هكذا علمني رمضان

You might also like

Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 112

‫للن�شر والتوزيع‬

‫هكذا علمني رم�ضان‬ ‫ا�سـم الكتـــاب‬


‫د‪ .‬هاين درغام‬ ‫الـمــ�ؤلـــــــــف‬
‫‪20 × 15‬‬ ‫مقا�س الكتاب‬
‫‪ 2‬لـــــــون‬ ‫عـدد الألـوان‬
‫‪2013 / 11393‬‬ ‫رقـم الإيـداع‬

‫تليفون‪ 02 29733266 :‬موبايل‪0100 20047865 :‬‬

‫‪� 42‬شــــارع ريـــــا�ض ‪ -‬حــلــــوان ‪ -‬الـــقــــاهـــرة‬


‫‪E-Mail: Tibaadv@yahoo.com‬‬
‫ملن هذا الكتاب‬
‫• هل يشكو قلبك من طول الغفلة وتراكم الران وذبول زهرة‬
‫اإليامن؟‬
‫• هل تعاين من الكسل والوهن وحتاول التخلص من سموم‬
‫اهلوي وأشواك العصيان؟‬
‫• هل ترغب يف اإلنتصار عىل الشيطان قبل أن يفرتسك وتصبح‬
‫يف خرب كان؟‬
‫• هل أوشكت نفسك عىل الغرق يف بحار الدنيا تتقاذفك‬
‫أمواج شهواهتا وأنت تتوق إىل شاطئ األمان؟‬
‫• هل تشتاق إىل أعامل ترجح هبا كفة امليزان وتنال هبا العفو‬
‫والغفران وتنجيك من عذاب النريان وتوصلك إىل نعيم اجلنان؟‬
‫إذا كانت اإلجابة «نعم»‪..‬‬
‫فاقرأ كتايب «هكذا علمني رمضان»‬
‫بعينان مبرصتان‬
‫و ُأذنان واعيتان‬
‫وقلب يقظان‬
‫نداء إىل قليب األسري‬
‫يا أسري قيود املعايص والسيئات‪..‬‬
‫يا من أثخنته جراحات اهلوي واكتوي بنريان الشهوات‪..‬‬
‫يا من أصبح ريشة يف مهب رياح الغفالت‪..‬‬

‫يا قليب الكليل‪..‬‬


‫فتورا يف‬
‫كلام تأملت حالك يف ميدن الطاعات‪ ..‬وجدت ً‬
‫طلب اخلريات‪ ..‬كسل يف العبادات‪ ..‬استسالم للمغريات‪..‬‬
‫تثاقل عن األعامل الصاحلات‪ ..‬خور يف أداء الواجبات‪.‬‬

‫عجبًا لك يا قلب‪...‬‬
‫تركض يف الدنيا ركض الذئاب‪..‬‬
‫وإذا ظهرت لك لذة أو شهوة أرسعت السعي والذهاب‪..‬‬
‫اغرترت بزخرف الدنيا ونسيت أهنا رسيعة اإلنقالب‪.‬‬
‫وحيك ما أقساك‪..‬‬
‫متى تقرع الباب؟ متى العودة واملتاب؟‬
‫فيا قليب العليل‪..‬‬
‫هبت عليك نفحات شهر رمضان فاغتنمها ونسائم خرياته‬
‫فاهتبلها علها تُقلم أظافر شهواتك وحتطم قيود غفالتك‬
‫وتكرس سالسل آثامك‪.‬‬
‫فانتبه‪ ..‬قبل أن تسمع الصيحة باحلق فال قيمة يف التوبة وال‬
‫فرصة للعودة وال أمل يف الرجعة‪ ..‬فلو ناديت يومئذ‪:‬‬
‫(ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ»)‬
‫مل ُيسمع نداؤك ومل ُيقبل رجاؤك وسمعت النداء احلق‪:‬‬
‫( ﯘ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ)‬
‫[املؤمنون ‪]100 -99‬‬
‫إذا ذهب رمضان ومل يغفر لك‪ ..‬فبأي يشء تفرح؟‬
‫إذا مل ُيكتب اسمك يف سجل الفائزين‪ ..‬فبأي سلعة تربح؟‬
‫إذا مل تستغل هذه األوقات الفاضلة‪ ..‬فمتى تفلح وتنجح؟‬

‫فيا قليب املسكني‪..‬‬


‫احلق الركب وأدرك القافلة ِ‬
‫وحث اخلطي وأرسع السري‪..‬‬
‫واركب معنا يف سفينة النجاة‪.‬‬
‫مقدمة‬
‫احلمد هلل الذي جعل مواسم اخلريات نزال لعباده األبرار‪ ،‬وهيأ هلم فيها من أصناف‬
‫نعمه وفنون كرمه كل خري غزير مدرار‪ ،‬وجعلها تتكرر كل عام ليوايل عىل عباده الفضل‬
‫وحيط عنهم الذنوب واألوزار‪ ..‬أمحده أن جعل الليل والنهار خلفة ملن أراد التيقظ‬
‫والشكر واالدكار‪ ،‬وأشكره أن جعل شهر رمضان أفضل املواسم الكريمة التي تضاعف‬
‫فيها األعامل وتربح بضائع التجار‪ ..‬وأشهد أن ال إله إال اهلل وحده‪ ،‬ال رشيك له العزيز‬
‫الغفار‪ ..‬وأشهد أن حممدً ا عبده ورسوله النبي املختار‪.‬‬

‫أما بعد‪...‬‬
‫إن العبادات مصادر أساسية ودائمة ومتجددة للزاد الذى يزكى النفس ويصفيها من‬
‫شوائب احليوانية املالزمة هلا من أصل اجلبلة ويسمو هبا عن جواذب األرض‪ ..‬ويطهر‬
‫النفس من أدراهنا وينمي فيها ملكات اخلري والرمحة‪.‬‬
‫فكل ما رشعه اهلل من عبادات إنام يرمي إىل هتذيب النفس وترقيق مشاعرها وإرهاف‬
‫حسها وتوجيهها إىل احلق واحلد من طمعها وجشعها‪ ..‬والسيطرة عىل أهوائها ونوازعها‬
‫وفطامها عن اللذة واللهو وكفها عن األذي واللغو‪.‬‬
‫وكل عبادة من هذه العبادات هلا زادها وأثرها الرتبوي الذي يغاير زاد وأثر العبادات‬
‫األخري من بعض اجلوانب بحيث يكمل بعضها بعضا‪ ..‬وكام أهنا تغطي جوانب شخصية‬
‫املسلم فهي كذلك تغطي أيام حياته‪ ..‬فنجد منها املتكرر يوم ًيا كالصالة مخس مرات يف‬
‫شهرا كل عام كصيام رمضان‪ ..‬ومنها ما يتم حسب األحوال كالزكاة‬ ‫اليوم ومنها املتكرر ً‬
‫واحلج حسب االستطاعة واإلمكان‪.‬‬

‫أما شهر رمضان‪..‬‬


‫فهو مدرسة تربوية وواحة روحية يتلقي املسلمون فيها جرعات تعليمية نافعة ودروسا‬
‫إيامنية جامعة تفي بحاجات النفس وتلبي متطلباهتا النفسية‪ ..‬فهو بمثابة مصحة يدخل‬
‫ال يعالج فيها من كل العلل واألمراض ليخرج منها مع العيد معايف‬ ‫شهرا كام ً‬
‫فيها املسلم ً‬
‫شهرا قضاها املسلمون يف جهاد‬ ‫من كل داء فرحا بصيامه وشفائه‪« ..‬فبعد أحد عرش ً‬
‫العيش ورصاع املادة فقاسوا يف صيفها ُسعار الشهوات‪ ،‬وكابدوا يف خريفها مخود املشاعر‬
‫وعانوا يف شتائها موت الضامئر يأتيهم ربيع األرواح يف رمضان فيحيي موات قلوهبم‬
‫بالرب‪ ،‬ويوقظ رواقد نفوسهم بالذكر‪ ،‬ويرجع بأرواحهم إىل منبعها األزيل فتربأ من أوزار‬
‫احلياة وتطهر من أوضار املادة‪ ،‬وتتزود من مذخور اخلري بام يقوهيا عىل احتامل املحن‬
‫والفتن يف دنيا اآلمال واآلالم بقية العام كله»(((‪.‬‬
‫حيرك النفوس إىل اخلري‪ ،‬ويسكنها عن الرش‪ ،‬فتكون أجود باخلري من الريح‬ ‫• رمضان‪ّ ..‬‬
‫وحيررها من ّ‬
‫رق‬ ‫املرسلة‪ ،‬وأبعد عن الرش من الطفولة البلهاء‪ ،‬ويطلقها من أرس العادات ّ‬
‫ّ‬
‫وجيتث منها فساد الطباع‪ ،‬ورعونة الغرائز‪ ،‬ويطوف عليها يف أ ّيامه بمحكامت‬ ‫الشهوات‪،‬‬
‫الصرب‪ ،‬ومث ّبتات العزيمة‪ ،‬ويف لياليه بأسباب االتصال باهلل والقرب منه ‪.‬‬
‫• رمضان‪ ..‬ثالثون عيدً ا من أعياد القلب والروح‪ ،‬تفيض أيامها بالرسور‪ ،‬وترشق‬
‫لياليها بالنور ويكثر يف جمالسها باألنس ويغمر فيها الصائمني فيض من الشعور الديني‬
‫اللطيف جيعلهم بني صحوة القلب ونشوة اجلسد يف حال استغراق مع اهلل‪ ..‬فهو موسم‬
‫الطاعات ومالذ النفحات‪ ،‬ومواقيت الروحانيات‪ ،‬ومستمطر الرمحات‪.‬‬
‫لسمك مدرسة الثالثني‬
‫«أال ما أعظمك يا شهر رمضان! لو عرفك العامل حق معرفتك اَّ‬
‫يو ًما»‪.‬‬
‫نعم‪ ..‬مدرسة يتخرج املؤمن منها‪:‬‬
‫اإلخالص هلل شعاره‪ ..‬والنصح واإلحسان للعباد دثاره‪ ،‬والنشاط إىل األمور النافعة‬
‫أنيسه‪ ..‬والعلم النافع والعمل الصالح جليسه‪ ..‬جوارحه يف خدمة مواله‪ ..‬لسانه يلهج‬
‫بذكره وقلبه ينبض بشكره وعينه خُترج مكنون احلب بدمع صادق‪ ..‬ال يفكر وال يقوم وال‬

‫((( من مقال مرحبا بربيع القلوب ‪..‬األستاذ أمحد الزيات‪.‬‬


‫يقعد إال واهلل عز يف عاله ّ‬
‫أجل يشء لديه‪.‬‬

‫أيها الغافلون‪..‬‬
‫لو دعاكم ملك من ملوك الدنيا للوفود إليه ليهب لكم شيئا من حطام الدنيا و ُيقربكم‬
‫إليه‪ ..‬ولو ُذكر لكم موضع قريب أو بعيد تربح فيه البضائع وتستفيد لسارعتم إىل ذلك‬
‫وركبانا‪ ..‬ولتسابقتم إليه مجاعات وأفرا ًدا مع قلة ما حيصل لكم وفنائه‪ ،‬وتعب كل‬‫ُمشاة ُ‬
‫منكم وعنائه‪ ،‬ومشقته وشقائه‪..‬‬
‫فام بالكم واهلل عزوجل يدعوكم يف هذا الشهر الكريم ليحسن قراكم ويكرم مثواكم‬
‫ويغفر ذنوبكم ويزيل شقائكم وجيزل لكم اخلريات وحيقق رجائكم‪..‬‬
‫(ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ) [يونس ‪]25‬‬
‫• أما آن للعصاة أن ينغمسوا يف هنر الصيام‪ ،‬ليطهروا تلك األجسام من اآلثام‬
‫ويغسلوا ما علق بالقلوب من احلرام‪.‬‬
‫• أما آن للمعرضني أن يدخلوا من باب الصائمني عىل رب العاملني ليجدوا الرضوان‬
‫يف مقام أمني‪.‬‬
‫• أما آن لثياب العصيان أن خُتلع يف رمضان ل ُي ْلبس اهلل العبد ثياب الرضوان وليجود‬
‫عليه بتوبة متحو ما كان من الذنب والبهتان‪.‬‬
‫فامل القلوب عن قبول املواعظ نافرة؟‬
‫ومال النفوس معرضة عن التذكرة كأهنا هبا ساخرة؟‬
‫ومال اهلمم عن العمل الصالح فاترة؟‬
‫أغرتكم األماين واآلمال احلارضة؟!‪..‬‬
‫أين أصحاب العقول النرية والقلوب احلية واهلمم العظيمة والعزائم القوية والنفوس‬
‫املتوثبة؟‬
‫أين التائبون عن اآلثام؟‬
‫أين النادمون عىل اإلجرام؟‬
‫أين الباكون من خشية امللك العالم؟‬
‫أين املجتهدون يف العمل لدار السالم؟‬
‫أين الراغبون يف جزيل الثواب؟‪..‬‬
‫أين املشفقون من أليم العذاب؟‪..‬‬
‫أين العاملون ليوم احلساب؟‬
‫(ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ‬
‫ﭣ ﭤ) [آل عمران ‪.]30‬‬
‫فام أسعد عبدً ا دعاه مواله إىل طاعته فأجاب‪ ..‬وما أشقي عبدا ُدعي فلم يقرع الباب‪،‬‬
‫وما أقيس قلبا ُعطف إىل اإلنابة فام أناب‪ ..‬يسمع املواعظ فكأنه عنها يف حجاب‪.‬‬

‫إخواني يف اهلل‪..‬‬
‫هلموا إىل ربكم‪ ..‬فاملجال مفسوح‪ ..‬وامليدان مفتوح‪ ..‬والفرص كثرية وأبواب اخلري‬
‫متعددة وجماالت الرب متنوعة‬
‫(ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ) [املطففني ‪.]26‬‬
‫اللهم أهل علينا هالل رمضان باألمن واإليامن والسالمة واإلسالم وتقبل منا الصيام‬
‫والقيام وجتاوز عن اخلطايا واآلثام‪.‬‬
‫اللهم اجعل رمضان هذا العام عام خري وعزة ونرص لإلسالم واملسلمني واغفر لنا‬
‫زللنا وإرسافنا يف أمرنا فيام ميض من أيامنا وأعوامنا وأعامرنا‪ ..‬وجتاوز عن سيئاتنا وامح‬
‫لوثاتنا وارفع درجاتنا‪ ..‬أنت موالنا فنعم املويل ونعم النصري‬
‫حمبكم يف اهلل‬
‫هاين حممود درغام‬
‫التوبة‪ ..‬ميالد جديد‬ ‫‪10‬‬

‫تصحيح مسار‪:‬‬
‫كالعادة استقبل شهر رمضان من كل عام وأنا ُمثقل بالذنوب واآلثام‪ ..‬غارق‬
‫يف كسب الشهوات واحلطام‪ ..‬فهذه نظرة حمرمة‪ ..‬وهذه غيبة‪ ..‬وهذا تقصري‬
‫يف الصلوات‪ ..‬وتكاسل عن صلة األرحام‪ ..‬وضياع األوقات يف امللهيات‪..‬‬
‫وتقصري يف األمر باملعروف والنهي عن املنكرات‪ ..‬حتى إذا دخل رمضان بدأت‬
‫يف إعادة ترتيب أوراقي ومعاجلة سلبيايت‪ ،‬وتداركت هفوايت وزاليت‪ ..‬وسارعت‬
‫إىل التوبة النصوح من مجيع أخطائي وعثرايت‪.‬‬
‫وهكذا النفس اإلنسانية هتفو إىل السيئات‪ ،‬وتنزع إىل الرشور‪ ،‬وتتعرض يف‬
‫خمالطتها اآلخرين إىل رضوب من الفتن واملغريات املحرجة‪ ..‬وهي بحاجة إىل‬
‫توبة متجددة متكررة‪ ،‬متسح عنها هذه األكدار‪ ،‬ومتحو هذه اآلثار مثلام حيتاج‬
‫اجلسد إىل أنواع الغسل ورضوب املطهرات‪.‬‬

‫رباه‪..‬‬
‫«ما أمجل التوبة‪ ..‬وما أعظم مشاعر العبد التائب الراجع إىل مواله‪ ،‬وكم تكون‬
‫الدنيا ضيقة كئيبة لوال هذه النعمة‪ ،‬نعمة التوبة واملغفرة‪ ..‬نعمة التوبة التي ننعم‬
‫بربدها ونستظل بظالهلا بعد أن تلفحنا املعايص‪ ،‬فنلجأ إىل أفيائها‪ ..‬لكأن التوبة‬
‫هنر عذب جار يتطهر العبد به من أدرانه‪ ،‬ينغمس يف مياهه من لوثه الشهوات‪،‬‬ ‫ٌ‬
‫مغتسل بار ٌد يطفئ تلك النار‪ ،‬ويغسل تلك‬ ‫ٌ‬ ‫واكتوى بنار املخالفات فإذا النهر‬
‫األوزار‪ ،‬فيخرج العبد منه نق ًيا من األوساخ والشوائب» ‪.‬‬
‫(((‬

‫((( من مقال التوبة لألستاذ أمحد احلموي‪.‬‬


‫‪11‬‬ ‫رمضان والتوبة‪:‬‬
‫«ما أمجل أن يكون رمضان هو مكان ميالد التوبة يف النفس وزمنها‪ ،‬ذلك ألن‬
‫التوبة كالنبتة اجلديدة التي حتتاج إىل مزيد اهتامم‪ ،‬فلو تركت ولو مدة يسرية دون‬
‫سقي ورعاية ربام ذوت «ذبلت» وفقدت حياهتا‪ ،‬ولكن رمضان بجوه اإليامين‬
‫الشفاف وما يمتلئ به من فضائل األعامل وما يراه التائب فيه من إقبال اآلخرين‬
‫عىل الطاعة كل ذلك مما يشجع عىل االستمرار يف التوبة وتثبيت أركاهنا يف النفس‬
‫التي تتمثل يف بغض الذنب والندم عىل فعله واإلقالع عنه والعزم عىل عدم‬
‫الرجوع إليه مرة أخرى ورد احلقوق إىل أصحاهبا»(((‪.‬‬

‫ففي رمضان‪..‬‬
‫أبواب األمل يف وجوه املذنبني الذين أطاحت هبم الشياطني يف فخاخها‪،‬‬
‫ُ‬ ‫تُفتح‬
‫وأوقعتهم يف شباكها‪ ،‬وأحاطت هبم خطاياهم من كل جانب حتى اشتد قلقهم‬
‫وتوجسهم منها‪ ،‬ألن اهلل الكريم احلليم ه ّيأ هلم األجواء‪ ،‬وقلل عنهم سبل‬
‫وش َّل حركاهتم‪ ،‬وأزال وساوسهم‪،‬‬ ‫اإلغواء‪ ،‬وأخرس ألسنة الشياطني األعداء‪َ ،‬‬
‫َ‬
‫نريان الشهوات‪،‬‬ ‫وجعل أرواح املؤمنني تستجيب ألوامره سبحانه‪ ،‬وأمخد‬
‫وأضعف حدة اهلوى يف نفوسهم‪ ،‬وما ذلك إال ليتوبوا ويسلكوا سبيل التائبني‬
‫النادمني املقبلني عىل اهلل‪.‬‬

‫حقيقة التوبة‪:‬‬
‫التوبة‪:‬‬
‫هي الرجوع إىل اهلل واإلنابة إليه واالنكسار بني يديه‪ ،‬والتذلل له‪ ،‬واالعرتاف‬
‫بتقصري النفس وتفريطها يف حقوقه وطاعته‪.‬‬

‫((( أنوارك يا رمضان ص‪ 10‬د‪ .‬خالد احلليبي‪.‬‬


‫يقول اإلمام القرطبي‪:‬‬
‫‪12‬‬
‫«التوبة‪ :‬هي الندم بالقلب‪ ،‬وترك املعصية يف احلال‪ ،‬والعزم عىل أال يعود إىل‬
‫حياء من اهلل»‪.‬‬
‫مثلها وأن يكون ذلك ً‬
‫من يليب دعوة الرمحن؟‬
‫قال اهلل عزوجل‪:‬‬
‫(ﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔ‬
‫ﯕ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ) [الزمر ‪]53‬‬
‫إهنا دعوة لنا مجيعا بال استثناء إىل الباب املفتوح‪ ،‬إىل الروضة الغناء التي ال‬
‫يذبل زهرها‪ ،‬وال تذوى رياحينها وورودها‪ ،‬إىل التوبة النصوح‪ ..‬دعوة إىل هجرة‬
‫عامل اخلطايا والسيئات إىل عامل الطاعات والعبادات‪ ..‬دعوة لالنتقال الكيل من‬
‫دنيا الشيطان وغواياته إىل رحاب اإلسالم وأنواره‪ ..‬دعوة إىل والدة روحية‬
‫جديدة نتدارك فيها تفريطنا ونبادر أوقاتنا حتى نلحق بمدرسة عباد الرمحن ونثأر‬
‫من الشيطان‪.‬‬

‫فيا غافالً يف بطالته‪ ..‬يا من ال يُفيق من سكرته‪..‬‬


‫أين ندمك عىل ذنوبك؟‬
‫أين حرستك عىل عيوبك؟‬
‫إىل متى تؤذي بالذنب نفسك وتضيع يومك تضييعك أمسك؟‬
‫ال مع الصادقني لك قدم‪ ،‬وال مع التائبني لك ندم‪ ،‬هال بسطت يف الدجى‬
‫«الظلامت» يدا سائلة‪ ،‬وأجريت يف السحر دموعا سائلة؟‬

‫إخواني يف اهلل‪..‬‬
‫نوهبم وال يتو ُب َ‬
‫ون‬ ‫ون عىل ُذ ْ‬ ‫رص َ‬ ‫بون‪ ،‬ولكنّي ألوم الذين ُي ّ‬ ‫أنا ال ألوم الذي َن ُيذنِ َ‬
‫ْب بِدَ افع َض ْع ِف ِهم ا ُملركّب‪ ،‬ولكنّي ألوم‬ ‫كر َ‬
‫رون الذن َ‬ ‫ئهم‪ ..‬وال ألوم الذي َن ُي ّ‬ ‫إىل ِ‬
‫بار ْ‬
‫الذي َن ال يحُ اولون أن يتخلصوا من هذه اآلثام بعد معرفتهم إياها وخوفهم من اهلل‬
‫‪13‬‬
‫يف هنايتها وإيامهنم بمراقبة اهلل إياهم‪.‬‬

‫فيا قليب العليل‪..‬‬


‫كلام ناداك منادي اإليامن أن ارجع عن غيك! هلجت باالستغفار‪ ،‬وأضمرت‬
‫يف قلبك اإلرصار‪ ،‬وربام سوفت توبتك إىل أجل غري مسمى فلم االنتظار؟‪ ..‬فإىل‬
‫متى هذه الغفالت؟!‪ ،‬وإىل متى املغالطات؟! فاحذر أن يدركك املوت وأنت عىل‬
‫املعصية قائم‪ ..‬ويف دروب التيه هائم‪ ..‬متنّي نفسك بالتوبة وال تتوب‪ ..‬وهتمس‬
‫باإلقالع وال تؤوب‪ ..‬وقد غرتك أعاملك وسحرتك آمالك‪ ..‬حتى فاجأتك‬
‫املنية‪ ..‬وحل بك الندم! وقد فات األوان‪ ..‬فيا حرسة عليك لو باغتك املوت‬
‫ووصلت الروح إىل احللقوم فحينئذ ال تقبل منك توبة وال ينفعك ندم‪..‬‬
‫(ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ‬
‫ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ) [النساء ‪.]18‬‬

‫وحيك يا قلب‪..‬‬
‫نريان االعرتاف تأكل خطايا االقرتاف‪ ،‬وجمانيق الزفرات هتدم حصون‬
‫السيئات‪ ،‬ومياه احلرسات تغسل أنجاس اخلطيئات‪.‬‬
‫فيا ليت شعري ما اسمي عندك يا عالم الغيوب‪ ،‬وما أنت صانع يف ذنويب يا‬
‫غفار الذنوب‪ ،‬وبم خيتم عميل يا مقلب القلوب‪.‬‬

‫** من اآلن أعلن توبتك من كل الذنوب والسيئات‬


‫والتقصري يف الطاعات واملخالفات‪ ،‬واعلم أنه من ندم عىل ما‬
‫مىض من الزالت‪ ،‬وأقلع يف احلال عن اخلطيئات وعزم أن ال‬
‫يعود يف مستقبله إىل اجلنايات‪ -‬فقد قام برشوط التوبة‪.‬‬
‫** إذا أوقعك الشيطان يف املعصية بعد رمضان فعليك بالتوبة الفورية واحذر‬
‫‪14‬‬
‫التسويف وال تيأس من كثرة العودة إىل الذنوب مادمت كلام تعثرت تتوب‪.‬‬
‫** احرص عىل قراءة سري التائبني‪ ..‬ففي قصصهم ترقيق للقلب وحتفيز‬
‫للنفس وأنصحك بكتاب «العائدون إىل اهلل» للشيخ حممد عبد العزيز املسند‪..‬‬
‫ويمكنك حتميله وقراءته من موقع صيد الفوائد‪.‬‬

‫«عليــكم بالتـــوبة فإهنــا ترد عنكــم ما ال تــرده السيــوف»‪.‬‬


‫[الفضيل بن عياض]‪.‬‬
‫‪15‬‬ ‫ً‬
‫شوقا إىل اجلنة‬
‫هل تشتاق إىل موطنك األصلي؟‬
‫• هل تذكر يو ًما وأنت يف طريق عودتك إىل مدينتك أو بلدتك بعد رحلة‬
‫طويلة أو قصرية سافرت فيها بح ًثا عن الرزق واملعاش أو طل ًبا للعلم أو‬
‫العالج‪ ..‬هل تذكرت مشاعر الشوق واحلنني وأنت يف طريق عودتك وأنت تمُ نّي‬
‫نفسك بالوصول إىل بيتك حيث الراحة والسكينة والطمأنينة؟‬
‫• هل علمت أنك خملوق أخروي بالدرجة األويل تنتظر مثلام ينتظر املسافر‬
‫الفرصة املناسبة للعودة إىل وطنك األصيل‪« ..‬اجلنة»؟ وهذا ما رصح به إبراهيم‬
‫بن أدهم رمحه اهلل فقال‪:‬‬
‫ِ‬
‫وحقيق عىل املسبي أال‬
‫ٌ‬ ‫نسل اجلنَّة‪ ،‬س َبانا إبليس منها باملعصية‪،‬‬‫نس ٌل من ْ‬
‫«نحن ْ‬
‫يرجع إىل وطنه»‪.‬‬‫َ‬ ‫َ‬
‫هينأ بعيشه حتى‬

‫أواه‪ ..‬إنها اجلنة‪:‬‬


‫هل تشتاق إليها؟؟ هل حتن إليها؟‬
‫قل يل بربك‪ ..‬كم مرة تفكر فيها يف اليوم أو يف األسبوع أو حتى يف الشهر؟‬

‫واحسرتاه‪...‬‬
‫لقد طغي ظالم املادة يف حياتنا عىل نور احلق وسمو الروح‪ ..‬واستحوذت‬
‫بمتعها التافهة الزائلة عىل اهتامم الكثري من الناس وصارت أكرب مههم‬
‫الدنيا ُ‬
‫ومبلغ علمهم وشغلوا هبا عن احلياة اآلخرة الدائمة ونعيمها‪.‬‬
‫دعني أسألك‪ ..‬كم مرة تفكر يف الدنيا يف الساعة أو يف اليوم؟‬
‫ما الذي يشغل بالك يف هذه اللحظة؟‬
‫هل يشء غري املال والبنني وامللبس واملطعم والشهادات واأللقاب واألفكار‬
‫التافهة والنزوات الفارغة الوضيعة ومطالب النفس احليوانية الباطنة والظاهرة‬
‫‪16‬‬
‫إال من رحم ربك؟‬

‫رمضان ونسائم اجلنان‪:‬‬


‫ما أمجل أن تستغل رمضان هذا العام للتحرر من أرس هذه املادية البغيضة‪..‬‬
‫لتستعيد النفوس شوقها وهلفتها إىل اجلنة‪ ،‬وتسرتجع الروح سموها وصفائها‪..‬‬
‫كيف ال ويف شهر رمضان تفتح أبواب اجلنة وتتزين لعباد اهلل الصائمني‪ ..‬فعن‬
‫أيب هريرة ‪ ‬عن النبي ﷺ قال‪:‬‬
‫ت‬‫«إذا دخل رمضان ُفتحت أبواب اجلنة وغُلقت أبواب جهنم َو ُس ْل ِس َل ْ‬
‫الشياطني»(((‪.‬‬
‫وعنه ‪ ‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ﷺ‪:‬‬
‫رمضان صفدت الشياطني ومردة اجلن‪ ..‬وغُلقت أبواب‬ ‫َ‬ ‫أول ٍ‬
‫ليلة من‬ ‫«إذا كان ُ‬
‫النار فلم يفتح منها باب‪ ..‬وفتحت أبواب اجلنة فلم يغلق منه باب وينادي مناد‪:‬‬
‫يا باغي اخلري أقبل ويا باغي الرش أقرص‪ ..‬وهلل عتقاء من النار وذلك ك َُل ليلة»(((‪.‬‬

‫أخي‪..‬‬
‫أبواب اجلنة مفتوحة طوال هذا الشهر الكريم‪ ..‬فهل شممت عبريها؟‬
‫هل تنسمت أرجيها؟‪ ..‬أم زكمت أنوفنا باملعايص واآلثام فلم جتد اجلنة فيها‬
‫موض ًعا؟!‬

‫واعجباه‪..‬‬
‫كيف ال تشتاق إىل اجلنة وللصائمني بابا يدخلون منه إىل اجلنة ال يدخل منه‬

‫((( متفق عليه‪.‬‬
‫الرتمذي واب ُن ماجه والنسائي وحسنه األلباين‪.‬‬
‫ُ‬ ‫((( رواه‬
‫‪17‬‬ ‫النبي ‪ ‬قال‪:‬‬
‫أن َّ‬ ‫أحد غريهم‪ ..‬فعن سهل بن سعد ‪ّ ‬‬
‫«إن يف اجلنة با ًبا يقال له الريان يدخل منه الصائمون يوم القيامة ال يدخل منه‬
‫َّ‬
‫يدخل منه أحدٌ غريهم فإذا دخلوا‬
‫غريهم يقال‪ :‬أين الصائمون؟ فيقومون ال ُ‬ ‫أحد ُ‬
‫أغلق فلم يدخل منه أحد»(((‪.‬‬

