Professional Documents
Culture Documents
اللهم صل وسلم على سيدنا محمد صلاة تحل بها عقدتي
اللهم صل وسلم على سيدنا محمد صلاة تحل بها عقدتي
مقدمة:
يعد باب المنصوبات من أوسع األبواب مدعاة للجدل بين النحويين؛ فما أكثر ما اختلف النحويون في تحديد نوع
المنصوب! وقد كانت لهم دائما في ذلك تقديراتهم المختلفة ،التي كانت على الدوام دليال على النزعة العقلية التي
يقوم عليها النحو العربي ،وعلى جهود النحويين في الوصول إلى فهم عميق للغة.
ومما الشك فيه أن النحاة القدامى قد يذلوا جهودا عظيمة في دراسة التمييز | ،ابتداء بالخليل بن أحمد الفراهيدي،
الذي قام بالتفريق بين ما ينتصب على التفسير ،وما ينتصب على التمييز ،األمر الذي يوافق تقسيمنا التمييز
اليوم إلى تمييز مفرد وتمييز نسبة ،ثم ظهرت فروع هذين القسمين عند سيبويه ،غير أن تمييز النسبة | اقتصر
عنده على التمييز المحول عن فاعل مضاف ،ثم أضيف في عهد النحاة المتأخرين فرع آخر ،وهو التمييز
المحول عن مفعول به مضاف ،أما التمييز المحول عن مضاف غيرهما؛ فمنهم من كان يلحقه بالتمييز المحول
عن فاعل مضاف ،ومنهم من رأى أنه متحول عن مبتدأ مضاف.
وقد عكف النحويون على تحديد سمات التمييز ودراستها ،من خالل مقارنته بغيره من المنصوبات ،وعلى
رأسها الحال ،كما درسوا رتبته وعلة نصبه .و ينظر اليوم إلى التمييز في ضوء الدراسات النحوية الحديثة و
علم اللسانيات على أنه جزء من مركب تمييزي متحول عن مركب إضافي أو وصفي.
وإذا كنت ال أنكر قيمة الجهود المبذولة في دراسة التمييز ،فإنني في الوقت ذاته أرى أن هناك أمورا كثيرة
تتعلق بالتمييز وسماته الذاتية ،ما تزال بحاجة إلى وضع تحت المجهر ،وإلى مناقشة وتحليل في سبيل قراءة
جديدة له ،كما أن التمييز ما زال بحاجة إلى ما يفك اشتكاله بوضوح مع غيره من المنصوبات في التركيب،
والسيما الحال.
ولذلك آثرت أن تكون دراسة التمييز وتحليل بنيته موضوع البحث ،والسيما | أنني لم أعثر على مؤلف مستقل
خاص بالتمييز ،وإن كان قد ندر أن يخلو كتاب من كتب النحو من تخصيص قسم للتمييز بين دفتيه.
ومن هذا المنطلق تسعى هذه الدراسة إلى تقديم قراءة جديدة في أحد فروع المنصوبات ،وهو (التمييز) ،بغية
الوصول إلى رؤية أكثر تحديدا له ولسماته الذاتية | ،ولما يتعلق به من عالقات وقرائن تدلل عليه ،وبالتالي
تضييق دائرة االلتباس بينه وبين باقي المنصوبات ،حيث يمكن للخالف أن يقع ،وتحاول إسقاط المزيد م ن
الضوء على موقعه من التركيب وما ينتسب إليه من دالالت وقرائن و ارتباطات مختلفة..
و (التمييز) قبل كل شيء انعكاس للتطور الداللي في العالقات بين مكونات التراكيب اللغوية ،وهو في صورته
المحولة يعبر عن فلسفة عميقة تتفاضل علی أساسها التراكيب ،وتعكس نسبية العالقة بين العلة والمعلول ،ومن
1
ثم ف (التمييز) بنية لها عمقها التركيبي وعالقاتها التجريدية ،التي تسهم الظواهر الصرفية | والصوتية والبالغية
و غيرها في تكوينها ،وإعطائها الصورة المناسبة.
ومن هنا تتناول هذه األطروحة (التمييز) وفق منهج وصفي تحليلي ،تسعى من خالله إلى دراسة التمييز في
عمق البنية اللغوية ،وفي ضوء العالقات التركيبية والظواهر الصرفية والصوتية ،ومن منظور علمي البالغة
والداللة .وعلى هذا االعتبار تم اختيار عنوان البحث وهو :والتمييز دراسة تحليلية في البنية.
ويقسم البحث إلى مقدمة ،وتمهيد ،وبابين ،يقع كل باب منهما في ثالثة فصول ،وينتهي بعدئذ بخاتمة.
أما الباب األول :فهو بعنوان (التمييز نوعا) ،وهو يدرس تمييز المفرد بقسميه (تمييز المقادير وما يلحق بها)،
و (تمييز العدد) ،ويدرس كذلك (تمييز النسبة) بأقسامه (المحول عن فاعل ) و (المحول عن مفعول به) و
(المنتصب بعد أفعل التفضيل).
وأما الباب الثاني :فهو بعنوان (التمييز في التركيب بين السمة والعالمة) ويدرس الفصل األول منه -وهو
(التمييز في التركيب) -التمييز كأحد المنصوبات التركيبية مندرجة تحت ما يسمى اإلعراب الداللي المبوب،
كما يدرس العالقة بين التمييز وعامله ،ويدرس كذلك جر التمييز في التركيب ،كما يعنى بدراسة التمييز من
حيث الرتبة ،ومن حيث وقوع الحذف عليه في السياق اللغوي ،ويسلط الضوء على داللة تحول التمييز عن
أصله.
ويدرس الفصل الثاني منه -وهو (التمييز سمة) -سمات التمييز ،فيقف على السمات التي يشترك فيها التمييز
مع باقي المنصوبات ،أو مع بعضها ،كما يسلط الضوء على السمات التي ينفرد بها عن غيره.
