فينومينولوجيا موريس ميرلوبونتي

You might also like

Download as docx, pdf, or txt
Download as docx, pdf, or txt
You are on page 1of 9

‫‪https://labopheno.

com/lms/logos-revu/l-3-4/course/merleau-ponty‬‬

‫فينومينولوجيا موريس ميرلوبونتي‬

‫‪     ‬مقدمة‪ :‬ان موريس ميرلوبونتي (‪ )1961-1908‬هو أهم ممثلي الفينومينولوجيا في فرنسا‪ ،‬إذ تكمن‬
‫أهميت ه في الق راءة الجدي دة ال تي ق دمها للفينومينولوجي ا‪ ،‬فعلى ال رغم من ت أثره الواض ح بك ل من‬
‫هوس رل و هي دغر إال أن ه لم يكن يفك ر مثلهم ا و إنم ا فك ر معهم ا‪ ،‬حيث وج د أن هن اك ط رحين‬
‫مختلفين للفينومينولوجي ا أح دهما يجع ل منه ا بحث ا في املعرف ة و ه و ال ذي يمثل ه هوس رل و ثانيهم ا‬
‫يجع ل منه ا مبحث ا في الوج ود و ه و ال ذي يمثل ه هي دغر‪ ..‬إن ميرلوبون تي ال يتنك ر ألن واع‬
‫الفينومينولوجيا الس ابقة و إنما تبين ل ه أن الفينومينولوجيا ليست ص ياغة ج اهزة بل هي إمكانية‬
‫مفتوحة‪ ،‬و هو التصور الذي كان مبررا لقيام ما أسميناه ب"الفينومينولوجيا الجديدة"‪ .‬وسنحاول‬
‫في ه ذه الدراس ة أن نتح دث عن الفينومينولوجي ا عن د ميرلون تي من خالل اإلجاب ة عن الس ؤال‬
‫التالي‪:‬ما هو مفهوم الفينومينولوجيا لدى ميرلوبونتي؟‬
‫‪ - I‬مفهوم الفينومينولوجيا عند ميرلوبونتي‪:‬‬
‫‪       ‬لق د س عت فينومينولوجي ا ميرلوبون تي أوال إلى إيج اد ح ل ملس ألة ال وعي؛ ألن فلس فات ال وعي‬
‫خصوصا لدى ديكارت و هوسرل‪ ،‬ترى أن الوعي يحمل موضوعات هي نتاج له‪ ،‬ففي الوعي ال يوجد‬
‫إال ما تسميه هذه الفلسفات بنوع من الغموض "األنا" الذي تكون له األولوية املطلقة؛ أي أولوية‬
‫الوعي على العالم‪ ،‬أو الذات على املوضوع‪ ،‬لذلك نجد أن هوسرل جعل من الوعي نقطة االنطالق في‬
‫توضيح معالم الفينومينولوجيا‪ ،‬فما هو معروف عن الفينومينولوجيا الترنسندنتالية عنده هو أنها‬
‫تتخ ذ من األن ا املتعالي مقولة أساس ية‪ ،‬فه و الحقيق ة النهائية التي نص ل إليها بعد ك ل عمليات ال رد‬
‫الفينومينول وجي ب دءا بوض ع الع الم بين قوس ين م رورا ب الرد املاهوي وص وال إلى ال رد املتع الي‪ .‬لكن‬
‫الفينومينولوجيا الجديدة عند ميرلوبونتي لها مفهوم جديد للوعي‪.‬‬
‫‪        ‬إن فينومينولوجي ا هوس رل تهتم بدراس ة ال وعي و الخ برة الكامن ة في ه دون اإلهتم ام بعالق ة‬
‫ال وعي باألش ياء و ه ذا ه و النقص ال ذي ح اولت الفينومينولوجي ا الجدي دة عن د ميرلوبون تي تج اوزه‬
‫حيث يق ول ه ذا األخ ير‪" :‬إنن ا ال نآخ ذ فلس فات ال وعي‪ ،‬على تحويله ا الع الم إلى نويم ا فق ط‪ ،‬و إنم ا‬
‫ك ذلك على تش ويهها كينون ة "ال ذات املفك رة" بإدراكه ا " كفك رة" ولجعله ا عالق ة ال ذوات بغيره ا من‬
‫"الذوات" األخرى غير مفهومة في عالم مشترك بينهما ففلسفة الوعي تنطلق من مبدأ يقول أنه إذا‬
‫كان إلدراك ما أن يكون إدراكي‪ ،‬فعليه أن يكون واحدا من تصوراتي"[‪ .]1‬إن ما يرفضه ميرلوبونتي‬
‫إذن هو أوال التمييز الهوسرلي بين أفعال التفكير‪  ‬وموضوعات التفكير ألن هذا التمييز يشوه مفهوم‬
‫العالم و يحوله من وقائعيته إلى موضوعات تصورية مفكر فيها‪ ،‬وثانيا يرفض ميرلوبونتي التشويه‬
‫الذي لحق بمفهوم الذاتية نتيجة ربطها بالوعي و عزلها عن وجودها الحقيقي الكامن في العالم مع‬