‫للمشتاقني‪ ..‬صور من نعيم اجلنة‪:‬‬


‫• إن سألت عن أرضها وتربتها فهي املسك والزعفران‪ ..‬وإن سألت عن‬
‫سقفها فهو عرش الرمحن‪.‬‬
‫• وإن سألت عن بالطها فهو املسك األذفر‪ ..‬وإن سألت عن حصبائها فهو‬
‫اللؤلؤ واجلوهر‪ ..‬وإن سألت عن بنائها فلبنة من فضة ولبنة من ذهب‪.‬‬
‫• وإن سألت عن طعامهم ففاكهة مما يتخريون وحلم طري مما يشتهون‪:‬‬
‫(ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ) [الطور ‪.]22‬‬
‫• وإن سألت عن رشاهبم فالتسنيم والزنجبيل والكافور‬
‫(ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ) [اإلنسان ‪.]18-17‬‬
‫• وإن سألت عن عرائسهم وأزواجهم فهن الكواعب األتراب الآليت‬
‫جرى يف أعضائهن ماء الشباب فللورد والتفاح ما لبسته اخلدود‪ ،‬وللرمان‬
‫ما تضمنته النهود‪،‬واللؤلؤ املنظوم ما حوته الثغور‪ ،‬وللرقة واللطافة ما دارت‬
‫عليه اخلصور‪ ،‬جتري الشمس من حماسن وجهها إذا برزت وييضء الربق من بني‬
‫رسورا وكلام حدثته مألت أذنه‬
‫ً‬ ‫ثناياها إذا ابتسمت‪ ..‬كلام نظر إليها مألت قلبه‬
‫نورا‪.‬‬
‫ومنثورا وإذا برزت مألت القرص والغرفة ً‬
‫ً‬ ‫منظورا‬
‫ً‬ ‫لؤلؤا‬
‫ً‬
‫• وإن سألت عن فرشها ورسرها فهي فرش بطائنها من اإلستربق وزرايب‬

‫((( متفق عليه‪.‬‬
‫مبثوثة يف كل مكان بأمجل األشكال واأللوان ترس العني واخلاطر وتبهج‬
‫‪18‬‬
‫النفس‪..‬‬
‫(ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯚ ﯛ‬
‫ﯜ ﯝ) [الكهف ‪.]31‬‬
‫• وإن سألت عن أسواقها‪ ..‬فدونك قول النبي ‪:‬‬
‫«إن يف اجلنة سوقا يأتوهنا كل مجعة فتهب ريح الشامل‪ ،‬فتحثو يف وجوههم‬
‫وثياهبم‪ ،‬فيزدادون حسنًا ومجاالً‪ ،‬فريجعون إىل أهليهم وقد ازدادوا حسنًا ومجاالً‪،‬‬
‫فيقول هلم أهلوهم‪ :‬واهلل لقد ازددتم بعدنا حسنًا ومجاالً‪ ،‬فيقولون‪ :‬وأنتم واهلل لقد‬
‫ازددتم حسنا ومجاالً»(((‪.‬‬
‫• وإن سألت عن الصحبة فيها‪ ..‬فهل هناك أعظم وأرشف من صحبة النبي‬
‫املختار ﷺ وصحابته األطهار والتابعني هلم بإحسان من األخيار واألبرار‪...‬‬
‫وتأكل عىل مائدتِ ِه‪ ،‬وتتأ َّم ُل‬
‫ُ‬ ‫جملس ِه‪،‬‬
‫وأنت مع النَّبي ﷺ جتلس يف ِ‬
‫ُ‬ ‫ِّ‬ ‫َ َ َ‬ ‫نفس َك‬
‫ت ََص َّو ْر َ‬
‫ِ‬
‫اآلرسة‪ ،‬تق ِّب ُل جبينَ ُه‪،‬‬ ‫العاطرة ونظراتِه‬
‫ِ‬ ‫نفس َك بابتساماتِه‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫وجهه‪ ،‬وتمُ ت ُِّع َ‬ ‫قسامت‬
‫كالم ِه‪ ..‬تصور نفسك وأنت تتحدث مع أيب بكر‬ ‫تضع ك َّف َك بك ِّف ِه‪ ،‬تستمع إىل ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫الصديق‪ ،‬وتق ّبل الفاروق عمر‪ ،‬وتناجي عثامن بن عفان‪ ،‬وتصافح عىل بن أيب‬
‫طالب‪ ،‬وجتلس إىل خالد بن الوليد حيدثك عن جهاده وبطوالته و‪..‬‬
‫وأروع املرسات وأعظم اللذات عىل اإلطالق لذة النظر إىل وجه ربك الكريم‬
‫(ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ) [القيامة ‪..]23-22‬‬
‫فأي مستوى من الرفعة هذا ؟‬
‫أي مستوى من السعادة ؟‬

‫((( رواه مسلم‪.‬‬
‫‪19‬‬ ‫وخالصة القول‪:‬‬
‫اجلنة فيها ما ال عني رأت وال أذن سمعت وال خطر عىل قلب برش‪..‬‬
‫(ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ) [السجدة ‪]17‬‬

‫أخي يف اهلل‪..‬‬
‫خاطب يف هذا الشهر إىل الرمحن؟‬
‫ٌ‬ ‫• أال‬
‫• أال هل من مشتاق إىل احلور احلسان؟‬
‫• أال راغب فيام أعده اهلل للطائعني يف اجلنان؟‬
‫• أال من مشتاق لدخول اجلنة من باب الريان؟‬
‫• أال طالب ملا أخرب به من النعيم املقيم مع أنه ليس اخلرب كالعيان؟‬
‫إن العجب كل العجب ممن يصدق بدار البقاء وهو يسعي لدار الفناء‪ ..‬ويعلم‬
‫أن رضا اهلل يف طاعته وهو يسعى يف خمالفته‪.‬‬

‫عجبا لك يا مغرور‪..‬‬
‫ما هذا التواين والفتور؟‪ ..‬باطنك خراب والظاهر معمور‪ ..‬آه لو تفكرت يف‬
‫سكرات املوت وفتنة القبور؟‬
‫لو تدبرت كتاب ربك لعلمت أن احلياة الدنيا متاع الغرور‪.‬‬
‫كيف ترجو النجاة وأنت غارق يف املنكر والزور؟‬
‫فيا من ُأخرج أبويه من اجلنة بذنب واحد بعد أن كان هلا مالكًا‪ ..‬كيف تطمع‬
‫بدخوهلا بذنوب كاجلبال لست هلا تاركًا؟!‬

‫أيها الكسالي والنائمون‪..‬‬


‫متى تستيقظون؟‬
‫متى عن فراش الغفلة هتجرون؟‬
‫متى تبادرون؟‬
‫‪20‬‬
‫(ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ‬
‫ﭜ) [آل عمران ‪]133‬‬

‫** استحرض وأنت تؤدي العبادات والطاعات يف هذا الشهر‬


‫الكريم نعيم اجلنة وألوان املتعة واللذة فيها‪ ،‬مستعينًا يف ذلك‬
‫بقراءة اآليات التي تتحدث عن وصف اجلنة ونعيمها بقلب‬
‫متدبر ونفس مشتاقة‪ ..‬فهذا مما يشحذ اهلمم ويقوي النفوس‬
‫كلام أصاهبا امللل أو زارها الفتور‪.‬‬
‫** احرص يف دعائك وخاصة قبل اإلفطار أن تقول‪:‬‬
‫«اللهم إنى اسألك اجلنة وما قرب إليها من قول وعمل‪ ..‬وأعوذ بك من النار‬
‫وما قرب إليها من قول وعمل»‪..‬‬
‫وال تنسى صاحب هذا الكتاب من دعوة صاحلة بمرافقتك يف اجلنة‪.‬‬

‫بكي أحد الصاحلني عندما قرأ قوله تعاىل‪:‬‬


‫(ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ‬
‫ﭚ ﭛ ﭜ) [آل عمران ‪..]133‬‬
‫فقيل له‪ :‬لقد أبكتك آية ما مثلها يبكي‪ ..‬إهنا جنة عريضة واسعة‪..‬‬
‫فقال‪ :‬يا ابن أخي وما ينفعني عرضها إن مل يكن يل فيها موضع قدم؟!‬
‫‪21‬‬ ‫اآلن فهمت التقوى‬

‫رصيد التقوى‪:‬‬
‫حني يصيب اإلنسان بعض القصور‪ ،‬ويغلبه طغيان الشهوة وجتذبه نوازع‬
‫اهلوي تعمل التقوى عملها‪ ..‬فرسعان ما يرجع التقي إىل ربه‪ ،‬ويأوي إىل رمحته‬
‫وهيرب من شيطانه‪..‬‬
‫(ﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔ)‬
‫[األعراف ‪]201‬‬
‫وهكذا كلام كان رصيد املؤمن من التقوى عظيماً ‪ ،‬كلام كان أثر الشيطان فيه‬
‫ضعي ًفا‪ ..‬فالتقوى هى احلصن الذي حيتمي فيه املؤمن من أن يطوف الشيطان به‪،‬‬
‫وكلام كان هذا احلصن متني األركان‪ ،‬متامسك البنيان كلام ضاقت منافذ الشيطان‬
‫وسدّ ت دون كيده األبواب‪.‬‬

‫فما هي التقوي؟‬
‫• قال اإلمام ابن رجب احلنبيل رمحه اهلل‪:‬‬
‫«وأصل التقوى أن جيعل العبد بينه وبني ما خيافه وحيذره وقاية تقيه منه‪ ،‬فتقوى‬
‫العبد لربه أن جيعل بينه وبني ما خيشاه من ربه وغضبه وسخطه وعقابه وقاية تقيه‬
‫من ذلك وهو فعل طاعته واجتناب معاصيه»‪.‬‬
‫ولإلمام حسن البنا رمحه اهلل تعريف جامع فيقول‪:‬‬
‫«إن تقوى اهلل عاطفة من خوف اهلل وإعظامه وخشيته تتملك قلب العبد‬
‫وتستويل عىل نفسه فتوقظ ضمريه‪ ،‬وحتيي شعوره وجتعل من نفسه لنفسه وازعا‪،‬‬
‫وتقيم عليه منه حارسا‪ ،‬فيكون عن ذلك ما علمت من ُبعد عن معصية ومبادرة‬
‫إىل طاعة‪ ..‬وإنام يكون ذلك عن جهاد النفس وكفها عن الرشور‪ ،‬وتوجهها إىل‬
‫اخلريات‪ ،‬واإلنسان يف هذه احلال يف حرب مع نوازع الرش يف نفسه‪ ،‬ويف مصادمته‬
‫‪22‬‬
‫لعوامل اإلثم ودواعي الشهوات‪ ،‬واحلرب – كام يقولون‪ -‬سجال يوم لك ويوم‬
‫عليك»‪.‬‬
‫وهلل در القائل‪:‬‬
‫وكبيــرهـا فهــو التُّقـــى‬ ‫الذنــوب صغيـرها‬
‫َ‬ ‫ّ‬
‫خــل‬
‫أرض الشوك حيذر ما يرى‬ ‫ٍ‬
‫كمــاش فـــوق‬ ‫واصنــع‬
‫إن اجلبـــال من احلصــى‬ ‫ّ‬
‫تـحــقـــرن صغيـــر ًة‬ ‫ال‬

‫رمضان والتقوي‪:‬‬
‫قال اهلل تعاىل‪:‬‬
‫(ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ‬
‫ﭯ ﭰ) [البقرة ‪]183‬‬
‫يف هذه اآلية الكريمة حيدد ربنا عز وجل اهلدف من الصوم فيجعله التقوى‬
‫إذ أنه سبحانه مل يقل‪ :‬لعلكم تصحون أو لعلكم تقتصدون‪ ،‬وإنام قال‪( :‬ﭯ‬
‫اختبارا روح ًيا‪ ،‬وجتربة خلقية‪ ،‬وأراد منه أن يكون‬
‫ً‬ ‫ﭰ) فجعل الصوم‬
‫وسيلتك إىل نيل صفة املتقني‪ ،‬وأداتك يف اكتساب ملكة التقوى‪ ..‬التقوى إذن‬
‫هي اهلدف احلقيقي للصيام الذي إن أصبته جاءت من ورائه كل الثمرات مكرهة‬
‫راغمة‪ ،‬وإن أخطأته فقد أضعت عملك كله سدى‪.‬‬
‫وعن أثر الصوم يف حتقيق التقوي حيدثك د‪ .‬حممد عبد اهلل دراز رمحه اهلل فيقول‪:‬‬
‫«التقوى يف احلقيقة هدف مشرتك بني العبادات والطاعات مجيعا غري أن‬
‫للصوم يف حتصيلها أثرا أوسع وأعم واملنزلة التي يبلغها الصائم بني مراتب‬
‫املتقني هي أعىل املراتب وأسامها‪ ..‬أما أن أثر الصوم يف التقوى أوسع وأعم‪،‬‬
‫فألن التقوى التي تثمرها سائر الواجبات إنام هي كف عن املحارم‪ ،‬أما الصيام‬
‫فإنه جيئ من وراء هذه الدائرة املحظورة فيضيف إليها نطاقا جديدا يعلمنا به‬
‫‪23‬‬
‫كيف نكف عن بعض احلالل واملباح‪ ،‬وكيف نستغني أحيانا عام هو يف العادة‬
‫من مقومات احلياة‪ ..‬فإذا كانت الطاعات األخرى تورث أوائل درجات التقوى‬
‫باالعتدال واالستقامة‪ ،‬فإن الصيام يورث هناية درجاهتا بالزهد والورع‪.‬‬
‫إن من تأمل كلمة «التقوى» التي عرب هبا القرآن يف حكمة الصيام جيدها منطوية‬
‫عىل شطرين‪ :‬ففي شطرها األول كف وانتهاء وابتعاد واجتناب‪ ،‬ويف شطرها‬
‫الثاين إقبال واقرتاب وإنشاء وبناء‪ ...‬فليس الشأن يف أن يغلق الصائم منافذ‬
‫حسه‪ ،‬ويسكت صوت اهلوى يف نفسه فذلك إنام يمثل إغالق منافذ النريان‪،‬‬
‫فتحا ملسالك الروح وأن‬
‫ولكن الشأن األعظم يف أن يكون إغالق منافذ احلس ً‬
‫يكون إسكات صوت اهلوى متكينا لكلمة احلق واهلدى يف النفس‪ ..‬فتلك هي‬
‫مفاتيح أبواب اجلنان»‪.‬‬

‫أخي يف اهلل‪..‬‬
‫* كيف يكون تق ًيا هلل من أمهـل فرائض اهلل وضيعها‪ ،‬وجترأ عىل حمارمه‬
‫وانتهكها؟‬
‫* كيف يكون تق ًيا هلل من جترأ عىل الربا والغش والبخس وأكل احلرام‪ ،‬وأطلق‬
‫لسانه يف الغيبة والنميمة والكذب واآلثام؟‬
‫ً‬
‫وعطشا‬ ‫* كيف يكون تق ًيا من ال يرى يف الصوم إال جو ًعا ال تتحمله معدته‪،‬‬
‫ال تقوى عليه عروقه؟‬
‫* هل حقق معني التقوي من جاع هناره‪ ،‬ومأل يف الليل بطنه بأطايب الطعام‬
‫فهو رصيع لذة عارمة وعبد لشهوة جاحمة؟‬
‫* هل حقق معني التقوي من هناره نوم وكسل‪ ..‬وليله لغو وهلو وسمر؟‬
‫فيا متنكبًا طريق التقوى‪..‬‬ ‫‪24‬‬
‫البد أن تصبح من النادمني حتى تقول‪:‬‬
‫(ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ) [الزمر‪..]57‬‬

‫هيهات هيهات‪..‬‬
‫ذهبت اللذات وبقيت التبعات‪ ،‬وتقطعت قلوب العاصني من الفوات وشدة‬
‫احلرسات‪ ..‬فال اعتذارهم مسموع وال نافع‪ ،‬وليس هلم عمل منقذ وال محيم‬
‫شافع‪ ..‬قد حيل بينهم وبني ما يشتهون‪ ،‬ومل يغن عنهم ما كانوا به يمتعون‪.‬‬

‫** أوصيك بتقوى اهلل الذي هو نج ّيك يف رسيرتك ورقيبك‬


‫يف عالنيتك‪ ،‬فاجعل اهلل من بالك عىل كل حالك يف ليلك‬
‫وهنارك‪ ،‬وخف اهلل بقدر قربه منك وقدرته عليك‪.‬‬
‫** استخرج من القرآن الكريم اآليات التي تتحدث عن‬
‫فضل التقوي وثمراهتا وتدبرها مع إخوانك‪.‬‬

‫قال عمر بن عبد العزيز ‪:‬‬


‫«ليس تقوى اهلل بصيام النهار وبقيام الليل والتخليط فيام بني ذلك‬
‫‪-‬أي اقرتاف الذنوب وخلط األعامل الصاحلة بام يفسدها‪ -‬ولكن‬
‫تقوى اهلل‪ :‬ترك ما حرم اهلل وأداء ما افرتض اهلل عز وجل»‪.‬‬
‫‪25‬‬ ‫ويف اإلقبال على القرآن لذة‬

‫هذه رسالة القرآن‪ ..‬فمن يتلقاها؟‬


‫لو قيل لك‪:‬‬
‫إن رسالة خاصة جاءتك من امللك‪ ،‬ووزيره بالباب ينتظر ليسلمك إياها‬
‫فكيف يكون شعورك؟ أال هترع إىل الباب الستالمها‪ ،‬ثم ترسع بفضها ملعرفة‬
‫ما جاء فيها؟‬
‫القرآن رسالة من اهلل سبحانه وتعاىل موجهة إىل الناس كافة‪ ،‬وإىل الذين آمنوا‬
‫بصورة خاصة‪ ..‬وفيها من اإلرشاد والتوجيه واألوامر والنواهي ما تتوقف عليه‬
‫سعادة املرء يف الدنيا واآلخرة‪ ..‬فكيف تلقينا هذه الرسالة؟‬

‫ملاذا تقرأ القرآن؟‬


‫معظم الناس إذا سألته ملاذا تقرأ القرآن؟ جييبك ألن تالوته أفضل األعامل‬
‫وألن احلرف بعرش حسنات واحلسنة بعرش أمثاهلا‪ ،‬فيقرص نفسه عىل هدف‬
‫ومقصد الثواب فحسب‪ ،‬أما املقاصد واألهداف األخرى فيغفل عنها‪.‬‬
‫واملشتغل بحفظ القرآن جتده يقرأ القرآن ليثبت احلفظ‪ ..‬اهلدف تثبيت احلروف‬
‫وصور الكلامت‪ ،‬فتجده متر به املعاين العظيمة املؤثرة فال ينتبه هلا وال حيس وال‬
‫يشعر هبا ألنه قرص مهته وركز ذهنه عىل احلروف وانرصف عن املعاين‪ ..‬لذا فإنك‬
‫قد جتد حافظا للقرآن غري عامل وال متخلق به‪.‬‬
‫إن جمرد تالوة القرآن باللسان دون استشعار معانيه ومواعظه‪ ،‬هو الذي َح َر َم‬
‫األمة فضيلة محل القرآن واالنتفاع به ودعوة الناس إليه‪ ..‬لقد انتهت عالقتنا‬
‫بالقرآن إىل جمرد التالوة فقط‪َ ،‬ن ُعد حسنات‪ ،‬ونحيص خريات‪ ..‬مواعظ تتىل‪،‬‬
‫رب تسمع‪ ،‬وسور ٌة تقرأ‪ ،‬ولكنها تدخل من األذن اليمنى وخترج من اليرسى!‬ ‫وع ٌ‬
‫وهذا ما أكده اإلمام ابن القيم‪:‬‬
‫‪26‬‬
‫«نزل القرآن ل ُيعمل به خَ‬
‫فاتَذوا تالوته عمالً‪ ،‬وهلذا كان أهل القرآن هم العاملون‬
‫به‪ ،‬والعاملون بام فيه‪ ،‬وإن مل حيفظوه عن ظهر قلب‪ ،‬وأما من حفظه ومل يفهمه ومل‬
‫يعمل بام فيه‪ ،‬فليس من أهله وإن أقام حروفه إقامة السهم»‪.‬‬

‫أخي‪..‬‬
‫• من منا يبكي عند قراءة سورة احلاقة؟!‬
‫• من منا يرجتف حني يسمع سورة الزلزلة؟!‬
‫• من تاب يوم أن قرأ سورة القيامة؟!‬
‫• من منا هتف يو ًما «معاذ اهلل» يف وجه املرأة السافرة‪ ،‬والشاشة اهلابطة‬
‫واملجلة اخلليعة‪ ،‬واألغنية املاجنة كلها تنادي هيت لك بعد قراءته سورة‬
‫يوسف؟!‬
‫• من منا تعلم االستسالم هلل بعد قراءته لسورة البقرة‪ ..‬فأصبح شعاره إزاء‬
‫كل تكليف أو أمر أو هني يأتيه من ربه (ﮮ ﮯ)؟!‬
‫يا سادة‪ ..‬كيف حالكم أمام قول ربكم‪:‬‬
‫(ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ‬
‫ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ) [احلرش ‪.]21‬‬
‫يقول د‪ .‬نارص العمر‪:‬‬
‫«تأمل! جبل عظيم‪ ،‬شاهق‪ ،‬لو نزل عليه القران خلشع بل تشقق وتصدع‪،‬‬
‫وقلبك هذا الذي يف حجمه كقطعة صغرية من هذا اجلبل‪ ،‬كم سمع القرآن وقرأه‬
‫ومع ذلك مل خيشع ومل يتأثر والرس يف ذلك كلمة واحدة‪ :‬إنه مل يتدبر»‪.‬‬
‫‪27‬‬ ‫حقيقة التدبر‪:‬‬
‫قال اهلل عزوجل‪:‬‬
‫(ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ) [ص ‪.]29‬‬
‫والتدبر هو‪ :‬الفهم ملا ُيتىل من القرآن‪ ،‬مع حضور القلب‪ ،‬وخشوع اجلوارح‬
‫والعمل بمقتضاه‪ ..‬وصفة ذلك‪ :‬أن يشتغل القلب يف التفكري يف معنى ما يلفظ‬
‫بلسانه‪ ،‬فيعرف من كل آية معناها‪ ،‬وال جياوزها إىل غريها حتى يعرف معناها‬
‫ومرادها‪.‬‬
‫وما أمجل ما قاله د‪ .‬فريد األنصاري رمحه اهلل‪:‬‬
‫«فتدبر آيات القرآن إذن‪ :‬هو النظر إىل مآالهتا وعواقبها يف النفس ويف املجتمع‪..‬‬
‫وذلك بأن تقرأ اآلية من كتاب اهلل‪ ،‬فتنظر ‪-‬إن كانت متعلقة بالنفس‪ -‬إىل موقعها‬
‫من نفسك‪ ،‬وآثارها عىل قلبك وعملك‪ ،‬تنظر ما مرتبتك منها؟ وما موقعك من‬
‫تطبيقها أو خمالفتها؟ وما آثار ذلك كله عىل نفسك وما تعانيه من قلق واضطراب‬
‫يف احلياة اخلاصة والعامة؟ حتاول بذلك كله أن تقرأ سريتك يف ضوئها‪ ،‬باعتبارها‬
‫مقياسا لوزن نفسك وتقويمها وتعالج أدواءك بدوائها‪ ،‬وتستشفي بوصفاهتا»‬

‫رمضان شهر القرآن‪:‬‬


‫قال اهلل عزوجل‪:‬‬
‫(ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ‬
‫ﮣ) [البقرة ‪.]185‬‬
‫وعن العالقة بني الصوم والقرآن حيدثك اإلمام حسن البنا رمحه اهلل فيقول‪:‬‬
‫ونقاء لألرواح يسمو هبا إىل املأل األعىل ويرتفع‬
‫ً‬ ‫«أليس الصوم طهار ًة للنفوس‬
‫هبا إىل أفق امللكية حيث يتصل بعامل غري هذا العامل؟‪..‬‬
‫وأليس القرآن نب ًعا ً‬
‫فياضا ينضح هبذه الروحانية‪ ،‬ويذكِّر النفوس باملأل األعىل‬
‫أيضا‪ ،‬وجيلو أمامها أرسار ملكوت الساموات واألرض؟‬
‫ً‬
‫‪28‬‬
‫بل هو وديعة املأل األعىل وهديته هلذا العامل األدنى‪ ،‬فهو حبل اهلل املتني طرفه بيد‬
‫اهلل وطرفه بيد الناس‪ ،‬فالنفس إذا صفت وترقت بالصوم رأت القرآن معنى سام ًيا‬
‫من معاين املأل الذي ارتقت إليه فأدركت مراتبه واستجلت معانيه‪ ،‬واستوضحت‬
‫أرساره‪ ،‬وأخذت منها بطرف ما كانت لتصل إليه لوال أهنا ُه ِّذبت بالصوم‪،‬‬ ‫َ‬
‫وتر َّقت به إىل عامل احلقيقة والنور‪ ..‬فعىل ضوء النور الذي ترشق به جوانب‬
‫النفس بالصوم يكشف الصائم عن احلقائق السامية التي يزخر هبا بحر القرآن‬
‫الف َّياض‪ ..‬وهلذا كان رمضان شهر القرآن»‪.‬‬

‫معينات على تدبر القرآن‪:‬‬


‫‪ -1‬معرفة اهلل وتعظيمه‪:‬‬
‫فمن امتأل قلبه معرفة باهلل وتعظيماً له‪ ..‬عظم كالمه ومتعن فيه وأصغي إليه‬
‫متدبرا‪ ..‬ومن أعظم وسائل معرفة اهلل‪ :‬التفكر والتأمل يف أسامء اهلل‬‫ً‬ ‫متأم ً‬
‫ال‬
‫احلسني وصفاته العيل‪.‬‬
‫‪ -2‬الإخال�ص‪:‬‬
‫ينبغي عىل من أقبل عىل قراءة القرآن أن خيلص قصده هلل يف طلب تدبره‬
‫وتفهمه‪ ،‬ولن ينتفع قارئ القرآن بام يقرأ حتى خيلص النية فيه هلل‪.‬‬
‫‪ -3‬تطهري �أدوات التالوة «القلب واجلوارح»‪:‬‬
‫حيس ُن تالوة القرآن وتدبره وفهمه بعني لوثتها النظرات املحرمة؟!‬
‫«فكيف ُ‬
‫أو ٍ‬
‫بأذن دنستها األصوات املنكرة ومزامري الشيطان؟! أو بلسان نجسته الغيبة‬
‫والنميمة‪ ،‬والكذب واالفرتاء والسخرية واالستهزاء؟!‪ ..‬إن القرآن كاملطر‪ ،‬فكام‬
‫أن املطر ال يؤثر يف اجلامد والصخر وال يتفاعل معه إال الرتبة املهيأة‪ ،‬فكذلك‬
‫القرآن ال ينفع إال إذا نزل عىل بيئة صاحلة فتتفاعل معه ويؤثر هبا‪ ،‬وهذه البيئة يف‬
‫احلواس والقلوب السليمة الطاهرة التي تقبل عليه»(((‪.‬‬
‫‪29‬‬
‫‪ -4‬النظر يف كتب املف�سرين‪:‬‬
‫وألن التدبر ال يمكن إال بالفهم ملا يتىل‪ ،‬فطريقة فهم القرآن تكون باالطالع‬
‫عىل ما كتبه املفرسون من الصحابة والتابعني والعلامء من بعدهم وأنصحك‬
‫بتفسري«تيسري الكريم الرمحن يف تفسري كالم املنان» للشيخ السعدي رمحه اهلل‪.‬‬
‫‪ -5‬قراءة القر�آن على مهل وترتيل‪:‬‬
‫فاملطلوب التدبر والتفهم مهام كان املقدار الذي يقرأ قليالً‪..‬‬
‫فال يكون اهلم متى أختم السورة؟!‬
‫بل مهك متى أكون من املتقني؟!‬
‫متى أكون من املحسنني؟!‬
‫متى أكون من املتوكلني؟!‬
‫متى أكون من اخلاشعني؟!‬
‫متى أكون من الصابرين؟!‬
‫متى أكون من اخلائفني؟!‬
‫قال احلسن البرصي رمحه اهلل‪:‬‬
‫«يا ابن آدم‪ :‬كيف يرق قلبك وإنام مهك يف آخر سورتك؟!»‬

‫عجبا لك يا من تقرأ القرآن‪..‬‬


‫• تقرأ آيات حتثك عىل الصرب والثبات‪ ..‬ثم جتزع وتسخط وتنهار عند الشدائد‬
‫واألزمات‪.‬‬

‫((( مفاتيح التعامل مع القرآن ص‪ 52‬د‪ .‬صالح اخلالدي‪.‬‬


‫• تقرأ آيات تأمرك بالعدل واإلحسان‪ ..‬ثم يغلبك اهلوي فتسارع إىل الظلم‬
‫‪30‬‬
‫والبغي والطغيان‪.‬‬
‫• تقرأ آيات الوعيد والرتهيب والعذاب‪ ..‬ثم ال يلني قلبك مرصا عىل غفلته‬
‫كأن بينه وبني مواعظ القرآن حجاب‪.‬‬
‫• تقرأ آيات ترغبك وتشوقك يف نعيم اجلنان‪ ..‬وأنت أسري العصيان ال ترجو‬
‫رمحة وال غفران‪.‬‬
‫(ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ) [حممد ‪.]24‬‬

‫وحيك يا صاح‪...‬‬
‫اجلبل لو ُأنزل عليه القرآن لرأيته خاشعا يتصدع‪ ..‬وأنت إذا تيل عليك القرآن‬
‫فال قلب خيشع وال عني تدمع وال نفس هلا يف التوبة مطمع‪ ..‬فقد تراكمت عليها‬
‫ظلمة الذنوب فهي ال تبرص وال تسمع‪،‬إذا مل يشفع لك القرآن فمن يشفع؟‬

‫** سارعوا بالعودة إىل كتاب ربكم‪..‬عظموا قدره‪ ..‬تدبروا‬


‫آياته‪ ..‬انتفعوا بمواعظه اعتصموا به‪ ..‬أقبلوا عليه بكيانكم‪..‬‬
‫ال تبخلوا عليه بأوقاتكم‪ ..‬ختلقوا بآدابه‪ ..‬احفظوا حدوده‪..‬‬
‫انشغلوا به‪ ..‬اصحبوه يف حلكم وترحالكم‪.‬‬

‫وتدبرا عىل شهر رمضان فهو‬


‫ً‬ ‫«إن من يقرص عالقته بالقرآن تالوة‬
‫كمن يعلن عن استغنائه عن هدى اهلل ونوره ورمحته وشفائه وحياة‬
‫شهرا» [د‪ .‬عمر املقبل]‬
‫قلبه أحد عرش ً‬
‫‪31‬‬ ‫اسكـُب عطر اإلخالص‬