وأما الفصل الثالث ،وهو (عالمة التمييز) ،فيبحث في مصطلح العالمة ،ثم يتجه إلى االستدالل على القرينة
المعنوية للتمييز في التركيب ،كما يدرس العالمة الصوتية له ،يضاف إلى ذلك أنه يدرس التمييز بوصفه مفهوما
مجردة.
وقد ذيلت البحث بدراسة إحصائية ل مواقع التمييز في القرآن الكريم) ،حيث اعتمدت في اإلحصاء على برنامج
حاسوبي ، ،و أردت بالتمييز المحول فيها ما كان محوال في المعنى أو الصناعة ؛ ألن ماهو فيها محول في
المعنى دون الصناعة يمكن رده بلطف الصنعة وحسن التقدير إلى المحول في المعنى والصناعة ،كما قمت
بتحليل نتائج هذه اإلحصائية.
ولئن كانت آفاق العلوم ال نهاية لمداها ،وكنوزها ثرة ،والبحث فيها ال ينتهي عند حد ،إن غاية ما أتمناه من هذا
البحث ،أن يكون أحد المعابر التي تتواصل م ع غيرها لخدمة هذه اللغة الشريفة ،وبحوثها العلمية و درسها
النبيل.
وأخيرا أتوجه بالشكر إلى أستاذي المشرف الدكتور حسين وقاف ،الذي أشرف على هذا البحث ،وتواله بالرعاية
والعناية ،أقدرنا هللا و إياه على خدمة هذه اللغة الشريفة ،التي تعهدها سبحانه وتعالى بحفظه فقال جل جالله":
إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون".
فإن يك ما أحاوله قد آتي أكله فيمنه وكرمه ،وإال فإن ما ال يدرك كله ال يترك جله ،وهللا الموفق للصواب.
2
تمهيد:
التمييز لغة1تخليص األجناس بعضها من بعض؛ أي فصل الشيء من غيره .قال عز من قائل( :وامتازوا اليوم
أيها المجرمون2؛ بمعنى تميزوا؛ أي انفردوا وانفصلوا عن المؤمنين ،وقال تعالى :وتكاد تميز من الغيظ3؛ أي
ينفصل بعضها من بعض .وأما التمييز اصطالحا فلدى العودة إلى الخليل بن أحمد الفراهيدي ،في محاولة لتتبع
التطور في مفهوم التمييز ،نجد أن الخليل قد فرق بين ما ينتصب على التفسير وما ينتصب على التمييز ،فقال
" :والنصب من التفسير قولهم عندك خمسون رجال .نصبت ( رجال ) على التفسير .قال هللا عز وجل« :إن هذا
أخي له تسع وتسعون نعجة4نصبت ( نعجة ) على التفسير ...والنصب من التمييز قولهم :أنت أحسن الناس
وجها وأسمحهم كفا [ .يعني :إذا ميزت وجها وكفا .فنصبت (وجها) و ( كقا ) ،على التمييز "5.
إن النوعين اللذين ذكرهما الخليل يوافقان -كما سنرى – فرعي التمييز ،فما | انتصب على التفسير يقابل تمييز
المفرد ،وما انتصب على التمييز يقابل تمييز التسبة.
أما سيبويه فال نجد عنده تسمية صريحة لهذا المفهوم ،وإنما نجد تسميات غير صريحة ،من نحو " :ما انتصب
انتصاب االسم بعد المقادير" ،و" ما انتصب على أنه ليس من االسم األول وال هو هو"6.
وأما المبرد فقد استخدم لمفهوم التمييز مصطلحين ،لم يفصل بينهما هما | "التبين والتمييز" ،فقال في الباب
الذي تحدث فيه عن التمييز " :هذا باب التبيين والتمييز"7.
واستخدم له الزمخشري مصطلحين آخرين إلى جانب مصطلح "التمييز" ،فقال " |:ويقال له التبيين و التفسير
وهو رفع اإلبهام في جملة أو مفرد بالنص على أحد محتمالته"8.
أي إن التمييز يرفع اإلبهام المستقر في الجملة أو المفرد ،فينقسم بذلك قسمين رئيسين هما تمييز الجملة وتمييز
المفرد ،وسيكون هناك تفرعات للتمييز تنحصر في هذين القسمين.
1ينظر :لسان العرب ،ابن منظور ،دار صادر -بيروت۱۹۵۹ ،م ،مادة (ميز) .وينظر :تاج العروس من جواهر القاموس،
المرتضى الزبيدي ،دراسة وتحقيق علي شيري ،دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع ،بيروت -لبنان ،د.ط1414 ،هــ ۱۹۹4 -م،
مادة (ميز).
2يس .۵۹
3الملك ۸
4ص ۲۳
5الجمل في النحو ،الخليل بن أحمد الفراهيدي ،تح .الدكتور فخر الدين قباوة ،مؤسسة الرسالة -بيروت ،ط ۱۶۰۷ ،۲هـ -
۱۹۸۷م ،ص 46- 45
6ينظر :الكتاب ،سيبويه ،تحقيق وشرح عبد السالم محمد هارون ،عالم الكتب -بيروت ،د.ت ،د.ط ،ج ،۲ص ۱۷۹،۱۱۹ -۱۱۸
.
7المقتضب ،أبو العباس المترد ،تح .محمد عبد الخالق عضيمة ،عالم الكتب -بيروت ،د.ت ،د.ط۳/۳۲ ،
8شرح المفصل في صنعة اإلعراب الموسوم بالتخمير ،القاسم بن الحسين الخوارزمي ،تح.
د .عبد الرحمن بن سليمان العثيمين ،دار الغرب اإلسالمي ،بيروت -لبنان ،ط۱۹۹۰ ،1م | ،ص .447وسنشير إليه الحقا ب (
التخمير).
