Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 14

‫اللهم صل وسلم على سيدنا محمد صالة تحل بها عقدتي‪ ،‬وتفرج بها كربتي‪،‬‬

‫وتمحو بها خطيئتي‪ ،‬وتقضي بها حاجتي‪.‬‬

‫مقدمة‪:‬‬
‫يعد باب المنصوبات من أوسع األبواب مدعاة للجدل بين النحويين؛ فما أكثر ما اختلف النحويون في تحديد نوع‬
‫المنصوب! وقد كانت لهم دائما في ذلك تقديراتهم المختلفة‪ ،‬التي كانت على الدوام دليال على النزعة العقلية التي‬
‫يقوم عليها النحو العربي‪ ،‬وعلى جهود النحويين في الوصول إلى فهم عميق للغة‪.‬‬
‫ومما الشك فيه أن النحاة القدامى قد يذلوا جهودا عظيمة في دراسة التمييز‪ | ،‬ابتداء بالخليل بن أحمد الفراهيدي‪،‬‬
‫الذي قام بالتفريق بين ما ينتصب على التفسير‪ ،‬وما ينتصب على التمييز‪ ،‬األمر الذي يوافق تقسيمنا التمييز‬
‫اليوم إلى تمييز مفرد وتمييز نسبة‪ ،‬ثم ظهرت فروع هذين القسمين عند سيبويه‪ ،‬غير أن تمييز النسبة | اقتصر‬
‫عنده على التمييز المحول عن فاعل مضاف‪ ،‬ثم أضيف في عهد النحاة المتأخرين فرع آخر‪ ،‬وهو التمييز‬
‫المحول عن مفعول به مضاف‪ ،‬أما التمييز المحول عن مضاف غيرهما؛ فمنهم من كان يلحقه بالتمييز المحول‬
‫عن فاعل مضاف‪ ،‬ومنهم من رأى أنه متحول عن مبتدأ مضاف‪.‬‬
‫وقد عكف النحويون على تحديد سمات التمييز ودراستها‪ ،‬من خالل مقارنته بغيره من المنصوبات‪ ،‬وعلى‬
‫رأسها الحال‪ ،‬كما درسوا رتبته وعلة نصبه‪ .‬و ينظر اليوم إلى التمييز في ضوء الدراسات النحوية الحديثة و‬
‫علم اللسانيات على أنه جزء من مركب تمييزي متحول عن مركب إضافي أو وصفي‪.‬‬
‫وإذا كنت ال أنكر قيمة الجهود المبذولة في دراسة التمييز‪ ،‬فإنني في الوقت ذاته أرى أن هناك أمورا كثيرة‬
‫تتعلق بالتمييز وسماته الذاتية‪ ،‬ما تزال بحاجة إلى وضع تحت المجهر‪ ،‬وإلى مناقشة وتحليل في سبيل قراءة‬
‫جديدة له‪ ،‬كما أن التمييز ما زال بحاجة إلى ما يفك اشتكاله بوضوح مع غيره من المنصوبات في التركيب‪،‬‬
‫والسيما الحال‪.‬‬
‫ولذلك آثرت أن تكون دراسة التمييز وتحليل بنيته موضوع البحث‪ ،‬والسيما | أنني لم أعثر على مؤلف مستقل‬
‫خاص بالتمييز‪ ،‬وإن كان قد ندر أن يخلو كتاب من كتب النحو من تخصيص قسم للتمييز بين دفتيه‪.‬‬
‫ومن هذا المنطلق تسعى هذه الدراسة إلى تقديم قراءة جديدة في أحد فروع المنصوبات‪ ،‬وهو (التمييز)‪ ،‬بغية‬
‫الوصول إلى رؤية أكثر تحديدا له ولسماته الذاتية‪ | ،‬ولما يتعلق به من عالقات وقرائن تدلل عليه‪ ،‬وبالتالي‬
‫تضييق دائرة االلتباس بينه وبين باقي المنصوبات‪ ،‬حيث يمكن للخالف أن يقع‪ ،‬وتحاول إسقاط المزيد م ن‬
‫الضوء على موقعه من التركيب وما ينتسب إليه من دالالت وقرائن و ارتباطات مختلفة‪..‬‬
‫و (التمييز) قبل كل شيء انعكاس للتطور الداللي في العالقات بين مكونات التراكيب اللغوية‪ ،‬وهو في صورته‬
‫المحولة يعبر عن فلسفة عميقة تتفاضل علی أساسها التراكيب‪ ،‬وتعكس نسبية العالقة بين العلة والمعلول‪ ،‬ومن‬