‫روي ًدا أيها املراؤن‪:‬‬


‫عن أيب هريرة ‪ ‬قال‪ :‬سمعت رسول اهلل عليه الصالة والسالم يقول‪:‬‬
‫«إن أول الناس يقيض يوم القيامة عليه‪ :‬رجل استشهد فأتى به فعرفه نعمته‬
‫فعرفها قال‪ :‬فام عملت فيها؟ قال‪ :‬قاتلت فيك حتى استشهدت قال‪ :‬كذبت‬
‫ولكنك قاتلت ليقال جريء فقد قيل‪ ،‬ثم أمر به فسحب عىل وجهه حتى ألقى يف‬
‫النار‪ ،‬ورجل تعلم العلم وعلمه وقرأ القرآن فأتى به فعرفه نعمه فعرفها قال‪ :‬فام‬
‫عملت فيها قال‪ :‬تعلمت العلم وعلمته وقرأت فيك القرآن قال‪ :‬كذبت ولكنك‬
‫تعلمت العلم ليقال عامل وقرأت القرآن ليقال هو قارئ فقد قيل‪ ،‬ثم أمر فسحب‬
‫عىل وجهه حتى ألقي يف النار‪ ،‬ورجل وسع اهلل عليه وأعطاه من أصناف املال فأيت‬
‫به فعرفه نعمه فعرفها قال‪ :‬فام عملت فيها؟ قال‪ :‬ما تركت من سبيل حتب أن ينفق‬
‫فيها إال أنفقت فيها لك قال‪ :‬كذبت ولكنك فعلت ليقال هو جواد فقد قيل‪ ،‬ثم‬
‫أمر به فسحب عىل وجهه ثم ألقي يف النار»(((‪.‬‬
‫أال ما أعظم خطر الرياء وما أشد حرسة املرائني يوم القيامة يوم يفضحهم اهلل‬
‫عىل رءوس اخلالئق‪ ..‬أعامل عظيمة وأفعال جسيمة ولكنها ذهبت أدراج الرياح‬
‫(ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ) [الفرقان ‪]23‬‬
‫ما أتعس املرائني‪ ..‬وما أبعد سعيهم‪ ..‬وما أضل أعامهلم!! تعبوا يف غري‬
‫حتصيل‪ ..‬وشقوا يف غري تأميل‪..‬‬
‫ماذا أفادهم التصنع للناس والعمل ألجل شهوة أومنصب أو مال أو‬
‫شهرة؟!‪..‬‬

‫((( رواه مسلم‪.‬‬
‫ماذا كسبوا من طلب رضا الناس والثناء عليهم والتزلف إليهم؟‬
‫‪32‬‬
‫ماذا عليهم لو أخلصوا هلل؟‬
‫(ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ) [البينة ‪]5‬‬

‫حقيقة اإلخالص‪:‬‬
‫اإلخالص‪ :‬إرادة وجه اهلل تعاىل بالعمل‪ ،‬وتصفيته من كل شوب ذايت أو‬
‫دنيوي‪ ،‬فال ينبعث للعمل إال هلل تعاىل والدار اآلخرة‪ ،‬وال يامزج عمله ما يشوبه‬
‫من الرغبات العاجلة للنفس الظاهرة أو اخلفية‪ ،‬من إرادة مغنم‪ ،‬أو شهوة‪ ،‬أو‬
‫منصب‪ ،‬أو مال‪ ،‬أو شهرة‪ ،‬أو منزلة يف قلوب اخللق‪ ،‬أو طلب مدحهم‪ ،‬أو اهلرب‬
‫من ذمهم‪ ،‬أو إرضاء لعامة‪ ،‬أو جماملة خلاصة‪ ،‬أو شفاء حلقد كامن‪ ،‬أو استجابة‬
‫حلسد خفي‪ ،‬أو لكرب مستكن‪ ،‬أو لغري ذلك من العلل واألهواء والشوائب‪ ،‬التي‬
‫عقد متفرقاهتا هو‪ :‬إرادة ما سوى اهلل تعاىل بالعمل‪ ،‬كائنا من كان‪ ،‬وكائنا ما كان‪..‬‬
‫وأساس إخالص العمل‪ :‬جتريد «النية» فيه هلل تعاىل‪.‬‬
‫أال ما أروع اإلخالص‪ ..‬إنه سفينة النجاة وصامم األمان للمؤمنني يف حياهتم‪،‬‬
‫به تزكو أعامهلم‪ ،‬وتضاعف جهودهم وأجورهم وتزداد فاعليتهم‪.‬‬

‫رمضان واإلخالص‪:‬‬
‫عن أيب هريرة ‪ ‬أن النبي عليه الصالة والسالم قال‪:‬‬
‫ف‪ ،‬الحَْ سنَ ُة بعشرْ ِ َأم َثا َلهِ ا‪ ،‬إِلىَ سبعماِ ئَة ِضع ٍ‬
‫ف‪َ ،‬ق َال اللهَُّ‬ ‫«ك ُُّل َع َم ِل ا ْب ِن آ َد َم ُي َضا َع ُ‬
‫ْ‬ ‫َ ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ‬
‫الص ْو َم َفإِ َّن ُه ليِ َو َأنَا َأ ْج ِزي بِ ِه‪َ ،‬يدَ ُع َش ْه َو َت ُه َو َط َع َام ُه ِم ْن َأ ْج يِل»(((‪.‬‬
‫َع َّز َو َج َّل‪ :‬إِلاَّ َّ‬
‫سبحان اهلل‪..‬‬
‫أوليست العبادات كلها هلل؟ فلامذا اختص اهلل هذا العمل باإلضافة إليه؟‬

‫((( متفق عليه‪.‬‬
‫أوليس اهلل هو الذي يجُ ازي عىل األعامل الصاحلة؟ فلامذا أضاف اهلل جزاء‬
‫‪33‬‬
‫الصوم له؟‬
‫خالصا ويعامله به طال ًبا لرضاه‪،‬‬
‫ً‬ ‫إن الصوم رس بني العبد وبني اهلل تعاىل يفعله‬
‫ِ‬
‫ألجل اهلل إال أن خُتربهم‬ ‫ِ‬
‫بإمساك َك عن الطعام والرشاب‬ ‫ال يعلم أحدٌ من الناس‬
‫حيول بينك وبني األكل والرشب حني تُغلق األبواب وتُرخى‬ ‫بذلك‪ ..‬ومن ُ‬
‫الستور‪ ،‬وخت ُلو بنفسك‪ ،‬حيث ال يراك أحد من اإلنس؟‪..‬‬
‫والر َجا بحسن لقائه هو الذي حيول بينك‬
‫والطمع يف ثوابه‪َّ ،‬‬
‫ُ‬ ‫إنام اخلوف من اهلل‪،‬‬
‫وبني األكل والرشب‪ ..‬فالصوم ينمي يف النفوس رعاية األمانة واإلخالص يف‬
‫العمل‪ ،‬وأن ال يراعي فيه غري وجه اهلل‪ ،‬وهذه فضيلة عظمى تقيض عىل رذائل‬
‫املداهنة والرياء والنفاق‪.‬‬

‫جدد نيتك‪:‬‬
‫النية أساس الفالح وعنوان النجاح‪ ،‬إن صفت صفا العمل‪ ،‬وإن حسنت ُقبل‬
‫وإن طابت طاب وإن ساءت النية ساء العمل واعتــراه اخللل وباء بالفشل‪..‬‬
‫ويمكنك أن تكثــر من نواياك يف صيام هذا الشهر الكريم لتفوز بالثواب‬
‫املضاعف‪:‬‬
‫‪ -1‬نية حتقيق التقوى‬
‫(ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ‬
‫ﭯ ﭰ) [البقرة ‪.]183‬‬
‫‪ -2‬نية غفران الذنوب‪ ..‬عن أيب هريرة ريض اهلل عنه عن النبي عليه الصالة‬
‫والسالم أنه قال‪:‬‬
‫«من صام رمضان إيامنًا واحتسا ًبا غُفر له ما تقدم من ذنبه»(((‪.‬‬

‫((( متفق عليه‪.‬‬
‫‪ -3‬نية العتق من النار‬
‫‪34‬‬
‫‪ -4‬نية الدخول من باب الريان‬
‫‪ -5‬نية الفوز بحسن اخلامتة‪ ..‬لقوله ‪:‬‬
‫«من ُختِ َم له بصيام يوم دخل اجلنة»(((‪.‬‬
‫‪ -6‬نية التدريب عىل كبح مجاح النفس والتحرر من قيود الشهوات وامللذات‪.‬‬
‫‪ -7‬نية حتقيق االفتقار واالنكسار هلل‪ ..‬حيث ُيمنع األكل‪ ،‬ويحُ ظر الرشاب‪،‬‬
‫ويجُ ّوع البطن ويحُ يي الليل‪ ،‬وتسكب العربات‪ ،‬وتُرفع الدعوات معلنة فقرها إىل‬
‫جود املنان وعطاء الرمحن‪.‬‬
‫‪ -8‬نية شكر اهلل‪ ..‬يقول العز بن عبد السالم رمحه اهلل‪:‬‬
‫والري‪ ،‬فشكرها لذلك‪ ،‬فإن‬
‫ّ‬ ‫«إذا صام العبد عرف نعمة اهلل عليه يف الشبع‬
‫النعم ال تعرف مقدارها إال بفقدها»‪.‬‬

‫حديث مرعب‪:‬‬
‫عن حممود بن لبيد أن رسول اهلل ﷺ قال‪:‬‬
‫«إن أخوف ما أخاف عليكم الرشك األصغر‪ :‬الرياء‪ ،‬يقول اهلل يوم القيامة إذا‬
‫جزى الناس بأعامهلم‪ :‬اذهبوا إىل الذين كنتم تراءون يف الدنيا‪ ،‬فانظروا هل جتدون‬
‫عندهم جزاء؟!»(((‪.‬‬

‫وهكذا‪..‬‬
‫إن فساد النية وخبث الطوية هيبط بالطاعات املحضة‪ ،‬فيقلبها معايص شائنة‬
‫وجيعلها ذنوبا كبرية‪ ،‬فال ينال املرء منها بعد التعب يف أدائها إال الفشل واخلرسان‬

‫((( صحيح اجلامع ‪.6224‬‬


‫((( رواه أمحد وصححه األلباين يف السلسلة الصحيحة ‪.951‬‬
‫وبدالً من أن يكسب هبا األجر والثواب يستجلب هبا الويل والعقاب‪.‬‬
‫‪35‬‬

‫** جدد نيتك يف هذا الشهر الكريم واحرص عىل وضع نية‬
‫صاحلة قبل كل عمل تُقدم عليه‪.‬‬
‫** أوصيك هبذا الدعاء الذي علمنا إياه رسول اهلل ﷺ‬
‫لنعتصم به من لوثات الرياء‪:‬‬
‫«اللهم إين أعوذ بك من أن أرشك بك شيئا أعلمه وأستغفرك ملا ال أعلمه»(((‪.‬‬
‫** افعل اليوم عم ً‬
‫ال ال يعلمه أحد إال اهلل وال حتدث به نفسك بعد ذلك وال‬
‫أحدا من الناس‪ ،‬بل اجعله بينك وبني ربك‪.‬‬

‫ال قدمته بنية خالصة‪ ..‬فالقليل مع اإلخالص كثري‪،‬‬ ‫«ال حتتقر عم ً‬


‫والكثري مع الرياء قليل‪ ..‬واملحاسب اخلبريال تعجبه كثرة الدنانري‪،‬‬
‫وإنام تعجبه جودهتا» [د‪ .‬مصطفي السباعي]‪.‬‬

‫((( رواه أمحد‪.‬‬
‫وبشــــر الصــــابرين‬ ‫‪36‬‬

‫قيمة الصرب‪:‬‬
‫• إذا ا ْدلهَ َ ّمت األمور واسودت احلياة وأظلمت الدنيا فالصرب ضياء‪.‬‬
‫• إذا انسدت املطالب وعظمت املصائب وكثرت الرزايا وزادت الباليا‬
‫فالصرب دواء‪.‬‬
‫• إذا نزل املكروه‪ ،‬وعظم اجلزع‪ ،‬واشتد اخلوف‪ ،‬وهيمن القلق فالصرب‬
‫التجاء‪.‬‬
‫• إذا أصبح الدين يف غربة واإلسالم يف كُربة وعمت املعايص وعظمت‬
‫الشبهات وهيمنت الشهوات فالصرب عزاء‪.‬‬
‫أال ما أعظم الصرب‪ ..‬بضاعة غالية‪ ،‬وسلعة نفيسة‪ ،‬مرضاة للرب‪ ،‬مؤنس‬
‫للقلب‪ ،‬م ْذ ِهب للهم‪ ،‬طارد لل َغم‪ ،‬معظِم لألجر‪ ،‬م ْؤ ِذن ِ‬
‫بالع َوض‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ّ ُْ‬ ‫َ ّ‬ ‫ُ‬
‫حقيقة الصرب‪:‬‬
‫الصرب حبس النفس وإلزامها ما يشق عليها ابتغاء وجه اهلل‪ ..‬ومترينها عىل‬
‫الطاعة وترك املحارم‪ ..‬وعيل األقدار املؤملة ريض بقدر اهلل‪.‬‬
‫يقول اإلمام أبو حامد الغزايل رمحه اهلل‪:‬‬
‫«الصرب عبارة عن ثبات باعث الدين يف مقابلة باعث الشهوة‪ ،‬فإن ثبت حتى‬
‫قهره واستمر عىل خمالفة الشهوة فقد نرص حزب اهلل والتحق بالصابرين‪ ،‬وإن‬
‫ختاذل وضعف حتى غلبته الشهوة ومل يصرب يف دفعها التحق بأتباع الشياطني‪ ،‬فإن‬
‫ترك األفعال املشتهاه عمل يثمره حال يسمى الصرب وهو ثبات الدين الذي هو يف‬
‫مقابلة باعث الشهوة‪ ،‬وثبات باعث الدين حال تثمرها املعرفة بعداوة الشهوات‬
‫ومضاداهتا ألسباب السعادات يف الدنيا واآلخرة»‪.‬‬
‫‪37‬‬ ‫رمضان والصرب‪:‬‬
‫الصوم ىف صميمه جتربة حية مبارشة لغرس بذرة الصرب وإرواء نبتته‪ ،‬وهلذا‬
‫سمى رمضان شهر الصرب‪ ...‬فالصوم خري معني للعبد يف هذه احلياة ليتجاوز‬ ‫ّ‬
‫كل احلواجز النفسية واحلسية التي تعوقه عن اهلل والدار اآلخرة والتي تعوقه عن‬
‫معايل األمور ليصبح عبدً ا هلل ال عبدً ا لشهوته وهواه‪ ..‬إن اإلخالد إىل األرض‬
‫واالنغامس يف امللذات من أعظم املعوقات عن الوصول إىل أعىل الدرجات وأعىل‬
‫املقامات يف العبادة والبذل واإلنفاق واجلهاد يف سبيل اهلل وأداء ما أوجب اهلل‬
‫وتطهري القلوب وهتذيب السلوك‪ ،‬كل هذا طريقه والرس إىل الوصول إليه لن‬
‫يكون إال من بوابة الصرب وال يشء غري الصرب‪ ،‬ومن أعطي الصرب فقد أعطي‬
‫اخلري كله‪ ،‬فهو رس عجيب وأساس رفعة اإلنسان ومتيزه عن سائر احليوان‬
‫فالعجب أن يكون أجره كام قال تعاىل‪:‬‬
‫(ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ﰗ ﰘ) [الزمر‪..]10‬‬
‫فالذي يمتثل أوامر اهلل يف أداء الواجبات والتكاليف يف هذا الشهر سوف‬
‫يطعم معنى الصرب ويسمو بنفسه عن اتباع اهلوى ويكون أقدر عىل مواجهة‬
‫الفتن واملغريات بعد رمضان‪ .‬وهكذا يتخرج الصائم من مدرسة رمضان وهو‬
‫قادر عىل ضبط النفس عن السأم وامللل عن تكليفه بالقيام بأعامل تتطلب الدأب‬
‫واملثابرة‪ ..‬وضبط النفس عن الغضب والطيش عندما تثريه بعض األمور التي‬
‫تدفعه للطيش بال حكمة وال اتزان يف قوله أو عمله‪ ..‬وضبط النفس عن االندفاع‬
‫وراء أهواء النفس وغرائزها‪ ،‬والوقوف يف وجه املغريات التي يتهاوي أمامها‬
‫الكثري من الناس‪.‬‬

‫حاجتنا إىل الصرب‪:‬‬


‫الصرب رضورة دنيوية كام هو رضورة دينية‪ ،‬فال نجاح يف الدنيا وال فالح يف‬
‫اآلخرة إال بصرب‪ ،‬يف الدنيا ال تتحقق اآلمال وال تنال املقاصد وال يؤيت عمل‬
‫أكله إال بصرب‪ ..‬ولوال صرب الزارع عىل بذره ما حصد‪ ،‬ولوال صرب الغارس عىل‬
‫‪38‬‬
‫غرسه ما جنى‪ ،‬ولوال صرب الطالب عىل درسه ما خترج‪ ،‬ولوال صرب املقاتل يف‬
‫ساحة الوغى ما انترص‪ ،‬وهكذا كل الناجحني يف الدنيا‪ ،‬إنام حققوا آماهلم بالصرب‪،‬‬
‫واستمرءوا املر‪ ،‬واستعذبوا العذاب واستهانوا بالصعاب‪ ،‬ومل يبالوا باملعوقات‪،‬‬
‫متذرعني بالعزيمة‪ ،‬مسلحني بالصرب‪.‬‬
‫والصرب يتعلق بجميع أمور العبد وكامالته‪ ،‬وكل حالة من أحواله حتتاج إىل‬
‫صرب‪،‬فإنه حيتاج إىل الصرب عىل طاعة اهلل‪ ،‬حتى يقوم هبا ويؤدهيا‪ ،‬وصرب عن‬
‫معصية اهلل حتى يرتكها هلل‪ ،‬وصرب عىل أقدار اهلل املؤملة‪ ،‬فال يتسخطها‪ ،‬بل صرب‬
‫الفرح املذموم‪ ،‬بل‬
‫َ‬ ‫عىل نعم اهلل وحمبوبات النفس‪ ،‬فال يدع النفس مترح وتفرح‬
‫يشتغل بشكر اهلل‪ ،‬فهو يف كل أحواله حيتاج إىل الصرب‪ ،‬وبالصرب ينال الفالح‪.‬‬
‫لكن عواقبه أحىل من العسل‬ ‫مر مذاقته‬
‫والصرب مثل اسمه ٌّ‬
‫فيا من عىل ُفرش السخط واجلــزع عاكفون‪ ..‬أما خيفف لوعتكم قــول ربكم‪:‬‬
‫(ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ) [النحل ‪.]96‬‬
‫يا من بليت بمصيبة أو َر ِز ّية من مرض مزعج أو أمل ُم ْضن أو فقد قريب أو‬
‫موت حبيب تذكر‪:‬‬
‫(ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ‬
‫ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﮀ ﮁ ﮂ)‬
‫[البقرة ‪.]157-155‬‬

‫** احرص عىل التأمل يف سري الصابرين ‪-‬وأعظمهم نبيك‬


‫عليه الصالة والسالم‪ -‬وما القوه من صنوف البالء وألوان‬
‫الشدائد ففي ذكرهم سلوة ويف قصصهم عربة وعظة‪.‬‬
‫** ضع نصب عينيك دائماً قوله تعاىل‪:‬‬
‫‪39‬‬
‫(ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ﰗ ﰘ) [الزمر ‪..]10‬‬
‫فاليقني بحسن اجلزاء وعظم األجر من أعظم املحفزات عىل الصرب‪.‬‬

‫قال احلسن البرصي‪:‬‬


‫«الصرب كنــز من كنـــوز اخليــر ال يعطيه اهلل إال لعبد كريم‬
‫عنده»‪.‬‬
‫مسعنـــــا وأطعنـــــا‬ ‫‪40‬‬

‫مفاهيم جيب أن تصحح‪:‬‬


‫«بعض الناس ال يفهم من كلمة العبادة إذا ذكرت إال الصالة والصيام‬
‫والصدقة واحلج والعمرة‪ ،‬ونحو ذلك من األدعية واألذكار‪ ،‬وال حيسب أن هلا‬
‫عالقة باألخالق واآلداب أوالنظم والقوانني‪ ،‬أوالعادات والتقاليد‪ ..‬إن عبادة‬
‫اهلل ليست حمصورة يف الصالة والصيام واحلج وما يلحق هبا من التالوة والذكر‬
‫والدعاء واالستغفار‪ ،‬كام يتبادر إىل فهم كثري من املسلمني إذا دعوا إىل عبادة‬
‫اهلل‪ ،‬وكام حيسب كثري من املتدينني أهنم إذا قاموا هبذه الشعائر فقد وفوا األلوهية‬
‫حقها‪ ،‬وقاموا بواجب العبودية هلل كامالً‪..‬‬
‫إن هذه الشعائر العظيمة واألركان األساسية يف بناء اإلسالم عىل منزلتها‬
‫وأمهيتها إنام هي جزء من العبادة هلل‪..‬‬
‫وليست هي كل العبادة التي يريدها اهلل من عباده‪ ،‬واحلق أن دائرة العبادة التي‬
‫خلق اهلل هلا اإلنسان‪ ،‬وجعلها غايته يف احلياة‪ ،‬ومهمته يف األرض‪ ،‬دائرة رحبة‬
‫واسعة‪ ،‬إهنا تشمل شئون اإلنسان كلها‪ ،‬وتستوعب حياته مجي ًعا»(((‪.‬‬

‫العبادة‪ ..‬خضوع واستسالم‪:‬‬


‫إن العبادة هي‪:‬‬
‫كامل الطاعة واالنقياد ألوامر اهلل واالنتهاء عن زواجره‪ ،‬والوقوف عند‬
‫حدوده‪ ،‬وقبول مجيع ماورد عنه عىل لسان نبيه ﷺ دون رد يشء من ذلك أو‬
‫إحلاد فيه‪ ..‬طاعة بال تردد‪ ،‬واستجابة بال تلكؤ‪.‬‬

‫((( العبادة يف اإلسالم ص‪ 53-52‬د‪ .‬يوسف القرضاوي‪.‬‬


‫وهذا ما يؤكده الشيخ حممد الغزايل رمحه اهلل‪:‬‬
‫‪41‬‬
‫شعورا باخلضوع هلل‪..‬‬
‫ً‬ ‫«إن اإليامن املجرد ينبت‬
‫خضو ًعا متتزج فيه الرغبة والرهبة وليس ىف هذا عجب فإن الذى يعرف عظيام‬
‫من البرش حيس نحوه باإلعزاز واالنقياد‪..‬‬
‫فكيف بمن عرف اهلل وفقه صفاته العظمى وأسامءه احلسنى؟‬
‫إن اخلضوع املطلق يفعم فؤاده‪ ،‬وجيعل مبدأ السمع والطاعة أساس صلته به‪..‬‬
‫وأ ًيا ما كان األمر فإن الدين ليس معرفة التمرد وشق عصا الطاعة‪ ،‬هو التسليم‬
‫التام هلل واإلنفاذ الكامل ملا حكم به»‪.‬‬

‫رمضان‪ ..‬واالستجابة هلل‪:‬‬


‫الصوم فيه تربية عىل العبودية واالستسالم هلل جل وعال‪ ،‬فعندما تغرب‬
‫الشمس يأكل الصائم ويرشب امتثاالً ألمر اهلل‪ ،‬وإذا طلع الفجر يمسك عن‬
‫األكل والرشب وسائر املفطرات‪ ،‬فهو يتعبد اهلل عز وجل يف صيامه وفطره‪ ،‬فإذا‬
‫أمره ربه عز وجل باألكل يف وقت معني أكل‪ ،‬وإذا أمره بضد ذلك يف وقت آخر‬
‫امتثل‪ ،‬فالقضية إ ًذا ليست قضية أذواق وأمزجة وإنام هي قضية طاعة واستسالم‬
‫وانقياد ألمر اهلل‪ ،‬وهكذا يأيت رمضان فتهب نفحات الطاعة وترفع أعالم‬
‫واختصاصا بالنسبة للطاعة واالستجابة ويتجسد‬
‫ً‬ ‫االستجابة‪ ،‬ألن لرمضان مزية‬
‫ذلك يف اآليت‪:‬‬
‫‪ -1‬ترك املبـــاح‪:‬‬
‫الصائم يرتك الطعام والرشاب واملعارشة الزوجية وهي يف األصل أمور‬
‫مباحة‪ ،‬وذلك استجابة منه ألمر اهلل‪ ،‬وهذه تربية عىل الطاعة يف ترك املباح وينتج‬
‫عنها مزيد من الطاعة واالستجابة يف ترك املحرم واملكروه‪ ،‬والنفس إذا انقادت‬
‫لالمتناع عن احلالل من الغذاء الذي ال غنى هلا عنه طل ًبا ملرضاة اهلل تعاىل وخو ًفا‬
‫من أليم عقابه‪ ،‬فاألحرى هبا أن تتمرن عىل االمتناع عن احلرام الذي هي غنية عنه‬
‫‪42‬‬
‫وتبعد عنه كل البعد‪ ..‬وبالتايل فإن اإلمساك املطلوب يف رمضان يثمر استجابة‬
‫باالمتناع عن كل منهي عنه واإلجابة يف كل مأمور به من باب أوىل‪.‬‬

‫‪ -2‬احلر�ص على �صحة ال�صوم‪:‬‬


‫حرصا شديدً ا‪ ،‬ومراعاة دقيقة ألوقات اإلمساك‬ ‫ً‬ ‫أكثر الناس نجد عنده‬
‫واإلفطار فهو حيتاط يف ليله ويتحرى الفجر ويمسك قبل األذان‪ ،‬وإذا جاء وقت‬
‫الغروب كذلك جتده حمتا ًطا متحر ًيا‪ ،‬كل ذلك ليأيت باألمر عىل وجهه‪ ،‬ويؤدي‬
‫العبادة بكامهلا ومن ثم يكتسب الدقة يف االستجابة‪ ،‬واحلساسية املرهفة فيام يتعلق‬
‫بأوامر اهلل‪ ،‬فال تساهل وال ترخص‪ ،‬وال غفلة وال تفريط‪ ..‬فالصائم إنام يمتنع‬
‫عن طعامه ورشابه وعاداته‪ ،‬امتثاال ألمر اهلل تعاىل وطاعة رسوله وهو ال يبايل يف‬
‫سبيل هذه الطاعة أن يقع ذلك من نفسه موقع االرتياح أوالشدة فحسبه أنه آمن‬
‫باهلل ربا وبرسوله نبيا وقائدا‪ ،‬وعاهد اهلل يف إسالمه عىل السمع والطاعة يف املنشط‬
‫واملكره‪ ،‬يف اليرس والعرس وبذلك كان اجلندي املسلم احلق مثال أعىل للطاعة التي‬
‫تنبعث من النفس رغبة وإيامنا‪...‬‬
‫وهكذا يتخرج املسلم من مدرسة رمضان متشب ًعا باالستسالم واالنقياد هلل يف‬
‫كل شئون حياته يف الصغري والكبري من أموره‪ ..‬ويتقبل حكمه فيه بقلب مطمئن‬
‫مفوتا ملصلحة خاصة له‪..‬‬‫ونفس راضية ولو كان ذلك خمالفا هلواه‪ّ ،‬‬
‫(ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ‬
‫ﯵ ﯶ ﯷ) [النور‪.]51‬‬
‫• فإذا سمع قوله جل وعال‪:‬‬
‫(ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ)‬
‫[البقرة ‪..]278‬‬
‫قال‪ :‬سمعنا وأطعنا‪.‬‬
‫‪43‬‬
‫• وإذا قرأ قوله تعايل‪:‬‬
‫(ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ‬
‫ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ) [النساء ‪..]29‬‬
‫قال‪ :‬سمعنا وأطعنا‪.‬‬
‫• وإذا حذره اهلل عزوجل بقوله‪:‬‬
‫(ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ‬
‫ﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱ‬
‫ﭲ ﭳ) [احلجرات ‪..]12‬‬
‫قال‪ :‬سمعنا وأطعنا‪.‬‬
‫• وإذا هناه بقوله‪:‬‬
‫(ﮊ ﮋ ﮌ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ) [اإلرساء ‪..]32‬‬
‫قال‪ :‬سمعنا وأطعنا‪.‬‬
‫وهكذا‪..‬‬
‫إن لقب اإليمــان الذي ينــادي اهلل تعايل به عبــاده يقتيض حرص التلقي من‬
‫اهلل فقط وتنفيذ أحكامه‪ ،‬فالذين آمنوا باهلل وأرشبوا حبه يف قلوهبم واطمأنوا ملا‬
‫نـزل من احلق هم الذين يقدسون ترشيعات رهبم ويمتثلوهنا‪ ،‬رغبة يف ثوابه‪،‬‬
‫وخو ًفا من عقابه وبطشه‪ .‬ولذلك اختصهم هبذا النداء ملا فيه من قابلية الطاعة‬
‫والتنفيذ‪.‬‬

‫أخي‪ ..‬عجبا لك‪..‬‬


‫كلام دعاك اهلل عزوجل إىل طاعته واالستجابة ألوامره متردت وحتايلت وكلام‬
‫دعتك نزواتك ورغباتك إىل ما هتوي استجبت وأقبلت‪.‬‬
‫قل لي بربك‪..‬‬ ‫‪44‬‬
‫عبد من أنت؟!‬
‫عبد هلل أم عبد للهوى‪..‬‬
‫(ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ‬
‫ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ) [اجلاثية ‪..]23‬‬
‫عبد للشهوات أم عبد لرب األرض والساموات؟!‪..‬‬
‫عبد للدرهم والدينار أم عبد للملك اجلبار؟!‪..‬‬
‫فيا قتيل شهوته‪ ..‬يا أسري لذته‪ ..‬يا عبدَ هواه‪..‬‬
‫«ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ» [يوسف ‪.]39‬‬

‫أخيت املسلمة‪..‬‬
‫يا من سمعت أمر اهلل عزوجل لك باحلجاب‪..‬‬
‫(ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ‬
‫ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ) [النور ‪..]31‬‬
‫فاستجبتي يف رمضان والتزمتى باألمر‪ ..‬ثم بعد رمضان ألقيتي لباس احلشمة‬
‫وخلعتي رداء العفة وأظهريت مفاتنك وزينتك‪ ..‬ما هذا النقض والغدر؟‬
‫(ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ)‬
‫[األنفال ‪.]24‬‬

‫** استخرج من القرآن الكريم اآليات التي تشتمل عىل‬


‫األوامر والنواهي وقم بتدبرها وفهمها وتطبيقها مع إخوانك‬
‫لتتعلم منها االستسالم هلل‪.‬‬
‫** احذر من الفخاخ والكامئن املنصوبة يف طريق استجابتك هلل من نفس‬
‫‪45‬‬
‫أمارة بالسوء‪ ،‬وهوي متبع‪ ،‬وشيطان حلوح‪ ،‬وشهوات مغرية‪.‬‬