3
ويقول ابن مالك معرفة التمييز ومحددة أقسامه" :ما فيه معنى ( من الجنسية من نكرة منصوبة فضلة غير تابع،
ويميز إما جملة ....وإما مفردة عددا ،أو مفهم مقدار ،أو مثلية أو غيرية أو تعجب بالنص على جنس المراد بعد
تمام بإضافة أو تنوين أو نون تثنية ،أو جمع أو شبهه 1
ونجد ابن مالك يجمل تعريف التمييز بقوله " :مزيل إبهام منكر" حوى معنی (من) التمييز نحو (کم لوى) " 2
وهو يحدد السمات العامة التي يشترك بها التمييز وغيره من المنصوبات ،كما يحدد السمات الذاتية الخاصة
بالتمييز ،فيصف التمييز بأنه يشترك مع المفعوالت والنعت الرافع لالشتراك و الحال بإزالة اإلبهام ،ولكنه ينفرد
عنها إذا استثنينا الحال بأنه نكرة .وهو يشترك مع اسم ال التبرئة في تضمن معنی من ،لكنه ينفرد عنه بأنه مزيل
لإلبهام.3
ويرى اإلسفرائيني أن التمييز "هو ما يرفع اإلبهام المستقر عن ذات مذكورة ،أو مقدرة 4 ،" ...فالذات المبهمة
التي يفسرها التمييز إذا؛ إما أن تكون ذاتا ظاهرة ،وهذا يكون في حال تمييز المفرد ،وإما أن تكون ذاتا مقدرة،
وهذا في حال تمييز النسبة ،فالغموض حينها يلف الشخصية االعتبارية التي تقدر بها النسبة.
وعلى هذا االعتبار سنجد أن األصل في التمييز أن يأتي ذات جامدة ال اسما مشتقا ،وذلك ألن بيان الذات إنما
يكون بالذات ،على حين أن االسم المشتق يفيد بيان الهيئة المتصلة بالحركة وهذا يخص مفهوم الحال ال التمييز.
ويقول ابن هشام عن التمييز " :هو ما اجتمع فيه خمسة أمور؛ أحدها أن يكون اسما ،والثاني :أن يكون فضلة،
والثالث :أن يكون نكرة ،والرابع :أن يكون جامدا ،والخامس :أن يكون مفسر لما انبهم من الذوات.
فهو موافق للحال في األمور الثالثة األولى ،ومخالف في األمرين األخيرين؛ ألن الحال مشتق مبين للهيئات،
5
والتمييز جامد مبين للذوات ".
وللتمييز -كما يقول السيوطي -مرادفات أخرى ،هي :المميز والتبيين ،والمبين ،والتفسير ،والمفسر 6،وهو
يقول في التمييز " :التمييز هو نكرة بمعنی (من) رافع إلبهام جملة ،أو مفرد عددا ،أو مبهم مقدار أو مماثلة،
أو مغايرة ،أو تعجب بالنص على جنس المراد بعد تمام بإضافة أو تنوين ،أو نون .ومنع الكوفية التمييز بمثل
7
وغير ،و أبو ذر ب (ما) في نعم ،واألعلم عن التعجب
أما أبو حيان األندلسي فيقول" :التمييز :اسم نكرة مفسر مبهم ذات وينتصب عن تمام کالم ،منقول من فاعل أو
مفعول ،أو غيرهما .وال يجر ب (من) وغير منقول ،ويجر ب ( من) إال في ( نعم و بئس ) فضرورة .وعن
تمام اسم عددا أو مقدار لمكيل ،وموزون ،وممسوح ،أو شبيها به ،وال ينقاس ،وتمامه بنون أو تنوين ،أو تقديره
1تسهيل الفوائد وتكميل المقاصد ،ابن مالك الطائي ،حققه وقدم له محمد كامل بركات ،دار الكاتب العربي للطباعة والنشر -
المؤسسة المصرية العامة للتأليف والنشر باالشتراك مع المجلس األعلى لرعاية الفنون واآلداب والعلوم االجتماعية ،وزارة الثقافة
– الجمهورية العربية المتحدة ،د .ط۱۳۸۷ ،ه ۱۹۹۷ -م ،ص .114وسنشير إليه الحقا ب( التسهيل).
2شرح الكافية الشافية ،ابن مالك الطائي ،تح .د .عبد المنعم أحمد هريدي ،دار المأمون للتراث ،دمشق ،د.ط ،د.ت ،ص .667
3ينظر :م .س ،ص .۷۶۸-۷۹۷
4اللباب في علم اإلعراب ،اإلسفرائيني ،تح .د .شوقي المعري ،مكتبة لبنان ناشرون ،بيروت -لبنان ،ط۱۹۹6 ،1م ،ص -104
.106وسنشير إليه الحقا ب( اللباب ،اإلسفرائيني).
5شرح قطر الندى وبل الصدى ،ابن هش ام األنصاري ،ومعه كتاب سبيل الهدی بتحقيق شرح قطر الندى ،تأليف محمد محيي
الدين عبد الحميد ،مطبعة السعادة بمصر،ط۱۳۸۳ ،۱۱ه۱۹۹۳ -م ،ص .۲۳۸ - ۲۳۷وسنشير إليه الحقا ب(شرح قطر الندى).
6ينظر :همع الهوامع في شرح جمع الجوامع ،جالل الدين السيوطي ،تح .أحمد شمس الدين ،دار الكتب العلمية ،بيروت -لبنان،
ط1418 ،1هــ ۱۹۹۸ -م ۲/۲۹۲،وسنشير إليه الحقا ب(همع الهوامع).
7م .ن.
