Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 77

‫القواعد السديدة يف محاية العقيدة‬

‫‪1‬‬

‫القـواعــد السديدة‬
‫في‬
‫حماية العقيدة‬

‫الدكتور‬
‫طــه حامد الدليمي‬
‫القواعد السديدة يف محاية العقيدة‬
‫‪2‬‬

‫‪‬‬

‫المقدمة‬
‫القواعد السديدة يف محاية العقيدة‬
‫‪3‬‬

‫احلمد هلل رب العامني ‪.‬‬


‫والصالة والسالم على اهلادي األمني‪ .‬وعلى آله أصحابه‬
‫وأتباعه أمجعني ‪.‬‬
‫وبعد ‪..‬‬
‫املسلَّم به عند مجيع العقالء أن كل دعوى ال بد هلا من‬
‫فمن َ‬
‫بينة او دليل‪ .‬والدليل إمنا مسي دليالً ألنه يشتمل على شروط أو‬
‫عناصر جعلته صاحلاً ألن يطلق عليه هذا االسم ‪ ،‬وإال مل يكن‬
‫دليال معترباً‪.‬‬
‫املسلَّم به أيضا أن أعظم دعوى يف الوجود هي العقيدة‬
‫ومن َ‬
‫ممثلةً أبصوهلا ‪ ،‬ومن بعدها أتيت أصول الشريعة أو األعمال‬
‫الشرعية اليت هي كالبناء ابلنسبة إىل أساس العقيدة ‪.‬‬
‫ومبا أن هذه الدعوى هي أعظم دعوى فال بد أن تكون‬
‫شروط أدلتها أعظم الشروط وأصعبها وأدقها وأبعدها عن‬
‫الظنون واالحتماالت ‪ ،‬حبيث ال ميكن أن يتطرق إليها الشك‬
‫أو االحتمال أبي وجه من الوجوه ليكون الدين قائما على‬
‫أساس متني تطمئن إليه النفس وتثق به ثقة مطلقة ‪ ،‬وإال‬
‫فإن الشك إذا تطرق إىل أصول الدين فمعىن ذلك أن الدين يف‬
‫القواعد السديدة يف محاية العقيدة‬
‫‪4‬‬

‫أساسه ابت مشكوكاً فيه ‪ .‬وما ذلك بدين؛ ألن الدين مبناه‬
‫على القطع واليقني‪.‬‬
‫لقد علِمنا من ديننا أنه حىت املسائل الفرعية إذا كانت املسألة‬
‫عظيمة أو خطرية فإن هللا تعاىل يشدد يف شروط أدلتها ما ال‬
‫يشدد يف غريها ‪ :‬فمن املعروف أن كل الشهادات يكتفى فيها‬
‫بشاهدين ‪ ،‬إال الزان فال بد إلثبات وقوعه من مضاعفة الشهود‬
‫مع توفر املشاهدة العيانية اجلازمة ‪ ،‬خلطورة التهمة ومساسها‬
‫بسمعة املتهم ودينه ومصريه ‪.‬‬
‫وهكذا احلال عندما يتعلق األمر مبا هو أعظم أال وهو أصول‬
‫الدين اليت هبا يتقرر مصري اإلنسان ‪ :‬هل إىل اجلنة أم إىل النار‬
‫؟ وقبلها هل هو من املسلمني أم من الكفار ؟ وما يرتتب على‬
‫ذلك من مسائل وأحكام يف الدنيا واآلخرة ‪.‬‬
‫فما هي العناصر أو الشروط اليت ينبغي توفرها يف‬
‫أدلة أصول الدين وهي هبذا املستوى من املنزلة واخلطورة ؟ أو‬
‫بعبارة أخرى ‪ :‬كيف ميكن أن تثبت هذه األصول ؟‬
‫اجلواب عن هذا السؤال هو موضوع هذا الكتاب املختصر ‪.‬‬
‫إن معرفة هذه الشروط أمر يف غاية األمهية لكونه ال غىن عنه‬
‫من أجل محاية الدين من اإلضافات واملبتدعات اليت كثرت‬
‫القواعد السديدة يف محاية العقيدة‬
‫‪5‬‬

‫وعمت يف غيبة هذا األمر البالغ األمهية عن أذهان غالبية أبناء‬


‫اإلسالم ‪ ،‬حبيث صار أسهل شيء على أي إنسان ‪ -‬مهما بلغ‬
‫جهله واحنطت يف العلم منزلته ‪ -‬أن خيرتع ما يشاء ويضيف ما‬
‫(يستحب) أبوهى األدلة وأمسج احلجج !!‬
‫إن من أشد األمور عجباً وأكثرها انتشاراً أن خترتع أصول‬
‫خطرية بشطر من آية مقتطعة ‪ ،‬أو تسلب املاليني بل املليارات‬
‫من جيوب املغفلني بكلمة مشتبهة‪ .‬بل إن هناك ما هو‬
‫أعجب‪ :‬أن تنتهك احلرمات وتستباح فروج احملصنات مبثل تلك‬
‫الكلمة!! مث ما أسهل أن توضع – من بعد ذلك – الرواايت‬
‫وختتلق على ألسنة األئمة‪ ،‬أو تضاف إىل أحاديث رسول األمة‬
‫حممد ‪ . ‬وهكذا فسدت عقائد املاليني من املسلمني وحتللت‬
‫أخالقهم وتفرقت كلمتهم واهنار اجتماعهم وسرقت عقوهلم‬
‫وأمواهلم ‪ ،‬وخرجت إىل الوجود أداين وطوائف تنتسب إىل‬
‫اإلسالم بينما هي يف الواقع تغط يف جلج من البدع واخلرافات‬
‫واألوهام بعيداً عن الشاطئ األمني هلذا الدين العظيم ‪.‬‬
‫مث إن هذا الكتاب جييب عن سؤال آخر يقارب السؤال‬
‫األول يف أمهيته ‪ ،‬هو كيف ميكن للعامي الذي مل يتعلم‬
‫احلرف ومل يدرس العلم أن يعرف جزماً ومن دون االستعانة‬
‫القواعد السديدة يف محاية العقيدة‬
‫‪6‬‬

‫ابلعلماء أصول احلق من أصول الباطل؟ فينجو من ضالالت‬


‫املضلني وشبه الزائغني ‪ ،‬ويرسو ابطمئنان على ذلك الشاطئ‬
‫األمني ‪.‬‬
‫يف القرآن قانون أصويل يشبه يف قوته ودقته وانضباطه الكامل‬
‫من مجيع الوجوه القانون الرايضي أو احلسايب ‪ .‬لكنه يتفوق‬
‫عليه من حيث أنه واضح املعامل ‪ ،‬سهل اإلدراك ميكن معرفته‬
‫من قبل اجلميع ‪ :‬األمي واملتعلم ‪ ،‬والعامي والعامل ! وميكن‬
‫تطبيقه بسهولة على أية مسألة أصولية أو قضية أساسية مـن‬
‫قضااي الدين ليعرف الكل ‪ ،‬وبصورة جازمة قاطعة ‪،‬‬
‫وسهلة ميسرة صحتها من بطالهنا !‬
‫وبذلك نستغين عن الردود املطولة ‪ ،‬واجلداالت احملتدمة اليت‬
‫تدور بعيداً عن هذا القانون الرابين القرآين‪ ،‬وجتري يف منعرجات‬
‫البحث عن داللة النص أو (الدليل) دون التوقف أوالً – وهذا‬
‫أعظم ما يستدعي التوقف ‪ -‬عند صالحية الدليل لالستدالل‬
‫من خالل النظر يف مدى حيازته على شروط الدليل األصويل ‪.‬‬
‫هذا ‪ ..‬وقد اختذت من أصول الدين الصحيحة الكربى ‪،‬‬
‫ومن عقيدة (اإلمامة) عند الشيعة جماالً أطبق عليه تفاصيل هذا‬
‫املبحث املهم يف غاية األمهية ألثبت من خالله مدى حاجتنا‬
‫القواعد السديدة يف محاية العقيدة‬
‫‪7‬‬

‫إىل معرفة هذا القانون ‪ ،‬ومدى فعاليته يف الوصول إىل احلق‬


‫بسهولة ويسر منقطع النظري ‪.‬‬
‫وأخرياً أقول ‪ :‬أرأيت طريقا يؤدي إىل مكان خطري‬
‫وضعت عليه (نقطة تفتيش) عليها حراس شداد يف منتهى‬
‫الشدة‪ ،‬أذكياء يف قمة الذكاء ال جيوزهم إال شخص ميتلك هوية‬
‫رمسية بشروط وصفات واضحة حمددة ؟‬
‫إن معرفتنا بشروط أدلة أصول الدين جتعل على طريق كل‬
‫مزور حقود أو مبتدع جهول هذه (النقطة) ذات احلراس‬
‫األشداء األذكياء تقطع عليه الطريق وحتول دون مرور أابطيله‬
‫ومروق أضاليله ووصوهلا إىل محى الدين العظيم ‪ ،‬ألن هويتها‬
‫مزورة ال متتلك مواصفات اهلوية الشرعية الواضحة احملددة ‪.‬‬
‫وهللا ‪ ‬اسأل أن ينفع هبا كاتبها وقارئها واملسلمني أمجعني ‪.‬‬
‫آمني ‪.‬‬

‫املؤلف‬
‫‪1419‬هـ ‪1998 /‬م‬
‫القواعد السديدة يف محاية العقيدة‬
‫‪8‬‬

‫المنهج القرآني‬
‫في إثبات أصول الدين‬

‫نقصــد ابألصــول ‪ :‬العقائــد الـيت يتوقــف عليهــا اإلميــان ‪ ،‬ويعــد‬


‫منكرها كـافراً خارجـاً مـن امللـة كالتوحيـد والنبـوة واملعـاد ‪ .‬وكـذلك‬
‫أساسيات الشريعة املعلومة من الدين ابلضرورة كالصـالة والصـيام‬
‫واحل ـ ــج والزك ـ ــاة واجله ـ ــاد ‪ ،‬وكحرم ـ ــة الفـ ـ ـواحش ك ـ ــالزان والس ـ ــرقة‬
‫والكذب وقتل النفس ‪.‬‬
‫القواعد السديدة يف محاية العقيدة‬
‫‪9‬‬

‫لقــد نصــب هللا تعــاىل هلــذه األم ـور أو األصــول مــن األدلــة يف‬
‫كتابه ما ال ميكن بعدها جحودها أو أتويلها ألن النصـو الـيت‬
‫تناولتها واضحة بينة متضافرة ال حتتمـل تكـذيباً أو أتويـالً ‪ .‬وهـي‬
‫الــيت يس ــميها األص ـوليون ب ــ(قطعية الثب ــوت والدالل ــة) ‪ .‬ول ــذلك‬
‫اعترب منكرها كافراً خارجاً عن امللة‪.‬‬
‫فــال جيــوز اعتقــاد أمــر أو اإلميــان أبصــل مــن أصــول الش ـريعة ‪،‬‬
‫وتكف ـ ــري م ـ ــن مل يعتق ـ ــده أو يـ ـ ــؤمن ب ـ ــه مـ ـ ــا مل يثب ـ ــت يف القـ ـ ــرآن‬
‫ابلنصـو الصـر ة القطعيـة اخلاليـة مـن االحتمـاالت الدالـة علـى‬
‫غري ما يدل عليه ظاهر تلك النصو صراحة وقطعاً ‪.‬‬
‫فهــل األدلــة الــيت نصــبها اإلماميــة علــى إثبــات (اإلمامــة) حــائزة‬
‫على هذه الشروط ؟!‬
‫ولنفــرتأ أن إنســاانً عــاقالً ذكي ـاً مل يعــرف اإلســالم مــن قبــل‪،‬‬
‫أراد أن يتعرف عليه مـن خـالل القـرآن فـاطلع عليـه اطالعـاً عـابراً‬
‫‪ .‬إنـ ـ ــه – وال شـ ـ ــك – سـ ـ ــيعلم أن تل ـ ـ ــك األصـ ـ ــول االعتقاديـ ـ ــة‬
‫والشــرعية – الــيت ذكر ــا آنفـاً – هــي مــن أوليــات وأساســيات مــا‬
‫يـ ــدعو اليـ ــه هـ ــذا الكتـ ــاب لكثـ ــرة ورود األدلـ ــة عليهـ ــا ‪ ،‬وتك ـ ـرار‬
‫القواعد السديدة يف محاية العقيدة‬
‫‪10‬‬

‫النصــو بشــأهنا ‪ ،‬ووضــوحها وســالمتها مــن االحتمــال ‪ ،‬وعــدم‬


‫إمكانية أتويلها بغري ما يدل عليه ظاهرها ‪.‬‬
‫ولكن ‪..‬‬
‫لو رجع ذلك اإلنسان بصره يف القرآن وحاول مراراً وتكراراً ملـا‬
‫استنتج منه شيئاً امسه (اإلمامة) ‪ ،‬أو أن هناك (إماماً) امسه علـي‬
‫أو احلسـن العسـكري جتـب طاعتــه كمـا جتـب طاعـة رســول هللا ‪‬‬
‫‪ ،‬وأن هــؤالء (األئمــة) (معصــومون) البتــة(‪ ،)1‬وملــا خطــر لــه علــى‬
‫ابل ! ألنه ال ذكر له فيه ‪ ،‬وال دليل منه عليه !‬

‫روى الكليني عن أبي عبد هللا (جعفر الصادق) قال ‪( :‬كان أمير المؤممنين()) ممامؤاث ؤ‬ ‫(‪)1‬‬

‫كؤؤان ال (ؤؤن ()) ممامؤؤاث وع ؤؤدد الة] ؤ … ومؤؤن أ ك ؤؤر نل ؤ نؤؤان نم ؤؤن أ ك ؤؤر معر ؤؤ هللا ة ؤؤار‬
‫و عالى ومعر رسوله صلى هللا عل ه وآله وسل ) ‪ -‬أصول الكا ي ‪.181/1‬‬
‫وعن أبي عبد هللا ()) قال‪( :‬ال ي(ؤ النؤاإ مال معر انؤا وال يعؤلر النؤاإ تناالانؤا مؤن عر نؤا‬
‫كان مممناث ومن أ كر ا نان نا اثر ومن ل يعر نا ول ينكر ا نان ضاالث حاى يرج ملى الادى) ‪-‬‬
‫أصول الكا ي ‪. 187/1‬‬
‫ويقول ابن تابويه القمي ‪( :‬اعاقاد ا ي األ ب اء والرسل واألئم والمالئك علؤيا ال(ؤالم ا اؤ‬
‫معصؤؤومون مراؤؤرون مؤؤن نؤؤل د ؤ ي وا ا ؤ ال يؤؤل بون ن ة ؤاث ص ؤ ي اثر وال نبيؤ اثر وال يعصؤؤون هللا مؤؤا‬
‫أمره ويفعلون ما يممرون ‪ .‬ومن فى عنا العصؤم ؤي ءؤيء مؤن أحؤوالا قؤد جالاؤ ي ومؤن‬
‫جالا او نا ر ‪ .‬واعاقاد ا يا ا ا معصومون موصو ون تالكمال والامام والعل مؤن أوائؤل‬
‫أموره وأواخرها وال يوصفون ي ءيء من أحوالا بنقص وال عص ان وال جال) ‪ -‬االعاقؤادا‬
‫‪ - 70‬اب ؤؤن تابوي ؤؤه القم ؤؤي – المرةعؤ ؤ العلم ؤ ؤ – قؤ ؤ ‪1412‬ه ؤ ؤ‬ ‫ؤؤي = = دي ؤؤن اممام ؤ ؤ‬
‫با قيق غالم رضا الماز د ار ي‪.‬‬
‫القواعد السديدة يف محاية العقيدة‬
‫‪11‬‬

‫إمن ــا ه ــذه العقائ ــد وأمثاهل ــا أش ــياء اعتق ــدوها أوالً م ــن خـ ــارج‬
‫الق ــرآن ‪ ...‬مث م ــن بع ــد ذل ــك كلفـ ـوا أنفس ــهم البح ــث في ــه عم ــا‬
‫عســى أن يؤيــدها مــن النصــو أبي وجــه كــان علــى طريقــة ‪(-‬‬
‫يعتقدون مث ‪ ...‬يستدلون ) ‪ .‬وهو أمـر ال يصـعب علـى أحـد ‪،‬‬
‫بــل هــو أســلوب كــل أهــل البــدع والضــالالت والــدايانت الباطلــة‬
‫الــذين يعتقــدون بعقــوهلم وآرائهــم أوالً ‪ ،‬مث يبحثــون يف النصــو‬
‫بعد ذلك ‪.‬‬

‫االستدالل قبل االعتقاد‬


‫أمــا أهــل احلــق فاعتقــادهم اليت بعــد االســتدالل وينبــين عليــه ‪.‬‬
‫فالـ ــدليل عنـ ــدهم هـ ــو األصـ ــل ‪ ،‬واالعتقـ ــاد تبـ ــع ونتيجـ ــة ‪ .‬فهـ ــم‬
‫(يستدلون مث يعتقدون) ‪ ،‬وليسوا (يعتقـدون مث … يسـتدلون) ‪.‬‬
‫يقول تعـاىل‪ ( :‬يا أيها الذين آمنوا لا قداوموا نا ن‬
‫يوي هللا ورسوله) احلجرات ‪. 1/‬‬
‫ـص عليهـا صـر اً‬ ‫فكيف جيعل مثل هذه االعتقـادات الـيت ال ن َّ‬
‫من القرآن أصوالً للدين من جحدها أو جهلها كفر ؟!‬
‫ملـ ــاذا امـ ــت القـ ــرآن ابلنصـ ــو القطعيـ ــة املصـ ــرحة –بـ ــال أد‬
‫احتمال وال غمـوأ‪ -‬ابلتوحيـد والنبـوة واملعـاد ‪ ،‬والصـالة والزكـاة‬
‫وأمثاهلا مع التدليل عليها ؟ وعقائد –كاإلمامـة‪ -‬هلـا هـذا اخلطـر‬
‫القواعد السديدة يف محاية العقيدة‬
‫‪12‬‬

