻈﯿﻚ ﻣﻦ ﻫﺬه اﻟﺪﻣﻮع ﻟﯿﻌﻮد إﻟﯿﻬﻤﺎ ﺳﺤﺮﻫﻤﺎ ،وأزﯾﻠﻲ ﻋﻦ
وﺟﻬﻚ ﺿﺒﺎب ﻫﺬه اﻟﻮﺣﺸﺔ ﻟﯿﺮﺟﻊ إﻟﯿﻪ إﺷﺮاﻗﻪ ...اﻏﺴﻠﻲ ﻋﻦ ﻫﺬا اﻟﻘﺪح اﻟﺮﻗﺮاق ﻣﻦ آﺛﺎر اﻟﺪﻣﻮع ﻟﯿﻤﺘﻠﻰء ﻛﻤﺎ
ﻛﺎن ﺑﯿﺎوﻗﺖ اﻟﺮﺣﯿﻖ ،ﻓﻘﺪ آن أن ﺗﻌﻮد اﻟﺴﻜﺮة إﻟﻰ اﻟﺮؤوس وﺗﻄﻮف اﻟﻨﺸﻮة ﺑﺎﻟﻘﻠﻮب .دﻋﻲ ﻫﺬه اﻟﻐﺮﻓﺔ اﻟﺘﻲ
ﺟﻌﻠﺖ ﻣﻨﻬﺎ ﺑﺰﻓﺮاﺗﻚ ﺟﺤﯿﻤﺎ ،وﻟﯿﻨﺒﻌﺚ ﻛﻢ ﻫﺬه اﻟﻘﻮام رﺷﺎﻗﺘﻪ وﺳﻂ أﺑﻬﺎء اﻟﻘﺼﺮ وﻗﯿﻌﺎﻧﺔ ﻓﻘﺪ ﻃﺎﻟﺖ ﻋﻠﯿﻪ ﻓﺘﺮة
اﻟﻜﻤﻮد .ﻣﺰﻗﻲ ﻋﻦ اﻟﻮرود ﺣﺠﺎب ﻫﺬا اﻹﻧﻘﺒﺎض ﻟﯿﺘﺠﻠﻰ ﺑﻬﺎؤﻫﺎ .دﻋﻲ ﻫﺬه اﻟﺠﺪاﺋﻞ ﺗﻨﻔﺮد ﻣﺘﻬﺎدﯾﺔ ﻋﻠﻰ ﻛﺘﻔﯿﻚ
ﻓﻲ دﻻل ،واﺋﺬﻧﻲ ﻟﻠﺴﻮاﻟﻒ ﻣﻦ ﺣﻮل ﺻﺪﻏﯿﻚ واﻟﺨﺼﻞ اﻟﻤﻠﺘﻮﯾﺔ ﻣﻦ ﻓﻮق ﺟﺒﯿﻨﻚ أن ﺗﻬﺘﺰ ﺑﻬﻤﺎ ﻧﺴﻤﺎت اﻹﻏﺮاء .
أﻋﯿﺪي إﻟﻰ روﻧﻖ ﻫﺬا اﻟﻨﺤﺮ ﻋﻘﺪه ،وﻟﯿﺘﺪل ﻋﻠﻰ اﻟﺠﺎﻧﺒﯿﻦ ﻣﻦ ﻟﯿﻞ ﻫﺬا اﻟﺸﻌﺮ ﻗﺮﻃﺎه.
ﻫﺬه اﻟﺪﻧﯿﺎ وزﯾﻨﺘﻬﺎ ...ﻫﺬه اﻟﻄﺒﯿﻌﺔ وﺑﻬﺠﺘﻬﺎ ..ﻫﺬه اﻷﯾﺎم ﻣﻦ اﻟﻌﻤﺮ اﻟﺘﻲ ﺗﻄﻞ ﻋﻠﯿﻚ ﺑﺜﻐﺮ ﻣﻠﺆه اﻟﺒﻬﺠﺔ واﻟﺴﻌﺎدة
..ﻻ ﺗﺪﻋﻲ ﻛﻞ ذﻟﻚ ﯾﻔﻮﺗﻚ وأﻧﺖ ﻣﻄﺮﻗﺔ ..ﻻ ﺗﺴﻜﺮي ﻧﻔﺴﻚ ﻋﻨﻬﺎ ﺑﻜﺆوس اﻟﺪﻣﻊ واﻷﺣﺰان.
اﻟﺤﯿﺎة ﺟﻤﯿﻠﺔ ﯾﺎ ﻣﻮﻻﺗﻲ ،وأﻧﺖ أﺟﻤﻞ ﻣﻨﻬﺎ .واﻟﺪﻧﯿﺎ ﻣﻦ ﺣﻮﻟﻚ ﻣﺸﺮﻗﺔ ،وإﺷﺮاﻗﻚ أﺗﻢ ﻣﻨﻬﺎ .ﻓﺎﻧﻬﻀﻲ ...
واﻓﺮﺣﻲ ..واﺑﺘﺴﻤﻲ ..ﻟﯿﺘﻢ ﻓﻲ اﻟﺤﯿﺎة اﻟﺠﻤﺎل ..وﯾﺘﻜﺎﻣﻞ ﻟﻠﺪﻧﯿﺎ اﻹﺷﺮاق‘‘..
وﻫﻨﺎ ﺳﻜﺘﺖ اﻟﻔﺘﯿﺎت وﻗﻄﻌﻦ ﺣﺪﯾﺜﻬﻦ .ﻓﻘﺪ أﺧﺬ ﯾﺘﻐﻠﺐ ﻋﻠﻰ ﻛﻼﻣﻬﻦ ﻧﺸﯿﺞ ﺻﺪرﻫﺎ ،واﺧﺘﻠﻄﺖ أﺻﻮاﺗﻬﻦ ﻓﻲ
ﺻﻮت ﺑﻜﺎﺋﻬﺎ ،وراﺣﺖ ﺗﺠﯿﺐ ﺣﺪﯾﺜﻬﻦ ﺑﻮاﺑﻞ ﻣﻦ اﻟﺪﻣﻮع ﻟﻢ ﺗﺴﻜﺐ ﻣﺜﻠﻪ إﻟﻰ ذﻟﻚ اﻟﯿﻮم.
وﻻ ﺑﺪع ،ﻓﺎﻟﺸﻮق ﻧﺎر ﻓﻲ اﻟﻔﺆاد ﻻ ﺗﺰﯾﺪه اﻟﻨﺼﯿﺤﺔ إﻻ اﺗﻘﺎدا ،وﻫﻮ ﺳﺮ ﻣﺴﺘﻜﻦ ﻓﻲ اﻟﺠﻮاﻧﺢ ﻻ ﯾﻔﯿﺪه اﻟﻌﺘﺐ
واﻟﻠﻮم إﻻ اﻓﺘﻀﺎح .ﻻ ﺳﯿﻤﺎ إن ﻛﺎن ﻫﺬا اﻟﻨﺎﺻﺢ ﻻ ﯾﺪري ﺳﺮ اﻟﺤﺰن واﻷﻟﻢ ﻓﯿﻤﻦ ﯾﻨﺼﺤﻪ ،ﻓﻬﻮ ﯾﻠﻘﻲ ﻋﻠﻰ ﺳﻤﻌﻪ
ﻛﻼﻣﺎ ﺑﻌﯿﺪا ﻋﻦ دﻧﯿﺎ ﻗﻠﺒﻪ وآﻻﻣﻪ ،ﻻ رﯾﺐ أن ذﻟﻚ ا ﯾﺰﯾﺪ ﻓﻲ ﻧﻔﺴﻪ إﻻ ﺷﻌﻮر ﺑﺎﻟﻐﺮﺑﺔ وإﺣﺴﺎﺳﺎ ﺑﺎﻟﻮﺣﺸﺔ واﻵﻻم.
ووﺟﻤﺖ اﻟﻔﺘﯿﺎت ﻓﻲ ﺣﺰن وأﺳﻒ ...وﺗﻌﻠﻘﺖ أﻧﻈﺎرﻫﻦ ﺑﺸﻔﺘﻲ زﯾﻦ ﯾﻨﺘﻈﺮن ﻣﻨﻬﺎ أﯾﺔ ﻛﻠﻤﺔﺗﺸﯿﺮ ﺑﻬﺎ إﻟﻰ ﺳﺒﺐ ﻛﻞ
ﻫﺬه اﻟﺤﺮﻗﺔ واﻟﻌﺬاب .وﻟﻜﻦ ﻋﺒﺮات ﻋﯿﻨﯿﻬﺎ ،وﻧﺸﯿﺞ ﺻﺪرﻫﺎ ،ﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﺷﻲء ﻣﻦ ذﻟﻚ ﯾﺪع ﻟﻬﺎ ﻓﺮﺻﺔ ﻷي ﺣﺪﯾﺚ
.
ﺛﻢ ﻧﻬﻀﻦ ﺟﻤﯿﻌﺎ ﻓﻲ ﻧﺪم ﺷﺪﯾﺪ ﻣﻤﺎ أﻗﺪﻣﺖ ﻋﻠﯿﻪ ...وﺗﺴﻠﻠﻦ ﻣﻦ ﻏﺮﻓﺘﻬﺎ اﻟﻮاﺣﺪة ﺗﻠﻮ اﻷﺧﺮى ﻓﻲ ﻫﺪوء ،وﻗﺪ
ارﺗﺴﻤﺖ ﻋﻠﻰ ﻣﻼﻣﺤﻦ ﻣﻈﺎﻫﺮ اﻟﺪﻫﺸﺔ واﻹﻧﻜﺴﺎر.
وأﻏﻠﻖ ﺑﺎب ﻏﺮﻓﺘﻬﺎ ﺑﻌﺪ أن ﺧﺮﺟﺖ آﺧﺮ واﺣﺪة ﻣﻨﻬﻦ ...ﻓﺮﻓﻌﺖ وﺟﻬﻬﺎ ﺗﺤﺪق اﻟﻨﻈﺮ ﻓﯿﻤﺎ أﺧﺬ ﯾﺤﯿﻂ ﺑﻬﺎ ﻣﻦ رﻫﺒﺔ
اﻟﻮﺣﺸﺔ واﻻﻧﻔﺮاد ،وأﺧﺬت ﺗﺘﺮاءى ﻣﻦ ﺣﻮﻟﻬﺎ أﻃﯿﺎف ﺗﻠﻚ اﻟﻔﺘﯿﺎت ،وﻗﺪ اﻧﻘﻠﺐ ﻛﻞ واﺣﺪ ﻣﻨﻬﺎ إﻟﻰ أﺷﺒﺎح
ﻣﺘﺠﺴﺪة ﻣﻦ اﻟﻬﻤﻮم واﻟﻐﻤﻮم ..وأﺣﺴﺖ ﻣﻦ ﻗﺮارة ﻗﻠﺒﻬﺎ اﻟﻤﺤﻄﻢ أن ﻫﺆﻻء ﻫﻢ وﺣﺪﻫﻢ أﺻﺪﻗﺎؤﻫﺎ اﻟﺬﯾﻦ أﻟﻔﻮﻫﺎ
وأﻟﻔﺘﻬﻢ ،وﺧﺎﻟﻄﻮا ﻛﻞ ﺣﺒﺔ ﻣﻦ ﻗﻠﺒﻬﺎ وﻧﻔﺴﻬﺎ .ﻓﺮاﺣﺖ ﺗﺘﺄﻣﻞ ﻣﻦ ﺣﻮﻟﻬﺎ ﺗﻠﻚ اﻷﺷﺒﺎح ،وأﺧﺬت ﺗﺤﺪﺛﻬﺎ ﻗﺎﺋﻠﺔ:
’’ﻣﺮﺣﺒﺎ ﺑﻜﻢ أﯾﻬﺎ اﻷﺻﺪﻗﺎء ..أﯾﻬﺎ اﻷﺻﺪﻗﺎء ﻟﻠﻨﻔﻮس اﻟﺒﺎﺋﺴﺔ واﻟﻨﺪاﻣﻰ ﻟﻠﻘﻠﻮب اﻟﻤﻜﻠﻮﻣﺔ ..أﯾﻬﺎ اﻟﺸﺮﻛﺎء ﻓﻲ
ﺳﺮﱢ ﻣﺎ رواء اﻟﺠﻮاﻧﺢ اﻟﻤﻌﺬﺑﺔ ،وأﻃﯿﺎف اﻟﻮﺳﻦ ﻟﻌﯿﻮن اﻟﺨﻮاﻃﺮ اﻟﺤﺰﯾﻨﺔ ...ﯾﺎ ﻛﻮؤس اﻟﺮاح ﻟﻠﺤﻠﻮق اﻟﻤﺮﯾﺮة ،
وﻣﻈﻬﺮ اﻟﺒﻬﺠﺔ أﻣﺎم اﻟﻌﯿﻮن اﻟﻘﺮﯾﺤﺔ...
اﻟﻌﺸﺎق ﺟﻤﯿﻌﻬﻢ ﻗﺪ وﺻﻠﻮ إﻟﻰ ﻣﺤﺎرﯾﺐ آﻻﻣﻬﻢ ،واﻟﺴﺎﻟﻜﻮن ﻛﻠﻬﻢ ﻗﺪ اﻧﺘﻬﻮا إﻟﻰ ﻣﺒﺎﻫﺞ أﻧﺴﻬﻢ وﺳﻌﺎدﺗﻬﻢ .وﻫﺎ
ﻫﻮ ذا ﻗﻠﺒﻲ اﻟﻤﻬﺠﻮر ﺳﺎﻛﻦ ﻓﯿﻤﺎ ﺑﯿﻨﻜﻢ ﺧﺎل ﻣﻦ اﺟﻠﻜﻢ ،ﻻ ﯾﺠﻮب أﺣﺪ ﻏﯿﺮﻛﻢ ﻓﻲ أرﻛﺎﻧﻪ.
ﻟﻜﻢ اﻟﯿﻮم أن ﺗﺮﺗﻌﻮا ﻓﯿﻪ ﻛﻤﺎ ﺗﺸﺎؤون وان ﺗﺘﺼﺮﻓﻮا ﺑﻪ ﻛﻤﺎ ﺗﺮﯾﺪون ،وأن ﺗﺘﺠﺎزوا ذﻟﻚ إﻟﻰ ﻛﻞ ﺟﻬﺔ ﻣﻦ
ﻣﺸﺎﻋﺮي وﻃﺮف ﻣﻦ ﺟﻮارﺣﻲ .ﻋﯿﻨﺎي ...ﺳﺄﺗﺨﺬ ﻣﻨﻜﻢ ﺷﻌﺎع رﻗﺎدﻫﻤﺎ ،ﺷﻔﺘﺎي ...ﺳﺄﻣﻸ ﻣﻨﻜﻢ ﻛﺆوس ﺧﻤﺮﻫﺎ
،أﻓﻜﺎري ...ﺳﺄﺟﻌﻞ إﻟﯿﻜﻢ ﻓﻲ أﯾﺎﻣﻲ اﻟﺴﻮد ،وﻣﺎ أﺷﺪ ﺷﻮﻗﻲ إﻟﻰ اﻷﻧﺲ ﺑﻜﻢ ﻓﻲ ﻟﯿﺎﻟﻲ اﻟﻈﻠﻤﺎء‘‘.
ﺛﻢ ﯾﻠﻮح ﻟﻌﯿﻨﯿﻬﺎ ﺑﯿﻦ أﺷﺒﺎح ﺗﻠﻚ اﻟﻬﻤﻮم ﺧﯿﺎل ’’ ﺳﺘﻲ ‘‘ وﻛﺄﻧﻬﺎ ﺟﺎﻟﺴﺔ إﻟﯿﻬﺎ ،ﺗﺘﻮاﺳﯿﺎن وﺗﺘﺸﺎﻛﯿﺎن ﻛﻤﺎ ﻛﺎﻧﺘﺎ ﻓﻲ
أﯾﺎﻣﻬﻤﺎ اﻟﺴﺎﺑﻘﺔ ،ﻓﺘﺘﺄﻟﻖ ﻋﯿﻨﺎﻫﺎ ﻧﺤﻮ ذﻟﻚ اﻟﻮﻫﻢ ،وﺗﻤﻀﻲ إﻟﯿﻪ ﻟﺘﻌﺎﻧﻘﻪ ﻗﺎﺋﻠﺔ:
’’أﺧﺘﺎه ...ﯾﺎ روح زﯾﻦ وﻧﻮر ﺑﺼﺮﻫﺎ ،ﯾﺎ ﺟﻠﯿﺴﺔ أﻓﺮاﺣﻲ وﻫﻤﻲ ،وﺷﺮﯾﻜﺔ ﺳﺮ ﻗﻠﺒﻲ ،ﯾﺎ ﻋﯿﺶ اﺣﺰان ﻧﻔﺴﻲ
وﺟﻨﺎح اﻟﻤﺴﺮة ﻟﺮوﺣﻲ .ﷲ ﻫﺬا اﻟﺪﻫﺮ اﻟﺬي ﺟﻤﻊ ﻧﻔﺴﯿﻨﺎ ﻓﻲ ﻃﺒﯿﻌﺔ واﺣﺪة ،ﺛﻢ ﻓﺮق ﺑﯿﻨﻨﺎ ﻓﻲ اﻟﺤﻆ واﻟﺴﻌﺎدة ؟
ﻣﺎ أﻋﻈﻢ ﺷﻜﺮي ﷲ ﻋﻠﻰ أن آﺗﺎك اﻟﺤﻆ اﻟﺬي ﺗﺮﯾﺪﯾﻦ ،وأﺳﻌﺪك ﺑﺎﻟﻄﺎﻟﻊ اﻟﺬي ﻛﻨﺖ ﺗﺤﻠﻤﯿﻦ .ﻓﻠﯿﺒﺘﺴﻢ ﻟﻚ اﻟﺪﻫﺮ ،
ﻓﺈن ﻓﻲ اﺑﺘﺴﺎﻣﺘﻪ ﻋﺰاء ﻟﻬﻤﻲ .وﻟﺘﺴﻌﺪك اﻟﺤﯿﺎة ،ﻓﻔﻲ إﺳﻌﺎدﻫﺎ ﺗﻬﻮﯾﻦ ﻟﺸﻘﺎﺋﻲ.
أﻣﺎ ﺣﻈﻲ ،ﻓﻤﻬﻤﺎ اﺷﺘﺪ ﺳﻮاده اﻟﺬي ﺑﻪ ﻓﻠﻦ ﯾﺘﺠﺎوز اﻟﻘﺴﻤﺔ اﻟﺘﻲ ﯾﺠﺐ أن أرﺿﻰ ﺑﻬﺎ وأﺳﻜﻦ إﻟﯿﻬﺎ .ﻛﺎﻧﺖ ﻗﺴﻤﺘﻲ
ﻓﻲ اﻷزل ﻫﺬه اﻟﻬﻤﻮم اﻟﺘﻲ ﺗﺤﯿﻂ ﻣﻦ ﺣﻮﻟﻲ ،واﻟﺒﺆس اﻟﺬي ﯾﻘﯿﻢ ﻓﻲ ﻧﻔﺴﻲ .ذﻟﻚ ﻫﻮ اﻟﻤﻘﺪر اﻟﻤﺴﻄﻮر ..ﺻﻔﻮ
اﻟﺤﯿﺎة وأﻓﺮاﺣﻬﺎ ﻣﻦ أﺟﻠﻚ ،وﺣﺰﻧﻬﺎ وآﻻﻣﻬﺎ ﻟﻘﻠﺒﻲ .ﻟﻚ ﺗﺎج اﻟﺪﯾﻦ اﻟﺬي أﻋﻄﺎك اﻟﺪﻧﯿﺎ ﻓﯿﻪ أﻓﺮاﺣﻬﺎ ،وﻟﻲ ﻣﻤﻮ
اﻟﺬي ﻗﺪﻣﺘﻪ إﻟﻲﱠ ﻓﻲ ﻫﻤﻮﻣﻬﺎ وﺷﻘﺎﺋﻬﺎ .ﻓﻠﻠّﻪ ﻣﻨﻲ ﻣﺎ ﺷﺎء ﻣﻦ ﻗﺒﻮل ﺑﺤﻜﻤﻪ ورﺿﻰ ﺑﻘﺴﻤﺘﻪ‘‘.
أﻣﺎ اﻟﻠﯿﻞ ﻓﻜﺎﻧﺖ ﻓﻲ ﻣﻌﻈﻢ أوﻗﺎﺗﻬﺎ ﺗﺄﺑﻰ أﯾﻀﺎ إﻻ أن ﺗﺴﻬﺮ ﻣﺨﺘﻠﯿﺔ ﻓﻲ ﻏﺮﻓﺘﻬﺎ .وﻛﺜﯿﺮا ﻣﺎ ﻛﺎن ﯾﺤﻠﻮ ﻟﻬﺎ أن ﺗﺠﻠﺲ
إﻟﻰ ﺟﺎﻧﺐ ﺷﻤﻌﺔ ﻣﻦ اﻟﺸﻤﻮع اﻟﻤﺘﻘﺪة ﻓﻲ أﻧﺤﺎﺋﻬﺎ ،ﺗﺘﺄﻣﻞ اﺣﺘﺮاﻗﻬﺎ ،وﻗﻄﺮاﺗﻬﺎ اﻟﺘﻲ ﺗﺠﺮي ﻛﺎﻟﺪﻣﻊ ﻣﻦ ﺟﻬﺎﺗﻬﺎ ،
وﺳﯿﺮﻫﺎ ﻧﺤﻮ اﻟﺬوﺑﺎن واﻟﻨﺘﻬﺎء .ﻓﺘﺸﻌﺮ ﻓﻲ أﺳﻰ وﻟﻮﻋﺔ ﻟﯿﻤﺔ ﻗﺪ ﻏﺪت ﺷﻤﻌﺔ أﺧﺮى ﺑﯿﻦ ﻫﺬه اﻟﺸﻤﻮع ،ﺗﺴﯿﺮ
ﻣﺜﻠﻬﺎ ﻧﺤﻮ اﻻﺿﻤﺤﻼل و اﻻﻧﻄﻔﺎء .ﺛﻢ ﺗﺜﺒﺖ ﻧﻈﺮﻫﺎ ﻣﻄﺮﻗﺔ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﺸﻤﻌﺔ وﺗﺤﺪﺛﻬﺎ ﻗﺎﺋﻠﺔ:
’’أﯾﺘﻬﺎ اﻷﺧﺖ اﻟﻘﺎﺋﻤﺔ ﺣﯿﺎﻟﻲ ،اﻟﻤﺤﺘﺮﻗﺔ ﺑﻤﺜﻞ ﻧﺎري .ﻟﻚ أن ﺗﻐﺘﺒﻄﻲ وﺗﺤﻤﺪي اﻷﻗﺪار ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﺑﯿﻦ آﻻﻣﻲ وآﻻﻣﻚ
ﻣﻦ ﻓﻮق ﻣﺜﻞ ﻣﺎ ﺑﯿﻦ ﻣﺸﺮق اﻟﺸﻤﺲ وﻣﻐﺮﺑﻬﺎ .ﻧﺎرك إﻧﻤﺎ ﺗﻌﻠﻮ ﻇﺎﻫﺮا ﻣﻨﻚ ﻓﻘﻂ ،وﻧﺎري ﯾﺘﺄﺟﺞ ﻟﻬﯿﺒﻬﺎ ﻣﻦ
أﻋﻤﺎق ﻗﻠﺒﻲ وﺑﺎﻃﻨﻲ .ﻧﺎرك إﻧﻤﺎ ﺗﻤﺲ ﻣﻨﻚ ﺧﯿﻂ ﻫﺬا اﻟﻠﺴﺎن ،ﺛﻢ ﻻ ﺗﺘﺠﺎزه ،وﻧﺎري ﯾﺴﺮي ﻟﻈﺎﻫﺎ وراء ﺟﻤﯿﻊ
ﻣﺴﺎﻟﻚ روﺣﻲ ،وﯾﻘﯿﻢ ﻟﻬﯿﺒﻬﺎ ﺣﺮﺑﺎ ﻓﻲ ﻛﻞ ﺟﻮاﻧﺤﻲ وﺟﺴﻤﻲ.
ﻫﻮ ﻓﻲ أﻋﻼك ﻧﻮر ﯾﺸﻊ ﻣﻦ ﺣﻮﻟﻚ ﺑﻬﺠﺔ وﺿﯿﺎء .وﻫﻮ ﻓﻲ ﺑﺎﻃﻨﻲ دﻛﻨﺔ ﺗﻤﻸ ﻣﺎ ﺣﻮﻟﻲ ﻇﻠﻤﺎت وﻗﺘﺎﻣﺎ.
ﻫﻮ ﻓﻲ ﻟﺴﺎﻧﻚ ﺳﺤﺮ ﻣﻦ اﻟﺒﻼﻏﺔ واﻟﺘﻌﺒﯿﺮ واﻟﺒﯿﺎن ،وﻫﻮ ﻓﻲ ﺟﻮاﻧﺤﻲ وﺑﯿﻦ ﺿﻠﻮﻋﻲ آﻻم ﻛﺎوﯾﺔ ﺗﻔﻘﺪﻧﻲ اﻟﻨﻄﻖ
واﻟﻜﻼم.
ﺛﻢ أﯾﻦ أﻧﺖ ﻣﻦ أﺟﯿﺞ ﻧﺎري وزﻓﺮات ﻧﻔﺴﻲ إذ ﺗﺮﻗﺪﯾﻦ ﻣﻨﺬ ﻟﻤﻌﺔ اﻟﻔﺠﺮ إﻟﻰ اﻟﻤﺴﺎء ،زﻓﺮات ﻛﺎوﯾﺔ ...وﻟﻈﻰ
ﻣﺴﺘﻌﺮ ..وأﺟﯿﺞ ﻣﺘﻘﺪ ..ﻻ ﯾﻜﺎد ﺷﻲء ﻣﻦ ذﻟﻚ ﯾﺮﯾﺢ ﻧﻔﺴﻲ ﺳﺎﻋﺔ ﻣﻦ ﻟﯿﻞ أو ﻧﻬﺎر ،ﻟﯿﺲ ﻣﻦ ﻓﻢ ﯾﻄﻔﺌﻪ ،أو
ﻧﺴﻤﺔ ﺗﺨﻤﺪه‘‘.
وﺗﻠﻤﺢ أﺛﻨﺎء اﻃﺮاﻗﺘﻬﺎ ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﻠﯿﻞ ﻓﺮاﺷﺎت ﺗﻄﻮف ﺣﻮل ﺗﻠﻚ اﻟﺸﻤﻮع ،ﻓﺘﻨﻈﺮ إﻟﯿﻬﺎ ﺑﻌﯿﻨﯿﻦ زاﺋﻐﺘﯿﻦ ﺑﺎﻟﺪﻣﻊ ﻗﺎﺋﻠﺔ
:
’’أﯾﻬﺎ اﻟﻄﺎﺋﺮ اﻟﻬﺎرب ﻣﻦ ﻋﺶ اﻟﻔﺮاق ،واﻟﺒﻠﺒﻞ اﻟﻤﻮﻟﻊ ﺑﺄزاﻫﯿﺮ اﻟﻠﻬﺐ ،أﯾﻬﺎ اﻟﺤﺠﺔ اﻟﺼﺎﺋﺒﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺪﻋﻲ
اﻟﻜﺎذب ،واﻟﺒﺎذل روﺣﻪ رﺧﯿﺼﺔ ﻓﻲ ﺷﺠﺎﻋﺔ وﺷﻮق.
ﻗﻞ ﻟﻲ ،أﻻ ﯾﺪرﻛﻚ اﻟﻤﻼل ﺳﺎﻋﺔ ﻣﻦ ﻫﺬا اﻟﺪوران ،أﻻ ﺗﺸﻌﺮ ﺑﺘﻌﺐ ﻣﻦ ﻫﺬا اﻟﺴﻌﻲ اﻟﻤﺮﺗﻌﺶ اﻟﺪاﺋﺐ ﺣﻮل ﻫﺬا
اﻟﻤﻄﺎف ؟
وﻟﻜﻦ أﺳﻔﺎ ..أﺳﻔﺎ أن ﯾﻘﺎرن اﻟﻤﺘﺠﻪ ﻧﺤﻮ اﻟﻤﻮت ﺑﺮزاﻧﺔ وﺟﺄش ﺑﺬاك اﻟﺬي ﯾﺴﻌﻰ إﻟﯿﻪ ﻓﻲ ﺿﺠﺮ ﻣﺮﺗﻌﺶ.
ﻛﺎن ﻋﻠﯿﻚ أن ﺗﻌﻠﻢ أن ﻫﺬا اﻟﻬﻠﻊ ﻓﻲ اﻟﺴﻌﻲ ﻣﻈﻬﺮ ﻟﻠﺠﺰع اﻟﻤﻌﯿﺐ ،وأن ارﺗﻌﺎﺷﻚ اﻟﺪاﺋﺐ ﻃﯿﺶ ﻻ ﯾﻨﺒﻐﻲ ،وأن
ﺗﻌﺠﻠﻚ ﻟﻠﻔﻨﺎء ﻗﺒﻞ أن ﯾﻨﻀﺞ ﻣﻨﻚ اﻟﺠﺴﻢ ﺑﺸﻮﻗﻪ إﻧﻤﺎ ﻫﻮ ﺗﺨﻠﺺ ﻣﻦ اﻟﺼﺒﺮ وآﻻﻣﻪ.
ﻫﻼ ﻗﻌﺪت ﺗﺼﺒﺮ ﻣﺜﻠﻲ ،إﻟﻰ أن ﯾﺬوب اﻟﺠﺴﻢ ﻓﻲ ﺑﻮﺗﻘﺔ اﻟﺤﺸﺎ ،وﺗﺘﻼﺷﻰ اﻟﻤﺎدة ﻓﻲ ﺿﺮام اﻟﺮوح ؟ إذا ﻟﺒﺪﻟﺖ
ﻣﻨﻚ ﻫﺬه اﻟﺤﻘﯿﻘﺔ اﻷرﺿﯿﺔ ﺑﺮوح اﻟﻘﺪس واﻟﺨﻠﻮد ،وﻟﻌﺎدت روﺣﺎ ﺻﺎﻓﯿﺔ ﻓﻲ ﻛﺄس ﺷﻔﺎﻓﺔ ﻣﻦ اﻟﻨﻮر .وإذا أﻣﻜﻨﻚ
أن ﺗﻌﺎﻧﻖ ﻫﺬا اﻟﻠﻬﺐ ﻣﻦ دون اﺣﺘﺮاق وأن ﺗﺘﻘﻠﺐ ﻓﻲ ﺟﻨﺒﺎﺗﻪ ﻣﻦ ﻏﯿﺮ اﻛﺘﻮاء‘‘.
وﻫﻜﺬا ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻤﺮ ﺣﯿﺎة زﯾﻦ ...ﺧﻠﻮات ﻣﻊ اﻷﺷﺒﺎح واﻷﻃﯿﺎف وﺣﺪﯾﺚ ﻣﻊ اﻟﺨﯿﺎﻻت واﻷوﻫﺎم ،ﯾﻄﻮف ﻛﻞ ذﻟﻚ ﺑﻬﺎ
،ﺛﻢ ﯾﺴﺘﻘﺮ ﻓﻲ ذﻫﻨﻬﺎ وﻗﻠﺒﻬﺎ وﻛﻞ ﻣﺸﺎﻋﺮﻫﺎ ﺷﻲء واﺣﺪ ...ﻫﻮ اﺳﻢ ﻣﻤﻮ ...ﻫﻮ ﺣﻈﻬﺎ اﻟﻤﻨﻜﻮب اﻟﺬي أﺑﻌﺪاﻋﻦ
أﻟﯿﻒ روﺣﻬﺎ ،وأﺧﺮﺟﻬﺎ ﻣﻦ أﻓﺮاح اﻟﺪﻧﯿﺎ وﻧﻌﯿﻤﻬﺎ.
آﻻم ﻣﻤﻮ
أﻣﺎ ’’ ﻣﻤﻮ ‘‘ ﻓﻘﺪ ﻛﺎن ﻋﺪﯾﻢ اﻟﺼﺒﺮ واﻟﻘﺮار ﺣﺘﻰ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻛﺎن ﺻﻔﯿﻪ ﻻ ﯾﺰال إﻟﻰ ﺟﺎﻧﺒﻪ ،ﯾﺸﺮﻛﻪ ﻓﻲ أﻟﻤﻪ ووﺟﺪه ،
ﻓﻜﯿﻒ ﺑﻪ اﻟﯿﻮم ،وﻗﺪ اﻓﺘﻘﺪ ﻣﻦ ﺟﺎﻧﺒﻪ اﻟﺼﺪﯾﻖ ،وﻏﺎب ﻋﻦ ﻗﻠﺒﻪ اﻷﻣﻞ ،وﻟﻚ ﯾﺒﻖ إﻻ ﺧﯿﺎل ’’ زﯾﻦ ‘‘ ﯾﺸﻊ
ﻣﺤﯿﺎﻫﺎ ﻓﻲ ذﻫﻨﻪ ﻣﻦ ﺧﻠﻒ ﺿﺒﺎب اﻟﯿﺄس اﻷﻟﯿﻢ اﻟﻘﺎﺗﻞ!!..
ﻟﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ ﻓﺘﺮة وﺟﯿﺰة ﻣﻦ اﻷﯾﺎم ...ﺳﺮﻋﺎن ﻣﺎ إﺧﺘﻔﻰ ﻓﯿﻬﺎ ذﻟﻚ اﻟﺸﺎب اﻟﺮاﺋﻊ ،اﻟﻤﻌﺘﺰ ﺑﻘﻮﺗﻪ وﺷﺨﺼﻪ ،اﻟﻤﻌﺠﺐ
ﺑﺒﻄﻮﻟﺘﻪ وﺑﺄﺳﻪ وﻇﻬﺮ ﻣﻦ وراﺋﻬﺎ إﻧﺴﺎن آﺧﺮ ذو ﻣﻼﻣﺢ ذاﺑﻠﺔ .ﯾﻨﻈﺮ ﻣﺎ ﺣﻮﻟﻪ ﺑﻌﯿﻨﯿﻦ ﺷﺎردﺗﯿﻦ ،ﻛﺄن ﻓﯿﻪ ﻋﺘﻬﺎ
أو ﺟﻨﻮﻧﺎ ،ﯾﻬﯿﻢ ﻋﻠﻰ وﺟﻬﻪ ﺑﯿﺎض ﻧﻬﺎره وﺳﻮاد ﻟﯿﻠﻪ ،ﻣﺘﻨﻘﻼ ﺑﯿﻦ اﻵﻛﺎم واﻟﺘﻼل ،ﯾﺬرع ﻣﺮة ﺷﻮاﻃﺊ دﺟﻠﺔ
ﺟﯿﺌﺔ وذﻫﺎﺑﺎ ،وﯾﺘﺴﻠﻖ أﺧﺮى ذرى اﻟﺠﺒﺎل ﺻﻌﻮدا وﻧﺰوﻻ .ﻻ ﯾﻘﺮ ﻟﻪ ﻣﻜﺎن ﻓﻲ أي ﺟﻬﺔ ،وﻻ ﯾﻜﺎد ﯾﺴﺘﺄﻧﺲ ﺑﺄي
اﻧﺴﺎن.
إﻧﻪ ﻣﻤﻮ ﺑﻌﯿﻨﻪ ..ذﻟﻚ اﻟﻌﺎﺷﻖ اﻟﺬي ﺻﺪﻣﻪ اﻟﯿﺄس ﻓﻲ ﻗﻠﺒﻪ ﺻﺪﻣﺔ واﺣﺪة ﺑﻌﺪ أن ﺷﺒﺖ اﻵﻣﺎل ﻓﻲ ﻧﻔﺴﻪ ،وﻛﺎدت
ﺗﺰدﻫﺮ.
وﻫﻮ ﺑﻌﯿﻨﻪ أﯾﻀﺎ ﺻﻔﻲ ﺗﺎج اﻟﺪﯾﻦ ..إﻧﻪ اﻟﯿﻮم ﯾﺮاه ﻓﻼ ﯾﻜﺎد ﯾﺘﺒﯿﻨﻪ ،وﯾﺠﻠﺲ إﻟﯿﻪ ،ﻓﻼ ﯾﺮﻓﻊ رأﺳﻪ ﻋﻦ إﻃﺮاﻗﺘﻪ ،
وﻻ ﯾﻜﻠﻤﻪ ﺑﻐﯿﺮ آﻫﺎﺗﻪ وزﻓﺮاﺗﻪ.
وﻫﻮ ﺑﻌﯿﻨﻪ ذاك اﻟﺬي ﻛﺎن ﺳﻜﺮﺗﯿﺮا ﻓﻲ دﯾﻮان اﻷﻣﯿﺮ ..إﻧﻪ اﻟﯿﻮم ﯾﺪﺧﻞ اﻟﺪﯾﻮان ،وﯾﺮى اﻷﻣﯿﺮ أﻣﺎﻣﻪ ،ﻓﻼ ﯾﻜﺎد
ﯾﺴﺘﻄﯿﻊ أن ﯾﺨﻔﻲ ﻧﺸﯿﺠﻪ.
وﻟﻜﻨﻪ ﻣﻊ ذﻟﻚ ﻇﻞ ﯾﻜﺘﻢ ﺳﺮ داﺋﻪ ﻋﻦ ﻛﻞ ﻣﺨﻠﻮق ،إﻻ ﺻﻔﯿﻪ ﺗﺎج اﻟﺪﯾﻦ اﻟﺬي ﻟﻢ ﯾﻌﺪ ﯾﻤﻠﻚ أي وﺳﯿﻠﺔ ﻓﻲ ﻣﺤﺎوﻟﺔ
إﺳﻌﺎده.
أﻣﺎ ﺣﯿﻨﻤﺎ ﯾﻬﯿﺞ ﺑﻪ اﻟﻮﺟﺪ وﯾﻀﯿﻖ ﺑﻪ اﻟﻜﺘﻤﺎن ﻓﻘﺪ ﻛﺎن ﯾﺄﺧﺬ ﺳﻤﺘﻪ إﻟﻰ ﺧﻠﻮات اﻟﺸﻄﺂن ،أو ﻓﻲ ﺑﻌﺾ ﺳﻔﻮح
اﻟﺠﺒﺎل ،ﺣﯿﺚ ﯾﺒﻌﺚ ﻫﻨﺎك ﻣﺎ ﺷﺎء ﻣﻦ زﻓﺮاﺗﻪ وأﻧﺎﺗﻪ ،وﯾﺴﻜﺐ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻓﻲ ﻋﯿﻨﯿﻪ ﻣﻦ دﻣﻮع وﯾﺘﺨﺬ ﻣﻦ اﻟﺮﯾﺎح
اﻟﺴﺎرﯾﺔ ﻣﻦ ﺣﻮﻟﻪ ،واﻟﻤﯿﺎه اﻟﺠﺎرﯾﺔ ﻣﻦ أﻣﺎﻣﻪ ﺟﻠﺴﺎء ﯾﺸﻜﻮ إﻟﯿﻬﻢ ﻫﻤﻪ وﯾﺸﺮح ﻟﻬﻢ ﻧﺎره...
ﻛﺎن ﯾﻤﻀﻲ ﺳﺎﻋﺎت ﻋﻠﻰ ﺷﺎﻃﺊ دﺟﻠﺔ ،ﺟﺎﻟﺴﺎ إﻟﯿﻪ ﻓﻲ ﺣﺪﯾﺚ ﻃﻮﯾﻞ ،ﯾﺴﻜﺒﻪ ﻋﻠﻰ ﺻﻔﺤﺘﻪ اﻟﺮﻗﺮاﻗﺔ ،ﻗﺎﺋﻼ:
’’أﯾﻬﺎ اﻟﻤﺘﺪﻓﻖ ﻛﺪﻣﻌﻲ ،اﻟﻬﺎﺋﺞ ﻣﺜﻞ ﻧﺎر ﺷﻮﻗﻲ.
ﻣﺎ ﻟﻲ ﻻ أراك ﻓﻲ ﺳﺎﻋﺔ ﻣﻦ ﻟﯿﻞ أو ﻧﻬﺎر إﻻ ﻫﺎﺋﺠﺎ زﺧﺎرا ،ﻻ ﯾﻘﺮ ﻟﻚ ﻗﺮار ،وﻻ ﯾﻬﺪأ ﻣﻨﻚ اﻟﺒﺎل ؟!
أم ﯾﺒﺪو أﻧﻚ ﺗﻌﺎﻧﻲ ﻣﺜﻠﻲ وﯾﻼت ﻫﺬا اﻟﻌﺸﻖ وﺟﻨﻮﻧﻪ ،وﯾﻨﻄﻮي ﺳﺮك ﻋﻠﻰ ﺣﺒﯿﺐ أﻓﻘﺪك اﻟﻘﺮار واﻟﻬﺪوء ﻓﻬﻲ
اﻟﺬﻛﺮى ﺗﺜﯿﺮ ﻓﻲ ﻃﯿﺎت ﺟﻮاﻧﺤﻚ ﻫﺬه اﻟﺜﻮرة اﻟﺪاﺋﺒﺔ ؟
وﻟﻜﻦ ﻣﻦ ﯾﻜﻮن ﻣﻌﺸﻮﻗﻚ ﻏﯿﺮ ﻫﺬه اﻟﺠﺰﯾﺮة اﻟﺨﻀﺮاء اﻟﺘﻲ ﺗﻈﻞ داﺋﺮا ﻣﻦ ﺣﻮﻟﻬﺎ ؟ ﻓﻔﯿﻢ اﻟﻬﯿﺎج إذا ؟ وﻫﻲ ﻧﺎﺋﻤﺔ
ﺑﯿﻦ ذراﻋﯿﻚ ﻣﻨﺎزﻟﻬﺎ ﻣﺴﺘﻘﺮة ﻓﻲ ﻗﻠﺒﻚ ،ﯾﻤﻨﺎك ﻣﻠﺘﻔﺔ ﻣﻨﻬﺎ ﺣﻮل اﻟﺨﺼﺮ ،وﺷﻤﺎﻟﻚ ﻣﺒﺴﻮﻃﺔ ﻓﻮق ﻋﻘﺪ اﻟﻨﺤﺮ.
ﻛﻞ ﻫﺬا ،ﺛﻢ ﻻ ﺗﺸﻌﺮ ﺑﺎﻟﻨﻌﻤﺔ ووﺟﻮب ﺷﻜﺮﻫﺎ ! ...ﺗﻈﻞ ﺗﺮﻏﻲ وﺗﺰﺑﺪ .ﻫﯿﺎﺟﻚ ﯾﻌﻠﻮ إﻟﻰ ﻋﻨﺎن اﻟﺴﻤﺎء ،وأُوراك
ﯾﻨﺒﻌﺚ ﺻﺪاه إﻟﻰ دﯾﺎر ﺑﻐﺪاد ! أﻻ ﻗﻞ ﻟﻲ ،ﻣﺎ اﻟﺬي ﺗﺒﻐﯿﻪ ﺑﻌﺪ ﻛﻞ ﻣﺎ أﻧﺖ ﻓﯿﻪ ؟ وأي أﻣﻞ ﺿﺎع ﻣﻨﻚ ،ﺣﺘﻰ ﺗﻈﻞ
ﺣﻮل ﻧﻔﺴﻚ ﻣﻦ أﺟﻠﻪ ؟
ﻟﻘﺪ ﻛﺎن أوﻟﻰ أن ﯾﻜﻮن ﻧﺤﯿﺒﻚ ﻫﺬا ﻓﻲ ﺣﻠﻘﻲ ،وﻫﯿﺎﺟﻚ ﻓﻲ ﻧﻔﺴﻲ ،وﻟﻘﺪ ﻛﻨﺖ أﺟﺪر ﻣﻨﻚ ﺑﺄن ﺗﻌﻠﻮ إﻟﻰ اﻟﺴﻤﺎء
زﻓﺮاﺗﻲ ،وأن ﯾﻨﺒﻌﺚ ﺣﻮل ﻫﺬا اﻟﺒﻠﺪ أوار ﻗﻠﺒﻲ.
ﻓﺄﻧﺎ اﻟﺬي أﻇﻞ ﻣﺘﺤﺎﻣﻼ ﺑﻘﻠﺒﻲ ﻋﻠﻰ ﺧﻨﺠﺮ ﻗﺪ ﻏﺮس ﻓﯿﻪ ﻧﺼﻠﻪ .ﺗﺮاءى ﻟﻌﯿﻨﻲ ﻣﻨﻪ ،إذ ﻛﺎن ﺑﻌﯿﺪا ،ﺑﺮﯾﻖ ﻣﺎء
ﻋﺬب ،ﺛﻢ اﺳﺘﻘﺮ ﻣﻨﻪ ﻓﻲ ﻓﺆادي ﺳﻢ زﻋﺎف ﻟﯿﺲ ﻟﻪ دواء ﻟﻪ اﻟﯿﻮم!
ﻫﻮ ﯾﺎ دﺟﻠﺔ ﻗﻠﺐ ﻣﺠﺪب ،أﺣﺮﻗﻪ وﻫﺞ اﻟﯿﺄس ،ﻓﻤﺎ ﺿﺮ ﻟﻮ ﻧﻈﺮت إﻟﯿﻪ ﻣﺮة أو ﻣﺮرت ﻋﻠﯿﻪ ﻓﻲ ﺗﻄﻮاﻓﻚ ﺣﻮل ﻫﺬا
اﻟﺒﺴﺎط اﻷﺧﻀﺮ اﻟﻤﻮﺷﻰ ﺑﺎﻟﻮرود وأزﻫﺎر اﻟﻨﺮﺟﺲ واﻟﺒﻨﻔﺴﺞ ؟ ﻓﺮﺑﻤﺎ ﻛﺎن أﺧﻀﺮّ ﻓﯿﻪ أﯾﻀﺎ ﻏﺼﻦ ،أو ﻫﻔﺖ ﺑﯿﻦ
ﺳﻤﻮﻣﻪ ﻧﺴﻤﺔ ﺑﺎردة‘‘.
ﺛﻢ ﯾﻠﺘﻔﺖ إﻟﻰ اﻟﺮﯾﺎح اﻟﺘﻲ ﺗﻈﻞ ﻫﺎﻓﺔ ﻣﻦ ﺣﻮﻟﻪ ،ﻓﯿﺘﺨﺬ ﻣﻨﻬﺎ رﺳﻮﻻ إﻟﻰ ﻣﻠﯿﻚ ﻗﻠﺒﻪ ،وﯾﺮوح ﯾﻠﻘﻨﻬﺎ رﺳﺎﻟﺘﻪ إﻟﯿﻪ
ﻗﺎﺋﻼ:
’’أﯾﻬﺎ اﻟﻨﺴﯿﻢ اﻟﺴﺎري ﻓﻲ رﻗﺔ اﻟﺮوح ،اﻟﻤﻔﺘﻮح أﻣﺎﻣﻪ ﺑﺎب ﻛﻞ ﻋﺰﯾﺰ وﻣﻤﻨﻮع .ﻫﻞ ﻟﻚ أن ﺗﻠﺘﻔﺖ إﻟﻰ رﺟﺎء
ﯾﻌﺮﺿﻪ ﻋﻠﯿﻚ ﻫﺬا اﻟﻤﻘﯿﺪ اﻟﺤﺒﻮس ؟ إن ﻛﺎن ﻛﺬﻟﻚ ،ﻓﺎﻣﺾ أﯾﻬﺎ اﻟﻨﺴﯿﻢ ﻓﻲ اﺗﺠﺎه ﻫﺬا اﻟﻤﺸﺮق ،ﻓﺴﺘﺮى ﻓﯿﻪ ﺷﺪة
اﻟﺮوﻋﺔ واﻟﺠﻤﺎل ،وﻣﺤﺮاب ﺳﻌﺎدﺗﻲ وأﻧﺴﻲ .ﻓﺈذا ﻣﺎ وﺻﻠﺖ ﻓﻘﻒ ﺑﺎﻷﻋﺘﺎب أوﻻ ﻟﺘﻘﺒﻠﻬﺎ .ﺛﻢ ادن إﻟﻰ ﻣﻠﯿﻚ ذﻟﻚ
اﻟﺠﻤﺎل ،وﻟﻜﻦ ﻓﻲ ﺗﻮاﺿﻊ وﻟﻄﻒ ،ﻟﻜﻲ ﺗﺆدي ﺑﯿﻦ ﯾﺪﯾﻪ اﻟﺜﻨﺎء اﻟﻼﺋﻖ وﺗﻘﻮم ﻟﻪ ﺑﺎﻟﺘﻌﻈﯿﻢ اﻟﻤﻼﺋﻢ .ﺛﻢ ﺗﺮاﺟﻊ
ﺧﻄﻮات إﻟﻰ اﻟﻮراء ﻟﺘﻌﺮض ﻋﻠﯿﻪ رﺳﺎﻟﺔ اﻟﺮوح اﻟﻤﺴﺘﻌﺮة ..ﻗﻞ ﻟﻪ إﻧﻬﺎ ﻣﻦ ﻣﺪﻋﻮك اﻟﺬي دﻣﻪ ﻣﺪاد ﻗﻠﻤﻪ ،
وﺟﺴﻤﻪ اﻟﻤﺘﻘﺪ ﺻﻔﺤﺔ ﻛﺘﺎﺑﺘﻪ.
ﻓﺈذا ﻣﺎ رأﯾﺖ رﻗﺔ ﺑﺪت ﻣﻼﻣﺤﻬﺎ ﻋﻠﻰ وﺟﻬﻪ ﻓﻘﻞ ﻟﻪ ﻓﻲ أدب وﻟﻄﻒ :إﻧﻪ ﯾﺎ ﻣﻮﻻي ﺑﺎﺋﺲ ﻣﺴﻜﯿﻦ ..ﻋﺎش ﻓﺘﺮة
ﻓﻲ ﺣﻠﻢ ﻗﺼﯿﺮ ﻣﻦ ﻋﻄﻔﻚ ،ﺛﻢ ﺳﺮﻋﺎن ﻣﺎ ﺗﺒﺪد اﻟﺤﻠﻢ وﺿﺎع اﻟﻌﻄﻒ ،وﻏﺪا ﯾﺘﺨﺒﻂ ﻓﻲ دﯾﺎﺟﯿﺮ اﻟﺒﺆس واﻟﺸﻘﺎء .
إﻧﻪ ﻟﯿﺲ ﯾﺪري واﷲ أي ذﻧﺐ ارﺗﻜﺒﻪ ،اﻟﻠﻬﻢ إﻻ ﻗﻠﺒﺎ ﯾﻌﺮف أﻧﻪ ﻛﺎن ﯾﺨﻔﻖ ﺑﯿﻦ ﺟﻨﺒﯿﻪ ،وﻫﻮ اﻟﯿﻮم ﻫﺎرب ﻣﻨﻪ ﻗﺪ
اﻓﺘﻘﺪه ﻣﻨﺬ أﻣﺪ ﻃﻮﯾﻞ .رﺑﻤﺎ ﻛﺎن وﻫﻮ ﯾﺨﻔﻖ ﺑﯿﻦ ﺟﻮاﻧﺤﻪ ﺻﺎﺣﺐ ﻫﻮس وﻫﻮى ﯾﻤﯿﻞ إﻟﯿﻪ ،ورﺑﻤﺎ ﻛﺎن ﻗﺪ اﻗﺘﺮف
إذ ذاك إﺛﻤﺎ أو ﺟﻨﻰ ذﻧﺒﺎ ،ﻛﺄي واﺣﺪ ﻣﻦ ﻫﺆﻻء اﻟﺬﯾﻦ ﺧﻠﻖ ﻣﻌﻬﻢ اﻟﻨﻘﺺ واﻟﺴﻬﻮ واﻟﻨﺴﯿﺎن .ﻧﻌﻢ ،ﻟﻠﻤﺎﻟﻚ ﯾﺎ
ﻣﻮﻻي أن ﻻ ﯾﺘﺠﺎوز ﻋﻦ ﻋﺼﯿﺎن ﻋﺒﺪه ،وأن ﯾﺘﺼﺮف ﻛﻤﺎ ﯾﺸﺎء ﻓﻲ ﻋﻘﺎﺑﻪ .وﻟﻜﻦ ﻫﻞ ﻣﻦ اﻟﺒﻌﯿﺪ أﯾﻀﺎ أن ﯾﺘﻐﻤﺪه
ﺑﻌﻄﻔﻪ ،وأن ﺗﺪرﻛﻪ اﻟﺮﺣﻤﺔ ﻟﻪ ﻓﯿﺪﯾﻨﻪ إﻟﻰ ﻇﻞ ﺣﻤﺎه وﻟﻄﻔﻪ ..؟
ﺛﻢ ﻻ ﺗﻨﺲ أﯾﻬﺎ اﻟﺼﺒﺎ أن ﺗﻌﻮد إﻟﻲّ ﺑﻐﺒﺎر ﻣﻦ ﺗﺮاب ذﻟﻚ اﻟﻤﻜﺎن .ﻋﺪ إﻟﻲّ وﻟﻮ ﺑﻘﻠﯿﻞ ﻣﻨﻪ ،ﻓﺈن ذراﺗﻪ راﺋﺤﺔ ﻗﻠﺒﻲ
وﺑﻠﺴﻢ داﺋﻲ‘‘.
أﻣّﺎ أﺷﺪ ﻣﺎ ﯾﻜﻮن ﺗﺄﻟﻤﺎ واﺣﺘﺮاﻗﺎ ،ﻓﺬﻟﻚ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﯾُﺮى ﻣﻨﻄﻮﯾﺎ ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺴﻪ ﻣﻄﺮﻗﺎ ﻓﻲ ﻏﯿﺒﻮﺑﺔ ﻋﻦ ﻛﻞ ﻣﺎ ﺣﻮﻟﻪ ﻣﻦ
ﻣﻈﺎﻫﺮ اﻟﺪﻧﯿﺎ وﺻﻮر اﻟﻄﺒﯿﻌﺔ وأﻓﺮاد اﻟﻨﺎس.
إﻧﻪ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﺴﺎﻋﺔ ﯾﻜﻮن ﻓﻲ ﻣﺸﺎدة داﻣﯿﺔ ﻣﻊ ﻗﻠﺒﻪ .ﻗﻠﺒﻪ اﻟﺬي أدﺑﺮ ﻋﻨﻪ ﻣﺮة واﺣﺪة وﻟﻢ ﯾﻌﺪ ﯾﺘﻌﺮف إﻟﯿﻪ .إﻧﻪ
ﯾﻈﻞ ﯾﺨﺎﻃﺒﻪ ﻓﻲ ﺗﻮﺟﻊ ﺷﺪﯾﺪ ﻗﺎﺋﻼ:
’’-أﯾﻬﺎ اﻟﺨﺎﺋﻦ اﻟﻐﺪار ...ﻗﻞ ﻟﻲ ..ﻫﻞ ﺗﺘﺬﻛﺮ ..؟
ﻫﻞ ﺗﺬﻛﺮ اﻟﻌﻬﻮد واﻟﻤﻮاﺛﯿﻖ واﻷﯾﻤﺎن ،اﻟﺘﻲ ﻛﻨﺖ ﯾﻮﻣﺎ ﻣﺎ ﺗﺴﻮﻗﻬﺎ إﻟﻲّ ﺟﻤﻠﺔ واﺣﺪة ﻟﺘﺆﻛﺪ ﺑﻬﺎ ﻣﺒﻠﻎ وﻓﺎﺋﻚ
وإﺧﻼﺻﻚ ؟ ﻫﻞ ﺗﺬﻛﺮ إذ ﻛﻨﺖ ﺗﻘﺮر ﻟﻲ ﻓﻲ ﺷﺪة وﻋﺰم ،ﺑﺄﻧﻚ ﺻﺎدق ﻣﻌﻲ ﻓﻲ ﻛﻞ أﻣﺮ ،وأﻧﻚ ﻣﺮﺗﺒﻂ ﺑﻲ ﻓﻲ ﻛﻞ آن
ووﻗﺖ.
ﻫﻞ ﺗﺬﻛﺮ إذ ﻛﻨﺖ ﺗﻔﺘﺨﺮ أﻣﺎﻣﻲ ،ﻣﺪﻋﯿﺎ ﺑﻤﻞء ﺷﺪﻗﻚ أﻧﻚ ذو ﺑﺄس ﻋﻈﯿﻢ وﺗﺤﻤﻞ ﺷﺪﯾﺪ ﻓﻲ ﺳﺒﯿﻠﻲ وﻣﻦ أﺟﻠﻲ ؟
ﻫﻞ ﺗﺬﻛﺮ إذ ﻛﻨﺖ ﺗﻘﻌﺪ ﻟﺘﻄﻠﻌﻨﻲ ﻋﻠﻰ ﻣﺪى ﻏﺮاﻣﻚ اﻟﻌﺠﯿﺐ ﺑﻲ .ذﻟﻚ اﻟﻐﺮام اﻟﺬي ﯾﺴﺘﺤﯿﻞ أن ﯾﺸﻐﻠﻚ ﻋﻨﻪ أي
ﺷﺎﻏﻞ أو ﯾﺼﺮﻓﻚ ﻋﻨﻪ أي ﺻﺎرف ؟
ﻫﻞ ﺗﺬﻛﺮ إذ ﻛﻨﺖ ﺗﺘﺼﻨﻊ اﻟﻜﺒﺮﯾﺎء واﻟﺼﻠﻒ ﻋﻠﻰ اﻟﻨﺎس ﻛﻠﻬﻢ ﻣﻦ أﺟﻠﻲ ،وﺗﺸﻌﺮﻧﻲ ﺑﺎﻣﺘﻬﺎﻧﻚ ﻟﻜﻞ ﻣﻦ ﻋﻠﻰ ﻫﺬه
اﻷرض ﻓﻲ ﺳﺒﯿﻠﻲ ؟
أﺳﻔﺎ ..أﺳﻔﺎ إذ أﻃﺮت ﻛﻞ ذﻟﻚ اﻟﯿﻮم ﺑﻨﻔﺨﺔ ﻣﻦ ﻋﺪرك ،وﻧﺴﯿﺘﻪ ﻣﺮة واﺣﺪة ﻷول ﻫﻮى ﻓﻲ ﻧﻔﺴﻚ ،وﺗﺮﻛﺘﻨﻲ إﻟﻰ
ﺣﯿﺚ ﻻ أﺟﺪ ﺳﺒﯿﻼ ﻟﻠﺤﺎق ﺑﻚ واﻟﻮﺻﻮل إﻟﯿﻚ.
