Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 30

‫السياسة الرب برية‬

‫ما دامت مصالح السكان المسلمني لم تصبح تمثل أي أهمية يف الجزائر‬


‫(المندمجة)‪ ،‬وكان أي انشغال بسياسة األهايل ال يهم اإلدارة‪ ،‬فإننا نكاد نتعجب‬
‫من رؤية بعض اإلداريني يثابرون رغم ذلك عىل االهتمام عن كثب بالسكان‬
‫الرب بر دون سواهم وال سيما القبائل منهم ‪.‬‬
‫فهل طبقت فرنسا سياسة بربرية يف الجزائر عىل غرار السياسة اليت كان عليها‬
‫أن تطبقها باستمرار يف المغرب ؟ وعىل الرغم من أن وجود سياسة بربرية يف‬
‫الجزائر كان ينفيها بعض علماء االجتماع واالنثولولوجيني نفيا قاطعا‪ ،‬إال أن‬
‫الوقائع تقدم أجوبة مخالفة‪.‬‬

‫(‪)01‬‬

‫األسطورة القبائلية والسياسة القبائلية قبل ‪1971‬‬


‫لقد ولدت هذه السياسة الرب برية بصورة ملموسة‪ ،‬عىل إثر مقاربة اثنولوجية‬
‫أوىل كانت سطحية جدا‪ ،‬من باب تأكيد رد فعل مضاد للعرب‪ ،‬ويف أثناء‬
‫ُأ‬
‫سنوات االحتالل األوىل‪ ،‬ريد حقا أن ينظر إىل الرب بر‪ ،‬الذين كان يسميهم‬
‫السكان الحرض بمدينة الجزائر (القبايل)‪ ،‬أي سكان المدارش ‪ ،‬عىل أساس كونهم‬
‫أناس متوحشون‪ x‬ورش سون‪ .‬لكن رسعان ما فرضت أسطورة أخرى نفسها‪ ،‬إن‬
‫هؤالء القبائل ذوي الديانة المعتدلة جدا‪ ،‬والعرق العادي والطماع كانوا قد‬
‫رفضوا مرتني متتاليتني التحالف مع األمري عبد القاد‪ ،‬ولقد قبل بعضهم‬
‫االلتحاق بوحدات جيش الزواوة‪( x‬المتحالفني مع فرنسا)‪ ،‬وكان الكثري ون منهم‬
‫يتاجرون مع الفرنسيني ‪.‬‬
‫إن هؤالء الرجال ذوي العادات البدائية قد ظهروا إذن كمتوحشني طيبني‬
‫يتكلمون‪ x‬لغة أصيلة ويعرب ون عن ذوق قوي‪ x‬للحرية‪ ،‬ويف ‪ 1837‬كتب توكفيل‬
‫يقول‪" :‬لو امكن لجون جاك روسو معرفة القبائل لكان بحث عن نماذجه يف‬
‫ني‬
‫األطلس‪ ،‬وكان سيجد هناك الرجال الخاضع إىل نوع من الضبط االجتمايع‬
‫الذين يكادون يكونون يف الوقت نفسه أحرارا‪ x‬مثل فرد منعزل يتمتع باستقالله‬
‫الوحيش يف أعماق الغابات‪ ،‬إنهم رجال ال أغنياء وال فقراء وال خدم وال أسياد‪،‬‬
‫يعينون قائدهم بأنفسهم وال يكادون يدركون أن لهم قادة"‪.‬‬
‫وقد قال أيضا بعد بضعة أشه‪ :‬إذا أغلقت علينا بالد القبائل فإن روح القبائل‬
‫مفتوحة لنا وليس من المستحيل علينا الولوج اليها"‪.‬‬
‫إن العسكريني الذين كان اهتمامهم منصبا عىل التوغل يف بالد القبائل كانوا‬
‫يعتقدون مع ذلك يف هذه النظريات نفسها‪ ،‬ولقد كان الجرن ال دوفييف (مؤسس‬
‫جيش الزواف وقائده) يف ‪ 1841‬والعقيد دوماس يف ‪ 1844‬اللذين كان يوجد‬
‫بالنسبة إليهما "عنرصان متمايزان يف الجزائر‪ ،‬العنرص العريب والعنرص القبائيل ‪،‬‬
‫من حيث شكل الرأس وتطور الحدبات"‪ ،‬يعتقدان أن حياة واستقرار القبائل يف‬
‫المسكن وحبهم للعمل يمكن أن يكونا أقوى ركزي تني لسياساتنا‪.‬‬
‫ويف كتاب دوماس والنقيب فابار وعنوانه ( القبائل الكرب ى) ‪ 1847‬كانت قد‬
‫سجلت مالحظات انثولوجية أكرث تأسيسا‪ ،‬إىل جانب وصف أسطوري‪ x‬للعنرص‬
‫القبائيل ‪ ،‬الذي يعود جزئيا إىل أصل جرماين ‪ ،‬وهو موسوم دائما بطابع مسييح ‪.‬‬
‫ومع ذلك فإن تقديم بالد القبائل بوصفها "سويرسا وحشية تتشكل من قبائل‬
‫مستقلة واليت ال يوجد لفيدراليتها نفسها أي طابع دائم" رسعان ما انحرفت‬
‫نحو اعتبارات‪ x‬مثالية جدا‪ ،‬ولقد وضعت خاتمة هذين المجلدين لكتاب‬
‫( خالصة دراسات قبائلية ) أسس سياسية بربرية‪:‬‬
‫الحفاظ عىل االشكال الجمهورية للقبيلة‪،‬‬
‫تفويض ممارسة السلطة ألمناء‪،‬‬
‫استخدام فعال للصف واألرس الكرب ى‪،‬‬
‫احرت ام القوانني القديمة للبالد وقوانينها العرفية‪ ،‬اليت ال تعارض عىل كل حال‬
‫يف يش ء مبادئنا الكرب ى للقانون العام‪.‬‬
‫لقد كان بإمكان هذه السياسة أن تكون مختلفة حسب رأي كتاب آخرين‪،‬‬
‫ولكن األسس تبىق تلك اليت أشار اليها دوماس‪ ،‬وبالنسبة للعقيد كاريت‪ ،‬فقد‬
‫كان البد من "جعل اإلنسان القبائيل التابع أكرث ذكاء لمؤسساتنا"‪ .‬وأما بالنسبة‬
‫للجرن ال روندون‪ ،‬فإنه كان يجب تحضري االنسان القبائيل للدخول يف " القانون‬
‫العام الذي نريد نرش ه يف الجزائر"‪x.‬‬
‫ولقد ظن بيلي دي رينو والبارون هرن ي أوكابيتان‪ x،‬اللذان كانا عسكريني‬
‫يس‬
‫مثاليني ‪ ،‬أنه من الممكن بل من المرغوب فيه "خلط" العنرص القبائيل بالعنرص‬
‫الفرنيس ‪ ":‬إنه بعد مائة سنة‪ ،‬سوف يصبح القبائليون فرنسيني "‪.‬‬
‫وبالنسبة للجميع‪ ،‬عسكريني ومدنيني ‪ ،‬فإن هذا الشعب المتألف من بربر ذوي‬
‫رؤوس دائرية "من أهل الجبل ذوي األنفة والحيوية"‪ ،‬الشغيلني والمقتصدين‬
‫رت‬ ‫ني‬
‫التجار الماهرين والمحارب الشجعان‪ ،‬الذين يق بون من الشعب الرييف‬
‫لفرنسا فإنه "ليس هناك أي تعارض بني العنرص الفرنيس والقبائيل "‪ ،‬إذ أن‬
‫كالهما‪ x‬معروف عنه حب العمل‪ ،‬وليس ثمة أي خشية من إقدام القبائل عىل‬
‫محاولة التعاون مع "العنرص العريب "‪.‬‬
‫إن العرب الذين انترصوا عىل القبائل وطردوهم اىل الجبال‪ ،‬إىل درجة أن‬
‫المستعمر‪ x،‬يه‬
‫ِ‬ ‫جعلوهم ‪-‬كما يقال‪ -‬ينمون كراهية‪ x‬متوارثة ضد هذا العنرص‬
‫الكراهية اليت نصحت بعض الذهنيات المكيافيلية بالعمل عىل تأجيجها‪ .‬ولقد‬
‫كان البعض اآلخر األكرث طيبة يقول بأن القبائل " الجمهوريني والديمقراطيني "‬
‫بحكم قربهم من التقاليد و المؤسسات‪ x‬الفرنسية‪ ،‬يمكنهم أن يكونوا مفيدين‬
‫يف إعادة بعث العنرص العريب واخراجه من عيوبه اإلقطاعية‪.‬‬
‫هكذا كانت األسطورة‪ x‬القبائلية المبتكرة يف سنوات ‪ 1837‬اىل ‪،1857‬‬
‫والمنترش ة‪ x‬بشكل واسع يف فرنسا ابتداء من ‪ 1863‬عىل الخصوص ‪ .‬ويف هذا‬
‫التاريخ كان االفتتان بالجنسية‪ x‬القبائلية‪ ،‬والمدافعني عن التحالف الفرنكو‪-‬‬
‫قبائيل ‪ ،‬ورض ورة جعل الجزائر قبائلية يهدف خصوصا إىل محاربة " المملكة‬
‫العربية لنابليون الثالث اليت كان الدكتور وارنيي يسميها الخوف من العروبة‪.‬‬
‫(‪)02‬‬