‫‪1‬‬
‫‪https://labopheno.com/lms/logos-revu/l-3-4/course/merleau-ponty‬‬

‫ذوات أخرى و عليه ال يمكننا إرجاع العالم و اآلخرين إلى الوعي الذي توجهه الذات املفكرة حيث‬
‫تكون الفينومينولوجيا هي دراسة ظواهر املاهيات في الوعي‪ ،‬وإنما تكون التجربة الواقعية املعاشة‬
‫بالعالم و اآلخرين هي أساس تفكيرنا‪ ،‬وهذا ما لم ينتبه إليه هوسرل و كل فلسفات الوعي السابقة‪.‬‬
‫‪       ‬يتبين لنا أن النتائج التي توصلت إليها الفينومينولوجيا الجديدة عند ميرلوبونتي تختلف عن تلك‬
‫ال تي ك انت موج ودة في فلس فات ال وعي الس ابقة و خصوص ا ل دى ديك ارت و هوس رل‪ ،‬فق د أعطى‬
‫ميرلوبون تي مفهوم ا جدي دا للذاتي ة مف اده أن ‪":‬الذاتي ة هي حض ور مباش ر في الوج ود‪ ،‬وهي ك ذلك في‬
‫اتصال مع العالم بل هي أقرب ما تكون إلى ذاتها‪ ،‬ألنه ال شيء يقدر على فصلها عن ذاتها"[‪ ]2‬فهي ذات‬
‫عارف ة و موج ودة في ال وقت نفس ه وت ؤدي وظيفته ا املعرفي ة دون أن تنس ى وجوده ا‪  .‬ه ذه الفك رة‬
‫سبق لهيدغر أن تحدث عنها‬
‫‪          ‬و علي ه‪ ،‬و مم ا س بق ف إن دخ ول فينومينولوجي ا ميرلوبون تي في ح وار م ع فلس فات ال وعي‬
‫السابقة‪ ،‬أدى إلى ظهور مفهوم جديد للوعي‪ ،‬و أصبحت له مهام ووظائف جديدة وعالقات متنوعة‪،‬‬
‫ألن‪" :‬كل وعي يولد في العالم‪ ،‬وكل إدراك هو ميالد جديد للوعي"[‪ ]3‬يقول ميرلوبونتي ‪":‬في صمت‬
‫الوعي األصلي يمكن أن يظهر لنا ليس فقط ما تقوله الكلمات‪  ‬وإنما أيضا ما تقوله األشياء"[‪ .]4‬إن‬
‫الص مت في فينومينولوجي ا ميرلوبون تي ال يع ني غي اب الكلم ات و إنم ا حض ور األش ياء‪ ،‬فاملعرف ة‬
‫الحقيقي ة ليس ت املعرف ة الخالص ة ال تي تتح دث عنه ا فينومينولوجي ا هوس رل‪ ،‬ب ل هي املعرف ة ال تي‬
‫تطلعن ا على األش ياء‪ ،‬و الوج ود الحقيقي ليس ه و الوج ود املنس ي املنفص ل عن موج وده كم ا ي رى‬
‫هيدغر و إنما هو الوجود الذي يكون في اتصال مع املوجود‪ ،‬كما أن الخبرة الحقيقية ليست الخبرة‬
‫املوجودة الكامنة في الوعي و إنما خبرة اإلدراك الحسي الذي يحمل معه ظواهر األشياء كما توجد في‬
‫العالم أو التي يحمل اتجاهها قصدية طبيعية‪.‬‬
‫‪          ‬يعتبر ميرلوبونتي القصدية كأهم اكتشاف قدمته الفينومينولوجيا‪ ،‬ولكنه يعترض على مفهوم‬
‫القصدية و كيفية توظيفها في الفينومينولوجيا الترنسندنتالية عند هوسرل‪ ،‬و ألجل ذلك يعود إلى‬
‫فلس فة كان ط‪ ،‬و يؤك د أن ه في نق ده للفلس فات املثالية بين أن ك ل إدراك داخلي ال يمكن أن يتم دون‬
‫إدراك خ ارجي‪ ،‬حيث يك ون الع الم ه و ذل ك االتص ال املوج ود بين مجموع ة من الظ واهر املوج ودة‬
‫حتى قبل الوعي بها‪ ،‬و بالتالي فإن وحدة العالم موجودة قبل معرفته[‪ ،]5‬و هذا بالتحديد ما غفلت‬
‫عن ه قص دية هوس رل‪ .‬ينطل ق ميرلوبون تي في نق ده للقص دية الهوس رلية من فك رة الوج ود ال واقعي‬
‫للظ واهر قب ل االتص ال به ا‪ ،‬على عكس قص دية هوس رل ال تي تحي ل الع الم و ظ واهره إلى ال وعي و‬
‫تجعل منه وجودا مثاليا فيكون الوعي فعال معرفيا ينجزه األنا املتعالي‪ ،‬وهذا ما جعل القصدية في‬
‫النهاية تأخذ طابعا مثاليا بعيدا تماما عن الواقع‪ ،‬فأين يكمن الحل هنا؟‪  ‬وبعبارة أخرى ما البديل‬
‫الذي قدمه ميرلوبونتي لتجاوز هذه القصدية ذات الطابع املثالي؟‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫‪https://labopheno.com/lms/logos-revu/l-3-4/course/merleau-ponty‬‬