أﻻ ﻗﻞ ﻟﻲ ﺑﺄي ﺣﻖ أﯾﻬﺎ اﻟﻄﺎﺋﺮ اﻷﻫﻮج اﻟﺼﻐﯿﺮ ﺗﻨﻄﻠﻖ إﻟﻰ ﺣﯿﺚ ﺗﺸﺎء ﺗﺎرﻛﺎ وراﺋﻚ ﻫﺬه اﻟﺮوح اﻟﻤﻌﺬﺑﺔ ﻓﻲ
ﻣﺤﺒﺴﻬﺎ ﻣﻦ ﻫﺬا اﻟﺠﺴﺪ ؟
ﻫﺬه اﻟﺮوح اﻟﺘﻲ ﺧﻠﻘﺖ ﻣﻌﻬﺎ ﺗﻮأﻣﯿﻦ ،وﻋﺸﺘﻤﺎ ﻣﻌﺎ ﺧﯿﺮ ﻗﺮﯾﻨﯿﻦ ،ﺗﻤﺪ وﺟﻮدك داﺋﻤﺎ ﺑﺴﺮ ﻣﻦ ﻓﯿﻀﻬﺎ ،وﺗﺒﺚ ﻓﯿﻚ
اﻻﺷﺮاق ﻣﻦ ﻧﻮرﻫﺎ .ﺣﺴﺒﻚ ﻃﯿﺸﺎ أﯾﻬﺎ اﻟﻘﻠﺐ .وﻛﻔﺎك اﺑﺘﻌﺎدا وﺗﻮﻏﻼ ﻓﻲ اﻟﻤﺠﺎﻫﻞ ﻣﻨﻔﺮدا ﻋﻦ ﻗﺒﺲ روﺣﻚ
وﺳﺮاﺟﻬﺎ .ﻓﺈن اﻟﻄﺮﯾﻖ ،وﯾﺤﯿﻚ ،ﻣﻈﻠﻤﺔ .واﻟﻬﺪف أﻣﺎﻣﻚ ﺑﻌﯿﺪ.
إﻧﻬﺎ ،وﯾﺤﻚ ،روﺣﻚ ! روﺣﻚ اﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﺟﺰء ﻣﻨﻚ إﻧﻬﺎ أﺟﺪر وأوﻟﻰ ﺑﺤﺒﻚ ﻣﻦ أي روح أﺧﺮى ﺗﺴﻌﻰ وراﺋﻬﺎ .إن
ﻛﺎن ﻣﻘﺼﺪك اﻟﺠﻤﺎل ،ﻓﻤﺎ أﻛﺜﺮ ﻣﺎ أوﻟﺘﻚ ﻫﺬه اﻟﺮوح ﻣﻦ ﺟﻤﺎﻟﻬﺎ وإن ﻛﺎن اﻟﻨﻮر واﻻﺷﺮاق ،ﻓﻤﻦ ذا اﻟﺬي ﯾﻐﺬﯾﻚ
ﺑﺄﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻧﻮرﻫﺎ وإﺷﺮاﻗﻬﺎ.
أﯾﻬﺎ اﻟﻘﻠﺐ ﻋﺪ .ﻋﺪ ﻻ ﺗﺨﺪﻋﻨﻚ ﻣﻔﺎﺗﻦ اﻟﻐﺮور واﻷﺻﺪاغ وﻻ ﺗﺼﺪﻗﻦ ﺷﯿﺌﺎ ﻣﻦ اﺑﺘﺴﺎﻣﺎت اﻟﺜﻐﻮر واﻟﺸﻔﺎه ،وﻻ
ﯾﺄﺧﺬﻧﻚ ﺳﺤﺮ اﻟﻌﯿﻮن اﻟﻨﺠﻞ ،أو ﯾﺠﺬﺑﻨﻚ إﺷﺮاق اﻟﻮﺟﻮه ﺑﯿﻦ ﻇﻠﻤﺔ اﻟﺸﻌﻮر اﻟﻤﻠﺘﻮﯾﺔ .ﻓﻜﻞ ﻫﺬا اﻟﺬي ﯾﺘﺄﻟﻖ ﻓﻲ
ﻋﯿﻨﯿﻚ ﻧﻮره إﻧﻤﺎ ﻫﻮ ﻧﺮا وﺟﻤﺮ ،ﺳﺮﻋﺎن ﻣﺎ ﯾﺘﻮﻗﺪ ﻋﻠﯿﻚ ﻟﻬﯿﺒﺎ ،وﺗﻬﻠﻚ ﻓﻲ ﻟﻈﺎه.
وإﻻ ،ﻓﺈن ﻣﺜﻠﻚ أﻟﻒ ﺑﻠﺒﻞ ،ﯾﻘﻀﻲ ﻛﻞ ﺳﺎﻋﺎت اﻟﻌﻤﺮ ﺑﯿﻦ اﻟﺨﻤﺎﺋﻞ واﻟﻮرود ﻓﻲ ﻧﺤﯿﺐ وآﻻم ..ﺛﻢ ﻻ ﯾﻜﻮن ﻧﺼﯿﺒﻪ
ﻣﻨﻬﺎ إﻻ ﻛﻤﺎ ﯾﻜﻮن ﻧﺼﯿﺐ اﻟﻔﺮاﺷﺔ ﻣﻦ اﻟﻠﻬﺐ .ﻟﻈﻰ وﺿﻨﻰ واﻛﺘﻮاء ..ﺛﻢ ﻫﻮ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﻗﻄﻌﺔ أدﯾﻢ ﯾﺎﺑﺴﺔ ﻣﻠﻘﺎة ﻓﻲ
ﻣﻬﺐ ﺗﻠﻚ اﻟﻮرود واﻷﻏﺼﺎن.
أﯾﻬﺎ اﻟﻘﻠﺐ أﻧﺖ ﻣﻌﺮض ﻧﻔﺴﻚ ﻟﻤﺠﺎل اﻟﻬﻮى واﻟﻤﻠﺬات ،ﻣﻘﺼﺪك اﻟﻮﺻﻮل إﻟﻰ ﺻﻔﻮﻫﺎ واﻻﺳﺘﻤﺘﺎع ﺑﻨﻌﯿﻤﻬﺎ .
وﻟﻜﻨﻲ ﻗﺪ ﻋﺮﻓﺖ ﻟﻚ ﻣﻤﺎ ﻗﺎﻟﻪ ﻟﻲ اﻟﻄﺒﯿﺐ اﻟﺤﺎذق ﻟﻬﺬا اﻟﺪاء أن ﺷﻔﺎءك إﻧﻤﺎ ﻫﻮ اﻻﺣﺘﻤﺎء ﻋﻦ ﻣﻄﺎرح اﻟﺸﻬﻮات ،
وﻣﺒﺘﻐﺎك ﻛﺎﻣﻦ وراء أﺷﻮاك اﻟﺮﯾﺎﺿﺔ واﻟﺤﺮﻣﺎن .ﻟﻘﺪ ﺣﺪﺛﻨﻲ ﻫﺬا اﻟﻄﺒﯿﺐ ﺑﺄن اﻟﺪاء ﻫﻮ ﺑﻌﯿﻨﻪ ذاك اﻟﺮﺣﯿﻖ اﻟﻌﺬب
اﻟﺬي ﺗﻬﻔﻮ وراءه ﻧﻔﺴﻚ ،واﻟﺪواء ﻟﯿﺲ إﻻ ذﻟﻚ اﻟﻌﻠﻘﻢ اﻟﺬي ﺗﺸﺘﻜﻲ ﻣﻨﻪ وﺗﻌﺎﻓﻪ.
أﯾﻬﺎ اﻟﻘﻠﺐ ،ﻛﯿﻒ أﻛﻠﻤﻚ ،وﻋﻢّ أﺣﺪﺛﻚ وﻣﺎذا أﻗﻮل ؟ ﻻ أراك إﻻ ﻣﺪﺑﺮا ﻋﻨﻲ ،ﻻﻫﯿﺎ ﻋﻦ ﺣﺪﯾﺜﻲ وﺻﻮﺗﻲ ،ﻛﺄﻧﻚ ﻟﻢ
ﺗﻜﻦ ﯾﻮﻣﺎ ﺗﻌﺮف ﺻﺎﺣﺐ ﻫﺬا اﻟﺼﻮت واﻟﺮﺟﺎء‘‘.
وﻫﻨﺎ ﻻ ﺗﻠﺒﺚ أن ﺗﺘﻀﺮم ﻫﺬه اﻟﻜﻠﻤﺎت ﻧﺎرا ﻋﻠﻰ اﻟﻘﻠﺐ اﻟﻤﺴﻜﯿﻦ ،وﯾﺘﺼﺎﻋﺪ ﻣﻦ ﺳﻮﯾﺪاﺋﻪ إﻟﻰ أﻋﻠﻰ اﻟﺮأس ﻓﯿﺢ
ﻛﺄﻧﻤﺎ ﻫﻮ اﻟﺪﺧﺎن واﻟﯿﺤﻤﻮم ،وﺳﺮﻋﺎن ﻣﺎ ﯾﺘﻠﺒﺪ ﻫﺬا اﻟﻔﯿﺢ ﻣﺜﻞ ﺳﺤﺎب ﻣﺮﻛﻮم ﻓﻲ ﯾﻮم ﻣﻤﻄﺮ .ﺛﻢ ﻣﺎ ﻫﻮ إﻻ أن
ﯾﻨﻬﻤﺮ ﺑﺴﯿﻞ ﻣﻦ اﻟﺪﻣﻮع اﻟﺤﺎرة ﻣﺘﺪﻓﻘﺔ ﻣﻦ اﻟﻌﯿﻨﯿﻦ ! ﻫﻨﺎﻟﻚ ﯾﺮوح ’’ ﻣﻤﻮ ‘‘ ﻣﺴﺘﺴﻠﻤﺎ ﻟﺘﻠﻚ اﻟﺪﻣﻮع ﻓﻲ ﻧﺸﻮة
وذﻫﻮل ،وﯾﻈﻞ ﻣﺴﺘﺮوﺣﺎ ﺑﻠﻬﯿﺒﻬﺎ ،ﻣﻨﺘﻌﺸﺎ ﺑﺘﺪﻓﻘﻬﺎ ،ﺑﻌﺪ أن ﻛﺎدت ﺗﺨﻨﻘﻪ ﻏﺼﺔ ﺗﻠﻚ اﻟﻜﻠﻤﺎت ﻓﻲ ﺣﻠﻘﻪ ،إﻟﻰ أن
ﺗﺠﻒ ﻣﻦ اﻟﻌﯿﻦ ،وﺗﻨﻌﺼﺮ ﻣﻨﻪ اﻟﺤﺸﺎﺷﺔ واﻟﻜﺒﺪ ،ﺣﯿﺚ ﯾﻌﻮد ﺛﺎﻧﯿﺔ إﻟﻰ اﻟﺤﺮب ﺑﯿﻦ روﺣﻪ وﻗﻠﺒﻪ ،وﯾﺨﺘﻨﻖ ﻣﺮة
أﺧﺮى ﺑﺎﻷﺣﺎﺳﯿﺲ اﻟﻘﺎﺳﯿﺔ ،وﯾﻈﻞ ﯾﻌﺎﻧﻲ ﻣﻦ ﻏﺼﺘﻬﺎ إﻟﻰ أن ﺗﺮﺣﻤﻪ ﺣﺸﺎﺷﺘﻪ ﺑﻔﯿﺾ آﺧﺮ ﻣﻦ اﻟﺪﻣﻮع .وﻫﻜﺬا
ﺗﻈﻞ اﻟﻘﺼﺔ ﺗﺘﻜﺮر وﺗﻌﻮد.
ﺑﻜﻰ ﻣﻤﻮ ﺣﺘﻰ ﺗﻘﺮﺣﺖ ﻋﯿﻨﺎه ..وﻟﻢ ﯾﺰل ﯾﺘﻮﺟﻊ وﯾﺘﺤﺮق ﺣﺘﻰ ﻛﺎدت أن ﺗﻨﻄﻔﺊ ﺟﺬوة ﺣﯿﺎﺗﻪ .وﻟﻢ ﯾﺰل ﯾﻨﻬﺎر ﻣﻨﻪ
اﻟﻘﻮى وﺗﺨﻮر ﻓﯿﻪ اﻟﻌﺰﯾﻤﺔ وﯾﺼﻔﺮ ﻣﻨﻪ اﻟﺸﻜﻞ إﻟﻰ أن ﻃﺮﺣﺘﻪ اﻟﺤﻤﻰ ﻓﻲ ﻣﻜﺎن ﻣﺎ ﻋﻠﻰ ﺷﺎﻃﺊ دﺟﻠﺔ وﺣﯿﺪا إﻻ ﻣﻦ
ﺑﻌﺾ أﺻﺪﻗﺎﺋﻪ اﻟﻤﺨﻠﺼﯿﻦ اﻟﺬﯾﻦ ﻛﺎﻧﻮا ﯾﻌﻮدوﻧﻪ وﯾﻮاﺳﻮﻧﻪ ﺑﯿﻦ ﻛﻞ ﻓﺘﺮة وأﺧﺮى.
أﻣﺎ داره ﻓﻲ اﻟﻤﺪﯾﻨﺔ ﻓﻘﺪ ﺗﺮﻛﻬﺎ ﺣﺘﻰ ﻗﺒﻞ أن ﯾﻄﺮﺣﻪ اﻟﻤﺮض ،ﻓﻘﺪ ﻛﺎن ﯾﺤﺎول ﺟﺎﻫﺪا أن ﻻ ﯾﻌﻠﻢ أﺣﺪ ﻣﻦ اﻟﻨﺎس
ﺳﺮﯾﺮة ﻗﻠﺒﻪ إﻻ ﻣﻦ ﻛﺎن ﻣﻦ ﺧﺎﺻﺔ أﺻﺤﺎﺑﻪ ﻛﺘﺎج اﻟﺪﯾﻦ ،ﺧﺸﯿﺔ أن ﯾﺒﻠﻎ اﻷﻣﯿﺮ ذﻟﻚ ﻓﯿﺰداد إﻟﻰ ﻗﺴﻮﺗﻪ ﺿﺮام
اﻟﺤﻤﯿﺔ ،وﯾﺬﻫﺐ ﺧﯿﺎﻟﻪ إﻟﻰ أﺑﻌﺪ ﻣﻦ اﻟﻮاﻗﻊ ﺑﻜﺜﯿﺮ
ﻛﺎن ذﻟﻚ ﻓﻲ ﯾﻮم ﺷﻤﺴﻪ ﻣﺸﺮﻗﺔ وﺳﻤﺎؤه ﺻﺎﻓﯿﺔ ،ﻗﺪ ازداﻧﺖ ﻓﯿﻪ اﻟﻄﺒﯿﻌﺔ ﺑﺄﺑﻬﻰ ﺣﻠﺔ وأﺑﺪع وﺷﻲ ،ﺗﻼﻗﺖ ﻓﯿﻪ
ﺑﻬﺠﺔ اﻟﺰﻣﺎن ﺑﺎﺑﺘﺴﺎم اﻟﺨﻤﺎﺋﻞ واﻟﻮرود اﻟﺮﯾﺎض ﺗﺘﺄﻟﻖ ﺑﺴﻨﺪس أﺧﻀﺮ وﺗﺨﻔﻖ ﺑﻨﺴﻤﺎت ﻓﻮاﺣﺔ ﺑﺎﻟﻌﺒﯿﺮ ،واﻟﺮﺑﺎ
أﻛﺎﻟﯿﻞ زﻣﺮدﯾﺔ ﻓﻮق ﺟﺒﯿﻦ اﻟﻄﺒﯿﻌﺔ ﻧﺜﺮت ﻓﻲ أﻃﺮاﻓﻬﺎ ﯾﺪ اﻟﺨﻼق أﺑﺪع أﻟﻮان اﻟﺰﻫﺮ ،واﻟﺠﺒﺎل اﻟﺸﻢ ﻗﺪ ﻧﺴﺠﺖ ﺣﻮل
ﻗﻤﻤﻬﺎ اﻟﺨﻀﺮ آﯾﺎت ﺧﺎﻟﺪة ﻣﻦ اﻟﺠﻤﺎل واﻟﺠﻼل ﺗﺘﻄﻠﻊ إﻟﻰ ﻋﻈﻤﺔ ذﻟﻚ اﻟﺠﺒﺎر اﻟﺬي أرﺳﺎﻫﺎ وأﻗﺎﻣﻬﺎ ،واﻷودﯾﺔ
ﻏﺎﺻﺔ ﺑﺄﺷﺠﺎر ﺑﺎﺳﻘﺔ ،ﯾﻨﺒﻌﺚ ﻣﻦ ﺗﻼﻓﯿﻒ أﻏﺼﺎﻧﻬﺎ ﻏﻨﺎء ﻣﺨﺘﻠﻒ اﻟﺒﻼﺑﻞ واﻷﻃﯿﺎر ،وﻋﯿﻮن اﻟﻤﯿﺎه ﺗﻨﺴﺎب ﺑﯿﻦ
ﻛﻞ ذﻟﻚ ﻓﻲ إﺷﺮاق وﺑﺮﯾﻖ ،ﻛﺄﻧﻬﺎ وﺷﻲ ﻣﻦ اﻟﺤﻠﻰ اﻟﻤﺘﺄﻟﻖ ﻓﻲ أﻃﺮاف ﻏﺎﻧﯿﺔ
وﻛﺎن ﻗﺪ أﻃﻠﻖ ﻣﻨﺎدى اﻷﻣﯿﺮ ﻗﺒﻞ ذﻟﻚ ﯾﻌﻠﻦ ﻓﻲ ﺷﺘﻰ أﻃﺮاف اﻟﺠﺰﯾﺮة ﻋﺰم اﻷﻣﯿﺮ ﻋﻠﻰ اﻟﺨﺮوج إﻟﻰ اﻟﺼﯿﺪ ﻓﻲ ذﻟﻚ
اﻟﯿﻮم ،وأن ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﺻﺎﺣﺐ ﻗﻮس أو ﻧﺒﻞ ،أو ﺳﺎﻋﺪ وﻋﺰﯾﻤﺔ أن ﯾﻜﻮن ﻓﻲ رﻛﺎب اﻷﻣﯿﺮ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻤﺒﺎراة اﻟﺘﻲ
ﺳﯿﺘﻮﻟﻰ اﻹﺷﺮاف ﻋﻠﯿﻬﺎ واﻟﻤﺸﺎرﻛﺔ ﻓﯿﻬﺎ
وﻓﻲ ﺻﺒﺢ اﻟﯿﻮم اﻟﻤﻮﻋﻮد ﺗﺪﻓﻖ ﻛﻞ أﻋﯿﺎن اﻟﺠﺰﯾﺮة ووﺟﻮﻫﻬﺎ وذوي اﻟﺒﺄس واﻟﻤﺮاس ﻓﯿﻬﺎ .وﻓﻲ ﻣﻘﺪﻣﺘﻬﻢ
اﻷﻣﯿﺮ وﺣﺎﺷﯿﺘﻪ إﻟﻰ ﺧﺎرج اﻟﻤﺪﯾﻨﺔ ،وﻗﺪ ﺗﻨﻜﺐ اﻟﺠﻤﯿﻊ أﻗﻮاﺳﻬﻢ وﺻﺤﺒﻮا ﻛﻞ ﻟﻮازم اﻟﺼﯿﺪ وأﺳﺒﺎﺑﻪ ،وﺗﺒﻌﻬﻢ ﻣﻦ
وراﺋﻬﻢ ﻣﻌﻈﻢ أﻫﻞ اﻟﺠﺰﯾﺮة ﻣﻦ ﺻﻐﯿﺮ وﻛﺒﯿﺮ وﻧﺴﺎء ورﺟﺎل ،ﻟﯿﺴﺘﻤﺘﻌﻮا ﺑﻤﺸﺎﻫﺪة ﺗﻠﻚ اﻟﻤﺒﺎراة اﻟﺮاﺋﻌﺔ اﻟﺘﻲ
ﺳﺘﻜﻮن ﺗﺤﺖ إﺷﺮاف اﻷﻣﯿﺮ...
وﺳﺮﻋﺎن ﻣﺎ اﻧﺘﺸﺮ اﻟﺠﻤﯿﻊ ﺑﯿﻦ ﺗﻠﻚ اﻷودﯾﺔ واﻵﻛﺎم ،وﻏﺎﺑﻮا ﻣﺘﻔﺮﻗﯿﻦ ﻓﻲ ﺷﻌﺎف اﻟﺠﺒﺎل ،ﻛﻞ ﯾﺒﺤﺚ ﻋﻤﺎ
ﯾﺴﺘﻄﯿﻊ أن ﯾﻔﺎﺧﺮ ﺑﻪ ﻏﯿﺮه ﻓﻲ اﻟﻤﺴﺎء .ﻓﺮﺑﻤﺎ ﻛﺎن ﻧﺼﯿﺐ ﻫﺬا أﺳﺪاً ﻛﺎﺳﺮاً أو ﻧﻤﺮاً ﻋﺎﺗﯿﺎً ،ﯾﻌﺮض ﻓﯿﻪ ﻋﻠﻰ
اﻟﻨﺎس ﻣﻘﺪار ﺷﺠﺎﻋﺘﻪ وإﻗﺪاﻣﻪ .ورﺑﻤﺎ ﻛﺎن ﻧﺼﯿﺐ ذاك ﻏﺰﻻﻧﺎً ﺑﺪﯾﻌﺔ ،ﯾﺜﺒﺖ ﻟﻬﻢ ﺑﻬﺎ ﺧﻔﺘﻪ وﺑﺮاﻋﺘﻪ .ورﺑﻤﺎ ﺟﺎء
آﺧﺮ ﺑﺄﺷﻜﺎل ﻧﺎدرة ﻣﻦ اﻟﻄﯿﻮر واﻟﺤﯿﻮاﻧﺎت .ورﺑﻤﺎ ﻇﻬﺮﻓﯿﻬﻢ ﻣﻦ ﺗﻠﻘﻒ ﻣﻦ ﻛﻞ ﺻﻨﻒ وﻧﻮع ،ﻓﺮاح ﯾﻬﺰ ﺑﯿﻨﻬﻢ
ﺳﻨﺎﻧﻪ وﻗﻮﺳﻪ ،وﯾﻠﻮح ﻟﻬﻢ ﺑﺴﺎﻋﺪه اﻟﻘﻮﯾﺔ ،وﻗﺪ ﯾﺄﺗﻲ ﻣﻦ وراﺋﻬﻢ ﻣﻦ ﺧﺎﻧﻪ اﻟﺤﻆ وﻟﻢ ﯾﻨﻞ أي ﻧﺼﯿﺐ.
وﯾﻤﻀﻲ اﻷﻣﯿﺮ إذ ذاك ﻣﻮزﻋﺎ ﺑﯿﻨﻬﻢ إﻋﺠﺎﺑﻪ وﺗﻘﺪﯾﺮه ،وﻣﻮﻟﯿﺎ ﻛﻼ ﻣﻦ اﻟﻤﻜﺎﻓﺄة واﻟﻘﺮب ﻣﺎ ﯾﺴﺘﺤﻖ.
ﻟﻘﺎء اﻟﺤﺒﯿﺒﯿﻦ
وﻟﻨﺪع اﻵن أوﻟﺌﻚ اﻟﺬﯾﻦ ﺗﻔﺮﻗﻮا ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﺸﻌﺎب ﻣﻨﻬﻤﻜﯿﻦ ﻓﻲ ﺷﺄﻧﻬﻢ ..وﻟﻨﻌﺪ أدراﺟﻨﺎ إﻟﻰ داﺧﻞ اﻟﻌﻤﺮان اﻟﺬي
أﺻﺒﺢ ﺧﺎوﯾﺎ ﻣﻦ اﻟﻨﺎس ،وﻟﻨﺄﺧﺬ ﺳﻤﺘﻨﺎ إﻟﻰ اﻟﻘﺼﺮ ..ﻓﺴﻨﺠﺪ ﻋﻠﻰ اﻟﺒﻌﺪ ﺷﺒﺢ ﻓﺘﺎة واﻗﻔﺔ ﻓﻲ إﺣﺪى ﻧﻮاﻓﺬه ﻓﻲ
ﺟﻤﻮد وإﻃﺮاق .وﻣﻊ دﻧﻮ ﺧﻄﻮاﺗﻨﺎ ﻣﻦ اﻟﻘﺼﺮ ﻧﺘﺒﯿﻦ أن ﻫﺬه اﻟﻔﺘﺎة إﻧﻤﺎ ﻫﻲ ’’ زﯾﻦ ‘‘ .ﻫﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻐﺎدة اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ
ﻓﻲ ﯾﻮم ﻣﺎ ﺗﻈﻞ ﺗﺮﻗﺺ ﺟﻨﺒﺎت اﻟﻘﺼﺮ ﺑﻈﺮﻓﻬﺎ وﺧﻔﺘﻬﺎ وﻣﺮﺣﻬﺎ .ﻫﺎ ﻫﻲ اﻟﯿﻮم ،ﺗﻘﻒ ﻋﻠﻰ ﻫﺬه اﻟﻨﺎﻓﺬة ﻓﻲ ذﺑﻮل
وإﻃﺮاق ،وﻗﺪ اﺛّﺎﻗﻞ ﺑﻬﺎ اﻟﻬﻢ واﻟﻜﺮب ،وﻧﺎل ﻣﻨﻬﺎ اﻟﺸﺤﻮب واﻟﻀﻨﻰ ،ﻣﺴﻨﺪة رأﺳﻬﺎ إﻟﻰ ﻗﺒﻀﺔ ﻛﻔﻬﺎ ،ﺗﺘﺄﻣﻞ
ﺑﻌﯿﻦ ﻛﺒﺎر اﻟﻔﻼﺳﻔﺔ واﻟﺤﻜﻤﺎء ﻫﺬا اﻟﻮﺟﻮم اﻟﻤﺨﯿﻢ ﻋﻠﻰ اﻟﻘﺼﺮ وﻣﻌﻈﻢ ﻣﺎ وراءه ﻣﻦ اﻷزﻗﺔ واﻟﻤﯿﺎدﯾﻦ .إﻧﻬﺎ ﺗﻘﺮأ
ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﻤﻈﻬﺮ اﻟﻄﺎرئ ﻣﻦ اﻟﺴﻜﻮن واﻟﻮﺟﻮم ﻣﻌﻨﻰ اﻟﻔﻨﺎء واﻻﻧﺘﻬﺎء اﻟﺬي ﯾﻨﺘﻈﺮ ﻛﻞ إﻧﺴﺎن ﻣﻦ وراء ﺳﺎﻋﺎت
ﻟﻬﻮه وﻣﺮﺣﻪ ،وﺗﺘﺒﯿﻦ ﻓﯿﻪ ﻧﻤﻮذﺟﺎ ﻋﻦ ﺣﺎﻟﺔ ﻗﻠﺒﻬﺎ اﻟﻤﻘﻔﺮ ،اﻟﺬي ﻃﺎﻟﻤﺎ ﻇﻞ ﻣﺰدﻫﺮا ﺑﺂﻣﺎل ﺑﺪﯾﻌﺔ ﻣﺤﻔﻮﻓﺔ ﺑﺎﻷﺣﻼم
اﻟﺠﻤﯿﻠﺔ ،ﺛﻢ ﻓﻲ ﻣﺜﻞ ﻃﺮﻓﺔ اﻟﻌﯿﻦ اﺣﺘﺮﻗﺖ ﻛﻞ ﺗﻠﻚ اﻵﻣﺎل وﻋﺼﻒ اﻟﺪﻫﺮ ﺑﺮﻣﺎدﻫﺎ ،وﺗﺒﺪدت اﻷﺣﻼم اﻟﺠﻤﯿﻠﺔ ،
وأﯾﻘﻈﻬﺎ اﻟﺰﻣﺎن ﻋﻠﻰ ﻏﺼﺔ اﻟﺒﺆس واﻟﺤﺮﻣﺎن.
وﻻﺣﺖ ﺗﺤﺖ ﻋﯿﻨﯿﻬﺎ -وﻫﻲ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻷﺛﻨﺎء -ﺣﺪﯾﻘﺔ اﻟﻘﺼﺮ وﻫﻲ ﻛﺒﯿﺮة ﺷﺎﺳﻌﺔ اﻷﻃﺮاف ﺗﻔﻨﻦ اﻷﻣﯿﺮ ﻓﻲ ﺗﺸﻜﯿﻠﻬﺎ
وإﺑﺪاﻋﻬﺎ .ﺟﻤﻊ ﻓﯿﻬﺎ ﻛﻞ أﺷﺠﺎر اﻟﻔﺎﻛﻬﺔ وﻏﯿﺮﻫﺎ .وﻧﺴﻖ ﻓﯿﻤﺎ ﺑﯿﻦ ذﻟﻚ ﻛﻞ أﺻﻨﺎف اﻟﻮرود وأﻟﻮان اﻷزاﻫﯿﺮ اﻟﺘﻲ
وﻟﺪﺗﻬﺎ اﻟﻄﺒﯿﻌﺔ ﻓﻮق أي راﺑﯿﺔ ﻣﻦ اﻟﺮواﺑﻲ ،أو ﻋﻠﻰ أي ﺷﺎﻃﺊ ﻣﻦ اﻟﺸﻄﺂن .ﺗﻨﺴﺎب ﻓﯿﻤﺎ ﺑﯿﻨﻬﺎ ﺟﺪاول رﻗﺮاﻗﺔ
ﺗﺒﻌﺚ ﻓﯿﻤﺎ ﺣﻮﻟﻬﺎ ﺗﺘﻤﺔ ﻣﻈﻬﺮ اﻟﺮوﻧﻖ واﻹﺑﺪاع.
ﻻﺣﺖ ﻟﻬﺎ ﺗﻠﻚ اﻟﺤﺪﯾﻘﺔ ﺧﺎﻟﯿﺔ ..ﻫﺎدﺋﺔ ،ﻻ ﯾﺠﻮس ﺧﻼﻟﻬﺎ أي إﻧﺴﺎن ،وﻻ ﯾﺮى ﻣﻦ ﺑﯿﻦ أﻏﺼﺎﻧﻬﺎ أي ﻣﺴﺘﺄﻧﺲ أو
ﻣﺴﺘﻤﻊ ،إﻻ ﻓﺮاﺷﺎت ﺗﺠﻮب ﺑﯿﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﻮرود ،وﻃﯿﻮرا ﯾﺴﻤﻊ ﺻﻮﺗﻬﺎ ﻣﻦ ﺑﯿﻦ أوراق اﻷﻏﺼﺎن .ﻓﺤﺪﺛﻬﺎ ﺧﺎﻃﺮﻫﺎ
-وﻗﺪ راﻗﻬﺎ ﺳﻜﻮن ﺗﻠﻚ اﻟﺤﺪﯾﻘﺔ وواﻓﻖ ﻫﻮاﻫﺎ -ﺑﺄن ﺗﻨﺘﻬﺰ ﻓﺮﺻﺔ وﺟﻮد ﺑﻘﯿﺔ ﻃﻮق ﻓﻲ ﺟﺴﻤﻬﺎ وﺣﺮﻛﺔ ﻓﻲ
أﻃﺮاﻓﻬﺎ ،ﻓﺘﺨﺮج ﻣﻦ ﻣﺤﺒﺴﻬﺎ ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﻘﺼﺮ ﻟﺘﻤﺸﻲ ﻗﻠﯿﻼ وﺳﻂ ﺗﻠﻚ اﻟﺤﺪﯾﻘﺔ ﻋﻠّﻬﺎ ﺗﺠﺪ ﺑﯿﻦ ﻧﺴﻤﺎﺗﻬﺎ ﺑﺮدا ﻣﻦ
اﻟﺮاﺣﺔ واﻻﻧﺘﻌﺎش.
واﺳﺘﺠﺎﺑﺖ زﯾﻦ ﻟﻬﺬا اﻟﺨﺎﻃﺮ ﻓﻲ ﻧﻔﺴﻬﺎ ،ﻓﻨﺰﻟﺖ ﻣﻦ اﻟﻘﺼﺮ ﻣﺘﺠﻬﺔ ﻧﺤﻮ اﻟﺤﺪﯾﻘﺔ ﻓﻲ ﺗﺤﺎﻣﻞ وإﻋﯿﺎء ﺷﺪﯾﺪﯾﻦ ،
وﻗﺪ ارﺗﺪت ﺛﻮﺑﺎ ﺑﺴﯿﻄﺎ ﻣﻦ اﻟﺤﺮﯾﺮاﻷﺑﯿﺾ اﻟﺮﻗﯿﻖ ،وﺷﺪت ﺧﺼﺮﻫﺎ ﻣﻦ ﻓﻮﻗﻪ ﺑﻤﻨﻄﻘﺔ ﺳﻮداء ﻣﻨﻤﻨﻤﺔ ﺑﻨﻘﻮش
ﻣﺘﻔﺮﻗﺔ ﻣﻦ ﺧﯿﻮط اﻟﻔﻀﺔ ،أﻣﺎ ﺷﻌﺮﻫﺎ ﻓﻘﺪ ﺟﻤﻌﺘﻪ ﺗﺤﺖ ﺷﺎرة ﺳﻮداء ﻣﻦ اﻟﻘﻄﯿﻔﺔ اﻟﺴﻤﯿﻜﺔ ﻓﻲ ﻣﺜﻞ ﻫﯿﺌﺔ ﻃﺮﺑﻮش
ﻗﺼﯿﺮ ﯾﻤﺘﺪ ﻓﻲ ﻃﺮﻓﯿﻪ ﺧﯿﻄﺎن ﻣﻦ اﻟﻔﻀﺔ ،وﻗﺪ أﻣﺎﻟﺖ ﻃﺮﻓﻪ ﻋﻠﻰ ﺟﺒﯿﻨﻬﺎ ﺑﯿﻨﻤﺎ ﻇﻞ اﻟﻄﺮف اﻵﺧﺮ ﻣﺮﺗﻔﻌﺎ ﻋﻦ
اﻟﺼﺪغ وﻗﺪ ﺑﺪا ﻣﻦ ﺗﺤﺘﻪ ﺷﻌﺮﻫﺎ اﻟﻔﺎﺣﻢ اﻟﻤﺴﺘﺮﺳﻞ.
ودﺧﻠﺖ اﻟﺤﺪﯾﻘﺔ ،وراﺣﺖ ﺗﻤﺸﻲ ﺑﯿﻦ ﺟﻨﺒﺎﺗﻬﺎ ،وﻫﻲ ﺗﻘﻠﺐ ﻧﻈﺮﻫﺎ ﻓﻲ اﻟﻄﯿﻮر اﻟﺘﻲ ﺗﺮﻓﺮف ﺑﯿﻦ أﻏﺼﺎﻧﻬﺎ ﻗﺎﺋﻠﺔ:
’’أﯾﺘﻬﺎ اﻷﻃﯿﺎر اﻟﺴﻌﯿﺪة :ﻛﺎن ﻟﻲ ﺑﯿﻨﻜﻢ ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﺮوض ﻃﺎﺋﺮ ﻣﺴﻜﯿﻦ ،أﺳﻮد اﻟﺤﻆ ،ﻣﻨﻜﻮب اﻟﻄﺎﻟﻊ ،وﻗﺪ ﻏﺎب
ﻋﻨﻪ ﻣﻨﺬ دﻫﺮ وﺣﻠﻖ ﻓﻲ اﻟﺠﻮ ﻣﻨﻄﻠﻘﺎ وﻟﻢ ﯾﻌﺪ ! أﻓﻠﯿﺲ ﻣﻨﻜﻢ ﻣﻦ ﯾﺪري ﻓﻲ أي روض اﺳﺘﻮﻃﻦ ،وﻋﻠﻰ أي ﻏﺼﻦ
أﻗﺎم ﻋﺸّﻪ ؟ ...وﻫﻞ ﻓﯿﻜﻢ ﻣﻦ ﯾﺤﺪﺛﻨﻲ ﻋﻨﻪ ،أﻫﻮ ﺣﻲ ﻻ ﯾﺰال ﯾﺨﻔﻖ ﺑﺠﻨﺎﺣﯿﻪ ،وﯾﻐﺮد ﻓﻮق أﻏﺼﺎﻧﻪ أم ﻧﻜﺒﻪ اﻟﺪﻫﺮ
ﻣﺜﻠﻲ ﻓﻄﺮﺣﻪ وأﺿﻨﺎه ..؟؟‘‘
ﺛﻢ اﻧﺘﻬﻰ ﺑﻬﺎ اﻟﺴﯿﺮ ﻋﻨﺪ ﺷﺠﺮة وارﻓﺔ اﻟﻈﻼل .ﻓﺎرﺗﻤﺖ ﻋﻨﺪﻫﺎ ،واﺳﺘﻨﺪت إﻟﻰ ﺟﺬﻋﻬﺎ ،وراﺣﺖ ﺗﺘﺄﻣﻞ ﻣﺎ ﺣﻮﻟﻬﺎ
ﻣﻦ اﻷزاﻫﯿﺮ واﻟﻮرود اﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ اﻟﺸﻜﻞ .ﺛﻢ ﺛﺒﺘﺖ ﻋﯿﻨﺎﻫﺎ ﻋﻠﻰ وردة ﺻﻔﺮاء ،وﻗﺪ ﺗﻤﯿﺰت ،ﻋﻦ ﺳﺎﺋﺮ ﻣﺎ ﺣﻮﻟﻬﺎ
ﻣﻦ اﻟﻮرود ﺑﺼﻔﺮﺗﻬﺎ اﻟﻔﺎﻗﻌﺔ ،ﻓﺄﺛﺎر ذﻟﻚ اﻟﻠﻮن ﺣﺴﺮﺗﻬﺎ وأﯾﻘﻆ آﻻﻣﻬﺎ ...وﺳﺮﻋﺎن ﻣﺎ ﺗﺨﯿﻠﺘﻬﺎ ﺑﺎﺋﺴﺔ أﺧﺮى ﻣﺜﻠﻬﺎ
،ﻗﺪ اﺻﻄﺒﻐﺖ ﺑﺘﻠﻚ اﻟﺼﻔﺮة ﻣﻤﺎ ﻗﺎﺳﺘﻪ ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﺮوض ﻣﻦ اﻟﻮﺣﺪة واﻟﻮﺣﺸﺔ ،ﻟﯿﺲ ﻣﻦ ﯾﺮﺣﻤﻬﺎ ،وﻻ ﻣﻦ ﯾﺮق
ﻟﻬﺎ ،ﻓﺮاﺣﺖ ﺗﺨﺎﻃﺒﻬﺎ ﻓﻲ رﻗﺔ وﺣﻨﺎن:
’’أﯾﺘﻬﺎ اﻟﻮردة اﻟﺼﻔﺮاء ،إن اﺻﻔﺮارك ﻫﺬا واﷲ ﻗﺪ أﺣﺰﻧﻨﻲ .ﺣﺪﺛﯿﻨﻲ ،أﻫﻮ ﻟﻮن ﺑﺆﺳﻚ أﻧﺖ أﯾﻀﺎ أﯾﺘﻬﺎ
اﻟﻤﺴﻜﯿﻨﺔ أم ﻫﻮ اﻟﺘﻮﺟﻊ واﻟﺮﺣﻤﺔ ﻷﻣﺜﺎﻟﻲ ﻣﻦ اﻟﺒﺎﺋﺴﺎت ؟ أم ﻫﻲ اﻟﺒﻼﺑﻞ .ﻗﺪ اﻧﺸﻐﻠﺖ ﺟﻤﯿﻌﻬﺎ ﺑﻮرودﻫﺎ اﻟﺤﻤﺮاء ،
ﻓﺒﻘﯿﺖ وﺣﯿﺪة ﻟﯿﺲ ﺣﻮﻟﻚ أي ﻣﺆﻧﺲ أو ﻗﺮﯾﻦ ؟
آآآه ...إﻧﻬﺎ ﻗﺼﺘﻲ ذاﺗﻬﺎ أﯾﺘﻬﺎ اﻟﻤﺴﻜﯿﻨﺔ !.إن ﻟﻲ أﺧﺘﺎ ﻣﻦ أﻣﺜﺎل ﺗﻠﻚ اﻟﻮرود اﻟﻤﺰدﻫﺮة اﻟﺤﻤﺮاء ،ﻛﺎن ﻟﻲ
ﻋﻨﺪﻟﯿﺐ ﻃﺎﻟﻤﺎ ﺗﻮﺳﻠﺖ إﻟﯿﻪ ﻓﻲ إﺳﻌﺎدي أﻧﺎ أﯾﻀﺎ ﺑﻪ ،وﻟﻜﻨﻪ أﺑﻰ ،وأﺑﻌﺪﻧﻲ ﻋﻨﻪ ،وﺳﻘﺎﻧﻲ ﻓﻲ ﺑﻌﺪه ذل اﻟﺒﺆس
واﻟﻬﻮان‘‘.
وﻛﺄﻧﻤﺎ ﺷﺎﺋﺖ اﻷﻗﺪار رﺣﻤﺔ ﻟﻬﺬﯾﻦ اﻟﺤﺒﯿﺒﯿﻦ اﻟﺒﺎﺋﺴﯿﻦ ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﯿﻮم اﻟﺬي اﻧﺼﺮﻓﺖ ﻛﻞ اﻟﻨﺎس ﻓﯿﻪ ﻣﻦ دوﻧﻬﻤﺎ إﻟﻰ
اﻟﻠﻬﻮ واﻟﻤﺮح ﻓﻘﺮرت أن ﺗﺮأف ﺑﻬﻤﺎ ﻓﻲ ﻇﻞ ﻫﺬا اﻟﻬﺪوء .. .ﻓﺮاﺣﺖ ﺗﻠﻘﻲ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﺴﺎﻋﺔ ﻓﻲ روع ذﻟﻚ اﻟﻌﺎﺷﻖ
اﻟﻤﺮﺗﻤﻲ ﻣﻨﺬ ﺣﯿﻦ ﻋﻠﻰ ﻓﺮاش اﻟﻤﺮض ،رﻏﺒﺔ ﻣﻠﺤﺔ ﻓﻲ اﻟﺤﺮﻛﺔ ..ﻓﻲ اﻟﺴﯿﺮ ..اﻟﺴﯿﺮ إﻟﻰ أيّ ﺟﻬﺔ!...
ﻓﺄﺧﺬ ﯾﺘﻘﻠﺐ ﻣﻤﻮ ﻓﺘﺮة ﻓﻲ ﻓﺮاﺷﻪ ،وﻫﻮ ﻻ ﯾﺪري أي ﺳﺒﺐ ﻟﻬﺬا اﻟﺒﺎﻋﺚ اﻟﻤﻔﺎﺟﺊ ﻓﻲ ﻧﻔﺴﻪ .ﺛﻢ أزاح ﻋﻦ ﻧﻔﺴﻪ
اﻟﻐﻄﺎء وأﺧﺬ ﯾﺠﺎﻫﺪ ﺟﺴﻤﻪ اﻟﻤﺘﻌﺐ ﻓﻲ اﻟﻘﯿﺎم ﻣﻦ اﻟﻔﺮاش اﻟﺬي ﻇﻞ ﺣﯿﻨﺎ ﻣﻦ اﻟﺪﻫﺮ ﻣﻠﺘﺼﻘﺎ ﺑﺠﻨﺒﻪ.
ﺛﻢ ﻧﻬﺾ ﻓﺎرﺗﺪى ﻋﺒﺎﺋﺘﻪ اﻟﺮﻗﯿﻘﺔ ،ﻓﻮق اﻟﺤﻠﺔ اﻟﺒﺴﯿﻄﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺎن ﯾﻠﺒﺴﻬﺎ ..وأﺧﺬ ﯾﻤﺸﻲ..
أﺧﺬ ﯾﻤﺸﻲ ﻓﻲ اﻟﻄﺮﯾﻖ اﻟﺘﻲ ﺗﻤﺘﺪ أﻣﺎم ﻋﯿﻨﯿﻪ ،دون أن ﯾﺤﺪد ﻟﻨﻔﺴﻪ أي اﺗﺠﺎه ،وﻟﻢ ﯾﺰل ﺳﺎﺋﺮا ﻓﻲ ﺗﺤﺎﻣﻞ وﺟﻬﺪ
إﻟﻰ أن وﺟﺪ ﻧﻔﺴﻪ ﺑﯿﻦ أﺳﻮاق اﻟﻤﺪﯾﻨﺔ اﻟﺨﺎﻟﯿﺔ .ﻓﺄدرك ﻣﻦ اﻟﻬﺪوء اﻟﺴﺎﺋﺪ ﻓﻲ ﻣﻌﻈﻢ ﺟﻬﺎﺗﻬﺎ أن اﻟﻨﺎس ﻗﺪ ﺧﺮﺟﻮا
وراء اﻷﻣﯿﺮ وﺻﺤﺒﻪ ﻓﻲ رﺣﻠﺘﻪ إﻟﻰ اﻟﺼﯿﺪ ﻟﻠﻨﺰﻫﺔ .وﻻﺣﺖ ﻟﻌﯿﻨﯿﻪ ﺧﻀﺮة زاﻫﯿﺔ ﻓﻲ ﺑﻌﺾ ﻧﻮاﺣﻲ اﻟﻤﺪﯾﻨﺔ ﻓﻬﻔﺖ
ﻧﻔﺴﻪ إﻟﻰ أن ﯾﺘﻮﺟﻪ ﻧﺤﻮﻫﺎ ،وﯾﺘﻤﻢ ﺳﯿﺮه إﻟﯿﻬﺎ ،دون أن ﯾﻨﺘﺒﻪ إﻟﻰ ﺗﻠﻚ اﻟﺨﻀﺮة ﻣﺎذا ﺗﻜﻮن ،وﻓﻲ أي ﻣﻜﺎن ﺗﻘﻊ
.
وﺑﻌﺪ ﻗﻠﯿﻞ ﻛﺎن ﻣﻤﻮ ﯾﻘﻒ ﻓﻲ ﺟﻬﺪ وإﻋﯿﺎء أﻣﺎم ﺣﺪﯾﻘﺔ اﻷﻣﯿﺮ زﯾﻦ اﻟﺪﯾﻦ ،ﯾﻨﻈﺮ ﻣﻦ وراء ﺳﻮرﻫﺎ إﻟﻰ ﺟﻮﻫﺎ
اﻟﺮاﺋﻊ ،وﯾﺘﺄﻣﻞ ﻫﺪوﺋﻬﺎ اﻟﻜﺎﻣﻞ ،وﺧﻠﻮ ﺟﻨﺒﺎﺗﻬﺎ ﻋﻤﺎ ﺳﻮى اﻟﻄﯿﻮر .ووﺟﺪ ﻓﻲ ﻧﻔﺴﻪ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ اﻟﻨﺼﺐ اﻟﺸﺪﯾﺪ
اﻟﺬي ﻻﻗﺎه ﺷﻮﻗﺎ ﻗﻮﯾﺎ إﻟﻰ أن ﯾﺴﺘﺮﯾﺢ ﻗﻠﯿﻼ ﻓﻲ ﻓﯿﺊ ﺷﺠﺮة ﻣﻦ أﺷﺠﺎرﻫﺎ .ﻓﻤﻀﻰ ﻣﺘﺠﺎ ﻧﺤﻮ ﺑﺎﺑﻬﺎ اﻟﻤﺆدي إﻟﻰ
اﻟﺪاﺧﻞ ،وﻗﺪ ﻛﺎد ﯾﺴﻘﻂ ﻣﻦ اﻹﻋﯿﺎء.
وﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﺳﻮى دﻗﺎﺋﻖ ﺣﺘﻰ ﻻح ﻟﻌﯿﻨﻲ زﯾﻦ -وﻫﻲ ﻻ ﺗﺰال ﻓﻲ ﻣﻜﺎﻧﻬﺎ ﻋﻨﺪ ﺳﺎق اﻟﺸﺠﺮة -ﺷﺒﺢ ﻣﻤﻮ ﻋﻠﻰ اﻟﺒﻌﺪ ،
ﻗﺎدﻣﺎ ﻣﻦ ﺑﯿﻦ اﻷﻏﺼﺎن !..وﻛﺎﻧﺖ اﻟﻤﻔﺎﺟﺄة ﺷﺪﯾﺪة ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺴﻬﺎ ...وﻛﺎﻧﺖ اﻟﻔﺮﺣﺔ أﻛﺒﺮ ﻣﻦ ﻗﻠﺒﻬﺎ ..ﻓﻤﺎ إن أﺧﺬت
ﺗﺤﺪق اﻟﻨﻈﺮ ﻓﯿﻪ ﻟﺘﺘﺄﻛﺪ أﻫﻮ ﺧﯿﺎل ﻣﻦ ﺧﯿﺎﻻت أوﻫﺎﻣﻬﺎ ،أم ﻣﻌﺠﺰة ﺣﻘﻘﻬﺎ اﷲ ﻟﻬﺎ ،ﺣﺘﻰ ﻏﺮب ﻋﻨﻬﺎ اﻹﺣﺴﺎس
وﻃﻤﺖ ﻋﻠﯿﻬﺎ اﻟﺪﻫﺸﺔ ،ووﻗﻌﺖ ﻣﻐﻤﻰ ﻋﻠﯿﻬﺎ ﺑﺒﯿﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﺤﺸﺎﺋﺶ واﻷﺷﺠﺎر.
أﻣﺎ ﻣﻤﻮ ﻓﺈﻧﻪ أﺧﺬ ﯾﺴﯿﺮ ﻣﺴﺘﺮوﺣﺎ ﻇﻼل ﺗﻠﻚ اﻟﺨﻤﯿﻠﺔ اﻟﺒﺪﯾﻌﺔ اﻟﺘﻲ ﻃﺎﻟﺖ ﻏﯿﺒﺘﻪ ﻋﻨﻬﺎ دون أن ﯾﺪرك ﺷﯿﺌﺎ ﻣﻤﺎ
ﺣﻮﻟﻪ .وﻛﺎن أول ﻣﺎ اﻧﺘﺒﻬﺖ إﻟﯿﻪ ﻋﯿﻨﺎه ﻓﻲ ﺳﯿﺮه ﺗﻠﻚ اﻟﺒﻼﺑﻞ اﻟﺘﻲ ﻻ ﺗﻔﺘﺄ ﺗﺘﻨﻘﻞ ﺑﯿﻦ أﻏﺼﺎن اﻟﻮرود ﻓﻲ ﺗﻐﺮﯾﺪ ﻻ
ﯾﻨﻘﻄﻊ .ﻓﺮاح ﯾﺘﺄﻣﻞ ﻓﯿﻨﺔ وﻫﻮ ﯾﻘﻮل:
’’-ﻓﯿﻢ ﻛﻞ ﻫﺬا اﻟﻬﻠﻊ أﯾﻬﺎ اﻟﻄﺎﺋﺮ اﻟﺼﻐﯿﺮ ؟ إن وردﺗﻲ اﻟﺘﻲ ﺷﻐﻔﺖ ﺑﻬﺎ أزﻫﻰ ﻣﻦ ورودك ﺟﻤﺎﻻ ،واﻟﺤﻆ اﻟﺬي
ﻧﻜﺒﺖ ﺑﻪ أﺷﺪ ﻣﻦ ﺣﻈﻚ ﺳﻮادا وﻣﻊ ذﻟﻚ ﻓﻬﺎ أﻧﺎ أذوب وﺟﺪا وﻻ ﯾﺴﻤﻊ ﻣﻨﻲ أي ﻧﺤﯿﺐ أو ﺻﻮت.
أﯾﻬﺎ اﻟﻄﺎﺋﺮ ،ﻟﻘﺪ ﻛﺎن ﺟﺪﯾﺮا ﺑﻚ أن ﺗﺘﺄﻟﻢ وﺗﺘﻮﺟﻊ ﻟﻮ أن رﯾﺎض اﻟﺪﻧﯿﺎ ﻟﯿﺲ ﻓﻲ ﺟﻤﯿﻌﻬﺎ إﻻ وردة واﺣﺪة ،ﻛﻤﺎ ﻫﻮ
اﻟﺸﺄن ﻣﻌﻲ أﻣﺎ وإﻧﻪ ﻟﯿﺲ ﻣﻦ ﻫﺬه اﻷزﻫﺎر ﻓﻲ أي روﺿﺔ ﻣﻦ اﻟﺮﯾﺎض أو إﻟﻰ ﺟﺎﻧﺐ أي ﻏﺪﯾﺮ ﻣﻦ اﻟﻐﺪران ،أو
ﻓﻲ أي ﺳﻔﺢ ﻣﻦ ﺳﻔﻮح ﻫﺬه اﻟﺠﺒﺎل ،ﻓﻠﯿﺲ اﻟﺘﻌﻠﻖ ﺑﻬﺎ ﻣﻮﺟﺒﺎ ﻷي ﻗﻠﻖ أو ﺷﻮق إﻟﻰ ﻫﺬا اﻟﺤﺪ.
وﻟﻜﻦ ﻗﻲ ﻟﻲ ﻣﺎذا ﯾﺼﻨﻊ وﺑﻢ ﯾﺘﺄﺳﻰ ذﻟﻚ اﻟﻄﺎﺋﺮ اﻟﺬي ﺗﻮﻟّﻠﻪ ﺑﻮردة ﻟﻢ ﺗﺠﺪ اﻟﺪﻧﯿﺎ ﺑﻤﺜﻠﻬﺎ ! ﺛﻢ ﺣﺮﻣﻪ اﻟﺪﻫﺮ ﻣﻦ
ﻗﺮﺑﻬﺎ ،وأﺑﻌﺪه ﺣﺘﻰ ﻋﻦ روﺿﻬﺎ ،وﺗﺮﻛﻪ وﺣﯿﺪا ﻓﻲ ﻗﻔﺺ اﻟﻮﺣﺸﺔ واﻷﺣﺰان ؟‘‘.
وﻫﻜﺬا ﻇﻠﺖ أﻓﻜﺎر ﻣﻤﻮ وﻫﻮ ﯾﻤﺸﻲ ﻓﻲ وﺳﻂ اﻟﺤﺪﯾﻘﺔ ﻣﻨﺼﺮﻓﺔ إﻟﻰ ﻣﺜﻞ ﻫﺬه اﻷﺣﺎدﯾﺚ ﻣﻊ ﻛﻞ ﻣﺎ ﯾﺒﺼﺮه ﻣﻦ ﺣﻮﻟﻪ
ﻣﻦ اﻷﻃﯿﺎر واﻟﻮرود واﻷﻋﺼﺎن ،إﻟﻰ أن وﺟﺪ ﻧﻔﺴﻪ ﻓﺠﺄة أﻣﺎم ﺟﺜﺔ ﻓﺘﺎﺗﺔ ﻣﻤﺘﺪة ﻓﻮق ﺗﻠﻚ اﻟﺤﺸﺎﺋﺶ ،وﻟﻢ ﯾﻜﺪ
ﯾﻨﺘﺒﻪ إﻟﯿﻬﺎ ،وﯾﻤﻌﻦ اﻟﻨﻈﺮ ﻟﯿﺘﺒﯿﻨﻬﺎ ﺣﺘﻰ دارت اﻷرض ﻣﻦ ﺣﻮل رأﺳﻪ دورة ﺑﺪدت ﻛﻞ ذرات ﺷﻌﻮره ،وأﻟﻘﺘﻪ ﻓﻲ
ﯾﻢ ﻣﻦ اﻟﻐﺸﯿﺔ واﻟﻨﺴﯿﺎن ،وﻫﻮى ﺻﺮﯾﻌﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﻘﺮﺑﺔ ﻣﻦ ﺟﺜﺔ زﯾﻦ.
