Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 32

‫‪ ٤٠‬فائدة في‬

‫الوالدين‬
‫َ‬ ‫ِب ِّر‬

‫‪ ٤٠‬فائدة في‬
‫الوالدين‬
‫َ‬ ‫ِب ِّر‬
‫الوالدين‬
‫َ‬ ‫‪ ٤٠‬فائدة في ِب ِّر‬

‫حقوق الطبع والنرش لكل مسلم‬

‫‪2‬‬
‫الوالدين‬
‫َ‬ ‫‪ ٤٠‬فائدة في ِب ِّر‬

‫احلمد هلل‪ ،‬والصالة والسالم عىل رسول اهلل‪.‬‬

‫فهذه فوائد وخالصات جمموعة يف‪:‬‬

‫الوالدين‬
‫َ‬ ‫بِ ِّر‬

‫خريا َّ‬
‫كل َمن‬ ‫أسأل اهلل أن ينفع هبا‪ ،‬وأن جيزي ً‬
‫شها‪.‬‬ ‫ِ‬
‫إعداد هذه املادة و َن ْ ِ‬ ‫َ‬
‫وأعان يف‬ ‫َ‬
‫شارك‬

‫‪3‬‬
‫الوالدين‬
‫َ‬ ‫‪ ٤٠‬فائدة في ِب ِّر‬

‫ِّ‬
‫وأجل‬ ‫الوالدين من أع َظم شعائر ِّ‬
‫الدين‪،‬‬ ‫َ‬ ‫بِ ُّر‬
‫‪1‬‬
‫الطاعات‪ ،‬وأعظم ال ُق ُربات‪ ،‬وأوجب‬
‫الواجبات‪.‬‬
‫الوالدين من أكرب الكبائر وأشنع‬
‫َ‬ ‫وعقوق‬
‫ِ‬
‫اجلرائم‪.‬‬

‫الوالدين‪ :‬اإلحسان إليهام‪ ،‬وفِ ْعل‬ ‫َ‬ ‫معنى بِ ّر‬


‫‪2‬‬
‫تقر ًبا إىل اهلل‬‫اجلميل معهام‪ ،‬بالقول والفعل‪ُّ ،‬‬
‫سبحانه وتعاىل‪.‬‬
‫وهذا يقتيض‪ :‬حسن الصحبة وكريم ِ‬
‫الع ْشة‬ ‫َ‬ ‫ُ ْ َ ُّ ْ‬
‫األدب معهام‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫معهام‪ ،‬واحرتا َمهام‪ ،‬ولزو َم‬
‫والتوس َع يف‬ ‫تهام‪،‬‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫واإلكثار من زيارهتام ِ‬
‫وص‬
‫ُّ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫وبذل املال هلام‬ ‫طاعتهام يف غري معصية اهلل‪،‬‬
‫ِ‬
‫والتوسع َة عليهام بجود وسخاء‪ ،‬ورعاي َة‬

‫‪4‬‬
‫الوالدين‬
‫َ‬ ‫‪ ٤٠‬فائدة في ِب ِّر‬

‫حمابام وتو ِّقي ما‬


‫وحتري ِّ‬
‫حقوقهام والقيا َم هبا‪ِّ ،‬‬
‫يكرهون‪ ،‬ونحو ذلك‪.‬‬

‫الدين؛ فقد‬
‫الوالدين من أعظم شعائر ِّ‬
‫َ‬ ‫ُّبر‬
‫‪3‬‬
‫عط َفه اهلل ‪ ‬عىل عبادته وتوحيده‪،‬‬
‫فقال‪( :‬ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ‬
‫ﮞ) [اإلرساء‪ ،]٢٣ :‬وقال ‪( :‬ﮗ‬
‫ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜﮝ ﮞ ﮟ)‬
‫[النساء‪.]٣٦ :‬‬

‫الوالدين؛ فقال‪:‬‬
‫َ‬ ‫بشكر‬ ‫قرن اهلل ‪ُ ‬ش َ‬
‫كره ُ‬ ‫َ‬
‫‪4‬‬
‫(ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ) [لقامن‪.]١٤ :‬‬

‫لعباده؛ قال‬ ‫الوالدين وص َّي ُة اهلل‬


‫‪‬‬ ‫َ‬ ‫بِ ُّر‬
‫‪5‬‬
‫[لقامن‪:‬‬ ‫‪( :‬ﭶ ﭷ ﭸ)‬

‫‪5‬‬
‫الوالدين‬
‫َ‬ ‫‪ ٤٠‬فائدة في ِب ِّر‬

‫‪ ،]١٤‬أي‪َ « :‬ع ِه ْدنا إليه‪ ،‬وجعلناه وص َّي ًة عنده‪،‬‬


‫سنسأله عن القيام هبا‪ ،‬وهل َح ِف َظها أم ال؟»(((‪.‬‬

‫أحب األعامل إىل اهلل ‪ ‬بعد‬ ‫الوالدين ُّ‬ ‫َ‬ ‫ُّبر‬


‫الصالة؛ فقد س ِ‬ ‫‪6‬‬
‫النبي ‪َ :‬أ ُّي ال َع َم ِل‬ ‫ُّ‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫ئ‬ ‫ُ‬
‫ال ُة َع َل َو ْقتِها»‪،‬‬ ‫«الص َ‬
‫َّ‬ ‫قال‪:‬‬‫ب إىل اهلل؟ َ‬ ‫َأ َح ُّ‬
‫قال‪ُ « :‬ث َّم بِ ُّر الوالِ َد ْي ِن»‪ ،‬قيل‪ُ :‬ث َّم‬ ‫قيل‪ُ :‬ث َّم َأ ٌّي؟ َ‬
‫يل اهلل»(((‪.‬‬ ‫«اجلها ُد ِف َسبِ ِ‬ ‫قال‪ِ :‬‬ ‫َأ ٌّي؟ َ‬

‫للوالدين؛‬
‫َ‬ ‫بخ ْفض َ‬
‫اجلناح‬ ‫َ‬ ‫‪‬‬ ‫أمر اهلل‬
‫َ‬ ‫‪7‬‬
‫فقال‪( :‬ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ‬
‫ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ) [اإلرساء‪.]٢٤ :‬‬
‫((( تفسير السعدي (ص ‪.)648‬‬
‫((( رواه البخاري (‪ ، )527‬ومسلم (‪. )85‬‬