‫‪1‬‬
‫ثم ف (التمييز) بنية لها عمقها التركيبي وعالقاتها التجريدية‪ ،‬التي تسهم الظواهر الصرفية | والصوتية والبالغية‬
‫و غيرها في تكوينها‪ ،‬وإعطائها الصورة المناسبة‪.‬‬
‫ومن هنا تتناول هذه األطروحة (التمييز) وفق منهج وصفي تحليلي‪ ،‬تسعى من خالله إلى دراسة التمييز في‬
‫عمق البنية اللغوية‪ ،‬وفي ضوء العالقات التركيبية والظواهر الصرفية والصوتية‪ ،‬ومن منظور علمي البالغة‬
‫والداللة‪ .‬وعلى هذا االعتبار تم اختيار عنوان البحث وهو‪ :‬والتمييز دراسة تحليلية في البنية‪.‬‬
‫ويقسم البحث إلى مقدمة‪ ،‬وتمهيد‪ ،‬وبابين‪ ،‬يقع كل باب منهما في ثالثة فصول‪ ،‬وينتهي بعدئذ بخاتمة‪.‬‬
‫أما الباب األول‪ :‬فهو بعنوان (التمييز نوعا)‪ ،‬وهو يدرس تمييز المفرد بقسميه (تمييز المقادير وما يلحق بها)‪،‬‬
‫و (تمييز العدد)‪ ،‬ويدرس كذلك (تمييز النسبة) بأقسامه (المحول عن فاعل ) و (المحول عن مفعول به) و‬
‫(المنتصب بعد أفعل التفضيل)‪.‬‬
‫وأما الباب الثاني‪ :‬فهو بعنوان (التمييز في التركيب بين السمة والعالمة) ويدرس الفصل األول منه ‪ -‬وهو‬
‫(التمييز في التركيب) ‪ -‬التمييز كأحد المنصوبات التركيبية مندرجة تحت ما يسمى اإلعراب الداللي المبوب‪،‬‬
‫كما يدرس العالقة بين التمييز وعامله‪ ،‬ويدرس كذلك جر التمييز في التركيب‪ ،‬كما يعنى بدراسة التمييز من‬
‫حيث الرتبة‪ ،‬ومن حيث وقوع الحذف عليه في السياق اللغوي‪ ،‬ويسلط الضوء على داللة تحول التمييز عن‬
‫أصله‪.‬‬
‫ويدرس الفصل الثاني منه ‪ -‬وهو (التمييز سمة) ‪ -‬سمات التمييز‪ ،‬فيقف على السمات التي يشترك فيها التمييز‬
‫مع باقي المنصوبات‪ ،‬أو مع بعضها‪ ،‬كما يسلط الضوء على السمات التي ينفرد بها عن غيره‪.‬‬
‫وأما الفصل الثالث‪ ،‬وهو (عالمة التمييز)‪ ،‬فيبحث في مصطلح العالمة‪ ،‬ثم يتجه إلى االستدالل على القرينة‬
‫المعنوية للتمييز في التركيب‪ ،‬كما يدرس العالمة الصوتية له‪ ،‬يضاف إلى ذلك أنه يدرس التمييز بوصفه مفهوما‬
‫مجردة‪.‬‬
‫وقد ذيلت البحث بدراسة إحصائية ل مواقع التمييز في القرآن الكريم) ‪ ،‬حيث اعتمدت في اإلحصاء على برنامج‬
‫حاسوبي‪ ، ،‬و أردت بالتمييز المحول فيها ما كان محوال في المعنى أو الصناعة ؛ ألن ماهو فيها محول في‬
‫المعنى دون الصناعة يمكن رده بلطف الصنعة وحسن التقدير إلى المحول في المعنى والصناعة‪ ،‬كما قمت‬
‫بتحليل نتائج هذه اإلحصائية‪.‬‬
‫ولئن كانت آفاق العلوم ال نهاية لمداها‪ ،‬وكنوزها ثرة‪ ،‬والبحث فيها ال ينتهي عند حد‪ ،‬إن غاية ما أتمناه من هذا‬
‫البحث‪ ،‬أن يكون أحد المعابر التي تتواصل م ع غيرها لخدمة هذه اللغة الشريفة‪ ،‬وبحوثها العلمية و درسها‬
‫النبيل‪.‬‬
‫وأخيرا أتوجه بالشكر إلى أستاذي المشرف الدكتور حسين وقاف‪ ،‬الذي أشرف على هذا البحث‪ ،‬وتواله بالرعاية‬
‫والعناية‪ ،‬أقدرنا هللا و إياه على خدمة هذه اللغة الشريفة‪ ،‬التي تعهدها سبحانه وتعالى بحفظه فقال جل جالله‪":‬‬
‫إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون"‪.‬‬
‫فإن يك ما أحاوله قد آتي أكله فيمنه وكرمه‪ ،‬وإال فإن ما ال يدرك كله ال يترك جله‪ ،‬وهللا الموفق للصواب‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫تمهيد‪:‬‬
‫التمييز لغة‪1‬تخليص األجناس بعضها من بعض؛ أي فصل الشيء من غيره‪ .‬قال عز من قائل‪( :‬وامتازوا اليوم‬
‫أيها المجرمون‪2‬؛ بمعنى تميزوا؛ أي انفردوا وانفصلوا عن المؤمنين‪ ،‬وقال تعالى‪ :‬وتكاد تميز من الغيظ‪3‬؛ أي‬
‫ينفصل بعضها من بعض‪ .‬وأما التمييز اصطالحا فلدى العودة إلى الخليل بن أحمد الفراهيدي‪ ،‬في محاولة لتتبع‬
‫التطور في مفهوم التمييز‪ ،‬نجد أن الخليل قد فرق بين ما ينتصب على التفسير وما ينتصب على التمييز‪ ،‬فقال‬
‫‪" :‬والنصب من التفسير قولهم عندك خمسون رجال‪ .‬نصبت ( رجال ) على التفسير‪ .‬قال هللا عز وجل‪« :‬إن هذا‬
‫أخي له تسع وتسعون نعجة‪4‬نصبت ( نعجة ) على التفسير‪ ...‬والنصب من التمييز قولهم‪ :‬أنت أحسن الناس‬
‫وجها وأسمحهم كفا‪ [ .‬يعني‪ :‬إذا ميزت وجها وكفا‪ .‬فنصبت (وجها) و ( كقا ) ‪ ،‬على التمييز "‪5.‬‬
‫إن النوعين اللذين ذكرهما الخليل يوافقان ‪ -‬كما سنرى – فرعي التمييز‪ ،‬فما | انتصب على التفسير يقابل تمييز‬
‫المفرد‪ ،‬وما انتصب على التمييز يقابل تمييز التسبة‪.‬‬
‫أما سيبويه فال نجد عنده تسمية صريحة لهذا المفهوم‪ ،‬وإنما نجد تسميات غير صريحة‪ ،‬من نحو‪ " :‬ما انتصب‬
‫انتصاب االسم بعد المقادير"‪ ،‬و" ما انتصب على أنه ليس من االسم األول وال هو هو"‪6.‬‬
‫وأما المبرد فقد استخدم لمفهوم التمييز مصطلحين‪ ،‬لم يفصل بينهما هما | "التبين والتمييز"‪ ،‬فقال في الباب‬
‫الذي تحدث فيه عن التمييز‪ " :‬هذا باب التبيين والتمييز"‪7.‬‬
‫واستخدم له الزمخشري مصطلحين آخرين إلى جانب مصطلح "التمييز"‪ ،‬فقال‪ " |:‬ويقال له التبيين و التفسير‬
‫وهو رفع اإلبهام في جملة أو مفرد بالنص على أحد محتمالته"‪8.‬‬
‫أي إن التمييز يرفع اإلبهام المستقر في الجملة أو المفرد‪ ،‬فينقسم بذلك قسمين رئيسين هما تمييز الجملة وتمييز‬
‫المفرد‪ ،‬وسيكون هناك تفرعات للتمييز تنحصر في هذين القسمين‪.‬‬

‫‪ 1‬ينظر‪ :‬لسان العرب‪ ،‬ابن منظور‪ ،‬دار صادر ‪ -‬بيروت‪۱۹۵۹ ،‬م‪ ،‬مادة (ميز)‪ .‬وينظر‪ :‬تاج العروس من جواهر القاموس‪،‬‬
‫المرتضى الزبيدي‪ ،‬دراسة وتحقيق علي شيري‪ ،‬دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬بيروت ‪ -‬لبنان‪ ،‬د‪.‬ط‪1414 ،‬هــ ‪۱۹۹4 -‬م‪،‬‬
‫مادة (ميز)‪.‬‬
‫‪ 2‬يس ‪.۵۹‬‬
‫‪ 3‬الملك ‪۸‬‬
‫‪ 4‬ص ‪۲۳‬‬
‫‪ 5‬الجمل في النحو‪ ،‬الخليل بن أحمد الفراهيدي‪ ،‬تح‪ .‬الدكتور فخر الدين قباوة‪ ،‬مؤسسة الرسالة ‪ -‬بيروت‪ ،‬ط ‪۱۶۰۷ ،۲‬هـ ‪-‬‬
‫‪۱۹۸۷‬م‪ ،‬ص ‪46- 45‬‬
‫‪ 6‬ينظر‪ :‬الكتاب‪ ،‬سيبويه‪ ،‬تحقيق وشرح عبد السالم محمد هارون‪ ،‬عالم الكتب ‪ -‬بيروت‪ ،‬د‪.‬ت‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬ج ‪ ،۲‬ص ‪۱۷۹،۱۱۹ -۱۱۸‬‬
‫‪.‬‬
‫‪ 7‬المقتضب‪ ،‬أبو العباس المترد‪ ،‬تح‪ .‬محمد عبد الخالق عضيمة‪ ،‬عالم الكتب ‪ -‬بيروت‪ ،‬د‪.‬ت‪ ،‬د‪.‬ط‪۳/۳۲ ،‬‬