‫لن يتــم إسالم املرء إال إذا قال من قلبه بإزاء كل ما أوىص اهلل‬
‫به‪..‬‬
‫(ﮮ ﮯ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ) [البقرة ‪.]285‬‬
‫إسرتاحة إميانية «‪»1‬‬
‫أفق أيها الغافل‪:‬‬
‫مغرورا بطول أمله وعمره قصري‪ ..‬كلام‬
‫ً‬ ‫• يا نائماً عىل فراش التقصري‪ ..‬يا‬
‫سمعت آيات الوعيد والرتهيب مل تبال بالنذير‪ ..‬واعج ًبا ملن يقرع سمعه ذكر‬
‫السعري وهو من عذاهبا باهلل غري مستجري‪ ..‬أمامك يف رمضان فرصة عظيمة‬
‫لتهذيب النفس والتغيري‪ ..‬فاهنض اآلن وابدأ املسري‪.‬‬

‫شعارك يف رمضان «وإىل ربك فارغب»‪:‬‬


‫• «وحد املقصود إليه‪ ،‬حقق التوكل عليه‪ ،‬أفرده بالسؤال‪ ،‬أعظم الرغبة إليه يف‬
‫النوال‪ ،‬إذا سألت فال تسأل غريه‪ ،‬اذا رجوت فال ترجو سواه‪ ،‬انطرح عىل عتبات‬
‫شك حالك إليه‪ ،‬عفر له‬‫ربوبيته‪ ،‬ألق نفسك عىل أبواب ألوهيته‪ُ ،‬مدْ يديك إليه‪ُ ،‬أ ْ‬
‫جبينك‪ ،‬أخلص له دينك» [د‪ .‬عائض القرين]‪.‬‬

‫مشقة الطاعة ولذة املعصية‪:‬‬


‫• «ليس منا أحد مل يقارف يف عمره معصية‪ ،‬ومل جيد هلذه املعصية لذة‪ ،‬أقلها انه‬
‫آثر متعة الفراش مرة عىل القيام لصالة الفجر‪ ،‬فامذا بقي يف أيدينا اآلن من هذه‬
‫اللذة التي أحسسنا هبا قبل عرش سنني؟‪..‬وليس منا أحد مل يكره نفسه عىل أداء‬
‫طاعة‪ ،‬ومل حيمل هلذه الطاعة أ ًملا‪ ،‬أقله اجلوع والعطش يف رمضان‪ ،‬فامذا بقي يف‬
‫نفوسنا اآلن‪ ،‬من أمل اجلوع يف رمضان‪ ،‬الذي جاء من عرش سنني؟‬
‫ال يشء‪ ..‬ذهبت لذات املعايص وبقي عقاهبا‪ ،‬وذهبت آالم الطاعات وبقي‬
‫ثواهبا»‪[ .‬الشيخ عىل الطنطاوي رمحه اهلل]‪.‬‬
‫َ‬
‫احلياة من غري تسامح؟‬ ‫َّ‬
‫تتصورون‬ ‫هل‬
‫يغفر اخلطيئات‪،‬‬‫أحوجنا إىل قلب ُ‬ ‫َ‬ ‫أحوجنا إل ْيك أيهُّ ا القلب املتسامح‪ ،‬ما‬
‫َ‬ ‫• ما‬
‫ويتناسى العثرات‪ ،‬ويصفح عن الزالَّت‪ ،‬قلب َيمسح الدموع عن وجنات‬
‫الصدأ‬ ‫وينفض الغبار عن املغازل اخلشب َّية القديمة‪ ،‬ويزيل َّ‬ ‫ُ‬ ‫النَّخيل الباكية‪،‬‬
‫العزة ودالالت الفخار‪ ..‬أنت ‪-‬أيهُّ ا‬ ‫ُّ‬
‫تكتظ بمعــاين َّ‬ ‫السيوف املع َّلقة التي‬ ‫عن ُّ‬
‫معــاين السعادة‪ ،‬ومتلك ب ْلسم الشفاء‪ ،‬وختبــئ يف جناح ْيك‬‫َ‬ ‫القلب‪ -‬حتمــل‬
‫أرسار الفرح» [األستاذ بدر احلسني]‪.‬‬

‫همسة يف أذن أخيت املسلمة‪:‬‬


‫• «أختاه!‪ ..‬يا من مل تتحجبى‪ ..‬ياكاشفة اللحم لالفرتاس‪ ..‬يا تاركة الكنز بال‬
‫حراس‪ ..‬يا عاشقة الظهور وواضعة العطور‪ ..‬كفاك قصمــا للظهور‪ ..‬أترضني‬
‫أن يكون هذا حالك؟! يستخــدمك الشيطان ويستأجــرك‪ ،‬ويضيع ثوابك‬
‫وثواب من يرمقك وجياورك‪ ،‬أال تقومى من اآلن إن أردت أن تردى عىل الشيطان‬
‫كيده وأعلنى اهلجــوم املضاد عليــه وردى له الصاع صاعيــن‪ ،‬واسرتى من‬
‫اليوم لؤلؤة مجالك ىف صدفة حجابك‪ ،‬وأطيعى أمر ربك الذى عاندتيه طوال‬
‫حياتك» [د‪ .‬خالد أبوشادي]‪.‬‬

‫وقفة مع النفس‪:‬‬
‫وأبرصوا احلق وقلبي قـد عمي‬ ‫يا نفس فاز الصاحلــون بالتقى‬
‫ونورهم يـفــوق نـور األنجم‬ ‫يا حسنهم والليـــل قـد جنهم‬
‫فعيشهم قــد طــاب بالتــرنم‬ ‫تـرنـمــوا بالـذكر فــي ليلهم‬
‫دموعــهــم كلؤلــؤ منتظـــم‬ ‫قلـوهبـم للـذكر قـد تفــرغت‬
‫وخلع الغفـــران خيــر القسم‬ ‫أسحـارهم هبم هلم قد أرشقت‬
‫ينفــع قبــل أن تــزل قــدمي‬ ‫ويـحـك يا نفــس أال تيقـــظ‬
‫فاستدركي ما قد بقي واغتنمي‬ ‫مضــى الزمان يف ثوان وهـوى‬
‫وحانت حلظة االنتصار‬ ‫‪48‬‬

‫فاختذوه عدوا‪:‬‬
‫• كم أوقعك يف شباك اهلوي والغفالت‪ ..‬وكم دعاك إىل الولوغ يف الشهوات‬
‫وامللذات‪.‬‬
‫• كم طوقك يف فخ املعايص واملحرمات‪ ..‬وكم ثبط مهتك عن فعل الطاعات‬
‫واخلريات‪.‬‬
‫• كم زرع يف النفوس من شحناء وبغضاء وعداوات‪.‬‬
‫• كم زهدك يف كل خلق مجيل وكم دعاك إىل كل خلق رذيل‪.‬‬
‫إنه الشيطان‪ ..‬العدو اللدود واخلصم املبني‪ ..‬رفض السجود ألبيك آدم ومترد‬
‫واستكرب وقال‪:‬‬
‫(ﯭ ﯮ ﯯ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ) [ص‪..]76‬‬
‫وأقسم عىل غوايتك وإضاللك‪..‬‬
‫(ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ‬
‫ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ) [األعراف‪..]17-16‬‬
‫وحدد ساحة املعركة‬
‫(ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ) [احلجر‪]39‬‬
‫وحدد عدته فيها‪ ..‬إنه التزيني‪ ..‬تزيني القبيح وجتميله واإلغراء بزينته املصطنعة‬
‫عىل ارتكابه‪..‬‬
‫(ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ) [فاطر‪..]8‬‬
‫األمانى الكاذبة‪ ،‬والوعود املعسولة اخلادعة‪..‬‬
‫ّ‬ ‫وحدد أسلحته من‬
‫(ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ) [اإلرساء ‪..]64‬‬
‫فهو لن هيدأ له بال حتى هيدم كل ماصنعت من معروف‪ ..‬ويبيد كل ما قدمت‬
‫‪49‬‬
‫من خري‪ ..‬وينسف كل ما سطر لك من حسنات‪ ..‬إهنا معركة رشسة وحربا‬
‫رضوس لن هتدأ أوارها ولن ختمد نرياهنا حتى تقوم الساعة‪.‬‬

‫فيا أيها الغافلون عن هذا العدو اللدود‪..‬‬


‫أما قرع آذانكم قول ربكم‪:‬‬
‫(ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ)‬
‫[فاطر ‪.]6‬‬
‫عج ًبا ملن ُخيرّ بني اهلدى والضالل‪ ،‬وبني اللهّ والشيطان‪ ..‬فانحاز إىل جانب‬
‫الشيطان وركب معه مركب الغواية والضالل‪..‬‬
‫(ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯖ ﯗ ﯘ)‬
‫[الكهف ‪]50‬‬

‫وهكذا‪..‬‬
‫«حني يستحرض اإلنسان صورة املعركة اخلالدة بينه وبني عدوه الشيطان‪ ،‬فإنه‬
‫يتحفز بكل قواه وبكل يقظته وبغريزة الدفاع عن النفس ومحاية الذات‪ ،‬يتحفز‬
‫لدفع الغواية واإلغراء ويستيقظ ملداخل الشيطان إىل نفسه‪ ،‬ويتوجس من كل‬
‫هاجسة‪ ،‬ويرسع ليعرضها عىل ميزان اهلل الذي أقامه له ليتبني‪ ،‬فلعلها خدعة‬
‫مسترتة من عدوه القديم وهذه هي احلالة الوجدانية التي يريد القرآن أن ينشئها‬
‫يف الضمري‪ ..‬حالة التوفز والتحفز لدفع وسوسة الشيطان بالغواية كام يتحفز‬
‫اإلنسان لكل بادرة من عدوه وكل حركة خفية»(((‪.‬‬
‫فهل أنتم مستعدون؟‪ ..‬هل أنتم جاهزون؟‪ ..‬هل أنتم عازمون؟‬

‫((( يف ظالل القرآن ج‪ 5‬ص ‪ – 2926‬سيد قطب‪.‬‬


‫‪ 50‬رمضان وتصفيد الشيطان‪:‬‬
‫عن أيب هريرة ‪ ‬قال رسول اهلل ﷺ‪:‬‬
‫ت أبواب النريان‪ ،‬وص ِّفدَ ِ‬
‫ت‬ ‫«إذا دخل شهر رمضان‪ُ ،‬فتِّحت أبواب اجلنة‪ ،‬و ُغ ِّل َق ْ‬
‫ُ‬
‫الشياطني»(((‪.‬‬
‫وتصفيد الشياطني‪ :‬أي أهنا تغل باألغالل وتسجن منعا هلا عن إغواء املؤمنني‬
‫الصائمني والتسويل هلم‪« ..‬وهي التي كانت ترسح عليك طوال العام تؤذيك‬
‫وتغويك‪ ،‬فأعانك اهلل عليها اليوم فقهر مردهتا وسلسل سادهتا ليخمد يف الصدر‬
‫وسواسها وخينس يف القلب إغواؤها‪ ،‬فمن كان اليوم أسري شهوة ملكته منذ‬
‫سنني‪ ،‬أو رصيع فتاة أركعته كعبد ذليل أو أدمن أكل الرشوة والربا وأموال اليتامى‬
‫واملساكني‪ ،‬وأيام امرأة كشفت زينتها وأبدت مفاتنها للناظرين‪..‬إىل كل هؤالء‬
‫نقول أبرشوا فعني اهلل تصنعكم واألبالسة يف أصفادها ترمقكم‪ ،‬ونفوسكم إىل‬
‫اخلري وثابة‪ ،‬وعن الرش هيابة‪ ،‬ومل يبق إال أن تعاجلوا خطرات نفوسكم وساوس‬
‫قلوبكم‪ ،‬فمن أرص منكم عىل ذنبه بعد اليوم‪ ،‬فإنام هو انحراف داخيل ال ينتظر‬
‫شيطانا يغويه حتى يكون هو املبادر إىل الرش ليقع فيه»(((‪.‬‬

‫احذر شياطني اإلنس‪:‬‬


‫إن الشياطني تصفد يف رمضان‪ ،‬ولكن من لنا بشياطني اإلنس الذين تفلتوا من‬
‫كل قيد وحتللوا من كل رباط‪ ..‬لقد ظهر شياطني مردة‪ ،‬وأبالسة فجرة‪ ،‬يستحي‬
‫إبليس من فعاهلم‪ ،‬ويتعلم الشيطان وجنوده منهم‪ ،‬ظهروا عىل املسلمني عرب‬
‫شاشات وقنوات الرذيلة‪ ،‬يبرشوهنم بربامج خالبة ومشاهد جذابة‪ ،‬يعدوهنم‬
‫ويمنوهنم بام سيقدمون هلم من أغنيات ماجنة‪ ،‬ورقصات آثمة‪ ،‬وأفالم ساقطة‪..‬‬

‫((( متفق عليه‪.‬‬
‫((( من الطارق‪ -‬د‪ .‬خالد أبو شادي‪.‬‬
‫وال يستحيون حينام يتبجحون فيقولون للناس‪ :‬إن ذلك بمناسبة رمضان‬
‫‪51‬‬
‫املبارك!! وأي بركة‪ ،‬وقد برك إبليس عىل قلوهبم‪ ،‬وجثم الباطل عىل صدورهم‪،‬‬
‫وعشعش اخلنا يف ثنايا نفوسهم وأعامق حياهتم؟!‬
‫(ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ‬
‫ﭝ) [النساء ‪..] 72‬‬
‫أتم‬
‫فهم يقومون بدور إبليس عىل أكمل وجه‪ ،‬وحيتلون مكان الشيطان عىل ِّ‬
‫صورة‪ ،‬وهيتفون يف مسمعه البغيض‪ ،‬نم فإن عليك شهر طويل عريض‪ ،‬ونحن‬
‫عىل آثارك مهتدون‪ ،‬وبدورك قائمون‪ ،‬وعن مهام حزبك مناضلون‪ ..‬فيا ليت‬
‫شعري متى نرى القيود واألصفاد يف أرجل هؤالء الشياطني املفسدين‪ ،‬نعوذ‬
‫باهلل منهم أمجعني!‬

‫** تذكر كم استنزف الشيطان منك احلسنات وكم أغضبت‬


‫ربك بارتكاب املحرمات‪ ..‬فاعقد العزم أن تبدأ من اآلن يف‬
‫نسف سيئاتك والتخلص من سيئ عاداتك وبناء جسور من‬
‫الطاعات تعينك يف معركتك مع الشيطان‪.‬‬
‫** اعلم أن الشيطان لن يريض أن تعود بعد رمضان بالربح والثواب ويعود‬
‫هو باخلرسان والتباب‪ ..‬فاحذر هجمته الرشسة بعد رمضان‪ ..‬وتيقظ له وانتبه‬
‫ملداخله واستعذ بربك منه فهو ملجؤك وقوتك‪.‬‬

‫«إذا علمت أن الشيطان ال يغفل عنك فال تغفل أنت عمن‬


‫ناصيتك بيده»‪.‬‬
‫[ابن عطاء اهلل]‪.‬‬
‫فإنــــــه يـــــــــــراك‬ ‫‪52‬‬

‫أمل يعلم بأن اهلل يري؟!‬


‫• «حني توصد األبواب وحتكم األقفال وتسد منافذ النور أن تقتحم ظالم‬
‫خلوتك‪ ..‬فإنه يراك‪.‬‬
‫• حني تطمئن أن أعني اخللق نامت وأجسادهم اسرتاحت وآذاهنم لغريك‬
‫راحت‪ ..‬فإنه يراك‪.‬‬
‫• حني تسرتق النظر وتتنصت بسمعك‪ ..‬وختفي آثار قدمك وتطمس‬
‫بصامت كفك‪ ..‬فإنه يراك‪.‬‬
‫• حني ختتيل بحرمة من حمارم اهلل فتكون وحيدا ال تسمعك أذن وال تراك‬
‫عني‪ ..‬فإنه يراك»(((‪.‬‬

‫وحيك يا صاح‪..‬‬
‫إن اهلل ال ختفى عليه خافية‪ ..‬فكيف تسترت منه وأنت مقبل عليه؟‬
‫كيف يمكن أن تعمل عم ً‬
‫ال واحدً ا ال يراه؟‬
‫وهو يقول‪:‬‬
‫(ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ) [ق ‪..]16‬‬
‫فخري لك أن تراقب اهلل تعايل يف كل عمل عملته‪ ،‬وكل كلمة قلتها وكل خاطرة‬
‫وسوست هبا نفسك‪ ،‬وكل حركة حتركتها جارحة من جوارحك‪.‬‬
‫والنفــس داعـيــة إلـى الطغيــان‬ ‫وإذا خلوت بريبــة فــي ظلـمـــة‬
‫وقل هلا إن الذي خلق الظالم يراين‬ ‫فاستــحـــي من نـظـــر اإللـــه‬

‫((( ولكن كونوا ربانيني ص ‪ 52‬بالل وهب‪.‬‬


‫‪53‬‬ ‫فما هي املراقبة؟‬
‫قال ابن القيم رمحه اهلل‪:‬‬
‫«املراقبة دوام علم العبد وتيقنه باطالع احلق سبحانه وتعاىل عىل ظاهره وباطنه‬
‫ناظر إليه‪ ،‬سامع لقوله‪ ،‬وهو سبحانه‬
‫وهي ثمرة علم العبد بأن اهلل رقيب عليه‪ٌ ،‬‬
‫مطلع عىل عمله كل وقت وكل طرفة عني»‪.‬‬
‫وقال سفيان الثوري يو ًما ألصحابه‪:‬‬
‫«أخربوين لو كان معكم من يرفع احلديث إىل السلطان أكنتم تتكلمون بيشء؟‬
‫قالوا‪ :‬ال‪ ،‬قال‪ ،‬فإن معكم من يرفع احلديث إىل اهلل عز وجل»‪.‬‬

‫رمضان وأسوار املراقبة‪:‬‬


‫بني املراقبة والصيام صلة وثيقة‪..‬‬
‫فالصوم يؤدي إىل إشعار الصائم بمسئوليته عن نفسه والرقابة عليها فال يطلع‬
‫عىل خفيات أعامله إال اهلل‪..‬‬
‫فالصوم أمر موكول إىل النفس والصائم هو الرقيب عىل نفسه‪ ..‬فالصائم‬
‫بوسعه أن يدعي الصيام أمام الناس ثم هو يأكل ويرشب يف اخلفاء وال يعلم‬
‫بأمره إال اهلل ولكن ألنه يراقب اهلل ال يفعل‪ ..‬وهكذا تتجيل عظمة الصيام يف‬
‫الرسية التي تكون بني اهلل وبني عبده‪ ..‬فهو يدرب املؤمن عىل أن يستحي من اهلل‬
‫يف رسه فضال عن عالنيته فال يتناول شيئا من املفطرات ألن اهلل تعايل يراه وهذا‬
‫عني اإلحسان الذي هو استحضار الرقابة اإلهلية يف كل حني وكل حالة‪ ،‬مصداقا‬
‫لقول النبي عليه الصالة والسالم ملا سئل عن اإلحسان فقال‪:‬‬
‫«أ ْن َت ْع ُبدَ اللهََّ ك ََأن َ‬
‫َّك ت ََرا ُه‪َ ،‬فإِ ْن لمَ ْ َتك ُْن ت ََرا ُه َفإِ َّن ُه َي َر َ‬
‫اك»(((‪.‬‬ ‫َ‬

‫((( رواه البخاري‪.‬‬
‫فكيف حتب أن يراك ربك عزوجل؟‪..‬‬ ‫‪54‬‬
‫• يراك بني صفوف املصلني واخلاشعني أم مع أرباب اللهو والغافلني؟‬
‫مبادرا باألوقات أم هاتكًا للحرمات مقيماً عىل‬
‫ً‬ ‫• يراك ساب ًقا باخلريات‬
‫املوبقات؟‬
‫• يراك وأنت تلبس أثواب الذل واالفتقار أم وأنت تبارزه بالقبائح واألوزار؟‬
‫وتدبرا بكل جد وعزيمة أم يراك وأنت‬
‫ً‬ ‫• يراك وأنت مقبل عىل كتابه تالوة‬
‫منغمسا يف جلسات السمر والغيبة والنميمة؟‬
‫ً‬
‫خلل يف املراقبة‪:‬‬
‫كثريا من الصائمني يراقبون اهلل تعاىل يف صيامهم من جهة األكل والرشب‬ ‫إن ً‬
‫وسائر املفطرات احلسية‪ ،‬ويشددون عىل أنفسهم يف ذلك حتى جتدهم يسألون‬
‫عن قطرة العني واألنف واألذن‪ ،‬وعن الغبار والدخان والطيب هل هي من‬
‫املفطرات؟ وجيتنبـوهنا احتيا ًطا لصومهم‪ ،‬ولكنهم ال يتقون اهلل تعاىل وال يراقبونه‬
‫فيام خيل بالصوم‪ ،‬أو يذهب أجره كالغيبة والنميمة والزور والبهتان‪ ،‬والنظر إىل‬
‫املحرمـات وسامعـها وهذا من أعظم اخللل يف فهم حقيقة الصوم‪.‬‬
‫فيا من أهلتك الذنوب عن الطاعات‪ ..‬وصدك اهلوى عن مراقبة موالك يف‬
‫اخللوات!‪ ..‬خلوت باحلرمات‪ ..‬ومل تزجر النفس عن املوبقات!‬

‫وحيك‪..‬‬
‫تصيل ولكن بال حضور‪ ..‬وتصوم عن الطعام ولكنك بالغيبة مغمور‪ ..‬باطنك‬
‫خراب والظاهر معمور‪ ..‬ما هذا اخلداع والغرور؟‬
‫أما سمعت قوله تعاىل‪:‬‬
‫(ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ) [غافر ‪.]19‬‬
‫فام الفائدة يف التسرت واالختفاء؟‬
‫بل ما الفائدة من اإلعراض واالنرصاف؟‪..‬‬
‫‪55‬‬
‫فالعاقل من راقب العواقب‪..‬‬
‫واجلاهل من ميض ُقدُ ما ومل يراقب‪.‬‬

‫** وهي وصية حاتم األصم رمحه اهلل‪:‬‬


‫«إذا عملت‪ ،‬فاذكر نظر اهلل إليك‪ ،‬وإذا تكلمت‪ ،‬فاذكر سمع‬
‫اهلل منك وإذا سكت‪ ،‬فاذكر علم اهلل فيك»‪.‬‬

‫قال سهل بن عبد اهلل رمحه اهلل‪:‬‬


‫«مل يتز َّين القلب بيشء أفضل وال أرشف من علم العبد بأن اهلل‬
‫شاهده حيث كان»‪.‬‬
‫أمسك عليـــك لسانك‬ ‫‪56‬‬

‫حصائد األلسنة‪:‬‬
‫هل تصورت يو ًما أن كل ما تكلمت به ونطق به لسانك خالل شهر مثال قد‬
‫جاءك يف فاتورة كفاتورة اهلاتف‪ ..‬فيها كل ما قلته من خري ورش‪ ،‬من حق وباطل‪،‬‬
‫من غيبة ونميمة‪ ،‬سخرية واستهزاء‪ ،‬كالم فيام ال يعني وال يفيد‪ ..‬كالم ًجله‬
‫اللغو الضائع أواهلذر الضار‪ ،‬أغلب األحاديث عن الكرة والفن والسينام واملال‬
‫واملتعة واملطاعم واملشارب والفنانني واألغاين والنكات والقنوات واملجالت‬
‫واملباريات و‪...‬‬
‫تصور أن هذه هي فاتورة احلساب األخروي‪ ..‬فكيف سيكون حالك أمام‬
‫ربك؟‬
‫ختيل عندما تقف بني يدي ربك يوم القيامة وفاتورة لسانك ليس هبا إال قليل‬
‫من هتليل وتكبري‪ ،‬وتسبيح وحتميد وقراءة قرآن وإسداء النصح وسؤال اخلري‬
‫وحث عىل الفضيلة وشكر هلل وثناء عليه‪.‬‬

‫عجبًا لك‪..‬‬
‫أما سمعت قول ربك عزوجل‪:‬‬
‫(ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ) [ق‪.]18‬‬
‫أما يستحي أحدكم لو نرشت صحيفته التي أمىل صدر هناره‪ ،‬وليس فيها يشء‬
‫من أمر آخرته‪..‬‬

‫يا هذا‪..‬‬
‫قل يل بربك فيم أنفقت أعامرك وأوقاتك؟ هل يف يشء غري هالكك ودمارك؟‬
‫أين عقلك‪ ،‬أين إشفاقك عندما تتصفح ديوانك وتُنرش عثراتك؟ وساعتها تبكي‬
‫وتقول لساين أوردين املهالك! فهل استعددت لذلك؟‬
‫‪57‬‬
‫َّــك إِنَّــ ُه ُث ْع َب ُ‬
‫ــان‬ ‫الَ َي ْلــدَ َغن َ‬ ‫ان‬ ‫اح َف ْظ َل َســان ََك أيهُّ َا ِ‬
‫اإلن َْس ُ‬ ‫ْ‬
‫الش ْج َع ُ‬
‫ان‬ ‫ِ‬
‫َاب ل َقا َء ُه ُّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫فيِ‬
‫ك َْم المَْ َقابر م ْن َقت ِ‬
‫َت تهَ ـ ُ‬
‫كَان ْ‬ ‫يل ل َسـانه‬

‫فاتورة احلساب األخروي‪:‬‬


‫«من العجائب أن أحدنا إذا تسلم فاتورة اهلاتف التي تسجل مكاملاته يف دقائق‬
‫ال تقاس بساعات وأيام عمره‪ ،‬ثم وجد تلك الفاتورة بدقائقها وثوانيها عالية‬
‫التكلفة فعل ًيا تصبب عر ًقا وتأمل يف مكاملاته هذه التي جلبت عليه تلك التكلفة‬
‫العالية‪..‬‬
‫هل تستحق أن تدفع فيها هذه املبالغ؟‬
‫وهل كانت هلا قيمة توازي التكاليف؟‬
‫بعض النــاس يأخذ نفسه بحزم زائد‪ ..‬فيطلب أن يكون هاتفه لالستقبال‬
‫فقط وليس لإلرسال حتى ال يضطر لدفع تكاليف اإلرسال‪ ..‬واحلصيف يفعل‬
‫هذا مع لسانه عندما حييل بعض مهامه إىل األذن حيث يسمع أكثر مما يتكلم‬
‫فهو خيشى أال تكون له قدرة عىل سداد فواتري كالمه يوم احلساب‪ ..‬إن فاتورة‬
‫احلساب األخروي عىل حصيلة كالمك –أهيا الصائم– بالغة الرتكيب والتعقيد‪..‬‬
‫وخمرجك الوحيد للتخفف من ثقلها هو العمل بوصية نبيك ‪ ‬احلريص عليك‬
‫عندما قال‪:‬‬
‫«أمسك عليك لسانك»(((‪.‬‬

‫لسانك يف رمضان‪:‬‬
‫يف رمضان فرصة عظيمة لرتيب نفسك عىل طيب الكالم‪ ،‬فت ِ‬
‫ُحاسب ألفاظك‪،‬‬ ‫ِّ‬
‫اسب عىل ِّ‬
‫كل كلمة تصدُ ر منك‪ ،‬سواء‬ ‫وتُؤ ِّدب منطقك‪ ،‬وتزن كالمك‪ ،‬ألنَّك محُ َ‬

‫((( أخرجه الرتمذي‪ .‬روح الصيام ومعانيه ص‪ 87‬د‪ .‬عبد العزيز كامل‪.‬‬


‫أكان ذلك يف رمضان أم يف غريه‪ ..‬فإذا كنت يف رمضان تصوم عن الرشاب‬
‫‪58‬‬
‫والطعام‪ ..‬أيعقل أن تطلق لسانك يف الفواحش واآلثام؟‬

‫قل لي بربك‪...‬‬
‫ما جدوى الصيام إذا مل تتهذب به األلسنة وتتطهر به النفوس وتتعود من‬
‫األدب الكريم واخللق القويم؟‬
‫وما فائدة احلرمان إذا مل تكن من ورائه عفة القول وسامحة الكالم ولني‬
‫احلديث؟‬
‫وهتييجا للرشور‬
‫ً‬ ‫فهل يتدبر هذا أولئك الذين جعلوا الصيام إثارة لألعصاب‬
‫ال للحوم الناس وولوغا يف أعراضهم‪..‬‬‫وأك ً‬
‫ال يكاد إنسان يتحدث إىل أحدهم حتى تثور ثائرته ويشتد غضبه وصخبه‬
‫ويقذف لسانه بفحش القول وهجر الكالم‪ ..‬ويقول الناس‪ :‬معذور إنه صائم‪..‬‬
‫كال واهلل ما هو بصائم‪ ...‬ولو كان صائمـًا لكان مهذب اخللق رقيق العاطفة‪..‬‬
‫يملك نفسه ويسيطر عىل أعصابه‪ ،‬يذكر دائمـًا أنه صائم وأنه قائم يف عبادة ربه‬
‫فال يليق به أن يفحش وال جيمل به أن يسلم نفسه للشيطان ويلطخها باملآثم‬
‫والعصيان‪.‬‬

‫حتذيرات نبوية‪:‬‬
‫‪ -1‬قال ﷺ‪:‬‬
‫«إذا أصبح ابن آدم فإن األعضاء كلها ُت َك ِّفر اللسان‪ ،‬وتقول‪ :‬اتق اهلل فينا فإنام‬
‫نحن بك‪ ،‬فإن استقمت استقمنا‪ ،‬وإن اعوججت اعوججنا»(((‪.‬‬
‫وحتذيرا]‪.‬‬
‫ً‬ ‫نصحا‬
‫ً‬ ‫[ومعنى تكفر اللسان‪ :‬أي ختضع وتذل له بالقول‬

‫((( الرتمذي ‪.2407‬‬
‫‪ -2‬وقال ﷺ‪:‬‬
‫‪59‬‬
‫«ليس املؤمن بالطعان وال اللعان وال الفاحش وال البذيء»(((‪.‬‬
‫‪ -3‬وقال ﷺ ملعاذ بن جبل ‪:‬‬
‫«كف عليك هذا ‪-‬يعني اللسان‪..»-‬‬
‫فقال معاذ‪ :‬وإنا مؤاخذون بام نتكلم به؟!‪ ..‬فقال‪:‬‬
‫«ثكلتك أمك يا معاذ وهل يكب الناس يف النار عىل وجوههم إال حصائد‬
‫ألسنتهم»(((‪.‬‬

‫آكلو حلوم البشر‪:‬‬


‫الغيبة بضاعة كاسدة وسلعة رخيصة ال يسعى هلا وال حيافظ عليها إال ضعاف‬
‫كثريا من‬
‫اإليامن وهي يف الوقت نفسه جتارة خارسة للمغتاب حيث إنه خيرس ً‬
‫كثريا من الذنوب والسيئات‪ ..‬والغيبة كام قال النبي ﷺ‪:‬‬
‫حسناته‪ ،‬ويكسب ً‬
‫«ذكرك أخاك بام يكره»‪.‬‬
‫قيل‪ :‬يا رسول اهلل‪ ،‬إن كان يف أخي ما أقول؟ قال‪:‬‬
‫«إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته‪ ،‬وإن مل يكن فيه فقد هبتَّه»(((‪.‬‬
‫وخ ُلقه ونسبه يف فعله أو يف قوله أو يف دينه‪،‬‬
‫وما يكرهه اإلنسان يتناول َخ ْل َقه ُ‬
‫حتى يف ثوبه وداره ودابته وكل ما خيصه‪ ..‬قال اهلل عزوجل‪:‬‬
‫(ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ‬
‫ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ) [احلجرات‪]12‬‬