‫‪6‬‬
‫الوالدين‬
‫َ‬ ‫‪ ٤٠‬فائدة في ِب ِّر‬

‫قال ُع ْروة ‪َّ :‬‬


‫«إن أغضباك فال تنظر إليهام‬
‫َش َزرا‪ ،‬فإ َّنه أول ما يعرف غضب املرء ِ‬
‫بش َّدة‬ ‫ُ َ‬ ‫ً‬
‫ب عليه»(((‪.‬‬ ‫نظره إىل من َغ ِ‬
‫ض‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫وقال سعيد بن املس ّيب ‪ ‬يف قوله‪( :‬ﮭ‬
‫ﮮ ﮯ ﮰ) [اإلرساء‪َ « :]٢٣ :‬ق ْو ُل ال َع ْب ِد‬
‫لس ِّي ِد ال َف ِّظ»(((‪.‬‬
‫َّ‬
‫ب لِ‬
‫ِ‬ ‫الم ْذنِ‬
‫ُ‬

‫الوالدين ورعاي ُتهام من اجلهاد يف سبيل اهلل؛‬ ‫َ‬ ‫بِ ُّر‬


‫‪8‬‬
‫فقد جا َء َر ُج ٌل إىل النَّبِ ِّي ‪ْ ،‬‬
‫فاس َت ْأ َذ َن ُه‬
‫قال‪َ :‬ن َع ْم‪،‬‬ ‫«أ َح ٌّي والِ َ‬
‫داك؟»‪َ ،‬‬ ‫قال‪َ :‬‬ ‫اجل ِ‬
‫هاد‪َ ،‬ف َ‬ ‫ِف ِ‬
‫يهام َف ِ‬
‫جاه ْد»(((‪.‬‬ ‫قال‪َ « :‬ف ِف ِ‬
‫َ‬
‫((( تفسير ابن أبي حاتم (‪. )13239‬‬
‫((( تفسير الطبري (‪.)549/14‬‬
‫((( رواه البخاري (‪ ، )3004‬ومسلم (‪.)2549‬‬

‫‪7‬‬
‫الوالدين‬
‫َ‬ ‫‪ ٤٠‬فائدة في ِب ِّر‬

‫الوالدين ورضامها؛‬‫َ‬ ‫َم ْرضاةُ اهلل ‪ ‬يف بِ ِّر‬


‫الر ِّب ِف ِرضا الوالِ ِد‪،‬‬
‫‪9‬‬
‫«رضا َّ‬ ‫ففي احلديث‪ِ :‬‬
‫ط الوالِ ِد»(((‪.‬‬ ‫وس َخ ُط الرب ِف س َخ ِ‬
‫َ‬ ‫َّ ِّ‬ ‫َ َ‬

‫الوالدين من أع َظم أبواب اجلنَّة؛ ففي‬ ‫َ‬ ‫بِ ُّر‬


‫اجلنَّ ِة»(((‪.‬‬ ‫احلديث‪« :‬الوالِ ُد َأ ْو َس ُط َأ ْب ِ‬
‫‪10‬‬
‫واب َ‬

‫ف‪ُ ،‬ث َّم‬ ‫ف‪ُ ،‬ث َّم َر ِغ َم َأ ْن ُ‬ ‫«ر ِغ َم َأ ْن ُ‬


‫ويف احلديث‪َ :‬‬
‫«م ْن‬ ‫‪:‬‬ ‫َ‬
‫قال‬ ‫؟‬‫ِ‬ ‫ اهلل‬ ‫َ‬
‫رسول‬ ‫يا‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫‪:‬‬ ‫َ‬
‫يل‬ ‫ف»‪ِ ،‬‬
‫ق‬ ‫ُ‬ ‫ن‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫أ‬ ‫م‬‫غ‬‫رِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬
‫َأ ْد َر َك َأ َب َو ْي ِه ِعنْ َد الكِ َ ِب‪َ ،‬أ َح َد ُها َأ ْو كِ َل ْي ِهام‪َ ،‬ف َل ْم‬
‫َي ْد ُخ ِل َ‬
‫اجلنَّ َة»(((‪.‬‬
‫اخلروج إىل اجلهاد؛‬
‫َ‬ ‫ولما جاءه ﷺ َمن ُيريد‬
‫َّ‬
‫((( رواه الترمذي (‪ ،)1899‬وهو في صحيح الجامع (‪.)3506‬‬
‫((( رواه الترمــذي (‪ ،)1900‬وابــن ماجه (‪ ،)2089‬وهو فــي صحيح الجامع‬
‫(‪.)7145‬‬
‫((( رواه مسلم (‪.)2551‬‬

‫‪8‬‬
‫الوالدين‬
‫َ‬ ‫‪ ٤٠‬فائدة في ِب ِّر‬

‫ك ِم ْن ُأ ٍّم؟»‪َ ،‬‬
‫قال‪َ :‬ن َع ْم‪َ ،‬‬
‫قال‪:‬‬ ‫«ه ْل َل َ‬‫قال له‪َ :‬‬
‫ت ِر ْج َل ْيها»(((‪.‬‬
‫اجلنَّ َة َ ْت َ‬
‫إن َ‬ ‫«فال َز ْمها؛ َف َّ‬

‫ور ٌّد لبعض‬ ‫اعرتاف باجلميل َ‬ ‫ٌ‬ ‫الوالدين‬


‫َ‬ ‫بِ ُّر‬
‫‪11‬‬
‫الوالدين عىل االبن؛ ففي احلديث‪« :‬ال‬ ‫َ‬ ‫حق‬ ‫ِّ‬
‫ي ِزي َو َل ٌد والِ ًدا‪َّ ،‬إل َأ ْن َيِ َد ُه َم ْ ُلو ًكا َف َي ْش َ ِت َي ُه‬ ‫َْ‬
‫َف ُي ْعتِ َق ُه»(((‪.‬‬
‫[(ال َي ْج ِزي َو َلدٌ والِدً ا) أي‪ :‬ال يكافئه بإحسانه وقضاء ح ِّقه]‪.‬‬

‫رجل اب َن عمر ‪ ،‬وهو يطوف‬ ‫وسأل ٌ‬


‫بالبيت وقد محل أ َّمه وراء ظهره‪ ،‬وهو يقول‪:‬‬
‫الم َذ َّل ُل‬ ‫ها‬ ‫ري‬‫ع‬‫إن َلا ب ِ‬
‫ُ‬ ‫َ ُ‬ ‫ِّ‬
‫كابا َل ْ ُأ ْذ َع ِر‬ ‫ر‬‫ِ‬ ‫ت‬ ‫ْ‬ ‫ر‬ ‫إن ُأ ْذ ِ‬
‫ع‬ ‫ْ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫وحسنه األلباني في إرواء الغليل (‪.)21/5‬‬
‫َّ‬ ‫((( رواه النسائي (‪،)3104‬‬
‫((( رواه مسلم (‪.)1510‬‬

‫‪9‬‬
‫الوالدين‬
‫َ‬ ‫‪ ٤٠‬فائدة في ِب ِّر‬

‫ثم قال‪ :‬يا ابن عمر‪ ،‬أ ُتراين َج َز ْي ُتها؟ قال‪« :‬ال‪،‬‬
‫وال َبز ْفرة واحدة»(((‪.‬‬