‫الهدف‪ :‬حلف فرنكو‪-‬قبائلي‬


‫وبعد ذلك لم يكف حماة االستعمار االستيطاين عن إعالن قوانني الجنسية‪x‬‬
‫الرب برية وقيمة المؤسسات‪ x‬السياسية‪ ،‬وبالنسبة لهؤالء فان القبيلة الرب برية‬
‫تنحدر من أصل روماين ‪ ،‬وأن القرى القبائلية حافظت عىل التنظيم الروماين كما‬
‫هو‪.‬‬
‫إن الرب بر‪ ،‬هؤالء المنحدرون من الرومان المسيحيني القدماء والذين هم‬
‫مسلمون بأدىن قدر ممكن‪ ،‬قد أظهروا االستعدادات القوية من أجل عودة تامة‬
‫للمسيحية‪.‬‬
‫ولقد تنبأ وارنيي بأن مستقبل الجزائر ليس ملكا للتجاور بني القبائل العربية وال‬
‫للحركة االسالموية‪ ،‬بل للديانة المسيحية والتحالف الفرنيس – القبائيل ‪ .‬ولقد‬
‫زعم أن العرب لم يكونوا إال أقلية‪ 500 :‬ألف عىل أكرث تقدير‪ ،‬يف مقابل‬
‫‪ 1.200.000‬من الرب بر الناطقني بالعربية‪ ،‬ومليون من الرب بر الناطقني‬
‫بالرب برية‪.‬‬
‫وخالل الفرت ة نفسها من ‪ 1857‬اىل ‪ ،1870‬زودت القبائل الكرب ى بتنظيم‬
‫إداري من نوع خاص سيم التنظيم القبائيل ‪ ،‬الذي كان يف الحقيقة " فرنسيا –‬
‫قبائليا"‪ .‬وبهدف تطويع سلطة القادة وتوسيع حكمهم "تم ترش يع المؤسسات‪x‬‬
‫البلدية القبائلية" بزت ويدها بصفة خاصة بنظام انتخايب يرتكز عىل االعرت اف‬
‫بنظام الصف‪.‬‬
‫ويف ظل نظام إداري غري مبارش أصبحت البالد بني أيدي العديد من القادة‬
‫الصغار المنتخبني سنويا‪ 541 :‬أمني وأمني أمناء أصبحوا قادة قبيلة القبائل‪.‬‬
‫وكذلك فإنه بحجة تحرير القبائل من القضاة العرب‪ ،‬وتخليصهم من تسلط‬
‫القياد العرب‪ ،‬فإنه تم إلغاء محاكم القضاة المسلمني ‪ ،‬حيثما وجدت لمنح‬
‫السلطة القضائية لثاجماعت‪ ،‬أي جماعات القبائل ( كبار الجماعات) ‪ ،‬وقد تم‬
‫تفضيل مجالس القرى عىل القضاة المسلمني " لهذا السبب الوحيد وهو أن‬
‫القانون الذي تطبقه لن يكون القانون االساليم " بل العرف القبائيل ( العقيد‬
‫هانوتو)‪.‬‬
‫ولقد كان العرف القبائيل شفويا ومتعددا ومتنوعا‪ :‬كان يتمثل أساسا يف قيم‬
‫الضباط الفرنسيون يف‬ ‫عقوبة تسىم " لقانون" ( جمع ‪ :‬القوانن)‪ ،‬ولقد رش ع‬
‫تحريرها مع العمل عىل توحيدها وتخليصها من أحكامها االكرث بربرية‪،‬‬
‫ورسعان ما أسند عمل التقنني للجرن ال هانوتو دون سواه‪ ،‬الذي كان بمساعدة‬
‫رجل قانون وهو المستشار لوتورنو حيث تم إعداد هذا العرف الذي نرش‬
‫الحقا يف األجزاء الثالثة لكتاب " بالد القبائل و األعراف القبائلية"‪.‬‬
‫ولقد أعلن الهدف من ذلك بوضوح المراسلة الخاصة ( غري المنشورة) بني‬
‫يف‬
‫هانوتو ولوتورنو‪" :‬لقد كان األمر متعلقا بتطبيق القانون العريف القبائيل من‬
‫قبل القضاة الفرنسيني ‪ ...‬لقد ظن هؤالء يف ‪ 1869‬أنهم أقنعوا وزير الحربية"‪.‬‬
‫وسوف يتم قبول العرف القبائيل الموحد والمقنن من مليون بربري‪ ،‬حىت وإن‬
‫طبق من قبل قضاة فرنسيني "‪.‬‬
‫ويف الواقع فإن المرش وع لم ينجح يف ‪ ،1869‬اذ أن المعمرين الجزائرين (يقصد‬
‫رش‬ ‫رش‬ ‫ني‬
‫المستوطن ) ونواب السلك الت ييع فضلوا إقامة القانون الفرنيس مبا ة يف‬
‫بالد القبائل هذه‪ ،‬اليت يه بمثابة " إقليم اوفري ن الشمال‪ x‬االفرييق المستعد كل‬
‫االستعداد لالندماج"‪.‬‬
‫و هكذا فإن السياسة القبائلية يف عهد االمرب اطورية الثانية‪ ،‬لم تهدف اىل جعل‬
‫العنرصين المزعومني للجزائر يتعارضان فحسب‪ ،‬بل كانت تهدف إىل تحضري‬
‫الرب بر لالندماج‪.‬‬
‫إن فتح مدارس القبيلة‪ ،‬وإقامة مدارس للفنون والمهن بفور ناسيونال‬
‫ومشاريع القرض الرييف كان من شأنها يف اعتقاد العسكريني ان تساعد عىل‬
‫التحول المادي و الثقايف للمجتمع القبائيل ‪.‬‬

‫(‪)03‬‬
‫األسطورة و السياسة القبائليتني من ‪ 1871‬إىل ‪:1891‬‬
‫لم تتحطم األسطورة القبائلية بفعل االنتفاضة الكرب ى *‪ ،1871‬بل عىل‬
‫ّ‬
‫المشوه‪ x‬برهابه من العرب واصل‬ ‫العكس من ذلك فإن الرأي العام االستعماري‪x‬‬
‫اعتقاده يف التفوق الكبري للرب بر وحذا حذوه يف ذلك الصحافيون الفرنسيون ‪.‬‬
‫ولقد رش ح نائب وهران بمجلس الشيوخ بومل يف كتاب له صدر يف ‪1871‬‬
‫عنوانه (عن عنارص الجزائر األهلية وعن الدور الذي تخبؤه لهم مؤهالتهم)‬
‫بوضوح‪" :‬إن الرب بر ذوي األصل السليت قد كانوا بمثابة الضحية المقدمة‬
‫للعرب يف سياسة المملكة العربية‪ ،‬ومن واجب االستعمار أن يقدم لهم تعويضا‬
‫عن ذلك‪ ،‬ويف الوقت نفسه يجب طرد العرب نحو الصحراء"‪.‬‬
‫ولقد رأى نائب الجزائر غاسطو وهو اندمايج يف غاية االقتناع‪ ،‬يف "الشعب‬
‫الجزائري " (‪ )1884‬أنه ينبيغ " اندماج سكان القبائل ضمن االوربيني طالما أن‬
‫عاداتهم تتوافق مع عاداتنا"‪.‬‬
‫ولم يكن للجمهوري والعلماين المتشدد بول بري ت رئيس الجمعية من أجل‬
‫حماية المستوطنني أي تعاطف مع األهايل مهما كانوا‪ ،‬ولكن طالما كان االنسان‬
‫عدو عنرصنا " معاديا ألحكام الرسول " فإن التقارب ممكن مع هذا‬ ‫ّ‬
‫القبائيل‬
‫االنسان اإليجايب يف مواجهة الزن عة الدينية ( االكلري وسية) االسالمية‪.‬‬
‫أما الصحيف بول بورد فعىل العكس من ذلك‪ ،‬فإنه كان يرى يف رض ورة‪ x‬التوفيق‬
‫بني القبائليني والفرنسيني ‪ ،‬وإدخال المنهزمني يف كنف عائلة المنترصين‬
‫الحر ضمن‬‫الكرب ى‪ .‬ولقد كان بإمكان القبائليني اسرت جاع كل حقوق الرجل ّ‬
‫المجتمع الفرنيس ‪.‬‬
‫كما كان مدير مدرسة اآلداب بالجزائر إميل ماسكري‪ ،‬يرى هو اآلخر أن من‬
‫واجب الجمهورية " تحرير الرب بر الذين طردهم العرب واستغلهم األتراك "‪.‬‬
‫غري أن السياسة اليت كان ينادي بها لم تكن مجردة من المصلحة‪" :‬إذ كان‬
‫عليها المساهمة يف محاربة الدين االساليم عدونا األبدي‪ ،‬هذا يف حني أن هذه‬
‫القوانني القبائلية تساعد بصورة خاصة سياستنا لكونها تختلف عن القانون‬
‫ّ‬
‫اإلساليم ‪ x...‬إن قانونا قبائليا بالنسبة إلينا ما هو إال أداة ثمينة للغاية‪ :‬كلما أمعنا‬
‫يف استخدامها كلما تعمقت الهوة بني المسلمني العرب ومهزوميهم األسخياء‬
‫(القبائل)"‪.‬‬
‫لقد هيمنت األسطورة‪ x‬القبائلية خالل عرش يتني من الزمن عىل األقل عىل كل‬
‫العقول‪ ،‬ولقد استمرت نفس األفكار الجاهزة‪ x،‬المطمئنة تارة والمروعة تارة‬
‫أخرى‪ x،‬بال كلل أو ملل‪ ،‬من قبيل "أن العرب كساىل‪ ،‬خاملون‪ ،‬بطيئون يف قرارة‬
‫أنفسهم‪ ،‬متحجرون‪ ،‬وحالمون‪ ،‬باردون وحزاىن تقريبا‪ ،‬ومتعصبون‪ .‬أما‬
‫ّ‬
‫الرب بري فإنه عامل جدي‪ ،‬يملك روح المبادرة‪ ،‬والحس العميل ‪ ،‬وهو الظاهر‪x...‬‬
‫حريك ‪ ،‬انبسايط وحيوي ومرح‪ ...‬إنه اقتصادي ونزيه ومحب لالطالع وهو يف‬
‫أعماقه قليل التدين"‪.‬‬
‫إن هذه اللوحة المرسومة يف ‪ 1891‬من قبل أحدهم ويدىع يك دي سان إيمور‬
‫يمكن العثور عليها مائة مرة من ‪1871‬اىل ‪ ،1891‬وبعد هذا التاريخ وخالل‬
‫عرش يتني كذلك تقريبا تراجعت األسطورة الرب برية ولكن دون أن تختيف تماما‪.‬‬
‫أما بالنسبة‪ x‬للسياسة القبائلية فما دام النظام المدين قد حكم عىل كل األنظمة‬
‫اإلدارية اليت استخدمها العسكريون‪ ،‬فإنها لم تستطع إن تؤمن لنفسها اال حياة‬
‫قصري ة‪x.‬‬
‫إن التنظيم القبائيل الذي تأسس يف بالد القبائل وحدها بمقاطعة الجزائر‪،‬‬
‫والنظام المختلط الذي كان مطبقا يف منطقة بجاية ‪ ،‬اختفيا عن الوجود‬
‫تدريجيا بعد ‪ .1871‬كما تم التخيل عن نظام انتخاب األمني ماعدا يف المقاطع‬
‫اإلدارية لفورناسيونال اليت لم تعمر طويال ثم البلديات المختلطة لفور‬
‫ناسيونال وجرجرة‪.‬‬
‫ولقد استمر وجود الجماعات القضائية قبل تعويضها بقضاة صلح فرنسيني‬
‫يطبقون العرف القبائيل بعد أن راجعه وصححه هانوتو ولوتورنو‪ x‬ما عدا يف‬
‫الحاالت اليت كان القبائليون يعربون عن تفضيلهم للقانون الفرنيس ‪.‬‬
‫ورسعان ما أصبح قضاة الصلح الذين أدخلوا يف عام ‪ 1874‬إىل بالد القبائل‬
‫ُأ‬
‫الغربية القضاة الوحيدين يف بالد القبائل‪ ،‬فيف ‪ 1890‬لغيت آخر الجماعات‬
‫القضائية وأغلقت آخر محاكم القضاة المسلمني ‪ x،‬ولقد رد القبائليون عىل ذلك‬
‫بطريقتهم الخاصة وذلك برفضهم ولمدة طويلة القضاة الفرنسيني ‪ ،‬كما حدث‬
‫يف المايض فإن الجماعات أو أهل التحكيم غري الرسميني صعدت لهجة‬
‫معارضتها‪.‬‬
‫ومع ذلك فإنه من ‪ 1880‬إىل ‪ 1885‬حاول بعض اإلداريني إعادة إحياء النظام‬
‫القبائيل ‪ ،‬ولقد كانت تجربة سياسة إيجابية كما سميت آنذاك من قبل‬
‫الجمهوريني أتباع غامبيتا‪ ،‬غري أن ماسكري كان تحدث أكرث وبشدة عن لعبة‬
‫سوسيولوجية‪ x‬محفوفة باألخطار‪ ،‬فإذا كان حاكم العمالة والحاكم تري مان قد‬
‫أخفيا هذه المبادرة‪ ،‬فإن رئيس الحكومة جول فري ي لم يكن أبدا عىل علم‬
‫بذلك‪.‬‬
‫ولقد صاحب المبادرة والمحرك الرئييس لهذه السياسة مجرد قاض سابق‬
‫أصبح إداريا يف بلدة مختلطة بتزي ي وزو‪ ،‬وهو كميل صاباتيي ‪.‬‬
‫ّ‬
‫*يقصد الكاتب تمرد محمد الحاج المقراين ‪ ،‬الذي قول المؤرخ شارل أندري جوليات عنه بأنه‬
‫كان يتمتع بسلطة تفوق دون شك سلطة غري ه من كبار القادة الجزائريني ‪ ،‬إذ كان والده قد قدم دعمه‬
‫للمارشال فاليي أثناء مروره بأبواب الحديد وهو ما جلب له صفة خليفة منطقة مجانة‪ ،‬ولم يكن‬
‫الجرن ال ديريو‪ x‬الذي ربطته بالمقراين عالقات طيبة قد حصل منه عىل وعد بعدم " الثورة عىل‬
‫فرنسا" فحسب‪ ،‬بل أكد له المقراين "عهدا قاطعا بأنه سيقف شخصيا ضد كل انتفاضة قد تحدث‪،‬‬
‫ويه االنتفاضة اليت يقول عنها بأنها لن تأيت إال من الجنوب"‪ ،‬وكان قد ذهب إىل حد الرت خيص له‬
‫بتجهزي جيش‪ x‬من الڨوم يف هذا الشأن‪.‬‬

