Professional Documents
Culture Documents
روبير أجرون السياسة القبائلية
روبير أجرون السياسة القبائلية
()01
()03
األسطورة و السياسة القبائليتني من 1871إىل :1891
لم تتحطم األسطورة القبائلية بفعل االنتفاضة الكرب ى * ،1871بل عىل
ّ
المشوه xبرهابه من العرب واصل العكس من ذلك فإن الرأي العام االستعماريx
اعتقاده يف التفوق الكبري للرب بر وحذا حذوه يف ذلك الصحافيون الفرنسيون .
ولقد رش ح نائب وهران بمجلس الشيوخ بومل يف كتاب له صدر يف 1871
عنوانه (عن عنارص الجزائر األهلية وعن الدور الذي تخبؤه لهم مؤهالتهم)
بوضوح" :إن الرب بر ذوي األصل السليت قد كانوا بمثابة الضحية المقدمة
للعرب يف سياسة المملكة العربية ،ومن واجب االستعمار أن يقدم لهم تعويضا
عن ذلك ،ويف الوقت نفسه يجب طرد العرب نحو الصحراء".
ولقد رأى نائب الجزائر غاسطو وهو اندمايج يف غاية االقتناع ،يف "الشعب
الجزائري " ( )1884أنه ينبيغ " اندماج سكان القبائل ضمن االوربيني طالما أن
عاداتهم تتوافق مع عاداتنا".
ولم يكن للجمهوري والعلماين المتشدد بول بري ت رئيس الجمعية من أجل
حماية المستوطنني أي تعاطف مع األهايل مهما كانوا ،ولكن طالما كان االنسان
عدو عنرصنا " معاديا ألحكام الرسول " فإن التقارب ممكن مع هذا ّ
القبائيل
االنسان اإليجايب يف مواجهة الزن عة الدينية ( االكلري وسية) االسالمية.
أما الصحيف بول بورد فعىل العكس من ذلك ،فإنه كان يرى يف رض ورة xالتوفيق
بني القبائليني والفرنسيني ،وإدخال المنهزمني يف كنف عائلة المنترصين
الحر ضمنالكرب ى .ولقد كان بإمكان القبائليني اسرت جاع كل حقوق الرجل ّ
المجتمع الفرنيس .
كما كان مدير مدرسة اآلداب بالجزائر إميل ماسكري ،يرى هو اآلخر أن من
واجب الجمهورية " تحرير الرب بر الذين طردهم العرب واستغلهم األتراك ".
غري أن السياسة اليت كان ينادي بها لم تكن مجردة من المصلحة" :إذ كان
عليها المساهمة يف محاربة الدين االساليم عدونا األبدي ،هذا يف حني أن هذه
القوانني القبائلية تساعد بصورة خاصة سياستنا لكونها تختلف عن القانون
ّ
اإلساليم x...إن قانونا قبائليا بالنسبة إلينا ما هو إال أداة ثمينة للغاية :كلما أمعنا
يف استخدامها كلما تعمقت الهوة بني المسلمني العرب ومهزوميهم األسخياء
(القبائل)".
لقد هيمنت األسطورة xالقبائلية خالل عرش يتني من الزمن عىل األقل عىل كل
العقول ،ولقد استمرت نفس األفكار الجاهزة x،المطمئنة تارة والمروعة تارة
أخرى x،بال كلل أو ملل ،من قبيل "أن العرب كساىل ،خاملون ،بطيئون يف قرارة
أنفسهم ،متحجرون ،وحالمون ،باردون وحزاىن تقريبا ،ومتعصبون .أما
ّ
الرب بري فإنه عامل جدي ،يملك روح المبادرة ،والحس العميل ،وهو الظاهرx...
حريك ،انبسايط وحيوي ومرح ...إنه اقتصادي ونزيه ومحب لالطالع وهو يف
أعماقه قليل التدين".
إن هذه اللوحة المرسومة يف 1891من قبل أحدهم ويدىع يك دي سان إيمور
يمكن العثور عليها مائة مرة من 1871اىل ،1891وبعد هذا التاريخ وخالل
عرش يتني كذلك تقريبا تراجعت األسطورة الرب برية ولكن دون أن تختيف تماما.
أما بالنسبة xللسياسة القبائلية فما دام النظام المدين قد حكم عىل كل األنظمة
اإلدارية اليت استخدمها العسكريون ،فإنها لم تستطع إن تؤمن لنفسها اال حياة
قصري ةx.