‫((( الرتمذي ‪.1977‬‬
‫((( رواه الرتمذي‪.‬‬
‫((( صحيح مسلم ‪.4690‬‬
‫وما أمجل ما قاله د‪ .‬حممد عبد اهلل دراز يف تعقيبه عىل هذه اآلية‪:‬‬
‫‪60‬‬
‫«وها هنا كشف عن األبصار غطاءها‪ ،‬وأزاح عن احلقائق نقاهبا‪ ،‬وأخرج‬
‫جسم احلقيقة ماثال ىف سوءة بادية‪ ،‬تقذى هبا العيون‪ ،‬وريح منتنة تزكم منها‬
‫األنوف‪ ،‬وطعم كريه تعافه األذواق تغفى من النفوس‪ ...‬نعم من مل يعرف كنه‬
‫جريمة الغيبة‪ ،‬وال حقيقة مرتكبيها‪ ،‬فلينظر إليها وإليهم ىف مرآة القرآن‪ ،‬هنالك‬
‫يرى‪ ،‬ويا هول ما يرى‪..‬‬
‫يرى خوانًا ممدو ًدا قد ألقيت عليه فريسة من البرش؟‬
‫ويرى حول اخلوان رشذمة جلودها جلود البرش وقلوهبا قلوب النمر‪ ،‬وقد‬
‫جعلوا ينالون من هذه الفريسة‪ ،‬ال رم ًيا بالسهام وبالنبال‪ ،‬وال طعنًا باخلناجر‬
‫والنصال‪ ،‬ولكن قضماً باألسنان‪ ،‬ولكن لع ًقا باللسان فعل الضوارى بالرمم‪..‬‬
‫هل رأيت أفجر وأغدر؟ أم هل رأيت أرذل وأنذل؟ وما ظنك بعد هذا كله لو‬
‫أخا ىف أرسة الدين؟‪ ..‬تلك‬ ‫أخا ىف أرسة النسب‪ ،‬أو ً‬ ‫كان املأكول أخا لآلكلني‪ً ،‬‬
‫هى جريمة الغيبة كام صورها القرآن ىف كلامت بليغة خالدة‪ ..‬أهيا الصائمون لئن‬
‫كانت هذه طعمة خبيثة‪ ،‬وفاحشة شنيعة ىف كل زمان‪ ،‬هلى ىف زمن الصوم أخبث‬
‫وأفحش و أشنع‪ ،‬إهنا تكذب الصوم وتنقضه‪ ،‬وحتبطه و تبطله‪ ،‬أصوم عام أحل‬
‫اهلل وأفطر عىل ما حرم اهلل؟‬

‫أيها الصائمون‪:‬‬
‫(ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ) [النور‪.]17‬‬

‫بيان هام لإلمام ابن القيم‪:‬‬


‫«ومن العجب أن اإلنسان هيون عليه التحفظ واالحرتاز من أكل احلرام والظلم‬
‫والزنا والرسقة ورشب اخلمر‪ ،‬ومن النظر املحرم وغري ذلك‪ ،‬ويصعب عليه‬
‫التحفظ من حركة لسانه‪ ،‬حتى ترى الرجل ليشار إليه بالدين والزهد والعبادة‪،‬‬
‫وهو يتكلم بالكلامت من سخط اهلل ال يلقي هلا باالً‪ ،‬ينزل بالكلمة الواحدة منها‬
‫أبعد مما بني املرشق واملغرب‪ ،‬وكم ترى من رجل متورع عن الفواحش والظلم‬
‫‪61‬‬
‫ولسانه يفري يف أعراض األحياء واألموات‪ ،‬وال يبايل ما يقول»‪.‬‬

‫فواعجباه‪..‬‬
‫وأفسد فيام بينهم؟ هل صام َمن‬
‫أعراضهم َ‬
‫َ‬ ‫هل صا َم َمن أكَل حلوم البرش وهنَش‬
‫الرذيلة بينهم؟‬
‫كانت جمالسه عامر ًة بأذ َّية املسلمني وهتْك حمارمهم ونشرْ َّ‬
‫وشوه سمعة األتقياء؟‬ ‫هل صا َم َمن أط َلق لسانه بالقيل والقال َ‬
‫وقذف األبرياء َّ‬

‫** اشتغل بعيوبك عن عيوب غريك واحبس لسانك قبل أن‬


‫يطول حبسك أو يتلف نفسك أو يعرضك لسخط ربك‪.‬‬
‫** إياك وكثرة الكالم فيام ال يعني واليفيد‪ ..‬فمن «كثر كالمه‬
‫كثر سقطه‪ ،‬ومن كثر سقطه كثرت ذنوبه ومن كثرت ذنوبه كانت‬
‫النار أوىل به» كام قال عمر بن اخلطاب ‪.‬‬

‫«نظر بعضهم إىل رجل ُيفحش فقال له‪:‬‬


‫يا هذا‪ ..‬إنك إنام تمُ يل عىل حافظيك كتا ًبا إىل ربك‪ ..‬فانظر ما‬
‫تقول!»‪.‬‬
‫وجنتــــك احملـــــــراب‬ ‫‪62‬‬

‫أغلى اللحظات‪:‬‬
‫عندما تسكن احلياة وخيفت الضجيج وحيل الظالم ويقل الزحام‪ ...‬يتسلل‬
‫املقربون إىل املحاريب يف سكون ينصبون أجسادهم بني يدي رهبم يف أدب‬
‫وخشوع وذل وخضوع‪ ..‬يقرأون كتابه ويتلون آياته‪ ..‬يمجدونه ويعظمونه‪..‬‬
‫وحيمدونه ويمدحونه‪..‬‬
‫أال ما أروع الليل‪..‬‬
‫حبيب املشتاقني‪ ..‬ومأوى املحبني‪..‬‬
‫وخلوة الطائعني‪ ..‬وأنيس الراكعني والساجدين‪..‬‬
‫وميدان املتهجدين‪ ..‬ولذة املترضعني ومهة املتهجدين‪.‬‬
‫الليل‪ ...‬إعالن الرهبة‪ ..‬وعنوان السكون‪ ..‬ومظنة اخلشوع‪ ..‬تكثر فيه‬
‫اآلهات‪ ..‬حتلو فيه العربات والندم عىل العثرات واالعرتاف باهلفوات والزالت‪.‬‬
‫يف عتامت الليل قلوب خاشعة‪ ،‬وأنفس زكية‪ ،‬وألسن ذاكرة‪ ،‬وأعني ساهرة‪،‬‬
‫وجباه ساجدة‪ ،‬وجنوب متجافية‪ ..‬ولذة مناجاة وحالوة مناداة‪.‬‬
‫ف املؤمن أقدامه‪ ..‬ويشكو فيه آالمه‪ ..‬وينثر يف سكونه دموعه‪..‬‬
‫يص ّ‬
‫يف الليل‪ُ ..‬‬
‫ويعلن توبته ورجوعه‪ ..‬إذا نام الناس قام‪ ..‬وإذا غفلوا أفاق‪.‬‬
‫يقول اإلمام بن رجب رمحه اهلل‪:‬‬
‫«الليل منهل يرده أهل اإلرادة كلهم وخيتلفون فيام يردون ويريدون‪ ..‬فاملحب‬
‫يتنعم بمناجاة حمبوبه‪ ..‬واخلائف يترضع لطلب العفو ويبكي عىل ذنوبه‪..‬‬
‫والراجي يلح يف سؤال مطلوبه‪ ..‬والغافل املسكني أحسن اهلل عزاءه يف حرمانه‬
‫وفوات نصيبه»‪.‬‬
‫وما أمجل ما قاله األستاذ حممد أمحد الراشد‪:‬‬
‫‪63‬‬
‫«سجود املحراب‪ ،‬واستغفار األسحار‪ ،‬ودموع املناجاة‪ :‬سيامء حيتكرها‬
‫املؤمنون ولئن توهم الدنيوي جنانه يف الدينار‪ ،‬والنساء‪ ،‬والقرص املنيف‪ ،‬فإن جنة‬
‫املؤمن يف حمرابه»‪.‬‬

‫رمضان وقيام الليل‪:‬‬


‫يف رمضان فرصة عظيمة لالتصال باهلل عزوجل‪ ،‬وتلقي فيوضه ومنحه‪،‬‬
‫واألنس به والتعرض لنفحاته واخللوة إليه‪ ..‬فالنفوس يف رمضان مشتاقة‬
‫للطاعة‪ ..‬متلهفة عىل املغفرة‪ ..‬حتن األرواح إىل التحليق بعيدا عن أغالل املادة‬
‫وجواذب الشهوات‪.‬‬
‫فلو نظرت إىل أحوال املصلني يف صالة الرتاويح يف املساجد لوجدهتم‪:‬‬
‫(ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ) [السجدة ‪]16‬‬
‫حمب يتن ّعم باملناجاة‪ ،‬وذلك حمس ٌن يزداد يف الدرجات‪ ،‬ويسارع يف‬
‫فهذا ٌ‬
‫يترضع يف طلب العفو‪ ،‬ويبكي عىل‬
‫ّ‬ ‫خائف‬
‫ٌ‬ ‫اخلريات‪ ،‬وجيدّ يف املنافسات‪ ،‬وآخر‬
‫ٍ‬
‫وعاص مقصرّ يطلب‬ ‫ويرص عىل مطلوبه‪،‬‬
‫ّ‬ ‫يلح يف سؤاله‪،‬‬
‫اج ّ‬‫ور ٍ‬
‫اخلطيئة والذنب‪َ ،‬‬
‫النجاة‪ ،‬ويعتذر عن التقصري وسوء العمل‪ ،‬كلهم يدعون رهبم‪ ،‬ويرجونه خو ًفا‬
‫وطم ًعا‪ ،‬فأنعم عليهم موالهم‪ ،‬فأعطاهم واستخلصهم واصطفاهم‪.‬‬
‫فعن أيب هريرة ‪ ‬أن رسول اهلل ﷺ قال‪:‬‬
‫«ينزل ربنا كل ليلة إىل سامء الدنيا‪ ،‬حني يبقى ثلث الليل األخري‪ ،‬فيقول‪ :‬من‬
‫يدعوين فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرين فأغفر له؟»(((‪.‬‬

‫((( متفق عليه‪.‬‬
‫أخي احلبيب‪..‬‬ ‫‪64‬‬
‫أين أنت من هؤالء الطائعني‪..‬‬
‫أما لك معهم نصيب؟‬
‫أفيدعوك موالك إىل املغفرة والرمحة فال جتيب ويأمرك باإلنابة فال تنيب؟!‬
‫يا من ُيدعي إىل نجاته فال جييب‪ ..‬يا من ريض أن خيرس وخييب؟!‬

‫وحيك‪..‬‬
‫أين مناجاة اخلاشعني؟ أين زفرات املذنبني وآهات التائبني وأنني املستغفرين؟‬
‫أين دعاء املخبتني ومناجاة املحبني ووجد املشتاقني؟‬

‫يا هذا‪...‬‬
‫ليلك ضائع يف مطاردة القنوات والتقاط التفاهات ومشاهدة أراذل املحطات‬
‫واجلري وراء السمرات‪..‬‬

‫وحيك يا نفس‪..‬‬
‫كلام بحثت ِ‬
‫عنك يف هذه األوقات‪ ..‬وجدتك مشغولة بالشهوات وامللذات‪..‬‬
‫نائمة يف بساط الغفالت‪ ..‬فمتى تستيقظني من هذه الرقدات؟!‬
‫إين أشتاق إىل ركعتني يف جوف الليل قبل املامت‪ ..‬إنني أمتني أن أحلق بركب‬
‫عباد الرمحن‪..‬‬
‫(ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ) [الفرقان ‪.]64‬‬
‫قبل الفوات‪..‬‬
‫قبل حلول أجلك فتتمني الرجعة ولكن هيهات هيهات‪..‬‬
‫(ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯳ ﯴ‬
‫ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ) [الزمر ‪.]9‬‬
‫يقول ابن عباس ‪:‬‬
‫‪65‬‬
‫هيون اهلل عليه طول الوقوف يوم القيامة فلريه اهلل يف ظلمة الليل‬
‫«من أحب أن ِّ‬
‫ساجدً ا وقائماً ‪ ،‬حيذر اآلخرة ويرجو رمحة ربه»‪.‬‬

‫معينات على الطريق‪:‬‬


‫‪ -1‬اإلخالص هلل تعاىل‪ :‬فكلام قوي إخالص العبد كان أكثر توفي ًقا إىل‬
‫الطاعات والقربات‪.‬‬
‫‪ -2‬سالمة القلب من احلقد واحلسد‪ ،‬واجتناب البدع‪ ،‬ولزوم السنة‪ ،‬واحلرص‬
‫عليها‪.‬‬
‫‪ -3‬امتالء القلب من اخلوف من اهلل‪ ،‬مع قرص األمل‪.‬‬
‫‪ -4‬أن يستشعر مريد قيام الليل أن اهلل تعاىل يدعوه للقيام‪ :‬فإذا استشعر‬
‫العبد أن مواله يدعوه لذلك وهو الغني عن طاعة الناس مجي ًعا كان ذلك أدعى‬
‫لالستجابة‪.‬‬
‫‪ -5‬قلة األكل والرشب‪ :‬فإن كثرة األكل تدعو إىل غلبة النوم السيام أكل‬
‫العشاء قال سفيان الثوري‪:‬‬
‫«عليكم بقلة الطعام متلكوا قيام الليل»‪.‬‬
‫‪ -6‬البعد عن الذنوب واملحرمات‪ :‬فإهنا توجب األرضار والعقوبات‪ ،‬ومن‬
‫عقوباهتا احلــرمان من الطاعة‪ ،‬فإن املعصيــة تدعو إلــى أختها‪ ،‬وتصد عن‬
‫الطاعة قال رجل ألحد الصاحلني‪ :‬ال أستطيع قيام الليل‪ ،‬فصف يل يف ذلك دوا ًء‪،‬‬
‫فقال‪:‬‬
‫«ال تعصه بالنهار‪ ،‬وهو يقيمك بني يديه يف الليل»‪.‬‬
‫‪66‬‬
‫** احرص عىل أداء صالة الرتاويح من أول يوم يف رمضان‬
‫يف مسجد يصيل بجزء من القرآن وحاول أن تقرأ اجلزء الذي‬
‫سيقرأه اإلمام يف الصالة قبل أن تذهب لصالتك فهذا يساعدك‬
‫عىل التدبر والرتكيز‪.‬‬
‫** احرص بعد رمضان عىل املواظبة عىل ركعتني قيام ولو قبل النوم واستمر‬
‫عىل ذلك زمنا حتى إذا تعودت عىل ذلك زد عىل قدر عزيمتك ونشاطك‪.‬‬

‫قيل للحسن البرصي‪ :‬ما بال املتهجدين بالليل من أحسن الناس‬


‫وجوها؟ قال‪:‬‬
‫ً‬
‫نورا من نوره»‪.‬‬
‫«ألهنم خلوا بنور الرمحن فألبسهم ً‬
‫‪67‬‬ ‫الدعاء أقرب طريق إىل العبودية‬

‫االفتقار حقيقة العبودية‪:‬‬


‫فقريا إىل اهلل‪ ،‬وهذه هي حقيقة‬ ‫إن حقيقة غنى املرء يف احلياة أن يعيش ً‬
‫العبودية‪ ..‬فالعبادة بجميع مظاهرها وشتى أحواهلا وكامل أفعاهلا وأقواهلا مظهر‬
‫صادق لالفتقار‪ ،‬بل هي املظهر األسمى واألسلوب األرقى‪ ..‬فاخللق كلهم‬
‫مفتقرون إىل رهبم يف جلب منافعهم ودفع مضارهم‪ ،‬إلصالح دينهم ودنياهم‪،‬‬
‫ُ‬
‫وكامل املخلوق يف حتقيق عبوديته هلل عز وجل‪ ،‬وكلام ازداد العبد حتقي ًقا للعبودية‬
‫ازداد كامله وعلت درجته‪.‬‬
‫والدُّ عاء تتجيل فيه حقيقة العبودية عرب االلتجاء واالفتقار للخالق‪ ..‬فبه يشعر‬
‫املرء بفقره وفاقته‪ ،‬وضعفه وحاجته‪ ،‬وبقوة وغنى خالقه‪ ..‬ويظهر اخلشوع ويزيد‬
‫اخلضوع ويشتد االنكسار لعظمة اجلبار‪.‬‬

‫حقيقة الدعاء‪:‬‬
‫قال اإلمام اخل َّطايب‪:‬‬
‫«حقيقة الدُّ عاء استدعاء العبد من ر ِّبه العناية واستمداده إياه املعونة‪ ،‬وحقيقته‬
‫والقوة التي له وهو سمة العبودية وإظهار‬
‫َّ‬ ‫إظهار االفتقار إليه والرباءة من احلول‬
‫الذلة البرشية فيه معنى الثناء عىل اهلل وإضافة اجلود والكرم إليه»‪.‬‬ ‫ّ‬
‫إن املؤمن حني تضيق به األرض بام رحبت ويظن أنه أحيط به جيأر بالدعاء‬
‫إىل اهلل يطلب معيته ويرجو جواره‪ ..‬ألن الدعاء استشعار بالضعف اإلنساين‪،‬‬
‫واعرتاف باإلله القوي فيناديه الضعيف كي يكون معه حيميه وحيفظه ويرعاه‬
‫ويكأله بعنايته‪ ،‬فيتحقق بذلك أسمى أنواع العبودية‪.‬‬
‫‪ 68‬فإني قريب‪:‬‬
‫وكيف ال ينادي مواله وهو القريب؟ وكيف ال يسأله وهو املجيب؟ وكيف‬
‫ال يطلبه وهو املعطي؟‬
‫(ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ‬
‫ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ) [البقرة ‪.]186‬‬
‫قريب‪:‬‬
‫يغيث اللهفان‪ ،‬ويشبع اجلوعان‪ ،‬ويسقى الظمآن‪ ،‬ويتابع اإلحسان‪.‬‬
‫قريب‪:‬‬
‫عطاؤه ممنوح‪ ،‬وخريه يغدو ويروح‪ ،‬وبابه مفتوح‪.‬‬
‫قريب‪:‬‬
‫فرجه ىف ملحة البرص‪ ،‬وغوثه ىف لفتة النظر‪ ،‬املغلوب إذا دعاه انترص‪.‬‬
‫قريب‪:‬‬
‫فإيــاك أن تطلب حوائجــك إلــى من أغلق دونك بابــه وجعل دوهنا‬
‫حجابه‪ ..‬وعليك بمن بابه مفتوح إىل يوم القيامة أمرك أن تسأله ووعدك أن‬
‫جييبك‪.‬‬

‫أخي‪..‬‬
‫يا من لك حاجة دينية أو دنيوية‪ ..‬عليك بالترضع إىل اهلل واالنكسار‪ ..‬فكم‬
‫من دعوة رفـع اهلل هبا املكاره وأنواع املضار؟ وجلب هبا اخلريات والربكات‬
‫واملسار‪ ..‬وكم تعرض العبد لنفحات الكريم يف ساعات الليل والنهار فأصابته‬
‫نفحة منها يف ساعة إجابة فسعد هبا وأفلح والتحق باألبرار‪ ..‬وكم رضع تائب‬
‫فتاب عليه وغفر له اخلطايا واألوزار‪ ..‬وكم دعاه مضطر فكشف عنه السوء‬
‫وزال عنه االضطرار‪ ..‬وكم جلأ إليه مستغيث فأغاثه بخريه املدرار‪.‬‬
‫‪69‬‬ ‫رمضان والدعاء‪:‬‬
‫هر‬‫ال َوالنِّدَ ِاء َف ِفي َأ ِّي َش ٍ‬ ‫رص َة االبتِ َه ِ‬ ‫ِ‬
‫هر الدُّ َعاء َو ُف َ‬
‫ان ُه َو َش َ‬ ‫َإِ َذا مل َي ُك ْن َر َم َض ُ‬
‫اجاتِ ِه َو َر َغ َباتِ ِه‬ ‫محة ليرَ َف َع إِىل َموال ُه َح َ‬
‫وسم الر َ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫يك ُ ِ‬
‫ُون َذل َك؟! َوإِ َذا مل َيستَغ َّل ال َعبدُ َم َ َّ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الر ُج ُل إ َليه َيدَ يه أن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َان اهللُ َحي ًّيا كَريماً َيستَحي إ َذا َر َف َع َّ‬
‫ُون َذل َك؟! َوإ َذا ك َ‬ ‫َف َمتى َيك ُ‬
‫ال َطا َع ًة لِ َر ِّب ِه َو َقدَ َما ُه‬ ‫َان َو َبطنُ ُه َخ ٍ‬‫َيف بِمن َش َفتَاه ِمن الصو ِم َذابِ َلت ِ‬
‫ُ َ َّ‬ ‫فرا َفك َ َ‬
‫ِ‬
‫َي ُردَّهمُ َ ا ص ً‬
‫لك‬ ‫َاجى َر َّب ُه َعلىَ تِ َ‬ ‫ِ‬ ‫اجدً ا؟! ك َ ِ‬
‫َيف بِه إِ َذا َر َف َع َك َّفيه َون َ‬ ‫اك ًعا َوس ِ‬
‫َ‬
‫َان َق ِائ ور ِ‬
‫ماً َ َ‬
‫مص ُفو َفت ِ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫حلال؟!‬ ‫ا َ‬
‫َفيَا َأيُّ َها َّ‬
‫الصائِ ُمو َن‪..‬‬
‫وك؟! َواهللِ َلو َفت ََح‬ ‫ول َعلىَ م ِل ِك ا ُمل ُل ِ‬ ‫ص الكَبِري ِة لِلدُّ ُخ ِ‬ ‫َأي َن َأنتُم َعن َه ِذ ِه ال ُف َر ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وك الدُّ ن َيا لِلن ِ‬ ‫م ِل ٌك ِمن م ُل ِ‬
‫َاو ُاهم‬ ‫اجاتهِ ِم َو َي ُب ُّثو ُه َشك َ‬ ‫َّاس َبا َب ُه َيو ًما ليرَ َف ُعوا إِ َليه َح َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫رصه َلفي ًفا‪َ ،‬فك َ‬ ‫ِ‬ ‫حلا ِ ي َن إِىل َق ِ‬ ‫ضرِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الز َحا َم َعلىَ َبابِه كَثي ًفا‪َ ،‬وألَل َف َ‬ ‫َل َو َج َ‬
‫َيف‬ ‫يت ا َ‬ ‫دت ِّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يب؟!‬ ‫يب ا ُمل ِج ُ‬ ‫بحا َن ُه ال َق ِر ُ‬‫َيف َو ُه َو ُس َ‬ ‫اب؟! ك َ‬ ‫َو َمل ُك ا ُمل ُلوك ُه َو الذي َيفت َُح ال َب َ‬
‫همو ًما‪َ ،‬يا‬ ‫ون‪َ ،‬يا َم ُ‬ ‫يضا َع َب َث بِ ِه الدَّ ا ُء َواألَلمَ ُ‪َ ،‬يا َف ِق ًريا اس َت َبدَّ ت بِ ِه الدُّ ُي ُ‬ ‫َيا َم ِر ً‬
‫اء؟! َأي َن َأنتُم َع ِن التَّضرَ ُّ عِ؟!‬ ‫مغموما‪ ،‬يا تَاجا‪ ،‬يا مض َّطرا‪َ ،‬أين َأنتُم ع ِن الدُّ ع ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ ً َ محُ ً َ ُ ًّ‬
‫ِ‬
‫ني‪،‬‬ ‫وقنِ َ‬
‫هر ا ُملبار ِك؟! َأال َفاد ُعوا اهللَ م ِ‬
‫ُ‬ ‫الش ِ َ َ‬ ‫اب السَّماَ ء يف َه َذا َّ‬ ‫َأي َن َأنتُم َعن َقر ِع َأ َبو ِ‬
‫ني‪ُ ،‬اد ُعوا ُد َعا َء‬ ‫ني‪َ ،‬وار َغ ُبوا إِىل الك َِري ِم مخُ ِل ِص َ‬ ‫َسل ِم َ‬ ‫واجل ُؤوا إِىل الر ِحي ِم مست ِ‬
‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫َ َ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫لحِ‬
‫ني‪َ ،‬ف َواهللِ ال غنى َلكُم َعن َر ِّبكُم َطر َف َة َعني‪..‬‬ ‫اح ا ُملحتَاج َ‬ ‫حل َ‬‫ا ُملض َّط ِّري َن‪َ ،‬و َأ ُّوا إ َ‬
‫(ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ‬
‫ﯣ ﯤ ﯥ ﯧ ﯨ ﯩ) [النمل ‪.]62‬‬

‫حتى تكون جماب الدعوة‪:‬‬


‫وإلجابة الدعاء رشوط وآداب كثرية منها‪:‬‬
‫حتري احلالل – ابتداء الدعاء وختمه بحمد اهلل ومتجيده والثناء عليه والصالة‬
‫عىل النبي عليه الصالة والسالم ‪ -‬حضور القلب وإظهار الفاقة والرضاعة إىل‬
‫‪70‬‬
‫اهلل – اليقني من اإلجابة – جتديد التوبة والتخلص من الذنوب – حتري أوقات‬
‫اإلجابة – عدم االستعجال‪.‬‬

‫إياك واالستعجال‪:‬‬
‫وأود ‪-‬أخي الكريم‪ -‬أن أقف معك وقفة مع االستعجال ألنه أمر هام وخطري‬
‫ومالحظ بني كثري من املسلمني‪ ..‬فكم من الناس يقول لقد دعوت كثريا ومل‬
‫ُيستجاب يل فيتوقف عن الدعاء و ُيصاب باليأس والقنوط‪.‬‬
‫عن أيب هريرة ‪ ‬أن رسول اهلل ﷺ قال‪:‬‬
‫«يستجاب ألحدكم ما مل يعجل‪ ،‬يقول قد دعوت اهلل فلم يستجب اهلل يل»(((‪.‬‬
‫ولإلمام ابن اجلوزي كالم نفيس يف مسألة االستعجال فيقول‪:‬‬
‫«تأملت حالة عجيبة وهي‪ :‬أن املؤمن تنزل به النازلة فيدعو ويبالغ‪ ،‬فال يرى‬
‫أثرا لإلجابة‪ ..‬فإذا قارب اليأس نُظر حينئذ إىل قلبه فإن كان راض ًيا باألقدار غري‬‫ً‬
‫قنوط من فضل اهلل عز وجل‪ ،‬فالغالب تعجيل اإلجابة حينئذ ألن هناك يصلح‬
‫اإليامن وهيزم الشيطان وهناك تبني مقادير الرجال‪ ..‬فإياك أن تستطيل مدة اإلجابة‬
‫ناظرا إىل أنه املالك وإىل أنه احلكيم يف التدبري والعامل باملصالح وإىل أنه يريد‬
‫وكن ً‬
‫اختبارك ليبلو أرسارك وإىل أنه يريد أن يرى ترضعك وإىل أنه يريد أن يأجرك‬
‫بصربك وإىل أنه يبتليك بالتأخري لتحارب وسوسة إبليس وكل واحدة من هذه‬
‫األشياء تقوي الظن يف فضله وتوجب الشكر له إذ أه ّلك بالبالء لاللتفات إىل‬
‫سؤاله‪ ..‬وفقر املضطر إىل اللجأ إليه غني كله»‪.‬‬
‫وما أمجل وصية ابن عطاء اهلل رمحه اهلل‪:‬‬
‫«ال يكن تأخر أمد العطاء مع اإلحلاح يف الدعاء موج ًبا ليأسك‪ ،‬فهو قد ضمن‬

‫((( متفق عليه‪.‬‬
‫لك اإلجابة فيام خيتاره لك‪ ،‬ال فيام ختتاره لنفسك‪ ،‬ويف الوقت الذي يريد ال الوقت‬
‫‪71‬‬
‫الذي تريد»‪.‬‬

‫** الزم باب موالك وأدم القرع وأدمن الوقوف وحتر أوقات‬
‫اإلجابة وال تستبطئ الفرج وال تيأس من روح اهلل‪.‬‬
‫** ال تنسى الدعاء إلخوانك املستضعفني واملكروبني يف‬
‫مشارق األرض ومغارهبا أن يفرج اهلل كرهبم ويعجل نرصهم‬
‫وهيلك عدوهم‪.‬‬

‫عن عمر بن اخلطاب ‪ ‬أنه قال‪:‬‬


‫هم الدعاء‪ ،‬فإذا أهلمت الدعاء‬
‫هم اإلجابة ولكن ّ‬
‫«أنا ال أمحل ّ‬
‫كانت اإلجابة معه»‪.‬‬
‫إىل األخالق من جديد‬ ‫‪72‬‬

‫حتى ال ُتهدم قلعة األخالق‪:‬‬


‫يقول النبي عليه الصالة والسالم‪:‬‬
‫«إنام بعثت ألمتم مكارم األخالق»(((‪.‬‬
‫هكذا حدد الرسول الغاية األوىل من بعثته واملنهاج املبني يف دعوته فيلخص‬
‫رسالته يف هذا اهلدف النبيل‪ ،‬وتتوارد أحاديثه ترتى يف احلض عىل كل خلق كريم‪،‬‬
‫وتقوم سريته الشخصية مثاالً ح ًيا وصفحة نقية وصورة رفيعة‪.‬‬
‫إن األخالق الفاضلة ركيزة أساسية من ركائز هذا الدين يف بناء الفرد وإصالح‬
‫املجتمع‪ ،‬فسالمة املجتمع وقوة بنيانه وسمو مكانته وعزة أبنائه بتمسكه بفضائل‬
‫األخالق‪ ..‬كام أن شيوع االنحالل والرذيلة والفساد مقرون بنبذ األخالق‬
‫احلميدة واألفعال الرشيدة‪.‬‬
‫ونظرة إىل جمتمعاتنا اليوم تكفي لتشخيص اهنيار األخالق عند أكثر الناس‪..‬‬
‫فقد كثرت اخلصومات وعظمت الشكايات واسترشي الشقاق وتأججت نريان‬
‫العداوات‪ ..‬انترش الكذب وضيعت األمانة وخلع جلباب احلياء وطفح الغش‬
‫والبخس والتطفيف‪ ..‬وتصاعدت أدخنة الفحش والسب واللعان‪ ..‬وزكمت‬
‫األنوف من رائحة الغيبة والنميمة والسخرية واالستهزاء ورست نريان احلقد‬
‫واحلسد والشحناء والبغضاء رسيان النار يف اهلشيم‪.‬‬