‫‪ 8‬شرح المفصل في صنعة اإلعراب الموسوم بالتخمير‪ ،‬القاسم بن الحسين الخوارزمي‪ ،‬تح‪.‬‬
‫د‪ .‬عبد الرحمن بن سليمان العثيمين‪ ،‬دار الغرب اإلسالمي‪ ،‬بيروت ‪ -‬لبنان‪ ،‬ط‪۱۹۹۰ ،1‬م‪ | ،‬ص ‪ .447‬وسنشير إليه الحقا ب (‬
‫التخمير)‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫ويقول ابن مالك معرفة التمييز ومحددة أقسامه‪" :‬ما فيه معنى ( من الجنسية من نكرة منصوبة فضلة غير تابع‪،‬‬
‫ويميز إما جملة‪ ....‬وإما مفردة عددا‪ ،‬أو مفهم مقدار‪ ،‬أو مثلية أو غيرية أو تعجب بالنص على جنس المراد بعد‬
‫تمام بإضافة أو تنوين أو نون تثنية‪ ،‬أو جمع أو شبهه ‪1‬‬
‫ونجد ابن مالك يجمل تعريف التمييز بقوله‪ " :‬مزيل إبهام منكر" حوى معنی (من) التمييز نحو (کم لوى) " ‪2‬‬
‫وهو يحدد السمات العامة التي يشترك بها التمييز وغيره من المنصوبات‪ ،‬كما يحدد السمات الذاتية الخاصة‬
‫بالتمييز‪ ،‬فيصف التمييز بأنه يشترك مع المفعوالت والنعت الرافع لالشتراك و الحال بإزالة اإلبهام‪ ،‬ولكنه ينفرد‬
‫عنها إذا استثنينا الحال بأنه نكرة‪ .‬وهو يشترك مع اسم ال التبرئة في تضمن معنی من‪ ،‬لكنه ينفرد عنه بأنه مزيل‬
‫لإلبهام‪.3‬‬
‫ويرى اإلسفرائيني أن التمييز "هو ما يرفع اإلبهام المستقر عن ذات مذكورة‪ ،‬أو مقدرة‪ 4 ،" ...‬فالذات المبهمة‬
‫التي يفسرها التمييز إذا؛ إما أن تكون ذاتا ظاهرة‪ ،‬وهذا يكون في حال تمييز المفرد‪ ،‬وإما أن تكون ذاتا مقدرة‪،‬‬
‫وهذا في حال تمييز النسبة‪ ،‬فالغموض حينها يلف الشخصية االعتبارية التي تقدر بها النسبة‪.‬‬
‫وعلى هذا االعتبار سنجد أن األصل في التمييز أن يأتي ذات جامدة ال اسما مشتقا‪ ،‬وذلك ألن بيان الذات إنما‬
‫يكون بالذات‪ ،‬على حين أن االسم المشتق يفيد بيان الهيئة المتصلة بالحركة وهذا يخص مفهوم الحال ال التمييز‪.‬‬
‫ويقول ابن هشام عن التمييز‪ " :‬هو ما اجتمع فيه خمسة أمور؛ أحدها أن يكون اسما‪ ،‬والثاني‪ :‬أن يكون فضلة‪،‬‬
‫والثالث‪ :‬أن يكون نكرة‪ ،‬والرابع‪ :‬أن يكون جامدا‪ ،‬والخامس‪ :‬أن يكون مفسر لما انبهم من الذوات‪.‬‬
‫فهو موافق للحال في األمور الثالثة األولى‪ ،‬ومخالف في األمرين األخيرين؛ ألن الحال مشتق مبين للهيئات‪،‬‬
‫‪5‬‬
‫والتمييز جامد مبين للذوات "‪.‬‬
‫وللتمييز ‪ -‬كما يقول السيوطي ‪ -‬مرادفات أخرى‪ ،‬هي‪ :‬المميز والتبيين‪ ،‬والمبين‪ ،‬والتفسير‪ ،‬والمفسر‪ 6،‬وهو‬
‫يقول في التمييز‪ " :‬التمييز هو نكرة بمعنی (من) رافع إلبهام جملة‪ ،‬أو مفرد عددا‪ ،‬أو مبهم مقدار أو مماثلة‪،‬‬
‫أو مغايرة‪ ،‬أو تعجب بالنص على جنس المراد بعد تمام بإضافة أو تنوين‪ ،‬أو نون‪ .‬ومنع الكوفية التمييز بمثل‬
‫‪7‬‬
‫وغير‪ ،‬و أبو ذر ب (ما) في نعم‪ ،‬واألعلم عن التعجب‬
‫أما أبو حيان األندلسي فيقول‪" :‬التمييز‪ :‬اسم نكرة مفسر مبهم ذات وينتصب عن تمام کالم‪ ،‬منقول من فاعل أو‬
‫مفعول‪ ،‬أو غيرهما‪ .‬وال يجر ب (من) وغير منقول‪ ،‬ويجر ب ( من) إال في ( نعم و بئس ) فضرورة‪ .‬وعن‬
‫تمام اسم عددا أو مقدار لمكيل‪ ،‬وموزون‪ ،‬وممسوح‪ ،‬أو شبيها به‪ ،‬وال ينقاس‪ ،‬وتمامه بنون أو تنوين‪ ،‬أو تقديره‬

‫‪ 1‬تسهيل الفوائد وتكميل المقاصد‪ ،‬ابن مالك الطائي‪ ،‬حققه وقدم له محمد كامل بركات‪ ،‬دار الكاتب العربي للطباعة والنشر ‪-‬‬
‫المؤسسة المصرية العامة للتأليف والنشر باالشتراك مع المجلس األعلى لرعاية الفنون واآلداب والعلوم االجتماعية‪ ،‬وزارة الثقافة‬
‫– الجمهورية العربية المتحدة‪ ،‬د‪ .‬ط‪۱۳۸۷ ،‬ه ‪۱۹۹۷ -‬م‪ ،‬ص ‪ .114‬وسنشير إليه الحقا ب( التسهيل)‪.‬‬
‫‪ 2‬شرح الكافية الشافية‪ ،‬ابن مالك الطائي‪ ،‬تح‪ .‬د‪ .‬عبد المنعم أحمد هريدي‪ ،‬دار المأمون للتراث‪ ،‬دمشق‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬د‪.‬ت‪ ،‬ص ‪.667‬‬
‫‪ 3‬ينظر‪ :‬م‪ .‬س‪ ،‬ص ‪.۷۶۸-۷۹۷‬‬
‫‪ 4‬اللباب في علم اإلعراب‪ ،‬اإلسفرائيني‪ ،‬تح‪ .‬د‪ .‬شوقي المعري‪ ،‬مكتبة لبنان ناشرون‪ ،‬بيروت ‪ -‬لبنان‪ ،‬ط‪۱۹۹6 ،1‬م‪ ،‬ص ‪-104‬‬
‫‪ .106‬وسنشير إليه الحقا ب( اللباب‪ ،‬اإلسفرائيني)‪.‬‬
‫‪ 5‬شرح قطر الندى وبل الصدى‪ ،‬ابن هش ام األنصاري‪ ،‬ومعه كتاب سبيل الهدی بتحقيق شرح قطر الندى‪ ،‬تأليف محمد محيي‬
‫الدين عبد الحميد‪ ،‬مطبعة السعادة بمصر‪،‬ط‪۱۳۸۳ ،۱۱‬ه‪۱۹۹۳ -‬م‪ ،‬ص ‪ .۲۳۸ - ۲۳۷‬وسنشير إليه الحقا ب(شرح قطر الندى)‪.‬‬
‫‪ 6‬ينظر‪ :‬همع الهوامع في شرح جمع الجوامع‪ ،‬جالل الدين السيوطي‪ ،‬تح‪ .‬أحمد شمس الدين‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت ‪ -‬لبنان‪،‬‬
‫ط‪1418 ،1‬هــ ‪۱۹۹۸ -‬م‪ ۲/۲۹۲،‬وسنشير إليه الحقا ب(همع الهوامع)‪.‬‬
‫‪ 7‬م‪ .‬ن‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫في مبني أو مضاف ويجر ب ( من) ويرد بعد العدد إلى أصله من الجمع‪ ،‬وال يميز بمختص بنفي‪ ،‬وال بمتوغل‬
‫‪1‬‬
‫بناء‪ ،‬أو إيهام‪ ،‬ويوسط وال يقدم"‬
‫فالتمييز إذا ال ينتصب إآل عن تمام سواء عن تمام الكالم في حال تمييز النسبة‪ ،‬أم عن تمام االسم في حال تمييز‬
‫المفرد‪ ،‬وسيتبين لنا الحقا أن الغاية من ذلك؛ إنما هي جعل التمييز فضلة كالمفعول وأنه إنما يحقق الغاية المبتغاة‬
‫منه بذلك‪ ،‬وعندها ينتصب على هذا االعتبار الذي هو جوهر وجوده إذ يكيف باصطفاء ذات من مجموع قابل‬
‫لالحتمال المتعدد‪.‬‬
‫ويعرفه المعجم المفصل في النحو العربي بأنه "اسم منصوب يبين جنس ما قبله‪ ،‬أو نوعه‪ ،‬أو النسبة فيه‪ ،‬مثل‪:‬‬
‫( زرعت فدان قمحا ) و ( لبست خاتم ذهب)‪ ،‬و ( أعجبني الفقيه أدب )‪ .‬فكلمة ( قمحة) في المثال األول تمييز‬
‫بين الجنس‪ .‬و (ذهبا) في المثال الثاني تمييز يبين النوع‪ .‬و ( أدب) في الثالث تمييز بين النسبة‪ .‬واالسم الذي‬
‫يزال إيهامه يسمى المميز"‪2.‬‬
‫فالتمييز إذا اسم جامد فضلة نكرة‪ ،‬الغاية منه البيان‪ ،‬أي ينبغي أن يسبقه مبهم محتاج إلى بيان‪ ،‬وهذا المبهم ليس‬
‫بالضرورة اسما‪ ،‬بل ربما كان جملة تحتوي من اإلبهام ما يحتاج إلى إيضاح وبيان‪ ...‬إن الخوض في التمييز ‪-‬‬
‫كما رأينا ‪ -‬ال يمكن دون الحديث في األجناس واألنواع‪ ،‬ذلك أن النحاة يؤكدون أن التمييز ال ينفك قائمة بجوهر‬
‫التفريق واإلفراد لنوع معين من بين األنواع المتباينة ضمن جنس واحد‪ ،‬وهذه المباينة التي يصطفى بها فرد‪،‬‬
‫بمباينته لبقية أفراد الجنس هي التي تقتضي تمام ما قبل التمييز‪ ،‬إذ ال يمكن االصطفاء إال بتمام الذوات أو النسب‬
‫المصطفيات التي يراد معني واحد منها‪ ،‬يبرز بعينه‪ ،‬وهو فحوى ما أكدوه من أن التمييز ال ينتصب إال عن‬
‫تمام‪.‬‬