4
في مبني أو مضاف ويجر ب ( من) ويرد بعد العدد إلى أصله من الجمع ،وال يميز بمختص بنفي ،وال بمتوغل
1
بناء ،أو إيهام ،ويوسط وال يقدم"
فالتمييز إذا ال ينتصب إآل عن تمام سواء عن تمام الكالم في حال تمييز النسبة ،أم عن تمام االسم في حال تمييز
المفرد ،وسيتبين لنا الحقا أن الغاية من ذلك؛ إنما هي جعل التمييز فضلة كالمفعول وأنه إنما يحقق الغاية المبتغاة
منه بذلك ،وعندها ينتصب على هذا االعتبار الذي هو جوهر وجوده إذ يكيف باصطفاء ذات من مجموع قابل
لالحتمال المتعدد.
ويعرفه المعجم المفصل في النحو العربي بأنه "اسم منصوب يبين جنس ما قبله ،أو نوعه ،أو النسبة فيه ،مثل:
( زرعت فدان قمحا ) و ( لبست خاتم ذهب) ،و ( أعجبني الفقيه أدب ) .فكلمة ( قمحة) في المثال األول تمييز
بين الجنس .و (ذهبا) في المثال الثاني تمييز يبين النوع .و ( أدب) في الثالث تمييز بين النسبة .واالسم الذي
يزال إيهامه يسمى المميز"2.
فالتمييز إذا اسم جامد فضلة نكرة ،الغاية منه البيان ،أي ينبغي أن يسبقه مبهم محتاج إلى بيان ،وهذا المبهم ليس
بالضرورة اسما ،بل ربما كان جملة تحتوي من اإلبهام ما يحتاج إلى إيضاح وبيان ...إن الخوض في التمييز -
كما رأينا -ال يمكن دون الحديث في األجناس واألنواع ،ذلك أن النحاة يؤكدون أن التمييز ال ينفك قائمة بجوهر
التفريق واإلفراد لنوع معين من بين األنواع المتباينة ضمن جنس واحد ،وهذه المباينة التي يصطفى بها فرد،
بمباينته لبقية أفراد الجنس هي التي تقتضي تمام ما قبل التمييز ،إذ ال يمكن االصطفاء إال بتمام الذوات أو النسب
المصطفيات التي يراد معني واحد منها ،يبرز بعينه ،وهو فحوى ما أكدوه من أن التمييز ال ينتصب إال عن
تمام.
1تقريب المقرب ،أبو حيان األندلسي ،تح .د .عفيف عبد الرحمن ،دار المسيرة ،بيروت ،ط۱۹۰۲ ،۱ه ۱۹۸۲-م ،ص .65 - 64
2المعجم المفصل في النحو العربي ،إعداد الدكتورة عزيزة فوال بابستي ،دار الكتب العلمية ،بيروت -لبنان ،ط 1413 ،1ه -
۱۹۹۲م. ۱/۳۷۰ ،
5
المبحث اٲلول :ٲقسام التمييز
تعريف التمييز
هل يأتي التمييز معرفة؟
للنّحاة في تعريف التمييز عبارات كثيرة يُستخلص منها القول إنّه اس ٌم نكرة ٌ جامدٌ ،وهو غالبًا ما يكون ُمفس ًّرا
فالن أكثر من فالن خبرةً ،فالتمييز إذًا
ٌ بهم قبله نحو قولهم :جاء عشرون ر ُج ًال ،أو يُوضّح نسبةً كقولهم:
ل ُم ٍ
أن للتّمييز نوعين.1
نكرة وال يأتي معرفة ،وم ّما سبق يظهر ّ
نص على إن أنواع التمييز في اللغة العربية تقتصر على نوعين كما ّ أنواع التمييز في النحو هل يتعدد التمييز؟ ّ
ذلك علماء اللغة العربية ،وهما التمييز المفسّر للمفرد ،والتمييز المفسر للنسبة.2
تمييز المفرد
ضا اسم تمييز الذات ،وهو يقوم بإبعاد الغموض عن كلمة واحدة قبله ،ويُستعمل في يُطلق عليه أي ً •
مواضع عدة هي:
ً
"أحضر أبي رطال طحينًا" كلمة رطال من الكلمات الدالة ً َ oبعد الكيل والوزن :كما في جملة
على الوزن ،وهي غامضة مبهمة ،فجاءت كلمة طحينًا وأزالت الغموض ،وعلى هذا فإن
كلمة طحينًا تمييز منصوب.
هكتارا تدل
ً ضا" كلمة هكتارا أر ًً "هكتارا" في جملة" :حرث الفال ُح ً oبعد المساحة :مثل كلمة
ضا" تمييز منصوب. ضا ،وعلى ذلك فإن "أر ً على المساحة وهي غامضة من دون كلمة أر ً
ت َ َ
ف ِألبِي ِه يَا أبَ ِ ْ
oبعد األعداد من 11إلى : 99ومثال هذا ما جاء في اآلية الكريمةِ ( :إذ قَا َل يُو ُ
س ُ
اجدِينَ ) كلمة كوكبًا الواردة بعد "أحد س ِس َو ْالقَ َم َر َرأَ ْيت ُ ُه ْم ِلي َ
ش ْم َ ِإنِّي َرأَيْتُ أَ َحدَ َ
عش ََر ك َْو َكبًا َوال َّ
عشر" هي تمييز منصوب ألنها أبعدت الغموض ع ّما قبلها.
بتصرف.
ّ 1رامي تكريتي ( ،)2015مدخل إلى عالم اإلعراب (الطبعة ،)1دمشق:الهيثم للطباعة والنشر ،صفحة .76
بتصرف.
