Professional Documents
Culture Documents
Dhswkie
Dhswkie
1
" ال سبيل الى المال اال بالعمارة و ال سبيل للعمارة اال بالعدل "
ان تطور البشرية يعتمد باألساس على االقتصاد فبرزت بتطــوره جــرائم جديــدة تحتــاج الى
تأطير قانوني من اجل تأصيل الحماية االقتصادية فأضحى على القانون الجزائي التدخل عن
طريــق اقــرار قواعــد موضــوعية ذات خصوصــية و قواعــد اجرائيــة متشــددة لمنــع تنــامي
الجريمة حيث تعتبر هذه االخيرة " كــل فعــل او امتنــاع عن فعــل غــير مشــروع صــادر عن
ارادة جزائية يقرر له القانون عقوبة او تدبير امن " 2و منـه فـان عالقـة الجريمـة باالقتصـاد
هي عالقة قديمة فالدولة تضــع جملــة القواعــد القانونيــة الــتي من شــأنها ان تســتوعب كامــل
النشاط االقتصادي و تنظمه بما افرز تالزمـا بين االقتصـاد و القـانون . 3و قـد كـان الهـدف
من تدخل القانون الجزائي في المادة االقتصادية هو حماية الحرية من إساءة استعمالها حيث
افرز التكامل بين القانون المــدني و الجنــائي نشــأة قــانون مســتحدث هــو " القــانون الجــزائي
االقتصادي " و هذا االخير حسب مفهومه الموسع يمثل القانون الذي يعالج االعتداءات الــتي
تقــع على النظــام العــام االقتصــادي و الــذي يعــاقب االفعــال الــتي تتعــارض مــع السياســة
االقتصادية للدولة اما المفهوم الضيق فيربط تعريــف القــانون الجــزائي االقتصــادي بالقــانون
المتعلق بالمنافسة و االسعار.
أصبحنا اليوم مع ما شهده العالم من تطور ,نتحدث عن الجريمة االقتصادية التي تختلف من
مجتمــع الى اخــر و الــتي كــانت والزالت محــور اهتمــام المنظمــات الدوليــة المختلفــة نظــرا
لخصوصيتها و صعوبة تعريفها و حصـر نتائجهـا فهي " كـل عمـل او امتنـاع يقـع بمخالفـة
للقانون االقتصادي اذا نص على تجريمه و يدخل في القانون االقتصادي مجموع النصــوص
التي تنظم انتاج و توزيع و استهالك و تداول السلع و كل الخدمات و جميع ما يلحق ضررا
مباشرا باالقتصاد الذي تشـرف الدولـة على توجيهـه و مراقبتـه " , 4هـذا التعريـف ايضـا لـه
صلة واضحة بقانون المنافسة و االسعار و حماية المستهلك ,فنتبين ان مسألة تدخل القانون
الجنائي في المجال االقتصادي لم يكن اعتباطيا بل عن طريق تطويع قواعده لجعلــه متناســبا
مع خصوصــية الجريمــة االقتصــادية .و اصــبحنا كــذلك اليــوم نتحــدث عن قــوانين جزائيــة
خاصة تنضم الميدان االقتصادي و تمنع االفعال المرجوة التي قد تأثر في ســيره و في نمــوه
خاصة على المستوى الوطني بعد ما شهدته تونس من تطورات اقتصادية عديدة .
1ابن خلدون '' المقدمة " الباب الثالث الفصل 43صفحة 262
2محمد الهادي االخوة .دروس في القانون الجنائي العام .كلية الحقوق و العلوم السياسية بتونسـ
3حسن الدين دياب .مقالة بعنوان " تدخل القانون الجنائي في النشاط االقتصادي " ص 1و في هذا االطار عبر سافاتير على هذه الفكرة بقوله "
ان كان القانون قد ارغم تحقيقاـ لتوجهات الدولة في المجال االقتصادي على اقلمة احكامه و جعلها في خدمة االهداف االقتصادية فانه فرض بدوره
المقتضيات االقتصادية كمعطى على االقتصاديين فانه اجبر القانون على ان يكون اقتصاديا اجبر االقتصاد على ان يكون قانونياـ "
Cité par henry Max essai sur la particularisme des infraction économiques : thèse Montpelliers 1976 page 31
4تعريف الجريمة االقتصادية من قبل محكمة التعقيبـ الفرنسية في سنة 1949مأخوذ عن حسن عز الدين دياب محاضرات في القانون الجزائي
االقتصادي سنة 2ماجيستير بحث في العلوم الجنائية .كلية الحقوق و العلوم السياسية بتونسـ سنة 2016-2015
في اطــار هــذا البحث ســنتناول موضــوع التجــريم في قــانون المنافســة 5و االســعار فتعــرف
المنافسة بكونها "العالقة التى تتواجد بين المهنيين في اطار سعيهم الستقطاب الحرفاء قصــد
ترويج انتاجهم " 6و قد ظهرت كمفهـوم اول مـرة سـنة 1850في فرنسـا من خالل تحديـد
مفهوم المنافسة غير المشروعة ’ امــا اقتصـاديا تمثـل المنافســة " تســابق عــدة اشــخاص في
سوق واحدة نحو هدف اقتصــادي يــرغب كــل منهم في بلوغــه على اكمــل وجــه و ذلــك عن
طريق منتجات او خدمات " , 7اما االسعار حسب المعجم العربي الحديث هي الســعر الــذي
يقوم عليه الثمن " السعر المحدود " الذي ال يقبل المساومة .8
العتبــار ان االقتصــاد هــو المحــرك الرئيســي للدولــة تم انشــاء قــانون يعتــني بالمنافســة و
االسعار ليمثل جملة القواعد القانونية التي يتم بمقتضاها تنظيم االحكام المتعلقة بنظــام ضــبط
األسعار و القواعد التي تضبط المنافسة فهو " القانون الذي يتعلق بكل االحكام و االجراءات
و الهياكل التي تخص قانون المنافسة " . 9
ان قانون المنافسة له جذور عديدة حيث ان قواعــده ناتجــة عن " التطــور الفكــري الليــبرالي
الــذي اكــد على ضــرورة وضــع حــد لتــدخل الدولــة في االقتصــاد " 10فنجــده بدرجــة اولى
متأصــال في الفقــه االســالمي الــذي من خالل قواعــده تم منــع الغلــو والتنصــيص على عــدم
اإلضرار بـالغير خاصـة في المجـال االقتصـادي , 11و أول تـأطير حـديث لقواعـد المنافسـة
كـــان بمقتضـــى قـــانون شـــارمان الصـــادر في 02جويليـــة 1890و المتعلـــق بالتصـــدي
للممارسات المخلة بالمنافسة و وجهت ضــد مجموعــة من المؤسســات الناشــطة في البــترول
لتكون الواليات المتحدة األمريكية من خالله اول من قام بتكريس حرية المنافسة خاصة مــع
اواخر القرن 19من خالل جملة من القــوانين الــتي تنظم الســوق مــع احــداث اجهــزة رقابــة
عليها .كذلك نجد قانون كاليتن الصادر في 15اكتوبر 1914و الذي جاء بقواعد مكملــة
لنقائص قانون . 1890
و فيما عدا ذلك التشريعات االوروبية نظمت مجال المنافسة و االســعار في منتصــف القــرن
ال 20منها نــذكر القــانون الفرنســي عن طريــق تحديــده لألســعار بمقتضــى مرســوم 1945
الملغى بمرسوم 1986و الذي كرس حرية المنافســة و االســعار ’ و قــد تــأثر بهــذا القــانون
المشرع التونسي من خالل القانون عدد 64المــؤرخ في 29جويليــة 1991و الــذي يمثــل
نقطة تحول في السياسة االقتصادية التونسية ,يعتمد باألساس على آليات المنافســة الحــرة و
النزيهة و قد تعرض هذا القانون الى عديد التنقيحات كانت اول مــرة ســنة 1993بمقتضــى
5عرفه الفقه بكونه " جملة القواعد التي تحكم و تنظم المنافسة بين مختلف االطراف االقتصادية عند سعيهم للمحافظة على حفائهم في نطاق
انشطتهم التجارية "
6جويدة قيقة .ملتقى جهوي ببنزرت تم يوم السبت 19جوان سنة 2004
7احمد شبيل المنافسة في القانون التونسي ق.م.ت اكتوبر 1994ص 71
8المعجم العربي الحديث ص 662
9الحبيب جاب هللا .رئيس مجلس المنافسة .نشأة و تطور قانون المنافسة في اطار يوم دراسي حول المنافسة و االسعار
10شامة شعبان .الممارسات المخلة بالمنافسة .محاضرة ختم تمرين الهيئة الوطنية للمحامين .الفرع الجهوي بتونس 2007-2006ص 1
راض ِم ْن ُك ْم َوال َت ْق ُتلُوا أَ ْنفُ َ
س ُك ْم إِنَّ هللاَ كانَ بِ ُك ْم 11قال تعالى { : يا أَ ُّي َها الَّذِينَ آ َم ُنوا ال َتأْ ُكلُوا أَ ْموالَ ُك ْم َب ْي َن ُك ْم بِا ْلباطِ ِل إِالَّ أَنْ َت ُكونَ ت َ
ِجار ًة عَنْ َت ٍ
َرحِيما ً} [النساء . ]29 :
القانون عدد 83ثم تلتها تنقيحات أخرى 12من اهمها القانون عدد 60لسنة 2006المــؤرخ
في 18جويلية 2005و اخــيرا القــانون عــدد 36لســنة 2015المــؤرخ في 15ســبتمبر
2015المتعلق بإعادة تنظيم المنافسة و االسعار و هذه المراجعــة المســتمرة تكشــف اهتمــام
المشرع بميدان المنافسة و السعي لتحسينه و تدارك نقائصه خاصة و ان الميدان االقتصادي
يعد حيويا و متغيرا فعلى المشرع تدارك تطوراته المستمرة .من ناحية اخرى ان سبب هذه
التنقيحات العديدة هو تطور الجريمة االقتصادية بشكل ملحوظ خاصــة على مســتوى الســوق
الداخلية.