‫‪ 1‬تقريب المقرب‪ ،‬أبو حيان األندلسي‪ ،‬تح‪ .‬د‪ .‬عفيف عبد الرحمن‪ ،‬دار المسيرة‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪۱۹۰۲ ،۱‬ه ‪۱۹۸۲-‬م‪ ،‬ص ‪.65 - 64‬‬
‫‪ 2‬المعجم المفصل في النحو العربي‪ ،‬إعداد الدكتورة عزيزة فوال بابستي‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت ‪-‬لبنان‪ ،‬ط‪ 1413 ،1‬ه ‪-‬‬
‫‪۱۹۹۲‬م‪. ۱/۳۷۰ ،‬‬

‫‪5‬‬
‫المبحث اٲلول‪ :‬ٲقسام التمييز‬
‫تعريف التمييز‬
‫هل يأتي التمييز معرفة؟‬
‫للنّحاة في تعريف التمييز عبارات كثيرة يُستخلص منها القول إنّه اس ٌم نكرة ٌ جامدٌ‪ ،‬وهو غالبًا ما يكون ُمفس ًّرا‬
‫فالن أكثر من فالن خبرةً‪ ،‬فالتمييز إذًا‬
‫ٌ‬ ‫بهم قبله نحو قولهم‪ :‬جاء عشرون ر ُج ًال‪ ،‬أو يُوضّح نسبةً كقولهم‪:‬‬
‫ل ُم ٍ‬
‫أن للتّمييز نوعين‪.1‬‬
‫نكرة وال يأتي معرفة‪ ،‬وم ّما سبق يظهر ّ‬
‫نص على‬ ‫إن أنواع التمييز في اللغة العربية تقتصر على نوعين كما ّ‬ ‫أنواع التمييز في النحو هل يتعدد التمييز؟ ّ‬
‫ذلك علماء اللغة العربية‪ ،‬وهما التمييز المفسّر للمفرد‪ ،‬والتمييز المفسر للنسبة‪.2‬‬

‫تمييز المفرد‬
‫ضا اسم تمييز الذات‪ ،‬وهو يقوم بإبعاد الغموض عن كلمة واحدة قبله‪ ،‬ويُستعمل في‬ ‫يُطلق عليه أي ً‬ ‫•‬
‫مواضع عدة هي‪:‬‬
‫ً‬
‫"أحضر أبي رطال طحينًا" كلمة رطال من الكلمات الدالة‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫‪ o‬بعد الكيل والوزن ‪:‬كما في جملة‬
‫على الوزن‪ ،‬وهي غامضة مبهمة‪ ،‬فجاءت كلمة طحينًا وأزالت الغموض‪ ،‬وعلى هذا فإن‬
‫كلمة طحينًا تمييز منصوب‪.‬‬
‫هكتارا تدل‬
‫ً‬ ‫ضا" كلمة‬ ‫هكتارا أر ً‬‫ً‬ ‫"هكتارا" في جملة‪" :‬حرث الفال ُح‬ ‫ً‬ ‫‪ o‬بعد المساحة ‪:‬مثل كلمة‬
‫ضا" تمييز منصوب‪.‬‬ ‫ضا‪ ،‬وعلى ذلك فإن "أر ً‬ ‫على المساحة وهي غامضة من دون كلمة أر ً‬
‫ت‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ف ِألبِي ِه يَا أبَ ِ‬ ‫ْ‬
‫‪ o‬بعد األعداد من ‪11‬إلى ‪: 99‬ومثال هذا ما جاء في اآلية الكريمة‪ِ ( :‬إذ قَا َل يُو ُ‬
‫س ُ‬
‫اجدِينَ ) كلمة كوكبًا الواردة بعد "أحد‬ ‫س ِ‬‫س َو ْالقَ َم َر َرأَ ْيت ُ ُه ْم ِلي َ‬
‫ش ْم َ‬ ‫ِإنِّي َرأَيْتُ أَ َحدَ َ‬
‫عش ََر ك َْو َكبًا َوال َّ‬
‫عشر" هي تمييز منصوب ألنها أبعدت الغموض ع ّما قبلها‪.‬‬

‫بتصرف‪.‬‬
‫ّ‬ ‫‪ 1‬رامي تكريتي (‪ ،)2015‬مدخل إلى عالم اإلعراب (الطبعة ‪ ،)1‬دمشق‪:‬الهيثم للطباعة والنشر‪ ،‬صفحة ‪.76‬‬
‫بتصرف‪.‬‬
‫ّ‬ ‫‪ 2‬جمال الدين ابن هشام‪ ،‬شرح قطر الندى وبل الصدى‪ ،‬صفحة ‪.238‬‬
‫‪6‬‬
‫تمييز الجملة‬
‫ضا تمييز النسبة‪ ،‬وهو يبعد الغموض واإلبهام عن جملة سبقته‪ ،‬وأمثلته وشواهده كثيرة في‬ ‫ويُسمى أي ً‬ ‫•‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫عل ٰى أ ْم ٍر قَ ْد قد َِر} كلمة"عيونًا"‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫عيُونًا فَالتَقَى ال َما ُء َ‬‫ض ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫{وفَج َّْرنَا األ ْر َ‬ ‫القرآن‪ ،‬ومنها قوله تعالى‪َ :‬‬
‫{و َكانَ‬
‫تمييز منصوب أزال اإلبهام عن جملة "فجّرنا"‪ .‬ومن الشواهد على تمييز الجملة قوله تعالى‪َ :‬‬
‫"ماال" تمييز منصوب أبعدت‬ ‫ً‬ ‫ع ُّز نَف ًَرا} فكلمة‬ ‫احبِ ِه َوه َُو يُ َحا ِو ُرهُ أَنَا أَ ْكثَ ُر ِمنكَ َم ًاال َوأَ َ‬
‫ص ِ‬‫لَهُ ثَ َم ٌر فَقَا َل ِل َ‬
‫أكثر منك" وبناء على هذا فهي تمييز جملة‪ ،‬أو كما يُسمى‬ ‫الغموض عن جمل ٍة سبقتها وهي جملة "أنا ُ‬
‫"تمييز نسبة ‪".‬‬