إن التنظيم القبائيل الذي تأسس يف بالد القبائل وحدها بمقاطعة الجزائر،
والنظام المختلط الذي كان مطبقا يف منطقة بجاية ،اختفيا عن الوجود
تدريجيا بعد .1871كما تم التخيل عن نظام انتخاب األمني ماعدا يف المقاطع
اإلدارية لفورناسيونال اليت لم تعمر طويال ثم البلديات المختلطة لفور
ناسيونال وجرجرة.
ولقد استمر وجود الجماعات القضائية قبل تعويضها بقضاة صلح فرنسيني
يطبقون العرف القبائيل بعد أن راجعه وصححه هانوتو ولوتورنو xما عدا يف
الحاالت اليت كان القبائليون يعربون عن تفضيلهم للقانون الفرنيس .
ورسعان ما أصبح قضاة الصلح الذين أدخلوا يف عام 1874إىل بالد القبائل
ُأ
الغربية القضاة الوحيدين يف بالد القبائل ،فيف 1890لغيت آخر الجماعات
القضائية وأغلقت آخر محاكم القضاة المسلمني x،ولقد رد القبائليون عىل ذلك
بطريقتهم الخاصة وذلك برفضهم ولمدة طويلة القضاة الفرنسيني ،كما حدث
يف المايض فإن الجماعات أو أهل التحكيم غري الرسميني صعدت لهجة
معارضتها.
ومع ذلك فإنه من 1880إىل 1885حاول بعض اإلداريني إعادة إحياء النظام
القبائيل ،ولقد كانت تجربة سياسة إيجابية كما سميت آنذاك من قبل
الجمهوريني أتباع غامبيتا ،غري أن ماسكري كان تحدث أكرث وبشدة عن لعبة
سوسيولوجية xمحفوفة باألخطار ،فإذا كان حاكم العمالة والحاكم تري مان قد
أخفيا هذه المبادرة ،فإن رئيس الحكومة جول فري ي لم يكن أبدا عىل علم
بذلك.
ولقد صاحب المبادرة والمحرك الرئييس لهذه السياسة مجرد قاض سابق
أصبح إداريا يف بلدة مختلطة بتزي ي وزو ،وهو كميل صاباتيي .
ّ
*يقصد الكاتب تمرد محمد الحاج المقراين ،الذي قول المؤرخ شارل أندري جوليات عنه بأنه
كان يتمتع بسلطة تفوق دون شك سلطة غري ه من كبار القادة الجزائريني ،إذ كان والده قد قدم دعمه
للمارشال فاليي أثناء مروره بأبواب الحديد وهو ما جلب له صفة خليفة منطقة مجانة ،ولم يكن
الجرن ال ديريو xالذي ربطته بالمقراين عالقات طيبة قد حصل منه عىل وعد بعدم " الثورة عىل
فرنسا" فحسب ،بل أكد له المقراين "عهدا قاطعا بأنه سيقف شخصيا ضد كل انتفاضة قد تحدث،
ويه االنتفاضة اليت يقول عنها بأنها لن تأيت إال من الجنوب" ،وكان قد ذهب إىل حد الرت خيص له
بتجهزي جيش xمن الڨوم يف هذا الشأن.
أما تمرده فسببه xأن االدارة قزمته وحدت من سلطته وصادرت 5آالف هكتار من األرايض اليت
كان يسيطر عليها ،ومنعته من جباية الرض ائب من بايق القبائل .وقد رصح آغا تقرت ابن دريس
لجريدة "األخبار" سنة 1909أي بعد بعد مرور 38سنة عىل القمع الذي شارك فيه أنه علم من
مصدر عليم ومطلع وهو النقيب أوليفيي أن الفرنسيني هم من دفع بالمقراين إىل االنتفاضة بدافع
كرههم للنظام المدين .
العلمنة والتنصير
04
ّ
إن هذا المنظر (صاباتيي ) المحب للرب بر والجمهوري xوالمعادي للدين والعنيد
ّ
أكد أنه " ال وجود للدين لدى سكان القبائل فهم يف الظاهر يمارسون الديانة
االسالمية ،ويف الواقع فإن االنسان القبائيل معاد للدين x...إن قوانينه xيه النيف
األكرث شدة لمبادئ االسالم" .وبسبب قوته الناجمة عن قناعته بشأن الغريزة
الديمقراطية للقبائليني الجمهوريني فقد سىع ك.صاباتيي إىل تحقيق اختالطهم
مع الشعب الفرنيس وإقامة دستورهم السيايس .