ّ 2جمال الدين ابن هشام ،شرح قطر الندى وبل الصدى ،صفحة .238
6
تمييز الجملة
ضا تمييز النسبة ،وهو يبعد الغموض واإلبهام عن جملة سبقته ،وأمثلته وشواهده كثيرة في ويُسمى أي ً •
ُ َ َ
عل ٰى أ ْم ٍر قَ ْد قد َِر} كلمة"عيونًا" ْ ْ
عيُونًا فَالتَقَى ال َما ُء َض ُ َ ْ
{وفَج َّْرنَا األ ْر َ القرآن ،ومنها قوله تعالىَ :
{و َكانَ
تمييز منصوب أزال اإلبهام عن جملة "فجّرنا" .ومن الشواهد على تمييز الجملة قوله تعالىَ :
"ماال" تمييز منصوب أبعدت ً ع ُّز نَف ًَرا} فكلمة احبِ ِه َوه َُو يُ َحا ِو ُرهُ أَنَا أَ ْكثَ ُر ِمنكَ َم ًاال َوأَ َ
ص ِلَهُ ثَ َم ٌر فَقَا َل ِل َ
أكثر منك" وبناء على هذا فهي تمييز جملة ،أو كما يُسمى الغموض عن جمل ٍة سبقتها وهي جملة "أنا ُ
"تمييز نسبة ".
تمييز الذات
تمييز الذات أو تمييز المفرد بلغة العلماء القدامى ،وهو أن يأتي التمييز ليُفسّر ُمبه ًما قبله لوال وجود التمييز
الحت َم َل أن يكون أشياء أخرى ،وهذا التمييز يقع بعد أمور ،منها1:
تمييز المقادير :ويأتي التمييز هنا بعد المقادير ،فيمكن تسميته تمييز المقادير ،والمقادير هي المساحة •
رطال قم ًحا، ً ضا ،ومثال الكيل قولهم :اشتريتُ صبَةً أر ً
والوزن والكَيلُ ،فمثال المساحة قولهم :اشتريتُ ق َ
ً
عسال. ومثال الوزن قولهم :اشتريتُ َمنًّا
عش ََر ك َْو َكبًا}، تمييز األعداد :ويقع التمييز بعد األعداد من 11إلى ،99كقوله تعالىِ { :إنِّي َرأَيْتُ أَ َح َد َ •
فكوكبًا هنا هي التمييز.
تمييز كم االستفهاميّة :وهذا النوع من التمييز يندرج حقيقة تحت النوع السابق الذي هو تمييز األعداد، •
فر َد وحده لسهولة التقسيم ،وكم في العربيّة هي كناية عن عدد مجهول من حيث الجنس ولكن قد أ ُ ِ
دارا بنيتَ . تمييز ُمفردٌ منصوب كقولهم :كم عبدًا لديك ،وكم ً ٌ والمقدار ،فلذلك ساغ أن يأتي بعدها
ْ
{ولَ ْو ِجئْنَا ِب ِمث ِل ِه التمييز الدال على مماثلة :وهنا يأتي التمييز بعد ما يد ّل على المماثلة ،كقوله تعالىَ : •
إبال ،فمددًا ً
وإبال هي التمييز3. إن لنا أمثالها ً َم َددًا} 2،وقولهمّ :
إن لنا غيرها التمييز الدال على المغايرة :وهنا يأتي التمييز بعد ما يد ّل على المغايرة مثل قولهمّ : •
شا ًء ،فشا ًء هنا هي التمييز.
بتصرف.
ّ 1جمال الدين ابن هشام ،شرح قطر الندى وبل الصدى ،صفحة .238
2سورة الكهف ،آية109:
3جمال الدين ابن هشام ( ،)2012سبيل الهدى على شرح قطر الندى وبل الصدى (الطبعة ،)4دمشق:مكتبة دار الفجر ،صفحة
بتصرف.
ّ .358
بتصرف.
ّ 4عباس حسن ،النحو الوافي ،صفحة .422
7
تمييز النسبة
• يُقسم تمييز النسبة قسمان:
محو ٍل ،وتفصيل األمر1:
غير ّ
حول ،وتمييز ُ تمييز ُم ّ
المحول يُقسم إلى2:
ّ • التمييز
شيب
ُ ش ْيبًا} 3،فالتقدير :اشتعل
س َ الرأْ ُ
{وا ْشتَعَ َل َّحول عن فاعل :نحو قوله تعالىَ : oتمييز ُم ّ
الرأس ،ونحو قولهم :ازداد زيدٌ عل ًما ،والتقدير :ازداد عل ُم زيدٍ.
عيُونًا} 4،والتقدير :وفجّرنا
ض ُ {وفَج َّْرنَا ْاأل َ ْر َ
حول عن مفعول به :ومنه قوله تعالىَ : oتمييز ُم ّ
األرض.
ِ عيونَ
َ َ
oتمييز محول عن مبتدأ :ومنه قوله تعالى{ :أنَا أ ْكثَ ُر ِمنكَ َم ًاال} 5،والتقدير :مالي أكثر من
مالك6.
درهحول :فهو قلي ٌل في اللغة ،وهو مثل قولهم :امتأل اإلنا ُء ما ًء ،وقول العرب :هلل ّ • أ ّما التمييز غير ال ُم ّ
سا.
فار ً
ويُس ّمي بعض النحاة هذا التمييز المبيّن للنسبة التمييز الملحوظ ،فالنحاة عندهم التمييز الملفوظ والملحوظ ،وأ ّما
الملفوظ هو ما كان بعد الكيل والوزن والمساحة والعدد7.
1جمال الدين ابن هشام ( ،)2012سبيل الهدى على شرح قطر الندى وبل الصدى (الطبعة ،)4دمشق:مكتبة دار الفجر ،صفحة
بتصرف.
ّ .358
بتصرف.
ّ 2نديم حسين دعكور ،القواعد التطبيقية في اللغة العربية ،صفحة .305
3سورة مريم ،آية4:
4سورة القمر ،آية12:
5سورة الكهف ،آية34:
6محمد علي السراج ،اللباب في قواعد اللغة وآالت األدب النحو والصرف والبالغة والعروض واللغة والمثل ،صفحة .104
بتصرف.
ّ
7محمد علي السراج ،اللباب في قواعد اللغة وآالت األدب النحو والصرف والبالغة والعروض واللغة والمثل ،صفحة .103
بتصرف.
