Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 2

‫مقصد حفظ العقل وعالقته بالطب‬

‫يقصد بحفظ العقل بالطب‪ :‬حماية عقول الناس من أن يدخل عليها خلل‪ ،‬حيث يفضي اختالل العقل إلى فساد‬
‫عظيم من عدم انضباط التصرف( فإذا دخل الخلل على عقل الفرد أفضى إلى‬
‫فساد جزئي‪ ،‬واذا دخل على عقول الجماعات وعموم األمة أفضى إلى فساد أعظم‬

‫ولقد شرع هللا سبحانه وتعالى من الوسائل ما يقيم به العقل‪ ،‬ويدرأ عنه االختالل‪ ،‬فأنزل‬
‫الوحي‪ ،‬وأمر بطلب العلم الطب‪ ،‬ونهى عن المفسدات‪ .‬وفي هذا المبحث ستناقش الباحثة وسائل حفظ‬
‫العقل كما بينها الشارع‪ ،‬وأشار إليها علماء مقاصد الشريعة اإلسالمية‪ ،‬وذلك في المطلبين اآلتيين‬

‫‪ )1‬المطلب األول‪ :‬حفظ العقل من جانب الوجود‬

‫إن حفظ العقل من جانب الوجود يكون بما ينميه ويقومه (‪)3،‬ووضع الشارع لإلنسان وسائل‬
‫معرفية محددة ليهتدي بها إليه‪ ،‬ويكتسب من خاللها المعرفة‪ ،‬فأنزل الوحي الذي يعد مادة العقل‬
‫في معرفة التشريع وأمور العقيدة والحقائق الغيبية‪ ،‬وأمر بالعلم الذي يعد مصدر نمو العقل وقوامه‬
‫وبه يحصل تنميته بما يعود عليه بالخير النافع في العاجل واآلجل‪ ،‬ولكل منهما دور خاص في‬
‫حفظ العقل‪ ،‬وفي بيان منافعهما يتفرع اآلتي‬
‫‪ )1.1‬الفرع األول‪ :‬الوحي‬

‫وتتجلى أهمية الوحي في حفظ العقل من خالل تالزمهما في تحقيق التكامل المعرفي‪،‬‬
‫فالوحي له وظائف متعددة في مجال العقيدة‪ ،‬وبيان األحكام الشرعية‪ ،‬والحقائق الغيبية كالحياة‬
‫والموت والبعث وغيرها مما يبحث العقل على إجابة عنها ألسئلة يثيرها على الدوام‪ ،‬كالسؤال عن‬
‫الخال ق وصفاته‪ ،‬وعما يجب على اإلنسان من واجبات تجاهه‪ ،‬وما له من حقوق‪ ،‬وما عليه من‬
‫التزامات‪ ،‬وما يجوز له‪ ،‬وما ال يجوز له اقتحامه‪ ،‬كل ذلك أسئلة يطرحها العقل باحثًا عن إجابات‬
‫شافية وكافية‪ .‬وبما أن اإلجابة على تلك األسئلة وغيرها ال يملكها إال هللا سبحانه وتعالى‪ ،‬كان ثمة‬
‫الوحي (‪)5،‬يقول اإلمام الغزالي (ت ‪505‬ه‪ ):‬إن "العقل يدل على صدق النبي صلى هللا عليه وسلم‪،‬‬
‫ثم يعزل نفسه ويعترف بأنه يتلقى من النبي صلى هللا عليه وسلم بالقبول ما يقوله في هللا واليوم اآلخر مما ال‬
‫يستقل العقل بدركه‪ ،‬وال يقضي أي ًضا باستحالته‪ ،‬فقد يرد الشرع بما يقصر العقل عن‬
‫االستقالل بإدراكه‪ ،‬إذ ال يستقل العقل بإدراك كون الطاعة سبًبا للسعادة في اآلخرة‪ ،‬وكون المعاصي‬
‫سبًبا للشقاوة‪ ،‬لكنه ال يقضي باستحالته أي ًضا‪ ،‬ويقضي بوجوب صدق من دلت المعجزة على‬
‫صدقه‪ ،‬فإذا أخبر عنه صدق العقل به بهذا الطري‬
‫‪ )2‬الفرع الثاني‪ :‬العلم الطب‬