‫وتلك املنزلة ليس عليها أي دليل – يصـح ان يسـمى دلـيالً– يف‬


‫القرآن ؟!!‬

‫شرط الدليل سالمته من االحتمال‬


‫تق ــول القاع ــدة األص ـولية ‪( :‬ال ــدليل اذا تط ــرق الي ــه االحتم ــال‬
‫بطــل بــه االســتدالل) ‪ .‬وهــذا معــىن قولِــه تعــاىل‪( :‬منااه آيااا‬
‫محكما ) أي قاطعات الداللة ال احتمال فيهـا ‪( ،‬وأخا‬
‫متشانها ) أي حتتمل أكثر من وجـه ‪( ،‬فأماا الاذين‬
‫في قلونهم زيغ ف تبعون ما قشانه مناه) آل‬
‫ااان َو إِ َّن‬
‫الَ َّ‬ ‫اااون إِلااا‬ ‫ِ‬
‫َّ‬ ‫عم ـران‪ . 7/‬وقول ــه ‪( :‬إِ ْن يَ َّت ِب ُع َ‬
‫ش ْئا) النجم‪.28/‬‬ ‫الَ َّن ل ُي ْغنِي ِم َن ا ْل َح ِق َ‬ ‫َّ‬
‫ومل جنــد اإلمامي ــة تجــون ألص ــوهلم بــدليل إال واالعرتاض ـات‬
‫تكتنفه مـن كـل جانـب ‪ ،‬بـل غالبـاً مـا يكـون املعـىن الـذي وجهـوا‬
‫إلي ــه ال ــنص بعي ــداً ك ــل البع ــد ع ــن املع ــىن ال ــذي ذهب ـوا إلي ــه ‪ ،‬وال‬
‫ينقــدح يف الــذهن اال بصــعوبة ‪ ،‬او اندراً مــا خيطــر علــى البــال ‪.‬‬
‫وه ــو يف أحس ــن أحوال ــه يك ــون (ظن ــا مرجوحـ ـاً) !! والعقي ــدة ال‬
‫تصــح بــ(الظن الـراجح) فكيــف ابملرجــوح ؟! فكيــف مبــا هــو دونــه‬
‫؟!‬
‫القواعد السديدة يف محاية العقيدة‬
‫‪13‬‬

‫وهــذه الطريقــة تتبعهــا كــل الفــرق والطوائــف الضــالة املخذولــة‬


‫حــىت البهائيــة واإلمساعيليــة ‪ .‬بــل كــل فرقــة انتســبت إىل اإلســالم‬
‫حتتج مبثل هذا ‪ ،‬وال تتجـرأ علـى القـول أبن مـا هـي عليـه جـاءت‬
‫بــه مــن خــارج القــرآن ‪ .‬بــل اليهــود والنصــارى ال يعــدمون أمثــال‬
‫هذه (املتشاهبات) تجون هبا على أهل اإلسالم ! وسيأيت ذكـر‬
‫أمثلة على ذلك إن شاء هللا ‪.‬‬

‫طريقة القرآن‬
‫في إثبات أصول االعتقاد‬

‫اإلخبار واإلثبات‬
‫يتب ــني م ــن خ ــالل اس ــتقراء الق ــرآن أن هللا تب ــارك وتع ــاىل ح ــني‬
‫يع ــرأ ألص ــول العقي ــدة ال يكتف ــي بتقري ــر احلقيق ــة واخل ــرب عنه ــا‬
‫حىت يضيف إىل ذلك إقامة الربهان العقلي على صحتها ‪.‬‬
‫فالنصو يف هذا الباب ليست جمرد أخبار ‪ ،‬وإمنا هي أخبار‬
‫برهن هللا على صحتها ابلدليل ‪.‬‬
‫وهكذا يتبع القران الكرمي يف طرحه ألصول العقيدة أسلوب‬
‫‪ -1‬التقرير واإلخبار أوالً ‪.‬‬
‫القواعد السديدة يف محاية العقيدة‬
‫‪14‬‬

‫‪ -2‬مث التدليل واإلثبات اثنياً ‪.‬‬

‫التكرار‬
‫وب ـني اإلخبــار واإلثبــات تتكــرر اآلايت وتكثــر فتبلــغ املئــات ‪.‬‬
‫وهذه هي احلقيقة الثالثة اليت يالحظها املتتبع‬
‫آلايت االعتقاد ‪.‬‬
‫فــال يكتفــي القــرآن وهــو يتحــدا عــن أصــول االعتقــاد يــة او‬
‫آيتــني ‪ ،‬فضـالً عــن نصــف آيــة مــن هنــا وربعهــا مــن هنــاك –كمــا‬
‫هو احلال يف أدلة الشيعة عن (اإلمامة) وغريها‪ -‬وإمنا هي مئات‬
‫م ــن اآلايت تتض ــافر مجيعه ــا لت ــؤدي وظيف ــة واح ــدة ه ــي تقري ــر‬
‫العقيدة وإثبا ا‪.‬‬

‫الوضوح التام أو القطعي‬


‫واحلقيقــة الرابعــة أن هــذه اآلايت واضــحة متــام الوضــوح قطعيــة‬
‫الداللة على املراد ‪ :‬ال ميكن أتويلها او صرفها عن معناهـا الـذي‬
‫تؤدي إليه ‪ .‬وهذا القطع م ٍّ‬
‫تأت من أمرين ‪:‬‬ ‫ُ‬
‫القواعد السديدة يف محاية العقيدة‬
‫‪15‬‬

‫‪ -1‬وض ــوح اللف ــه وإحكام ــه حبي ــث ال ميك ــن محل ــه عل ــى‬
‫معىن آخر غـري ظـاهر معنـاه املتبـادر إىل الـذهن كقولـه تعـاىل وهـو‬
‫يقرر رسـالة نبينـا حممـد ‪( : ‬محماو رساولا هللا) الفـتح‬
‫‪ 29/‬فهذا اللفه قطعي الداللة على كون حممد ‪ ‬رسول هللا ‪.‬‬
‫‪ -2‬كثرة اآلايت وتضافرها ‪.‬‬
‫هذه أربعة حقائق متالزمة ال تتخلف يف القرآن يف‬
‫بيانه ألصول االعتقاد ومسائله الكربى وهي ‪ :‬اإلخبار واإلثبـات‬
‫والتكرار والوضوح التام ‪.‬‬
‫وهناك حقيقتان أخراين ختصان هذا الباب مها ‪:‬‬
‫ان العقل والرواية ( األحاديث النبويـة او الـرواايت واآلاثر ) ال‬
‫يس ـ ــتقالن نش ـ ــاء أص ـ ـول العقي ـ ــدة م ـ ــا مل ت ـ ــذكر أوالً يف الق ـ ــرآن‬
‫ابلطريقة اليت بيناها آنفاً ‪.‬‬
‫إن دور العقــل او األحاديــث واآلاثر يف ابب األصــول يقتصــر‬
‫عل ــى التعض ــيد والتأكي ــد مل ــا ثب ــت أوالً ابلق ــرآن ‪ .‬مث تفص ــيل م ــا‬
‫أمجل ذكـره فيـه مـن األصـول وبيـان فرعيا ـا ‪ .‬وسـأتناول احلـديث‬
‫عن هاتني احلقيقتني الحقاً إن شاء هللا تعاىل ‪.‬‬
‫القواعد السديدة يف محاية العقيدة‬
‫‪16‬‬

‫األدلة التفصيلية على هذه احلقائق األربع‬


‫أصــول االعتقــاد الــيت يــدور حوهلــا القــرآن الكــرمي ثالثــة هــي ‪:‬‬
‫األلوهية ‪ ..‬والنبوة ‪ ..‬واملعاد ‪.‬‬
‫أو اإلميان بوحدانية هللا تعاىل ونبوة حممد ‪ ‬واليوم اآلخر‪.‬‬
‫‪ -1‬وحدانية هللا‬
‫فم ــن انحي ــة خي ــرب الق ــرآن ويقـ ـرر أن ــه (ال ال ــه اال هللا) كم ــا يف‬
‫اآلايت التالية‪:‬‬
‫(هللا ل اله ال هو الحي الد وم) الةقرة ‪. 255/‬‬
‫(فاعلم انه ل اله ال هللا ) م مد ‪.19/‬‬
‫‪1/‬‬ ‫(قل هو هللا احو) امخال‬
‫(هو هللا الذي ل اله ال هو) ال شر ‪.22/‬‬
‫( وإلهكاام الااه واحااو ل ا الااه ال ا هااو ال ا حمن‬
‫ال ح م) الةقرة ‪.163/‬‬
‫(انما هو اله واحو) مبراه ‪.52/‬‬
‫(وقالا هللا ل قتخذوا اله ن اثن ن إنما هو اله‬
‫واحو) الن ل‪.5/‬‬
‫القواعد السديدة يف محاية العقيدة‬
‫‪17‬‬

‫(وإلهنا وإلهكم واحو) العنكبو ‪. 46/‬‬


‫إىل غريها من اآلايت اليت يصعب إحصاءُها‪.‬‬
‫ومن انحية أخرى يقيم األدلة ليثبت هبا هذه احلقيقة‬
‫اليت اخرب عنها‪ ،‬كما يف اآلايت التالية ‪:‬‬
‫‪ ‬لاااو اااان ف هماااا آلهااا إلااا هللا لفساااوقا‪‬‬
‫األ ب اء‪.22/‬‬
‫‪ ‬قاال لااو ااان معااه آله ا مااا يدولااون إ ن‬
‫ل نتغوا إلى ي الع ش سب ل ‪ ‬اإلسراء‪.42/‬‬
‫‪ ‬ما اقخذ هللا من ولو وما ان معه مان الاه‬
‫إ ن لذهب ل اله نما خلق ولعلا نعهاهم‬
‫على نعض‪ ‬املؤمنون‪.91/‬‬
‫هللا‪ ‬فاطر‪.31/‬‬ ‫‪‬هل من خالق غ‬
‫‪ ‬أم خلدوا من غ ا يا أ أم هام الخاالدون‪‬‬
‫الطور‪.35/‬‬
‫القواعد السديدة يف محاية العقيدة‬
‫‪18‬‬

‫‪‬يا أيها الناس اعبووا رنكم الذي خلدكم –إىل‬


‫قولــه– فل ا قلعلااوا د أنااواتا وانااتم قعلمااون‪‬‬
‫البقرة‪.22-21/‬‬
‫‪ ‬أقااوعون نعلاا وقااذرون احساان الخااالد ن‪‬‬
‫الصافات‪.125/‬‬
‫‪‬ضرب لكم مثل من أنفسكم هل لكم مماا‬
‫ملكت إيمانكم من ير اأ فاي ماا رزقناا م‬
‫فااااانتم ف ااااه سااااواأ قخااااافونهم خ فااااتكم‬
‫أنفسكم ذلك‬
‫لدوم يعدلون ‪ ‬الروم ‪28/‬‬ ‫نفصل الآيا‬
‫‪ ..‬والذين قوعون من تونه ما يملكاون مان‬
‫قطم * ان قاوعوهم لا يسامعوا تعااأ م‬
‫ولاااو سااامعوا ماااا اساااتلانوا لكااام ‪ ‬ؤؤا ر‬
‫‪14/‬ي‪.13‬‬
‫إىل غري ذلك من اآلايت الكثرية جداً ‪.‬‬
‫القواعد السديدة يف محاية العقيدة‬
‫‪19‬‬

‫وأن ـت تــرى أن هــذه اآلايت قطعيــة الداللــة علــى وحدانيــة هللا‬


‫تعــاىل حبيــث ال ميكــن إنكارهــا أو محلهــا علــى معــىن آخــر غــري مــا‬
‫دلت بظواهرها عليه‪.‬‬
‫وهكـ ــذا انطبقـ ــت تلـ ــك املواصـ ــفات القرآنيـ ــة األربـ ــع اخلاص ـ ــة‬
‫أبصــول االعتقــاد علــى هــذا األصــل العظــيم‪ :‬اإلخبــار واإلثبــات‬
‫والتك ـرار والوضــوح‪ .‬والقــرآن كلــه شــاهد علــى هــذه احلقيقــة كمــا‬
‫يشهد على احلقيقة األخـرى أو األصـل اآلخـر ‪ ( :‬نبـوة حممـد ‪‬‬
‫) ابلطريقة نفسها‪:‬‬

‫‪ -2‬نبوة حممد ‪‬‬


‫جاء اإلخبار عن هذه احلقيقة يف آايت كثرية منها‪:‬‬
‫ولا ال َّل ِه‪ ‬الفتح ‪.29/‬‬
‫س ُ‬ ‫م ٌو َر ُ‬
‫‪ُ ‬م َح َّ‬
‫اه‬
‫ان َقبْ ِل ِ‬
‫َات ِم ْ‬
‫او َخل ْ‬
‫اولا َق ْ‬
‫س ٌ‬ ‫او إِلا َر ُ‬
‫م ٌ‬‫ما ُم َح َّ‬‫‪َ ‬و َ‬
‫ل ‪ ‬آل عمران ‪.144/‬‬ ‫س ُ‬
‫ال ُّ ُ‬
‫س ِل َن‪ ‬يس‪.3/‬‬ ‫مْ َ‬ ‫ك ل َِم َن ا ْل ُ‬ ‫‪ ‬إِ َّن َ‬
‫ل‬
‫اارا َ‬ ‫م يَاا ننِاي إِ ْ‬ ‫م ا ْ يَ َ‬
‫سى انْ ُن َ‬ ‫لا ِع َ‬ ‫‪َ ‬و إِ ْ َقا َ‬
‫ي‬‫او َّ‬
‫ما نَ ْ َن يَ َ‬
‫ص ِوقا ِل َ‬
‫م ُم َ‬ ‫س ُ َّ‬
‫ولا الل ِه إِ َل ْ ُك ْ‬ ‫إِنِي َر ُ‬
‫القواعد السديدة يف محاية العقيدة‬
‫‪20‬‬

‫ولا يَأْقِي ِم ْن نَ ْعا ِوي‬ ‫س ٍ‬ ‫شرا ِن َ ُ‬ ‫اة َو ُمبَ ِ‬ ‫ِم َن ال َّت ْو َر ِ‬


‫ه َذا‬‫م ِنا ْلبَ ِ َنا ِ َقا ُلوا َ‬ ‫َ‬
‫ه ْ‬‫اأ ُ‬‫ما َج َ‬ ‫م ُو َف َل َّ‬ ‫م ُه أ ْح َ‬ ‫اس ُ‬ ‫ْ‬
‫س ْح ٌ ُم ِب ٌن‪ ‬الصف‪.6/‬‬ ‫ِ‬
‫ما‬ ‫آم ُنوا ِن َ‬
‫صا ِل َحا ِ َو َ‬ ‫آم ُنوا َو َع ِم ُلوا ال َّ‬ ‫ين َ‬ ‫‪َ ‬وا َّل ِذ َ‬
‫ام َفَّا َ‬
‫ان َر ِن ِه ْ‬
‫ق ِم ْ‬ ‫ه َو ا ْل َحا ُّ‬ ‫م ٍو َو ُ‬ ‫لا َعلَى ُم َح َّ‬ ‫ُن ِز َ‬
‫م ‪ ‬حممد ‪.2/‬‬ ‫َ‬
‫َح نَا َل ُه ْ‬
‫صل َ‬ ‫م َوأ ْ‬ ‫س ِ َئاقِ ِه ْ‬ ‫م َ‬ ‫َع ْن ُه ْ‬
‫وهكذا مئات اآلايت ‪.‬‬
‫مث أتيت آايت أخر لتثبت صحة نبوته ابلرباهني العقليـة كمـا يف‬
‫قوله ‪:‬‬
‫‪ ‬وان نتم في ريب مماا نزلناا علاى عباونا‬
‫فأقوا نسورة من مثله‪ ‬البقرة‪.23/‬‬
‫‪ ‬ولو قدولا عل نا نعض الأقاويل لأخذنا منه‬
‫نااال م ن * ثاام لدطعنااا منااه الااوق ن ‪ ‬احلاقــة‬
‫‪. 46-44/‬‬
‫‪‬ولدو نعلم أنهام يدولاون إنماا يعلماه نشار‬
‫لسااان الااذي يلحااوون إل ااه أعلمااي وهااذا‬
‫لسان ع ني مب ن‪ ‬النحل‪.103/‬‬
‫القواعد السديدة يف محاية العقيدة‬
‫‪21‬‬

‫‪ ‬قل لو شاأ هللا ما قلوقه عل كم ول أترا ام‬


‫نااه فدااو لثباات ف ا كم عم ا ا ماان قبلااه أفل ا‬
‫قعدلون‪ ‬يونس‪.16‬‬
‫‪‬قل ما نت نوعا من ال سل‪ ‬األحقاف‪.9/‬‬
‫‪‬قاال إنمااا أعَمكاام نواحااوة أن قدومااوا د‬
‫مثنى وف اتى ثم قتفك وا ما نصاحبكم مان‬
‫جن ‪ ‬سبأ‪.46/‬‬
‫وعلــى هــذا املن ـوال تت ـواىل اآلايت تثبــت نبــوة حممــد ‪ ‬وتــدافع‬
‫عنه ــا حبي ــث ال ميك ــن ان يتط ــرق الش ــك إىل قل ــب مس ــلم يف أن‬
‫حممداً رسول هللا ‪ ،‬بل وال إىل غري املسلم من العقالء املنصفني ‪.‬‬
‫وهذان مها الشرطان الثالث والرابـع (التكـرار والوضـوح القطعـي)‪.‬‬
‫وهكــذا انطبقــت املواصــفات األربــع علــى أدلــة األصــل الثــاين مــن‬
‫أصول العقيدة ‪ :‬نبوة حممد ‪. ‬‬
‫وكذلك احلال ابلنسبة ل صل الثالث ‪( :‬اإلميان ابليوم اآلخر)‬
‫‪:‬‬
‫القواعد السديدة يف محاية العقيدة‬
‫‪22‬‬