‫تمييز الذات‬
‫تمييز الذات أو تمييز المفرد بلغة العلماء القدامى‪ ،‬وهو أن يأتي التمييز ليُفسّر ُمبه ًما قبله لوال وجود التمييز‬
‫الحت َم َل أن يكون أشياء أخرى‪ ،‬وهذا التمييز يقع بعد أمور‪ ،‬منها‪1:‬‬
‫تمييز المقادير‪ :‬ويأتي التمييز هنا بعد المقادير‪ ،‬فيمكن تسميته تمييز المقادير‪ ،‬والمقادير هي المساحة‬ ‫•‬
‫رطال قم ًحا‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ضا‪ ،‬ومثال الكيل قولهم‪ :‬اشتريتُ‬ ‫صبَةً أر ً‬
‫والوزن والكَيلُ‪ ،‬فمثال المساحة قولهم‪ :‬اشتريتُ ق َ‬
‫ً‬
‫عسال‪.‬‬ ‫ومثال الوزن قولهم‪ :‬اشتريتُ َمنًّا‬
‫عش ََر ك َْو َكبًا}‪،‬‬ ‫تمييز األعداد‪ :‬ويقع التمييز بعد األعداد من ‪ 11‬إلى ‪ ،99‬كقوله تعالى‪ِ { :‬إنِّي َرأَيْتُ أَ َح َد َ‬ ‫•‬
‫فكوكبًا هنا هي التمييز‪.‬‬
‫تمييز كم االستفهاميّة‪ :‬وهذا النوع من التمييز يندرج حقيقة تحت النوع السابق الذي هو تمييز األعداد‪،‬‬ ‫•‬
‫فر َد وحده لسهولة التقسيم‪ ،‬وكم في العربيّة هي كناية عن عدد مجهول من حيث الجنس‬ ‫ولكن قد أ ُ ِ‬
‫دارا بنيتَ ‪.‬‬ ‫تمييز ُمفردٌ منصوب كقولهم‪ :‬كم عبدًا لديك‪ ،‬وكم ً‬ ‫ٌ‬ ‫والمقدار‪ ،‬فلذلك ساغ أن يأتي بعدها‬
‫ْ‬
‫{ولَ ْو ِجئْنَا ِب ِمث ِل ِه‬ ‫التمييز الدال على مماثلة‪ :‬وهنا يأتي التمييز بعد ما يد ّل على المماثلة‪ ،‬كقوله تعالى‪َ :‬‬ ‫•‬
‫إبال‪ ،‬فمددًا ً‬
‫وإبال هي التمييز‪3.‬‬ ‫إن لنا أمثالها ً‬ ‫َم َددًا}‪ 2،‬وقولهم‪ّ :‬‬
‫إن لنا غيرها‬ ‫التمييز الدال على المغايرة‪ :‬وهنا يأتي التمييز بعد ما يد ّل على المغايرة مثل قولهم‪ّ :‬‬ ‫•‬
‫شا ًء‪ ،‬فشا ًء هنا هي التمييز‪.‬‬

‫وينبغي االنتباه إلى ّ‬


‫أن تمييز الذات أو التمييز المفرد يمكن له أن يتعدّد‪ ،‬فإذا تعدّدَ فاألحسن هو العطف‬
‫بين التمييز المتعدّد‪ ،‬ولكن إن كان التمييز مختلفًا فإنّه يجوز حينها التّعدّد بالعطف وبغير العطف‪،‬‬
‫عسال وسمنًا‪.4‬‬‫ً‬ ‫ً‬
‫رطال‬ ‫ً‬
‫عسال سمنًا‪ ،‬أو اشتريتُ‬ ‫ً‬
‫رطال‬ ‫ومثال على ذلك قولهم‪ :‬اشتريتُ‬

‫بتصرف‪.‬‬
‫ّ‬ ‫‪ 1‬جمال الدين ابن هشام‪ ،‬شرح قطر الندى وبل الصدى‪ ،‬صفحة ‪.238‬‬
‫‪ 2‬سورة الكهف‪ ،‬آية‪109:‬‬
‫‪ 3‬جمال الدين ابن هشام (‪ ،)2012‬سبيل الهدى على شرح قطر الندى وبل الصدى (الطبعة ‪ ،)4‬دمشق‪:‬مكتبة دار الفجر‪ ،‬صفحة‬
‫بتصرف‪.‬‬
‫ّ‬ ‫‪.358‬‬
‫بتصرف‪.‬‬
‫ّ‬ ‫‪ 4‬عباس حسن‪ ،‬النحو الوافي‪ ،‬صفحة ‪.422‬‬
‫‪7‬‬
‫تمييز النسبة‬
‫• يُقسم تمييز النسبة قسمان‪:‬‬
‫محو ٍل‪ ،‬وتفصيل األمر‪1:‬‬
‫غير ّ‬
‫حول‪ ،‬وتمييز ُ‬ ‫تمييز ُم ّ‬
‫المحول يُقسم إلى‪2:‬‬
‫ّ‬ ‫• التمييز‬
‫شيب‬
‫ُ‬ ‫ش ْيبًا}‪ 3،‬فالتقدير‪ :‬اشتعل‬
‫س َ‬ ‫الرأْ ُ‬
‫{وا ْشتَعَ َل َّ‬‫حول عن فاعل‪ :‬نحو قوله تعالى‪َ :‬‬ ‫‪ o‬تمييز ُم ّ‬
‫الرأس‪ ،‬ونحو قولهم‪ :‬ازداد زيدٌ عل ًما‪ ،‬والتقدير‪ :‬ازداد عل ُم زيدٍ‪.‬‬
‫عيُونًا}‪ 4،‬والتقدير‪ :‬وفجّرنا‬
‫ض ُ‬ ‫{وفَج َّْرنَا ْاأل َ ْر َ‬
‫حول عن مفعول به‪ :‬ومنه قوله تعالى‪َ :‬‬ ‫‪ o‬تمييز ُم ّ‬
‫األرض‪.‬‬
‫ِ‬ ‫عيونَ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫‪ o‬تمييز محول عن مبتدأ‪ :‬ومنه قوله تعالى‪{ :‬أنَا أ ْكثَ ُر ِمنكَ َم ًاال}‪ 5،‬والتقدير‪ :‬مالي أكثر من‬
‫مالك‪6.‬‬
‫دره‬‫حول‪ :‬فهو قلي ٌل في اللغة‪ ،‬وهو مثل قولهم‪ :‬امتأل اإلنا ُء ما ًء‪ ،‬وقول العرب‪ :‬هلل ّ‬ ‫• أ ّما التمييز غير ال ُم ّ‬
‫سا‪.‬‬
‫فار ً‬
‫ويُس ّمي بعض النحاة هذا التمييز المبيّن للنسبة التمييز الملحوظ‪ ،‬فالنحاة عندهم التمييز الملفوظ والملحوظ‪ ،‬وأ ّما‬
‫الملفوظ هو ما كان بعد الكيل والوزن والمساحة والعدد‪7.‬‬