‫‪          ‬يقول ميرلوبونتي‪" :‬إن كامل التحليل الهوسرلي‪ ،‬محاصر بطوق من األفعال التي تفرضها عليه‬
‫فلسفة الوعي‪ ،‬لذلك يجب أن نستأنف و نطور القصدية الفاعلة التي هي القصدية داخل الوجود‪...‬‬
‫حيث ال يجب أن ننطل ق من ال وعي و مج رى ظاهرات ه‪ ،‬من خيوط ه القص دية املتم يزة‪ ،‬وإنم ا من‬
‫الدوامة التي يرسمها ذلك املجرى الظاهراتي‪ ،‬أي الدوامة املمكنة(التي هي لحمة و ليست وعيا يقابله‬
‫موض وع تفك ري)"[‪ ، ]6‬إن ه ذه القص دية الفاعل ة س تكون هي الب ديل للقص دية عن د هوس رل‪ ،‬ال تي‬
‫تفتق د إلى تأص يل عالق ة ال وعي باملوض وعات‪ ،‬ليس ت املوض وعات التص ورية و املفك ر به ا‪ ،‬وإنم ا‬
‫املوجودة في العالم‪.‬‬
‫‪      ‬هكذا‪ ،‬و من خالل هذا املفهوم الجديد للقصدية نصل إلى نتيجتين مهمتين‪ ،‬أولهما أن القصدية‬
‫امليرلوبونتي ة تجعلن ا نتح ول من ذل ك الع الم املث الي التص وري ال ذي تخلق ه القص دية الهوس رلية إلى‬
‫الع الم الفعلي‪  ‬وال واقعي ال ذي توج د في ه األش ياء و الظ واهر الحقيقي ة‪ ،‬وثانيهم ا أن الوج ود‪ -‬في –‬
‫العالم الذي تحيلنا إليه هذه القصدية‪ ،‬يختلف حتى عن الوجود – في‪ -‬العالم باملعنى الذي نجده عند‬
‫هيدغر‪ ،‬و هكذا يقدم لنا مفهوما جديدا للفينومينولوجيا حيث يتساءل ميرلوبونتي في أول عبارة من‬
‫كتاب ه ال رئيس"فينومنولوجي ا االدراك" ق ائال‪" :‬م ا هي الفينومينولوجي ا؟[‪ ]7‬و ق د يب دو من الغ ريب‬
‫إعادة طرح هذا السؤال بعد نصف قرن من صدور أول مؤلفات مؤسس الفينومينولوجيا‪ ،‬و التي‬
‫ح دد فيه ا مفهومه ا‪ ،‬لكن يجيبن ا ميرلوبون تي عن س ؤاله ق ائال‪" :‬إن الفينومينولوجي ا هي دراس ة‬
‫املاهيات‪ ،‬كماهية اإلدراك‪  ‬وماهية الوعي مثال‪ ،‬و لكن الفينومينولوجيا هي أيضا فلسفة ترد املاهيات‬
‫إلى الواقع"[‪ .]8‬إن ما يتضح لنا من هذا التعريف‪ ،‬هو أن الفينومينولوجيا الجديدة عند ميرلوبونتي‬
‫تحاول من جهة أن تبقي على مهمة الفلسفة‪ ،‬والتي هي كشف و وصف ماهيات الظواهر‪  ‬ولكنها من‬
‫ناحية أخرى ال ترد هذه املاهيات إلى الوعي أو األنا املتعالي كما كان مع الفينومينولوجيا املتعالية عند‬
‫هوسرل و إنما تردها إلى الواقع‪ ،‬ألن ميرلوبونتي أدرك أن املاهية مالزمة للواقع‪ ،‬ألن وجودها الفعلي‬
‫هو وجود في العالم ‪ ‬والهدف من وراء هذا اإلجراء هو املحافظة على الفرضية الطبيعية للعالم التي‬
‫تم إقصاؤها في الفلسفات السابقة‪.‬‬
‫‪          ‬يحدد ميرلوبونتي موقفه من املاهية‪ ،‬بعد مناقشته ملنهج الرد الفينومينولوجي عند هوسرل و‬
‫الذي يراه هو أنه إذا كانت املاهية هي الهدف الذي تسعى الفينومينوجيا الترنسندنتالية بلوغه فإن‬
‫الفينومينوجيا الجديدة تأكد على العكس أن املاهية ليست هدفا وإنما هي وسيلة النخراطنا الفعال‬
‫في العالم‪ ...‬و إن ضرورة املرور باملاهيات ال يعني أن الفلسفة تتخذ منها موضوعا‪ ،‬ولكن على العكس‬
‫من ذلك حيث تكون لحظة معينة كمعبر نحو الوجود الحقيقي للظواهلر الكامنة في العالم[‪ ]9‬و عليه‬
‫فإن معنى الظاهرة ال يتجلى في التعالي عليها الذي يكشف ماهيتها الخالصة‪ ،‬و إنما من خالل التحول‬
‫من هذه املاهية إلى الواقع الذي يحمل الكثافة الحقيقية للظواهر ووجودها الفعلي‪   .‬‬