‫‪ -3‬اليوم اآلخر‬
‫جاء اإلخبار عنه يف آايت كثرية جداً منها‪:‬‬
‫‪ ‬مالك يوم الوين ‪ ‬الفاحتة‪3/‬‬
‫‪ ‬ونالآخ ة هم يوقنون ‪ ‬البقرة‪4/‬‬
‫نتم أَمواقا َفأَ‬
‫م‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫اا‬ ‫َ‬ ‫ح‬
‫ْ‬ ‫ون ِنال َّل ِه َو ُ ُ ْ ْ َ‬ ‫ف َقكْ ُف ُ َ‬ ‫‪َ َْ ‬‬
‫اون ‪‬‬
‫اه ُق ْ َج ُع َ‬ ‫ام إِ َل ْ ِ‬
‫م ُث َّ‬
‫ام ُي ْح ِ ا ُك ْ‬
‫م ُث َّ‬
‫م ُي ِم ُات ُك ْ‬
‫ُث َّ‬
‫البقرة‪28/‬‬
‫ون‬‫ااذ ُن َ‬‫ين ُيكَ ِ‬‫ااذ ِن َن * ا َّلاا ِذ َ‬
‫م كَ ِ‬
‫مئِاا ٍذ ِل ْل ُ‬
‫ياال يَ ْو َ‬
‫‪َ ‬و ٌ‬
‫ل ُم ْع َتا ٍو‬‫اه إِلا َّ ُا ُّ‬ ‫ب ِن ِ‬
‫اذ ُ‬
‫ماا ُيكَ ِ‬
‫ين * َو َ‬ ‫الاو ِ‬
‫ِن َ ْو ِم ِ‬
‫أَثِ ٍم ‪ ‬املطففني‪12-10/‬‬
‫م‬ ‫َّ‬
‫اب ال َّناا ِر الا ِذي ُ ْن ُات ْ‬ ‫وقوا َعا َذ َ‬ ‫م ُ ُ‬ ‫ل ل َُه ْ‬ ‫‪َ ‬و ِق َ‬
‫ون ‪ ‬السلوة‪20/‬‬ ‫ِن ِه ُقكَ ِذ ُن َ‬
‫مااا ا َّلاا ِذ َ‬
‫ين َ َفاا ُ وا َو َاا َّذ ُنوا ِنايَاقِ َنااا َو ِل َدااا ِأ‬ ‫‪َ ‬وأَ َّ‬
‫ون ‪‬‬ ‫الااآْ ِخ ِة َف ُ‬
‫اار َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ح‬‫ْ‬ ‫م‬
‫ُ‬ ‫ب‬
‫ِ‬ ‫ا‬ ‫ذ‬
‫َ‬ ‫اا‬ ‫ع‬
‫َ‬ ‫ل‬
‫ْ‬ ‫ا‬ ‫ااي‬ ‫ف‬
‫ِ‬ ‫ااك‬
‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ئ‬ ‫ل‬
‫َ‬ ‫و‬
‫ْ‬ ‫أ‬ ‫َ‬
‫الروم‪16/‬‬
‫وجاء إثباته ابألدلة العقلية يف آايت كثرية كذلك منها‪:‬‬
‫القواعد السديدة يف محاية العقيدة‬
‫‪23‬‬

‫ل‬ ‫م * ُقا ْ‬ ‫اي َر ِما ٌ‬ ‫ام َو ِه َ‬ ‫م ْن ُي ْحي ِ ا ْل ِع ََ َ‬ ‫لا َ‬‫‪َ ‬قا َ‬


‫ه َو ِن ُك ِل َخ ْل ٍق‬ ‫م َّ ٍة َو ُ‬ ‫ها أَ َّو َ‬
‫لا َ‬ ‫نشأَ َ‬
‫ُي ْح ِ َها ا َّل ِذي أَ َ‬
‫ش َل ِ الأْ ْخ َ ِر‬ ‫م ِم ْن ال َّ‬ ‫ل َل ُك ْ‬ ‫م * ا َّل ِذي َج َع َ‬ ‫َع ِل ٌ‬
‫ا ا َّلا ِذي‬ ‫َ‬ ‫َنارا َفإِ َا أَ‬
‫ون * أ َولَا ْ َ‬ ‫او َ‬ ‫اه ُقو ِق ُ‬‫م ِم ْن ُ‬‫ْ‬ ‫ت‬
‫ُ‬ ‫ن‬
‫ْ‬
‫َ‬
‫َ ِن َدااا ِت ٍر َعلَااى أ ْن‬ ‫اوا ِ َوالااأْ ْر َ‬ ‫اام َ‬
‫س َ‬ ‫َااق ال َّ‬‫َخل َ‬
‫ما‬ ‫م * إِ َّن َ‬ ‫ق ا ْل َع ِل ُ‬‫ه َو ا ْل َخل َّ ُ‬ ‫م نَلَى َو ُ‬ ‫ق ِم ْثل َُه ْ‬ ‫يَ ْخ ُل َ‬
‫اون ‪‬‬ ‫لا َل ُه ُ ْن َف َ ُك ُ‬ ‫ش ْئا أَ ْن يَ ُدو َ‬ ‫ات َ‬ ‫م ُ ُه إِ َا أَ َر َ‬ ‫َ‬
‫أ ْ‬
‫يس‪82-78/‬‬
‫َام‬ ‫َ‬ ‫‪ ‬ل َ ُأ ْق ِ‬
‫اما ِ ‪ ‬إىل قولـه تعـاىل‪  :‬أل ْ‬ ‫م ِن َ ْو ِم ا ْل ِد َ َ‬ ‫س ُ‬
‫اان َع َل َدا‬ ‫ام َ َ‬ ‫م َنى * ُث َّ‬ ‫منِي ٍ ُي ْ‬ ‫ك ُن ْط َف ِم ْن َ‬ ‫يَ ُ‬
‫اه الا َّز ْو َج ْ ِن الا َّذ َ َ‬ ‫ل ِم ْن ُ‬ ‫س َّوى * َف َل َع َ‬ ‫َق َف َ‬ ‫َف َخل َ‬
‫ي‬ ‫ِ‬ ‫ح‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫ك ِن َدا ِت ٍر َع َلى أَ‬ ‫َ‬ ‫ل‬
‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ا‬ ‫ل‬
‫َ‬ ‫والأْ ُُن َثى* أَ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫م ْو َقى ‪/‬القيامة‬ ‫ا ْل َ‬
‫اان‬ ‫ب ِم ْ‬ ‫م ِفااي َر يْاا ٍ‬ ‫اات ْ‬
‫اااس إِ ْن ُ ْن ُ‬ ‫ُ‬ ‫‪ ‬يَااا أَيُّ َهااا ال َّن‬
‫م ِم ْن ُن ْط َف ٍ‬ ‫ب ُث َّ‬ ‫م ِم ْن ُق َا ٍ‬ ‫ث َفإِ َّنا َخ َل ْد َنا ُ ْ‬ ‫ا ْلبَ ْع ِ‬
‫اغ ٍ ُم َخ َّل َدا ٍ َو َغ ْا ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ان ُم ْ‬ ‫ام ِم ْ‬ ‫م ِم ْن َع َل َدا ٍ ُث َّ‬ ‫ُث َّ‬
‫اك ِناأَ َّن‬ ‫م‪ ‬إىل قولـه تعـاىل‪ِ َ  :‬ل َ‬ ‫ُم َخل َد ٍ ِل ُنبَ ِ َن َل ُك ْ‬
‫َّ‬
‫اه َعلَاى‬ ‫م ْو َقى َوأَ َّن ُ‬ ‫ق َوأ َّن ُه ُي ْحي ِ ا ْل َ‬
‫هو ا ْلح ُّ َ‬
‫ال َّل َه ُ َ َ‬
‫اب‬ ‫ااع َ آقِ َ ا ٌ ل ا َ َر يْا َ‬ ‫سا َ‬ ‫ال يَ ا ْ ٍأ َق ا ِوي ٌ َوأَ َّن ال َّ‬ ‫ُا ِ‬
‫ان‬ ‫م ْن ِفي ا ْل ُد ُباو ِر * َو ِم ْ‬ ‫ث َ‬ ‫ِف َها َوأَ َّن ال َّل َه يَبْ َع ُ‬
‫القواعد السديدة يف محاية العقيدة‬
‫‪24‬‬

‫ام َولا َ‬ ‫ِفاي ال َّل ِ‬


‫اه ِن َغ ْا ِ ِع ْل ٍ‬ ‫لا‬
‫ان ُي َلاا ِت ُ‬
‫م ْ‬‫اس َ‬‫ال َّن ِ‬
‫ٍ ‪ ‬احلج‪.8-5/‬‬ ‫ب ُمنِ‬ ‫هوى َول َ ِ َتا ٍ‬ ‫ُ‬
‫وهك ــذا عش ـ ـرات ومئ ــات اآلايت الص ــر ة الواض ــحة فتحقـ ــق‬
‫الشرطان اآلخران ‪ :‬التكرار والقطع بوقوع يوم القيامة ‪.‬‬
‫طريقة القرآن‬
‫في إثبات أصول الشريعة‬

‫فاذا آمن املـرء ابهلل وبرسـوله وابليـوم اآلخـر فعليـه بعـد ذلـك أن‬
‫يعمل مبقتضى هذا اإلميان ‪.‬‬
‫وهنا اليت دور الشريعة ‪.‬‬
‫فالــدين عقيــدة وشـريعة ‪ :‬العقيــدة هــي األصــل ‪ ،‬والشـريعة فــرع‬
‫عنها‪ .‬تلك األساس ‪ ،‬وهذه البناء ‪.‬‬
‫ويتب ــني م ــن خ ــالل اس ــتقراء الق ــرآن أن أص ــول الشـ ـريعة تثب ــت‬
‫أبمرين مها ‪:‬‬
‫‪ -1‬اإلخبار‬
‫‪ -2‬والقطع‬
‫القواعد السديدة يف محاية العقيدة‬
‫‪25‬‬

‫أي اخلــرب القــرآين القطعــي الداللــة ‪ .‬وال حاجــة هنــا إىل الــدليل‬
‫العقلي للربهنة على صحتها ‪ ،‬ألهنا إمنا خياطب هبا املسلم املؤمن‬
‫بصــحة مــا نــزل مــن القــرآن ‪ ،‬فهــو ال تــاج للعمــل هبــا إىل غــري‬
‫علمه أبهنا مما أنزل‪ ،‬وأن هللا كلفه هبا ‪ .‬فال تاج املسلم اىل أدلة‬
‫إثباتيــة علــى أن الصــالة مــن الــدين أو الزكــاة أو الصــيام ؛ ولــذلك‬
‫ال خياطــب الكــافر هبــا ‪ .‬إمنــا تــاج إىل دليــل قطعــي علــى أن هللا‬
‫خاطبه أو كلفه هبا ‪.‬‬
‫والشريعة أصول وفروع هلذه األصول ‪.‬‬
‫فأص ــول الشـ ـريعة ‪ -‬كالص ــالة والزك ــاة وب ــر الوال ــدين ‪ -‬ال ب ــد‬
‫إلثبا ــا م ــن ال ــدليل اخل ــربي القطع ــي ‪ .‬أم ــا تفاص ــيلها وفروعه ــا‬
‫فيكفي فيها الدليل الظين الراجح‪.‬‬
‫والــدليل القطعــي إمنــا هــو قطعــي لوضــوحه وعــدم احتمالــه لغــري‬
‫ظاهر معناه ‪.‬‬
‫وال أبس من التأكيد علـى أنـه ال بـد أن يكـون الـدليل قرآنيـاً ‪،‬‬
‫فــال تســتقل الــرواايت وال اآلراء الــيت يســموهنا (عقليــات) جيــاد‬
‫شيء جديد يف األصول دون ان يثبت ذلك ابلقرآن أوالً ‪.‬‬
‫وهذا الشرط يشمل أصول العقيدة والشريعة‪.‬‬
‫القواعد السديدة يف محاية العقيدة‬
‫‪26‬‬

‫خالصة القانون‬
‫فتكون ألصول العقيدة مخسة شروط هي ‪:‬‬
‫‪ -1‬النص القرآين‬
‫‪ -2‬القطعي الداللة‬
‫‪ -3‬الكثري التكرار‬
‫‪ -4‬إخباراً‬
‫‪ -5‬وإثبااتً‬
‫وألصول الشريعة ثالثة شروط هي ‪:‬‬
‫‪ -1‬النص القرآين‬
‫‪ -2‬القطعي الداللة‬
‫‪ -3‬إخباراً فقط‬
‫هذا هو القانون أو املنهج القرآين يف إثبات األصول ‪.‬‬
‫و(اإلمامـ ــة) – عنـ ــد اإلماميـ ــة – مـ ــن املسـ ــائل الـ ــيت ال يصـ ــح‬
‫اإلميــان إال هبــا حبيــث يعــد منكرهــا عنــدهم مــن الكــافرين ! فهــي‬
‫إذن مــن املســائل االعتقاديــة األص ـولية أو األساســية طبق ـاً ملــنهج‬
‫القواعد السديدة يف محاية العقيدة‬
‫‪27‬‬

‫القرآن ‪ .‬فـال بـد أن تثبـت عنـد مـن يـراد لـه أن يـؤمن هبـا – علـى‬
‫أقل تقدير – ابلنص القرآين القطعي الداللة ‪.‬‬
‫فهل لذلك النص يف القرآن من وجود ؟!‬
‫كل الذي تجون به آايت متشاهبة ظنية الداللة‪،‬‬
‫كهذه اآلايت ‪:‬‬
‫لا‬
‫م ُه َّن َقا َ‬ ‫ما ٍ َفأَ َق َّ‬ ‫م َرنُّ ُه ِنكَ ِل َ‬ ‫اه َ‬ ‫( َو إِ ِ انْ َتلَى إِنْ َ ِ‬
‫ان ُ ِر يَّتِاي‬ ‫لا َو ِم ْ‬‫ماما َقاا َ‬ ‫اس إِ َ‬ ‫ك ِلل َّن ِ‬ ‫اع ُل َ‬ ‫إِنِي َج ِ‬
‫الَا ِل ِم َن) (البقرة‪. )124:‬‬ ‫الا َع ْه ِوي َّ‬ ‫لا ل يَ َن ُ‬ ‫َقا َ‬
‫ين‬‫آم ُنوا ا َّل ِذ َ‬
‫ين َ‬ ‫سو ُل ُه َوا َّل ِذ َ‬ ‫م ال َّل ُه َو َر ُ‬ ‫ما َو ِل ُّ ُك ُ‬
‫(إِ َّن َ‬
‫ون‬
‫م َرا ِ ُع َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ون ال َّز َا َة َو ُ‬ ‫صل َة َو ُي ْؤ ُق َ‬ ‫ون ال َّ‬ ‫م َ‬ ‫ُي ِد ُ‬
‫) (املائدة‪. )55:‬‬
‫ام ا ْل ِخ ْن ِز يا ِ‬ ‫َح ُ‬ ‫م ْ َت ُ َوالا َّو ُم َول ْ‬ ‫م ا ْل َ‬ ‫ت َع َل ْ ُك ُ‬ ‫م ْ‬ ‫(ح ِ َ‬
‫م ْو ُقو َ ُة‬ ‫م ْن َخنِ َد ُ َوا ْل َ‬‫ل ِل َغ ْ ِ ال َّل ِه ِن ِه َوا ْل ُ‬ ‫ما ُأ ِه َّ‬ ‫َو َ‬
‫ماا‬ ‫س ُاب ُُ إِ َّلا َ‬ ‫ل ال َّ‬ ‫ما أ َ َ َ‬ ‫ط َح ُ َو َ‬ ‫م َت َ ِتيَ ُ َوال َّن ِ‬ ‫َوا ْل ُ‬
‫ب َوأَ ْن‬ ‫صااااا ِ‬ ‫ااااح َع َلاااااى ال ُّن ُ‬ ‫ماااااا ُ ِنا َ‬ ‫م َو َ‬ ‫َ َّ ْا ُ‬
‫اااات ْ‬
‫ا‬ ‫م يَئِ َ‬ ‫َ‬
‫ق ا ْل َ ْو َ‬ ‫س ٌ‬‫م ِف ْ‬ ‫موا ِنا ْلأ ْزل ِم َ ِل ُك ْ‬ ‫س ُ‬ ‫س َت ْد ِ‬ ‫َق ْ‬
‫م‬‫ه ْ‬ ‫ااو ُ‬
‫شا ْ‬ ‫م َفلااا َق ْخ َ‬ ‫اان ِتيااانِ ُك ْ‬ ‫ين َ َفااا ُ وا ِما ْ‬ ‫ا َّلااا ِذ َ‬
‫ت‬ ‫م ُ‬ ‫م‬ ‫ق‬ ‫ت َل ُكم ِتي َن ُكم وأَ‬ ‫ل‬ ‫م‬ ‫شو ِن ا ْل وم أَ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َْ َ‬ ‫اخ َ ْ‬ ‫َو ْ‬
‫القواعد السديدة يف محاية العقيدة‬
‫‪28‬‬

