Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 256

‫رواية‪ :‬رسائل من الجحيم‬

‫تأليف‪ :‬منى حارس‬


‫الناشر‪ :‬مؤسسة تبارك‬
‫الطبعة األولى ‪2017‬‬
‫رقم اإليداع‪:‬‬
‫ترقيم دولي‪:‬‬
‫تصحيح لغوي‪ :‬ماريا محمد‬
‫إخراج فني‪ :‬سمرمحمد‬
‫تصميم الغالف‪:‬‬

‫حقوق النشر والطبع والتوزيع محفوظة ملؤسسة تبارك – ‪2017‬‬

‫ال يجوز نشر هذا الكتاب أو جزء منه أو اختصاره بقصد الطباعة واختزان مادته العلمية أو‬
‫نقله بأي طريقة سواء كانت إلكترونية أو ميكانيكية أو بالتصوير أو خالف ذلك دون موافقة‬
‫خطية من الناشر مقدما‬

‫مؤسسة تبارك للنشر والتوزيع‬


‫نشر – توزيع‬
‫‪0020/01007224444-01143900097‬‬
‫‪e-mail:‬‬
‫‪m.z2000@hotmail.com‬‬

‫‪2‬‬
‫نامه هایی از جهنم‬

‫رواية‬

‫منى حارس‬

‫‪3‬‬
4
‫هل تخيلت يومًا أن تنقلب‬
‫المزحة والدعابة ‪...‬‬
‫فتتحول إلى دعابة قاتلة ؟؟؟‬

‫‪5‬‬
6
‫إهــــــداء‬

‫إلى الشخصيات الحقيقية في الرواية الذين عانوا ومازالوا‬


‫يعانون بالحياة‪ ،‬وال يعرفون السبب ملا يحدث معهم أو ملاذا‬
‫يحدث لهم كل هذا؟‬
‫غير أن هناك أمورا غريبة تحدث بالحياة وال أحد يعرف‬
‫سببها في النهاية فهناك بعض املواقف الغريبة التي حدثت‬
‫بالفعل مع أشخاص تم ذكرهم بالرواية بعد أن قرروا أن يعرف‬
‫اآلخرون ما عاشوا‪.‬‬
‫ربما شعروا بما كانوا يشعرون به وقتها‪.‬‬
‫فهل أنت مستعد؟‬

‫‪7‬‬
8
‫المقدمة‬

‫املوتى األحياء أو "الزومبي"‪ ،‬هل تعتقد بأنهم شخصيات حقيقة؟‬


‫يوما أن يكون "الزومبي"شخصية‪ ،‬موجودة ً‬
‫حقا بالحياة‪.‬‬ ‫هل تخيلت ً‬
‫تعيش حولنا ونحن ال ندري عنها ً‬
‫شيئا ؟‬
‫ربما مات شخص عزيز عليك وقريب إلى قلبك‪.‬‬
‫ربما كان قريبك أو صديقك أو حتى جارك وبعد أن ودعته باكيا إلى‬
‫مثواه األخير‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫غير مصدق ما يحدث أمامك وشاهدتهم بعينيك يدخلونه إلى قبره‪.‬‬
‫وهو بكفنه األبيض ثم بعدها يضعون التراب على جسده‪.‬‬
‫وبعدها رحلت باكيا منهارا متذكرا أيامك الحلوة التي قضيتها معه‪.‬‬
‫ثم عدت إلى منزلك ليال باكيا منهارا‪ ،‬ال تستطيع السير على قدميك‬
‫من شدة التعب بعد أن قمت بتأدية واجب العزاء‪.‬‬
‫فأنت تقف على قدميك منذ الصباح الباكر ولم تنل قسطا من‬
‫الراحة أثناء الظهيرة‪.‬‬
‫ثم نمت حزينا على فقدان من أحببت‪ .‬بعد أن تناولت عشائك أوال‪.‬‬
‫فأنت لم تضع لقمة في فمك منذ الصباح‪.‬‬
‫ومنذ متى يمتنع الناس عن تناول الطعام عند موت أحدهم‪.‬‬
‫فأنت تؤمن بذلك ً‬
‫جيدا‪.‬‬
‫وأثناء نومك املتقلب في الفراش‪ ،‬فمازلت متوترا غير مصدق ما حدث‬
‫صباحا‪.‬‬
‫و ل م تصدق بعد بأنك فقدت ذلك الشخص العزيز على قلبك‪.‬‬
‫ً‬
‫سريعا أمام عينيك وكأنه شريط‬ ‫ولن تراه مرة أخرى فكل ش يء مر‬
‫فيديو‪.‬‬
‫و ال تدري كيف ستكمل حياتك من غيره‪.‬‬
‫و هنا مددت بيدك لتلتقط وسادتك لتغطي بها وجهك‪.‬‬
‫‪10‬‬
‫و تتناس ى ما حدث متمنيا في نفسك أن يكون كل هذا مجرد كابوس‪.‬‬
‫و لم يحدث ً‬
‫أبدا واستيقظت صباحا لتجد انك كنت تحلم‪ ،‬ولم يمت‬
‫أحد‪.‬‬
‫و لم يحدث ش يء والجميع بخير‪ .‬وهنا شعرت بمن يتحرك بجوارك‬
‫على الفراش فصوت أنفاسه قريبة منك لدرجة مستفزة ومثيرة‪.‬‬
‫فنظرت بغضب مخترقا ظالم الغرفة‪.‬‬
‫فوجدت رأس أحدهم على وسادتك فقمت مفزوعا شاعرا بالغضب‪.‬‬
‫متسائال بصوت فظ‪ .‬من هذا الذي تجرأ أن ينام على فراشك؟‬
‫فأنت تكره أن يشاركك أحد الفراش وهم يعلمون ذلك ً‬
‫جيدا فمن‬
‫الذي تجرأ وفعلها؟‬
‫فأضئت مصباح الغرفة بغضب لتصطدم عيناك بعين قريبك أو‬
‫صديقك الذي دفنته بنفسك صباحا؟‬
‫ماذا ستفعل حينها؟ هل ستصرخ مستغيثا أن ينقذك أحد؟‬
‫آم ستأخذه باألحضان فرحا بعودته من جديد؟‬
‫و لكن مهال صغيري فلماذا كل هذا الخوف في عينيك والفزع؟‬
‫ألم تتمن أن يعود إليك من فقدته منذ عدة ساعات مضت‪.‬‬
‫ً‬
‫سريعا؟‬ ‫و يكون كل هذا مجرد كابوس بشع وتستيقظ منه‬
‫ً‬
‫سريعا أمنيتك الوحيدة في الحياة؟ فلماذا تخشاه اآلن؟‬ ‫أنسيت‬
‫‪11‬‬
‫عال مستغيثا كاألطفال بأن ينقذك أحدهم؟‬
‫و ملاذا تصرخ بصوت ٍ‬
‫ال أدري ً‬
‫حقا سببا لكل هذا الفزع والخوف في عينيك فأنت إنسان‬
‫غريب ً‬
‫حقا يا عزيزي لقد استمع إليك صديقك‪.‬‬
‫وعاد من جديد من عامله اآلخر عالم األموات ولكنه لم يعد كما كان‬
‫ً‬
‫لقد تغير قليال وعاد بشكل جديد ومختلف‪.‬‬
‫عاد كالزومبي من قبره‪.‬‬
‫فهل ستتقبله؟ وهذا ما حدث معنا لقد عادت سارة‪ .‬من هناك‪.‬‬
‫عادت من أين؟ يا لك من غريب ً‬
‫حقا يا أخي‪.‬‬
‫فهل عادت سارة من السينما أو التسوق أو ربما من عند مصفف‬
‫الشعر؟‬
‫لقد عادت سا ة من قبرها دمية متحركة ال تدري ً‬
‫شيئا عما حولها‪.‬‬ ‫ر‬
‫دعونا نرى ما حدث‪ .‬وماذا فعلت الفتاة بعد أن غادرت قبرها‪.‬‬
‫لتجد نفسها منهم وانقلبت الدعابة لتتحول إلى مزحة قاتلة‪.‬‬
‫فأر ِم كل ش يء خلف ظهرك اآلن‪.‬‬
‫وتعال معي لتتعرف عليهم ً‬
‫جيدا‪ .‬وكيف تتعامل معهم‪.‬‬ ‫َ‬

‫من هم؟‬
‫يا إلهي هل مازلتم تسألون؟‬
‫إنهم املوتى األحياء "الزومبي"‬
‫‪12‬‬
‫فربما قابلتهم ً‬
‫يوما في طريقك من يدري؟‬
‫فكل ش يء لم يعد كما كان حتى املوتى تغيروا ً‬
‫كثيرا هذه األيام‪.‬‬
‫فلم يعودوا مساملين كما كانوا في السابق‪.‬‬
‫فلم تعد األشياء كما كانت من قبل ثق في ذلك‪.‬‬

‫د‪ .‬منى حارس‪.‬‬

‫✦✦✦‬

‫‪13‬‬
14
‫ما قبل البداية‬
‫‪2011 / 8/22‬‬

‫في إحدى جزر الكاريبي وفي تلك الجزيرة البعيدة النائية وقفت هي‬
‫بشعرها الثائر وعيونها الواسعة ومالبسها الغريبة الفضفاضة زاهية‬
‫األلوان على تلك الصخرة العالية‪.‬‬
‫يضرب البحر الكاريبي الثائر بأمواجه العالية الصخرة تحت أقدامها‬
‫السوداء ويتطاير شعرها الثائر ليغطي نصف وجهها وعيونها السوداء‬
‫الواسعة التي تغطيها وترسمها بالكحل األسود الكثيف تتساءل بقلق‪.‬‬
‫وتضرب األرض الصخرية بغضب حتى كادت بروزات الصخرة تخترق‬
‫لحم قدميها تصرخ بفزع وهي تمسك بتلك الورقة بين يديها‪.‬‬
‫ماذا حدث يا بنيتي؟ وماذا فعلوا بك يا صغيرتي؟‬
‫كانت تقرأ الكلمات بعينيها بفزع يكاد قلبها يتوقف من شدة انفعالها‪.‬‬
‫فلقد استلمت الرسالة منذ دقائق معدودة من القاهرة‬
‫من ابنة أختها الراحلة من سارة التي ربتها واعتنت بها كابنتها‬
‫✦✦✦‬

‫‪15‬‬
‫خاليت الغالية‪ :‬نورا‬
‫أرجوا أن تتصريف سريعًا وتبعديه عين فمازال بائع التذكرة‬
‫يطاردني‪.‬‬
‫إني خائفة يا خاليت فهو يطاردني يف كل مكان هل ستبعدينه‬
‫عين؟‬
‫أعلم بأنك تستطيعني‪ .‬ال تفهمني شيئًا من كالمي أليس كذلك‪.‬‬
‫سأقص عليك القصة من البداية ولكن عديين أوال أن تساعديين‬
‫ألختلص منه ومن متابعته لي أتعدينين‪ ،‬أعلم بأنك لن تتخلي عين‬
‫أبدًا‪.‬‬
‫بدأت القصة يف ذلك اليوم يا خاليت منذ أربعة أشهر ففي ذلك‬
‫اليوم كنت أسافر وحدي إىل القاهرة بعد زيارتي خلالي جمدي مبرسى‬
‫مطروح لقد أصر خالي على مرافقيت إىل القاهرة ولكنين رفضت فهو‬
‫مشغول دائما كما تعلمني‪.‬‬

‫فركبت احلافلة وحدي من مرسى مطروح إىل اإلسكندرية ثم‬


‫ركبت القطار مباشرة إىل القاهرة‪.‬‬
‫فجلست مبقعدي بالقطار‪ ،‬املقعد رقم ‪ 33‬ونظرت للمقعد الفارغ‬
‫جبواري حبرية ال أدري يا خاليت‪.‬‬

‫‪16‬‬
‫ملا شعرت بأن هناك شيئًا غريبا وسيئا سيحدث اليوم‪.‬‬
‫وهنا أتى هو رجل طويل وبدين له شارب أبيض ويرتدي نظارة‬
‫سوداء‪.‬‬
‫يبدو أنه يف أوائل اخلمسينيات من عمره‪ ،‬يشبه األتراك كثريًا‬
‫وكأنه قادم من مطار اسطنبول إىل القطار نظرت له حبرية ال أدري‬
‫ملاذا؟ صدقيين يا خاليت ال أعرف ماذا حدث لي ولكنه شعور غريب‬
‫بأن هذا الرجل سيحدث له شيء سيئ‪.‬‬
‫ما هو هذا الشيء؟ ال أعرف ولكنه حدس عندي وأكاد أجزم‬
‫بذلك‪ .‬وهنا تعجبت من أمري‪ ،‬فأنا ال أعرف الرجل ومل أره من‬
‫قبل‪ .‬غريب أنت أيها احلدس حقًا‪.‬‬
‫فلنرتك الرجل وشأنه‪ ،‬كنت أنظر إليه خلسة من خلف نظارتي‬
‫السوداء وال أدري ملا مل أنزعها بعد من على عيين؟‬

‫ولكنين قررت أن أتركها ألراقب الرجل من خلفها وألرى ماذا‬


‫سيفعل دون أن يراني؟‬

‫جلس يقرأ باهتمام يف بعض اجلرائد وبعدها مسعت صوت‬


‫أنفاسه املنتظمة وشخريه يف أثناء النوم وكأنه مل ينم منذ قرن‪.‬‬
‫نام الرجل بسرعة مبجرد أن أغمض عينيه‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫وهنا قررت أن أتركه وشأنه وأحاول النوم قليلًا‪ .‬فمازالت‬
‫الرحلة طويلة فأغمضت عيين‪.‬‬

‫وهنا رن هاتف الرجل‪ ،‬فانتبهت حواسي كلها‪.‬‬


‫كنت أريد أن أعرف مع من يتحدث الرجل؟‬

‫ال تتعجيب يا خاليت ولكنه الفضول‪ ،‬وسيقتلين إن مل أعرف‪.‬‬


‫فقد مسعته يتحدث عن أخته املريضة وخيربهم بأنه سيصل قريبا‪.‬‬

‫وهنا التفت لي الرجل وسألين متى سيصل القطار إىل القاهرة؟‬


‫فنظرت إليه وأخربته بأنه سيتأخر نصف ساعة عن موعده‬

‫فهاج الرجل وثار وقال‪:‬‬


‫‪ -‬ملاذا؟ فأنا أريد أن أصل يف موعدي فهم ينتظرونين؟‬

‫فابتسمت بسخرية قائلة‪:‬‬

‫‪-‬يبدو بأنك مل تستقل قطارا منذ فرتة طويلة يا سيدي‪.‬‬

‫فرد على قائلًا‪:‬‬


‫‪-‬نعم فانا مل أسافر بالقطار منذ سنني‪ ،‬لقد كنت أسافر دائما‬
‫بالسيارة‪ .‬ولكنها أخيت املريضة‪.‬‬
‫ال أدري يا خاليت ملا شعرت بتلك الغصة يف حلقي‪.‬‬
‫‪18‬‬
‫ورأيت تلك اهلالة السوداء حول رأس الرجل‪.‬‬
‫هل أتوهم ال أعرف ولكين شعرت بتلك اهلالة السوداء ورأيتها‬
‫كما علمتين يومًا هل تتذكرين عند موت أمي رمحها اهلل‪.‬‬
‫لقد رأيت اهلالة نفسها حول رأسه‪.‬‬

‫وعرفت بأن تلك املرأة ستموت قبل أن يتوقف القطار يف حمطته‪.‬‬


‫فهززت رأسي بعنف ألبعد تلك الفكرة الغريبة عن رأسي‪.‬‬

‫وهنا بدأ الرجل يروي قصة أخته اليت أجرت عملية قلب مفتوح‬
‫منذ بضعة أسابيع وبعدها دخلت يف غيبوبة ومل تفق إىل اآلن على‬
‫الرغم جناح العملية وهو ذاهب إىل زيارتها يف املستشفى‪.‬‬

‫فلقد تدهورت حالتها كثريًا‪.‬‬


‫ال أدري ملا قلت له البقاء هلل‪ .‬هل جننت حقًا؟‬

‫لقد نظر لي الرجل بغيظ ومل ينطق؟‬


‫فحاولت تدارك خطئي واالعتذار فقلت له بتوتر‪:‬‬

‫‪-‬مل أقصد ولكنها أعمار وكل شيء بيد اهلل‪.‬‬


‫ثم بعدها صمت وأدرت رأسي إىل النافذة جبواري ومل أفتح فمي‬
‫جمددا‪ ،‬وبعدها نام الرجل من جديد‪.‬‬

‫‪19‬‬
‫وصوت شخريه كان عاليا لدرجة مثرية للقلق‪.‬‬

‫غريب حقًا ذلك الرجل فكيف استطاع النوم بتلك السرعة؟‬

‫وحاولت أنا االستمتاع بتلك املناظر اخلالبة للطبيعة الرائعة من‬


‫النافذة‪ ،‬وهنا مسعت صوته ثانية يسألين من جديد عن موعد وصول‬
‫القطار‪.‬‬

‫غريب حقًا هذا الرجل فهل يعتقد بأنه نام دهرا كامال‪.‬‬

‫إنهم ثالث دقائق تقريبا منذ أن أغمض عينيه‪.‬‬

‫فهززت رأسي حبرية ومل أرد وهنا سألين مباشرة قائلًا‪:‬‬

‫‪-‬ملاذا مل يسافر صاحب التذكرة؟‬

‫فنظرت له حبرية وأنا أهز رئسي‪:‬‬

‫‪-‬أنا ال أفهم شيء يا سيدي‪ ،‬فأنا صاحبة التذكرة‬

‫فرد عليا حبرية‪:‬‬

‫‪-‬ال ولكنين أعطيته التذكرة أمس‪ ،‬فأين هو وملاذا مل يسافر؟‬

‫وهنا ابتسمت بعد أن تذكرت قائلة‪:‬‬

‫‪20‬‬
‫‪-‬آه هل تقصد ذلك الشاب الصغري الذي يشبه الصينيني يف احملطة‬
‫لقد اشرتيت منه التذكرة‪ .‬فلم يكن هناك حجز وعرض عليّ‬
‫تذكرته فاشرتيتها‪.‬‬

‫نظر الرجل لي بشك‪:‬‬


‫‪-‬غريب لقد كان الشاب مصرا على السفر اليوم وأعجبتين هيئته‬
‫الغريبة ومل يكن هناك حجز وتذاكر‪ ،‬فأعطيته تذكرة زوجيت‪.‬‬

‫وهنا قلت له بفتور‪:‬‬

‫‪-‬ال أدري فلقد اشرتيت التذكرة وأنا مضطرة فأنا أكره ذلك‬
‫القطار وهذا املوعد ولكنها الظروف فلقد تعطلت بي احلافلة‬
‫وأنا قادمة من مرسى مطروح وفوت قطاري فلم أجد أمامي‬
‫اختيارا آخر إال هذا القطار وهذا املقعد‪.‬‬

‫فصمت الرجل ونظر لي حبرية ثم قال لي بطريقة غريبة‪:‬‬


‫‪-‬ال تقلقي سيزورك الرجل قريبا‬

‫وبعدها أغمض عينيه وغط يف نوم عميق من جديد‪.‬‬


‫وتساءلت حبرية‪:‬‬

‫"هل الرجل فقد عقله ومن الذي سيزورني وملاذا أركب هذا‬
‫القطار الغريب؟"‬
‫‪21‬‬
‫وهنا مسعت صوت هاتفه يرن من جديد ولكنه مل يرد هذه املرة‪.‬‬
‫وظل اهلاتف يرن والرجل نائم‪.‬‬

‫ولكين مل أمسع صوت شخريه املثري لألعصاب هذه املرة‪.‬‬


‫فنظرت له بتعجب وتساءلت بقلق‪.‬‬

‫هل الرجل ال يتنفس أم أني أتوهم؟ ولكين أقسم بأنه ال يتنفس‪.‬‬


‫فماذا أفعل؟ هل أصرخ وأطلب املساعدة؟‬

‫رمبا كان الرجل خيتنق‪.‬‬


‫ولكين شعرت باخلوف والتوتر ال أدري‪ ،‬فهل مات الرجل ؟‬
‫شعرت بالفزع عندما جال خباطري أنين أجلس جبوار جثة‪.‬‬

‫وهنا مل أعد أحتمل يا خاليت‪ ،‬فوقفت وقررت الرحيل إىل أي‬


‫مكان‪.‬‬

‫ولكن إىل أين سأذهب يا خاليت؟‬

‫فأنا يف قطار مغلق وليس يف الشارع ألذهب للتسوق‪.‬‬


‫فأين سأذهب فالقطار مزدحم؟‬
‫وهنا وجدتها أمامي وكانت كقارب النجاة عالمة (‪)WC‬‬

‫‪22‬‬
‫فقلت لنفسي وملا ال سأذهب إىل (‪.)WC‬‬
‫وبعدها أجلس يف أي عربة أخرى إىل أن يتوقف القطار‪.‬‬

‫ولكن الرجل ميد ساقيه أمامه فلن أستطيع املرور‪.‬‬


‫فاملكان ضيق‪ ،‬غريب هذا الرجل‪.‬‬

‫ملاذا ميد ساقيه أمامه اآلن وبعدها ميوت؟ فماذا سأفعل أنا؟‬
‫شعرت باحلرية متزق كياني واخلوف و التوتر يقتالنين إذ مل أدر ماذا‬
‫افعل؟‬
‫وهنا شاهدتين هي والحظت توتري‪.‬‬

‫سيدة مسنة جتلس باملقعد اجملاور للرجل يف اجلانب اآلخر من‬


‫القطار‬
‫فقالت له بضيق‪:‬‬

‫‪-‬دعها متر يا أستاذ فالفتاة تريد الذهاب‪.‬‬

‫ولكن الرجل مل يتحرك أو يلتفت إليها وهنا نادت السيدة بصوت‬


‫أعلى‪.‬‬
‫ولكن الرجل مل جيب عليها أيضًا فتوتر املوقف يا خاليت‪.‬‬
‫وبدأ بعض الركاب يالحظون األمر‪.‬‬
‫‪23‬‬
‫وتتابع ما حيدث فاملوقف مثري‪.‬‬
‫فمن النادر أن تشاهد جثة متد ساقيها يف قطار ومتنع فتاة من‬
‫املرور‪.‬‬
‫فاملوقف لن يتكرر كل يوم‪.‬‬

‫ويف تلك اللحظة أتى هو من آخر العربة مبنظاره الطيب‪.‬‬


‫وقال بأنه طبيب وبعد الفحص والضغط على صدر الرجل‬
‫مرارا‪.‬‬
‫قال الطبيب بالمباالة‪:‬‬
‫‪-‬البقاء هلل لقد مات الرجل‪.‬‬

‫وهنا صمت اجلميع ووقفت أنا ألتصق بالنافذة جبواري وأريد‬


‫العبور‬

‫فهل سيرتكونين هكذا وهنا حاولت العبور وختطي قدم الرجل‪.‬‬


‫ولكن يف تلك اللحظة رن هاتف الرجل وكان على األرض‬
‫جبوار قدمي‪.‬‬

‫إذ يبدو أنه سقط منه وهو نائم أو يف أثناء موته ال يهم‪.‬‬
‫فقال لي بعض الركاب أن أحضر اهلاتف وأخرب أهل الرجل مبوته‪.‬‬

‫‪24‬‬
‫ولكين مل أستطع أن أفعل ما يقولون‪.‬‬
‫فرفعت اهلاتف من على األرض وأعطيته للطبيب بيد ترتعش‬
‫خوفا‪.‬‬
‫وهنا فتح الطيب اهلاتف ليخرب أهل الرجل مبوته‪.‬‬

‫ولكنه أغلق اهلاتف سريعًا ومل يرد على أهل الرجل بكلمة‬
‫واحدة‪.‬‬
‫وتساءل اجلميع بدهشة ملاذا مل خيرب أهل الرجل وأغلق اخلط‪.‬‬
‫فرد الطبيب عليهم بذهول‪:‬‬
‫‪-‬كيف أخربهم مبوته وأحدهم خيربني مبوت أخت الرجل منذ‬
‫دقائق معتقدا بأنين هو‪.‬‬
‫وهنا صرخت بفزع أريد أن أخرج من هذا املقعد الشؤم‪.‬‬

‫فخرجت من مقعدي وعربت فوق أقدام الرجل‪ ،‬وقاموا بتغطية‬


‫وجهه‪ ،‬وبعدها جاء أمن القطار‪ ،‬وأخربوا أهل الرجل خبرب موته‪.‬‬
‫ومنذ ذلك اليوم تغريت حياتي كثريًا يا خاليت؟‬

‫مصائب كثرية تالحقين وأرى الرجل باستمرار يطاردني‪.‬‬


‫نعم هو نفس الشاب الصيين الذي باعين التذكرة‪.‬‬

‫‪25‬‬
‫وعندما أقرتب ألتأكد منه أجده اختفى كاحللم‪.‬‬
‫ال أدري لقد أصبحت أخشى كل شيء والظالم خصوصا‬
‫وابتعدت عن اجلميع حتى عمر خطييب‪ ،‬وأخشى أن أفقده وهو أول‬
‫حب يف حياتي كما تعلمني‪.‬‬
‫وال أعرف ما السبب يف كل ذلك يا خاليت؟‬
‫ال أدري ملاذا؟ وماذا فعلت أنا هل تستطيعني إخباري؟‬
‫واليوم رأيته بعيين نعم هو أقسم لك يا خاليت لقد كان يراقبين من‬
‫بعيد‪ .‬نعم هو أقسم بأنه نفس الشاب بائع التذكرة صغري احلجم‪.‬‬
‫لقد شعرت بالفزع والرعب وتذكرت اجلثة وموت الرجل وأخته‬
‫وكل شيء مررت به فأسرعت أركض يف الشارع كاجملنونة وبعدها‬
‫نظرت خلفي فلم أجده لقد اختفى فجأة كما ظهر فجأة‪.‬‬

‫فتنهدت بارتياح وهممت بإكمال طريقي ولكين وجدته يقف‬


‫كاملوت أمامي وميد يده لي بورقة ويقول لي باحلرف الواحد‪:‬‬

‫لقد أصابك الدور فال تتعجلي األمور‪ ،‬فكل شيء سيمر سريعًا‪.‬‬
‫لقد صرخت وظللت أصرخ بفزع حتى جتمع الناس من حولي‬
‫ثم نقلوني إىل املستشفى وبعدها جاء أبي وقال الطبيب بأنه انهيار‬
‫عصيب حاد‪.‬‬
‫‪26‬‬
‫ولكين لست جمنونة يا خاليت ولكنهم ال يصدقون بأن بائع التذكرة‬
‫يطاردني ولكن ماذا فعلت أنا يا خاليت ليطاردني الرجل‪.‬‬

‫هل ستمنعينه وحتميين؟ أنا أعرف بأنك تستطيعني؟‬


‫أرجوا أن تساعديين سريعًا فليس لي أحد سواك‬

‫بعد أن فقدت أمي وقبل أن يظن اجلميع بأنين فقدت عقلي يا‬
‫خاليت‪.‬‬
‫فأنا مل أفقد عقلي ولكن بائع التذكرة يطاردني هل تفهمني ما‬
‫أقول؟‬
‫هل ستوقفينه وتعرفني ماذا يريد بائع التذكرة مين‬

‫أم ستتخلني عين كاجلميع‪.‬‬

‫ابنتك املخلصة‬
‫سارة‬

‫‪2011/7 /22‬‬
‫✦✦✦‬

‫‪27‬‬
‫ألقت السيدة الرسالة بغضب في البحر فالتقطتها أمواج البحر الثائرة‬
‫بلهفة وكأنها كانت تنتظر تلك اللحظة منذ دهر‪ ،‬كانت املرأة تنظر إلى مياه‬
‫املحيط األطلس ي الزرقاء من بعيد بغضب ثم إلى البحر الكاريبي بغيظ‬
‫وكأنها تتوعدهم باالنتقام‪.‬‬
‫فلقد كانت تعيش بإحدى الجزر الصغيرة املميزة بمنطقة الكاريبي التي‬
‫تطل على املحيط األطلس ي والبحر الكاريبي في نفس الوقت‪.‬‬
‫والكاريبي (‪ )Caribbean‬هو اسم ملنطقة جغرافية تقع بين قا ّرة أمريكا‬
‫الجنوبية وأمريكا الالتينية ويحدها املحيط‬‫ّ‬ ‫الشمالية وقارة أمريكا‬
‫األطلس ي الشمالي‪.‬‬
‫و ُت ْعرف منطقة الكاريبي باسم (منطقة األنتيل) وتنقسم إلى جزر‬
‫األنتيال الكبرى وجزر األنتيل الصغرى‪..‬‬
‫والحظ االسم ً‬
‫جيدا " األنتيل " وليس " العنتيل "‪..‬‬
‫فهناك فارق كبير بين الكلمتين وما االختالف بينهما إال في حرف واحد‪،‬‬
‫حقا تلك اللغة إن أزلت أو أضفت حرفا اختلف كل ش يء؟؟‬ ‫غريبة ً‬