‫رمضان وعودة األخالق‪:‬‬


‫إن املقصد األسايس من الصوم هو السمو بالنفس إىل املستوى املالئكي‪،‬‬

‫((( أخرجه احلاكم والبيهقى‪.‬‬


‫وصون احلواس عن الرشور واآلثام‪ ،‬فالكف عن الطعام والرشاب ما هو إال‬
‫‪73‬‬
‫وسيلة إىل كف اللسان عن السب والشتم والصخب‪ ،‬وإىل كف اليد عن األذى‪،‬‬
‫وإىل كف البرص عن النظرة اخلائنة‪ ،‬وإىل كف السمع عن اإلصغاء للغيبة والنميمة‬
‫والقول املنكر‪..‬‬
‫فالصيام رياضة حتدُّ ِمن ثورة النَّفس البهيم َّية ل ُت َق ِّوي يف اإلنسان ناحية املالئك َّية‪،‬‬
‫ِّ‬
‫ِ‬
‫والشعار املالئكي‪ :‬ال ُفحش‪ ،‬وال ُمنكر‪ ،‬وال زور‪ ،‬وال كَذب‪ ،‬وال أذى‪ ،‬وعن‬ ‫ِّ‬
‫هذا َعبرَّ رسول اهلل ﷺ بِ َقوله‪:‬‬
‫طعامه ورشابه»(((‪.‬‬‫يدع َ‬ ‫«من لمَ ْ َيدَ ع قول الزُّور والعمل به‪ ،‬فليس هلل حاجة يف أن َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫ألنَّه إذا ترك طعامه ورشابه‪ ،‬وما ترك كذبه‪ ،‬وال افرتاءه‪ ،‬وال غ َّشه‪ ،‬وال تدليسه‪،‬‬
‫وح َّقق اهليكل املــادي للصوم‪ ،‬وأمهل روحه‪،‬‬ ‫وال إيذاءه‪ ،‬فقد جاع وما صام‪َ ،‬‬
‫غني‬ ‫بالصورة َّ‬
‫الشكل َّية الظاهرة‪ ،‬وما عنــي بالكلمة اإلهل َّية املقصودة‪ ،‬واهلل ٌّ‬ ‫وعني ُّ‬
‫لمِ‬
‫عن العبد وعبادته‪ ،‬وما كلف عبــده بام كلفه إالَّ َصلحة العباد أنفسهم‪ ،‬فإذا‬ ‫ِ‬
‫فهي ال تحُ َ ِّقق ما َق َصده اهلل ِمن َت َع ُّبدهم‬
‫كانت عبــادهتم مجُ َرد صــور وأشكال‪َ ،‬‬
‫هبا‪.‬‬
‫فالصائم كمــا جيب عليه أن َيت ََح َّر َج من وصول طعام أو رشاب إىل جوفه‪،‬‬
‫جيب عليه أن َيت ََح َّـر َج من صدور منكر م َن األقــوال واألفعال منه‪ ،‬و َل َع َّله إذا‬
‫بالســوء‪ ،‬وسلم الناس من لِ َســانه ويده يف رمضان‪ ،‬اعتاد‬ ‫قهر نفسه األَ َّمارة ُّ‬
‫عــامه كله‪ ،‬ويف‬ ‫ِ‬ ‫الصائم يف‬ ‫ِ‬
‫هذا اخلري‪ ،‬وكان ل َرمضــان أثره املحمــود يف نفس َّ‬
‫ُعمره ك ِّله‪.‬‬
‫يقول النبي ‪:‬‬
‫«الصيام ُجنة فإذا كان يوم صوم أحدكم فال يرفث ‪-‬ال يتكلم بالكالم‬

‫((( رواه البخاري‪.‬‬
‫الفاحش‪ -‬وال َي ْصخُ ب ‪-‬ال يكثر لغطه‪ -‬فإن سا َّبه أحد أوقاتله فليقل إنيِّ امرؤ‬
‫‪74‬‬
‫صائم»(((‪.‬‬

‫حمفزات نبوية‪:‬‬
‫‪ -1‬عن أيب هريرة ‪ ‬أن النبي ﷺ‪:‬‬
‫«أكمل املؤمنني إيامنًا أحسنهم خل ًقا‪ ،‬وخياركم خياركم لنسائهم»(((‪.‬‬
‫‪ -2‬عن أيب الدرداء ‪ ‬أن النبي ﷺ قال‪:‬‬
‫«ما من يشء أثقل يف ميزان املؤمن يوم القيامة من حسن اخللق‪ ،‬وإن اهلل يبغض‬
‫الفاحش البذيء»(((‪.‬‬
‫‪ -3‬عن جابر بن عبد اهلل ‪ ،‬أن رسول اهلل ﷺ قال‪:‬‬
‫جملسا يوم القيامة أحاسنكم أخال ًقا‪ ،‬وإن‬
‫«إن من أحبكم إىل وأقربكم مني ً‬
‫أبغضكم إىل وأبعدكم مني يوم القيامة الثرثارون واملتشدقون واملتفيهقون‪ ،‬قالوا‪:‬‬
‫يا رسول اهلل قد علمنا الثرثارون واملتشدقون فام املتفيهقون؟ قال‪ :‬املتكربون»(((‪.‬‬
‫«الثرثارون‪ :‬هم الذين يكثرون الكالم ويتكلفونه‪ ،‬املتشدقون‪ :‬هم الذين‬
‫يتكلمون بملء أفواههم‪ ،‬ويتصنعون القول تصن ًعا مع التعاظم به والتعايل به عىل‬
‫الناس»‪.‬‬
‫‪ -4‬عن عائشة ‪ ‬قالت‪ :‬سمعت رسول اهلل ﷺ يقول‪:‬‬
‫«إن املؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم»(((‪.‬‬

‫((( متفق عليه‪.‬‬
‫((( رواه الرتمذي‪.‬‬
‫((( رواه الرتمذي‪.‬‬
‫((( رواه الرتمذي‪.‬‬
‫((( رواه أبو داود‪.‬‬
‫فهل وعي املؤمنون قيمة حسن اخللق؟!‬
‫‪75‬‬
‫أين صدق احلديث وأداء األمانة والوفاء بالعهد؟‬
‫أين بر الوالدين وصلة األرحام واإلحسان إىل اجلريان؟‬
‫أين إعانة الضعيف وإغاثة امللهوف والرفق باليتيم؟‬
‫أين إطعام الطعام وطيب الكالم وإفشاء السالم؟‬

‫إخواني يف اهلل‪..‬‬
‫إن امتثال األخالق الفاضلة واجتناب األخالق السيئة ال يتحقق بمجرد‬
‫القراءة عنها وعن فضل هذه وثواهبا وعن سوء األخرى وعقاهبا‪ ..‬ولكن البد‬
‫من التمرس عىل امتثال األخالق الفاضلة واجتناب السيئة وهذا حيتاج إىل جماهدة‬
‫النفس وترويضها حتى تألفها وتعتادها خاصة وأن يف النفس نوازع للرش يسعى‬
‫الشيطان والنفس األمارة إىل نموها وسيطرهتا فالبد من املجاهدة املستمرة وعدم‬
‫اليأس‪.‬‬

‫** ابحث داخل نفسك عن األخالق السيئة وختلص منها‬


‫فورا واحذر من املقولة السائدة بأن األخالق ال تقبل التغيري‪..‬‬
‫فقط عليك بالصرب واملجاهدة وقبل ذلك االستعانة باهلل عزوجل‪.‬‬

‫كثريا من السيئات‪ ،‬كام أن سوء اخللق يغطي‬


‫«حسن اخللق يسرت ً‬
‫كثريا من احلسنات»‪.‬‬
‫ً‬
‫اكتشف الكنز الذي بداخلك‬ ‫‪76‬‬

‫سر التفوق والنجاح‪:‬‬


‫كثريا ما كنت أنظر إىل سري العظامء والناجحني يف هذه احلياة‪ ..‬فأقول لنفيس‬
‫ً‬
‫إهنم بالتأكيد ُولدوا عاملقة أو أهنم يمتلكون قدرات خارقة أو إمكانيات جبارة‬
‫أوطاقات هائلة أو عصا سحرية‪ ..‬فالفرق بيننا وبينهم شاسع والبون عظيم‪،‬‬
‫فكأهنم ليسوا من البرش‪ ..‬ثم تبني يل خطأ ما كنت أعتقد بعد جتربة فشل كبرية يف‬
‫حيايت أدركت وقتها أنني لن أخرج من زنزانة الفشل‪ ..‬ثم استعنت باهلل وعقدت‬
‫العزم حتى نجحت يف إخراج املارد العمالق من القمقم وعندها أدركت رس‬
‫التفوق والنجاح‪ ..‬إهنا اإلرادة‪.‬‬

‫أخي احلبيب‪..‬‬
‫• هل جربت يوما الوصول إىل مستوي علمي يف دراستك وصممت بلوغ‬
‫ذلك وحتديت كل العوائق والظروف بصمود وإرصار‪ ،‬وحتملت السهر والتعب‬
‫والعناء إىل أن وصلت إىل ما تصبوا إليه؟‬
‫• هل جربت يوما أن تنجز عمال يف وقت أقل مما يتطلبه هذا العمل فشحذت‬
‫عزيمتك وضاعفت جهدك وتسلحت بالقوة واإلرصار فنجحت يف ذلك؟‬
‫إن الرس الكبري يف النجاح والتفوق هو اإلرادة القوية‪ ..‬نعم إن اإلرادة هي‬
‫املحرك لقوي لإلنسان‪ ،‬فهي الكهرباء لدي اآلليات الضخمة التي ال تتحرك‬ ‫َ‬
‫بدونه‪ ،‬فجميع ملكات اإلنسان وقواه تكون يف سبات عميق حتى توقظها‬
‫اإلرادة‪ ..‬فمهارة الصانع‪ ،‬وقوة عقل املفكر‪ ،‬وذكاء العامل‪ ،‬والشعور بالواجب‬
‫ومعرفة ما ينبغي وما ال ينبغي كل هذه ال أثر هلا يف احلياة ما مل تدفعها قوة اإلرادة‪.‬‬
‫إن الفرق بني اإلنسان الناجح واآلخرين ليس هو نقص املعرفة ولكن نقص‬
‫اإلرادة‪ ..‬فاإلرادة الصادقة لإلنسان تشبه قوة خفية تسري خلف ظهره‪ ،‬وتدفعه‬
‫دف ًعا لألمام عىل طريق النجاح‪ ..‬وتتنامى مع الوقت حتى متنعه من التوقف‬
‫‪77‬‬
‫أوالرتاجع‪.‬‬

‫رمضان وقوة اإلرادة‪:‬‬


‫والصيام وسيلة فعالة لرتبية اإلرادة‪ ..‬فال توجد عبادة من العبادات تكف‬
‫املسلم عن شهواته وملذاته مدة متصلة من الزمان كهذه العبادة‪ ،‬فهي تدريب‬
‫إلرادة املسلم عىل مقاومة األهواء وامللذات ومغريات احلياة‪ ..‬واملتأمل فيام‬
‫يتفاوت فيه الناس يف هذا الوجود جيد أن حمور التفاوت هو اإلرادة ال القدرة‪،‬‬
‫فالقدرات الفطرية لدى الناس متقاربة لكن تفاوهتم األساس يكون يف مدى‬
‫ُسخر القدرة وتوجهها والتي تعني عىل ضبط النفس‪ ،‬وتكبح‬ ‫صالبة اإلرادة التي ت ّ‬
‫مجاح اهلوى والركون إىل الدعة وسفاسف األمور ومن هنا فإن الصيام جاء لينمي‬
‫تلك اإلرادة ول ُي َعو ْدها التوجه إىل اخلري ومقاومة نزوات النفس‪..‬‬
‫ومن املعلوم أنه «بقدر ما تقوى اإلرادة يضعف سلطان العادة»‪ ..‬فإذا أدى‬
‫املسلم الصوم كام ينبغي يصبح الصوم بالنسبة له سلماً إىل التسامي النفيس برتبية‬
‫اإلرادة‪ ،‬وتقوية العزيمة‪ ،‬لينطلق املسلم من إسار احلاجة املادية إىل آفاق احلرية‬
‫السامية فيغدو سيد رغائبه وميوله‪ ،‬ال أسري شهواته وملذاته‪.‬‬
‫وهذا ما يؤكده د‪ .‬مصطفي زيد يف كتابه منهج اإلسالم يف تربية اإلرادة فيقول‪:‬‬
‫«الصوم إعداد لإلرادة وتسليح هلا‪ ،‬حتى تكون قادرة عىل االنتصار يف معاركها‬
‫املستمرة مع البدن‪ ،‬فإن اجلسم بحاجاته املتجددة حياول دائماً أن يقهر اإلرادة‪ ،‬وأن‬
‫خيضعها لقانونه واإلرادة اإلنسانية بنزعتها إىل السمو حريصة دائمـًا عىل أن ترفع‬
‫معها اجلسم إىل عاملها‪ ،‬وأن تبدله بحيوانيته املادية إنسانية مرشقة‪ ،‬وبني حاجات‬
‫البدن الكثيفة ونزعة اإلرادة السامية‪ ،‬جيد الصيام مكانه يف نرص اإلرادة عىل البدن‪،‬‬
‫ويف السمو بإنسانية اإلنسان عىل حيوانية الغرائز»‪.‬‬
‫وهكذا تستمر فرتة التدريب والرياضة معك طيلة شهر كامل حتى تتقوى‬
‫عضالت إرادتك وينمو صمود نفسك‪ ،‬وتكون قادرا عىل ممارسة اإلرادة وعىل‬
‫‪78‬‬
‫قول‪ :‬ال يف الوقت املناسب أمام أي كسل أو إغراء أو شهوة‪.‬‬

‫وأنت متلك مؤهالت النجاح‪:‬‬


‫لو طلبت منك قبل شهر رمضان أن تصوم ثالثة أيام من كل شهر العتذرت‬
‫وامتنعت‪ ..‬ولو طلبت منك أن تصيل يوم ًيا ركعتني قيام قبل النوم لعجزت‬
‫وتكاسلت‪ ..‬مع أنك يف شهر رمضان استطعت أن تصوم ثالثني يوما متواصلني‬
‫وتقوم أيضا ثالثني ليلة متصلني‪..‬‬
‫بل أكثر من ذلك‪ ..‬فأنت تصيل يف املسجد مجيع الفروض‪ ،‬وتقرأ جزءا من‬
‫القرآن عىل األقل‪ ،‬وتتصدق بام وهبك اهلل يف وجوه الرب املختلفة‪ ،‬تفعل ذلك‬
‫كله وزيادة كل يوم‪ ،‬ومع ذلك فإنك تقوم بواجباتك األخرى من أمور دنياك‬
‫دون تقصري وتصل رمحك‪ ،‬وتبيع وتشرتي‪ ،‬دون أن حيول ذلك بينك وبني فعل‬
‫الطاعات من واجبات ونوافل‪ ..‬فأنت إذن متلك من الطاقة ما تستطيع به أن‬
‫تصنع ذلك يف سائر الشهور وليس يف رمضان وحده‪.‬‬
‫فأي مدرسة تقوم برتبية اإلرادة اإلنسانية وتعليم الصرب اجلميل‪ ،‬كمدرسة‬
‫الصيام التي يفتحها اإلسالم إجبار ًيا للمسلمني يف رمضان‪ ،‬وتطو ًعا يف غري‬
‫رمضان؟‬
‫ويعجبني قول العقاد رمحه اهلل‪:‬‬
‫«ما اإلرادة إال كالسيف يصدئه اإلمهال‪ ،‬ويشحذه الرضب والنزال‪ ..‬فاإلرادة‬
‫كالعضلة سواء بسواء‪ ،‬يمكن أن ُتن ََّمى بالتدريب واملران‪ ،‬وعادة االلتزام إنام‬
‫تكتسب بالتدرج؛ واملثابرة أمر عظيم يف تنمية قوة اإلرادة»‪.‬‬
‫• فام أحوجنا إىل اإلرادة الراسخة حني تعرض علينا رشوة مغرية إلبطال‬
‫حق أو إحقاق باطل‪.‬‬
‫• ما أحوجنا إىل اإلرادة القوية بعد مواقف الفشل وحلظات الضعف وأوقات‬
‫العجز واخلور‪.‬‬
‫‪79‬‬
‫• ما أحوجنا إىل اإلرادة الصلبة للتخلص من سجن األفكار السلبية وقيود‬
‫العادات املدمرة التي ما تضخمت واستفحلت إال يف غياب اإلرادة‪.‬‬

‫أخي يف اهلل‪..‬‬
‫إذا كانت لديك اإلرادة‪ ..‬إذن فأنت لديك املقدرة التي تستطيع عن طريقها‬
‫أن جتعل املستحيل ممكنا والصعب سهال ويمكنك أن حتوهلا إىل طاقة جبارة كي‬
‫تعينك أن تتغري من الداخل ولقد جربت ذلك يف رمضان‪ ..‬فلم ال جترب ذلك‬
‫يف بقية حياتك؟!‬

‫** حدد نقاط ضعف إرادتك وأسباهبا واجتهد يف تغيريها‬


‫وتسلح بالثقة يف اهلل ثم الثقة يف نفسك والتفاؤل باخلري وتغذية‬
‫القلب باألمل‪.‬‬
‫** اطرح كلمة ال أقدر‪ ..‬واهجر كلمة ال أعرف‪ ..‬وطلق‬
‫وقو إرادتك واشحذ عزيمتك وال حتزن أنك فشلت‬
‫كلمة مستحيل طالقا بائنا‪ّ ،‬‬
‫ما دمت حتاول الوقوف عىل قدميك من جديد‪.‬‬

‫«ال متش يف طريق من طرق احلياة إال ومعك سوط عزمك‬


‫وإرادتك لتلهب به كل عقبة تعرتض طريقك»‪.‬‬
‫إسرتاحة إميانية «‪»2‬‬
‫مواعظ إلحياء القلوب‪:‬‬
‫• قال سهل بن عبداهلل‪:‬‬
‫ما من يوم إالّ واجلليل سبحانه ينادي‪ :‬ما أنصفتني عبدي أذكرك وتنساين‪،‬‬
‫ِ‬
‫وأنت ُمعتكف عىل‬
‫َ‬ ‫إيل فتذهب عنّي إىل غريي‪ ،‬وأ ْذه ُ‬
‫ب عنك الباليا‪،‬‬ ‫وأدعوك َّ‬
‫اخلطايا‪ ،‬يا ابن آدم ما اعتذارك غدً ا إذا جئتني؟‬
‫• «إن املؤمن ما ثارت يف نفسه شهوة إال أطفأها بأهنار اجلنة أوأحرقها بنار‬
‫جهنم فاسرتاح منها» [الشيخ عىل الطنطاوي]‪.‬‬
‫الر ِاز ُّي‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫• َع ْن َمالك ْب ِن دين ٍَار‪َ ،‬ق َال‪َ :‬ق َال ليِ َع ْبدُ اللهَِّ َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫اج َع ْل َب ْين َ‬
‫َك َو َبينْ َ‬ ‫«إِ ْن سرََّ َك َأ ْن تجَ ِدَ َح َ‬
‫الو َة ا ْلع َبا َدة‪َ ،‬و َت ْب ُلغَ ذ ْر َو َة َسنَام َها‪َ ،‬ف ْ‬
‫يد»‪.‬‬ ‫ات الدُّ ْنيا حائِ ًطا ِمن ح ِد ٍ‬‫َشهو ِ‬
‫ْ َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ‬
‫• « ّملا علم الصاحلون قرص العمر وحثهم حادي «وسارعوا» طووا مراحل‬
‫الليل مع النهار انتها ًبا لألوقات» [ابن اجلوزي رمحه اهلل]‪.‬‬
‫• يقول احلسن البرصي رمحه اهلل‪:‬‬
‫فإن نفس املؤمن غالية‪ ،‬وبعضهم يبيعها‬
‫«ال جتعل لنفسك ثمنًا غري اجلنة‪ّ ،‬‬
‫رخيصة»‪.‬‬
‫• «حفت اجلنة باملكاره وأنت تكرها‪ ،‬وحفت النار بالشهوات وأنت تطلبها‪،‬‬
‫فام أنت إال كاملريض الشديد الداء إن صرب نفسه عىل مضض الدواء اكتسب‬
‫بالصرب عافية‪ ،‬وإن جزعت نفسه مما يلقى طالت به علة الضنا» [حيي بن معاذ]‪.‬‬
‫• قال أبو حفص‪:‬‬
‫«من مل يتهم نفسه عىل دوام األوقات ومل خيالفها يف مجيع األحوال‪ ،‬ومل جيرها إىل‬
‫مغرورا‪ .‬ومن ينظر إليها باستحسان فقد أهلكها»‪.‬‬‫ً‬ ‫مكروهها يف سائر أوقاته كان‬
‫قطوف من بستان احملبة‬
‫يدك عىل نبضه‪َ ،‬و َس ِّم ك ُّل من‬‫* «يا هذا! إذا رأيت محُ ب َا وال تدري ملن‪َ ،‬ف َضع َ‬
‫النبض ينزعج عند ذكر احلبيب «إذا ُذكر اهلل َو ِج َل ْت قلوهبم»‪..‬‬ ‫تظنُّه املحبوب‪ ،‬فإن َ‬
‫املح ّبة َن ْب ٌض يف القلب ال َت ْفترَ حركته‪ ،‬وسكون النبض عالمة املوت» [اإلمام ابن‬
‫اجلوزي رمحه اهلل]‪.‬‬
‫* «املحبة تلقى العبد يف السري إىل حمبوبه‪ ،‬وعىل قدر ضعفها وقوهتا يكون سريه‬
‫إليه‪ ،‬واخلوف يمنعه أن خيرج عن طريق املحبوب‪ ،‬والرجاء يقوده» [اإلمام ابن‬
‫تيمية]‪.‬‬
‫* «لقد أذاب حب اهلل تعاىل يف قلبِي كل رغبة يف عصيانه‪ ،‬واستهان قلبِي‬
‫عيل اال أن أقارن بينها وبني اخلالق‬ ‫عيل مل يكن َّ‬ ‫بمغريات الدنيا‪ ،‬وحني تُعرض َّ‬
‫حتى يتالشى يف قلبِي الترَ دد يف العزوف عن تلك املغريات‪ ،‬فلم يعد من املنطق‬
‫أن أجتاهل اهلل رب العاملني وأجته اىل خملوقاته» [د‪ .‬فالح عزيز]‪.‬‬
‫ال َأ ْن تحُ ِ َّب ُه ُث َّم ال ت َْذك ُُر ُه‪َ ،‬و ِم َن‬
‫ال َأ ْن َت ْع ِر َف ُه ُثم ال تحُ ِ ُّب ُه‪َ ،‬و ِم َن المُْ َح ِ‬
‫َّ‬
‫* «م ِن المُْ َح ِ‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وجدَ َك َط ْع َم ذك ِْره ُث َّم‬‫ال َأ ْن ُي ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وجدُ َك َط ْعم ذك ِْره‪َ ،‬وم َن المُْ َح ِ‬ ‫ال َأ ْن ت َْذكُر ُه ُثم ال ُي ِ‬ ‫المُْ َح ِ‬
‫َ‬ ‫َ َّ‬
‫ك بِ ِه َع اَّم ِس َوا ُه» [إبراهيم بن عىل املرثدي]‪.‬‬ ‫ال ُي ْش ِغ ُل َ‬
‫* «واعجبا ملن يدعي ا َملحبة وحيتاج إِىل من يذكّره بمحبوبه فَلاَ يذكره إال‬
‫بمذكّر‪ ،‬أقل ما يف ا َملحبة أنهَ ا لاَ تنسيك تذكر املحبوب» [اإلمام ابن القيم]‪.‬‬
‫املحاسبي‪:‬‬
‫ّ‬ ‫* قال احلارث‬
‫ثم‬
‫ثم إيثارك له عىل نفسك وروحك‪ّ ،‬‬ ‫«املح ّبة تسليمك إىل املحبوب بك ّل ّيتك‪ّ ،‬‬
‫ثم علمك بتقصريك يف ح ّبه»‬ ‫وجهرا‪ّ ،‬‬
‫ً‬ ‫رسا‬
‫موافقته ًّ‬
‫أمر عندك‬
‫* سئل ذو النون املرصي متى أحب ريب؟ قال‪ :‬إذا كان ما يكرهه ّ‬
‫من الصرب‪.‬‬
‫احلرب على الكسل‬ ‫‪82‬‬

‫خطورة الكسل‪:‬‬
‫حينام ضعفت اهلمم عن العبادة وتقاعس الكثري من الناس عن الطاعة بل‬
‫ال عن واجباته‪ ..‬نزل هبم الكسل وخيم عليهم‬‫وفرطوا يف أركان الدين فض ً‬
‫ودب فيهم الوهن‪..‬‬
‫اخلمول َّ‬
‫فكم من إنسان تدركه مواسم العبادة وحتل به أيام الطاعة ويدرك جماالت‬
‫اخلري فيضيعها بالكسل ويقتلها بالنوم ويقضيها باللهو‪..‬‬

‫أال ما أبشع الكسل‪..‬‬


‫داء مقيت‪ ،‬ومرض قاتل‪ ،‬وخطر فتاك يقتل اهلمم ويفتك بالعزائم‪ ،‬وحيطم‬
‫اإلرادة‪ ،‬إذا تلبس به إنسان أضعف قواه‪ ،‬وهبط بمستواه وأثقل جسده وأتلف‬
‫مهته‪ ،‬وعطل فكره ومجد عقله‪ ،‬وقطع إبداعه وحمق رزقه‪ ،‬فهو جملبة للذل‪ ،‬مدعاة‬
‫للهوان‪ ،‬مصيدة للشيطان‪.‬‬
‫والكسل طريق الشيطان املفضل وسبيله املحبب‪ ،‬حيقق به املكاسب‪ ،‬ويصنع‬
‫به العجائب حيول به بني املرء وقلبه‪ ،‬واملسلم وإيامنه‪ ،‬واملصيل وصالته‪ ،‬واملجتهد‬
‫واجتهاده‪..‬‬
‫كبيــرا‪..‬‬
‫ً‬ ‫إن آفة الكسـل الكبــرى أنه جيــد من النفــس البشــرية عونًا‬
‫فالنفــس يف طبيعتها تكره العمــل وحتب الدعة والراحة وتفر من املسئولية‬
‫ومتيل إىل الشهوات من النوم واألكل والرشب‪ ..‬فهي تؤثر هدوء الفتور‬
‫عىل حرارة العمل فمن طاوعها سقط يف وحل الضالني وانحدر يف حضيض‬
‫الساقطني‪.‬‬
‫‪83‬‬ ‫رمضان والقضاء على الكسل‪:‬‬
‫يف رمضان فرصة عظيمة ملحاربة الكسل والقضاء عليه‪ ،‬ألنه يف رمضان خيرس‬
‫الكسل أكرب جنوده ومها الشيطان والنفس األمارة بالسوء‪.‬‬
‫فالشياطني قد صفدت يف سالسلها‪ ..‬والنفس األمارة قد وهنت قوهتا‪..‬‬
‫ألن الصوم يكرس حدة الشهوة وحيرر النفس من مألوفاهتا وعاداهتا حتى تصري‬
‫مطمئنة‪ ..‬كام أن اهلمم يف رمضان تكون عالية والعزائم متوقدة والقلوب حية‪،‬‬
‫واألفئدة متطلعة واألنفس مشتاقة‪ ..‬فالغاية عظيمة واهلدف واضح‪ ..‬جنة عرضها‬
‫الساموات واألرض‪ ..‬وانظر إىل أحوال أكثر الناس يف هذا الشهر الكريم‪ ..‬فقد‬
‫استيقظت قلوهبم من النوم والرقدة‪ ،‬ونفضوا عن أنفسهم غبار الغفلة فأقبلوا‬
‫ْ‬
‫عىل الصالة‪ ،‬وامتألت هبم املساجد‪ ،‬وأقبلوا عىل القرآن يقرءونه ويرتلونه‪،‬‬
‫وأقبلوا عىل صالة الرتاويح يتسابقون إليها بقلوب حمبة مشتاقة لرهبم وأقبلوا عىل‬
‫الذكر‪ ،‬وتصدقوا وأطعموا الطعام وأقبلوا عىل أبواب اخلري‪ ،‬فلرمضان أثر عىل‬
‫قلوهبم فرفع مهتهم بام مل يكونوا عليه قبل رمضان‪ ،‬فرمضان بالنسبة هلم شهر‬
‫اهلمة العالية‪ ..‬فأين للكسل أن حييا يف هذا الشهر الكريم؟!‬
‫«فالصائم حني يتبع املنهج النبوي يف إمساكه عن املفطرات وتنظيم غذائه فرتة‬
‫اإلفطار ويبتعد عن اإلفراط يف الشبع وهيجر النوم الذي يستغرق فيه ساعات‬
‫طويلة معظم هناره‪ ..‬لو راعي تلك اجلوانب ألدرك أن الصيام عالج الكسل‬
‫واالسرتخاء والتقاعس واخلمول‪ ..‬وهو مبعث النشاط واحليوية ألعضاء اجلسم‬
‫وأنسجته وخالياه وجمدد حركتها وانتعاشها‪ ..‬إن اخلمول الذي حيدث أثناء‬
‫الصيام عند البعض مبعثه التخمة والشبع حيث يملؤون بطوهنم بوجبات دسمة‬
‫ينتج عنها ثقل أبداهنم وفتور قواهم‪ ..‬ومن ثم خييم عليهم النوم واخلمول»(((‪.‬‬

‫((( من أرسار الصيام وحكمه ص ‪ 72‬د‪.‬عبد الكريم العمري‪.‬‬


‫‪ 84‬عالج الكسل‪:‬‬
‫‪ -1‬اللجوء إىل اهلل تعاىل دائماً واالنطراح بني يديه واإلكثار من دعائه‪ ..‬لذا كان‬
‫من دعاء النبي ‪:‬‬
‫«اللهم إنيّ أعوذ بك من اهلم واحلزن والعجز والكسل‪ ،‬والبخل واجلبن وضلع‬ ‫ّ‬
‫الدين وقهر الرجال» ‪.‬‬
‫(((‬