‫م ِتيناا‬ ‫ام الاسال َ‬ ‫ت َل ُك ُ‬‫ِا ُ‬ ‫متِاي َو َر ِ‬ ‫م نِ ْع َ‬


‫َع َل ْ ُك ْ‬
‫ف‬‫ص ا ٍ َغ ْ ا َ ُم َت َلااانِ ٍ‬‫م َ‬ ‫م ْخ َ‬
‫اط َّ ِفااي َ‬ ‫اِا ُ‬
‫ان ْ‬ ‫ما ِ‬ ‫َف َ‬
‫م ) (املائدة‪.)3:‬‬ ‫َّ‬
‫ور َر ِح ٌ‬‫لا ْث ٍم َفإِ َّن الل َه َغ ُف ٌ‬ ‫ِ‬
‫اه ِل َّ ِ‬
‫( َو َق ْ َن ِفي ُن ُوقِ ُك َّن َول َقبَ َّ ْج َن َقبَ ُّ َج ا ْل َل ِ‬
‫ان‬‫ط ْع َ‬ ‫صل َة َوآقِ َن ال َّز َا َة َوأَ ِ‬ ‫م َن ال َّ‬ ‫َ‬
‫ا ْلأُولَى َوأ ِق ْ‬
‫م‬
‫ب َع ْان ُك ُ‬ ‫اه ِل ُا ْذ ِه َ‬ ‫ياو ال َّل ُ‬
‫ماا ُي ِ ُ‬ ‫سول َُه إِ َّن َ‬ ‫ال َّل َه َو َر ُ‬
‫ا‬‫ال ِ ْج َ‬
‫م َق ْط ِه ا) (األحزاب‪.)33:‬‬ ‫ُ‬ ‫ه‬
‫ِ‬ ‫ط‬‫َ‬ ‫ي‬ ‫و‬ ‫ت‬‫ِ‬ ‫ب‬ ‫ل‬
‫ْ‬ ‫ا‬ ‫ل‬
‫َ‬ ‫ه‬
‫ْ‬ ‫أَ‬
‫َ ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫وهذا أقوى ما استدلوا بـه مـن آي الـذكر احلكـيم ‪ ،‬وقـد كتبـت‬
‫اآلايت بتمامهــا لعــل عــاقالً يتأكــد بنفســه أنــه ال عالقــة بــني مــا‬
‫ذهب ـوا إليــه مــن معــىن لقي ــة واملعــىن احلقيقــي الــذي ترمــي إلي ــه ‪،‬‬
‫والــذي يتبــني أكثــر عنــدما تقـرأ اآليــة كاملــة ‪ ،‬ال مقطعــة كمــا هــو‬
‫عادة الشيعة عند احتجاجهم ايت الكتاب ‪.‬‬
‫مــا عالقــة هــذه اآلايت بــ(اإلمامة) الــيت يتحــدا عنهــا الشــيعة‬
‫أوالً ؟‬
‫مث ما عالقتها بـ(إمامة) علي ‪ ‬اثنياً ؟‬
‫ومـا عالقتهـا بــ(األئمة) اآلخررين الـذين يلتـزم الشـيعة ويلزمــون‬
‫غــريهم ابإلميــان هبــم اثلثراً ؟ بشــرط أن تكــون هــذه العالقــة قطعيــة‬
‫القواعد السديدة يف محاية العقيدة‬
‫‪29‬‬

‫ال احتمــال فيهــا ألن الــدليل األصــويل إذا تطــرق إليــه االحتمــال‬
‫ان‬
‫اه ِم ْ‬ ‫ام ِن ِ‬
‫ما ل َُه ْ‬
‫بطل به االستدالل كما قـال تعـاىل‪َ ( :‬و َ‬
‫اان لااا‬
‫الَا َّ‬
‫اان َو إِ َّن َّ‬
‫الَا َّ‬
‫َّ‬ ‫ااون إِ َّلااا‬
‫اام إِ ْن يَ َّت ِب ُعا َ‬
‫ِع ْلا ٍ‬
‫ش ْئا) (النجم‪. )28:‬‬ ‫ُي ْغنِي ِم َن ا ْل َح ِق َ‬
‫إن داللة هـذه اآلايت وسـواها ممـا احتجـوا بـه ليسـت قطعيـة‪ ،‬بـل‬
‫وال تدخل يف ابب الظن الراجح الذي يقبل يف فـروع الشـريعة أو‬
‫وهم ‪ ،‬أحسن أحواله ان يكون ظنا مرجوحاً ‪:‬‬ ‫الفقه !! وإمنا هي ٌ‬
‫فاآليررة األوى تتحــدا عــن إمامــة ســيدان إب ـراهيم ‪ ‬وال ذكــر‬
‫فيها لعلـي وال غـريه قـط ‪ .‬وال دليـل فيهـا صـر اً علـى أن اإلمامـة‬
‫املــذكورة فيهــا هــي اإلمامــة الــيت اصــطلح عليهــا الشــيعة ‪ ،‬إمنــا هــي‬
‫اإلمامــة مبعــىن القــدوة ‪ .‬غايــة مــا ميكــن قولــه جــدالً أن مــا يدعونــه‬
‫أمر ظين ! والظن ال تثبت به العقائد الكربى ‪.‬‬
‫واآليرة الثانيررة تتحــدا عــن امليتــة والـدم وحلــم اخلنزيــر ‪ .‬فمــا‬
‫الــذي حشــر (إمامــة) علــي ‪ -‬كرمــه هللا ‪ -‬بــني هــذه األمــور وال‬
‫رابط جيمع بينهما ؟! مث إنه ال ذكر هلذا املوضوع يف اآلية البتة ‪.‬‬
‫أمــا اآليــة الثالثــة ‪ -‬فباإلضــافة إىل أنــه ال ذكــر فيهــا لعلــي وال‬
‫غ ـ ــريه وال ل ـ ـ ــ(اإلمامة) وال ل ـ ـ ــ(العصمة) وه ـ ــذا يكف ـ ــي يف إبط ـ ــال‬
‫القواعد السديدة يف محاية العقيدة‬
‫‪30‬‬

‫االحتجـ ــاج هبـ ــا علـ ــى ذلـ ــك ‪ -‬جنـ ــدها يف سـ ــياق يتحـ ــدا عـ ــن‬
‫أمهات املؤمنني ‪ .‬بل إن أول اآلية خطاب صريح موجه إليهن ‪.‬‬
‫فمــا األمــر الــذي ملنــا جزمـاً علــى أن ــرجهن مــن حكــم اآليــة‬
‫ونقصرها على علي وبعض أهـل بيتـه فقـط ؟! وحـني نتبـني األمـر‬
‫ال جن ــد دل ــيالً م ــن اآلي ــة عل ــى ه ــذا س ــوى ال ــتحكم ب ــال ح ــاكم‬
‫داع ! وأعلى ما ميكن قبوله هنـا أن يقـال‪ :‬إن ذلـك‬ ‫واالدعاء بال ٍّ‬
‫ش ْئا) ‪.‬‬ ‫الَ َّن ل ُي ْغنِي ِم َن ا ْل َح ِق َ‬ ‫ظن ‪َ ( ،‬و إِ َّن َّ‬
‫فلــم تنطبــق علــى هــذا (األصــل) شــروط إثبــات أصــول الشـريعة‬
‫اليت هي فروع ابلنسبة ألصل العقيدة‪ .‬بل وال فـروع الشـريعة ‪ :‬اذ‬
‫أن هن ـ ــاك أم ـ ــوراً فرعي ـ ــة يف الـ ـ ـدين ك ـ ــاحليض واجلم ـ ــاع والنك ـ ــاح‬
‫والطــالق والبيــع والشـراء … اخل تناوهلــا القــرآن ايت واضــحة ‪:‬‬
‫إمـا قطعيــة الداللــة ‪ ،‬وإمــا تفيــد املســلم ظنــا راجحـاً يكفــي للعمــل‬
‫أبمثاهلا من الفرعيات !!‬
‫فكيــف يؤســس مثــل هــذا االمــر العظــيم الــذي يكفــر جاحــده‬
‫على نصو داللتها يف أحسن أحواهلا ظنية مرجوحة ؟!‬
‫إن الظـ ــن املرجـ ــوح ال جيـ ــوز العمـ ــل بـ ــه يف الفرعيـ ــات الفقهيـ ــة‬
‫فكيف يدخل يف ابب األصول االعتقادية ؟!!‬
‫القواعد السديدة يف محاية العقيدة‬
‫‪31‬‬

‫ام ـ ــا اذا أردان ان نطب ـ ــق املواص ـ ــفات أو الش ـ ــروط ال ـ ــيت خت ـ ــص‬
‫أص ــول االعتق ــاد واملس ــتفادة م ــن اس ــتقراء الق ــرآن وه ــي ‪ :‬ال ــنص‬
‫القرآين القطعي الذي يكثر ويتنوع وهو يتناول املوضوع بطريقتني‬
‫‪ :‬اإلخبـ ــار مث اإلثبـ ــات العقلـ ــي ‪ ،‬فسـ ــيظهر جزم ـ ـاً ان خـ ــري ابب‬
‫يدخل حتته هذا االمر هو ابب اخلرافات ‪.‬‬
‫فأين األدلة املتكررة؟!‬
‫وأين األخبار القطعية ؟!‬
‫وأين أدلة اإلثبات ؟‬
‫إن كان النص خربا فأين إثباته ؟!‬
‫وإن كان إثبااتً فأين اخلرب الذي جاء يثبته ؟!‬

‫العقل‬
‫وأصول الدين‬

‫حقيقة ( العقل ) املقصود‬


‫القواعد السديدة يف محاية العقيدة‬
‫‪32‬‬

‫ل ــو ك ــان ( العق ــل ) ال ــذي ينس ــبون إلي ــه م ــا يس ــمونه ابحلج ــج‬
‫العقليــة شــيئاً لــه كيــان مســتقل اذا طرحــت عليــه املســائل أجــاب‬
‫جبـواب واحــد عـن كــل مســألة ‪ ،‬وهـذا اجلـواب معصـوم مــن اخلطــأ‬
‫ألمكن ان يكون مرجعاً عند النزاع يف أصـول االعتقـاد‪ ،‬كمـا هـو‬
‫حال القرآن يف أجوبته عنها ‪ :‬اذ هو كتاب مستقل معروفة آايته‬
‫ال يقبل الزايدة وال النقصـان ‪ ،‬اتفـق املسـلمون مجيعـاً علـى قطعيـة‬
‫ثبوتيته ‪ ،‬وميكن الرجوع اليه بسهولة ويسر لنجد اجلواب القطعي‬
‫يف مجيــع أصــول الــدين ومســائله العظيمــة ‪ .‬ولــيس األمــر كــذلك‬
‫ابلنسبة لـ(العقل) ‪.‬‬
‫ف ــ(العقل) املقصــود حقيقتــه العمليــة مــا يعقلــه كــل عاقــل ‪ ،‬أي‬
‫رأيـه ومـا يصـدقه ويستسـيغه هـو بعقلـه‪ .‬ومبـا ان كـل إنسـان ميكـن‬
‫ان يعقل او يرى مـا ال يعقلـه أو يـراه اآلخـر فـال بـد مـن ان تعـدد‬
‫اآلراء وتتضــارب (احلجــج العقليــة) اال فيمــا اتفقــت عليــه عقــول‬
‫البشــر كالبــديهيات ‪ ،‬أو األمــور العلميــة البحتــة كالرايضــيات‪ ،‬او‬
‫مــا يــدخل حتــت التجربــة واملشــاهدة‪ ،‬وهــذه امــور حمســة وملموســة‬
‫ميكن الربهنة عليها ابلوسائل املعروفة‪ ،‬وقد اتفق العامل عليها‪.‬‬
‫وعل ــى ه ــذا ف ــإن م ــا تس ــمعه م ــن ق ــوهلم ‪ :‬العق ــل ك ــم بك ــذا‬
‫ويقضــي بكــذا فهــو تــدليس ولعــب ابأللفــا ! ألن العقــل املطلــق‬
‫القواعد السديدة يف محاية العقيدة‬
‫‪33‬‬

‫هنا ليس هو عقالً واحداً ال خيطـئ يرجـع اليـه كـل العقـالء‪ ،‬وإمنـا‬
‫هــو عقــل املــتكلم نفســه ‪ ،‬أي مــا يـراه هــو بعقلــه ! فهــو رأي مــن‬
‫اآلراء ال أكثر ‪ .‬وقد خيتلف فيه مع غـريه مـن العقـالء فـريى غـريه‬
‫بعقله و كم بغري ما يراه هو و كم به‪ ،‬وهكذا‪! ..‬‬

‫اختالف العقالء فيما يعقلون‬


‫وهكذا تتباين العقـول فيمـا بينهـا وختتلـف يف كثـري مـن املسـائل‬
‫العقلية ‪ :‬فهذا يثبـت عقلـه ويوجـب مـا ينفيـه اآلخـر ويقـول عقلـه‬
‫ابســتحالته ! علم ـاً أن الواجــب واملســتحيل ضــدان ال جيتمعــان ‪.‬‬
‫فماذا نفعل وكالمها تج‬
‫ابلعقل والدليل العقلي ؟!‬
‫وهكذا اختلف الفالسفة واملتكلمـون فيمـا بيـنهم ‪ .‬بـل وهكـذا‬
‫احنرفــت الــدايانت ‪ :‬فمــا فســدت اليهوديــة والنص ـرانية اال عنــدما‬
‫ال ـ ــوحي لعق ـ ــول علم ـ ــائهم وأق ـ ـواهلم ‪ ،‬ف ـ ــاخرتعوا‬ ‫ترك ـ ــت نص ـ ــو‬
‫األقاويل مث دعموها ابلرواايت امللفقة يف معزل عن الوحي ‪.‬‬
‫أتمــل هــذا الــدليل العقلــي الــذي يقدمــه أحــد القسســة اإلجنليــز‬
‫عن الثالوا يقول ‪:‬‬
‫القواعد السديدة يف محاية العقيدة‬
‫‪34‬‬

‫امل ــادة هل ــا ث ــالا ح ــاالت ‪ :‬ص ــلبة وس ــائلة وغازي ــة‪ ،‬واهلـ ـواء ‪:‬‬
‫أوكس ــجني ونرتوج ــني وهي ــدروجني ‪ ،‬وامل ــاء س ــائل وغ ــاز وثل ــج ‪،‬‬
‫والش ـ ــمس ‪ :‬دفء ون ـ ــور وح ـ ـ ـرارة ‪ ،‬وال ـ ــزمن ‪ :‬ماض ـ ــي وحاض ـ ــر‬
‫ومستقبل‪ ،‬واإلنسان روح وعقل وجسم ‪ ،‬والعائلة أب وأم وأوالد‬
‫‪ .‬وهكذا احلال ابلنسبة إىل هللا ‪ :‬األب واالبن وروح القدس ‪.‬‬
‫لقد كان القس يقدم هذه (األدلة العقلية) يف مناظرة مـع احـد‬
‫علماء املسلمني أمام حشد كبري من الناس‪ .‬فال بد‬
‫– واحلالة هذه ‪ -‬أنه كـان مقتنعـاً عقليـاً مبثـل هـذا الـدليل العقلـي‬
‫املتهافت(‪.)2‬‬
‫ومــن لــه أد اطــالع علــى كتــب الفالســفة واملتكلمــني الــذين‬
‫ارادوا ان خيضعوا العقيدة آلرائهم وعقوهلم يـدرك معـىن مـا اقـول ‪،‬‬
‫ويصيبه الذهول هلذا االختالف والتضارب ابحلجج اليت يسموهنا‬
‫(عقليـة) دون طائـل اذ ان كــل حجـة ميكـن نقضــها مبثلهـا ‪ ،‬حــىت‬
‫ان بعضــهم ألَّــف يف بيــان (تكــافؤ األدلــة العقليــة) وأهنــا ال ميكــن‬
‫ان تؤدي اىل يقني إلمكان نقضها مبثلها ‪.‬‬

‫هو (ءروش) ي والعال الم(ل هو (أحمد ديؤدا )‪ .‬والمنؤاررة م(ؤنل ؤي ءؤري‬ ‫(‪ )2‬الق‬
‫ديو ‪.‬‬
‫القواعد السديدة يف محاية العقيدة‬
‫‪35‬‬

‫وحىت إن واحداً منهم وهو ابـن واصـل احلمـوي الـذي كـان مـن‬
‫أبــرعهم ‪ -‬كمــا يقــول اخلبــري احلــاذق شــين اإلســالم ابــن تيميــة ‪-‬‬
‫يف الفلسفة والكالم قال وهو يصور هذا املعىن ‪ ( :‬استلقى علـى‬
‫قفـ ــاي وأضـ ــع امللحفـ ــة علـ ــى نصـ ــف وجهـ ــي مث اذكـ ــر املقـ ــاالت‬
‫وحجج هؤالء وهؤالء واعـرتاأ هـؤالء وهـؤالء حـىت يطلـع الفجـر‬
‫ومل يرتجح عندي شيء ) ‪.‬‬
‫وقد انشد بعضهم يف هذا قائالً ‪:‬‬
‫مكسور‬
‫ُ‬ ‫كاسر‬
‫كالزجاج َختا ُهلا حقاً وكلٌّ ٌ‬
‫ِ‬ ‫افت‬
‫حجج َ ُ‬
‫ٌ‬

‫ال يصح استقالل العقل في أصول االعتقاد‬

‫ومل ـ ــا كان ـ ــت احلج ـ ــج (العقلي ـ ــة) عل ـ ــى مث ـ ــل ه ـ ــذا احل ـ ــال م ـ ــن‬
‫االخــتالف‪ -‬وواقــع الفالســفة واملتكلمــني أوضــح شــاهد ‪ -‬فــاهلل‬
‫جــل وعــال أرحــم بعبــاده مــن ان يكــل ديــنهم اىل عقــوهلم ا ــردة ‪.‬‬
‫ودين هللا أعظم من ان يكون ألعوبة لقراء اليت يسموهنا ظلما بـ(‬
‫العقل ) ‪.‬‬
‫القواعد السديدة يف محاية العقيدة‬
‫‪36‬‬

‫وملا كـان هللا قـد أقـام احلجـة علـى خلقـه علـى أو وج ٍّـه وأكمـل‬
‫صــورة ‪ ،‬فــال بــد ان تكــون هــذه احلجــة أم ـراً آخــر غــري ( احلجــج‬
‫العقلية ) ألهنا مضطربة خمتلفة ‪.‬‬
‫فأين هي احلجة إذن؟!‬

‫القرآن هو الحجـة‬
‫يقــول تعــاىل ‪  :‬رساال مبشاارين ومنااذرين لئلاا‬
‫يكااون للناااس علااى هللا حل ا نعااو ال ساال‬
‫و ان هللا عزيزا حك ما * لكن هللا يشهو نما‬
‫انزلا إل ك أنزله نعلماه والمل كا يشاهوون‬
‫و فااى ناااد شااه وا‪( ‬النســاء‪ . )166،165/‬فلــيس‬
‫مع حجة هللا وال بعدها ألحد حجة ‪ ،‬وشهادة هللا تكفـي فلـيس‬
‫بعدها وال قبلها شهادة ‪.‬‬
‫القواعد السديدة يف محاية العقيدة‬
‫‪37‬‬