‫ولكنه ليس موضوعنا اآلن‪ ،‬فلنترك العنتيل وشأنه‪ ،‬ونبدأ في سرد‬


‫الرواية التي لم تبدأ بعد كما تظنون‪.‬‬

‫✦✦✦‬

‫‪28‬‬
‫الفصل األول‬

‫رسائل من العالم األخر‬


‫الرسالة األولى‬

‫‪ -‬أين كنت يا ممدوح فالساعة تجاوزت الرابعة فجرا؟‬


‫‪ -‬كنت بالعمل يا مريم وأنتي تعرفين ذلك فال داعي للنكد والسؤال‬
‫اليومي اململ‪ ،‬فأنا اشعر بالسعادة اليوم وال أريد أي نكد من‬
‫فضلك‪.‬‬
‫‪ -‬عمل ؟؟أي عمل هذا وفي هذا الوقت ورائحة الخمر تفوح من فمك؟‬
‫هل عدت للشرب من جديد ؟؟‬
‫‪ -‬أال تملين السؤال يا مريم ؟ ملاذا تصرين على التنكيد علي أيتها املرأة‬
‫الغبية‪ ،‬أنا لم أتزوجك لكي تنكدي عليا حياتي وتجعليها جحيما‪.‬‬
‫‪ -‬أنا غبية يا ممدوح! وإن كنت أنا غبية فماذا تكون أنت إذا؟ وأنت‬
‫تضيع أموالك وصحتك على الشراب والخمور‪.‬‬
‫‪ -‬نعم غبية وال تفهمين فأنا أقول لكي بأني سعيد اليوم وال أريد‬
‫مشاكل وأنتي غبية تلحين في السؤال‪ ،‬وال تتركينني وشأني كل يوم‬
‫‪29‬‬
‫نكد‪ .‬أنتي ال تطاقين يا مريم‪ ،‬وتستحقين ما سيحدث لكي‪ ،‬وبعدها‬
‫خلع حزام بنطلونه وانهال ضربا عليها‪.‬‬
‫في حين أخذت هي تصرخ بألم ‪ ،‬وتستغيث بأن ينقذها أحدهم ولكن‬
‫ما من مجيب فلقد كانت الفيال التي تعيش بها في مكان منعزل ً‬
‫بعيدا عن‬
‫العمران ولم يستطع أحد العاملين باملنزل التدخل‪ ،‬فقد اعتادوا األمر‬
‫يوميا كما اعتادت سيدة القصر الضرب والصراخ يوميا ‪.‬‬
‫فما الجديد في األمر اليوم ليتدخلوا‪.‬‬
‫وهنا انتشرت رائحة عطر الياسمين املميزة لتمأل الغرفة‪ ،‬فهل فقدت‬
‫الزوجة عقلها لتضع العطر لزوجها بعد أن ضربها ؟‬
‫من يدري فكل ش يء جائز وممكن أن يحدث ؟‬
‫صرخت مريم وظلت تصرخ بألم وهي تتذكر ما عانت في السنوات‬
‫الثالث األخيرة وكأن هناك لعنة تطاردها‪ ،‬فهل دعا عليها أحدهم ؟‬
‫فهذا ثاني زواج لها بعد طالقها من حسان زوجها األول وما عانته‬
‫معه‪.‬‬
‫فلماذا يحدث لها ذلك يا ترى وأي ذنب ارتكبته‪ ،‬لتطاردها تلك اللعنة‪.‬‬
‫وهنا انتهى الزوج من مهمته وكأنه لم يخلق إال من أجل تحقيقها وهي‬
‫ضرب زوجته بقسوة حتى تورم جسدها وتساقطت الدماء من أماكن‬
‫كثيرة منه‪ ،‬ولكنها لم تكن تشعر بأي ش يء من حولها وكأنها فقدت‬
‫اإلحساس والشعور باأللم فلقد كانت غارقة في ذكرياتها‪ ،‬وفي حسان‬
‫زوجها األول وكيف اتهموها بقتله‪ .‬وما عانته في السنوات الثالث األخيرة‪.‬‬
‫‪30‬‬
‫وعادت بذاكرتها إلى الوراء‪.‬‬
‫لتتذكر‪...‬‬

‫✦✦✦‬

‫أمام إحدى الشقق بإحدى البنايات الحديثة وقف رجال الشرطة‬


‫بمالبسهم الرسمية ينظرون إلى تلك املرأة ضئيلة الحجم بفضول وتساءل‬
‫محقق الشرطة بصوت فظ‪:‬‬
‫‪ -‬أنت مريم السيد حسين زوجة املدعو حسان بكري البنهاوي؟‬
‫وهنا نظرت إليهم بعيون مذعورة خائفة ال تدري ماذا يريدون منها؟‬
‫وملاذا يتجمعون حول شقتها كالذباب بمالبسهم السوداء‪.‬‬
‫ملاذا ال يرحمونها ويتركونها ملا هي فيه؟ فهي لم تفعل ً‬
‫شيئا ‪.‬‬
‫فردت بتوتر‪:‬‬
‫‪ -‬نعم أنا هي مريم السيد‪ ،‬ماذا تريدون مني؟ أنا لم أفعل ً‬
‫شيئا‬
‫‪ -‬أين حسان زوجك؟‬
‫وهنا تساقطت العبرات على وجهها وهي ترد‪:‬‬
‫‪ -‬ال أعرف‪ ،‬فهو مختف منذ أ بعة أشهر وال أعلم عنه ً‬
‫شيئا‬ ‫ر‬ ‫ٍ‬

‫‪31‬‬
‫‪ -‬وهل أبلغت الشرطة باختفائه ‪.‬‬
‫‪ -‬ال‪ ،‬لم أفعل‪.‬‬
‫وهنا قاطعها بسخرية‪:‬‬
‫‪ -‬ملاذا‪ ،‬أال ترين بأنه أمر مثير للشك‪ ،‬يختفي زوجك منذ أربعة أشهر‬
‫وال تتكلمين‪.‬‬
‫وهنا نظرت له بعيون مذعورة قائلة‪:‬‬
‫يختف هنا بالقاهرة بل ببنها‪ .‬ولقد أبلغت إخوته ليبلغوا‬
‫ِ‬ ‫‪ -‬ألنه لم‬
‫الشرطة وقالوا أنهم حرروا محضر اختفاء ببنها‪.‬‬
‫‪ -‬وملاذا لم تحرري أنت محضرا باالختفاء في القاهرة‬
‫‪ -‬لقد حاولت أن أفعل يا سيدي صدقني ولكنهم في قسم الشرطة‬
‫رفضوا تحرير املحضر وأخبروني بأنة يجب تحرير املحضر في بنها‬
‫حيث اختفى وهذا هو الروتين والقانون‪ .‬فماذا كنت سأفعل؟‬
‫‪ -‬أنت متهمة يا مدام مريم بقتل زوجك حسان‪.‬‬
‫وهنا صرخت بفزع‪:‬‬
‫‪ -‬حسان مات‪ ،‬وأنا من قتله؟ ماذا تقول أيها الضابط؟ أقسم لك‬
‫سيدي لقد تركته في بنها مع أهله يومها منذ أربعة أشهر ومن يومها‬
‫لم يعد زوجي واختفى‪ .‬وأنا أعاني بالحياة‪.‬‬

‫‪32‬‬
‫‪ -‬ولكن أشقاء زوجك يتهمونك بقتله وإخفاء جثته ويصرون على أن‬
‫زوجك رحل معك يومها‪ ،‬يوم نقل األثاث من بنها في الشاحنة‪.‬‬
‫وهنا صرخت هي برعب‪:‬‬
‫‪ -‬ال‪ .‬زوجي لم يحضر لقد منعه إخوته يومها‪ ،‬وأجبروني على الرحيل‬
‫بمفردي صدقني فأنا لم أفعل ً‬
‫شيئا ‪.‬‬
‫وهنا تدخل أحدهم بجلبابه األبيض وشاربه الكث "سيد" إنه حارس‬
‫ً‬
‫البناية قائال‪:‬‬
‫‪ -‬نعم يا سيدي لقد أتت مدام مريم يومها بمفردها في الشاحنة ولم‬
‫يحضر زوجها وكل من في الشارع يشهدون بذلك‪.‬‬
‫‪ -‬ومتى آخر مرة شاهدت فيها املدعو حسان يا سيد‪.‬‬
‫‪ -‬قبل اختفائه بأسبوع يا فندم وقال لي بأنه سيسافر بنها‪ ،‬ليحضر‬
‫املفروشات من شقته هناك وسيعود قريبا‪ .‬ولكنه لم يعد وعادت‬
‫زوجته بمفردها‪.‬‬
‫وهنا قالت مريم بحزن بعد أن تذكرت ً‬
‫شيئا هاما‪:‬‬
‫‪ -‬لقد أرسل لي زوجي حوالة بريدية بمبلغ من املال بعدها بيوم من‬
‫مكتب بريد بنها ث م بعدها اختفى وال أعرف عنه ً‬
‫شيئا ‪ ،‬ومن يومها‬
‫وأنا أعاني فلقد تخلى الجميع عني ولم يساعدني أحد‪ ،‬وال أعرف‬
‫أين اختفى وماذا حدث له؟‬

‫‪33‬‬
‫وبعدها انفجرت في بكاء هستيري‪ ،‬وهنا نظر إليها ضابط الشرطة‬
‫بإشفاق إذ يبدو أن هذه السيدة عانت الكثير وال تستطيع قتل دجاجة‬
‫فهي هشة كقطعة الجاتوه الطازجة‪ ،‬ضعيفة كورقة مبتلة تستطيع‬
‫سحقها بين أصابعك بكل س هولة‪ ،‬نحيلة الجسد كخلة األسنان قصيرة‪،‬‬
‫عيونها حزينة‪.‬‬
‫ويرتسم األلم على قسمات وجهها ويدها ترتعد بعنف وكأنها مصابة‬
‫بمرض الرعاش وجسدها يرتعش بفزع‪.‬‬
‫فهو متأكد أن هذه املرأة ال يمكنها قتل زوجها‪ .‬بعد أن شاهد صورته‬
‫وجسده القوي البدين‪ .‬ولكنه مضطر للقبض عليها إلكمال املحضر في‬
‫قسم الشرطة‪ ،‬فهذه هي اإلجراءات لألسف‪ ،‬نعم سيخلون طرفها‬
‫ويفرجون عنها فليس هناك أي شبهة جنائية حولها إال اتهام إخوة الزوج‪.‬‬
‫وال توجد جثة لتأكيد التهمة وإثباتها‪ ،‬وفي النهاية سيخلى طرفها‪ .‬هو يعلم‬
‫ذلك‪ ،‬ولكن البد أن يكون اإلفراج من قسم الشرطة هذا هو الروتين‬
‫املتبع والذي دفعوا له الكثير من املال لتحقيقه وهنا اقتادها رجال األمن‬
‫إلى سيارة الشرطة وهي تبكي بانهيار قائلة‪:‬‬
‫شيئا وزوجي لم يقتل‪.‬‬‫‪ -‬صدقوني أنا لم أفعل ً‬

‫وهنا تجمع الناس والجيران من حولها ينظرون إليها بفضول وهم‬


‫يحاولون الوصول إليها من بين جموع رجال الشرطة لرؤيتها وتصويرها‪.‬‬
‫يمض على سكنها بالبناية خمسة أشهر‬
‫ومشاهدة الجارة الجديدة التي لم ِ‬
‫ولكنها ارتكبت جريمة قتل بشعة وقتلت زوجها الذي هو ضعف حجمها‬
‫خمس مرات ولكن الشرطة قالت بأنها قتلته فالبد أن تكون قتلته حتى‬
‫‪34‬‬
‫وإن لم يجدوا الجثة بعد فهذه أمور ثانوية ال تهم في ش يء يا أخي‪،‬‬
‫سيبحثون عنها ال ً‬
‫حقا‪ .‬املهم اآلن بأنهم ألقوا القبض على الجاني‪.‬‬
‫ركبت مريم سيارة الشرطة املكشوفة من الخلف كاملجرمين‪ .‬وهي تبكي‬
‫بقهر تتذكر كل ما م ر بها في الشهور األربعة املاضية‪ ،‬وما عانته من ألم‪.‬‬
‫ال تدري ملاذا حدث لها كل هذا؟‬
‫وأين زوجها وملاذا يتهمونها بقتله؟‬
‫حقا حسان زوجها؟‬ ‫وهل مات ً‬

‫✦✦✦‬

‫‪ -‬حسان حبيبي أشعر بأنني لست وحيدة بالشقة‪ ،‬أحس وكأن أحدهم‬
‫يراقبني دوما وكأنه ظال أسود يتبعني أينما ذهبت‪ ،‬ال أدري يا‬
‫حسان‪ ،‬صدقني هناك ش يء غريب في هذه الشقة امللعونة‪.‬‬
‫‪ -‬ماذا تقولين يا مريم كل هذه تخاريف وخدع بصرية ال تجعليها‬
‫تسيطر على عقلك‪.‬‬
‫‪ -‬ال يا حسان ليست خدعا بصرية‪ .‬فأنا أشعر بوجود أحدهم معي‬
‫بالشقة‪.‬‬
‫‪ -‬يبدو أن أعصابك متوترة يا حبيبتي‪ .‬وبدأت تخرفين‪.‬‬

‫‪35‬‬
‫و أخذ حسان يسخر من زوجته مريم ويضحك بعنف ثم ضرب كفا‬
‫بكف و رحل ذاهبا إلى عمله الذي ال تدري زوجته ماهيته‪.‬‬
‫فلقد تزوجت مريم من حسان منذ ستة أشهر وانتقلت للعيش ببنها‬
‫بمحافظة القليوبية وتركت القاهرة وأهلها‪.‬‬
‫فحسان عريس ال يعوض ثري يعمل بالتجارة وستعيش في مستوى‬
‫آخر غير مستوى أهلها املتوسط‪ .‬ولقد أعجبها حسان عندما تقدم‬
‫لخطبتها بوسامته ونقوده الكثيرة‪ .‬فقد كانت تحلم بالثراء الفاحش‬
‫واملالبس الكثيرة واملجوهرات والسيارة واملنزل الكبير الذي تحيطه‬
‫الحديقة الغناء‪.‬‬
‫ولقد قدم لها حسان كل هذا وأكثر منه على طبق من فضة‪.‬‬
‫مع بعض املنغصات التي تغاضت عنها مرغمة‪ .‬فلقد كان حسان‬
‫يسكن قصرا كبير كما تمنت‪ ،‬ولكن لم يكن القصر لها وحدها بل لعائلته‬
‫كلها كان القصر كبيرا وتحيط به حديقة غناء‪ ،‬كما تمنت مكونا من‬
‫خمس طوابق‪ ،‬كل طابق من طوابق القصر به شقة كبيرة مستقلة في دور‬
‫منفصل وتسكن به عائلة حسان أشقاؤه وزوجاتهم وأطفالهم ووالداه‪،‬‬
‫فالطابق األرض ي لألب الكبير املسن وزوجته عفاف هانم‪ ،‬والطابق األول‬
‫يسكن بيه "عزام" شقيق حسان األكبر وزوجته وأطفاله الثالثة‪ .‬والطابق‬
‫الثاني يسكن به "برهان" شقيق حسان األوسط وزوجته وابنته الوحيدة‬
‫فلم يرزق بأي أطفال آخرين‪ .‬والطابق الثالث يسكن به "فهيم" شقيق‬
‫حسان األصغر‪ .‬فقد تزوج فهيم قبل حسان بخمس أعوام وله طفالن‬
‫توأمان‪ .‬والطابق الرابع كان حسان يسكن به هو وزوجته مريم ولم يرزقا‬
‫‪36‬‬
‫بأطفال بعد‪ .‬وأخيرا الطابق الخامس واألخير كانت تسكن به أخته‬
‫الوحيدة "تيسير" هي وأطفالها الخمسة وزوجها القعيد‪.‬‬
‫لم تحب مريم بيوت العائلة ولم َ‬
‫تتمن أن تسكن بأحدها ً‬
‫يوما‪ ،‬ولكن‬
‫ليس مع زوجها الثري حسان فهذا قصر كبير‪.‬‬
‫نعم القصر بالريف وسط الحقول الخضراء وليس باملدينة‪ ،‬ولكنه في‬
‫ُ‬
‫قصر كانت تحلم برؤيته فقط في يقظتها وتتمنى دخوله أحالمها‪.‬لم‬ ‫النهاية‬
‫ينغص على مريم ش يء إال الطابق الخامس من القصر وسكانه‪ ،‬فقد كانت‬
‫تشعر بالرهبة منه منذ أن وطئت قدماها القصر‪ .‬فقد كانت تسمع صوت‬
‫صراخ متواصل ليال وعندما تحاول صعود الطابق‪.‬‬
‫لتعرف ماذا يحدث كانت تجد "تيسير "شقيقة زوجها تقف أمام‬
‫السلم فجأة كاملوت لتحول بينها وبين ما ستفعله‪ .‬فتسألها هل تريد ً‬
‫شيئا‬
‫‪ ،‬فتشعر معها مريم بالرعب من نظرات تيسير املخيفة‪ ،‬وتهرع إلى غرفتها‬
‫خائفة مذعورة بدون أن ترد عليها‪.‬‬
‫وعندما أخبرت زوجها حسان بما يحدث أجابها بفتوربأن زوج تيسير‬
‫قعيد من زمن وعنده شلل رباعي ومصاب بصرع ويصاب أحيانا بحاالت‬
‫هستريا فيصرخ بال سبب لم تقتنع مريم وقتها بتلك الحجة الواهية‪،‬‬
‫وعرفت بأن زوجها يكذب وهذا لسبب بسيط فهي تسمع صراخ امرأة‬
‫وليس صراخ رجل‪ .‬ولكنها لم تهتم وقتها وحاولت التأقلم والتعايش مع‬
‫الوضع الجديد‪ ،‬ولم يبخل زوجها حسان عليها بش يء بل كان ً‬
‫كريما‬
‫ويصرف بسخاء‪ .‬وكانت تشتري كل ما تريده ووقتما تشاء‪ .‬ولكنها شعرت‬
‫بامللل والحيرة فهي ال تعرف ماذا يعمل زوجها وال أشقاؤه؟ وال أين؟‬
‫‪37‬‬
‫كل ما تعرفه عن زوجها بأنه يعمل مع والدة وأشقائه بالتجارة فقط‪.‬‬
‫ولكنها ال تعلم أي تجارة أو نوعها أو حتى مكانها‪ ،‬فقد كانوا يخرجون‬
‫صباحا‪ ،‬وال يعودون إال ليال وحاولت هي االنشغال ولكن ماذا ستفعل‪،‬‬
‫فلقد ابتعدت عن أهلها وأصدقائها وعن املدينة العامرة للصباح وكانت‬
‫عادات أهل زوجها غريبة‪ ،‬فهم دائما صامتون ال يتحدثون إال فيما ندر‪،‬‬
‫ال يتجمعون ً‬
‫أبدا على مائدة طعام واحدة‪ .‬فكل أسرة مع نفسها وكأنهم ال‬
‫يعرفون بعضهم البعض‪.‬‬
‫وكانت هي وحيدة فليس عندها أطفال وزوجها ال تراه إال وقت النوم‪.‬‬
‫فبدأت تشعر بامللل وتزايدت الصرخات ليال‪ ،‬فكانت تشعر بالفزع‬
‫والرعب وعندما تخبر زوجها يضحك عليها ويسخر منها‪.‬‬
‫وأخيرا بدأت تشعر بأنها ليست وحيدة بالشقة فهناك من يتبع‬
‫خطواتها‪ ،‬ظال أسود تراه أحيانا بطرف عينيها سيلوليت أسود لشخص‬
‫يراقبها دوما وعندما تحاول التأكد ال تجد ً‬
‫شيئا ‪.‬‬
‫فتبحث في كل مكان بالشقة فال تجد أحدا فتبسمل وتحوقل‪ .‬ثم تفتح‬
‫التلفاز على قناة املجد للقران الكريم‪ .‬وتذهب إلى الشرفة منتظرة قدوم‬
‫زوجها‪ .‬واآلن هو ال يصدقها بل ويسخر منها ً‬
‫أيضا‪.‬‬
‫فوقفت حائرة تنظر إلى زوجها وهو يهم بالخروج بحسرة‪.‬فليست هذه‬
‫هي الحياة التي تمنتها ً‬
‫يوما‪.‬‬

‫‪38‬‬
‫فهي كانت تتمنى أن تعيش الحياة بكل لحظة فيها وتستمتع‪ .‬تخرج‬
‫وتسافر إلى أماكن جديدة وتلف العالم بأحد القوارب الكبيرة‪ .‬ال أن‬
‫تحبس بهذا املكان الكئيب وتضيع سنوات عمرها هباء‪.‬‬
‫وهنا سمعت الصرخات العالية قادمة من الطابق الخامس‪ ،‬فشعرت‬
‫بالقشعريرة تسري في جسدها وفتحت باب شقتها لتسترق السمع‪ ،‬فلم‬
‫شيئا ولكنها سمعت خطوات أحدهم يسرع الخطى صعودا على‬ ‫تسمع ً‬
‫الدرج وهنا أغلقت باب شقتها ببطيء حتى ال يشعر أحد بها‪.‬‬
‫ووقفت خلف الباب تنظر من العين السحرية في منتصف الباب وهنا‬
‫شاهدت أم زوجها عفاف هانم السيدة املسنة التي تجاوزت الستين عاما‬
‫تصعد الدرج بهدوء وهي تحمل في يدها سكينا كبيرا‪.‬‬
‫وهنا شهقت مريم فزعا ووضعت يدها على فمها لتكتم الصرخة‪ ،‬وفي‬
‫تلك اللحظة شاهدت مريم‪ .‬حماتها عفاف هانم تنظر إلى باب شقتها ثم‬
‫تبتسم وتلمع أسنانها الحادة فهل تبرد املرآة أسنانها وتسنها كاألفارقة‪.‬‬
‫من يدري؟‬
‫فابتعدت مريم بفزع عن الباب وهي تضع يدها على فمها وترتعد‬
‫أوصالها وتسأل هل شا هدتها املرأة من خلف الباب وماذا ستفعل‬
‫بالسكين‪.‬‬
‫عال من املطبخ وأشياء تتحطم‪ ،‬فصرخت‬
‫وهنا سمعت صوت ضجيج ٍ‬
‫ً‬
‫مريم فزعا ثم ذهبت إلى املطبخ‪ .‬فلم تجد شيئا هناك‪ ،‬ولكنها وجدت‬
‫ً‬
‫شيئا غريبا فكل األواني على األرض واألطباق محطمة‪.‬‬

‫‪39‬‬
‫ً‬
‫مسرعا بجوارها‪،‬‬ ‫وهنا شاهدت بطرف عينيها ظال أسود لشخص يمر‬
‫فابتعدت تركض وهي تصرخ ثم فتحت باب الشقة محاولة الفرار‪.‬‬
‫ولكنها اصطدمت بحماتها عفاف هانم تقف أمام الباب لتسد عليها‬
‫الطريق وفي يدها سكين كبير ترفعه عاليا وتبتسم لتظهر كل أسنانها‬
‫البيضاء الالمعة‪.‬‬
‫✦✦✦‬

‫في قسم الشرطة‬


‫‪ -‬أين زوجك حسان يا مدام مريم؟‬
‫وهنا صرخت من بين دموعها‪:‬‬
‫‪ -‬ال أعرف ملاذا ال تصدقونني‪ .‬لقد تركته هناك بالقصر ببنها‪.‬‬
‫‪ -‬أنت متهمة بقتل زوجك حسان وإخفاء جثته‪.‬‬
‫‪ -‬صدقوني أنا لم أفعل ً‬
‫شيئا ‪ .‬ولم أقتل زوجي ملاذا تفعلون بي كل‬
‫ذلك؟‬
‫‪ -‬إذا اعترفت بمكان الجثة‪ .‬ومن ساعدك في قتله وكيف نفذتم‬
‫الجريمة فسوف نتركك وشأنك؟‬
‫‪ -‬وكيف وأنا ال أعرف ً‬
‫شيئا ‪ .‬ومتى قتل حسان؟ وملاذا؟‬
‫وهنا دخل أحد األعوان الغرفة وهو يقول‪:‬‬
‫‪40‬‬
‫‪ -‬سيدي املحقق هناك أحد الرجال بالخارج ويطلب اإلذن بالدخول‬
‫ويقول بأنه محامي املتهمة‬
‫‪ -‬دعه يدخل يا سلمان‪.‬‬
‫وهنا دخل رجل أشيب الشعر يرتدي بذلة سوداء ويحمل بيده حقيبة‬
‫سوداء يرتدي منظار طبي سميك‪.‬‬
‫وهنا صرخت مريم بلهفة عند رؤيته ثم ألقت نفسها بين ذراعيه‬
‫قائلة‪:‬‬
‫‪ -‬عمي جالل أرجو أن تنقذني‪ .‬فهم ال يصدقونني يا عمي‪ .‬هل تصدق‬
‫أنهم يتهمونني بقتل حسان زوجي؟‬
‫ً‬
‫فربت هو على ظهرها ثم أبعدها برفق قائال‪:‬‬
‫‪ -‬املستشار جالل السيد حاضر مع املتهمة‪ .‬أرجو أن تخبرني التهمة‬
‫املوجهة ملوكلتي‪.‬‬
‫‪ -‬موكلتك متهمة في بالغ مقدم من إخوة زوجها بقتل زوجها حسان‬
‫وإخفاء جثته‪.‬‬
‫‪ -‬وأين الدليل أيها املحقق على قتل حسان‪ .‬هل وجدت الشرطة‬
‫جثته؟ وكيف تلقون االتهامات جزافا على الناس بدون أي دليل‪ .‬ثم‬
‫تلقون القبض على موكلتي أمام أعين الناس بدون دليل مادي واحد‬
‫كيديا عارًيا من الصحة‪ .‬أنا أطالب باإلفراج عن‬
‫غير بالغ ربما كان ً‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫موكلتي حاال‪ .‬وإال سوف أقدم بالغا للنائب العام‪.‬‬
‫‪41‬‬
‫وهنا نظر له املحقق بغيظ فهو يعلم بأن كل ما قاله املحامي صحيح‬
‫ولكن ماذا سيفعل فلقد أغراه املبلغ الذي دفعوه له‪ ،‬ولكنه مضطر مجبرا‬
‫لإلفراج عنها‪.‬‬
‫‪ -‬تفضل اجلس يا أستاذ جالل‪ .‬التحقيق انتهى وكان البد من أخذ‬
‫إفادة مدام مريم لنغلق املحضر حيث ال توجد أي شبهة جنائية‬
‫حول املتهمة‪.‬‬
‫وبعدها خرجت مريم برفقة عمها جالل من قسم الشرطة وهي تبكي‬
‫بقهر‬
‫‪ -‬ماذا سأفعل يا عمي وملاذا إخوة حسان يتهمونني بقتله؟‬
‫‪ -‬يبدو أن حسان قد فر من إخوته يا مريم لسبب ما وهم ال يعرفون‬
‫طريقه؟‬
‫‪ -‬ولكن ملاذا يفر منهم ويتركني وحيدة يا عمي أنا ال أفهم ً‬
‫شيئا ؟‬
‫‪ -‬ال أعرف أنت أكثر من تعرف حسان‪ .‬فماذا حدث بينه وبين إخوته في‬
‫الفترة األخيرة؟‬
‫‪ -‬ال أعرف يا عمي‪.‬‬
‫‪ -‬كيف ال تعرفين وأنتم تعيشون بنفس القصر يا مريم؟‬
‫‪ -‬نعم كنا نعيش بنفس القصر ولكن كل عائله مستقلة ليس لها دخل‬
‫باألخرى‪ ،‬فهم كانوا غرباء الطبع والتصرفات ولقد كرهت الحياة‬
‫معهم‪.‬‬
‫‪ -‬وماذا كان يعمل حسان مع إخوته‪.‬‬
‫‪42‬‬
‫‪ -‬ال أعرف‪.‬‬
‫‪ -‬ال‪ ،‬يا مريم ّإن هذا كثير وال يحتمل أيتها الفتاة الحمقاء‪ ،‬كيف‬
‫شيئا ؟ هل فقدت عقلك يا مريم‪،‬‬ ‫تكونين زوجته وال تعرفين عنه ً‬
‫لقد أغراك املال والثراء ووافقت على حسان كزوج لك رغم‬
‫اعتراض ي عليه من البداية فلم تهتمي ألمر أحد بالعائلة واآلن‬
‫تدفعين الثمن ابحثي في أوراق زوجك وأشيائه بما اكتشفت ً‬
‫شيئا ‪.‬‬ ‫ر‬
‫‪ -‬ولكنه لم يترك أي ورقة خلفه فكل أشيائه وأوراقه هناك بالقصر‬
‫ببنها‪.‬‬
‫وهنا زفر جالل ونظر لها بغضب‪:‬‬
‫‪ -‬هذه مشكلتك وحدك يا مريم‪ .‬ولن يحلها أحد غيرك أنت‪.‬‬
‫ً‬
‫وبعدها زفر بقوة قائال‪:‬‬
‫‪ -‬يبدو أنك ارتكبت ذنبا ً‬
‫يوما ما ويعاقبك هللا عليه اليوم‪.‬‬
‫ثم تركها ورحل غاضبا وهو يتذكر كيف لم تسمع كالم أو نصيحة‬
‫أحد وتزوجت من زوجها حسان لثرائه الفاحش ورفضت االستماع ألحد‬
‫حتى لوالدها الذي مات قهرا‪.‬‬
‫فلقد كان حسان وعائلته غريبي األطوار ولكنها فتاة غبية وعنيدة ال‬
‫تسمع إال كالم عقلها وال تحب إال الثراء والطمع‪.‬‬
‫واآلن هاهي تدفع الثمن وحدها؟‬
‫✦✦✦‬
‫‪43‬‬
‫‪ -‬حسان إني خائفة من أمك فهي غريبة األطوار والتصرفات تشعرني‬
‫بالرعب والفزع وتنظر لي بطريقة غريبة‪.‬‬
‫‪ -‬ماذا تقولين يا مريم‪ .‬فأمي سيدة طيبة وتحبك بشدة ولكنها لها‬
‫بعض العادات الخاصة فال تتدخلين في أمورها فقط ودعيها تفعل‬
‫ما تشاء فهي ال تتدخل في أمورك قط‪.‬‬
‫‪ -‬ولكنها أفزعتني اليوم لقد كانت تحمل بيدها سكينا ً‬
‫كبيرا وتصعد‬
‫للطابق الخامس وعندما سألتها قالت لي بأنها ستسن السكين عند‬
‫تيسير ولكني لم أصدق هذا الكالم الفارغ‪ .‬ماذا يوجد بالطابق‬
‫الخامس يا حسان؟‬
‫‪ -‬أال تملين السؤال يا مريم‪ .‬لقد أخبرتك بأنه زوج أختي تيسير‬
‫وأطفالها؟‬
‫‪ -‬ال‪ ،‬أنت تكذب علي فالصراخ ألنثى و ليس لرجل‪.‬‬
‫‪ -‬أرجوك يا مريم ال تشغلي بالك بأمور ال تخصك واهتمي ببيتك وهذا‬
‫أفضل لك‪.‬‬
‫‪ -‬هل تهددني يا حسان؟‬
‫‪ -‬ال‪ ،‬ولكني أحذرك فتيسير ال تحب أن يتطفل عليها أحد وخصوصا‬
‫الغرباء‬