وﺷﯿﺌﺎ ﻓﺸﯿﺌﺎ أﺧﺬت زﯾﻦ ﺗﺴﺘﻔﯿﻖ ﻣﻦ ﻏﺸﯿﺘﻬﺎ ﻟﺘﺮى ﻣﻤﻮ اﻟﺬي أﺑﺼﺮﺗﻪ ﯾﻤﺸﻲ ﻓﻲ اﻟﺤﺪﯾﻘﺔ ﻣﻨﺬ ﻗﻠﯿﻞ ﻣﻠﻘﻰ إﻟﻰ
ﺟﺎﻧﺒﻬﺎ .ﻓﻌﺎدت إﻟﯿﻬﺎ اﻟﺪﻫﺸﺔ واﻟﺬﻫﻮل .وأﺧﺬت ﺗﺤﺪق اﻟﻨﻈﺮ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﺎ ﺣﻮﻟﻬﺎ ..ﻓﻲ ﺟﺪول اﻟﻤﺎء اﻟﺬي ﯾﻨﺴﺎب
أﻣﺎﻣﻬﺎ ،ﻓﻲ اﻟﻮرود اﻟﺘﻲ إﻟﻰ ﺟﺎﻧﺒﻬﺎ ،ﻓﻲ ﻣﻤﻮ وﻫﯿﺄﺗﻪ ،ﻛﺄﻧﻤﺎ ﺗﺘﺴﺎﺋﻞ أﻫﻲ ﻓﻲ ﺣﻠﻢ ﻣﻦ اﻷﺣﻼم أم إﻧﻬﺎ ﺣﻘﯿﻘﺔ
واﻗﻌﺔ ﺻﺤﯿﺤﺔ ..؟
ﺛﻢ اﺳﺘﻌﺎدت ﻛﺎﻣﻞ رﺷﺪﻫﺎ ..وأﯾﻘﻨﺖ أﻧﻬﺎ ﻧﻌﻤﺔ ورﺣﻤﺔ ﻣﻦ اﻷﻗﺪار اﻟﺘﻲ أرادت أن ﺗﺴﻌﺪﻫﺎ ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﯿﻮم ..ودﻧﺖ
ﻷول ﻣﺮة ﺑﻌﺪ ﯾﻮم ﻣﻬﺮﺟﺎن اﻟﺮﺑﯿﻊ إﻟﻰ ﺣﺒﯿﺒﻬﺎ اﻟﻤﻠﻘﻰ إﻟﻰ ﺟﺎﻧﺒﻬﺎ ،ﻓﺎﺧﺬت ﺗﻠﺤﻈﻪ ﺑﻌﯿﻨﯿﻬﺎ اﻟﻔﺎﺗﻨﺘﯿﻦ ،وﻗﺪ ﻋﺎد
إﻟﯿﻬﻤﺎ إﺷﻌﺎﻋﻬﻤﺎ ﺑﻌﺪ أن اﺧﺘﻔﻰ ﻋﻨﻬﻤﺎ ﺣﯿﻨﺎ ﻣﻦ اﻟﺪﻫﺮ .ﺛﻢ رﻓﻘﻌﺖ رأﺳﻪ ﺑﯿﻤﯿﻨﻬﺎ ﻓﻲ رﻓﻖ ،وﻣﺪت رﻛﺒﺘﻬﺎ ﻣﻦ
ﺗﺤﺘﻪ ،وأﺳﻨﺪﺗﻪ إﻟﯿﻬﺎ ،وراﺣﺖ ﺗﺤﺎول ﻓﻲ رﻗﺔ وﻟﻄﻒ إﯾﻘﺎﻇﻪ ﻣﻦ ﻏﻤﺮﺗﻪ .وﺑﻌﺪ ﻓﺘﺮة ﻣﻦ اﻟﻮﻗﺖ ﺗﻔﺘﺤﺖ ﻋﯿﻨﺎه.
ﻓﺘﺢ ﻋﯿﻨﯿﻪ ..ﻓﺮأى رأﺳﻪ ﻓﻮق رﻛﺒﺔ ﺣﺒﯿﺒﺘﻪ زﯾﻦ ...ورأى أﺟﻤﻞ وﺟﻪ ﻓﻲ اﻟﺪﻧﯿﺎ ﯾﻄﻞ ﻋﻠﯿﻪ ﺑﺜﻐﺮ ﺑﺎﺳﻢ وﻋﯿﻦ
داﻣﻌﺔ ورأى ﯾﻤﯿﻨﻬﺎ ﻣﻤﺘﺪة ﻓﻮق ﺻﺪره اﻟﺨﻔﺎق ﻓﻲ ﺣﻨﻮ.
ورﻓﻊ رأﺳﻪ ..وأﺧﺬ ﯾﺠﯿﻞ اﻟﻨﻈﺮ ﻓﯿﻬﺎ ..وﻓﻲ ﻧﻔﺴﻪ ..وﻓﻲ ﺳﺎﺋﺮ ﻣﺎ ﺣﻮﻟﻪ ..دون أن ﯾﺪور ﻟﺴﺎن أﺣﺪﻫﻤﺎ ﺑﻜﻠﻤﺔ .
ﻫﺬا أﺳﻜﺘﺘﻪ اﻟﺪﻫﺸﺔ ..وﺗﻠﻚ ﻋﻘﺪ ﻟﺴﺎﻧﻬﺎ اﻟﺤﯿﺎء ..ﺛﻢ أﻣﻌﻦ ﻣﻤﻮ ﻓﻲ وﺟﻪ ’’ زﯾﻦ ‘‘ ﻗﺎﺋﻼ:
’’ﻣﺎذا ..؟ أﻟﺴﺖ أﻧﺖ زﯾﻦ ..؟ أﻟﺴﺖ أﻧﺖ ﻗﻠﺒﻲ ..ﻗﻠﺒﻲ اﻟﺬي ﻓﻘﺪﺗﻪ ﻣﻦ ﺑﯿﻦ ﺟﻨﺒﻲ ؟ وﻟﻜﻦ ..أﺗﺮاﻧﻲ ﻓﻲ ﻣﻨﺎم راﺋﻊ
..أم ﻧﺤﻦ ﻓﻲ اﻟﺤﯿﺎة اﻷﺧﺮى ..؟ ﻓﻲ ﺟﻨﺎن اﻟﺨﻠﺪ ‘‘ !!
ﻓﻘﺎﻟﺖ ﻟﻪ زﯾﻦ وﻗﺪ أﺧﺬت ﻛﻔﻪ ﻓﻲ ﻛﻔﻬﺎ ،ﻛﯿﻤﺎ ﯾﺆوب إﻟﯿﻪ رﺷﺪه:
’’ﺑﻞ أﻧﺎ زﯾﻦ ﺑﺤﻘﯿﻘﺘﻬﺎ ﯾﺎ ﺣﺒﯿﺒﻲ .وﻧﺤﻦ ﻫﻨﺎ ﻓﻲ اﻟﺤﺪﯾﻘﺔ ،ﺣﺪﯾﻘﺔ ﻗﺼﺮﻧﺎ أﻟﺴﺖ ﺗﺬﻛﺮ‘‘.
وأﺧﺬ اﻧﺘﺒﺎه ﻣﻤﻮ ﯾﺘﻜﺎﻣﻞ ﺑﻌﺪ أن اﻧﺘﻬﻰ إﻟﻰ ﺳﻤﻌﻪ ﺻﻮت زﯾﻦ اﻟﺮﻗﯿﻖ اﻟﻌﺬب ،وآﻣﻦ ﺑﺎﻟﺤﻘﯿﻘﺔ ..وﻋﻠﻢ أﻧﻬﺎ اﻟﺴﺎﻋﺔ
اﻟﺘﻲ ﻃﺎﻟﻤﺎ اﺳﺘﺮﺣﻢ اﻟﺰﻣﺎن ﺑﺪﻣﻮﻋﻪ أن ﯾﺤﻘﻖ ﻟﺤﻈﺔ ﻣﻨﻬﺎ ،وﻋﺎد ﯾﻨﻈﺮ إﻟﻰ زﯾﻦ ﻣﻦ ﺟﺪﯾﺪ .وأﺧﺬ ﯾﺴﺮح اﻟﻨﻈﺮ
ﻓﻲ ﻋﯿﻨﯿﻬﺎ اﻟﺴﺎﺟﯿﺘﯿﻦ اﻟﻠﺘﯿﻦ ﺗﻨﻈﺮان إﻟﯿﻪ ﺑﻔﺘﻨﺔ ﻣﺒﺘﺴﻤﺔ ﻣﺴﺘﺴﻠﻤﺔ ﻛﺄﻧﻤﺎ ﺗﻘﻮل ’’:إن ﻫﺎﺗﯿﻦ اﻟﻌﯿﻨﯿﻦ ﻣﻦ أﺟﻠﻚ
‘‘...وﻓﻲ ﺛﻐﺮﻫﺎ اﻟﺮﻗﺮاق اﻟﺒﺪﯾﻊ ،وﻓﻲ ﻣﻼﻣﺢ وﺟﻬﻬﺎ اﻟﺘﻲ ﺗﺸﻊ ﺑﻜﻞ ﻣﺎ ﻓﻲ روﺣﻬﺎ ﻣﻦ ﺟﻤﺎل وﻟﻄﻒ ،وﻓﻲ
ﺷﻌﺮﻫﺎ اﻟﻔﺎﺣﻢ اﻟﻤﺴﺘﺮﺳﻞ ﺣﻮل وﺟﻬﻬﺎ ﻣﻦ ﺗﺤﺖ اﻟﺸﺎرة اﻟﻤﺎﺋﻠﺔ ﻋﻠﻰ ﺟﺒﯿﻨﻬﺎ.
وﺳﻜﺖ ...ﺛﻢ ﻗﺎل ﻟﻬﺎ ﻓﻲ ﻧﺸﻮة ﺣﺎﻟﻤﺔ ’’ :أﻧﺖ واﷲ ﺟﻤﯿﻠﺔ ﺟﺪا وراﺋﻌﺔ ﯾﺎ زﯾﻦ ‘‘ ..ﻓﺄﺟﺎﺑﺘﻪ ’’ :أﻧﺖ ﻛﻞ ﺟﻤﺎﻟﻲ
وﺳﺤﺮي وروﻋﺘﻲ ﯾﺎ ﻣﻤﻮ .ﻓﻬﺎ أﻧﺖ ﺗﺮى ﻛﯿﻒ ﻓﻘﺪت ﻛﻞ ذﻟﻚ ﻣﺬ ﻓﻘﺪﺗﻚ ﻓﻼ ﺗﺒﺤﺚ ﻓﻲّ اﻟﯿﻮم ﻋﻦ ﺷﻲء ﻣﻦ ذﻟﻚ
اﻟﺠﻤﺎل اﻟﺬي أﺳﻜﺮك ﻣﻨﺬ أول ﻣﺎ اﻟﺘﻘﯿﻨﺎ‘‘...
ﻓﺪﻧﺎ ﻣﻨﻬﺎ ﻗﺎﺋﻼ:
’’ﻻ ﯾﺎ زﯾﻦ .إﻧﻚ اﻟﯿﻮم واﷲ ﻷﺟﻤﻞ ﻣﻤﺎ ﻛﻨﺖ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ .وﻫﺎ أﻧﺎ ذا أﻟﻤﺢ ﺑﯿﻦ أﯾﺎت ﻫﺬا اﻟﺠﻤﺎل ﺳﻄﻮرا ﺟﺪﯾﺪة ﻟﻢ
ﺗﻜﻦ .ﻋﯿﻨﺎك ...إن ﻓﯿﻬﻤﺎ أﺳﻤﻰ ﻣﻤﺎ ﯾﻘﺎل ﻋﻨﻪ اﻟﻔﺘﻨﺔ واﻟﺴﺤﺮ .ﻓﯿﻬﻤﺎ ﻣﻌﻨﻰ راﺋﻊ ،اﺣﺘﺎرت ﻓﻲ ﻣﻌﺮﻓﺘﻪ روﺣﻲ ،
ﻓﻜﯿﻒ ﯾﺴﺘﻄﯿﻊ اﻟﺘﻌﺒﯿﺮ ﻋﻨﻪ ﻟﺴﺎﻧﻲ ..؟ ﺛﻐﺮك ...إن ﺧﻤﺮه اﻟﯿﻮم ﻟﺘﺒﺪو أﺷﺪ إﺳﻜﺎرا ،واﺑﺘﺴﺎﻣﺘﻪ أﻛﺜﺮ ﻓﺘﻨﺔ وﺟﻤﺎﻻ .
أﻣﺎ ﻫﺬا اﻟﺬﺑﻮل اﻟﻤﺘﻬﺪل ﻋﻠﻰ ﻣﻼﻣﺤﻚ ﻓﻠﯿﺲ إﻻ آﯾﺔ ﺟﺪﯾﺪة ﺑﯿﻦ آﯾﺎت ﻫﺬا اﻟﺠﻤﺎل اﻟﺴﺎﺣﺮ ،وﻟﺴﺖ أﺟﺪه ﻓﻲ
اﺳﺘﺮﺧﺎﺋﻪ ﻣﻼﻣﺢ وﺟﻬﻚ اﻟﺒﺪﯾﻊ ﻛﺎﻷﻫﺪاب اﻟﻨﺎﻋﺴﺔ ،إذ ﺗﺴﺘﺮﺧﻲ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﯿﻨﯿﻦ اﻟﻔﺎﺗﻨﯿﺘﯿﻦ‘‘...
وﻗﻄﻊ ﺣﺪﯾﺜﺔ ﻓﺠﺄة ..ﻛﺄﻧﻤﺎ أﺳﻜﺘﺘﻪ وﺧﺰة أﻟﯿﻤﺔ ﺷﻌﺮ ﺑﻬﺎ ﻓﻲ ﻧﻔﺴﻪ ،ﺛﻢ أﻃﺮق ﯾﻘﻮل ﻓﻲ ﻫﺪوء ﻣﺤﺪﺛﺎ ﻧﻔﺴﻪ:
’’وﻟﻜﻦ ﻣﺎﻟﻲ وﻣﺎل اﻟﺤﺪﯾﺚ ﻋﻦ اﻟﺠﻤﺎل اﻟﺬي ﻟﻢ أﺻﻞ إﻟﯿﻪ وﻟﻦ أﻣﻠﻚ ﻣﻨﻪ ﺷﯿﺌﺎ ،ﻣﺎ ﻟﻲ وأﻧﺎ اﻟﻤﺴﻜﯿﻦ اﻟﺬي ﻗﻀﺖ
ﻋﻠﯿﻪ اﻷﻗﺪار ﺑﺎﻟﺤﺮﻣﺎن ،أﺗﻄﺎول ﺑﻬﺬا اﻟﻜﻼم إﻟﻰ اﻟﺒﺪر اﻟﺬي ﻟﺴﺖ أﻫﻼ ﻟﻠﺼﻌﻮد إﻟﯿﻪ ؟ ﻟﻲ أن أﺗﻮﺳﺪ اﻟﺒﯿﺪاء اﻟﺘﻲ
أﺗﯿﺖ ﻣﻨﻬﺎ ،أﻣﺎ ﻫﺬا اﻟﺮوض ﻓﺈن ﻟﻪ أﻫﻠﻪ اﻟﺬﯾﻦ ﺳﯿﺠﻠﺴﻮن ﻓﯿﻪ وﯾﺴﺘﻤﺘﻌﻮن ﺑﻪ‘‘..
ﺛﻢ ﻗﻄﻌﺖ ﻏﺼﺔ اﻟﺒﻜﺎء ﺣﺪﯾﺜﻪ ،وراح ﯾﺠﻬﺶ ﻓﻲ ﺑﻜﺎء ﺣﺎر أﻟﯿﻢ ! واﻣﺘﺪ ﻟﻬﯿﺐ دﻣﻮﻋﻪ إﻟﻰ ﻗﻠﺐ زﯾﻦ ﻓﺄﺧﺬت ﺑﻜﻒ
ﻣﻤﻮ ﺗﺒﻠﻠﻪ ﺑﺪﻣﻮﻋﻬﺎ ﻗﺎﺋﻠﺔ:
’’أﻗﺴﻢ ﯾﺎ ﻣﻤﻮ ﺑﺎﻟﺪﻣﻮع اﻟﺘﻲ أﺣﯿﯿﺖ ﺑﻬﺎ اﻟﻠﯿﺎﻟﻲ اﻟﺴﻮد ،وﺑﺎﻟﺰﻓﺮات اﻟﺘﻲ أذﺑﺖ ﻓﯿﻬﺎ ﺑﻬﺎﺋﻲ اﻟﺬي أﻋﺠﺒﺖ ﺑﻪ ،
وﺑﺎﻟﺨﻠﻮات اﻟﺘﻲ ﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﯾﺘﺮاﺋﻰ ﻟﻲ ﻓﯿﻬﺎ ﺳﻮى رﺳﻤﻚ ،أﻧﻨﻲ ﻟﻦ أﻋﻮّض ﻋﻨﻚ إﻻ ﺑﻮﺣﺸﺔ اﻟﻘﺒﺮ ،وﻟﻦ ﯾﻌﺎﻧﻘﻨﻲ ﻣﻦ
ﺑﻌﺪك إﻻ ﺷﺒﺢ اﻟﻤﻮت ،وﺳﺄﻛﻮن وﻗﻔﺎ ﻣﻦ أﺟﻠﻚ ،ﻓﺈﻣﺎ أن ﯾﻜﻮن وﺻﺎﻟﻨﺎ ﻓﻲ ﻫﺬه اﻟﺪﻧﯿﺎ ،وإﻣﺎ ﻓﻲ اﻟﺤﯿﺎة اﻵﺧﺮة
‘‘...
ﺛﻢ أﻧﻬﻤﺎ ﺧﺸﯿﺎ أن ﺗﻠﻤﺤﻬﻤﺎ ﻋﯿﻦ أو ﺗﺴﻤﻊ ﺣﺪﯾﺜﻬﻤﺎ أذن ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﻤﻜﺎن .ﻓﻘﺎﻣﺎ ،واﺗﺠﻬﺎ إﻟﻰ ﻗﺎﻋﺔ اﻟﺤﺪﯾﻘﺔ اﻟﺘﻲ
ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻘﺎﻣﺔ ﻓﻲ وﺳﻄﻬﺎ .وﻫﻨﺎك ﺟﻠﺴﺎ ﯾﺘﻮاﺳﯿﺎن ..وﯾﺸﺮﺣﺎن اﻟﻬﻤﻮم واﻷﺣﺰان ..وﯾﺘﺸﺎﻛﯿﺎن ﻣﻦ ﻓﺘﻨﺔ اﻟﺪﻫﺮ
وأﻫﻠﻪ ..وراح ﺑﻬﻤﺎ ذﻟﻚ اﻟﺤﺪﯾﺚ واﻟﻠﻘﺎء ﻓﻲ ﻧﺸﻮة ﺣﺎﻟﻤﺔ أﺳﻜﺮﺗﻬﻤﺎ ﻋﻦ اﻟﺪﻧﯿﺎ وﻣﺎ ﻓﯿﻬﺎ.
اﻟﻮﻓﺎء
اﻧﺘﻬﺖ اﻟﺸﻤﺲ إﻟﻰ ﻣﻐﯿﺒﻬﺎ ،وﻋﺎدت ﻓﻠﻮل اﻟﻨﺎس اﻟﺬﯾﻦ ﻛﺎﻧﻮا ﻏﺎﺋﺒﯿﻦ ﻓﻲ اﻟﺮﯾﺎض إﻟﻰ ﺑﯿﻮﺗﻬﻢ ،ودﺑﺖ اﻟﺤﯿﺎة ﻓﻲ
اﻟﻤﺪﯾﻨﺔ ﺛﺎﻧﯿﺔ ﺑﻌﺪ اﻟﻮﺟﻮم اﻟﻄﻮﯾﻞ ،واﻟﺤﺒﯿﺒﺎن اﻟﺴﻌﯿﺪان ﻻ ﯾﺰاﻻن ﻓﻲ ﻣﺠﻠﺴﻬﻤﺎ ذاك ،ﻣﻨﺘﺸﯿﯿﻦ ﺑﺨﻤﺮ اﻟﻠﻘﺎء ،
وﻏﺎب ﻋﻦ ﻓﻜﺮﻫﻤﺎ ﻣﻌﻨﻰ اﻟﺰﻣﻦ وﺣﺪوده ﻓﻼ ﯾﺸﻌﺮ أﺣﺪﻫﻤﺎ ﻣﻨﻪ ﺑﺸﻲء.
وﻋﺎد اﻷﻣﯿﺮ وﺻﺤﺒﻪ ﻣﻦ اﻟﺼﯿﺪ ..وﺟﺎءوا ﯾﺆﻣﻮن اﻟﺤﺪﯾﻘﺔ ﻟﯿﻄﻠﻘﻮا ﻓﻲ أﻧﺤﺎﺋﻬﺎ ﻣﺎ ﺻﺎدوه ﻣﻦ اﻟﻐﺰﻻن واﻟﺨﺸﺎف
وﻧﺤﻮ ذﻟﻚ ...واﻣﺘﻸت اﻟﺤﺪﯾﻘﺔ ﺑﺎﻟﻨﺎس ..وﺛﺎرت اﻷﺻﻮاﺗﻮاﻟﻀﺠﺔ ﻓﻲ ﻛﻞ ﺟﻬﺎﺗﻬﺎ ،واﻟﺤﺒﯿﺒﺎن ﻻ ﯾﺰاﻻن ﻓﻲ
ﻏﺸﯿﺔ ﺗﺎﻣﺔ ﻋﻦ ﻛﻞ ﻣﺎ ﯾﻄﻮف ﺣﻮﻟﻬﻤﺎ.
وأﺣﺲ اﻷﻣﯿﺮ وﻫﻮ واﻗﻒ ﻣﻊ ﺻﺤﺒﻪ ﻓﯿﺈﺣﺪى ﺟﻬﺎت اﻟﺤﺪﯾﻘﺔ ﺑﺎﻟﺘﻌﺐ ﯾﺴﺮي ﻓﻲ ﻣﻔﺎﺻﻠﻪ ،وﺷﻌﺮ ﺑﺎﻟﺤﺎﺟﺔ إﻟﻰ أن
ﯾﺴﺘﺮﯾﺢ ﻣﻊ ﺻﺤﺒﻪ ﻗﻠﯿﻼ ﻓﺘﻮﺟﻬﻮا ﺣﻤﯿﻌﺎ وﻓﯿﻬﻢ ﺗﺎج اﻟﺪﯾﻦ وﺷﻘﯿﻘﺎه وﺑﻜﺮ إﻟﻰ اﻟﻘﺎﻋﺔ ..اﻟﻘﺎﻋﺔ اﻟﺘﻲ ﻻ ﯾﺰال ﻣﻤﻮ
وزﯾﻦ ﯾﺘﺒﺎدﻻن ﻓﯿﻐﺒﺶ ﻇﻼﻣﻬﻤﺎ ﺣﺪﯾﺚ اﻟﺤﺐ ﻓﻲ ذﻫﻮل ﻋﻦ ﻛﻞ ﺷﻲء .وﻟﻢ ﯾﺴﺘﯿﻘﻈﺎ ﻣﻦ ﻧﺸﻮﺗﻬﻤﺎ ﺗﻠﻚ إﻻ ﺣﯿﻨﻤﺎ
داﻫﻤﺘﻬﻤﺎ اﻷﺷﺒﺎح ..وأﻏﻠﻘﺖ أﻣﺎم ﻋﯿﻨﯿﻬﻤﺎ ﻓﻀﺎء ﺑﺎب اﻟﻘﺎﻋﺔ!...
ﻫﻨﺎﻟﻚ اﻧﺘﺒﻪ ﻛﻞ ﻣﻨﻬﻤﺎ إﻟﻰ ﻣﺎ ﺣﻮﻟﻪ ..وأﺳﻘﻂ ﻓﻲ أﯾﺪﯾﻬﻤﺎ...
وﻫﻨﺎﻟﻚ ..ﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﻣﻦ زﯾﻦ إﻻ أن اﻧﺪﺳﺖ ﺗﺤﺖ ﻋﺒﺎءة ﻣﻤﻮ وﺗﻀﺎﺋﻠﺖ ﺧﻠﻔﻪ .ﺑﯿﻨﻤﺎ دﺧﻞ اﻷﻣﯿﺮ اﻟﻔﺎﻋﺔ ،وﻣﻦ ﺧﻠﻔﻪ
ﺟﻤﺎﻋﺘﻪ ،ﻟﯿﺠﺪوا ﺷﺒﺤﺎ ﻣﻨﺰوﯾﺎ ﻓﻲ رﻛﻦ ﻣﻦ أرﻛﺎﻧﻬﺎ وﺳﻂ ذﻟﻚ اﻟﻐﺒﺶ ﻣﻦ اﻟﻈﻼم !...ﻓﺼﺮخ اﻷﻣﯿﺮ ﻓﯿﻪ ﻗﺎﺋﻼ:
’’ﻣﻦ ﻫﺬا اﻟﻘﺎﺑﻊ ﻫﻨﺎ ،وﺳﻂ ﻫﺬه اﻟﻈﻠﻤﺔ ،ﻣﻦ ﻏﯿﺮ أي رﺧﺼﺔ أو اﺳﺘﺌﺬان ...؟‘‘
ﻓﺎﺳﺘﺠﻤﻊ ﻣﻤﻮ ﺟﺮأﺗﻪ ،ﺛﻢ ﻗﺎل ،دون أن ﯾﺘﺤﺮك ﻣﻦ ﻣﻜﺎﻧﻪ:
’’أﻧﺎ ﻣﻤﻮ ﯾﺎ ﻣﻮﻻي اﻷﻣﯿﺮ ...ﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﯾﺨﻔﻰ ﻋﻠﻰ ﻣﻮﻻي أﻧﻨﻲ ﻛﻨﺖ أﻋﺎﻧﻲ إﻟﻰ ﻫﺬا اﻟﯿﻮم ﻣﺮﺿﺎ ﺷﺪﯾﺪا أﻗﻌﺪﻧﻲ
ﻓﯿﺎﻟﻔﺮاش ،ﻣﻤﺎ ﻣﻨﻌﻨﻲ ﻋﻨﺎﻟﻠﺤﻮق ﺑﺮﻛﺐ ﻣﻮﻻي إﻟﻰ اﻟﺼﯿﺪ .ﻏﯿﺮ أﻧﻪ أدرﻛﺘﻨﻲ ﻓﻲ ﻫﺬه اﻷﻣﺴﯿﺔ وﺣﺸﺔ اﻹﻧﻔﺮاد ،
ﻓﻐﺎدرت اﻟﻔﺮاش ﻷﻣﺸﻲ ﻗﻠﯿﻼ ..ووﺟﺪﺗﻨﻲ أﻣﺎم ﻫﺬه اﻟﺤﺪﯾﻘﺔ ..ﻓﺎﺷﺘﻬﯿﺖ اﻟﺮاﺣﺔ ﻓﯿﻬﺎ ﺑﻀﻊ دﻗﺎﺋﻖ‘‘..
ﻓﻘﺎل ﻟﻪ اﻷﻣﯿﺮ ،وﻫﻮ ﯾﺘﻮﺟﻪ إﻟﻰ اﻟﺮﻛﻦ اﻷﻋﻠﻰ ﻓﻲ اﻟﻤﻜﺎن ﻟﯿﺠﻠﺲ ﻓﯿﻪ:
’’ﺣﺴﻨﺎ .وﻛﯿﻒ ﺣﺎﻟﻚ اﻟﯿﻮم ...؟ وﻫﻼ أﺳﺮﺟﺖ ﻟﻨﻔﺴﻚ ...؟؟ ‘‘
ﻓﻘﺎل ’’ :ﻟﻮ وﺟﺪت ﻓﻲ ﻧﻔﺴﻲ اﻟﻄﺎﻗﺔ إﻟﻰ ذﻟﻚ ﻟﻘﻤﺖ ﺑﻮاﺟﺐ اﻟﺘﺤﯿﺔ ..وﻧﻬﻀﺖ ﻣﻦ ﻣﻜﺎﻧﻲ ﻟﻘﺪوم ﻣﻮﻻي ..وﻟﻜﻦ
أرﺟﻮ أن ﯾﻌﺬرﻧﻲ وﯾﻌﻔﻮ ﻋﻦ ﺗﻘﺼﯿﺮي‘‘..
وأﺳﺮج اﻟﻤﻜﺎن وﺟﻠﺲ اﻟﻘﻮم ..وأﺧﺬ ﺗﺎج اﻟﺪﯾﻦ ﯾﻠﺤﻆ ﻣﻤﻮ ﻣﻦ ﻣﻜﺎﻧﻪ ﻓﻲ اﻟﻤﺠﻠﺲ ،وﯾﻘﺮأ ﻓﻲ وﺟﻬﻪ وﻓﻲ ﻫﯿﺄة
ﺟﻠﻮﺳﻪ وﺟﻤﻮدﻫﺎ دﻻﺋﻞ ارﺗﺒﺎك ﻟﻢ ﯾﻨﺘﺒﻪ ﻏﯿﺮه إﻟﯿﻬﺎ ،إذ ﻛﺎن ﻫﻮ اﻟﻮﺣﯿﺪ اﻟﺬي ﯾﺪري ﺳﺮ ﻗﻠﺒﻪ وآﻻم ﻧﻔﺴﻪ ،
وﺳﺎوره اﻟﻘﻠﻖ ..وﺗﻄﻠﻌﺖ ﻧﻔﺴﻪ إﻟﻰ ﻧﻌﺮﻓﺔ اﻟﺴﺮ اﻟﺤﻘﯿﻘﻲ ﻟﺠﻠﻮس ﻣﻤﻮ ﻫﻨﺎ ...ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﻮﻗﺖ ...ﺑﻬﺬا اﻟﺸﻜﻞ !!
ﻓﺎﻧﺘﻬﺰ ﻓﺮﺻﺔ ﻃﻠﺐ اﻷﻣﯿﺮ ﻛﺄﺳﺎ ﻣﻦ اﻟﻤﺎء ﺑﯿﻨﻤﺎ راﺣﺖ ﻋﯿﻨﺎه ﺗﺴﺄﻻﻧﻪ ﻋﻦ ﺣﻜﺎﯾﺘﻪ وﺳﺮه ..ﻓﻠﻢ ﯾﻜﻦ ﻣﻦ ﻣﻤﻮ إﻻ أن
ﻣﺪ ﯾﺪه ﻓﻲ ﻫﺪوء إﻟﻰ داﺧﻞ اﻟﻌﺒﺎﺋﺔ ،وأﺧﺮج ﻟﻪ ﻃﺮﻓﺎ ﻣﻦ ﺿﻔﯿﺮة زﯾﻦ ﯾﺮﯾﻪ إﯾﺎﻫﺎ..
ﻓﺮﻓﻊ ﺗﺎج اﻟﺪﯾﻦ رأﺳﻪ وﻗﺪ أذﻫﻠﻪ اﻷﻣﺮ ..وأدرك أن ﺧﻠﯿﻠﻪ ﺑﯿﻦ ﯾﺪي ﻛﺎرﺛﺔ ﻗﺮﯾﺒﺔ ..ﻣﺎ ﻣﻦ رﯾﺐ ﻓﯿﺄﻧﻬﺎ ﺳﺘﺄﺗﻲ
ﻋﻠﻰ ﺣﯿﺎﺗﻪ .وأﺧﺬ ﺣﺎول اﻟﺴﯿﻄﺮة واﻟﻀﻐﻂ ﻋﻠﻰ أﻋﺼﺎﺑﻪ ﻟﯿﺘﺼﻨﻊ اﻟﻬﺪوء اﻟﻼزم ،ﺑﯿﻨﻤﺎ راح ﻋﻘﻠﻪ ﯾﺒﺤﺚ ﻓﻲ
ﺛﻮرة ﻻﻫﺒﺔ ﻋﻦ أي وﺳﯿﻠﺔ ﻹﻧﻘﺎذ ﺣﯿﺎة ﺻﺪﯾﻘﻪ ﻣﻦ ﻓﺎﺟﻌﺔ ﻣﺤﻘﻘﺔ.
وﻻﺣﺖ ﻟﺬﻫﻨﻪ اﻟﻔﻜﺮة ...ﻓﻜﺮو واﺣﺪة ﻟﻢ ﯾﺠﺪ أﻣﺎﻣﻪ ﺳﻮاﻫﺎ ﻓﺘﻈﺎﻫﺮ ﻓﻲ ﻟﺒﺎﻗﺔ ﺑﺎﻟﺤﺎﺟﺔ إﻟﻰ اﻹﺧﺘﻔﺎء ﻗﻠﯿﻼ ﻓﻲ ﺑﻌﺾ
ﺟﻬﺎت اﻟﻘﺼﺮ .وﻣﺎ ﻫﻮ إﻻ أن اﻧﺜﻨﻰ ﺧﻠﻒ ﺑﺎب اﻟﻘﺎﻋﺔ ﺣﺘﻰ أﺳﻠﻢ ﺳﺎﻗﯿﻪ إﻟﻰ اﻟﺮﯾﺢ ﻣﺘﺠﻬﺎ ﻧﺤﻮ داره!..
ودﺧﻞ اﻟﺪار ﻻﻫﺜﺎ ،وﻋﻠﻰ ﻣﻼﻣﺢ وﺟﻬﻪ ﺛﻮرة ﻛﺎﻟﺠﻨﻮن .ﻓﺎﺳﺘﻘﺒﻠﺘﻪ زوﺟﺘﻪ ﻓﻲ رﻋﺐ ﺷﺪﯾﺪ ودﻫﺸﺔ ﻗﺎﺋﻠﺔ:
’’ﻣﺎذا . ..ﻣﺎذا ﺣﺪث ﻫﻞ ﻫﻨﺎك أي ﻋﺪو ؟‘‘ !
ﻓﺄﺟﺎﺑﻬﺎ ﺑﺼﻮت ﺧﺎﻓﺖ ﻛﻲ ﻻ ﯾﺴﻤﻌﻪ أﺣﺪ وﻫﻮ ﯾﺴﺮع إﻟﻰ اﻟﺪاﺧﻞ:
’’ﻋﻠﯿﻚ أن ﺗﺴﺮﻋﻲ ﺑﺈﻧﻘﺎذ ﻃﻔﻠﻚ وﻣﺎ ﺧﻒ ﺣﻤﻠﻪ ﻣﻦ ﻫﻨﺎ .أﻣﺎ أﻧﺎ ﻓﯿﺠﺐ أن أﺑﺎدر إﻟﻰ إﺣﺮاق ﻫﺬا اﻟﻘﺼﺮ‘‘ !..
ﺛﻢ ﺗﺎﺑﻊ ﺣﺪﯾﺜﻪ وﻫﻮ ﻓﻲ ﻋﺠﻠﺔ ﻣﻀﻄﺮﺑﺔ ﻧﺤﻮ ﻣﻜﺎن اﻟﻮﻗﻮد ﻗﺎﺋﻼ:
’’إن ﻣﻤﻮ و زﯾﻦ واﻗﻌﺎن ﺗﺤﺖ ورﻃﺔ ﻋﻈﯿﻤﺔ ،ﻓﻲ اﻧﺘﻈﺎر ﻛﺎرﺛﺔ ﻣﺤﻘﻘﺔ ﺗﻮﺷﻚ أن ﺗﻘﻊ ﺑﻬﻤﺎ .وﻻ ﺑﺪ أن أﺳﺮع
ﻓﻲ ﻣﺴﺎﺑﻘﺔ ﻫﺬه اﻟﻜﺎرﺛﺔ ﻷﻗﻀﻲ ﻋﻠﯿﻬﺎ ﻗﺒﻞ أن ﺗﻘﻀﻲ ﻫﻲ ﻋﻠﯿﻬﻤﺎ‘‘..
ﺛﻢ راح ﯾﺸﻌﻞ اﻟﻨﺎر ﻓﻲ أﺛﺎث ذﻟﻚ اﻟﻘﺼﺮ اﻟﺮاﺋﻊ وﺟﻨﺒﺎﺗﻪ ﺑﺴﺮﻋﺔ ﺛﺎﺋﺮة وﻫﻮ ﯾﻘﻮل:
’’ﻟﻘﺪ ﻇﻞ اﻟﻨﺎس ﯾﻄﻔﺌﻮن اﻟﻨﺎر ﺑﺎﻟﻤﺎء ،وﻟﻜﻦ ﻫﺎ أﻧﺎ اﻟﯿﻮم ﺳﺄﻃﻔﻰ اﻟﻨﺎر ﺑﺎﻟﻨﺎر‘‘...
وﻓﻲ ﻣﺜﻞ ﻏﻤﻀﺔ ﻋﯿﻦ اﻧﻄﻠﻘﺖ أﻟﺴﻨﺔ اﻟﻠﻬﺐ ﺗﺘﺼﺎﻋﺪ ﻣﻦ ﻧﻮاﻓﺬ ذﻟﻚ اﻟﺼﺮح اﻟﺬي ﺷﯿﺪه ﺗﺎج اﻟﺪﯾﻦ ﻋﻠﻰ أﺣﺴﻦ ﻣﺎ
ﺗﺨﯿﻠﺘﻪ أﺣﻼم ﺣﺒﻪ ﺟﻤﺎﻻ وﺑﺬﺧﺎ وإﺗﻘﺎﻧﺎ ،وأﺧﺬت اﻟﻨﯿﺮان ﺗﺴﺮي ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻷﺑﻨﻮس اﻟﻤﻨﻘﻮش واﻷﺛﺎث اﻟﺮاﺋﻊ ،ﻓﻲ
ﺳﺒﯿﻞ إﻧﻘﺎذ ﺻﺪﯾﻘﻪ ..واﻟﻮﻓﺎء ﻟﻪ!..
واﻧﻄﻠﻖ ﺗﺎج اﻟﺪﯾﻦ ﯾﺴﺘﻨﺠﺪ ..وراح اﻟﺨﺒﺮ ﯾﺴﺮي ﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﻜﺎن ..وﺳﺮﻋﺎن ﻣﺎ وﺻﻞ اﻟﻨﺒﺄ إﻟﻰ اﻷﻣﯿﺮ وﺻﺤﺒﻪ وﻫﻢ
ﻓﻲ ﻣﺠﻠﺴﻬﻢ ذﻟﻚ ..ﻓﻬﺒﻮا ﺟﻤﯿﻌﺎ ﻓﻲ اﻧﺪﻓﺎع وذﻫﻮل ﯾﺴﺮﻋﻮن إﻟﻰ اﻟﻨﺠﺪة واﻹﻃﻔﺎء ..ﺑﯿﻨﻤﺎ ﺗﺒﺎﻃﺄ ﻣﻤﻮ ﻓﻲ ﻣﺠﻠﺴﻪ
إﻟﻰ أن ﺧﻠﺖ اﻟﻘﺎﻋﺔ ﺗﻤﺎﻣﺎ ..وﻫﻨﺎك ﺗﻨﻔﺲ اﻟﺼﻌﺪاء واﻟﺘﻔﺖ إﻟﻰ زﯾﻦ ﻗﺎﺋﻼ:
’’أرأﯾﺖ ﻛﯿﻒ ﺿﺤﻰ ﺗﺎج اﻟﺪﯾﻦ ﺑﻘﺼﺮه ﻣﻦ أﺟﻞ إﻧﻘﺎذﻧﺎ ؟! واﻵن وداﻋﺎ ﯾﺎ زﯾﻦ ..ﻓﻌﻠﻲ أن أدرك اﻟﻘﻮم ﻹﻃﻔﺎء
ﻫﺬه اﻟﻨﺎر ،أﻣﺎ أﻧﺖ ﻓﯿﻨﺒﻐﻲ أن ﺗﺴﺮﻋﻲ اﻵن وﺗﻌﻮدي إﻟﻰ اﻟﻘﺼﺮ‘‘...
وﻗﻔﺔ ﻋﺎﺑﺮة
أﯾﻬﺎ اﻟﺴﺎﻗﻲ ﺣﺴﺒﻲ ...ﺣﺴﺒﻲ ﻓﺈن اﻟﻌﻘﻞ ﻻ ﯾﺰال ﻣﺨﻤﻮرا وﯾﻮم ﻋﻤﺮي ﻗﺪ أدرﻛﻪ اﻟﻤﻐﯿﺐ ،وأﺧﺸﻰ أن ﯾﺪاﻫﻤﻨﻲ
ﺳﻠﻄﺎن اﻷﺟﻞ ﻛﻤﺎ داﻫﻢ اﻷﻣﯿﺮ ﻣﻤﻮ ﺛﻢ ﻻ أﺟﺪ ﻣﻦ ﺣﻮﻟﻲ ﺧﻠﯿﻼ وﻓﯿﺎ ﻣﺜﻞ ﺗﺎج اﻟﺪﯾﻦ ﯾﻨﺠﯿﻨﻲ وﯾﻨﻘﺬﻧﻲ..
أﯾﻬﺎ اﻟﺴﺎﻗﻲ ،ﻟﻘﺪ ﻋﻔﺖ واﷲ ﻛﺆوس ﻫﺬه اﻷوﻫﺎم اﻟﻜﺎذﺑﺔ ..ﻓﺄﺑﻌﺪﻫﺎ ﻋﻦ ﺷﻔﺘﻲ ..أﺑﻌﺪﻫﺎ ،ﻓﻠﻘﺪ ﻛﻔﺎﻧﻲ ﻋﺮﺑﺪة
ﺣﻮل ﺑﺮﯾﻖ ﻫﺬا اﻟﺴﺮاب ..أﺑﻌﺪﻫﺎ وﯾﺤﻚ ﻗﺒﻞ أن ﯾﻄﺮﺣﻨﻲ وﻫﺞ اﻟﺸﻤﺲ أﻣﺎم رﻗﺮاﻗﻪ اﻟﻜﺎذب ،وﯾﺘﻠﻔﻨﻲ ﻫﻨﺎك اﻟﻈﻤﺄ
واﻟﻀﻨﻰ...
وﻟﻜﻦ ..وﻟﻜﻦ ﺣﺪﺛﻨﻲ ،أﻟﯿﺲ ﺑﯿﻦ زﺟﺎﺟﺎﺗﻚ ﻫﺬه ﻣﺎ ﻓﯿﻪ ﺗﻠﻚ اﻟﺨﻤﺮة اﻷﺧﺮى ..؟ ﺗﻠﻚ اﻟﺨﻤﺮة اﻟﺘﻲ ﺗﻌﻠﻮ ﺑﻲ إﻟﻰ
رﺣﺎب اﻟﻘﺪس ،وﺗﺴﻜﺮﻧﻲ ﺑﺮوﻋﺔ اﻟﺠﻤﺎل اﻟﺨﺎﻟﺪ ..وﺗﻨﺸﻠﻨﻲ ﻣﻦ ﺑﯿﻦ ﻫﺬه اﻷوﻫﺎم اﻟﻔﺎﻧﯿﺔ وﺑﺮﯾﻘﻬﺎ اﻟﺨﺪاع.
آه ﻣﺎ أﺣﻮﺟﻨﻲ إﻟﻰ ﻛﺄس ﻗﺪ اﻋﺘﺼﺮت ﻣﻦ ﺟﻨﻰ اﻟﺮوح اﻟﺼﺎﻓﯿﺔ ﻋﻦ ﺷﻮاﺋﺐ اﻟﺪﻧﯿﺎ ..ﻣﺎ أﺣﻮﺟﻨﻲ إﻟﻰ ﻛﺄس
ﺗﺴﻜﺮﻧﻲ ﺳﻜﺮة ﺗﺎج اﻟﺪﯾﻦ ﺑﺨﻤﺮ إﺧﻼﺻﻪ وﻧﺸﻮة وﻓﺎﺋﻪ ،ﻟﻜﻲ أﻋﻠﻮ ﺑﻬﺎ ﻓﻮق ﻫﺎم ﻫﺬه اﻟﻤﺎدة ،وأﺳﺤﻖ ﺑﺮﯾﻘﻬﺎ
ﺗﺤﺖ ﻗﺪﻣﻲ ﻓﻲ ﺳﺒﯿﻞ اﻟﺮوح اﻟﺘﻲ أﻋﺰﻫﺎ ،واﻟﻮﻓﺎء اﻟﺬي أدﯾﻦ ﺑﻪ.
ﻣﺎذا ﯾﻔﯿﺪﻧﻲ ﺗﺄﻟﻖ اﻟﻘﺼﺮ اﻟﺬي ﺿﻤﻨﻲ ،وﺑﺮﯾﻖ اﻟﺴﺮﯾﺮ اﻟﺬي أﻣﺘﺪ ﻋﻠﯿﻪ ،إذا ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺮوح اﻟﺘﻲ ﯾﺼﺎﻓﺤﻬﺎ ﻗﻠﺒﻲ ﻗﺪ
أﺷﺮﻗﺖ ﻋﻠﻰ اﻻﻧﻄﻔﺎء ﺛﻢ ﻟﻢ أﻓﺪﻫﺎ ﺑﻨﻮر ذﻟﻚ اﻟﻘﺼﺮ واﻟﺰﯾﻨﺔ واﻟﺴﺮﯾﺮ ؟ وﻣﺎذا ﯾﻀﯿﺮﻧﻲ ﻣﻦ اﻟﻠﻬﺐ اﻟﻤﺘﺼﺎﻋﺪ ﻣﻦ
ﺣﻮﻟﻲ ،إذا ﻛﺎن ﺑﻌﯿﺪا ﻋﻦ ﻗﻠﺒﻲ ﺗﺎرﻛﺎ ﻟﻪ ﺑﺮد ﺳﻼﻣﺘﻪ وذﺧﯿﺮة ﺣﺒﻪ ؟.
ﻫﺬه اﻟﻤﺎدة اﻟﻔﺎﻧﯿﺔ ،ﻣﺎ أﺛﻤﻨﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﻘﻠﺐ ،وأﺑﻌﺜﻬﺎ ﻟﻠﻨﺸﻮة ﻓﻲ اﻟﻨﻔﺲ ،ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﻜﻮن ﻓﺪاء ﻟﻠﻤﻌﺎﻧﻲ اﻟﻘﺪﺳﯿﺔ اﻟﺨﺎﻟﺪة
.وﻣﺎ أﺧﺴﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﯿﺪ وأﻫﻮﻧﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻫﺬه اﻷرض ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﺘﻜﺒﺮ ﻣﺘﻄﺎوﻟﺔ إﻟﻰ ﻣﺮﻛﺰ اﻟﺒﻘﺎء واﻟﺨﻠﻮد...
ﻋﻮدة اﻟﻔﺘﻨﺔ
ﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﺳﻠﻄﺎن اﻟﺤﺐ ﯾﻮﻣﺎ ﻟﯿﺠﻠﺲ ﻓﻮق ﻋﺮش اﻟﻘﻠﻮب ﻣﻦ وراء اﻟﺴﺘﺮ اﻟﻤﺮﺧﺎة واﻟﺤﺠﺐ اﻟﻤﺴﺪﻟﺔ .وﻟﯿﻄﻞ وﻗﺖ
اﺧﺘﻔﺎﺋﻪ ﻋﻦ اﻷﻧﻈﺎر واﻷﺳﻤﺎع ﻣﻬﻤﺎ ﻃﺎل ،ﻓﻼ ﺑﺪ أﺧﯿﺮا أن ﯾﻬﺘﻚ ﻛﻞ ﻣﺎ ﯾﺤﯿﻂ ﺑﻪ ﻣﻦ ﺣﺠﺐ ،وﻻ ﺑﺪ أن ﯾﺘﺮاءى
أﻣﺎم اﻟﻨﺎس ﻓﻲ ﺟﺒﺮوﺗﻪ اﻟﻘﻮي ،وﺳﻠﻄﺎﻧﻪ اﻟﻘﺎﻫﺮ ،وﻻ ﺑﺪ أﺧﯿﺮا أن ﯾﻌﻠﻦ ﻋﻦ ﻧﻔﺴﻪ وﻋﻦ ﺷﻮﻛﺘﻪ ﺳﻮاء أرﺿﻲ
اﻟﻨﺎس أم ﻏﻀﺒﻮا...
وﻟﻘﺪ اﺳﺘﻄﺎع ﻣﻤﻮ وزﯾﻦ ﺣﯿﻨﺎ ﻣﻦ اﻟﺰﻣﻦ أن ﯾﺨﻔﯿﺎ ﻋﻦ اﻟﻨﺎس ﺳﺮﯾﺮة ﺣﺒﻬﻤﺎ ،وأن ﯾﺤﺠﺒﺎ ﻋﻨﻬﻢ ﺟﺒﺮوت ﻫﺬا
اﻟﺴﻠﻄﺎن اﻟﺬي ﯾﺘﺤﻜﻢ ﻓﻲ ﻗﻠﺐ ﻛﻞ ﻣﻨﻬﻤﺎ ﻣﻦ ﻏﯿﺮ رﺣﻤﺔ ،وﻟﻜﻦ ﻫﺬه اﻟﻄﺎﻗﺔ ﻟﻢ ﺗﺪم ﻟﻬﻤﺎ ﻃﻮﯾﻼ ..ﻓﺴﺮﻋﺎن ﻣﺎ ﻫﺘﻚ
ﻣﻦ ﺣﻮل ﻗﻠﺒﯿﻬﻤﺎ اﻟﺴﺘﺮ ،واﻧﺘﺮﺛﺮت ﻣﺪاﻣﻌﻬﻤﺎ ﺑﯿﻦ أﺑﺼﺎر اﻟﻨﺎس ،وراﺣﺖ اﻷﻟﺴﻦ ﺗﺘﺤﺪث ﻋﻦ ﺣﺒﻬﻤﺎ ،وﺗﺘﺨﺬ
ﻣﻦ ﺧﺒﺮﻫﻤﺎ ﻟﺤﻨﺎ ﯾﺴﺮي إﻟﻰ ﻛﻞ ﻣﻜﺎن ،وﯾﻨﺘﻬﻲ إﻟﻰ ﺳﻤﻊ اﻟﺴﺎدة واﻟﻌﺒﯿﺪ ،وراﺣﺖ اﻟﺘﻌﻠﯿﻘﺎت اﻟﻤﺘﺨﯿﻠﺔ ﺗﻨﺴﺞ
ﺣﻮل ذﯾﻨﻚ اﻟﻤﺴﻜﯿﻨﯿﻦ اﻟﺒﺮﯾﺌﯿﻦ اﻟﻠﺬﯾﻦ ﻟﻢ ﯾﺬوﻗﺎ ﻣﻦ اﻟﺤﺐ إﻻ ﺻﺎﺑﻪ وﻋﻠﻘﻤﻪ أﻗﺎوﯾﻞ ﻛﺎذﺑﺔ .وﺗﺴﺮب اﻟﺨﺒﺮ إﻟﻰ ’’
ﺑﻜﺮ‘‘ .
ﺗﺴﺮب اﻟﺨﺒﺮ أﯾﻀﺎ إﻟﻰ ﺳﻤﻊ ﻫﺬا اﻟﺤﺒﯿﺚ ،ﻓﺮاح ﯾﻠﻔﻘﻪ وﯾﺠﻤﻊ ﺧﯿﻮﻃﻪ وﯾﺠﺮي وراء اﻹﯾﻀﺎﺣﺎت اﻟﻼزﻣﺔ ﻟﻪ .
وﻓﻲ ﯾﻮم ﻣﺎ ﻛﺎن ﻗﺪ اﻧﺘﻬﺰ اﻟﻔﺮﺻﺔ ،وراح ﯾﻨﺸﺮ ﻛﻞ ﻣﺎ ﺳﻤﻌﻪ ﻣﻦ اﻷﻓﻮاه ،وﺗﻠﻘﻔﻪ ﻣﻦ اﻟﻤﺠﺎﻟﺲ ﺑﯿﻦ ﯾﺪي اﻷﻣﯿﺮ
وﺳﻤﻌﻪ!...
ﻓﺜﺎر ﺟﻨﻮن اﻷﻣﯿﺮ -وﯾﺎ ﻟﺠﻨﻮن اﻷﻣﺮاء ﺣﯿﻦ ﯾﺜﻮر -واﺷﺘﻌﻞ اﻟﺪم ﻟﻬﯿﺒﺎ ﻓﻲ ﻛﻞ ﺟﺴﻤﻪ ،وراﺣﺖ ﻋﯿﻨﺎه اﻟﻤﺘﺄﻟﻘﺘﺎن
ﺗﺸﻌﺎن ﺑﺸﺮر ﯾﻜﺎد ﯾﺤﺮق ﻣﺎ ﺣﻮﻟﻪ ،وﻗﺎم ﯾﺬرع اﻟﻤﻜﺎن اﻟﺬي ﻟﯿﺲ ﻓﯿﻪ إﻻ ﻫﻮ وذﻟﻚ اﻟﺨﺒﯿﺚ ﺟﯿﺌﺔ وذﻫﺎﺑﺎ ،وﺗﻘﻠﺒﺖ
ﻋﻠﻰ ذﻫﻨﻪ اﻟﻤﺴﺘﻌﺮ أﻓﻜﺎر ﺟﻬﻨﻤﯿﺔ ﺷﺘﻰ .ﻓﻘﺪ ﻛﺎن ﯾﺪﻓﻌﻪ اﻟﻐﯿﻆ ﻣﺮة إﻟﻰ أن ﯾﻨﻄﻠﻖ ﻣﻦ ﺗﻮﱢه ﺑﻨﻔﺴﻪ إﻟﻰ ﺣﯿﺚ ﯾﺠﺪ
ﻣﻤﻮ ﻣﻨﻔﺮدا ﻓﯿﻄﯿﺮ رأﺳﻪ ،ﺛﻢ ﯾﻌﻮد دون أن ﯾﻌﻠﻢ ﺑﺎﻷﻣﺮ أﺣﺪ ،وﯾﺪﻋﻮه ﺟﻨﻮﻧﻪ أﺧﺮى إﻟﻰ أن ﯾﻌﻠﻨﻬﺎ ﺣﺮﺑﺎ ﻻﻫﺒﺔ
ﻋﻠﻰ ﻣﻤﻮ وﺻﺎﺣﺒﻪ ﺗﺎج اﻟﺪﯾﻦ وﻛﻞ أﻋﻮاﻧﻬﻤﺎ.
وﻟﻜﻨﻪ ﻋﺎد أﺧﯿﺮا ،ﻓﺘﺬﻛﺮ أن ﻫﺬا اﻟﺬي ﯾﺨﺒﺮه ﺑﻬﺬا اﻟﻨﺒﺄ ﺣﺎﺟﺐ ﺣﻘﯿﺮ ﻓﺘﺎن .ﻻ ﯾﺴﺘﺄﻫﻞ إﺛﺎرة ﻏﻀﺒﻪ ﻗﺒﻞ أن ﯾﺘﺮﯾﺚ
وﯾﺘﺤﻘﻖ .ﻓﻨﻈﺮ إﻟﯿﻪ وﻗﺪ راﺣﺖ ﻋﯿﻨﺎه ﺗﻨﻔﺠﺮان ﺑﻜﻞ ﺗﻠﻚ اﻟﺜﻮرة واﻟﻐﻀﺒﺔ ﻋﻠﯿﻪ وﺣﺪه ﻗﺎﺋﻼ:
’’ﯾﺒﺪو أﯾﻬﺎ اﻟﺤﻘﯿﺮ اﻟﻮﻏﺪ ،أﻧﻪ ﯾﻌﺠﺒﻚ ﻛﺜﯿﺮا ﻣﻨﻈﺮ اﻟﺪﻣﺎء اﻟﻤﺴﻔﻮﻛﺔ !..وﻟﻜﻦ إﻋﻠﻢ أن ﻫﺬه اﻟﺪﻣﺎء ﻟﻦ ﺗﺴﻔﻚ إﻻ
ﻣﻦ ﻣﺬاﺑﺤﻚ ،إن ﻟﻢ ﺗﺨﻠﻖ أﻣﺎﻣﻲ اﻟﺒﺮﻫﺎن اﻟﻘﺎﻃﻊ ﻟﻬﺬا اﻟﺬي ﺗﻘﻮل‘‘.
ﻓﺠﻤﺪت ﻣﻼﻣﺢ ﺑﻜﺮ ﻗﻠﯿﻼ ،وزاغ ﻋﻘﻠﻪ ﻣﻦ ﺻﺪﻣﺔ ذﻟﻚ اﻟﺘﻬﺪﯾﺪ ..ﺛﻢ ﻋﺎد ﻓﺘﻤﺎﻟﻚ رﺷﺪه ﻗﺎﺋﻼ:
’’ﯾﺴﺘﻄﯿﻊ ﻣﻮﻻي أن ﯾﺘﺤﻘﻖ ﻣﻦ ﻫﺬا اﻟﺬي أﻗﻮل إذا دﻋﺎ ﻣﻤﻮ إﻟﻰ ﻣﺒﺎرزة ﺑﺎﻟﺸﻄﺮﻧﺞ اﻟﺬي ﯾﻔﺘﺨﺮ ﺑﺎﻟﻤﻬﺎرة ﻓﻲ
ﻟﻌﺒﻪ .وﻟﯿﻜﻦ اﻟﺸﺮط ﺑﯿﻨﻪ وﺑﯿﻦ ﻣﻮﻻي أن ﯾﺤﻘﻖ اﻟﻤﻐﻠﻮب ﻟﻠﻐﺎﻟﺐ ﻛﻞ ﻣﺎ ﯾﻘﺘﺮﺣﻪ وﯾﺘﻤﻨﺎه .ﻓﺴﻮف ﯾﻀﻄﺮ إﻟﻰ
ﻛﺸﻒ ذات ﻧﻔﺴﻪ وﻋﺸﻘﻪ ﻟﻸﻣﯿﺮة زﯾﻦ ﺳﻮاء أﺻﺒﺢ ﻏﺎﻟﺒﺎ أم ﻣﻐﻠﻮﺑﺎ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﯾﻄﻠﺐ ﻣﻨﻪ ﻣﻮﻻي ذﻟﻚ‘‘..