‫وإذا مل تكــن حجــة هللا وشــهادته يف أصــول الــدين والعقيــدة ‪،‬‬


‫ففي أي شيء تكون ؟!!‬
‫ام أَ َّنااا أَ ْن َز ْل َنااا َع َل ْا َ‬
‫اك‬ ‫ْ‬ ‫ا‬ ‫ه‬ ‫ِ‬ ‫ف‬‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫ام‬
‫ْ‬ ‫ا‬ ‫ل‬
‫َ‬ ‫و‬
‫َ‬
‫يقــول تعــاىل ‪  :‬أَ‬
‫ما‬
‫اك َل َ ْح َ‬ ‫م إِ َّن ِفااي َ ِلا َ‬ ‫ااب ُي ْت َلااى َع َل ا ْ ِه ْ‬ ‫ا ْل ِك َتا َ‬
‫ل َ َفااى ِنال َّلا ِ‬
‫اه‬ ‫اون * ُق ا ْ‬ ‫او ٍم ُي ْؤ ِم ُنا َ‬ ‫َو ِ ْ ا َى ِل َدا ْ‬
‫مااااا فااااي‬ ‫َاااام َ‬
‫ااااه وا يَ ْعل ُ‬ ‫ش ِ‬ ‫م َ‬ ‫نَ ْنِااااي َونَ ْاااا َن ُك ْ‬
‫ال‬‫اط ِ‬ ‫آم ُناوا ِنا ْلبَ ِ‬ ‫ين َ‬ ‫َ َوا َّلا ِذ َ‬ ‫الاأر ِ‬
‫اوا ِ َو ْ‬ ‫م َ‬
‫س َ‬‫ال َّ‬
‫ون‪‬‬ ‫ااااه ُ‬
‫َو َ َفاااا ُ وا ِنال َّل ِ‬
‫اااار َ‬
‫ُ‬ ‫اا‬
‫ِ‬ ‫خ‬‫َ‬ ‫ل‬
‫ْ‬ ‫ا‬ ‫اااام‬
‫ُ‬ ‫ه‬
‫ُ‬ ‫ااااك‬
‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ئ‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫و‬ ‫أ‬
‫(العنكبوت‪. )51،52:‬‬
‫ورسولنا ‪ ‬أعظم الرسل‪ ،‬وحجته الـيت أعطـاه هللا إايهـا وشـهد لـه‬
‫هبا أعظم احلجج ‪  .‬فأين قذهبون ‪ ‬؟!‬
‫اه‬
‫ام ِف ِ‬ ‫ك‬
‫ُ‬ ‫ل‬
‫َ‬ ‫ن‬
‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫إ‬ ‫*‬ ‫اون‬ ‫س‬ ‫ور‬ ‫ق‬
‫َ‬ ‫اه‬
‫ِ‬ ‫ف‬
‫ِ‬ ‫اب‬ ‫ت‬
‫َ‬ ‫ِ‬ ‫م‬ ‫ك‬
‫ُ‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫م‬ ‫‪‬أ َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ٌ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ون‪‬؟!‬
‫َما َق َخ َّ ُ َ‬‫ل َ‬
‫م‪‬؟‬ ‫‪‬س ْله َ‬
‫ك َز ِع ٌ‬
‫م ِن َذ ِل َ‬
‫م أيُّ ُه ْ‬
‫َ ُ ْ‬
‫فال بد وال مهرب من ان تثبت أصـول العقائـد أوالً ابلنصـو‬
‫القرآنية القطعيـة فهـي املرجـع املسـتقل الوحيـد يف هـذا البـاب كمـا‬
‫قال تعاىل ‪:‬‬
‫القواعد السديدة يف محاية العقيدة‬
‫‪38‬‬

‫اه آيَاا ٌ‬ ‫ااب ِم ْن ُ‬


‫اك ا ْل ِك َت َ‬
‫لا َع َل ْ َ‬ ‫ه َو ا َّلا ِذي أَ ْن َ‬
‫از َ‬ ‫‪ُ ‬‬
‫ب ‪( ‬آل عمـران‪ )7:‬ومعــىن‬ ‫ان ُأ ُّ‬
‫م ا ْل ِك َتااا ِ‬ ‫ها َّ‬‫مااا ٌ ُ‬ ‫ُمحكَ َ‬
‫(محكماااا ) أي قاطعــات الداللــة ال يــدخلها االحتمــال ‪.‬‬
‫وق ــد وج ــدان آايت الكت ــاب اخلاص ــة أبص ــول العقائ ــد كم ــا أخ ــرب‬
‫س ــبحانه ‪ :‬حمكم ــة قطعي ــة ‪ ،‬عل ــى الوج ــه ال ــذي أس ــلفناه حت ــت‬
‫عنوان (طريقة القرآن يف االستدالل على أصـول االعتقـاد) فصـح‬
‫أن تكون ( أماً ) أي مرجعا‪.‬‬
‫وإذا كــان الــدين هــو جمموعــة األوامــر النازلــة مــن عنــد هللا ف ـال‬
‫شك أن أعظم ما نزل من عنده جـل وعـال ‪ ،‬واحملـور الـذي يـدور‬
‫عليــه ‪ ،‬وأساســه وقاعدتــه هــو أصــول العقيــدة ‪ .‬ولــذلك ال ميكــن‬
‫حبــال ان ال تكــون هــذه األصــول أول مــا قصــد ابلنــزول مــن عنــد‬
‫هللا ‪ :‬فهي أول شيء نزل ‪ ،‬وأبْينُه و ْأوضحه ‪ .‬فإن مل يكن القـرآن‬
‫مشــتمالً علــى أهــم أمــر يف الــدين فعــالم يشــتمل ؟ وأبي شــيء‬
‫اك‬
‫نزل ؟! وهو الذي نزله هللا تعاىل كما قـال ‪َ  :‬و َن َّز ْل َنا َع َل ْ َ‬
‫ماا‬ ‫هااوى َو َر ْح َ‬ ‫اال يَاا ْ ٍأ َو ُ‬
‫اااب قِبْ َانااا ِل ُك ِ‬
‫ا ْل ِك َت َ‬
‫سااا ِل ِم َن‪( ‬النحــل‪ )89:‬فهــل نــزل تبيــاانً‬ ‫م ْ‬‫اارى ِل ْل ُ‬
‫َو ُنشْا َ‬
‫للفــروع دون األصــول؟ أم نــزل تبيــاانً لــبعض األصــول دون بعــض‬
‫القواعد السديدة يف محاية العقيدة‬
‫‪39‬‬

‫ان‬
‫ب ِما ْ‬‫مااا َف َّ ْط َنااا ِفااي ا ْل ِك َتااا ِ‬
‫؟ وهللا تعــاىل يقــول ‪َ  :‬‬
‫يَ ْ ٍأ‪( ‬األنعام‪ . )38:‬هذا ما ال ميكن ان يقر به عاقل !‬
‫مث مىت قصـر القـرآن يف بيـان أصـول الـدين حـىت نلجـأ إىل غـريه‬
‫؟!‬
‫لــذلك ال يصــح عقـالً ان اليت ( العقــل ) أبمــر هــو مــن أصــول‬
‫العقيــدة دون ان يكــون هــذا األصــل مفصـالً يف القــرآن ‪ .‬والقــرآن‬
‫شاهد على ما أقول‪.‬‬

‫وظيفة العقل‬
‫وظيفــة العقــل إذن ليســت يف البحــث عــن أصــول الــدين مبعــزل‬
‫عـن الـوحي ‪ ،‬وإمنـا تنحصـر بتعقـل مـا جـاء بـه الـوحي واعتقـاده ‪،‬‬
‫والتيقن من كونه مما تستسيغه العقول السليمة ‪ ،‬وأنـه لـيس هنـاك‬
‫مــن تنــاقض فيــه ‪ ،‬وإقامــة األدلــة علــى ذلــك س ـواء كانــت األدلــة‬
‫عقلية أم نقلية ‪.‬‬
‫ويقــوم العقــل كــذلك ابســتنباط األحكــام الشــرعية الفرعيــة مــن‬
‫أدلتهــا الظنيــة ‪ ،‬سـواء كانــت هــذه األدلــة نصوصـاً شــرعية أو غــري‬
‫القواعد السديدة يف محاية العقيدة‬
‫‪40‬‬

‫ذل ــك يف حال ــة ع ــدم ت ــوفر ال ــنص يف أي مس ــألة م ــن املس ــائل ‪.‬‬
‫وكذلك يقوم بتنزيل هذه األحكام على مواردها ‪.‬‬

‫أدلة القرآن عقلية بحتة‬


‫إن األدلــة الــيت يــربهن هبــا القــرآن علــى صــحة م ـراده هــي أدلــة‬
‫عقلي ــة حبت ــة تقس ــر العق ــل الس ــليم عل ــى اإلذع ــان هل ــا‪ ،‬والتس ــليم‬
‫بصحة مرادها‪ .‬أقرأ قوله تعاىل‪:‬‬
‫‪ ‬ان في خلق السماوا والاأرَ واختلا‬
‫الل ل والنهار لآيا لأولي‬
‫الألباب‪ ‬آل عمران ‪ .190/‬او قوله ‪:‬‬
‫‪ ‬أم خلدوا من غ ا يا أ أم هام الخاالدون‪‬‬
‫الطور‪ .35/‬أو قوله‪:‬‬
‫‪ ‬ما اقخذ هللا من ولو وما ان معه مان الاه‬
‫إ ن لذهب ل اله نماخلق‬
‫ولعل نعههم على نعض ‪ ‬املؤمنون‪.91/‬‬
‫او قوله يف التدليل على نبوة حممد ‪: ‬‬
‫القواعد السديدة يف محاية العقيدة‬
‫‪41‬‬

‫‪ ‬ولو قدولا عل ناا نعاض الأقاويال * لأخاذنا‬


‫منااه نااال م ن * ثاام لدطعنااا منااه الااوق ن ‪‬‬
‫احلاقة ‪ .46-44/‬او قوله ‪:‬‬
‫‪ ‬وان نتم في ريب مماا نزلناا علاى عباونا‬
‫فأقوا نسورة من مثله واتعوا شهواأ م من‬
‫تون هللا ان نتم صاتق ن‪ ‬البقرة ‪.23/‬‬

‫حجج القرآن ال تنفع الزائغين‬


‫وهنـ ــا ينقسـ ــم النـ ــاس اىل ف ـ ـريقني ‪ :‬فريـ ــق جعـ ــل احلـ ــق وجهتـ ــه‬
‫وإدراكــه غايتــه فهــذا هــو الــذي ينتفــع بــه اذا تليــت عليــه حجتــه‬
‫كما قال تعاىل‪  :‬ألم * لك الكتاب ل ريب ف اه‬
‫هوى للمتد ن ‪ ‬البقرة ‪ .1،2‬فاملتقون وحدهم هم الذين‬
‫يهتــدون بــه ‪ ،‬وهــم املعنيــون بقولــه ‪ :‬ويهااوي نااه ث ا ا‪‬‬
‫البقرة‪.26/‬‬
‫وفريــق غايتــه نصــرة وجهتــه هــو او مذهبــه او شــيخه او طائفتــه‬
‫او عشريته ‪ ،‬وهـذا الصـنف جيعـل مـن القـرآن وسـيلة للوصـول إىل‬
‫أغراضــه وأهوائــه ‪ ،‬فــال ميكــن ان تنفــع فيــه دالئلــه وآايتــه كمــا قــال‬
‫والناذر عان قاوم لا‬ ‫تعاىل‪  :‬وما قغنى الآياا‬
‫القواعد السديدة يف محاية العقيدة‬
‫‪42‬‬

‫يؤمنون‪ ‬يونس‪ 101/‬وهم املعنيـون بقولـه‪ :‬يضـل بـه كثـريا‪‬‬


‫البقرة ‪.26/‬‬

‫اتباع المتشابه هو العالمة الفارقة بين الفريقين‬


‫ف ـ ــإذا أردت أن تع ـ ــرف ه ـ ــؤالء املض ـ ــلني لتح ـ ــذرهم ف ـ ــانظر إىل‬
‫حججهم جتدها شبهات واحتماالت ال تدخل يف دائرة القطعـي‬
‫أو احملكم كمـا قـال تعـاىل‪ :‬إن يتبعون إل الَن وماا‬
‫قهوى الأنفا‪ ‬النجم‪ . 23/‬وكمـا قـال أيضـاً ‪ :‬وأخا‬
‫متشااانها فأمااا الااذين فااي قلااونهم زيااغ‬
‫ف تبعون ما قشانه منه‪ ‬ملـاذا؟ ‪‬انتغااأ الفتنا‬
‫وانتغاااأ قأو يلااه‪ ‬أي تصـريفه علــى مــا يهــوون ويشــتهون ‪:‬‬
‫فبدالً من الرجوع إىل األدلـة الواضـحة يـذهبون إىل كلمـة مـن هنـا‬
‫وس ــطر م ــن هن ــاك مس ــتغلني س ــعة اللغ ــة العربي ــة وانقس ــامها إىل‬
‫حقيقــة وجمــاز ‪ ،‬وكوهنــا حتتــوي علــى ألفــا مشــرتكة ‪ :‬وهــي كــل‬
‫لفظــة حتمــل عــدة معــان ‪ ،‬كــالعني مــثالً دون اعتبــار للق ـرائن الــيت‬
‫حتــدد اللفــه ابملعــىن املعــني ‪ .‬وكــذلك مــا يف القــرآن مــن جممــل قــد‬
‫فص ــل يف مك ــان آخ ــر‪ ،‬أو مطل ــق قي ــد يف موض ــع آخ ــر‪ ،‬أو ع ــام‬
‫القواعد السديدة يف محاية العقيدة‬
‫‪43‬‬

‫خمصـ ــص‪ ،‬فيقطعـ ــون ا مـ ــل عـ ــن تفصـ ــيله واملطلـ ــق عـ ــن قيـ ــده‬
‫وهكذا‪.‬‬

‫طريقة كل املضلني‬

‫وهكـ ــذا ال توجـ ــد فرقـ ــة ضـ ــالة أو داينـ ــة ابطلـ ــة إال وتسـ ــتطيع‬
‫االحتج ــاج ابلق ــرآن وغ ــريه عل ــى طريق ــة املتش ــابه ‪ .‬ب ــل ه ــذا ه ــو‬
‫الواقع ‪:‬‬
‫أل ــيس الق ــدري ــتج مبث ــل قول ــه تع ــاىل‪ :‬إنااااا هااااويناه‬
‫السب ل إما شا ا وإما فورا‪ ‬اإلنسان‪. 3/‬‬
‫واجلربي ـتج بقولـه ‪:‬وماا قشااأون إلا أن يشااأ‬
‫هللا‪ ‬اإلنسان‪ 30/‬مع أن اآليتني يف سورة واحدة !‬
‫واخلـ ـ ــارجي ـ ـ ــتج بقولـ ـ ــه‪ :‬ان الحكااااااام الااااااا د‪‬‬
‫يوسف‪.40/‬‬
‫واملعط ـ ــل ـ ــتج بقول ـ ــه ‪ ‬لااااا ا مثلاااااه يااااا أ‪‬‬
‫الشورى‪. 11/‬‬
‫القواعد السديدة يف محاية العقيدة‬
‫‪44‬‬

‫واملشبه بقولـه‪ :‬يو هللا فوق أياويهم‪ ‬الفـتح ‪10/‬‬


‫‪.‬‬
‫بل اليهود والنصارى تجون لصحة داينتهم ابلقرآن !!‬

‫أمثلة من احتجاج النصارى بالقرآن‬


‫اذكر هذا للمقارنة عسى ان ينتفع به مـن سـيتبني لـه مـن هـذه‬
‫األمثلـ ــة أن حجـ ــج النصـ ــارى – وكـ ــذلك اليهـ ــود ‪ -‬أقـ ــوى وأدل‬
‫عل ــى امل ـراد م ــن حج ــج الش ــيعة الق ــائلني ب ــ(اإلمامة) ‪ .‬وإذا ك ــان‬
‫األمـ ــر كـ ــذلك فهـ ــل نـ ــرتك ديننـ ــا ملثـ ــل هـ ــذه (املتشـ ــاهبات) الـ ــيت‬
‫يتساوى لديها الكافر واملسلم ؟!‬
‫هذه طائفة من اآلايت القرانية اليت تج هبا النصـارى مقتبسـة‬
‫م ــن خط ــاب مفت ــوح اىل الش ــين (الش ــعراوي) موجه ــة الي ــه م ــن‬
‫الكنيسة القبطية يف مصر انقلها بتصرف لالختصار ‪:‬‬
‫ــتج ص ــاحب الكت ــاب وه ــو ي ــرد م ــة الكف ــر والش ــرك ع ــن‬
‫املسيحيني بقوله تعاىل ‪:‬‬
‫‪ ‬ان الذين هاتوا والنصارى والصانئ ن مان‬
‫آمن نااد وال اوم الاآخ وعمال صاالحا فلاه‬
‫القواعد السديدة يف محاية العقيدة‬
‫‪45‬‬

‫أج ا ه عنااو رنااه ول ا خااو عل ا هم ول ا هاام‬


‫يحزناون‪ ‬البقـرة ‪ 62/‬قـائالً ‪ :‬اي فضـيلة الشـين النصـارى مـن‬
‫ضمن الذين آمنوا ابهلل وليسوا من الكفرة ‪.‬‬
‫‪‬إ قالا هللا يا ع سى اني متوف ك ورافعك‬
‫إلااي ومطهاا م ماان الااذين فاا وا وجاعاال‬
‫الذين اقبعاوم فاوق الاذين فا وا إلاى ياوم‬
‫الد امااا ‪ ‬آل عم ـران ‪ 55/‬يقــول ‪ :‬فهــل املســيحيون كفــرة‬
‫مبوجب هذه اآلية أم اهنم فوق الذين كفروا ؟!‬