‫الوالدين من أكرب الكبائر عند اهلل‬ ‫َ‬ ‫ُ‬


‫عقوق‬
‫‪12‬‬
‫قال‪َ :‬‬
‫قال‬ ‫‪‬؛ ف َع ْن أيب َبك َْر َة ‪َ ‬‬
‫«أالَ ُأ َن ِّب ُئ ُك ْم بِ َأ ْك َ ِب ال َكبائِ ِر؟»‬
‫النَّبِ ُّي ‪َ :‬‬
‫رسول اهلل‪َ .‬‬
‫قال‪:‬‬ ‫َ‬ ‫ال ًثا‪ ،-‬قا ُلوا‪َ :‬ب َل يا‬ ‫‪َ -‬ث َ‬
‫وق الوالِ َد ْي ِن»‪َ ،‬و َج َل َس‬ ‫اك باهلل‪َ ،‬و ُع ُق ُ‬ ‫«اإلش ُ‬ ‫ْ‬
‫«أالَ َو َق ْو ُل ال ُّز ِ‬
‫ور»(((‪.‬‬ ‫قال‪َ :‬‬ ‫كان ُم َّت ِك ًئا َف َ‬
‫َو َ‬

‫الوالدين‪:‬‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫طاعة‬ ‫ضابط‬
‫‪13‬‬
‫الوالدين يف غري املعصية‪ ،‬فيام فيه‬
‫َ‬ ‫ب طاع ُة‬ ‫َِ‬
‫ت ُ‬
‫رضر فيه عىل االبن‪.‬‬
‫منفعة هلام‪ ،‬وال َ‬
‫وصححه األلباني في صحيح األدب المفرد (‪.)9‬‬
‫َّ‬ ‫((( األدب المفرد للبخاري (‪،)11‬‬
‫((( رواه البخاري (‪ ،)2654‬ومسلم (‪.)87‬‬

‫‪10‬‬
‫الوالدين‬
‫َ‬ ‫‪ ٤٠‬فائدة في ِب ِّر‬

‫الوالدين فيام فيه منفعة‬


‫َ‬ ‫وال تلزم االب َن طاع ُة‬
‫الوالدين‪ ،‬أو فيه‬
‫َ‬ ‫رضر فيه عىل‬
‫َ‬ ‫لالبن وال‬
‫مرضة عىل االبن‪.‬‬
‫َّ‬
‫ففي احلديث‪« :‬ال طا َع َة ِف َم ْع ِص َي ٍة؛ إ َّنام ال َّطا َع ُة‬
‫ِف ا َملعر ِ‬
‫وف»(((‪.‬‬ ‫ُْ‬
‫قال شيخ اإلسالم ابن تيم َّية ‪« :‬ويلزم‬
‫اإلنسان طاع ُة َ‬
‫والديه يف غري املعصية‪ ،‬وإن‬ ‫َ‬
‫كانا فاس َقني‪ ...‬وهذا فيام فيه منفعة هلام وال‬
‫وجب‪ ،‬وإال‬
‫َ‬ ‫يضه‬
‫شق عليه ومل ُ َّ‬
‫رضر‪ ،‬فإن َّ‬
‫َ‬
‫فال»(((‪.‬‬

‫((( رواه البخاري (‪ ،)7257‬ومسلم (‪.)1840‬‬


‫((( االختيارات (‪ - 381/5‬الفتاوى الكبرى)‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫الوالدين‬
‫َ‬ ‫‪ ٤٠‬فائدة في ِب ِّر‬

‫الوالدين مع واجب‪ ،‬ومل‬


‫َ‬ ‫تعارضت طاع ُة‬
‫فإذا َ‬
‫‪14‬‬
‫يمكن اجلمع بينهام؛ ُق ِّدم الواجب‪.‬‬
‫وكذلك إذا أمرا بمعصية فال طاعة هلام‪ ،‬كاألمر‬
‫ِ‬
‫املعازف‪ ،‬أو َت ْرك‬ ‫الدخان‪ ،‬أو آالت‬
‫بإحضار ُّ‬
‫الصالة‪ ،‬ونحو ذلك‪.‬‬
‫للوالدين‪ ،‬وال رضر فيه عىل‬
‫َ‬ ‫وما كان فيه منفعة‬
‫االبن ‪-‬من األمور املباحة‪-‬؛ فطاعة الوالدين‬
‫حينها واجبة‪.‬‬
‫ب‪ ،‬ومثله صالة‬ ‫ً‬
‫فمثل‪ :‬قيام الليل ُمس َت َح ٌّ‬
‫تعارض‬ ‫الضحى‪ ،‬وأجرمها عظيم‪ .‬لكن إذا َ‬ ‫ُّ‬
‫فيقدم ُّبر‬ ‫الوالدين ً‬
‫مثل؛ َّ‬ ‫َ‬ ‫رب‬ ‫ٍ‬
‫واجب ك ِّ‬ ‫هذا مع‬
‫األب ابنَه بأن يرتك صالة‬
‫الوالدين‪ ،‬كأن يأمر ُ‬
‫َ‬
‫النافلة يف هذا الوقت ليذهب لقضاء حاجة‬

‫‪12‬‬
‫الوالدين‬
‫َ‬ ‫‪ ٤٠‬فائدة في ِب ِّر‬

‫مقدمة‬
‫للوالد؛ فهنا طاعة الوالد واجبة‪ ،‬وهي َّ‬
‫التطوع‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫عىل‬

‫رضر فيه عىل‬


‫َ‬ ‫ما كان فيه منفع ٌة لالبن‪ ،‬وال‬
‫‪15‬‬
‫األبوين؛ فال طاعة من ًعا أو إذ ًنا‪.‬‬
‫َ‬
‫كأن يمنع األب ابنه ً‬
‫مثل من صالة النافلة‪ ،‬أو‬
‫ٍ‬
‫وجيه‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫سبب‬ ‫من الزواج بامرأة صاحلة دون‬
‫أن يف ذلك‬‫بح َّجة َّ‬
‫أو يمنعه من صيام النافلة ُ‬
‫مش َّقة عليه‪ ،‬أو يأمره بالزواج بامرأة بعينها‬
‫واالبن ال يرضاها‪ ،‬ونحو هذا؛ ُّ‬
‫فكل هذا ال‬
‫الوالدين‪.‬‬
‫َ‬ ‫تلزم فيه طاعة‬
‫َ‬
‫وكأن يمنع األب ابنَه من طلب ِ‬
‫الع ْلم واستامع‬ ‫ُ‬
‫الدروس‪ ،‬أو من ترك ُصحبة األخيار‪ ،‬بال‬ ‫ُّ‬
‫سبب وال منفعة له‪ ،‬فال ُيطيعه‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫الوالدين‬
‫َ‬ ‫‪ ٤٠‬فائدة في ِب ِّر‬