ﻓﺄﻋﺠﺐ اﻷﻣﯿﺮﺑﻬﺬا اﻟﺮأي ..وﺳﺮﻋﺎن ﻣﺎ اﻟﺘﻔﺖ ﻓﺪﻋﺎ ﺧﺪﻣﻪ ،وأﻣﺮﻫﻢ ﺑﺈﻋﺪاد اﻟﻘﺎﻋﺔ اﻟﻜﺒﺮى -وﻫﻲ اﻟﻘﺎﻋﺔ اﻟﺘﻲ
ﻛﺎن ﯾﺘﺨﺬ ﻓﯿﻬﺎ ﻣﺠﻠﺴﻪ ﻟﻠﻬﻮ واﻟﻤﺮح -وﺗﻬﯿﺌﺘﻬﺎ ﻟﺴﻤﺮ ﺣﺎﻓﻞ ﺗﻠﻚ اﻟﻠﯿﻠﺔ ،ﺑﯿﻨﻤﺎ ﺑﻌﺚ ﺑﻌﺾ ﻏﻠﻤﺎﻧﻪ اﻵﺧﺮﯾﻦ وراء
ﻣﻤﻮ ﻟﯿﺄﺗﻮه ﺑﻪ ،وﯾﺒﻠﻐﻮه دﻋﻮة اﻷﻣﯿﺮ ﻟﻪ ﻟﻠﺤﻀﻮر إﻟﻰ ﺳﻤﺮ ﻓﻲ اﻟﻘﺼﺮ...
وراح اﻷﻣﯿﺮ ﯾﻨﺘﻈﺮ ..وﻓﻲ ﻗﻠﺒﻪ ﻣﺜﻞ اﻟﺠﻤﺮ اﻟﻼﻫﺐ ،ودﻣﻪ ﯾﻐﻠﻲ ﻓﻲ رأﺳﻪ .إﻧﻪ ﻓﻲ ﻇﻤﺄ ﺷﺪﯾﺪ إﻟﻰ أن ﯾﻌﺮف ..
إﻟﻰ أن ﯾﻌﺮف ﺣﻘﯿﻘﺔ ﻫﺬه اﻟﻌﺎﺻﻔﺔ اﻟﺘﻲ ﻧﻘﻠﻬﺎ ﻟﻪ ﺑﻜﺮ ،ﻟﻜﻲ ﯾﺸﻔﻲ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﻏﯿﻈﻪ ،وﯾﺘﺼﺮف ﻓﻲ اﻷﻣﺮ ﻋﻠﻰ
اﻟﻨﺤﻮ اﻟﺬي ﯾﺸﺎء...
وﺟﺎء اﻟﻤﺴﺎء .وﻫﯿﺊ ﻣﺠﻠﺲ اﻷﻣﯿﺮ ﻛﻤﺎ أراد ..ووﺿﻌﺖ ﻣﻨﻀﺪة اﻟﺸﻄﺮﻧﺞ اﻟﻤﺮﺻﻌﺔ ﺑﺎﻟﺬﻫﺐ ﻓﻲ وﺳﻂ اﻟﻤﻜﺎن ،
وﻗﺪ ﺻﻔﺖ ﻣﻦ ﻓﻮﻗﻬﺎ أﺣﺠﺎرﻫﺎ اﻟﻌﺎﺟﯿﺔ اﻟﻨﺎدرة .واﻣﺘﻸت اﻟﻘﺎﻋﺔ ﺑﺎﻟﺨﺎﺻﺔ ﻣﻦ ﺣﺎﺷﯿﺔ اﻷﻣﯿﺮ ورﺟﺎﻟﻪ ،إﻻ ﺗﺎج
اﻟﺪﯾﻦ وﺷﻘﯿﻘﯿﻪ ،ﻓﻘﺪ ﺗﻌﻤﺪ اﻷﻣﯿﺮ أن ﻻ ﯾﺒﻌﺚ وراﺋﻬﻢ .وﻏﺼﺖ ﺳﺎﺋﺮ أﻃﺮاﻓﻬﺎ ﺑﺎﻟﺤﺮس واﻟﺨﺪم ،واﻗﻔﯿﻦ ﻋﻠﻰ
أرﺟﻠﻬﻢ ﺻﻔﻮﻓﺎ ﻓﻲ أﺣﺴﻦ ﻟﺒﺎﺳﻬﻢ وﻛﺎﻣﻞ أﺳﻠﺤﺘﻬﻢ.
ودﺧﻞ اﻷﻣﯿﺮ .وﻫﺐ اﻟﻤﺠﻠﺲ ﻗﺎﺋﻤﺎ ،ﺑﯿﻨﻤﺎ راح ﻫﻮ ﯾﺄﺧﺬ ﻃﺮﯾﻘﻪ إﻟﻰ اﻷرﯾﻜﺔ اﻟﻤﻘﺎﻣﺔ ﻟﻪ ﻓﻲ ﺻﺪر اﻟﻤﺠﻠﺲ .
وﺟﻠﺲ اﻷﻣﯿﺮ ..وﺳﻜﺖ اﻟﺤﺎﺿﺮون ..وأﺧﺬ ﯾﻘﻠﺐ ﻋﯿﻨﯿﻪ ﻓﯿﻬﻢ ﻓﻲ ﻫﺪوء ورﻫﺒﺔ إﻟﻰ أن وﻗﻊ ﺑﺼﺮه ﻋﻠﻰ ﻣﻤﻮ ،
ﻓﻤﺪ إﻟﯿﻪ رأﺳﻪ وﻗﺪ إﺗﻜﺄ ﻋﻠﻰ ﺟﺎﻧﺐ ﻣﻦ أرﯾﻜﺘﻪ ﻗﺎﺋﻼ:
’’ﺳﻤﻌﻨﺎ أﻧﻚ ﺗﺰﻋﻢ ﻟﻨﻔﺴﻚ ﻣﻬﺎرة ﻓﻲ ﻟﻌﺐ اﻟﺸﻄﺮﻧﺞ ﯾﺎ ﻣﻤﻮ .ﻓﻬﻞ ﻟﻚ أن ﺗﻌﺮض أﻣﺎﻣﻨﺎ اﻟﻠﯿﻠﺔ ﻣﻬﺎرﺗﻚ ﻫﺬه ،
وﺗﻘﻮم ﻟﻨﺎ ﺑﺎﻟﻤﺒﺎرزة واﻟﻨﻀﺎل‘‘.
ﻓﺄﺟﺎب ﻣﻤﻮ ﻓﻲ ﻫﺪوء ،وﻗﺪ أدﻫﺸﺘﻪ اﻟﻘﺴﻮة اﻟﺘﻲ ﺷﻌﺮ ﺑﻬﺎ ﻓﻲ ﻧﺒﺮات ﻛﻼﻣﻪ ’’ :ﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﻟﻲ ﯾﻮﻣﺎ ﻣﺎ أدﻋﻲ ﯾﺎ
ﻣﻮﻻي أﻣﺎﻣﻜﻢ ﻫﺬه اﻟﻤﻬﺎرة ،وﻟﻜﻦ ﻟﻤﻮﻻي اﻟﺴﻤﻊ واﻟﻄﺎﻋﺔ إذا أﻣﺮﻧﻲ ﺑﻤﺎ ﺷﺎء‘‘.
ﻓﻨﻬﺾ اﻷﻣﯿﺮ إﻟﻰ ﻣﻨﻀﺪة اﻟﺸﻄﺮﻧﺞ ﯾﺸﯿﺮإﻟﯿﻪ ،ﻗﺎﺋﻼ:
’’ﺑﻞ ﻗﻢ ..ﻓﺈن ﺑﯿﻨﻨﺎ وﺑﯿﻨﻚ اﻟﻠﯿﻠﺔ ﺣﺮﺑﺎ ﻻ ﺑﺪ أن ﺗﺘﻘﺪم إﻟﯿﻬﺎ‘‘...
وﻗﺎم ﻣﻤﻮ ﻣﻦ ﻣﺠﻠﺴﻪ وﻗﺪ أوﺟﺲ ﺧﯿﻔﺔ ﻓﻲ ﻧﻔﺴﻪ ..ﻓﺠﻠﺲ ﺗﻠﻘﺎء اﻷﻣﯿﺮ وﻣﻦ ﺑﯿﻨﻬﻤﺎ اﻟﻤﻨﻀﺪة .وﻗﺒﻞ أن ﯾﺒﺪأ
ﺑﺎﻟﻠﻌﺐ ﻗﺎل ﻟﻪ اﻷﻣﯿﺮ:
’’إن اﻟﺸﺮط اﻟﺬي ﺑﯿﻨﻨﺎ وﺑﯿﻨﻚ ﻫﻮ أﻧﻪ ﯾﺠﺐ ﻋﻠﻰ اﻟﻄﺮف اﻟﻤﻐﻠﻮب ﺛﻼث ﻣﺮات أن ﯾﺤﻘﻖ ﻛﻞ ﻣﺎ ﯾﻘﺘﺮﺣﻪ اﻟﻄﺮف
اﻟﻐﺎﻟﺐ وﯾﺘﻤﻨﺎه‘‘
وﻛﺎن ﻓﻲ اﻟﻤﺠﻠﺲ اﺑﻦ ﺷﺎب ﻟﻸﻣﯿﺮ ﯾﺨﻠﺺ اﻟﻮد ﻟﻤﻤﻮ اﺳﻤﻪ ’’ ﻛﺮﻛﻮن ‘‘ وﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﯾﺨﻔﻰ ﻋﻠﯿﻪ ﻣﺎ ﺑﯿﻨﻪ وﺑﯿﻦ
ﻋﻤﺘﻪ زﯾﻦ ﻣﻦ اﻟﺤﺐ ..وﻗﺪ أﻟﻢ ﺑﻄﺮف ﻣﻤﺎ ﻓﻲ ﻧﻔﺲ أﺑﯿﻪ ﻣﻦ اﻟﻤﻮﺟﺪة ﻋﻠﯿﻪ ،وﺧﺸﻲ أن ﯾﻨﺘﻬﻲ ذﻟﻚ اﻟﻤﺠﻠﺲ ﺑﺄي
ﻋﻘﺎب أو ﺑﻼء ﯾﻨﺰل ﺑﻤﻤﻮ .ﻓﺘﺴﻠﻞ ﻣﻦ ﻗﺼﺮه ،واﻧﻄﻠﻖ ﻣﺘﻮﺟﻬﺎ إﻟﻰ ﺗﺎج اﻟﺪﯾﻦ ﯾﺨﺒﺮه ﺑﺎﻷﻣﺮ ،ﻛﯿﻤﺎ ﯾﺤﻀﺮ ﻟﯿﻬﻮن
اﻷﻣﺮ إذا ﺣﺪث ﺷﻲء ،ﺑﻤﺎ ﻟﻪ ﻣﻦ ﻗﺮب إﻟﻰ اﻷﻣﯿﺮ.
وﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﺳﻮى دﻗﺎﺋﻖ ﺣﺘﻰ ﻛﺎن ﻛﻞ ﻣﻦ ﺗﺎج اﻟﺪﯾﻦ وﺟﻜﻮ وﻋﺎرف ﻗﺪ اﺗﺨﺬ ﻣﻜﺎﻧﻪ ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﻤﺠﻠﺲ ،ﯾﺘﺮﻗﺒﻮن ﻣﺎ
ﺳﯿﺤﺪث...
وﺗﻐﻠﺐ ﻣﻤﻮ ﻋﻠﻰ اﻷﻣﯿﺮ ﻣﺮﺗﯿﻦ ﻣﺘﻮاﻟﯿﺘﯿﻦ ..وأﺧﺬا ﯾﺒﺪآن ﺑﺎﻟﻤﺮة اﻟﺜﺎﻟﺜﺔ وﻗﺪ أﻋﺠﺐ اﻷﻣﯿﺮ ﺑﺪﻫﺎﺋﻪ وﻣﻬﺎرﺗﻪ ،وﺑﺪا
ﻋﻠﻰ وﺟﻪ ﻣﻤﻮ وﻫﻮ ﻣﻨﻜﺐ ﻋﻠﻰ اﻟﻠﻌﺐ ﻓﻲ اﺳﺘﻐﺮاق ﺷﺪﯾﺪ إﺷﺮاق واﺿﺢ ﻣﻦ اﻷﻣﻞ واﻟﺴﺮور.
ﺑﯿﻨﻤﺎ راح ﺑﻜﺮ اﻟﺬي ﻛﺎن ﯾﺮﻣﻘﻪ ﻣﻦ ﺑﻌﯿﺪ ،ﯾﻄﻮف ﺣﻮل ﻧﻔﺴﻪ ﻓﻲ ﻗﻠﻖ ﺑﺤﺜﺎ ﻋﻦ أي ﺣﯿﻠﺔ ﯾﺘﻌﺜﺮ ﺑﻬﺎ ﻣﻤﻮ ﻋﻦ
اﻟﺘﻐﻠﺐ ﻋﻠﻰ اﻷﻣﯿﺮ ﻓﻲ ﻫﺬه اﻟﻤﺮة .إذ ﻻ ﺷﻚ أن ﻧﺠﺎﺣﻪ ﯾﻌﻨﻲ ﺿﺮورة وﻓﺎء اﻷﻣﯿﺮ ﻟﻪ ﺑﺎﻟﻮﻋﺪ ،وذﻟﻚ ﯾﻌﻨﻲ زواج
ﻣﻤﻮ ﻣﻦ زﯾﻦ...
وﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻷﺛﻨﺎء ﻟﻤﺢ ﺑﻜﺮ زﯾﻨﺎ واﻗﻔﺔ ﻣﻊ ﻓﺘﯿﺎت ﻣﻦ اﻟﻘﺼﺮ أﻣﺎم اﻟﻨﺎﻓﺬه اﻟﻤﻄﻠﺔ ﻣﻦ أﻋﻠﻰ ﺟﺪار اﻟﻘﺎﻋﺔ اﻟﻤﻘﺎﺑﻞ
ﻟﻈﻬﺮ ﻣﻤﻮ ،ﺗﺮﻗﺐ اﻟﻠﻌﺐ ﺑﺎﻫﺘﻤﺎم ..ﻓﺎﻟﺘﻔﺖ إﻟﻰ اﻷﻣﯿﺮ ﻗﺎﺋﻼ:
’’وﻟﻜﻦ ﻛﺎن ﻋﻠﻰ ﻣﻮﻻي أن ﯾﺴﺘﺒﺪل اﻟﻤﻜﺎن ﻣﻦ ﺧﺼﻤﻪ ﺑﯿﻦ ﺣﯿﻦ وآﺧﺮ ﻛﻤﺎ ﻫﻮ اﻟﺸﺄن ﻓﻲ اﻟﻠﻌﺐ‘‘...
ﻓﻨﻬﺾ ﻛﻞ ﻣﻦ اﻟﻤﺘﺒﺎرزﯾﻦ ،واﺳﺘﺒﺪﻻ ﻣﻜﺎﻧﯿﻬﻤﺎ دون أن ﯾﺪرك أﺣﺪ اﻟﺤﯿﻠﺔ اﻟﺘﻲ اﺳﺘﻬﺪﻓﻬﺎ ..وﻣﺎ إن ﻣﺮت ﻟﺤﻈﺎت
ﺣﺘﻰ اﻧﺨﻄﻔﺖ ﻋﯿﻨﺎ ﻣﻤﻮ إﻟﻰ أﻋﻠﻰ ﺟﺪار اﻟﻘﺎﻋﺔ اﻟﺬي ﯾﻘﺎﺑﻠﻪ ،ﻟﯿﺠﺪ زﯾﻨﺎ واﻗﻔﺔ أﻣﺎﻣﻪ ﺗﺮﻣﻘﻪ
وﻫﻨﺎﻟﻚ ﺗﺸﺘﺖ ذﻫﻨﻪ ،وﻋﺒﺜﺎ راح ﯾﺤﺎول ﺟﻤﻊ ﻓﻜﺮه واﻟﺘﻐﻠﺐ ﻋﻠﻰ اﻷﻣﯿﺮ ﻛﺎﻧﺖ ﻋﯿﻨﺎه ﻻ ﺗﻨﻔﻜﺎن ﻋﺎﻟﻘﺘﯿﻦ ﺑﺎﻻﻋﻠﻰ ،
وﯾﺪه ﺗﻌﺜﻮ ﺑﺎﻟﻌﺴﺎﻛﺮ واﻟﻔﺮﺳﺎن ﻣﻦ ﻏﯿﺮ ﻫﺪى ،ﯾﻔﺪي اﻟﺠﻨﻮد ﻣﺮة ﺑﺎﻟﺨﯿﻮل ،وﯾﺨﻠﻂ أﺧﺮى ﺑﯿﻦ اﻟﻔﯿﻞ واﻟﻮزﯾﺮ
وﻛﺎﻧﺖ اﻟﻨﺘﯿﺠﺔ أن ﺗﻐﻠﺐ اﻷﻣﯿﺮ ﻋﻠﯿﻪ ﺧﻤﺲ ﻣﺮات ﻣﺘﻮاﻟﯿﺎت وﺧﺘﻢ اﻟﻠﻌﺐ ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ !
وﻋﺎد اﻷﻣﯿﺮ إﻟﻰ ﻣﻜﺎﻧﻪ وﻗﺪ ﻏﺸﻲ ﻣﻤﻮ اﻟﺨﺠﻞ واﻟﺤﯿﺎء ﻓﻨﻈﺮ إﻟﯿﻪ ﻗﺎﺋﻼ:
’’إﯾﻪ أﻧﺴﯿﺖ اﻟﺸﺮط ﯾﺎ ﻣﻤﻮ ؟‘‘
ﻓﺄﺟﺎﺑﻪ ﻣﻤﻮ وﻗﺪ ﺗﻮزﻋﺖ أﺣﺴﺎﺳﯿﺴﻪ ﺑﯿﻦ اﻟﻐﻀﺐ ﻣﻦ اﻟﻤﻜﯿﺪة اﻟﺘﻲ اﻧﺘﺒﻪ إﻟﯿﻬﺎ واﻟﺨﺠﻞ ﻣﻦ اﻹﺧﻔﺎق اﻟﺬي اﻧﺘﻬﻰ
إﻟﯿﻪ:
’’ﻻ ...ﻓﻠﯿﺘﻔﻀﻞ ﻣﻮﻻي ﺑﺎﻷﻣﺮ ﺑﻤﺎ أﺷﺎء‘‘ ..
ﻓﻘﺎل ﻟﻪ اﻷﻣﯿﺮ ’’:إﻧﻚ ﻟﺴﺖ ﺗﺠﻬﻞ أﻧﻨﺎ ﻟﻦ ﻧﻄﻠﺐ ﻣﻨﻚ ﻣﺎﻻ ﺗﻐﻨﯿﻨﺎ ﺑﻪ ،أو ﺟﺎﻫﺎ ﺗﺮﻓﻌﻨﺎ إﻟﯿﻪ .و إﻧﻤﺎ ﯾﻌﻨﯿﻨﺎ أن
ﻧﻌﺮف اﻟﺴﺮاﺋﺮ ...ﻓﺤﺪﺛﻨﺎ ﻋﻦ ﻗﻠﺒﻚ .ﻗﻞ ﻟﻨﺎ ﻣﻦ ﻫﻲ اﻟﺘﻲ ﺗﻜﻦ ﻟﻬﺎ ﺣﺒﺎ ،وﺗﻤﻨﻲ ﺷﺒﺎﺑﻚ ﺑﻬﺎ ،ﻛﻲ ﻧﻨﻈﺮ ..ﻓﺈن ﻛﺎﻧﺖ
ﻻﺋﻘﺔ ﻟﻚ ،ﺣﺎوﻟﻨﺎ إﺳﻌﺎدك ﺑﻬﺎ‘‘...
ﻓﺄﻃﺮق ﻣﻤﻮ ﻗﻠﯿﻼ ،ﻛﺄﻧﻤﺎ أﺧﺬت ﻧﻔﺴﻪ ﺗﺤﻮم ﺣﻮل ﺗﻔﺴﯿﺮ ﻫﺬه اﻟﻜﻠﻤﺎت اﻟﺘﻲ أﻟﻘﯿﺖ إﻟﯿﻪ .واﻧﺘﻬﺰ ﺑﻜﺮ ﻓﺮﺻﺔ ﻫﺬه
اﻹﻃﺮاﻗﺔ ﻣﻨﻪ ،ﻓﻘﺎل:
’’ﯾﺎ ﻣﻮﻻي :ﯾﺒﺪو أن ﻣﻤﻮ ﺧﺠﻞ ﻣﻦ أن ﯾﻜﺸﻒ ﻟﻸﻣﯿﺮ اﻟﻨﻘﺎب ﻋﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﺘﻲ ﯾﻬﻮاﻫﺎ .ﻓﻠﻘﺪ ﻛﻨﺖ رأﯾﺘﻬﺎ ﻣﺮة ،
وﻋﻠﻤﺖ أﻧﻬﺎ ﺟﺎرﯾﺔ ﺳﻮداء ﻣﻌﯿﺒﺔ ،ﻻ ﯾﻠﯿﻖ أن ﯾﺘﺤﺪث ﻋﻨﻬﺎ ﻓﻲ ﻣﺠﻠﺲ اﻷﻣﯿﺮ‘‘...
ﻓﺄﺛﺎر ﻫﺬا اﻟﻜﻼم ﻏﻀﺐ ﻣﻤﻮ ،واﻟﻬﺒﺘﻪ ﺣﻤﯿﺘﻪ وإﺑﺎﺋﻪ ،وأﺧﺬ ﯾﻨﺒﺾ ﻓﻲ ﻣﺸﺎﻋﺮه ﻋﺮق اﻟﻌﺰة واﻟﻤﺠﺪ .وأﺳﻜﺮت
اﻟﻄﻌﻨﺔ ﻋﻘﻠﻪ .ﻓﻨﺴﻲ اﻷﻣﯿﺮ اﻟﺬي أﻣﺎﻣﻪ ،واﻟﻨﺎس اﻟﺬﯾﻦ ﻣﻦ ﺣﻮﻟﻪ ،واﻧﺘﻔﺾ ﻣﻨﺘﺸﯿﺎ ﯾﻘﻮل ﻟﺒﻜﺮ:
ﻛﺬﺑﺖ واﷲ أﯾﻬﺎ اﻟﺤﻘﯿﺮ اﻟﻨﺬل ،ﻓﻤﺎ ﺗﻠﻚ اﻟﺼﻔﺔ إﻻ ﻗﺮﯾﻨﺔ ﺧﺴﺘﻚ ،وﻛﻔﺆ دﻧﺎﺋﺘﻚ .أﻣﺎ اﻟﺘﻲ ﻋﻨﺪﻫﺎ ﻗﻠﺒﻲ ،ﻓﺮﻓﯿﻌﺔ
اﻟﻤﺠﺪ ،ﻟﯿﺲ ﻟﺬﻟﻚ اﻟﺒﺪر أن ﯾﺘﺴﺎﻣﻰ إﻟﯿﻬﺎ ،راﺋﻌﺔ اﻟﺠﻤﺎل ،ﻻ ﺗﺒﻠﻎ اﻟﺸﻤﺲ أن ﺗﻜﻮن أﺧﺘﺎ ﻟﻬﺎ ...أﺻﯿﻠﺔ اﻟﻨﺴﺐ
ﻟﯿﺲ ﻟﻐﯿﺮﻫﺎ ﻓﻲ ﻫﺬه اﻟﺒﻼد أن ﯾﻨﺎزﻋﻬﺎ ﻓﺨﺮ ذﻟﻚ .إﻧﻬﺎ أﻛﻤﻞ أﻧﺜﻰ أﺑﺪﻋﺘﻬﺎ ﯾﺪ اﻟﺨﻼق.
إﻧﻬﺎ ...إﻧﻬﺎ أﻣﯿﺮة ﻫﺬه اﻟﺠﺰﯾﺮة ‘‘ !...
وﻣﺎ ﻛﺎد أن ﯾﻄﻠﻖ ﻫﺬه اﻟﻜﻠﻤﺔ اﻷﺧﯿﺮة ﻣﻦ ﻓﻤﻪ ﺣﺘﻰ ﻗﺎﻃﻌﻪ اﻷﻣﯿﺮ وﻗﺪ ﺻﻮب ﻧﺤﻮه ﻓﻮﻫﺔ اﻟﻐﻀﺐ ﻗﺎﺋﻼ:
’’وﻷﺟﻞ ذﻟﻚ ،ﻓﺄﻧﺖ ﻻ ﺗﺨﺠﻞ ﻣﻦ اﺳﺘﻄﺎﻟﺘﻚ إﻟﻰ ﺗﻠﻚ اﻟﻤﻜﺎﻧﺔ ﺑﺎﻟﻐﺮام ﺑﻬﺎ ،ﻣﺪﻧﺴﺎ ﺑﺪﻧﺎﺋﺘﻚ ﻗﺼﺮي ﻫﺬا ...؟‘‘
ﺛﻢ اﻟﺘﻔﺖ إﻟﻰ اﻟﺤﺮس اﻟﻮاﻗﻔﯿﻦ ﻋﻠﻰ اﻷﺑﻮاب وﺻﺮخ ﻓﯿﻬﻢ ﻗﺎﺋﻼ:
’’ﻣﺎ وﻗﻮﻓﻜﻢ واﻧﺘﻈﺎرﻛﻢ ﺑﻌﺪ ﻫﺬا ؟ ﻫﯿﺎ ..ﻓﺎﻗﻄﻌﻮا اﻟﺮأس اﻟﺬي ﺗﻄﺎول ﻓﯿﻪ ﻫﺬا اﻟﻠﺴﺎن ﻓﻘﺪ آن أن ﯾﻌﺘﺒﺮ ﺑﻊ ﻏﯿﺮه
‘‘...
وﻗﺒﻞ أن ﯾﻨﻘﺾ اﻟﺤﺮس ﻋﻠﻰ ﻣﻤﻮ ،ﻫﺐ ﻣﻦ ﻋﺮض اﻟﻤﺠﻠﺲ ﺛﻼﺛﺔ أﺑﻄﺎل أﺷﻘﺎء ،ﻛﻞ ﻣﻨﻬﻢ ﻫﺎﻣﺔ ،وﺳﺎﻋﺪ ،
وﻗﺎﻣﺔ !..وﻗﺪ ﻇﻬﺮ ﻓﻲ ﯾﻤﯿﻦ ﻛﻞ ﻣﻨﻬﻢ ﺧﻨﺠﺮ ﯾﻠﺘﻬﺐ .وراح أوﺳﻄﻬﻢ وﻫﻮ ﺗﺎج اﻟﺪﯾﻦ ﯾﺼﻌﻖ ﻓﻲ أوﻟﺌﻚ اﻟﺸﺮﻃﺔ
اﻟﺬﯾﻦ ﺑﺎدروا إﻟﻰ ﻣﻤﻮ ..ﻗﺎﺋﻼ:
’’ﻣﻜﺎﻧﻜﻢ أﯾﻬﺎ اﻻوﻏﺎد ،ﻓﻠﺴﺘﻢ ﺳﻜﺎرى وﻻ ﻣﺠﺎﻧﯿﻦ ﺣﺘﻰ ﺗﺘﺠﺎﻫﻠﻮ ﺑﻄﺸﻨﺎ ! أم أﻧﻜﻢ ﻧﺴﯿﺘﻢ ذﻟﻚ اﻟﻜﺜﯿﺮ اﻟﺬي
ﻻﻗﯿﺘﻤﻮه ﻣﻦ أﯾﺪﯾﻨﺎ ...؟
رﺑﻤﺎ ﺗﺴﺘﻄﯿﻌﻮن أن ﺗﺼﻠﻮا إﻟﻰ ﻣﻤﻮ ،وﻟﻜﻦ ﺑﻌﺪ أن ﻧﺤﻘﻦ ﻣﺎ ﺣﻮﻟﻪ ﺑﻠﺠﺔ ﻣﻦ دﻣﺎﺋﻜﻢ ،وﺗﺘﺨﺬوا إﻟﯿﻪ ﺟﺴﺮا ﻣﻦ
ﻣﺌﺎت ﻣﻨﻜﻢ‘‘..
ﺛﻢ دار رأﺳﻪ ﻧﺤﻮ اﻷﻣﯿﺮ ،ﯾﺮﻣﻘﻪ ﺑﻄﺮف ﻋﯿﻨﻪ ﻗﺎﺋﻼ:
’’أﻣﺎ ﻣﻮﻻﻧﺎ اﻻﻣﯿﺮ ..ﻓﻠﻪ إذا ﺷﺎء اﻟﺘﺼﺮف أن ﯾﺘﺼﺮف ﻓﯿﻤﺎ ﯾﺮﯾﺪ ﺑﻨﻔﺴﻪ ..ﻓﺈن ﻟﻪ ﻓﻲ أﯾﺪﯾﻨﺎ ﻗﯿﻮدا ﻣﻦ ﻧﻌﻤﺘﻪ
وﺳﻠﻄﺎﻧﻪ ...ﻗﺪ ﻻ ﯾﻜﻮن ﻣﻦ اﻟﻤﻨﺎﺳﺐ أن ﻧﻨﻜﺮﻫﺎ‘‘..
وﺑﻌﺪ ﻗﻠﯿﻞ ﻧﻬﺾ اﻷﻣﯿﺮ ﺑﻨﻔﺴﻪ إﻟﻰ ﻣﻤﻮ ﻓﻘﯿﺪ ﯾﺪﯾﻪ ،وأﻣﺮ ﺑﻪ إﻟﻰ اﻟﺴﺠﻦ ! ..وﺳﻜﺖ ﺗﺎج اﻟﺪﯾﻦ وﺷﻘﯿﻘﺎه وﻗﺪ
ﺗﺠﺮﻋﻮا ﻏﺼﺔ اﻟﺴﻢ ﻧﺰل إﻟﻰ ﻗﻠﻮﺑﻬﻢ .وﻟﻜﻨﻬﻢ ﻟﻢ ﯾﺠﺪوا ﻣﻦ اﻟﺤﻜﻤﺔ -وﻗﺪ ﻧﺰل اﻻﻣﯿﺮ ﻓﻲ ﺣﻜﻤﻪ ﻣﻦ اﻟﻘﺘﻞ إﻟﻰ
اﻟﺤﺒﺲ -أن ﯾﻠﺤﻮا ﻓﻲ اﻟﻌﻨﺎد ﻣﺮة واﺣﺪة ورأوا أن ﯾﺮﺟﺌﻮا ﻣﺤﺎوﻟﺔ اﻟﻌﻔﻮ ﻋﻨﻪ إﻟﻰ وﻗﺖ أﺧﺮ ﯾﻜﻮن اﻷﻣﯿﺮ ﻓﯿﻪ أﻫﺪأ
ﺛﻮرة وأﺧﻒ ﻏﻀﺒﺎ.
ﺛﻢ ﻓﺾ اﻟﻤﺠﻠﺲ ،واﻧﺼﺮف اﻟﻨﺎس ﻓﻲ وﺟﻮم و ﺣﺰن .ﺑﯿﻨﻤﺎ ﻛﺎن ﻣﻤﻮ ﯾﺘﺨﺬ ﻃﺮﯾﻘﻪ إﻟﻰ ﻗﺎع اﻟﺴﺠﻦ!
ﺻﻔﺎء اﻟﺮوح
ﺣﻜﻢ اﻟﻔﻠﻚ أزﻟﻲ ﻗﺪﯾﻢ ،وإﺻﺮار اﻟﺪﻫﺮ ﻗﻀﺎء ﻻ ﯾﺘﺮاﺟﻊ ،وأﻣﺮ اﷲ ﻗﺪر ﻻ ﺑﺪ ﻟﻪ ﻣﻦ ﻧﻔﺎذ.
ﻓﻤﺎذا ﯾﻐﻨﻲ اﻟﺘﺄوه وﻟﻀﺠﺮ ،وأي ﻓﺎﺋﺪة ﯾﺠﻨﻲ اﻷﻟﻢ واﻟﺘﻮﺟﻪ ،وأي ﻧﺘﯿﺠﺔ ﺗﺄﺗﻲ ﺑﻬﺎ اﻟﻘﻮة واﻻﻧﻔﻌﺎل إذا ﻛﺎﻧﺖ
ﺳﻄﻮر اﻟﻘﻀﺎء ﺣﺎﻛﻤﺔ ﺑﺎﻟﺒﺆس واﻟﺴﺠﻦ واﻟﺤﺮﻣﺎن ؟!
ﻋﻠﻰ أن اﻟﺴﺠﻦ اﻟﺬي اﻧﺘﻬﻰ اﻟﻘﺪر ﺑﻤﻤﻮ إﻟﯿﻪ ﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﻛﺄي ﺳﺠﻦ آﺧﺮ ،وإﻧﻤﺎ ﻛﺎن ﻣﻐﺎرة ﻣﻤﺘﺪة ﻓﻲ ﻗﺎع اﻷرض ،
ﺿﯿﻘﺔ اﻷﻋﻠﻰ ﻣﺘﺴﻌﺔ اﻷﺳﻔﻞ ﻻ ﯾﻜﺎد ﯾﻤﺘﺪ ﺷﻲء ﻣﻦ ﺿﯿﺎء اﻟﺪﻧﯿﺎ أو ﻧﻮر اﻟﺸﻤﺲ إﻟﻰ داﺧﻠﻬﺎ ،اﻟﻠﻬﻢ إﻻ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ
اﻟﻜﻮة اﻟﻌﻠﯿﺎ ،اﻟﺘﻲ ﻫﻲ وﺣﺪﻫﺎ اﻟﺒﺎب واﻟﻨﺎﻓﺬة واﻟﻤﻨﻮر وﻛﻞ ﺷﻲء.
وأﻧﺰل ﻣﻤﻮ إﻟﻰ ﻗﺎع اﻟﺰﻧﺰاﻧﺔ اﻟﺘﻲ اﺳﺘﻘﺒﻠﺘﻪ ﻣﻈﻠﻤﺔ ﻣﻮﺣﺸﺔ ﺧﺎﻟﯿﺔ ﻣﻦ أي أﺣﺪ ﻏﯿﺮه .ﻓﺎﻟﺘﻒ ﺣﻮل ﻋﯿﻨﯿﻪ اﻟﻈﻼم
اﻟﺬي داﻫﻤﻪ وﻟﻢ ﯾﻌﺪ ﯾﺒﺼﺮﺷﯿﺌﺎ ﺳﻮى أﺷﺒﺢ اﻟﺴﻮاد اﻟﻤﺪﻟﻬﻤﺔ اﻟﻤﻄﺒﻘﺔ ﻣﻦ ﺣﻮﻟﻪ ،ﻓﺠﻤﺪ ﻗﻠﯿﻼ ﻓﻲ ﻣﻜﺎﻧﻪ ﺑﯿﻦ ذﻟﻚ
اﻟﻈﻼم اﻟﺪاﻣﺲ ،وراح ﯾﺨﻄﻮ ﻓﻲ ﺣﺬر ﻣﺘﻠﻤﺴﺎ ﺑﯿﺪﯾﻪ اﻟﻬﻮاء ،إﻟﻰ أن ﻣﺴّﺘﺎ اﻟﺰﻧﺰاﻧﺔ وﻫﻨﺎك وﻗﻒ ﻣﺴﺘﻨﺪا إﻟﯿﻪ ،
وﻗﺪ ﺗﺮﻧﺢ ﺑﯿﻦ أﻣﻮاج ﻣﻦ اﻟﺬﻛﺮﯾﺎت أﺧﺬت ﺗﻨﺒﻌﺚ ﻣﻦ ﻧﻔﺴﻪ اﻟﺒﺎﺋﺴﺔ...
ﺗﻜﺮ ﺷﺒﺎﺑﻪ اﻟﻐﺺ وﻗﻮﺗﻪ اﻟﻨﺎﺑﻀﺔ ...ﻋﺰﺗﻪ وﺑﺄﺳﻪ ..إذ ﻛﺎن ﻫﻮ وﺗﺎج اﻟﺪﯾﻦ ﻣﻦ أﺳﻌﺪ اﻟﻨﺎس ،وﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﻗﺪ ﻣﺲ
ﻗﻠﺒﯿﻬﻤﺎ ﺷﻲء ﻣﻦ ﻫﺬه اﻵﻻم .ﺛﻢ ﺗﺬﻛﺮ ﻣﯿﻼد ﻫﺬا اﻟﺸﻘﺎء ﻓﻲ ﻗﻠﺒﻪ ،وﯾﻮﻣﻪ اﻟﺒﻬﯿﺞ اﻟﻤﺮح اﻟﺬي ﻗﻀﯿﺎه ﻣﻌﺎ ،
واﻟﺴﻜﺮة اﻟﺘﻲ ﻏﺸﯿﺘﻬﻤﺎ ﻓﻲ ﻣﺴﺎﺋﻪ...
وﺗﺬﻛﺮ اﻵﻻم ..واﻵﻣﺎل اﻟﺘﻲ ﺗﺮﻋﺮﻋﺖ ﻓﻲ ﻧﻔﺴﻪ ،واﻟﺘﻲ ﺷﺒﺖ وأﺧﺬت ﺗﺰدﻫﺮ ﻓﻲ ﻗﻠﺒﻪ أﯾﺎم ﻓﺮح ﺗﺎج اﻟﺪﯾﻦ
وﻟﯿﺎﻟﻲ ﻋﺮﺳﻪ وﻛﯿﻒ ﻛﺎن ﯾﻤﻨﻲ ﻧﻔﺴﻪ ﺑﻤﺜﻞ ﺗﻠﻚ اﻟﺒﻬﺠﺔ واﻷﻓﺮاح ﻓﻲ ﻋﺮﺳﻪ ﻫﻮ أﯾﻀﺎ ...وﺗﺬﻛﺮ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﺧﯿﺒﺔ
آﻣﺎﻟﻪ ،وﺗﺼﺪع ﻗﻠﺒﻪ ..ﻗﻠﺒﻪ اﻟﺬي ﻟﻢ ﯾﺮﺣﻤﻪ أﺣﺪ ،وﻟﻢ ﯾﻌﻄﻒ ﻋﻠﯿﻪ إﻧﺴﺎن ،وراح ﯾﺴﺘﻌﺮض اﻟﻠﯿﺎﻟﻲ اﻟﺘﻲ أﺣﯿﺎﻫﺎ
ﺑﺎﻟﺰﻓﺮات ﻋﻠﻰ ﺿﻔﺎف دﺟﻠﺔ ،ﺣﯿﺚ ﻻ ﻣﺨﻠﻮق ﯾﺒﺼﺮه أو ﯾﺸﻌﺮ ﺑﻪ ،واﻟﺪﻣﻮع اﻟﺘﻲ ﻗﺮﺣﺖ ﻋﯿﻨﯿﻪ ،وروى ﺑﻬﺎ
اﻵﻛﺎم واﻟﺴﻔﻮح ،ﺣﯿﺚ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻫﻨﺎك أي ﻋﯿﻦ أﺧﺮى ﺗﻮاﺳﯿﻪ ﺑﺪﻣﻌﺔ ! ﺛﻢ ﺗﻠﻚ اﻟﺴﻮﯾﻌﺎت اﻟﺠﻤﯿﻠﺔ ...اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﻛﻞ
أﯾﺎم ﺳﻌﺎدﺗﻪ ﻣﻦ دﻧﯿﺎه ،واﻟﺘﻲ ﺷﻬﺪﺗﻬﺎ ﻧﺴﻤﺎت ذﻟﻚ اﻟﺮوض وورده .ﺛﻢ ﺗﺼﻮر ﻛﯿﻒ ﻋﺎد اﻟﻠﯿﻞ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ إﻟﻰ ﻗﻠﺒﻪ
ﻓﺄﻏﻄﺶ ..وراح ﯾﻜﺎﺑﺪ أﻟﻮان اﻟﺸﻘﺎء اﻟﺬي ﻛﺘﺒﻪ ﻟﻪ اﻟﺪﻫﺮ :ﻫﺬا اﻟﻈﻠﻢ ﻟﻪ ﻣﻦ اﻟﻨﺎس دون أي ﺟﺮﯾﺮة أو ﻣﻮﺑﻘﺔ
ارﺗﻜﺒﻬﺎ ..اﻓﺘﺮاآﺗﻬﻢ ﻋﻠﯿﻪ ،واﺳﺘﻌﺎﻧﺘﻬﻢ ﺑﺪﻣﻮﻋﻪ وآﻻﻣﻪ ..وﺿﻊ ﺷﺒﺎك اﻟﻤﻜﺮ واﻟﻔﺘﻨﺔ ﻓﻲ ﻃﺮﯾﻖ ﺳﻌﺎدﺗﻪ ..
وأﺧﯿﺮا ﻫﺬا اﻟﻐﻀﺐ ﻋﻠﯿﻪ ﻣﻦ اﻷﻣﯿﺮ ..اﻷﻣﯿﺮ اﻟﺬي ﻟﻢ ﯾﺘﺮك ﻟﻪ ﻓﻮق ﺑﺆﺳﻪ وﺣﺮﻣﺎﻧﻪ ﺣﺘﻰ ﺣﺮﯾﺘﻪ اﻟﺘﻲ ﻛﺎن ﯾﻬﯿﻢ
ﺑﻬﺎ ﻋﻠﻰ وﺟﻬﻪ ،ﻟﯿﺴﺮي ﻋﻦ ﻧﻔﺴﻪ ﺑﻤﻈﺎﻫﺮ اﻟﻄﺒﯿﻌﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺸﻲء اﻟﻮﺣﯿﺪ اﻟﺬي ﻟﻪ أن ﯾﺸﺎرك اﻟﻨﺎس ﻓﻲ
رؤﯾﺘﻪ واﻻﺳﺘﻤﺘﺎع ﺑﻪ .ﻟﻘﺪ أﺑﻰ إﻻ أن ﯾﻌﺼﺐ ﻋﯿﻨﯿﻪ ﺑﻬﺬا اﻟﻈﻼم ﺣﺘﻰ ﻻ ﯾﺮى ﺷﯿﺌﺎ ﻣﻦ ذﻟﻚ ،وأﺑﻰ إﻻ أن ﯾﺤﺒﺴﻪ
ﻓﻲ ﻫﺬه اﻟﻤﻮﺣﺸﺔ ﺣﺘﻰ ﻻ ﯾﺠﺪ اﻷﻧﺲ إﻟﻰ ﻗﻠﺒﻪ أي ﺳﺒﯿﻞ.
وﻣﺎ إن راح ﯾﺴﺘﻌﺮض ﻓﻲ ﻓﻜﺮه ﻛﻞ ﻫﺬا ..ﺣﺘﻰ رق ﻗﻠﺒﻪ ﻋﻠﯿﻪ ،وأدرﻛﺘﻪ اﻟﺮﺣﻤﺔ ﻟﻨﻔﺴﻪ ،وراح ﯾﺒﻠﻞ ﺛﺮى ﺗﻠﻚ
اﻷرض ﺑﺪﻣﻮع أﻟﯿﻤﺔ ﯾﺒﻜﻲ ﻓﯿﻬﺎ ﻋﻤﺮه اﻟﺬي ﺿﺎع ،وأﻣﻠﻪ اﻟﺬي ﺧﺎب ،وﻗﻠﺒﻪ اﻟﺪاﻣﻲ اﻟﺬي ﺳﺤﻘﺘﻪ اﻷﻗﺪام.
ﺛﻢ اﻟﺘﻔﺖ ﺣﻮﻟﻪ ،وﻗﺪ أﺧﺬت أﻃﺮاف اﻟﺰﻧﺰاﻧﺔ وﺟﺪراﻧﻬﺎ اﻟﺴﻮد ﺗﻠﻮح ﻟﻌﯿﻨﯿﻪ ،وﺗﺮاﺋﺖ ﺗﺤﺖ ﺑﺼﺮه أرﺿﻬﺎ اﻟﻌﻔﺮاء
اﻟﯿﺎﺑﺴﺔ ﺧﺎﻟﯿﺔ ﻣﻦ أي ﺷﻲء ﯾﺴﺘﻨﺪ إﻟﯿﻪ اﻟﺠﻨﺐ ،إﻻ دﻛﺔ ﺗﺮاﺑﯿﺔ ﺻﻐﯿﺮة ﻓﻲ ﻧﺎﺣﯿﺔ ﻣﻨﻬﺎ ،ﯾﻤﺘﺪ ﻋﻠﯿﻬﺎ ﺑﺴﺎط ﻣﻬﻠﻬﻞ
.
وأدار ﺑﺼﺮه اﻟﺬي ﻏﺸﺎه اﻟﺪﻣﻊ ﻓﻲ ﺳﺎﺋﺮ ﺗﻠﻚ اﻷﻃﺮاف ،ﻛﺄﻧﻤﺎ ﯾﺒﺤﺚ ﻋﻦ أي ﺷﻲء ﯾﺘﺨﯿﻞ ﻓﯿﻪ اﻟﺮﺣﻤﺔ واﻟﻌﻄﻒ ،
ﻟﯿﺘﻌﻠﻖ ﺑﻪ وﯾﺒﺜﻪ ﻛﺮﺑﻪ وﻟﻜﻦ اﻟﺰﻧﺰاﻧﺔ اﻟﺴﻮداء ﻗﻄﻌﺔ واﺣﺪة ﺻﻤﺎء ،ﻻ ﺗﺴﻤﻊ ﺻﻮﺗﺎ وﻻ ﺗﻔﻬﻢ ﻧﺤﯿﺒﺎ .ﻓﺎﻧﻘﻄﻊ ﻣﻦ
ﻧﻔﺴﻪ إذ ذاك آﺧﺮ ﺧﯿﻂ ﻣﻦ أﻧﺴﻪ ﺑﺎﻟﺪﻧﯿﺎ وﻣﻦ ﻓﯿﻬﺎ ،وﻟﻢ ﯾﺠﺪ أﻣﺎﻣﻪ إﻻ اﻟﺴﻤﺎء ..اﻟﺴﻤﺎء اﻟﺘﻲ ﻫﻲ وﺣﺪﻫﺎ ﻣﺜﺎﺑﺔ
اﻟﻤﻜﺮوﺑﯿﻦ وﻣﺂل اﻟﺒﺎﺋﺴﯿﻦ واﻟﻤﻈﻠﻮﻣﯿﻦ .ﻓﺮﻓﻊ رأﺳﻪ وﻧﻈﺮ ﺑﻌﯿﻨﯿﻪ إﻟﻰ اﻷﻋﻠﻰ ﻧﻈﺮة ﺑﻌﺚ ﻓﯿﻬﺎ ﻛﻞ آﻣﺎﻟﻪ وزﻓﺮاﺗﻪ
اﻟﻤﺘﺠﻤﻌﺔ ﺑﯿﻦ ﺟﻨﺒﯿﻪ ﻗﺎﺋﻼ:
’’رﺑﺎه أﻟﺴﺖ ﺗﺒﺼﺮﻧﻲ ..؟
أﻟﺴﺖ ﺗﺒﺼﺮﻧﻲ ،وأﻧﺎ ﻋﺒﺪك اﻟﻀﻌﯿﻒ ،ﻛﯿﻒ أذوب ﺑﯿﻦ ﻛﻞ ﻫﺬه اﻵﻻم اﻟﺘﻲ ﻻ أﻃﯿﻘﻬﺎ ...؟
رﺑﺎه إن ﻋﺒﯿﺪك ﻓﻲ اﻷرض ﻟﻢ ﯾﺮﻗﻮا ﻟﺤﺎﻟﻲ وﻟﺘﻌﺎﺳﺘﻲ وﺷﻘﺎﺋﻲ ،وإﻧﻤﺎ ﺳﺤﻘﻮا ﺟﺮاﺣﻲ ،ﻛﻤﺎ ﺗﺮى ،ﻓﻲ اﻟﺘﺮاب ،
وﺣﺮﻣﻮﻧﻲ ﺣﺘﻰ ﻣﻦ اﻟﺰاد اﻟﺬي أﺗﺒﻠﻎ ﺑﻪ ﻓﻲ ﻃﺮﯾﻖ ﻓﻨﺎﺋﻲ .ﻓﺎرﺣﻤﻨﻲ أﻧﺖ ﯾﺎ رب ،ﻓﻮﺣﻘﻚ ﻟﻦ أﺗﻮﺳﻞ ﺑﻌﺪ اﻟﯿﻮم إﻟﻰ
ﻏﯿﺮك ،وﻟﻦ أﺳﻜﺐ دﻣﻮﻋﻲ إﻻ ﺑﯿﻦ ﯾﺪﯾﻚ ،وﻟﻦ أﺗﺬﻟﻞ إﻻ ﻟﺠﻼﻟﺘﻚ‘‘...
وﻟﻢ ﯾﻄﺒﻖ ﺟﻔﻨﯿﻪ ﻋﻠﻰ ﻫﺬه اﻟﻨﻈﺮة واﻟﻜﻠﻤﺎت اﻟﺘﻲ ﻗﺎﻟﻬﺎ إﻻ وﻗﺪ ﺳﺮت إﻟﻰ ﻧﻔﺴﻪ روح ﺟﺪﯾﺪة ،أﺧﺬت ﺗﻤﺘﺪ ﻣﻦ
وراء ﺿﻠﻮﻋﻪ ﻛﻤﺎ ﯾﻤﺘﺪ ﻟﺴﺎن ﻣﻦ اﻟﻨﻮر اﻟﻤﺘﻮﻫﺞ ﺑﯿﻦ ﺗﻼﻓﯿﻒ اﻟﻈﻼم ،وﻟﻤﺴﺖ ﻗﻠﺒﻪ ﻟﻤﺴﺔ ﺑﻌﺜﺖ ﻓﯿﻪ ﺑﺮدا ﻣﻦ
اﻟﺮاﺣﺔ واﻟﻬﺪوء ،واﺿﻤﺤﻠﺖ ﺗﻠﻚ اﻟﻮﺣﺸﺔ اﻟﻘﺎﺋﻤﺔ ﻣﻦ ﺣﻮﻟﻪ ﻓﻲ روح ﻣﻦ اﻷﻧﺲ اﻟﻐﺮﯾﺐ..
وﻣﺎ إن ﺷﻌﺮ ﺑﻜﻞ ﻫﺬا ﻓﻲ ﻧﻔﺴﻪ وﻣﻦ ﺣﻮﻟﻪ ﺣﺘﻰ ﻋﺎد ﻓﺮﻓﻊ رأﺳﻪ وﻗﺪ ﻗﺎم ﻣﺴﺘﻨﺪا إﻟﻰ ﺟﺪار اﻟﺰﻧﺰاﻧﺔ ،ﯾﻨﺎﺟﻲ اﷲ
ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻗﺎﺋﻼ:
’’إﻟﻬﻲ ،ﻟﻘﺪ اﻫﺘﺪﯾﺖ إﻟﻰ ﻟﻄﻔﻚ إذ ﻓﻘﺪت اﻟﺪﻧﯿﺎ ﻛﻞ أﺳﺒﺎﺑﻬﺎ وآﻣﺎﻟﻬﺎ ،ﻓﻮﺣﻖ وﺟﻬﻚ ﻟﻦ أﺣﯿﺪ ﻋﻦ ﺑﺎﺑﻚ ﺑﻌﺪ اﻟﯿﻮم
وإن ﻋﺎدت إﻟﻲ اﻟﺪﻧﯿﺎ ﺑﻜﻞ ﻣﺎ ﻓﯿﻬﺎ .ﻓﻠﯿﻈﻠﻤﻨﻲ اﻟﻈﺎﻟﻤﻮن ،وﻟﯿﻜﺪ ﻣﻦ أﺟﻠﻲ اﻟﻜﺎﺋﺪون ،وﻟﯿﺸﻌﻠﻮا ﻗﻠﺒﻲ ﺑﻤﺎ ﺷﺎؤوا
ﻣﻦ ﻧﺎرﻫﻢ ،وﻟﯿﺤﺒﺴﻮﻧﻲ ﻓﻲ اﻟﻈﻠﻤﺎت وﻓﻲ أوﻛﺎر اﻟﻮﺣﻮش .ﻓﻮﺣﻖ رﺑﻮﺑﯿﺘﻚ اﻟﺘﻲ ﻟﻢ أﺑﺮح ﺳﺎﺟﺪا ﻟﻬﺎ ،إن ذﻟﻚ
ﻛﻠﻪ ﻻ ﯾﻀﯿﺮﻧﻲ ﻓﻲ ﺷﻲء وﻻ ﯾﻘﻄﻊ ﻗﻠﺒﻲ أوﻫﻰ ﺧﯿﻂ ﻣﻦ ﺧﯿﻮط آﻣﺎﻟﻪ.
ﻣﺎ أﻋﺬب إﻟﻰ ﻧﻔﺴﻲ اﻟﺼﺒﺮ ..ﻣﺎ دﻣﺖ أﺳﺘﻤﺘﻊ ﺑﻬﺪﯾﻚ اﻟﺬي ﯾﺸﻊ ﻓﻲ روﺣﻲ ،وﻣﺎ أﺳﻬﻞ ﻫﺬا اﻟﻈﻼم ﻣﺎ دﻣﺖ أﺟﺪ
ﺑﯿﻦ ﺿﻠﻮﻋﻲ ﻧﻮرك اﻟﺬي ﯾﺆﻧﺴﻨﻲ ،وﻣﺎ أﻫﻨﺄ إﻟﻰ ﻗﻠﺒﻲ اﻟﺘﻌﺬﯾﺐ ﻣﺎ دﻣﺖ ﻣﺤﺎﻃﺎ ﺑﺨﻔّﻲ رﺣﻤﺘﻚ وﻟﻄﻔﻚ.
أﻣﺎ اﻟﯿﺄس ..ﻓﻬﻞ ﻟﻠﺪﻧﯿﺎ ﻛﻠﻬﺎ أن ﺗﺠﻌﻞ ﻟﻠﯿﺄس ﺳﺒﯿﻼ إﻟﻰ ﻗﻠﺒﻲ ؟ّ أﻗﺴﻢ ﺑﺎﻟﻘﺪّ اﻟﺬي ﺳﺒﯿﺘﻨﻲ ﺑﺎﻋﺘﺪاﻟﻪ ،أﻗﺴﻢ ﺑﺎﻟﻠﺤﻆ
اﻟﺘﻲ أﺳﻜﺮﺗﻨﻲ ﺑﺠﻤﻠﻪ ،أﻗﺴﻢ ﺑﺎﻟﻨﻮر اﻟﺬي أﺿﺮﻣﺘﻪ ﻋﻠﻲ ﻧﺎرا ،أﻗﺴﻢ ﺑﺎﻟﺤﺴﻦ اﻟﺬي ﻟﻢ أذق ﻣﻨﻪ إﻻ ﻋﻠﻘﻤﺎ وﺻﺎﺑﺎ ،
أﻗﺴﻢ ﺑﻜﻞ ذﻟﻚ أن ﻫﺬا اﻟﻌﺬاب ﻣﻬﻤﺎ أﻓﻘﺪﻧﻲ اﻟﻬﺪوء واﻟﻘﺮار ،ﻓﺈﻧﻪ ﻟﻦ ﯾﻔﻘﺪﻧﻲ اﻷﻣﻞ ﻓﻲ اﻟﻮﺻﺎل ﺣﺘﻰ وﻟﻮ أﺳﺪﻟﻮا
ﺑﯿﻨﻲ و ﺑﯿﻨﻪ ﺣﺠﺎب اﻟﻤﻮت ! ﻓﻤﺎ أﺟﻤﻞ أن ﯾﺴﻌﺪ ﺑﻤﻨﺎه ﻓﻲ ﻇﻞ ﺧﻠﺪك وﺗﺤﺖ ﺟﻨﺎح ﻟﻄﻔﻚ.
وﻟﻤﺎذا ﻟﻦ ﯾﺴﻌﺪ ...؟ وﻫﻤﺎ وﺣﻘﻚ ﯾﺎ ﻣﻮﻻي ،ﻛﻤﺎ ﺗﻌﻠﻢ ،روﺣﺎن ﻃﺎﻫﺮﺗﺎن ﻋﻔﯿﻔﺘﺎن ،ﻟﻢ ﯾﺘﺰودا ﻣﻦ ﻫﺬه اﻟﺪﻧﯿﺎ إﻻ
ﺑﺴﻌﯿﺮﻫﺎ وﺑﺆﺳﻬﺎ ،ﺗﻘﺪﻣﺎن إﻟﻰ رﺣﺎب اﻟﻤﻠﻚ اﻟﺨﺒﯿﺮ اﻟﻠﻄﻒ ،ذي اﻟﺮﺣﻤﺔ اﻟﻮاﺳﻌﺔ ،واﻟﻌﺪل اﻟﺸﺎﻣﻞ.
واﺷﻮﻗﺎه ﯾﺎ ﻣﻮﻻي إﻟﻰ ذﻟﻚ اﻟﯿﻮم !...إذ ﻧﻤﻀﻲ إﻟﻰ رﺣﺎﺑﻚ ،ﻓﺘﻤﺴﺢ ﺑﯿﻤﯿﻦ ﻟﻄﻔﻚ ﻋﻦ ﻛﻠﯿﻨﺎ ﻣﺪاﻣﻊ اﻟﻈﺎﻟﻤﯿﻦ ،
وﺗﻀﻤﻨﺎ ﺑﯿﻦ ذراﻋﻲ رﺣﻤﺘﻚ ،آﻣﻨﯿﻦ ﻣﻘﺒﻮﻟﯿﻦ‘‘..