ّ
8
التمييز بعد اسم التفضيل
فردَ في ألن أحكامه متعدّدة فقد أ ُ ِ
إن التمييز بعد اسم التفضيل في أصله يندرج تحت باب تمييز النسبة ،ولكن ّ ّ
ي شيء فالن أفضل من فالن، عنوان مستقل ،فالتمييز يكثُر بعد اسم التفضيل ّ
ألن اسم التفضيل ال يُبيّن في أ ّ
أكثر إجادةً ،فهنا جاء التمييز منصوبًا بعد اسم التفضيل ،أو أفعل التفضيل ،وينبغي التنبّه ومن ذلك قولهم :المتعلّ ُم ُ
فاعال في المعنى مثل المثال السابق ،فتقدير ً أن التمييز لكي ينتصب بعد اسم التفضيل ينبغي له أن يكون إلى ّ
فاعال في المعنى، ً جر التمييز باإلضافة إلى ما قبله إذا لم يكن التمييز ت إجادتُهّ ،
وإال فالواجب ّ الكالم :المتعلّ ُم كث ُ َر ْ
ي1. مثل قولهم :زيدٌ أفض ُل ُجند ٍّ
فاعال في المعنى هو أن يُحذَف اسم التفضيل ويُستبدل به كلمة بعضً ،
فمثال ً ط معرفة التمييز الذي ليس وضاب ُ
ي ،يمكن أن تصبح :زيد بعض الجنود ،يعني :زيد بعض جنس الجنود 2،ومن مندوحة قولهم :زيدٌ أفضل جند ّ
ألمر آخر غير التمييز ينبغي نصب التمييز بعده وجوبًا ،ومن ذلك قولهم:
ضيف ٍ
َ إن اسم التفضيل إذا أ ُ القول ّ
والجر في موضع
ّ واجب النّصب في موضعين ُ اس إخوةً ،وبذلك يكون التمييز بعد اسم التفضيل زيدٌ أفض ُل النّ ِ
واحد ،وهللا أعلم3
بتصرف.
ّ 1عباس حسن ،النحو الوافي ،صفحة .422
بتصرف.
ّ . 307 صفحة العربية، اللغة 2نديم حسين دعكور ،القواعد التطبيقية في
بتصرف.
ّ 3عباس حسن ،النحو الوافي ،صفحة .423
9
المبحث الثاني :ٲحکام التمييز
التمييز في النحو له أحكام عدة ،وهذه األحكام تتعلق بالدرجة األولى بعالمة إعرابه ،أي متى يجوز نصبه،
جره بحرف الجر "من"؟ ومتى يجوز جره باإلضافة؟ وتختلف هذه األحكام حسب اختالف نوع ومتى يجوز ّ
التمييز فتمييز الذات له أحكام تختلف عن تمييز النسبة وحتى تمييز العدد له أحكامه الخاصة ،ومن أحكام
1
التمييز في النحو:
حكم تمييز الذات
تمييز الذات هو ما يفسّر مبه ًما قبله كالعدد أو الوزن أو المقياس أو المساحة ،وحكم هذا النوع من التمييز في
جواز
ِ شا ،إضافة إلى عا قما ً ضا ،اشتريت ذرا ً هكتار أر ً
ٌ خضارا ،هذا
ً ً
رطال النحو أنه يجوز نصبُهُ مثل :اشترينا
قماش.
ٍ عا منأرض ،اشتريت ذرا ً ٍ هكتار من
ٌ خضار ،هذا
ٍ ً
رطال من جره بحرف الجر من نحو" :اشترينا ُّ
قماش .ويستثنى من
ٍ ع
أرض ،اشتريت ذرا َ ٍ هكتار
ُ خضار ،هذا
ٍ ضا مثل :اشترينا رط َلويجوز جره باإلضافة أي ً
حكم جواز جر التمييز باإلضافة إذا اقتضت إضافتُهُ إضافتْين -بأن كانَ ال ُم َمي ُّز مضافا ً -فتمتن ُع اإلضافةُ،
ويتَعيَّنُ نصبُهُ أو َج ُّرهُ بِ ِمن ،نحو "ما في قلب الظالم مثقال ذرةٍ رحمةً أو من رحم ٍة".
حكم تمييز النسبة
تمييز النسبة له قسمان منه ما هو محول عن فاعل أو مفعول به أو مبتدأ ،ومنه ما هو غير محول وهو في
أصله تمييز ،ولكل من هذين النوعين حكم خاص به:
جرهُ ِبمن أو باإلضافة، يجوز ُّ ُ المحول :تمييز النسبة المحول منصوبٌ دائ ًما ،وال ّ • حكم تمييز النسبة
ش ْيبًا َولَ ْم أَ ُكن ِبدُ َ
عائِكَ س َ ْ
الرأ ُ ب ِإ ِّني َوهَنَ ْال َع ْ
ظ ُم ِم ِّني َوا ْشتَ َع َل َّ وله أمثلة كثيرة مثل قوله تعالى{ :قَا َل َر ّ ِ
الرأس" ،وحكمه أنه ِ شيب
ُ ش ِقيًّا}2كلمة "شيبًا" تمييز نسبة محول عن فاعل ،والتقدير "اشتعل ب َ
َر ّ ِ
منصوب وجوبًا ال يجوز جره بمن أو باإلضافة.
مقاتال في المعركة ،ما ً موتَ س ْ • حكم تمييز النسبة غير المحول :يجوز نصبُهُ نحو "هلل درهُ ً
بطالَ ،
موتَ من مقات ٍل في المعركة ،ما س ْويجوز َجرهُ ِبمن ،نحو "هلل درهُ من بط ٍلَ ، ُ أعظمهُ ً
عمال خيريًّا"
ي". أعظمهُ من عم ٍل خير ٍّ
.بتصرف.