‫وعىل األب أن ُيعني ابنَه عىل اخلري‪ ،‬ال أن يكون‬


‫سب ًبا يف إفساد العالقة بينهام(((‪.‬‬

‫ضابط العقوق هو‪ :‬أذ َّية الوالِ َدين بالقول أو‬


‫هبي‪،‬‬ ‫ليس‬ ‫أو‬ ‫ًا‬ ‫ن‬‫ي‬ ‫ه‬ ‫ى‬ ‫ً‬
‫ذ‬ ‫أ‬ ‫كان‬ ‫سواء‬ ‫ل‪،‬‬ ‫ع‬ ‫ِ‬
‫بالف‬
‫‪16‬‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ْ‬
‫حمر ٌم ‪-‬ما مل يتعنَّت الوالد أو الوالدة‪،-‬‬ ‫فك ُّله َّ‬
‫كمن ُيقاطِ ُعهام‪ ،‬أو َيشتِ ُمهام‪ ،‬أو ُي َض ِّي ُعهام برتك‬‫َ‬
‫اإلنفاق عليهام‪ ،‬ونحو ذلك(((‪.‬‬

‫الناس بالنسبة ِ ِّ‬


‫للب والعقوق‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫أحوال‬
‫‪17‬‬
‫لوالديه عىل ثالث مراتب‪:‬‬
‫َ‬ ‫«معاملة اإلنسان‬
‫الب هبام‪ ،‬ببذل املعروف ِ ّ‬
‫والب‪.‬‬ ‫املرتبة األوىل‪ّ ِ :‬‬
‫البار‪.‬‬
‫فهذا يف الدرجة ال ُعليا‪ ،‬وله أجر ِّ‬
‫((( ينظر‪ :‬الشرح الممتع البن عثيمين (‪ ،)13/8‬وفتاواه (‪،)265/21 ،159/20‬‬
‫وفتاوى المرأة المسلمة (‪.)640/2‬‬
‫((( ينظر‪ :‬الزواجر عن اقتراف الكبائر (‪ ،)٧٦/٢‬وفتح الباري (‪.)٤٠٦/١٠‬‬

‫‪14‬‬
‫الوالدين‬
‫َ‬ ‫‪ ٤٠‬فائدة في ِب ِّر‬

‫املرتبة الثانية‪ :‬العقوق ‪-‬والعياذ باهلل‪ ،-‬بأن‬


‫يقطع ح َّقهام‪ ،‬وال يفي هلام بام أوج َبه اهلل‪ .‬فهذا‬
‫َ‬
‫عليه إثم ِّ‬
‫العاق‪.‬‬

‫بارا وال يكون‬


‫ي َب ْي‪ ،‬ال يكون ًّ‬ ‫املرتبة الثالثة‪َ :‬ب ْ َ‬
‫عا ًّقا‪ ،‬فهذا ال ُيقال إ َّنه بار‪ ،‬فال يناله ثواب ِ ّ‬
‫الب‪،‬‬
‫وال ُيقال إ َّنه قاطع‪ ،‬فال يناله إثم القطيعة‪،‬‬
‫لكنها حالة رديئة»(((‪.‬‬

‫كل ٍ‬
‫يشء(((؟‬ ‫الوالدين يف ِّ‬ ‫ئذان‬‫ِ‬
‫جيب است ُ‬
‫َ‬ ‫هل ُ‬
‫‪18‬‬
‫الوالدين إذا أراد االب ُن القيا َم‬
‫َ‬ ‫* جيب استئذان‬
‫بيشء من األعامل املخوفة عىل حياته ‪-‬التي‬
‫((( فتاوى نور على الدرب للشيخ ابن عثيمين ‪ ،‬بتصرُّ ف‪.‬‬
‫للكاساني‬
‫ّ‬ ‫للسرخســي (‪ ،)197/1‬وبدائع الصنائع‬
‫ّ‬ ‫((( ينظر‪ :‬شرح السِّ يَر الكبير‬
‫(‪ ،)98/7‬وكتاب ال ِعلْم البن عثيمين (ص ‪.)149‬‬

‫‪15‬‬
‫الوالدين‬
‫َ‬ ‫‪ ٤٠‬فائدة في ِب ِّر‬

‫الضر أو اهلالك‪ ،-‬وأ َّما يف غري‬


‫َّ‬ ‫َّة‬ ‫ن‬ ‫هي مظِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ذلك فال يلزم استئذاهنام‪.‬‬
‫السـ َفر إذا كان‬
‫فجيـب عليه اسـتئذاهنام يف َّ‬
‫حيوطـه يشء مـن املخـاوف‪ ،‬سـواء كان‬
‫الرزق أو‬ ‫لطلـب‬ ‫أو‬ ‫م‬ ‫ْ‬
‫ل‬ ‫السـفر لطلـب ِ‬
‫الع‬
‫ِّ‬
‫غير ذلك‪.‬‬
‫كاحلج‬
‫ِّ‬ ‫* ال استئذان يف الواجبات العين َّية؛‬
‫وال ُعمرة‪ ،‬والصالة‪ ،‬والصيام‪ ،‬وإخراج‬
‫املال يف الزكاة‪ ،‬والذهاب لصالة اجلامعة‪،‬‬
‫ونحو ذلك‪.‬‬
‫* ال يلزمه استئذاهنام إذا أراد فعل يشء من‬
‫املباحات‪ ،‬كرشاء بيت أو سيارة أو الزواج‪،‬‬
‫ونحو ذلك‪.‬‬

‫‪16‬‬
‫الوالدين‬
‫َ‬ ‫‪ ٤٠‬فائدة في ِب ِّر‬

‫الس َفر؟‬
‫الوالدين يف َّ‬
‫َ‬ ‫استئذان‬
‫ُ‬ ‫هل جيب‬
‫‪19‬‬
‫إذا كان الوالدان أو أحدمها ال حيتاجان الولد‬
‫يف ِخدمة أو متريض‪ ،‬ونحو ذلك؛ فال حرج‬
‫فر املأمون الذي ال خطر‬
‫الس َ‬
‫عليه أن يسافر َّ‬
‫فيه بدون إذهنام‪ ،‬وال ُي َع ُّد ذلك عقو ًقا‪.‬‬