‫ما ٌ‬
‫ما ٌ َقا ِ َ‬ ‫ب ُأ َّ‬ ‫ال ا ْل ِك َتاا ِ‬‫ه ِ‬‫ان أَ ْ‬‫اواأ ِم ْ‬ ‫س َ‬ ‫سوا َ‬ ‫‪َ ‬ل ْ ُ‬
‫ون *‬ ‫ال ُو َ‬ ‫س ُ‬‫م يَ ْ‬ ‫اأ ال َّل ْ ِل َو ُ‬
‫ه ْ‬ ‫ون آيَا ِ ال َّل ِه آ َن َ‬ ‫يَ ْت ُل َ‬
‫ون‬ ‫ْ‬ ‫اااون ِنال َّلا ِ‬
‫اااآخ ِ َو يَااااأ ُم ُ َ‬ ‫اااو ِم الا ِ‬ ‫اااه َوا ْل َا ْ‬ ‫ُي ْؤ ِم ُنا َ‬
‫ون‬‫ساا ِر ُع َ‬ ‫م ْنكَا ِ َو ُي َ‬ ‫ان ا ْل ُ‬
‫م ْع ُ و ِ َو يَ ْن َه ْو َن َع ِ‬ ‫ِنا ْل َ‬
‫صااا ِل ِح َن ‪( ‬آل‬ ‫ان ال َّ‬ ‫اك ِما َ‬ ‫ِفااي ا ْل َخ ْ ا َا ِ َو ُأو َلئِا َ‬
‫عم ـ ـران‪ . )114-113:‬يق ـ ــول ‪ :‬فاملس ـ ــيحيون م ـ ــن الص ـ ــاحلني‬
‫وليسوا من الكافرين ‪.‬‬
‫اسأَ ِلا‬ ‫ما أَ ْن َز ْل َنا إِ َل ْ َ‬
‫ك َف ْ‬ ‫ك م َّ‬‫ش ٍ‬
‫ت ِفي َ‬ ‫‪َ ‬فإِ ْن ُ ْن َ‬
‫ُ‬
‫اك‪( ‬يـونس‪)94 :‬‬ ‫ان َقبْ ِل َ‬ ‫اب ِم ْ‬‫ون ا ْل ِك َت َ‬ ‫ا َّل ِذ َ‬
‫ين يَ ْد َأ َ‬
‫يقول ‪ :‬فاملسلم اذا كان يف شك مما انزل إليه فعليـه أن يرجـع إىل‬
‫القواعد السديدة يف محاية العقيدة‬
‫‪46‬‬

‫أهـ ــل اإلجني ــل فيس ــأهلم ليـ ــدلوه علـ ــى احلقيقـ ــة‪ .‬فاملس ــيحيون هـ ــم‬
‫املرجــع ‪ ،‬فــاذا مل يكــن املرجــع س ــليماً اي صــديقي ضــاع كــل م ــن‬
‫حاول الرجوع اليه ‪.‬‬
‫‪ ‬فاسااألوا اهاال الااذ ان نااتم لا قعلمااون‪‬‬
‫األنبيــاء ‪ .7/‬يقــول‪ :‬فمــن هــم اهــل الــذكر ؟ النصــارى هــم اهــل‬
‫الذكر‪ .‬املسيحيون هم املرجع ‪.‬‬
‫أي الفريقني أقوى حجة ؟!‬
‫وأان اقـ ـ ــول معلق ـ ـ ـاً علـ ـ ــى اسـ ـ ــتدالل هـ ـ ــذا النص ـ ـ ـراين ابآليتـ ـ ــني‬
‫األخريتني فقط ‪:‬‬
‫أليست حجة املسيحي يف الداللة على أن ( أهل الذ )‬
‫املقصودين يف اآليـة هـم النصـارى أقـوى مـن حجـة اإلمـامي حـني‬
‫أهاااال الااااذ ‪ ‬ه ــو (األئم ــة‬ ‫يق ــول ‪ :‬إن املقص ــود ب ـ ـ‪‬‬
‫املعصومون) ؟!‬
‫إن قول ــه تع ــاىل ‪ :‬فساااألوا اهااال الاااذ ‪ ‬يس ــاوي‬
‫‪ ‬فسألا الذين يد أون الكتاب من قبلك‪‬‬
‫وقوله‪  :‬ان نتم ل قعلمون‪ ‬يساوي قوله‪ :‬فاان‬
‫ناات فااي شااك ممااا اناازلا إل ااك‪ .‬ويســتطيع‬
‫القواعد السديدة يف محاية العقيدة‬
‫‪47‬‬

‫النصراين ان يضيف قائالً‪ :‬اذا كان رسولكم مأموراً بـنص كتـابكم‬


‫ابلرجوع إلينا فكيف بكم ؟!‬
‫فالنص ـ ـراين عن ـ ــده قرين ـ ــة وان كانـ ــت ظني ـ ــة ‪ ،‬وه ـ ــؤالء ال قرين ـ ــة‬
‫عندهم البتة !‬
‫ولكن كيفية االستدالل واحدة ‪:‬‬
‫ان الف ـ ـ ـريقني يتفقـ ـ ــون متام ـ ـ ـاً يف اتب ـ ـ ــاع طريقـ ـ ــة واحـ ـ ــدة عل ـ ـ ــى‬
‫اختالفهم يف قوة احلجة وضعفها ‪:‬‬
‫فأنت ترى هذه اآلايت مبتورة عن أمها ومرجعها ‪.‬‬
‫وكل آية ال نرجع هبا اىل أصـلها الواضـح املتفـق علـى داللتـه فهـي‬
‫متشاهبة ‪ ،‬واحملتج هبا متبع للمتشابه ‪.‬‬
‫ان (الــذكر) يف عمــوم القــرآن هــو القــرآن نفســه كمــا يف هــذه‬
‫اآلايت وأمثاهلا ‪:‬‬
‫وانااا لااه لحااافَون‪‬‬ ‫‪ ‬انااا نحاان نزلنااا الااذ‬
‫احلجر‪9/‬‬
‫لك ولدومك‪ ‬الزخرف‪44/‬‬ ‫‪‬وانه لذ‬
‫القواعد السديدة يف محاية العقيدة‬
‫‪48‬‬

‫والاااذ‬ ‫‪ ‬لاااك نتلاااوه عل اااك مااان الآياااا‬


‫الحك م‪ ‬آل عمران‪58/‬‬
‫اناك‬ ‫‪ ‬وقالوا يا أيهاا الاذين نازلا عل اه الاذ‬
‫لملنون‪ ‬احلجر‪6/‬‬
‫لتب ا ن للناااس مااا ناازلا‬ ‫‪ ‬وأنزلنااا إل ااك الااذ‬
‫ال هم‪ ‬النحل‪44/‬‬
‫مبارم أنزلناه أفأنتم له منك ون‪‬‬ ‫‪ ‬وهذا‬
‫األنبياء‪50/‬‬
‫وق آن مب ن‪ ‬يس‪69/‬‬ ‫‪‬ان هو ال‬
‫‪2،1 /‬‬ ‫‪‬ص * والد آن ي الذ ‪‬‬
‫فــإذا أخــذان هبــذا العمــوم تبــني لنــا أن معــىن الــذكر يف اآليــة هــو‬
‫القرآن ‪ ،‬فأهله هـم أهـل القـرآن أي العلمـاء الرابنيـون ‪ .‬أمـا األمـر‬
‫ابلرجــوع إىل (أهــل الكتــاب) الــذي هــو أحــد معــاين اآليــة فلــيس‬
‫علــى إطالقــه ‪ ،‬وإمنــا هــو يف أمــر خــا معلــوم لــديهم هــو كــون‬
‫األنبيــاء رجــاالً ‪ .‬وليســت اآليــة حجــة للنص ـراين دون اليهــودي ‪.‬‬
‫فحصــول الشــبهة جــاء مــن تعمــيم أمــر خــا ‪ .‬وتعمــيم اخلــا‬
‫اتباع للمتشـابه كتخصـيص العـام وتقييـد املطلـق وإطـالق املقيـد ‪.‬‬
‫القواعد السديدة يف محاية العقيدة‬
‫‪49‬‬

‫ولــوال قطــع اآليــة عــن ( أمهــا ) ومرجعهــا ملــا اســتطاع النصـراين أن‬
‫ــتج هبـ ـا عل ــى م ــا أراد م ــن ك ــون املس ــيحيني ه ــم املرج ــع عل ــى‬
‫اإلطالق ‪.‬‬
‫وهكــذا فعــل الــذين احتج ـوا لــ( عصــمة األئمــة ) أو (اإلمامــة)‬
‫‪ -‬م ــثالً ‪ -‬بقول ــه تع ــاىل‪ :‬إنماااا ي ياااو هللا ل اااذهب‬
‫عاااانكم الاااا جا أهاااال الب اااات ويطهاااا م‬
‫قطه ااا ا‪ ‬إذ عمــدوا إىل آيــة مــن القــرآن فــاقتطعوا منهــا هــذا‬
‫اجلــزء ‪ -‬وهــو آخرهــا ‪ -‬وفصــلوه عــن أوهلــا؛ فــال ينتبــه القــار إىل‬
‫العالقة العضـوية بينهمـا ‪ .‬ومسـوا هـذا اجلـزء بــ(آية التطهـري) إمعـاانً‬
‫يف صــرف نظــره عــن اآليــة كاملــة وهــي قولــه تعــاىل خطــاابً ألزواج‬
‫النيب ‪  : ‬وق ن في ن اوقكن ولا قبا جن قبا ج‬
‫اللاهل ااا الاااأولى وأقمااان الصااال ة وآقااا ن‬
‫الز اااة وأطعاان هللا ورس اوله إنمااا ي يااو هللا‬
‫‪ ...‬األحزاب‪.34/‬‬
‫وقاموا كـذلك بفصـل اآليـة عـن اآليـة الـيت بعـدها الـيت تعـزز أن‬
‫املقصود ابخلطاب هو أمهـات املـؤمنني دون سـواهن ‪ ،‬وهـي قولـه‬
‫القواعد السديدة يف محاية العقيدة‬
‫‪50‬‬

‫اان‬
‫مااا ُي ْت َلااى ِفااي ُن ُااوقِ ُك َّن ِم ْ‬ ‫تعــاىل ‪َ  :‬وا ْ ُاا ْ َن َ‬
‫َط فا َخ ِب ا‪‬‬ ‫م ِ إِ َّن ال َّل َه َ َ‬
‫ان ل ِ‬ ‫آيَا ِ ال َّل ِه َوا ْل ِحكْ َ‬
‫(األح ـزاب‪ .)34:‬وفص ــلوها أيض ـاً ع ــن الس ــياق كل ــه ال ــذي ه ــو‬
‫خطـ ــاب ألمهـ ــات املـ ــؤمنني (رضـ ــي هللا عـ ــنهن) ‪ :‬اذ بـ ــدأ بقولـ ــه‬
‫تعـاىل‪  :‬يا أيهاا النباي قال لأزواجاك ان ناتن‬
‫ق تن الح اة الون ا وزينتها فتعاال َن – إىل قولـه‬
‫– وان نتن ق تن هللا ورساوله – اىل قولـه – ياا‬
‫منكن نفاحش – اىل قوله‬ ‫نساأ ا لنبي من يأ‬
‫– ومن يدنت مانكن هللا ورساوله – اىل قولـه –‬
‫يا نساأ النباي لساتن أحاو مان النسااأ ان‬
‫اقد ااتن – اىل قولــه ‪ -‬وقاا ن فااي ن ااوقكن ولاا‬
‫قب جن قب ج اللاهل الأولى وأقمن الصل ة‬
‫وآق ن الز اة وأطعن هللا ورسوله – مث اليت قوله‬
‫تعــاىل مباشــرة – ان ماااا ي ياااو هللا ل اااذهب عااانكم‬
‫الا جا اهاال الب اات ويطها م قطه ا ا – مث‬
‫ن ما يتلى في ن وقكن من‬ ‫يستمر بقوله – وا‬
‫القواعد السديدة يف محاية العقيدة‬
‫‪51‬‬

‫آيااااا هللا والحكماااا إن هللا ااااان لط فااااا‬


‫خب ا‪(‬األحزاب ‪.)35-28/‬‬
‫وقطعوا النص عن مثله كقوله تعاىل عن أهل بدر ‪:‬‬
‫لا‬
‫ااز ُ‬
‫ااه َو ُي َن ِ‬
‫م َناا ِم ْن ُ‬ ‫َ‬
‫اااس أ َ‬
‫َ‬ ‫م ال ُّن َع‬‫شاا ُك ُ‬ ‫‪‬إِ ْ ُي َغ ِ‬
‫اااه‬
‫م ِن ِ‬ ‫مااااأ ِل ُ َط ِهااا َ ُ ْ‬ ‫اااما ِأ َ‬
‫س َ‬ ‫ااان ال َّ‬
‫م ِم َ‬ ‫َعلَااا ْ ُك ْ‬
‫ان َو ِل َا ْ ِن ََ َعلَاى‬ ‫ش ْ َط ِ‬ ‫م ِر ْج َز ال َّ‬ ‫ب َع ْن ُك ْ‬ ‫َو ُي ْذ ِه َ‬
‫ام‪( ‬ألنفال‪. )11:‬‬ ‫ت ِن ِه الأ ْق َو َ‬ ‫م َو ُي َث ِب َ‬ ‫ُق ُلو ِن ُك ْ‬
‫وقول ــه ع ــن امل ــؤمنني مجيعـ ـاً ‪ :‬خااااذ ماااان أمااااوالهم‬
‫صوق قطه هم وقز هم نها‪ ‬التوبة ‪.103/‬‬
‫فلفه (التطهري) إذن ال يعين (ابلعصـمة) يف اسـتعمال القـرآن‪،‬‬
‫وال عالقة له بـ(اإلمامة)‪.‬‬

‫القرآن يشهد أنه المرجع الوحيد في تلقي األصول‬


‫يقول تعاىل ‪:‬‬
‫‪ ‬فبعاااث هللا النب ااا ن مبشااارين ومناااذرين‬
‫وأنزلا معهم الكتاب‪ ‬ملاذا ؟‬
‫القواعد السديدة يف محاية العقيدة‬
‫‪52‬‬

‫‪ ‬ل حكم ن ن النااس ف ماا اختلفاوا ف اه‪ ‬البقـرة‬


‫‪.213/‬‬
‫‪ ‬ومااا اختلفااتم ف ااه ماان ي ا أ فحكمااه الااى‬
‫هللا‪ ‬الشورى‪.10/‬‬
‫‪ ‬وما أنزلنا عل ك الكتاب ال لتب ن لهم الذي‬
‫اختلفوا ف ه‪ ‬النحل‪64/‬‬
‫‪‬ومن أحسن من هللا حكماا لداوم يوقناون‪‬‬
‫املائدة ‪50/‬‬
‫‪ ‬فباااأي حاااويث نعاااو هللا وآياقاااه يؤمناااون‪‬‬
‫النا ‪6/‬‬
‫‪ ‬لك الكتاب لا رياب ف اه هاوى للمتدا ن‪‬‬
‫الةقرة‪2/‬‬
‫‪‬قل ان هوى هللا هو الهوى‪‬آل عمران‪73/‬‬
‫‪ ‬فإما ياأق نكم مناي هاوى فمان قباُ هاواي‬
‫فل خو عل هم ول هم‬
‫يحزناااون * والاااذين فااا وا و اااذنوا ناياقناااا‬
‫اولئك أصحاب النار هم ف هاا خالاوون‪ ‬البقـرة‬
‫‪39،38/‬‬
‫القواعد السديدة يف محاية العقيدة‬
‫‪53‬‬

‫اال يَااا ْ ٍأ‬


‫اااب قِبْ َاناااا ِل ُكا ِ‬
‫ااك ا ْل ِك َتا َ‬
‫‪َ ‬و َن َّز ْل َناااا َع َل ْا َ‬
‫س ِل ِم َن‪ ‬النحل ‪89/‬‬ ‫م ْ‬ ‫م َو ُنشْ َرى ِل ْل ُ‬‫هوى َو َر ْح َ‬ ‫َو ُ‬
‫‪ ‬وإن اهتويت ف ما يوحي إلي رني‪ ‬سبأ‪50/‬‬
‫‪ ‬وأن أقلو الد آن فمان اهتاوى فإنماا يهتاوي‬
‫لنفسه‪ ‬النمل‪.92/‬‬
‫لك ــن املبطل ـ ـني رغ ــم آايت الكت ــاب الواض ــحة البين ــة خيتلف ــون‬
‫الختالف أهوائهم كمـا قـال تعـاىل‪ :‬وما اختلاف الاذين‬
‫أوقوا الكتاب ال مان نعاو ماا جااأهم العلام‬
‫نغ ا ن نهم ومن يكف‬
‫نايااااا هللا فااااان هللا اااااريُ الحساااااب‪ ‬آل‬
‫عمران‪. 19/‬‬
‫فالبغي إذن سـبب االخـتالف والتفـرق ‪ .‬وهـذا مـا أكـده تعـاىل‬
‫بقول ــه ‪  :‬ان يتبعاااون الااا الَااان وماااا قهاااوى‬
‫الااأنفا ولدااو جاااأهم ماان رنهاام الهااوى‪. ‬‬
‫فاهلدى موجود لكن االختالف والضالل واقـع ابلظنـون واألهـواء‬
‫‪.‬‬
‫القواعد السديدة يف محاية العقيدة‬
‫‪54‬‬

‫قال تعاىل ‪  :‬وما قف ق الذين أوقوا الكتاب ال‬


‫ماان نعااو مااا جاااأقهم الب ناا ‪ ‬البينــة‪ . 4/‬والبينــة‬
‫مفس ــرة بقول ــه ‪ :‬رساااولا مااان هللا يتلاااو صاااحفا‬
‫مطه ة ‪ ‬البينة ‪.1،2/‬‬
‫‪ ‬ولدااو آق نااا مواااى الكتاااب فاااختلف ف ااه‪‬‬
‫هود‪.110/‬‬
‫‪ ‬وان الذين اختلفوا في الكتاب لفي شاداق‬
‫نع و‪ ‬البقرة‪.176/‬‬
‫‪ ‬ول ا يزالااون مختلف ا ن ال ا ماان رحاام رنااك‪‬‬
‫هود‪.118/‬‬
‫وال شك أن االختالف الذي نزعت من أهله الرمحة‬
‫ه ـ ـ ــو م ـ ـ ــا ك ـ ـ ــان يف أص ـ ـ ــول ال ـ ـ ــدين ال فروع ـ ـ ــه ‪ .‬وإذن ال ينبغ ـ ـ ــي‬
‫االختالف يف هذه األصول ألهنا واضحة بينة كما قال تعاىل‪ :‬‬
‫لدو أرسلنا رسلنا نالب نا ‪ ‬احلديد‪.25/‬‬
‫فمــن مل يرجــع اىل هللا يف الــدنيا فســريجع اىل حكمــه حتم ـاً يف‬
‫اآلخـرة كمــا قــال تعـاىل ‪ ‬إلااى هللا ما جعكم جم عااا‬
‫ف نبئكم نما نتم ف ه قختلفون ‪ ‬املائدة ‪.48/‬‬
‫القواعد السديدة يف محاية العقيدة‬
‫‪55‬‬