‫✦✦✦‬
‫‪44‬‬
‫" ابحثي في أوراق زوجك وأشيائه بما اكتشفت ً‬
‫شيئا ‪." .‬‬ ‫ر‬
‫ظلت جملة عمها جالل تتردد في عقلها‪.‬‬
‫ولكن فيما ستبحث فلم يحضر زوجها حسان أي ورقة معه إلى منزلهم‬
‫الجديد بالقاهرة وترك كل ش يء خلفه بالقصر في بنها‪.‬‬
‫وهنا شعرت بمن يمر بجوارها‪ .‬وانخفضت حرارة الغرفة بطريقة مثيرة‬
‫للقلق‪ ،‬وشعرت بأوصالها ترتعد فماذا حدث‪ .‬وملاذا تشعر دائما بأنها‬
‫مراقبة‪ ،‬وأن أحدهم يتبعها ويراقب تصرفاتها باملنزل‪.‬‬
‫ملاذا يراودها هذا الشعور منذ أن تزوجت حسان ودخلت ذلك القصر‬
‫الكبير فهي تشعر بأن هناك ً‬
‫شيئا خاطئا ولكنها ال تعرف ما هو؟‬
‫وهنا تذكرت ً‬
‫شيئا هاما "األيفون" الخاص بزوجها‪.‬‬
‫لقد أخذته معها يومها ووضعته بالخطأ في حقيبتها فهرشت رأسها وهي‬
‫تفكر هل ستجد به ً‬
‫شيئا هاما فهي لم تحاول فتحه من يومها وتركته كما‬
‫هو بالخزانة‪ ،‬فهل ستجد فيه ً‬
‫شيئا هاما يعرفها بمكان زوجها أو ماذا‬
‫حدث معه بالفترة األخيرة‪.‬‬
‫فقد كان متوترا قليل الكالم في آخر أيامه وكان يتجنب الحديث مع‬
‫أحد حتى أشقاءه ويرفض الكالم معهم والخروج إلى العمل‪ .‬فماذا حدث؟‬
‫لق د اعتقدت وقتها بأنه اختلف مع أشقائه بالعمل أو مشاكل وضغوط‬
‫كما أخبرها عندما سألته يومها‪.‬‬
‫فهزت رأسها بعنف قائلة‪" :‬من يدري!"‬

‫‪45‬‬
‫ثم ذهبت إلى غرفتها وهنا فتحت الخزانة ثم أخرجت األيفون من‬
‫الرف ثم جلست على األريكة وقامت بتشغيله‪ ،‬فأخذت تتصفح أفالم‬
‫الفيديو وهنا لفت نظرها جملة " هام وخطير " مكتوبة كعنوان ألحد‬
‫أشرطة الفيديو املسجلة‪.‬‬
‫فضغطت على التشغيل وأخذت تشاهد الفيلم بفضول‪.‬‬
‫وهنا شعرت بالبرودة الشديدة تسري في أوصالها وشهقت ً‬
‫فزعا‬
‫وشعرت بجسدها يرتعد بشدة‪ ،‬وشعرت بحاجتها إلفراغ ما في جوفها‬
‫ً‬
‫وتقلصت معدتها‪ ،‬ال تدري هل خوفا أم اشمئزا ًزا مما ترى‪ ،‬أم من‬
‫االنخفاض املفاجئ في درجة الحرارة وفي تلك اللحظة شعرت بمن يلمس‬
‫قدميها وكأن أحدهم يمرر ريشة خفيفة عليهما‪.‬‬
‫فقامت بفزع وهي تصرخ وتلقي ما بيدها على األرض بخوف غير‬
‫مصدقة ّأن يفعل حسان هذا‪.‬‬
‫وهنا سمعت صوتا غريبا كصوت انسحاق أوراق الشجر الجاف تحت‬
‫خال‪ ،‬فتسارعت دقات قلبها‪ .‬وأخذ صدرها يعلو‬
‫أقدام أحدهم في مكان ٍ‬
‫ويهبط بعنف ونظرت إلى الجدار أمامها بفزع وهنا أغمضت عينيها بقوة‬
‫ً‬
‫كابوسا وستستيقظ منه‬ ‫وهي تتمنى أن تكون في حلم وأن يكون كل ما رأته‬
‫قريبا‪.‬‬

‫وبعدها فتحت عينيها لتنظر إلى الجدار من جديد والى تلك البقعة التي‬
‫تشكلت على الجدار وأمعنت النظر‪ .‬وهي تسأل بفزع ما هذا؟‬

‫‪46‬‬
‫وهنا ملئت رائحة الياسمين املنعش الغرفة وشعرت بمن يكتم‬
‫أنفاسها‪ ،‬فرائحة الياسمين خانقة‪ ،‬ولم تعد تتحمل أطلقت صرخة عالية‪.‬‬
‫فلقد أخذت البقعة تتشكل لتأخذ شكل عينين حمراوين دمويتين‬
‫وكأنهما لش يء أو كائن حي ال تدري ولكنها صرخت ً‬
‫فزعا‪.‬‬
‫وظلت تصرخ وكأنها لم تخلق إال من أجل الصراخ‪ ،‬فلماذا يا صغيرتي‬
‫تدققين النظر فيما حولك ليال؟!‬
‫أال تعلمين بأننا لسنا نعيش بالكون وحدنا وهناك اآلخرون الذين‬
‫يمارسون حياتهم ليال عند نومنا؟!‬
‫قولي لي ألم تضعي مرة ً‬
‫شيئا في م كان وتكوني متأكدة من أنك وضعته‬
‫هناك ولكنك في الصباح تجدينه في مكان آخر‪ ،‬ربما سقط الش يء على‬
‫ً‬
‫صباحا‪.‬‬ ‫األرض أو انتقل ملكان آخر‬
‫من في رأيك أسقطه أو نقله من مكانه أيتها الفتاة؟‬
‫إنهم سكان املنزل اآلخرون‪ .‬الذين يعيشون بنفس املنزل ولكن ليال‪.‬‬
‫ألم يحدث هذا معك مرة‪ .‬ولكنه ليس موضوعنا اآلن ‪..‬‬
‫لقد سقطت مريم فاقدة الوعي فلم تسمع جرس الباب الذي أخذ‬
‫يرن ً‬
‫كثيرا وتصرخ من خلف الباب أمها‪:‬‬
‫‪ -‬افتحي الباب يا مريم ماذا حدث يا بنيتي؟‬
‫ولكنها لم ترد لقد سمعت األم صراخ ابنتها الهستيري وصوت أشياء‬
‫تتحطم فشعرت بالفزع وأخذت تصرخ مستنجدة بأحدهم ليساعدها‪.‬‬
‫‪47‬‬
‫وهنا تجمع ا لجيران وحاولوا كسر الباب بالقوة‪ ،‬وبعد الضغط الشديد‬
‫واملحاوالت الكثيرة كسر الجيران باب الشقة‪.‬‬
‫ودخلت األم املذعورة تركض إلى داخل الشقة املظلمة حتى كادت‬
‫تسقط على وجهها‪ ،‬لقد كانت الشقة مظلمة كالقبور وهنا قال أحد‬
‫الجيران وهو يضغط على زر الكهرباء‪:‬‬
‫‪ -‬يبدو بأن هناك عطال بكهرباء الشقة‪ ،‬فاملصباح ال يعمل‪.‬‬
‫فتطوع أحدهم وأشعل عود ثقاب ‪.‬‬
‫دخلت األم إلى غرفة النوم تنادي على ابنتها مريم‪:‬‬
‫‪ -‬أين أنت يا مريم وماذا حدث لك يا صغيرتي؟‬
‫وهنا قال أحدهم بفزع وهو يشير إلى األرض‪:‬‬
‫‪ -‬إنها هنا‪.‬‬
‫وهنا نظر الجميع إليه وخرجت األم من الداخل حيث يشير الرجل‬
‫فوجدت ابنتها فاقدة الوعي على األرض في مكان ضيق بجوار األريكة‬
‫فأخرجها الجيران ووضعوها على األريكة‪.‬‬
‫وهنا صرخت األم بلوعة‪:‬‬
‫‪ -‬مريم‪ ،‬ماذا حدث لك يا حبيبتي‪.‬‬
‫وهنا تطوعت إحدى الجارات بإحضار عطر قوي ملحاولة إفاقتها‬
‫وبالرغم من املحاوالت الكثيرة لم تفق‪.‬‬

‫‪48‬‬
‫فصرخت األم في وجوههم أن يحضروا ً‬
‫طبيبا وكأنهم هم املسئولون‬
‫عما حدث ألبنتها‪ .‬فتطوع أحد الجيران إلحضاره‪.‬‬
‫وتطوع اآلخر إلصالح الكهرباء وأخذت الجارات يواسين األم‪.‬‬
‫وهذا هو الشعب املصري األصيل الذي يحب أن يقدم دوما يد العون‬
‫للجميع‪ .‬وفي املقابل يعرف ماذا حدث ليروي فضوله الشديد ملعرفة‬
‫الحقيقة ‪..‬‬
‫هكذا هي الدنيا دائما‪.‬‬
‫✦✦✦‬

‫‪ -‬حسان هل ستتركني أرحل بمفردي بتلك الشاحنة إلى القاهرة؟‬


‫‪ -‬ال تقلقي يا مريم فسائق الشاحنة صديقي‪ .‬وسوف آتي خلفك‬
‫مباشرة‪.‬‬
‫‪ -‬ماذا تقول هل جننت يا حسان؟ هل تريدني أن أرحل من دونك مع‬
‫رجل غريب في شاحنة وملاذا؟‬
‫‪ -‬ألنهم يمنعونني يا مريم وأنا ال أريد املزيد من املشاكل؟‬
‫‪ -‬من هم وماذا يريدون منك؟‬
‫‪ -‬إنهم أشقائي يا مريم ولن يسمحوا لي بالرحيل اآلن معك‪ .‬ارحلي‬
‫ً‬
‫مساء‪ ،‬ال تقلقي يا حبيبتي‪.‬‬ ‫أوافيك اليوم‬
‫ِ‬ ‫وسوف‬

‫‪49‬‬
‫‪ -‬ماذا تقول يا حسان وهل تخشاهم لتلك الدرجة لتجعلهم يتحكموا‬
‫في حياتك‪ .‬هل ستتركني أرحل من دونك مع رجل غريب‪.‬‬
‫‪ -‬ليس هناك بديل آخر صدقيني ارحلي يا مريم وغادري هذا املكان‬
‫اآلن وال تعودي إليه مهما حدث‪ .‬لقد كتبت الشقة بالدقي باسمك‪.‬‬
‫‪ -‬لن أرحل بدونك وسوف أخبرهم بذلك‪.‬‬
‫‪ -‬ال يا مريم لن تفعلي ً‬
‫شيئا بل سترحلين‪ ،‬اذهبي اآلن وسوف أحضر‬
‫ً‬
‫مساء وسوف أشرح لك كل ش يء وقتها صدقيني وثقي بي‪.‬‬ ‫اليوم‬
‫‪ -‬ال يا حسان أشعر بأنك تكذب وهناك ش يء س يء سيحدث‪ .‬ملاذا‬
‫يمنعك إخوتك من السفر معي وماذا يريدون منك؟‬
‫‪ -‬سوف أشرح لك كل ش يء في وقته وليس اآلن ارحلي وال تعودي إلى‬
‫هذا املكان مرة أخرى يا مريم أرجوك يا حبيبتي ال تصعبي األمور‪.‬‬
‫‪ -‬سأبقى معك يا حسان وسنسافر معا‪.‬‬
‫وهنا فقد حسان أعصابه أمام إصرارها وصرخ بغضب‪:‬‬
‫‪ -‬ارحلي أيتها الغبية فليس هناك وقت لهذه التفاهات والكالم الكثير ال‬
‫تصعبي األمور أيتها الحمقاء أكثر من هذا فليس هناك وقت‪.‬‬
‫فصرخت من بين دموعها‪:‬‬
‫‪ -‬هل تشتمني يا حسان وتنعتني بالغبية‪.‬‬
‫‪ -‬نعم ألنك ال تفهمين ً‬
‫شيئا ارحلي اآلن‪.‬‬
‫‪50‬‬
‫وهنا نظرت إليه والدموع تمأل عينيها ثم غادرت الغرفة وهي تجري‬
‫فاصطدمت بحماتها وأشقاء زوجها وكانوا يقفون صفا واحدا أسرعت‬
‫تركض وهي تتحاش ى النظر إلى عيونهم فهل هذه صرخات زوج تيسير؟‬
‫فالصرخات قوية شديدة هذه املرة‪ .‬هل يودعها الرجل؟‬
‫أم يدعوها بأال ترحل؟‬
‫ولكنها لم تهتم هذه املرة‪ ،‬بل رحلت مسرعة لتستقل الشاحنة بجوار‬
‫السائق إلى القاهرة وهي تبكي بقهر‪ .‬فلماذا حدث لها كل هذا فهي لم‬
‫شيئا ولم تطلب من زوجها الرحيل بل هو من فاجئها بشرائه لتلك‬ ‫تفعل ً‬
‫الشقة وطلبه منها أن تنقل كل أشيائها وأثاث شقتها إليها ألنهم سينتقلون‬
‫إلى هناك‪.‬‬
‫ال تدري ملاذا وال تنكر بأنها وقتها كانت تشعر بالسعادة ألنها أخيرا‬
‫ستعود للقاهرة وستترك ذلك القصر الكئيب وسكانه األغرب‪ .‬ولكن ملاذا‬
‫اآلن بعد تلك الفترة وبعد أن بدأت تتأقلم على الوضع‪ .‬وملاذا يتركها‬
‫حسان ترحل من دونه؟‬
‫✦✦✦‬

‫‪ -‬البد م ن نقلها إلى املستشفى حاال وإبقائها تحت املراقبة الطبية‪.‬‬


‫هنا صرخت األم بفزع‪:‬‬
‫‪ -‬مستشفى ملاذا يا دكتور؟ فماذا حدث البنتي؟ أرجوك أخبرني‬
‫الحقيقة هل ستموت ابنتي مريم؟‬

‫‪51‬‬
‫‪ -‬ال تقولي هذا يا سيدتي فاألعمار بيد هللا ولكن ابنتك تعرضت‬
‫لضغط عصبي ومجهود ذ هني شديد أدى إلى حالة صدمة شديدة‬
‫مع انهيار عصب ي حاد لم تتحمله فدخلت في غيبوبة‪ ،‬وتحتاج إلى‬
‫املتابعة في العناية املركزة في املستشفى ‪.‬‬
‫وهنا أخذت األم تبكي وهي ترى املسعفين يحملون ابنتها على املحفة‬
‫وكانت كاملوتى بوجهها الشاحب وعالمات الفزع املرتسمة على قسمات‬
‫وجهها‪.‬‬
‫وأخذ الجيران يضربون كفا بكف على حالة تلك الجارة الغريبة التي‬
‫يمض على سكنها أكثر من خمسة أشهر وأدخلت رجال الشرطة ثم‬ ‫ِ‬ ‫لم‬
‫املسعفين إلى البناية وجعلت بنايتهم مشهورة في الشارع وربما الحي كله‪.‬‬
‫يا للمصيبة فكيف سيواجهون املجتمع والناس والجيران بالشارع‬
‫والبنايات األخرى اآلن‪.‬‬
‫✦✦✦‬

‫‪ -‬ال أستطيع يا فهيم أرجوك اتركني يا أخي وال تضغط علي‪ ،‬فأنا لن‬
‫أخون مريم حتى وإن كان آخر يوم لي في الحياة‪.‬‬
‫ً‬
‫عال قائال‪:‬‬
‫وهنا ابتسم فهيم بسخرية بصوت ٍ‬
‫‪ -‬لن تخون مريم‪ ،‬جميل‬
‫عال على أبيه وشقيقة اآلخر‪:‬‬
‫وبعدها نادى بصوت ٍ‬
‫‪52‬‬
‫‪َ -‬‬
‫تعال يا أبي اسمع ماذا يقول ابنك العاشق؟‬
‫‪ -‬ماذا حدث يا بني وملا كل هذا الصراخ؟‬
‫وهنا صرخ حسان في وجوههم‪:‬‬
‫‪ -‬لن أفعلها يا أبي ولن أخون مريم زوجتي حتى وإن قتلتموني‪.‬‬
‫ً‬
‫وهنا صفعه األب على وجهه بغضب قائال‪:‬‬
‫‪ -‬كيف تجرؤ على رفع صوتك في وجودي يا ولد‪ ،‬أنت تعرف طبيعة‬
‫عملنا وليس لك حق الرفض وستفعل ما طلبه الشيخ إلرضاء‬
‫الجني‪.‬‬
‫‪ -‬ال يا أبي لن أفعلها ولن أخون زوجتي‪.‬‬
‫ً‬
‫وهنا تدخل فهيم قائال بغيظ‪:‬‬
‫‪ -‬ومنذ متى تعص ي أوامرنا يا حسان وهذه ليست املرة األولى التي‬
‫تفعلها‪.‬‬
‫‪ -‬ولكني ال أستطيع فعلها هذه املرة أرجوك يا فهيم اتركني وافعلها أنت‬
‫أو برهان أو حتى أبي ولكن أنا ال لن أخون مريم ً‬
‫أبدا‪.‬‬
‫وهنا نظر األب إلى أبنائه اآلخرين وهو يهز رئسه بغضب‪:‬‬
‫‪ -‬ماذا فعلت لك يا ولدي تلك األفعى الصفراء لترفض تنفيذ ما نقول‬
‫وما نأمرك بيه لقد سمعنا كالمك من قبل وأحضرنا شيخك وفعلنا‬
‫ما طلبه الرجل بالحرف الواحد فأحضرنا له كل ما طلب يا حسان‬
‫‪53‬‬
‫(دلو ماء كبير سعة ‪ 40‬لتر ثم وضعنا شبة مطحونة مع ملح وبعدها‬
‫وضعنا زجاجة ماء الزهر وزجاجة ماء الورد مع املاء كما طلب‬
‫عفرانا أحمر سائل وسدر مطحون وتوله مسك أسود‬ ‫ً‬
‫الرجل و ز‬
‫سائل مع املاء وزجاجة صغيرة من زيت النعناع مع املاء ثم قرأنا‬
‫سورة البقرة كاملة وقرأنا الرقية الشرعية واآليات التي طلبها كما‬
‫طلب الشيخ وقمنا بتربيع وتخطيط املكان مربع متر في متر وقمنا‬
‫برش املكان باملاء كما طلب الشيخ)‬
‫ولكن أبى الجني أن يغادر املكان هل تعرف ملاذا يا حسان؟ ألنك غبي‬
‫يا ولدي فهذه مقبرة فرعونية وليست مقبرة نقود أيها األحمق ليتركها‬
‫الحارس بسهولة لك بدون تقديم القربان والدماء‪.‬‬
‫وهنا تدخل برهان وهو يقول بغضب‪:‬‬
‫‪ -‬لقد ضيعت علينا الفرصة يا حسان بتصرفاتك الغبية هذه فهذا‬
‫رصد فرعوني أيها الغبي وجني قوي لن يترك املقبرة إال بتقديم‬
‫القربان كما تعودنا وكما قال الشيخ الحويني املغربي وكما تعودنا‪.‬‬
‫وهنا صرخ حسان في وجوههم‪:‬‬
‫‪ -‬ال لن أفعلها سأحضر لكم الطفش املغربي وشمعة رمسيس من‬
‫اطفيس واذهب إلى بهجورة وإلى آخر مكان في العالم ولكني لن أخون‬
‫مريم مهما فعلتم‪.‬‬

‫‪54‬‬
‫‪ -‬ليس أمامك اختيار يا حسان فأنت من اختاره الشيخ إلقامة عالقة‬
‫فوق تراب املقبرة إلرضاء الجني قبل التعزيم وتقديم القربان‬
‫البشري‪.‬‬
‫‪ -‬ال يا أبي ال أستطيع‪.‬‬
‫‪ -‬يبدو أنك جننت يا حسان وزواجك من تلك الصفراء غيرك‪ ،‬وتذكر‬
‫يا ولدي بأن هذا عملنا وليس لنا مصدررزق غيره ولن نتركه حتى لو‬
‫ضحينا في سبيله بأغلى ما نملك‪ ،‬فلقد توارثناه أبا عن جد والبحث‬
‫عن املقابر الفرعونية وفك الرصد‪.‬‬
‫وهنا تدخل برهان بغيظ وهو يقول‪:‬‬
‫‪ -‬هل تذكر بماذا ضحت تيسير في املرة السابقة ضحت بابنتها منال‬
‫املريضة عقليا وقدمتها قربانا لجني املقبرة فذبحها الشيخ الحويني‬
‫وبعدما فقد زوجها عقله وحبسناه بالقصر‪ ،‬ولكن تيسير لم تتأثر أو‬
‫يطرف لها رمش فنحن ال نطلب منك التضحية بزوجتك وتقديمها‬
‫قربانا بل نطلب منك إقامة عالقة مع إحدى الفتيات فوق تراب‬
‫املقبرة‪.‬‬
‫وهنا تدخل األب وهو ينظر إلى حسان‪:‬‬
‫‪ -‬إن كنت ترفض خيانة زوجتك فاحضرها هي وافعل معها ما تشاء‪.‬‬
‫‪ -‬ال لن أحضرها ولن أعرضها لألذى فماذا إن مسها الجني أو أعجبته؟‬
‫سأفعل ما تشاءون ولكن اتركوا مريم زوجتي وابتعدوا عنها‪.‬‬

‫‪55‬‬
‫‪ -‬سنتركها يا حسان ال تقلق إن نفذت ما نريد‪.‬‬
‫‪ -‬موافق ولكن عدوني بأنكم لن تؤذوها‪.‬‬
‫‪ -‬لن نؤذيها يا ولدي ال تقلق ولكنك ستصور لنا كل ش يء لنتأكد بأنك‬
‫فعلتها‪ ،‬فلن نقبل بحدوث أي خطأ هذه املرة فلن يقوم الشيخ‬
‫بالتعزيم وتالوة الطقوس على الطفل قبل ذبحه وتقديمه قرب ًانا‬
‫للجني ليترك املقبرة إال بعد أن يتأكد‪.‬‬
‫وهنا صرخ حسان في وجوههم‪:‬‬
‫‪ -‬سأصور لكم كل ش يء على األيفون وإن أردتم أن تحضروا لتروا‬
‫بأعينكم كل ش يء فلتحضروا‪.‬‬
‫وبعدها تركهم ورحل غاضبا ليحضر الفتاة‪ ،‬فكيف له أن يتخلص‬
‫منهم‪ .‬نعم كان يفعل ما يأمرونه من قبل ولكن بعد أن تزوج مريم ال‬
‫يستطيع فلقد غيره حبها وجعله إنسانا آخر‪ ،‬فكيف له أن يتخلص منهم‬
‫ويحمي حبيبته؟‬
‫سيحرمونه من كل ش يء ولن يعطوه قرشا واحدا؟‬
‫ً‬
‫سريعا ويبعدها عنهم‪.‬‬ ‫فال بد أن يتصرف‬

‫✦✦✦‬

‫‪56‬‬
‫استيقظت مريم وهي تتأوه وتشعر باأللم الشديد في جسدها ورائحة‬
‫الياسمين من حولها تشعرها بالغثيان فتحت عينيها ببطيء لترى أنابيب‬
‫كثيرة تخرج من جسدها فقالت بألم‪:‬‬
‫‪ -‬أين أنا؟‬
‫َ‬
‫بيضاء كانت كاملالئكة بثيابها‬ ‫وهنا وجدتها تبتسم لها برقة ترتدي ثيابا‬
‫وغطاء رئسها األبيض‪:‬‬
‫‪ -‬حمد هلل على سالمتك يا مدام مريم‬
‫‪ -‬أين أنا؟‬
‫‪ -‬أنت في املستشفي في غيبوبة منذ ستة أشهر‬
‫‪ -‬غيبوبة وستة أشهر وماذا حدث لي؟‬
‫‪ -‬سأحضر الطبيب أرجوك ال تجهدي نفسك بالحديث الكثير وتركتها‬
‫ورحلت وهنا نظرت مريم إلى الجدار أمامها وهي تحاول أن تتذكر‬
‫ماذا حدث وهنا تذكرت األيفون والفيديو وبعدها صرخت بغضب‪:‬‬
‫‪ -‬حسان كيف تجرؤ على خيانتي أيها الحقير‪.‬‬

‫✦✦✦‬

‫‪57‬‬
‫‪ -‬ماذا تقولين يا أ مي؟ وكيف يستطيع حسان فعلها؟‬
‫‪ -‬هذا ما حدث يا مريم لقد طلقك حسان منذ خمسة أشهر‪ .‬الجبان‬
‫لم يكلف نفسه بزيارتك في املستشفى أو االطمئنان عليك ولكننا‬
‫فوجئنا باملحضر وورقة طالقك‪.‬‬
‫‪ -‬حسان طلقني ولم يقتل‪ ،‬مازال على قيد الحياة وأين كان مختفيا‬
‫تلك الفترة؟‬
‫‪ -‬ال أحد يعرف يا م ريم فهو رجل غامض وعائلته أغرب والحمد هلل‬
‫بأنك تخلصت منه يا ابنتي وسيعوضك هللا خيرا املرة القادمة‬
‫والحمد هلل بأنك لم ترزقي منه بطفل‪.‬‬
‫‪ -‬ولكن ملاذا يا أمي‪ ،‬ملاذا يخونني حسان وبعدها يطلقني؟‬
‫ثم انفجرت في بكاء هيستيري‪:‬‬
‫‪ -‬يا ليتك قتلت أو مت شنقا يا حسان‪.‬‬
‫‪ -‬اهدئي يا ابنتي حتى ال تتدهور صحتك فهو ال يستحق منك دمعة‬
‫واحدة وصحتك بالدنيا كلها‬
‫وهنا مسحت دموعها وهي تقول‪:‬‬
‫‪ -‬نعم يا أمي عندك حق فهو ال يستحق أن ابكي عليه‪ .‬ولكن ملاذا؟‬

‫✦✦✦‬
‫‪58‬‬
‫‪ -‬هل ارتحتم اآلن لقد طلقتها وسأفعل ما تريدون ولكن أتركوها‬
‫وشأنها يا أمي‪.‬‬
‫‪ -‬سنتركها يا حسان ال تقلق فأمك ال تتمنى لك إال الخير يا ولدي وتلك‬
‫الفتاة الصفراء التي تتدخل فيما ال يعنيها ال تصلح لك ثق بي يا حسان‪.‬‬
‫وهنا نظر إليها وهو يذكر كيف كانت تمسك منال الطفلة املريضة‬
‫عقليا ابنة أخته تيسير فلقد ولدت بمرض عقلي نادر ليس له أي دواء أو‬
‫عالج ولكنها كانت كاملالك‪ ،‬كانت تمسك رقبتها للشيخ بعد أن سنت‬
‫السكين لذبحها على باب املقبرة إلرضاء الجني وفك " الرصد الفرعوني "‪.‬‬
‫تذكر كيف أجبروه على إقامة عالقة محرمة مع فتاة ليل فوق تراب‬
‫املقبرة إلرضاء الجني وكانت الفتاة مصابة بمرض "اإليدز" فنقلت له‬
‫سريعا‪ ،‬ففر ها با ً‬
‫بعيدا عن الجميع‬ ‫ً‬ ‫العدوى وكان انتقام هللا منه ملا فعله‬
‫ر‬
‫لستة أشهر يحاول أن يكفر عن ذنوبه‪.‬‬
‫ولكن أهله لم يتركوا زوجته وشأنها فقد اتهموها بقتله وجعلوا الشيخ‬
‫املغربي يمارس عليها السحر األسود وأدخلوها في غيبوبة‪.‬‬
‫واآلن قد عاد لهم من أجل أن يحميها ولكنه سينتقم من الجميع فلن‬
‫ً‬
‫جميعا ويموتوا‪.‬‬ ‫يخبرهم بأنه مصاب بااليدز حتى يصابوا‬
‫وهنا نظر إلى أمه ولكنه لم يستطع أن يتحمل أكثر من ذلك فلقد‬
‫كانت منال الطفلة املقتولة ابنة أخته تقف خلف أمه وهي ترتدي ثوبا‬
‫أبيضا وتبتسم له كاملالك وكأنها فهمت ما يدور في رأسه فرفعت يدها‬

‫‪59‬‬
‫مشجعة بعالمة النصر فهي توافق وستساعده على االنتقام من تلك‬
‫العائلة ولكنه لم يتحمل فسقط مغشيا عليه وهو يردد‪:‬‬
‫‪ -‬سامحيني يا حبيبتي فلم أستطع حمايتك‪.‬‬
‫✦✦✦‬

‫وهنا تذكرت مريم كل ما عانت في الحياة وكيف مازالت تعاني‪ ،‬فلقد‬


‫تزوجت من مدحت زوجها الثري كثير الشرب املستهتر‪ ،‬لم تكن تعرف أنه‬
‫كذلك فلقد كان قريب إحدى جاراتها‪ ،‬كانت تكره حياتها معه وإهانته لها‬
‫ولكنها كانت تتحمل مرغمة‪ ،‬فهذا ثاني زواج لها فماذا سيقول الناس عنها‬
‫إن طلقت لثاني مرة‪.‬‬
‫وهنا ترددت كلمة عمها جالل في إذنيها‪:‬‬
‫"يبدو أنك ارتكبت ذنبا يعاقبك هللا عليه"‪.‬‬
‫وهنا هزت رأسها وحاولت أن تقف على قدميها فلم تستطع فنادت‬
‫على خادمتها لتساعدها على النهوض‪.‬‬
‫فأتت الخادمة باستحياء تنظر بإشفاق إلى سيدتها فساعدتها على‬
‫النهوض ثم قالت بتردد‪:‬‬
‫‪ -‬هذه الرسالة وصلت اليوم لحضرتك يا مريم هانم‪.‬‬
‫وهنا نظرت إليها بوهن قائلة‪:‬‬

‫‪60‬‬
‫‪ -‬رسالة لي أنا!‬
‫ونظرت بتعجب إلى لون الرسالة الوردي اللون‪ ،‬فأخذتها منها بلهفة‬
‫ربما كان بها ش يء سعيد وسيغير حياتها‪.‬‬
‫من يدري؟ ربما كانت الرسالة من حسان زوجها األول فهي تعترف‬
‫بأنها مازالت تحبه ولم تنسه بعد‬

‫✦✦✦‬

‫‪61‬‬
‫الرسالة األولى‬
‫عزيزتي‪ :‬مريم‬

‫عند قراءتك لرساليت فاعلمي بأنين اآلن ميتة‪ ،‬أرقد يف ظلمات‬


‫القرب مل يعد لي وجود مادي بينكم يف عامل األحياء‪ ،‬بل أرقد جثة‬
‫هامدة يف عامل آخر‪ .‬عامل األموات‪.‬‬
‫أتشعرين بالسعادة يا مريم اآلن بعد أن رحلت إىل األبد من‬
‫عاملكم البغيض؟ فلن تريين مرة أخرى كما كنت تتمنني دائما‪ .‬لقد‬
‫رحلت بال رجعة هل تتخيلني؟‬
‫ولكن ال تتفاءلي يا صديقيت وتعتقدي أن موتي هو النهاية ال‪.‬‬
‫بل موتي هو البداية لعذابك وجعل حياتك جحيما أسود!‬

‫نعم رحلت ولكين لن أتركك تعيشني بسعادة وسالم و تفليت‬


‫بفعلتك يا مريم فروحي ستطاردك يف يقظتك ويف أحالمك لتنتقم‬
‫منك وتعيد لي حقي وإن مل تستطع روحي االنتقام منك فسأخرج‬
‫لكي من قربي كالزوميب ألنتقم‪.‬‬