وﻫﻜﺬا أﺧﺬ ﯾﻬﺒﻂ إﻟﻰ ﻗﻠﺐ ﻣﻤﻮ ،وﻫﻮ ﻓﻲ ﻗﻌﺮ ﺗﻠﻚ اﻟﻤﻮﺣﺸﺔ ،أﻧﺲ إﻟﻬﻲ ﯾﺤﻒ ﺑﻪ وﯾﺨﻔﻒ ﻣﻦ آﻻﻣﻪ وأﺣﺰاﻧﻪ ،
ﺑﻌﺪ أن اﻧﻘﻄﻌﺖ ﺻﻠﺘﻪ ﻣﻦ اﻟﻤﺨﻠﻮﻗﯿﻦ واﺳﺘﺒﺪ ﺑﻪ اﻟﯿﺄس ﻣﻨﻬﻢ .وﺑﻤﻘﺪار اﻧﺼﺮاﻓﻪ وﯾﺄﺳﻪ ﻣﻦ اﻟﺪﻧﯿﺎ وﻣﻦ ﻓﯿﻬﺎ
أﺧﺬت ﺗﻌﻈﻢ ﺻﻠﺘﻪ ﺑﺎﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ وﺗﺘﻌﻠﻖ آﻣﺎﻟﻪ ﺑﻪ وﺣﺪه .ﻓﺎﺗﺨﺬ ﻣﻦ ﻣﻐﺎرﺗﻪ ﺗﻠﻚ ﺻﻮﻣﻌﺔ ﻻ ﯾﻔﺘﺄ ﯾﻨﺎﺟﻲ ﻓﯿﻬﺎ اﷲ
ﺗﻌﺎﻟﻰ ،وﯾﺘﻌﺒﺪه ﻟﯿﺎﻟﯿﻪ وأﯾﺎﻣﻪ .ﯾﺪﺧﻞ إﻟﯿﻪ ﺣﺎرﺳﻪ ﻹﺣﻀﺎر ﻃﻌﺎﻣﻪ إﻟﯿﻪ ﻓﻼ ﯾﺠﺪه إﻻ ﻗﺎﺋﻤﺎ ﻓﻲ ﺻﻼة أو ﺳﺎﺟﺪا ﻓﻲ
ﻣﻨﺎﺟﺎة...
وأﺧﺬ ﺟﺴﻤﻪ ﯾﻬﺒﻂ إﻟﻰ اﻟﺮﻗﺔ واﻟﺬوﺑﺎن ﺑﯿﻨﻤﺎ أﺧﺬت روﺣﻪ ﺗﺸﺐ ﻧﺤﻮ اﻟﻘﻮة واﻟﻄﻮق .وﻛﻠﻤﺎ راح ﻣﻨﻪ اﻟﺠﺴﻢ ﻧﺤﻮ
اﻟﺮﻗﺔ واﻹﺿﻤﺤﻼل واﻧﻄﻠﻘﺖ روﺣﻪ ﻧﺤﻮ اﻹﻧﺘﻌﺎش واﻟﻘﻮة ،ازداد ﻏﯿﺒﻮﺑﺔ ﻋﻦ اﻟﺪﻧﯿﺎ وأﺳﺒﺎﺑﻬﺎ وﺗﻌﻠﻘﺎً ﺑﺎﻟﺴﻤﺎء
وﻣﻌﺎﻧﯿﻬﺎ إﻟﻰ أن ﻏﺬا ذﻟﻚ اﻟﻬﯿﻜﻞ اﻟﺠﺴﻤﻲ ﻣﻨﻪ ﻟﻌﺒﺔ ﻓﻲ ﯾﺪ اﻟﺮوح ﺗﺼﺮﻓﻪ ﻛﻤﺎ ﺗﺸﺎء ،وﺑﺪأت اﻟﻤﺎدة ﺗﻀﻤﺤﻞ ﻓﻲ
ﺳﻠﻄﺎﻧﻬﺎ ﻓﻠﻢ ﯾﻌﺪ ﻟﻠﺰﻓﺮات ﻓﻲ اﻟﺠﺴﻢ ﻣﻌﻨﺎﻫﺎ اﻟﻤﺤﺮق ،وﻻ ﻟﺴﻌﯿﺮ اﻟﻔﺮاق ﻓﻲ اﻟﻜﺒﺪ أﺛﺮه اﻟﻤﺬﯾﺐ.
وﺑﺪأت اﻟﺮوح ﺗﺮﻗﺐ ﻓﻲ ﺷﻮق وﻟﻬﻔﺔ ﺷﯿﺌﺎ واﺣﺪا ..وﻫﻮ اﻹﻧﻄﻼق ﻻ ﻣﻦ زﻧﺰاﻧﺔ اﻟﺴﺠﻦ إﻟﻰ اﻟﺪﻧﯿﺎ ،وﻟﻜﻦ ﻣﻦ
ﻗﻔﺺ ذﻟﻚ اﻟﺠﺴﻢ إﻟﻰ اﻟﺮﺣﺎب اﻟﺘﻲ ﻫﯿﺌﺖ ﻟﻬﺎ...
اﻟﯿﺄس
ﻟﻢ ﺗﻜﻦ زﯾﻦ ﻗﺒﻞ أن ﯾﺼﯿﺮ ﻣﻤﻮ إﻟﻰ ﻫﺬه اﻟﻨﻬﺎﯾﺔ ،ﯾﺎﺋﺴﺔ ﻣﻦ اﻟﺴﻌﺎدة ..رﻏﻢ ﻣﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻜﺎﺑﺪه ﻣﻦ اﻵﻻم .ﻓﻘﺪ ﻛﺎن
ﻟﻬﺎ أﻣﻞ ﻛﺒﯿﺮ ﻓﻲ أن ﺗﻨﺎل ﻫﻲ اﻷﺧﺮى ﻣﻊ ﻣﻤﻮ آﻣﺎل ﻗﻠﺒﻬﺎ ،ﻛﻤﺎ ﻧﺎﻟﺖ أﺧﺘﻬﺎ ﺳﺘﻲ ﻣﻊ ﺗﺎج اﻟﺪﯾﻦ .وﻟﻜﻦ ﻣﺎ أن
ﻋﻠﻤﺖ ﺑﺬﻟﻚ اﻟﻌﻘﺎب اﻟﺸﺪﯾﺪ اﻟﺬي أﻧﺰﻟﻪ اﻷﻣﯿﺮ ﺑﻤﻤﻮ ..ذﻟﻚ اﻟﻌﻘﺎب اﻟﺬي ﺟﺎء ﻓﺪﯾﺔ ﻟﻪ ﻣﻦ اﻟﻘﺘﻞ ! ﺣﺘﻰ ﺑﺘﺮ ﻣﻦ ﻗﻠﺒﻪ
ﻛﻞ ﻣﺎ ﻛﺎن ﯾﻤﺘﺪ ﻓﯿﻪ ﻣﻦ ﻋﺮوق اﻷﻣﻞ ،وأﺧﺬ ﻓﺆادﻫﺎ ﯾﻨﺰف ﺑﺎﻟﻠﻬﺐ وﺧﻨﻘﺘﻬﺎ اﻟﻌﺒﺮات ،وﺿﺎﻗﺖ رﺣﺎب اﻟﺪﻧﯿﺎ أﻣﺎم
ﻋﯿﻨﯿﻬﺎ .و ﻛﺄﻧﻤﺎ أﻃﺒﻖ ﻋﻠﯿﻬﺎ ذﻟﻚ اﻟﻘﺼﺮ وﻧﻌﯿﻤﻪ واﻟﺘﺼﻖ ﺑﺨﻨﺎﻗﻬﺎ ،ﻓﻠﻢ ﺗﻌﺪ ﺗﺸﻌﺮ ﻣﻦ ﺣﻮﻟﻬﺎ ﺣﺘﻰ ﺑﺎﻟﻬﻮاء اﻟﺬي
ﺗﻤﻸ ﺑﻪ رﺋﺘﯿﻬﺎ .وﺗﺠﻤﻌﺖ ﻋﻠﻰ ﻣﺸﺎﻋﺮﻫﺎ آﻻم ﻋﺪة ..أﻗﻠﻬﺎ ﯾﺬﯾﺐ اﻟﻨﻔﺲ.
ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺘﻮﺟﻊ ﻣﺮة ﻟﻤﺼﯿﺮ ﻣﻤﻮ وﺗﺒﻜﻲ وﺣﺸﺘﻪ واﻧﻔﺮاده ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﺒﺌﺮ ..وﺗﺘﺄﻟﻢ أﺧﺮى ﻣﻦ أﻧﻪ رﺑﻤﺎ ﯾﺘﺨﯿﻞ وﻫﻮ ﻓﻲ
ﻋﺬاﺑﻪ ذاﻟﻚ أﻧﻬﺎ ﺳﻌﯿﺪة ﻓﻲ رﺣﺎب ﻫﺬا اﻟﺼﺮح ،ﺗﺘﻘﻠﺐ ﻓﻲ ﻧﻌﯿﻢ اﻟﺤﺮﯾﺔ واﻹﻧﻄﻼق .ﺛﻢ ﺗﺘﺄﻟﻢ ﻟﻨﻔﺴﻬﺎ ،وﻟﻐﺮوب
آﻣﺎﻟﻬﺎ ،وﻣﻦ أﻧﻬﺎ ﻟﻢ ﺗﻌﺪ ﺗﺒﺼﺮ ﺑﻘﯿﺔ أﯾﺎم ﻋﻤﺮﻫﺎ أي ﺑﺮﯾﻖ ﻣﻦ اﻟﺮﺟﺎء واﻷﻣﻞ .ﺛﻢ ﺗﻌﻮد ﻓﺘﺘﻘﻠﺐ ﺑﯿﻦ ﺟﻤﺮ ﻣﻦ
زﻓﺮات ﺷﻮﻗﻬﺎ وﻟﻮاﻋﺞ ﺣﺒﻬﺎ .وﻛﺜﯿﺮا ﻣﺎ ﻛﺎن ﯾﻤﺘﺰج ﻓﻲ آﻻﻣﻬﺎ ﻫﺬه ﻣﻌﻨﻰ اﻟﺤﯿﺮة واﻟﺘﻌﺠﺐ ﻣﻦ ﻛﻞ ﻫﺬا اﻟﺴﻮاد
واﻟﺒﺆس ﻓﻲ ﺣﻈﻬﺎ ،ﻓﺘﺘﺴﺎﺋﻞ ﻗﺎﺋﻠﺔ:
’’أي ﺣﻜﻤﺔ ﺗﺮى ﯾﺎ إﻟﻬﻲ ﺗﻜﻤﻦ وراء ﻛﻞ ﻫﺬا اﻟﻮاﺑﻞ اﻟﺬي أﻣﻄﺮﺗﻪ ﻋﻠﻰ أﯾﺎﻣﻲ ﻣﻦ اﻟﺘﻌﺎﺳﺔ واﻟﺸﻘﺎء ...؟
ﻣﺮة واﺣﺪة ..ﻟﻢ ﺗﺪر ﻫﺬا اﻟﻔﻠﻚ ﻧﺤﻮ إﺳﻌﺎدي وﺗﻔﺮﯾﺢ ﻗﻠﺒﻲ .ﯾﻮﻣﺎ واﺣﺪا ..ﻟﻢ ﺗﺪع ﻫﺬه اﻟﺪﻧﯿﺎ ﺗﺘﺄﻟﻖ أﯾﻀﺎ ﻓﻲ
ﻋﯿﻨﻲ ؟!
أﺳﻜﺮت أوﻻ ذﻟﻚ اﻟﻤﺴﻜﯿﻦ ،وﻃﺮﺣﺘﻪ ﻓﻲ وﻫﺞ ﻣﻦ ﺣﺒﻲ .ﺛﻢ ﻋﻜﺴﺖ ذﻟﻚ اﻟﻮﻫﺞ إﻟﻰ ﻗﻠﺒﻲ أﯾﻀﺎ ،وﺗﺮﻛﺘﻪ ﯾﻜﺎﺑﺪ
ﺣﺮه وﻟﻈﺎه .أﺳﺮﺟﺖ ﺑﯿﻨﻲ وﺑﯿﻨﻪ اﻟﻀﯿﺎء ﻗﻠﯿﻼ ،ﺣﺘﻰ إذ ﻟﻤﺤﻨﻲ وﻟﻤﺤﺘﻪ ،وﻫﻔﺎ إﻟﻲ واﻧﺼﺮﻓﺖ إﻟﯿﻪ ،أﺳﺮﻋﺖ
ﻓﺄﻃﻔﺄت اﻟﺴﺮاج وأﺳﺪﻟﺖ ﺑﯿﻨﻲ وﺑﯿﻨﻪ اﻟﻈﻼم وﺗﺮﻛﺖ ﻛﻼ ﻣﺎ ﯾﻨﻄﻮي ﻋﻠﻰ ﻧﺎره ،وﯾﻨﻔﺮد ﻟﺸﻮﻗﻪ وﺣﺮﻣﺎﻧﻪ .أﻗﻤﺖ
ﻣﻦ ﺣﻮل أﻋﯿﻨﻨﺎ أﻓﺮاح اﻟﻨﺎس وأﻋﺮاﺳﻬﻢ ،ﺑﯿﻨﻤﺎ ﺗﺮﻛﺖ وراء ﺟﻮاﻧﺤﻨﺎ ﻣﺄﺗﻤﺎ ﻣﻦ اﻷﺣﺰان واﻵﻻم.
ﻓﻤﺎذا ﺟﻨﯿﺖ ﯾﺎ إﻟﻬﻲ ...؟ ﺑﻞ ﻣﺎذا ﺟﻨﻰ ذﻟﻚ اﻟﻤﺴﻜﯿﻦ اﻟﺬي أرﺳﻠﺘﻪ ..ﻟﯿﺒﺤﺚ ﻋﻦ آﻣﺎﻟﻪ ﻓﻲ ﻇﻼم اﻟﻤﻘﺎم ﻓﻲ ﺑﺎﻃﻦ
اﻷرض ..؟
وﻟﻜﻦ...
ﻟﻤﺎذا أﻋﺘﺐ ..وﻟﻢَ أﻗﻮل ﻫﺬا ؟ ﻓﻘﺪ ﻋﻠﻤﺖ أن ﻫﺬه ﻗﺴﻤﺘﻲ ﻣﻦ اﻷزل ،وﻗﺪ رﺿﯿﺖ ﺑﻬﺎ ﻗﺒﻞ اﻟﯿﻮم .وﻋﻠﻲّ أن
أرﺿﺎﻫﺎ اﻟﯿﻮم أﯾﻀﺎ ﺻﺎﺑﺮة ﺷﺎﻛﺮة.
ﻏﻔﺎراﻧﻚ اﻟﻠﻬﻢ ...ﻟﻚ ﻣﻨﻲ اﻟﺮﺿﻰ واﻟﻘﺒﻮل ﺑﻜﻞ ﻣﺎ ﺣﻜﻤﺖ ﺑﻪ ﻋﻠﻲّ أﻗﺪارك‘‘...
وﯾﺘﺮاءى أﻣﺎ ﻋﯿﻨﯿﻬﺎ ﺷﺒﺢ ﻣﻤﻮ ،وﻛﺄﻧﻤﺎ ﯾﻨﻈﺮ إﻟﯿﻬﺎ ﻣﻦ وراء ﺳﺠﻨﻪ ،وﻫﻲ ﻃﻠﯿﻘﺔ ﻓﻲ ﺟﻨﺒﺎت اﻟﻘﺼﺮ ،ﺑﻌﯿﻦ
ﻛﺎﺳﻔﺔ ووﺟﻪ ﻣﺘﺄﻟﻢ ،ﻓﯿﺜﯿﺮ ذﻟﻚ ﻟﻮاﻋﺠﻬﺎ ،وﺗﺤﺪﺛﻪ ﻗﺎﺋﻠﺔ:
’’أو ﺗﺤﺴﺐ ﯾﺎ ﻣﻤﻮ أن رﺣﺐ ﻫﺬا اﻟﻘﺼﺮ أوﺳﻊ ﻋﻠﻲ ﻣﻦ ﻣﻀﯿﻖ ﺳﺠﻨﻚ ؟ أو أن إﺷﺮاق ﻫﺬه اﻟﺪﻧﯿﺎ ﻣﻦ ﺣﻮﻟﻲ أﻗﻞ
ﺳﻮادا ﻓﻲ ﻧﺎﻇﺮي ﻣﻦ ﻇﻠﻤﺘﻚ اﻟﺘﻲ أﻧﺖ ﻓﯿﻬﺎ ؟ أو أن ﺷﯿﺌﺎ ﻣﻦ اﻟﻨﻌﯿﻢ اﻟﺬي ﺣﻮﻟﻲ ﯾﺴﻠﯿﻨﻲ ﻋﻨﻚ وﯾﺸﻐﻠﻨﻲ ؟
ﻻ واﷲ ﯾﺎ ﻣﻤﻮ ...أﻗﺴﻢ ﻟﻚ وأﻧﺖ ﻗﺒﻠﺔ ﻓﺆادي اﻟﻮﻟﻬﺎن ،وأﻣﻞ روﺣﻲ اﻟﻬﺎﺋﻤﺔ -أن ﺳﻌﺔ آﻓﺎق اﻟﺪﻧﯿﺎ أﻣﺎي ﻻ
ﺗﺰﯾﺪﻧﻲ إﻻ ﺣﺴﺮة وﻛﺮﺑﺎ ،وأن إﺷﺮاق ﻫﺬا اﻟﻘﺼﺮ ﻣﻦ ﺣﻮﻟﻲ ﻻ ﯾﺒﺼﺮﻧﻲ إﻻ ﺑﺴﻮاد ﺣﻈﻲ اﻟﺤﺎﻟﻚ..
ﻧﻌﯿﻤﻲ ..اﻟﺰﻓﺮات اﻟﺘﻲ ﺗﺸﻖ ﺻﺪري ،وﻃﻌﺎﻣﻲ ..اﻟﺴُﻌﺎر اﻟﺬي ﯾﻤﺰق أﺣﺸﺎﺋﻲ ،وﺷﺮاﺑﻲ اﻟﺪﻣﻮع اﻟﺘﻲ ﺗﺬﯾﺐ
ﻛﺒﺪي .أﻣﺎ ﻓﺮاﺷﻲ ،ﻓﻬﻮ ذﻟﻚ اﻟﻘﺘﺎد اﻟﺬي ﯾﻈﻞ ﯾﺪﻣﻲ ﻣﻨﻲ ﺳﻮﯾﺪاء اﻟﻘﻠﺐ ،ﻟﯿﺴﺖ ﻟﻲ ﻋﯿﻦ ﯾﻔﺮغ ﻣﻨﻬﺎ اﻟﺪﻣﻊ
ﻟﺘﻐﻤﺾ ،وﻻ ﺷﻌﻮر ﺗﻬﺪأ ﻣﻨﻪ اﻟﺜﻮرة ﻟﯿﺴﺘﻜﯿﻦ.
ﻫﺬه ﺣﺎﻟﺘﻲ ﯾﺎ ﻣﻤﻮ وأﻧﺎ ﻓﻲ رﺣﺎب ﻫﺬا اﻟﻘﺼﺮ ،ﻓﻘﻞ ﻟﻲ ﻛﯿﻒ ﺣﺎﻟﻚ وأﻧﺖ ﻓﻲ ﻏﯿﺎﻫﺐ ذﻟﻚ اﻟﺴﺠﻦ ..؟
ﻗﻞ ﻟﻲ ﻣﻦ ﻫﻮ أﻧﯿﺴﻚ ﻓﯿﺬﻟﻚ اﻟﻈﻼم ؟ وﻣﻦ ﻫﻮ ﺟﻠﯿﺴﻚ اﻟﺬي ﺗﺸﻜﺮ إﻟﯿﻪ اﻵﻻم ؟ ﻛﯿﻒ ﺗﻘﻀﻲ اﻟﻠﯿﻞ ،وأﻧﺖ ﻻ ﺗﺮى
ﺳﻤﺎﺋﻚ ﻛﻮﻛﺒﺎ ﯾﻮاﺳﯿﻚ أو ﯾﻄﻞ ﻋﻠﯿﻚ ؟ !وﻛﯿﻒ ﯾﻤﺮ ﻧﻬﺎرك دون أن ﺗﺮى ﻣﻦ ﺣﻮﻟﻚ أي إﻧﺴﺎن ﯾﺤﺪﺛﻚ ،أو ﺗﻤﺮ ﺑﻚ
ﻧﺴﻤﺔ ﺗﻨﻌﺸﻚ ،أو ﺗﺒﺼﺮ أﻣﺎﻣﻚ ﻏﺼﻨﺎ أو ﻃﺎﺋﺮا ﯾﺴﻠﯿﻚ ؟
آه ﻟﻮ ﻛﺎن ﻟﺮوﺣﻲ اﻟﺘﻲ ﺑﯿﻦ ﺟﻨﺒﻲ أن ﺗﻨﻄﻠﻖ ﻣﺮة إﻟﻰ ذﻟﻚ اﻟﻐﻮر ﻟﺘﺒﺼﺮ ذﻟﻚ اﻟﻤﺴﻜﯿﻦ ،وﺗﻌﻮد إﻟﻲ ﺑﺎﻟﺨﺒﺮ ﻋﻦ
ﺣﺎﻟﺘﻪ وﺻﺤﺘﻪ وﺟﺴﻤﻪ .أﺧﺸﻰ أن ﯾﻜﻮن اﻟﺠﺰع ﻗﺪ اﺳﺘﺒﺪ ﺑﻪ واﻵﻻم اﺳﺘﺤﻜﻤﺖ ﻓﻲ ﻧﻔﺴﻪ ﻓﯿﻜﻮن ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﻤﻜﺎن
ﻗﻀﺎؤه.
ﺑﻞ آه ﻟﻮ اﻣﺘﺪ ﻏﻀﺐ ﻫﺬا اﻷﻣﯿﺮ إﻟﻲ أﯾﻀﺎ ،ﻓﺎﺛﻘﻠﻨﻲ ﺑﺎﻟﺴﻼﺳﻞ واﻷﻏﻼل وزﺟﻨﻲ ﻣﻌﻪ ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﻈﻼم .إذا واﷲ
ﻻﻃﻠﻘﻨﻲ ﻣﻦ ﺳﺠﻦ ﻫﺬه اﻟﺪﻧﯿﺎ إﻟﻰ رﺣﺐ اﻟﺠﻨﺎن ،واﻓﻠﺘﻨﻲ ﻣﻦ ﻗﯿﻮد ﻫﺬه اﻟﻨﻌﻤﺔ اﻟﺘﻲ ﺣﻄﻤﺘﻨﻲ إﻟﻰ ﺣﯿﺚ أﺳﺘﻄﯿﻊ
أن أرى ﻓﯿﻪ ﺳﻌﺎدﺗﻲ ،وأدواي ذﻟﻚ اﻟﻘﻠﺐ اﻟﺬي ﻟﻢ ﯾﺮق ﻟﺤﺎﻟﻪ أﺣﺪ.
ﻣﺎ أﺷﺪ ﻇﻼم ﻫﺬا اﻟﯿﺄس ﻓﻲ ﻋﯿﻨﻲ ،وﻣﺎ أﺷﺪ ﺧﻮﻓﻲ ﻣﻦ أن ﯾﻜﻮن اﻟﺪﻫﺮ ﻗﺪ اﻧﻄﻮى ﻋﻠﻰ آﺧﺮ ﻟﻘﺎء ﺑﯿﻨﻲ وﺑﯿﻦ ﻫﺬا
إﻧﺴﺎن ﻗﻠﺒﻲ ،وﻗﺮر أن ﯾﺤﺮﻣﻨﻲ ﺣﺘﻰ ﻣﻦ ﻣﺸﺎﻫﺪﺗﻪ واﻹﻃﻤﺌﻨﺎن ﻋﻠﻰ ﺣﺎﻟﻪ‘‘
وﻫﻜﺬا أﺧﺬت زﯾﻦ ﺗﻔﻘﺪ أﺧﯿﺮا ﺑﻘﯿﺔ ﻣﺎ ﻓﻲ ﺟﺴﻤﻬﺎ ﻣﻦ ﺣﻮل وﻗﻮة ،وﻋﺎﻓﺖ ﻛﻞ ﻃﻌﺎم وﺷﺮاب ،وأﺿﻨﺎﻫﺎ اﻟﻬﺰال
واﻟﯿﺄس إﻟﻰ أن ﻏﺪت ﻧﻬﺒﺔ ﻟﻠﻌﻠﻞ واﻷﻣﺮاض .
وﻟﻢ ﯾﻌﺪ ﯾﺨﻔﻰ ﻋﻠﻰ أﺧﯿﻬﺎ ﻣﺎ ﺗﻜﺎﺑﺪه ﻣﻦ أﻟﻢ وﺣﺐ ﺷﺪﯾﺪ ﻟﻤﻤﻮ وﻟﻜﻨﻪ ﻣﻊ ذﻟﻚ ﻇﻞ ﻣﺘﺠﺎﻫﻼ أﻣﺮﻫﺎ ﻏﯿﺮ ﻣﻜﺘﺮث
ﺑﺤﺎﻟﻬﺎ ﻓﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ ﺳﻜﺮة اﻟﻐﯿﺮة واﻟﺤﻤﯿﺔ ﻓﻲ ﻧﻔﺴﻪ ﻗﺪ ﻏﺸﺖ ﻋﻠﻰ ﻋﻘﻠﻪ وﻋﺎﻃﻔﺘﻪ ﺣﯿﺎل ﻫﺬﻫﯿﻦ اﻟﻌﺎﺷﻘﯿﻦ ،ﺗﻠﻚ
اﻟﺴﻜﺮة اﻟﺘﻲ ﻧﻔﺨﻬﺎ ﻓﻲ رأﺳﻪ ﺣﺎﺟﺒﻪ اﻟﺨﺒﯿﺚ ،إذ رﻣﺎﻫﻤﺎ ﻟﻪ ﺑﺘﻬﻢ ﺑﺎﻃﻠﺔ ،وأدﺧﻠﻪ إﻟﻰ وﻫﻤﻪ أن ﻣﻤﻮ ﻟﻢ ﯾﻌﺪ ﯾﺠﺪ
ﻣﺎﻧﻌﺎ ﻣﻦ أن ﯾﻠﻮث ﺳﻤﻌﺔ ﻗﺼﺮه ﺑﻤﻌﺎﻧﻲ اﻟﻌﺸﻖ واﻟﻐﺮام ﺑﺄﺧﺘﻪ ﺑﻌﺪ أن رﻓﺾ أن ﯾﺰوﺟﻪ ﺑﻬﺎ.
واﻧﻘﻄﻊ اﻷﻣﯿﺮ ﻋﻦ اﻹﻟﺘﻔﺎت إﻟﻰ أﺧﺘﻪ اﻟﺼﻐﯿﺮة ﻣﺮة واﺣﺪة ﻻ ﯾﺴﺄل ﻋﻨﻬﺎ ﺑﻜﻠﻤﺔ ،وﻻ ﯾﺮﺣﻤﻬﺎ ﺑﻨﻈﺮة ،ﺑﻞ وﻻ
ﯾﺤﺎول أن ﯾﻤﺮ وﻟﻮ ﻣﺮة ﺑﺠﻨﺎﺣﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﻘﺼﺮ ﻟﯿﻌﻠﻢ ﻣﺎ ﺣﺎﻟﻬﺎ وﻣﺎ اﻟﺬي اﻧﺘﻬﻰ إﻟﯿﻪ أﻣﺮﻫﺎ.
اﻟﺜﻮرة
اﻧﻘﻀﻰ ﻋﺎم ﻛﺎﻣﻞ ﻋﻠﻰ ﻣﻤﻮ وﻫﻮ ﻻ ﯾﺰال ﻣﻠﻘﻰ ﻓﻲ ﺳﺠﻨﻪ ،ورﻓﯿﻘﺔ ﺷﻘﺎﺋﻪ ﻻ ﺗﺰال ﺗﻌﺎﻧﻲ ﻛﺮﺑﻬﺎ وﻋﻠﻞ ﻧﻔﺴﻬﺎ
وﺟﺴﻤﻬﺎ .وأﺻﺪﻗﺎؤﻫﻤﺎ ﻻ ﯾﺠﻠﻮ ﻋﻨﻬﻢ ذاك اﻟﺤﺰن واﻟﻬﻢ ﻣﻦ أﺟﻠﻬﻤﺎ ،ﻻ ﺳﯿﻤﺎ ﺗﺎج اﻟﺪﯾﻦ وﺳﺘﻲ ،ذاك ﻻ ﯾﺒﺎرح
ﺧﯿﺎﻟﻪ ﻣﻤﻮ وﻫﻮ ﻗﺎﺑﻊ ﻓﻲ وﺣﺸﺔ اﻹﻧﻔﺮاد ﯾﻜﺎﺑﺪ ﻫﺬه اﻟﻨﻬﺎﯾﺔ اﻟﺘﻲ ﺣﻜﻢ ﺑﻬﺎ اﻟﻘﻀﺎء ﺑﻌﺪ ﻛﻞ ﺣﺮﻣﺎﻧﻪ وﺷﻘﺎﺋﻪ .وﺗﻠﻚ
ﻻ ﺗﻔﺘﺄ ﺗﺘﻮﺟﻊ ﻟﺤﺎﻟﺔ أﺧﺘﻬﺎ زﯾﻦ اﻟﺘﻲ ﺗﺪﻫﻮرت ﺻﺤﺘﻬﺎ وﻃﺮﺣﻬﺎ اﻟﻀﻨﻰ واﻟﻌﺬاب ،ﺣﺘﻰ إﻧﻬﺎ ﻋﺎﻓﺖ واﺳﺘﺜﻘﻠﺖ ﻛﻞ
ﻣﻈﺎﻫﺮ ﻧﻌﯿﻤﻬﺎ وﺳﻌﺎدﺗﻬﺎ اﻟﺘﻲ آﺗﺎﻫﺎ اﻟﺪﻫﺮ ﺑﻌﺪ أن ﻋﺎﻓﺖ أﺧﺘﻬﺎ ﻣﻦ ﻛﻞ ذﻟﻚ وﻧﻜﺒﻬﺎ ﻫﺬه اﻟﻨﻜﺒﺔ اﻟﻤﺮﯾﺮة .وﻗﺪ ﺑﺎﺋﺖ
ﻛﻞ ﻣﺤﺎوﻻت أوﻟﺌﻚ اﻷﺻﺪﻗﺎء ﻹﻃﻼق ﺳﺮاح ﻣﻤﻮ واﻟﻌﻔﻮ ﻋﻨﻪ ﺑﺎﻟﺨﯿﺒﺔ ،ﻓﻠﻢ ﯾﻜﻦ أﺣﺪ ﻟﯿﺴﺘﻄﯿﻊ أن ﯾﺴﺘﺪر ﺑﺸﻜﻞ ﻣﺎ
ﻋﻄﻒ اﻷﻣﯿﺮ وﺷﻔﻘﺘﻪ ﻋﻠﯿﻪ.
وﻓﻲ ﻟﯿﻠﺔ ﺻﺎﻣﺘﺔ ﻫﺎدﺋﺔ ...ﻛﺎن أﺻﺪﻗﺎء ﻣﻤﻮ ﻛﻠﻬﻢ ﻣﺠﺘﻤﻌﯿﻦ ﻓﻲ دار ﺗﺎج اﻟﺪﯾﻦ ،ﺗﻠﻚ اﻟﺪار اﻟﺘﻲ ﯾﻌﺮف اﻟﻨﺎﻇﺮ
إﻟﯿﻬﺎ أﻧﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻓﻲ ﯾﻮم ﻣﺎ ﻗﺼﺮا راﺋﻌﺎ ..ﯾﺘﺒﺎدﻟﻮن اﻟﻤﺸﻮرة واﻵراء ﻹﯾﺠﺎد ﺣﻞ ﺣﺎﺳﻢ ﻟﻬﺬه اﻟﻤﺸﻜﻠﺔ .وﻗﺪ ﺑﻠﻎ
ﺑﻬﻢ اﻟﻜﺮب أﻗﺼﺎه ،واﻧﺘﻬﻰ اﻟﺼﺒﺮ ﻓﯿﻬﻢ إﻟﻰ آﺧﺮ ﻣﺮﺣﻠﺔ.
وارﺗﺄى ﺑﻌﻀﻬﻢ أن ﯾﻐﺪو ﺟﻤﯿﻌﺎ ﻣﻊ ﺻﺒﺢ اﻟﯿﻮم اﻟﺘﺎﻟﻲ إﻟﻰ اﻷﻣﯿﺮ ﻵﺧﺮ ﻣﺮة ..ﯾﺴﺘﺸﻔﻌﻮﻧﻪ ﻓﻲ ﻣﻤﻮ ،وﯾﺴﺘﺪرون
ﻋﻄﻔﻪ ..و ﯾﻠﺤﻮن ﻓﻲ اﻟﺮﺟﺎء ﺑﺈﻃﻼﻗﻪ ..ﻓﺈن اﺳﺘﺠﺎب ﻓﺬاك وإﻻ ﻋﺎدوا ﻓﻘﺮروا ﺳﺒﯿﻼ آﺧﺮ أﺻﻠﺐ ﻣﻦ ﻫﺬا...
وﻟﻜﻦ ﻋﺎرﻓﺎً ﻟﻢ ﯾﻌﺠﺒﻪ اﻟﺮأي وﻗﺎل:
’’إن ﻣﻦ اﻟﻀﻌﻒ واﻟﺨﻮر ﺑﻌﺪ ﻛﻞ اﻟﺬي ﻋﺮﺿﻨﺎه ﻣﻦ رﺟﺎء ،وﺗﺼﻨﻌﻨﺎه ﻣﻦ ذل -أن ﻧﻌﻮد إﻟﻰ ﻫﺬا اﻹﺳﻠﻮب
ﺑﻌﯿﻨﯿﻪ.
إن إﺧﺮاج ﻣﻤﻮ ﻣﻦ اﻟﺴﺠﻦ ﻟﻢ ﯾﻌﺪ ﯾﻤﻜﻦ ﻋﻦ ﻃﺮﯾﻖ اﻟﺮﺟﺎء واﻟﻜﻼم ﻓﻲ اﻟﺪواوﯾﻦ ،وإﻧﻤﺎ ﯾﺨﺮﺟﻪ اﻟﯿﻮم ﺷﻲء واﺣﺪ
،ﻫﻮ ﻫﺬه اﻟﺴﻮاﻋﺪ اﻟﺘﻲ ﻧﻤﻠﻜﻬﺎ ..ﻓﻌﻠﯿﻨﺎ أن ﻧﺘﺮﻛﻬﺎ ﻫﻲ اﻟﯿﻮم ﺗﺮﺟﻮ وﺗﺘﻜﻠﻢ ،ﻻ ﻓﻲ اﻟﻤﺠﺎﻟﺲ واﻟﺪواوﯾﻦ وﻟﻜﻦ ﻓﻲ
اﻟﻔﻼة واﻟﻤﯿﺎدﯾﻦ!...
ﻋﻠﯿﻨﺎ إذا أردﻧﺎ أن ﯾﻌﻮد ﻣﻤﻮ إﻟﯿﻨﺎ أن ﻧﺒﺎدر ﻣﻊ ﺻﺒﺢ اﻟﻐﺪ ﻓﻨﺮﺗﺪي دروﻋﻨﺎ ،وﻧﺸﺘﻤﻞ ﺳﯿﻮﻓﻨﺎ ،ﺛﻢ ﯾﺴﺘﻮي ﻛﻞ ﻣﻨﺎ
ﻋﻠﻰ ﺟﻮاده ،ﻓﻨﻨﻄﻠﻖ ﺑﺎﻟﺤﺮاب واﻟﺴﻨﺎن ﻧﻬﺰﻫﺎ ،وﻧﺴﺘﺪر ﺑﻬﺎ وﺣﺪﻫﺎ ﻋﻄﻒ اﻷﻣﯿﺮ ،ﻟﯿﻄﻠﻖ ﺳﺮاح ﻣﻤﻮ .ﻓﺈن
رﻗﻖ ذﻟﻚ ﻣﻦ ﻗﻠﺒﻪ وﻗﻀﻰ ﻣﺮادﻧﺎ ﻓﺬاك ..وإﻻ أﻋﻠﻨﺎ ﺣﺮﺑﺎ ﻣﺴﺘﻌﺮة ﻫﻮﺟﺎء ،ﻋﻠﯿﻪ وﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﻣﻦ ﺳﺘﺜﻜﻠﻪ أﻣﻪ ﻣﻦ
اﺗﺒﺎﻋﻪ وﺑﻄﺎﻧﺘﻪ ،وﻋﻠﻰ رأﺳﻬﻢ ﻛﻠﺒﻪ اﻟﻠﺌﯿﻢ اﻟﺤﻘﯿﺮ.
وﻟﺘﻨﻔﺘﻞ رﺣﻰ اﻵﺟﺎل إذ ذاك ،ﺗﻌﺼﻒ ﺑﺎﻟﺮؤوس ،وﻟﺘﺼﺒﺢ ’’ ﺑﻮﻃﺎن ‘‘ ﺣﻠﺒﺔ ﻟﺮﻗﺼﺔ اﻟﻤﻮت ،وﻟﯿﺴﺘﻤﺘﻊ أﻫﻠﻬﺎ
ﺑﻠﺤﻦ اﻷﺗﺮاس واﻟﺴﯿﻮف .ﻓﺈﻣﺎ ﺷﻘﻘﻨﺎ ﻏﺒﺎر ذﻟﻚ ﻛﻠﻪ إﻟﻰ ﻣﻤﻮ ﻓﺄﻧﻘﺬﻧﺎه ﺑﺮﻣﺎﺣﻨﺎ وﺳﻮاﻋﺪﻧﺎ ،وإﻣﺎ ﻟﺤﻘﻨﺎ ﺑﻪ
وﻋﺎﻧﻘﻨﺎ ﻣﻌﻪ اﻟﻤﻮت واﻟﺮدى‘‘.
وﻣﺎ إن أﺑﺪى ﻫﺬا اﻟﺮأي ،وأﺗﻢ ﻛﻼﻣﻪ اﻟﻤﻠﺘﻬﺐ ﺣﺘﻰ أﺛﺎر ﺣﻤﺎﺳﺔ اﻟﺠﺎﻟﺴﯿﻦ ،وأﺷﻌﻞ دﻣﺎﺋﻬﻢ ،وأﺟﻤﻌﻮا ﻋﻠﻰ أن
ﯾﺘﻼﻗﻮا ﺟﻤﯿﻌﺎ ﻓﻲ ﺻﺒﺢ اﻟﯿﻮم اﻟﺘﺎﻟﻲ ﻓﻲ ﻋﺪة اﻟﺤﺮب ﻟﯿﺸﻨﻮﻫﺎ ﻏﺎرة ﻋﻠﻰ اﻷﻣﯿﺮ!...
وﻓﻲ ﺻﺒﺢ ذﻟﻚ اﻟﯿﻮم ﻓﻮﺟﺊ أﻫﻞ اﻟﺠﺰﯾﺮة ﻣﻦ ﻫﺆﻻء اﻷﺷﻘﺎء اﻟﺜﻼﺛﺔ ﺑﺄﻣﺮ ﻟﻢ ﯾﻜﻮﻧﻮا ﯾﺤﺴﺒﻮا ﻟﻪ ﺣﺴﺎﺑﺎ .وﻃﺎف
ﻫﺆﻻء اﻟﺜﻼﺛﺔ وﻣﻦ ﻣﻌﻬﻢ ﻣﻦ اﻷﺻﺪﻗﺎء واﻷﺻﺤﺎب ﻋﻠﻰ أﻫﻠﻬﻢ وذوﯾﻬﻢ -وﻗﺪ ﺣﺰﻣﻮا أﻣﺮﻫﻢ ﻋﻠﻰ اﻟﺤﺮب ،
وﻟﺒﺴﻮا ﻟﻬﺎ ﻟﺒﺎﺳﻬﺎ ،وأﻋﺪوا ﻟﻬﺎ ﻋﺪﺗﻬﺎ -ﯾﺴﺘﺴﻤﺤﻮﻧﻬﻢ وﯾﻮدﻋﻮﻧﻬﻢ.
ﺛﻢ اﻧﻄﻠﻘﻮا ﻓﻲ ﺧﯿﻠﻬﻢ ورﺟﻠﻬﻢ ،وﻗﺪ اﺟﺘﻤﻊ ﻣﻨﻬﻢ ﻋﺪد ﻛﺒﯿﺮ ،ﯾﺆﻣﻮن ﻗﺼﺮاﻷﻣﯿﺮ ..وﻟﻤﺎ ﺻﺎروا ﻋﻠﻰ ﻣﻘﺮﺑﺔ ﻣﻨﻪ
اﺧﺘﺎرﺗﺎج اﻟﺪﯾﻦ ﻣﻤﻦ ﻣﻌﻪ ﺷﯿﺨﺎ ﻣﺴﻨﺎ ،ﻓﺒﻌﺜﻪ رﺳﻮﻻ إﻟﻰ اﻷﻣﯿﺮ ،ﯾﺨﺒﺮه ﺑﺎﻟﺸﺄن ..وأﻣﺮه أن ﯾﻘﻮل ﻣﺎ ﯾﻠﻲ:
’’أﯾﻬﺎ اﻷﻣﯿﺮ ،ﻫﺆﻻء اﻷﺧﻮة اﻷرﺑﻌﺔ -ﻣﻤﻮ وﺗﺎج اﻟﺪﯾﻦ وﻋﺎرف وﺟﻜﻮ -ﻟﺴﺖ ﺗﺠﻬﻞ أن أﺣﺪا ﻣﻨﻬﻢ ﻟﻢ ﯾﺘﻬﺎون
ﯾﻮﻣﺎ ﻣﺎ ﻓﻲ ﺧﺪﻣﺘﻚ ،وﻟﻢ ﯾﺘﺒﺪل ﻣﻨﻪ اﻹﺧﻼص ﻓﻲ ﻣﺤﺒﺘﻚ .ﻓﺒﺄي ﺣﻖ وإﻧﺼﺎف ﺗﻤﺮ ﺳﻨﺔ ﻛﺎﻣﻠﺔ ،وأﻧﺖ ﺣﺎﺑﺲ
ﻋﻨﻬﻢ أﻋﺰ أخ ﺑﯿﻨﻬﻢ ..وﻣﻠﻖ ﺑﻪ ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﻘﺒﺮ ..ﻟﯿﺲ ﻟﻪ ﻫﻨﺎك ﻣﻦ راع وﻻ ﺻﺎﺣﺐ ؟!
أﯾﻘﻈﺖ ﻋﻠﯿﻬﻢ ﺷﻤﺎﺗﺔ اﻟﺤﺴﺎد ،وأﻗﻤﺖ ﻣﻦ ﺣﻮﻟﻬﻢ ﻫﻤﻮم اﻷﺻﺪﻗﺎء واﻷﺻﺤﺎب ،وﺗﻨﻜﺮت ﻟﻬﻢ ،ﻓﻠﻢ ﺗﺴﺘﻤﻊ ﻣﻨﻬﻢ
إﻟﻰ اﺳﺘﻌﻄﺎف أو رﺟﺎء !
ﻣﺎ ﻫﻮ ذﻧﺐ ﻣﻤﻮ ...؟
أﻟﯿﺲ ﻛﻞ ذﻧﺒﻪ اﻟﺬي ﺟﻌﻠﻪ ﯾﺴﺘﺤﻖ ﻣﻨﻜﻢ ﻫﺬا اﻟﻌﻘﺎب أﻧﻪ ﻋﺎﺷﻖ ....؟
وﻟﻜﻦ ﻣﺎذا ﯾﺼﻨﻊ ..وإن ﻟﻠﻌﺸﻖ ﺳﻠﻄﺎﻧﺎ أﻗﻮى ﻣﻦ ﺳﻠﻄﺎﻧﻚ ؟ ﻓﻬﻼّ اﻧﺘﻘﻤﺖ إن ﻛﻨﺖ ذا ﻃﻮل وﻃﻮد ﻣﻦ ذﻟﻚ
اﻟﺴﻠﻄﺎن اﻟﺬي ﻋﺎﻧﺪك ﻓﺎﺳﺘﺮﻗّﻪ -ﻋﻮﺿﺎ ﻋﻦ أن ﺗﻨﺘﻘﻢ ﻣﻦ ﻫﺬا اﻟﺒﺮيء اﻟﻀﻌﯿﻒ اﻟﺬي ﻟﯿﺲ ﻟﻪ ﻣﻦ اﻷﻣﺮ ﺷﻲء
..؟!
أﯾﻬﺎ اﻷﻣﯿﺮ :إن ﻫﺆﻻء اﻷﺧﻮة اﻷرﺑﻌﺔ ﻟﯿﺲ أﺣﺪ ﯾﺠﻬﻞ أﻧﻬﻢ أرﻛﺎن أرﺑﻌﺔ ﻟﺴﻌﺎدﺗﻚ وﺳﻠﻄﺎﻧﻚ ..وﻫﻢ اﻟﯿﻮم
ﯾﺘﻘﺪﻣﻮن إﻟﻰ رﺣﺎﺑﻜﻢ ﺑﺎﺳﻢ اﻟﻮﻓﺎء واﻟﻌﺪل ﻃﺎﻟﺒﯿﻦ ﻵﺧﺮ ﻣﺮة إﻃﻼق ﺳﺮاح راﺑﻌﻬﻢ ﻣﻦ ذﻟﻚ اﻟﺴﺠﻦ .وإﻻ ﻓﺈن أﺣﺪاً
ﻣﻦ اﻟﺒﻘﯿﺔ ..ﻻ ﯾﺠﺪ ﻓﻲ ﻧﻔﺴﻪ ﺿﺮورة إﻟﻰ اﻟﺤﯿﺎة ﺑﻌﺪ اﻟﯿﻮم‘‘...
وراح اﻟﺸﯿﺦ ..واﺳﺘﺄذن ﻋﻠﻰ اﻷﻣﯿﺮ ﺑﻌﺪ أن رآه ﺑﻜﺮ وﻋﺮف اﻟﻤﺴﺄﻟﺔ ﻛﻠﻬﺎ ..ﻓﺄﺑﻠﻐﻪ ﻫﺬه اﻟﺮﺳﺎﻟﺔ ﻛﻤﺎ ﺣﻤّﻠﻪ إﯾﺎﻫﺎ
ﺗﺎج اﻟﺪﯾﻦ ،ووﻗﻒ ﯾﻨﺘﻈﺮ اﻟﺠﻮاب .ﻓﺄﺧﺬ اﻷﻣﯿﺮ ﯾﻔﻜﺮ وﻗﺪ ﺑﺪا ﻋﻠﻰ ﻣﻼﻣﺤﻪ اﻟﺤﺬر واﻟﺘﺮﯾﺚ .ﺛﻢ ﻧﻈﺮ إﻟﻰ اﻟﺸﯿﺦ
ﻗﺎﺋﻼ وﻗﺪ أﺳﺮّ ﻓﻲ ﻧﻔﺴﻪ أﻣﺮا:
’’أﯾﻬﺎ اﻟﺸﯿﺦ .ﻋﺪ إﻟﻰ ﻫﺆﻻء اﻟﺬﯾﻦ أرﺳﻠﻮك ،ﻓﻘﻞ ﻟﻬﻢ :ﻣﻦ أﯾﻦ ارﺗﻜﺰت ﻓﻲ أذﻫﺎﻧﻬﻢ ﻫﺬه اﻷوﻫﺎم اﻟﻔﺎﺳﺪة ﺣﺘﻰ
ﺗﻘﻮم ﻓﻲ رؤوﺳﻬﻢ ﻫﺬه اﻟﺜﻮرة اﻟﺘﻲ ﻻ داﻋﻲ ﻟﻬﺎ ..؟ وﻟﯿﺤﺪث ﻛﻞ ﻣﺎ ﯾﻔﺮض أن ﯾﻜﻮن ،ﻓﻬﻞ ﯾﻌﻘﻞ أن ﻧﻔﻮت وﻧﺘﺮك
أﺻﺪﻗﺎﺋﻨﺎ ،وأن ﻧﺘﺨﻠﻰ ﻋﻦ ﺗﻘﺪﯾﺮﻫﻢ وﻣﺤﺒﺘﻬﻢ ،ﺳﯿﻤﺎ وإن ﻟﻬﻢ ﻋﻨﺪﻧﺎ ﺧﺪﻣﺎت وأﯾﺎدي ﻻ ﺗﻨﺴﻰ ،أﻣﺎ ﻣﻤﻮ ﻓﺈﻧﺎ رأﯾﻨﺎ
أن ﻧﻔﻌﻞ ﺑﻪ ذﻟﻚ ﺗﺄدﯾﺒﺎ وإﯾﻘﺎﻓﺎ ﻟﻪ ﻋﻨﺪ ﺣﺪه ،وﻫﺎ أﻧﺎ اﻟﯿﻮم ﺳﺄﺟﻌﻞ ﻛﻼ ﻣﻦ ﻣﻤﻮ وزﯾﻦ ﻓﺪاء ﻟﺘﺎج اﻟﺪﯾﻦ وأﺧﻮﯾﻪ ،
ﻓﻠﯿﻄﺐ ﺧﺎﻃﺮﻫﻢ .ﺑﻞ وﺳﺄﻫﺒﻬﺎ ﻟﻬﻢ ﻟﯿﺘﺤﻘﻘﻮا ﻣﻦ إﺧﻼﺻﻨﺎ ﻓﻲ ﺣﺒﻬﻢ وﺗﻘﺪﯾﺮﻫﻢ‘‘..
ﻓﺘﻬﻠﻠﺖ أﺳﺎﺳﯿﺮ اﻟﺸﯿﺦ ،واﻧﺤﻨﻰ ﺷﺎﻛﺮا ﺑﯿﻦ ﯾﺪﯾﻪ ،ﺛﻢ اﻧﺼﺮف ﻋﺎﺋﺪا إﻟﻰ اﻟﻘﻮم اﻟﺬﯾﻦ ﻛﺎﻧﻮا ﻓﻲ اﻧﺘﻈﺎره .وﻣﺎ إن
أﺧﺒﺮﺗﻬﻢ ﺑﻤﺎ ﻗﺎﻟﻪ اﻷﻣﯿﺮ ﺣﺘﻰ ﺳﺮي ﻋﻨﻬﻢ وﺧﻤﺪت ﺛﻮرﺗﻬﻢ وﺗﻔﺮﻗﻮا ﻋﺎﺋﺪﯾﻦ إﻟﻰ دورﻫﻢ ﻓﻲ اﻧﺘﻈﺎر اﻻﺑﺘﻬﺎج
ﺑﺈﻃﻼق ﺳﺮاح ﻣﻤﻮ وﺗﺰوﯾﺠﻪ ﻣﻦ ﺣﺒﯿﺒﺘﻪ زﯾﻦ.
اﻟﺨﺪﻳﻌﺔ
ﻟﻢ ﯾﻜﺪ ذﻟﻚ اﻟﺸﯿﺦ ﯾﺨﺮج ﻣﻦ اﻟﻘﺼﺮ ﺣﺘﻰ أﺧﺬ اﻷﻣﯿﺮ ﯾﻔﻜﺮ ﻓﻲ اﻟﻤﻮﺿﻮع ﺑﺠﺪ ...وﻗﺪ ﺑﺪا ﻋﻠﻰ ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ وﺟﻬﻪ وﻓﻲ
ﺑﺮﯾﻖ ﻋﯿﻨﯿﻪ اﻻﻫﺘﻤﺎم اﻟﺸﺪﯾﺪ ﺑﺎﻷﻣﺮ ! وأﺧﺬ ذﻫﻨﻪ ﯾﻄﻮف ﺣﻮل إﯾﺠﺎد أي ﺧﺪﻋﺔ ﻷوﻟﺌﻚ اﻟﺜﺎﺋﺮﯾﻦ ﻓﻲ وﺟﻬﻪ.
أﻣﺎ اﻟﺤﺪﯾﺚ اﻟﺬي ﻗﺎﻟﻪ ﻟﻠﺸﯿﺦ ،ﻓﻠﻢ ﯾﻜﻦ ﺷﻲء ﻣﻨﻪ ﺻﺎدرا ﻋﻦ أﻋﻤﺎق ﻧﻔﺴﻪ ،وإﻧﻤﺎ أرﺳﻠﻪ ﻣﺠﺎﻣﻠﺔ ﻓﻘﻂ ..ﻟﺘﺨﻤﺪ
ﺛﻮرﺗﻬﻢ ،وﯾﺮﺟﻌﻮا ﻋﻤﺎ ﻋﺰﻣﻮا ﻋﻠﯿﻪ ﻣﻦ إﺛﺎرة اﻟﻔﺘﻨﺔ واﻟﺤﺮب .إذ ﻛﺎن ﯾﻌﻠﻢ أن ﻗﯿﺎم ﺛﻮرة ﻋﻠﯿﻪ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﺗﺎج
اﻟﺪﯾﻦ وﺷﻘﯿﻘﯿﻪ ﻟﻦ ﯾﻜﻮن ﻓﻲ ﺻﺎﻟﺤﻪ .ﻻ ﺳﯿﻤﺎ وإن ﻟﻬﻢ ﺷﯿﻌﺔ وأﺗﺒﺎﻋﺎ ﻛﺜﺮا ﻓﻲ اﻟﺠﺰﯾﺮة وﻟﺬﻟﻚ أﻟﻘﻰ إﻟﯿﻬﻢ ﺑﻬﺬا
اﻟﻮﻋﺪ ،ﻟﯿﻠﻬﯿﻬﻢ وﯾﺘﺮاﺟﻌﻮا ﻋﻤﺎ أﺟﻤﻌﻮا رأﯾﻬﻢ ﻋﻠﯿﻪ ،ﺑﯿﻨﻤﺎ ﯾﺼﻞ ﻫﻮ ﻓﻲ ﺗﻔﻜﯿﺮه إﻟﻰ ﺣﯿﻠﺔ ﯾﺴﺒﻘﻬﻢ ﺑﻬﺎ إﻟﻰ ﺗﺪﺑﯿﺮ
اﻷﻣﺮ ﻛﻤﺎ ﯾﺸﺎء ،وﯾﻘﻄﻊ ﺑﻬﺎ ﻋﻠﯿﻬﻢ ﻃﺮﯾﻖ اﻟﺜﻮرة واﻟﻘﻮة.
ودﺧﻞ ﻋﻠﯿﻪ اﻟﺤﺎﺟﺐ ﺑﻜﺮ ،ﻓﺄﻟﻢ ﺑﺎﻟﻘﻠﻖ ﻓﻲ ﻧﻔﺴﻪ ،وﻟﻢ ﯾﺨﻒ ﻋﻠﯿﻪ -وﻗﺪ ﻛﺎن ﺗﺴﻤﻊ إﻟﻰ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻗﺎﻟﻪ اﻟﺮﺳﻮل
وأﺟﺎﺑﻪ ﺑﻪ اﻷﻣﯿﺮ -أن اﻷﻣﯿﺮ ﻟﻚ ﯾﻜﻦ ﻣﺨﻠﺼﺎ ﻟﻠﺮﺳﻮل ﻓﯿﻤﺎ ﻗﺪﻣﻪ إﻟﯿﻪ ﻣﻦ وﻋﻮد ،وأﻧﻊ ﯾﺤﻮم ﺑﻔﻜﺮه ﺣﻮل أي
وﺳﯿﻠﺔ ﻹﻧﻘﺎذ اﻟﻤﻮﻗﻒ ،وﺣﺴﻢ ﻫﺬا اﻷﻣﺮ...
ﻓﺄﺧﺬ ﯾﻘﻮل وﻫﻮ ﯾﺘﺸﺎﻏﻞ ﺑﺘﻨﻈﯿﻢ ﺟﻮاﻧﺐ اﻟﺪﯾﻮان وإﺻﻼﺣﻪ:
’’ﻟﻘﺪ ﻛﻨﺖ واﷲ ﺧﺎﺋﻔﺎ ﻣﻨﺬ أﻣﺪ ﻃﻮﯾﻞ أن ﯾﻨﺘﻬﺰ اﻟﻔﺮﺻﺔ ﻫﺆﻻء اﻟﻘﻮم ،وﯾﺘﺸﺒﺜﻮا ﺑﺄي ﺳﺒﺐ ﻣﺼﻄﻨﻊ ﻹﺛﺎرة اﻟﻔﺘﻦ
واﻟﻘﻼﺋﻞ ﺣﻮل ﻫﺬا اﻟﻘﺼﺮ .وﻣﺎ ﻣﺮادﻫﻢ واﷲ ،ﻛﻤﺎ ﻋﻠﻤﺖ ﻣﻦ أول اﻷﻣﺮ ،إﻻ أن ﯾﺼﻠﻮا ﺑﺼﺎﺣﺒﻬﻢ ﺗﺎج اﻟﺪﯾﻦ إﻟﻰ
اﻟﺤﻠﻢ اﻟﺬي ﻻ ﯾﺰال ﺟﺎﺛﻤﺎ ﻓﻲ أوﻫﺎم رؤوﺳﻬﻢ‘‘!...
ﺛﻢ اﻟﺘﻔﺖ إﻟﻰ اﻷﻣﯿﺮ ﻓﻘﺎل:
’’وﻟﻜﻦ ﻻ داﻋﻲ إﻟﻰ أن ﯾﺤﺴﺐ ﻣﻮﻻي ﻟﻬﻢ ﻛﻞ ﻫﺬا اﻟﺸﺄن ،وأن ﯾﻌﯿﺮﻫﻢ ﻣﻦ ﻧﻔﺴﻪ اﻟﻘﻠﻖ واﻻﻫﺘﻤﺎم ...ﻓﻔﻲ
اﺳﺘﻄﺎﻋﺘﻪ إذا ﺷﺎء أن ﯾﺘﺨﻠﺺ ﻣﻦ ﻛﻞ ﻣﻦ ﺗﺎج اﻟﺪﯾﻦ وﺷﻘﯿﻘﯿﻪ ﺑﺄﯾﺴﺮ اﻟﻄﺮق...