ولقد كانت وسائل عمله غريبة :فقد ألىغ دور رئيس القبيلة – أمني األمناء
السابق -ونصب أمناء عىل القرى ممن كانوا أعداء ألداء للرؤساء القداىم ،ولقد
كانت فكرته تكمن يف استثارة روح التعصب (للصف) وتغذية روح البلدية اليت
تكون يف أثناء المناقشات الحادة للجماعات متنفسا ومهربا لتهور الطابع
المحيل .
ويف الظاهر فإن سكان القبائل بعد أن تخلصوا من الرؤساء المنصبني بعد
تراجع االنتفاضة ،كان يفرت ض أنهم راضني عن هذا االرتداد المفائج من لدن
الفرنسيني الذين يصعب فهمهم ،وكرث ت الرصاعات بني أطراف الصف
والنعدام األسلحة فإنهم كانوا يرت اشقون بحجارة القرميد أو المطارق
الخشبيةx.
وحاول صاباتيي من جهة أخرى ،إصالح بعض لقوانن ( القوانني )المهمة جدا،
مثل القوانني ال تحد ّ
سن زواج البنات أو حق اآلباء يف تزويجهن. يت
ولقد حددت القوانني الجديدة اليت اقرت حها صاباتيي سن 14عاما رش عيا لزواج
المرأة ،وأبطل " حق األب" واعترب ت هذه القوانني الرجال الذين يتخلون عن
نسائهم مدة سنتني مخلوعني .
ولقد عمل صاباتيي عىل أن تقبل المجالس القبائلية بقوانينه المجددة كما
سماها بتواضع ،وكانت هذه المجالس كثري ة جدا أحيانا ":يبدو أن 11.000
قبائيل صوتوا عليه بعد أن طمأنهم القائم باإلدارة أن فرنسا ،ومن خالل التعبري
عن نشاطهم السيايس الباهر ،قد بينت لهم أنها نسيت نهائيا أوقات التمرد
(يقصد الصدام بني المقراين والفرنسيني بعد أن أخذوا منه األرايض ).
إن محاولة النهوض هذه بوضعية المرأة القبائلية ،اليت لم تكن موفقة عىل
المستوى xالسيايس لكونها أهانت الكرامة الذكورية لإلنسان القبائيل ،ربما
تستحق التنويه بها ،لو لم يكن هدفها مبالغا فيه جدا ،فلقد أوضح صاباتيي أنه
"بواسطة xالنساء يمكننا االستيالء عىل روح شعب ما" ،و كان يريد يف الواقع
التحضري لعملية الفرنسة أو باألحرى xالذوبان الطائيف للقبائل.
ولذلك فقد أعلن منع الوشم عىل وجه البنات ،ألنه يثري نفور األوروبيني ،وفتح
مدارس لصغار البنات اليتيمات القبائليات ،كما طلب صاباتيي من الحاكم
استصدار مرسوم يسمح للقبائليني بفرنسة أسمائهم وألقابهم العائلية اليت كان
قد فرضا عليهم قانون مارس .1882ولقد تخىل تري مان يف النهاية عن ذلك،
ولعله أدرك ردود األفعال الرافضة من القبائليني الذين سبق لهم أن أرغموا
عىل قبول اسم آخرx.
إن هذه السياسة اليت كانت تهدف بحسب صاباتيي عىل الخصوص إىل تأبيد
عرقنا من خالل "األرحام الخصبة للفتيات القبائليات" ،أدت كما قال إىل
ظهور رهيب لألحكام العنرصية العدائية ،ولقد ردت عليه صحافة الجزائر
بقولها "إذا أردنا أن نشكل عرقا خاصا فإننا سوف نجد العنارص االتحاد بني
يف
الفرنسيني واالسبان و االيطاليني والمالطيني " ،فمع االهايل الذين ليست لهم
جماجم كجماجمنا فان المسألة كانت مستحيلة ،كما كانت الجرائد تسخر من
صاباتيي المتوهم ،والمتشدق المبالغ ،المهرج والشجاع الزائف .إن الفائدة
الوحيدة اليت استحدثتها هذه التجربة اليت كانت تريم إىل التوفيق بني المعمرين
والقبائليني قد ذهبت أدراج الرياح.