‫ربمها بسفره‪ ،‬بِ ًّرا هبام وتطيي ًبا خلاطرمها؛‬


‫وإن أخ َ‬
‫فهو أوىل وأفضل‪.‬‬

‫الوالدين‪:‬‬
‫َ‬ ‫الس َفر ل َط َلب ِّ‬
‫الرزق مع رفض‬ ‫حكم َّ‬
‫‪20‬‬
‫إذا سافر إىل بلد أخرى لطلب املعيشة‪ ،‬وهو‬
‫مضطرا لإلنفاق عىل نفسه وعياله؛‬
‫ً‬ ‫فقري‪ ،‬وكان‬
‫فال بأس‪ ،‬وال جتب طاعتهام‪ ،‬ولكن مع الكالم‬
‫الط ِّيب وتوضيح األمر‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫الوالدين‬
‫َ‬ ‫‪ ٤٠‬فائدة في ِب ِّر‬

‫وإذا وجد عندمها العمل‪ ،‬وما ُيغنيه عن السفر‬


‫وهم بحاجة إليه‪ ،‬فال يسافر إال بإذهنام‪.‬‬

‫إذا طلب الوالدان أو أحدمها إقامة االبن معهام‬


‫‪21‬‬
‫يف نفس البلد؛ فهل يلزمه ذلك؟‬
‫ملنفعة هلام ‪-‬حلاجتهام إىل ِخ ْد َمته‬
‫ٍ‬ ‫إن كان ذلك‬
‫ً‬
‫مثل‪ ،-‬وليس هناك َمن يقوم هبا سواه؛ وجب‬
‫عليه طاع ُتهام يف ذلك‪ ،‬برشط َّأل يكون عليه‬
‫ض ٌر يف ذلك‪.‬‬
‫َ َ‬
‫عليه ض ٌر‬
‫َ َ‬ ‫وإذا مل يكن هلام حاجة يف ذلك‪ ،‬أو‬
‫يف اإلقامة عندمها؛ فال يلزمه طاع ُتهام‪ ،‬وال‬
‫عتب هذا من العقوق‪.‬‬
‫ُي َ‬

‫‪18‬‬
‫الوالدين‬
‫َ‬ ‫‪ ٤٠‬فائدة في ِب ِّر‬

‫املتزوج معها إذا‬


‫ال جتب طاعة األ ِّم يف إقامة ابنها ِّ‬
‫‪22‬‬
‫رفضت زوجته ذلك‪ ،‬وليس هذا من العقوق‪،‬‬
‫مع سعي االبن يف إرضاء أ ِّمه بالقول احلسن‪،‬‬
‫واإلكثار من زيارهتا‪ ،‬وتف ُّقد أحواهلا‪ ،‬وباهلدية‬
‫ونحوها‪.‬‬

‫حق من حقوق الزوجة الواجبة عىل‬ ‫فالسكَن ٌّ‬


‫َّ‬
‫زوجها اتفا ًقا‪ ،‬فإذا َقبِ َلت الزوجة َّ‬
‫السكَن مع‬
‫تناز ٌل منها‬
‫أهل الزوج فال حرج يف ذلك‪ ،‬أل َّنه ُ‬
‫عن ح ِّقها‪ ،‬برشط األمن من الوقوع يف حمظور‬
‫اخلَ ْلوة أو النظر ونحو ذلك‪.‬‬

‫ُ‬
‫األخذ من‬ ‫تاجا‪-‬‬ ‫ِ‬
‫جيوز للوالد ‪-‬إذا كان ُم ً‬
‫حاجتِه‪ ،‬برشط عدم اإلرضار‬ ‫ِ‬ ‫‪23‬‬
‫مال َو َلده َق ْد َر َ‬

‫‪19‬‬
‫الوالدين‬
‫َ‬ ‫‪ ٤٠‬فائدة في ِب ِّر‬

‫ب ما أكل الوالِ ُد من مال َو َل ِده؛‬ ‫ي‬ ‫فأط‬ ‫ه‪،‬‬‫د‬‫بو َل ِ‬


‫َ ُ‬ ‫َ‬
‫ألن َو َل َده من َك ْسبه‪.‬‬
‫َّ‬

‫واألب واألُ ُّم يف هذا سواء‪ ،‬وقيل‪َّ :‬‬


‫إن هذا‬ ‫ُ‬
‫خاصا باألب دون األُ ِّم‪.‬‬
‫ًّ‬

‫ف َع ْن جابِ ِر ْب ِن َع ْب ِداهلل ‪َ ،‬أ َّن َر ُج ًل َ‬


‫قال‪:‬‬
‫إن َأ ِب ُي ِر ُ‬
‫يد‬ ‫إن ِل ً‬
‫مال َو َو َل ًدا‪َ ،‬و َّ‬ ‫َ‬
‫رسول اهلل‪َّ ،‬‬ ‫يا‬
‫ك‬‫ت َوما ُل َ‬ ‫مال؛ فقال ‪َ :‬‬
‫«أ ْن َ‬ ‫تاح ِ‬ ‫َأ ْن َ ْ‬
‫ ي َ‬
‫ِلَبِيك»(((‪.‬‬

‫«إن َأ ْوال َد ُك ْم ِم ْن َأ ْط َي ِ‬
‫ب‬ ‫حديث آخر‪َّ :‬‬ ‫ٍ‬ ‫ويف‬
‫ب َأو ِ‬ ‫ِ‬
‫الد ُك ْم»(((‪.‬‬ ‫َك ْسبِ ُك ْم‪َ ،‬ف ُك ُلوا م ْن َك ْس ِ ْ‬
‫وصححه األلباني‪.‬‬
‫َّ‬ ‫((( رواه ابن ماجه (‪،)2282‬‬
‫وصححه األلباني‪.‬‬
‫َّ‬ ‫((( رواه أبو داود (‪ ،)3530‬وابن ماجه (‪،)2291‬‬

‫‪20‬‬
‫الوالدين‬
‫َ‬ ‫‪ ٤٠‬فائدة في ِب ِّر‬

‫جيوز للو َلد ُمطا َلبة الوالِد بالنفقة الواجبة عليه‪.‬‬


‫‪24‬‬

‫املحتاجني‪ ،‬وقد‬
‫َ‬ ‫األبوين‬
‫َ‬ ‫جتب النَّفق ُة عىل‬
‫املنذر إمجاع أهل ِ‬
‫الع ْلم عىل َّ‬
‫أن‬ ‫حكى ابن ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫‪25‬‬
‫كسب‬
‫َ‬ ‫الوالدين الفقري َين ‪-‬ال َّل َذين ال‬
‫َ‬ ‫«نفق َة‬
‫هلام وال مال‪ -‬واجب ٌة يف مال الو َلد»(((‪.‬‬
‫يتكسب منه ما‬ ‫ْ‬
‫فإن كان الوالد غن ًّيا أو له عمل َّ‬
‫يكفيه؛ فال جيب عىل الولد أن ُي ِنفق عليه‪.‬‬