سبق هذا القانون على المستوى الوطني عديد النصوص المنظمة لمسألة المنافســة واالســعار
فنجـد ان مجلـة االلتزامـات والعقـود 13و الى جانبهـا المجلـة الجزائية 14قـد نظمتهـا في بعض
احكامها ثم في 19ماي 1970صدر القانون عدد 26لسنة 1970المــؤرخ في 19مــاي
1970المتعلــق بــإجراءات ضــبط االســعار و زجــر المخالفــات في المــادة االقتصــادية ثم
العتبارات متباينة في هذا المجال تم اصدار قانون .1991
يعــد قــانون المنافســة أحــد مظــاهر التنظيم الحــر لالقتصــاد ،بمــا يفــترض معــه من الحريــة
التنافسية فتدخل المشرع بهدف تصحيح بعض الوضعيات التي من شأن استمرارها أن يخــل
بالســوق وفقــا لهــذا االعتبــار نتــبين ان الجــانب التجــريمي في هــذا قــانون يقــوم على ضــبط
السلوكيات الممنوعة و التي تمثل جرائم تأثر تــأثيرا واضــح على المســتوى العملي من حيث
ديناميكية النمو االقتصادي .
تظهر أهمية دراسة جــرائم قــانون المنافســة في حمايــة مبــدأ المنافســة الحــرة في ذاتــه ،بمــا
يستتبع ذلك من حماية السوق التي تمثل المحرك الرئيسي لالقتصاد الوطني و العالمي .فمن
حيث الجــانب النظــري تظهــر أهميــة الموضــوعـ على مســتوى الخصوصــية الواضــحة لهــذا
القانون التي أنتجت جدال حول فاعليته في التصــدي للجــرائم الــتي تمس من االقتصــاد و من
نجاعة الهياكل المنظمة له و على مستوى نصوصه التي يعتريها خصوصية واضحة مقارنة
باألحكام العامة للقانون الجزائي .كمــا أفــرزت نصــوص قــانون المنافســة و االســعار حــول
مسألة الطبيعة القانونية للهياكل المختصــة بــالنظر في نزاعــات المنافســة جــدال فقهيــا واســعا
فاغلب الفقهاء قــد رفضــوا ضـمن مــداوالت مجلس النـواب إقـرار هـذه الطبيعــة االقتصـادية
خاصة بعد التنقيحات الهامة التي شملتها فصول القانون في سنة 2015
يتحدد مجال تطبيق قــانون المنافســة باالســتناد إلى معيــارين :أولهمــا النشــاط االقتصــادي ،و
ثانيهما مرتبط بطبيعة الممارسات في حد ذاتها .ف يستند قــانون المنافســة عمومــا إلى فكــرة
الحرية التنافسية ،و الــتي يحــاول المشــرع تكريســها قانونيــا من خالل أحكــام تبتعــد بالنشــاط
االقتصادي عن التقييد فله بالتالي أهمية اقتصادية واضحة
12
القانون عدد 42لسنة 1995و القانون عدد 41لسنة 1999ثم القانون عدد 74لسنة 2003
13
الفصلين 90و 91
14
الفصل 139
اما على المستوى التطبيقي تظهر اهميـة دراسـة هـذا الموضـوع من حيث التمـاس النقـائص
النصية التي تتأصل على المستوى التطبيقي و محاولة مراجعتها لتأسيس ســير منظم للســوق
الوطني خاصة و ان تونس في السنوات االخيرة قد تعرضـت الي أزمـات اقتصـادية متعـددة
تجعلنا نتبين و ان قانون المنافسة و االسعار على الرغم من تنقيحــه عديــد المــرات لم يحقــق
الفاعلية المرجــوة و بالتــالي البــد من تفــادي اإلشــكاليات التطبيقيــة الــتي تطرحهــا نصوصــه
التجريمية.
قانون المنافسة واألسعار هو قانون ذا خصوصية بامتياز مقارنــة بقواعــد التجــريم المضــمنة
باألحكام العامة للقانون الجنائي الشيء الذي يجعلنا نطرح االشكالية التالية :
اين تبرز الخصوصية الجزائية على مستوى جرائم المنافسة و االسعار ؟؟
نتناول في هدا االطار جملــة من القواعــد القانونيــة و التنظيميــة لقــانون المنافســة و االســعار
نحاول من خاللها توضيح التطــور التشــريعي الجــزائي االقتصــادي و كيــف عــالج المشــرع
التونســي مســألة الجــرائم الــتي تمس من المنافســة الحــرة و الــتي تعبــير من القواعــد ذات
خصوصية واضحة على مستوى قواعد التجريم – -Iو على مستوى قواعد المؤاخذة -II-
DELMAS – MART Mireille . Droit penal des affaires 2 p.v.f paris 1990page 3 15
16عز الدين دياب .وحاضرات في القانون الجزائي االقتصادي .سنة 2ماجيستيرـ بحث في العلوم الجنائية 2015-2016
Stefani (g) et levasseur ( gà et bulog . droit penal generale 2eme edition DALLOZ 1984 n169 17
18عبد السالم نصيري .القانون الجنائي و تنظيم التعاقد في المادة االقتصادية .مذكرة لنيل شهادة الدراسات المعمقة في القانون الخاص كلية
الحقوق و العلوم الساسية بتونسـ ص 131
ايضا و بخصوص الــركن المــادي يمــيز الفقهــاء بين الجريمــة االيجابيــة و الجريمــة الســلبية
فيتكون الركن المادي في الجريمة االيجابية من عما ايجابي اي ارتكاب الجاني فعل مخــالف
للقانون الذي ينهى اتيانه .اما الجريمة السلبية و التي يجب االشارة الى ان هذا النــوع قــد تم
تغليبه في الجريمة االقتصادية فان الركن المادي يتكون من عمل ســلبي اي مجــرد االمتنــاع
عن القيام بأعمال يفرض القانون اتيانها .
اخيرا بخصوص المحاولة و الوضعية الخاصة بها في قانون المنافســة و االســعار فــان هــذه
االخيرة تتجسد في تكريس المحاولة في الجرائم السلبية او جـرائم االمتنـاع سـلفة الـذكر , 19
فقــد جــاء بالفصــل 59من قــانون 2015بقطــع النظــر عن العقوبــات المنصــوص عليهــا
بالتشريع الجاري به العمل يعاقب بخطيــة من 500الى 50الــف دينــار كــل من يتحايــل او
حاول التحايل بغرض تحقيق ارباح غير مشروعة بواسطة الــترفيع في االســعار او تطبيقهــا
على وجه غير قانوني و يعتبر تحايال بمفهوم هذا الفصل اخفاء وثائق المحاسبة .