‫‪ 1‬جمال الدين ابن هشام (‪ ،)2012‬سبيل الهدى على شرح قطر الندى وبل الصدى (الطبعة ‪ ،)4‬دمشق‪:‬مكتبة دار الفجر‪ ،‬صفحة‬
‫بتصرف‪.‬‬
‫ّ‬ ‫‪.358‬‬
‫بتصرف‪.‬‬
‫ّ‬ ‫‪ 2‬نديم حسين دعكور‪ ،‬القواعد التطبيقية في اللغة العربية‪ ،‬صفحة ‪.305‬‬
‫‪ 3‬سورة مريم‪ ،‬آية‪4:‬‬
‫‪ 4‬سورة القمر‪ ،‬آية‪12:‬‬
‫‪ 5‬سورة الكهف‪ ،‬آية‪34:‬‬
‫‪ 6‬محمد علي السراج‪ ،‬اللباب في قواعد اللغة وآالت األدب النحو والصرف والبالغة والعروض واللغة والمثل‪ ،‬صفحة ‪.104‬‬
‫بتصرف‪.‬‬
‫ّ‬
‫‪ 7‬محمد علي السراج‪ ،‬اللباب في قواعد اللغة وآالت األدب النحو والصرف والبالغة والعروض واللغة والمثل‪ ،‬صفحة ‪.103‬‬
‫بتصرف‪.‬‬
‫ّ‬
‫‪8‬‬
‫التمييز بعد اسم التفضيل‬
‫فردَ في‬ ‫ألن أحكامه متعدّدة فقد أ ُ ِ‬
‫إن التمييز بعد اسم التفضيل في أصله يندرج تحت باب تمييز النسبة‪ ،‬ولكن ّ‬ ‫ّ‬
‫ي شيء فالن أفضل من فالن‪،‬‬ ‫عنوان مستقل‪ ،‬فالتمييز يكثُر بعد اسم التفضيل ّ‬
‫ألن اسم التفضيل ال يُبيّن في أ ّ‬
‫أكثر إجادةً‪ ،‬فهنا جاء التمييز منصوبًا بعد اسم التفضيل‪ ،‬أو أفعل التفضيل‪ ،‬وينبغي التنبّه‬ ‫ومن ذلك قولهم‪ :‬المتعلّ ُم ُ‬
‫فاعال في المعنى مثل المثال السابق‪ ،‬فتقدير‬ ‫ً‬ ‫أن التمييز لكي ينتصب بعد اسم التفضيل ينبغي له أن يكون‬ ‫إلى ّ‬
‫فاعال في المعنى‪،‬‬ ‫ً‬ ‫جر التمييز باإلضافة إلى ما قبله إذا لم يكن التمييز‬ ‫ت إجادتُه‪ّ ،‬‬
‫وإال فالواجب ّ‬ ‫الكالم‪ :‬المتعلّ ُم كث ُ َر ْ‬
‫ي‪1.‬‬ ‫مثل قولهم‪ :‬زيدٌ أفض ُل ُجند ٍّ‬
‫فاعال في المعنى هو أن يُحذَف اسم التفضيل ويُستبدل به كلمة بعض‪ً ،‬‬
‫فمثال‬ ‫ً‬ ‫ط معرفة التمييز الذي ليس‬ ‫وضاب ُ‬
‫ي‪ ،‬يمكن أن تصبح‪ :‬زيد بعض الجنود‪ ،‬يعني‪ :‬زيد بعض جنس الجنود‪ 2،‬ومن مندوحة‬ ‫قولهم‪ :‬زيدٌ أفضل جند ّ‬
‫ألمر آخر غير التمييز ينبغي نصب التمييز بعده وجوبًا‪ ،‬ومن ذلك قولهم‪:‬‬
‫ضيف ٍ‬
‫َ‬ ‫إن اسم التفضيل إذا أ ُ‬ ‫القول ّ‬
‫والجر في موضع‬
‫ّ‬ ‫واجب النّصب في موضعين‬ ‫ُ‬ ‫اس إخوةً‪ ،‬وبذلك يكون التمييز بعد اسم التفضيل‬ ‫زيدٌ أفض ُل النّ ِ‬
‫واحد‪ ،‬وهللا أعلم‪3‬‬

‫بتصرف‪.‬‬
‫ّ‬ ‫‪ 1‬عباس حسن‪ ،‬النحو الوافي‪ ،‬صفحة ‪.422‬‬
‫بتصرف‪.‬‬
‫ّ‬ ‫‪.‬‬ ‫‪307‬‬ ‫صفحة‬ ‫العربية‪،‬‬ ‫اللغة‬ ‫‪ 2‬نديم حسين دعكور‪ ،‬القواعد التطبيقية في‬
‫بتصرف‪.‬‬
‫ّ‬ ‫‪ 3‬عباس حسن‪ ،‬النحو الوافي‪ ،‬صفحة ‪.423‬‬
‫‪9‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬ٲحکام التمييز‬
‫التمييز في النحو له أحكام عدة‪ ،‬وهذه األحكام تتعلق بالدرجة األولى بعالمة إعرابه‪ ،‬أي متى يجوز نصبه‪،‬‬
‫جره بحرف الجر "من"؟ ومتى يجوز جره باإلضافة؟ وتختلف هذه األحكام حسب اختالف نوع‬ ‫ومتى يجوز ّ‬
‫التمييز فتمييز الذات له أحكام تختلف عن تمييز النسبة وحتى تمييز العدد له أحكامه الخاصة‪ ،‬ومن أحكام‬
‫‪1‬‬
‫التمييز في النحو‪:‬‬
‫حكم تمييز الذات‬
‫تمييز الذات هو ما يفسّر مبه ًما قبله كالعدد أو الوزن أو المقياس أو المساحة‪ ،‬وحكم هذا النوع من التمييز في‬
‫جواز‬
‫ِ‬ ‫شا‪ ،‬إضافة إلى‬ ‫عا قما ً‬ ‫ضا‪ ،‬اشتريت ذرا ً‬ ‫هكتار أر ً‬
‫ٌ‬ ‫خضارا‪ ،‬هذا‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫رطال‬ ‫النحو أنه يجوز نصبُهُ مثل‪ :‬اشترينا‬
‫قماش‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫عا من‬‫أرض‪ ،‬اشتريت ذرا ً‬ ‫ٍ‬ ‫هكتار من‬
‫ٌ‬ ‫خضار‪ ،‬هذا‬
‫ٍ‬ ‫ً‬
‫رطال من‬ ‫جره بحرف الجر من نحو‪" :‬اشترينا‬ ‫ُّ‬
‫قماش‪ .‬ويستثنى من‬
‫ٍ‬ ‫ع‬
‫أرض‪ ،‬اشتريت ذرا َ‬ ‫ٍ‬ ‫هكتار‬
‫ُ‬ ‫خضار‪ ،‬هذا‬
‫ٍ‬ ‫ضا مثل‪ :‬اشترينا رط َل‬‫ويجوز جره باإلضافة أي ً‬
‫حكم جواز جر التمييز باإلضافة إذا اقتضت إضافتُهُ إضافتْين ‪ -‬بأن كانَ ال ُم َمي ُّز مضافا ً ‪ -‬فتمتن ُع اإلضافةُ‪،‬‬
‫ويتَعيَّنُ نصبُهُ أو َج ُّرهُ بِ ِمن‪ ،‬نحو "ما في قلب الظالم مثقال ذرةٍ رحمةً أو من رحم ٍة‪".‬‬
‫حكم تمييز النسبة‬
‫تمييز النسبة له قسمان منه ما هو محول عن فاعل أو مفعول به أو مبتدأ‪ ،‬ومنه ما هو غير محول وهو في‬
‫أصله تمييز‪ ،‬ولكل من هذين النوعين حكم خاص به‪:‬‬
‫جرهُ ِبمن أو باإلضافة‪،‬‬ ‫يجوز ُّ‬ ‫ُ‬ ‫المحول‪ :‬تمييز النسبة المحول منصوبٌ دائ ًما‪ ،‬وال‬ ‫ّ‬ ‫• حكم تمييز النسبة‬
‫ش ْيبًا َولَ ْم أَ ُكن ِبدُ َ‬
‫عائِكَ‬ ‫س َ‬ ‫ْ‬
‫الرأ ُ‬ ‫ب ِإ ِّني َوهَنَ ْال َع ْ‬
‫ظ ُم ِم ِّني َوا ْشتَ َع َل َّ‬ ‫وله أمثلة كثيرة مثل قوله تعالى‪{ :‬قَا َل َر ّ ِ‬
‫الرأس"‪ ،‬وحكمه أنه‬ ‫ِ‬ ‫شيب‬
‫ُ‬ ‫ش ِقيًّا}‪2‬كلمة "شيبًا" تمييز نسبة محول عن فاعل‪ ،‬والتقدير "اشتعل‬ ‫ب َ‬
‫َر ّ ِ‬
‫منصوب وجوبًا ال يجوز جره بمن أو باإلضافة‪.‬‬
‫مقاتال في المعركة‪ ،‬ما‬ ‫ً‬ ‫موتَ‬ ‫س ْ‬ ‫• حكم تمييز النسبة غير المحول‪ :‬يجوز نصبُهُ نحو "هلل درهُ ً‬
‫بطال‪َ ،‬‬
‫موتَ من مقات ٍل في المعركة‪ ،‬ما‬ ‫س ْ‬‫ويجوز َجرهُ ِبمن‪ ،‬نحو "هلل درهُ من بط ٍل‪َ ،‬‬ ‫ُ‬ ‫أعظمهُ ً‬
‫عمال خيريًّا"‬
‫ي‪".‬‬ ‫أعظمهُ من عم ٍل خير ٍّ‬