لقد اتبع صاباتيي عىل األقل إىل غاية أوائل 1885سياسة اإلدماج المكثفة ،اليت
كانت ترتكز كذلك عىل برنامج العلمنة والتمدرس ،ويف الواقع فقد خاض مع
زميله من بلدية جرجرة xالمختلطة رينو معركة حقيقية ضد تأثري ات المرابطني
والطرقية عن طريق منعهم من جمع الترب عات الدينية والغاء المدراس القرآنية
وإغالق الزوايا ،وسىع هذان اإلداريان إىل تسهيل مهمة المدرسة العلمانية
الفرنسية ،وخصوصا مهمة تلك المدارس الوزارية األربع اليت فتحها جول
فري ي ببالد القبائل وليس أكيدا أن حماسة هذين االداريني يه اليت سهلت
شعبية المدارس الفرنسية .
كما شجع صاباتيي القبائل عىل التجنس ،فيف ظرف 04سنوات ،تحصل عىل
30تجنسا xمن بني العمال الزراعيني الذين كانوا يذهبون لالشتغال عند معمريx
المتيجة ،ولم يكن ذلك ليعترب نجاحا كبري ا عىل الرغم من التأكيدات الصاخبة
اليت أشاعها فيما بعد" :لو لم يتم خنق حركة التجنس بموجب أمر(؟) لكانت
بالد القبائل اليوم كلها فرنسية ".
ومع ذلك فيف نهاية 1884فإن هذا الرجل الذي كان يملك الحس الصحيف ،
قدم للحاكم العام الحصيلة اإليجابية لجهوده تحت العنوان غري المنتظرx
(تحرير القرية)" :إن إفالس االقطاعية األهلية اليت أثرت بصورة ثقيلة عىل
الديمقراطيني من القبائليني وجعلتهم يشمزئ ون منها ،أكسب االدارة المدنية
بصورة مفاجئة شعبية ومصداقية مكنتاها من جعل العديد من
االصالحات تحىظ بالقبول ،منها ارتفاع عدد المدارس الفرنسية
وتغيري القوانني وإمكانية استقبال اليتاىم وتأكيد حزب فرنيس ال يرت دد
أمام التجنس".
ويف الحقيقة ،لم يكن من شأن هذه التجربة المترسعة وغري الموفقة
إال اإلخفاق فقد لزم عىل تري مان بعد أن استهزأ منه المعمرون أن
يضيح بصورة رسيعة لدي سقوط حكومة فري ي باإلداري الجريء
لديه (صاباتيي ).
ولقد كان الترب ير المذكور هو مشاجرة خطري ة حدثت بني القبائل
(الصف) المتنافسني أثناء انتخابات أمني بفورناسيونال ،ولقد "سلمت
اإلدارة أمرها لعائلة مونتيغوس وعائلة كابويل " ،كما رصح بذلك الوزير
األول زيس ( كناية عن عائليت روميو وجولييت المتناحرتني –
المرت جم) ولقد طالبت الصحافة بإلحاح بتغيري المناهج ،ويف النهاية
صوت مجلس الحكومة ضد مبدأ االنتخابات وحىت ضد الحفاظ عىل
منصب أمني القرية.
وهكذا ألىغ قرار صادر يف 20ديسمرب 1887منصب األمني والضامن
ورؤساء الخروبات ( مجموعة األرس يف قرية واحدة ) .إن هذا اإللغاء
قرار صدر فقد يدوم أن له يكن لم غري المرت وي لوسطاء رض وريني
يف
23مارس 1889استحدث منصب وكالء يعينهم المحافظ لكنهم ال
يتلقون أجرا ،ومن ثم أصبح من الصعب العثور عىل مرشحني صالحني
لشغل هذه المناصب الخاصة بموظفني مسؤولني ومتطوعني ،وبذلك
حل عدم التماسك االداري محل السياسة المضطربة لمحيب أهل
القبائل.
كما تم استشفاف السياسة القبائلية يف مجال آخر من الرفض الذي
لحق بكل من صاباتيي وتري مان ،ولقد أعيد النظر يف 1886يف
رش رض
االمتيازات ال يبية الممنوحة لسكان القبائل اليت كان قد ع يف
تطبيقها يف 1883عن طريق توسيع الرخص وفرض الرض يبة عىل
الملكية المبنية ،كما تم رفع الالزمة القبائلية بصورة مفاجئة.