تتجـه االشـارة الى ان غمـوض الـركن المـادي للجريمـة االقتصـادية بصـفة عامـة و جـرائم
المنافسة و االسعار بصفة خاصة نتج عنه تضـخم تشـريعي اذ انصـب اهتمـام المشـرع على
منع حـدوث جـرائم اصـلية و نتج عنـه حمايـة مصـلحة موحـدة لجريمـتين 20و هـذه السياسـة
التجريمية قد انتجت مشكل قانوني و جدل قضــائي و هــو مشــكل التنــازع الوصــفي للجــرائم
نتيجة تدخلها او تنازع نصــوص التجــريم في جــرائم المنافســة و االســعار كمــا تتنــازع نفس
الجريمة مع جرائم القانون الجنائي العام و هــو مــا يســتوجب تــدخال لحــل هــذا االشــكال .و
التنازع الوصفي المتحدث عنه في هذا االطار " يتشكل في الصــورة الــتي ينطبــق فيهــا على
الفعل الواحد اكـثر من وصـف واجب التطـبيق و ال يمنـع من االخـذ ببـاقي االوصـاف " , 21
فحالة تشابك األوصاف في اطار الجرائم ال تعــدو ان تكــون " مجــرد تنــازع للقــوانين يصــل
فيهــا القاضــي للوصــف الحقيقي و الفعلي بأعمــال اليــات فض التنــازع و بالتــالي اســتبعاد
التكيفيــات " . 22و يفــترض تنــازع التجــريم تــوفر شــرطين هــامين وحــدة األفعــال الــتي قــد
يرتكبها المجرم من ناحية ًوتعدد نصوص التجريم من ناحيــة اخــرى ،و قــد تضــمنت جــرائم
المنافســة و االســعار عــدة حــاالت لتنــازع ســواء داخــل القــانون او في عالقتــه مــع القــوانين
األخــرى .ففي داخــل قــانون المنافســة و االســعار صــنف المشــرع الممارســات الممنوعــة و
المحجرة الى صنفين ممارسات مخلة للمنافســة جــاءت بالبــاب الثــاني من العنــوان األول من
القانون المذكور و ممارسات احتكاريــة الــتي جــاءت بــالعنوان الثــاني االً انــه و بــالتمعن في
القانون و في فصوله نجد ان التقسيم الذي اعتمده المشرع مصطنع فالتداخل بين الصنفين قد
كــان واضــحا في الجــرائم المنصــوص عليهــا .و بــالعودة الى هاتــه النصــوص و في تعــداده
لصور االستغالل المفرط لمركز هيمنة ...خاصة في االمتناع عن البيع او الشراء او تعاطي
19عبد السالم نصيري .القانون الجنائي و تنظيم التعاقد في المادة االقتصادية .مذكرة لنيل شهادة الدراسات المعمقة في القانون الخاص كلية
الحقوق و العلوم الساسية بتونسـ ص 127
Merle ® et Vitu traite de droit penal . procédure penal 20
21رضا خماخم .القانون الجنائي التونسي تشريعا و فقها و فضاءا .سلسلة المجالت القانونية المثرات .منشورات المطبعة الرسمية للجمهورية
التونسية
de fabres (dà traites de droit criminelle et de legislation compares paris 1947 page 412 22
بيوعات آو شراءات مشروطة و هــذه األفعــال الــتي عـددها الفصــل المــذكور وقـع تجريمهـا
الحقا كممارسات احتكارية بمقتضى الفصلينـ 37و 47من القانون .و لم يقــف التنــازع في
نصوص التجريم في قانون المنافسة و االسعار نفسه بل تجاوز حـدود قانونـه حــتى اصــبحنا
نتحدث اليوم عن تنازع تجريم بين قانون المنافسة و االسعار و قوانين اخــرى كمجلــة األداء
على األشخاص الطبيعيين و األداء على الشركات .بل اننا اصــبحنا نتحــدث اليــوم حــتى عن
تنازع التجريم في نصوص قــانون المنافســة و األســعار و المجلــة الجزائيــة ،بالنســبة للمثــال
األول يمكن العودة الى الفصــالن 33و 35من القــانون المــذكور الــذي جــرم عــدم تحريــر
الفواتير في العالقــات الرابطــة بين المهنــيين و نفس الفعــل قــد يقــع تكييفــه كعمــل وكطريقــة
احتيالية للتهرب من تحديد و دفــع الضــرائب عماًل بالفصــل 38من مجلــة األداء على دخــل
األشخاص الطبيعيين و األداء على األشـخاص 23و الـذين قامـا بتجـريم الممارسـات المخالفـة
للمنافسة عندما تهدف الى عرقلة تحديــد األســعار حســب الســير الطــبيعي لقاعــدة العــرض و
الطلب و بين الفصول 139/140/141من المجلة الجزائية .إضافة إلى غمــوض الركــنين
الشرعي و المادي في اطار جرائم المنافسة و االسعار ،لم يسلم الــركن المعنــوي بــدوره من
التحريف الذي يمكن تعريفه بكونهً" ركن اساسي ال يمكن للجرم ان يقوم قانونــا دونــه اال اذا
ورد نص صـريح يعـبر عن نيـة المشـرع اقصـاء هـذا الـركن من مقوماتـه 24لم يحافـظ هـذا
الــركن على معــاييره األصــولية في إطــار جــرائم المنافســة و األســعار بــل اضــحى يتمــيز
بالضعف ،و قد ايد فقه قضاء محكمة التعقيب بدوره هــذا التوجــه بقرارهــا الصــادر بتــاريخ
20جويلية 1961ان " جريمة البيع بأكثر من قيمتها الحقيقية جريمة قصدية تقتضي العمد
بطبيعتها " اال اننا ال يجب ان نفرط في القول ان المشرع لم ينص على الركن المعنــويً بــل
العكس فالمشرع قد استعمل في التنصيصً على عــدة جــرائم عبــارات من قبيــل "قاصــداً" او
"بنية" او "بغية" و كمثــال على ذلــك يمكن ان نـذكر الفصــل 37فقـرة ً 4و بالتحديـد عبـارة
قصد البيع الواردة بقانون ً 2015او ما جاء بالفصــل 59منً نفسً القــانون الــذيً نصً على
انه " ينجر عن ازالة اإلعالنــات او إخفاءهــا او تمزيقهــا الكليً او الجــزئي عمــدا من طــرفً
لتقنيات التجريم صلبً قانونً المنافسة و االسعار خصوصــية ال تنحصــر فقـ ً
ـط ً المخالفً " ان
ً
الجريمة بل تشم ًل ايضا تعد ًد اوجه التجريم . على اركان
قد يطرأ على المنافسة الحــرة جملــة من االخالالت الــتي تمس من االقتصــاد و للوقايــة منهــا
اعتمد المشرع على أسلوب رقابي حمــائي يتســلط باألســاس على التركــيز االقتصــادي الــذي
يعتبر مسار ديناميكي مأثر على بنية الســوق و ســيؤدي حتمــا الى ظهــور حــاالت احتكــار و
ترابط اقتصادي و قـد جـاء بالفصـل 07من قـانون المنافسـة و األســعار انــه " يعـد تركـيزا
اقتصاديا بحكم هذا القانون كل عمل مهما كان شكله ينجر عنه نقل كل أو جزء من ملكيــة أو
حــق االنتفــاع من ممتلكــات أو حقــوق أو ســندات مؤسســة من شــأنه تمكين مؤسســة أو عــدة
مؤسسات من ممارسة سيطرة حاسمة على نشــاط مؤسســة أو عــدة مؤسســات أخــرى وذلــك
بصفة مباشرة أو غير مباشرة" .
هذا الفصل لم يعرف ما هــو المقصــود بــالتركيز االقتصــادي بــل اعتمــد المشــرع من خاللــه
طريقة وصف جملة من الطرق القانونية التي قد تنجر عن هذه العمليــة .فمــاهوا المقصــود
بتركيز المؤسسات ؟؟
اعتمد المشــرع صــمن الفصــل 07معيــارين متالزمين أولهمــا ان يتم نقــل كــل او جــزء من
ملكية او حق انتفاع من ممتلكات او حقوق او سندات مؤسسة و ثانيا ان ينجر عن هذا النقــل
تمكين مؤسسة او عدة مؤسسات من ممارسة سيطرة حاسمة على مؤسسة او عدة مؤسســات
بصفة مباشرة او غير مباشــرة .كمــا ان المشــرع لم يقم بتعريــف الســيطرة الحاســمة و هــذا
الغموض يجعل السلطة التي تمارس الرقابــة تبحث في الواقــع االقتصـادي بعيـدا عن الشـكل
القانوني للمؤسسات المساهمة في التركــيز في حين ان الرقابــة تقــوم على مبــدأ حيــاد الشــكل
القانوني . 25من ناحية أخرى لم يقم قانون المنافسة و األسعر يتعريف المؤسسات موضــوع
التجــريم العتبــار ان الــذوات المعنويــة مســؤولة جزائيــا عن الممارســات الممنوعــة بقــانون
2015و في تحديدها أهميــة من حيث بيــان من هي المؤسســات المعنيــة بمســألة التركــيز و
التي هي خاضعة للرقابة الســابقة .مجلس المنافســة في المقابــل قــام بتعريفهــا بكونهــا " كــل
طرف يتعاطى تشاط اقتصادي بغض النظر عن كونــه شــخص طــبيعي او ذوات معنويــة او
Jaidane (R) l’influence du droit francais sur le droit tunisien des concentration économiques RIDE 2002 page 25
660
كونه مؤسسة عمومية او مؤسسة خاصـة " 26و البـد ان تـؤدي عمليـة التركـيز الى خلـق او
دعم وضــعية الهيمنــة و هي من الشــروط الحاســمة و قــد ربطهــا المشــرع بمفهــوم الســوق
الداخلية و قد جعل وضعية الهيمنة هي األثر الوحيد الذي تتأسس عليه شرعية الرقابة .