‫ملاذا فعلت ذلك معي يا صديقيت السابقة؟‬


‫ملاذا احلب والوفاء يكون مقابلهما الغدر والقسوة بتلك الطريقة‬
‫البشعة؟‬
‫‪62‬‬
‫البد أن تتأملني كثريًا على فعلتك سأجعلك تتأملني طوال حياتك‪.‬‬
‫ستتمنني املوت كل يوم وكل ساعة وكل حلظة وكل ثانية من‬
‫حياتك لن أرمحك أبدًا‪ .‬فأنت ال تستحقني الرمحة‪.‬‬
‫و لن أطلب منك أي طلب أو شرط ألعفو عنك وأرمحك‪ ،‬فأنت‬
‫ستعرفني وحدك ما جيب عليك فعله وقتها وحينها فقط سأتركك‪.‬‬
‫أما اآلن فسأتركك لتتذكري ما فعلته معي‪ ،‬أعرف بأنها سنني‬
‫طويلة وأيام كثرية قد مضت‪ ،‬ولكين أعلم أيضًا بأنك مل تنس بعد ما‬
‫حدث‪.‬‬
‫فانتقامي قريب فانتظريين يا مريم يف يقظتك ويف أحالمك‪.‬‬
‫سأعود ألنتقم منكن مجيعًا‪ .‬وال تلومي إال نفسك يا صغريتي‪.‬‬

‫سأنتظرك قريبا يف اجلحيم املظلم‪.‬‬

‫مع حتياتي من اجلحيم‬


‫املخلصة‪ :‬سارة‬
‫‪2015\8\3‬‬

‫✦✦✦‬

‫‪63‬‬
‫الفصل الثاني‬

‫الرسالة الثانية‬

‫‪ -‬ماذا تقول أيها الطبيب فأنا ال أفهم ً‬


‫شيئا ‪ .‬هل تعني بأني لن أصبح‬
‫أما ولن أستطيع إنجاب طفل يقول لي كلمة ماما‪.‬‬
‫‪ -‬أنا لم أقل هذا يا مدام رهام بالضبط ولكن هناك احتماال ضعيفا‬
‫بحدوث حمل بطريقة طبيعية مرة أخرى بعد كل عمليات اإلجهاض‬
‫التي حدثت في الثالث سنوات األخيرة‪.‬‬
‫‪ -‬وماذا أفعل؟ وما ذنبي إن كان الجنين يموت كل مرة قبل أن يتم‬
‫الشهرين‪ .‬لقد كنت أتبع كل التعليمات وال أتحرك من الفراش ولكن‬
‫الجنين يأبى أن يكتمل‪ .‬وأشعر بأن هناك من يضربني بقوة على‬
‫بطني‪ ،‬لينزل الجنين ويموت‪.‬‬
‫وبعدها انفجرت بالبكاء الحار ‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ -‬أرجوا أن تهدئي قليال يا مدام رهام من فضلك وتستمعي لي‪ ،‬فهناك‬
‫فرصة أخيرة‪.‬‬
‫وهنا صرخت بلهفة‪:‬‬

‫‪64‬‬
‫‪ً -‬‬
‫حقا أيها الطبيب أم انك تسخر مني‪.‬‬
‫ً‬
‫فابتسم الطبيب قائال‪:‬‬
‫‪ -‬أنا ال أسخر من أحد هنا يا مدام رهام وفعال هناك فرصة لحالتك‬
‫وأتمنى من هللا أن تنجح إن شاء هللا‪.‬‬
‫‪ -‬وما هي؟‬
‫‪ -‬الحقن املجهري ليس أمامك حل آخر إال هو‪.‬‬
‫‪ -‬الحقن املجهري‪ ،‬وهل ستنجح العملية وأصبح ًأما يا دكتور‪.‬‬
‫وادع هللا يا مدام رهام فهو على كل ش يء قدير‪ ،‬فالعملية‬
‫‪ -‬تفاءلي خيرا ِ‬
‫سهلة وبسيطة وال تأخذ وقت ونسبة فشل العملية ال تتجاوز ‪%10‬‬
‫في أيامنا هذه فلقد تطورت هذه العمليات بشكل كبير ‪.‬‬
‫وهنا قالت بتوتر وهي تنظر إلى عيون الطبيب برجاء‪:‬‬
‫‪ -‬يا رب يا دكتور فهذا آخر أمل لي‪.‬‬
‫وبعدها مألت رائحة الياسمين الغرفة‪.‬‬
‫فنظرت رهام بتعجب إلى الطب يب الجالس أمامها متسائلة "فهل يضع‬
‫الرجل عطر الياسمين النسائي"‪ ،‬فهذا العطر مميز وهي تعرفه ً‬
‫جيدا‬
‫وتكرهه بشدة‪.‬‬
‫فهمست لنفسها "من يدري فلم يعد هناك فارقا بين عطر نسائي أو‬
‫رجالي وال لبس نسائي أو رجالي في يومنا هذا فربما املرة القادمة أتت‬
‫‪65‬‬
‫العيادة لتجده يرتدي تنورة ويطيل شعره إلى أسفل ركبتيه من يدري فكل‬
‫ش يء جائز‪.‬‬
‫فهزت رئسها بحيرة ولم ترد فلقد كانت مشغولة الرأس وقد أعادتها‬
‫رائحة الياسمين إلى الوراء بذاكرتها‪ .‬إلى سنوات مضت‪.‬‬
‫تتذكر ما عانت في هذه الحياة في السنوات الثالث األخيرة‪ ،‬وتتساءل‬
‫ماذا فعلت ليحدث لها كل هذا؟ وملاذا تشعر بأن هناك لعنة ما تطاردها‪.‬‬
‫هل هي لعنتها؟ ألم تسامحها على فعلتها؟‬
‫ولكن ملاذا فقط فعلتها هي وتناست كل ش يء وبدأت من جديد؟‬
‫أمازالت هي تتذكر‪ .‬ال لم تعد تستطيع التفكير في األمر‪.‬‬
‫فأغمضت عينيها وعادت بذاكرتها إلى الوراء إلى ثالث سنوات مضت‬
‫لتتذكر‪.‬‬
‫✦✦✦‬

‫‪ -‬عمر أنا حامل؟‬


‫وهنا نظر لها بسعادة غير مصدق ما تقول‪:‬‬
‫‪ -‬ماذا قلتي يا رهام‪.‬‬
‫‪ -‬أنا حامل يا حبيبي في بداية الشهر الثاني هل تتخيل سأصبح أما عما‬
‫قريب لقد أكد لي الطبيب اليوم؟‬

‫‪66‬‬
‫‪ -‬ألف مبروك يا زوجتي الجميلة وأخيرا سأصبح أبا ال أصدق ما أسمع‬
‫هذا أجمل خبر سمعته في حياتي يا حبيبتي‪.‬‬
‫‪ -‬صدق يا عمر فكلها ‪ 7‬أشهر ويأتي ولي العهد فماذا تريد يا حبيبتي‬
‫ولدا أم بنتا‪.‬‬
‫وهنا قال بهيام وهو ينظر إلى الجدار خلفها‪:‬‬
‫‪ -‬سارة‪ .‬أريد طفلة وأسميها سارة‪.‬‬
‫ولكنه قطع كالمه وابتلع الكلمات وهو ينظر إلى زوجته بتوتر ويرى‬
‫نظرات الغضب النارية في عينيها التي كانت كافية لحرق مدينة كاملة‬
‫وليس هو واملنزل فقط فأشاح بوجهه ً‬
‫بعيدا عنها وهو يزفر بغضب ثم‬
‫صمت ولم ينطق بكلمة واحدة‪.‬‬
‫وهنا فتحت الزوجة فمها لتتكلم ولكن املكان امتأل براحة الياسمين‬
‫لتكتم أنفاسها وتشعرها بالغثيان فأمسكت بطنها بقوة وذهبت مسرعة‬
‫إلى دورة املياه لتخرج ما في جوفها‪.‬‬
‫✦✦✦‬

‫استيقظت رهام وهي تشعر بالتوتر وكأن هناك من يجلس معها‬


‫بالغرفة‪ ،‬فجلست على الفراش وهي تحاول اختراق الظالم بعيونها‬
‫وصدرها يعلو ويهبط بتوتر‪ ،‬كانت خائفة كقطة مذعورة ضبطتها صاحبة‬
‫املنزل وهي تسرق الطعام من املطبخ فقالت بتوتر‪:‬‬

‫‪67‬‬
‫‪ -‬عمر هل عدت من السفر هل أنت من بالغرفة؟ أرجوك أجب فأنت‬
‫تعرف بأني أخش ى الظالم‪.‬‬
‫ً‬
‫صباحا وأخبرها بأنه لن‬ ‫ولكنها لم تسمع إجابة وكان زوجها قد سافر‬
‫يأتي اليوم سيقض ي ليلته في دمياط وطلب منها قضاء الليلة عند أسرتها‬
‫بحلوان ولكنها لم تذهب وقررت أن تبقى بمنزلها‪.‬‬
‫فهل عاد الزوج؟ ال تدري فالظالم دامس ويبدو بأن الكهرباء مفصولة‬
‫عن املنزل‪.‬‬
‫أخذت رهام تنادي على زوجها بصوت مبحوح ولكنها لم تسمع أي‬
‫إجابة‪ ،‬كانت تشعر بتنفس أحدهم بجوارها‪.‬‬
‫فأنفاسه حارقة قريبة من وجهها وهنا صرخت برعب‪ .‬وبعدها سمعت‬
‫صوت أشياء تسقط على األرض وتتحطم‪ ،‬فنهضت من الفراش مسرعة‬
‫وقلبها يدق بسرعة فلقد شعرت بوجود أحدهم بجوارها على الفراش فلم‬
‫تستطع التحمل‪ ،‬فنهضت مسرعة وهنا شعرت بمن يدفعها من على‬
‫الفراش لتسقط على بطنها بعنف وهنا نظرت برعب محاولة اختراق ظالم‬
‫الغرفة لتعرف من فعل بها ذلك‪ .‬ولكنها لم َتر إال الظالم من حولها‪.‬‬
‫فحاولت النهوض ولكنها لم تستطع فقد كان هناك من يمسك بقدميها‬
‫فسقطت فاقدة الوعي وهي تشعر بالبرودة الشديدة وتشم رائحة‬
‫الياسمين تكتم أنفاسها‪.‬‬

‫✦✦✦‬

‫‪68‬‬
‫استيقظت رهام وفتحت عينيها ببطء لتجد زوجها يجلس بجوارها‬
‫على الفراش يمسك يدها وتجلس أمها بجواره تبكي بحرقة‪.‬‬
‫فقالت بصوت واهن‪:‬‬
‫‪ -‬ماذا حدث وأين أنا يا عمر؟‬
‫‪ -‬في املستشفى يا رهام لقد عدت صباحا فوجدتك غارقة في الدماء‬
‫وفاقدة الوعي‬
‫وهنا صرخت برعب‪:‬‬
‫‪ -‬غارقة في الدماء فوضعت يدها على بطنها بذعر طفلي هل فقدت‬
‫الطفل يا عمر‪.‬‬
‫فأشاح بوجهه عنها وهنا قالت األم من بين دموعها‪:‬‬
‫‪ -‬حمد هلل على سالمتك يا رهام وربنا يعوض عليك في املرة القادمة يا‬
‫بنيتي‪.‬‬
‫فصرخت من بين دموعها‪:‬‬
‫‪ -‬ولكن من فعل بي ذلك لقد كان هناك أحد بالغرفة يا عمر صدقني‬
‫لم أكن بمفردي هناك من قتل ابني‪.‬‬
‫وهنا نظر الزوج بتعجب إلى زوجته ولم ينطق‪.‬‬

‫✦✦✦‬

‫‪69‬‬
‫‪ -‬عمر أنا حامل‪.‬‬
‫‪ -‬حامل هل تأكدت يا رهام؟‬
‫‪ -‬نعم يا حبيبي لقد أكد لي الطبيب فأنا حامل في بداية الشهر الثاني؟‬
‫‪ -‬الحمد هلل يا رب لقد عوضنا هللا خيرا يا رهام عن طفلنا األول‪ ،‬أرجو‬
‫أن تهتمي بنفسك وترتاحي بالفراش فال داعي ألن تجهدي نفسك‬
‫بالعمل‪.‬‬
‫‪ -‬ال تقلق يا عمر لن أفعل ً‬
‫شيئا‬
‫ً‬
‫وهنا أخذها بين ذراعية وقبل جبينها بحنان قائال‪:‬‬
‫‪ -‬أتمنى من هللا أن يتم حملك على خير يا حبيبتي‬
‫‪ -‬ال تقلق سيكون كل ش يء بخير ولن يحدث ش يء س يء‪ ،‬ولكن ال تتركني‬
‫وحيدة في هذه الفترة يا عمر ولن يحدث ش يء س يء ً‬
‫أبدا‪.‬‬
‫✦✦✦‬

‫‪ -‬ملاذا يا رهام تكسرين كالم زوجك وتخرجين من املنزل بدون علمه‪.‬‬


‫‪ -‬وهل سأدعه يتحكم في حياتي يا أمي‪.‬‬
‫‪ -‬ولكنه يخاف عليك يا رهام وعلى ما في بطنك‪.‬‬

‫‪70‬‬
‫‪ -‬ال يا أمي فعمر ال يخاف علي بل على الطفل ولن أحبس نفس ي في‬
‫املنزل من أجله‪.‬‬
‫‪ -‬ولكن ما تفعلينه خاطئ يا رهام‪ ،‬والبد أن تكوني مسئولة أكثر من‬
‫ذلك حتى يكرمك هللا ويعوضك‪.‬‬
‫‪ -‬حاضر يا أمي ولكنني أريد شراء بعض األغراض وسأعود إلى املنزل‬
‫قبل أن يعود فال داعي للقلق الزائد؟‬
‫وهنا نظرت لها األم بحيرة وهي تشعر بأن ً‬
‫شيئا سيئا سيحدث‪.‬‬
‫فهزت رئسها ثم قالت‪:‬‬
‫ً‬
‫‪ -‬إني متعبة يا رهام وأريد أن أستريح قليال‪.‬‬
‫‪ -‬حاضر يا أمي اجلس ي هنا وأنا سأذهب إلى الحمام ولن أتأخر وبعدها‬
‫نرحل سويا إلى املنزل قبل عودة عمر‪.‬‬
‫‪ -‬ال تتأخري يا رهام فأنا متعبة يا ابنتي وال أستطيع تحريك قدمي‪.‬‬
‫‪ -‬حاضر يا أمي ال تقلقي فأنا ً‬
‫أيضا بدأت أشعر بالتعب واملغص‪.‬‬
‫✦✦✦‬

‫ذهبت إلى الحمام تمش ي ببطء وفتحت الباب فوجدت املكان ً‬


‫خاليا إال‬
‫من عاملة نظافة تمسح األرض‪.‬‬

‫‪71‬‬
‫نظرت السيدة إليها بطريقة غريبة وألقت نظرة على بطنها ثم وضعت‬
‫املمسحة على األرض ورحلت في هدوء دون أن ترد السالم‪ ،‬فوقفت رهام‬
‫في حيرة تنظر بتعجب إلى املرأة وهي ترحل بفزع‪.‬‬
‫عال قائلة‪:‬‬
‫وهنا هزت رأسها بقوة وأخذت تضحك بصوت ٍ‬
‫"إن البلد مازالت مليئة باملجانين"‪.‬‬
‫وبعدها وضعت حقيبتها على الرخامة وفتحت الصنبور لتغسل وجهها‬
‫وفي تلك اللحظة سمعت صوت باب الحمام من خلفها يغلق بقوة فيصدر‬
‫صوتا عاليا فرفعت وجهها لترى انعكاس الباب يفتح ثانية في املرآة أمامها‬
‫مصدرا صريرا مزعجا‪.‬‬
‫وهنا ابتلعت رهام ما في حلقها وقالت بصوت مبحوح خرج بصعوبة‬
‫من حلقها الجاف‪:‬‬
‫‪ -‬هل هناك أحد بالداخل؟‬
‫ولكنها لم تسمع أي إجابة فهزت رأسها بحيرة وهي تنظر للباب املفتوح‬
‫بحيرة‪ ،‬وهنا مألت رائحة الياسمين املكان وانخفضت درجة حرارة املكان‬
‫بردا وهنا حاولت الرحيل‬ ‫مرة واحدة‪ ،‬فشعرت بأن أطرافها ستتجمد ً‬
‫فلقد كانت رائحة الياسمين تشعرها بالغثيان فهي تكرهها‪ ،‬ولكنها لم‬
‫تستطع أن تتقدم خطوة واحدة فلقد شعرت بمن يثبت قدميها باألرض ال‬
‫تعرف من ولكنها شعرت بأظافر أحدهم تغرس في لحم قدميها‪.‬‬
‫فنظرت إلى األرض فوجدت يدا سوداء ذات مخالب طويلة تمسك‬
‫بقدميها بقوة وتجذبها لألسفل وهنا حاولت الفرار فشعرت بمن يمسكها‬
‫‪72‬‬
‫من الخلف وكانت أنفاسه قريبة منها ومثيرة لالشمئزاز فلم تعد تتحمل كل‬
‫هذا فأطلقت صرخة عالية وهي تشعر بمن يدفعها على وجهها بعنف‬
‫فسقطت على األرض وهي تحاول أن ترى من الذي فعل بها هذا‪.‬‬
‫وهنا لم ترى إال كتلة من السواد تتحرك بانسيابية في الهواء وكأنها‬
‫دخان أسود كثيف أخذ يلتف فوق رأسها وهنا لم تعد تتحمل فحاولت‬
‫وحاولت الصراخ‪.‬‬
‫✦✦✦‬

‫فتحت عينيها وهي تتأوه بألم تنظر بذعر حولها كانت تشعر بألم في كل‬
‫ذرة بجسدها وكأنهم ضربوها بالسوط على جسدها ووجدت أمها تبكي‬
‫بقهر ويقف زوجها على باب الغرفة غاضبا وفتاة أخرى تضع محقنا في‬
‫محلول معلق بذراعها فقالت بوهن‪:‬‬
‫‪ -‬ماذا حدث يا أمي‪ ،‬أين أنا؟‬
‫فردت األم بحسرة وألم‪:‬‬
‫‪ -‬في املستشفى يا رهام‬
‫وهنا تدخل الزوج غاضبا‪:‬‬
‫‪ -‬كيف تخرجين بدون علمي يا رهام وتقتلين ابني بتلك الطريقة‬
‫البشعة‪.‬‬
‫فقالت والدمع بعينيها‪:‬‬
‫‪73‬‬
‫‪ -‬اقتل طفلك‪ .‬هل مات ابني؟ ماذا حدث يا أمي؟‬
‫‪ -‬لقد مات الطفل يا رهام ولقد خرجت من حجرة العمليات منذ قليل‬
‫ربنا يعوضك في املرة القادمة فأنت مازلت صغيرة والحياة أمامك‪.‬‬
‫‪ -‬ولكن كيف ومن فعل بي ذلك لقد كان هناك أحدهم معي بالحمام‬
‫يا عمر صدقني‪.‬‬
‫‪ -‬لم يكن هناك أحد يا بنيتي بل كانت األرض مبتلة فسقطتي على‬
‫بطنك بعنف‪.‬‬
‫وهنا نظرت إلى أمها بذعر تتذكر ذلك الش يء األسود الذي رأته‬
‫بالحمام وهاجمها‬
‫فقالت‪:‬‬
‫‪ -‬ال بل كان هناك أحد وهاجمني‪.‬‬
‫ومازالت تشعر بأنفاسه وتسمعها بأذنيها ‪..‬‬
‫✦✦✦‬

‫‪ -‬لن أسمح لك بفقد الجنين مرة أخرى يا رهام‪.‬‬


‫‪ -‬وماذا ستفعل هل ستحبسني باملنزل‪.‬‬
‫‪ -‬ال ولكن سوف تذهبين إلى منزل أسرتك حتى يثبت الجنين أو أحضر‬
‫أختي هناء لخدمتك‪.‬‬
‫‪74‬‬
‫‪ -‬ال سوف أذهب إلى منزل أسرتي أفضل فأنا ال أريد أن يراقبني أحد‪.‬‬
‫‪ -‬ماذا تقصدين يا رهام؟‬
‫‪ -‬ال أقصد ً‬
‫شيئا ولكني أفضل أن تهتم بي وترعاني أمي‪.‬‬
‫‪ -‬اتفقنا ولكني أحملك املسئولية إن حدث للطفل شيئ فسوف‬
‫أعاقبك يا رهام‪.‬‬
‫‪ -‬ماذا تقول يا عمر هل جننت؟‬
‫‪ -‬ال ولكني أحذرك‪.‬‬
‫✦✦✦‬

‫‪ -‬هام هل تريدين ً‬
‫شيئا من الخارج سأخرج إلى السوق؟‬ ‫ر‬
‫‪ -‬ال يا أمي ولكني أشم رائحة العنب باستمرار في أنفي يبدو بأنني أتوحم‬
‫ويريد الطفل العنب‪.‬‬
‫‪ -‬العنب ولكنه ليس أوانه يا رهام ولكني سأبحث لك عنه ال تقلقي‬
‫املهم اهتمي بنفسك وال تتحركي من الفراش إلى أن أعود لن أتأخر‪.‬‬
‫‪ -‬ال تقلقين سوف أقرأ هذه الرواية وبعدها سأنام‬

‫✦✦✦‬

‫‪75‬‬
‫كانت رهام تمد ساقيها على الفراش وتقرأ إحدى القصص وهنا‬
‫سمعت من يهمس بأذنيها‪:‬‬
‫‪ -‬هسسسسسسس هسسسسسسسس‬
‫فالتفتت بتوتر ناحية الصوت لتعرف ما هذا ولكنها لم ترى أحدا‬
‫فنهضت من الفراش وجلست على أحد املقاعد وكانت ترتعد خوفا فلقد‬
‫انخفضت درجة حرارة الغرفة مرة واحدة فحاولت النهوض‪ ،‬ولكنها شعرت‬
‫بمن يثبتها باملقعد ويجبرها على الجلوس مرة أخرى‪ ،‬حاولت الصراخ‬
‫ولكنها لم تستطع‪.‬‬
‫وهنا نظرت إلى املرآة أمامها فشاهدت كتلة من الدخان األسود‬
‫الكثيف تقف فوق رأسها وكأنها قطعة هالم سوداء تتحرك بانسيابية‬
‫كالغيمة فوق رأسها‪.‬‬
‫وهنا التفت الكتلة السوداء حول جسدها كالثعبان وأخذت تضغط‬
‫بعنف على بطنها لتعتصر ما بداخلها‪ ،‬وهنا لم تعد تتحمل وقد مألت‬
‫رائحة الياسمين الغرفة لتكتم على أنفاسها و‪...‬‬
‫✦✦✦‬

‫‪ -‬أنتي املسئولة عن موت ابني يا رهام أنت‪ ،‬هل تفهمين‪ ،‬أنت‬


‫املسئولة يا هانم‪.‬‬
‫‪ -‬ولكني لم أفعل ً‬
‫شيئا يا عمر‪ ،‬إنها هي‪.‬‬

‫‪76‬‬
‫‪ -‬من هي؟‬
‫‪ -‬ال أدري يا عمر هناك ً‬
‫شيئا غريبا يحدث لي صدقني يا عمر‪.‬‬
‫‪ -‬أصدقك ماذا تقولين؟ فأنت إنسانة مستهترة وال تستحقين أن‬
‫تصبحي أما فهذا عقاب هللا لك يا رهام عن استهتارك‪.‬‬
‫وهنا صرخت بانهيار‪:‬‬
‫‪ -‬ال يا عمر ال تقل هذا فأنا أريد أن أكون أ ًما‬
‫✦✦✦‬

‫ً‬
‫وهنا قطع الطبيب حبل أفكارها وذكرياتها قائال‪:‬‬
‫‪ -‬ماذا قررت يا مدام رهام‬
‫‪ -‬موافقة فأنا لست مستهترة وأريد أن أصبح أما يا دكتور‬
‫✦✦✦‬

‫دخلت األم الغرفة وهي تبتسم بحنان‪:‬‬


‫‪ -‬ملاذا تحركت يا رهام من الفراش لقد أخبرتك أال تتحركي حتى يتم‬
‫هللا حملك على خير‬

‫‪77‬‬
‫‪ -‬ال تقلقي يا أمي فلقد زال الخطر وأتممت الثالث شهور األولى‬
‫وطمئنني الطبيب فال داعي للخوف والقلق‪.‬‬
‫‪ -‬االحتياط واجب يا رهام واحرص ي على ما في بطنك فأنت لم تحصلي‬
‫عليه بسهولة يا حبيبتي‪.‬‬
‫‪ -‬ال تقلقي يا أمي سأرتاح ولن أجهد نفس ي‪.‬‬
‫‪ -‬سوف أعود إلى املنزل اليوم فلقد تركت أباك منذ أربعة أشهر‬
‫بمفرده‪.‬‬
‫‪ -‬اذهبي يا أمي وال تقلقي فأنا بخير‪.‬‬
‫وهنا نظرت لها األم وقد تذكرت ً‬
‫شيئا ‪:‬‬
‫‪ -‬لقد وصلت لك هذه الرسالة اليوم يا رهام وكنت نائمة‪.‬‬
‫‪ -‬رسالة لي أنا‪.‬‬
‫وهنا مدت يدها لتلتقط الورقة بلهفة وهي تتمنى أن تسمع خبر‬
‫يسعدها ويدخل السرور على قلبها ويغير حياتها ربما كان جواب التعين في‬
‫الوظيفة التي كانت تتمنى الحصول عليها فنظرت بتعجب إلى الخطاب‬
‫فقد كان وردي اللون فقالت لنفسها ومنذ متى تكون خطابات التعين‬
‫وردية اللون‪.‬‬
‫من يدري فكل ش يء تغير ولم يعد كما كان‪.‬‬
‫✦✦✦‬

‫‪78‬‬
‫الرسالة الثانية‬
‫عزيزتي‪ :‬رهام‬
‫عند قراءتك لرساليت‪ .‬اعلمي بأني اآلن أرقد يف القرب ميتة مل يعد‬
‫لي وجود يف عاملكم‪ ،‬عامل األحياء بل رحلت إىل عامل األموات‪.‬‬
‫لقد علمت خبرب زواجك من عمر خطييب سابقا وأول من أحببت‬
‫يف هذا العامل‪ .‬و لوال ما حدث‪ ،‬لكنت أنا زوجته اآلن وحياتك هي‬
‫حياتي‪ ،‬وطفلك هو طفلي‪ ،‬فهنيئا لكي يا صديقيت بالزواج ممن‬
‫أحببت وحتطيم حياتي‪.‬‬
‫فهل تشعرين معه بسعادة؟ هل تشعرين حبركة الطفل يف رمحك؟‬
‫أتعتقدين يا رهام بأني سأتركك تعيشني بسالم وكأن شيئًا مل‬
‫حيدث؟‬
‫فال تتفاءلي كثريًا يا صديقيت السابقة فلن أتركك أبدًا تعيشني‬
‫بسالم‪ .‬فروحي لن ترتكك أبدًا تنعمني بالسعادة واهلدوء مع من‬
‫أحببت‪ ،‬ستجعلك تتأملني دائما تتمنني املوت كل حلظة ومع كل نفس‬
‫خيرج من صدرك‪ .‬لن أتركك أبدًا تفلتني مبا فعلت بدون عقاب‪.‬‬
‫فروحي ستطاردك يف يقظتك ويف أحالمك‪.‬‬
‫ورمبا سأخرج لكي أنا من قربي كالزوميب ألنتقم‪.‬‬
‫فلن أتركك تنعمني بالسعادة‪ .‬إال بشرط واحد و بعدها سأتركك‬
‫تنعمني بالسالم مع زوجك وحبيب قليب ال يهم‪.‬‬
‫و طليب هو‪ .‬ما يف بطنك‪ .‬أول مولود لكي ولعمر فهو لي‪.‬‬

‫‪79‬‬
‫أريدك بعد والدته مباشرة أن تضعيه على قربي‪.‬‬
‫ثم بعدها ترحلني بهدوء بدون أن تنطقي حبرف واحد‪.‬‬
‫فهذا الطفل من حقي‪ ،‬لو تزوجت أنا من عمر لكان هذا الطفل‬
‫طفلي‪.‬‬
‫لو مل تفعلي ما فعلت‪ .‬لكنت أنا مكانك اآلن وأعيش حياتك‬
‫وعمر زوجي فإن نفذت طليب سأتركك تعيشني بسالم ولن أقرتب‬
‫منك أو من زوجك وسأرحل‪.‬‬
‫وسأكتفي بالطفل‪ ،‬وإن مل تنفذي مطليب وحتققي أمنييت وترتكي‬
‫لي الطفل فالويل لكي ولطفلك مين فلن أتركك‪.‬‬
‫سأجعلك تتأملني كل يوم تتمنني املوت كل حلظة فال جتدينه‬
‫وفتلومي إال نفسك يا صديقيت السابقة‪.‬‬
‫واآلن هل تتذكرين ما فعلته معي أنت واألخريات يا صديقة‬
‫طفوليت؟‬
‫ملاذا فعليت ذلك؟‬
‫سأتركك تتذكرين رمبا جعلتك السنني واأليام تنسني ما حدث‪.‬‬

‫مع حتياتي من اجلحيم‬


‫املخلصة سارة‬
‫‪2015\8\3‬‬
‫✦✦✦‬
‫‪80‬‬
‫الفصل الثالث‬
‫الرسالة الثالثة‬

‫‪ -‬ال يا أمي فأنت ال تعرفين ً‬


‫شيئا ‪ .‬هل تعرفين ماذا يلقبونني بالكنيسة‪.‬‬
‫يلقبونني بالشؤم يا أمي‬
‫‪ -‬ولكنها مشيئة الرب يا أيرين وليس لكي دخل فيما يحدث يا بنيتي فال‬
‫تفكري بتلك الطريقة السيئة‪ .‬إنها إرادة الرب وليس لك دخل فيها‬
‫صدقيني‪.‬‬
‫‪ -‬كيف يا أمي؟ وماذا سيقول أصدقائي وأقاربي والجيران وهذا رابع‬
‫خطيب يموت بطريقة غامضة فجرجس مات غريقا في البحر‪.‬‬
‫وبعدها صموئيل دهسته سيارة تحت عجالتها‪ .‬وبعده كرولس‬
‫سقطت به الشرفة هو وأخته وأمه ولكنه هو الوحيد الذي مات‬
‫والغريب في األمر قد نجت األم واألخت ولم تصابا إال بخدوش‬
‫بسيطة‪ ،‬وأخيرا إبراهيم يا أمي تسقط به الطائرة في البحر في‬
‫منطقة مليئة بأسماك القرش وهو مسافر إلى تركيا‪ .‬فلماذا يا أمي‬
‫فهل أنا فعال شؤم على الجميع كما يلقبونني بالكنيسة؟‬
‫‪ -‬ال تقولي هذا يا أيرين فكل هذا من تدبير الرب وال تعرفين أين الخير‬
‫ومازال إبراهيم مفقودا وربما لم يمت من يدري‬