‫أما تمرده فسببه‪ x‬أن االدارة قزمته وحدت من سلطته وصادرت ‪ 5‬آالف هكتار من األرايض اليت‬
‫كان يسيطر عليها‪ ،‬ومنعته من جباية الرض ائب من بايق القبائل‪ .‬وقد رصح آغا تقرت ابن دريس‬
‫لجريدة "األخبار" سنة ‪ 1909‬أي بعد بعد مرور ‪ 38‬سنة عىل القمع الذي شارك فيه أنه علم من‬
‫مصدر عليم ومطلع وهو النقيب أوليفيي أن الفرنسيني هم من دفع بالمقراين إىل االنتفاضة بدافع‬
‫كرههم للنظام المدين ‪.‬‬
‫العلمنة والتنصير‬

‫‪04‬‬
‫ّ‬
‫إن هذا المنظر (صاباتيي ) المحب للرب بر والجمهوري‪ x‬والمعادي للدين والعنيد‬
‫ّ‬
‫أكد أنه " ال وجود للدين لدى سكان القبائل فهم يف الظاهر يمارسون الديانة‬
‫االسالمية‪ ،‬ويف الواقع فإن االنسان القبائيل معاد للدين‪ x...‬إن قوانينه‪ x‬يه النيف‬
‫األكرث شدة لمبادئ االسالم"‪ .‬وبسبب قوته الناجمة عن قناعته بشأن الغريزة‬
‫الديمقراطية للقبائليني الجمهوريني فقد سىع ك‪.‬صاباتيي إىل تحقيق اختالطهم‬
‫مع الشعب الفرنيس وإقامة دستورهم السيايس ‪.‬‬
‫ولقد كانت وسائل عمله غريبة‪ :‬فقد ألىغ دور رئيس القبيلة – أمني األمناء‬
‫السابق‪ -‬ونصب أمناء عىل القرى ممن كانوا أعداء ألداء للرؤساء القداىم‪ ،‬ولقد‬
‫كانت فكرته تكمن يف استثارة روح التعصب (للصف) وتغذية روح البلدية اليت‬
‫تكون يف أثناء المناقشات الحادة للجماعات متنفسا ومهربا لتهور الطابع‬
‫المحيل ‪.‬‬
‫ويف الظاهر فإن سكان القبائل بعد أن تخلصوا من الرؤساء المنصبني بعد‬
‫تراجع االنتفاضة‪ ،‬كان يفرت ض أنهم راضني عن هذا االرتداد المفائج من لدن‬
‫الفرنسيني الذين يصعب فهمهم‪ ،‬وكرث ت الرصاعات بني أطراف الصف‬
‫والنعدام األسلحة فإنهم كانوا يرت اشقون بحجارة القرميد أو المطارق‬
‫الخشبية‪x.‬‬
‫وحاول صاباتيي من جهة أخرى‪ ،‬إصالح بعض لقوانن ( القوانني )المهمة جدا‪،‬‬
‫مثل القوانني ال تحد ّ‬
‫سن زواج البنات أو حق اآلباء يف تزويجهن‪.‬‬ ‫يت‬
‫ولقد حددت القوانني الجديدة اليت اقرت حها صاباتيي سن ‪ 14‬عاما رش عيا لزواج‬
‫المرأة‪ ،‬وأبطل " حق األب" واعترب ت هذه القوانني الرجال الذين يتخلون عن‬
‫نسائهم مدة سنتني مخلوعني ‪.‬‬
‫ولقد عمل صاباتيي عىل أن تقبل المجالس القبائلية بقوانينه المجددة كما‬
‫سماها بتواضع‪ ،‬وكانت هذه المجالس كثري ة جدا أحيانا ‪":‬يبدو أن ‪11.000‬‬
‫قبائيل صوتوا عليه بعد أن طمأنهم القائم باإلدارة أن فرنسا‪ ،‬ومن خالل التعبري‬
‫عن نشاطهم السيايس الباهر‪ ،‬قد بينت لهم أنها نسيت نهائيا أوقات التمرد‬
‫(يقصد الصدام بني المقراين والفرنسيني بعد أن أخذوا منه األرايض )‪.‬‬
‫إن محاولة النهوض هذه بوضعية المرأة القبائلية‪ ،‬اليت لم تكن موفقة عىل‬
‫المستوى‪ x‬السيايس لكونها أهانت الكرامة الذكورية لإلنسان القبائيل ‪ ،‬ربما‬
‫تستحق التنويه بها‪ ،‬لو لم يكن هدفها مبالغا فيه جدا‪ ،‬فلقد أوضح صاباتيي أنه‬
‫"بواسطة‪ x‬النساء يمكننا االستيالء عىل روح شعب ما"‪ ،‬و كان يريد يف الواقع‬
‫التحضري لعملية الفرنسة أو باألحرى‪ x‬الذوبان الطائيف للقبائل‪.‬‬
‫ولذلك فقد أعلن منع الوشم عىل وجه البنات‪ ،‬ألنه يثري نفور األوروبيني ‪ ،‬وفتح‬
‫مدارس لصغار البنات اليتيمات القبائليات‪ ،‬كما طلب صاباتيي من الحاكم‬
‫استصدار مرسوم يسمح للقبائليني بفرنسة أسمائهم وألقابهم العائلية اليت كان‬
‫قد فرضا عليهم قانون مارس ‪ .1882‬ولقد تخىل تري مان يف النهاية عن ذلك‪،‬‬
‫ولعله أدرك ردود األفعال الرافضة من القبائليني الذين سبق لهم أن أرغموا‬
‫عىل قبول اسم آخر‪x.‬‬
‫إن هذه السياسة اليت كانت تهدف بحسب صاباتيي عىل الخصوص إىل تأبيد‬
‫عرقنا من خالل "األرحام الخصبة للفتيات القبائليات" ‪ ،‬أدت كما قال إىل‬
‫ظهور رهيب لألحكام العنرصية العدائية‪ ،‬ولقد ردت عليه صحافة الجزائر‬
‫بقولها "إذا أردنا أن نشكل عرقا خاصا فإننا سوف نجد العنارص االتحاد بني‬
‫يف‬
‫الفرنسيني واالسبان و االيطاليني والمالطيني "‪ ،‬فمع االهايل الذين ليست لهم‬
‫جماجم كجماجمنا فان المسألة كانت مستحيلة‪ ،‬كما كانت الجرائد تسخر من‬
‫صاباتيي المتوهم‪ ،‬والمتشدق المبالغ ‪ ،‬المهرج والشجاع الزائف‪ .‬إن الفائدة‬
‫الوحيدة اليت استحدثتها هذه التجربة اليت كانت تريم إىل التوفيق بني المعمرين‬
‫والقبائليني قد ذهبت أدراج الرياح‪.‬‬