وجرى هذا التعديل عىل حساب األشخاص األكرث غىن الذين رسعان ما
عرب وا عن عدم رضاهم بصورة صاخبة أمام وزير كان يقوم بزيارة،
ونتيجة ذلك قررت اإلدارة الجزائرية أن يحافظ أهل القبائل عىل
نظامهم الرض ييب األقل وطأ من النظام الرض ييب المفروض عىل العرب.
ولقد رش حت اإلدارة أسباب ذلك للنائب بوردو ّ
مقرر المزي انية
الجزائرية لعام ،1891فنقلها هذا األخري بكل سذاجة " :من حسن
التدب أن يحافظ القبائل عىل نظام رض ي عىل حدة ،وأن يبىق
يب ري
العنرصان (العريب والقبائيل ) متمايزين قدر المستطاع وأن يكونا أقل
استعدادا من المايض ويف أسوأ صورة لتبادل الدعم يف حالة
االضطرابات".
()05
كما بذلت اإلدارة جهدا جهيدا لتفضيل اللهجات الرب برية عىل حساب
اللغة العربية ،فمنذ 1882استحدثت منح دراسية معترب ة يف صالح
ّ
الموظفني الفرنسيني لتعلم القبائلية.
ثم أنئش يف 1885بمدرسة اآلداب بالجزائر كريس للهجات الرب برية،
أسند إىل واحد من األعيان محب لفرنسا وهو يس الهاشيم بن يس
لونيس ،ولقد كانت دراسة هذه المادة تتوج بتسليم شهادة للغة
القبائلية يرت تب عليها تسليم منحة سنوية قدرها 300فرنك ،وتسليم
شهادة بمستوى أعىل موجبة لمنحة قدرها 500فرنك ،غري أن هذه
المجهودات لم تتوج أبدا بالنجاح وما فئت تعليم اللهجة القبائلية
الرسيم -أو بتعبري أفضل اللهجة الزواوية -أن اندثر.
أما بالنسبة لسياسة الفرنسة المتخلصة من مبالغات صاباتيي ،فإنها لم
تعرف االنقطاع ،فلقد تواصلت إعادة تغيري أسماء القرى القبائلية
المستعمرة ،حيث صارت عني الحمام تسىم ميشيل ،وبوعدة تسىم
ديانوس ،وذراع بن خدة تسىم مري ابو ،وعني الزواية تسىم بري ات
الخ ...كما استمرت إرادة فرض العلمنة اليت ترتبت عليها المراقبة
المزعجة آلخر الزوايا.
ّ
كان البد لسياسة اإلدماج أن تستمر عن طريق المدرسة الفرنسية،
عىل الخصوص ويه الفكرة الكرب ى لدى المتعاطفني مع القبائل عىل
الرغم من رد فعل المعمرين ضد المدرسة المكلفة والمحررة ،وكان
عىل المعلم أن يصبح هو " الفاتح لبالد القبائل ".
وبشأن هذه المسألة ،فإن إرادة فرنسا ( المرت وبول) لم ترت اجع أمام
اعرت اضات المعمرين وتم االستمرار يف تنفيذ التجربة.
لقد أصبح الحامل األكرب للواء السياسة القبائلية صاباتيي نائبا راديكاليا
يف ،1885وذلك دون شك بفضل دعم الحاكم تري مان الذي عمل عىل
انتخابه يف دائرة تلمسان وسيدي بلعباس اليت كانت تعترب آنذاك بلدة
فاسدة حقا بفضل األصوات اليهودية اليت جمعها سيمون قنوي.
وقدم صاباتيي مقرر مزي انية الجزائر مقرت ح قانون يف 12يوليو 1889
كان مرش وعا كامال لدستور جزائري ،ولقد أراد أن يؤسس يف الجزائر
مجلسا استعماريا يضم مجلسني أهليني استشاريني ؛ يتألف أحدهما من
العرب واآلخر من القبائل.
وكان يتم انتخاب مندو أهل القبائل الديمقراطيني بينما يتم تعيني
يب
المندوبني العرب لتجنب تعزيز األرستقراطية العربية بواسطة
االنتخاب (يرىج الرت كزي عىل هذه النقطة) ،ولقد أوضح صاباتيي بأنه
كان رض وريا أن يعىط لكل واحد من شعيب الجزائر تمثيال متمزي ا ليك ال
ىت
يتعود الطرف الواحد عىل االتصال باآلخر وح ال يجمعا ممثليهما يف
نفس المجلس تحت رئاسة رئيس مشرت ك.