اعتمد المشرع صمن قــانون المنافســة و األســعار على اليــة الرقابــة الالحقــة للمحافظــة على
توازن السوق عن طريق تجريم بعض الممارسات ضد المتدخلين في االقتصاد من المهنــيين
و المســتهلكين و التصــدي لكــل الممارســات الــتي قــد تنــال من الســير الطــبيعي للســوق كــل
الممارسات المخلة بالمنافسة النزيهة .
و قد اهتم المشرع بقانون المنافسة و األسعار من خالل جملة التنقيحات التي أوردها عليه و
يعــود ذلــك باألســاس الى الخصوصــية الواضــحة الــتي تمــيزه على مســتوى التجــريم لجملــة
األفعال الممنوعة بمقتضى النص .وردت قائمة الممارسات المحجرة صــمن احكــام الفصــل
05من قانون 2015فتمثلت باألساس في
-1-منع الممارسات المخلة بالمنافسة
وردت الممارسات الممنوعة و المخلــة بالمنافســة ضــمن الفصــل 05من قــانون المنافســة و
األسعار ,و قــد جــاء هــذا الفصــل ضــمن البــاب الثــاني من العنــوان األول " في المنافســة و
الممارسات المخلــة بهــا " و ضــم جمــة الجــرائم التاليــة :االتفاقـات الممنوعــة /الممارســات
التعسفية /ممارسة تطبيق أسعار مفرطة .تنتج هذه الممارســات عن غايــة كــل مؤسســة في
تحقيق الربح الوفير دون النظر الى نتيجة السعي بالتالي قام المشــرع بمنعهــا بمقتضــى نص
صريح .
26
رأى مجلس المنافسة عدد 2266بتاريخ 24ديسمبر 2002
27
" تمنع األفعال المتفق عليها و التحالفات و االتفاقات الصريحة او الضمنية التي يكون موضوعها او اثرها مخال بالمنافسة "
28
الفصلين 85و 86
المشرع لم يعرف االتفاقات المشمولة بالمنع ضمن الفصل 05من قانون المنافسة واألسعار
و ترك المسألة لمجلس المنافسة و لعل هذا الترك سببه ان االتفاقات باألساس تكتسي طبيعــة
اقتصــادية اكــثر ممــا هــو قــانوني ،من الواضــح ان تخلى المشــرع عن ذكــر تعريــف مــدقق
للممارسات المحجرة من شأنه ان يهدد امن و استقرار المؤسسة االقتصــادية و الــتي هي في
حاجة ملحة لمعرفة دقيقة بالممارسات و االعمال الممنوعة .عرف الفقه االتفاقــات بكونهــا "
تفترض تالقي إرادة طرفين فأكثر يتمتع كل منهما باالســتقاللية الكافيــة ليقــرر تصــرفه بكــل
حرية في السوق " . 30
وردت صياغة الفصل 05عامة جــدا حــول منــع االتفاقــات المخلــة بالمنافســة الشــيء الــذي
يجعلها تستقطب أكثر عدد من األفعال الصارة بالمصالح االقتصادية وتكــييف هاتــه األخــيرة
بكونها اتفاقات ممنوعة هنــا تــبرز خصوصــية التجــريم العتبــار ان االحكــام العامــة للقــانون
الجزائي تفرض الدقة من حيث الصــياغة في تحديــد األفعــال المجرمــة قانونــا .كمــا ان هــذا
المنع له شروط وصور البد من التطرق اليها ،فقد فرضــت احكــام الفصــل 05مســألة تعــدد
أطراف االتفاقات المخالفة للمنافسة او المشاركين فيها باإلضافة الى وحدة الغاية منها ســواء
اكانت صريحة ام ضمنية ،بالتالي ال يكون االتفاق اال بتعدد المشاركين فيه وقانون المنافســة
واألسعار لم يقم بتحديد من هم األشخاص المشاركين فيه صراحة بالتـالي ال شــيء يمنــع من
ان تشتمل على كل المتدخلين االقتصاديين من تجار و وســطاء من األشــخاص الطبيعــيين او
المعنويين.ـ
كما ان " الواقع االقتصادي قد اثبت ان مثل هذه االتفاقات غالبا ما تتم بين المؤسسات نظــرا
المتالكها ألسباب القوة المالية االمر الـذي ال يتـوفر عـادة لـدى األشـخاص الطبيعـيين " , 31
حيث ان المؤسسات االقتصــادية تكــون غايتهــا األولى هي تحقيــق الــربح الوفــير و من اجــل
السـعي اليـه قـد تقـوم بأقصـاء منافسـيها من السـوق بـأي طريقـة .ورغم ان المسـاهمين في
االتفاقات هم مؤسسات اقتصادية فانه ال شــيء يمنــع المنظمــات المهنيــة من ان تكــون طرفــا
لكونها فاعلة على مستوى السوق .من ناحيــة اخــرى قواعــد المنافســة تهم اشــخاص القــانون
الخاص دون اشخاص القانون العام حيث ان الفصل 05منه لم ينص صراحة على اخضاع
احكامه لهم في صورة قيـامهم ببعض الممارســات المخلــة بالســوق .المشــرع لم يحــدد شـكال
معينا لالتفاق فهذا األخير قد يتخذ شكال مكتوبا او مشافهة كما قد يكون صريحا او ضــمنيا و
الغاية في عدم تحديد شكله هــو التوســيع في مــدلول االتفاقــات الممنوعــة و إلثباتهــا البــد من
اعتماد تقنية تظافر القرائن حسب فقه قضاء مجلس المنافسة الفرنســي ,فهي عــادة مــا تتخــذ
شكل المراكنة و تكون سرية. 32
29امر 1986-09-01المنقح في 15ماي . 2001انظر في هذا االطار الي .الهام الجويني " خصائص السياسة الجزائية في قانون المنافسة
و األسعار " مذكرة لألحراز على شهادة الماجيستير قانون العقود و االستثماراتـ .كلية الحقوق و العلوم السياسية تونس 2009ص 45
LEGEAIS démonique . droit commerciale des affaires 16eme éditions 2005 . Armand colin page 310 30
31عادل المحمودي " الممارسات الممنوعة في قانون المنافسة و األسعار " مذكرة نيل شهادة الدراسات المعمقة في القانون الخاص .كلية الحقوق
و العلوم السياسية بتونسـ ص 86
32حيث ان طبيعة تلك الممارسات التي تعتمد بالضرورة على الكتمان و المراكنة تجعل إقامة الخجلة عليها امرا عسيرا و ال يمكن التوصل الى
اثباتها في اغلب الحاالت اال باللجوء الى القرائن التي يبررها التحقيق حتى و ان لم تشكل كل واحدة منها اذا ما اخذت بمعزل عن البقية دليال قاطعا
على وجود عدم التفتهمـ " قرار مجلس المنافسة عدد 4155صادر في 2004-12-616
الممارسات التعسفيةB
على غــرار االتفاقــات الممنوعــة الــوارد ذكرهــا منــع المشــرع االفــراط في اســتغالل مركــز
الهيمنة و لوضعية التبعية االقتصادية ،و تعرف الهيمنة بكونهــا " تقــييم وضــعية المؤسســات
في السوق بحسب ما اذا كانت المؤسسات المعنية وحيدة او تواجه منافسة عتيدة مــع فــاعلين
اقتصاديين اخرين " .33و قـد منـع المشـرع االسـتغالل المفـرط لمركـز الهيمنـة على السـوق
الداخلية او على جزء منها ،كما انه لم يحدد بدقة األطراف موضــوع المنــع حــتى بعــد تنقيح
الفصل سنة .2015وبالتالي قد يكوم االستغالل المفرط للنفوذ االقتصــادي لصــالح مؤسســة
واحدة كما قد يكون نتيجة تركيز في القوة االقتصادية بين مجموعة من المؤسسات و هنا قــد
يتعلــق االمــر مؤسســة محتكــرة او قــد يكــون االحتكــار جماعيــا لعديــد المؤسســات ،كمــا ان
المشرع في الفصل 05لم يعطي تعريفا للسوق 34اما عن مجلس المنافسة فقـد اسـتعمل هـذا
األخير عبارة السوق المركزيــة و اعتمــدها ضــمن قــرار عــدد 2266صــادر في -09-24
.2002
ماهوا المعيار المعتمد من قبل المشرع في تقديره لهيمنة مؤسسة على مؤسسة أخــرى داخــل
السوق؟؟
ان المشرع لم يحدد في قـانون 2015المعيـار المعتمـد في تقـديره لهيمنـة مؤسسـة مـا على
السوق اال ان مجلس المنافسة قد اخذ بجموعه من المؤشرات في تقدير الهيمنــة مثــل مقارنــة
نصيب المؤسسة و نصيب بقيــة منافســيها من حيث التســويق و التصــرفـ .ان هــذا المعيــار
المذكور يعد غير كافي لتقدير وضعية الهيمنة وبالتــالي قــام مجلس المنافســة باالعتمــاد على
جملة من المعايير األخرى.