‫لقد اتبع صاباتيي عىل األقل إىل غاية أوائل ‪ 1885‬سياسة اإلدماج المكثفة‪ ،‬اليت‬
‫كانت ترتكز كذلك عىل برنامج العلمنة والتمدرس‪ ،‬ويف الواقع فقد خاض مع‬
‫زميله من بلدية جرجرة‪ x‬المختلطة رينو معركة حقيقية ضد تأثري ات المرابطني‬
‫والطرقية عن طريق منعهم من جمع الترب عات الدينية والغاء المدراس القرآنية‬
‫وإغالق الزوايا‪ ،‬وسىع هذان اإلداريان إىل تسهيل مهمة المدرسة العلمانية‬
‫الفرنسية‪ ،‬وخصوصا مهمة تلك المدارس الوزارية األربع اليت فتحها جول‬
‫فري ي ببالد القبائل وليس أكيدا أن حماسة هذين االداريني يه اليت سهلت‬
‫شعبية المدارس الفرنسية ‪.‬‬
‫كما شجع صاباتيي القبائل عىل التجنس‪ ،‬فيف ظرف ‪ 04‬سنوات‪ ،‬تحصل عىل‬
‫‪ 30‬تجنسا‪ x‬من بني العمال الزراعيني الذين كانوا يذهبون لالشتغال عند معمري‪x‬‬
‫المتيجة‪ ،‬ولم يكن ذلك ليعترب نجاحا كبري ا عىل الرغم من التأكيدات الصاخبة‬
‫اليت أشاعها فيما بعد‪" :‬لو لم يتم خنق حركة التجنس بموجب أمر(؟) لكانت‬
‫بالد القبائل اليوم كلها فرنسية "‪.‬‬
‫ومع ذلك فيف نهاية ‪ 1884‬فإن هذا الرجل الذي كان يملك الحس الصحيف ‪،‬‬
‫قدم للحاكم العام الحصيلة اإليجابية لجهوده تحت العنوان غري المنتظر‪x‬‬
‫(تحرير القرية)‪" :‬إن إفالس االقطاعية األهلية اليت أثرت بصورة ثقيلة عىل‬
‫الديمقراطيني من القبائليني وجعلتهم يشمزئ ون منها‪ ،‬أكسب االدارة المدنية‬
‫بصورة مفاجئة شعبية ومصداقية مكنتاها من جعل العديد من‬
‫االصالحات تحىظ بالقبول‪ ،‬منها ارتفاع عدد المدارس الفرنسية‬
‫وتغيري القوانني وإمكانية استقبال اليتاىم وتأكيد حزب فرنيس ال يرت دد‬
‫أمام التجنس"‪.‬‬
‫ويف الحقيقة‪ ،‬لم يكن من شأن هذه التجربة المترسعة وغري الموفقة‬
‫إال اإلخفاق فقد لزم عىل تري مان بعد أن استهزأ منه المعمرون أن‬
‫يضيح بصورة رسيعة لدي سقوط حكومة فري ي باإلداري الجريء‬
‫لديه (صاباتيي )‪.‬‬
‫ولقد كان الترب ير المذكور هو مشاجرة خطري ة حدثت بني القبائل‬
‫(الصف) المتنافسني أثناء انتخابات أمني بفورناسيونال‪ ،‬ولقد "سلمت‬
‫اإلدارة أمرها لعائلة مونتيغوس وعائلة كابويل "‪ ،‬كما رصح بذلك الوزير‬
‫األول زيس ( كناية عن عائليت روميو وجولييت المتناحرتني –‬
‫المرت جم) ولقد طالبت الصحافة بإلحاح بتغيري المناهج‪ ،‬ويف النهاية‬
‫صوت مجلس الحكومة ضد مبدأ االنتخابات وحىت ضد الحفاظ عىل‬
‫منصب أمني القرية‪.‬‬
‫وهكذا ألىغ قرار صادر يف ‪ 20‬ديسمرب ‪ 1887‬منصب األمني والضامن‬
‫ورؤساء الخروبات ( مجموعة األرس يف قرية واحدة )‪ .‬إن هذا اإللغاء‬
‫قرار‬ ‫صدر‬ ‫فقد‬ ‫يدوم‬ ‫أن‬ ‫له‬ ‫يكن‬ ‫لم‬ ‫غري المرت وي لوسطاء رض وريني‬
‫يف‬
‫‪ 23‬مارس‪ 1889‬استحدث منصب وكالء يعينهم المحافظ لكنهم ال‬
‫يتلقون أجرا‪ ،‬ومن ثم أصبح من الصعب العثور عىل مرشحني صالحني‬
‫لشغل هذه المناصب الخاصة بموظفني مسؤولني ومتطوعني ‪ ،‬وبذلك‬
‫حل عدم التماسك االداري محل السياسة المضطربة لمحيب أهل‬
‫القبائل‪.‬‬
‫كما تم استشفاف السياسة القبائلية يف مجال آخر من الرفض الذي‬
‫لحق بكل من صاباتيي وتري مان‪ ،‬ولقد أعيد النظر يف ‪ 1886‬يف‬
‫رش‬ ‫رض‬
‫االمتيازات ال يبية الممنوحة لسكان القبائل اليت كان قد ع يف‬
‫تطبيقها يف ‪ 1883‬عن طريق توسيع الرخص وفرض الرض يبة عىل‬
‫الملكية المبنية‪ ،‬كما تم رفع الالزمة القبائلية بصورة مفاجئة‪.‬‬
‫وجرى هذا التعديل عىل حساب األشخاص األكرث غىن الذين رسعان ما‬
‫عرب وا عن عدم رضاهم بصورة صاخبة أمام وزير كان يقوم بزيارة‪،‬‬
‫ونتيجة ذلك قررت اإلدارة الجزائرية أن يحافظ أهل القبائل عىل‬
‫نظامهم الرض ييب األقل وطأ من النظام الرض ييب المفروض عىل العرب‪.‬‬
‫ولقد رش حت اإلدارة أسباب ذلك للنائب بوردو ّ‬
‫مقرر المزي انية‬
‫الجزائرية لعام ‪ ،1891‬فنقلها هذا األخري بكل سذاجة ‪" :‬من حسن‬
‫التدب أن يحافظ القبائل عىل نظام رض ي عىل حدة ‪ ،‬وأن يبىق‬
‫يب‬ ‫ري‬
‫العنرصان (العريب والقبائيل ) متمايزين قدر المستطاع وأن يكونا أقل‬
‫استعدادا من المايض ويف أسوأ صورة لتبادل الدعم يف حالة‬
‫االضطرابات"‪.‬‬

‫(‪)05‬‬
‫كما بذلت اإلدارة جهدا جهيدا لتفضيل اللهجات الرب برية عىل حساب‬
‫اللغة العربية‪ ،‬فمنذ ‪ 1882‬استحدثت منح دراسية معترب ة يف صالح‬
‫ّ‬
‫الموظفني الفرنسيني لتعلم القبائلية‪.‬‬
‫ثم أنئش يف ‪ 1885‬بمدرسة اآلداب بالجزائر كريس للهجات الرب برية‪،‬‬
‫أسند إىل واحد من األعيان محب لفرنسا وهو يس الهاشيم بن يس‬
‫لونيس‪ ،‬ولقد كانت دراسة هذه المادة تتوج بتسليم شهادة للغة‬
‫القبائلية يرت تب عليها تسليم منحة سنوية قدرها ‪ 300‬فرنك‪ ،‬وتسليم‬
‫شهادة بمستوى أعىل موجبة لمنحة قدرها ‪ 500‬فرنك‪ ،‬غري أن هذه‬
‫المجهودات لم تتوج أبدا بالنجاح وما فئت تعليم اللهجة القبائلية‬
‫الرسيم ‪-‬أو بتعبري أفضل اللهجة الزواوية‪ -‬أن اندثر‪.‬‬
‫أما بالنسبة لسياسة الفرنسة المتخلصة من مبالغات صاباتيي ‪ ،‬فإنها لم‬
‫تعرف االنقطاع‪ ،‬فلقد تواصلت إعادة تغيري أسماء القرى القبائلية‬
‫المستعمرة‪ ،‬حيث صارت عني الحمام تسىم ميشيل ‪ ،‬وبوعدة تسىم‬
‫ديانوس‪ ،‬وذراع بن خدة تسىم مري ابو‪ ،‬وعني الزواية تسىم بري ات‬
‫الخ ‪ ...‬كما استمرت إرادة فرض العلمنة اليت ترتبت عليها المراقبة‬
‫المزعجة آلخر الزوايا‪.‬‬
‫ّ‬
‫كان البد لسياسة اإلدماج أن تستمر عن طريق المدرسة الفرنسية‪،‬‬
‫عىل الخصوص ويه الفكرة الكرب ى لدى المتعاطفني مع القبائل عىل‬
‫الرغم من رد فعل المعمرين ضد المدرسة المكلفة والمحررة‪ ،‬وكان‬
‫عىل المعلم أن يصبح هو " الفاتح لبالد القبائل "‪.‬‬
‫وبشأن هذه المسألة‪ ،‬فإن إرادة فرنسا ( المرت وبول) لم ترت اجع أمام‬
‫اعرت اضات المعمرين وتم االستمرار يف تنفيذ التجربة‪.‬‬
‫لقد أصبح الحامل األكرب للواء السياسة القبائلية صاباتيي نائبا راديكاليا‬
‫يف ‪ ،1885‬وذلك دون شك بفضل دعم الحاكم تري مان الذي عمل عىل‬
‫انتخابه يف دائرة تلمسان وسيدي بلعباس اليت كانت تعترب آنذاك بلدة‬
‫فاسدة حقا بفضل األصوات اليهودية اليت جمعها سيمون قنوي‪.‬‬
‫وقدم صاباتيي مقرر مزي انية الجزائر مقرت ح قانون يف ‪ 12‬يوليو ‪1889‬‬
‫كان مرش وعا كامال لدستور جزائري‪ ،‬ولقد أراد أن يؤسس يف الجزائر‬
‫مجلسا استعماريا يضم مجلسني أهليني استشاريني ؛ يتألف أحدهما من‬
‫العرب واآلخر من القبائل‪.‬‬
‫وكان يتم انتخاب مندو أهل القبائل الديمقراطيني بينما يتم تعيني‬
‫يب‬
‫المندوبني العرب لتجنب تعزيز األرستقراطية العربية بواسطة‬
‫االنتخاب (يرىج الرت كزي عىل هذه النقطة)‪ ،‬ولقد أوضح صاباتيي بأنه‬
‫كان رض وريا أن يعىط لكل واحد من شعيب الجزائر تمثيال متمزي ا ليك ال‬
‫ىت‬
‫يتعود الطرف الواحد عىل االتصال باآلخر وح ال يجمعا ممثليهما يف‬
‫نفس المجلس تحت رئاسة رئيس مشرت ك‪.‬‬
‫ولم يؤخذ هذا المرش وع الدستوري بعني االعتبار يف ‪ 1889‬كما لم ينل‬
‫إعجاب جول فري ي الذي رش ح له صاباتيي يف ‪ 1891‬سياسته بشأن‬
‫التفرقة االمرب اطورية ‪ :‬فرق تسد ؟ ولم ال؟ ولماذا ال يتم اتقاء وحدة ال‬
‫يمكن أن تكون إال ضد فرنسا؟‬
‫غري أن صاباتيي ما لبث أن حقق انتقاما باهرا يف سنة ‪ 1898‬عندما‬
‫نجح يف فرض نظامه تحت عنوان المندوبيات المالية‪ .‬إذن فالسياسة‬
‫اليت دعمها حجم األسطورة القبائلية الكبري واستلهمت هذه‬
‫األسطورة‪ ،‬بقيت مستمرة رغم كبح جماحها بعد ‪.1885‬‬