‫‪3‬‬
‫‪https://labopheno.com/lms/logos-revu/l-3-4/course/merleau-ponty‬‬

‫‪      ‬لم ينظ ر ميرلوبون تي إلى املاهي ة في عالقته ا ب الوعي و إنم ا ب الواقع ل ذلك تك ون الظ اهرة وقائعي ة‬
‫توج د أم ام ال وعي كم ا أنه ا ماهوي ة له ا مع نى و في ال وعي أيض ا‪ ،‬و هن ا تتجلى لن ا أهم خاص ية تم يز‬
‫الفينومينولوجي ا الجدي دة عن د ميرلوبون تي عن ك ل الفينومينولوجي ات الس ابقة و على وج ه‬
‫الخصوص الفينومينولوجيا الترنسندنتالية عند هوسرل أال و هي بعدها الواقعي‪ ،‬ألن الهدف العام‬
‫ال ذي س عى ميرلوبون تي إلى تحقيق ه من خالل مش روعه ه و تحوي ل الفينومينولوجي ا و إنزاله ا عن‬
‫تعاليها و مثاليتها نحو الوجود الفعلي و الواقعي‪ ،‬و كذا تحويل البحث الفينومينولوجي من املاهية إلى‬
‫الواقع‪.‬‬
‫‪      ‬على ذلك فإن ما لم تدركه فينومينولوجيا هوسرل هو التالحم القائم بين املاهية ‪  ‬والواقع‪ ،‬ألن‬
‫كال منهما يتطلب وجود اآلخر و يتوقف وجوده عليه‪ ،‬و بالتالي فإن إزالة فينومينولوجيا ميرلوبونتي‬
‫للتعارض القائم بينهما مكنها من تقديم مفهوم جديد للماهية يعبر عن معناها الحقيقي من جهة‪ ،‬و‬
‫يمكنن ا من جهة أخ رى‪ ،‬من الوص ول إلى املاهيات الحقيق ة للظ واهر ال تي ال ترج ع إلى ال وعي لوحده‬
‫كأس اس أول و مطل ق‪ .‬إنه ا املاهي ة ال تي ت رد الظ اهرة إلى وجوده ا الحقيقي‪ ،‬وه و وج ود ال يعطي‬
‫األولوية املطلقة للواقع على حساب الوعي‪ ،‬و إنما يكون هناك توازي بين الوعي و الواقع دون أولوية‬
‫أو أسبقية ألحد على اآلخر‪.‬‬
‫‪ -II‬املقوالت الرئيسة‪ ‬في فينومينولوجيا‪ ‬ميرلوبونتي‪:‬‬
‫‪ -1‬اإلدراك الحسي‪  :‬‬
‫‪       ‬لقد اختزلت فينومينولوجيا هوسرل اإلدراك في فكر اإلدراك‪ ،‬حيث يكون فكر اإلدراك كامنا في‬
‫محايث ة فع ل اإلدراك ملوض وعه املدرك‪ ،‬و ه ذا م ا أدى بالت الي إلى إقص اء فرض ية الع الم أو الوج ود‬
‫ال واقعي للموض وع ال ذي ه و في الفينومينولوجي ا الجدي دة عن د ميرلوبون تي من أهم أبع اد اإلدراك‬
‫الحسي؛ حيث تكون العودة إلى األشياء ذاتها كشعار للفينومينولوجيا هي عودة إلى الوجود الواقعي‬
‫ملختل ف الظ واهر املوج ودة في الع الم س واء ك انت أش ياء أو آخ رين‪ ،‬و يك ون اإلدراك الحس ي ه و‬
‫وسيلة تعرفنا عليها كما هي في كثافتها الوجودية دون إحالة‪  ‬وال تمثل‪ .‬يقول ميرلوبونتي‪" :‬إن العودة‬
‫إلى األشياء ذاتها ما هي إال عودة إلى هذا العالم املوجود قبل املعرفة حيث تكون وسيلة تعرفنا عليه‬
‫هي اإلدراك الحسي ألن اإلدراك هو التقاء مع األشياء الطبيعية ‪ ‬وعليه فهو نقطة انطالق بحثنا ملا‬
‫هو نموذج أصيل"[‪ ،]10‬لذلك فحتى و لو أن هوسرل بحث في موضوع اإلدراك في فلسفته املتأخرة‪،‬‬
‫إال أنه لم ينتبه إلى أنه من أكثر مستويات الوعي أصالة‪ ،‬و أنه مكمن خبراتنا الحقيقية بالعالم و إنما‬
‫بقيت تحليالت ه حبيس ة الرج وع املتع الي إلى ال وعي‪ ،‬لكن ميرلوبون تي بتأكي ده على أن ه لن نتمكن من‬
‫وضع حد للوضع املتأزم الذي توجد عليه معرفتنا‪ ،‬إال بالرجوع إلى اإليمان اإلدراكي يكون قد أعطى‬
‫أبعادا جديدة ملسألة الوعي و ذلك من ناحية إعادة ربط الوعي بالواقع املدرك و كذلك إعادة جسور‬