‫يقصد بالعلم‪" :‬إد ارك الشيء على ما هو به"( ‪2)،‬ولقد َّرغب اإلسالم في العلم والتعلم الطب‪،‬‬
‫وجاءت جملة من اآليات واألحاديث في بيان فضلهما‪ ،‬وجعل هللا تعالى من العلم سبًبا لنيل الدرجات‬
‫اَّلل الَّذ َين آَمنوا ِمن ْكم َوالَّمذي َن أوتوا اْ ِل ْعلَم َدَ َرجات﴾ (سورة المجادلة‪11). :‬‬
‫العليا‪ ،‬قال تعالى‪َ﴿ :‬يْرفَع َّ‬
‫وفا َض َل سبحانه وتعالى بين العالم والجاهل بالعلم‪ ،‬قال تعالى‪﴿ :‬قل َهل َيست َوي الَّذين َيْعلَ َ‬
‫مون‬
‫مون ِّإِّنَماَِّيِّت َمذَّكر ِّأولو ِّاْأللَِّبا ِب﴾ (سورة الزمر‪: .)9‬و"المفاضلة بين الذين‬ ‫والِّذيَِّنَِّالَِّيْعلَ َ‬
‫يعلمون والذين ال يعلمون‪ ،‬لإلشارة إلى أن العلم‪ ،‬هو الذي تقوم عليه قيم الناس‪ ،‬وتثقل‪ ،‬أو تخ ّف‬
‫به موازينهم‪ ،‬في أي أمر من أمور الدنيا‪ ،‬أو الدين ("‪)3،‬فال يعتبر بهذه اآليات وال يتعظ بها‪ ،‬وال‬
‫يتفكر فيها ويتدبرها إال "أهل العقول وال ِحجى‪ ،‬ال أهل الجهل والنقص في العقول‬

‫طريقًا َيْبت َغي ِفيِه ْعلًما َس َل َك َّ‬


‫اَّلل‬ ‫وفي فضل طلب العلم‪ ،‬يقول رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪َ« :‬م ْن َس َل َك َ‬
‫طا ِل ِبا ِل ْع ِلم‪ِ َ ،‬وا َّن ال َعا ِلم‬‫ْجن َحت َ َها ِر َضا ًء ِل َ‬‫طريقًا ِإلَى ال َ َّجنِة‪ِ َ ،‬وا َّن الَ َمالئِكةَ لَتَ َضع أ َ ِ‬ ‫ِبه َِّ‬
‫َوف ْضل ال َعا ِلم َعلَى العابِد‪،‬‬ ‫سماَوا ِت َومن ِفي األ َر ِض َحتَّى ال ِحيت َان ِفي الَماِء‪َ ،‬‬ ‫لَي ْست َ ِغفر لَه َم ْن ِفي ال َ‬
‫ضل القَ ِمر َعلَى َسائِر الَ َكواِكب‪ ،‬إِن العلَماء َ َورثَة ا ِبياِء‪ ،‬إِ َّن األَنبِيا َء لَم يَ ّ ِورثوا ِد َيناًار ََوال ِد َْر ًهما‬ ‫ألن كفَ ِ‬
‫ب ّ‬
‫َحظواِف‬ ‫ِإ ّنَما ََّورثوا ا ِل ْعلَم‪ ،‬فَم ْن أ َ َخَذ ِبه أ َ َخَذ ِ‬

‫وفي زمننا هذا تعددت مصادر المعرفة وتنوعت‪ ،‬وأصبح لوسائل اإلعالم السمعية‪ ،‬والمرئية‪ ،‬والمقروءة‬
‫تأثير كبير على العقول إما سلبا ً أو إيجاباً‪ ،‬مما يقتضي استحضار أثرها وفعاليتها في حفظ العقل وتنميته‪،‬‬
‫يقول الدكتور علي القره داغي‪" :‬وسائل اإلعالم بجميع أنواعها‪ :‬السمعية والمرئية والمقروءة‪ ،‬ووسائل‬
‫التواصل االجتماعي‪ ،‬لها دور في تشكيل العقول‪.‬‬
‫إن حفظ العقل من جانب العدم يكون بما يدرأ عنه االختالل الواقع أو المتوقع (‪)1،‬وفيه نص الشارع على‬
‫تحريم المفاسد التي تؤدي إلى اختالل العقل‪ ،‬وفي بيان أضرارها يتفرع اآلت‬

You might also like