أﻣﺎ ﻣﻤﻮ ﻓﺈن اﻟﻮﺳﯿﻠﺔ إﻟﻰ ﻗﺘﻠﻪ أﺳﻬﻞ ﻣﺎ ﯾﻜﻮن ،وﻟﻦ ﯾﻜﻠﻒ ذﻟﻚ ﺳﻮى أن ﯾﺘﻈﺎﻫﺮ ﻣﻮﻻي ﻟﺰﯾﻦ ﺑﺄﻧﻪ ﻧﺎدم ..وأﻧﻪ
ﻋﻘﺪ اﻟﻌﺰم ﻋﻠﻰ أن ﯾﻌﻔﻮ ﻋﻦ ﻣﻤﻮ وﯾﺰوﺟﻬﺎ ﺑﻪ .ﺛﻢ ﯾﺮﺳﻠﻬﺎ إﻟﻰ زﻧﺰاﻧﺔ ﺳﺠﻨﻪ ﻟﺘﺘﻮﻟﻰ ﻫﻲ ﺑﻨﻔﺴﻬﺎ إﻃﻼق ﺳﺮاﺣﻪ
،ﻓﻘﺪ ﻋﻠﻤﺖ ﻣﻮﻻي ﺑﺄﻧﻪ ﯾﻌﺸﻘﻬﺎ ﻋﺸﻘﺎ ﺷﺪﺷﺪا ،وأﻏﻠﺐ اﻟﻈﻦ أﻧﻪ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﯾﻔﺎﺟﺄ ﺑﺮؤﯾﺘﻬﺎ ﺑﻌﺪ ﻛﻞ ﻏﯿﺎﺑﻪ ﻋﻨﻬﺎ
وﺷﻮﻗﻪ إﻟﯿﻬﺎ واﻟﯿﺄس اﻟﺬي دب ﻓﻲ ﻧﻔﺴﻪ ،ﺳﯿﺨﺮ ﺻﺮﯾﻌﺎ وﻗﺪ ﻓﺎرﻗﺘﻪ اﻟﺮوح.
أﻣﺎ ﺗﺎج اﻟﺪﯾﻦ وﺷﻘﯿﻘﺎه ﻓﻤﻦ اﻟﺴﻬﻮﻟﺔ ﺑﻤﻜﺎن -إذا ﺷﺎء ﻣﻮﻻي وﺗﺮك اﻷﻣﺮ ﻟﻲ -أن أﺗﻘﺪم إﻟﯿﻬﻢ ﺑﻜﺆوس ﻣﻦ
اﻟﺸﺮاب اﻟﻤﺴﻤﻮم‘‘...
ورﻏﻢ أن اﻷﻣﯿﺮ ﻛﺎن ﯾﺘﻈﺎﻫﺮ ﻛﺎﻟﻤﺘﺸﺎﻏﻞ ﻋﻦ ﺣﺪﯾﺜﻪ ،إﻻ أﻧﻪ ﻛﺎن ﻣﻠﻘﯿﺎ إﻟﯿﻪ ﻛﺎ ﺑﺎﻟﻪ ،ﯾﺘﺘﺒﻊ ﺣﺪﯾﺜﻪ ورأﯾﻪ ﺑﺎﻫﺘﻤﺎم
.ﻓﻘﺪ ﻛﺎن ﻛﻞ ﻣﺮاده أن ﯾﻌﺜﺮ ﻓﻲ أﻗﺮب وﻗﺖ ﻋﻠﻰ أي ﺣﻞ أو ﻃﺮﯾﻘﺔ ﯾﺘﻔﺎدى ﺑﻬﺎ ﺛﻮرة ﺗﺎج اﻟﺪﯾﻦ وﺻﺤﺒﻪ ،دون أن
ﯾﻨﺰل ﻋﻨﺪ ﻃﻠﺒﻬﻢ أو ﻣﺮادﻫﻢ.
ﻋﻠﻰ أد ذﻟﻚ ﻟﻢ ﯾﻤﻨﻌﻪ ﻣﻦ أن ﯾﺘﻀﺎﯾﻖ ﻣﻦ ﺑﻜﺮ وﻓﻈﺎﻇﺔ ﻃﺒﻌﻪ اﻟﺬي ﯾﺄﺑﻰ إﻻ أن ﯾﺸﺮﺋﺐ ﻣﺘﻄﺎوﻻ إﻟﻰ ﻫﺬه اﻻﻣﻮر
اﻟﺘﻲ ﻻ ﺗﻌﻨﯿﻪ ﻓﻲ ﻗﻠﯿﻞ أو ﻛﺜﯿﺮ ،ﻓﻘﺪ أﺻﺒﺢ ﯾﺘﺮاءى ﻟﻌﯿﻨﯿﻪ ﻓﻲ وﺟﻬﻪ اﻟﺬي ﯾﻈﻞ ﻣﺘﻤﺴﻜﻨﺎ ﻓﻲ ﺧﺒﺚ ،ﻛﻠﻤﺎ ﻟﻤﺤﻪ ،
ﻣﺼﺪر ﻫﺬه اﻟﻔﺘﻨﺔ اﻟﺘﻲ أﺧﺬت ﺣﯿﺰا ﻛﺒﯿﺮا ﻣﻦ ﺗﻔﻜﯿﺮه ،ﺑﻘﻄﻊ اﻟﻨﻈﺮ ﻋﻦ أﻧﻪ أﻛﺎن ﺻﺎدﻗﺎ وﻣﺨﻠﺼﺎ ﻟﻪ ﻓﻲ إﺛﺎرﺗﻬﺎ ،
أم ﻣﻔﺘﺮﯾﺎ ﻻ ﯾﻬﻤﻪ ﺷﻲء ﺳﻮى إﯾﻘﺎد ﻧﺎرﻫﺎ واﺣﺘﺮاق اﻷﺑﺮﯾﺎء ﻓﻲ ﻟﻈﺎﻫﺎ .وﺣﺴﺐ ﻫﺬا ﻓﻲ اﻟﻮاﻗﻊ ﺣﺎﻣﻼ ﻟﻸﻣﯿﺮ
ﻋﻠﻰ ﻛﺮاﻫﯿﺘﻪ واﻹﺷﻤﺌﺰاز ﻣﻦ ﻣﻨﻈﺮه وﻛﻼﻣﻪ اﻟﺬي ﻻ ﯾﺒﻌﺚ إﻻ اﻟﺘﺸﺎؤم .ﺑﻞ رﺑﻤﺎ ﻛﺎن ﯾﺪﻓﻌﻪ ﻫﺬا إﻟﻰ أن ﯾﺠﺎزف
ﺑﻄﺮده رﻏﻢ ﺣﺎﺟﺘﻪ إﻟﻰ ﺣﺎﺟﺐ ﻓﻲ ﻣﺜﻞ ﺧﺒﺜﻪ ودﻫﺎﺋﻪ -ﻟﻮ ﻟﻢ ﯾﻜﻦ ذﻟﻚ ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﻮﻗﺖ ﺧﺎﺻﺔ ﻗﺪ ﯾﺜﯿﺮ ﻟﺪى ﺗﺎج
اﻟﺪﯾﻦ ﻇﻨﻮﻧﺎ ﺑﺎﻷﻣﯿﺮ وﺑﺄن ﻛﻞ ﻫﺬا اﻟﺬي ﺣﺪث إﻧﻤﺎ ﻛﺎن ﺑﻤﻜﺮ واﻓﺘﺮاء ﻣﻦ ذﻟﻚ اﻟﺤﺎﺟﺐ اﻟﺬي اﺳﺘﻄﺎع أن ﯾﻐﺮر
ﺑﺎﻷﻣﯿﺮ وﯾﺨﺪﻋﻪ.
ﺛﻢ إﻧﻪ ﻟﻢ ﯾﻌﻠﻖ ﺷﯿﺌﺎ ﻋﻠﻰ ﻛﻼم ﺑﻜﺮ اﻟﺬي ﻇﻞ ﻣﺘﺸﺎﻏﻼ ﻣﻦ ﺣﻮﻟﻪ ﻓﻲ اﻧﺘﻈﺎر أن ﯾﺠﯿﺒﻪ ﻋﻠﻰ رأﯾﻪ اﻟﺬي أﺑﺪاه ،ﺑﺄي
ﻛﻠﻤﺔ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ أﻧﻪ أﻣﺮه ﺑﺎﻟﺨﺮوج وإﻏﻼق اﻟﺒﺎب ،وﺑﺄن ﻻ ﯾﺪع أﺣﺪا ﯾﺪﺧﻞ ﻋﻠﯿﻪ ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﯿﻮم.
وﻇﻞ اﻷﻣﯿﺮ ﺑﯿﺎض ﻧﻬﺎره ذﻟﻚ ﻻ ﯾُﺮى إﻻ ﻣﺨﺘﻠﯿﺎ ﯾﻔﻜﺮ ..أﻣﺎ ﻓﻲ اﻟﻠﯿﻞ ﻓﻘﺪ اﺳﺘﯿﺪ ﺑﻪ اﻷرق ،وﻇﻞ أﯾﻀﺎ ﺳﺎردا ﻓﻲ
اﻟﺘﻔﻜﯿﺮ واﻹﻃﺮاق.
أﺧﺬ ﯾﻌﺮض ﻋﻠﻰ ذﻫﻨﻪ إﻟﻰ ﺟﺎﻧﺐ ﻣﺎ ﻋﻠﻖ ﺑﺮأﺳﻪ ﻣﻦ ذﻟﻚ اﻟﺮأي اﻟﺬي أﺑﺪاه ﺑﻜﺮ آراءً ﻛﺜﯿﺮة ،وﻟﻜﻦ ﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﻣﻦ
ﺑﯿﻨﻬﺎ أﺑﺪا ﻓﻜﺮة اﻟﻌﻔﻮ ﻋﻦ ﻣﻤﻮ وﺗﺰوﯾﺠﻪ ﻣﻦ أﺧﺘﻪ .إذ ﻛﺎن ﻫﺬا ﺑﻌﯿﺪا ﺟﺪا ﺧﺼﻮﺻﺎ وﻗﺪ ﺗﺘﺎﺑﻌﺖ ﻋﻠﯿﻪ ﻋﻮاﻣﻞ
ﺟﻌﻠﺘﻪ ﻛﺎﻟﻤﺴﺘﺤﯿﻞ .ﻓﻘﺪ ﻛﺎن أول ﻋﺎﻣﻞ ﻫﻮ ﻣﺎ ﺑﻠﻎ اﻷﻣﯿﺮ أن ﺗﺎج اﻟﺪﯾﻦ راح ﯾﺴﺘﻌﻤﻞ ﻧﻔﻮذه اﻟﺨﺎص ﻓﻲ ﺗﺰوﯾﺤﻬﺎ
ﻣﻦ ﻣﻤﻮ ﻓﻲ اﻟﺨﻔﺎء دون أن ﯾﻌﻠﻤﻪ ﺑﺬﻟﻚ ،وﻫﻮ اﻟﻌﺎﻣﻞ اﻟﺬي أﻟﻬﺐ ﻏﻀﺒﻪ إذ ذاك وﺟﻌﻠﻪ ﯾﻘﺴﻢ أن ﯾﺤﻮل دون
ﺗﺤﻘﯿﻖ ذﻟﻚ .واﻟﻌﺎﻣﻞ اﻟﺜﺎﻧﻲ ﻫﻮ ﻣﺎ ﺷﺎع أﺧﯿﺮا ﺑﯿﻦ اﻟﻨﺎس وﻧﻘﻠﻪ ﺑﻜﺮ إﻟﯿﻪ ﻣﻦ ﻏﺮام ﻣﻤﻮ اﻟﺸﺪﯾﺪ ﺑﺄﺧﺘﻪ ،وﻣﻦ
زاﺋﺪات أﺧﺮى ﻏﯿﺮ ﻻﺋﻘﺔ اﻧﺘﻬﺖ إﻟﻰ ﻣﺴﺎﻣﻌﻪ .واﻟﻌﺎﻣﻞ اﻷﺧﯿﺮ اﻟﺬي ﺟﻌﻠﻪ اﻟﯿﻮم ﯾﺰداد ﻗﺴﻮة وﺗﻤﺴﻜﺎ ﺑﺮأﯾﻪ ،ﻫﻮ
ﻣﺠﻲء ﺗﺎج اﻟﺪﯾﻦ وﻗﻮﻣﻪ ﻓﻲ ﻫﺬه اﻟﺜﻮرة ﯾﻄﺎﻟﺒﻮن ﺑﺎﻟﻌﻔﻮ ﻋﻦ ﺻﺎﺣﺒﻬﻢ ﺑﺎﻟﻘﻮة واﻟﺘﻬﺪﯾﺪ!
وأﻣﺎ رأي ﺑﻜﺮ ﻓﻘﺪ ﻛﺎن اﻷﻣﯿﺮ ﯾﺤﺴﺐ ﻟﻼﻗﺪام ﻋﻠﻰ ﺗﺤﻘﯿﻘﻪ ﺣﺴﺎﺑﺎ ﻛﺒﯿﺮا ،وﻻ ﯾﻜﺎد ﯾﺮى وﺳﯿﻠﺔ ﻣﻌﻘﻮﻟﺔ إﻟﯿﻪ ،إذ
ﻟﯿﺲ ﻣﻦ اﻟﺴﻬﻞ أﺑﺪا اﻟﻘﻀﺎء ﻋﻠﻰ ﺗﺎج اﻟﺪﯾﻦ وﺷﻘﯿﻘﯿﻪ ﺑﺎﻟﺴﻢ ﻣﺜﻼ ﻛﻤﺎ ﯾﻘﻮل ﺑﻜﺮ ،وﻻ ﯾﻀﻤﻦ أن ﺗﺄﺗﻲ اﻟﻨﺘﯿﺠﺔ
ﻟﺬﻟﻚ ﻫﺎدﺋﺔ ﺳﻠﯿﻤﺔ ،ﺳﯿﻤﺎ وإن ﻣﻦ وراﺋﻬﻢ ﺷﯿﻌﺔ وأﺗﺒﺎﻋﺎ ﺳﯿﺘﺴﺎءﻟﻮن ﻋﻦ اﻟﺴﺮ وﺳﯿﻈﻠﻮن ﯾﺒﺤﺜﻮن ﻋﻦ اﻟﺤﻘﯿﻘﺔ
اﻟﺘﻲ ﻻ ﯾﺒﻌﺪ أن ﺗﻨﻜﺸﻒ ﻟﻬﻢ أﺧﯿﺮا.
ﺛﻢ أﻧﻬﺎ ﺣﯿﻠﺔ ﺑﺸﻌﺔ ﺟﺪا ،ﻻ ﯾﺼﻠﺢ أن ﺗﺼﺪر إﻻ ﻣﻦ ﻣﺎﻛﺮ دﻧﺊ ﻣﻦ أﻣﻘﺎل ﺑﻜﺮ ...وإن دﻟﺖ ﻋﻠﻰ ﺷﻲء ﻣﻦ اﻷﻣﯿﺮ
ﻓﺈﻧﻤﺎ ﺗﺪل ﻋﻠﻰ اﻟﺠﺒﻦ اﻟﺬي ﯾﻤﻨﻊ ﻣﻦ اﻟﻤﺠﺎﺑﻬﺔ واﻟﻤﺒﺎرزة وﺟﻬﺎ ﻟﻮﺟﻪ ،وﻋﻠﻰ أﻧﻪ ﻟﯿﺲ ﻓﻲ ﯾﺪﯾﻪ ﻣﻦ وﺳﺎﺋﻞ اﻟﻘﻮة
إﻻ ﻫﺬه اﻟﺨﺪﻋﺔ اﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﺳﻼح اﻟﺠﺒﻨﺎء واﻟﻀﻌﻔﺎء ،وﻣﺎ أﺑﻌﺪﻫﻤﺎ ﻋﻦ اﻷﻣﯿﺮ زﯾﻦ اﻟﺪﯾﻦ ﻣﻦ أن ﯾﻜﻮن ﻛﺬﻟﻚ ،وأن
ﯾﻨﺰل ﻋﻨﺪ ﺷﻲء ﻣﻦ ﻫﺬا اﻟﻀﻌﻒ .وأﻣﺎ اﻟﺨﻄﻮة اﻷوﻟﻰ ﻣﻦ رأي ﺑﻜﺮ وﻫﻲ ﻣﺎ رآه ﻣﻦ وﺳﯿﻠﺔ ﻟﻠﺘﺨﻠﺺ ﻣﻦ ﻣﻤﻮ ،
ﻓﻘﺪ ﻛﺎن ﯾﻄﻤﺌﻦ إﻟﯿﻬﺎ ﻗﻠﺐ اﻷﻣﯿﺮ ،ﻟﻮ ﺻﺢ أن رؤﯾﺘﻪ ﻷﺧﺘﻪ ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ اﻟﺸﻜﻞ ﺳﺘﻌﺪﻣﻪ اﻟﺤﯿﺎة وﺗﺠﻌﻠﻪ ﯾﻔﺎرق اﻟﺮوح
!...وﻻ ﺷﻚ أن اﻷﻣﺮ إذا ﺗﻢ ﻋﻠﻰ ﻫﺬا اﻟﻨﺤﻮ ﻓﻬﻲ وﺳﯿﻠﺔ ﻣﺤﻜﻤﺔ ﺗﻤﺎﻣﺎ ..وﻫﻲ اﻟﺨﻄﻮة اﻷوﻟﻰ واﻷﺧﯿﺮة ،وﺗﻨﺘﻬﻲ
اﻟﻤﺸﻜﻠﺔ ﺑﻌﺪﻫﺎ..
وﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﻓﺈن اﻷﻣﯿﺮ ﻟﻢ ﯾﺴﻠﻢ ﻋﯿﻨﯿﻪ ﻟﻠﺮﻗﺎد ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻠﯿﻠﺔ إﻻ ﺑﻌﺪ أن ﻋﻘﺪ اﻟﻌﺰم ﻟﺤﻞ ﻫﺬه اﻟﻤﺸﻜﻠﺔ ﻋﻠﻰ أﻣﺮ...
اﻟﻨّﺪم
وﻓﻲ ﺻﺒﺎح اﻟﯿﻮم اﻟﺘﺎﻟﻲ ﻛﺎن اﻷﻣﯿﺮ ﻗﺪ اﻗﺘﻨﻊ ﺑﺠﺰء ﻣﻦ ﻣﺸﻮرة ﺑﻜﺮ ،ورأى أﻧﻪ ﻟﯿﺲ ﻫﻨﺎﻟﻚ ،ﻣﺒﺪﺋﯿﺎ ،ﻣﺎ ﻫﻮ
أوﻟﻰ ﻣﻨﻬﺎ ،ﻓﺈذا ﻟﻢ ﺗﻨﺘﺞ اﻟﻔﺎﺋﺪة اﻟﻤﺘﻮﻓﻌﺔ ﻛﺎن ﻫﻨﺎﻟﻚ ﺣﯿﻨﺌﺬ ﻣﺠﺎل ﻟﺮأي آﺧﺮ .وراح ﯾﻨﻔﺬ أوﻟﻰ ﺧﻄﻮات ﺗﻔﻜﯿﺮ ذﻟﻚ
اﻟﺨﺒﯿﺚ.
ﺧﺮج ﻣﻦ اﻟﺪﯾﻮان ...وﺻﻌﺪ ﻣﺘﺠﻬﺎ إﻟﻰ ﻏﺮﻓﺔ أﺧﺘﻪ زﯾﻦ ،ﺗﻠﻚ اﻟﻐﺮﻓﺔ اﻟﺘﻲ ﻏﺒﺮ دﻫﺮا ﻟﻢ ﯾﺪﺧﻠﻬﺎ أو ﯾﻤﺮ ﺑﻬﺎ أو
ﯾﻜﺘﺮث ﺑﻤﻦ ﻓﯿﻬﺎ.
واﻧﺘﻬﻰ إﻟﻰ ﺑﺎﺑﻬﺎ اﻟﻤﻐﻠﻖ ..ﻓﻮﻗﻒ ﻋﻨﺪه ﻗﻠﯿﻼ ﻛﺄﻧﻤﺎ ﯾﺴﺘﺠﻤﻊ ﻫﺪوءه ،ﺛﻢ دﻓﻌﻪ ﻓﻲ رﻓﻖ ودﺧﻞ...
دﺧﻞ ..ﻓﻮﺟﺪ ﻧﻔﺴﻪ ﻓﻲ ﻏﺮﻓﺔ ﺳﺎﻛﻨﺔ واﺟﻤﺔ ،ﻗﺪ أﻏﻠﻘﻜﻞ ﻧﻮاﻓﺬﻫﺎ وﻛُﻮاﻫﺎ ،ﻓﺒﺪت ﻣﻈﻠﻤﺔ ﻗﺎﺗﻤﺔ .وأﺧﺬ ﻟﯿﺠﯿﻞ
اﻟﻨﻈﺮ ﻓﻲ أﻃﺮاﻓﻬﺎ ،إﻻ أن ﻋﯿﻨﯿﻪ ﺳﺮﻫﺎن ﻣﺎ اﻧﺼﺮﻓﺖ إﻟﻰ ﻗﺎﻣﺔ ﻓﺘﺎﺗﺔ ﻫﺒﺖ ﻣﺘﺮﻧﺤﺔ ﺗﺤﺎول اﻟﻮﻗﻮف واﻟﻘﯿﺎم ﻋﻠﻰ
ﻗﺪﻣﯿﻬﺎ.
ﻓﺪﻧﺎ ﻧﺤﻮﻫﺎ ،وراح ﯾﻘﻠﺐ ﻋﯿﻨﯿﻪ ﻓﻲ ﺷﻜﻠﻬﺎ اﻟﺬاوي وﻣﻈﻬﺮﻫﺎ اﻟﺒﺎﻋﺚ ﻟﻠﺮﺣﻤﺔ واﻷﻟﻢ ..وﻫﻲ واﻗﻔﺔ أﻣﺎﻣﻪ ﻓﻲ ﺟﻬﺪ
،ﯾﺘﻤﺎﯾﻞ ﺑﻘﻮاﻣﻬﺎ اﻟﻀﻌﻒ واﻟﻬﺰال!
وأﺧﺬت ﻧﻈﺮاﺗﻪ ﻛﺄﻧﻤﺎ ﺗﺘﺴﺎﺋﻞ ﻓﻲ ﺗﺄﺛﺮ واﺳﺘﻐﺮاب :أﻫﺬه ﻫﻲ أﺧﺘﻲ زﯾﻦ اﻟﺘﻲ ﻛﻨﺖ أﻋﺮﻓﻬﺎ أروع ﻣﺎ ﺗﻜﻮن ﺻﺤﺔ
وﺟﺴﻤﺎ ،وأﺟﻤﻞ ﻣﺎ ﺗﻜﻮن إﺷﺮاﻗﺎ وﻓﺘﻨﺔ ؟!
أﻛﻞ ذﻟﻚ اﻧﺘﻬﻰ ﻣﻨﻬﺎ وﻏﺎب ..وأﻧﺎ ﻻ أﺷﻌﺮ ..؟
ﺛﻢ ﺟﻠﺲ إﻟﻰ ﺟﺎﻧﺒﻬﺎ ﻓﻲ ﻫﺪوء .وأﺧﺬ ﯾﺠﯿﻞ ﻧﻈﺮه ﻓﯿﻤﺎ ﺣﻮﻟﻪ ﻓﻲ ﺻﻤﺖ ،وﻗﺪ ﺷﻌﺮ ﺑﻤﻌﺎﻧﻲ اﻷﺳﻰ واﻟﺤﺰن ﻣﻤﺘﺪة
إﻟﻰ ﻛﻞ أﻃﺮاف اﻟﻐﺮﻓﺔ وﻣﺎ ﻓﯿﻬﺎ .وﻣﺎ ﺛﻢ ﺷﻲء ﻣﻦ ﻓﺮش واﻟﻤﻘﺎﻋﺪ اﻟﺘﻲ ﻣﻦ ﺣﻮﻟﻬﺎ واﻟﺴﺘﺮ اﻟﻤﺴﺪﻟﺔ أﻣﺎﻣﻬﺎ ،
واﻟﺤﺎﺟﺎت اﻟﻤﺘﻔﺮﻗﺔ إﻟﻰ ﺟﻮاﻧﺒﻬﺎ ،إﻻ وﻛﺄﻧﻤﺎ ﻗﺪ ﻟﻤﺴﻪ اﻟﺤﺰن واﻟﻜﺮب ﻟﻤﺴﺔ واﺿﺤﺔ ﻣﻦ أﺟﻞ ﻫﺬه اﻟﺒﺎﺋﺴﺔ
اﻟﻤﺴﻜﯿﻨﺔ!
ﺛﻢ ﻋﺎد -وﻗﺪ ﺳﺮى أﺛﺮ ﻛﺒﯿﺮ ﻣﻦ ذﻟﻚ اﻟﺤﺰن إﻟﻰ ﻧﻔﺴﻪ أﯾﻀﺎ -ﻓﺎﻟﺘﻔﺖ إﻟﻰ أﺧﺘﻪ ،وﻗﺪ أﻃﺮﻗﺖ ﺑﺮأﺳﻬﺎ إﻟﻰ اﻷرض
ﻓﻲ وﺟﻮم وذﻫﻮل .ﻓﻤﺪ ﯾﻤﯿﻨﻪ ﺑﺮﻓﻖ إﻟﻰ أﺳﻔﻞ وﺟﻬﻬﺎ ،وﻻرﻓﻌﻪ إﻟﻰ ﺳﻤﺖ ﻋﯿﻨﯿﻪ ﯾﺘﺄﻣﻞ ﺷﺤﻮﺑﻪ وذﺑﻮل ﻣﻼﻣﺤﻪ.
واﻟﺘﻘﺖ ﻋﯿﻨﺎه ﺑﻨﻈﺮاﺗﻬﺎ ..ﻧﻈﺮات ﻛﺴﯿﺮة ﻣﻦ ﻋﯿﻨﯿﻦ ذاﺑﻠﺘﯿﻦ ﻗﺮﺣﻬﻤﺎ اﻟﺪﻣﻊ ،ﺗﺸﻊ ﻧﺤﻮه ﻓﻲ ارﺗﺠﺎف ،ﻛﺄﻧﻤﺎ
ﺗﺴﺘﻌﻄﻔﻪ ﻗﺎﺋﻠﺔ:
’’ﻛﯿﻒ ﻫﺎن ﻋﻠﯿﻚ ﯾﺎ أﺧﻲ ...وأﻧﺎ ﺷﻘﯿﻘﺔ ﻗﻠﺒﻚ أن ﺗﻘﺴﻮ ﻋﻠﻲ ﻛﻞ ﻫﺬا ،وﺗﺒﺎﻋﺪ ﻋﻦ ﻓﻤﻲ ﻛﺄس ﺳﻌﺎدﺗﻲ وﻫﻨﺎﺋﻲ
وﺗﺤﻄﻤﻬﺎ ﻓﻲ اﻷرض ؟
ﻛﯿﻒ اﺳﺘﺴﻐﺖ ﯾﺎ أﺧﻲ ..وأﻧﺎ أﺧﺘﻚ اﻟﺘﻲ ﻃﺎﻟﻤﺎ أﺳﻌﺪﺗﻨﻲ أﻓﺮاﺣﻚ ..أن ﺗﺤﺮق ﻣﺎك ان ﻟﻲ ﻣﻦ ﺷﺒﺎب ..ﻓﻲ ﺿﺮام
اﻟﺸﻘﺎء واﻟﺤﺮﻣﺎن ،وﺗﺘﺮﻛﻨﻲ أﺗﺄوه ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﻘﺼﺮ ﻣﻦ ﻏﯿﺮ راﺣﻢ ،وأﺳﺘﺼﺮخ ﻣﻦ ﻏﯿﺮ ﻣﺠﯿﺐ ؟!
ﻣﺎذا ﺟﻨﯿﺖ ﯾﺎ أﺧﻲ ﺣﺘﻰ ﻋﺎﻗﺒﺘﻨﻲ ﺑﻜﻞ ﻫﺬا ؟
واﷲ إﻧﻲ ﻟﻢ أﻃﻌﻢ ﻣﻦ ﺣﺒﻲ إﻻ اﻟﻌﻠﻘﻢ اﻷﻟﯿﻢ .واﷲ إﻧﻲ ﻟﻢ أﺧﻨﻚ ﯾﻮﻣﺎ ﻣﺎ ﻓﻲ ﺳﺮ وﻻ ﺟﻬﺮ .واﷲ إن روﺣﻲ ﻟﻢ
ﺗﺪﻧﺴﻬﺎ أو ﺗﻌﻠﻖ ﺑﻬﺎ أي ﺷﺎﺋﺒﺔ ﻣﻤﺎ ﻗﺪ ﺗﻈﻦ‘‘..
وﻣﺎ إن ﺗﻼﻗﺖ ﻋﯿﻨﺎ اﻷﻣﯿﺮ ﻣﻊ ﻫﺬه اﻟﻨﻈﺮات ،وﺗﺄﻣﻞ ﻣﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻮﺣﻲ ﺑﻪ ﻣﻦ ﻫﺬا اﻻﺳﺘﻌﻄﺎف ﺣﺘﻰ ﺳﺮت رﻋﺸﺔ ﻣﻦ
اﻟﺮﻗﺔ واﻟﺮﺣﻤﺔ ﻓﻲ ﺳﺎﺋﺮ ﻣﺸﺎﻋﺮه ،واﻣﺘﺪت إﻟﻰ ﺳﻮﯾﺪاء ﻗﻠﺒﻪ ،ﻓﻨﻔﻀﺘﻪ ﻧﻔﻀﺔ أﻟﯿﻤﺔ ﺗﺴﺎﻗﻂ ﻣﻨﻬﺎ ﻛﻞ ﻣﺎ ﺗﻐﻠﻒ ﺑﻪ
ﻣﻦ ﻗﺴﻮة وﻏﻀﺐ وﺑﺪأ ﺑﺨﻔﻖ ﺑﺎﻟﺮﺣﻤﺔ ،وﯾﺠﯿﺶ ﻧﺪاﻣﺔ وﺣﺴﺮة .وﻗﺎل وﻫﻮ ﻻ ﯾﻜﺎد ﯾﻤﻠﻚ ﻋﯿﻨﯿﻪ:
ﻟﻘﺪ ﻇﻠﻤﺘﻚ واﷲ ﯾﺎ أﺧﺘﺎه ..إي واﷲ ،وﻟﻘﺪ ﻗﺴﻮت ﻋﻠﯿﻚ ﻗﺴﻮة ﻣﺎ أﻇﻦ أن أي ﺗﻮﺑﺔ أو ﻧﺪاﻣﺔ ﯾﻤﻜﻦ أن ﺗﻐﻔﺮ ﻟﻲ
إﺛﻤﻬﺎ!..
ﻣﺎذا دﻫﺎﻧﻲ ﯾﺎ زﯾﻦ ...؟ وأﯾﻦ ﻓﻘﺪت ﻗﻠﺒﻲ وﻛﺒﺪي ،ﺣﺘﻰ ﻓﻌﻠﺖ ﺑﻚ ﻛﻞ ﻫﺬا ...؟
أﻛﻞ ﻫﺬا اﻟﻀﻨﻰ اﻟﺬي ﻋﻠﻰ وﺟﻬﻚ ،واﻟﻨﺤﻮل واﻟﻀﻌﻒ اﻟﺸﺪﯾﺪ ﻓﻲ ﺟﺴﻤﻚ ﻫﻮ ﻣﻦ آﺛﺎر ﻗﺴﻮﺗﻲ ...؟ ﻗﺴﻮة أﺧﯿﻚ
اﻟﺸﻘﻲ اﻟﺘﻌﺲ ..؟ إن ﻧﺎر اﻟﻨﺪم ﯾﺎ زﯾﻦ ﺗﺄﻛﻞ ﻗﻠﺒﻲ ..إن أﻟﻢ اﻟﺤﺴﺮة ﻟﯿﺸﻖ ﻛﺒﺪي.
ﺗﻌﺎﻟﻲ ..ﯾﺎ ﺷﻘﯿﻘﺘﻲ ..ﺣﺪﺛﯿﻨﻲ ،أوَﻻ أﺳﺘﻄﯿﻊ اﻟﯿﻮم أن أﻛﻔّﺮ ..؟ أوَﻻ أﻗﺪر أن أﻋﻮد ﻓﺄﺳﻌﻰ ﻻﺳﺘﺮﺟﺎع ﺳﻌﺎدﺗﻚ
وﺷﺒﺎب ﺟﻤﺎﻟﻚ ..؟ أو ﻟﺴﺖ أزال ﻗﺎدرا أن أﺗﺪارك اﻟﻮﻗﺖ ..؟‘‘
وﻣﺎ ﻛﺎدت ﻫﺬه اﻟﻜﻠﻤﺎت ﻣﻦ اﻷﻣﯿﺮ ﺗﻄﺮق ﺳﻤﻊ اﻟﻤﺴﻜﯿﻨﺔ اﻟﺘﻲ ﻃﻮت أﯾﺎم ﻋﻤﺮﻫﺎ ﻓﻲ ﻣﻜﺎﺑﺪة اﻟﺒﺆس وآﻻﻣﻪ ،دون
أن ﯾﺮق ﻟﻬﺎ أو ﯾﻜﺘﺮث ﺑﻬﺎ ،ﺣﺘﻰ أدرﻛﺖ ﻗﻠﺒﻬﺎ رﻗﺔ ﺷﺪﯾﺪة ﻟﺤﺎﻟﻬﺎ ،وﻗﺎﻣﺖ ﺑﯿﻦ ﺟﻮاﻧﺤﻬﺎ ﻋﺎﺻﻔﺔ ﻛﺒﯿﺮة ﻣﻦ آﻻم
وزﻓﺮات ،وﻛﺎن ﻗﺪ ﺑﻠﻎ ﺑﻬﺎ اﻟﻀﻌﻒ واﻟﺮﻗﺔ إﻟﻰ ﺣﯿﺚ ﻟﻢ ﺗﻌﺪ ﺗﺘﺤﻤﻞ ﻛﻞ ذﻟﻚ ،ﻓﺎﻧﺪﻓﻌﺖ ﻣﻦ ﺻﺪرﻫﺎ ﻣﻮﺟﺔ ﻛﺒﯿﺮة
ﻣﻦ اﻟﺪﻣﺎء ،واﻧﻄﻠﻘﺖ ﻣﻦ ﺣﻠﻘﻬﺎ ﻣﺮة واﺣﺪة ﻣﺘﺪﻓﻘﺔ إﻟﻰ اﻷرض ،ﺑﯿﻨﻤﺎ راﺣﺖ ﻋﻲ ﻓﻲ ﻏﯿﺒﻮﺑﺔ ﻛﺎﻣﻠﺔ ﻋﻦ ﻧﻔﺴﻬﺎ
وﻛﻞ ﻣﺎ ﺣﻮﻟﻬﺎ.
ﻓﺠﻦ ﺟﻨﻮن اﻷﻣﯿﺮ ﻣﻦ ﻫﺬا اﻟﻤﻨﻈﺮ اﻟﺮﻫﯿﺐ .وأﺧﺬ ﺳﻌﯿﺮ اﻟﻨﺪاﻣﺔ واﻟﻌﻄﻒ اﻟﺬي راح أواﻧﻪ ﯾﻜﻮي ﻣﺸﺎﻋﺮه وﯾﺄﻛﻞ
أﺣﺸﺎءه و ﻗﻠﺒﻪ .وﻓﻘﺪ ﻛﻞ ﺗﻮازﻧﻪ ووﻋﯿﻪ .وﺟﻠﺲ إﻟﻰ ﺟﺎﻧﺒﺄﺧﺘﻪ اﻟﻤﻤﺘﺪة ﺑﯿﻦ دﻣﺎﺋﻬﺎ ﯾﺼﺮخ وﯾﺒﻜﻲ ﻻﻃﻤﺎ ﻧﻔﺴﻪ
ﻛﺎﻟﻨﺴﺎء.
وﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻷﺛﻨﺎء ﻛﺎﻧﺖ ﻗﺪ وﺻﻠﺖ ﺳﺘﻲ إﻟﻰ اﻟﻘﺼﺮ ﻣﺘﺠﻬﺔ ﻧﺤﻮ ﻏﺮﻓﺔ أﺧﺘﻬﺎ ﻟﻌﯿﺎدﺗﻬﺎ واﻟﺒﺤﺚ ﻋﻦ ﺣﺎﻟﻬﺎ وﺻﺤﺘﻬﺎ
.وﻣﺎ إن وﺻﻠﺖ إﻟﻰ اﻟﺒﺎب ﺣﺘﻰ رأت ﻣﻨﻈﺮا رﻫﯿﺒﺎ اﻗﺸﻌﺮ ﻣﻨﻪ ﺑﺪﻧﻬﺎ وﻃﺎر ﻟﻪ ﺻﻮاﺑﻬﺎ!...
رأت أﺧﺘﻬﺎ ﻣﻨﻄﺮﺣﺔ ﻣﻦ ﻏﯿﺮ إﺣﺴﺎس ﻓﻲ ﻟﺠﺔ اﻟﺪﻣﺎء ! ورأت اﻷﻣﯿﺮ ﺟﺎﻟﺴﺎ إﻟﻰ ﺟﺎﻧﺒﻬﺎ ﯾﺒﻜﻲ وﯾﻨﺘﺤﺐ!..
ﻓﺜﺎرت ﻓﻲ وﺟﻬﻪ ﻗﺎﺋﻠﺔ -وﻗﺪ أﯾﻘﻨﺖ أﻧﻬﺎ اﻟﻐﻀﺒﺔ اﻷﺧﯿﺮة ﻗﺪ ﻋﺼﻔﺖ ﺑﺮأﺳﻪ ﻓﻘﺘﻠﻬﺎ:
’’ﻣﺎذا دﻫﺎك أﯾﻬﺎ اﻟﻈﺎﻟﻢ ...؟ أﻟﻢ ﯾﺸﻒ ﻏﯿﻈﻚ ﻛﻞ ﻣﺎ أﻧﺰﻟﺘﻪ ﺑﻬﺬه اﻟﺒﺎﺋﺴﺔ ﻣﻦ أﻟﻮان اﻟﻌﺬاب ﺣﺘﻰ ﻗﺘﻠﺘﻬﺎ وﺳﻔﻜﺖ
دﻣﻬﺎ ،وﻗﺪ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺎﺿﯿﺔ ﺑﺤﺎﻟﻬﺎ إﻟﻰ ﻃﺮﯾﻖ اﻟﻔﻨﺎء واﻟﻤﻮت ‘‘..؟
ﻓﺎﻟﺘﻔﺖ إﻟﯿﻬﺎ اﻷﻣﯿﺮ وأﺟﺎﺑﻬﺎ ﻓﻲ ﻛﺮب ﯾﻜﺎد ﯾﺨﻨﻘﻪ:
’’ﻛﻔﻰ ﯾﺎ أﺧﺘﺎه ...ﻻ ﺗﺰﯾﺪي ﻓﻲ ﻧﺎري .ﻟﺴﺎ ﺑﻘﺎﺗﻞ ،وﻟﻜﻨﻬﺎ ﻏﺸﯿﺔ‘‘..
ﺛﻢ ﺟﻠﺴﺖ اﻷﺧﺖ واﻷخ ﻣﻦ ﺣﻮل ﺷﻘﯿﻘﺘﯿﻬﻤﺎ ﯾﺤﺎوﻻن ،وﻗﺪ اﺳﺘﺒﺪ ﺑﻬﻤﺎ اﻟﺠﺰع ،إﻧﻌﺎﺷﻬﺎ وإﯾﻘﺎﻇﻬﺎ دون أي
ﺟﺪوى .وﻣﺮت ﺳﺎﻋﺎت ...وﺗﺠﻤﻊ ﺣﻮﻟﻬﻤﺎ ﻛﻞ ﻣﻦ ﻓﻲ اﻟﻘﺼﺮ ﻣﻦ اﻷﻫﻞ واﻷﻗﺮﺑﯿﻦ وراﺣﻮا ﯾﺤﺎوﻟﻮن إﺣﯿﺎءﻫﺎ
ﺑﺸﺘﻰ اﻟﻮﺳﺎﺋﻞ وﻃﺮق اﻟﻌﻼج ،دون أن ﯾﺴﺘﻔﯿﺪوا ﻣﻦ أي ﻧﺘﯿﺠﺔ...
اﻟﻮﺻﯿّﺔ
ﻣﺮ اﻟﯿﻮم ...وﻏﺮﺑﺖ ﺷﻤﺴﻪ ،وزﯾﻦ ﻻ ﺗﺰال ﻋﻠﻰ ﺣﺎﻟﺘﻬﺎ ﺗﻠﻚ ﻣﻨﻄﺮﺣﺔ ﻓﻲ ﻏﺮﻓﺘﻬﺎ دون أي وﻋﻲ وﻻ إﺣﺴﺎس ،
رأﺳﻬﺎ ﻓﻲ ﺣﺠﺮ أﺧﯿﻬﺎ اﻷﻣﯿﺮ اﻟﺬي ﻻ ﯾﻜﺎد ﯾﻔﻠﺘﻪ اﻟﺒﻜﺎء ،واﻷﻫﻞ واﻷﻗﺮﺑﻮن ﻣﻦ ﺣﻮﻟﻬﺎ ﻓﻲ ﺣﯿﺮة وأﻟﻢ ﺷﺪﯾﺪ .ﻻ
ﯾﺪرون أﻫﻲ ﻏﺸﯿﺔ ﻃﺎل أﻣﺪﻫﺎ ،أم ﻫﻮ اﻟﻤﻮت واﻟﻘﻀﺎء اﻷﺧﯿﺮ ﻗﺪ أﻧﺰل ﺑﻬﺎ ! ﯾﺠﺴﻮن ﻋﺮوﻗﻬﺎ ،وﯾﺘﻠﻤﺴﻮن ﺣﺮﻛﺔ
ﻗﻠﺒﻬﺎ ،ﻓﺘﺒﺪو ﺣﯿﻨﺎ ﻣﻦ اﻟﺰﻣﻦ وﻛﺄﻧﻬﺎ ﻗﻄﻌﺔ ﯾﺎﺑﺴﺔ ﻟﯿﺲ ﻓﻲ ﺟﻬﺔ ﻣﻨﻬﺎ أي ﺣﺮﻛﺔ أو ﻧﺒﺾ ،ﺛﻢ ﯾﻌﻮد ﻓﯿﺨﻔﻖ ﻣﻨﻬﺎ
اﻟﻘﻠﺐ ،وﺗﻀﺢ ﺻﺎﻋﺪا وﻧﺎزﻻ ﻓﻲ ﺻﺪرﻫﺎ ﻓﻲ ﺿﻌﻒ وﺑﻂء ،وإذ ذاك ﺗﺘﻬﻠﻞ أﺳﺎرﯾﺮ اﻟﻮﺟﻮه اﻟﻤﻄﺮﻗﺔ ﻣﻦ ﺣﻮﻟﻬﺎ
ﻗﻠﯿﻼ ،وﯾﻠﺒﺜﻮن ﻣﻨﺘﻈﺮﯾﻦ رﺣﻤﺔ إﻟﻬﯿﺔ ﺗﺘﺪارﻛﻬﺎ وﺗﻌﯿﺪ إﻟﯿﻬﺎ اﻟﺮوح واﻹﺣﺴﺎس.
وﺑﯿﻨﻤﺎ ﻫﻢ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻻﺛﻨﺎء إذ دﺧﻞ أﺣﺪ اﻟﻐﻠﻤﺎن ﻣﺴﺮﻋﺎ ﯾﻘﻮل ﻟﻸﻣﯿﺮ:
’’إن أﺣﺪ ﺣﺮاس اﻟﺴﺠﻦ ﺟﺎء ﻟﯿﺒﻠﻎ ﻣﻮﻻي ﺑﺄن ﻣﻤﻮ ﻓﻲ ﺣﺎﻟﺔ ﺗﺸﺒﻪ اﻟﻨﺰع ..ﻓﺒﻤﺎذا ﯾﺄﻣﺮ ؟؟‘‘
وﻣﺎ ﻛﺎد اﺳﻢ ﻣﻤﻮ ﯾﺘﻠﻰ ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﺠﻮ اﻟﺬي ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻤﺮ ﺑﻪ أﻧﻔﺎس زﯾﻦ اﻟﺼﺎﻣﺘﺔ ،ﺣﺘﻰ اﺳﺘﻨﺸﻘﺖ ﻣﻨﻪ اﻟﺮوح اﻟﺘﻲ
ﺑﻌﺜﺘﻬﺎ ﻣﻦ ذﻟﻚ اﻟﺴﺒﺎت اﻟﻄﻮﯾﻞ ،وﺳﺮت رﻋﺸﺔ ﻋﺎﻣﺔ ﻓﻲ ﺟﺴﻤﻬﺎ ،وﻓﺘﺤﺖ ﻋﯿﻨﯿﻬﺎ ﺗﻨﻈﺮ ﻣﺎ ﺣﻮﻟﻬﺎ...
رأت أﻣﺎﻣﻬﺎ رﻗﻌﺔ ﻛﺒﯿﺮة ﻣﻦ اﻟﺪﻛﺎء ﻣﻨﺒﺴﻄﺔ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻷرض ،ووﺟﺪت ﻏﺮﻓﺘﻬﺎ ﻏﺎﺻﺔ ﻣﻦ ﺣﻮﻟﻬﺎ ﺑﺴﺎﺋﺮ اﻷﻗﺎرب
واﻷﺻﺤﺎب وﺣﺮم اﻟﻘﺼﺮ ،ﯾﺮﻣﻘﻮﻧﻬﺎ ﺑﻌﯿﻮن ذارﻓﺔ وﻣﻼﻣﺢ ﻣﻠﺆﻫﺎ اﻷﺳﻰ واﻟﺤﺰن ! وأﺑﺼﺮت أﺧﺎﻫﺎ اﻷﻣﯿﺮ ﺟﺎﻟﺴﺎ
ﻣﻦ ﻓﻮﻗﻬﺎ ﯾﺒﻜﻲ ﻛﺄﻧﻪ اﻟﻄﻔﻞ ..؟!
ﻓﺎﺳﺘﻮت ﺟﺎﻟﺴﺔ ﻓﻲ اﺗﻜﺎء ،واﺳﺘﺪارت ﺑﻮﺟﻬﻬﺎ ﻧﺤﻮه ﻗﺎﺋﻠﺔ ،وﻗﺪ ﺗﻐﯿﺮت ﻣﻼﻣﺤﻬﺎ ،وﺑﺪت ﻋﻠﻰ وﺟﻬﻬﺎ دﻻﺋﻞ
أﺣﺎﺳﯿﺲ ﻏﺮﯾﺒﺔ ﻃﺎرﺋﺔ:
’’أﺗﺒﻜﻲ أﯾﻬﺎ اﻷﻣﯿﺮ ﻓﻲ ﯾﻮم ﻓﺮﺣﻲ وﻋﺮﺳﻲ ...؟!
أﻓﻲ اﻟﻮﻗﺖ اﻟﺬي ﺗﺼﺒﺢ ﻓﯿﻪ ﺳﺒﺒﺎ ﻹﺳﻌﺎدي أﻛﻮن أﻧﺎ ﺳﺒﺒﺎ ﻟﺒﻜﺎﺋﻚ وأﺣﺰاﻧﻚ ..؟
ﻟﻘﺪ اﻧﻄﻠﻘﺖ روﺣﻲ ﯾﺎ ﻣﻮﻻي ﻣﻨﺬ اﻟﯿﻮم إﻟﻰ اﻟﺴﻌﺎدة اﻟﺘﻲ ﻃﺎﻟﻤﺎ اﻧﺘﻈﺮﺗﻬﺎ ،وﺑﺮح ﺑﻬﺎ اﻟﺸﻮق إﻟﯿﻬﺎ ،اﺳﺘﻄﺎﻋﺖ أن
ﺗﻄﯿﺮ إﻟﯿﻬﺎ ﺑﻌﺪ أن أوﻟﯿﺘﻬﺎ اﻹذن ..وﻣﻨﺤﺘﻬﺎ اﻟﺮﺿﺎ ...وﺗﻘﺪﻣﺖ ﻧﺤﻮﻫﺎ ﺑﺎﻟﻌﻄﻒ...
ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﯿﻮم اﻧﺘﻬﯿﺖُ ﻣﻦ ﺳﯿﺎﺣﺔ ﻃﻮﯾﻠﺔ ﻗﻄﻌﺘﻬﺎ ﻓﻲ ﺧﻀﻢ ﻫﺬا اﻟﻔﻨﺎء اﻟﻤﺎﺋﺢ ،ﺑﻌﺪ أن ﯾﺒﺴﺖ ﻓﻲ ﻗﻄﻌﻪ ﺳﺎﺋﺮ
أ ﻃﺮاﻓﻲ وﺟﻮارﺣﻲ وﻛﺎﺑﺪت ﻣﻦ أﻣﻮاﺟﻪ وﻋﻮاﺻﻔﻪ ﺷﺪة ﻛﺎدت أن ﺗﺼﺮﻋﻨﻲ!...
وﻋﻠﻲّ اﻵن وﻗﺪ اﻧﺘﻬﯿﺖ إﻟﻰ اﻟﺴﺎﺣﻞ أن أﻗﻒ ﻓﯿﻪ ﻗﻠﯿﻼ ،ﻷﺳﺘﺮوح .ﻋﻠﻲ أن أﻗﻒ ﻫﻨﺎ ﻗﻠﯿﻼ ...ﻗﺒﻞ أن آﺧﺬ ﻃﺮﯾﻘﻲ
ﻣﺘﺠﻬﺔ ﻧﺤﻮ اﻟﺨﻠﻮد اﻟﺬي ﯾﻨﺘﻈﺮﻧﻲ ،ﻷودﻋﻜﻢ ..وأﺳﺘﺴﻤﺤﻜﻢ ..وﻷﺗﻠﻮ ﻋﻠﯿﻜﻢ وﺻﯿﺘﻲ ﯾﺎ ﻣﻮﻻي‘‘...
ﺛﻢ أﺳﻨﺪت رأﺳﻬﺎ إﻟﻰ وﺳﺎدة وراﺋﻬﺎ -وﻗﺪ أﺧﺬت ﻣﻼﻣﺢ اﻟﺤﺎﺿﺮﯾﻦ ﺗﺘﻠﻮن ﺑﺎﻟﺤﺰن واﻷﺳﻰ ،واﺳﺘﻮﻟﻰ اﻟﻮﺟﻮم
واﻹﻃﺮاق ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻜﺎن -وراﺣﺖ زﯾﻦ ﺗﺤﺪث أﺧﺎﻫﺎ ،وﻛﺄﻧﻬﺎ ﻓﻲ ﺣﻠﻢ ،ﻗﺎﺋﻠﺔ:
’’ﻻ ﺗﺄس ..ﯾﺎ ﺷﻘﯿﻖ ﻗﻠﺒﻲ وروﺣﻲ!...
ﻻ ﺗﺒﻚ ﻋﻠﻲ ...ﻓﺪﺗﻚ ﻣﺌﺔ أﺧﺖ ﻣﻦ أﻣﺜﺎل زﯾﻦ.
ﻻ ﺗﺄس ﯾﺎ ﻣﻮﻻي ..ﻓﻘﺪ ﺗﻘﺒﻠﺖ ﻫﺬه اﻵﻻم واﻷﺳﻘﺎم ،ﻣﻨﺬ اﺧﺘﺮت ﻣﻤﻮ رﻓﯿﻘﺎ ﻟﺮوﺣﻲ .وﻗﺒﻞ أن ﺗﻤﻬﺮﻧﻲ اﻷﻗﺪار
ﺑﺎﻟﻀﻨﻰ واﻷﺣﺰان ﻓﻲ ﺳﺒﯿﻠﻪ وﻣﻦ أﺟﻠﻪ .ﻓﺎﻟﺒﺆس واﻟﻬﻤﻮم ﻣﻦ أﺟﻞ ﻗﻠﺒﻲ واﻟﺴﻠﻄﺎن واﻟﺴﻌﺎدة ﻣﻦ ﻗﺴﻤﺘﻚ.
أﻣﯿﺮي ..ﻻ ﺗﻨﺎزﻋﻨﻲ اﻟﯿﻮم ﻓﻲ ﺷﻲء ﻣﻦ ﻧﺼﯿﺒﻲ ! ﻓﻬﻲ ﺣﺼﺘﻲ وأﻧﺎ ﻗﺎﻧﻌﺔ وراﺿﯿﺔ ﺑﻬﺎ .ﻋﺪ أﻧﺖ ﯾﺎ ﻣﻮﻻي
ﻓﺎﺟﻠﺲ ﻋﻠﻰ ﺳﺮﺳﺮ ﺳﻠﻄﺎﻧﻚ ،وأﻣِﻞْ ﺗﺎﺟﻚ اﻟﺪري ﻋﻠﻰ ﻣﻔﺮق رأﺳﻚ .أﻗﻢ ﻣﻦ ﺣﻮﻟﻚ ﻣﺠﺎﻟﺲ اﻟﻄﺮب ﻓﻲ ﺗﻨﻈﯿﻤﻬﺎ
اﻟﺮاﺋﻊ ،وأدر ﻓﯿﻤﺎ ﺑﯿﻨﻬﺎ أﻓﺮاح اﻟﺰﻣﺎن وأﻧﺴﻪ .أﺳﻜﺮ اﻟﺴﺎدة واﻟﻐﻠﻤﺎن ﺑﺸﺮاب ﻧﻌﯿﻤﻚ ،وﻟﯿﻌﺪ ﺷﺒﺎب اﻟﻠﻬﻮ
واﻟﻤﺮح ﻣﺨﺘﺎﻻ ﻓﻲ اﻟﺸﯿﻮخ ﻣﻦ ﺟﻠﺴﺎﺋﻚ .ﻫﯿﺊ ﻋﻠﻰ ﺑﺴﺎﻃﻚ ﻟﺬاﺋﺬ اﻟﻄﻌﺎم واﻟﺸﺮاب ،وﻧﻈﻢ ﻣﻦ ﺣﻮﻟﻪ ﻛﻞ أﺳﺒﺎب
اﻟﺼﻔﻮ واﻟﻬﻨﺎء ،واﻧﺜﺮ ﺑﯿﻨﻪ ﺳﺎﺋﺮ أﻧﻮاع اﻟﻌﻄﻮر واﻟﻤﻔﺮﺣﺎت ،واﺟﻤﻊ ﻟﺬﻟﻚ اﻟﻨﺪاﻣﻰ واﻷﺻﺤﺎب ،وﻟﺘﺮﻗﺺ ﺑﯿﻨﻬﻢ
اﻟﺒﻬﺠﺔ ﺑﺸﺘﻰ أﻟﻮاﻧﻬﺎ ،وﻟﺘﺘﻤﺎﯾﻞ ﻣﻦ ﻓﻮق رؤوﺳﻬﻢ اﻟﻮرود واﻷﻏﺼﺎن.
ﻓﻠﻘﺪ اﺳﺘﻜﻤﻠﺖ ﯾﺎ ﻣﻮﻻي ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﯿﻮم روﺣﺎﻧﯿﺘﻨﺎ ...واﻧﺘﻬﺖ ﻣﻨﺎ ﻋﻼﺋﻖ اﻟﺤﯿﻮاﻧﯿﺔ واﻟﻔﻨﺎء ،وأزﯾﺤﺖ ﻋﻤﺎ ﺑﯿﻨﻨﺎ
ﺣﺠﺒﻬﺎ وأﺳﺘﺎرﻫﺎ ...ﻧﻌﻢ ﺳﻮف ﯾﺘﻮارى ﻫﺬا اﻟﺠﺴﻢ ﺑﻌﺪ ﻗﻠﯿﻞ ﻓﻲ ﺗﺮاﺑﻪ ،وﻟﻜﻦ روﺣﻲ ﻟﻦ ﯾﻤﻨﻌﻬﺎ أي ﺷﻲء ﻣﻦ
ﻧﻌﯿﻤﻬﺎ ووﺻﺎﻟﻬﺎ...
أﻣﯿﺮي ...وﻻ ﺗﻨﺲ أن ﺗﻘﯿﻢ أﻓﺮاﺣﻨﺎ ﻛﺎﻣﻠﺔ ..ﻓﻜﻼﻧﺎ وإن أﺻﺒﺢ روﺣﺎﻧﯿﺎ ﻓﻲ ذاﺗﻪ وﻟﻜﻨﻨﺎ ﻻ ﻧﺰال ﻧﻄﺮب ..وﻧﻤﯿﻞ
إﻟﻰ اﻟﻄﯿﺒﺎت واﻷﻓﺮاح.