‫‪4‬‬
‫‪https://labopheno.com/lms/logos-revu/l-3-4/course/merleau-ponty‬‬

‫التواص ل بين ال ذات و الع الم ه ذا التواص ل املفق ود في الفلس فات الس ابقة خصوص ا م ع ديك ارت و‬
‫هوسرل‪.‬‬
‫‪        ‬تأك د فينومينولوجي ا ميرلوبون تي على ض رورة الع ودة إلى الخ برة اإلدراكي ة من خالل االرتب اط‬
‫الق ائم بين اإلدراك و م ا ه و معيش‪ ،‬حيث تق وم فينومينولوجي ا اإلدراك على العالق ة القائم ة بين‬
‫فك رة ال وعي و فك رة الع الم م رورا بفك رة الجس د‪ .‬وق د س عى ميرلوبون تي من خالل ه ذه األفك ار إلى‬
‫تج اوز التفس يرات الكالس يكية لإلدراك خصوص ا عن د النزع تين التجريبي ة و العقالني ة‪ ،‬فالنزع ة‬
‫التجريبية كانت تعتقد أن اإلدراك هو عملية تلقي‪  ‬وتسجيل ملعطيات خارجية‪ ،‬في حين تأكد النزعة‬
‫العقالنية مقبل ذلك على أولوية العقل و دوره في تأويل ما يتلقاه من معطيات‪ ،‬و بالتالي نكون أمام‬
‫تفسيرين مختلفين لإلدراك‪ ،‬فكيف ستعمل فينومينولوجيا ميرلوبونتي على تجاوز هذا التعارض؟‬
‫‪    ‬لقد خصص ميرلوبونتي جزءا كبيرا من كتاب "فينومينولوجيا اإلدراك" للرد على هذين املذهبين‪،‬‬
‫لكن قبل أن نتحدث على ذلك نود أن نبين كيف حاول ميرلوبونتي أن يوضح مفهوم اإلدراك الحسي‬
‫في عالقت ه ببعض املف اهيم القريب ة كاإلحس اس مثال‪ ،‬فيعتق د علم النفس الكالس يكي أن اإلدراك‬
‫يرتبط باإلحساس فيفسره على أنه يحدث كنتيجة لتلقي أعضاء الحس ملعطيات خارجية‪ ،‬و الخطأ‬
‫ال ذي يق ع في ه علم النفس حس ب ميرلوبون تي ه و ع دم وص ف اللحظ ة ال تي يرتب ط فيه ا اإلدراك‬
‫باملعطى إضافة إلى أن علم النفس في تفسيراته كان يأخذ أحكاما جاهزة عن بعض العلوم التجريبية[‬
‫‪ . ]11‬أما في رده على النزعة التجريبية‪ ،‬فيرى ميرلوبونتي أنه أثناء عملية اإلدراك نتلقى معطيات لكن‬
‫ليس بطريقة آلية‪ ،‬ألن املعطى يظهر من خالل عالقته بالوعي[‪ ،]12‬و الذي ال يكون وعيا خالصا و‬
‫إنما وعيا بالجسد‪ ،‬ألنه وسيلة اإلدراك أو ما يضمن لنا أن ندرك‪  ‬وسنرى في ما بعد كيف تتم هذه‬
‫العملي ة‪ .‬و إذا ك انت النزع ة التجريبي ة تجع ل من العملي ة اإلدراكي ة عملي ة آلي ة ناقل ة ف إن النزع ة‬
‫العقلية‪ ،‬تضفي أحكاما عليها‪ ،‬و مع أننا حسب ميرلوبونتي ال ننكر دور العقل في عملية اإلدراك إلى‬
‫أننا ال نعتقد أنه العامل الوحيد املتحكم في هذه العملية‪ ،‬فعندما أدرك مكعبا كما يقول ميرلوبونتي‬
‫ذو ستة أوجه فإنني لن أتمكن من إدراك أوجهه الستة إال إذا تحركت‪ ،‬مع أن حركتي أو دوراني لن‬
‫يغيرا من وضع الشيء املدرك‪.‬‬
‫‪      ‬و عليه استطاع ميرلوبونتي تقديم حل ملشكلة املعرفة بحل مشكلة اإلدراك و تجاوز التفسيرات‬
‫الكالس يكية م ع املذهب التجري بي و املذهب العقلي‪ ،‬فأص بح اإلدراك أك ثر ارتباط ا بال ذات املدرك ة و‬
‫املوضوع املدرك معا دون أن تكون هناك أولوية ألحد الطرفين على اآلخر‪ ،‬و هكذا يكون اإلدراك‬
‫الحس ي لل ذات الواعي ة املتجس دة ه و من يخبرن ا عن‪  ‬األش ياء‪  ‬واآلخ رين و الع الم‪ .‬لكن إذا ك ان‬
‫اإلدراك هو تعبير عن قصدية الجسد نحو العالم فكيف يكون كذلك وجودا أصيال؟‬
‫‪          ‬يؤكد لنا ميرلوبونتي على ضرورة‪" :‬أن نبحث في اإلدراك الحسي عن معنى وظيفته الوجودية"[‬
‫‪  ]13‬ألنه يرتبط بمشكلة الوعي كما يرتبط بمسألة الوجود‪ ،‬و هذا ما توضحه لنا مقولة الوجود‪-‬في‪-‬‬