‫‪81‬‬
‫‪ -‬هل تضحكين على عقلي أم تسخرين مني يا أمي فلقد قالوا باألخبار‬
‫بان جميع الركاب موتى ومازالوا ينتشلون باقي أشالئهم من البحر‬
‫ً‬
‫أشالء‬ ‫بعد أن التهمت أسماك القرش الكثير من الجثث فلم تترك إال‬
‫ممزقة ال يستطيعون التعرف عليها‪.‬‬
‫وهنا أخذت األم نفسا عميقا وهي تستنشق تلك الرائحة الجميلة‬
‫وتشعرها باالنتعاش وبراحة عجيبة جعلتها تبتسم رغما عنها بسعادة‪ .‬إنها‬
‫رائحة الياسمين املميزة‪.‬‬
‫وهنا نظرت أيرين إلى أمها بتعجب وهي تتساءل هل فقدت األم عقلها‪.‬‬
‫وما تلك الرائحة التي تضعها‪ .‬هل تضع عطر الياسمين‪ .‬فهل هذه طريقتها‬
‫للتعبير عن حزنها ملوت أحدهم‪ .‬وخصوصا إن كان عريس ابنتها الرابع‪.‬‬
‫ربما من يدري فكل ش يء جائز وممكن أن يحدث في هذا الكون؟ فكال‬
‫منا يحزن بطريقته الخاصة‪.‬‬
‫فهزت رأسها ونظرت إلى أمها بحيرة ولم تتكلم بل عادت بذاكرتها‬
‫للوراء‪ .‬فلقد جعلتها رائحة الياسمين تتذكر كل ما مرت به في السنوات‬
‫الثالث األخيرة‪.‬‬
‫تشعر بأن هناك لعنة وذنبا يطاردها‪ .‬فهل هي لعنتها؟‬
‫ولكنها طهرت روحها واعترفت بخطيئتها وذنبها‪ .‬فهل اعترافها لم يكن‬
‫كافيا؟‬
‫فأغمضت عينيها ثم عادت بذاكرتها إلى الوراء‪ .‬لتتذكر‪.‬‬
‫✦✦✦‬
‫‪82‬‬
‫‪ -‬هل سترافقينني يا أيرين؟‬
‫‪ -‬ال يا جرجس‪ .‬فأنت تعرف بأن أبي لن يوافق‪.‬‬
‫‪ -‬وملاذا يا أيرين؟ مجرد يومين فقط سترافقينني أنت وسرينا وحماتي‬
‫فلماذا سيرفض عمي؟‬
‫‪ -‬أنت تعرف يا جرجس فهو رجل صعيدي ومحافظ فلن يسمح لنا‬
‫بالذهاب بمفردنا وهو مشغول بالعمل باملحل كما تعلم‪.‬‬
‫‪ -‬أعلم ولكن املصيف القادم سترافقينني رغما عن أنف الجميع‬
‫فوقتها ستكونين زوجتي‬
‫وهنا شعرت أيرين بغصة في حلقها وألم في معدتها ال تدري ملاذا؟ فلقد‬
‫حدد جرجس ميعاد الفرح واإلكليل مع كاهن الكنيسة وهو بعد أربعة‬
‫شيئا سيئا سيحدث فنظرت له وحاولت االبتسام‬ ‫أشهر ولكنها تشعر بأن ً‬
‫ولكن أبت االبتسامة أن ترتسم على شفتيها فهزت رأسها مجاملة ولم‬
‫تتكلم‪.‬‬
‫✦✦✦‬

‫‪ -‬ماذا تقول يا أبي؟‬


‫‪ -‬لقد مات جرجس‪ ،‬غرق بالبحر في اإلسكندرية اليوم يا ابنتي‪.‬‬
‫وهنا صرخت بألم وهي تنظر إلى والدها غير مصدقة ما يقوله‪:‬‬

‫‪83‬‬
‫‪ -‬ماذا تقول يا أبي؟ هل تمزح؟‬
‫فرد األب من بين دموعه‪:‬‬
‫‪ -‬وهل في املوت مزحة يا أيرين‪ ،‬إنها مشيئة الرب يا حبيبتي‬
‫✦✦✦‬

‫‪ -‬ال يا أمي‪ ،‬فلن أتزوج بعد جرجس‪.‬‬


‫‪ -‬ماذا تقولين يا أيرين وهل ستعيشين كالراهبات‪ ،‬فأنت تعلمين بأن‬
‫الزواج هو قدس أقداس الحياة وهو أحد األسرار السبعة املقدسة‬
‫بالكنيسة كما إن صموئيل شاب رائع وابن صديقتي مارينا وهو‬
‫معجب بك من سنين‪.‬‬
‫‪ -‬ولكني ال أريد الزواج اآلن يا أمي‪.‬‬
‫‪ -‬ومتى إذا بعد أن يكبر سنك وتقع أسنانك وال تجدي من يتقدم‬
‫لخطبتك‪ ،‬فلقد مر ستة أشهر على وفاة جرجس وهذا يكفي فلن‬
‫ينتظرك الشاب أكثر من هذا ولن نحدد ميعاد للخطبة إال بعد أن‬
‫تتعرفي عليه ً‬
‫جيدا وتقتنعي به‪.‬‬
‫وهنا نظرت إلى أمها ولم ترد عليها‬

‫✦✦✦‬

‫‪84‬‬
‫‪ -‬ماذا تقول يا أبي؟‬
‫لقد مات صموئيل اليوم يا أيرين في حادثة سيارة وهذه مشيئة الرب‬
‫يا حبيبتي‬
‫‪ -‬الااااااااااا‬
‫فصرخت برعب وهي تشعر بالبرودة تسري في أوصالها‪ ،‬وظلت تصرخ‬
‫وبعدها نقلت إلى املستشفى مصابة بانهيار عصبي‪.‬‬
‫فلقد تعرفت على صموئيل وبدأت تعجب به وكانوا على وشك تحديد‬
‫ميعاد للخطبة مع الكاهن ولكنه لم يلحق ومات‪.‬‬
‫وهنا ملئت رائحة الياسمين الغرفة‪.‬‬
‫✦✦✦‬

‫‪ -‬أيرين ملاذا تتهربين مني؟‬


‫‪ -‬أرجوك ابتعد عني يا كرولس‪.‬‬
‫‪ -‬ولكن ملاذا؟‬
‫‪ -‬ابتعد عني وهذا يكفي يا كرولس‪.‬‬
‫‪ -‬ملاذا تبتعدين عني؟ فأنا أريد أن أتقدم لطلب يدك لقد كلمت عمي‬
‫في املوضوع يوم األحد الفائت وهو موافق وأخبرني بأنه سيأخذ رأيك‪.‬‬

‫‪85‬‬
‫‪ -‬وأنا ال أوافق يا كرولس وال أريد الزواج وأرجوك ابتعد عني‪.‬‬
‫‪ -‬ملاذا من حقي معرفة السبب؟‬
‫‪ -‬ألنني ال أريد أن أتزوج أتفهم‪.‬‬
‫‪ -‬ولكنك لن تعيش ي كالراهبات طوال حياتك بدون زواج‪.‬‬
‫✦✦✦‬

‫‪ -‬ماذا حدث يا أبي وملاذا تبكي؟‬


‫نظر إليها األب بحسرة على حالها فماذا سيقول لها وبماذا سيخبرها‬
‫فهل يخبرها بموت خطيبها الثالث في حادثة بشعة قبل أن يحددوا موعد‬
‫الخطبة هل يقول لها بأن خطيبها املستقبلي سقطت به الشرفة هو وأمه‬
‫وأخته ولكن خطيبها كرولس هو الوحيد الذي اختاره القدر فمات ونجا‬
‫الباقون ولم يصابا بأي خدوش بماذا سيخبرها!‬
‫ً‬
‫وهنا نظر لها بألم قائال‪:‬‬
‫‪ -‬إنها مشيئة الرب يا أيرين وليس لك أي دخل فيها‪ .‬لقد مات كرولس‪.‬‬
‫وهنا نظرت له بعيون زائغة ولم تتكلم‪ ،‬بل أخذت تضحك بقهر‪ .‬وهي‬
‫تشعر بانخفاض درجة حرارة الغرفة مرة واحدة وتشم رائحة الياسمين‬
‫بالغرفة‪.‬‬
‫✦✦✦‬

‫‪86‬‬
‫وبعد مرور عامين‬
‫وقفت أيرين بحجرتها تصرخ بغضب‪:‬‬
‫‪ -‬لن أتزوج ولن أوافق على إبراهيم زو ًجا لي مهما حاولتم‪ ،‬فال أريد له‬
‫أن يموت كاآلخرين‪.‬‬
‫‪ -‬ال تقو لي هذا يا بنيتي فليس لك أي دخل فيما حدث إنها مشيئة‬
‫الرب‪.‬‬
‫ً‬
‫وقضاءا وقد ًرا فال أريد الزواج‪.‬‬ ‫‪ -‬حتى وإن كانت مشيئة الرب‬
‫" إن لم يبن الرب البيت فباطال يتعب البناءون إن لم يحفظ الرب‬
‫املدينة فباطال يسهر الحارس "مزمور" ‪"1 - 127‬‬
‫هل تعرفين فأنا شؤم على الجميع ولن أتزوج وبعدها‬
‫أخذت تصرخ في وجه أمها بهيستريا فدخل األب غاضبا‪:‬‬
‫‪ -‬ملاذا تصرخين يا أيرين وترفعين صوتك على أمك‬
‫‪ -‬ال أريد أن أتزوج يا أبي هل تفهم ال أريد أن يتقدم أحدهم لطلب‬
‫يدي‪.‬‬
‫وهنا احمر وجه األب غاضبا‪:‬‬
‫‪ -‬ماذا تقولين أيتها الفتاة؟‬
‫‪ -‬ما سمعته يا أبي ولن يجبرني أحد على تغير رأيي هل تفهمون فلن‬
‫أتزوج‪.‬‬
‫‪87‬‬
‫وهنا رفع األب يده ً‬
‫عاليا وصفعها على وجهها بغضب وهو يقول‪:‬‬
‫‪ -‬كيف تجرئين أن يعلو صوتك وأنت تتحدثين معي؟ جهزي نفسك‬
‫فسيأتي إبراهيم الليلة هو وعائلته وال أريد أن أسمع صوتك وتركها‬
‫ً‬
‫غاضبا‪.‬‬ ‫تبكي ورحل‬
‫✦✦✦‬

‫‪ -‬ماذا أفعل يا مينا؟ أرجوك ساعدني وكلم إبراهيم واطلب منه أال‬
‫يأتي اليوم فانا ال أريد أن أكون السبب في موت أحدهم؟ فأنا فتاة‬
‫نحس‪.‬‬
‫‪ -‬ال تقولي هذا يا أيرين فليس لك دخل في كل ما حدث إنها مشيئة‬
‫الرب وحكمته وربما كانت كلها صدفا ليس لك دخل فيها‪.‬‬
‫‪ -‬حتى أنت يا مينا تتكلم مثلهم‪ .‬كلكم أغبياء ال تفهمون ً‬
‫شيئا وال‬
‫تعرفون ما ارتكبت من خطيئة وأن كل ما يحدث ليس صدفا ولكنه‬
‫عقاب من الرب على ما ارتكبت‪.‬‬
‫وبعدها تركته ينظر إليها بتعجب وفضول ال يعرف عما تتحدث‪،‬‬
‫ورحلت في صمت وهي تشعر بتلك الرائحة الكريهة تخنقها وتشعرها‬
‫بالغثيان‪.‬‬

‫✦✦✦‬

‫‪88‬‬
‫كانت تقف في مكان مظلم ال تستطيع رؤية ش يء نادت أيرين بصوت‬
‫عال‪:‬‬
‫ٍ‬
‫‪ -‬من هناك وأين أنا؟‬
‫فهي تسمع صوت أقدام أحدهم تتقدم ببطء ولكنها لم تتلق أي‬
‫إجابة‪ ،‬وهنا شاهدت تلك الشمعة املضيئة من بعيد وكانت تقترب ولكنها‬
‫عال "من هناك؟" ولكن الشمعة‬ ‫ال ترى من يحملها أخذت تنادي بصوت ٍ‬
‫أخذت تقترب ولم تتلق أي إجابة بدأت تشعر بالتوتر بالقلق وتساقطت‬
‫حبات العرق البارد على جبينها‪.‬‬
‫‪ -‬من هناك؟‬
‫وهنا شاهدت ضوء شمعة ثانية يقترب وبعدها ضوء ًا ثالثا ثم ً‬
‫ضوءا‬
‫ر ً‬
‫ابعا‪ ،‬أخذت الشموع املشتعلة تقترب منها وهي تصرخ بهستريا‪:‬‬
‫‪ -‬من هناك‪ .‬من هناك ماذا تريدون مني؟‬
‫وهنا شاهدت حامل الشمعة األولى إنه جرجس خطيبها األول وكان‬
‫وجهه ممسوح املعالم ورائحته كريهة‪ ،‬كانت تعرف بأنه جرجس بالرغم‬
‫من معامله املمسوحة وكانت املياه تتساقط من مالبسة املبتلة‪.‬‬
‫حاولت الهروب وهي تصرخ وهي تقول‪:‬‬
‫‪ -‬سامحني يا جرجس وال تؤذني‪.‬‬
‫ولكنه لم يرد عليها بل أخذ يقترب ببطء‪.‬‬

‫‪89‬‬
‫وهنا أسرعت تجري فوجدت الشمعة الثانية وكان يحملها كرولس‬
‫وكانت الدماء تغرق وجهه ومالبسه فصرخت برعب‪:‬‬
‫‪ -‬سامحني يا كرولس وال تؤذني‪.‬‬
‫حاولت الفرار فوجدت الشمعة الثالثة تقترب منها وهنا شاهدت‬
‫صموئيل وهو غارق في دمائه فمالبسه ممزقة وتخرج الدماء من أماكن‬
‫كثيرة من جسده‪.‬‬
‫صرخت وظلت تصرخ‪:‬‬
‫‪ -‬سامحني يا صموئيل لم أكن أعرف بأنكم ستدفعون ثمن أخطائي‪.‬‬
‫ولكنه لم يتوقف بل أخذ يقترب وتتساقط الدماء من حوله‪.‬‬
‫حاولت الفرار ولكنها لم تستطع فسقطت على األرض‪.‬‬
‫وهنا تقدم منها حامل الشمعة الرابعة وكان بذراع واحدة ووجه مشوه‬
‫مأكول نصفه كان يتقدم في خطى ثابتة وهو يحمل الشمعة بيد واحدة‬
‫ويتساقط أملا من جراحه‪.‬‬
‫فصرخت صرخة‪:‬‬
‫‪ -‬سامحني يا إبراهيم سامحني‪.‬‬
‫ولكنهم أخذوا يقتربون ببطء وهم يحملون الشموع املشتعلة‪ ،‬وهنا‬
‫غطت هي وجهها وأخذت تصرخ بهستريا‪:‬‬
‫‪ -‬لم تكن الغلطة غلطتي‪ .‬سامحوني‪.‬‬
‫✦✦✦‬

‫‪90‬‬
‫‪ -‬أيرين يا أيرين‪ .‬ماذا حدث وملاذا تصرخين؟‬
‫وهنا نظرت أيرين حولها بفزع فوجدت نفسها بغرفتها وعلى فراشها‬
‫وأمها تكلمها بتوتر ‪.‬‬
‫وهنا نظرت بفزع إلى أمها وهزت رأسها بعنف فلقد قطعت حبل‬
‫ذكرياتها وقالت‪:‬‬
‫‪ -‬نعم يا أمي ماذا تريدين مني؟‬
‫‪ -‬لقد وصلتك هذه الرسالة اليوم ونسيت سرينا أن تخبرك؟‬
‫‪ -‬رسالة لي أنا؟ ممن يا ترى؟ لعل بها خبرا يسعدني ويغير حياتي لعلها‬
‫موافقة الدير على قبولي كراهبة من يدري؟‬

‫✦✦✦‬

‫‪91‬‬
‫الرسالة الثالثة‬
‫عزيزتي‪ :‬أيرين‬
‫عند قراءتك هلذه الرسالة‪ .‬ثقي بأني مل أعد موجودة يف هذا العامل‬
‫البغيض‪ ،‬عامل األحياء بل رحلت إىل مكان أفضل أو عامل آخر إن‬
‫صح التعبري‪ ،‬وهو عامل األموات كما تقولون‪.‬‬
‫ال تتعجيب يا أيرين‪ .‬فهي مشيئة الرب‪ ،‬ففي اللحظة اليت تصلك‬
‫فيها رساليت فأنا ميتة وأرقد يف ظلمات القرب ومل يعد لي وجود يف‬
‫عاملكم أبدًا‪.‬‬
‫إني أشعر باالبتسامة وعالمات االرتياح ترتسم على وجهك‬
‫اآلن‪.‬‬
‫هل تعتقدين بأنين سأتركك تعيشني حياة طبيعية؟‬
‫تتزوجني ورمبا تنجبني أطفالًا وتصبحني أما‪.‬‬
‫ال تتفاءلي كثريًا عزيزتي وتعتقدي أنها النهاية‪ .‬إن موتي ال يعنى‬
‫إال البداية‪ .‬ستظل روحي تطاردك يف يقظتك‪ ،‬وستزورك أيضًا يف‬
‫أحالمك إىل أن تنتقم وتعيد لي حقي‪ .‬وإن مل تستطع روحي االنتقام‬
‫سأخرج لكي أنا من قربي يا أيرين‪ .‬كالزوميب ألنتقم منك‪ ،‬ولن‬
‫مينعين أحد على وجه األرض من إمتام انتقامي‪.‬‬
‫فلن أدعك يا صديقيت السابقة تعيشني بسالم أبدًا‪ .‬إال بشرط‬
‫واحد‪.‬و هو أن تنفذي ما أريد‪ .‬و بعدها سأتركك تعيشني بسالم‬
‫وأبتعد عنك‪ .‬و أرحل لألبد‪ .‬وطليب هو أال تتزوجي أبدًا يا أيرين‪.‬‬
‫تعيشني هكذا طو ال حياتك بدون زواج كالراهبات‪.‬‬
‫‪92‬‬
‫فأنت جعلتين أموت بدون أن أتزوج عزيزتي فلتعيشي أنت‬
‫األخرى هكذا بدون زواج مثلى إىل أن متوتي وتتعفن جثتك وإن مل‬
‫تنفذي أمري و فكرتِ بالزواج فسيحل بكِ انتقامي وستجعلك‬
‫روحي تندمني و سأجعلك تتمنني املوت كل يوم‪ .‬وسأخرج لكي‬
‫من قربي ألنتقم‪.‬‬
‫فمصري كل من يتقدم للزواج منك هو املوت‪ .‬و ال تلومي إال‬
‫نفسك يا صديقيت السابقة‪.‬‬
‫و اآلن هل تتذكرين ما فعلته معي أنت واألخريات؟‬
‫ملاذا فعلت ذلك معي؟ فقد كنت صديقيت املقربة‪.‬‬
‫رمبا جعلتك السنني واأليام تنسني ما حدث؟ لذا سأتركك‬
‫جتلسني مع نفسك قليلًا وتغمضي عينيك وتعودي إىل ذلك اليوم‪،‬‬
‫وتتذكرين تلك الليلة‪.‬‬
‫و لتنتظرن انتقامي فإنه قريب‪ ،‬ولن أترككن تعشن بسالم أبدًا‪ .‬و‬
‫لن أرحل بهدوء سأجعلكن تتأملن مجيعًا حتى تتمنني املوت كل يوم‬
‫إال أن تنفذن ما أريد‪.‬‬
‫مع حتياتي من اجلحيم‬
‫املخلصة‪ :‬سارة‬
‫‪2015\8\3‬‬

‫✦✦✦‬

‫‪93‬‬
‫الفصل الرابع‬

‫الرسالة الرابعة‬

‫‪ -‬هل ستعود سارة يا أمي ً‬


‫يوما‪.‬‬
‫‪ -‬نعم يا ولدي ال تقلق فأنت تعرف سا ة ً‬
‫جيدا وكيف لها أن تنساك يا‬ ‫ر‬
‫ساهر وأنت صديق طفولتها ورفيق دربها لسنوات طويلة؟‬
‫‪ -‬ولكنها تأخرت هذه املرة يا أمي ولقد تعبت من االنتظار‪.‬‬
‫‪ -‬اصبر يا ولدي فالصبر مفتاح الفرج ً‬
‫دائما‬
‫‪ -‬إلى متى يا أمي سأصبر فلقد سئمت االنتظار‪ ،‬فهي ترفض أن تقابلني‬
‫كلما ذهبت إلى منزلها رفضت مقابلتي واعتذر لي والدها مد ً‬
‫عيا بأنها‬
‫مريضة‪.‬‬
‫حقا يا ساهر فليس ما تعرضت له يا ولدي‬ ‫‪ -‬بما كانت مريضة ً‬
‫ر‬
‫بالش يء الهين‪.‬‬
‫‪ -‬ولكن ما ذنبي أنا يا أمي فيما حدث؟ لقد خدعني األوغاد‪.‬‬

‫‪94‬‬
‫‪ -‬ال ذنب لك يا ولدي فيما حدث ولكنه القدر وهو الكفيل بتغير كل‬
‫ش يء‪ .‬اصبر يا ولدي وال تتعجل األمور‪ ،‬فربما اتصلت بك قريبا من‬
‫يدري‪.‬‬
‫‪ -‬سأنتظر يا أمي سأنتظر اتصالها‪ .‬ولكني لن أتحمل هجرها أكثر من‬
‫ذلك‬
‫✦✦✦‬

‫وهنا انتشرت رائحة عطر الياسمين املميزة لتمأل الغرفة‪.‬‬


‫وهنا ابتسم ساهر وهو ينظر إلى أمه بتعجب فهل تضع أمه عطر‬
‫الياسمين املنعش في هذا الوقت من يدري؟‬
‫وهنا جعلته رائحة العطر يتذكرها ثم يهمس بهيام‪ " :‬أعلم بأنك سوف‬
‫تعودين ً‬
‫يوما يا سارة‪".‬‬
‫وهنا عاد بذاكرته إلى ثالث سنوات مضت‪.‬‬
‫إلى ذلك اليوم هناك‪.‬‬
‫✦✦✦‬

‫‪ -‬سارة ملاذا تتهربين مني؟‬


‫‪ -‬وملاذا أتهرب منك يا ساهر فأنت صديق طفولتي؟‬

‫‪95‬‬
‫‪ -‬ولكني أشعر بأنك تغيرت ً‬
‫كثيرا‪.‬‬
‫‪ -‬ملاذا تقول هذا فأنا كما كنت ولكني مشغولة هذه األيام‪.‬‬
‫‪ -‬في أي ش يء؟‬
‫فقالت بتوتر‪:‬‬
‫‪ -‬ساهر لقد تم تحديد موعد خطبتي‪.‬‬
‫‪ -‬ماذا تقولين؟‬
‫‪ -‬ما سمعت يا ساهر لقد تم تحديد موعد خطبتي يوم الجمعة القادم‬
‫سأنتظرك‪.‬‬
‫‪ -‬هل تمزحين يا سارة‪.‬‬
‫‪ -‬ال يا ساهر ال أمزح‪.‬‬
‫‪ -‬وأنا ؟‬
‫‪ -‬أنت أخي وصديقي يا ساهر‪.‬‬
‫‪ -‬ولكنك لست أختي يا سارة‪.‬‬
‫ً‬
‫غاضبا‪ .‬كيف لها أن تفعل به ذلك وتكون لغيره َ؟‬ ‫وبعدها تركها ورحل‬

‫✦✦✦‬

‫‪96‬‬
‫‪ -‬ماذا تقولين يا مريم؟‬
‫‪ -‬ما سمعت يا ساهر‪ ،‬نريد أن نجعل سارة تتخلص من خوفها من‬
‫الظالم و تنس ى الرجل الذي يطاردها‬
‫‪ -‬وماذا ستفعلون؟‬
‫‪ -‬هل ستساعدنا؟‬
‫‪ -‬وماذا تريدون مني؟‬
‫‪ -‬سنقوم بعمل مقلب صغير ونريدك معنا؟‬
‫‪ -‬وملاذا أساعدكم يا مريم؟‬
‫ً‬
‫جميعا نعلم بحبك لسارة أيها الغبي ونريدك أنت أن تتزوجها‪.‬‬ ‫‪ -‬ألننا‬
‫‪ -‬وماذا عن خطيبها عمر ؟‬
‫‪ -‬ماذا عنه‪ ،‬لم تعد سارة تحبه فهي ال تحب سواك‪.‬‬
‫‪ -‬هل تتكلمين صدقا يا مريم؟‬
‫‪ -‬نعم وملاذا سأكذب عليك أال ترى نظراتها املستمرة إليك‪.‬‬
‫‪ -‬ولكن إن كانت كما تقولين ملاذا خطبت لغيري؟‬
‫يوما بحبك‬‫‪ -‬ألنك غبي ولم تخبرها ً‬

‫‪ -‬عندك حق يا مريم سأساعدكم‬


‫✦✦✦‬

‫‪97‬‬
‫الرسالة الرابعة‬
‫صديقي العزيز‪ :‬ساهر‬

‫لقد اشتقت إليك كثريًا يا ساهر‪ .‬كنت أمتنى رؤيتك قبل الرحيل‪،‬‬
‫ولكن األوان قد فات اآلن‪ .‬عند قراءتك لرساليت فلتعلم بأنين ميتة‬
‫منذ ساعات‪ .‬و مت دفين ودخولي إىل ذلك املكان املظلم القرب‬
‫وانتقالي إىل عامل األموات يا ساهر‪.‬‬

‫أرجوك ال تبك يا صغريي‪ ،‬فأنا لن أحتمل تلك الدموع يف عينيك‬


‫ولن أنساك أبدًا أو أنسى انتقامي منهن مجيعًا‪.‬‬
‫لن أتركهن أبدًا ثق بي يا ساهر‪ ،‬وال ختف فسأعيد إليك حقك‬
‫قبل حقي‪ ،‬ال تندهش كثريًا من كالمي‪ ،‬فأنت تعلم بأنين صادقة و‬
‫أستطيع تنفيذ ما أقول وتعرف أيضًا خاليت نورا وقدراتها اخلارقة‪.‬‬

‫فهي إ حدى بكورز الفودو يف جزر اهلاييت ال تتعجب فخاليت‬


‫كبرية سحرة يف ديانة الفودو وهي بارعة يف السحر األسود لقد‬
‫تعلمته على يد زوجها العم سبسيان‪ ،‬لقد سلمها السلطة وانتقلت‬
‫للعيش بالكارييب هل تتذكره لقد رأيته من قبل‪.‬‬
‫فهو كبري سحرة الفودو ومن بكورز الفودو كبري املشعوذين‬
‫وتستخدمهم احلكومة لرتبية وتأديب بعض املعارضني هلا حيث‬
‫حيولونهم إىل زوميب خلدمة احلكومة‪.‬‬
‫‪98‬‬
‫لقد طلبت منها هي وزوجها أن تساعدني ألنتقم ممن ظلمين و‬
‫رجوتها كثريًا إىل أن وافقت وأتت مصر‪ ،‬لقد كنت أعلم بأن نهاييت‬
‫اقرتبت فطلبت منها أن تساعدني على العودة مرة أخرى من عامل‬
‫األموات وحتولين لزوميب وترك قربي ألنتقم من اجلميع‪ ،‬وطلبت‬
‫منها أن ترسل إليك هذه الرسالة والرسائل األخرى عندما حتني‬
‫ساعيت وأرقد يف فراشي بال حراك‪.‬‬
‫ال أريدك أن تبكي يا عزيزي فليس هناك وقت لذلك اآلن‪ .‬أريد‬
‫منك أن تساعدها يا ساهر لتعيدني مرة أخرى من عامل األموات‬
‫ألنتقم‪.‬‬
‫نعم ألنتقم من اجلميع‪ ،‬فكل ما عليك فعله مكتوب أسفل‬
‫الورقة‪.‬‬

‫أرجو سرعة التنفيذ قبل أن تتحلل اجلثة فلن يكون مجيال أن‬
‫أخرج من قربي وعيوني مت حللة خترج منها الديدان السوداء‪ ،‬أو‬
‫بطين منتفخ ميلؤه الدود فيخرج من فمي وأنفي‪.‬‬
‫صدقين يا ساهر فلن يكون منظري مجيال أبدًا‪ ،‬رمبا سيكون مسليًا‬
‫ولكنه لن يعجبك‪.‬‬
‫إني أمسعك تسأل و ملاذا مل أنتقم قبل موتى؟ أال تعرف حقًا ما‬
‫حدث لي؟‬
‫‪99‬‬
‫لقد كنت مريضة ال أستطيع التحرك من شدة التعب‪ .‬لقد ماتت‬
‫روحي يومها يا ساهر ولكن جسدي ظل يعاني األمل واألوجاع‪.‬‬

‫كنت أمتنى أن أراك مرة واحدة قبل املوت‪ .‬أن أرى نظراتك‬
‫احلانية اليت اشتقت إليها كثريًا‪.‬‬
‫ولكنى مل أستطع أيضًا أن أرى نظرات الشفقة يف عينيك أبدًا‪ .‬و‬
‫مل أكن أريد أن يراني أحد يف تلك اهليئة املزرية‪ .‬أو يعرف ماذا حدث‬
‫لي؟‬
‫فقد اعتزلت الناس مجيعًا وابتعدت عنهم كلهم‪ .‬و مل أتعامل مع‬
‫أحد منذ فرتة طويلة إال مع خاليت نورا‪ .‬هي فقط من رآني‪ ،‬واقرتبت‬
‫مين يف نهاية مرضي‪.‬و قبل رحيلي عن عاملكم البشع الغادر ولقد‬
‫حاولت خاليت نورا كثريًا أن تداويين بالسحر األسود و لكنها فشلت‬
‫متامًا‪.‬‬

‫فلم تكن لي رغبة بالبقاء يف هذا العامل القاسي وما فعله معي‪،‬‬
‫البد من أن يدفع ا جلميع الثمن‪ .‬وسيكون الثمن غاليا‪ ،‬أغلى مما‬
‫يتصورن يا ساهر‪ ،‬صدقين سيدفعن أرواحهن مثنا ملا فعلن معي‪.‬‬