‫جيب عىل االبن أن ي ِنفق عىل ِ‬


‫والده الفقري وعىل‬ ‫ُ‬
‫‪26‬‬
‫أيضا‪.‬‬
‫زوجة أبيه ً‬
‫قال شيخ اإلسالم ابن تيم َّية ‪« :‬عىل الولد‬
‫وس أن ُي ِنفق عىل أبيه وزوجة أبيه وعىل إخوته‬
‫ا ُمل ِ‬

‫((( اإلشراف على مذاهب العلماء (‪ ،)167/5‬واإلقناع (‪.)313/1‬‬

‫‪21‬‬
‫الوالدين‬
‫َ‬ ‫‪ ٤٠‬فائدة في ِب ِّر‬

‫الصغار‪ ،‬وإن مل يفعل ذلك؛ كان عا ًّقا ألبيه‪،‬‬


‫قاط ًعا َلر ِحِه‪ُ ،‬مس َت ِح ًّقا لعقوبة اهلل ‪ ‬يف‬
‫الدنيا واآلخرة »(((‪.‬‬ ‫ُّ‬

‫احتاج‬
‫َ‬ ‫إعفاف أبيه الفقري إذا‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫الرجل‬ ‫يلز ُم‬
‫‪27‬‬
‫عنده مال؛ َّ‬
‫ألن ذلك ممَّا تدعو‬ ‫للنِّـكاح وليس َ‬
‫حاج ُته إليه‪ ،‬ويس َت ِض ِ‬
‫بفقده‪ ،‬كالنفقة(((‪.‬‬ ‫ُّ‬

‫يسدد َدين والده بعد وفاته؟‬


‫هل يلزم االبن أن ِّ‬
‫‪28‬‬
‫الو َرثة قضا ُء َد ْين امل ِّيت من َت ِر َكتِه‬
‫جيب عىل َ‬
‫إذا كان له مال‪.‬‬
‫الو َر َثة‬ ‫فإن مل يرتك ً‬
‫مال بعد وفاته؛ فال يلزم َ‬
‫((( مجموع الفتاوى (‪.)101/34‬‬
‫((( ينظر‪ :‬المغني البن قدامة (‪.)172/8‬‬

‫‪22‬‬
‫الوالدين‬
‫َ‬ ‫‪ ٤٠‬فائدة في ِب ِّر‬

‫الد ْين من‬


‫‪-‬أوال ًدا أو غريهم‪ -‬أن يقضوا هذا َّ‬
‫اخلاص‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ماهلم‬
‫صاحب مال‪ -‬أن‬ ‫َ‬ ‫نصح االب ُن ‪-‬إن كان‬ ‫لكن ُي َ‬
‫اخلاص‪،‬‬
‫ّ‬ ‫الد ْين عن والده من حسابه‬ ‫يؤ ِّدي َّ‬
‫خاصة إذا مل يكن له من املال ما ُي َو ِّف َدينه‪،‬‬
‫الد ْين؛ فهذا من ِ ِّ‬
‫الب به‬ ‫وكان عند االبن وفاء َّ‬
‫واإلحسان إليه بعد وفاته‪.‬‬

‫الوالدين يف طالق الزوجة‪:‬‬


‫َ‬ ‫طاعة‬
‫‪29‬‬
‫ال خيلو األمر من حا َلني‪:‬‬
‫الوالد سب ًبا رشع ًّيا يقتيض‬
‫ُ‬ ‫األوىل‪ :‬أن ِّ‬
‫يبي‬
‫طالقها وفِراقها‪ ،‬مثل أن يقول‪ :‬ط ِّلق زوجتك؛‬
‫ألنا ُمريبة يف أخالقها‪ ،‬فهي تفعل كذا وكذا‪.‬‬
‫َّ‬
‫والده ويط ِّلقها؛ َّ‬
‫ألن‬ ‫احلال ييب َ‬
‫ُ‬ ‫ففي هذا‬

‫‪23‬‬
‫الوالدين‬
‫َ‬ ‫‪ ٤٠‬فائدة في ِب ِّر‬

‫طالقها ليس هلوى يف نفس الوالد‪ ،‬ولكن‬


‫محاي ًة لفراش ابنه‪.‬‬
‫ِ‬
‫بطالقها لغري َس َب ٍ‬
‫ب‪.‬‬ ‫احلال الثانية‪ :‬أن َ‬
‫يأمره‬
‫ففي هذه احلالة ال يلزم االبن أن يط ِّلق زوجته‪،‬‬
‫والده أو أ َّمه‪ ،‬و ُيبقي الزوجة‪،‬‬
‫ولكن ُيداري َ‬
‫ويتأ َّلفهام‪ ،‬ويقنِعهام بالكالم ال َّل ِّي حتى يقتنعا‪،‬‬
‫خاصة إذا كانت الزوجة مستقيمة يف دينها‬
‫َّ‬
‫وخ ُلقها(((‪.‬‬
‫ُ‬

‫والديه يف زواج َمن ال يريد؟‬


‫هل ُيطيع َ‬
‫‪30‬‬
‫قال شيخ اإلسالم ابن تيم َّية ‪« :‬ليس ألحد‬
‫األبوين أن ُي ِ‬
‫لزم الولد بنكاح َمن ال يريد‪ ،‬وأ َّنه‬ ‫َ‬
‫((( ينظر‪ :‬مجموع الفتاوى (‪ ،)112/33‬ومجموعة أســئلة تهم المرأة المسلمة‬
‫البن عثيمين (ص ‪.)122‬‬

‫‪24‬‬
‫الوالدين‬
‫َ‬ ‫‪ ٤٠‬فائدة في ِب ِّر‬

‫إذا امتنع ال يكون عا ًّقا‪ ،‬وإذا مل يكن ألحد أن‬


‫ُي ْل ِزمه بأكل ما ين ُفر عنه مع قدرته عىل أكل ما‬
‫نفسه؛ كان النِّكاح كذلك وأوىل»(((‪.‬‬
‫تشتهيه ُ‬

‫يقدم؟‬ ‫تعارض بِ ُّر األب مع بِ ُّر األم‪َ ،‬‬


‫فمن ِّ‬ ‫إذا َ‬
‫‪31‬‬
‫تعارض بِ ُّر األ ِّم مع بِ ِّر األب‪ ،‬بأن كان يف‬
‫إذا َ‬
‫طاعة أحدمها معصي ٌة لآلخر‪:‬‬
‫أحدمها يأمر بطاعة واآلخر يأمر‬
‫* فإن كان ُ‬
‫يقدم صاحب الطاعة‪.‬‬
‫بمعصية؛ َّ‬
‫* وإن كان كالمها يأمر بمعصية؛ فال ُيطِ ْعهام‪،‬‬
‫بعدم بِ ِّر اآلخر‪.‬‬
‫الولد َ‬
‫َ‬ ‫كأن يأمر ٌّ‬
‫كل منهام‬
‫* وإن تعارض بِ ُّرمها يف غري معصية؛ ُت َق َّدم‬
‫((( مجموع الفتاوى (‪.)30/32‬‬