‫‪ ‬ول باا ن لكاام يااوم الد اماا مااا نااتم ف ااه‬


‫قختلفون‪ ‬النحل‪.92/‬‬
‫ولكن بعد فوات األوان!‬
‫فكمــا أن املرجــع يف اآلخــرة اىل امــر هللا وكالمــه ال اىل غــريه ممــا‬
‫يـ ـراه الن ــاس بعق ــوهلم وآرائه ــم فك ــذلك يف ال ــدنيا سـ ـواء بسـ ـواء ‪:‬‬
‫‪ ‬وهااو الااذي فااي السااماأ إلااه وفااي الااأرَ‬
‫إله‪ ‬الزخرف‪.84/‬‬

‫لماذا يهربون من القرآن إلى عقولهم وآرائهم؟‬


‫وهب ــذا يتب ــني أن اهل ــروب م ــن آايت هللا احملكم ــة ‪ ،‬والتعل ــق مب ــا‬
‫يسمونه ابلـ(عقليات) دليل على التصـفري الـذي يعـاين منـه هـؤالء‬
‫واإلفالس مـن مـادة القـرآن ألنـه ال يعيـنهم علـى مـرامهم‪ ،‬اذ لـيس‬
‫في ــه دلي ــل عل ــى م ــا يقول ــون‪ .‬وإال ق ــل يل برب ــك‪ :‬م ــا س ــر ه ــذا‬
‫التمسك ابألقاويل واآلراء ؟ فلو كانت النصو تؤيـدهم وتنطـق‬
‫مبـرادهم ملــاذا يعرضــون عنهــا ويرتكوهنــا إىل غريهــا ؟ متحملــني هــذا‬
‫العنــاء واجلــدل الــذي ال ينتهــي مــع إمكانيــة حســم كــل هــذا يــة‬
‫حمكمة واحدة قاطعة الداللة على املطلوب‪.‬‬
‫القواعد السديدة يف محاية العقيدة‬
‫‪56‬‬

‫األحاديث (أو الرواايت) وأصول الدين‬


‫إن الكت ــاب والس ــنة والقي ــاس (أو العق ــل) م ــن أدل ــة األحك ــام‬
‫الشرعية ‪ .‬ولكن هذا القول ال ينبغـي أن يقبـل علـى عمومـه دون‬
‫تفصيل ‪ ،‬وتوظيف هلذه األدلة ‪:‬‬
‫فالس ــنة يلج ــأ إليه ــا عن ــدما ال جن ــد للحك ــم الش ــرعي نصـ ـاً يف‬
‫القرآن ‪.‬‬
‫والقياس أو العقل (أو االجتهاد بتعبري آخر) اليت من‬
‫بعــد الســنة ‪ ،‬ولــذلك قيــل‪( :‬ال اجتهــاد يف مــورد الــنص)‪ ،‬وهــي‬
‫قاعدة أصولية متفق عليها بـني العلمـاء ‪ .‬فهـذا التفصـيل ضـروري‬
‫لتقنني ذلك القول ‪.‬‬
‫ولكن هذا كله يف املسائل الفرعية ‪.‬‬
‫أما املسائل األصولية والقضااي األساسية والكربى من‬
‫القواعد السديدة يف محاية العقيدة‬
‫‪57‬‬

‫الــدين فــال يصــح أن ختضــع هلــذا التقنــني ‪ .‬إن هــذه األمــور مــن‬
‫اختص ــا الق ــرآن وح ــده ايت ــه احملكم ــات القاطع ــات الدالل ــة‬
‫حصراً ‪.‬‬

‫الوظيفة الخاصة‬
‫بكل من الكتاب والسنة والعقل‬
‫إن هــذا تــاج منــا إىل استحضــار الوظيفــة اخلاصــة بكــل مــن‬
‫الكت ـ ــاب والس ـ ــنة واالجته ـ ــاد حبي ـ ــث ال خت ـ ــتلط ه ـ ــذه الوظ ـ ــائف‬
‫ببعضها فنقع يف االضطراب ‪.‬‬

‫وظيفة القرآن اخلاصة‬


‫إن وظيفــة القــرآن اخلاصــة بــه حص ـراً هــي بيــان أصــول الــدين‬
‫ومعاملــه الكــربى بيــاانً جليـاً ال تــاج معــه إىل غــريه مــن بقيــة أدلــة‬
‫األحكــام ‪ ،‬وإال مل تعــد هــذه الوظيفــة خاصــة بــه ‪ .‬والقــرآن يقــوم‬
‫القواعد السديدة يف محاية العقيدة‬
‫‪58‬‬

‫أبداء هــذه الوظيفــة خــري قيــام ‪ .‬وهــذا يثبــت تطبيقي ـاً ابالســتقراء‬
‫بعد أن ثبت تنظريايً ابألدلة القطعية ‪.‬‬

‫وظيفة السنة‬
‫أمــا الســنة أو األحاديــث النبويــة فهــي وإن اســتوعبت أصــول‬
‫الدين‪ ،‬لكن استيعاب القرآن الكرمي ال يقل عـن اسـتيعاب السـنة‬
‫هلذه األصول‪ .‬وهذا أمر مقطـوع بـه؛ فـال ميكـن حبـال أن تتضـمن‬
‫الســنة أصـالً غفــل القــرآن عــن ذكــره‪ ،‬أو قصــر عــن تضــمنه‪ .‬لكــن‬
‫هنــاك ملحظـاً يف غايــة األمهيــة هــو أن أحــداً مــن اخللــق يســتحيل‬
‫علي ــه أن يض ــيف إىل الق ــرآن م ــا ل ــيس من ــه‪ .‬وعلي ــه يس ــتحيل أن‬
‫خيرتع أحـد أصـالً ويضـع لـه نصـاً صـر اً ميكـن أن ينسـبه للقـرآن‪.‬‬
‫بينم ــا ميك ــن أن خي ــرتع أصـ ـالً ويض ــع ل ــه نصـ ـاً ص ــر اً ينس ــبه إىل‬
‫الس ــنة‪ .‬وه ــذا واق ــع كثـ ـرياً‪ .‬فح ــىت ال خي ــرتق أح ــد أص ــول ال ــدين‬
‫توج ــب علي ــه إذا اح ــتج ألص ــل برواي ــة أن اليت أوالً مب ــا يثبت ــه م ــن‬
‫القرآن ابلنص الصريح؛ ألنه – كما قلنـا ‪ -‬مل تنفـرد السـنة أبصـل‬
‫القواعد السديدة يف محاية العقيدة‬
‫‪59‬‬

‫ال وجود له يف القرآن‪ .‬وبعبارة أخرى نقـول‪ :‬ال ميكـن أن تسـتقل‬


‫السنة أو احلديث بتأصيل العقيدة مـا مل يكـن هلـذه األصـول بيـان‬
‫واضح يف القرآن الذي أنزله هللا تعاىل ‪‬قب انا لكل يا أ‪‬‬
‫النحل‪ . 89/‬إن وظيفة السنة تدور حول ثالثة أمور ‪:‬‬
‫‪ -1‬التأييد والتأكيد ملا جاء أصال يف القرآن ‪.‬‬
‫‪ -2‬التفصيل ملا أُمجل ذكره فيه كتفصيل وصف اجلنة‬
‫والنار ‪.‬‬
‫‪ -3‬أمور فرعية يف العقيدة كعالمات الساعة ‪.‬‬
‫قــد يقــال ‪ :‬إن يف الــرواايت متـواتراً نقطــع بصــحته عــن الرســول‬
‫‪ ‬فلم ــاذا ال خ ــذ ب ــه ؟ واجلـ ـواب‪ :‬ل ــيس موض ــوعنا ه ــو األخ ــذ‬
‫ابل ــرواايت م ــن ع ــدمها ‪ ،‬إمن ــا ه ــو ه ــل ميك ــن أن يك ــون يف ه ــذه‬
‫قصــر القــرآن يف بيانــه ‪ ،‬أو غــاب ذكــره‬‫الــرواايت مــن األصــول مــا َّ‬
‫عنــه كليـاً فنحتــاج إىل إثباتــه هبــذه الــرواايت ؟ واجلـواب القطعــي ‪:‬‬
‫كال ‪ .‬هـذا هـو املهـم ‪ .‬وعنـدها نعلـم أن ورود األصـول يف السـنة‬
‫أم ــر كم ــايل ال تكميل ــي‪ ،‬وإال م ــا ع ــاد الكت ــاب مص ــدراً ك ــامالً‬
‫ب ِف ِه‬
‫اب ل َر يْ َ‬
‫ك ا ْل ِك َت ُ‬
‫للهداية كما قـال سـبحانه‪ِ َ ( :‬ل َ‬
‫القواعد السديدة يف محاية العقيدة‬
‫‪60‬‬

‫ما َف َّ ْط َنا ِفي‬


‫م َّت ِد َن) (البقرة‪ ، )2:‬وقـال‪َ ( :‬‬
‫هوى ِل ْل ُ‬ ‫ُ‬
‫ب ِم ْن يَ ْ ٍأ) (األنعام‪. )38:‬‬ ‫ا ْل ِك َتا ِ‬
‫والنتيجــة أن الســنة –وإن اشــتملت علــى أصــول الــدين‪ -‬فــإن‬
‫اشتماهلا هذا اليت من وراء القرآن وليس استقالالً‪.‬‬
‫وهذا يلزمنا برد كل (أصل) بين على الرواايت ال‬
‫ذكر له صر اً صراحة اتمة يف القرآن‪ .‬فيقتصر أخذ‬
‫األصول على القرآن فقط ‪.‬‬
‫وعلــى هــذا فــال يقبــل أتســيس أصــول العقيــدة علــى األحاديــث‬
‫استقالالً ‪ ،‬فضالً عن الرواايت املنسوبة إىل (األئمة) ‪ .‬بل يصري‬
‫رري مصرررح برره يف‬
‫عنرردو واضررأاً أن كررل روايررة تن رئ أص رالً َر ر‬
‫القرررآن الكررر ابطلررة ‪ .‬ويصرربك كررر لرريف (األصررل) يف أي‬
‫روايرة دلرريالً قاطعراً علررى بطالًرا برردالً مرن االحتجررا را علررى‬
‫صأته !‬
‫والنتيج ــة احلتمي ــة أن احملتج ــني ألص ــوهلم ابل ــرواايت دون ن ــص‬
‫صريح من القرآن هم أهل الباطل‪.‬‬
‫أرأيت قوة هذا القانون الرابين القرآين وبساطته!!‬
‫القواعد السديدة يف محاية العقيدة‬
‫‪61‬‬

‫وهبذا يتم وأد كل الرواايت امللفقة اليت يلجأ إليها أهـل األهـواء‬
‫أتييــداً لبــدعهم بعــد أن أعي ــتهم آايت القــرآن أن جيعلوهــا انطق ــة‬
‫حبججهــم ‪ .‬فلــو كــان مــا ابتــدعوه صــحيحاً ملــا تــرك هللا ذكــره يف‬
‫كتابه وموضوعه األساس أصول الدين وقضاايه الكربى ‪.‬‬
‫أمــا وظيفــة االجتهــاد اخلاصــة فقــد ذكرانهــا ســابقاً عنــد حــديثنا‬
‫عن (العقل) وعالقته أبصول االعتقاد ‪.‬‬
‫الخالصة‬
‫وخالصــة هــذا املبحــث أن أي أصــل أو أمــر عظــيم أضــيف ‪-‬‬
‫أو يض ـ ـ ــاف ‪ -‬إىل ال ـ ـ ــدين س ـ ـ ـواء ك ـ ـ ــان م ـ ـ ــن أص ـ ـ ــول االعتق ـ ـ ــاد‬
‫كـ(اإلمامة) أو(العصمة) ‪ ،‬أو كان من أصـول الشـريعة ومسـائلها‬
‫العظيمة كـ(مخس املكاسب) أو القضااي اخلطرية املتعلقـة أبعـراأ‬
‫النــاس وفــروج احملصــنات مثــل نكــاح (املتعــة) يــرد علــى مــن أضــافه‬
‫وال ميك ــن القب ــول ب ــه ش ــرعاً لس ــبب بس ــيط ه ــو أن ــه أض ــيف إىل‬
‫الدين بـال دليـل يصـلح أن يسـمى دلـيالً ابملعـىن العلمـي للـدليل ‪.‬‬
‫ومـا ال دليـل عليـه فهـو ابطــل ‪ ،‬وال ينبغـي ملسـلم أكرمـه هللا جــل‬
‫وع ــال ابلعق ــل وأع ــزه ابل ــوحي‪ ،‬وجع ــل أس ــاس دين ــه قائمـ ـاً عل ــى‬
‫الــدليل واحلجــة والربهــان أن يعتقــد ابط ـالً ويتبــع ومه ـاً أو ظن ـاً ال‬
‫يغين من احلق شيئاً‪.‬‬
‫القواعد السديدة يف محاية العقيدة‬
‫‪62‬‬

‫ضربة قاضية لكل األصول الباطلة‬


‫وه ــذه القواع ــد ال ــيت ذكر ــا إمن ــا ه ــي س ــالح ق ــاطع وضـ ـرابت‬
‫قاضــية لكــل أصــل فاســد ميكــن أن يضـاف ليشــوه بــه صــفاء هــذا‬
‫الدين العظيم ‪.‬‬
‫وهبذا نستطيع أن حناصر أهل البدع ‪ ،‬وحنمي سياج الدين من‬
‫ان تتغلغل من خالله بدع املبتدعني وأضاليل الزائغني ‪.‬‬
‫واحلمد هلل رب العاملني‪.‬‬
‫القواعد السديدة يف محاية العقيدة‬
‫‪63‬‬

‫خاتمة خارج صلب البحث‬

‫التضخم يصيب الفكر اإلسالمي األصويل‬


‫يف غيبة هذا القانون عن ذاكرة البحث األصويل وخلو‬
‫املنهج االستداليل لدى الباحثني يف األصول من تبنيه والبناء‬
‫عليه يف حبوثهم ونقاشا م أصيب الفكر اإلسالمي األصويل‬
‫حبالة من التضخم ما كان أغناه عنها لو انتبهنا من وقت‬
‫ه َو ا َّل ِذي‬ ‫مبكر ووعينا متام الوعي مراد هللا تعاىل بقوله ‪ُ ( :‬‬
‫ما ٌ‬ ‫م ْحكَ َ‬ ‫اب ِم ْن ُه آيَا ٌ ُ‬ ‫ك ا ْل ِك َت َ‬ ‫لا َع َل ْ َ‬ ‫أَ ْن َز َ‬
‫ما‬‫شا ِن َها ٌ َفأَ َّ‬ ‫م َت َ‬‫ب َوأ َخ ُ ُ‬
‫م ا ْل ِك َتا ِ ُ‬ ‫ه َّن ُأ ُّ‬‫ُ‬
‫شانَ َه‬ ‫ما َق َ‬ ‫ون َ‬ ‫م َز يْ ٌغ َف َ َّت ِب ُع َ‬ ‫ين ِفي ُق ُلو ِن ِه ْ‬ ‫ا َّل ِذ َ‬
‫َم‬ ‫ْ‬
‫ما يَ ْعل ُ‬ ‫اأ َقأ ِو ي ِل ِه َو َ‬
‫اأ ا ْل ِف ْت َن ِ َوانْتِ َغ َ‬
‫ِم ْن ُه انْتِ َغ َ‬
‫ون ِفي ا ْل ِع ْل ِم‬ ‫اس ُخ َ‬‫َقأْ ِو يل َُه إِل ال َّل ُه َوال َّ ِ‬
‫ما يَ َّذ َّ ُ‬ ‫ل ِم ْن ِع ْن ِو َر ِن َنا َو َ‬ ‫آم َّنا ِن ِه ُ ٌّ‬ ‫ون َ‬ ‫يَ ُدو ُل َ‬
‫ب) (آل عمران‪. )7:‬‬ ‫إِل ُأو ُلو الأ َ ْلبَا ِ‬
‫الَ َّن‬‫م إِل َظنا إِ َّن َّ‬ ‫ما يَ َّت ِب ُُ أَ ْ َث ُ ُ‬
‫ه ْ‬ ‫وقوله‪َ ( :‬و َ‬
‫ما‬ ‫م ِن َ‬ ‫َّ‬
‫ش ْئا إِ َّن الل َه َع ِل ٌ‬
‫ل ُي ْغنِي ِم َن ا ْل َح ِق َ‬
‫ون) (يونس‪. )36:‬‬ ‫يَ ْف َع ُل َ‬
‫القواعد السديدة يف محاية العقيدة‬
‫‪64‬‬

‫اون إِ َّلا‬
‫ام إِ ْن يَ َّت ِب ُع َ‬
‫ان ِع ْل ٍ‬
‫اه ِم ْ‬
‫م ِن ِ‬
‫ما ل َُه ْ‬
‫وقولـه‪َ (:‬و َ‬
‫شا ْئا)‬
‫اق َ‬ ‫ان ا ْل َح ِ‬
‫الَ َّن ل ُي ْغنِاي ِم َ‬ ‫الَ َّن َو إِ َّن َّ‬
‫َّ‬
‫(النجم‪ )28:‬وأمثاهلـا مـن اآلايت البينـات الـيت تلـزم اإلنسـان أبن‬
‫يبــين أصــول اعتقاداتــه وأساســيات دينــه علــى اليقــني ‪ ،‬وال تعــرتف‬
‫مبا بين منها على الظن والشبهة واالحتمال ‪.‬‬
‫وهــذا يســتلزم ‪ -‬أول مــا يســتلزم ‪ -‬إســقاط مجيــع األدلــة الظنيــة‬
‫وعـ ــدم اعتبارهـ ــا ‪ ،‬فـ ــال داعـ ــي لالنشـ ــغال بطـ ــال دالال ـ ــا ألن‬
‫الدليل فقد اعتباره من األساس ‪.‬‬
‫ليس هذا هو قصدي متاماً مبا غاب عـن أذهـان العلمـاء ‪ ،‬إمنـا‬
‫هو شيء آخر هو األساس وهذا وصفه ‪ .‬لقد انشغلنا ابلوصـف‬
‫وذهلن ـ ــا ع ـ ــن املوص ـ ــوف ال ـ ــذي ه ـ ــو وج ـ ــوب أن يك ـ ــون ال ـ ــدليل‬
‫األصويل نصاً قرآنياً حصراً ‪ .‬فالرواايت ال أتيت أبصل غاب ذكره‬
‫فلــم يبينــه هللا تعــاىل أوالً يف الق ــرآن ‪ .‬فض ـالً عــن أن يكــون ه ــذا‬
‫األصل ال ذكر له يف الكتاب وال يف السنة فنحتاج إىل استنتاجه‬
‫بعقولنا القاصرة ‪ .‬إذن ملاذا بعث هللا حممداً ‪ ‬؟!‬
‫قصر الدليل األصويل على النص القرآين احملكم‬
‫القواعد السديدة يف محاية العقيدة‬
‫‪65‬‬