‫(‪)06‬‬
‫األسطورة والسياسة القبائليتني من ‪ 1892‬اىل ‪1914‬‬
‫لقد تراجعت األسطورة القبائلية رغم ذلك بعد ‪ ،1891‬يف الوقت‬
‫نفسه الذي تراجع فيه الحلم اإلدمايج ‪ ،‬ولم يرت دد الرأي العام‬
‫االستعماري يف الحكم عىل تجربة االندماج المزرية‪" ،‬إنها مضيعة‬
‫للوقت والمال " كما رصح بذلك رئيس بلدية وهران أمام لجنة مجلس‬
‫الشيوخ‪.‬‬
‫كما كتب أ‪ .‬شارتريو يف مؤلفه دراسات جزائرية ( ‪" )1893‬يوجد وهم‬
‫يجب القضاء عليه"‪ ،‬وهو كتاب كان قد حرر مقدمته نائب عن مدينة‬
‫الجزائر‪ ،‬إن هذا الوهم هو الذي أفرز التميزي المزعوم بني العرب‬
‫والقبائل‪.‬‬
‫وبعد أن سخر من أولئك الذين تحدثوا عن " قوم السلت يف بالد‬
‫القبائل" أو الذين احتفوا باآلثار الجافة المنمقة بشكل مبالغ فيه باسم‬
‫المؤسسات الديمقراطية‪ ،‬خلص مؤلف هذا الكتاب إىل أنه ال يمكن أن‬
‫نضع الثقة ال فيالرب بر وال يف العرب‪.‬‬
‫وما أكرث أولئك الذين كانوا يخشون يف الجزائر بأن فرنسا من فرط‬
‫اهتمامها بالقبائليني فإنها سوف تنتيه إىل " االيحاء للشعب الرب بري‬
‫بويع تارييخ "‪ ،‬كما كتب ذلك ف‪.‬ديسوليي ‪" :‬أن ال يش ء يمنعهم حينئذ‬
‫من رمينا يف البحر"‪ ،‬بل أن بعض الصحافيني تجرأ؛ عىل غرار‬
‫المستشار العام ماريو فيفاريز عىل التنديد باألسطورة القبائلية‪:‬‬
‫"يجب التخلص من الخصال المزيفة لهذا الجبيل الجشع‪ ،‬الذي ال‬
‫شجاعة له وال أخالق‪ ،‬معدوم الجمال والكرامة‪ ،‬إنه حثالة برش ية لكل‬
‫الغزوات‪ ،‬لجأ مثل الحيوانات المتوحشة إىل قمم الجبال المتعذر‬
‫بلوغها‪ ،‬وعندما لم يجد هناك انشغاال آخر غر المرأة‪ ،‬فإنه تكاثر تكاثر‬
‫الفصائل الحيوانية الضارة"‪.‬‬
‫ّ‬
‫للمعمرين كانوا خصوصا يف حدود سنة ‪،1865‬‬ ‫إن أهل القبائل بالنسبة‬
‫عبارة عن باعة جوالني أو مرابني أو لصوصا خطرين‪ ،‬وأن األعمال‬
‫الضارة اليت قامت بها جماعات عبدون أو أرزيق كانت تلصق بالعرق‬
‫بأكمله‪.‬‬
‫ولم يعد القبائليون " متوحشني طيبني " بل أهايل مزعجني وجري انا‬
‫مخيفني ‪ ،‬وكانت صحف الجزائر قد طالبت يف ‪ 1898‬بطرد ‪40.000‬‬
‫قبائيل لم يجدوا وسيلة عيش فرت اكموا يف القصبة‪.‬‬
‫ولقد نصح بعض المنظرين االستعماريني من المتأثرين بالرأي العام‬
‫الجزائري أال يكون االعتماد الحقا عىل القبائليني الذين لم يمكن أي‬
‫يش ء إىل اآلن من التحالف معهم‪" :‬إن اإلنسان القبائيل واإلنسان العريب‬
‫هما من فصيلة الذئب الذي يبدو منقادا وال سبيل إىل تدجينه أبدا"‪.‬‬
‫إن إدماج القبائل الذي ال يقبل مخهم الصغري استيعاب كل األفكار‬
‫الحديثة‪ ،‬وهو عبارة عن وهم يجب التخيل عنه نهائيا حسب لويس‬
‫فينيون يف كتابه " فرنسا يف الجزائر‪ ."1893‬كما أن جول فري ي بعد‬
‫قيامه بتحقيق يف الجزائر حكم عىل روح النظام الذي يقول به محبو‬
‫القبائل ولم يخف تخوفه من السياسة الرب برية‪.‬‬
‫ولقد اعرت ف جول كامبون يف ‪ 21‬فرب اير ‪ 1895‬أمام الرب لمان بأنه ال‬
‫يوافق عىل هذا النوع من الحكم المسبق الذي يتمثل يف التميزي بصورة‬
‫جوهرية بني القبائل والعرب‪ ،‬وزيادة عىل ذلك فإنه أبدى كل التحفظ‬
‫عىل هذه الفكرة الجاهزة بأن القبائيل أكرث قابلية لإلدماج من العريب ‪.‬‬

‫وعىل الرغم من أن غالبية ذوي العقول النري ة اتفقت عىل أن "السيع‬


‫إىل الفصل بني هاتني الفئتني من السكان بصورة تجعل منهما وحدتني‬
‫متعارضتني يه محاولة وهمية من دون شك "(ش‪ .‬روسل)‪ ،‬إال أن‬
‫البطل الكبري يف مجال السياسة القبائلية صاباتيي نجح بصورة غري‬
‫مقنعة يف جعل بعض أفكاره تعرف طريقها نحو النرص‪.‬‬

‫إن صاباتيي النائب الراديكايل السابق الذي لم يجدد انتخابه‪ ،‬أصبح يف‬
‫‪ 1898‬أحد المستشارين السياسيني األساسيني للحاكم العام الفري يار‪،‬‬
‫بعد تعيينه من قبل الوزير الراديكايل بريزون‪.‬‬
‫ولقد كان هو من أقنع الحاكم العام الجديد بأن يطبق يف الجزائر سياسة‬
‫األعراق اليت ابتدعها غالييين "إذا كانت هناك عادات وأعراف يجب‬
‫التوفيق‬ ‫يجب‬ ‫وخالفات‬ ‫كراهيات‬ ‫كذلك‬ ‫توجد‬ ‫فإنه‬ ‫امها‪،‬‬ ‫احرت‬
‫يف‬
‫كشفها واستخدامها لصالحنا بمعارضة هذه بتلك ‪ ،‬من خالل ارتكازنا‬
‫عىل هؤالء للتغلب األفضل عىل أولئك" (‪22‬مايو‪.)1898‬‬
‫(‪)07‬‬