ولم يؤخذ هذا المرش وع الدستوري بعني االعتبار يف 1889كما لم ينل
إعجاب جول فري ي الذي رش ح له صاباتيي يف 1891سياسته بشأن
التفرقة االمرب اطورية :فرق تسد ؟ ولم ال؟ ولماذا ال يتم اتقاء وحدة ال
يمكن أن تكون إال ضد فرنسا؟
غري أن صاباتيي ما لبث أن حقق انتقاما باهرا يف سنة 1898عندما
نجح يف فرض نظامه تحت عنوان المندوبيات المالية .إذن فالسياسة
اليت دعمها حجم األسطورة القبائلية الكبري واستلهمت هذه
األسطورة ،بقيت مستمرة رغم كبح جماحها بعد .1885
()06
األسطورة والسياسة القبائليتني من 1892اىل 1914
لقد تراجعت األسطورة القبائلية رغم ذلك بعد ،1891يف الوقت
نفسه الذي تراجع فيه الحلم اإلدمايج ،ولم يرت دد الرأي العام
االستعماري يف الحكم عىل تجربة االندماج المزرية" ،إنها مضيعة
للوقت والمال " كما رصح بذلك رئيس بلدية وهران أمام لجنة مجلس
الشيوخ.
كما كتب أ .شارتريو يف مؤلفه دراسات جزائرية ( " )1893يوجد وهم
يجب القضاء عليه" ،وهو كتاب كان قد حرر مقدمته نائب عن مدينة
الجزائر ،إن هذا الوهم هو الذي أفرز التميزي المزعوم بني العرب
والقبائل.
وبعد أن سخر من أولئك الذين تحدثوا عن " قوم السلت يف بالد
القبائل" أو الذين احتفوا باآلثار الجافة المنمقة بشكل مبالغ فيه باسم
المؤسسات الديمقراطية ،خلص مؤلف هذا الكتاب إىل أنه ال يمكن أن
نضع الثقة ال فيالرب بر وال يف العرب.
وما أكرث أولئك الذين كانوا يخشون يف الجزائر بأن فرنسا من فرط
اهتمامها بالقبائليني فإنها سوف تنتيه إىل " االيحاء للشعب الرب بري
بويع تارييخ " ،كما كتب ذلك ف.ديسوليي " :أن ال يش ء يمنعهم حينئذ
من رمينا يف البحر" ،بل أن بعض الصحافيني تجرأ؛ عىل غرار
المستشار العام ماريو فيفاريز عىل التنديد باألسطورة القبائلية:
"يجب التخلص من الخصال المزيفة لهذا الجبيل الجشع ،الذي ال
شجاعة له وال أخالق ،معدوم الجمال والكرامة ،إنه حثالة برش ية لكل
الغزوات ،لجأ مثل الحيوانات المتوحشة إىل قمم الجبال المتعذر
بلوغها ،وعندما لم يجد هناك انشغاال آخر غر المرأة ،فإنه تكاثر تكاثر
الفصائل الحيوانية الضارة".
ّ
للمعمرين كانوا خصوصا يف حدود سنة ،1865 إن أهل القبائل بالنسبة
عبارة عن باعة جوالني أو مرابني أو لصوصا خطرين ،وأن األعمال
الضارة اليت قامت بها جماعات عبدون أو أرزيق كانت تلصق بالعرق
بأكمله.
ولم يعد القبائليون " متوحشني طيبني " بل أهايل مزعجني وجري انا
مخيفني ،وكانت صحف الجزائر قد طالبت يف 1898بطرد 40.000
قبائيل لم يجدوا وسيلة عيش فرت اكموا يف القصبة.
ولقد نصح بعض المنظرين االستعماريني من المتأثرين بالرأي العام
الجزائري أال يكون االعتماد الحقا عىل القبائليني الذين لم يمكن أي
يش ء إىل اآلن من التحالف معهم" :إن اإلنسان القبائيل واإلنسان العريب
هما من فصيلة الذئب الذي يبدو منقادا وال سبيل إىل تدجينه أبدا".