ّ 1التمييز" ،almerja.com ،ا ّ
طلع عليه بتاريخ 2019-06-22
2سورة مريم ،آية4 :
10
حكم تمييز العدد الصريح
• تمييز العدد هو جزء من تمييز الذات ،إال أنه يختص بأحكام تختلف عن تمييز الذات نفسه ،لذلك
صص له قسم خاص لتوضيح أحكامه :العدد من ثالثة إلى عشرة :التمييز في النحو إذا جاء بعد ُخ ِ
ب" و األعداد من ثالثة إلى عشرة فحكمه مجموعٌ مجرور باإلضافة وجوبًا ،مثل "اشتريت ثالثة كت ٍ
"قطفت تسع زهراتٍ" ،ومما هو جدير بالذكر أن تمييز األعداد من ثالثة إلى عشرة إذا كان جمعًا
يُجر باإلضافة ،أما إذا كان اسم جمع أو اسم جنس فإنه يُجر بحرف الجر "من" ومثاله قوله تعالى:
س ْعيًا} ع ُه َّن يَأْتِينَكَ َ
علَ ٰى ُك ِّل َجبَ ٍل ِ ّم ْن ُه َّن ُج ْز ًءا ث ُ َّم ا ْد ُ
ص ْره َُّن إِلَيْكَ ث ُ َّم اجْ عَ ْل َ {قا َل فَ ُخ ْذ أَ ْربَعَةً ِ ّمنَ َّ
الطي ِْر فَ ُ
،1كلمة الطير هي اسم جنس لذلك ُجرت بمن.
• العدد من أحد عشر إلى تسعة وتسعين :تمييز هذه األعداد مفرد منصوب ،ومثاله قوله تعالى{ :إِ ْذ قَا َل
اجدِينَ } ،2كلمة كوكبًا س ِ س َو ْالقَ َم َر َرأَ ْيت ُ ُه ْم ِلي َ ش ْم َعش ََر ك َْو َكبًا َوال َّ ت إِنِّي َرأَيْتُ أَ َحدَ َ
ف ِألَبِي ِه يَا أَبَ ِ س ُيُو ُ
تمييزا مفردًا منصوبًا إذ سبقها العدد أحد عشر .تمييز المئة واأللف :التمييز في النحو إذا جاء ً جاءت
بعد العدد مئة أو ألف أو مثناهما أو جمعهما فهو مفرد مجرور باإلضافة ،نحو "نجح مئة طالب" و
ب" و "أنتَ بألفَ ْي رج ٍل". "استشهد مئتا شا ٍّ
11
خاتمة و النتائج
إن البحث في موضوع التمييز من خالل كونه وحدة من وحدات البنية اللغوية لها ارتباطاتها وتفاعالتها المختلفة
مع بقية أنواع الكلم في التركيب األمر شاق ،ومسلك وعر ،إذ إن التمييز بنية لغوية لها عالقاتها التركيبية التي
تحكمها القواعد النحوية من جهة ،والتي ال تنفصل عنها الظواهر الصرفية والصوتية من جهة أخرى ،وهي
من جهة ثالثة ترتبط بعلوم البالغة والداللة و المعاني...
ويقتضي الغوص في البنية العميقة للكلم ،والسعي الستشراف ماهية السلوك النحوي واللغوي للتمييز ،فهم طبيعة
العالقة السلوكية بين الذوات المعبر عنها بأنواع االسم من جهة ،وبينها وبين الحدث على اختالف جهات ارتباطه
وانتسابه من جهة أخرى ،ولعله مما يزيد األمر صعوبة التقارب الشديد بين بعض المنصوبات -وخاصة الحال
-وبين التمييز ،إذ ثمة سمات كثيرة يشترك بها التمييز مع غيره من المنصوبات ،كما أنه ثمة سمات ذاتية ينفرد
بها ينبغي إفرادها ،وبيانها باتجاه جوهرتها في ماهية يعبر عنها بالتمييز ،ومن هذه السمات ما يقوم بوصفه
عالمة له تدلل عليه ،وتزيل التباسه بالحال في كثير من المواقع.
وفيما يأتي نعرض النتائج التي توصلنا إليها في بحثنا:
.1إن تمييز المفرد ال ينتصب إال عن تمام االسم؛ ألن التمييز حينها يغدو فضلة كالمفعول ،فينتصب على
هذا االعتبار ،وذلك ألن تمام االسم ال يكون إال بإبهامه التام ،أي بانفكاكه عن كل قيد ،فهو عامل
مستوجب لفك اإلبهام بالتمييز ،إذ االسم المبهم يقوم بوصفه ذاتا هي جنس ،ال يدري ما المقصود منه
إال بذكر نوعه المخصص له ،وهو ما يقوم به جوهر التمييز.
.2يجوز في تمييز المقادير النصب والجر؛ فأما النصب فداللته تفسير المقدار ،وأما الجر فيؤدي إلى
احتمال أن يكون مرادك كمرادك حين نصبت ،ويؤدي كذلك إلى أن يكون مرادك هو اآللة أو الوعاء
المخصص للمقدار ال المقدار نفسه ،وذلك أن اإلضافة هنا ال تقتضي التبعيض في حال ،بل هي من
قبيل إضافة الجنس إلى نوعه ،كما أن التمييز هنا هو أيضا بيان نوع الجنس الذي هو المميز ،مع العلم
أنه يمكن تنزيل المميز منزلة الجنس باعتبار ،وتمييزه بعدئذ بما هو محمول على أنواع ذلك الجنس
على اختالف االعتبارات الممكنة.