‫‪5‬‬
‫‪https://labopheno.com/lms/logos-revu/l-3-4/course/merleau-ponty‬‬

‫العالم‪ ،‬التي تبين أن اإلدراك الحسي هو انخراط في العالم من خالل الجسد‪ ،‬فالخبرة اإلدراكية بما‬
‫هي خبرة حسية هي مقابلة تماما ملفهوم الخبرة املجردة عند هوسرل‪ ،‬ومن بين مهامها أنها‪" :‬تعلمنا‬
‫كيف نرى الشيء جيدا"[‪ ،]14‬ألن اإلدراك هو رؤيتنا أو اطالعنا على الوجود أو الكينونة سواء و‬
‫ج ود اآلخ رين أو األش ياء و بالت الي وجودن ا ألن هن اك وح دة في الوج ود‪ ،‬و هي وح دة ظلت مغيب ة و‬
‫خاطئة في كل التفسيرات ألنه تم تفسيرها تفسيرا ميتافيزيقيا أحيانا‪  ‬وتفسيرا سببيا أحيانا أخرى‪.‬‬
‫‪ -2‬الجسد املوضوعي‪/‬الجسد الخاص‪:‬‬
‫‪      ‬ت رفض الفينومينولوجي ا الجدي دة عن د ميرلوبون تي تل ك الفك رة ال تي ك انت س ائدة في الدراس ات‬
‫املعاص رة خصوص ا في مي دان الفيزيولوجي ا‪ ،‬وهي الفك رة ال تي تنظ ر إلى الجس د على أن ه ش يء أو‬
‫موضوع مثل بقية املوضوعات املادية‪ ،‬وهي نظرة تضعها فينومينولوجيا ميرلوبونتي موضع مساءلة‪:‬‬
‫فهل فعال أن الجسد هو موضوع فيزيقي ال يختلف عن غيره من املوضوعات األخرى أم أنه يحمل‬
‫معنى آخر و خصائص ومميزات أخرى تجعله مختلفا تماما عنها ؟‬
‫‪      ‬إن ميرلوبون تي يق ترح علين ا أن نتح ول من ذل ك املوق ف ال ذي يعت بر الجس د بمثاب ة موض وع ال‬
‫يختل ف عن املوض وعات األخ رى و التوج ه إلى خبرتن ا بأجس ادنا من أج ل أن نتع رف على املفه وم‬
‫الحقيقي للجسد‪" :‬وسنجد أن الطريقة التي تلمس بها يدي الشيء ‪ ...‬تمكنني من فهم وظيفة الجسد‬
‫الحي بعد أن أكمله بنفسي‪ ،‬حيث أكون جسدا يتجه نحو العالم"[‪ ،]15‬ألن هناك قصدية أصلية من‬
‫الجسد نحو األشياء و العالم وهذا ما تعبر عنه تلك الخاصية األساسية التي يختص بها الجسد‪  ‬والتي‬
‫تجعله في الوقت نفسه متميزا عن املوضوعات األخرى أال وهي خبرة الجسد و التي تدل على وعينا‬
‫به‪ ،‬ولكي يوضح لنا ميرلوبونتي طبيعة هذه الخبرة يناقش التفسيرات التي تقدمها بعض النظريات‬
‫العلمي ة املعاص رة ح ول الجس د‪ -‬وال تي س نتحدث عنه ا الحق ا‪ -‬و يح اول أن يق دم تفس يرا جدي دا‬
‫يتناسب مع توجهه الفلسفي ‪.‬‬
‫‪            ‬إن وجود الجسد في العالم ومعرفته باملوضوعات يبين لنا أن له عالقات متنوعة معها وهذه‬
‫العالقات تظهر أن الجسد هو موجود ذو مظهرين‪ ،‬فهو من جهة شيء من األشياء‪ ،‬ومن جهة أخرى‬
‫ي رى ويلمس[‪  ]16‬واملظه ر األول م رئي بينما املظه ر الثاني ال م رئي‪ ،‬يسمي ميرلوبونتي الجسد األول‬
‫بالجسد املوضوعي ‪  Le corps Objectif‬والجسد الثاني بالجسد الفينومينولوجي ‪phénoménologique‬‬
‫‪ .  Le corps‬يتبين لنا أن موقف ميرلوبونتي من الجسد رافقه تحول في النظرة إلى الجسد‪ ،‬فبعد أن‬
‫كان في فلسفات الحداثة مقولة ثانوية ومهمشة‪ ،‬أصبح الجسد مركز اهتمامات الفيلسوف‪ ،‬با أصبح‬
‫الجسد مركز الوجود‪.‬‬
‫‪ -3‬فينومينولوجيا الوجود‪-‬في‪-‬العالم‪:‬‬