‫✦✦✦‬

‫‪100‬‬
‫الطلبات هي‪--------------- :‬‬
‫ملحوظة هامة‪:‬‬
‫أعرف بأن الطلبات صعبة ولن تحصل عليها بسهولة‪ .‬و لكني أعرف‬
‫بقدرتك الخارقة‪.‬‬
‫يجب أال يراك أحد وأنت تحضر هذه األشياء‪.‬‬
‫يجب أن تكون حذرا أكثر من الالزم‪ .‬فالبد أال يراك أو يشعر بك أحد‪.‬‬
‫فأنت تعرف قوانين اللعبة هل تتذكر حينما كنا نلعب ونحن صغار؟‬
‫أرجو اإلسراع في إحضار الطلبات قبل أن تتحلل الجثة وتمألها‬
‫الديدان‪ ،‬ثق بأنني لن أنساك ً‬
‫أبدا يا ساهر‪.‬‬
‫يوما عزيزي ال تقلق ً‬
‫أبدا‪.‬‬ ‫فا جو منك أال تنساني ً‬
‫أبدا‪ ،‬سأعود إليك ً‬ ‫ر‬
‫ً‬
‫سريعا‪ .‬فليس هناك وقت للمشاعر‬ ‫أسرع بتنفيذ وإحضار الطلبات‬
‫واألحزان فلكل ثانية ثمنها‪.‬‬

‫املخلصة إلى األبد‪:‬‬


‫سارة‬
‫‪2015\8\3‬‬
‫✦✦✦‬

‫‪101‬‬
‫الفصل الخامس‬

‫أصدقاء ولكن من الماضي‬

‫يوم‪2015\8\ 3 :‬‬
‫في إحدى املنازل بإحدى املدن الجديدة البعيدة نوعا ما عن العمران‪.‬‬
‫والتابعة ملحافظة القاهرة‪ ،‬كانت تجلس فتاتان تتحدثان بتوتر بصوت‬
‫منخفض‪ .‬وإحداهما تمسك بيدها ورقة تبدو كرسالة وردية اللون‬
‫وتلفتت الفتاة ً‬
‫يمينا ويسا ًرا وهي تنظر إلى صديقتها بذعر ثم قالت بتوتر‬
‫بصوت منخفض خوفا من أن يسمعها أحد‪:‬‬
‫جيدا وتأكدت بأنها صحيحة و ليست مجرد‬ ‫‪ -‬أيرين هل قرأت الرسالة ً‬
‫دعابة سخيفة من أحدهم وربما كانت منها هي ومن غيرها يحب‬
‫الدعابات السخيفة‪ .‬لتنتقم مما حدث ً‬
‫قديما‪.‬‬
‫وبعدها صمتت الفتاة وهي تنظر إلي عيون صديقتها بتوتر وتنتظر الرد‪.‬‬
‫فردت األخرى "أيرين"بتوتر وعيون دامعة قائلة‪:‬‬
‫‪ -‬صدقيني يا رهام لقد ذهبت بنفس ي إلى منزلها ألتأكد بأنها ليست‬
‫دعابة سخيفة منها‪ ،‬وتريد أن ترعبني و تنتقم ملا حدث قديما‪ ،‬كنت‬
‫أريد أن أخبرها الحقيقة وأطلب منها أن تسامحني وتتركني وشأني‬
‫‪102‬‬
‫فحياتي كلها دمرت فال تتخيلي ما عانيت في السنوات الثالث املاضية‬
‫وبأن كل من يتقدم لي يموت‪ .‬لقد كنت السبب في موت الكثيرين يا‬
‫رهام‪ ،‬ذهبت أرجوها لتسامحني وتغفر لي خطيئتي ولكني وجدت‬
‫صوان العزاء أمام بيتها فسألت إحدى الجارات و تأكدت بأنها هي‬
‫صباحا‪ ،‬و ال أدري كيف وصلت رسائلها إلينا ً‬
‫ظهرا‬ ‫ً‬ ‫لقد ماتت اليوم‬
‫بعد أن ماتت‪.‬‬
‫ً‬
‫ثم صمتت طويال وهي تنظر إلى عيون صديقتها برعب‪ ،‬وبعدها صرخت‬
‫عال كمن فقد عقله مكملة حديثها بانفعال‪:‬‬
‫أيرين بصوت ٍ‬
‫ً‬
‫جميعا‪.‬‬ ‫‪ -‬لقد ماتت يا رهام ماتت سارة وأقسمت على االنتقام منا‬
‫وبعدها أجهشت بالبكاء الشديد وأكملت من بين دموعها‪:‬‬
‫‪ -‬ماتت سارة وهى ال تعلم الحقيقة‪ .‬ماتت بحسرتها وهي ال تعلم بأن ما‬
‫حدث كان مجرد مزحة غبية وكذبة صغيرة‪ ،‬وكان الغرض منها املزاح‬
‫و الضحك وأن ما حدث لم يكن حقيقة ولكن املسكينة صدقت كل‬
‫ش يء وعاشت في الوهم إلى أن ماتت من الحسرة و القهر ودمرنا‬
‫حياتها وتركت خطيبها‪ .‬كنت أتمنى أن أخبرها الحقيقة وأقول لها‬
‫بأنكم أجبرتنني على فعلها‪.‬‬
‫وهنا صرخت "رهام "في وجهها مقاطعة لكالمها‪:‬‬
‫‪ -‬ماذا تقولين يا مجنونة‪ ،‬هل كنت ستخبرينها حقيقة ما حدث؟ هل‬
‫جننت يا أيرين؟‬

‫‪103‬‬
‫وهنا نظرت أيرين إلى صديقتها بحزن شديد ودهشة كبيرة قائلة من‬
‫بين دموعها و هي تصرخ في وجهها‪:‬‬
‫‪ -‬هل كل ما يهمك يا رهام هو أال تعرف حقيقة ما حدث‪ .‬وال يهم بأنها‬
‫ً‬
‫جميعا و تخلينا عنها‬ ‫ماتت وهى مقهورة تعتقد بأننا خدعناها‬
‫فنظ رت لها رهام بعيون متوترة كقطة مذعورة بعد أن سرقت‬
‫الطعام وأمسكها صاحب املتجر‪.‬‬
‫وكانت رهام فائقة الجمال ذات عيون زرقاء صافية كلون البحر‪،‬‬
‫تشعر بالراحة عند النظر إلي تلك العيون الصافية كالسماء وبشرة بيضاء‬
‫ً‬
‫كاللبن‪ ،‬ذات جسد ممتلئ وبطن كبير قليال لحملها في الشهر الرابع وشعر‬
‫أسود مجعد قصير وأنف طويل حاد و فم صغير رفيع يشعرك معه‬
‫بقسوة صاحبته‪.‬‬
‫وهنا رفعت رهام حاجها الرفيع كالخيط‪ ،‬وهي تنظر لها بغضب‬
‫وبدهشة وكأنها تراها ألول مرة ثم قالت بصوت ٍ‬
‫عال‪:‬‬
‫‪ -‬ماذا تقولين يا أيرين؟ هل نسيت ً‬
‫حقا ما فعلت تلك املريضة معي؟‬
‫لقد كانت تريد أن تخطف عمر مني‪ ،‬هل نسيت ً‬
‫حقا ما حدث؟ لقد‬
‫كنت أدافع عن حقي وعمن أحببت وحياتي التي كانت ستتدمر‬
‫بسبها‪ ،‬هل ارتكبت جريمة يا أيرين؟‬
‫ثم صرخت في وجه صديقتها أيرين قائلة بعنف‪:‬‬
‫‪ -‬هيا أخبريني ما الجريمة التي ارتكبتها في حقها‪ .‬لقد كنا نمزح معها‬
‫كما كانت تمزح هي معنا دائما؟‬
‫‪104‬‬
‫و هنا نظرت لها أيرين بحزن وهى تهز رأسها وتزفر بغضب قائلة‪:‬‬
‫‪ -‬من فضلك يا رهام ال تكرري كالمك السخيف هذا ثانية أمامي‪،‬‬
‫فكالنا يعرف حقيقة ما حدث وال داعي ألن نكذب أكثر من ذلك‬
‫فكلنا أخطأنا وكلنا سندفع الثمن وليغفر لنا الرب خطيئتنا يا‬
‫صديقتي‪.‬‬
‫ثم نظرت لها بحزن شديد وعيون دامعة ثم أكملت حديثها قائلة‪:‬‬
‫ً‬
‫جميعا بعد‬ ‫‪ -‬املهم اآلن أن نعرف هل تستطيع ً‬
‫حقا سارة االنتقام منا‬
‫موتها؟ أم أن كل هذا هراء ومجرد كالم فارغ لتخويفنا واالنتقام منا‬
‫فقط‪.‬‬
‫و هنا نظرت لها هام بعيون ائغة ال تدري بماذا تجيب‪ ،‬فهل ً‬
‫حقا‬ ‫ز‬ ‫ر‬
‫ً‬
‫تستطيع سارة االنتقام منهن بعد موتها؟ هي ال تعرف شيئا عن األموات‬
‫والعالم األخر‪.‬‬
‫و لكن رهام كانت خائفة مذعورة من الرسالة‪ .‬تفكر في كيفية االنتقام‬
‫ً‬
‫جميعا؟‬ ‫فكيف ستنتقم سارة منهن‬
‫حقا إن مات شخص روحه معذبة‪ ،‬فإن روحه تنتقم له و تعيد‬ ‫فهل ً‬
‫له حقه؟‬
‫نظرت بتوتر إلى صديقتها أيرين ولم ترد عليها بل صمتت وهي تتأملها و‬
‫تفكر فماذا تقول وبماذا تجيب؟‬

‫‪105‬‬
‫لم تكن أيرين بالفتاة الجميلة ولكنها تجذب انتباهك وتلفت نظرك‬
‫عند التحدث إليها برزانتها وعقلها الكبير‪.‬‬
‫كانت فتاة عادية مثلها مثل أي فتاة مصرية قمحية اللون ذات عيون‬
‫سوداء و تملك شعرا بنيا قصيرا وكانت ذات جسد نحيف كخلة األسنان‪.‬‬
‫كانت في نفس عمر رهام تقريبا في منتصف العقد الثاني من العمر‪.‬‬
‫كن صديقات منذ الطفولة‬ ‫و هو نفس عمر سارة ومريم صديقتيهما‪ ،‬فقد ّ‬
‫ولم يفرقهن ش يء في الحياة ً‬
‫أبدا‪ّ ،‬‬
‫كن معا منذ الروضة إلى الجامعة‪ ،‬ولقد‬
‫ارتدن نفس الجامعة‪ .‬وتخرجن معا من نفس الجامعة كلية اآلداب قسم‬
‫تاريخ‪.‬‬
‫و بالرغم من اختالف ديانة أيرين عنهن‪ .‬فلم تكن مسلمة مثلهن بل‬
‫كانت مسيحية ولكنها كانت صديقتهن منذ الصغر ولم يؤثر هذا على‬
‫إحداهن‪ .‬فكان يؤمن بأن الدين هلل والوطن للجميع‪.‬‬
‫لم يفرقهن ش يء إال ما حدث منذ ثالث أعوام مضت وما فعلن‬
‫بصديقتهن سارة‪.‬‬
‫لقد كانت مجرد دعابة‪ ،‬ولكنها كانت دعابة قاسية‪ .‬وانقلبت إلى جد‪.‬‬
‫أبدا فحدث ما حدث‪ .‬وبعدها تفرقن وقلت اتصاالتهن‬ ‫فلم تتحملها سا ة ً‬
‫ر‬
‫ببعض وربما انقطعت نهائيا‪ .‬و انشغلت كل منهن عن األخرى بحياتها‪ .‬و لم‬
‫يعدن كسابق عهدهن‪ ،‬وتزوجت رهام هي ومريم وانفصلن عنهن‪ .‬و لم‬
‫شيئا منذ مدة طويلة إال اليوم‪ ،‬فنظرت رهام بتوتر وهي‬ ‫تعرف عنهن ً‬
‫تتأمل صديقتها أيرين‪.‬‬

‫‪106‬‬
‫فهي لم ترها منذ فترة طويلة ولم تعتقد بأنها ستراها ثانية‪ .‬و لكنها‬
‫الرسالة املشئومة التي وصلتها صباحا من صديقتهن امليتة سارة هي ما‬
‫جمعتهن مرة أخرى‪.‬‬
‫كانت تمسك بطنها بخوف وهي تشعر بقلق على ما في رحمها‪.‬‬
‫فلقد أخبرتها سارة أن تضع امل ولد بعد والدته مباشرة على قبرها‪،‬‬
‫تتركه وترحل بكل بساطة وكأنه مجرد دمية ملت من اللعب معها‬
‫فسترميها بكل سهولة والمباالة‪ .‬وتتركها عند القبر وترحل‪.‬‬
‫هي ال تعرف كم عانت وقاست بالحياة من أجل هذا الطفل بعد أن‬
‫أجرت عملية الحقن املجهري‪ ،‬فهذا آخر أمل لها بالحياة لتكون أما‪.‬‬
‫و هنا صرخت برعب وهي تمسك بطنها بقوة وكأنها تحاول حماية ما في‬
‫رحمها قائلة‪:‬‬
‫أبدا وسأحميك من كل ش يء في هذا العالم‬ ‫‪ -‬ال لن يأخذك منى ش يء ً‬
‫حتى و إن كانت روح سارة أو عفريتها لن يأخذك مني أحد يا بني‪ .‬هل‬
‫جيدا فأنا لم أحصل عليك بسهولة ألتخلى عنك بهذه‬ ‫تسمعني ً‬
‫البساطة يا ولدي؟‬
‫و هنا نظرت لها أيرين بشفقة‪ ،‬فلقد كانت تشعر بمأساتها‪ .‬بعد أن‬
‫قرأت تهديد سارة لها في الرسالة ولم تتحدث أو تنطق بحرف‪ .‬و انتظرت‬
‫أن تبدأ رهام بالكالم ولكنها آثرت الصمت هي األخرى و لم تتحدث لفترة‬
‫إلى أن قطع صمتهم صوت جرس الباب الذي أخذ يرن بقوة فقامت‬
‫األخيرة مفزوعة لتفتح الباب وترى من الطارق‪.‬‬
‫‪107‬‬
‫فوجدتها صديقتهن الثالثة "مريم " التي كانت منهارة وعيونها حمراء‬
‫كلون الدم من كثرة البكاء وشعرها منكوش يغطي نصف وجهها و تمسك‬
‫بيدها ورقة تشبه الرسالة لونها وردي فقالت من بين دموعها‪:‬‬
‫‪ -‬لقد ماتت سارة اليوم يا رهام‬
‫وانفجرت بالبكاء والنحيب وهي تقول بانهيار شديد‪:‬‬
‫‪ -‬لقد ماتت سارة ولم تعلم الحقيقة بعد وأن ما حدث كان مزحة‬
‫ً‬
‫جميعا على ما حدث يا‬ ‫ً‬
‫ومقلبا‪ ،‬ماتت وروحها معذبة وستنتقم منا‬
‫هام‪ .‬لن تدع ً‬
‫أحدا يعيش‪.‬‬ ‫ر‬
‫ثم سقطت فاقدة الوعي من شدة االنفعال والتوتر عند قدمي‬
‫صديقتها‪ ،‬فصرخت األخيرة برعب وهي تنادي على صديقتها أيرين بالغرفة‬
‫األخرى لتساعدها على حمل مريم ومحاولة إفاقتها فهي لن تستطع حملها‬
‫بمفردها؟‬
‫وهنا سمعت الصرخة األخرى أليرين من الداخل‪ ،‬أبشع صرخة ممكن‬
‫أن تسمعها في حياتها‪ ،‬صرخة شخص يتعذب ويصرخ أملا‪.‬‬
‫و هنا مألت رائحة الياسمين املكان‪.‬‬
‫و شعرت رهام بالهواء البارد يكتم أنفاسها‪ .‬فلم تستطيع التنفس‪،‬‬
‫ونظرت برعب إلى باب الغرفة ثم صرخة قائلة برعب وانهيار‪:‬‬
‫‪ -‬ساررررررررررة‪ ،‬أرجوك سامحيني يا سااااااااااااارة واتركي لي طفلي‪.‬‬
‫✦✦✦‬
‫‪108‬‬
‫في منزل ساهر‬
‫و بداخل إحدى الحجرات املظلمة‪ .‬جلس شاب في منتصف الغرفة‬
‫على األرض يبكي وينتحب ويمسك بيده ورقة تشبه الرسالة و كان ينظر‬
‫لتلك الرسالة الوردية اللون بين يديه بذهول غير مصدق ملا يقرأ‪.‬‬
‫نحيفا متوسط الطول وجهه شاحب يملؤه النمش وشعره‬ ‫كان الشاب ً‬
‫قصير بني اللون‪.‬‬
‫ً‬
‫فصرخ الشاب بحزن قائال‪:‬‬
‫‪ -‬هل ً‬
‫حقا ماتت سارة؟ أم أنها مجرد دعابة منها‬
‫ثم صرخ‬
‫‪ -‬لكني ذهبت بنفس ي إلى بيتها اليوم وتأكدت من كل ش يء و بأنها ماتت‪.‬‬
‫ً‬
‫عال كاملجنون‪:‬‬
‫وصمت قليال وهو ينظر إلى صورتها‪ .‬وبعدها صرخ بصوت ٍ‬
‫‪ -‬ماتت سارة ولكن ملاذا لم تدعني أرها قبل أن ترحل؟ ملاذا لم تتركني‬
‫أودعها؟ ملاذا رحلت هكذا بدون أن تخبرني أي ش يء؟ ملاذا يا سارة‬
‫فعلت ذلك معي؟ ملاذا؟‬
‫كان يمسك الرسالة بيد وباليد األخرى صورتها‪ .‬و يحدث الصورة‬
‫بحزن وغضب وعدم تصديق فلم يكن يصدق ً‬
‫أبدا أن ترحل سارة هكذا‪.‬‬
‫كيف وقد كان ينتظرها وينتظر عودتها ً‬
‫يوما إليه؟‬
‫نظر إلى صورتها بحسرة وهو يبكي مكمال‪:‬‬

‫‪109‬‬
‫حقا إن نفذت ما طلبت منى ستعودين لي يا حبيبتي؟ هل‬ ‫‪ -‬هل ً‬
‫تستطيع الخالة نورا وزوجها إعادتك إلى الحياة مرة أخرى يا حبيبتي‬
‫بالفودو؟‬
‫كثيرا غير مصدق ما حدث‪ ،‬فلم يشعر بأي ش يء‬ ‫ظل ينظر إلى صورتها ً‬
‫من حوله و ال بباب الغرفة وهو يفتح ببطء ممن خلفه‪ .‬و ال بتلك‬
‫الخطوات البطيئة التي كانت تقترب منه ببطء شديد وحذر كبير‪ .‬و كأنها‬
‫ال تريد أن تقاطعه وال أن تجعله يشعر بوجودها أو بخطواتها من خلفه‪.‬‬
‫لقد كان منفعال ومثارا وال يستطيع رؤية أي ش يء من حوله‪ .‬فحواسه‬
‫كلها مثارة والحزن والكآبة وعدم التصديق تمأل نفسه‪ .‬فلم يشعر بش يء‬
‫من حوله وال بتلك الخطوات من خلفه‪ .‬وهى تقترب منه بإصرار عجيب‬
‫وحزن شديد‪ .‬و لكن الضوء الخافت الذي كان يجلس فيه جعله‪ .‬يرى ظل‬
‫يديها السوداء‪ ،‬وهي تحاول أن تمسك برأسه من الخلف‪ .‬و امتدت الذراع‬
‫أمامه طويلة تحاول أن تمسك برأسه بقوة‪.‬‬
‫وهنا مألت رائحة عطر الياسمين املميزة الغرفة‪.‬‬
‫فشهق ساهر برعب‪:‬‬
‫‪ -‬سااااااااااااااااارة‪.‬‬
‫و هنا التفت بقوة خلفه ليراها أمامه تقف و تبتسم بحزن فصرخ بفزع‬
‫ً‬
‫مرددا اسمها من جديد و رائحة عطرها املميز تمأل املكان من حوله‬
‫✦✦✦‬

‫‪110‬‬
‫في منزل رهام‬
‫كانت رهام تشعر بالرعب والتوتر وكاد قلبها أن يتوقف من شدة‬
‫انفعالها وهي تشعر بالبرودة تسري في أوصالها ورائحة الياسمين املميز‬
‫تمأل الغرفة‪.‬‬
‫فقالت بصوت مهزوز بالكاد يخرج من بين شفتيها تنادي على صديقتها‬
‫أيرين بالغرفة األخرى لتساعدها في إسعاف صديقتهم مريم التي سقطت‬
‫فاقدة الوعي أمام باب الشقة‪.‬‬
‫و في تلك اللحظة سمعت صرخة أيرين العالية من الداخل و تسمرت‬
‫قدماها باألرض‪ .‬وهنا وقفت حائرة‪.‬‬
‫ال تدري ماذا تفعل؟ وال كيف تتصرف؟‬
‫لقد كانت خائفة متوترة ورائحة الياسمين تشعرها بالغثيان‪ .‬فذلك‬
‫العطر هو عطرها املفضل‪ .‬نعم عطر صديقتها سارة‪ .‬و تلك الرائحة املميزة‬
‫هي رائحتها التي طاملا كرهتها‪.‬‬
‫فوقفت ترتعد خوفا كالورقة وسط عاصفة هوجاء ال تدري كيف‬
‫تتصرف؟ و ال تعلم ماذا تفعل؟ فهي ال تستطيع حمل صديقتها مريم‬
‫بمفردها فهي حامل‪ ،‬و تخاف على جنينها الذي حصلت عليه بعد عذاب‪.‬‬
‫فهي مازالت في بداية الشهر الرابع من الحمل ومريم ذات جسد بدين‪.‬‬
‫فوقفت مضطربة خائفة تشعر بالرعب والتوتر من كل ما يحدث‬
‫حولها‪ .‬فخافت أن تذهب لترى ماذا حدث لصديقتها أيرين بالداخل‪.‬‬

‫‪111‬‬
‫فوقفت حائرة وتنظر برعب للغرفة ال تستطيع الدخول أو التقدم‬
‫خطوة واحدة‪.‬‬
‫و هنا أخذت تنادي على صديقتها مرة أخرى قائلة بتوتر‪:‬‬
‫‪ -‬أيرين ماذا حدث ملاذا تصرخين؟ أرجوك أخبريني ماذا حدث هناك يا‬
‫أيرين؟‬
‫فلم تتلق أي إجابة من صديقتها‪.‬‬
‫فكررت رهام سؤالها بصوت مهزوز يملؤه الرعب والتوتر بالكاد يخرج‬
‫من بين شفتيها‪:‬‬
‫‪ -‬أرجوك ردي علي يا أيرين أخبريني ماذا حدث معك؟‬
‫ً‬
‫مفتوحا‬ ‫فلم تشعر به وهو يدخل إلى داخل الشقة‪ .‬فالباب كان‬
‫وصديقتها مريم ملقاة على األرض ال تستطيع حملها وتقف هي أمام باب‬
‫الغرفة األخرى مرعوبة تنادي على صديقتها األخرى بالداخل تستحثها أن‬
‫ترد عليها‪ ،‬فلم تستطيع التقدم خطوة واحدة إلى داخل الغرفة‪.‬‬
‫ً‬
‫عال‪:‬‬
‫فنظر هو بغضب لكل هذه الفوض ى من حوله قائال بصوت ٍ‬
‫‪ -‬ماذا حدث يا رهام؟ وما الذي يحدث هنا بالضبط؟‬
‫فصرخت مفزوعة عندما سمعت صوته وكاد يغش ى عليها ر ً‬
‫عبا‪ .‬ثم‬
‫التفتت له بقوة وردت بارتياح على زوجها‪:‬‬
‫‪ -‬عمر الحمد هلل أنك عدت إلى املنزل في الوقت املناسب‪.‬‬

‫‪112‬‬
‫ثم أسرعت وألقت نفسها بين ذراعيه وهي تبكي وتنتحب بقوة‪ .‬فنظر‬
‫إليها زوجها بقلق ثم وضع يديه على رأسها يحاول تهدئتها‪ .‬ثم قال منفعال‪:‬‬
‫‪ -‬ماذا حدث يا رهام وملاذا تبكين يا حبيبتي؟‬
‫ً‬
‫و نظر إلى مريم على األرض ثم أكمل قائال‪:‬‬
‫‪ -‬وماذا حدث لصديقتك؟‬
‫و هنا رفعت رهام رأسها عن كتف زوجها ونظرت إلى عيونه البنية و‬
‫لم تتكلم فلم تستطع أن تخبره بأي ش يء وعما حدث وعن الرسائل و عن‬
‫عفريت سارة خطيبته السابقة‪.‬‬
‫فردت عليه بتوتر قائلة وهي تبعد عينيها عنه خشية النظر إلى عيونه و‬
‫تقترب من صديقتها مريم امللقاة على األرض‪:‬‬
‫‪ -‬ال أدرى يا عمر صدقني؟ ما حدث أن جرس الباب رن فذهبت لكي‬
‫أفتحه ألجد مريم تقف مرعوبة ولم تقل أي ش يء ثم سقطت فاقدة‬
‫الوعي أمامي و لم أستطع حملها أو إفاقتها وهنا سمعت صرخة أيرين‬
‫صديقتي األخرى من الداخل وكنت أحاول االطمئنان عليها‪ ،‬فدخلت‬
‫أنت في الوقت املناسب‪.‬‬
‫وهنا حاولت رهام إسعاف صديقتها و محاولة إفاقتها بمساعدة زوجها‬
‫وفي تلك اللحظة خرجت أيرين من خلفهم من الغرفة وهي منكوشة الشعر‬
‫ممزقة الثياب وكانت تبكي بقهر‪.‬‬

‫‪113‬‬
‫و نظرت لهم برعب بعيون زائغة‪ ،‬ثم ألقت نظرة سريعة على مريم التي‬
‫بدأت تستعيد وعيها وتحاول القيام من على األرض ثم أسرعت تغادر‬
‫الشقة‪.‬‬
‫و هنا نظرت لها رهام برعب ثم صرخت بتوتر قائلة‪:‬‬
‫‪ -‬ماذا حدث يا أيرين ملاذا مالبسك ممزقة وملاذا تبكي؟ من فعل بكي‬
‫هذا؟‬
‫حاولت رهام أن تعرف منها ماذا حدث وملاذا مالبسها ممزقة؟ و هل‬
‫عفريت سارة هو من فعل ذلك؟‬
‫و لكنها خرجت مسرعة ولم تلتفت خلفها ً‬
‫أبدا و كأن شياطين الجحيم‬
‫تطاردها في الداخل‪ ،‬و لم ترو ظمأ رهام بالرد عليها‪ ،‬فسقطت على أقرب‬
‫كرس ي منهارة‪ .‬وهي تستعيد صورة صديقتها أيرين في عقلها وتهمس لنفسها‬
‫برعب‪:‬‬
‫هل هي روح سارة وعفريتها هو من فعل ذلك؟‬
‫ً‬
‫و نظر الزوج بتعجب إلى زوجته‪ .‬و صرخ في وجهها قائال‪:‬‬
‫‪ -‬ماذا يحدث في بيتي يا رهام بالضبط أرجوك أن تخبريني الحقيقة‬
‫اآلن‪.‬‬
‫فردت الزوجة برعب‪:‬‬
‫‪ -‬ال أدرى ماذا حدث يا عمر صدقني‪.‬‬
‫وانفجرت بالبكاء الهستيري و النحيب بعنف‪.‬‬
‫‪114‬‬
‫ً‬
‫متعجبا إلى زوجته ال يدري ماذا يقول لها‪.‬‬ ‫ونظر الزوج‬
‫وفي تلك اللحظة كانت مريم قد استفاقت من ثواني و رأت ما حدث‬
‫وشاهدت أيرين وهي تخرج من الغرفة ممزقة الثياب‪.‬‬
‫و هنا صرخت مريم برعب ونظرت لهم بعيون زائغة مرعوبة ثم قالت‪:‬‬
‫ً‬
‫جميعا يا رهام‪.‬‬ ‫‪ -‬إنها سارة لقد عادت لتنتقم منا‬
‫ثم أسرعت تغادر الشقة وهي تنظر إلى صديقتها برعب وعيون خائفة‬
‫مذعورة وتشعر بالبرودة تسري في أوصالها و رائحة عطر الياسمين تمأل‬
‫أنفها وتكتم أنفاسها‪.‬‬
‫شيئا ومن هي سارة؟ ومن أين عادت‬‫و هنا وقف عمر مذهوال ال يفهم ً‬
‫وملاذا ستنتقم؟ واألهم من كل ذلك ماذا يحدث في شقته بالضبط؟‬
‫وهل هي سارة خطيبته السابقة؟ أم أنها أخرى وتدعى سارة؟‬
‫كان الغضب يمأل نفسه والفضول يقتله ملعرفة الحقيقة وماذا حدث‬
‫في شقته؟‬