إن إدماج القبائل الذي ال يقبل مخهم الصغري استيعاب كل األفكار
الحديثة ،وهو عبارة عن وهم يجب التخيل عنه نهائيا حسب لويس
فينيون يف كتابه " فرنسا يف الجزائر ."1893كما أن جول فري ي بعد
قيامه بتحقيق يف الجزائر حكم عىل روح النظام الذي يقول به محبو
القبائل ولم يخف تخوفه من السياسة الرب برية.
ولقد اعرت ف جول كامبون يف 21فرب اير 1895أمام الرب لمان بأنه ال
يوافق عىل هذا النوع من الحكم المسبق الذي يتمثل يف التميزي بصورة
جوهرية بني القبائل والعرب ،وزيادة عىل ذلك فإنه أبدى كل التحفظ
عىل هذه الفكرة الجاهزة بأن القبائيل أكرث قابلية لإلدماج من العريب .
إن صاباتيي النائب الراديكايل السابق الذي لم يجدد انتخابه ،أصبح يف
1898أحد المستشارين السياسيني األساسيني للحاكم العام الفري يار،
بعد تعيينه من قبل الوزير الراديكايل بريزون.
ولقد كان هو من أقنع الحاكم العام الجديد بأن يطبق يف الجزائر سياسة
األعراق اليت ابتدعها غالييين "إذا كانت هناك عادات وأعراف يجب
التوفيق يجب وخالفات كراهيات كذلك توجد فإنه امها، احرت
يف
كشفها واستخدامها لصالحنا بمعارضة هذه بتلك ،من خالل ارتكازنا
عىل هؤالء للتغلب األفضل عىل أولئك" (22مايو.)1898
()07
ولقد ذهب األوروبيون الذين عملوا عىل توعية الرب بر بأصولهم يف
االتجاه المعاكس لمشاعر الكثري ين منهم ،فبحسب التقاليد القبائلية،
فإن أصل الرب بر يعود إىل فلسطني إال فيما يخص ثالث قبائل منهم
تكون قد جاءت من بالد فارس ،ولقد أراد الكثري من القبائل أن يكونوا
حىت من أصل عريب ،ويف المناطق الناطقة بالعربية " كان أغلبيتهم
يرون يف اعتبارهم قبائل سبابا خطري ا " ،كما كتب ذلك يف 1911
مركب النقص القديم تجاه الناطقني ّ
مسؤول اإلدارة بالقل ،غري أن
بالعربية كان كافيا للقيام بدور مماثل حىت يف جرجرة أو يف بالد
الشاوية ،ولقد كان كل بربري ثري يعمل عىل أن يجد لنفسه نسبا
عربيا :فلقد ّادىع السيد جوردان المغرب أنه سليل الفاتحني
يف
العرب ،وأنه من بين مهل.
غري أن األعيان ورؤساء القبائل ،ومن ثم المندوبني الماليني القبائليني ،
فهموا شيئا فشيئا االمتياز الذي منحهم إياه الفرنسيون والدور الذين
يريدون منهم أن يقوموا به ،وقد استخلصوا العرب ة من ذلك التعريف
بمطالبهم وتظلماتهم النفعية:
اسرت جاع جزء عىل األقل من أموال األوقاف لمساجد وزوايا بالد
القبائل،
وتخصيص عائدات أموال المشمل المجتباة لفائدة المزي انية البلدية
للقرية المعنية دون سواها ،
ودفع مرتبات لألمناء والضامنني .
إن بعض هذه المطالب ما فتئت تؤثر رغم ذلك يف المشاع ،وعندما قام
المندوبون القبائل بإظهار درجة فقر بلدهم المكتظ بالسكان فإنهم
كانوا يطلبون ( بال جدوى ) مساعدة فرنسا من إجل إنشاء قرى جديدة
يكون لها موقع أحسن أو من أجل تكوين يد عاملة أكرث ذات كفاءة.
كان صابات هو الوحيد أو يكاد يكون الوحيد ،من ضمن األوروبيني
يي
الذي كان يدافع عن قبائلييه وكان ينصح بعدم الشح يف الوسائل :إذ كان
البد من تغيري مواقع قراهم أو تحديثها ،وتمدرس أطفالهم بصورة
جماعية وتحضري االختالط مع هؤالء األوفري نيني الجزائرين ،القريبني
من الفرنسيني .
كما قال مدافعا بصورة لبقة" :إنه كلما كانت سياسة ما مطابقة لمصالح
المحتل كلما كانت سخية أكرث مع المهزوم" ولكنه مع ذلك كان واعيا
بأن ال حياة لمن ينادي.
()09