.3ينصب التمييز عن األعداد التي تصاغ لغويا وحسابيا من مجموعة األعداد األساسية () 10 ...1
بزيادة الواحد ،واألعداد المصاغة تطغى عليها من الناحية اللفظية ،سمات االسمية على سمات
الوصفية؛ على حين أنها تضارع المشتقات في معناها وسلوكها الداللي ،فيلحق نهايتها النون و التنوين
و ما هو بمنزلتهما ،كما أنها تتضمن معنى اسم الفاعل أو الصفة المشبهة ،...ومن ثم فإنه يمكن فهم
العالقة التي تربط التمييز بالمميز العددي ،والتي هي عالقة مفسر بمفسر ،من خالل لحظ حدث (العد)،
المنطوي من جهة على حدث (وصف) ،ومن جهة أخرى على داللة على ذات مبهمة ،ومن هنا جاءت
إمكانية التمييز واإلضافة في تمييز العدد.
.4التمييز المختلط القابل للتنصيف الجمعي يقتضی جمع لكال نوعيه ،وإال ص ار المعطوف مجمة،
وصار العطف على العدد ال المعدود ،أما التمييز المختلط العدد المركب فيكون منصفا إذا كان العدد
قابال للتنصيف ،وإال فهو مجمل يراعى فيه االستخدام المتداول.
12
.5تلزم مطابقة تمييز النسبة ما قبله في العدد إذا اتحدا في المعنى ،أو كان مصدر | تعددت أنواعه
باختالف األفراد ،أو كان حلول التمييز المفرد مقام الجمع يحدث التباسا ،ويلزم تركها إذا كان التمييز
مفردا آتيا بعد الجمع أو كان معنى الجمع يفوت بقيام المفرد مقامه ،أو كان مصدرا ال يراد أن تعدد
أنواعه ،وإنما ذلك كله يرجع إلى تفرع األنواع عن الجنس ،وقيامها بمهمة فك اإلبهام ،التي هي الغاية |
أصال من التمييز ،وكل ما يناقض تحقيق هذه الغاية فإنه ينفي من الجواز.
.6لما كان التمييز ليس من المميز وال هو هو ،وإنما العالقة بينهما هي عالقة مفسر بمفسر؛ وذلك أن
المميز يقوم مقام الصورة العقلية الذات التمييز ،بشقيها | المعنوي والمادي ،فقد حملت هذه العالقة
صوتيا على أخذ الحركات وهی الفتحة ،إذ هي أخف الحركات وأقربها من السكون ،كما أنها العالمة
األساسية للفضالت في التركيب اللغوي ،وقيام التمييز كفضلة تابعة للمميز هو أصل
.7للتمييز في تأويالت النحويين مواطن يجوز حذفه فيها الداللة السياق عليه استنادا إلى جواز حذفه في
التنزيل ،وهو ما ينسجم مع قاعدة جواز حذف ما يدل عليه في اللغة ،وأما بغير دليل فإن التمييز فرع
على المميز مرتبط به معنويا ودالليا ،وال يقوم المميز بغايته في الكالم من دون البيان الذي يقوم
التمييز به ،فدوره جوهري في الكالم ،وإن كان فضلة.
.8التمييز اسم مزال عن أصله أي متحول عنه ،فهو في المعنى موصوف بما عمل فيه النصب ،ومتأة
عنه ،وكذلك هو في اللفظ متأخر عن صاحبه المميز ،إال أنه في األصل صاحب تقدم في الرتبة واللفظ.
.9من السمات الذاتية للتمييز تضمنه معنى ( من ) البيانية ،وهي (من) التي يصح اإلخبار بما بعدها عما
قبلها؛ فهما متطابقان ،وشرطها أن تعود على مذکور ،لذلك ال يستقيم ذكرها بعد التمييز الذي يدل على
ذات مقدرة كتمييز النسبة ،فالبيان الذي يعبر عنه ب (من) ،هو في الحقيقة النسبة التي يعبر عنها
جوهر التمييز ،والتي تبين النوع المحدد من بين األنواع التي يحتملها الجنس المتقدم ( المميز) ،فإذا
كان المتقدم أصال منطويا على نسبة محددة استغني عن ذلك في التمييز ،ولذلك امتنعت (من) في تمييز
النسبة.
.10إن عالمة التمييز هي وقوعه من نكرة؛ أي سجيء العامل في التمييز نكرة ،وقد يكون التفكير في
المعنى دون اللفظ ،ذلك أن التفكير المحض هو اإلبهام ،واإلبهام هو الداعي أصال لوجود التمييز ،ومن
دون اإلبهام ال مبرر للتوضيح ،وبالتالي فإن المعلم األساسي للتمييز هو ارتباطه بالتنكير المسبب
لوجوده ،وهذا التنكير هو تنكير في المعنى ،سواء عبر عنه بلفظ منكر أو معرف ،فالقضية التي تربط
التمييز بالمميز هي قضية معنوية ،ال لفظية ،وإن كان من المنطق أن يرتبط البناء اللفظي فيها بالبناء
المعنوي ،وذلك للتبعية التي يفرضها انبثاق النوع عن الجنس \.
.11لما كان التمييز يرفع اإلبهام عن ذات ظاهرة أو مقدرة ،فقد لزم أن يكون اسما جامدا يدل على ذات؛
ألن بيان الذات إنما يكون بما دل على ذات ،ولم يجز أن يأتي وصفا؛ ألن الوصف يرتبط بالهيئة،
والهيئة ترتبط بالحركة ،والحركة تابعة للزمن ،وهذا مضمار الحال ال التمييز ،وإنما الغاية من التمييز
فصل الجواهر المحتملة للجنس بعضها عن بعض ،وإبراز المراد منها ،من حيث هو ذات قائمة ،ال من
حيث هو عنصر في سياق الحدث.
13
.12عنيت هذه الدراسة بتحديد هوية التمييز ،وبيان موقعه بين المنصوبات ،وقد سعت إلى تحديد عالمة
التمييز ،والسمات التي ينفرد بها عن باقي المنصوبات ،واتجهت إلى إزالة االلتباس الذي يمكن أن يقع
بينه وبينها في العديد من المواقع ،كما حاولت العمل على قراءة التمييز قراءة جديدة تنسجم مع روح
اللغة واألسس
14