‫✦✦✦‬

‫‪115‬‬
‫الفصل السادس‬

‫طلبات محرمة‬

‫في تلك الحجرة املظلمة إال من شمعة صغيرة‪ .‬التفت ساهر برعب‬
‫عندما رأى ظلها األسود خلفه يقترب ببطيء وحذر وهي تحاول أن تضع‬
‫يدها على رأسه‪.‬‬
‫ً‬
‫مناديا باسمها وهو يلتفت للخلف‬ ‫فصرخ بلهفة ممتزجة ببعض القلق‬
‫ً‬
‫قائال‪:‬‬
‫‪ -‬سارة‪.‬‬
‫و هنا زفر بقوة وتنهد بألم عندما خاب ظنه فوجدها أمه هي من تقف‬
‫عند رأسه‪ .‬تبتسم بحزن وتنظر له متعجبة من حاله‪.‬‬
‫فقالت األم بحزن متسائلة‪:‬‬
‫‪ -‬ماذا حدث يا ساهر وملاذا تبكى يا بني‪ .‬وتحبس نفسك بالغرفة منذ‬
‫الصباح‪ ،‬لقد قلقت عليك ً‬
‫كثيرا يا ولدي‪.‬‬
‫فنظر ساهر إلى أمه بحزن شديد وعيون حمراء دامعة غير مصدق بأن‬
‫تكون هي أمه‪ ،‬الحاجة عفاف ذات الجسد البدين و القدمين املنتفختين‬
‫من كثرة األمراض واليد التي تفوح منها رائحة البصل و الثوم من أثر‬
‫‪116‬‬
‫إعداد الطعام‪ .‬لقد اعتقد أنها هي حبيبته سارة التي لم يعرف قلبه‬
‫حبيبية غيرها في هذا العالم‪ .‬والتي هجرته منذ فترة طويلة‪ ،‬و لم يعرف‬
‫شيئا إال اليوم فلقد جاءه خبرها كما يقولون وعرف بأنها ماتت‬ ‫عنها ً‬
‫اليوم وهو الذي كان يتمنى ً‬
‫يوما لقاءها‪.‬‬
‫فقال لنفسه هامسا وهو مازال ينظر إلى عيون أمه الحزينة على حالة‪.‬‬
‫ً‬
‫و تحاول معرفة سبب حزن ابنها الوحيد فهمس قائال‪:‬‬
‫"لكن مهال كيف تكون هذه أمي وليست هي لقد كان نفس ظلها نعم‬
‫ظل سا ة فأنا لن أنس ى مالمحها ً‬
‫أبدا مهما طال الزمن و بعدت املسافة‬ ‫ر‬
‫ً‬
‫بيننا وإن نسيت صورتها فلن أنس ى رائحة عطرها املفضل أبدا"‬
‫فنظر ألمه برعب و نظرت إليه أمه بقلق قائلة بمرارة وهي تحتضن‬
‫رأسه بقوة‪:‬‬
‫‪ -‬ما بك يا ساهر وماذا حدث يا ولدي أرجوك أخبرني ليطمئن قلبي‬
‫عليك يا ولدي‪ .‬فأنا لن أتحمل كل هذا الحزن في عينيك ً‬
‫أبدا‪.‬‬
‫ً‬
‫و هنا نظر إليها طويال بفزع ولم يرد عليها ساهر‪ .‬بل أخذ يبكي بقهر‬
‫على فقدان حبيبته سارة غير مصدق‪.‬‬
‫وهنا نظرت األم بعدم ارتياح إلي ابنها بعد أن فهمت كل ش يء ثم قالت‬
‫بقلق‪:‬‬
‫‪ -‬هل هناك أخبار عنها يا ساهر؟‬
‫فنظر لها بحسرة وهو يعلم ً‬
‫جيدا بأنها تقصد سارة فمن غيرها‪.‬‬

‫‪117‬‬
‫ً‬
‫و أجاب بحسرة قائال من بين دموعه‪:‬‬
‫‪ -‬لقد ماتت يا أمي اليوم‪.‬‬
‫ً‬
‫وكرر كالمه بحزن وحرقة قائال بلوعة‪:‬‬
‫‪ -‬ماتت سارة اليوم ولم تعرف الحقيقة ً‬
‫يوما‪ ،‬يا أمي هل تصدقين؟‬
‫فنظرت له األم بحزن والدموع تمأل عينيها قائلة من بين دموعها غير‬
‫مصدقة‪:‬‬
‫‪ -‬ماتت سارة‪ ،‬كيف يا ولدي ماتت ومتى؟‬
‫فنظر إليها بحزن وهو يبكي بحرقة‪:‬‬
‫‪ -‬ال يهم يا أمي كيف أو متى ماتت سارة املهم النهاية وأنها رحلت عن‬
‫عاملنا لألبد ماتت سارة ولن أراها ثانية‪ ،‬لن أخبرها حقيقة مشاعري‪.‬‬
‫وأجهش بالبكاء الحار والنحيب كاألطفال‪ ،‬فضمته أمه إلى صدرها‬
‫وهي تحاول تهدئته قائلة بحنان ممتزج بالحزن‪:‬‬
‫ً‬
‫جميعا املوت‬ ‫ً‬
‫جميعا فمصيرنا‬ ‫‪ -‬البقاء هلل يا ولدي هذه هي نهايتنا‬
‫فهذه سنة الحياة وقضاء هللا وقدرة والبد من أن نرض ى و نحمد هللا‬
‫على كل ش يء فليس بيدينا ش يء نفعله لها اآلن سوى الدعاء لها‬
‫بالرحمة وألهلها بالصبر والسلوان‬
‫ً‬
‫فرد عليها قائال بحزن وقلبه يتمزق من شدة األلم‪:‬‬

‫‪118‬‬
‫‪ -‬و لكنها ماتت دون أن تعلم الحقيقة يا أمي وأن ما حدث كان مزحة‬
‫ً‬
‫ومقلبا‪.‬‬
‫ً‬
‫و صمت قليال ليلتقط أنفاسه ثم أكمل‪:‬‬
‫‪ -‬ماتت مقهورة فلم تعطني الفرصة ألشرح لها كل ش يء و أخبرها بأنها‬
‫لم تكن ا ملخطئة ولم تفعل أي ش يء لم تعطني الفرصة ألخبرها بأنني‬
‫أحبها ً‬
‫كثيرا ولن أستطيع الحياة بدونها يا أمي هل تفهمين ذلك‪.‬‬
‫فردت عليه األم بحسرة على تلك الفتاة البريئة التي كانت تحبها بشدة‬
‫قائلة‪:‬‬
‫‪ -‬ال يهم يا ولدي اآلن فلقد رحلت وهذا خير لها صدقني‪.‬‬
‫و نظرت إلى عيونه الدا معة ثم أكملت حديثها قائلة‪:‬‬
‫‪ -‬لقد ارتاحت اآلن يا ساهر صد قني ارتاحت من هذا العالم القاس ي‬
‫الذي ال يرحم ً‬
‫أبدا وذهبت ملكان أفضل يا ولدي من عاملنا بكثير‪.‬‬
‫فرد عليها ساهر بحيرة وعيون زائغة‪:‬‬
‫‪ -‬من قال لكي يا أمي بأنها ارتاحت اآلن؟ من قال لكي بأن روحها‬
‫ارتاحت بعد موتها؟ وهي لم تنتقم بعد‬
‫ثم نظر إلى أمه ً‬
‫كثيرا ثم تساءل بانفعال‪:‬‬
‫‪ -‬هل من املمكن أن تعود روحها بعد املوت يا أمي‪ .‬لتنتقم مرة أخرى‬
‫ممن ظلمها يا أمي؟‬

‫‪119‬‬
‫فردت عليه األم بحيرة‪:‬‬
‫‪ -‬ماذا تقول يا ولدي كيف ستعود روحها بعد أن فارقت جسدها؟‬
‫فهذا الكالم غير صحيح ً‬
‫أبدا‪ ،‬فهي لم تمت مقتولة أو معذبة‪ .‬لقد‬
‫ماتت في هدوء على فراشها‪.‬‬
‫ً‬
‫فرد عليها ساهر قائال‪:‬‬
‫‪ -‬و لكنها ستعود ً‬
‫يوما أنا أثق في ذلك ولقد أخبرتني بذلك‪.‬‬
‫ثم نظر إلى أمه بقوة وبعيون مفتوحة زائغة والزبد يتطاير من فمه‪.‬‬
‫و كرر مرددا بصوت جهوري عميق وكأنه يأتي من بئر سحيق‪:‬‬
‫‪ -‬ستعود سارة يا أمي ستعود ً‬
‫يوما بمساعدة بكورز الفودو لتنتقم من‬
‫الجميع صدقيني‬
‫و هنا نظر إلى أمه بقوة ثم ضحك بعنف وأكمل حديثه‪:‬‬
‫‪ -‬والبد من مساعدتها على العودة من جديد البد من تنفيذ طلباتها‬
‫قبل أن تتحلل الجثة ويخرج الدود من أنفها يا أمي‪.‬‬
‫ً‬
‫مسرعا تاركا أمه خلفه تشعر بغصة في حلقها و ألم‬ ‫وخرج من الغرفة‬
‫في معدتها من نظرة ابنها وعيونه املخيفة التي تتحرك باستمرار و كلماته‬
‫غير املفهومة ولم تنطق بحرف واحد‪ ،‬بل ظلت تنظر إلى باب الغرفة برعب‬
‫إلى أن اختفى ابنها من أمام عينيها فوقفت حائرة ال تدري ماذا تفعل؟‬
‫فتلك النظرة الحادة والعيون الزائغة والكلمات غير املفهومة‪ ،‬كل ذلك‬
‫ذكرها باملاض ي البعيد‪ .‬وما حدث منذ زمن‪.‬‬
‫‪120‬‬
‫و تلك األيام التي ال تتمنى عودتها ً‬
‫أبدا مرة أخرى‪.‬‬
‫فقالت بحسرة متأملة وهي تبكي‪:‬‬
‫‪ -‬أرجو أن يخيب ظني يا ربي وتكون بخير يا ولدي‪.‬‬
‫ثم أكملت بقهر من بين دموعها املنهمرة كالشالل‪:‬‬
‫‪ -‬البد من االتصال بالطبيب حسام و استشارته فحالته غير مطمئنة‬
‫ً‬
‫أبدا وأخش ى أن تعود تلك األيام‪.‬‬
‫و هنا تذكرت ما حدث منذ فترة ليست بالبعيدة وانفجرت في البكاء‬
‫الحار‪ .‬و هي تتمنى أن يخيب ظنها ويكون ابنها بخير‪.‬‬
‫و كل ما تراه مجرد أوهام وليس لها أي عالقة بما جال بخاطرها‪.‬‬
‫✦✦✦‬

‫خرج ساهر م ن املنزل وهو يبكي بقهر على فقدان حبيبته ورفيقة دربه‪.‬‬
‫سارة‪ .‬فهي الوحيدة التي كانت تفهمه وتشعر بوجوده في هذا العالم‪.‬‬
‫فكانت سارة صديقة طفولته منذ أن كان طفال ال يتجاوز عمره‬
‫العامين فلقد كانت جارته‪ ،‬تسكن عائلتها في الشقة املقابلة لهم بنفس‬
‫البناية‪ .‬و كانت والدتها صديقة مقربة ألمة ويتبادالن الزيارات بين الوقت‬
‫واآلخر‪ .‬و كانت سارة زميلته بالروضة ثم دخال معا نفس املدرسة‪.‬‬
‫و كان حبه لها يزيد ً‬
‫يوما بعد اآلخر ولكنه لم يستطع إخبارها بش يء‪.‬‬

‫‪121‬‬
‫فكانت هي صديقته وزميلته وأخته وكل ش يء ولم يكن له أي أصدقاء‬
‫أو زمالء في الحياة غيرها ولم يكن يرى أحدا في الكون غيرها أمامه إلى أن‬
‫ماتت أمها‪ .‬و هي في املرحلة الثانوية وانتقل األب للسكن ً‬
‫بعيدا عن شقته‪.‬‬
‫فلم يستطع العيش في املنزل وحيدا بعد رحيل زوجته‪.‬‬
‫و هنا انهار ساهر وهو يتذكر تلك الفترة الكئيبة في حياته‪ ،‬فترة رحيل‬
‫سارة من حياته وكيف لم يتحمل فراقها فأنهار وفقد الوعي‪ .‬ثم فقد‬
‫الذاكرة لفترة من الزمن فقد خاللها ذاكرته وحياته‪ .‬و ال يستطيع أن‬
‫يتذكر عن تلك الفترة أي ش يء‪ .‬عام كامل ال يتذكر منه أي ش يء إلى أن‬
‫استعاد ذاك رته فوجد نفسه في أحد املستشفيات‪ ،‬ومع الجلسات والعالج‬
‫املكثف استطاع ساهر إكمال حياته والتغلب على صدمته بفقد حبيبته‬
‫وصديقته الوحيدة‪.‬‬
‫ونجح في الثانوية العامة وقام بااللتحاق بالجامعة وكانت املفاجئة‬
‫تنتظره هناك‪ .‬لقد وجدها ثانية وبنفس الجامعة وبنفس القسم‪ ،‬ولكنها‬
‫تسبقه بعام‪ .‬نعم هي حبيبته سارة ومن غيرها يستطيع تغيير حياته‪.‬‬
‫و لكنها كانت مختلفة ولم تكن كما كانت دائما‪ ،‬فلم تكن هي سارة‬
‫أبدا لقد اختلفت ً‬
‫كثيرا وتغيرت‪ ،‬و كان هو‬ ‫حبيبته و صديقته السابقة ً‬
‫وحيدا بعالم غريب عليه ال يعرف عنه ً‬
‫شيئا ولم يستطع تكوين صداقات‬
‫جديدة بذلك العالم املفتوح‪.‬‬
‫فكانت سارة هي دليله بالجامعة‪ .‬و هي من تخبره وتعرفه بكل ش يء من‬
‫حوله‪ .‬و كان هو سعيدا بذلك‪ .‬فأخيرا وجدها ثانية ولم يالحظ أو ينتبه‬

‫‪122‬‬
‫ملعاملتها القاسية له‪ ،‬فلقد كانت تعامله كالعامل والخادم لديها ال‬
‫كصديق وفي وحبيب سعيد برؤية حبيبته بعد فترة اشتياق وطول انتظار‪.‬‬
‫فقد كانت ترسله لجميع مشاويرها ليشتري لها ما تريد أو تسخر منه‬
‫أمام صديقاتها وتقوم بعمل املقالب املضحكة ليسخرن منه ويضحكن‬
‫من قلوبهن‪ ،‬لقد عاملته سارة كخادم مطيع لديها ال يحق له رفض أي‬
‫مطلب لها‪ .‬ويجب عليه تنفيذ جميع طلباتها وكان هو يفعل كل ش يء بحب‬
‫إلى أن أكملت هي سنين جامعتها األربع وغادرت الجامعة و حدث ما حدث‪.‬‬
‫في تلك الليلة الشؤم هناك‪ .‬بعد أن خدعه األوغاد و هنا لم يستطع ساهر‬
‫أن يتذكر ما حدث في تلك الفترة‪.‬‬
‫ً‬
‫فصرخ بقوة وهو يردد كاملجنون قائال‪:‬‬
‫"سأنفذ مطالبك يا سارة حتى تعودي مرة أخرى فالبد أن أعترف لك‬
‫بكل ش يء و أخبرك بحبي وبعدها افعلي ما تشائين يا حبيبتي‪ .‬فأنا أستحق‬
‫العقاب و لكن ُه ّن السبب صدقيني يا حبيبتي هن السبب والبد أن‬
‫يدفعن الثمن ً‬
‫غاليا"‪.‬‬
‫ثم زفر بقوة وهو ينظر إلى الرسالة بين يديه‪ ،‬ليتأكد مرة أخرى من‬
‫الطلبات التي طلبتها سارة منه‪.‬‬
‫مسرعا ليحضر الطلب األول‪.‬‬‫ً‬ ‫ثم اتجه‬
‫و هنا ذهب ساهر في طريقة إلى املشرحة‪.‬‬
‫ليحضر بعض الطلبات املحرمة‪ .‬ومن أين سيحصل على طلبات‬
‫محرمة غير ثالجة حفظ املوتى‪ .‬فأنت غريب إن اعتقدت غير ذلك‪.‬‬
‫✦✦✦‬
‫‪123‬‬
‫و في منزل رهام وقف الزوج ينظر بدهشة وغضب إلى زوجته‪ ،‬و كانت‬
‫األخيرة تبكى أمامه بانهيار‪ .‬فقال عمر غاضبا وهو يحدق بعيون زوجته‪:‬‬
‫‪ -‬أريد أن أفهم ما يحدث هنا لو سمحت؟ و من هي سارة التي عادت‬
‫لتنتقم؟‬
‫وهنا نظرت رهام إلى زوجها‪ .‬ثم قالت بانهيار من بين دموعها‪:‬‬
‫‪ -‬ليس هذا الوقت مناسبا اآلن يا عمر‪ .‬أرجوك دعني أستريح‬
‫وسأخبرك بكل ش يء غدا وأمسكت ببطنها بألم‬
‫ثم أكملت حديثها قائلة‪:‬‬
‫‪ -‬فأنا أشعر بالتعب الشديد‪ ،‬وأريد أن أستريح اآلن من فضلك‪ .‬فال‬
‫تضغط علي أكثر من ذلك فأنا لن أحتمل‪.‬‬
‫وهنا قاطعها ثائرا وهو يقول صارخا‪:‬‬
‫‪ً -‬‬
‫غد ا هل تتخيلين بأنني سأنتظر إلى الغد ألعرف ما يحدث في منزلي؟‬
‫أريد أن أعرف كل ش يء اآلن وال أريد الكذب فأنت تعلمين بأنني أكره‬
‫الكذب والخداع‪.‬‬
‫فنظرت له زوجته برعب ثم غادرت الغرفة مسرعة وطلبت منه أن‬
‫يتركها و شأنها لتستريح‪ .‬فلقد كانت رأسها مشغولة وتريد أن تجلس‬
‫بمفردها‪ .‬لتفكر فيما حدث وتستوعب ما يحدث حولها و تفكر ماذا حدث‬
‫لصديقتها أيرين بداخل الغرفة و من الذي مزق مالبسها هكذا؟ هل هي‬
‫حقا روح سارة عادت لتنتقم؟ هل عفريت سارة هو من فعل ذلك؟‬‫ً‬

‫‪124‬‬
‫و هل مازال العفريت موجودا بالغرفة األخرى؟‬
‫و عندما جال هذا الخاطر في عقلها صرخت برعب وهى تتخيل روح‬
‫وعفريت سارة معها بنفس الشقة تحاول قتلها هي وابنها الذي لم ير نور‬
‫الحياة بعد وهنا سمع الزو ج صرختها واقترب منها محاوال تهدأتها و معرفة‬
‫سبب خوفها وف زعها ولكنها صرخت في وجهه ثائرة‪ ،‬و صممت على ترك‬
‫املنزل‪ .‬والذهاب ملنزل أسرتها بحلوان لقضاء بعض األيام حتى تستريح‬
‫أعصابها وتتحسن صحتها‪.‬‬
‫فلم يستطع الزوج الرفض أمام إصرارها الغريب و حالة الهلع الشديد‬
‫التي أصابتها خوفا على صحة الجنين الذي حصل عليه بعد طول انتظار‬
‫ً‬
‫و لكنه قال مهددا‪:‬‬
‫‪ -‬سأتركك تفعلين ما تشائين يا رهام وسأتركك تذهبين ملنزل أسرتك و‬
‫لكني لن أتنازل عن معرفة الحقيقة‪ ،‬مهما كانت هل تفهمين؟‬
‫فنظرت له بعيون مذعورة ولم تنطق بكلمة واحدة بل ظلت تنظر إليه‬
‫وتتأمل جسده الرياض ي املمشوق و وجهه الوسيم وعيونه البنية وشعرة‬
‫األسود الناعم‪.‬‬
‫ثم قالت تهمس لنفسها‪:‬‬
‫‪ -‬كل هذا بسببك أنت يا زوجي العزيز لو تعلم ما فعلته من أجلك‬
‫لكنت توجتني ملكة‪ ،‬تنحني كل يوم لتقبل قدميها‪.‬‬
‫✦✦✦‬

‫‪125‬‬
‫وقف ساهر منتظرا في ذلك الشارع الضيق كريه الرائحة خلف‬
‫ً‬
‫منتظرا أن تغلق أبواب املشرحة أو تقل الحركة‬ ‫مشرحة حفظ املوتى‬
‫ً‬
‫قليال ليستطيع هو التسلل دون أن يراه أحد ملحاولة إحضار بعض طلبات‬
‫ً‬ ‫سارة الخاصة و تنفيذ أوامرها ولكنه لسوء حظه كان ً‬
‫يوما حافال‪.‬‬
‫فلم تتوقف سيارات اإلسعاف عن إحضار املوتى والجثث الغارقة‬
‫بدمائها‪.‬‬
‫ً‬
‫هامسا‪:‬‬ ‫وهنا زفر بقوة ثم قال‬
‫" ماذا حدث؟ وملاذا ال يغلقون أبواب املشرحة ويذهبوا ليناموا و‬
‫يقولون عذرا لقد اكتفينا اليوم؟"‬
‫ثم زفر بقوة وأكمل حديثة صارخا بغضب‪:‬‬
‫‪ -‬إني أنتظر من فترة طويلة في هذا املكان الضيق كريه الرائحة‪.‬‬
‫ً‬ ‫وهنا وفي تلك اللحظة قذف بقدميه حج ًرا ً‬
‫كبيرا بعنف وغضب قائال‪:‬‬
‫ً‬
‫سريعا‪ .‬فسارة لن‬ ‫"أال يخجلون من أنفسهم وينهون هذه املهزلة‬
‫كثيرا‪ .‬أال يفهمون ذلك؟ و أين سيضعون كل تلك الجثث‪ .‬هل‬ ‫تنتظرهم ً‬
‫سيأكلونها‪ .‬أم سيبيعونها بالكيلو؟"‬
‫ثم وقف منتظرا بملل ينظر إلى تلك السيارات التي تنقل الجثث‬
‫واألشالء إلى داخل املشرحة العشرات من الجثث‪.‬‬
‫ال يدري من أين تأتي تلك السيارات محملة بكل هؤالء املوتى والجثث‬
‫املمزقة؟‬

‫‪126‬‬
‫ً‬
‫متعجبا‪:‬‬ ‫و تساءل بينه وبين نفسه‬
‫"هل كل هؤالء ضحايا حادثة كبرى؟ هل انهار عليهم العقار وسقط‬
‫فوق رؤوسهم؟ و لكن هناك بعض الجثث املتفحمة‪ ،‬فهل احترقت بهم‬
‫البناية؟"‬
‫ً‬ ‫ثم تلفت ً‬
‫يمينا ويسا ًرا وخفض صوته وهمس قائال‪:‬‬
‫"وربما كانوا بمظاهرة من يدري؟ ف كل ش يء جائز في هذا البلد‪ .‬ال يهم‬
‫سبب موتهم اآلن املهم هي النهاية وبأنهم ماتوا و انتهوا وارتاحوا من هذا‬
‫العالم الغادر"‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫منتظرا بملل أن يهدأ املكان وتخف األرجل قليال عن‬ ‫صامتا‬ ‫ثم وقف‬
‫املشرحة فيجد هو الفرصة للحصول على غايته‪.‬‬
‫وفي تلك اللحظة أخرج الرسالة من جيبه وأخذ يقرأ الطلبات مرة‬
‫أخرى ليتأكد من كل ش يء‪.‬‬
‫ثم وقف منتظرا بملل ساعة الصفر‪.‬‬

‫✦✦✦‬

‫‪127‬‬
‫الفصل السابع‬

‫سارة‬

‫كان الحزن يعم املنزل واملعزون في كل مكان يأتون ويخرجون ألداء‬


‫الواجب و صوت القرآن الكريم يعلو باملنزل‪.‬‬
‫منزل سارة ومن غيرها‪ ،‬وكان الحج مسعد "األب"حزينا وعينه حمراء‬
‫من أثر البكاء على فقدان ابنته الكبرى ونور عينيه فلم يكن له أي بنات‬
‫أخرى سوى سارة‪.‬‬
‫فلقد كانت ابنته وأخته وصديقته وكل ش يء له في هذا العالم‪ ،‬فبعد‬
‫وفاة والدتها اعتبرها كل ش يء له في الحياة و لم يتزوج حتى ال يجلب لها‬
‫زوجة أب تعذبها وتهينها‪ .‬هي وشقيقها الصغير أحمد‪.‬‬
‫فأخذ األب يبكي بقهر وهو يتذكر ابنته الراحلة سارة‪.‬‬
‫ثم بعدها دخل إلى غرفتها املظلمة وأغلق الباب خلفه وجلس على‬
‫فراشها وانهار بالبكاء الشديد والنحيب و هو يتذكر ابنته وينظر إلى صورتها‬
‫الكبيرة املعلقة على الجدار أمامه‪.‬‬
‫لقد كانت جميلة وأجمل بنات األرض في عي نيه فهي ابنته ونور عينه‬
‫مالمحها رقيقة سمراء اللون وذات عيون سوداء واسعة وأهداب طويلة‪.‬‬

‫‪128‬‬
‫و تتميز بشعر أسود ناع م كثيف طويل يصل إلى أسفل ركبتها‪ ،‬كانت‬
‫نحيفة جدا وتشبه الهنديات في جمالها الشرقي‪ ،‬ولكنها ذبلت ً‬
‫كثيرا وقل‬
‫وزنها في آخر أيامها وقبل موتها بفترة‪ ،‬وأصيبت بانهيار عصبي حاد‬
‫وأصبحت تهلوس كثرا وتتخيل األشياء وأن هناك من يطاردها ويريد قتلها‪.‬‬
‫وعندما سألها األطباء قالت بأنه بائع التذكرة أصبحت تخاف من كل‬
‫ش يء‪ ،‬من الظالم ومن الناس وبعد أن بدأت تتعافى وتستجيب للعالج‬
‫وأصبحت حالتها مطمئنة ومستقرة وبشره األطباء باقتراب شفائها ولكنهم‬
‫كثيرا وحرص على أال يزعجها أحد‬‫حذروه من انفعالها الزائد‪ ،‬ولقد فرح ً‬
‫ولكنه ال يعلم ماذا حدث من جديد‪ ،‬وملاذا انتكست حالتها‪.‬‬
‫فلقد هاجمها املرض بضراوة ولم تستطع الدفاع عن نفسها‪.‬‬
‫لقد احتار األطباء في مرضها ً‬
‫كثيرا فأعضاؤها سليمة ولم تعد تذكر‬
‫بائع التذكرة وال مالحقته لها ومحاولته لقتلها ولكن نفسها محطمة‪.‬‬
‫فأجمع األطباء بان ما عندها مجرد حالة نفسية مؤقتة نظرا لتعرضها‬
‫لضغط عصبي شديد‪ ،‬حاله مؤقتة ستنتهي وستعود إلى طبيعتها ً‬
‫يوما ما‪.‬‬
‫وانتظر األب ذلك اليوم بفارغ الصبر و لكنه لم يأت ً‬
‫أبدا‪ ،‬وبدال من أن‬
‫يسمع خبر شفائها فوجئ األب بموتها أمام عينيه‪.‬‬
‫و تساءل األب بحزن وهو يحدث صورتها‪:‬‬
‫‪ -‬ماذا حدث لك يا ابنتي ومن الذي كسر نفسك وجعلك تموتين‬
‫مريضه مقهورة ومحطمة النفس؟‬

‫‪129‬‬
‫و هنا رفع األب وسادتها إلى شفتيه وقبلها بحرقة وهو يحتضنها بقوة و‬
‫يشم رائحة عطرها املفضل‪ ،‬عطر الياسمين بالوسادة؟‬
‫ثم قال بحزن وهو يحتضن الوسادة بين يديه و مازال ينظر إلى صورة‬
‫ابنته على الجدار وهي تبتسم‪:‬‬
‫" هذه وسادتك املفضلة يا حبيبتي‪ ،‬كنت ال تستطيعين النوم بدونها‬
‫فكيف ستنامين بقبرك اآلن بدونها؟"‬
‫وأخذ يبكي بحرقة وهو يحتضن الوسادة بقوة ويشم رائحة عطر ابنته‬
‫فيها رائحة الياسمين التي مازالت الرائحة موجودة بالوسادة التي تركتها‬
‫منذ ساعات و رحلت هي إلى قبرها بدون رجعة وتركتها خلفها‪ ،‬وهنا شعر‬
‫ً‬
‫مسرعا بتمزيق‬ ‫بش يء ما تحت أنامله كما لو كانت ورقة فقام األب‬
‫الوسادة وإخراج ما بداخلها‪ ،‬فكانت ورقة وردية قرمزية اللون من دفتر‬
‫رسائل ابنته املفضل‪.‬‬
‫و كانت مفاجئة مدهشة إنها رسالة من ابنته الراحلة سارة‪.‬‬
‫وهنا قام األب بتقريب الرسالة من أنفه ليشم رائحة ابنته املميزة‪.‬‬
‫رائحة عطر الياسمين التي تعشقها ابنته فصرخ األب بلهفة مناديا باسم‬
‫ابنته بلوعة‪:‬‬
‫"سااااااااااااااااارة"‬
‫وبعدها قام ا ألب بفتح الرسالة بسرعة وبدأ يقرأ الرسالة بلهفة‪ .‬و‬
‫شوق إلى خط ابنته متمنيا أن يراها أمامه‪ .‬و يكون كل هذا مجرد كابوس‬
‫بشع ويستيقظ منه في أي لحظة‪.‬‬
‫‪130‬‬
‫وهنا تحولت مالمحه إلى الفزع والخوف‪ ،‬ثم شعر األب باأللم يعتصر‬
‫صدره‪ ،‬وكأن هناك من طعنه بخنجر حاد في قلبه‪.‬‬
‫و ظل ينظر إلى تلك الرسالة وإلى تلك الكلمات والكلمات برعب وهلع‬
‫بالرسالة من ابنته غير مصدق ما يرى أمامه‪.‬‬
‫ً‬
‫و هنا صرخ برعب مناديا باسم ابنته قائال بألم‪:‬‬
‫"ساااااااااارة ماذا فعلت بنفسك يا حبيبتي؟"‬
‫لم يتمالك األب نفسه أكثر من ذلك فانهار وسقط فاقد الوعي على‬
‫فراش ابنته فلم يتحمل األب ً‬
‫أبدا ما كتبته ابنته بالرسالة‪.‬‬
‫✦✦✦‬

‫كان ساهر يقف منتظرا الفرج أمام ثالجة حفظ املوتى‪ .‬واقتربت‬
‫الساعة من منتصف الليل عندما هدأت الحركة وأخيرا وبعد طول‬
‫انتظار قل عدد سيارات اإلسعاف التي تنقل املوتى والجثث املمزقة إلى‬
‫داخل املشرحة وأقفلت املشرحة أبوابها‪.‬‬
‫و لم يوجد هناك أحد سوى حارس أمن عجوز يقف أمام باب‬
‫كوبا من الشاي الساخن باستمتاع‪ ،‬فمن الذي‬ ‫املشرحة و يحتس ى ً‬
‫سيحاول سرقة املكان حيث املوتى واألعضاء املمزقة والجثث كالتالل فلم‬
‫يكن هناك داعي لإلفراط في حراسة األموات أكثر من الالزم‪ ،‬فهم لن‬
‫يحتاجوا إلى الحراسة اآلن‪.‬‬