‫‪6‬‬
‫‪https://labopheno.com/lms/logos-revu/l-3-4/course/merleau-ponty‬‬

‫‪     ‬إن من أهم رواسب الفلسفات السابقة سواء الحديثة أو املعاصرة هو مشكلة الوجود‪-‬في‪-‬العالم‬
‫‪ ،L’être-au-monde‬وهي املش كلة ال تي ح اولت فينومينولوجي ا ميرلوبون تي حله ا‪ ،‬وس تكون نقط ة‬
‫االنطالق في حل هذه املشكلة لديه هي إزالة ذلك الخط الفاصل الذي وضعه ديكارت بين الوعي و‬
‫الع الم من خالل رفض ه األخ ذ بم ا ه و محس وس أو م ا ل ه عالق ة بالجس د‪ ،‬و إن ه ذا التمي يز يعطي‬
‫األولوية للوعي على الوجود‪ ،‬وهذه األولوية ترفضها الفينومينولوجيا الجديدة عند ميرلوبونتي‪ ،‬التي‬
‫أرادت أن تح دث توازن ا بين ال وعي والوج ود من خالل فك رة الجس د‪ ،‬وهن ا يع بر ميرلوبون تي عن‬
‫تص وره للحض ور املتجس د في الع الم بقول ه‪" :‬لم يب ق أم ام فلس فتنا س وى إع ادة البحث في الع الم‬
‫الفعلي‪ ،‬حيث نك ون تأليف ا بين النفس والجس د‪...‬فال يك ون الجس د مج رد وس يلة للرؤي ة أو اللمس‬
‫ولكنه هو دعمها وعوض أن تكون أعضاؤنا أدوات على العكس من ذلك‪ ،‬فإن أدواتنا هي التي تكون‬
‫أعضاء مكملة"[‪ ،]17‬أي مكملة النتماء الجسد إلى العالم‪ ،‬وهي دعوة صريحة من الفينومينولوجيا‬
‫الجديدة من أجل العودة إلى العالم املعاش الذي نحن حاضرين فيه بأجسادنا وليس العالم املفكر‬
‫فيه‪ ،‬و الذي هو عالم الوعي‪ .‬وهذا األمر يظهر التصور الجديد لعالقة الوعي بالعالم فنحن‪" :‬لسنا‬
‫وعيا يقابله العالم‪ ،‬ولكن وعي متجسد‪ ،‬و وجود في العالم"[‪ ]18‬وال يمكن فهم هذا الوجود املتجسد‬
‫إال من خالل فهم موقف ميرلوبونتي من فكرة الجسد‪.‬‬
‫‪      ‬لقد عملت فكرة الجسد عند ميرلوبونتي على الخروج من الذاتية إلى الواقعية؛ ألن الهدف هنا‬
‫ه و إع ادة جس ور التواص ل بين ال ذات و املوض وع‪ ،‬وه و اله دف ال ذي عج زت الفينومينولوجي ا‬
‫املتعالي ة عن د هوس رل عن تحقيق ه‪ ،‬ألن فك رة القص دية عن ده بقيت مرتبط ة ب الوعي الخ الص‪ ،‬أم ا‬
‫عن د ميرلوبون تي فهي كامن ة في الجس د‪ ،‬وه ذا م ا يفهم من قول ه ‪":‬أن ا لس ت أم ام جس دي‪ ،‬أن ا داخ ل‬
‫جسدي‪ ،‬أو باألحرى أنا عين جسدي"[‪ ،]19‬وهكذا نحصل على طريقة جديدة للوجود في العالم‪ ،‬أال‬
‫وهي الوج ود املتجس د‪ .‬ه ذه الفك رة تق دم لن ا حل وال لبعض املش كالت الفلس فية‪ ،‬خصوص ا مش كلة‬
‫عالق ة ال ذات باملوض وع كمش كلة معرفي ة‪ ،‬فال تع ود هن اك أس بقية ألح د الط رفين على اآلخ ر ألن‬
‫الجس د ه و ذات وموض وع في ال وقت ذات ه‪ ،‬ك ذلك يح ل الوج ود املتجس د مش كلة عالق ة النفس‬
‫بالجسد التي بقيت عالقة ملدة زمنية طويلة وهذا ما يتمثل في قول ميرلوبونتي‪" :‬إن وحدانية العالم‬
‫املرئي‪  ‬والذي هو باألساس ال مرئي‪ ،‬يعوض ذاته من خالل إعادة اكتشاف "الوجود العمودي" ‪L’être‬‬
‫‪ vertical‬الذي هو حل ملشكلة عالقة النفس بالجسد"[‪ ،]20‬وهذا الذي يسميه ميرلوبونتي بالوجود‬
‫العمودي هو الوجود املتجسد الذي هو بدوره تعبير عن وحدة النفس بالجسد دون أن تكون هناك‬
‫أولوي ة ألح دهما على اآلخ ر أي ال للج انب ال روحي و ال للج انب املادي وفي ه ذا تج اوز للكث ير من‬
‫املذاهب خصوصا املذهبين الروحي و املادي وهكذا يصبح اإلنسان ال هو روح وال هو مادة‪  ،‬بل هو‬
‫مجموعهما معا‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫‪https://labopheno.com/lms/logos-revu/l-3-4/course/merleau-ponty‬‬