أﺗﺬﻛﺮ ذﻟﻚ اﻟﻌﺮس اﻟﺒﻬﯿﺞ اﻟﺬي أﻗﻤﺘﻪ ﻷﺧﺘﻲ ورﻓﯿﻘﻬﺎ ،وﻛﯿﻒ أزدﻫﺮت ﻫﺬا اﻟﺒﻠﺪة إذ ذاك ﺿﯿﺎءا وأﻧﺴﺎ ..؟ إﻧﻨﻲ
آﻣﻞ ﻣﻨﻚ ﯾﺎ أﺧﻲ أن ﺗﻮﻟﯿﻨﻲ ﻣﺜﻞ ﺗﻠﻚ اﻟﺮﻋﺎﯾﺔ ﻓﻲ ﯾﻮم ﻋﺮﺳﻲ أﻧﺎ أﯾﻀﺎ ...ﻣُﺮْ ﻫﺬه اﻟﺠﺰﯾﺮة أن ﺗﻌﻮد ﻓﺘﻤﺘﻄﻲ ﺧﯿﻮل
اﻟﻤﺮح ،وأرﺳﻞ وراء رﺟﺎﻟﻚ وﺟﻨﺪك ،ﯾﻘﯿﻤﻮا اﻷﻓﺮاح واﻟﻤﻬﺮﺟﺎﻧﺎت ،وﻟﺘﻌﺪ ﻧﺸﻮة اﻟﻔﺮح واﻟﻄﺮب ﺗﻄﻮف
ﺑﺎﻟﺮؤوس ،وﻟﺘﺘﺰﯾﻦ ﺛﺎﻧﯿﺔ ﺟﻤﯿﻊ اﻟﻤﯿﺎدﯾﻦ واﻷزﻗﺔ واﻷﺳﻮاق.
أﺧﻲ ...وﻟﻘﺪ ﺿﺎق اﻟﻮﻗﺖ ،ﻓﻠﺘﺤﺴﻦ إﻟﻲ ﻓﻲ اﻟﻤﺒﺎدرة ﺑﺘﺪارك اﻟﺠﻬﺎز وﺗﻬﯿﺌﺘﻪ ،ﻓﻼ ﺑﺪ ﻣﻦ إﻋﺪاده ،ﻟﻜﻲ ﯾﻠﺘﺤﻖ ،
ﻣﻨﺬ اﻵن.
أﺗﺬﻛﺮ ﯾﺎ ﻣﻮﻻي ﺻﺮح ﺳﺘﻲ ..ذﻟﻢ اﻟﺼﺮح اﻟﺮاﺋﻊ اﻟﻤﺘﺄﻟﻖ ...؟
إﻧﻨﻲ أﺣﺘﺎج إﻟﻰ ﺗﺎﺑﻮت ﻓﻲ ﻣﺜﻞ ﺑﻬﺎﺋﻪ وﺗﺄﻟﻘﻪ ...أرﯾﺪه ﻣﻦ أﻓﺨﺮ أﻧﻮاع اﻷﺑﯿﻨﻮس ..اﻷﺑﯿﻨﻮس اﻟﻤﻨﻘﻮش وﻟﯿﻜﻦ
ﻏﻄﺎؤه ﻓﻲ ﻣﺜﻞ روﻋﺘﻪ وأﺑﻬﺘﻪ ،ﻣﺰداﻧﺎ وﻣﺮﺻﻌﺎ ﺑﻮﺷﻲ اﻟﺬﻫﺐ واﻟﻔﻀﺔ .وﻟﺘﻜﻦ ﻣﻈﺎﻫﺮ اﻹﺣﺘﻔﺎل واﻟﺒﻬﺠﺔ ﻛﺎﻣﻠﺔ
ﻣﻦ ﺣﻮﻟﻪ.
أﺧﻲ ،أﺗﻀﺮع إﻟﯿﻚ أن ﺗﺤﻘﻖ ﻫﺬا ﻛﻤﺎ أﻗﻮل ،ﻻ ﺗﺪﻋﻨﻲ ﻓﻲ ﯾﻮم ﻓﺮﺣﻲ ﻣﻤﺘﻬﻨﺔ أﻣﺎم اﻷﻧﻈﺎر .ﻻ ﯾﻘﻮﻟﻦ اﻟﻨﺎس إذ
ﯾﺘﻮﺳﻄﻮن اﻟﻤﻘﺒﺮة ﻓﻲ ﺗﺤﺴﺮ وأﻟﻢ :ﻛﻢ ﻛﺎن ﻋﺮس ﺳﺘﻲ ﯾﻮﻣﺎ ﻣﺸﺮﻗﺎ ﻣﻦ اﻟﺪﻫﺮ ،وﻛﻢ ﻛﺎن ﻃﺎﻟﻊ زﯾﻦ أﺳﻮد ﺣﺎﻟﻜﺎ
ﻣﻨﺬ اﻷزل!...
ﺛﻢ دع ﺷﻘﯿﻘﺘﻲ ﯾﺎ ﻣﻮﻻي ﻫﻲ اﻟﺘﻲ ﺗﺘﻮﻟﻰ ﺗﺰﯾﯿﻨﻲ وﻏﺴﻠﻲ ،وﺗﻜﻮن ﻓﻲ رﻓﻘﺔ ﻧﻌﺸﻲ وﺗﻮدﯾﻌﻪ .أﻣﺎ ﻣﻤﻮ ﻓﺎﺗﺮك ﻟﻪ
وﻓّﯿﻪ اﻟﻤﺨﻠﺺ ﻫﻮ اﻟﺬي ﯾﻐﺴﻠﻪ ﻛﻤﺎ ﯾﺸﺎء وﯾﺼﺎﺣﺒﻪ إﻟﻰ ﻣﻘﺮه اﻷﺧﯿﺮ‘‘..
وﺳﻜﺘﺖ ﻗﻠﯿﻼ ﻛﺄﻧﻤﺎ ﺗﺴﺘﺮوح ﻣﻦ إﻋﯿﺎء.
ﺛﻢ ﺗﺎﺑﻌﺖ ﺣﺪﯾﺜﻬﺎ ﺗﻘﻮل:
’’ﻓﺎذا ﻛﺎن ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ،ﻓﺄﺗﻢ إﺣﺴﺎﻧﻚ ﻟﻲ ﯾﺎ ﺳﯿﺪي ،وﻟﯿﻤﺮ ﻋﺎم ﻛﺎﻣﻞ ﺗﻄﻌﻢ ﻓﯿﻪ اﻟﺒﻄﻮن اﻟﺠﺎﺋﻌﺔ وﺗﻜﺴﻮ اﻷﺟﺴﺎم
اﻟﻌﺎرﯾﺔ .اﺟﻤﻊ ﺣﻮﻟﻚ اﻟﻔﻘﺮاء واﻟﻤﺎﻛﺴﻦ ﻟﺘﻐﻨﯿﻬﻢ وﺗﺮأف ﺑﻬﻢ .اﺑﺤﺚ ﻋﻦ اﻟﺘﻌﺴﺎء واﻷﺷﻘﯿﺎء ﻟﺘﻮاﺳﯿﻬﻢ وﺗﺴﻌﺪﻫﻢ
.اﻣﺴﺢ ﯾﺎ أﺧﻲ ﺑﻌﻄﻔﻚ دﻣﻮع اﻟﺒﺎﺋﺴﯿﻦ ،وﻓﺮج ﺑﻤﻌﺮوﻓﻚ ﻋﻦ ﻗﻠﻮب اﻟﻤﻜﺮوﺑﯿﻦ .أﻃﻠﻖ ﯾﺪ اﻷﺳﺮى واﻟﻤﺴﺠﻮﻧﯿﻦ
،وﻓﻚ ﯾﺪ اﻟﻈﻼم ﻋﻦ اﻟﻀﻌﻔﺎء واﻟﻤﻈﻠﻮﻣﯿﻦ .أﺳﺮج ﺑﺸﻲء ﻣﻦ ﻧﻌﻤﺘﻚ ﻃﻮاﯾﺎ اﻟﻨﻔﻮس اﻟﻤﻈﻠﻤﺔ ،وادﺧﻞ ﺑﻠﻄﻔﻚ
اﻟﻘﻠﻮب اﻟﻜﺒﯿﺮة .ﺗﺪان إﻟﻰ اﻟﻤﻔﺠﻮﻋﯿﻦ واﻟﻤﻨﻜﻮﺑﯿﻦ ﻟﺘﺆﻧﺴﻬﻢ ،وﻗﺮﺑﻬﻢ إﻟﻰ ﻣﺠﻠﺴﻚ وﺳﻌﺎدﺗﻚ ﻟﺘﺴﺮي ﻋﻦ
ﻫﻤﻮﻣﻬﻢ وأﺣﺰاﻧﻬﻢ .اﺑﺤﺚ ﻓﻲ ﻃﻮاﯾﺎ اﻟﻠﯿﻞ ﻋﻦ اﻟﺴﺎدرﯾﻦ واﻟﺒﺎﻛﯿﻦ ﻓﻲ ﻇﻠﻤﺎﺗﻪ ،وﻓﺘﺶ ﻣﻊ اﻟﺸﻤﺲ ﻋﻦ اﻟﻬﺎﺋﻤﯿﻦ
ﻓﻲ اﻟﻔﻠﻮات ،اﻟﻬﺎرﺑﯿﻦ ﺑﺂﻻﻣﻬﻢ إﻟﻰ اﻵﻛﺎم واﻟﺘﻼل ،ﻓﺪاو آﻻﻣﻬﻢ وآس ﺟﺮاﺣﻬﻢ ﺑﻜﻞ ﻣﺎ ﯾﻤﺘﺪ إﻟﯿﻪ ﻃﻮﻗﻚ وﺗﺼﻞ
إﻟﯿﻪ ﻗﺪرﺗﻚ.
وﻻ ﺗﻨﺲ ﯾﺎ ﺳﯿﺪي أن ﺗﻘﻮم ﺑﻜﻞ ﻫﺬا ﻋﻠﻰ ﻧﯿﺘﻲ ،وأن ﺗﺼﺮﻓﻪ ﻣﻦ ﺣﺴﺎب ﺟﻬﺎزي دون أن ﺗﻘﺴﻢ ﺷﯿﺌﺎ ﻣﻦ ﻛﻼﻣﻲ
إﻟﻰ ﺣﻘﯿﻘﺔ وﻣﺠﺎز.
ﺛﻢ أﺗﻮﺳﻞ إﻟﯿﻚ ﺑﻌﺪ ﻫﺬا ﻓﻲ ﺗﻨﻔﯿﺬ آﺧﺮ ﺳﻄﺮ ﻣﻦ وﺻﯿﺘﻲ ﯾﺎ ﻣﻮﻻي ،وﻫﻮ أن ﻻ ﺗﺪع أي ﺣﺎﺟﺰ ﯾﻘﻮم ﺑﯿﻨﻲ وﺑﯿﻦ
ﻣﻤﻮ ﻓﻲ ﻣﻘﺮﻧﺎ اﻷﺧﯿﺮ .دﻋﻨﺎ ﻫﻨﺎك ﯾﺎ أﺧﻲ ،ﺗﻨﻌﺎﻧﻖ ﻓﻲ ﻗﺒﺮ واﺣﺪ ﺳﻌﯿﺪﯾﻦ ﻣﻨﻌﻤﯿﻦ ،ﺗﺘﻼﻣﺲ ﻣﻨﺎ اﻷﺑﺪان اﻟﺘﻲ
أﺣﺮﻗﻬﺎ اﻟﺤﺮﻣﺎن وأذاﺑﻬﺎ اﻟﺸﻮق واﻟﻔﺮاق.
أﻃﻠﺖ ﻋﻠﯿﻚ ﯾﺎ ﺳﯿﺪي ..وﻟﻜﻦ ﻋﺬري أن اﻟﻄﺮﯾﻖ أﻣﺎﻣﻲ ﻃﻮﯾﻞ ،وﺣﻔﺮﺗﻲ ،ﺑﻌﺪت ﻋﻨﻚ ،ﺑﻌﯿﺪة اﻟﻐﻮر ،وﯾﻮم
اﻟﻔﺮاق ﻗﺮﯾﺐ‘‘...
وﻫﻨﺎ اﺳﺘﺒﺪ اﻟﺠﺰع واﻟﺤﺰن ﺑﺎﻟﺤﺎﺿﺮﯾﻦ اﻟﺬي ﻛﺎﻧﻮا ﯾﺴﻤﻌﻮن ﻛﻼﻣﻬﺎ ﻓﻲ ذﻫﻮل وإﻃﺮاق ،وﺗﻌﺎﻟﺖ اﻷﺻﻮات
واﺷﺘﺪ اﻟﻨﺤﯿﺐ ،وﻟﻢ ﺗﺒﻖ ﻋﯿﻦ إﻻ اﻧﻬﻤﺮت ﺑﻮاﺑﻞ ﻣﻦ اﻟﺪﻣﻮع .وﺗﻘﺪم ﻣﻨﻬﺎ اﻷﻣﯿﺮ ﺑﺎﻛﯿﺎ ،ﺿﻤﻬﺎ إﻟﯿﻪ وﻗﺒﻞ رأﺳﻬﺎ
ﻗﺎﺋﻼ:
’’أﻗﺴﻢ ﻟﻚ ﯾﺎ ﺷﻘﯿﻘﺘﻲ -وأﻧﺎ أﺧﻮك اﻟﺬي ﻗﺴﺎ وﻟﻢ ﯾﺮﺣﻢ -أﻧﻨﻲ ﺳﺄﻛﻔﺮ ﻋﻦ ذﻧﺒﻲ ﺑﻜﻠﻤﺎ اﺳﺘﻄﯿﻊ .ﺳﺄﻗﺪم روﺣﻲ
ﺛﻤﻨﺎ ﻟﺠﻤﻌﻜﻤﺎ وﺳﻌﺎدﺗﻜﻤﺎ .ﻟﻦ أدع واﷲ أي ﺷﻲء ﯾﻔﺮق ﺑﯿﻨﻜﻤﺎ ﻻ ﻓﻲ اﻟﺤﯿﺎة وﻻ ﻣﻦ ﺑﻌﺪﻫﺎ‘‘..
ﺛﻢ ﺗﺬﻛﺮ ﻣﻤﻮ وﺣﺎﻟﻪ ﻓﻲ اﻟﺴﺠﻦ ،ﻓﻜﻔﻜﻒ دﻣﻮﻋﻪ واﻟﺘﻔﺖ إﻟﻰ ﻣﻦ ﺣﻮﻟﻪ ﻗﺎﺋﻼ:
’’وﻟﻜﻦ ﻋﻠﯿﻜﻢ اﻵن أن ﺗﺒﺎدروا ﻣﺴﺮﻋﯿﻦ إﻟﻰ اﻟﺴﺠﻦ ﻟﺘﺮوا ﻣﻤﻮ وﻟﺘﻜﻦ ﻣﻌﻜﻢ زﯾﻦ ،ﻓﺄﻧﺎ واﺛﻖ ﺑﺄﻧﻪ ﻟﯿﺲ ﺑﻨﺰع ..
وﻟﻜﻨﻬﺎ ﻏﺸﯿﺔ أو أﻟﻢ ﻗﺪ اﻧﺘﺎﺑﻪ ،وﺳﯿﺴﺮي ﻋﻨﻪ ﺣﯿﻨﻤﺎ ﺗﺘﻠﻄﻔﻮن ﻟﻪ ﻓﻲ إدﺧﺎل اﻟﺒﺸﺮى إﻟﻰ ﻗﻠﺒﻪ روﯾﺪا روﯾﺪا
وإﺧﺮاﺟﻪ ﻣﻦ ذﻟﻚ اﻟﻤﻜﺎن‘‘..
اﻟﻠﻘﺎء اﻷﺧﯿﺮ
ﺳﺎءت اﻟﺤﺎل ﺑﺰﯾﻦ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻠﯿﻠﺔ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ذي ﻗﺒﻞ ﺑﻜﺜﯿﺮ ،ﻓﻘﺪ ﻛﺎن ﻟﺘﻠﻚ اﻟﻐﺸﯿﺔ اﻟﻄﻮﯾﻠﺔ اﻟﺘﻲ اﻧﺘﺎﺑﺘﻬﺎ ،وﺗﻠﻚ
اﻟﺪﻓﻘﺔ اﻟﻜﺒﯿﺮة ﻣﻦ اﻟﺪﻣﺎء اﻟﺘﻲ اﻧﺪﻓﻌﺖ ﻣﻦ ﺻﺪرﻫﺎ أﺛﺮ ﻛﺒﯿﺮ ﻓﻲ إﺑﺎدة ﺑﻘﯿﺔ ﻣﺎ ﺗﺤﺘﻔﻆ ﺑﻪ ﻓﻲ ﺟﺴﻤﻬﺎ ﻣﻦ ﻃﺎﻗﺔ
واﺣﺘﻤﺎل .
وﻟﻜﻨﻬﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ذﻟﻚ ﺗﺤﺎﻣﻠﺖ ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺳﻤﻌﺖ ﻣﻦ اﻷﻣﯿﺮ اﻹذن ﺑﺈﻃﻼق ﺳﺮاح ﻣﻤﻮ واﻷﻣﺮ ﻟﻤﻦ
ﺣﻮﻟﻪ ﺑﺎﻟﺬﻫﺎب إﻟﯿﻪ وﺑﺎﻹﺳﺮاع ﺑﺈﺧﺮاﺟﻪ .ﻓﻘﺎﻣﺖ ،ﻓﺘﺰﯾﻨﺖ ،وأﺻﻠﺤﺖ ﻣﻦ ﺷﺄﻧﻬﺎ ،ﺛﻢ اﻣﺘﻄﺖ ﺟﻮاد وﺧﺮﺟﺖ ﻣﻊ
ذﻟﻚ اﻟﺠﻤﻊ ،ﯾﺆﻣﻮن ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻠﯿﻠﺔ ﺳﺠﻦ ﻣﻤﻮ ...وﻛﺎن ﻓﯿﻬﻢ اﺧﺘﻬﺎ ﺳﺘﻲ ،وﺑﻌﺾ ﻣﻦ اﻻﻫﻞ واﻷﻗﺮﺑﯿﻦ ،وﺑﻌﺾ
ﺧﺪم اﻟﻘﺼﺮ وﻓﺘﯿﺎﺗﻪ ،وﻗﺪ ﺣﻤﻞ اﻟﺠﻤﯿﻊ ﻓﻲ أﯾﺪﯾﻬﻢ ﺷﻤﻮﻋﺎ ﻟﺘﻨﯿﺮ ﻟﻬﻢ اﻟﻄﺮﯾﻖ.
واﻧﺘﻬﻮ إﻟﻰ ﺑﺎب اﻟﺴﺠﻦ اﻟﻤﻐﻠﻖ ..وﺑﺎدر اﻟﺤﺎرس اﻟﺨﺎص ﻓﻔﺘﺢ ﻟﻬﻢ اﻟﺒﺎب ..وﻫﻨﺎك ﺗﺄﺧﺮت ﻋﻨﻬﻢ زﯾﻦ ﻟﻜﻲ ﻻ
ﯾﻔﺎﺟﺄ ﻣﻤﻮ ﺑﺮؤﯾﺘﻬﺎ ،ﺑﯿﻨﻤﺎ أﺧﺬ اﻟﺒﺎﻗﻮن ﯾﺪﺧﻠﻮن ،اﻟﻮاﺣﺪ ﺗﻠﻮ اﻵﺧﺮ ﻓﻲ وﺟﻮم ورﻫﺒﺔ ..إﻟﻰ أن وﺻﻠﻮا إﻟﻰ
اﻟﺪرج اﻟﺬي ﯾﻬﺒﻂ إﻟﻰ ﻣﻘﺮ ﻣﻤﻮ ،ﻓﻨﺰﻟﻮا ﻓﯿﻪ .واﻟﺸﻤﻮع ﺑﺄﯾﺪﯾﻬﻢ ﺗﺒﺪد ﻣﻦ ﺣﻮﻟﻬﻢ اﻟﻈﻼم ،وﻗﺪ ﺳﺎد اﻟﺼﻤﺖ
واﻟﺮﻫﺒﺔ ،ﻓﻼ ﯾﺴﻤﻊ إﻻ وﻗﻊ اﻷﻗﺪام اﻟﻤﺘﻼﺣﻘﺔ ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ اﻟﺪرج .ﺛﻢ اﻧﺘﻬﻮا إﻟﻰ ﻣﻜﺎن ﻣﻤﻮ ،وﻗﺪ ﺑﺪا ﻛﺎﻟﻜﻬﻒ
اﻷﺻﻢ ﺳﺎﻛﻨﺎ ﺧﺎﺷﻌﺎ ﺗﻤﻮج اﻟﻮﺣﺸﺔ ﻓﻲ ﺳﺎﺋﺮ ﺟﻬﺎﺗﻪ وأﻃﺮاﻓﻪ.
وراﺣﺖ أﻋﯿﻨﻬﻢ ﺗﺠﻮل ﻓﻲ اﻟﻤﻜﺎن ..وإذ ﺑﻤﻤﻮ ﻣﻠﻘﻰ ﻓﻮق ﺑﺴﺎط رث ﻣﻬﻠﻬﻞ ﻇﻬﺮ أﻧﻪ ﻗﺪ اﺗﺨﺬه ﻣﺼﻼة ﻟﻪ ،ﻻ
ﯾﺘﺮاﺋﻰ ﻓﯿﻪ أي أﺛﺮ ﻹﺣﺴﺎس أو روح ،وﻗﺪ رق ﻛﻞ ﺷﻲء ﻣﻨﻪ ﺣﺘﻰ اﻟﻌﻈﻢ ،واﻧﻄﻮت ﻣﻨﻪ اﻟﻤﻼﻣﺢ واﻟﻬﯿﺌﺔ اﻟﺘﻲ
ﻛﺎﻧﻮا ﯾﻌﺮﻓﻮﻧﻬﺎ ،وﻋﺎد ﻛﺘﻠﺔ ﻣﻦ ﻋﻈﺎم رﻗﯿﻘﺔ ﺑﺎرزة ،ﻓﻲ ﻏﺸﺎء ﻣﻦ اﻟﺠﻠﺪ اﻟﻤﺘﻐﻀﻦ!
واﻟﺘﻔﻮا ﯾﺴﺄﻟﻮن ﺣﺎرﺳﻪ اﻟﺨﺎص ﻋﻦ ﺷﺄﻧﻪ ﻓﺄﺟﺎب ﺑﺄﻧﻪ رآه ﻋﻠﻰ ﻫﺬه اﻟﺤﺎﻟﺔ ﻣﻨﺬ اﻟﺼﺒﺎح اﻟﺒﺎﻛﺮ ﻋﻨﺪﻣﺎ أﺗﺎه ﺑﻄﻌﺎم
اﻹﻓﻄﺎر وﻟﻢ ﯾﺴﺘﻄﻊ أن ﯾﻌﺮف ﻟﺬﻟﻚ ﺳﺒﺒﺎ ﺳﻮى أن ﺑﻌﺾ ﻣﻦ ﻓﻲ ﺟﻮاره ﻣﻦ اﻟﻤﺴﺠﻮﻧﯿﻦ ﺣﺪﺛﻮه ﺑﺄﻧﻬﻢ ﺷﻌﺮوا ﻗﺒﻞ
ذﻟﻚ ﺑﺄﺣﻮال ﻏﺮﯾﺒﺔ ﻣﻦ ﺣﻮﻟﻪ ،وﻟﻤﺤﻮا ﺿﯿﺎء ﻛﺒﯿﺮا ﯾﺴﻄﻊ ﻣﻦ زﻧﺰاﻧﺘﻪ ﻗﺒﯿﻞ اﻟﻔﺠﺮ!..
وﻟﻢ ﯾﻔﺪﻫﻢ أي ﺷﻲء ﻣﻦ اﻟﻤﺤﺎﯾﻠﺔ وأﻧﻮاع اﻟﻤﻨﺒﻬﺎت واﻟﻌﻼج ﻓﻲ ﺑﻌﺜﻪ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﺮﻗﺪة اﻟﺘﻲ ﻟﻢ ﯾﻜﻮﻧﻮا ﻟﯿﻌﺮﻓﻮا أﻫﻲ
إﻏﻤﺎءة ﻗﺪ اﻧﺘﺎﺑﺘﻪ أم ﻫﻲ اﻟﺮﻗﺪة اﻷﺧﯿﺮة واﻟﻤﻮت .وﺣﯿﻨﺌﺬ ﺟﺎءت زﯾﻦ ﻓﺘﻘﺪﻣﺖ ﻧﺤﻮه ،ﺟﺎءت ﻟﺘﻘﻒ أﻣﺎﻣﻪ
وﺗﺤﺪﺛﻪ ..وﻟﻜﻨﻬﺎ ﻟﻢ ﺗﺘﻤﺎﻟﻚ ذﻟﻚ إذ رأﺗﻪ ،وﺳﺮﻋﺎن ﻣﺎ ارﺗﻤﺖ ﻋﻠﯿﻪ ،وراﺣﺖ ﺗﻬﺘﻒ ﺑﺎﺳﻤﻪ ﻓﻲ ﺟﺰع ﺷﺪﯾﺪ ،
وﯾﺒﻠﻞ وﺟﻬﻪ ﺑﺪﻣﻮﻋﻬﺎ اﻟﻐﺰﯾﺮة.
ﻫﻨﺎك ..دب اﻟﺸﻌﻮر إﻟﻰ ﻣﻤﻮ ،وﺗﻔﺘﺤﺖ ﻋﯿﻨﺎه ،وأﺧﺬﺗﺎ ﺗﻄﻮﻓﺎن ﺑﺎﻟﺤﺎﺿﺮﯾﻦ ﻓﻲ ﺣﺮﻛﺔ ﺑﺎردة ﺑﻄﯿﺌﺔ ..ﺗﺪل دﻻﻟﺔ
واﺿﺤﺔ ﻋﻠﻰ أن اﻟﻮﻗﺖ ﻗﺪ ﻓﺎت ..واﻧﻜﻤﺶ ﺟﺴﻤﻪ ،وراح ﯾﺤﺎول اﻟﺠﻠﻮس ..ﺛﻢ اﺳﺘﺪار ﻧﺤﻮ اﻟﻘﺒﻠﺔ دون أن ﯾﻜﻠﻢ
أﺣﺪا ،وﻫﻮى ﺳﺎﺟﺪا !..ﺑﯿﻨﻤﺎ أﺧﺬ اﻟﺠﻤﯿﻊ ﯾﻨﻈﺮون إﻟﯿﻪ واﺟﻤﯿﻦ ،ﻓﻲ ﺣﺰن وأﻟﻢ.
وﺑﻌﺪ ﻓﯿﻨﺔ رﻓﻊ رأﺳﻪ ..واﺳﺘﺪار ﺑﻮﺟﻬﻪ ﻧﺤﻮ زﯾﻦ ﯾﻨﻈﺮ إﻟﯿﻬﺎ ﻓﻲ ذﻫﻮل وﺻﻤﺖ ..وﻓﺠﺄة ..دب ﺷﻲء ﻣﻦ اﻷﻣﻞ
ﻓﻲ ﻧﻔﻮس اﻟﺤﺎﺿﺮﯾﻦ ﻓﻘﺪ أﺧﺬ ﯾﺘﻜﻠﻢ!..
ﻗﺎل ﻟﺰﯾﻦ ﺑﺼﻮت ﺧﺎﻓﺖ ﻣﺘﻘﻄﻊ ،وﻋﯿﻨﺎه ﺗﺰﯾﻐﺎن ﻓﻲ وﺟﻬﻬﺎ:
’’ﻟﻘﺪ ﻛﻨﺖِ ﻟﻲ ﻧﻌﻢ اﻟﺪﻟﯿﻞ ‘‘
ﻓﺄﺟﺎﺑﺖ ’’ :ﻟﻘﺪ ﻛﻨﺖَ ﻟﻲ ﻧﻌﻢ اﻟﺨﻠﯿﻞ‘‘..
ﻓﻘﺎل ’’ :أﻧﺖِ ﻧﻌﻢ اﻟﺴﺒﯿﻞ إﻟﻰ رﺑّﻲ‘‘..
ﻓﺄﺟﺎﺑﺖ ’’ :أﻧﺖَ ﻧﻌﻢ اﻟﺴﺮاج ﻟﺮوﺣﻲ‘‘..
ﻓﻘﺎل ’’ :أﻧﺖِ ﻧﻮر ﻓﺆادي‘‘..
ﻓﺄﺟﺎﺑﺖ ’’ :أﻧﺖَ إﻧﺴﺎن ﻋﯿﻨﻲ‘‘...
ﻓﻘﺎل ’’ :أﻧﺖِ ﺳﻠﻄﺎن روﺣﻲ‘‘..
ﻓﺄﺟﺎﺑﺖ ’’ :أﻧﺖ ﻗﺒﻠﺔ ﻧﻔﺴﻲ‘‘..
وﻫﻨﺎ اﻧﺘﺒﻪ أوﻟﺌﻚ اﻟﺬﯾﻦ ﯾﺴﻤﻌﻮن ﻣﻨﻬﻤﺎ ﻫﺬه اﻟﻤﻨﺎﺟﺎة إﻟﻰ أن ﻣﻤﻮ ﻟﻢ ﯾﻌﺪ ﯾﻤﻠﻚ وﻋﯿﻪ ،وأﻧﻪ أﺧﺬ ﯾﻐﯿﺐ ﻋﻦ ﻧﻐﺴﻪ
،ﻓﺪﻧﺖ ﻣﻨﻪ ﺳﺘﻲ وﻗﺎﻃﻌﺘﻬﻤﺎ ﻗﺎﺋﻠﺔ :
’’ﻟﻘﺪ ﺟﺌﻨﺎك ﯾﺎ ﻣﻤﻮ ﻟﻨﻨﻘﺬك ﻣﻦ ﻫﺬا اﻟﺬي أﻧﺖ ﻓﯿﻪ ،ﻻ ﻟﻜﻲ ﺗﺘﻜﺎدى ﻓﻲ ذﻫﻮﻟﻚ وﺟﻨﻮﻧﻚّ إن اﻷﻣﯿﺮ اﻟﺬي ﻛﺎن ﻗﺪ
ﻏﻀﺐ ﻋﻠﯿﻚ داﺧﻠﺘﻪ اﻟﯿﻮم رﺣﻤﺔ ﻣﻦ أﺟﻠﻚ ،وﻗﺪ أرﺳﻠﻨﺎ ﻹﺧﺮاﺟﻚ وﺗﺤﻘﯿﻖ ﻣﺮادﻧﺎ .إن زﯾﻨﺎ اﻟﺘﻲ ﺟﻨﻨﺖ ﺑﻬﺎ ﻗﺪ
ﺳﻌﺖ إﻟﯿﻚ وﻫﺎ ﻫﻲ ذي واﻗﻔﺔ أﻣﺎﻣﻚ ﻛﻤﺎ ﺗﺸﺘﻬﻲ وﺗﺮﯾﺪ .إن اﻷﻣﻨﯿﺔ اﻟﺘﻲ ﻃﺎﻟﻤﺎ ﺗﺄﻣﻠﺘﻬﺎ وﻏﺒﺮت ﺷﺒﺎﺑﻚ ﻓﻲ
اﻟﺤﻨﯿﻦ إﻟﯿﻬﺎ ﻗﺪ أﻗﺒﻠﺖ إﻟﯿﻚ ،إن اﻟﻨﺎس ﻛﻠﻬﻢ اﻟﯿﻮم ﻓﻲ ﻓﺮح ﻣﻦ أﺟﻠﻚ ﯾﻨﺘﻈﺮون ﺧﺮوﺟﻚ إﻟﯿﻬﻢ ﻟﯿﺴﺘﻘﺒﻠﻮك
وﯾﻬﻨﺌﻮك.
ﻓﻘﻢ ..ﻗﻢ ﯾﺎ ﻣﻤﻮ ﻻ ﯾﻐﻠﺒﻨﻚ ﻫﺬا اﻟﻬﻮى ﻓﺘﺠﻦ ﻓﯿﻪ ،ﻻ ﯾﺼﺮﻋﻨﻚ ،ﻣﻦ ﻏﯿﺮ داع ،أﻣﻮاج ﻫﺬا اﻟﺸﻮق ﻓﺘﻐﺮق ﻓﻲ
ﻋﺒﺎﺑﻪ .ﻻ ﺗﺬﻫﺐ ﺑﻘﯿﺔ ﻋﻤﺮك ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﺠﻨﻮن ﺑﺪدا .ﻻ ﺗﺒﻊ روﺣﻚ اﻟﯿﻮم رﺧﯿﺼﺔ وﻗﺪ ﺗﺪاﻧﺖ إﻟﯿﻬﺎ ﺳﻌﺎدﺗﻬﺎ .أﻋﺪ
إﻟﯿﻚ رﺷﺪك اﻟﺬي ﻃﺎل ﻣﻌﻪ ﺧﺼﺎﻣﻚ ،واﻧﻔﺾ ﻋﻦ رأﺳﻚ ﻫﺬا اﻟﺠﻨﻮن اﻟﺬي ﻃﺎل ﺑﻚ ﺗﺸﺒﺜﻪ.
ﻗﻢ ﻟﻨﺬﻫﺐ ﻣﻌﺎ إﻟﻰ اﻷﻣﯿﺮ ..ﻓﺴﺘﺮاه اﻟﯿﻮم ذا ﻛﺮم و أﻓﻀﺎل ،ﻟﻘﺪ ﻫﯿﺄ ﻣﻦ أﺟﻠﻚ أﺳﺒﺎب اﻟﻤﺴﺮة واﻷﻓﺮاح ،وﺟﻤﻊ
ﻟﻚ اﻷﺣﺒﺔ واﻷﺻﺤﺎب ،وﻟﻘﺪ ﻣﺬَ ﻟﻚ ﻓﻲ ﻗﺼﺮه ﺑﺴﺎط اﻟﺴﻌﺎدة ﻓﻲ اﻧﺘﻈﺎر ﻗﺪوﻣﻚ ﻟﯿﻬﻨﺌﻚ ﺑﺰﯾﻦ ،وﻟﯿﻘﯿﻢ ﻷﻓﺮاﺣﻜﻤﺎ
اﻟﻠﯿﺎﻟﻲ واﻷﻋﺮاس ‘‘..
ﻓﻔﺘﺢ ﻋﯿﻨﯿﻪ ﻗﻠﯿﻼ وﻛﺄﻧﻤﺎ ﻋﺎد إﻟﯿﻪ ﺷﻲء ﻣﻦ ﺻﻮاﺑﻪ ،وراح ﯾﻤﯿﻞ رأﺳﻪ ﯾﻤﻨﺔ وﯾﺴﺮى ﻗﺎﺋﻼ:
’’ﻻ ..أﻧﺎ ﻻ أذﻫﺐ إﻟﻰ أي أﻣﯿﺮ ،أﻧﺎ ﻻ أﻗﻒ ﺑﺒﺎب اي ﺣﺎﻛﻢ أو وزﯾﺮ ،أﻧﺎ ﻻ أﻛﻮن ﻏﻼﻣﺎ ﻷي ﻋﺒﺪ أو أﺳﯿﺮ .ﻣﻦ
ﻫﻮ ﻫﺬا اﻷﻣﯿﺮ اﻟﺬي ﻻ ﯾﻤﻠﻚ ﺣﯿﺎﺗﻪ ،وﻻ ﯾﺴﺘﻄﯿﻊ أن ﯾﺪﻓﻊ ﻋﻦ ﻧﻔﺴﻪ اﻟﻔﻨﺎء ،أو أن ﯾﻀﻤﻦ ﻟﻌﺮﺷﻪ اﻟﺒﻘﺎء ؟! أﻧﺎ ﻻ
ﺗﻐﺮﻧﻲ اﻟﺸﻌﺒﺬة اﻟﻜﺎذﺑﺔ ،وﻻ ﯾﺒﻬﺮﻧﻲ ﺑﺮﯾﻖ اﻟﺨﯿﺎل اﻟﻔﺎﻧﻲ.
ﻟﻘﺪ اﻧﻄﻠﻘﻨﺎ إﻟﻰ ﺑﺎب ﻣﻮﻟﻰ اﻟﺴﺎدة واﻟﻌﺒﯿﺪ ،واﺳﺘﻘﺒﻠﺘﻨﺎ رﺣﺎب ﺳﻠﻄﺎن اﻟﺤﻜﺎم واﻷﻣﺮاء ،إﻧﻪ اﻟﺴﻠﻄﺎن اﻟﺬي ﻻ
ﯾﻔﺮق ﻋﺪﻟﻪ ﺑﯿﻦ ﻏﻨﻲ وﻓﻘﯿﺮ وأﻣﯿﺮ وﺣﻘﯿﺮ .إﻧﻪ ﻣﻮﻟﻰ اﻟﻘﻠﻮب اﻟﻜﺴﯿﺮة ووﻟﻲ اﻟﻨﻔﻮس اﻟﺤﺰﯾﻨﺔ .ﻟﻘﺪ ﻋﻘﺪ ﻫﻮ ﺑﯿﻨﻨﺎ
ﺑﯿﻤﯿﻦ ﻟﻄﻔﻪ ،وأﻗﺎم أﻓﺮاﺣﻨﺎ ﻓﻲ رﺣﺎب ﻗﺪﺳﻪ.
ﻓﻤﻌﺎذ اﷲ أن ﻧﻬﺒﻂ اﻟﯿﻮم إﻟﻰ أﻛﻮاخ اﻟﻔﻨﺎء ،أو ﻧﻮﻟﻲ وﺟﻬﻨﺎ ﺷﻄﺮ اﻟﻌﺒﯿﺪ واﻷﻣﺮاء ،ﻣﻌﺎذ اﷲ أن ﻧﻘﯿﻢ ﻋﺮﺳﻨﺎ إﻻ
ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﺮﺣﺎب اﻟﺘﻲ ﺗﻨﺘﻈﺮﻧﺎ ،وﺣﺎﺷﺎ أن ﯾﺠﻤﻌﻨﺎ إﻻ ﻣﻮﻟﻰ ﻗﻠﻮﺑﻨﺎ وﺧﺎﻟﻖ أرواﺣﻨﺎ.
ﻫﺎ ﻫﻮ ذا ...ﻟﻘﺪ زﯾﻦ ﻣﻦ أﺟﻠﻨﺎ ﺟﻨﺎن روﺿﺎﺗﻪ ،وﺟﻤﻊ ﻟﻨﺎ ﻓﻲ ﺟﻨﺒﺎﺗﻬﺎ ﻗﺪوﻣﻨﺎ ،وﯾﺴﺘﻌﺪون ﻟﻠﻘﺎﺋﻨﺎ .إن ﻫﻨﺎﻟﻚ
اﻟﻤﯿﻌﺎد اﻷﻛﺒﺮ ﻟﻨﺎ ﻓﻲ ﻇﻞ رﺣﻤﺘﻪ رﺣﯿﻖ ﺣﺒﻨﺎ ،وﺳﯿﺴﻌﺪﻧﺎ إذ ذاك ﻣﺠﺘﻤﻌﯿﻦ ﺑﺮؤﯾﺔ وﺟﻬﻪ ..ﺳﯿﻨﺴﯿﺎﻧﺎ ﻣﺎ ذاﻗﻨﺎه ﻣﻦ
أوﺻﺎب ﻫﺬه اﻟﺪﻧﯿﺎ وآﻻﻣﻬﺎ ،وﺳﯿﺴﻤﺢ ﻋﻦ وﺟﻬﯿﻨﺎ ﻗﺘﺎم اﻟﺪﻣﻮع واﻟﺰﻓﺮات ،وﺳﯿﺠﺒﺮ ﻛﺴﺮﻧﺎ ،وﯾﻤﺤﻮ ﺑﺆﺳﻨﺎ.
واﺷﻮﻗﺎه واﺷﻮﻗﺎه ﯾﺎ ﻣﻮﻻي إﻟﻰ اﻟﯿﻮم اﻟﻤﻮﻋﻮد‘‘...
وﻫﻨﺎ ﺳﻜﺖ وأﻏﻤﺾ ﻋﯿﻨﯿﻪ .وﻛﻤﺎ ﯾﺴﺮع ﻓﯿﻄﯿﺮ ﻣﻦ ﻗﻔﺼﻪ ذﻟﻚ اﻟﻄﺎﺋﺮ اﻷﻫﻮج اﻟﺼﻐﯿﺮ اﻟﺬي ﻻ ﯾﻔﺘﺄ ﻣﻀﻄﺮﺑﺎ
ﯾﺘﺮاﻣﻰ ﺑﺠﻨﺎﺣﯿﻪ ﻓﻲ ﺟﻨﺒﺎﺗﻪ ،إذ ﺗﻤﺘﺪ ﻧﺤﻮ ﺑﺎﺑﻪ اﻟﻤﻐﻠﻖ ﻓﺘﻔﺘﺤﻪ -أﺳﺮﻋﺖ ﺗﻠﻚ اﻟﺮوح ﻣﻐﺎدرة ذﻟﻚ اﻟﻘﻔﺺ اﻟﻌﻈﻤﻲ
اﻟﺬي ﻃﺎﻟﻤﺎ ﻇﻠﺖ ﻣﻌﺬﺑﺔ ﻓﯿﻪ واﻧﻄﻠﻘﺖ ﺗﻌﻠﻮ إﻟﻰ ﻋﻠﯿﺎﺋﻬﺎ ..وﻛﺄن ﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﺷﻲء.
ﻓﺈﻧﻘﻠﺒﺖ ﺗﻠﻚ اﻟﺰﻧﺰاﻧﺔ إﻟﻰ ﻣﺄﺗﻢ ﯾﺘﻌﺎﻟﻰ ﻓﯿﻪ اﻟﻨﺤﺎب واﻟﻌﻮﯾﻞ وارﺗﻤﺖ زﯾﻦ ﻋﻠﻰ أرض ذﻟﻚ اﻟﻤﻜﺎن وﻗﺪ ﺧﺎر ﻛﻞ
ﻗﻮاﻫﺎ .وذﻫﺐ اﻟﺨﺒﺮ ﻓﻲ اﻟﺴﺎﻋﺔ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﯾﻨﺘﺸﺮ ﻓﻲ اﻟﺠﺰﯾﺮة ﻋﻦ ﻃﺮﯾﻖ ﺑﻌﺾ اﻟﺤﺮاس اﻟﺬﯾﻦ أﺳﺮﻋﻮا ﻟﯿﺨﺒﺮوا
اﻷﻣﯿﺮ ،ﻗﺎﻟﻮا ﻓﻠﻢ ﺗﺒﻖ دار إﻻ واﻧﺘﺸﺮ ﻓﯿﻬﺎ اﻟﺤﺰن واﻟﻜﺮب .وﺳﻬﺮت اﻟﺠﺰﯾﺮة ﺗﻠﻚ اﻟﻠﯿﻠﺔ ﺑﻌﯿﻦ داﻣﻌﺔ ﻗﺮﯾﺤﺔ .
وأﺳﺮع ﺗﺎج اﻟﺪﯾﻦ ﻓﺨﺮج ﻣﻦ داره ﺛﺎﺋﺮا ﻛﺎﻟﻤﺠﻨﻮن ﯾﺘﺨﺒﻂ ﻣﺴﺘﻌﺠﻼ ﻗﺎﺻﺪا اﻟﺴﺠﻦ اﻟﺬي ﯾﻀﻢ ﺧﻠﯿﻠﻪ.
وﻓﻲ اﻟﻄﺮﯾﻖ ﻟﻤﺤﺖ ﻋﯿﻨﺎه ’’ ﺑﻜﺮا ‘‘ واﻗﻔﺎ ﺑﯿﻦ ﺟﻤﻊ ﻣﻦ اﻟﻨﺎس ﻋﻠﻰ ﻣﻘﺮﺑﺔ ﻣﻦ اﻟﻘﺼﺮ .ﻓﺎرﺗﻤﻰ إﻟﯿﻪ ﻛﺎﻟﺴﻬﻢ ،
وﻟﺒﺒﻪ ﻣﻦ ﺧﻨﺎﻗﻪ ﺑﺠﻤﻊ ﯾﺪه ،وأﺧﺬ ﯾﺼﻌﻖ ﻓﯿﻪ واﻟﺤﻨﻖ ﻣﻜﺘﻆ ﻓﻲ وﺟﻬﻪ ،وﻋﯿﻨﺎه ﺗﺮﺳﻼن إﻟﯿﻪ ﻧﻈﺮات ﻛﺎﻟﺠﻤﺮ ،
ﻗﺎﺋﻼ:
’’أﯾﻬﺎ اﻹﺑﻠﯿﺲ اﻟﻤﺰور ﻓﻲ ﻟﺒﺎس إﻧﺴﺎن ،أﯾﻬﺎ اﻟﺜﻌﺒﺎن اﻟﺬي ﻟﻢ ﯾﻨﻔﺚ ﺣﻠﻘﻪ إﻻ ﻧﺎر اﻟﻔﺘﻨﺔ واﻟﺪﻣﺎر .وﻗﻔﺖ أﺻﻠﺐ
ﺑﺎب ﻣﻐﻠﻖ ﺑﯿﻦ ﻫﺬﯾﻦ اﻟﻤﺴﻜﯿﻨﯿﻦ اﻟﺒﺮﯾﺌﯿﻦ ،ﻋﺸﺖ أﺑﻠﻎ ﻛﻲّ ﻓﻮق ﺟﺮاﺣﻬﻤﺎ اﻟﺪاﻣﯿﯿﻦ ،ﺣﺮﻣﺖ ﻗﻠﺒﯿﻬﻤﺎ ﻣﻦ ﻧﺼﯿﺐ
ﻫﻨﺎﺋﻬﻤﺎ ﻓﻲ اﻟﺪﻧﯿﺎ وﺣﺮﻣﺘﻨﻲ ﻣﻦ إﻧﺴﺎن ﻋﯿﻨﻲ اﻟﺬي أﻟﻔﻪ اﻟﺒﺼﺮ وﻓﺆادي!
أﯾﻬﺎ اﻟﻜﻠﺐ اﻟﻌﻘﻮر ،ﻣﺎ وﻗﻮﻓﻚ اﻟﯿﻮم ﻋﻠﻰ ﻇﻬﺮ اﻷرض ﺑﻌﺪ أن ﻏﯿﺒﺖ ﺧﻠﯿﻠﻲ ﻓﻲ ﺑﺎﻃﻨﻬﺎ ؟‘‘ !
ﺛﻢ رﻓﻌﻪ ﺑﻜﻠﺘﺎ ﯾﺪﯾﻪ ،ﻓﻠﻮح ﺑﻪ ﻣﻦ ﻓﻮق رأﺳﻪ ،ﺛﻢ ﻃﻮح ﺑﻪ ﻓﻲ اﻷرض ،ﻓﺎرﺗﻄﻢ ﺑﻬﺎ دﻣﺎﻏﻪ .ﻓﻜﺎﻧﺖ اﻟﻘﺎﺿﯿﺔ..
وﺗﺮﻛﻪ ﻣﻠﻘﻰ ﻫﻨﺎك .وأﺧﺬ ﯾﺘﺎﺑﻊ ﻃﺮﯾﻘﻪ إﻟﻰ أن وﺻﻞ اﻟﺴﺠﻦ ﺣﯿﺚ راح ﻣﻨﺪﻓﻌﺎ ﻓﻲ ﺛﻮرة ﺟﺎﻣﺤﺔ ﯾﺨﺘﺮق زﺣﺎم
اﻟﻨﺎس واﺟﺘﻤﺎﻋﻬﻢ ،دون أن ﯾﻨﻈﺮ ﻓﻲ وﺟﻪ أﺣﺪ ،إﻟﻰ أن اﻧﺘﻬﻰ إﻟﻰ ﺟﺜﻤﺎن ﺻﺪﯾﻘﻪ اﻟﺬي ﻛﺎن ﻣﺴﺠﻰ ﻓﻲ ﻣﻜﺎﻧﻪ
ﻛﻤﺎ ﻫﻮ ،ﻓﺄﻟﻘﻰ ﻋﻨﻪ اﻟﻐﻄﺎء وارﺗﻤﻰ ﻋﻠﯿﻪ ﻛﻄﻔﻞ ﺻﻐﯿﺮ إذ ﯾﻬﻮي ﻓﻲ أﺣﻀﺎن أﻣﻪ ..أﻣﻪ اﻟﺘﻲ ﻟﻢ ﯾﻌﺪ ﻓﯿﻬﺎ ﻷي
إﺣﺴﺎس أو ﺣﯿﺎة .ﻓﺒﻜﻰ ﻣﺎ وﺳﻊ ﻋﯿﻨﯿﻪ اﻟﺒﻜﺎء ! واﻧﺘﺤﺐ ﻣﺎ اﺳﺘﻄﺎع ﺣﻠﻘﻪ اﻟﻨﺤﯿﺐ ..ﺛﻢ ﻋﺎد وﻗﺪ ازدادت ﺛﻮرة
أﻋﺼﺎﺑﻪ ،وﺗﺄﻟﻘﺖ ﻋﯿﻨﺎه ﻓﻲ اﺣﻤﺮار ﻣﺮﻋﺐ ...وأﺧﺬ ﯾﺮﻣﻲ ﻛﻞ ﺷﻲء ﻣﻦ ﺣﻮﻟﻪ ﺑﻨﻈﺮات ﺛﺎﺋﺮة وﯾﺘﺨﯿﻞ ﻛﻞ ﻣﻦ
ﯾﺮاه ﺗﻠﻘﺎءه ﺳﺒﺒﺎ ﻓﻲ ﻫﻼك ﻣﻤﻮ وﻣﻮﺗﻪ .واﻟﺘﻔﺖ إﻟﻰ اﻟﺤﺮاس اﻟﺬﯾﻦ ﻛﺎﻧﻮل واﻗﻔﯿﻦ ﻣﻦ ﺣﻮﻟﻪ ﯾﺼﻌﻖ ﻓﯿﻬﻢ ،ﻗﺎﺋﻼ
،وﻗﺪ وﻗﻒ ﻓﻲ ﺑﺎﺑﺎ اﻟﺰﻧﺰاﻧﺔ واﻟﺸﺮر ﯾﺘﻄﺎﯾﺮ ﻣﻦ ﻋﯿﻨﯿﻪ...
’’أﻗﺘﻠﺘﻤﻮه أﯾﻬﺎ اﻷوﻏﺎد ...؟ ﻗﺘﻠﺘﻤﻮه ،أﻟﯿﺲ ﻛﺬﻟﻚ .وﻟﻜﻦ ..وﻟﻜﻨﻲ ﺳﻮف أﻧﺘﻘﻢ ..ﺳﺄﻧﺘﻘﻢ ﻣﻨﻜﻢ أﯾﻬﺎ اﻷﻧﺬال..
ﺳﺄﻫﺪم اﻟﯿﻮم ﻫﺬا اﻟﺴﺠﻦ ..ﺳﺄﻗﻮض أرﻛﺎﻧﻪ ،وأﺟﻌﻠﻪ ﻗﺒﺮا ﻟﺬﻟﻚ اﻷﻣﯿﺮ اﻟﺬي ﺑﻨﺎه .أﯾﻦ أﻧﺖ أﯾﻬﺎ اﻷﻣﯿﺮ ..؟ ﺑﻞ أﯾﻦ
أﻧﺖ أﯾﻬﺎ اﻟﺠﺒﺎن اﻟﺬي ﺧﺪﻋﺘﻨﻲ وﻗﺘﻠﺖ ﺧﻠﯿﻠﻲ .ﺗﻌﺎل ﻷﻧﺘﻘﻢ ﻣﻨﻚ ،ﻻ ﺑﻞ ﺳﺂﺗﻲ أﻟﯿﻚ ﻓﻲ ﻗﺼﺮك ﻷﺟﻨﺪﻟﻚ ﻣﻨﻪ ﺻﺮﯾﻌﺎ
‘‘ !
وﻣﺎ ﻟﺒﺜﺖ ﻫﺬه اﻟﻜﻠﻤﺎت اﻟﻨﺎرﯾﺔ ﻣﻦ اﻟﻬﺬﯾﺎن أن أﺣﺎﻟﺖ أﻣﺮه إﻟﻰ ﻣﺎ ﯾﺸﺒﻪ اﻟﺠﻨﻮن ،وراﺣﺖ ﯾﺪه ﺗﻤﺘﺪان إﻟﻰ ﻣﺤﺎوﻟﺔ
إﻫﻼك ﻛﻞ ﻣﻦ ﯾﺮاه أﻣﺎم ﻋﯿﻨﯿﻪ ﻣﻤﻦ ﯾﺘﺨﯿﻞ إﻟﯿﻪ أﻧﻪ ﻗﺎﺗﻞ ﺻﺪﯾﻘﻪ ﻣﻤﻮ ،ﻟﻮﻻ أن اﻷﻣﯿﺮ ﺑﻠﻐﻪ ذﻟﻚ ﻓﺄﻣﺮ ﺑﺘﻘﯿﯿﺪه
وﺣﺒﺴﻪ ﻓﻲ ﻣﻜﺎم ﻣﺎ إﻟﻰ اﻟﯿﻮم اﻟﺘﺎﻟﻲ .وﻫﻜﺬا ﻣﺮت ﺗﻠﻚ اﻟﻠﯿﻠﺔ ﻋﻠﻰ أﻫﻞ اﻟﺠﺰﯾﺮة ﻓﻲ ﺟﺰع ﺷﺪﯾﺪ وﺣﺰن أﻟﯿﻢ .ﺑﯿﻨﻤﺎ
ﻇﻞ ﺗﺎج اﻟﺪﯾﻦ ﺳﺎﻫﺮا ﻓﻲ اﻟﺴﺠﻦ إﻟﻰ ﺟﻮار ﺻﺪﯾﻘﻪ اﻟﺮاﺣﻞ ﯾﻘﻄﻊ اﻟﺤﺰن واﻟﺒﻜﺎء ﻓﺆاده.
أﻣﺎ زﯾﻦ ﻓﻘﺪ اﺳﺘﻄﺤﺒﺘﻬﺎ ﺳﺘﻲ إﻟﻰ دارﻫﺎ وﻗﺪ ﺧﺎر ﻛﻞ ﻗﻮاﻫﺎ وﺗﺤﻤﻠﻬﺎ ،ﺣﯿﺚ ﺳﻬﺮت ﻣﻊ ﺟﻤﻊ ﻣﻦ اﻷﻫﻞ ﻣﻦ ﺣﻮﻟﻬﺎ
ﯾﻮاﺳﻮﻧﻬﺎ وﯾﺮأﻓﻮن ﺑﻘﻠﺒﻬﺎ إﻟﻰ اﻟﺼﺒﺎح.
اﻟﻨﱢﮫﺎﻳﺔ
أﺷﺮﻗﺖ ﺷﻤﺲ اﻟﯿﻮم اﻟﺘﺎﻟﻲ ﻋﻠﻰ ﺟﺰﯾﺮة ﺑﻮﻃﺎن ،وﻗﺪ ﻋﻤﻬﺎ ﻗﺘﺎم ﻣﻦ اﻟﺤﺰن واﻟﻜﺮب ،ودب ﺳﺎﺋﺮ ﻧﻮاﺣﯿﻬﺎ
وأﺳﻮاﻗﻬﺎ اﻟﻮﺟﻮم واﻟﻜﻤﺪ وﻛﺄﻧﻤﺎ ﺗﻘﻠﺼﺖ أﺷﻌﺘﻬﺎ ﻓﻠﻢ ﺗﻌﺪ ﺗﺴﺘﻄﯿﻊ أن ﺗﺒﻌﺚ ﻓﻲ ﺟﻬﺎﺗﻬﺎ اﻟﺮوﻧﻖ واﻟﺒﻬﺎء اﻟﻜﺎﻣﻠﯿﻦ .
ﺣﺘﻰ ذﻟﻚ اﻟﻘﺼﺮ اﻟﻤﺘﺄﻟﻖ اﻟﺬي ﻛﺎن ﯾﺼﺎﻓﺢ ﺑﻬﺎؤه اﻟﺸﻤﺲ أول ﻣﺎ ﺗﺒﺮز ،ﻟﻘﺪ ﺳﻄﻌﺖ ﻋﻠﯿﻪ ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﯿﻮم وﻫﻮ
ﻛﺎﻣﺪ ،ﯾﺬري دﻣﻮﻋﺎ ﻏﺰﯾﺮة ﻋﻠّﻬﺎ ﺗﻄﻔﺊ ﻧﺎر ﻧﺪﻣﻪ وﺣﺴﺮﺗﻪ وﻟﻜﻦ دون ﺟﺪوى.
وﺑﻌﺪ ﻗﻠﯿﻞ ﻛﺎﻧﺖ ﻗﺪ اﻣﺘﻸت اﻟﻄﺮﯾﻖ اﻟﺘﻲ ﺑﯿﻦ اﻟﻤﻘﺒﺮة ودار ﻣﻤﻮ ﺑﻤﻌﻈﻢ أﻫﻞ اﻟﺠﺰﯾﺮة ﻣﻦ ﻧﺴﺎء ورﺟﺎل ووﻟﺪان
ﻟﺘﻮدﯾﻌﻬﻢ ﻗﯿﺪﻫﻢ اﻟﺒﺎﺋﺲ وﺗﺸﯿﯿﻊ ﺟﻨﺎزﺗﻪ.
وﻛﺎن ﻣﻮﻛﺒﺎ ﻏﺎﯾﺔ ﻓﻲ اﻻﻣﺘﺪاد واﻟﻀﺨﺎﻣﺔ ،ﺗﻤﺎﻣﺎ ﻛﺬﻟﻚ اﻟﻤﻮﻛﺐ اﻟﻌﻈﯿﻢ اﻟﺬي اﻣﺘﺪ ﻓﻲ أﺳﻮاق اﻟﺠﺰﯾﺮة ﯾﻮم ﻋﺮس
ﺗﺎج اﻟﺪﯾﻦ ،وﻟﻜﻨﻪ اﻟﯿﻮم ﻣﻮﻛﺐ أﻏﺒﺮ ﻗﺎﺗﻢ ﻻ ﺗﺠﺪ ﻓﯿﻪ ﺑﺴﻤﻪ أو ﻓﺮﺣﺔ ﻋﯿﻦ .إﻧﻤﺎ ﻫﻮ اﻟﺪﻣﻮع واﻟﺒﻜﺎء اﻟﺬي ﻻ
ﯾﻨﻘﻄﻊ ،واﻟﻌﻮﯾﻞ واﻟﺼﺮاخ اﻟﺬي ﯾﺘﻌﺎﻟﻰ ﻣﻦ ﺳﺎﺋﺮ أﻃﺮاف اﻷﺳﻮاق وﻧﻮاﻓﺬ اﻟﺒﯿﻮت.