‫‪ -2‬االستعانة بالصرب والصالة‪ ..‬فالذي ينجو من الكسل يف الصالة لن يكون‬


‫بحال من األحوال كسالن يف غريها من العبادت‪ ..‬فالصالة متأل حياته حيوية‬
‫وطموحا‪.‬‬
‫ً‬ ‫ونشا ًطا وتوث ًبا‬
‫‪ -3‬علو اهلمة ورفعة املقصد ونبل اهلدف وسمو الغاية‪.‬‬
‫‪ -4‬قراءة سري العظامء وأرباب اهلمم الشاخمة والعزائم السامقة‪ ..‬فإن سريهم‬
‫حتيي اهلمم وتوقظ العزائم‪.‬‬
‫‪ -5‬خمالطة ذوي اهلمم العالية واحلياة اجلادة‪ ..‬والبعد عن خمالطة البطالني‬
‫والالهني والعابثني والفاشلني‪ ..‬فمخالطتهم أشبه باجلرب تعدي من اقرتب‬
‫منهم وتؤذي من ركن إليها‪.‬‬
‫‪ -6‬إشغال أوقات الفراغ بام ينفع يف الدنيا واآلخرة‪ ..‬حتى ال يكسل اجلسم‬
‫ويرتهل الفكر وتتخشب اجلوارح‪ ..‬فالفراغ سم قاتل ومرض فتاك وعدو‬
‫مرتبص‪.‬‬
‫‪ -7‬دوام حماسبة النفس‪ ..‬ومعنى املحاسبة أن ينظر يف رأس املال ويف الربح‬
‫واخلرسان ليتبني له الزيادة من النقصان فكذلك رأس مال العبد يف دينه الفرائض‬
‫وربحه النوافل والفضائل‪ ،‬وخرسانه املعايص‪ ،‬وموسم هذه التجارة مجلة النهار‬
‫فليحاسبها عىل الفرائض أوال‪ ،‬فإن أداها عىل وجهها شكر اهلل تعاىل عليه‪ ،‬وإن‬

‫((( البخاري ‪.2893‬‬
‫فوهتا من أصلها طالبها بالقضاء‪ ،‬وإن أداها ناقصة كلفها اجلربان بالنوافل‪ ،‬وإن‬
‫‪85‬‬
‫ارتكب معصية اشتغل بعقوبتها ومعاتبتها ليستويف منها ما يتدارك به ما فرط كام‬
‫يصنع التاجر برشيكه‪.‬‬

‫فيا أيها الكسول‪..‬‬


‫يا من أمهلت إرادتك وعطلت عزيمتك‪..‬‬
‫عج ًبا لك‪..‬‬
‫أنفقت عمرك يف األماين الكاذبة واخلياالت الفاسدة والوساوس اخلادعة‪..‬‬
‫حتى بددت عمرك يف سوق الغبن ومزقت ثوب األيام بكف التفريط وأحرقت‬
‫شجرة اهلمة بنار اخلذالن‪.‬‬

‫وحيك‪..‬‬
‫كسلك عن الطاعات ال يقابله كسل عن السيئات‪ ..‬وتثاقل عن اجلنات يف‬
‫مواجهة تدفع نحو املهلكات‪..‬‬
‫اهنض فقد بدأ السباق‪ ..‬فتزود فالسفر واهلل بعيد‪.‬‬
‫اهنض قبل أن جتد نفسك يف املركز األخري وساعتها لن تنفعك احلرسات يوم‬
‫الوعيد‪.‬‬
‫اهنض إن كنت تطمح أن تكون من الفائزين يوم توزع اجلوائز يوم العيد‪.‬‬

‫أخي‪..‬‬
‫إن لذة الكسل ساعة وتزول وتعقبها حرسة ال تزول ونصب الطاعة ساعة‬
‫وتزول وتليها فرحة ال تزول‪..‬‬
‫اسأل صاحب الطاعة بعد انقضائها هل بقى من تعبها يشء؟ واسأل نفسك‬
‫هل بقى من لذة الكسل لك يشء؟!‬
‫‪86‬‬
‫** انفض غبار الكسل وبدد ظالم اخلمول وضع نصب‬
‫عينيك أن أمامك يف رمضان هدفا عظيام هو مغفرة اهلل ورضوانه‬
‫والفوز باجلنة‪ ..‬فال وقت للكسل والتفريط‪.‬‬
‫** أنصحك بقراءة كتاب «احلرب عىل الكسل د‪ .‬خالد أبو‬
‫شادي» فهو كتاب قيم‪ ..‬فارجع إليه كلام فرتت مهتك وبردت عزيمتك‪.‬‬

‫«أشد ما فــي الكسل أنه جيعل العمــل الواحد كأنه أعامل‬


‫كثرية»‪.‬‬
‫[مصطفى الرافعي]‪.‬‬
‫‪87‬‬ ‫الوقت هو احليـــــاة‬

‫قبل أن ميضي قطار العمر‪:‬‬


‫كان أحد الصاحلني إذا غربت الشمس من كل يوم جلس عند باب داره يبكي‪،‬‬
‫فيسأل عن سبب بكائه فيقول‪ :‬قطعت يو ًما من حيايت إىل الدار اآلخرة وال أدري‬
‫أهي خطوات إىل اجلنة أم أهنا خطوات إىل النار‪.‬‬
‫إن قطار الزمن يميض برسعته الفائقة وحركته الدائمة ال يتوقف عند أحد‬
‫وال حيايب أحد‪ ،‬ولكن إذا نحن غفلنا عن أيامنا اخلالية وأعامرنا املاضية ونسينا‬
‫ما عملنا فاهلل ال يغفل وال ينسى سبحانه‪ ،‬األنفاس معدودة واألعامل مرصودة‪..‬‬
‫(ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯵ ﯶ ﯷ) [املجادلة ‪.]6‬‬
‫كم مىض اليوم تلو اليوم‪ ،‬واألسبوع بعد األسبوع‪ ،‬والشهر خلف الشهر‪،‬‬
‫والسنة يف إثر السنة‪ ،‬وكثري من الناس سادر يف غفلته‪ ،‬مفرط يف رشوده‪ ،‬مغرق يف‬
‫جحوده‪ ،‬ال عقل يتدبر‪ ،‬وال فكر يتأمل‪ ،‬وال نفس تردع‪ ،‬وال هوى يمنع‪ ،‬مل يعترب‬
‫بمرور األيام‪ ،‬ومل يتعظ بتعاقب الشهور واألعوام‪ ،‬ما استغفر وال تاب‪ ،‬وال اتسم‬
‫بسامت أويل األلباب‪ ،‬غافل عن االعتبار خمالف ألويل األبصار‪.‬‬

‫أخي‪..‬‬
‫ما العمر إال كتاب دفتاه‪ :‬الوالدة واملوت‪ ،‬وصفحاته األيام‪ ،‬وبانقضاء كل‬
‫يوم تطوي صفحة من صفحاته ُيدون فيها أحد أمرين ال ثالث هلام‪ :‬خري وصالح‬
‫تُثاب عليه‪ ،‬أو فسوق وعصيان جتازى عليه‪ ،‬كل صفحه تُطوى تدنيك من اخلامتة‪،‬‬
‫حتى إذا وصلتها كان الرزق قد اكتمل والعمر قد نفد وأزف الرحيل‪.‬‬
‫حيث هبا داع إىل املوت قاصد‬ ‫وما هذه األيام إال مراحـــل‬
‫منازل تطوى واملسافر قاعـد‬ ‫وأعجب يشء لو تأملت أهنا‬
‫‪ 88‬قيمة الوقت مبا ميلؤه‪:‬‬
‫ال عاش أكثر من مخسني سنة يف معصية اهلل‪ ،‬غار ًقا يف املحرمات‪،‬‬ ‫ختيل معي رج ً‬
‫مضي ًعا للصلوات‪ ،‬هاتكًا للحرمات‪ ،‬تاركًا للخريات‪ ،‬ثم جاءه يف يوم من األيام‬
‫نصوحا‪،‬‬
‫ً‬ ‫من يذكره ويعظه‪ ..‬ففتح اهلل قلب هذا العايص وتاب إىل اهلل توب ًة صادق ًة‬
‫ثم بعد شهر واحد توفاه اهلل‪ ،‬فأبدل اهلل سيئاته حسنات وتاب عليه‪.‬‬

‫أخي‪ ..‬قل لي بربك‪..‬‬


‫كم قيمة ذلك اليوم الذي تاب فيه ورجع إىل ربه؟!‬
‫هل يوجد يف حياته كلها يوم يعادل هذا اليوم؟‬
‫إنه يوم ال يقدر بثمن‪ ..‬يوم كان سببا يف نجاته من النار ودخوله اجلنة بإذن‬
‫اهلل‪..‬‬
‫• هل خت ّيلت نفسك ذلك الرجل؟‬
‫• هل أدركت أن العمر احلقيقي لإلنسان ليس هو السنني التي يقضيها من‬
‫يوم الوالدة إىل يوم الوفاة‪ ..‬إنام عمره احلقيقي بقدر ما كتب له يف رصيده عند‬
‫اهلل من عمل الصاحلات وفعل اخلريات‪.‬‬
‫• هل تشعر مثلام أشعر به اآلن من رضورة العودة إىل اهلل واغتنام األوقات‬
‫واملبادرة باخلريات والتوبة من املعايص والسيئات قبل أن يعاجلك ملك املوت‬
‫فتصبح يف عداد األموات؟‬

‫رمضان واكتشاف قيمة الوقت‪:‬‬


‫ورمضان فرصة عظيمة من أجل إعادة اكتشاف قيمة الوقت‪ ..‬فميادين‬
‫اخلريات كثرية وساحات الطاعات متنوعة وبساتني القربات متعددة‪ ..‬فاملؤمن‬
‫يف رمضان كالتاجر ليلة العيد كل منهام خياف أن ينقيض الزمن قبل أن يروج‬
‫بضاعته‪ ،‬فاملوسم قائم‪ ،‬والسوق رائجة وفرق بني من جيمع لدنيا فانية وبني من‬
‫جيمع جلنة غالية‪.‬‬
‫‪89‬‬
‫فال توجد فرصة يف رمضان إلضاعة األوقات فيام الينفع واليفيد‪ ..‬فالنفوس‬
‫متأهبة الغتنام اخلريات واألرواح مشتاقة للتحرر من رق الشهوات والقلوب‬
‫مشغولة بتدارك اهلفوات والعيون بسكب العربات‪ ..‬واللسان حمبوس يف سجن‬
‫الصمت عن اهللكات‪ ..‬واألقدام مقيدة بقيود املحاسبات‪ ..‬واهلدف الرئيس هو‬
‫اغتنام هذه النفحات واالرتقاء يف الدرجات‪.‬‬
‫فيا من مل يتصف هبذه الصفات‪..‬‬
‫يا من أوقاته كلها يف اللهو والتسلية واملحرمات‪..‬‬
‫احذر أن يكون رمضان ميدانا لألفالم املاجنة واملسلسالت والتنقل بني‬
‫القنوات والفوازير واملسابقات؟‪..‬‬
‫أما قرع سمعك قول ربك‪:‬‬
‫(ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ‬
‫ﯪ)؟ [اجلاثية‪.]21‬‬

‫أخي‪..‬‬
‫وقتك هو ثروتك‪ ..‬هو رأس مالك‪ ..‬هو حياتك‪ ..‬ال تقتل وقتك فتقتل‬
‫نفسك‪ ..‬إن كل دقة من دقات قلبك وكل ملحة من ملحات برصك وكل خفقة من‬
‫خفقات نفسك هتتف بك‪ :‬هل ضيعتني أم يف يشء من اخلري اغتنمتني؟‬
‫ال تبق فار ًغا أبدً ا‪ ،‬فإذا فرغت من عمل فابدأ يف عمل آخر‪ ،‬إذا فرغت من عمل‬
‫لدينك فاشتغل بعمل دنياك‪ ،‬وإذا فرغت من عمل دنياك فاشتغل بعمل لدينك‪،‬‬
‫وإذا فرغت من حاجة بدنك فخذ غذا ًء لقلبك أو متعة لروحك‪ ،‬وإذا فرغت من‬
‫شأن نفسك فأقبل عىل شأن أرستك‪ ،‬ثم عىل شأن جمتمعك وأمتك‪ ،‬وهكذا ال‬
‫فراغ أبدً ا إال استجام ًما وتأهبا للعمل‪.‬‬
‫‪90‬‬
‫قسم أولوياتك‬‫** رتّب أهدافك يف صورة أولو ّيات‪ ،‬ثم ّ‬
‫يف برنامج عملك اليومي إىل قوائم‪ :‬أعامل «جيب القيام هبا‬
‫«رضورية وملحة»‪ ،‬وأعامل «ينبغي القيام هبا رضورية وغري‬
‫ملحة» ثم خصص الوقت حسب هذه األولويات وعليه حدد‬
‫مواعيد لإلنجاز‪.‬‬
‫** إياك والفراغ فهو مفسدة للعقل ومهلكة للنفس ومصيدة للشيطان‪..‬‬
‫فنفسك إن مل تشغلها باحلق شغلتك بالباطل‪.‬‬

‫ٍ‬
‫فرض أ ّداه‪ ،‬أو جمد شيده‪،‬‬ ‫من أمىض يومــه يف غري حق قضاه‪ ،‬أو‬
‫حصله أو خري أسسه‪ ،‬أوعلم اقتبسه‪ ،‬فقد عق يومه وظلم‬ ‫أو محد ّ‬
‫نفسه‪.‬‬
‫‪91‬‬ ‫وحدة األمة سبيل قوتها وعزتها‬

‫الفرد املسلم جزء من األمة‪:‬‬


‫«تقوم رشائع اإلسالم وآدابه عىل اعتبار الفرد جز ًءا ال ينفصل عن كيان األ َّمة‬
‫وعضوا موصوال بجسمها ال ينفك عنها‪ ..‬فهو طوعا أو كرها يأخذ نصيبه مما‬ ‫ً‬
‫مقرا هذا‬ ‫يتوزع عىل اجلسم كله من غذاء ونمو وشعور‪ ..‬وقد جاء اخلطاب اإلهلي ً‬
‫الوضع فلم يتجه للفرد وحده باألمر والنهي‪ ..‬إنام تناول اجلامعة كلها بالتأديب‬
‫واإلرشاد‪ ..‬ثم من الدرس الذي ُيلقي عىل اجلميع يستمع الفرد وينتصح‪ ،‬إن‬
‫ائتالف القلوب واملشاعر‪ ،‬واتحِّ اد الغايات واملناهج من أوضح تعاليم اإلسالم‪،‬‬
‫أن توحيد الصفوف واجتامع الكلمة‬ ‫وألزم ِخالل املسلمني املخلصني‪ ،‬وال ريب َّ‬
‫مها الدِّ عامة الوطيدة لبقاء األُ َّمة‪ ،‬ودوام دولتها‪ ،‬ونجاح رسالتها‪ ،‬ولئن كانت‬
‫رس البقاء فيه‪ ،‬واإلبقاء عليه‪،‬‬ ‫كلمة التوحيد باب اإلسالم‪ ،‬فإن توحيد الكلمة ُّ‬
‫األول للقاء اهلل بوجه مرشق وصفحة نق َّية»(((‪.‬‬
‫والضامن َّ‬
‫فاإلسالم يف نظرته للحياة يدعو إىل الرتابط واالجتامع والتآلف والوحدة وهو‬
‫دين واحد جاء للبرشية وفق نظام واحد‪..‬‬
‫(ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ) [األنبياء ‪..]92‬‬
‫كام دعا املسلمني إىل الوحدة والرتابط‪..‬‬
‫(ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ) [آل عمران‪..]103‬‬
‫وحذرهم من اخلالف والشقاق‪..‬‬
‫(ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮱ ﯓ ﯔ‬
‫ﯕ) [آل عمران‪.]105‬‬

‫((( خلق املسلم ص‪ 164‬الشيخ حممد الغزايل‪.‬‬


‫‪ 92‬العبادات وتعميق مفهوم الوحدة‪:‬‬
‫متثل العبادات يف اإلسالم ركيزة أساسية ومهمة يف تعميق روح الوحدة‬
‫اإلسالمية وتثبيت قواعدها ومل شملها عرب تارخيها الناصع املجيد فمهام حصل‬
‫من نزاع وخالف وفرقة واختالف وكيد من أعداء األمة لتفريق شملها ومتزيق‬
‫كياهنا‪ ،‬فإن االئتالف والتوحد ثابت يف قلوب املسلمني وهو ألزم صفاهتم وأقوي‬
‫أسباب رسوخهم وثباهتم‪.‬‬
‫وفقريا‪،‬‬
‫ً‬ ‫وصغريا‪ ،‬غن ًيا‬
‫ً‬ ‫كبريا‬
‫انظر إىل الصالة القائمة‪ ،‬وقد هنض القائمون هبا ً‬
‫بعضا وامتزج بعضهم ببعض ثم‬ ‫وأمريا‪ ،‬ثم انظر إليهم وقد ختلل بعضهم ً‬
‫ً‬ ‫مأمورا‬
‫ً‬
‫استقبلوا مجيعا قبلة واحدة‪ ،‬واتبعوا كلهم قيادة واحدة‪ ،‬وانتظموا صفوفا كأهنا‬
‫البنيان املرصوص ثم تطابقت حركاهتم وسكناهتم‪ ،‬وأقواهلم وإشاراهتم‪ ،‬كأن‬
‫أجسامهم قد حتولت جسماً واحدً ا وكأن أسامعهم وأبصارهم وألسنتهم صارت‬
‫وبرصا ولسانًا واحدً ا‪.‬‬
‫ً‬ ‫سم ًعا‬
‫يقول النبي عليه الصالة والسالم‪:‬‬
‫بعضا»(((‪.‬‬
‫«املؤمن للمؤمن كالبنيان‪ ،‬يشد بعضه ً‬
‫فالبنيان املتامسك القوي هو الذي تكون أجزاؤه قوية سليمة‪ ،‬أما إذا كانت‬
‫األجزاء تالفة تنخر فيها األكلة‪ ،‬فهنا يدب هلا الفساد‪ ،‬وال تلبث أن تنهار؛ ألهنا‬
‫معرضة دائماً هلبوب الرياح‪ ...‬وهكذا رصح اجلامعة املسلمة ما دام الرتابط بينهم‬
‫والتامسك شعارهم‪ ،‬فستكون هلم العزة والغلبة‪ ،‬وأما إذا تفرقوا وختاذلوا‪ ،‬وأكل‬
‫بعضا‪ ،‬فالويل هلم من أنفسهم وأعدائهم‬
‫بعضهم ً‬
‫(ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ) [األنفال ‪..]46‬‬
‫إن نظرة إىل أحوال األمة اإلسالمية اليوم وهي تعاين الضعف والتفرق‬

‫((( متفق عليه‪.‬‬
‫والشتات كفيل لئن تدرك السبب األكرب الذي حول (ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ) ‪93‬‬
‫إىل «غثاء كغثاء السيل»‪.‬‬

‫رمضان ووحدة األمة‪:‬‬


‫عندما ترشق شمس رمضان ويطل بأساريره البهية عىل األمة اإلسالمية يذكر‬
‫أفرادها بتلك الوحدة ودعائمها‪ ،‬ويقوي رابط األخوة واالجتامع يف نفوسها‪..‬‬
‫فاملجتمع اإلسالمي يف رمضان‪ ،‬تتجىل فيه الوحدة بأبرز معانيها‪ ،‬والنظام بأروع‬
‫ً‬
‫عطشا واحدً ا‪ ،‬ثم‬ ‫مظاهره‪ ..‬املسلمون جيوعون فيه جو ًعا واحدً ا‪ ،‬ويعطشون‬
‫يشبعون شب ًعا واحدً ا ويرتوون ر ًيا واحدً ا‪ ،‬ال يمتاز أحد عىل أحد‪ ،‬فيشعر باجلوع‬
‫األغنياء والفقراء واألثرياء والبسطاء‪.‬‬
‫يقول د‪ .‬حممد عبد اهلل دراز رمحه اهلل‪:‬‬
‫«إن فريضة الصوم ال يراد منها أن تكون جمرد رياضة روحية تصل بني العبد‬
‫وربه فحسب‪ ،‬وال جمرد جتربة إنسانية من التعاطف والرتاحم يف حاالت فردية‬
‫متفرقة ولكنه يراد أن تكون يف الوقت نفسه حلقة اتصال بني األمة كلها وأن‬
‫تكون ربا ًطا من الرمحة بني املؤمنني‪ ،‬تصهرهم مجيعا يف قالب واحد‪ ،‬ويف جسد‬
‫واحد‪ ..‬فإذا رفعت راية اهلالل يف سامء رمضان‪ ،‬رأيت املسلمني يف مشارق‬
‫األرض ومغارهبا وقد وقف كل منهم يف مكانه عىل قدم االستعداد‪ ،‬لبدء حركة‬
‫التدريب عىل الطاعة والنظام‪ ،‬وإذا هم كلهم قد أخذوا يرهفون أسامعهم‪،‬‬
‫ويفتحون عيوهنم ترقبا إلشارة القائد األعىل إليهم باإلقدام أوباإلحجام‪ ..‬وما‬
‫هو إال أن متيض الليلة األوىل من الشهر‪ ،‬وإذا هم طوال الشهر يتلقون كل يوم‬
‫أمرا باإلحجام‬‫عن هذه القيادة العليا توجيهني متعاقبني‪ ،‬كلام طلع الفجر سمعوا ً‬
‫عن كل مشتهياهتم‪،‬وكلام غربت الشمس تلقوا إذنًا باإلقبال عىل احلالل من تلك‬
‫املشتهيات‪ ..‬فرتاهم يف حلظة واحدة قد حتركوا طوع األمر حركة واحدة إجيابية أو‬
‫سلبية‪ ،‬وتراهم قد ارتسمت عليهم من هذه احلركة صورة الزبة«ثابتة»ال تفارقهم‬
‫هنارهم أو ليلهم فال ترى منهم يف النهار طاعماً وال راو ًيا‪ ،‬وال ترى منهم يف الليل‬
‫‪94‬‬
‫ممسكًا وال طاو ًيا‪ ،‬بل تراهم وقد انطبعت عىل نظام حياهتم مسحة جديدة من‬
‫هذا النظام يف عملهم وراحتهم ونومهم ويقظتهم وسائر شئوهنم وترصفاهتم‪...‬‬
‫أمرا بترسيح هذه املعسكرات‬ ‫حتى إذا رفعت راية اهلالل يف سامء شوال كان ذلك ً‬
‫املنشورة يف كل مكان‪ ،‬فعاد كل جندي إىل سريته األوىل مدر ًبا جمر ًبا»‪.‬‬

‫** احرص عىل متابعة أخبار املسلمني يف مشارق األرض‬


‫ومغارهبا وال تنس الدعاء إلخوانك املستضعفني أن ينرصهم اهلل‬
‫عزوجل ويثبتهم‪.‬‬

‫«ال يتم عمل والتعاضد ‪-‬التعاون والتنارص‪ -‬مفقود‪ ،‬وال يكون‬


‫فشل واالحتاد موجود»‪.‬‬
‫[أبوحاتم السجستاين]‪.‬‬
‫‪95‬‬ ‫فن البـــذل والعطاء‬

‫اإلنسان وحب التملك‪:‬‬


‫«إن حب التملك أحد الدوافع النفسية عند اإلنسان‪ ،‬وهو يف مستواه املعتدل‬
‫دافع نافع يف احلياة مفيد يف عمران األرض وتنمية أرزاقها واستخراج خرباهتا‪،‬‬
‫فإذا جتاوز حد االعتدال فدخل يف دائرة األنانية املفرطة‪ ،‬تولد عنه البخل والشح‬
‫وحب االستئثار بكل يشء والتسلط عىل كل يشء‪ ،‬فأمسى صاحبه ضنينًا ال حيب‬
‫العطاء ويصعب عليه التنازل عن أي يشء لغريه‪ ،‬ولو مل يكن بحاجة هو إليه‪..‬‬
‫وحني يقف عند حد االعتدال ويكون مقرونًا بالعقل الرشيد واإليامن الراسخ‪،‬‬
‫فإن صاحبه ينفتح حينئذ عىل خلق اهلل باملحبة واملودة وإرادة اخلري والرغبة‬
‫باملشاركة‪ ،‬فيندفع إىل عطاء ذي احلاجة بنفس هينة لينة سمحة ويشعر بلذة يف‬
‫العطاء أشد من لذة البخيل بامتالك املال الكثري وحتصيل الربح الوفري»(((‪.‬‬

‫رمضان وحب العطاء‪:‬‬


‫والصوم فيه شعور باحلرمان من املتع‪ ،‬وإحساس باألمل من اجلوع‪ ،‬وعندما‬
‫جيتمع مع ذلك شعور بالوحدة والرتابط مع مجيع املسلمني الصائمني فذلك‬
‫يبعث التفكر يف أحواهلم والتأثر بمعاناهتم التي متر هبم يف سائر األيام‪ ،‬فذاك فقري‬
‫ال جيد قوت يومه‪ ،‬وذاك يتيم ال جيد من يقوم بأمره‪ ،‬وذلك مريض يعاين‪ ،‬وتلك‬
‫معاقة تقايس‪ ،‬وكل هؤالء يذكرنا هبم الصيام الذي نرتك فيه الطعام والرشاب‬
‫ونتخىل عن الشهوات وامللذات فإذا بنا نلحظ بوضوح كم يكون يف الناس من أثر‬
‫الصوم من رمحة غامرة ورقة ظاهرة فالطعام يبذل‪ ،‬واملال ينفق‪ ،‬والرتاحم يتدفق‪،‬‬
‫والتكافل يتحقق‪ ،‬وتتجىل صور من الرمحة مبعثها املتدفق هذه الشعرية العظيمة‬

‫((( األخالق اإلسالميةج‪ 2‬ص ‪ - 381‬الشيخ عبد الرمحن امليداين‪.‬‬


‫والفريضة اجلليلة‪ ..‬فالصائم إذا أحس من نفسه أمل اجلوع وحرارة العطش ومرارة‬
‫‪96‬‬
‫احلرمان من لذائذ احلياة وطيباهتا دفعه ذلك دفعا إىل العطف والبذل والعطاء‪..‬‬
‫وشتان بني من يؤمر باإلعطاء وقد ذاق أمل اجلوع ومرارة احلاجة وبني من يؤمر‬
‫ومل جيع يوما ومل يذق أمل احلرمان‪.‬‬
‫روى البخاري يف صحيحه عن عبد اهلل بن عباس ‪ ‬قال‪:‬‬
‫«كان رسول اهلل ﷺ أجود الناس‪ ،‬وكان أجود ما يكون يف رمضان حني يلقاه‬
‫جربيل وكان يلقاه يف كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن‪ ،‬فلرسول اهلل ﷺ أجود‬
‫باخلري من الريح املرسلة»(((‪.‬‬

‫جماالت البذل والعطاء‪:‬‬


‫‪ -1‬عطاء املال بكل أشكاله وصوره‪ :‬ويشمل كل مايمتلكه اإلنسان‬
‫وينتفع به من مأكول ومرشوب وملبوس ومركوب إىل غري ذلك من أشياء‬
‫يصعب حرصها‪.‬‬
‫‪ -2‬عطاء العلم واملعرفة‪ :‬ويشمل نرش العلم النافع وتعليم القرآن وإرشاد‬
‫اجلاهل وتنبيه الغافل‪.‬‬
‫‪ -3‬عطاء النصيحة‪ :‬ويشمل األمر باملعروف والنهي عن املنكر‪.‬‬
‫‪ -4‬عطاء اجلسد ويشمل‪ :‬السعي يف مصالح الناس – مساعدة العاجز –‬
‫إماطة األذي عن الطريق – إعانة املحتاج‪.‬‬

‫صور مرفوضة‪ ..‬فاجتنبها‪:‬‬


‫• �إياك واملن‪:‬‬
‫قال اهلل عزوجل‪( :‬ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ‬

‫((( متفق عليه‪.‬‬
‫ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ) [البقرة ‪.]264‬‬
‫‪97‬‬
‫إن اهلل عزوجل ال يعنيه منك أن تقيض حاجة املحتاج بقدر ما يعنيه منك أال‬
‫جترح شعوره بعطيتك وأال متتهن كرامته بقولك أو فعلك أو بإشارتك‪ ..‬وامل ّن‬
‫هو إزعاج املحسن إليه من املحسن بام يذكر بمناسبة أوبغري مناسبة من إحسانه‬
‫تفاخرا‬
‫ً‬ ‫إليه وفضله عليه يريد بذلك استصغاره وامتهانه عىل حني ينبغى لنفسه‬
‫وتعال ًيا‪ ..‬واملن عنرص كريه لئيم وشعور خسيس‪ ..‬فالنفس البرشية ال متن بام‬
‫أعطت إال رغبة يف االستعالء الكاذب أورغبة يف إذالل اآلخذ‪ ،‬أورغبة يف لفت‬
‫أنظار الناس‪ ،‬فالتوجه إذن للناس ال هلل بالعطاء‪ ..‬وما أراد اإلسالم باإلنفاق جمرد‬
‫وتطهريا‬
‫ً‬ ‫سد اخللة وملء البطن وتاليف احلاجة‪ ..‬كال! إنام أراده هتذي ًبا وتزكية‬
‫لنفس املعطي واستجاشة ملشاعره اإلنسانية وارتباطه بأخيه الفقري يف اهلل ويف‬
‫اإلنسانية‪.‬‬
‫• احذر ال�شح‪:‬‬
‫الشح حيمل عىل البخل ومنع احلقوق‪ ،‬ويدعو إىل الرضر والقطيعة والعقوق‪،‬‬
‫أمر الشح أهله بالقطيعة فقطعوا‪ ،‬ودعاهم إىل منع احلقوق الواجبة فامتثلوا‪،‬‬
‫وأغراهم باملعامالت السيئة من البخس والغش والربا ففعلوا‪ ،‬فهو يدعو إىل كل‬
‫خلق رذيل‪ ،‬وينهى عن كل خلق مجيل‪ ..‬فالبخيل إذا استوىل حب املال عىل قلبه‬
‫أصبح مرهف اإلحساس به إىل حد أنه يعده جز ًءا متمماً جلسمه وروحه‪ ..‬فإذا‬
‫دعوته لإلنفاق منه أحس كأن روحه بدأت تستل من بدنه‪ ..‬وينفخ الشيطان يف‬
‫روعه ليزين له فاحشة البخل‪..‬‬
‫(ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ‬
‫ﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰋﰌﰍﰎﰐﰑﰒ‬
‫ﰓ) [آل عمران ‪.]180‬‬
‫فيا بخي ً‬
‫ال إنام يبخل عن نفسه‪ ..‬يا مطي ًعا شيطانه يدعوه إىل حرمانه ونكسه‪ ..‬يا‬
‫ال يف ميدان هواه ناسيا ضيق ر ِ‬
‫مسه «قربه»‪،‬‬ ‫رتا بأمله ناس ًيا ُأفول شمسه‪ ..‬يا جائ ً‬
‫َ‬ ‫ً‬ ‫‪ 98‬مغ ً‬
‫خريا نفعه يف حبسه‪..‬‬
‫لو قدّ م ً‬
‫(ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ) [احلرش ‪]9‬‬

‫** ِصل رمحك‪ ،‬وزر أقاربك‪ ،‬واعف عمن أخطأ‪ ،‬وجتاوز‬


‫عمن هفا‪ ،‬وتقرب من جريانك‪ ،‬وكرر اللقاء بإخوانك‪ ،‬وخص‬
‫بمزيد من الود واحلب والوصل أهلك وزوجك وأبناءك‪.‬‬
‫** ادع إخوانك وأقاربك إىل قراءة هذا الكتاب لينتفعوا‬
‫بمواعظه ويستفيدوا من إرشاداته وال تكن أنان ًيا‪.‬‬