‫‪     ‬من الفينومينولوجي ا الترنس ندتنالية إلى الفينومينولوجي ا الجدي دة يظه ر ذل ك التح ول في ط رح‬
‫مسائل الفينومينولوجيا أي من الذات العارفة إلى الجسد العارف‪ .‬و يترتب على هذا التحول ظهور‬
‫نت ائج جدي دة ترتب ط بعالق ة ال ذات ب ذاتها و بغيره ا من ال ذوات‪ ،‬وبالت الي بالع الم فال ذات تص بح‬
‫متجس دة م ع أجس اد أخ رى‪  ‬والفينومينولوجي ا تتح ول من وص ف ظ واهر ال وعي إلى وص ف ظ واهر‬
‫الع الم ال واقعي من خالل التوج ه إلى الوج ود في الع الم ال ذي ه و وج ود متجس د‪ ،‬ليص بح الجس د‬
‫موض وع ت أمالت الفينومينول وجي بع د أن بقي مهمش ا ملدة زمني ة طويل ة من ذ أفالط ون م رورا بعه د‬
‫الكنيسة وديكارت وصوال إلى هوسرل‪.‬‬
‫‪      ‬ومما سبق نصل إلى أنه إذا كانت الفينومينولوجيا املتعالية لدى هوسرل تصف ماهيات الظواهر‬
‫الخالصة الكامنة في الوعي من أجل حل مشكالت مبحث املعرفة‪ ،‬وإذا كانت فينومينولوجيا هيدغر‬
‫تصف ظهور الوجود من أجل حل مشكالت مبحث الوجود فإن ما تصفه الفينومينولوجيا الجديدة‬
‫عن د ميرلوبون تي ه و الوج ود ال واعي املتجس د في الع الم ألنه ا فينومينولوجي ا تن درج في إط ار مبح ثي‬
‫املعرفة و الوجود على حد السواء فهدفها ليس هو بلوغ املعرفة الكامنة في الوعي وال هو السعي إلى‬
‫إظهار تحجب الوجود و إنما هو كما يصرح بذلك ميرلوبونتي‪" :‬وصف تجربتنا التي هي أقدم من أي‬
‫رأي‪  ‬وال تي هي تجرب ة س كن الع الم بأجس ادنا"[‪ ،]21‬وإن ه ذه التجرب ة هي ال تي تع بر عنه ا فلس فة‬
‫ميرلوبون تي املت أخرة من خالل مقول ة "اللحم ة" ‪ La chaire‬ال تي تع بر عن كيفي ة الوج ود‪  ‬والتالحم‬
‫القائم بين الوعي و الجسد و العالم‪ ،‬وهي مقولة ال نجد لها أي معنى في كل الفلسفات السابقة ألنها‬
‫تعبر عن نوع خاص من الوجود هو ‪":‬الوجود الصامت الذي يريد أن يظهر معناه الخاص"[‪.]22‬‬
‫‪      ‬وعليه نستنتج أن ما يميز فكرة الوجود املتجسد هو أنها تقدم حال للكثير من املشكالت املترتبة‬
‫على الفلس فات الس ابقة س واء املعرفي ة منه ا أو الوجودي ة‪ ،‬و خصوص ا منه ا مش كلة عالق ة ال ذات‬
‫باملوضوع‪ ،‬ومشكلة عالقة النفس بالجسد‪ ،‬و مسألة الوجود في العالم‪ ،‬فقد تجاوز ميرلوبونتي الكثير‬
‫من الفلس فات الس ابقة س واء الحديث ة منه ا أو املعاص رة ألن ه أدرك أن‪" :‬التفلس ف ه و البحث و‬
‫افتراض أن هناك أشياء يجب رؤيتها و التحدث عنها‪ ،‬لكننا اليوم لم نعد نبحث ألننا نرجع إلى أحد‬
‫التقاليد أو آخر ثم ندافع عنه"[‪ .]23‬إن فينومينولوجيا ميرلوبونتي هي إذن دعوة لتجاوز املوروث و‬
‫العمل على أن نبحث عن أشياء جديدة نعبر عنها أو باألحرى نتركها تعبر عن نفسها‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪[1] Merleau-Ponty : Le Visible et L’invisible, éditions Gallimard, Paris, 1964,‬‬
‫‪p 67.‬‬
‫‪[2] Merleau-Ponty : Le Visible et L’invisible, éditions Gallimard, Paris, 1964,‬‬
‫‪p 253.‬‬
‫‪[3] Merleau-Ponty : La phénoménologie de la perception, Op.cit, p 13.‬‬
‫‪[4] Ibid. p X.‬‬

‫‪8‬‬
https://labopheno.com/lms/logos-revu/l-3-4/course/merleau-ponty

[5] Merleau-Ponty : La phénoménologie de la perception, Op.cit, p XII.


[6] Merleau-Ponty : Le Visible et L’invisible, Op.cit, p. p.297. 298.
[7] Merleau-Ponty : La phénoménologie de la perception, Op.cit, p I.
[8] Ibidem.
[9] Merleau-Ponty : La phénoménologie de la perception, Op.cit, p IX.
[10] Merleau-Ponty : Le Visible et L’invisible, Op.cit, p 59.
[11] Merleau-Ponty : La phénoménologie de la perception, Op.cit, p 29.
[12] Ibid. p 26.
[13] Merleau-Ponty : Le Visible et L’invisible, Op.cit, p 20.
[14] Ibid. 60.
[15] Merleau-Ponty : la phénoménologie de la perception, Op.cit, p 99.
[16] Merleau-Ponty : Signes, éditions Gallimard, Paris, 1960, p 213.
[17] Merleau-Ponty : L’œil et L’esprit, éditions Gallimard, Paris, 1964, p 98.
[18] Merleau-Ponty : Sens et Non sens, éditions Gallimard, Paris 1966, p p
98.
[19] Merleau-Ponty : La phénoménologie de la perception, Op.cit, p 175.
[20] Merleau-Ponty : Le Visible et L’invisible, Op.cit, p, p.286.287. 
[21] Merleau-Ponty : Le Visible et L’invisible, Op.cit, p 121.
[22] Merleau-Ponty : L’œil et L’esprit, Op.cit, p 87.
[23] Merleau-Ponty : Eloge de la philosophie, éditions Gallimard, Paris,
1965. p. p.66. 67.

‫المؤلف‬:

‫محمد بن سباع‬

You might also like