واﻧﺘﻬﻰ اﻟﻤﻮﻛﺐ إﻟﻰ اﻟﻤﻘﺒﺮة ،وﻛﺎﻧﺖ ﻓﻲ راﺑﯿﺔ ﻛﺒﯿﺮة ﻣﻦ اﻟﺮواﺑﻲ اﻟﺘﻲ ﺗﺤﯿﻂ ﺑﺎﻟﺒﻠﺪة .ﻓﺎﻧﺒﺴﻄﺖ ﻓﻮﻗﻬﺎ اﻟﺠﻤﻮع
ﻣﻦ اﻟﻨﺎس ،وﻏﻄﺎﻫﻢ ﺳﻮادﻫﻢ اﻟﻜﺜﯿﻒ .وازداد ﻫﻨﺎﻟﻚ ﺷﻌﻮرﻫﻢ ﺑﻤﻌﻨﻰ اﻟﻤﻮت واﻟﻔﻨﺎء وأﺧﺬت ﺗﻠﻮح ﻷﻋﯿﻨﻬﻢ
اﻟﺤﻘﯿﻘﺔ اﻟﺮاﻫﺒﺔ اﻟﺠﺎﺛﻤﺔ ﻣﻦ وراء ﺧﺪاع ﻫﺬا اﻟﺪﻫﺮ وأوﻫﺎﻣﻪ ،واﻣﺘﺰج ذﻟﻚ اﻟﺸﻌﻮر ﻣﻨﻬﻢ ﺑﺎﻟﺤﺰن اﻟﺬي ﻛﺎن ﻗﺪ
اﺳﺘﻮﻟﻰ ﻋﻠﻰ اﻓﺌﺪﺗﻬﻢ ﻟﻠﻨﻬﺎﯾﺔ اﻟﺘﻲ ﻻﻗﺎﻫﺎ ﻣﻤﻮ ﺑﻌﺪ ﻛﻞ ﻋﺬاه وﺣﺮﻣﺎﻧﻪ ،ﻓﻘﺎﻣﺖ ﻓﻮق ﺗﻠﻚ اﻟﺮاﺑﯿﺔ ﻣﻨﺎﺣﺔ رﻫﯿﺒﺔ
ﻋﻤﺖ اﻟﺮﺟﺎل واﻟﻨﺴﺎء واﻧﺠﺮف ﻓﻲ ﺗﯿﺎرﻫﺎ اﻟﻜﺒﺎر واﻟﺼﻐﺎر .وﻇﻬﺮت زﯾﻦ ﺑﯿﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﺤﺸﻮد ﺑﻘﺎﻣﺘﻬﺎ اﻟﻔﺎرﻋﺔ
ووﺟﻬﻬﺎ اﻟﺒﺎدي ﻷول ﻣﺮة واﻧﻄﻠﻘﺖ ﻣﻨﺪﻓﻌﺔ ﻓﻲ ﺛﻮرة ﻛﺎﻟﺠﻨﻮن ﻧﺤﻮ اﻟﺤﻔﺮة اﻟﺘﻲ وري ﻓﯿﻬﺎ ﻣﻤﻮ وأﺧﺬو ﯾﻬﯿﻠﻮن
ﻓﯿﻬﺎ اﻟﺘﺮاب .وﻟﻜﻦ ﺑﻌﺾ ذوﯾﻬﺎ ﻋﺮﻗﻞ ﻋﻠﯿﻬﺎ ﻋﺠﻠﺘﻬﺎ وﺳﯿﺮﺗﻬﻞ ﺧﺸﯿﺔ أن ﺗﻠﻘﻲ ﺑﻨﻔﺴﻬﺎ ﻫﻨﺎك أو ﯾﺤﺪث ﻟﻬﺎ أي
أﻣﺮ ﻓﻮﺻﻠﺖ إﻟﯿﻬﺎ وﻗﺪ ﻃﻤﻬﺎ اﻟﺘﺮاب وﺳﻮي ﻣﻦ ﻓﻮق اﻟﻘﺒﺮ ،ﻓﺎﻧﻬﺎرت ﻋﻨﺪﺋﺬ ﻗﻮاﻫﺎ وارﺗﻤﺖ ﻓﻮق ذﻟﻚ اﻟﺠﺪث
ﺗﺴﻜﺐ دﻣﻮﻋﻬﺎ ﻓﻮق ﺗﺮاﺑﻪ وﺗﺤﺪث ﻣﻦ ﻓﯿﻪ ﻗﺎﺋﻠﺔ:
’’أﯾﻬﺎ اﻟﻤﺎﻟﻚ ﻟﺠﺴﻤﻲ وروﺣﻲ ..أﯾﻬﺎ اﻟﺮاﺣﻞ!...
ﯾﺎ ﻣﻦ ﺗﺮﻛﺖ ﺑﺴﺘﺎﻧﻚ وﻣﻀﯿﺖ ..ﻫﺎﻫﻮ ذا ﺑﺴﺘﺎﻧﻚ ،وﻗﺪ أﯾﻨﻊ وأﺛﻤﺮ ،ﺑﺎﻗﯿﺎ ﻣﻦ ﻏﯿﺮ راع وﺻﺎﺣﺐ .ﻓﻘﻞ ﻟﻲ ﻣﻦ ذا
ﯾﺠﯿﻨﯿﻪ اﻟﯿﻮم ﻣﻦ ﺑﻌﺪك وﯾﺠﻮب ﻓﯿﻪ ..؟ وﻣﺎ ﺑﻘﺎء ﺛﻤﺮه وﻧﻀﺮﺗﻪ ﺑﻌﺪ أن ﻏﺎدرﺗﻪ وﻧﻔﻀﺖ ﯾﺪﯾﻚ ﻣﻨﻪ ؟ﺻﺤﯿﺢ أن
ﻣﻨﻈﺮه ﺑﺪﯾﻊ ،وﻇﻠﻪ وارف وﺟﻤﯿﻞ ،وﺛﻤﺎره ﺷﻬﯿﺔ ﯾﺎﻧﻌﺔ ،وﻟﻜﻨﻬﺎ اﻟﯿﻮم واﷲ ﺣﺮام ﻟﻐﯿﺮ وﺟﻬﻚ.
ﻟﻦ أدع ﻏﯿﺮ رﯾﺢ اﻟﺮدى ﺗﺠﻮب ﻓﻲ ﺧﻼﻟﻪ ،وﻟﻦ أﺗﺮك ﺳﻮى ﯾﺪ اﻟﻬﻼك واﻟﺘﻠﻒ ﺗﻌﺼﻒ ﺑﺜﻤﺎره ،ﺳﺄﻫﺰ ﺟﺬع ﻫﺬه
اﻟﻨﺨﻠﺔ ﻓﻠﯿﺘﺴﺎﻗﻂ ﺟﻨﺎﻫﺎ ﻋﻠﻰ اﻷرض ،وﺳﺄﺑﺪد ﺛﻤﺎر ﻫﺬه اﻷﻏﺼﺎن واﻟﻜﺮوم ﻓﻠﺘﺬر ﻓﻲ ﻣﻬﺐ اﻟﺮﯾﺎح ،ﺳﺄﻗﻮض
ﺟﺬوع ﻫﺬه اﻷﺷﺠﺎر اﻟﻨﻀﺮة وأﻓﺘﺖ أوراق ﻫﺬه اﻟﻮرود اﻟﻌﻄﺮة.
ﻫﺎﺗﺎن اﻟﻌﯿﻨﺎن اﻟﻠﺘﺎن أﻋﺠﺒﻚ ﺳﺤﺮﻫﻤﺎ وﺟﻤﺎﻟﻬﻤﺎ ،ﺳﺄﻃﻔﺊ اﻟﯿﻮم ﻣﻨﻬﻤﺎ ﻫﺬا اﻟﺴﺤﺮ واﻟﺠﻤﺎل .ﻫﺬا اﻟﻘﻮام اﻟﺬي
أﺳﻜﺮك ﺣﺴﻨﻪ واﻋﺘﺪاﻟﻪ ﺳﺄﺣﻄﻢ اﻟﯿﻮم ﻓﯿﻪ ﻫﺬا اﻟﺤﺴﻦ واﻻﻋﺘﺪال وﺳﺄرﯾﻖ اﻟﺨﻤﺮ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻌﺮﺑﺪ وﺗﺴﻜﺮ .ﻫﺬه
اﻟﻮﺟﻨﺎت واﻟﺸﻔﺎه ،ﻫﺬه اﻷﺻﺪاغ واﻟﺸﻌﻮر ،ﺳﺄﻣﺤﻖ ﻣﻦ ﻛﻞ ذﻟﻚ اﻟﻔﺘﻨﺔ اﻟﺘﻲ ﺳﻠﺒﺘﻚ ،ﺳﺄذرو ﻋﻠﻰ ﺟﻤﯿﻌﻪ اﻟﺘﺮاب
واﻟﺮﻣﺎد ،وﺳﺄﻣﺮﻏﻪ ﺑﺎﻟﻀﻨﻰ واﻟﺴﻮاد ! ﻓﻠﻘﺪ ﻛﺎن ﺟﻤﯿﻌﻪ ﻧﺬرا ﻟﻌﯿﻨﯿﻚ ووﻗﻔﺎ ﻟﺒﺼﺮك .أﻣﺎ وﻗﺪ أﻏﻤﻀﺖ ﻋﯿﻨﯿﻚ ،
ﻓﻠﻦ ؟أدع أي ﻋﯿﻦ أﺧﺮى ﺗﺮﻣﻘﻪ وﺗﺘﻤﺘﻊ ﺑﻪ.
وﻟﻜﻦ...
وﻟﻜﻦ ﻻ !...إن ﻫﺬا ﺗﺪﺧﻞ ﻓﯿﻤﺎ ﯾﺲ ﻣﻦ ﻣﻠﻜﻲ وﺷﺄﻧﻲ ...إﻧﻨﻲ أﺧﺸﻰ أن ﺗﻌﺘﺐ ﻋﻠﻲ ﻓﻲ ﺗﺼﺮﻓﻲ ﺑﻤﻠﻜﻲ اﻟﺬي
اﺋﺘﻤﻨﺘﻨﻲ ﻋﻠﯿﻪ وأﻧﻚ ﺗﺤﺐ اﺳﺘﻼم أﻣﺎﻧﺘﻚ ﻛﻤﺎ ﻋﺮﻓﺘﻬﺎ وﻣﻠﻜﺘﻬﺎ...
أوﻟﻰ ﺑﻲ إذاً أن أﻃﻮي ﻫﺬا اﻟﺒﺴﺎط ﻛﻤﺎ ﻫﻮ ،وأن أﺳﻠﻤﻚ اﻷﻣﺎﻧﺔ ﻛﻤﺎ ﺗﺮﻛﺘﻬﺎ وأن أﻗﻮض إﻟﯿﻚ ﺟﺴﻤﻲ ﺑﻜﻞ زﯾﻨﺘﻪ
وروﻧﻘﻪ‘‘...
ﺛﻢ اﻧﻜﺒﺖ ﻋﻠﻰ اﻟﻘﺒﺮ ﺗﻌﺎﻧﻘﻪ وﺗﺘﻤﺮغ ﺑﺘﺮاﺑﻪ ،ﻓﺄﺳﺮع إﻟﯿﻬﺎ اﻟﻘﻮم اﻟﺬﯾﻦ ﻣﻦ ﺣﻮﻟﻬﺎ ﻟﯿﻨﻬﻀﻮا ﺑﻬﺎ وﯾﻮاﺳﻮا ﺣﺰﻧﻬﺎ
...وﻟﻜﻦ أﯾﺪﯾﻬﻢ ﻟﻢ ﺗﻘﻊ إﻻ ﻋﻠﻰ ﺟﺜﺔ ﺑﺎردة ﺟﻒ ﻣﻨﻬﺎ آﺧﺮ ﻗﻄﺮة ﻣﻦ اﻟﺤﯿﺎة!...
ﻫﻨﺎﻟﻚ ﻋﺎدت أﺻﻮات اﻟﻌﻮﯾﻞ واﻟﻨﺤﯿﺐ ﻣﺮﺗﻔﻌﺔ ﻣﻦ ﺟﺪﯾﺪ ،وﻃﺎر اﻟﺠﺰع واﻟﻜﺮب ﺑﻔﺆاد اﻟﺤﺎﺿﺮﯾﻦ ﻛﻠﻬﻢ ،وأﻟﻘﻰ
اﻷﻣﯿﺮ ﻧﻔﺴﻪ ﻋﻠﻰ ﺟﺜﻤﺎﻧﻬﺎ وﻗﺪ ﻋﺪم وﻋﯿﻪ ورﺷﺪه ،ﯾﺴﺘﺮﺣﻢ اﻷﻗﺪار أن ﺗﺘﺮاﺟﻊ وﻟﻜﻦ اﻷﻗﺪار ﻻ ﺗﺮﺣﻢ وﻻ ﺗﺠﯿﺐ
وﻻ ﺗﻌﻮد!...
ﺛﻢ إﻧﻬﻢ ﺟﻬﺰوﻫﺎ وﺷﯿﻌﻮﻫﺎ ﻛﻤﺎ أوﺻﺖ وأرادت ،وﻋﺎدوا ﻓﻔﺘﺤﻮا ﻗﺒﺮ ﻣﻤﻮ .وﺟﺎء اﻷﻣﯿﺮ ﯾﺤﻤﻞ أﺧﺘﻪ وﻋﯿﻨﺎه
ﺗﺬرﻓﺎن ،ﻓﻨﺰل إﻟﻰ اﻟﻘﺒﺮ وﻣﺪﻫﺎ إﻟﻰ ﺟﻮاره ﻗﺎﺋﻼ:
’’ﺧﺬ ﺣﺒﯿﺒﺘﻚ ﯾﺎ ﻣﻤﻮ اﻟﺘﻲ ﺣﺠﺒﺘُﻬﺎ ﻋﻨﻚ ﺣﯿﺎ ،وﻟﺘﺴﺎﻣﺤﻨﻲ ﻓﻲ ﻗﺴﻮﺗﻲ ﻋﻠﯿﻚ ﻓﻲ اﻟﺪﻧﯿﺎ ،وﻓﻲ ﺟﻨﺎﯾﺘﻲ اﻟﻜﺒﺮى
ﻋﻠﻰ ﻗﻠﺒﻚ ،ﻓﻠﻘﺪ ﻋﺎﻗﺒﺘﻨﻲ اﻷﻗﺪار ﺑﺄﻛﺜﺮ ﻣﻤﺎ ﺗﺮﯾﺪ ...ﻟﻘﺪ ﻋﺎﻗﺒﺘﻨﻲ ﺑﺄﺑﻠﻎ ﻛﻲّ ﻣﻦ اﻟﻨﺪم ﻓﻲ ﻗﻠﺒﻲ ﻟﻦ ﯾﻨﺪﻣﻞ ﻣﺎ ﺑﻘﯿﺖ
ﺣﯿﺎ‘‘..
وﻫﻜﺬا ﺣﻜﻢ اﻟﺪﻫﺮ أﻻ ﯾﺠﺘﻤﻊ ذاﻧﻚ اﻟﺤﺒﯿﺒﺎن إﻻ ﻓﻲ ﻇﻠﻤﺎت ﺗﻠﻚ اﻟﺤﻔﺮة ..وأن ﯾﺘﻮارى أﺧﯿﺮا ذاﻧﻚ اﻟﻜﻮﻛﺒﺎن ﻓﻲ
ﺑﺮج واﺣﺪ.
أﻣﺎ ﺑﻜﺮ ﻓﺎﻟﻐﺮﯾﺐ أﻧﻪ دﻓﻦ ﻫﻮ اﻵﺧﺮ ﻗﺮﯾﺒﺎ ﻣﻨﻬﻤﺎ ﺑﻞ ﻋﻨﺪ ﻗﺪﻣﯿﻬﻤﺎ ﻣﺒﺎﺷﺮة ! ﻗﺎﻟﻮا واﻟﺴﺒﺐ ﻓﻲ ذﻟﻚ ،وﻓﻲ أن
ﯾﻼزﻣﻬﻤﺎ ﺣﺘﻰ ﻓﯿﻤﺎ ﺑﻌﺪ اﻟﻤﻤﺎت أﯾﻀﺎ ،ﻫﻮ أن زﯾﻨﺎ ﺣﯿﻨﻤﺎ ﺳﻤﻌﺖ ﺑﻨﺒﺄ ﻗﺘﻞ ﺗﺎج اﻟﺪﯾﻦ ﻟﻪ اﻏﺘﻤّﺖ ﻟﺬﻟﻚ وﺗﺄﻟﻤﺖ أﻟﻤﺎ
ﺷﺪﯾﺪا.
وﻗﺎﻟﺖ إﻧﻪ ﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﺳﯿﺘﺤﻖ ﺷﯿﺌﺎ ﻣﻦ اﻟﻌﻘﺎب ،وﻟﻜﻦ اﻷﻗﺪار ﻫﻲ اﻟﺘﻲ ﺳﺨﺮﺗﻪ ﻟﻬﻤﺎ ﻟﯿﺼﻔﻮ ﺣﺒﻬﻤﺎ ﻫﺬا اﻟﺼﻔﺎء
اﻟﺮوﺣﻲ ،وﻟﺘﺴﻤﻮ ﻧﻔﺲ ﻛﻞ ﻣﻨﻬﻤﺎ إﻟﻰ ﻣﺎ ﻓﻮق ﻣﻈﺎﻫﺮ اﻟﻤﺎدة وﺑﺮﺟﻬﺎ.
ﺛﻢ أوﺻﺖ ﺑﺄن ﯾﺪﻓﻦ ﻗﺮﯾﺒﺎ ﻣﻨﻬﻤﺎ ﻗﺎﺋﻠﺔ :إﻧﻪ ﺳﯿﻜﻮن ﺣﺎﺟﺒﺎ ﻣﺨﻠﺼﺎ ﻟﻨﺎ ﻓﻲ دارﻧﺎ اﻵﺧﺮى!...
وﻫﺬان اﻟﻘﺒﺮان ﻣﻌﺮوﻓﺎن ﻓﻲ ﺟﺰﯾﺮة ﺑﻮﻃﺎن إﻟﻰ اﻟﯿﻮم ،ﯾﺴﺘﻄﯿﻊ ﻛﻞ ﻣﻦ أراد أن ﯾﺸﺎﻫﺪﻫﻤﺎ...
واﻟﻌﺠﯿﺐ أن ﻗﺒﺮ ﻣﻤﻮ وزﯾﻦ ﯾﻈﻞ ﻣﺤﺎﻃﺎ ﺑﺴﻮر ﻣﻦ ﻇﻼل اﻷﺷﺠﺎر واﻟﻮرود ،أﻣﺎ ﻗﺒﺮ ﺑﻜﺮ ﻓﻼ ﺗﻜﺎد ﺗﺒﺎرﺣﻪ
اﻷﺷﻮاك اﻟﺘﻲ ﺗﻌﻠﻮه ﻓﻲ ﻏﺰارة.
ﺧﺎﺗﻤﺔ واﻋﺘﺒﺎرْ
أي رب:
أﺳﺄﻟﻚ ﺑﯿﺤﻤﻮم ﻋﺸﻖ اﻟﻤﻌﺬﺑﯿﻦ ،وﺑﻜﻤﺎل ﺻﺪق اﻟﻌﺎﺷﻘﯿﻦ...
أﺳﺄﻟﻚ ﺑﺤﻼوة اﻟﺠﻤﺎل وﻧﺸﻮﺗﻪ ،وﺑﻌﻈﻤﺔ اﻟﺠﻼل ودﻫﺸﺘﻪ...
أﺳﺄﻟﻚ ﺑﺪاء اﻟﻬﺠﺮ وﻋﺬاﺑﻪ ،وﺑﺸﻬﺪ اﻟﻮﺻﺎل وﻟﺬة ﺷﺮاﺑﻪ ...
أﺳﺄﻟﻚ ﺑﻠﺬة ﺣﻲ اﻟﻌﺎﺷﻘﯿﻦ ،وﺑﻤﺮارة ﻋﺪاوة اﻟﺮﻗﺒﺎء واﻟﻜﺎﺋﺪﯾﻦ...
أﺳﺄﻟﻚ ﺑﻤﺎء ﻋﯿﻮن اﻟﺒﻼﺑﻞ واﻷﻃﯿﺎر ،وﺑﺎﻟﻨﺪى اﻟﻤﺘﺴﺎﻗﻂ ﻋﻠﻰ اﻟﻮرود واﻷزﻫﺎر...
أﺳﺄﻟﻚ ﺑﻤﺎ ﺧﻠّﻔﺘﻪ ﻣﻤﻮ ﻣﻦ وﺟﺪ وزﻓﺮات ،وﺑﻤﺎ أﺳﺎﻟﺘﻪ زﯾﻦ ﻣﻦ دﻣﻮع وﺣﺴﺮات...
أﺳﺄﻟﻚ ﺑﻜﻞ ذﻟﻚ ﯾﺎ ﻣﻮﻻي أن ﺗﺰﯾﺢ ﻋﻦ ﻋﯿﻨﻲّ ﻏﺸﺎوة ﻫﺬه اﻟﻈﻼل اﻟﻔﺎﻧﯿﺔ ﺣﺘﻰ ﻻ أرى ﻓﻮق ﺻﻔﺤﺔ اﻟﺪﻧﯿﺎ إﻻ ﻗﻮة
ﺳﻠﻄﺎﻧﻚ ،وﻟﻜﻲ ﻻ أﺑﺼﺮ ﻓﻲ زﺟﺎﺟﺔ ﻣﺮآﺗﻬﺎ إﻻ روﻧﻖ ﺟﻤﺎﻟﻚ ،وﻟﻜﻲ أﺳﻜﺮ ﺑﺎﻟﺨﻤﺮ ﻧﻔﺴﻬﺎ ،ﻻ ﺑﻠﻮن اﻟﻜﺄس اﻟﺘﻲ
ﺗﺘﺮﻗﺮق ﻓﯿﻬﺎ...
أي رب:
ﻟﻘﺪ آﻣﻨﺖ ﺑﻘﻮﺗﻚ وﺟﺒﺮوﺗﻚ ،وأﯾﻘﻨﺖ ﺑﻨﻮرك وﺑﻬﺎﺋﻚ .آﻣﻨﺖ أن ﻫﺬا اﻟﻜﻮن ﻛﻠﻪ ﺟﺴﻢ وأﻧﺖ روﺣﻪ ،وأن ﻫﺬا
اﻟﻮﺟﻮد ﺣﻘﯿﻘﺔ أﻧﺖ ﺳﺮﻫﺎ...
أﻧﺖ ﺣﺴﻦ زﯾﻨﺔ اﻷﺣﺒﺔ واﻟﻌﺸﺎق ،وإﻟﻰ ﺟﻤﺎﻟﻚ ﻣﯿﻞ ﻗﻠﻮﺑﻬﻢ وﻫﻮى أﻓﺌﺪﺗﻬﻢ وأﺑﺼﺎرﻫﻢ...
أﻧﺖ ﺧﻠﻘﺖ ﻓﻲ اﻟﺸﻬﺪ ﺣﻼوﺗﻪ وﻃﻌﻤﻪ ،وأﻧﺖ اﻟﺬي أوﺟﺪت ﻓﻲ اﻟﺪﻣﻊ ﺣﺮﻗﺘﻪ وﻟﺬﻋﻪ...
اﻟﻘﻠﻮب ...أﻧﺖ اﻟﺬي أﻟﻬﺒﺘﻬﺎ ﺑﺘﺄﺛﯿﺮ ﻣﻦ ﻋﻈﻤﺔ ﺟﻼﻟﻚ...
أﺷﺠﺎر اﻟﺴﺮو اﻟﺸﺎﻫﻘﺔ ،أﻧﺖ اﻟﺬي ﺧﻠﻘﺖ ﻓﻲ ﻗﺎﻣﺘﻬﺎ ﻫﺬه اﻟﺒﺴﺎﻗﺔ واﻻﻋﺘﺪال...
اﻟﻮرود اﻟﻨﺎﻋﻤﺔ اﻟﺤﻤﺮاء ،أﻧﺖ اﻟﺬي أﺑﺪﻋﺖ أﻛﻤﺎﻣﻬﺎ ﻣﻦ ﺑﯿﻦ اﻷﺷﻮاك اﻟﻘﺎﺳﯿﺔ اﻟﺪاﻣﯿﺔ...
اﻟﺒﻼﺑﻞ واﻷﻃﯿﺎر ،أﻧﺖ اﻟﺬي اﺑﺘﻠﯿﺖ ﻗﻠﻮﺑﻬﺎ اﻟﺼﻐﯿﺮة ﺑﺤﺴﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﻮرود وﺟﻤﺎﻟﻬﺎ...
ﺗﻠﻮن اﻷزﻫﺎر وﺧﻀﺮة اﻷﻏﺼﺎن ،أﻧﺖ اﻟﺬي ﺑﺜﺜﺖ ﻓﯿﻤﺎ ﺑﯿﻨﻬﺎ روح اﻟﻔﺘﻨﺔ واﻟﺠﻤﺎل...
ﺻﻮت اﻟﻬﺰار واﻟﻌﻨﺎدل ،أﻧﺖ اﻟﺬي أﻛﺴﺒﺘﻪ ﻣﻌﻨﻰ اﻟﻄﺮب واﻻﻧﺴﺠﺎم...
ﻛَﺤَﻞُ اﻷﻫﺪاب اﻟﻨﺎﻋﺴﺔ ،وﺳﻮاد اﻟﻌﯿﻮن اﻟﻤﺘﺄﻟﻘﺔ اﻟﺒﺎﺳﻤﺔ ،وﺗﻬﺪل اﻟﺸﻌﻮر واﻟﺘﻮاؤﻫﺎ ﻣﻦ ﺣﻮل اﻟﻮﺟﻮه وﻓﻮق
اﻷﻛﺘﺎف ،ﻛﻞ ذﻟﻚ أﻗﻞ ﻣﻦ أن ﯾﻐﺘﻲ ﻫﺬا اﻟﺴﺤﺮ اﻟﺬي ﯾﺄﺧﺬ ﺑﺎﻷﻟﺒﺎب ﻟﻮ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻗﺪ أﻣﺪدﺗﻪ ﺑﻔﯿﺾ ﻣﻦ ﻛﻨﻪ ﺣﺴﻨﻚ.
ﻋﻜﺴﺖ ،ﯾﺎ ﻣﻮﻻي ،آﯾﺎت ﻋﻈﻤﺘﻚ وﺳﻠﻄﺎﻧﻚ وﻣﻈﺎﻫﺮ ﺣﺴﻨﻚ وﺟﻤﺎﻟﻚ ﻋﻠﻰ ﺻﻔﺤﺔ اﻟﻜﻮن اﻟﻔﺎﻧﯿﺔ ،وأذﻫﻠﺘﻪ
اﻟﻘﻮاﻟﺐ واﻷﺷﻜﺎل ﻋﻦ ﻣﻼﺣﻈﺔ اﻟﺴﺮ اﻟﺮﻫﯿﺐ دون أن ﯾﻨﺘﺒﻪ إﻟﻰ ﺣﻘﯿﻘﺔ اﻟﺸﻤﺲ اﻟﺘﻲ ﺗﺴﻄﻊ ﻓﯿﻬﺎ ،وﻋﺎش
ﻣﺸﻐﻮﻓﺎ ﻣﻔﺘﻮﻧﺎ ﺑﺬﻟﻚ اﻟﺒﺒﻐﺎء وﺣﺪﯾﺜﻪ اﻵﻟﻲ دون أن ﯾﻠﺘﻔﺖ إﻟﻰ اﻟﻤﺼﺪر اﻷﺳﻤﻰ اﻟﺬي ﯾﺨﻠﻖ ﻫﺬا اﻟﻜﻼم ﻓﻲ ﺷﻔﺘﯿﻪ.
وﻣﻨﻬﻢ ﻣﻦ ﻓﺘﺢ ﻋﯿﻨﯿﻪ ﻟﯿﺴﺘﻌﯿﺾ ﻋﻦ اﻟﺤﻠﻢ اﻟﻜﺎذب ﺑﺎﻟﺤﻘﯿﻘﺔ اﻟﺮاﺋﻌﺔ اﻟﺠﺎﺛﻤﺔ ﺑﯿﻦ ﯾﺪﯾﻪ ،واﻧﺸﻐﻞ ﻋﻦ اﻟﺼﺪى
ﻟﯿﺴﺘﻤﺘﻊ ﺑﺎﻟﺼﻮت اﻟﺬي ﺳﯿﺮي ﻣﻦ ﺣﻮﻟﻪ ،واﺳﺘﺪﺑﺮ اﻟﻤﺮآة ﻟﯿﺮى ﺣﻘﯿﻘﺔ اﻟﺸﻤﺲ اﻟﺘﻲ ﺗﺴﻄﻊ أﻣﺎﻣﻪ ،ﺛﻢ ﺧﺮّ
ﺳﺎﺟﺪا ﻹﻟﻪ اﻟﺠﻤﺎل ﻓﻲ اﻟﻜﻮن ،وﺧﺎﻟﻖ اﻟﻨﺸﻮة ﻓﻲ اﻟﺨﻤﺮ ،وﻣﺒﺪع اﻟﺮاﺋﺤﺔ ﻓﻲ اﻟﻌﻄﺮ!
أﯾﻬﺎ اﻟﺴﺎﻗﻲ:
إﻧﻨﻲ أﺑﻐﻰ اﻟﻮﺻﻮل إﻟﻰ ﺳﺪة ذاك اﻟﺠﻤﺎل ..إﻧﻨﻲ أرﯾﺪ ﻛﺄﺳﺎ ﻣﻦ ﺷﺮاب ذﻟﻚ اﻟﻘﺪس .ﻓﺘﻌﺎل ﻓﺎﻧﺸﻠﻨﻲ ﻣﻦ ﺑﻦ ﻫﺬا
اﻟﻘﺘﺎم إﻟﻰ ﻫﻨﺎك.
ﺗﻌﺎل وﯾﺤﻚ ﺣﺪﺛﻨﻲ ..ﺣﺪﺛﻨﻲ ﻓﺈن ﻏﺒﺶ ﻫﺬا اﻟﺴﻜﺮ ﻻ ﯾﺰال ﻣﺘﺪﺟﯿﺎ أﻣﺎم ﻋﯿﻨﻲ ،وﻟﻘﺪ ﻛﺎد أن ﯾﺨﻨﻘﻨﻲ.
ﺣﺪﺛﻨﻲ ﻣﺎذا ﺗﺮى ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﻜﻮن ؟ ﻗﻞ ﻟﻲ ،أﻫﻮ ﺧﯿﺎل ﯾﺴﺮي ،أم ﻫﻮ ﺣﻠﻢ ﻧﺤﻦ اﻟﺬﯾﻦ ﻧﺴﺮي ﻓﯿﻪ ...؟ ﺛﻢ أﻧﺒﺄﻧﻲ إﻟﻰ
ﻣﺘﻰ ﺗﻈﻞ ﻋﯿﻨﺎي ﻣﻌﺘﺼﺒﺘﯿﻦ ﺑﺨﻤﺮك وﻛﯿﻒ ﻟﻲ ﺑﺄن ﯾﻨﺘﻔﺾ ﻋﻘﻠﻲ ﻣﻦ ﻏﺸﺎوة ﻫﺬا اﻟﺬﻫﻮل ﺑﻜﺆوﺳﻚ ؟ ﻓﻠﻘﺪ ﺳﺄﻣﺖ
واﷲ واﺣﺘﺮﻗﺖ ،وﻣﺎ أﺣﻮﺟﻨﻲ إﻟﻰ أن أﺗﻨﻔﺲ ﻋﻦ ﻫﺬا اﻟﺤﻠﻢ اﻟﻀﺎرب أﻃﻨﺎﺑﻪ ﻋﻠﻲ ﻷﺑﺼﺮ ﺑﻌﯿﻨﻲّ اﻟﺘﻲ ﻃﺎل ﺷﻮﻗﻲ
إﻟﻰ رؤﯾﺘﻬﺎ واﻟﻨﺘﻬﺎء إﻟﯿﻬﺎ.
إﻧﻨﻲ أﺷﻌﺮ أﯾﻬﺎ اﻟﺴﺎﻗﻲ ،ﻣﻦ وراء ﻫﺬه اﻷوﻫﺎم واﻟﺨﯿﺎﻻت اﻟﺘﻲ ﻣﻦ ﺣﻮﻟﻲ ﺑﺄﺳﺮار ﻛﺜﯿﺮة وﻟﻜﻨﻲ ﻻ أﻛﺎد أﻫﺘﺪي
إﻟﯿﻬﺎ ،وإﻧﻪ ﻟﯿﺘﺄﻟﻖ أﻣﺎم ﻋﯿﻨﻲ ﺑﯿﻦ اﻟﻔﯿﻨﺔ واﻷﺧﺮى ﺑﺮﯾﻖ ﻻﻣﻊ ،ﯾﺴﻄﻊ ﻣﻦ ﺧﻠﻒ ﻫﺬا اﻟﻀﺒﺎب وﻟﻜﻦ ﻻ أﺳﺘﻄﯿﻊ
اﺧﺘﺮاﻗﻘﻪ ﻟﻠﻮﺻﻮل إﻟﯿﻪ ،وإﻧﻪ ﻟﯿﻨﺘﻬﻲ إﻟﻰ ﺳﻤﻌﻲ ﻣﻦ ﺑﯿﻦ ﻟﻐﻂ ﻫﺬا اﻟﻜﻮن وﺿﺠﯿﺠﻪ ﺻﻮت ﻣﻦ اﻟﺴﻤﺎء ﻣﺎ أروﻋﻪ
وأﺳﻤﺎه ! وﻟﻜﻨﻲ ﻻ أﻛﺎد ﻣﻦ ﻫﺬا اﻟﻀﺠﯿﺞ أﺗﺒﯿﻨﻪ...
ﯾﺎ إﻟﻬﻲ :ﻣﺰق أﻣﺎم ﻋﯿﻨﻲ ﻫﺬه اﻟﺤﺠﺐ اﻟﻤﺴﺪﻟﺔ ﺣﺘﻰ أراك...
ﯾﺎ إﻟﻬﻲ :إﻗﺸﻊ ﻣﻦ ﺣﻮﻟﻲ ﺑﺼﯿﺮﺗﻲ ﺧﻤﺎر ﻫﺬه اﻟﺪﻧﯿﺎ وﺳﻜﺮﺗﻬﺎ ﺣﺘﻰ أﻫﺘﺪي إﻟﻰ ﻋﻈﻤﺘﻚ اﻟﺘﻲ ﺗﺴﯿﺮ وﺗﻨﻔﺦ ﻓﯿﻬﺎ
اﻟﻮﺟﻮد واﻟﺤﯿﺎة...
ﯾﺎ إﻟﻬﻲ :أزح ﻣﻦ أﻣﺎﻣﻲ ﺻﻮر اﻟﺠﻤﺎل اﻟﺨﺎﻟﺪ ..ﺟﻤﺎل ذاﺗﻚ اﻟﺘﻲ أﺷﺮﻗﺖ ﺑﻬﺎ اﻟﺪﻧﯿﺎ وﻣﺎ ﻓﯿﻬﺎ...
ﯾﺎ إﻟﻬﻲ :ﻻ ﺗﺤﺮم ﻗﻠﺒﻲ إذ ﯾﺨﺘﻔﻲ وﺟﯿﺒﻪ وﺗﺴﻜﻦ دﻗﺎﺗﻪ ﻣﻦ ﻧﺼﯿﺐ واﻓﺮ ﻣﻦ اﻟﻌﺸﻖ واﻟﺘﻌﻠﻖ ﺑﻬﺬا اﻟﺠﻤﺎل اﻟﺒﺎﻗﻲ
واﻟﺴﺮ اﻟﻌﻈﯿﻢ...
أﯾﻬﺎ اﻟﻔﺎرس اﻟﻬﺎﺋﻢ ﻓﻲ ﻓﻼة اﻟﻘﺮﻃﺎس ،ﻣﺘﻨﻜﺴﺎ ﻟﻤﺤﻮ إﺷﺮاﻗﻪ ،ﻣﻐﺮﻣﺎ ﺑﺘﺴﻮﯾﺪ ﺑﯿﺎﺿﻪ .ﺣﺴﺒﻚ ﻣﺎ ﺳﺠﻠﺘﻪ ﻣﻦ
أﺧﻄﺎء ،وﻛﻔﺎك ﻣﺎ ﺳﻮدت ﻣﻦ ﺻﻔﺤﺎت ،ﻓﻘﺪ آن ﻟﺼﺮﯾﺮك أن ﯾﻬﺪأ ،وآن ﻟﻚ أن ﺗﻌﺘﺪل و ﺗﺘﺮﺟﻞ.
ﻟﻘﺪ أﻛﺜﺮت ،أﯾﻬﺎ اﻟﺮاﻛﺐ اﻷﻏﺒﺮ اﻟﻤﺴﻨﻮن ،ﻣﻦ ﺗﻘﺒﯿﺢ ﻫﺬه اﻟﺼﻔﺤﺎت اﻟﻨﺎﺻﻌﺔ ﺑﺴﻮادك ،وﻟﻘﺪ ﺑﺎﻟﻐﺖ ﻓﻲ ﺗﺸﻮه
وﺟﻬﺎا ﺑﺎﻟﺨﻄﻮط واﻟﺨﯿﻼن ورﺳﻮم ,,اﻟﺒﺎء ‘‘ و ’’ اﻟﺪال ‘‘ .واﻟﺨﻄﻮط ﻣﻬﻤﺎ ﻟﻄﻔﺖ ﻓﻲ دﻗﺘﻬﺎ أو ﺟﻤﻠﺖ ﻓﻲ
ﻧﺴﺨﻬﺎ وروﻧﻘﻬﺎ ،ﻓﺈن ﻣﻦ اﻟﻘﺒﺢ أن ﯾﻜﺜﺮ رﺻﻔﻬﺎ ،وﯾﻌﻢّ ﻋﻠﻰ وﺟﻪ اﻟﻘﺮاﻃﯿﺲ ﺳﻮادﻫﺎ .أﻟﻢ ﺗﺮ إﻟﻰ اﻟﻐَُﺮر ،ﻛﯿﻒ
ﺗﻐﺪو راﺋﻌﺔ إذ ﺗﻜﻮن ﻧﺘﻔﺎ ﻗﻠﯿﻠﺔ ﺗﻮﺣﻲ ﺑﺎﻟﻔﺘﻨﺔ وﺗﻌﺒﺮ ﻋﻤﺎ ﺣﻮﻟﻬﺎ ﻣﻦ إﺷﺮاق ،وﻛﻢ ﺗﻜﻮن ﻗﺒﯿﺤﺔ إذ ﺗﻌﻢ اﻟﺠﺒﻬﺔ
ﻃﻮﻻ وﻋﺮﺿﺎ ،وﺗﻤﺘﺪ ﻣﻦ ﻓﻮﻗﻬﺎ ﻛﺎﻣﺘﺪاد اﻟﺰﻣﺎم ...؟
أﻣﺎ اﻟﻜﻠﻤﺎت وﻣﻌﺎﻧﯿﻬﺎ ،ﻓﻤﻬﻤﺎ ﺗﻌﺎﻟﺖ ﻓﻲ اﻟﺮﺗﺒﺔ إﻟﻰ ﻣﺼﺎف اﻟﺠﻮاﻫﺮ واﻟﺪرّ ،ﻓﺈن اﻹﻛﺜﺎر ﺟﺪﯾﺮا ﺑﺈﻧﺰاﻟﻬﺎ إﻟﻰ
ﺣﻀﯿﺾ اﻟﻠﻐﻮ اﻟﺬي ﻻ ﻗﯿﻤﺔ ﻟﻪ .أﻟﻢ ﺗﺮ أن اﻟﺪرّ إﻧﻤﺎ ﺳﻤﺖ ﻗﯿﻤﺘﻪ ﻟﻔﻘﺪاﻧﻪ ،وأن اﻟﻠﺆﻟﺆ إﻧﻤﺎ زﻫﺎ ﺑﺮﯾﻘﻪ ﻓﻲ اﻷﺑﺼﺎر
ﻟﺒﻌﺪ ﻣﻨﺎﻟﻪ ؟
ﻋﻠﻰ أﻧﻚ ﻛﻢ ﻧﻔﺜﺖ ﺑﯿﻦ ذﻟﻚ ﻣﻦ ﺧﻠﻂ وأﺧﻄﺎء ..وﻛﻢ ﺗﺠﺎوزت ﺑﻪ إﻟﻰ اﻷﻟﻮان ﻣﻦ اﻟﺴﻬﻮ واﻟﻌﺼﯿﺎن ،ﺣﺮرﺗﻬﺎ ﺑﻼ
روﯾﺔ وﺳﺠﻠﺘﻬﺎ ﻣﻦ ﻏﯿﺮ ﺗﺄﻣﻞ ! ..ﻓﻘﻞ ﻟﻲ ،ﻣﻦ ذا ﯾﺘﻮﻟﻰ اﻟﯿﻮم ﻣﺪﺣﻪ وﺗﺤﺴﯿﻨﻪ ،ﺑﻞ ﻣﻦ اﻟﺬي ﯾﺘﺤﻤﻞ ﻛﻞ ذﻟﻚ
ﻣﻤﻦ ﯾﺮاه ...؟
أﯾﻬﺎ اﻟﻌﻮد اﻷﺟﻮف اﻟﺮﻗﯿﻖ:
ﻣﺎذا أﻓﺪﺗﻨﻲ إذا ﺑﺮﯾﺖ ﻣﻨﻚ ﻫﺬا اﻟﺮأس ﻗﻠﻤﺎ ﺳﻮى أﺧﻄﺎء رﻗﻤﻬﺎ ﻣﻨﻚ ﻫﺬا اﻟﻠﺴﺎن ...؟
ﻣﺎذا ﺗﺮﻛﺖ ﻟﻲ ﻓﻮق ﻫﺬه اﻟﺼﻔﺤﺎت إﻻ آﺛﺎرا ﻣﻦ ﻧﺸﻮة اﻟﻌﺼﯿﺎن وﻧﻘﻮﺷﺎ ﻣﻦ ذﻛﺮﯾﺎت اﻟﻠﻬﻮ واﻵﺛﺎم ...؟
ﺣﺴﺒﻚ ..ﺣﺴﺒﻚ اﻧﺼﺮاﻓﺎ إﻟﻰ ﺗﺴﺠﯿﻞ ﻣﺎ ﺗﻤﻠﯿﻪ ﻋﻠﯿﻚ اﻷﻫﻮاء ،وﻛﻔﺎك اﻧﻬﻤﺎﻛﺎ ﻓﻲ ﻣﻈﺎﻫﺮ اﻟﻠﻬﻮ واﻷﻟﻌﺎب .ﻓﻠﻘﺪ
آن أن ﺗﻘﻠﻊ ﻋﻦ ﻛﻞ ذﻟﻚ ﺗﺎﺋﺒﺎ ﻧﺎدﻣﺎ ،وآن أن ﺗﺘﺒﯿﻦ ﻃﺮﯾﻖ اﻟﺤﻖ ﻟﺘﺴﻠﻜﻪ ﻣﺴﺘﻐﻔﺮا ﺑﺎﻛﯿﺎ ،وإﻻ ﻓﺎﻟﻨﻮﺑﺔ ﻣﻦ وراﺋﻚ
ﻻﺣﻘﺔ ﺑﻚ ،وﻟﻌﻠﻬﺎ ﺗﻔﺠﺆك ﻋﻤﺎ ﻗﺮﯾﺐ ،ﻓﻼ ﺗﻔﯿﺪك ﺣﯿﻨﺌﺬ اﻟﯿﻘﻈﺔ واﻻﻧﺘﺒﺎه.
وﻟﻜﻦ اﻟﻘﻠﻢ ﻣﺎ إن ﻃﺮق ﺳﻤﻌﻪ ﻫﺬا اﻟﻜﻼم ﺣﺘﻰ ﻫﺐّ ﺛﺎﺋﺮا ،ﻓﺎﻣﺘﻄﻰ ﺻﻬﻮة اﻷﻧﺎﻣﻞ وﻗﺪ ﺳﻞّ ﻟﺴﺎﻧﺎ ﻛﺎﻟﺴﯿﻒ
ﯾﻘﺎرﻋﻨﻲ ﺑﻪ ﻗﺎﺋﻼ:
أي أﺣﻤﺪ:
ﻟﻮ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ أﻧﺖ ذﻟﻚ اﻟﺨﺒﯿﺚ اﻟﺬي ﺗﺼﻒ ،ﻟﻤﺎ ﺑﺮّأت ﻧﻔﺴﻚ ﻋﻦ إﺛﻢ أﻧﺖ ﺻﺎﺣﺒﻪ ﻟﺘﻠﺼﻘﻪ ﺑﺒﺮاﺋﺘﻲ وﺿﻌﻔﻲ ،
وﻟﻌﻠﻤﺖ أﻧﻨﻲ ﻟﻢ أﻛﺘﺐ إﻻ اﻟﺬي ﻗﻠﺘﻪ ،وﻟﻢ أرﺳﻢ إﻻ ﻣﺎ ﺗﺼﻮرﺗﻪ .ﻓﺎﻟﻘﻮل ﻗﻮﻟﻚ ﺣﻘﺎ ﻛﺎن أم ﺑﺎﻃﻼ ،واﻟﻔﻌﻞ ﻓﻌﻠﻚ
ﺧﻄﺄ ﻛﺎن أم ﺻﻮاﺑﺎ.
أﯾﻬﺎ اﻟﻤﺘﺼﺮف ﻓﯿﻤﺎ ﺗﺘﻬﻤﻨﻲ ﺑﻪ:
إﻧﻚ ﻟﺘﻌﻠﻢ أﻧﻨﻲ ﻛﻨﺖ ﻋﺪﻣﺎ ﻓﻲ ﻃﻮاﯾﺎ اﻟﺘﺮاب ،ﺛﻢ أﻧﺒﺘﺘﻲ اﻷﻗﺪار ﻗﺼﺒﺎ ﻓﻲ ﻋﺎﻟﻢ اﻟﺮﯾﺎض واﻟﺒﺴﺎﺗﯿﻦ ،ﺗﺘﻤﺎﯾﻞ
اﻟﻨﺴﻤﺎت ﺑﻘﻮاﻣﻲ اﻟﻔﺎرع ﯾﻤﻨﺔ وﯾﺴﺮة ،ﻟﯿﺲ ﻟﻲ ﺻﺮﯾﺮ أﺳﺠﻞ ﺑﻪ ﻗﻮﻻ وﻻ ﺻﻔﯿﺮ أﺑﻌﺚ ﺑﻪ ﻟﺤﻨﺎ .ﺛﻢ ﻋﻤﺪت إﻟﻲّ
ﻓﺄﺑﻌﺪﺗﻨﻲ ﻋﻦ اﻷﻫﻞ واﻷوﻃﺎن واﻗﺘﻠﻌﺘﻨﻲ ﻣﻦ ﺑﯿﻦ اﻟﺮﻓﻘﺔ واﻷﺻﺤﺎب .ﻓﺎﺗﺨﺬت ﻣﻨﻲ ﻗﺴﻤﺎ ﻟﺘﺴﺠﯿﻞ أﻗﻮاﻟﻚ ..
واﺧﺘﺮت ﻗﺴﻤﺎ آﺧﺮ ﻟﺘﺼﻮﯾﺮ ﻃﺮﺑﻚ وآﻻﻣﻚ .ﻧﻘﻠﺘﻨﻲ ﻣﻦ ﺑﯿﻦ روﺿﺘﻲ ووﻃﻨﻲ إﻟﻰ رﯾﺎض اﻟﺸﻮق واﻟﻬﺠﺮان ،
وﺛﻘﺒﺖ ﺟﻬﺎت ﻣﻦ ﺟﺴﻤﻲ ﺑﻚّ اﻟﻌﺸﻖ واﻵﻻم .ﺛﻢ رﺣﺖ ﺗﻨﻔﺦ ﻓﯿﻪ روﺣﺎ ﻣﻦ أﻧﻔﺎﺳﻚ أﻟﻬﺒﺖ ﻣﻨﻲ اﻟﻜﺒﺪ واﻟﺠﻮاﻧﺢ ،
ﻓﻜﺎن ﻛﻞ ﺑﻜﺎﺋﻲ ﻣﻦ ﺗﻌﺬﯾﺒﻚ وإﺣﺮاﻗﻚ ،وﻛﺎن ﺟﻤﯿﻊ آﻫﺎﺗﻲ ﻟﻨﻔﺨﻚ وأﻧﻔﺎﺳﻚ.
أﻧﺎ ﺟﻤﺎد ﺿﻌﯿﻒ أﺑﻜﻢ ﻟﯿﺲ ﻟﻲ ﻟﺴﺎن ،وﻗﺼﺐ ﯾﺎﺑﺲ ﻻ ﯾﺘﺄﺗﻰ ﻣﻨﻲ أي ﻧﻄﻖ أو ﺑﯿﺎن ،وﻟﻜﻦ أﻧﺖ اﻟﺬي اﺗﺨﺬﺗﻨﻲ
إﺻﺒﻌﺎ ﺳﺎدﺳﺎ ﺑﯿﻦ ﺑﻨﺎﻧﻚ ،وأﻧﺖ اﻟﺬي ﺟﻤﻠﺖ ﺑﻲ ﻣﺠﺎﻟﺲ ﻃﺮﺑﻚ وأﻟﺤﺎﻧﻚ ،وأﻧﺖ اﻟﺬي ﺳﻮّدت ﺑﺲ ﺻﺤﺎﺋﻒ ﻟﻬﻮك
وﻋﺼﯿﺎﻧﻚ .وإﻻ ﻓﻤﻨﺬا اﻟﺬي ﺳﻤﻊ ﺑﺄن اﻟﻨﺎي ﯾﻨﻄﻖ ﻣﻦ ﻏﯿﺮ ﻧﺎﻓﺦ ،أو أن اﻟﻘﻠﻢ ﯾﻨﻘﺶ ﻣﻦ ﻏﯿﺮ ﻛﺎﺗﺐ ...؟
أي رب:
إﻧﻚ ﻟﺘﻌﻠﻢ أن ’’ اﻟﺨﺎﻧﻲ ‘‘ اﻟﻀﻌﯿﻒ إﻧﻤﺎ ﻫﻮ ﻓﻲ ﻗﺒﻀﺘﻚ ﻣﺜﻞ ﻫﺬا اﻟﻘﻠﻢ اﻟﻤﻘﯿﺪ اﻟﻤﻌﺬور .ﻗﻠﺒﻪ ﻓﻲ ﯾﺪك ،وﺟﻮارﺣﻪ
ﻣﻠﻚ ﻟﺘﺼﺮﻓﻚ ..أﻧﺖ اﻵﻣﺮ اﻟﻘﻮي وﻫﻮ اﻟﻤﺄﻣﻮر اﻟﻀﻌﯿﻒ .أﻧﺖ اﻟﻤﺎﻟﻚ اﻟﻐﻨﻲ وﻫﻮ اﻟﻤﻤﻠﻮك اﻟﻔﻘﯿﺮ .وﻟﺌﻦ ﻛﻨﺖ ﻗﺪ
ﻣﻨﺤﺘﻪ ﯾﺎ ﻣﻮﻻي ﻓﻲ ﺷﺆوﻧﻪ ﺑﻌﺾ ﺗﺼﺮف أو اﺧﺘﯿﺎر ،ﻓﻠﻘﺪ ﻓﻮض ذﻟﻚ أﯾﻀﺎ إﻟﯿﻚ ،وﺗﺠﺮد ﻣﻦ ﻛﻞ اﺧﺘﯿﺎره
وﺗﺼﺮﻓﻪ ﻟﺴﻠﻄﺎﻧﻚ وأﻣﺮك .ﻓﻬﻮ ﺑﻜﻞ ﻣﺎ أوﻟﯿﺘﻪ -ﺳﻮاء ﻛﺎن ﻋﻠﻤﺎ أم ﻗﻠﻤﺎ أم ﻋﻤﻼ -ﻣﻠﻚ ﻷﻣﺮك ووﻗﻒ ﻟﺘﺼﺮﻓﻚ
وإرادﺗﻚ .وﻫﻮ وﺣﻘﻚ ﯾﺎ ﻣﻮﻻي ﻻ ﯾﻔﺮق ﺑﯿﻦ ﻧﻔﻊ ﻟﻪ وﺿﺮ ،وﻻ ﯾﻤﻠﻚ ﻟﻨﻔﺴﻪ ﺳﻌﯿﺎ إﻟﻰ ﺧﯿﺮ أو ﺗﺠﻨﺒﺎ ﻋﻦ ﺷﺮ...
وﻫﻮ ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻟﻄﺨﻪ ﻣﻦ ﺻﻔﺤﺎت ﻛﺜﯿﺮة ﺑﻤﺪاد اﻟﻘﺒﺎﺋﺢ واﻵﺛﺎم ،ﻟﯿﺲ ﻟﻪ دوﻧﻚ ﻣﻦ ﻏﺮض أو ﻗﺼﺪ ،وﻟﯿﺲ ﻟﻪ
ﺑﻐﯿﺮك أي ﻃﺎﻗﺔ أو ﺣﻮل...
ﻛﻞ ﻣﺎ ﺳﻄﺮﺗﻪ ﯾﺎ إﻟﻬﻲ ﻣﻦ أول ﺳﻄﺮ ﻓﻲ ﺻﺤﺎﺋﻒ ﺣﯿﺎﺗﻲ إﻟﻰ أﺧﺮه إﻧﻤﺎ ﻫﻮ ﻧﺘﯿﺠﺔ ﺧﻄﻚ وﺗﻘﺪﯾﺮك ،وإﻧﻬﺎ ﻟﺴﻄﻮر
ﻛﺜﯿﺮة ﻗﺪ ﺣﻮت ﺳﺠﻞ ﺛﻼﺛﯿﻦ ﻋﺎﻣﺎ ﻣﻦ ﻋﻤﺮي اﻟﺬي ﻣﻀﻰ * ...إذ ﻛﺎن اﻟﺘﺎرﯾﺦ ﺣﯿﻨﻤﺎ اﻧﻔﻜﺖ روﺣﻲ ﻋﻦ ﻏﯿﺒﻬﺎ
إﺣﺪى وﺳﺘﯿﻦ وأﻟﻔﺎ.
وﻟﻘﺪ ﻧﺎﻫﺰت اﻟﯿﻮم اﻟﻌﺎم اﻷرﺑﻊ واﻷرﺑﻌﯿﻦ ،وﻟﺴﺖ أرى ﻓﻮق ﻛﺎﻫﻠﻲ إﻻ رﻛﺎﻣﺎ ﻣﻦ اﻟﺴﯿﺌﺎت واﻵﺛﺎم ،ﻻ أﺟﺪ ﺑﯿﻨﻬﺎ
درﻫﻤﺎ ﻣﻦ ﻋﻤﻞ ﺻﺎﻟﺢ ﻗﺪﻣﺘﻪ.
رﺑﺎه:
ﻛﻤﺎ وﻓﻘﺘﻨﻲ ﻓﻲ ﻧﻬﺎﯾﺔ ﻫﺬا اﻟﺴﱢﻔْﺮ إﻟﻰ اﻻﻟﺘﻔﺎت ﻟﻌﻈﻤﺘﻚ واﻟﺘﺴﺒﯿﺢ ﺑﺤﻤﺪك ،أﺳﺄﻟﻚ أم ﺗﻮﻓﻘﻨﻲ ﻓﻲ ﻧﻬﺎﯾﺔ ﺣﯿﺎﺗﻲ
أﯾﻀﺎ إﻟﻰ اﻟﺘﻤﺴﻚ ﺑﻬﺪﯾﻚ واﻹﯾﻤﺎن ﺑﻠﻄﻔﻚ وﺣﻜﻤﺘﻚ...
*ﻛﺎن ھﺬا ﻋﻤﺮأﺣﻤﺪ ﺧﺎﻧﻲ ﺣﯿﻨﻤﺎ أﻟﻒ ھﺬه اﻟﻘﺼﺔ ﻣﻊ إﺿﺎﻓﺔ أرﺑﻌﺔ ﻋﺸﺮ ﻋﺎﻣﺎ ،وھﻲ أﻳﺎم اﻟﺼﺒﺎ اﻟﺘﻲ
اﺳﺘﺜﻨﺎھﺎ ﻣﻦ ﺳﺠﻞ أﻋﻤﺎﻟﻪ .ﻓﺎذا أﺿﯿﻔﺖ إﻟﯿﻪ ﻛﺎن أرﺑﻌﺔ وأرﺑﻌﯿﻦ ﻛﻤﺎ ﺑﯿﻦ ذﻟﻚ ﻓﯿﻤﺎ ﺑﻌﺪ...