‫‪.‬بتصرف‪.‬‬
‫ّ‬ ‫‪ 1‬التمييز"‪ ،almerja.com ،‬ا ّ‬
‫طلع عليه بتاريخ ‪2019-06-22‬‬
‫‪ 2‬سورة مريم‪ ،‬آية‪4 :‬‬

‫‪10‬‬
‫حكم تمييز العدد الصريح‬
‫• تمييز العدد هو جزء من تمييز الذات‪ ،‬إال أنه يختص بأحكام تختلف عن تمييز الذات نفسه‪ ،‬لذلك‬
‫صص له قسم خاص لتوضيح أحكامه‪ :‬العدد من ثالثة إلى عشرة‪ :‬التمييز في النحو إذا جاء بعد‬ ‫ُخ ِ‬
‫ب" و‬ ‫األعداد من ثالثة إلى عشرة فحكمه مجموعٌ مجرور باإلضافة وجوبًا‪ ،‬مثل "اشتريت ثالثة كت ٍ‬
‫"قطفت تسع زهراتٍ"‪ ،‬ومما هو جدير بالذكر أن تمييز األعداد من ثالثة إلى عشرة إذا كان جمعًا‬
‫يُجر باإلضافة‪ ،‬أما إذا كان اسم جمع أو اسم جنس فإنه يُجر بحرف الجر "من" ومثاله قوله تعالى‪:‬‬
‫س ْعيًا}‬ ‫ع ُه َّن يَأْتِينَكَ َ‬
‫علَ ٰى ُك ِّل َجبَ ٍل ِ ّم ْن ُه َّن ُج ْز ًءا ث ُ َّم ا ْد ُ‬
‫ص ْره َُّن إِلَيْكَ ث ُ َّم اجْ عَ ْل َ‬ ‫{قا َل فَ ُخ ْذ أَ ْربَعَةً ِ ّمنَ َّ‬
‫الطي ِْر فَ ُ‬
‫‪ ،1‬كلمة الطير هي اسم جنس لذلك ُجرت بمن‪.‬‬
‫• العدد من أحد عشر إلى تسعة وتسعين‪ :‬تمييز هذه األعداد مفرد منصوب‪ ،‬ومثاله قوله تعالى‪{ :‬إِ ْذ قَا َل‬
‫اجدِينَ } ‪ ،2‬كلمة كوكبًا‬ ‫س ِ‬ ‫س َو ْالقَ َم َر َرأَ ْيت ُ ُه ْم ِلي َ‬ ‫ش ْم َ‬‫عش ََر ك َْو َكبًا َوال َّ‬ ‫ت إِنِّي َرأَيْتُ أَ َحدَ َ‬
‫ف ِألَبِي ِه يَا أَبَ ِ‬ ‫س ُ‬‫يُو ُ‬
‫تمييزا مفردًا منصوبًا إذ سبقها العدد أحد عشر‪ .‬تمييز المئة واأللف‪ :‬التمييز في النحو إذا جاء‬ ‫ً‬ ‫جاءت‬
‫بعد العدد مئة أو ألف أو مثناهما أو جمعهما فهو مفرد مجرور باإلضافة‪ ،‬نحو "نجح مئة طالب" و‬
‫ب" و "أنتَ بألفَ ْي رج ٍل‪".‬‬ ‫"استشهد مئتا شا ٍّ‬

‫‪ 1‬سورة البقرة‪ ،‬آية‪.260 :‬‬


‫‪ 2‬سورة يوسف‪ ،‬آية‪.4 :‬‬

‫‪11‬‬
‫خاتمة و النتائج‬
‫إن البحث في موضوع التمييز من خالل كونه وحدة من وحدات البنية اللغوية لها ارتباطاتها وتفاعالتها المختلفة‬
‫مع بقية أنواع الكلم في التركيب األمر شاق‪ ،‬ومسلك وعر‪ ،‬إذ إن التمييز بنية لغوية لها عالقاتها التركيبية التي‬
‫تحكمها القواعد النحوية من جهة‪ ،‬والتي ال تنفصل عنها الظواهر الصرفية والصوتية من جهة أخرى‪ ،‬وهي‬
‫من جهة ثالثة ترتبط بعلوم البالغة والداللة و المعاني‪...‬‬
‫ويقتضي الغوص في البنية العميقة للكلم‪ ،‬والسعي الستشراف ماهية السلوك النحوي واللغوي للتمييز‪ ،‬فهم طبيعة‬
‫العالقة السلوكية بين الذوات المعبر عنها بأنواع االسم من جهة‪ ،‬وبينها وبين الحدث على اختالف جهات ارتباطه‬
‫وانتسابه من جهة أخرى‪ ،‬ولعله مما يزيد األمر صعوبة التقارب الشديد بين بعض المنصوبات ‪ -‬وخاصة الحال‬
‫‪ -‬وبين التمييز‪ ،‬إذ ثمة سمات كثيرة يشترك بها التمييز مع غيره من المنصوبات‪ ،‬كما أنه ثمة سمات ذاتية ينفرد‬
‫بها ينبغي إفرادها‪ ،‬وبيانها باتجاه جوهرتها في ماهية يعبر عنها بالتمييز‪ ،‬ومن هذه السمات ما يقوم بوصفه‬
‫عالمة له تدلل عليه‪ ،‬وتزيل التباسه بالحال في كثير من المواقع‪.‬‬
‫وفيما يأتي نعرض النتائج التي توصلنا إليها في بحثنا‪:‬‬
‫‪ .1‬إن تمييز المفرد ال ينتصب إال عن تمام االسم؛ ألن التمييز حينها يغدو فضلة كالمفعول‪ ،‬فينتصب على‬
‫هذا االعتبار‪ ،‬وذلك ألن تمام االسم ال يكون إال بإبهامه التام‪ ،‬أي بانفكاكه عن كل قيد‪ ،‬فهو عامل‬
‫مستوجب لفك اإلبهام بالتمييز‪ ،‬إذ االسم المبهم يقوم بوصفه ذاتا هي جنس‪ ،‬ال يدري ما المقصود منه‬
‫إال بذكر نوعه المخصص له‪ ،‬وهو ما يقوم به جوهر التمييز‪.‬‬

‫‪ .2‬يجوز في تمييز المقادير النصب والجر؛ فأما النصب فداللته تفسير المقدار‪ ،‬وأما الجر فيؤدي إلى‬
‫احتمال أن يكون مرادك كمرادك حين نصبت‪ ،‬ويؤدي كذلك إلى أن يكون مرادك هو اآللة أو الوعاء‬
‫المخصص للمقدار ال المقدار نفسه‪ ،‬وذلك أن اإلضافة هنا ال تقتضي التبعيض في حال‪ ،‬بل هي من‬
‫قبيل إضافة الجنس إلى نوعه‪ ،‬كما أن التمييز هنا هو أيضا بيان نوع الجنس الذي هو المميز‪ ،‬مع العلم‬
‫أنه يمكن تنزيل المميز منزلة الجنس باعتبار‪ ،‬وتمييزه بعدئذ بما هو محمول على أنواع ذلك الجنس‬
‫على اختالف االعتبارات الممكنة‪.‬‬