من حيث المبدأ وضعية الهيمنة ليســت من االخالالت الممنوعــة في القــانون التونســي اال ان
االفراط في الهيمنــة و في اســتعمالها هــو المحجــر و الــذي يكــون فعال اجراميــا و هنــا تكمن
خصوصية القواعد التجريمية لقانون المنافسة و األسعار .و قد نص المشــرع ضــمن احكــام
الفصل 05على بعض صور االفراط نذكر منها :االمتناع عن البيع او البيعات المشــروطة
كذلك األسعار الدنيا المفروضة .
اما عن جريمة االستغالل المفــرط لوضــعية تبعيــة اقتصــادية فقــانون 1991وكــذلك قــانون
1995لم ينصا عليها بل قام المشرع بتحجير هذه الممارسات ضــمن تنقيح قــانون المنافســة
واألسعار في سنة 1999تحت عدد القانون 41من خالل احكام الفصل 05منه والذي قــد
تأثر بمقتضاه بما جاء بالفصل 08من المرسوم الفرنسي لسنة .1996وتمثل حالــة التبعيــة
االقتصادية " الوضعية الواقعية لمؤسسة مـا في عالقتهـا بمؤسسـة أخـرى حريفـة او مــزودة
33من خالل قرار صادر عن مجلس المنافسة عدد 2136مؤرخ في 2003-07-17اعتبر فيه ان تواجد مؤسسة اقتصادية في مركز هيمنة ال
يتحققـ اال اذا كانت تملك قدرا من القوة االقتصادية الناتجة عن استقاللية التصرف و التعامل مع الحرفاء المنافسين و المستهلكين دون الخضوع
الى ضغوطات السوق الشيء الذي يجعلها تفرض شروطها و تتحكم في اليات السوق و في وضعية المتعاملين في اطاره .
" 34هي المكان النظري اين يتالقى العرض مع الطلب للمنتوجاتـ او الخدمات التي تعتبر من قبل المشترين او المستعملين قابلة لالستبدال فيما
بينهمـ لكنها غير قابلة لالستبدال مع السلع و الخدمات األخرى "
تكون فيها األولى خاضعة الى تأثير الثانيـة " ، 35وفي هـذا االطـار يتم االعتمـاد على جملـة
من المعايير لالستدالل على حالــة التبعيــة الــتي يتواجــد فيهــا الحرفــاء تجــاه المــزودين منهــا
المعيــار الــذي يقــوم على امتالك المــزود لعالمــة تجاريــة شــهيرة مســتمرة تجعــل الحرفــاء
يتمســكون بتوفــير منتوجــات هــذا المــزود و ذلــك الســتعمالها فيمــا يعــد كوســيلة الســتقطاب
الحرفاء الشيء الذي يجعله في حالة تبعية اقتصادية .ومنه فالمشرع يستند الى فكرة اختالف
التوازن بين أطراف التعامل كمــا انــه على غــرار تحديــد حالــة التبعيــة لم يقم بوضــع حلــول
للمؤسسات التي هي في حالة من التبعية وذلك للخروج منها .كما انه من الضروريـ التدقيق
على ان المشرع جحر االفراط في استغالل حالــة التبعيــة االقتصــادية وليس الفعــل ذاتــه بــل
جرم سوء استعماله بشكل فيه افراط.
وقد اضافت احكام الفصل 05من قانون المنافسة واألسعار بعد تنقيحــه مســألة منــع عــرض
او تطبيق أسعار مفرطة االنخفاض.
36
بشير الشوريجي " التسعيرـ في اإلسالم " شركة اإلسكندرية للطباعة و النشر مصر 1977صفحة 57
صدر قانون المنافسة واألسعار ضمن سياسة االنفتاح االقتصادي التي تبنتها تونس .وكــرس
هذا القانون مبدأ حرية المنافسة واألسعار ومنع الممارســات المخلــة بالمنافســة والممارســات
التقييدية .وعرف هذا القانون عدة تنقيحات عكست إرادة المشـرع في تـدعيم أسـس اقتصــاد
السوق وتنافسية المؤسسات .عن طريق تجريم بعص االفعـال وتحديـد العقوبـة المناســبة لهـا
-ب -وتــدعم هــذا اإلطــار القــانوني باعتمــاد نظــام هيكلي ثنــائي يتكــون من اإلدارة العامــة
للمنافســة واألبحــاث االقتصــادية ومجلس المنافســة ووظيفتهمــا تنفيــذ سياســة المنافســة عــبر
مراقبة السوق وعمليات التركيز االقتصادي ودعم ثقافة المنافسة بالتالي كان من الضــروري
التطرق الى مسألة التتبع لبيان خصوصيتها على مستوى قواعد المؤاخذة -أ. -
" تعتبر الحماية الجزائية للقــوانين في الميــدان االقتصــادي الشــغل الشــاغل للمهتمين بصــالح
االقتصـاد القـومي للـدول " 37و لكي تحقـق النصـوص الجزائيـة أهـدافها األساسـية كـان من
الضروريـ تدعيمها بجملة من النصوص الشــكلية اإلجرائيــة للكشــف عن الجــرائم و مســائلة
المجرمين و من ثمة مباشرة التتبع فيها .ونظرا لخصوصية المادة االقتصادية اتبــع المشــرع
في هذا المجال تمشي خاص بشان جملـة القواعـد الشـكلية موضـوع البحث من اجـل تحقيـق
الحماية الجزائيـة المطلوبـة للنظـام العـام االقتصـادي " ,و لئن كـانت تنبـع من منطلقهـا من
القواعد اإلجرائية إال أنها حادت عن هذه القواعـد كلمـا اسـتلزمت نجاعـة القاعـدة اإلجرائيـة
ذلك " .38
تعرض القانون عدد 36لسنة 2015في عنوانه الخامس إلى إجــراءات التتبــع والمصــالحة
في مادة المنافسة و األسعار ,و تتميز السياسية الجزائيــة في هــذا اإلطــار بتشــابك و تشــعب
أسلطات التتبع فيشمل هذا األخير جميع األعمـال األوليـة الـتي يقـوم بهـا األعـوان المـؤهلين
لمعاينة الجرائم و األعمال أالحقة التي تقوم بهــا ســلطة التتبــع لمباشــرة الــدعوى الجزائيــة و
تحقيق المالحقة القضائية 39و هو ما سنتبينه من خالل قواعده على وجه التفصيل.