‫تفضيل القبائل على العرب في المندوبيات‪#‬‬

‫كما أن رجل القانون الفريار‪ ،‬عكف فعال يف ‪ 23‬أوت ‪ 1898‬يف‬


‫المندوبات المالية عىل إنشاء مندوبية قبائلية ومندوبية عربية‪ ،‬غري أنه‬
‫برر هذا التمثيل غري المنتظر بالقول بوجوب ضمان التعبري الحر‬
‫للعنرصين الكبري ين الخاضعني لنا‪.‬‬
‫ولقد كان القبائليون من المفضلني إىل حد ما‪ :‬فيف حني قدر عددهم‬
‫بحوايل ‪ ،700.000‬كان لهم الحق يف ‪ 06‬مندوبني بيد أن العرب كان‬
‫لهم ‪ 15‬مندوبا لتمثيل ‪ 03‬ماليني و‪ 300‬ألف نسمة‪.‬‬
‫ولقد كان من نصيب ديمقراطيي جرجرة وحدهم ‪ 04‬مندوبني ووجدوا‬
‫أنفسهم مزودين بنظام انتخايب بال كان قد ابتدعه صاباتيي ‪ ،‬ولقد وجب‬
‫أن ينتخب الممثلون الماليون من قبل شيوخ الجماعات المسماة‬
‫خروبة‪.‬‬
‫هذا يف حني أن هذه الخلية األساسية للحياة القبائلية التقليدية لم تعد‬
‫حقيقة اجتماعية وسياسية حية يف نهاية القرن التاسع عرش ‪ ،‬ويف دائرة‬
‫بجاية لم يكن شيوخ الخروبات أو الضامنني معروفني قط‪ ،‬ومن ثم فإن‬
‫إدارة المحافظة وبدال من تحفزي انتخاب الضامنني أو التوجه لشيوخ‬
‫القرى‪ ،‬اكتفت بتعيني الضامنني بوصفهم ناخبني معينني من قبل‬
‫اإلداريني بتعيني المساعدين األهايل وعددهم ‪ 93‬يف القبائل الصغرى‪.‬‬
‫وهكذا رسعان ما أخذت النوايا الديمقراطية لألخرق صاباتيي منعرجا‬
‫آخر‪ ،‬وحىت عدد ‪ 3000‬ناخب قبائيل كانت تعينهم اإلدارة‪ .‬إن‬
‫االستقبال الذي خص به هذا التمثيل المزدوج لألهايل يبني أن التضاد‬
‫التقليدي بني العريب والرب بري كان وما يزال يحتفظ بقوة كبري ة لدى‬
‫الرأي العام ‪.‬‬
‫ولقد رش حت جريدة الوقت (لوتون) األخرى‪" :‬إن الحكمة األكرث‬
‫يه‬
‫بدائية تميل علينا الحفاظ عىل االختالفات اليت تفصل القبائل عن‬
‫األها اآلخرين وإذكائها‪ .‬وليس ذلك ألنه كلما كان الشعب مفرقا أكرث‬
‫يل‬
‫رث‬
‫كلما سهل التحكم فيه أك فحسب‪ ،‬بل كذلك ألن القبائل يملكون‬
‫مزي ات خاصة ينبيغ أن تجعل منهم أتباعا ال غىن عنهم لالستعمار"‪.‬‬
‫ويف نرش ة (لو بولتان دو كومييت دو الفريك فرنساز) فان لوروا‪-‬بوليو‬
‫الذي ظل متأكدا من أن "اإلنسان القبائيل شأنه شأن األورويب ‪ ،‬يتقن‬
‫ني‬
‫العمل‪ ،‬ويمارس االدخار‪ ،‬ويؤمن بالتقدم‪ ،‬ويحكم بالقوان المدنية اليت‬
‫ليست فيها تبعية واسعة للقوانني الدينية" كتب يقول‪ " :‬لقد قمنا‬
‫بتفرقة المندوبني األهلني المسلمني بصورة حكيمة جدا"‪.‬‬
‫إذا لم يكن قد حدث يف الجزائر رد فعل حاد تجاه إنشاء تمثيل األهايل ‪،‬‬
‫فان ذلك مرده بال شك إىل وجود إعجاب بالسياسة الميكافيلية يف‬
‫التفرقة هذه‪ ،‬ويك المرء حىت يقتنع بذلك قراءة تلميحات الرب لمانني‬
‫يف‬
‫(الجزائريني ) المستمرة بشأن العرقني والسكان القداىم األصليني الذين‬
‫جردهم العرب من أمالكهم والتقدم الديمقرايط للرب بر‪ ،‬العرق الشغيل‬
‫الذي يتطور‪.‬‬
‫ولقد تم الرت ويج لتصورات جديدة تقول بأن القبائليني هم الشعب‬
‫األكرث خصوبة يف األرض‪ ،‬وأن الشعب العريب ظل متوقفا عن النمو‬
‫(أومتناقصا)‪ ،‬وأن الجزائر بصدد الترب بر‪.‬‬
‫(‪)08‬‬

‫أغلب القبائل كانوا يعتبرون‪ #‬وصفهم‪ #‬بأنهم قبائل شتيمة‬

‫ولقد ذهب األوروبيون الذين عملوا عىل توعية الرب بر بأصولهم يف‬
‫االتجاه المعاكس لمشاعر الكثري ين منهم‪ ،‬فبحسب التقاليد القبائلية‪،‬‬
‫فإن أصل الرب بر يعود إىل فلسطني إال فيما يخص ثالث قبائل منهم‬
‫تكون قد جاءت من بالد فارس‪ ،‬ولقد أراد الكثري من القبائل أن يكونوا‬
‫حىت من أصل عريب ‪ ،‬ويف المناطق الناطقة بالعربية " كان أغلبيتهم‬
‫يرون يف اعتبارهم قبائل سبابا خطري ا "‪ ،‬كما كتب ذلك يف ‪1911‬‬
‫مركب النقص القديم تجاه الناطقني‬ ‫ّ‬
‫مسؤول اإلدارة بالقل‪ ،‬غري أن‬
‫بالعربية كان كافيا للقيام بدور مماثل حىت يف جرجرة أو يف بالد‬
‫الشاوية‪ ،‬ولقد كان كل بربري ثري يعمل عىل أن يجد لنفسه نسبا‬
‫عربيا‪ :‬فلقد ّادىع السيد جوردان المغرب أنه سليل الفاتحني‬
‫يف‬
‫العرب‪ ،‬وأنه من بين مهل‪.‬‬
‫غري أن األعيان ورؤساء القبائل‪ ،‬ومن ثم المندوبني الماليني القبائليني ‪،‬‬
‫فهموا شيئا فشيئا االمتياز الذي منحهم إياه الفرنسيون والدور الذين‬
‫يريدون منهم أن يقوموا به‪ ،‬وقد استخلصوا العرب ة من ذلك التعريف‬
‫بمطالبهم وتظلماتهم النفعية‪:‬‬
‫اسرت جاع جزء عىل األقل من أموال األوقاف لمساجد وزوايا بالد‬
‫القبائل‪،‬‬
‫وتخصيص عائدات أموال المشمل المجتباة لفائدة المزي انية البلدية‬
‫للقرية المعنية دون سواها ‪،‬‬
‫ودفع مرتبات لألمناء والضامنني ‪.‬‬
‫إن بعض هذه المطالب ما فتئت تؤثر رغم ذلك يف المشاع‪ ،‬وعندما قام‬
‫المندوبون القبائل بإظهار درجة فقر بلدهم المكتظ بالسكان فإنهم‬
‫كانوا يطلبون ( بال جدوى ) مساعدة فرنسا من إجل إنشاء قرى جديدة‬
‫يكون لها موقع أحسن أو من أجل تكوين يد عاملة أكرث ذات كفاءة‪.‬‬
‫كان صابات هو الوحيد أو يكاد يكون الوحيد‪ ،‬من ضمن األوروبيني‬
‫يي‬
‫الذي كان يدافع عن قبائلييه وكان ينصح بعدم الشح يف الوسائل‪ :‬إذ كان‬
‫البد من تغيري مواقع قراهم أو تحديثها‪ ،‬وتمدرس أطفالهم بصورة‬
‫جماعية وتحضري االختالط مع هؤالء األوفري نيني الجزائرين‪ ،‬القريبني‬
‫من الفرنسيني ‪.‬‬
‫كما قال مدافعا بصورة لبقة‪" :‬إنه كلما كانت سياسة ما مطابقة لمصالح‬
‫المحتل كلما كانت سخية أكرث مع المهزوم" ولكنه مع ذلك كان واعيا‬
‫بأن ال حياة لمن ينادي‪.‬‬