‫‪ .3‬ينصب التمييز عن األعداد التي تصاغ لغويا وحسابيا من مجموعة األعداد األساسية (‪) 10 ...1‬‬
‫بزيادة الواحد‪ ،‬واألعداد المصاغة تطغى عليها من الناحية اللفظية‪ ،‬سمات االسمية على سمات‬
‫الوصفية؛ على حين أنها تضارع المشتقات في معناها وسلوكها الداللي‪ ،‬فيلحق نهايتها النون و التنوين‬
‫و ما هو بمنزلتهما‪ ،‬كما أنها تتضمن معنى اسم الفاعل أو الصفة المشبهة‪ ،...‬ومن ثم فإنه يمكن فهم‬
‫العالقة التي تربط التمييز بالمميز العددي‪ ،‬والتي هي عالقة مفسر بمفسر‪ ،‬من خالل لحظ حدث (العد)‪،‬‬
‫المنطوي من جهة على حدث (وصف)‪ ،‬ومن جهة أخرى على داللة على ذات مبهمة‪ ،‬ومن هنا جاءت‬
‫إمكانية التمييز واإلضافة في تمييز العدد‪.‬‬

‫‪ .4‬التمييز المختلط القابل للتنصيف الجمعي يقتضی جمع لكال نوعيه‪ ،‬وإال ص ار المعطوف مجمة‪،‬‬
‫وصار العطف على العدد ال المعدود‪ ،‬أما التمييز المختلط العدد المركب فيكون منصفا إذا كان العدد‬
‫قابال للتنصيف‪ ،‬وإال فهو مجمل يراعى فيه االستخدام المتداول‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫‪ .5‬تلزم مطابقة تمييز النسبة ما قبله في العدد إذا اتحدا في المعنى‪ ،‬أو كان مصدر | تعددت أنواعه‬
‫باختالف األفراد‪ ،‬أو كان حلول التمييز المفرد مقام الجمع يحدث التباسا‪ ،‬ويلزم تركها إذا كان التمييز‬
‫مفردا آتيا بعد الجمع أو كان معنى الجمع يفوت بقيام المفرد مقامه‪ ،‬أو كان مصدرا ال يراد أن تعدد‬
‫أنواعه‪ ،‬وإنما ذلك كله يرجع إلى تفرع األنواع عن الجنس‪ ،‬وقيامها بمهمة فك اإلبهام‪ ،‬التي هي الغاية |‬
‫أصال من التمييز‪ ،‬وكل ما يناقض تحقيق هذه الغاية فإنه ينفي من الجواز‪.‬‬

‫‪ .6‬لما كان التمييز ليس من المميز وال هو هو‪ ،‬وإنما العالقة بينهما هي عالقة مفسر بمفسر؛ وذلك أن‬
‫المميز يقوم مقام الصورة العقلية الذات التمييز‪ ،‬بشقيها | المعنوي والمادي‪ ،‬فقد حملت هذه العالقة‬
‫صوتيا على أخذ الحركات وهی الفتحة‪ ،‬إذ هي أخف الحركات وأقربها من السكون‪ ،‬كما أنها العالمة‬
‫األساسية للفضالت في التركيب اللغوي‪ ،‬وقيام التمييز كفضلة تابعة للمميز هو أصل‬

‫‪ .7‬للتمييز في تأويالت النحويين مواطن يجوز حذفه فيها الداللة السياق عليه استنادا إلى جواز حذفه في‬
‫التنزيل‪ ،‬وهو ما ينسجم مع قاعدة جواز حذف ما يدل عليه في اللغة‪ ،‬وأما بغير دليل فإن التمييز فرع‬
‫على المميز مرتبط به معنويا ودالليا‪ ،‬وال يقوم المميز بغايته في الكالم من دون البيان الذي يقوم‬
‫التمييز به‪ ،‬فدوره جوهري في الكالم‪ ،‬وإن كان فضلة‪.‬‬

‫‪ .8‬التمييز اسم مزال عن أصله أي متحول عنه‪ ،‬فهو في المعنى موصوف بما عمل فيه النصب‪ ،‬ومتأة‬
‫عنه‪ ،‬وكذلك هو في اللفظ متأخر عن صاحبه المميز‪ ،‬إال أنه في األصل صاحب تقدم في الرتبة واللفظ‪.‬‬

‫‪ .9‬من السمات الذاتية للتمييز تضمنه معنى ( من ) البيانية‪ ،‬وهي (من) التي يصح اإلخبار بما بعدها عما‬
‫قبلها؛ فهما متطابقان‪ ،‬وشرطها أن تعود على مذکور‪ ،‬لذلك ال يستقيم ذكرها بعد التمييز الذي يدل على‬
‫ذات مقدرة كتمييز النسبة‪ ،‬فالبيان الذي يعبر عنه ب (من)‪ ،‬هو في الحقيقة النسبة التي يعبر عنها‬
‫جوهر التمييز‪ ،‬والتي تبين النوع المحدد من بين األنواع التي يحتملها الجنس المتقدم ( المميز)‪ ،‬فإذا‬
‫كان المتقدم أصال منطويا على نسبة محددة استغني عن ذلك في التمييز‪ ،‬ولذلك امتنعت (من) في تمييز‬
‫النسبة‪.‬‬

‫‪ .10‬إن عالمة التمييز هي وقوعه من نكرة؛ أي سجيء العامل في التمييز نكرة‪ ،‬وقد يكون التفكير في‬
‫المعنى دون اللفظ‪ ،‬ذلك أن التفكير المحض هو اإلبهام‪ ،‬واإلبهام هو الداعي أصال لوجود التمييز‪ ،‬ومن‬
‫دون اإلبهام ال مبرر للتوضيح‪ ،‬وبالتالي فإن المعلم األساسي للتمييز هو ارتباطه بالتنكير المسبب‬
‫لوجوده‪ ،‬وهذا التنكير هو تنكير في المعنى‪ ،‬سواء عبر عنه بلفظ منكر أو معرف‪ ،‬فالقضية التي تربط‬
‫التمييز بالمميز هي قضية معنوية‪ ،‬ال لفظية‪ ،‬وإن كان من المنطق أن يرتبط البناء اللفظي فيها بالبناء‬
‫المعنوي‪ ،‬وذلك للتبعية التي يفرضها انبثاق النوع عن الجنس ‪\.‬‬

‫‪ .11‬لما كان التمييز يرفع اإلبهام عن ذات ظاهرة أو مقدرة‪ ،‬فقد لزم أن يكون اسما جامدا يدل على ذات؛‬
‫ألن بيان الذات إنما يكون بما دل على ذات‪ ،‬ولم يجز أن يأتي وصفا؛ ألن الوصف يرتبط بالهيئة‪،‬‬
‫والهيئة ترتبط بالحركة‪ ،‬والحركة تابعة للزمن‪ ،‬وهذا مضمار الحال ال التمييز‪ ،‬وإنما الغاية من التمييز‬
‫فصل الجواهر المحتملة للجنس بعضها عن بعض‪ ،‬وإبراز المراد منها‪ ،‬من حيث هو ذات قائمة‪ ،‬ال من‬
‫حيث هو عنصر في سياق الحدث‪.‬‬
‫‪13‬‬
‫‪ .12‬عنيت هذه الدراسة بتحديد هوية التمييز‪ ،‬وبيان موقعه بين المنصوبات‪ ،‬وقد سعت إلى تحديد عالمة‬
‫التمييز‪ ،‬والسمات التي ينفرد بها عن باقي المنصوبات‪ ،‬واتجهت إلى إزالة االلتباس الذي يمكن أن يقع‬
‫بينه وبينها في العديد من المواقع‪ ،‬كما حاولت العمل على قراءة التمييز قراءة جديدة تنسجم مع روح‬
‫اللغة واألسس‬

‫‪14‬‬

You might also like