لقد حدد المشــرع من جهــة أولى األعــوان المكلفــون بالمعاينــة في إطــار جــرائم المنافســة و
األســعار و البحث فيهــا و قــد توســع في هــذه القاعــدة ثم أضــفى عليهــا بعض الخصوصــية
ألعوان اإلدارة بوصفهم أعوان الضابطة العدلية و منحهم صالحيات موسعة و هو مــا أدى
إلي تعدد هذه الجهات المكلفة و من جهة أخرى ســعى المشــرع إلى حمايــة بعض القطاعــات
االقتصــادية من خالل مــا نص عليــه الفصــل 62من قــانون 2015على أن المعاينــة فيمــا
37حسن عز الدين دياب مقال " جرائم االستثمار " نشر في جوريسيدياـ موسوعة القانون المشاركة مع العلم انه قد تطرق لجرائم االستثمارـ في
كتابه القانون الجزائي لالستثمار دراسة مقارنة .مجمع االطرش للكتاب المختص تونس 2011
38فوزي العياري " السرية في مادة االجراءات الجزائية " رسالة تخرج من المعهد االعلى للقضاء 2001-2000ص 05
39علي الحالدي " قانون االجراءات الجزائية " كلية الحقوق و العلوم السياسية تونس ص 20
يتعلق بالمخالفات موضوع الممارسات المخلة بقواعد المنافسة تقــع من قبــل متفقــدي الرقابــة
االقتصـادية 40امـا المخالفـات المتعلقـة بالممارسـات االحتكاريـة و عـدم شـفافية األسـعار فيتم
معاينتها بواسطة عوني مراقبة او غيرهم من الذين تم ذكــرهم ضــمن قائمــة الفصــل 63من
نفس القانون 41وبالنظر الى خصوصية مادة المنافسة و األسعار أفرضـت هـذه المـيزة تمكين
هــائال األعــوان المــؤهلين بمهــام متعــددة و المطروحــة على وجــه الــذكر نظــرا لمتــابعتهم
المســتمرة لســير الســوق .كمـا تضــمنت أحكـام نفس الفصـل 62ان معاينــة المخالفــات تقــع
بواسطة محاضر محررة من قبل األعوان المكلفين الشــيء الــذي يجعلنــا نتــبين و إن اإلدارة
هي صاحبة االختصاص األصلي في مراقبة المخالفــات المتعلقــة بالمنافســة و األســعار ’ من
ناحية أخرى قد مكنهم المشرع بجملة من الصالحيات الموسعة في إطار معاينة المخالفات و
التي تمثـل بـدورها إثبـات مباشـر و مـادي من خالل الفحص و الرؤيـة المباشـرة للشـيء أو
للشخص محل المعاينة.
محاضر المعاينة في قانون المنافسة و األسعار تتمتع بقــوة ثبوتيــة تمكن من اعتمادهــا كســند
إدانة و التصريح من خاللهـا بالعقوبـة من قبـل المحكمـة المختصـة ذات النظــر في الــدعوى
فهي بالتالي وسيلة إثبات على ارتكاب الجريمة الشــيء الــذي يجعلنــا نتــبين الطــابع الحمــائي
الذي أضفاه المشرع على قواعد قانون المنافسة و األسعار و على حمايــة حقــوق المتعــاملين
في الميدان االقتصــادي و الــتي تنعكس باألســاس ضــمن مــا اقتضــته أحكــام الفصــل 70من
42
قانون . 2015
تعتبر جرائم المنافسة و األسعار و خاصة نظــام تتبعهــا ذات خصوصــية واضــحة و مختلفــة
عن قواعد التتبع في الشريعة العامة و لقد شملت هذه الخصوصيةـ كذلك قواعــد إثــارة التتبــع
اي تحريك الدعوى مقارنة بالقواعد العامة للقانون الجــزائي و المضــمنة بمجلــة اإلجــراءات
الجزائيــة .قواعــد المنافســة و األســعار تمثــل بالتــالي قواعــد مســتقلة بــذاتها و مختلفــة عن
40الفصل 62ـ تقع معاينة مخالفات أحكام الباب األول من العنوان الرابع من هذا القانون من قبل متفقدي المراقبة االقتصادية طبقا للقانون
األساسي المنظم لسلك الرقابة االقتصادية.
وتتم هذه المعاينة بواسطة تقارير بحث تستند إلى دراسة تحليلية لواقع السوق ومحاضر سماع أو معاينة للممارسات المخلة بالمنافسة .وتحرر هذه
المحاضر وفق ما هو مبين بالفصل 63من هذا القانون.
41الفصل 63ـ تقع معاينة المخالفات ألحكام البابين الثاني والثالث من العنوان الرابع من هذا القانون بواسطة محاضر محررة من قبل:
- 1عوني مراقبة اقتصادية ،طبقا للنظام األساسي المتعلق بسلك المراقبة االقتصادية ،أو عونين تابعين للوزارة المكلفة بالتجارة ،مفوضين في ذلك
ومحلفين يكونان قد ساهما شخصيا ومباشرةـ في معاينة الوقائع المكونة للمخالفة بعد أن يكوناـ قد عرّ فا بصفتهما وقدّما بطاقتيهما المهنية.
- 2أعوان الضابطة العدلية،
يحال أصل تلك المحاضر ونسخة منها مباشرة إلى الوزير المكلف بالتجارة.
ويجب أن يتضمن كل محضر تاريخ تحريره وختمه ومكانه وموضوعه واألعوان المحررين والمعاينة أو المراقبة وتصريحات المخالف أو كل
شخص يرى ضرورة في سماعه وتقديم إفادته وكذلك هوية المخالف أو الحاضر ساعة المعاينة أو السماع.
كما يجب التنصيص على أنه وقع إعالم المخالف بتاريخ تحرير المحضر ومكانه وأنه تم استدعاؤه بواسطة مكتوب مضمون الوصول بإستثناء
حاالت التلبس.
وينص المحضر عند االقتضاء على أنه تم إعالم المعني باألمر بإجراء حجز وأنه وجهت إليه نسخة من المحضر بواسطة مكتوب مضمون
الوصول.
وعلى المخالف أو الحاضر ساعة المعاينة أو السماع أو من يمثلهمـ إمضاء المحضر عند الحضور وفي صورة التعذر أو رفض اإلمضاء يتم
التنصيص على ذلك بالمحضر.
42الفصل 70ـ يتعيّن على الموظفين واألعوان وكل األشخاص اآلخرين المدعوين لالطالع على ملفات المخالفات المحافظة على السر المهني
وتنطبق عليهم أحكام الفصل 254من المجلة الجزائية.
الشريعة العامة في إطار ما سبق ذكره لتصبح بمقتضاها اإلدارة طرف أصلي في تقدير مال
التتبع و النيابة العمومية طرف منظم لإلدارة في إثارة التتبع
من حيث المبدأ تمتلــك النيابـة العموميــة الـدعوى العموميـة باســم المجتمــع لكن هــذه الحريــة
تخضع لقيود عديدة كالتي تضمنتها بعض القوانين الخاصة و ألهداف تشريعية معينـة كـالتي
تم اعتمادهــا في قــانون المنافســة و األســعار و هــو مــا أكدتــه أحكــام الفصــل 65من قــانون
43
2015لتصبح اإلدارة بذلك صاحبة االختصاص المبدئي في تقدير مال التتبع
كذلك نجد أن اإلدارة في مرحلة الممارسة 44لها خصوصية متميزة من خالل إمكانية أعــوان
المراقبــة االقتصــادية تمثيــل اإلدارة أمــام المحــاكم و هــو مــا جــاء بالفصــل 72من قــانون
.2015
في إطار تتبع الجرائم إثارتها تتعدد الهياكل المختصة على مستوى قواعد المؤاخذة فهو ليس
من اختصاص المحكمة الجزائية فقط كبـاقي الجـرائم العاديـة األخـرى طبقـا للقواعـد العامـة
للقــانون الجــزائي و إنمــا مجلس المنافســة 45هــو أيضــا من بين اإلطــراف الــذين خــول لهم
المشرع حق القيــام بإثــارة التتبـع و ذلـك إلقـرار دوره الهــام و الفعـال خاصــة على مسـتوى
الحفــاظ على قواعــد المنافســة المشــروعة داخــل الســوق و في زجــر الممارســات المخلــة
بالمنافسة اعتبارا لطبيعته كهيأة قضائية خاصة .و قد تم تنظيم اإلطار القانوني لهذا المجلس
عمله و تكوينه واختصاصاته بمقتضى أحكام الباب الثالث من العنوان األول ضمن الفصــول
من 11إلى 26من قانون . 46 2015
لمجلس المنافسة خصوصية 47بمعنى التفريد و التميـيز على مسـتوى عديـد الجـوانب مقارنـة
بالهيئات القضائية األخرى خاصة فيما يهم مسألة إثـارة الـدعوى العموميـة في إطـار جـرائم
المنافسة و األسعار و التي أصبحت من صــالحياتها بمقتضــى القــانون و قــد ســعى المشــرع
إلفرادهــا بخصوصــيةـ تمييزهــا عن الجهــاز القضــائي خاصــة في نطــاق تــدخلها و تعهــدها
بالنزاع لحد تفرديها بنظام إجرائي مميز . 48
إن تعهد مجلس المنافسة بالتتبع يشمل التعهد باإلحالة و يتجاوزه إلى حد التعهد التلقائي حيث
بإمكــان المجلس مواصــلة النظــر في الــدعوى رغم تخلى األطــراف عنهــا و هنــا تــبرز
خصوصية التتبع في إطار جــرائم المنافســة و األســعار .ثم إن هــذا المجلس العتبــاره هيئــة
قضائية مختصة 49ال يمكن اإلقرار بكونه هيئة قضائية ذات والية عامـة فيمـا يتعلـق بجـرائم
43انظر فصل 20من مجلة االجراءات الجزائية و الفصل 63من قانون المنافسة و االسعار لسنة 2015
44الفصل 72ـ مع مراعاة أحكام الفصل 73من هذا القانون يمكن ألعوان المراقبة االقتصادية تمثيلـ اإلدارة أمام المحاكم دون تفويض خاص في
الدعاوى القضائية الراجعة بالنظر إلى مصالحهم
45الفصل 11ـ تحدث هيئة تسمى مجلس المنافسة تتمتع بالشخصية المعنوية وباالستقالل المالي وتلحق ميزانيتها ترتيبياـ بميزانية الوزارة المكلفة
بالتجارة.