‫وابجلم ــع ب ــني الوص ــف واملوص ــوف نتوص ــل إىل ه ــذا الق ــانون‬
‫الرابين األصويل أال وهو وجوب كون الدليل األصـويل نصـاً قرآنيـاً‬
‫قطعي الداللة ‪ ،‬فال يقبل فيه‪:‬‬
‫‪ -‬النص القرآين الظين الداللة‬
‫‪ -‬وال النص الروائي‬
‫‪ -‬فضالً عن االجتهاد العقلي ‪.‬‬
‫بعب ــارة أخ ــرى ‪ :‬قص ــر ال ــدليل األص ــويل عل ــى حمكم ــات آايت‬
‫الكتاب ‪.‬‬

‫كيف خنلص العوام من طامة التقليد يف األصول‬


‫هبذا نصل إىل احلق من أقرب طريق ‪ ،‬وأبيسر وسيلة ‪.‬‬
‫ونصيب كبد احلقيقة ‪ :‬فنعرف األصول الصحيحة من‬
‫األصول الباطلة دومنا حاجة إىل كثرة الردود وإطالة النقاش ‪،‬‬
‫وال جلوء إىل كتب التفسري وأقوال العلماء ‪ ،‬أو قواميس اللغة‬
‫األمر الذي شوش صورة احلق يف أذهان الكثري من عوام‬
‫الناس وجعلهم يعيشون يف بلبلة فكرية شديدة ال يدرون‬
‫القواعد السديدة يف محاية العقيدة‬
‫‪66‬‬

‫ابلضبط مع من يكون احلق ؟ وأخرياً ال جيدون ملجأً غري‬


‫تقليد من يثقون به مع أن الكل متفقون على عدم جواز‬
‫التقليد يف األصول ‪ .‬فقل يل بربك َمن من العوام يستطيع‬
‫تبني وجه احلق وسط هذه املعمعة من اجلداالت والنقاشات‬
‫اليت يصعب استيعاهبا دون معرفة دقيقة سابقة أبصول الفقه‬
‫واللغة واحلديث واملنطق وأساليب اجلدل وغريها من لوازم‬
‫معرفة دالالت األدلة ؟! َمن من العوام يفهم يف هذا ليستطيع‬
‫احلكم مستقالً ابحلق هلذا قطعاً دون ذاك ؟! وكيف له أن‬
‫يتخلص من التقليد ليتوصل بنفسه إىل معرفة أصول دينه وقد‬
‫أمست األصول حتتاج إىل كل هذه التشكيلة من العلوم وهو‬
‫ال سنها ؟!‬
‫إن هـذا هـو أحــد األسـباب الــيت جتعـل مـن العـوام صـيداً ســهالً‬
‫للمشككني ‪ ،‬ما يؤدي هبم إىل أن يكونـوا دومـاً رصـيداً احتياطيـاً‬
‫ألهل الباطل ‪.‬‬
‫أما إذا علمنا املسلم أن ال يبين أصول دينه إال على‬
‫اآلايت الواضــحة الــيت ال تمــل نصــها إال معــىن حمــدداً ال تــاج‬
‫إىل تفس ـري فقــد خلصــناه أوالً مــن احلاجــة إىل التقليــد يف التعــرف‬
‫القواعد السديدة يف محاية العقيدة‬
‫‪67‬‬

‫عل ــى األص ــول ‪ ،‬وجعلن ــاه اثنيـ ـاً عل ــى بين ــة قاطع ــة م ــن أن ه ــذه‬
‫األصـول الـيت يـؤمن هبـا إمنـا هــي األصـول الـيت جـاء هبـا رســول هللا‬
‫‪ ‬من ربه جل وعـال ‪ .‬ويف الوقـت نفسـه يسـتطيع إطـالق احلكـم‬
‫اجلازم دون تردد ببطالن كل أصـل ابطـل بنفسـه دون احلاجـة إىل‬
‫االســتعانة أبحــد مــن العلمــاء وغــريهم ‪ ،‬وال معرفــة أبي علــم مــن‬
‫تلــك العلــوم الــيت أشـران إليهــا آنفـاً ‪ .‬بــل يســتطيع أي مســلم حــىت‬
‫لو كـان أميـاً أن يُسـكت أي عـامل مـن علمـاء الضـاللة مهمـا أويت‬
‫مــن علــم وكــان علــى درايــة أبســاليب اجلــدل مــا دام أصــله الــذي‬
‫تج له ال وجود له يف القرآن ابلنص احملكـم الصـريح القطعـي يف‬
‫داللته ‪.‬‬

‫عدم احلاجة إى أي علم ملعرفة األصول‬


‫إن هــذا القــانون ســيغين املســلم عــن احلاجــة إىل معرفــة أي علــم‬
‫مــن العلــوم لكــي يتعــرف علــى أصــول دينــه ‪ -‬حــىت لــو كــان هــذا‬
‫العلـم علـم تفسـري القـرآن ‪ -‬مـا دام الـنص القـرآين األصـويل انطقـاً‬
‫بنفسه معرباً عن األصل املراد صراحة ‪.‬‬
‫القواعد السديدة يف محاية العقيدة‬
‫‪68‬‬

‫وأما احلديث وعلومه فال حاجة له فيه البتة ألن األصول كلها‬
‫موجودة صراحة يف القرآن ‪.‬‬
‫ك ــذلك العل ــوم العقلي ــة ش ــأهنا ش ــأن م ــا س ــبقها م ــن العل ــوم‪:‬‬
‫التفسري فما دونه !‬
‫وهبــذا نكــون قــد خلصــنا الفكــر اإلســالمي األصــويل مــن حالــة‬
‫التضـ ــخم والرتهـ ــل الـ ــيت أصـ ــابته يف الصـ ــميم ‪ ،‬وأدت بـ ــه إىل أن‬
‫يتح ــول إىل فك ــر انع ـزايل ب ــوي ال س ــن التعام ــل مع ــه إال م ــن‬
‫امتلــك رصــيداً غــري قليــل مــن العلــم والثقافــة واملعرفــة‪ ،‬بينمــا يتفــق‬
‫اجلميـ ــع علـ ــى أن األصـ ــول وأدلتهـ ــا جيـ ــب أن تكـ ــون يف متنـ ــاول‬
‫اجلميع علماء وعامة ‪.‬‬
‫لقــد كــان يفــرتأ علــى الفكــر اإلس ـالمي األصــويل أن ســم‬
‫ه ــذه القض ــية العظيم ــة من ــذ البداي ــة ويربزه ــا وجيعله ــا يف متن ــاول‬
‫إدراك كــل مســلم ‪ .‬ولــو حصــل ذلــك لكنــا قــد اســتغنينا عــن هــذه‬
‫الـ ــردود الطويلـ ــة املرهقـ ــة ‪ ،‬وختلصـ ــنا مـ ــن آالف الكتـ ــب املطولـ ــة‬
‫واملختصرة الـيت ألفـت يف موضـوع العقيـدة ‪ ،‬والـيت هـي جمـرد ردود‬
‫على أابطيل أهل الزيغ الذين جنحوا أميا جنـاح يف جـران بعيـداً عـن‬
‫القواعد السديدة يف محاية العقيدة‬
‫‪69‬‬

‫املصـدر األســاس والوحيــد ل صــول أال وهـو حمكــم القــرآن العظــيم‬


‫‪.‬‬

‫مجلة واحدة تكفي إلسقاط مجيع أصول املبتدعة‬


‫ولو كنا قد انتبهنا إىل هذه املغالطة املنهجية يف االستدالل‬
‫األصويل لكان نقاشنا مع املبتدعة ومجيع املبطلني ينتهي‬
‫جبملة واحدة ‪ ،‬وأابطيلهم تسقط بضربة واحدة هي ‪ :‬هل‬
‫هذا الذي تدعونه من األصول عليه دليل صريح من القرآن ؟‬
‫عند ذاك سيتبني للجميع – علماء وعامة ‪ ،‬متعلمني وأميني‬
‫– عجزهم الكامل والواضح عن اإلتيان ولو ية واحدة دليالً‬
‫على ما يدعون ! ألن هذا الكتاب العظيم (ل يَأْقِ ِه‬
‫يل‬
‫ل ِم ْن نَ ْ ِن يَ َويْ ِه َول ِم ْن َخ ْل ِف ِه َق ْن ِز ٌ‬
‫اط ُ‬‫ا ْلبَ ِ‬
‫ِم ْن َح ِك ٍم َح ِم ٍو) فليس فيه حجة حمكمة ألهل‬
‫الباطل ‪.‬‬
‫لكن يف غيبة هذه احلقيقة الواضحة السهلة امليسرة‬
‫جيرجران أهل الزيغ بعيداً عن حمكمات الكتاب إىل متشاهباته‬
‫اليت حتتمل وجوهاً عديدة من املعاين ‪ ،‬وفيها جمال واسع‬
‫القواعد السديدة يف محاية العقيدة‬
‫‪70‬‬

‫لالختالف بني العلماء ‪ ،‬وليس من السهل القريب أحياانً‬


‫إلزام اخلصم ابملعىن اآلخر لقية موضوع النقاش ‪ ،‬وال يعدم‬
‫األمر من رأي شاذ قال به بعض املنتسبني للحق ‪ .‬فإذا‬
‫أدخلت الرواايت يف النقاش أو االستدالل تعقدت املسألة‬
‫أكثر ألن الرواايت يكثر فيها املكذوب والضعيف انهيك عن‬
‫الصحيح احملتمل املعىن‪ ،‬فال بد أن نلجأ إىل قواعد التصحيح‬
‫والتضعيف واخلوأ يف علم اجلرح والتعديل ‪ ،‬وهو حبر ال‬
‫ساحل له فإن االختالف فيه ليس له حدود ‪ ،‬ولكل فريق‬
‫كل يصحح ويضعف ما ال يتفق‬ ‫قواعده وأحكامه اخلاصة ‪ ،‬و ٌ‬
‫فيه مع اآلخر فيتحول الكالم إىل حركة يف فراغ ال طائل حتته‬
‫! وتتضخم الردود وتزدحم املكتبة بركامها ‪.‬‬
‫أما إذا دخلت األدلـة (العقليـة) واألحبـاا الفلسـفية يف حومـة‬
‫الن ـزاع فتكــون الواقعــة قــد وقعــت وقضــي األمــر وانســدت الســبل‬
‫كلها يف وجه طاليب احلق واحلقيقة من حيث نتصـور أننـا نلـتمس‬
‫احلق وجنلي وجهه لطالبيه !‬
‫القواعد السديدة يف محاية العقيدة‬
‫‪71‬‬

‫دين هللا يف ليس معقداً وال فوق مستوى هن‬


‫العوام‬
‫واآلن قل يل بربك ‪ :‬هل ميكن أن تتصور أن دين هللا جل‬
‫وعال معقد إىل هذه الدرجة ؟ وأنه سبحانه قد وكل عباده‬
‫كي يتعرفوا على معامل دينه الكربى إىل هذه السبل الطويلة‬
‫البعيدة املتعرجة اليت ال سن اخلوأ فيها إال الفطاحل من‬
‫البشر ؟ مث اكم على أساسها عامة املسلمني مع أن سلوكها‬
‫أو فهمها متعذر عليهم ! فإذا أخطأ أحدهم ألنه مل جيد بداً‬
‫من تقليد العلماء فيها يكون حاله كحال أولئك الذين أخرب‬
‫هللا تعاىل عنهم فقال ‪:‬‬
‫اأ َنا‬ ‫َ‬
‫ات َق َنا َو ُبَ َ َ‬
‫س َ‬‫( َو َقا ُلوا َرنَّ َنا إِ َّنا أ َط ْع َنا َ‬
‫ِ ْع َف ْ ِن ِم َن‬‫م ِ‬ ‫ِ ُّلو َنا ال َّ‬ ‫َ‬
‫س ِب ل * َرنَّ َنا آقِ ِه ْ‬ ‫َفأ َ‬
‫م ل َْعنا َ ِب ا ) ‪.‬‬ ‫ب َوا ْل َع ْن ُه ْ‬
‫ا ْل َع َذا ِ‬
‫حاشا وكال ! إن دين هللا يف أصوله ومعامله الكربى سهل‬
‫ميسر ‪ ،‬يف إمكان أي إنسان معرفته وفهمه دون حاجة إىل‬
‫أحد سوى القرآن كما قال رسول هللا ‪ (( : ‬تركتكم على‬
‫البيضاء ليلها كنهارها ال يزيغ عنها إال هاليف )) ‪ .‬ولو كان‬
‫القواعد السديدة يف محاية العقيدة‬
‫‪72‬‬

‫الدين معقداً إىل هذه الدرجة اليت وصلنا إليها يف معزل عن‬
‫القرآن ملا قال الرسول هذا القول ‪ ،‬وجلاز شرعاً أن تتعدد‬
‫األداين والطوائف بتعدد أصوهلا اليت ال ضابط هلا كما جاز‬
‫تعدد املذاهب الفقهية طبقاً لالختالف اجلائز يف املسائل‬
‫الفرعية اليت ال ميكن أن ترجع يف عمومها إىل مثل ما ترجع‬
‫إليه األصول من ذلك القانون الرابين القرآين احلكيم الذي هو‬
‫موضوع رسالتنا هذه‪.‬‬
‫ولقد أتملت أصول الفرق الزائغة فوجد ا مجيعاً اتفهة‬
‫ليست بشيء ؛ ألهنا ال تقوم على أساس شرعي يستحق‬
‫التوقف والنظر ‪ .‬وعلى هذا فإن إطالة حبل النقاش فيها‬
‫ابلنظر يف دالالت (أدلتها) دون حسمه ببيان كون (الدليل)‬
‫غري مؤهل لالستدالل من األساس هو الذي أعطى هذه‬
‫األصول قيمة يف أذهان الناس ‪ ،‬وجعل الكثريين منهم‬
‫يعيشون حالة من الشك ‪ ،‬أو ‪ -‬على األقل ‪ -‬تملون‬
‫صحة هذه األصول ‪ .‬ولو اتبعنا املنهج اإلهلي القرآين لكان‬
‫قد تبني لكل مسلم تفاهة كل أصل من تلك األصول ومن‬
‫اجلولة األوىل ألننا بتطبيق هذا املنهج ال حنتاج إىل ردود طويلة‬
‫أو معقدة تشوش صورة احلق يف ذهن القار أو السامع‬
‫القواعد السديدة يف محاية العقيدة‬
‫‪73‬‬

‫تبني وجه احلقيقة ‪.‬‬


‫وجتعله يف تردد وتشكك من ن‬

‫المحتوى‬

‫المنهج القرآني في إثبات أصول الدين‬


‫القواعد السديدة يف محاية العقيدة‬
‫‪74‬‬

‫االسادالل قبل االعاقاد‬


‫ءرط الدليل سالماه من االحامال‬
‫طريقة القرآن في إثبات أصول االعتقاد‬
‫امخةار وام ةا‬
‫الاكرار‬
‫الوضوح الاام أو القرعي‬
‫األدل الافصيل على هله ال قائق األرب‬
‫هللا‬ ‫وحدا‬ ‫‪-1‬‬
‫بوة م مد ‪‬‬ ‫‪-2‬‬
‫اليوم اآلخر‬ ‫‪-3‬‬
‫طريقة القرآن في إثبات أصول الشريعة‬
‫خالص القا ون‬
‫العقل وأصول االعتقاد‬
‫ح] ق العقل المقصود‬
‫اخاالف العقالء ف ما يعقلون‬
‫ال يصح اساقالل العقل ي أصول االعاقاد‬
‫القواعد السديدة يف محاية العقيدة‬
‫‪75‬‬

‫القرآن هو الحجة‬
‫ور ف العقل‬
‫أدل القرآن عقل ت ا‬
‫حنج القرآن ال نف الزائ ين‬
‫ا ةا) الماشاته هو العالم الفارق بين الفريقين‬
‫ريق نل المضلين‬
‫أمثل من احاناج النصارى تالقرآن‬
‫أي الفريقين أقوى حن ؟‬
‫القرآن يشاد أ ه المرج الوحيد ي لقي األصول‬
‫لمانا ياربون من القرآن ملى عقولا وآرائا‬
‫األحاديث (أو الروايا ) وأصول الدين‬
‫الوظيفة الخاصة بكل من الكتاب والسنة والعقل‬
‫ور ف القرآن الخاص‬
‫ور ف ال(ن‬
‫الخالص‬
‫ضرب قاض لكل األصول الةا ل‬
‫القواعد السديدة يف محاية العقيدة‬
‫‪76‬‬

‫خاتمة خارج صلب البحث‬


‫الاضخ يصيب الفكر امسالمي األصولي‬
‫قصر الدليل األصولي على النص القرآ ي الم ك‬
‫ك ف خلص العوام من ام الاقليد ي األصول‬
‫عدم ال اج ملى أي عل لمعر األصول‬
‫أصول المبادع‬ ‫جمل واحدة كفي مسقاط جم‬
‫القواعد السديدة يف محاية العقيدة‬
‫‪77‬‬

‫معقدثا وال وق م(اوى نهن العوام‬ ‫دين هللا ل‬


‫الم اوى‬

You might also like