‫‪25‬‬
‫الوالدين‬
‫َ‬ ‫‪ ٤٠‬فائدة في ِب ِّر‬

‫األم‪ ،‬كأن ال يستطيع اإلنفاق إال عىل‬


‫حق األب‪.‬‬
‫مقدم عىل ِّ‬
‫فحق األ ِّم َّ‬
‫أحدمها‪ُّ ،‬‬

‫ِ‬
‫رسول اهلل‬ ‫أن ً‬
‫رجل جا َء إىل‬ ‫ففي احلديث‪َّ :‬‬
‫رسول اهلل‪َ ،‬م ْن َأ َح ُّق الن ِ‬
‫َّاس‬ ‫َ‬ ‫قال‪ :‬يا‬‫ﷺ َف َ‬
‫ك»‪َ ،‬‬
‫قال‪ُ :‬ث َّم‬ ‫«أ ُّم َ‬ ‫بِ ُح ْس ِن َصحا َبتِي؟ َ‬
‫قال‪ُ :‬‬

‫قال‪:‬‬ ‫قال‪ُ :‬ث َّم َم ْن؟ َ‬‫ك»‪َ ،‬‬ ‫قال‪ُ « :‬ث َّم ُأ ُّم َ‬
‫َم ْن؟ َ‬
‫قال‪ُ « :‬ث َّم َأ ُب َ‬
‫وك»(((‪.‬‬ ‫قال‪ُ :‬ث َّم َم ْن؟ َ‬ ‫« ُث َّم ُأ ُّم َ‬
‫ك»‪َ ،‬‬

‫ت طاع ُة ال َّزوج مع طاعة َ‬


‫األبوين؛‬ ‫تعار َض ْ‬
‫إذا َ‬
‫‪32‬‬
‫ُق ِّد َمت طاعة ال َّزوج؛ فح ُّقه أع َظم وطاع ُته‬
‫أوجب‪.‬‬
‫َ‬
‫((( رواه البخاري (‪ ،)5971‬ومسلم (‪.)2548‬‬

‫‪26‬‬
‫الوالدين‬
‫َ‬ ‫‪ ٤٠‬فائدة في ِب ِّر‬

‫هل يأمر والداه باملعروف وينهامها عن املنكر؟‬


‫‪33‬‬
‫أبويه باملعروف‪،‬‬
‫قال اإلمام أمحد ‪« :‬يأمر َ‬
‫وينهامها عن املنكر ‪-‬إذا رأى أباه عىل أمر‬
‫يكرهه‪ ،-‬بغري ُعنف وال إساءة‪ ،‬وال ُي ْغ ِلظ‬
‫له يف الكالم‪ ،‬وإال تر َكه‪ ،‬وليس األب‬
‫كاألجنبي»(((‪.‬‬

‫هل ُمناداة الوالد باسمه من العقوق؟‬


‫‪34‬‬
‫الولد أباه باسمه‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ليس من األدب أن ي ِ‬
‫ناد َي‬ ‫ُ‬
‫وإذا كان األب يتأ َّذى من ذلك ويكرهه؛ فهو‬
‫من العقوق‪.‬‬
‫وإن كان ال يكره ذلك؛ فهو جائز ال إثم فيه‪.‬‬
‫((( اآلداب الشرعية البن مُ فلِح (‪.)448/1‬‬

‫‪27‬‬
‫الوالدين‬
‫َ‬ ‫‪ ٤٠‬فائدة في ِب ِّر‬

‫واألكمل يف األدب أن يناد َيه بام ُّ‬


‫يدل عىل‬
‫التعظيم والتوقري‪.‬‬

‫بالرب‬
‫ِّ‬ ‫واجلدات من أوىل النَّاس‬‫َّ‬ ‫األجدا ُد‬
‫‪35‬‬
‫واألمهات؛ وطاعتهم‬‫َّ‬ ‫والطاعة بعد اآلباء‬
‫واجلدات ُأ َّمهات‪،-‬‬
‫َّ‬ ‫واجبة ‪-‬فاألجداد آباء‬
‫الوالدين(((‪.‬‬
‫َ‬ ‫لكن ليست كطاعة‬

‫الوالدين يف احلياة وبعد‬


‫َ‬ ‫من أع َظم ُص َور بِ ِّر‬
‫‪36‬‬
‫الدعاء هلام‪ ،‬واالستغفار إذا كانا‬
‫املامت‪ُّ :‬‬
‫ُمسلِ َمني‪.‬‬
‫بقوله‪( :‬ﯙ ﯚ‬ ‫‪‬‬ ‫فقد أوصانا اهلل‬
‫ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ) [اإلرساء‪.]٢٣ :‬‬
‫((( ينظر‪ :‬تفسير القرطبي (‪ ،)241/10‬واآلداب الشرعية البن مُ فلِح (‪.)436/1‬‬

‫‪28‬‬
‫الوالدين‬
‫َ‬ ‫‪ ٤٠‬فائدة في ِب ِّر‬

‫سان ا ْن َق َط َع َعنْ ُه‬


‫مات اإل ْن ُ‬‫ويف احلديث‪« :‬إذا َ‬
‫جار َي ٍة‪َ ،‬أ ْو‬
‫َع َم ُل ُه َّإل ِم ْن َثال َث ٍة‪َّ :‬إل ِم ْن َص َد َق ٍة ِ‬
‫ِع ْل ٍم ُينْ َت َف ُع بِ ِه‪َ ،‬أ ْو َو َل ٍد صالِحٍ َي ْد ُعو َل ُه»(((‪.‬‬
‫سبب يف َر ْفع‬ ‫لوالديه ٌ‬‫َ‬ ‫واستغفاره‬
‫ُ‬ ‫و ُدعا ُء الولد‬
‫الر ُج َل َل ُ ْ‬
‫ت َف ُع‬ ‫«إن َّ‬
‫والديه؛ ففي احلديث‪َّ :‬‬ ‫درجة َ‬
‫قال‪:‬‬ ‫اجلنَّ ِة‪َ ،‬ف َي ُق ُ‬
‫ول‪َ :‬أ َّنى َهذا؟ َف ُي ُ‬ ‫َد َر َج ُت ُه ِف َ‬
‫ك»(((‪.‬‬ ‫فار َو َل ِد َك َل َ‬
‫استِ ْغ ِ‬
‫بِ ْ‬
‫فيدعو هلام يف احلياة‪ ،‬وبعد املامت عمو ًما وعند‬
‫خصوصا‪.‬‬
‫ً‬ ‫زيارة ِ‬
‫قربمها‬