يكون مقر المجلس بتونس العاصمة وله أن يعقد عند االقتضاء جلساته بأي مكان آخر بتراب الجمهورية".
46كانت منضمة في قانون 1995من الفصول 9الى 21قبل تنقيحه سنة 2015
47
48ماهر الشابي " شروط القيام بدعوى الممارسات المخلة بالمنافسة " محاضرة ختم التمرين بالمعهد االعلى للمحاماة 2013- 2012ص 14
49مثال أصدر مجلس المنافسة قرارا تحت عدد 181511بتاريخ في 21أكتوبر ،2021يقضي بتسليط عقوبة مالية جمليه قدرها عشرة مليون
دينار وثمان مائة وسبعة وعشرون ألف دينار 10.827.000,000 على أربع نقاباتـ مهنية و 22مصحّ ة خاصة من أجل مخالفة أحكام الفصل
بل هو مختص بالنظر في مجال محدد ضبطها الفصل 11جديــد وفــق تنقيحــه ســنة 2005
فالجهات التي بإمكانها عــرض الــدعوى على مجلس المنافسـة هي جهـات متعـددة تم ذكرهـا
ضمن قائمة حصرية ثم تضمن نفس الفصل في فقرته الثانيــة إمكانيــة المجلس التعهــد تلقائيــا
بالنظر في الممارسات المخلة بالمنافسة فيمكنها من فتح تحقيقات من تلقاء نفسها في صــورة
المســاس بالسياســة االقتصــادية للدولــة و انتهــاك لحقــوق المســتهلك و غيرهــا من الحــاالت
األخرى.
و لقد عهد المشرع بموجب قانون المنافسة و األسعار مهمــة زجــر الجــرائم في هــذا المجــال
إلى هيكلــيين أساســيين همــا مجلس المنافســة و كــذلك محــاكم القضــاء العــدلي و هي الجهــة
50
األصلية في مباشرة التتبعات الجزائية بصفة عامة .و بـالعودة إلى أحكـام الفصـل 09من
قــانون 2015نتــبين و أن المشــرع حصــر مرجــع النظــر الحكمي لمجلس المنافســة في
النزاعات المتعلقة بالممارسات المخلة بالمنافسة حيث ان مجال اختصاصها يتمثــل باألســاس
في اختصــاص تقريــري حســب الفصــل 05من قــانون 2015و لهــا كــذلك اختصــاص
استشاري نظرا لخصوصية الجريمة االقتصادية و حماية من المشرع لحرية المنافســة ذاتهــا
و ذلك مـا نتبينـه من خالل الفصـل 09جديـد و الفصـل 07جديـد من نفس القـانون . 51من
خالل التنقيحات العديدة لقانون المنافسة و األسعار تدعم التعهــد التلقــائي للمجلس بــالنظر في
الدعاوى المتعلقة بالمنافسة و األسعار و تعدد الهيئات المخول لها رفع الدعوى أمام المجلس
و ذلك لتعدد القراراتـ الصادرة عنه فترفع العرائض المتعلقة بالممارسات المخلــة بالمنافســة
من قبل األشخاص المنصوص عليهم ضمن الفصل 11و قد اتسمت القرارات الصادرة عن
المجلس باالختالف و التفاوت لتكون حسب منطوق 52الفصل 19من قـانون 2015قاضـية
بالرفض أو باإلدانة و يمكن إن يكون الطعن فيها إما باالستئناف او بالتعقيب .
53
كما تتدخل المحاكم العدلية بالنظر في جرائم المنافسة لضـمان حسـن المنافسـة المشـروعة
فالمجلس ليس بمعزل عنها رغم تمــيز اختصاصــه ,وعلى غرارهــا تعــد المحكمــة اإلداريــة
جهة هامة باعتبار الدور الموكول لها و المؤكد ضمن نصــوص قــانون المنافســة و األســعار
خاصة بعـد تعديلـه سـنة 2005و مجـال اختصاصـها في مـادة المنافسـة متنـوع نـذكر مثال
أحكــام الفصــل 22جديــد الــذي ينص على أن المحكمــة اإلداريــة تــراقب قــرارات مجلس
المنافسة و طبقا لذلك تم اعتبار تعهــدها بــالنظر في الطعــون الموجهــة ضــد قــرارات مجلس
5من القانون عدد 36لسنة 2015المؤرخ في 15
50انظر الفصلين 7و 9من قانون المنافسة و االسعار .
51مجلس المنافسة هي هيئة تسعى الى اقرار المنافسة الحرة و النزيهة في مختلف ابعادها و ذلك بتسليط الضوء على ما تضمنته النصوص
القانونية المنظمة لسير و اداء هذه الهيئة نتأكد من خاللها ان الرؤية القانونية لمجلس المنافسة تضعه في خانة الهيئات القضائية المستقلة و مانحة له
ادوار خاصة نظرا لخصوصية المادة باألساس منها ما يأخذ البعد االستشاري و االخر ردعي .اال ان الواقع العملي اثبت ان مجلس المنافسة
تعتريه عدة صعوبات من ابرزها تواجده داخل الدائرة االقتصادية الشيء الذي يجعله ال يتحكم في االوضاع كهيئة مختصة و ضابطة للمنافسة
داخل السوق و من ثمة محدودية عمل مجلس المنافسة في مجال حماية المنافسة الحرة و المشروعة .
52الفصل 19ـ عند انتهاء البحث يحرر المقرر بالنسبة إلى كل قضية تقريرا يقدم فيه مالحظاته يحيله رئيس المجلس بواسطة مكتوب مضمون
الوصول مع اإلعالم بالبلوغ إلى أطراف النزاع الذين يتعينـ عليهم الرد عليه في أجل شهرين سواء بأنفسهم أو عن طريق محام وذلك بواسطة
مذكرة تتضمن وسائل الدفاع التي يرونهاـ صالحة.
كما يحيل رئيس المجلس نسخة من التقرير لمندوب الحكومة ليتولى تقديم ملحوظات اإلدارة في نفس اآلجال المنصوص عليها في الفقرة السابقة.
53حسب الفصول 20و 22و 139من قانون المنافسة و االسعار لسنة 2015
المنافسة من مؤيدات اإلقــرار أن هــذا المجلس هــو هيئــة إداريــة مســتقلة و قراراتهــا تكتســي
طابع إداري و هو ما يؤكد من ناحية أنه يعتــبر هيكال قضــائيا ذا طبيعــة خاصــة ومن ناحيــة
اخرى يجعلنا نتبين خصوصيته على مستوى الطعن في األحكام الصادرة عنه.