‫(‪)09‬‬

‫التالعب الفرنسي باالمتيازات‪ :‬خذ وهات‬


‫ويف الواقع أن أهل القبائل لم ينالوا إال عىل بعض الرت ضيات التافهة‪،‬‬
‫فيف شهر أوت ‪ 1899‬مثال عرف رئيس الوفد القبائيل آيت مهدي‬
‫ّ‬
‫المتجولني الذين‬ ‫كيف يقنع الفري يار برض ورة التساهل مع التجار‬
‫صري ت اإلدارة حياتهم جحيما‪ ،‬إذ أن رخصة التنقل اليت كانت تمنح‬
‫لهم يف عهد العسكريني لمدة خمس سنوات صار يجب أن تتجدد كل‬
‫ثالثة أشهر‪.‬‬
‫ولقد تمت الموافقة آليت مهدي عىل أن ترفع مدة صالحيتها إىل سنة‬
‫بالنسبة ألولئك الذين يدفعون الرض يبة‪ ،‬وفيما يخص الرض ائب فإن‬
‫المندوبني من القبائل عملوا عىل أن يكونوا ّلينني من أجل الحفاظ عىل‬
‫ّ‬
‫المطبق عىل‬ ‫نظامهم الرض ييب الذي كان بال ريب أقل وطأة من النظام‬
‫ّ‬
‫العرب‪ ،‬غري أنهم دافعوا بدون جدوى من أجل إدماج الالزمة الثابتة‬
‫المطبقة يف الدوائر القديمة لبجاية وأقبو ويف األوراس والالزمة‬
‫الخاصة ببالد القبائل الصغرى‪ ،‬واللتان كانتا رض يبتا توزيع يف الالزمة‬
‫المحصلة يف بالد القبائل الكرب ى‪ ،‬واليت يه رض يبة نصاب وتحديد‪.‬‬
‫ولقد كانوا يرجون من وراء ذلك عدالة أكرب بني المكلفني بالرض يبة‬
‫القاطنني بالقبائل المجاورة‪ ،‬عىل وجه حق ألنه حسب قول أحد‬
‫اإلداريني المشتغلني بنفس المنطقة من القبائل الصغرى‪ ،‬فإن (سكان‬
‫بين تزي ي أو كنديرة يدفعون ‪ 506‬بالمئة أكرث من سكان بين عوييس ) ثم‬
‫صار المندوبون األكرث جسارة يتحدثون عن المساواة الرض يبية مع‬
‫األوروبيني ‪x...‬‬
‫كما ألهمت السياسة القبائلية بعض الحركات المتناقضة فيما يخص‬
‫االجتهاد القضايئ والقانون‪ ،‬فإذا كان الفقه الرسيم يدعو إىل المحافظة‬
‫الصارمة عىل األعراف القبائلية‪ ،‬فإن القضاء كان يصدر أحكاما بصورة‬
‫تعارض ذلك أحيانا‪.‬‬
‫إن أهل القبائل المتفتحني أنفسهم الذين أصبحوا ال يعرت فون باألعراف‬
‫الهمجية اليت سجلها أو أعاد صياغتها هانوتو ولوتورنو طالبوا برض ورة‬
‫إلغائها‪ ،‬وهكذا تم يف ‪ 1903‬إلغاء قانون وضع األرامل تحت وصاية‬
‫الزوج المتويف وخالفا لذلك فإن القضاء الفرنيس لم يتوصل إىل‬
‫تخفيض معدل " الفدي" اىل مستوى مبلغ الصداق (الفدي عبارة عن‬
‫مبلغ مايل يجب عىل المرأة المطلقة دفعه للزوج ليك يرجع لها‬
‫'الثمامت' أو الصداق المقدم لها إلبرام عقد الزواج)‪.‬‬
‫وكان الرش ف الذكوري يتطلب تمكني الرجال من الحصول عىل مبلغ‬
‫أعىل بكثري ‪ ،‬وهو ما كان يحرم النساء غالبا من الزواج مرة أخرى‪ ،‬ويف‬
‫‪ 1902‬حصلت اإلدارة عىل الموافقة عىل مرسوم يضبط نظام الكفالة‬
‫الخاصة بالقرص وذلك بإحالل قايض الصلح محل "الثاجمعات"‬
‫رش‬ ‫ني‬
‫(الجماعة) فيما يخص تعي مجلس األرسة‪ ،‬ومراقبة الويل ال يع‬
‫الذي كانت تمنع عليه حيازة االموال العائدة اليت تكون يف ذمة القارص‪.‬‬
‫إن هذا اإلصالح المفيد شجع المندوبني القبائليني الذين طالب‬
‫بعضهم بمراجعة القانون وطالب بعضهم اآلخر بتطبيق األحكام‬
‫القرآنية‪ ،‬ولو طبقت هذه المطالب لفقدت كل السياسة الرب برية‬
‫مرب راتها‪.‬‬
‫ولقد كان الجواب إذن هو أن فرنسا ال وعدت باحرت ام القوانني‬
‫يت‬
‫واألعراف تمتنع عن المساس بها واستمر القضاة الفرنسيون يف تطبيق‬
‫األحكام التقليدية المتضمنة يف كتاب هانوتو الذي يسميه البعض "‬
‫القانون الرب بري"‪.‬‬
‫ولقد اتهم الشباب الجزائري حينذاك اإلدارة بكونها أرادت من خالل‬
‫تجميد العرف يف الحالة اليت كان عليها يف ‪ 1830‬أن تحرص المجتمع‬
‫القبائيل يف وضع قانوين متخلف‪ ،‬ويف الواقع فإن إدارة الشؤون األهلية‬
‫تمسكت بفكرتها التقليدية ويه ‪ :‬أن أي مساس بالقانون القبائيل القديم‬
‫من شأنه توسيع رقعة التعريب وذلك بتطور األحكام القرآنية‪.‬‬
‫كانت اإلدارة تعمل دائما عىل التقدم يف عمل فرنسة بالد القبائل‪،‬‬
‫لذلك تقرر يف ‪ 1906‬إلزام القضاة – الموثقني الذين يشتغلون ببالد‬
‫القبائل أن يحرروا عقودهم بالفرنسية وليس بالعربية‪ ،‬وأخفقت‬
‫المحاولة األوىل‪ 2.3 :‬بالمئة من العقود فقد كتبت بالفرنسية من قبل‬
‫خمسة موثقني اختري وا لمبارش ة هذه التجربة‪ ،‬ولقد جرت محاولة‬
‫أخرى معممة يف ‪ :1911‬حيث لم يقبل إال قاض واحد الصياغة بلغة‬
‫فرنسية سليمة أما اآلخرون فكانوا يتعمدون ارتكاب األخطاء‪ .‬ولقد تم‬
‫هجران مكتب القا األكرث مجاملة مع الفرنسيني من قبل القبائليني‬
‫يض‬
‫الذين كانوا يتوجهون إىل أولئك القضاة الذين يحررون بالعربية‪،‬‬
‫وقامت ال‘دارة بتجربة محاولة أخري ة فاشلة يف ‪ ،1927‬وكان الترب ير‬
‫هو نفسه دائما‪ :‬لقد أصبحت اللغة الفرنسية أكرث انتشارا من اللغة‬
‫العربية يف بالد القبائل ‪.‬‬
‫والحال أن تقارير اإلداريني المحليني كانت تشري إىل العكس من ذلك‬
‫إذ أنه بالرغم من كل االحتياطات المتخذة حيث كان منع تعليم اللغة‬
‫العربية يف المدارس الفرنسية ببالد القبائل هو اإلجراء األسايس ‪ ،‬إال أن‬
‫اللغة العربية كانت يف تطور‪.‬‬
‫ولقد تأثرت بذلك إدارة الحكومة العامة وأمرت يف ‪ 1910‬بإجراء‬
‫تحقيق مجمل بها فيه الكفاية عن انتشار الرب برية يف الجزائر‪...‬‬
‫لقد قدر هذا التحقيق الذي نرش يف ‪ 1913‬من قبل الرب وفيسورين‬
‫دويت وأ‪.‬ف‪.‬غوتيي عىل أساس إحصاء ‪ 1906‬عدد الناطقني بالرب برية‬
‫عىل اختالفهم يف حدود ‪ 1.242.686‬بالنسبة لشمال الجزائر أي ‪29.3‬‬
‫بالمئة من مجموع سكان األهايل ‪ ،‬والحال أن بروفيسوري الجزائر أرادا‬
‫مقارنة هذه النتائج بالنتائج المغلوطة اليت قدمها هانوتو يف ‪(1859‬‬
‫‪ 855.000‬وخفضت إىل ‪ )801.000‬وبالنسبة للسكان المسلمني الذين‬
‫قدروا عىل وجه التقريب بعدد ‪ 2.500.000‬نسمة فإنه حدد إذن‬
‫السكان الناطقني بالرب برية بنسبة ‪ 32‬بالمئة يف ‪.1859‬‬
‫ولقد كانت نتيجتها المرت كزة عىل هذه األرقام المشكوك فيها حازمة‬
‫جدا‪ ،‬لم يكن تقهقر الرب برية عىل ما يبدو يف مثل ما امكن ان يتصوراه ‪،‬‬
‫ولقد نىف متخصصون اخرون يف المجال الرب بري الحقا ‪ ،‬بعد اجراء‬
‫تحقيقات محلية دقيقة حقيقية التقهقر من‪ 1860‬اىل ‪.1910‬‬
‫ومهما يكن فان التحقيق كشف عىل الخصوص النسبة الكبري ة‬
‫لمزدويج اللغة (‪ 55.6‬بالمئة من مجموع السكان ) وربما كانت هذه‬
‫الظاهرة الجديدة يه االهم ‪ :‬منذ ‪ 25‬سنة تقريبا كان هناك اشارة اىل‬
‫ني‬
‫انتشار العربية كلغة مستعملة عادة لدي الناطق بالرب برية ‪ ،‬وتايت‬
‫اللهجات الرب برية يف العديد من المناطق يف مستوى اللهجات العالمية‬
‫اليت ال تستعمل بصورة صارمة اال داخل البيوت ‪،‬ولقد صارت العربية‬
‫لغة المعامالت االقتصادية ( لغة المبادالت التجارية يف االسواق ) اللغة‬
‫الرض ورية للتجار المتجولني المهاجرين والعمال الزارعيني ‪ ،‬ويف سبيل‬
‫ضمان رزقه كما اكد االداريون فان القبائيل كان ال بد له من الحديث‬
‫بالعربية وفهم الفرنسية قليال‪.‬ولذلك فان المناطق المفتوحة كانت‬
‫تتعرب برسعة ‪ " :‬اذ يف جوار السكة الحديدة كانت الرب برية تتالىش "‪.‬‬
‫كذلك كان هناك حديث بان الرب برية كانت تتقهقر قليال يف االوراس‬
‫وكثري ا يف بالد القبائل ‪ ،‬ولقد ظهر ان هذه النتائج كانت مرهقة بالنسبة‬
‫لالدارة اليت اقرت ان الرب برية تتجه نحو الزوال يف الجزائر لتحل محلها‬