‫الوالدين بعد موهتام‪ :‬الصدق ُة عنهام‪.‬‬


‫َ‬ ‫ِمن ِّبر‬
‫‪37‬‬
‫النبي ‪:‬‬
‫فقد سأل َس ْع ُد ْب ُن ُعبا َد َة ‪َّ ‬‬
‫((( رواه مسلم (‪.)1631‬‬
‫وحسنه األلباني في الصحيحة (‪.)1598‬‬
‫َّ‬ ‫((( رواه ابن ماجه (‪،)3660‬‬

‫‪29‬‬
‫الوالدين‬
‫َ‬ ‫‪ ٤٠‬فائدة في ِب ِّر‬

‫إن ُأمي ُتو ِّفي ْت و َأنا ِ‬ ‫َ‬


‫ب َعنْها‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫غائ‬ ‫رسول اهلل‪َ َ ُ ِّ َّ ،‬‬ ‫يا‬
‫إن َت َص َّد ْق ُت بِ ِه َعنْها؟ َ‬
‫قال‪:‬‬ ‫َأ َينْ َف ُع َ ْ‬
‫ها ش ٌء ْ‬
‫فتصدق ب ُبستان عليها(((‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫« َن َع ْم»‪،‬‬

‫الوالدين بعد موهتام‪ :‬أداء الواجبات‬


‫َ‬ ‫ِمن بِ ِّر‬
‫‪38‬‬
‫والديون‪.‬‬ ‫كالصيام‪َ ،‬‬
‫واحل ِّج‪ُّ ،‬‬ ‫عنهام‪ِّ ،‬‬
‫فقد جاءت امرأ ٌة إىل النَّبِ ِّي ‪َ ،‬فقا َلت‪:‬‬
‫إن ُأ ِّمي ما َت ْت َو َع َل ْيها َص ْو ُم َش ْه ٍر‪َ ،‬ف َ‬
‫قال‪:‬‬ ‫َّ‬
‫ت َت ْق ِضينَ ُه؟»‪،‬‬
‫كان ع َليها دين َأ ُكنْ ِ‬
‫َ ْ َْ ٌ‬ ‫َ‬ ‫و‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫ت‬ ‫«أر َأي ِ‬
‫ََ ْ‬
‫قال‪َ « :‬ف َدين اهللِ َأح ُّق بِال َق ِ‬
‫ضاء»(((‪.‬‬ ‫قا َل ْت‪َ :‬ن َع ْم‪َ ،‬‬
‫َ‬ ‫ْ ُ‬
‫والصدقة‬
‫َّ‬ ‫«الدعاء‬
‫قال اإلمام النووي ‪ُّ :‬‬
‫حل ُّج َت ِص ُل باإلمجاع»(((‪.‬‬
‫وا َ‬
‫((( رواه البخاري (‪.)2756‬‬
‫((( رواه البخاري (‪ ،)1953‬ومسلم (‪ )1148‬واللفظ له‪.‬‬
‫((( شرح صحيح مسلم (‪.)90/1‬‬

‫‪30‬‬
‫الوالدين‬
‫َ‬ ‫‪ ٤٠‬فائدة في ِب ِّر‬

‫الوالدين إذا كان م ِّي َتني أو‬


‫َ‬ ‫ستحب َ‬
‫احل ُّج عن‬ ‫ُّ‬ ‫ُي‬
‫‪39‬‬
‫حل ُّج واج ًبا‬ ‫ِ‬
‫عاج َزين‪ ،‬ويبدأ باأل ِّم‪ ،‬سواء كان ا َ‬
‫رب(((‪.‬‬
‫مقدمة يف ال ِّ‬ ‫تطو ًعا؛ َّ‬
‫ألن األ َّم َّ‬ ‫أو ُّ‬

‫الوالدين بعد موهتام‪ِ :‬ص َل ُة أقارهبام‬


‫َ‬ ‫ِمن بِ ِّر‬
‫وأصدقائهام‪ ،‬واإلحسان إليهم؛ ف َي ِص ُل‬
‫‪40‬‬
‫الولد‬
‫ُ‬
‫ويتعهدهم باهلدايا‬
‫َّ‬ ‫والديه‪،‬‬
‫وأقارب َ‬
‫َ‬ ‫أصدقا َء‬
‫والسالم وقضاء احلوائج ‪-‬ما أمكنَه ذلك‪-‬؛‬
‫فهذا من ِّبره بأبيه‪ ،‬ومن ُح ْسن ال َع ْهد‪.‬‬
‫لقي َع ْب ُداهللِ ْب ُن ُع َم َر ‪َ ‬ر ُج ًل ِم َن‬ ‫فقد َ‬
‫راب بِ َط ِر ِيق َم َّك َة‪َ ،‬ف َس َّل َم َع َل ْي ِه َع ْب ُداهللِ‪،‬‬
‫األَ ْع ِ‬
‫كان َي ْر َك ُب ُه‪َ ،‬و َأ ْعطا ُه ِعام َم ًة‬‫ار َ‬ ‫ ح ٍ‬ ‫ح َله َع َل ِ‬
‫َو َ َ ُ‬
‫كا َن ْت َع َل َر ْأ ِس ِه! فقالوا له‪َ :‬أ ْص َل َح َك اهللُ‪،‬‬
‫((( المغني (‪.)235/3‬‬

‫‪31‬‬
‫الوالدين‬
‫َ‬ ‫‪ ٤٠‬فائدة في ِب ِّر‬

‫راب‪َ ،‬و َّإنُ ْم َي ْر َض ْو َن بِال َي ِس ِري! َف َ‬


‫قال‬ ‫َّإنُ ُم األَ ْع ُ‬
‫اب‪،‬‬‫كان ُو ًّدا لِ ُع َم َر ْب ِن اخلَ َّط ِ‬
‫إن َأبا َهذا َ‬ ‫َع ْب ُداهللِ‪َّ :‬‬
‫ول‪َّ :‬‬
‫«إن‬ ‫رسول اهللِ ‪َ ‬ي ُق ُ‬ ‫َ‬ ‫َو ِّإن َس ِم ْع ُت‬
‫الو َل ِد َأ ْه َل ُو ِّد َأبِ ِيه»(((‪.‬‬ ‫َأبر ِ ِ‬
‫الب‪ :‬ص َل ُة َ‬‫َ َّ ِّ‬

‫نسأل اهلل ‪ ‬أن يو ِّفقنا لرب ِ‬


‫والدينا‬ ‫ِّ‬
‫يف احلياة وبعد املامت‪ ،‬وأن يو ِّفقنا ملا حي ُّبه‬
‫ويرضاه‬
‫رب العاملني‬
‫واحلمد هلل ِّ‬

‫((( رواه مسلم (‪.)2552‬‬

‫‪32‬‬

You might also like