قد ينتهي التتبع في كل جريمة إمــا بــإقرار اإلدانــة و تســليط العقوبــة تفريــدا لخطــورة الفعــل
اإلجرامي و قد ينتهي إلي التصـريح بعـدم ثبـوت اإلدانـة أو بانقضـاء الـدعوى و هـو الحـال
بالنسـبة للمـادة االقتصـادية 54و نظـرا لكـون الجريمـة االقتصـادية تمس بمصـالح اقتصـادية
حيوية قد تكبد الدولة خسائر مالية كبيرة الشيء الذي يجعــل المشــرع يفعــل دور الصــلح في
القانون الجزائي االقتصادي تجنبا لطول إجراءات التقاضي و قد أوكل هذه المهمة لإلدارات
المختصة كما اقــر المشــرع طريقــة أخــرى إلنهــاء التتبعــات من خالل اعتمــاد سياســة نــزع
التجريم كما يمكن إنهاء التتبع عن طريق الصلحـ الذي يميز قــانون المنافســة و األســعار عن
الشريعة العامة للقانون الجنائي
الصلح الجزائي هو إجراء غير قضائي يخول لإلدارة المؤهلة لذلك قانونا عرض الصــلح أو
قبوله من الشخص المرتكب لجريمة نص المشرع صراحة على أنها تقبــل الصــلح و التخلي
في الدعوى العموميـة أو عن تنفيــذ العقوبــات المحكـوم بهــا و يكـون ذلــك التخلي كليــا إذا تم
الصلح قبل صدور حكم بات أو جزئي إذا كان بعد صدور ذلك الحكم مقابــل تخلي المخــالف
عن حماية و ضمانات القانون الجنائي و دفعه مبلغ مالي محدد و هـو مـا افـرد بـه المشـرع
55
المادة الجزائية االقتصادية خاصة قـانون المنافسـة و األسـعار بهـذا اإلجـراء الممـيز لتفـادي
الصعوبات اإلجرائية المختلفة و المالية إال أن الصلح يخضــع لعديــد الشــروط تم التنصــيص
عليها ضمن أحكام قانون المنافســة و األســعار و هــو مــا يــبرز خصوصــية التتبــع في إطــار
الجرائم الماسة بالمصالح االقتصادي خاصة على مستوى المنافسة النزيهة .
54البشير االحمر " الصلح في الجريمة االقتصادية " م.ق.ت سنة 1994ص 477
Par exemple . D Grave . le contrat de transaction en droit civil et en droit judiciaire privé . EMIL Bruylant . 55
Brucelles 1967 page 326
ان الحرية التيً اتسمت بهــا المنافســة في ظــل قــانون 2015ال تعــني التصــرف في الســوق
دونً قيود او ضوابط بل تعتبر مسؤولية فيً نطــاق الشــفافية و الموضــوعية لضــمان منافســة
حرة و ممارسة تجارية شرعية و من اجل المحافظة على مصلحة كل المتدخلين في الحركة
االقتصادية تضمن قانون المنافسة و االسعار مجموعة من العقوبات التي تفترض تنويعــا في
وسائل التصدي للظاهرة اإلجرامية56خاصـة في الميـدان االقتصـادي و تتمثـل هـذه العقوبـات
في عقوبات اصلية على غرار عقوبة السجن اضافة الى العقوبات المالية و المالحظ في هذا
السياق ان المشرع صلبً قانون المنافسة و االسعار اعطى األولوية للعقوبات المالية بــالنظر
الى مزاياها سواء على مستوى اثارها تجاه المخالف ًاو فوائدها بالنسبة للدولة في تعود على
خزينتها بالربح كما ان هذه العقوبة تطبق بتفاوت حســب درجــة خطــورة الجريمــة و مــا نتج
عنها من اضرارـ .
و بالرجوع الى القانون المذكور نجد ان المشرع قد ضرب عقوبات ماليــة تصــل الى %10
من رقم المعامالت التي حققها المتعامل خالل اخر سنه مالية جزاءات لمخالفة احكام الفصل
5من نفس القانون ً .و قد استقر فقه قضاء المجلس على ان تقــدير الخطــاب يتم بــالنظر الى
عــدة اعتبــارات منهــا خطــورة الفعــل المقــترف ،حجم الضــرر الالحــق باالقتصــاد ،مكانــة
المؤسسة المخالفة و موقعها و مقــدار الفوائـد و األربـاح الـتي جنتهــا المؤسســة من المخالفــة
المرتكبة , 57و من القرارات التي اشـار اليهـا المجلس يمكن ان نـذكر القـرار عـدد 91201
الصادر بتاريخ 12مارس 2015المتعلق بوزير التجارة والصناعات التقليدية ضــد شــركة
بيت الطب و شركة الصيانة الطبية في شخص نائبها القانوني و قد جاء بنص القرار مــا يلي
" و حيث اقر فقه قضاء مجلس المنافســة ..و فيمــا عــدا ذلــك فــإن تقــدير الخطايــا الماليــة يتم
بالنظر الى خطورة األفعال و حجم الضرر الالحق " و تتجه اإلشارة في هذا السياق ان فقــه
قضاء مجلس المنافسة في تونس قد تأثر في الواقع بما جاء بالفصل 13من الوثيقة الفرنسية
لسنة 1986و المنقح بالقانون عــدد 921412بتــاريخ 31ديســمبر 1992و الــذي يقابــل
الفصــل 46فقــرة 6من المجلــة التجاريــة الفرنســية و الــذي ينص على " les sanctions
pécuniaires sont proportionnées à la gravité des faits reprochés, a
l’importance du dommages causés a l’économie, à la situation de
العامة التي سلطهاً « l’entreprise ou de l’organisme sanctionnéو من الخطايا
المجلس يمكن ان نذكر خطية القرار 121302سابق الــذكر و الــتي بلغت مليــون دينــار او
الخطية المسـلطة على شــركة اوليس للتوزيـع كـارفور في القــرار عـدد 121301الصــادر
بلغت 800دينار الى غير ذلك من العقوبات المالية هــذا ً بتاريخ 15ديسمبر ً 2015و التيً
بالنسبة للممارسات المخلة بالمنافسة.
اما فيما يتعلق بالعقوبة السجنية المكرسة صلب هذا القانون فقد ســعى المشــرع الى الحــد من
عقوبة السجن قدر االمكان حيث انها ال تتواجد بكثافة و انما تطرق اليهــا المشــرع في بعض
( 56نظام توفيق المجالي ،شرح قانون العقوبات القسم العام ،النظرية العامة للجريمة ،دراسة تحليلية في اركان الجريمة ،عمان دار الثقافة سنة
)1998
( 57التقدير النسبي لمجلس المنافسة لسنة 2003صفحة )45
المواضع و كانت اقصاها سنة سجن كتلك المنصوص عليها بالفصل 45بالنسبة لمن ســاهم
اسهاما بارزا و بطرق ملتويــة في اإلخالل بــالموانع المنصــوص عليهــا بالفصــل 5من هــذا
القانون و كذلك الفصل 49الذيً حدد العقوبة السجنية من شهر الى عام بالنسبة لمن رفع او
خفض بصفة وهمية او حاول ذلك بيع منتوج او خدمات باستعمال اي وسيلة كانت .
الى جانب العقوبات األصلية الواردة بهذا القانون نجد تكــريس المشــرع للعقوبـات التكميليــة
يبدو واضحا و يقصد بها تلك الــتي" تضــاف للعقوبــة بهــدف الحصــول على مزيــد الــردع و
اإلصالح و كذلك بهدف الوقاية مستقباًل من الجريمة .
و تلعب العقوبات التكميلية في .الجرائم االقتصادية ًو في قــانون المنافســة و االســعار الــذي
اوجد فيه المشرع مجموعة متنوعة من العقوبات التكميلية التيً منً شانها ان تتالءم بصورة.ـ
افضــل مــع الجريمــة االقتصــادية ًو شــملت هــذه المجموعــة الحجــز و المتمثــل في" وضــع
المنتجــات و اآلالت موضــوع المخالفــة او الــتي اســتعملت فيهــا بين يــدي الســلطة اإلداريــة
للتحفظ عليها او .التفويت فيها او اتالفها "58و قد اعتمد المشرع هـذه العقوبـة صـلب الفصـل
49فقرة اخيرة .
اما العقوبة التكميلية الثانية فتتمثل في المصادرة المقصود بها "ًوضـع يـد الدولـة على أشـياء
معينة كانت موضوع للجريمة او نتيجة عنها و يمكن استعمالها في ارتكابها " 59و قـد تنـاول
الفصل 57من تناول قانون المنافسة و االسعار هذ ًه العقوبــة ،كمــا تمثــل عقوبــة الغلــق احــد
العقوبات التكميلية االخرى المنصوص عليها صلب هذا القــانون اضــافة الى نشــر مضــامين
األحكام ..ان خصوصية قواعد المؤاخذة صلب قانون المنافسة ًو االسعار ال تقــف عنــد حــد
نظام العقوبات المعتمد بل تمتد ايضا لتشمل اجراءات التتبع.