‫«مجيل أن تعطي َمن يسألك ما هو بحاجة إليه‪ ،‬ولكن األمجل من‬


‫ذلك أن تعطي َمن ال يسألك وأنت تعرف حاجته»‪.‬‬
‫[جربان خليل جربان]‪.‬‬
‫‪99‬‬ ‫ما أعظم عفوك يارب‬

‫ورمحتى وسعت كل شيء‪:‬‬


‫إن من لطف اهلل جل وعال بعباده‪ ،‬ورمحتــه بخلقه‪ ،‬أنه يعاملهم بعفوه‪،‬‬
‫ويقابل جهلهم بحلمــه وذنوهبم بمغفـرته‪ ،‬ومتادهيم بإمهاله‪ ،‬وجماهرهتم بسرته‪،‬‬
‫وإعراضهم بلطفه‪ ،‬وجحودهم بإنعامه‪ ،‬وبخلهم بكرمه‪ ،‬وكفراهنم بإحسانه‪..‬‬
‫(ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ)‬
‫[الشوري ‪.]25‬‬
‫إن اهلل ال يتخلىّ أبدً ا عن عباده‪ ،‬فمهام أعرض العبدُ ‪ ،‬ومهام كفر واستكرب‪ ،‬ومهام‬
‫رب واإلحسان‬ ‫عىص وأخطأ ال يرت ُك ُه ر ُّب ُه‪ ،‬بل يسوق له من الشدائد تارةً‪ ،‬ومن ال ِّ‬
‫تارةً‪ ،‬مما يكون مذك ًِّرا له َ‬
‫فضل ر ّبه‪ ،‬وداع ًيا يدعوه إىل الرجوع والعودة إىل كنف‬
‫لتذوق عايل ِّبره‪ ،‬وكامل‬ ‫ِ‬
‫بفضله وليكون أه ً‬
‫ال ُّ‬ ‫س ِّيده وخالقه ومواله‪ ،‬ليتمتَّع‬
‫إحسانه‪.‬‬
‫يبارزه العبد بالذنوب‪ ،‬وجياهره باملعايص‪ ،‬ثم يناديه العفو الغفور نداء لطي ًفا‬
‫رفي ًقا رحيماً ‪:‬‬
‫«يا عبدي‪ :‬وعزيت وجاليل لو بلغت ذنوبك عنان السامء ثم استغفرتني غفرت‬
‫لك وال أبايل»(((‪.‬‬
‫ويقول تعاىل يف احلديث القديس‪:‬‬
‫«يا عبادي إنكم ختطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب مجي ًعا فاستغفروين‬
‫أغفر لكم»(((‪.‬‬

‫((( رواه الرتمذي وحسنه األلباين يف صحيح اجلامع ‪.4338‬‬


‫((( أخرجه مسلم ‪.2577‬‬
‫‪ 100‬إشراقات العفو‪:‬‬
‫إن التأمل يف اسم اهلل «العفو» يبعث يف النفس املؤمنة الشعور بالروح والرحيان‬
‫والرسور واحلبور والطمأنينة واحليوية واألمان‪ ،‬وينزع من القلوب اخلائفة ما‬
‫اعرتاها من وجل وخجل‪ ،‬بسبب الذنوب التي يرتكبها املرء بدافع من شيطانه‬
‫وهواه‪ ...‬فهو اسم جيمع العبد عىل ربه ويؤنسه برمحته ويفتح له أبوا ًبا من األمل‬
‫املصحوب بالعمل‪ ،‬ويسمو به نحو عامل الروح‪ ،‬بعيدً ا بعيدً ا عن عامل اجلسد‬
‫املخلوق من طني ويبعد عنه نزغات اهلوى‪ ،‬ونزوات النفس األمارة بالسوء‪،‬‬
‫ويرفع اإلرص الذي أثقل به كاهله‪ ،‬واليأس الذي يعوق مسريته إىل خالقه ومواله‪.‬‬

‫معين اسم اهلل العفو‪:‬‬


‫العفو‪ ..‬هو الذي يتجاوز عن الزالت بفضله وكرمه فال يعاقب عليها وال‬
‫يعاتب صاحبها مبالغة يف إكرامه له وعطفه عليه وال يذكره هبا حتى ال حيرجه‬
‫حموا تا ًما وينسيه إياها وينيس كذلك احلفظة حتى ال‬
‫وخيجله ويمحو آثارها ً‬
‫يشهدون عليه وينيس جوارحه واألرض التي عصاه عليها وهذا هو العفو يف‬
‫أسمى صوره وأرقى معانيه‪.‬‬

‫ليلة القدر‪ ..‬العفو الشامل‪:‬‬


‫يف الصحيحني عن أيب هريرة ‪ ‬أن النبي ﷺ قال‪:‬‬
‫«من قام ليلة القدر إيامنا واحتسابا‪ ،‬غفر له ما تقدم من ذنبه»(((‪.‬‬
‫وقالت عائشة ‪ ‬للنبي ﷺ‪« :‬أرأيت إن وافقت ليلة القدر ما أقول؟ قال‪:‬‬
‫عفو حتب العفو فاعف عنّي»(((‪.‬‬
‫«قويل‪ :‬اللهم إنك ّ‬

‫((( متفق عليه‪.‬‬
‫((( رواه الرتمذي‪.‬‬
‫وليلة القدر هي التي أنزل فيها القرآن فهي ليلة اهلدى‪ ..‬ليلة اإلرشاق‪ ..‬ليلة‬
‫‪101‬‬
‫اهلداية‪..‬‬
‫(ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ‬
‫ﭢ) [القدر ‪..]3-1‬‬
‫نعم هي ليلة ربانية ما أكرمها‪ ،‬فكرمها من كرم خالقها و ُمكرمها‪ ..‬هي سحابة‬
‫ه ّطالة باخلري والربكات‪ ..‬ما أزكى عبريها‪ ..‬ويا روعة نسيمها العليل‪ ..‬إهنا واحة‬
‫غنّاء وظالالً وارفة جئناها بعدما أهنكتنا ذنوبنا‪.‬‬
‫يف ليلة القدر‪ ..‬تسلو األرواح وتطرب القلوب وتقر العيون‪.‬‬
‫يف ليلة القدر‪ ..‬تسكب العربات وتتطاير السيئات وتتنزل الرمحات‪.‬‬
‫يف ليلة القدر‪ ..‬يتنقل املؤمن يف حدائق السحر بني سجود وركوع‪ ..‬ودعاء‬
‫وخضوع‪ ..‬وبكاء ودموع‪ ..‬وندم وخشوع‪..‬‬

‫ليلة القدر‪..‬‬
‫فرحة فاغتنمها‪ ..‬منحة فاجتلبها‪ ..‬الزم بساط التهجد يف أوقات السحر‪..‬‬
‫تذلل لربك ففي التذلل له عزة ومنعة‪ ..‬ختشع ففي اخلشوع بني يديه كل الفوز‬
‫والرفعة‪ ،‬ابك عىل ما فات تسعد فيام هو آت‪ ..‬اعقد العزم عىل العمل اخلالص تفز‬
‫بأرفع الدرجات وقدم ليلتها ما يكفل لك أبدع احلسنات‪.‬‬
‫يا عشاق اجلنة هذا زماهنا‪ ..‬فأين املشمرين؟‬
‫يا عشاق املغفرة هذا أواهنا‪ ..‬فأين املستغفرين؟‬
‫ما أحىل مناجاة القائمني‪ ..‬ما أعطر أنفاس الذاكرين‪ ..‬ما أصبح وجوه‬
‫املتهجدين ما أنفع بكاء املحزونني‪.‬‬
‫آه عىل من كانت النار مثواه‪ ..‬آه عىل من عىص مواله‪..‬‬
‫آه عىل من باع آخرته بدنياه‪ ..‬آه عىل من استهواه غيه فاستعبده هواه‪ ..‬آه عىل‬
‫املطرود يف هذا الشهر ثم أواه‪ ..‬آه عىل من جفاه مواله‪..‬‬
‫‪102‬‬
‫آه عىل من عىص بغفلته وما تاب من خطاياه‪ ..‬آه عىل من يفوته يف مثل هذا‬
‫الشهر عفو مواله‪.‬‬

‫** توجه إىل اهلل يف هذه الليلة بالتوبة اخلالصة مع الترضع‬


‫واالفتقار والتذلل واالنكسار عيس أن جيعلك ربك مع األبرار‪.‬‬
‫** اجعل رمضان ‪-‬وخاصة ليلة القدر‪ -‬فرص ًة للعفو‬
‫والصفح عن كل من أساء إليك بكلمة أوغيبة أو شتم أوأي نوع‬
‫من أنواع األذى‪..‬‬
‫(ﮈ ﮉ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮒ ﮓ ﮔ) [النور‪.]22‬‬

‫قال حيي بن معاذ‪:‬‬


‫لو مل يكن العفو أحب األشياء إليه‪ ،‬مل ِ‬
‫يبتل بالذنب أكرم الناس‬
‫عليه‪.‬‬
‫‪103‬‬ ‫تذكر إنقضاء العمر‬

‫أوشك رمضان على الرحيل‪:‬‬


‫حني يؤذن رمضان بالرحيل ال نملك إال أن نقول‪ :‬يا سبحان اهلل‪ ..‬ما أرسع ما‬
‫يطوى العمر وما أعجل ما تنقيض األيام والليايل‪ ..‬كأهنا أوراق اخلريف عصفت‬
‫هبا ريح القدر‪ ..‬وهل احلياة كلها إال حلظات معدودة وأنفاس معدودة تغر‬
‫الناظرين إليها يف ساعة إقباهلا فإذا أدبرت فإنام هي حلم من األحالم وإنام البقاء‬
‫والدوام لذي اجلالل واإلكرام‪.‬‬
‫شهر رمضان!‬
‫أين هو شهر رمضان؟‬
‫أمل يكن من حلظات بني أيدينا؟‬
‫أمل يكن ملء أسامعنا وأبصارنا؟‬
‫أمل يكن هو حديث منابرنا وحياة مساجدنا؟‬
‫فأين هو اآلن؟‬
‫إن يف ختام هذا الشهر لعربة للمعتربين‪ ،‬فكام ختم الشهر هذا اليوم أوغدا‬
‫فسيختم العمر اليوم أو غدا‪ ،‬وكام التفتنا إىل ما مر من أيامه نفرح بطاعاتنا‪،‬‬
‫ونستغفر اهلل من سيئاتنا‪ ..‬فجدير بنا أن نتذكر بأن هذا هو ما جيب علينا أن نقوم‬
‫به يف سائر حياتنا‪ ،‬فنحاسب أنفسنا قبل أن نحاسب‪ ،‬ونزن أعاملنا قبل أن توزن‬
‫علينا‪.‬‬
‫تلو العام‪ ،‬ومرت به السن َة بعد السنة تذكره باحلياة‬
‫فيا عج ًبا ملن جاءه العا ُم َ‬
‫اآلخرة وتدعوه إىل النعمة الدائمة‪ ،‬وهو يف غفلته ورشوده‪ ،‬وبعده وجحوده‪.‬‬
‫العمر وراء شهواتِك‪ ،‬أمل يأن لك أن ِ‬
‫تنظر يف أمرك؟! ويا من‬ ‫َ‬ ‫قضيت‬
‫َ‬ ‫فيا من‬
‫انرصمت أيامه يف الدنيا وملذاهتا أمل ِ‬
‫تبك عىل عمرك؟!‬ ‫ُ‬ ‫‪104‬‬
‫أقبلت عىل الدنيا بحالهلا وحرامها‪ ،‬و ُف َ‬
‫تنت يف غرامها‪ ،‬أمل تفكر يف النهاية‬ ‫َ‬ ‫يا من‬
‫وتتأمل يف النتيجة؟!‪.‬‬
‫يامن فتنت بالدنيا‪ ..‬أمل تعترب بمن سبقك هبا؟ هل ُخلدوا فيها؟ هل دامت هلم؟‬
‫هل راحوا منها بغري األكفان؟‬

‫املوت قادم ال حمالة‪:‬‬


‫إنه ما من إنسان له بقاء عىل هذه األرض‪ ،‬أو خلود فيها‪ ،‬أو استمرار يف نعيمها‪،‬‬
‫كائنًا من كان‪ ..‬فمهام عذب العيش‪ ،‬وحسنت احلياة‪ ،‬ورقصت اآلمال‪ ،‬وارتفعت‬
‫القصور‪ ،‬وتكاثرت األموال‪ ،‬وامتد السلطان واتسع امللك‪ ،‬فإن املوت باملرصاد‬
‫ِ‬
‫شجاع بسطوته‪ ،‬وال عظيم‬
‫ٌ‬ ‫لكل أحد ال يمنعه مل ٌك بملكه وال ٌّ‬
‫غني بامله‪ ،‬وال‬
‫بجاهه‪ ،‬وال حيتمي منه بحصون‪ ،‬وال حيرتس منه بجنود‪ ،‬وال يوجد عنه ملتجأ‪..‬‬
‫(ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ) [النساء ‪]78‬‬
‫املوت‪..‬‬
‫لفظ خميف‪ ،‬وعنوان مزعج‪ ،‬ونبأ مفزع‪ ،‬وخرب مذهل‪ ..‬ينقل الناس من‬
‫القصور إىل القبور‪ ،‬ومن ضياء املهود إىل ظلمة اللحود‪ ،‬ومن األنس بالزوجات‬
‫واألبناء واألخوان إىل مقاساة اهلوام والديدان‪ ،‬ومن التمتع بالطعام والرشاب‬
‫إىل التمرغ بالرتاب ومن أنس العرشة إىل وحشة الوحدة‪ ..‬ال يرجئ اجلائع حتى‬
‫يشبع‪ ،‬وال العطشان حتى يرشب وال املسافر حتى يعود إىل أهله وال النائم حتى‬
‫يفيق وال الصغري حتى يكرب‬
‫(ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮩ ﮪ) [األعراف‪.]34‬‬
‫هذا ما أعده املوت لكم‪ ..‬فامذا أعددتم له؟‬
‫هل استعددت له بسجدات يف الظلامت‪ ..‬وبكاء يف اخللوات‪ ..‬وندم وأمل عىل‬
‫اقرتاف السيئات‪ ..‬وإخالص يف الطاعات وخشوع يف الصلوات؟‪..‬‬
‫‪105‬‬
‫أم استعددت له بالنوم عىل فراش الغفالت‪ ..‬وإدمان للهوى واغرتاف من‬
‫موائد الشهوات وضياع األوقات يف مشاهدة القنوات والتكاثر من امللهيات‬
‫واملسليات واملغريات وانتهاك احلرمات؟‬
‫عج ًبا لنا‪..‬‬
‫«نو ِّد ُع األموات‪ ..‬والقلوب أموات!‬
‫نو ِّدع األموات‪ ..‬وال عربة وال ع َظات!‬
‫نو ِّد ُع األموات‪ ..‬وال سؤال‪ :‬أين القرار يف النِّريان أو اجلنَّات؟!‬
‫نو ِّد ُع األموات‪ ..‬وها نحن قبل املامت أموات!»(((‪.‬‬

‫أخي‪ ..‬قل لي بربك‪..‬‬


‫صاحب‬
‫َ‬ ‫دامت مهدَّ د ًة بخطر املوت‪ ،‬الذي يأخذ‬
‫ْ‬ ‫أي متعة يف الدنيا ما‬‫ما قيمة ِّ‬
‫وصاحب النجاحات من‬ ‫َ‬ ‫وصاحب األمنيات من أمنياته‪،‬‬
‫َ‬ ‫اآلمال من آماله‪،‬‬
‫نجاحاته‪ ،‬ويأخذ العروس ليلة زفافها من أحضان زوجها‪ ،‬كل ذلك بال استئذان‬
‫وال سابق إنذار؟! فيا أهيا الغافلون‪ ..‬عج ًبا لكم‪ ..‬دعتكم الدنيا بدواعيها فأجبتم‬
‫مرسعني لصوت داعيها‪ ..‬فإيل حطامها الفاين تتسابقون وبزخرفها مغرتون‪..‬‬
‫وبشهواهتا منشغلون‪ ..‬تزيد سيئاتكم فتفرحون وتعظم ذنوبكم فال حتزنون‪..‬‬
‫وتنقيض آجالكم وأنتم ال تشعرون‪ ..‬فمتى تنتبهوا أهيا الغافلون؟‪ ..‬أفيقوا من‬
‫سكرتكم قبل أن يباغتكم املوت وأنتم الهون‪ ..‬ثم بني يدي اهلل يوم القيامة‬
‫موقوفون‬
‫(ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ) [يس ‪.]54‬‬

‫((( من كتيب ماذا أعددت للموت ؟ ‪ -‬أزهري حممود‪.‬‬


‫‪106‬‬
‫** اجعل لنفسك يوما يف األسبوع عىل األقل جتلس فيه مع‬
‫أقاربك وإخوانك تتذكروا املوت وماذا أعد كل واحد منكم له‬
‫من طاعات وعبادات‪.‬‬
‫** احرص عىل زيارة القبور مرة كل شهر فهي ترقق القلب‬
‫وتزكي النفس وتقصرّ األمل وتُظهر لك الدنيا عىل حقيقتها‪.‬‬

‫قال رجل ملحمد بن واسع‪:‬‬


‫كيف أصبحت؟ فقال‪« :‬ما ظنك برجل يرحتل كل يوم مرحلة‬
‫إىل اآلخرة»‪.‬‬
‫‪107‬‬
‫اخلامتة‬
‫وبقيت كلمة‪:‬‬

‫أخي القارئ‪..‬‬
‫مل يكن اهلدف من هذا الكتاب استثامر شهر رمضان كغنيمة باردة فحسب‪،‬‬
‫تسارع فيه إىل الطاعات ومتارس فيه ألوان القربات وصنوف اخلريات وجتاهد‬
‫الشهوات وامللذات ثم تعود بعده كام كنت إىل الغفلة والسبات‪.‬‬
‫إنام اهلدف الرئيس هو إعادة احلياة إىل قلبك وشحن بطارية إيامنك واشعال‬
‫جذوة اهلمم والبعد عن الفتور والكسل‪ ..‬ليكون شهر رمضان بداية النطالق‬
‫الروح من عقاهلا وحتررها من أرس أهوائها لتحلق يف املأل األعيل فتصفو أيامك‬
‫وتسعد حياتك‪ ..‬لذا أوصيك قبل أن تنتهي من قراءة هذا الكتاب أن تتبع‬
‫النصائح التالية لالستفادة مما قرأت بعد انقضاء شهر رمضان‪:‬‬
‫‪ -1‬الإخال�ص‪:‬‬
‫جدد نيتك واعقد العزم عىل أن يكون هدفك بعد رمضان هو اإلخالص هلل‬
‫يف كل األقوال واألفعال‪ ..‬وأن يكون رضاه عزوجل هو أسمي الطموحات‬
‫واآلمال‪.‬‬
‫‪ -2‬التدرج‪:‬‬
‫اعلم أن إصالح النفس وتقويم اعوجاجها ال تتم دفعة واحدة فإن ذلك‬
‫صعب وشاق فضال عن كونه مستحيالً‪ ..‬فعليك بالتدرج يف الطاعات وجماهدة‬
‫النفس حتى تصل إىل االستقامة‪.‬‬
‫‪ -3‬االعتدال‪:‬‬
‫وهو سلوك الطريق الوسط يف إصالح النفس وعدم امليل نحو اإلفراط‬
‫والتفريط‪ ،‬وهذا ما أوصاك به اإلمام احلسن البرصي رمحه اهلل‪:‬‬
‫‪108‬‬
‫«ليأخذ أحدكم من العمل ما يطيق‪ ،‬فإنه ال يدري ما قدر أجله‪ ،‬وإن العبد إذا‬
‫ركب بنفسه العنف‪ ،‬وك َّلف نفسه ما ال يطيق‪ ،‬أوشك أن يس ِّيب ذلك كله‪ ،‬حتى‬
‫لعله ال يقيم الفريضة‪ ،‬وإذا ركب بنفسه التيسري والتخفيف‪ ،‬وك َّلف نفسه ما تطيق‬
‫كان أكيس‪ ،‬وأمنعها من العدو»‪.‬‬
‫‪ -4‬الرتوي�ض‪:‬‬
‫اعلم أن صالح النفس ليس له وقت معلوم حمدود‪ ..‬بل هو متواصل ما‬
‫عاش اإلنسان والنفس كالبدن معرضة لألمراض يف أي وقت من العمر‪ ..‬لذا‬
‫كان تعهدها بالرتبية واإلصالح مالزما هلا وال حتصل استقامتها إال بالرتويض‬
‫واملتابعة حلملها عىل فعل اخلري وترك الرش‪..‬‬
‫و«إنام العلم بالتعلم‪ ،‬وإنام احللم بالتحلم‪ ،‬من يتحر اخلري ُي ْع َط ُه‪ ،‬ومن َّ‬
‫يتوق‬
‫الرش يوق ُه»(((‪.‬‬
‫َّ‬
‫‪ -5‬ال�صرب‪:‬‬
‫إن أصعب ما يف النفس ميلها نحو الشهوات واللذات واتباع اهلوي واالغرتار‬
‫باحلياة الدنيا فال يسلم من ذلك إنسان‪ ..‬لذا وجب الصرب واملثابرة‪ ..‬واحلذر من‬
‫اليأس والقنوط إذا وقعت يف شباك اهلوي أو عدت إىل املعايص والذنوب‪ ..‬وضع‬
‫نصب عينيك وصية ابن عطاء اهلل «من استغرب أن ينقذه اهلل من شهوته أو خيرجه‬
‫مقتدرا»‪.‬‬
‫ً‬ ‫من وجود غفلته فقد استعجز القدرة اإلهلية وكان اهلل عىل كل يشء‬

‫دعاء ورجاء‪:‬‬
‫يا ربنا لقد تعاظمت منا املعايص والذنوب‪ ،‬وتراكمت علينا النقائص‬

‫((( رواه الطرباين وغريه وحسنه األلباين يف السلسلة الصحيحة‪.‬‬


‫والعيوب‪ ،‬وتوالت عىل قلوبنا الغفالت فأمرضتها‪ ،‬وقيدت نفوسنا الشهوات‬
‫‪109‬‬
‫فأهلكتها ونحن يا موالنا يف عفوك طامعون‪ ،‬وخلريك وكرمك وجودك مؤملون‪،‬‬
‫فنحن الفقراء إليك‪ ،‬األرسى بني يديك‪ ..‬إن ق َطعتنا فمن يصلنا؟ وإن أعرضت‬
‫عنا فمن يقبلنا ويتقبلنا؟ وإن منعتنا فمن ُيعطينا؟‪ ..‬وإن مل تغفر لنا وترمحنا فمن‬
‫الذي يرمحنا ويكفينا؟‪ ..‬ليس لنا رب سواك فندعوه‪ ،‬وال لنا مويل غريك فنُؤمله‬
‫ونرجوه‪ ،‬وال لنا ملجأ وال منجا وال مالذ نلتجئ إليه وندعوه‪ ،‬إليك نفزع يف‬
‫ُمهامتنا و ُملامتنا‪ ،‬وإليك نرضع يف قضاء حاجاتنا‪.‬‬
‫مل تزل آالؤك تتكررعلينا عىل الدوام‪ ،‬والزالت ألطافك تدفع عنا الباليا‬
‫واألسقام‪.‬‬
‫فكم قصدناك يف حاجة فقضيتها؟‬
‫وكم فزعنا إليك يف شدة فكشفتها؟‬
‫وكم جلأنا إليك يف ُمهمة فسهلتها ويرسهتا؟‬
‫يا من أعطانا خري ما يف خزائنه‪ ،‬اإليامن به قبل السؤال ال متنعنا عفوك مع‬
‫السؤال‪.‬‬
‫اللهم فارحم خضوعنا‪ ،‬واقبل خشوعنا‪ ،‬واجرب قلوبنا‪ ،‬واغفر ذنوبنا‪ ،‬وأنِ ْلنا‬
‫يا موالنا مطلوبنا‪.‬‬
‫الفقري إىل عفو ربه‬
‫هاين حممود درغام‬
‫يسعدين تلقي إقرتاحاتكم ومالحظاتكم‬
‫‪Hanydorgham@yahoo.com‬‬
‫‪www.facebook.com/dr.hanydorgham‬‬
‫أهم املراجع‬ ‫‪110‬‬
‫‪ -1‬نسيم احلجاز من مسجد ابن باز ‪ -‬د‪ .‬نارص الزهراين‬
‫‪ -2‬جمموع خطب الشيخ عبد الرمحن السعدي ‪ -‬د‪ .‬وليد العيل‬
‫‪ -3‬الصوم تربية وجهاد ‪ -‬د‪ .‬حممد عبد اهلل دراز‪ ،‬حتقيق الشيخ أمحد فضلية‬
‫‪ -4‬مقاالت اإلسالميني يف شهر رمضان ‪ -‬د‪ .‬حممد مويس الرشيف‬
‫‪ -5‬الدرر البهية يف املواعظ اجلوزية ‪ -‬حممد شومان الرميل‬
‫‪ -6‬العبادة يف اإلسالم ‪ -‬د‪ .‬يوسف القرضاوي‬
‫‪ -7‬الوقت هو احلياة ‪ -‬د‪ .‬يوسف القرضاوي‬
‫‪ -8‬إدارة الوقت بني الرتاث واملعارصة ‪ -‬د‪ .‬حممد أمني شحادة‬
‫‪ -9‬عقيدة املسلم ‪ -‬الشيخ حممد الغزايل‬
‫‪ -10‬اجلانب العاطفي من اإلسالم ‪ -‬الشيخ حممد الغزايل‬
‫‪ -11‬زاد عىل الطريق ‪ -‬مصطفي مشهور‬
‫‪ -12‬أنوارك يا رمضان ‪ -‬د‪ .‬خالد احلليبي‬
‫‪ -13‬وقع األسل عىل أرباب الكسل ‪ -‬د‪ .‬نارص الزهراين‬
‫‪ -14‬أرسار الصيام وحكمه – د‪.‬عبد الكريم العمري‬
‫‪ -15‬يف ظالل القرآن ‪ -‬سيد قطب‬
‫‪ -16‬زاد املسلم للدين واحلياة ‪ -‬د‪ .‬حممد عبد اهلل دراز‪ ،‬حتقيق الشيخ أمحد‬
‫فضلية‬
‫‪ -17‬حدائق ذات هبجة ‪ -‬د‪ .‬عائض القرين‬
‫‪ -18‬مواقع إلكرتونية‪:‬‬
‫صيد الفوائد – ملتقى اخلطباء‪ -‬أدباء الشام‪ -‬الكتيبات اإلسالمية‪.‬‬
‫‪111‬‬
‫صدر للمؤلف‬
‫‪ -1‬متاع الغرور‪:‬‬
‫كتاب حيدثك عن حقيقة احلياة الدنيا يف ميزان اهلل عزوجل وحيذرك من‬
‫العواقب الوخيمة املرتتبة عىل االنشغال بشهواهتا والركون إليها واإلغرتار‬
‫بزينتها ويبني لك قيمة الزهد فيها واختاذها قنطرة للنجاة يف اآلخرة‪.‬‬
‫‪ -2‬رم�ضان‪ً ..‬‬
‫واها لريح اجلنة‪:‬‬
‫كُتيب جيول بك ىف رحاب رمضان‪ ..‬يبني فضله وأنواره‪ ،‬ويكشف روحانياته‬
‫وأرساره‪ ،‬وحيفز الغتنام أوقاته ويدعوك إىل تنسم نفحات اجلنان عرب هذا الشهر‬
‫املبارك رافعا شعار الصحايب اجلليل أنس بن النرض الذي هتف به يف غزوة أحد‬
‫«واها لريح اجلنة»‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ -3‬قلب مو�صول باهلل‪:‬‬
‫كتاب ُيذكرك أنه ال حياة للقلب وال طمأنينة وال نعيم إال يف تقوية الصله باهلل‬
‫عز وجل وإخالص العبوديه له‪ ..‬لن تنعم بجنة الدنيا إال إذا امتأل القلب بجالله‬
‫وأنس بقربه وفرح بطاعته واشتاق إىل لقائه‪ ..‬وفيه تقرأ عرشين صفة من صفات‬
‫القلب املوصول باهلل‪.‬‬
‫‪ -4‬وربك فكرب‪..‬‬
‫«آية الكريس سياحة يف رحاب الكامل واجلالل»‪ :‬كتاب يدعوك إىل سياحة‬
‫يف رحاب أعظم آية يف كتاب اهلل‪ ..‬ليقودك بعد التدبر والتفكر فيها إىل معرفة‬
‫اهلل عزوجل بجالله وعظمته وكربيائه وسلطانه ومن ثم اخلُضوع واإلستسالم‬
‫واالنقياد التام واملطلق له‪.‬‬

‫قريبا بإذن اهلل‪:‬‬


‫• جنة احلياة‪ 10« :‬نسامت لتذوق السعادة احلقيقية»‪.‬‬
‫الفهرس‬ ‫‪112‬‬
‫‪3‬‬ ‫ملن هذا الكتاب‬
‫‪4‬‬ ‫نداء �إىل قلبي الأ�سري‬
‫‪6‬‬ ‫مقدمة‬
‫‪10‬‬ ‫• التوبة‪ ..‬ميالد جديد‬
‫‪15‬‬ ‫ً‬
‫�شوقا �إىل اجلنة‬ ‫•‬
‫‪21‬‬ ‫• الآن فهمت التقوي‬
‫‪25‬‬ ‫• ويف الإقبال على القر�آن لذة‬
‫‪31‬‬ ‫ا�سكب عطر الإخال�ص‬ ‫• ُ‬
‫‪36‬‬ ‫• وب�شر ال�صابرين‬
‫‪40‬‬ ‫• �سمعنا و�أطعنا‬
‫‪46‬‬ ‫• �إ�سرتاحة �إميانية «‪»1‬‬
‫‪48‬‬ ‫• وحانت حلظة الإنت�صار‬
‫‪52‬‬ ‫• ف�إنه يراك‬
‫‪56‬‬ ‫• �أم�سك عليك ل�سانك‬
‫‪62‬‬ ‫• وجنتك املحراب‬
‫‪67‬‬ ‫• الدعاء �أقرب طريق �إىل العبودية‬
‫‪72‬‬ ‫• �إىل الأخالق من جديد‬
‫‪76‬‬ ‫• اكت�شف الكنز الذي بداخلك‬
‫‪80‬‬ ‫• �إ�سرتاحة �إميانية «‪»2‬‬
‫‪82‬‬ ‫• احلرب على الك�سل‬
‫‪87‬‬ ‫• الوقت هو احلياة‬
‫‪91‬‬ ‫• وحدة الأمة �سبيل قوتها وعزتها‬
‫‪95‬‬ ‫• فن البذل والعطاء‬
‫‪99‬‬ ‫• ما �أعظم عفوك يارب‬
‫‪103‬‬ ‫• تذكر انق�ضاء العمر‬
‫‪107‬‬ ‫• خامتة‬

You might also like