‫اللغة العربية ‪.‬‬
‫ويف المقابل لم يكن لهذه النتائج اي مفعول عىل كليشيهات االسطورة‬
‫القبائلية ‪ ،‬بل وازدهرت هذه النتائج المحتشمة بفرنسا يف مؤلفات‬
‫النقيب بييك اليت كتبها ب‪.‬لوك والنقيب لوغالي وخصوصا مع ما كان‬
‫يعتقد انه معروف عن السياسة الممارسة يف المغرب ‪ ،‬ولقد اتهم‬
‫رجال اليسار الزن عة المحافظة اليت كانت عليها ادارة الشؤون االهلية‬
‫بالجزائر الميالة اكرث اىل ان ترى يف القبائليني اناسا قابلني لالدماج بكل‬
‫سهولة ‪ ،‬وبربرا ال يتغري ون ‪.‬‬
‫ويف مدينة الجزائر وعىل العكس من ذلك فان حب الرب بر كان يصنفه‬
‫احد المديرين الفرعيني يف مصلحة الشؤون االهلية ضمن امراض‬
‫الفكر السيايس الفرنيس االخرى‪ .‬ولقد ذهب رجل قانون جزائري من‬
‫مدينة الجزائر ‪،‬ف‪.‬سيسيل يف كتابه " بحث يف السياسة الواجب‬
‫ني‬ ‫ني‬
‫اتباعها تجاه االهايل المسلم الجزائري ‪ 1913‬اىل ابعد من ذلك يف‬
‫تنديده باالخطاء الفادحة ليك ينصح بتويخ سياسة احتالل صارمة ‪،‬‬
‫فالنسبة اليه فان الجزائر المسلمة كانت تؤلف كتلة ولم يكن الرب بر‬
‫اكرث قربا اىل فرنسا من العرب ‪ ،‬بل فقد ركز الكاتب عىل عكس ذلك‬
‫عىل نزعة الجموح لالستقاللية اليت تحدو القبائليني الذين كانوا‬
‫ينتظرون الحرب المقدسة ( الجهاد) من اجل دحر الهيمنة اليت ليسوا‬
‫منضوين تحتها بصورة صادقة ‪ ،‬وكتب رئيس ديوان ليتو أ‪ .‬ديبون‬
‫قائال‪ ":‬ان االنسان القبائيل هو المواطن االصيل منذ عرص ماسينيسا‪،‬‬
‫ولكن ذلك تم بعد ثورة االوراس يف ‪ 1916‬ويدل ذلك اىل اي مدي ظل‬
‫يوغرطة القبائيل الخالد يؤثر فيمن هزموه حسب التعبري الجميل لجان‬
‫عمروش‪.‬‬
‫ولقد فضل كتاب اخرون ادانة المسؤولني عىل فشل السياسة الرب برية‬
‫وكان هناك امعان يف الحديث والكتابة ضد الحقيقة بان االدارة‬
‫الفرنسية قد اسلمت وعربت الرب بر وسدت بذلك الطريق يف وجه‬
‫االدماج والتقدم ‪ ،‬هل البد من تكرار القول بان فرنسا لم يكن يف‬
‫مقدورها التعجيل باسلمة الرب بر لسبب بسيط وهو ان الرب بر كانوا قد‬
‫اسلموا منذ قرون بعيدة وان التعريب الذي بدأ مع دخول الرب بر يف‬
‫االسالم قد تقهقر عىل العكس بفعل السياسة الفرنسية ‪.‬‬
‫ان االدارة العليا اليت لم تكن راضية عىل عيوب التعريب اذ كتب‬
‫الحاكم العام ليتو قائال‪ " :‬ان االهيل المعرب يكتسب الويع باستمرار‬
‫بذهنيته االسالمية وبالمسافة اليت تفصله عنا" واجتهدت اكرث انذاك‬
‫النقاذ مبادئ سياستها الرب برية ‪" :‬البد من الحفاظ عىل روح‬
‫الخصوصية وزرعها"(‪')...‬وال بد من جعل خصوصيات المؤسسات‬
‫واالعراف الرب برية تحيا من جديد كما هو الحال بالنسبة للجماعة مثال‬
‫اليت تمثل روح الخصوصية فيها افضل الخصوم لالسالم '‪.‬‬
‫وبالعودة اىل توجيهات ساباتيي بخصوص مزي ة تقوية الغرائز االقليمية‬
‫للرب بر تم فسح المجال عن طيب خاطر امام الجماعات الرسية ليك‬
‫تنشط واليت لم ترت دد يف مضاعفة التسويات والغرامات ‪.‬‬
‫واخري ا فقد كان يوجد بالجزائر صحيف ذو شأن يدىع أ‪ .‬رسفيي الذي‬
‫اصبح بفضل جريدة ( ال ديباش دو كوستونتني ) النموذج الذي كان‬
‫معمرو منطقة قسنطينة يحتذون به يف تفكريهم ‪ ،‬ونصب نفسه‬
‫العنرص المتحمس لسياسة حمل الرب بر عىل تبديل ديانتهم‪ ،‬ان االمر قد‬
‫يبدو مفاجئا عندما يصدر عن ماسو متعنت غري ان هذا االخري بني‬
‫ين‬
‫بوضوح ‪ " :‬يجب يف كل االحوال الممكنة تشتيت شمل االهايل‬
‫وتقسيمهم وعزل عنارصهم ‪ ،‬ويجب ان نمارس االدماج الفردي‬
‫وذلك باجتثاث احسن العنارص من مجموعة الرب بر(‪ )...‬فاذا لم تتوصل‬
‫اىل ذلك المدرسة الالئكية ؟فلنرت ك االباء البيض يترصفون ‪ ،‬ان الرب بر‬
‫ليسوا ابدا غري مؤهلني لتغيري دينهم (‪ )...‬انهم حافظوا عىل بقايا‬
‫موروثهم المسي والالتي ‪ .‬وهكذا فان الماسو رسف مىض‬
‫يف‬ ‫يي‬ ‫ين‬ ‫ين‬ ‫يح‬
‫تمجيد الفلسفة المسيحية ‪ ،‬بوصفها دينا صالحا للقبائليني ويمكن ان‬
‫تكون افضل من ذلك لو استطاعت تشتيت وحدة المسلمني‬
‫الجزائريني ‪...‬‬
‫كما كان رسفيي واحدا من الجزائريني النادرين الذين ابتهجوا للهجرة‬
‫القبائلية اىل فرنسا ‪ ،‬وكان يرغب يف تشجيعها ومنحها امتيازات لكرس‬
‫الكتلة االسالمية الجزائرية وجعل القبائليني يف اتصال مع السكان‬
‫ني‬
‫الفرنسي ولقد اعاد واقع الهجرة الجديد هذا فعال الشجاعة لمجيب‬
‫القبائل اليائسني ‪" :‬ربما كان رس فرنسة الرب بر يكمن هنا" حسب رأي‬
‫الحاكم العام ليتو‪.‬ولقد ابتهج عميد جامعة الجزائر بتواضع ‪ :‬يف الوقت‬
‫الذي كان يدور حديث كثري عن اخفاق المدرسة الجمهورية يف بالد‬
‫القبائل ‪ ،‬فها يه هذه المدرسة اليت هيأت يف الواقع للهجرة وجعلتها‬
‫ممكنة ‪ ،‬اال تعترب الرسائل االسبوعية البالغ عددها ‪ 1.500‬رسالة تايت‬
‫من فرنسا والمكتوبة كلها بالفرنسية ‪ ،‬الدليل القاطع عىل نجاح‬
‫المدرسة؟‬
‫كما ابتهجت االدارة بالدور المكثف للمزي ابيني واثرائهم ‪،‬ولقد اصبح‬
‫هؤالء يستثمرون رؤوس اموالهم يف التل حيث يبنون الفنادق والمقايه‬
‫والحمامات زيادة عىل تجارتهم التقليدية يف المواد الغذائية والعقاقري‬
‫'ان هؤالء الرب بر االخرين الذين هم اكرث حرصا عىل الربح من بربر‬
‫الشمال'كانوا يثري ون اهتمام السلطات الرسمية ‪ :‬الم يتم الحديث عن‬
‫اصحاب الماليني المزي ابيني والقبائل هؤالء االشخاص المؤثرون الذي‬
‫ينبيغ اجتذابهم وربما جعلهم يف مواجهة االغنياء العرب‪.‬‬
‫وبصورة اجمالية فان السياسة الرب برية اليت لم يتم التعرض عمدا‬
‫الحدى مكوناتها االساسية ويه السياسة المدرسية الننا سوف نتطرق‬
‫اىل دراستها الحقا كانت وقعت يف تناقضات ال يمكن حلها اال‬
‫بصعوبة ‪ ،‬هل كان ينبيغ عليها المحافظة عىل الجمود لتجنب التعريب‬
‫او التعجيل بتطوير هذا المجتمع لتشجيعه عىل االندماج وعىل انتقاله‬
‫اىل الحضارة الفرنسية ؟ لقد ترددت االدارة واختارت يف نهاية المطاف‬
‫صيغة "ليس يف االمكان ابدع مما كان ولقد شعر المسؤولون‬
‫السياسيون بصورة فطرية ان فرنسة القبائل ال يمكن ان تتم اال عىل‬
‫حساب تفكيك الوحدة القبائلية ‪ ،‬ولقد ساعدتهم عىل اختيارهم ردود‬
‫افعال المعمرين عىل سياسة االدماج الرسيعة اليت نادى عليها ساباتيي‬
‫كما اكتىف المسؤولون منذ ذلك الحني برت ك التجربة المدرسية تستمر‬
‫مع اثارة الويع القبائيل او الرب بري بعض اليش ء ‪ ،‬لقد حاولوا ان يجعلوا‬
‫هؤالء الجبليني ذوي الطباع الفظة يفقدون شعورهم بالنقص تجاه‬
‫العرب وتركهم يهاجرون اىل فرنسا وغض النظر اراديا عن الحياة‬
‫المحلية للقرى الرب برية الخافية عن الرب بر ‪ ،‬ويف المقابل عارضوا‬
‫طموح القبائليني يف تحويل تقاليدهم واعرافهم وعملوا عىل جعل هذه‬
‫رث‬
‫التقاليد اك جمودا اىل غاية جعلها غري مقبولة من المتحرض ين ‪ ،‬غري‬
‫ان االدارة يف االساس لم تتوقف عن االستفادة من المبدأ المعلن‬
‫للسياسة الرب برية ‪ ":‬ان سياسة فرق تسد يه مثل قديم يعرب عن حكمة‬
‫االمم" ‪.‬‬

‫شارل روبري آجرون‪ ،‬تاريخ الجزائر المعارصة من انتفاضة ‪ 1871‬إىل‬


‫اندالع حرب التحرير ‪ ،1954‬المجلد الثاين ‪ ،‬تر‪ :‬المعهد العايل‬
‫للرت جمة‪ ،‬رش كة دار األمة للطباعة والنرش والتوزيع‪ ،‬الجزائر‪.2013 ،‬‬
‫ص‪ 217 :‬إىل‪.240‬‬

You might also like