‫‪131‬‬
‫فاألفضل االهتمام بحراسة األشياء الثمينة‪ ،‬فهي األجدر باالهتمام‬
‫والرعاية‪.‬فمن سيفكر في سرقة جثة أو عضو ممزق من مشرحة‪.‬‬
‫غريب أنت ً‬
‫حقا يا أخي‪ .‬إن اعتقدت بغير ذلك؟‬
‫وهنا تنهد ساهر بانفعال وهو ال يصدق وعيناه تلمعان بشدة وهمس‬
‫بفرح‪:‬‬
‫"أخيرا حانت لحظة الصفر"‬
‫ثم تسلل بهدوء إلى ذلك الشارع الضيق خلف املشرحة ورائحة العفن‬
‫و الفورمالين تمأل املكان لتعمي العيون‪.‬‬
‫و القطط السوداء تموء هنا وهناك وصوت ذلك الذئب يعوي من‬
‫بعيد‪.‬‬
‫ً‬
‫متعجبا وهو يبتسم بحماس‪:‬‬ ‫فقال ساهر‬
‫" ذئب يعوي ماذا حدث في هذه املدينة؟ وهل هناك ذئاب باملدينة؟"‬
‫فهز رأسه بعنف وهمس لنفسه‪:‬‬
‫"ربما كان كلبا شريدا يحاول أن يقلد الذئاب‪ ،‬فما أكثر الكالب بهذه‬
‫املدينة الغريبة"‬
‫فوجدها مفتوحة كما كانت فحمد ربه‪:‬‬
‫" الحمد هلل يبدو أنهم نسوا إغالقها وتسلق النافذة املفتوحة"‪.‬‬

‫‪132‬‬
‫و دخل إلى الغرفة املظلمة وهنا وقف دقيقة صامتا‪ .‬ال يسمع إال‬
‫صوت أنفاسه املتالحقة وصدره يعلوا ويهبط ببطيء‪ ،‬ليتأكد بأن كل ش يء‬
‫على ما يرام ولم يسمعه أحدهم أو شعر أحد بوجوده وهنا أشعل‬
‫البطارية الصغيرة بيده‪ ،‬وحاول استكشاف املكان من حوله‪.‬‬
‫فكانت غرفة مكتب صغيرة وفيها بعض املقاعد وسرير صغير فهمس‪:‬‬
‫"يبدو أنها غرفة األطباء أو املمرضين ال أدري"‬
‫ثم ابتسم‪:‬‬
‫"ال يهم حتى إن كانت حجرة شياطين الجحيم‪ ،‬املهم بأن أحدهم نس ي‬
‫إغالق هذه النافذة الصغيرة فاستطعت أنا الدخول إلى هنا"‬
‫واقترب بحذر شديد من باب الغرفة‪ ،‬ثم وقف متصنتا أمام باب‬
‫الغرفة وعندما تأكد من خلو املكان بالخارج حاول هو التسلل خار ًجا‬
‫ولكنة توقف بسرعة عندما سمع صوت خطوات أقدام بطيئة تقترب من‬
‫عال منفعال يكاد يكون‬
‫باب الغرفة بحذر و صوت أحدهم يتحدث بصوت ٍ‬
‫ً‬
‫يصرخ قائال‪:‬‬
‫‪ -‬أرجو أن تلتمس ي لي العذر يا زوجتي العزيزة فالعمل لم ينته منذ‬
‫الثالثة عصرا هنا وأنا أقف على قدمي و لم أجلس منذ فترة طويلة‬
‫وقد تجاوزت الساعة منتصف الليل‪ .‬فلقد وقعت حادثة كبيرة‬
‫وهناك العشرات من الضحايا‪ .‬و املوتى في كل مكان‪ ،‬فانقالب‬
‫واحتراق قطار ليس باألمر الهين ً‬
‫أبدا عزيزتي‬
‫وأكمل الطبيب منفعال‪:‬‬
‫‪133‬‬
‫‪ -‬أرجو أن تغلقي الخط من فضلك وسنتحدث عند عودتي إلى املنزل‬
‫ً‬
‫و هنا زفر الطبيب بقوة وهو يضع الهاتف في جيب معطفه قائال‪:‬‬
‫"يا للنساء وسخافتهن"‪.‬‬
‫ثم وضع يده على مقبض الباب ليدخل الغرفة وينال قسطا من‬
‫عال‬
‫الراحة بعد هذا اليوم الطويل عندما سمع من ينادي عليه بصوت ٍ‬
‫ً‬
‫قائال‪:‬‬
‫‪ -‬طبيب أمجد هناك املزيد من الجثث وصلت اآلن و نريد إمضاء‬
‫سيادتك باالستالم‪.‬‬
‫ً‬
‫وهنا زفر الطبيب بقوة قائال‪:‬‬
‫ً‬
‫‪ -‬أال تتركونني أرتاح قليال ‪.‬‬
‫ثم ترك مقبض الباب و ذهب خلف املمرض ليرى تلك الجثث‬
‫ً‬
‫عصرا‬ ‫الجديدة واألعضاء املمزقة التي حرمته من الراحة منذ الثالثة‬
‫فالحادثة بشعة والفاجعة كبيرة‪ .‬و لكن ما ذنبه هو في كل ذلك‪ .‬هل يخبره‬
‫أحد؟‬
‫و استغل ساهر الفرصة وارتدى أحد املعاطف البيضاء املعلقة خلف‬
‫ً‬
‫متجها إلى ثالجة حفظ املوتى و لكن‬ ‫الباب ثم خرج إلى خارج الغرفة‬
‫املفاجأة أوقفته‪ ،‬فقبل أن يخطو إلى أي مكان تنهد بارتياح عندما رأى تلك‬
‫الجثث هنا وهناك في الطرقات و في كل مكان مرصوصة على األرض في‬
‫صفوف طويلة ومغطاة بورق الجرائد‪.‬‬

‫‪134‬‬
‫فقد امتألت الثالجات باملوتى‪ ،‬فوضعوهم في أروقة املشرحة فليس‬
‫هناك ثالجات إضافية الستيعاب كل تلك األعداد وهنا تلفت ساهر ً‬
‫يمينا‬
‫ويسا ًرا‪.‬‬
‫ثم اقترب بحذر شديد من أقرب الجثث إلى قدميه‪ .‬ثم قام بسحبها‬
‫بسرعة إلى داخل غرفة الطبيب و أغلق الباب خلفه وانتظر دقيقة صامتا‬
‫ال يتحرك وبعدها تنهد بارتياح ثم التفت إلى الجثة التي أحضرها من‬
‫ً‬
‫متأثرا بشدة فلقد كانت الجثة لشاب صغير لم يتجاوز‬ ‫الخارج‪ .‬و نظر إليها‬
‫السادسة عشر من عمره‪.‬‬
‫فقال ساهر محدثا الجثة بحزن وتأثر شديد وعيون دامعة‪:‬‬
‫" أرجو أن تسامحني أيها الفتى وتلتمس لي العذر فأنا سآخذ بعض‬
‫األجزاء التي لن تضرك أو تفيدك في ش يء اآلن فأنت ميت ورحلت عن‬
‫كثيرا من هذه الدنيا القاسية صدقني‪ ،‬و لن تستفيد‬ ‫عاملنا وارتحت ً‬
‫بأعضائك في ش يء بداخل القبر‪ ،‬و لن تشعر بأي ألم صدقني و ثق بي هذا‬
‫ملصلحتك يا أخي بدل أن تتعفن أعضاؤك وتأكلها الديدان‪ ،‬فاألفضل أن‬
‫تلتهمها سارة لتعود للحياة مرة أخرى‪ .‬فالتمس لي العذر يا أخي فهذا من‬
‫أجل أن تعود حبيبتي مرة أخرى إلى الحياة‪ .‬و صدقني لن أنس ى معروفك‬
‫ً‬
‫أبدا"‬
‫ونظ ر إلى عيون الفتى املفتوحة بنشوة‪ ،‬ثم أخرج السكين الصغير من‬
‫جيب قميصه‪ .‬ثم بدأ بالعمل‪ ،‬وشق قميص الفتى إلى نصفين ثم غرز‬
‫السكين بقوة بصدر الفتى ليقسم القفص الصدري إلى نصفين واصال‬
‫بالسكين إلى الحجاب ا لحاجز ليقسم جسد الفتى إلى نصفين فخرجت‬
‫‪135‬‬
‫أحشاء الفتى وأمعائه خارج جسده و سالت الدماء الحمراء تجري على‬
‫األرض‪.‬‬
‫ً‬
‫شاعرا بالنشوة والسعادة و هو يستخرج بعض‬ ‫وهنا ابتسم ساهر‬
‫طلبات سارة املحرمة من داخل جسد الفتى املسكين‪.‬‬
‫و نحمد هللا بأن الفتى ال يشعر بأي ألم‪.‬‬
‫فما أجمل نعمة‪ .‬عدم الشعور باأللم‪.‬‬
‫فكثير من األحياء يحسدون األموات عليها‪.‬‬
‫✦✦✦‬

‫في منزل سارة‬


‫كانت الخالة نورا تجلس بغرفتها التي لم تغادرها منذ الصباح منذ أن‬
‫ماتت ابنة أختها سارة وقاموا بدفنها ً‬
‫ظهرا‪ ،‬فكانت نورا تمسك بيدها دمية‬
‫تشبه البشر ً‬
‫كثيرا في مالمحها السمراء وجمالها الشرقي ذات شعر أسود‬
‫طويل يصل إلى قدمي الدمية‬
‫و هنا وقفت وهي تمسك الدمية وتضعها وسط ثالث دمى يشبهن‬
‫البشر ً‬
‫كثيرا و تردد بعض الكلمات غير املفهومة‪ .‬وكأنها تعويذة ما من‬
‫كتاب‪:‬‬

‫✦✦✦‬
‫‪136‬‬
‫" نامی‪ ،‬به صلح‪.‬‬
‫نامی از خواب بیدار نمى تنها زمانی که ماه کامل شده است نگاه‪.‬‬
‫نامی فرشته وتنفس پوست شما مانند ماهی‪.‬‬
‫آیا شما دهان خود را باز وشما حرکت می کند‪.‬‬
‫نامی خنک بدن از خارج کلوی‪.‬‬
‫قلب گرم از داخل‪.‬‬
‫ریزه اندام نامی در صلح است انتقام لنگ "‬
‫✦✦✦‬

‫ثم بعدها قامت بإشعال بعض الشموع السوداء اللون غريبة الشكل‬
‫و امللمس تشبه شمعة رمسيس الذي يبيعها محل عطارة في فرشوط‬
‫وتستخدم للتنقيب والبحث عن املقابر الفرعونية فيشتريها الرجل ويعطيها‬
‫للشيخ الضرير في بمهجورة ليدله على مكان باب املقبرة إنها شمعة باهظة‬
‫كثيرا ولكن كل شمعة كانت على هيئة كف‬ ‫الثمن كانت الشمعة تشبها ً‬
‫اليد الواحدة بخمس أصابع‪.‬‬
‫و كل إصبع مشتعل وتتراقص نيرانه الخضراء كلما تحركت نو ًرا ً‬
‫يمينا‬
‫و يسا ًرا حولها فكانت الشموع مرصوصة على شكل دائرة من الشموع‬
‫السوداء‪.‬‬

‫‪137‬‬
‫كانت الشموع مصنوعة من دهن األموات فتلك الشموع لم تنطفئ‬
‫ً‬
‫أبدا أو يقل وميضها لحظة واحدة‪ ،‬بل تزداد توهجا واشتعاال كلما اقتربت‬
‫منها وحاولت ملسها‪.‬‬
‫و هنا وضعت نورا الدمية في املنتصف بين الشموع املتوهجة و ازداد‬
‫ارتفاع النيران الخضراء وتوهجها‪.‬‬
‫و ظلت هي تردد ببعض الكلمات باللغة الفارسية وإن كنت ال تعرف‬
‫فالفرس هم أول من استخدموا السحر واستعانوا بالجن‪.‬‬
‫✦✦✦‬

‫" نامی‪ ،‬به صلح‪.‬‬


‫نامی از خواب بیدار نمى تنها زمانی که ماه کامل شده است نگاه‪.‬‬
‫نامی فرشته وتنفس پوست شما مانند ماهی‪.‬‬
‫آیا شما دهان خود را باز وشما حرکت می کند‪.‬‬
‫نامی خنک بدن از خارج کلوی‪.‬‬
‫قلب گرم از داخل‪.‬‬
‫ریزه اندام نامی در صلح است انتقام لنگ "‬

‫✦✦✦‬
‫‪138‬‬
‫نامي يا صغيرتي في سالم‪.‬‬
‫نامي فال تستيقظي إال حينما يكتمل القمر في عاله‪.‬‬
‫نامي كاملالك وتنفس ي من جلدك كاألسماك‪.‬‬
‫ال تفتحي فمك وال تتحركي‪.‬‬
‫نامي كاألفاعي باردة الجسد من الخارج‪.‬‬
‫دافئة القلب من الداخل‪.‬‬
‫نامي صغيرتي في سالم فقد اقترب موعد االنتقام‪.‬‬
‫✦✦✦‬

‫كانت تردد الكلمات وتشير بيدها السوداء وترفعها ثم تخفضها بعنف‬


‫إنها الخالة نورا وليست الشموع السوداء‪.‬‬
‫فقد عادت نورا إلى مصر من فترة قصيرة عندما دعتها سارة ابنة أختها‬
‫للعودة ملساعدتها في مرضها‪ ،‬فعادت ويدها سوداء كالفحم وال أحد يعرف‬
‫سبب ذلك السواد املقزز‪ ،‬فهي ذات بشرة بيضاء كاللبن ولكن ماذا حدث‬
‫لتلك اليدين؟ و ملاذا اسودت تلك اليدان بهذا املنظر املقزز؟‬
‫ال أحد يعرف حقيقة ما حدث لها‪.‬‬
‫تساءل املقربون واألصدقاء ولكن بينهم وبين أنفسهم فلم يجرؤ‬
‫أحدهم على أن يخرج السؤال إلى لسانه لينطق بيه‪.‬‬

‫‪139‬‬
‫فالجميع كانوا يخشون تلك املرأة ويهابونها بشدة كاملوت وكأنها‬
‫الشيطان نفسه وال يريدون أن يغضبوها ً‬
‫أبدا أو يتورطوا معها في ش يء‪.‬‬
‫ً‬
‫سريعا وال يريدون‬ ‫فقد أتوا ألداء الواجب والترحيب‪ ،‬ثم الرحيل‬
‫معرفة ش يء عن تلك املرأة ً‬
‫أبدا‪.‬‬
‫فهم يعرفون بأنها ساحرة وتمارس السحر األسود هي وزوجها في بلدها‬
‫التي تعيش فيه في إحدى جزر الكا يبي‪ .‬و ال يريدون التورط معها ً‬
‫أبدا أو‬ ‫ر‬
‫االحتكاك بها في ش يء‪.‬‬
‫فهم أصال ال يعرفون ما هو الكاريبي وهل توجد فعال بلد بهذا االسم أم‬
‫أنها تخترع االسم وتعيش عند الشيطان ال يهم‪.‬‬
‫فهم ال يعرفون وظيفتها كب كورز للفودو في جزر الهايتي وكانت تعمل مع‬
‫الحكومة هي وزوجها ضد املعارضين للسلطة كانت تحولهم إلى زومبي‬
‫وتجعلهم خاضعين لسيطرتها ويفعلون ما تأمرهم به الحكومة فهذه هي‬
‫ً‬
‫الديمقراطية يا أخي ولكنها اختلفت مع الحكومة قليال فغضبت عليها‬
‫ورحلت هي وزوجها إلى جزر األنتيل لتعيش بالكاريبي وتكمل ما بدأت هي‬
‫وزوجها‪.‬‬
‫ظلت نورا تردد بعض الكلمات غير املفهومة و ترفع يدها وتخفضها‬
‫بعنف‪ ،‬فكانت تبدو كمجانين السيدة زينب بشعرها الثائر على كتفيها‬
‫والثياب الغريبة التي ترتديها وتلك الحلي الكثيرة التي تتدلى منها‪.‬‬
‫ففي يديها تلك األساور التي تشبه أساور رجال الشرطة‪ ،‬و ذلك العقد‬
‫برقبتها الذي ينتهي بجمجمة سوداء كجمجمة طفل رضيع‪.‬‬

‫‪140‬‬
‫عال ورائحة البخور تمتزج‬
‫فكانت تتلو بعض الكلمات الغريبة بصوت ٍ‬
‫مع رائحة الياسمين وتمأل الغرفة‪.‬‬
‫و هنا وفي تلك اللحظة فتح باب الغرفة بقوة و دخل رجل كبير بالسن‬
‫يبدو بالعقد الخامس من عمرة يمأل الشعر األبيض رأسه و التجاعيد‬
‫الكثيرة وجهه ويديه وترتسم مالمح الحزن على قسمات وجهه وعيونه‬
‫حمراء من أثر البكاء ويبدو ثائرا‪.‬‬
‫فقال الرجل منفعال بغضب‪:‬‬
‫‪ -‬ماذا فعلت البنتي سارة يا نورا ماذا حدث لها أيتها؟‬
‫و لم يكمل جملته عندما التفتت له نورا بغضب شديد وعيون حمراء‬
‫تتراقص النيران املشتعلة بداخلها ملقاطعته لطقوسها الخاصة التي كانت‬
‫تؤديها‪.‬‬
‫فردت عليه بصوت قوي متحديا قائلة‪:‬‬
‫‪ -‬ماذا تقصد يا زوج أختي الراحلة؟ فماذا فعلت أنا بسارة الغالية؟‬
‫فرد مسعد‪:‬‬
‫‪ -‬إني أسألك عن ابنتي سارة ماذا فعلت لها؟‬
‫ً‬
‫و صرخ بغضب وهو ينظر لتلك الشموع السوداء كريهة الرائحة قائال‪:‬‬
‫‪ -‬ماذا تريدين أن تفعلي بالضبط؟ أتمارسين السحر األسود على جسد‬
‫ابنتي الراحلة‪ ،‬أال تتقين هللا وتخافينه ً‬
‫أبدا أيتها املرأة‪ ،‬ملاذا ال تتركيها‬
‫ترحل بسالم؟‬
‫‪141‬‬
‫فنظرت له نورا بالمباالة ثم قالت بهدوء شديد‪:‬‬
‫‪ -‬أنت ال تفهم ً‬
‫شيئا يا مسعد صدقني‪ ،‬إني أحاول مساعدتها فقط ثق‬
‫بي وصدقني‪.‬‬
‫ً‬
‫و هنا رد عليها األب صارخا وهو يرفع بورقة في وجهها قائال‪:‬‬
‫‪ -‬و من طلب منك املساعدة أيتها الساحرة‪ .‬أرجو أن تخبريني ما هذا‬
‫بالضبط؟ وما تلك الرسالة منها رحمها هللا‪.‬‬
‫فنظرت له نورا متعجبة وردت عليه بتوتر‪:‬‬
‫‪ -‬عن أي رسالة تتحدث يا مسعد‬
‫وهنا اختطفت الورقة بعنف من بين أصابعه و قرأت ما فيها بسرعة ثم‬
‫زفرت بقوة وقالت بغضب هامسة‪:‬‬
‫‪ -‬لقد تسرعت ً‬
‫كثيرا يا سارة ملاذا فعلت ذلك اآلن يا ابنتي؟ فلم يحن‬
‫األوان بعد إلخبار أحدهم‬
‫وهنا قاطعها األب ثائرا‪:‬‬
‫‪ -‬أرجو أن تخبريني الحقيقة اآلن يا نورا‪ .‬و ماذا حدث البنتي سارة؟ وما‬
‫سبب موتها؟‬
‫ظلت نورا تنظر إليه ولم ترد عليه مما أثار حنقه فصرخ غاضبا في‬
‫وجهها‪:‬‬

‫‪142‬‬
‫‪ -‬هل أنت من قتلها يا نورا هل مارست عليها سحرك األسود‬
‫فماتت؟أخبريني الحقيقة باهلل عليك حتى أستريح‪ .‬ملاذا فعلت ذلك‬
‫بابنتي الوحيدة؟‬
‫بتحد وغضب وعيون ثائرة ثم قالت بصوت‬
‫و هنا ظلت نورا تنظر له ٍ‬
‫عميق وكأنه يأتي من بئر سحيق‪:‬‬
‫‪ -‬ملاذا فعلت ذلك اآلن؟ ملاذا دخلت غرفتها اآلن يا مسعد؟ ألم أحذرك‬
‫بعدم دخول غرفتها قبل أسبوع‪.‬‬
‫وصرخت غاضبة و هي تقول بعنف‪:‬‬
‫‪ -‬ملاذا يا مسعد تصعب األمور؟‬
‫فنظر لها بعيون دامعة وهو يقول بحزن الدنيا وقلبه ينزف دما على‬
‫فقد ابنته‪:‬‬
‫‪ -‬وهل تريدين أال أفعل؟‬
‫وانفجرت الدموع من مقلتيه وهو يردد‬
‫ً‬
‫أسبوعا حتى أدخل غرفة ابنتي الراحلة‬ ‫‪ -‬هل تعتقدين بأنني سأصبر‬
‫وأجهش بالبكاء الحار‪.‬‬
‫ً‬
‫وبعدها أكمل حديثة قائال من بين دموعه‪:‬‬
‫‪ -‬فهذا ما تبقى لي منها غرفتها ومالبسها فمازالت رائحتها تعطر الغرفة‬
‫هناك‪.‬‬

‫‪143‬‬
‫فقاطعته نورا ثائرة‪:‬‬
‫‪ -‬أعرف يا مسعد ً‬
‫جيدا بأن رائحتها مازالت هناك بالغرفة لذلك طلبت‬
‫منك عدم دخول غرفتها قبل أن تزول الرائحة منها وأني أحذرك من‬
‫دخول غرفتها ثانية‪.‬‬
‫ً‬
‫متعجبا من كالمها الغريب‪ ،‬ثم نظر لها وكأنه‬ ‫و هنا رد األب غاضبا و‬
‫ينظر ملعتوه في الشارع فقال‪:‬‬
‫‪ -‬يبدو أنك جننت ً‬
‫حقا كما يقولون عنك يا نورا‪.‬‬
‫وزفر بقوة وهو يكمل‪:‬‬
‫‪ -‬لم أكن أ يدك أن تدخلي بيتي ً‬
‫أبدا ولكنها كانت أمنية سارة رحمها‬ ‫ر‬
‫هللا في مرضها ولم أشأ أال أحقق لها ما تريد و هي طريحة الفراش في‬
‫أيامها األخيرة‪.‬‬
‫فنظرت له نورا برعب قائلة‪:‬‬
‫‪ -‬وماذا تريد اآلن يا مسعد؟ أرجو أن تتركني أكمل ما بدأت و ترحل‬
‫اآلن من الغرفة وكانت تمسك بإحدى الدمى ذات الشعر األسود‬
‫الطويل‪.‬‬
‫فنظر األب إلى تلك الدمية برعب وظل ينظر وينظر بغضب فقد كانت‬
‫صورة طبق األصل من ابنته سارة‪ ،‬فصرخ األب في وجهها وهو يحاول‬
‫جذب الدمية من بين أصابعها‪:‬‬
‫‪ -‬ماذا تفعلين يا نورا بابنتي بحق السماء‪.‬‬
‫‪144‬‬
‫فعادت هي إلى الخلف خطوتين ثم رفعت بيديها املمسكة بالدمية‬
‫قائلة‪:‬‬
‫‪ -‬إني أعيد إليك ابنتك ثانية يا أحمق‪ ،‬ابتعد عني واخرج من هذه‬
‫الغرفة اآلن‪.‬‬
‫ً‬
‫فرد األب بحزن قائال‪:‬‬
‫‪ -‬ماذا تقولين أيتها املجنونة؟ ما هذا الكفر باهلل‪ .‬أعوذ باهلل من غضب‬
‫هللا‪ ،‬أال تعرفين بأنه ال يستطيع أي كائن في هذا الكون إعادة الروح‬
‫إلى جسد فارقته الحياة إال هللا عز وجل فهو خالقها وهو من يقول‬
‫لها كن فتكون أال تؤمنين باهلل يا نورا قال تعالى في سورة يونس‬
‫اآلية ‪" :56‬هو يحيي ويميت وإليه ترجعون"‬
‫فقاطعته بغضب‪:‬‬
‫شيئا يا مسعد ألم تسمع عن الزومبي املوتى األحياء‬ ‫‪ -‬أنت ال تفهم ً‬
‫الذين ماتوا وتم إعادتهم إلى الحياة مرة أخرى؟‬
‫فقاطعها ثائرا بغضب‪:‬‬
‫‪ -‬ما هذه التخاريف والكالم الفارغ أعوذ باهلل من الشيطان الرجيم‪.‬‬
‫هل زواجك من ذلك املشعوذ األجنبي وعيشك في بلد أجنبي جعلك‬
‫تنسين دينك وتكفرين باهلل الواحد القهار‪.‬‬
‫ً‬
‫ثم تنهد بقوة وأكمل حديثة قائال‪:‬‬

‫‪145‬‬
‫‪ -‬هذا يكفي أرجو أن تغادري بيتي اآلن فليس لك مكان بيننا‪ .‬وال أريد‬
‫املزيد من املصائب‪ ،‬فيكفي مصيبتي في فقد سارة‬
‫ثم نظر إلى عينيها مكمال‪:‬‬
‫‪ -‬عودي إلى البلد الذي تنتمين إليه‪ ،‬فأنت غير مرحب بك هنا و مارس ي‬
‫سحرك األسود كما تشائين‪ ،‬فلن يسألك أحد هناك ماذا تفعلين؟‬
‫فنظرت له بغضب شديد قائلة‪:‬‬
‫‪ -‬هل تطردني من منزل أختي يا مسعد‪.‬‬
‫ً‬
‫فقاطعها قائال‪:‬‬
‫‪ -‬أختك رحمها هللا ماتت من زمن وإن كانت هنا اآلن كانت هي من‬
‫طردك من منزلها‪.‬‬
‫وهنا ضحكت نورا بصوت عال ثم رفعت يديها ً‬
‫عاليا لتلقي ببعض‬ ‫ٍ‬
‫الرماد األسود على وجهه و هي تردد بعض الكلمات الغريبة التي لم يفهم‬
‫منها مسعد أي ش يء‪.‬‬
‫و لكنه صرخ متأملا ثم سقط على األرض فاقد الوعي تحت أقدام نورا‪.‬‬
‫ً‬
‫وهنا نظرت إليه طويال وهي تلقي باملزيد من الرماد على الجسد امللقى‬
‫على األرض تحت أقدامها قائلة‪:‬‬
‫"أنت من اخترت ذلك أرجو أن تنام بسالم إلى أن أتم مهمتي فلن‬
‫أتخلى عنها اآلن بعد أن تخلى عنها الجميع‪ ،‬فأرجو أن تسامحني يا مسعد‬

‫‪146‬‬
‫فهذا من أجل سارة صد قني فسوف تعود إلى رشدك مرة أخرى عند‬
‫االنتهاء من كل ش يء وعند عودتها للحياة مرة أخرى"‬
‫و ضحكت بعنف وهي تكمل قائلة‪:‬‬
‫شيئا ولكنك ستشكرني ال ً‬
‫حقا عندما تراها‬ ‫"صدقني أنت ال تفهم ً‬
‫تعود إلى أحضانك مرة أخرى‪ .‬صدقني يا مسعد فسارة ستحتاج إلى ذلك‬
‫الحضن ً‬
‫كثيرا عند عودتها من جديد"‪.‬‬
‫عال وهي تمسك شمعتين وتضربهما ببعض بصوت‬‫و ضحكت بصوت ٍ‬
‫مدوي فاهتزت له باقي الشموع بشدة وازداد توهجها‪.‬‬

‫✦✦✦‬

‫‪147‬‬
‫الفصل الثامن‬

‫سرقة بالمشرحة‬

‫ً‬
‫عاد الطبيب أمجد منهكا يجر رجليه جرا إلى غرفته‪ ،‬ليستريح بعد أن‬
‫قام بتشريح بعض الجثث واألشالء املمزقة وتسجيل بيانات الجثث‬
‫األخرى وإعطائها أر ً‬
‫قاما تمهيدا لتشريحها ومعرفة سبب الوفاة‪.‬‬
‫ً‬
‫لقد كان منهكا والعرق الغزير على جبينه يريد الراحة فاليوم كان شاقا‬
‫وعدد الجثث يفوق الخيال فلم تكفي الثالجات عدد الجثث فوضعوها‬
‫باملمرات‪.‬‬
‫كان املنظر بشعا ومقززا بطريقة تثير األعصاب و هو يمر عليها ويحاول‬
‫تفادي تلك الجثة على األرض أو تلك اليد املبتورة هناك‪.‬‬
‫لقد تم تعينه وعمله باملشرحة منذ أكثر من عشر سنوات و لم يشعر‬
‫يوما باالشمئزاز من املوتى و الجثث ً‬
‫أبدا كما شعر اآلن فلقد مر عليه الكثير‬ ‫ً‬
‫من الجثث والكثير املحروقة والغارقة في املاء لدرجة محو معاملها‬
‫واملطعونة واملسمومة و الكثير‪ .‬الكثير من الجثث ولكن طريقة املوت‬
‫مختلفة‪ .‬ولكنه اليوم شعر بالغثيان وألم في معدته من هول ما رأى من‬
‫أعضاء بشرية ممزقة‪.‬‬

‫‪148‬‬
‫فقال متنهدا بألم‪:‬‬
‫‪ -‬أخيرا سأحصل على بعض الراحة وكوب من الشاي الساخن حتى‬
‫ً‬
‫تهدأ أعصابي وأسترخي قليال‪.‬‬
‫و اقترب من باب غرفته ً‬
‫ممنيا نفسه بالراحة وكوب الشاي الساخن‬
‫وهنا وجد الدماء تخرج من تحت باب الغرفة‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫مناديا أحد العاملين باملشرحة قائال بعنف‪:‬‬ ‫غاضبا‬ ‫فصرخ‬
‫‪ -‬عباس هل جننت لتضع الجثث في مكتبي أيها الغبي؟‬
‫فنظر العامل إلى الدماء ورد عليه متوترا‪:‬‬
‫‪ -‬ال يا سيدي إننا لم نضع أي جثث بالغرفة‪ ،‬فالجثث الزائدة‬
‫ووضعناها باملمرات ولم يقترب أحد من الغرفة‪ .‬صدقني‬
‫فنظر الطبيب غاضبا إلى العامل غير مصدق ما يقول وهو يفتح باب‬
‫ً‬
‫الغرفة قائال‪:‬‬
‫‪ -‬و ما كل هذه الدماء التي تخرج من الغرفة؟ ملاذا ال تنظفون املكان‬
‫بضمير أيها ‪...‬‬
‫و لم يكمل جملته فلقد قطع كالمه وابتلع ما يريد قوله عندما وجدها‬
‫على األرض أمامه غارقة في دمائها تنادي عليه أن يرى ماذا فعلوا بها وهي‬
‫ال حول لها وال قوة‪.‬‬
‫ً‬
‫و هنا صرخ العامل فزعا وهو يردد قائال‪:‬‬

‫‪149‬‬
‫‪ -‬ما هذا بحق السماء يا سيدي؟ ومن فعل ذلك بتلك الجثة؟‬
‫وهنا لم يرد عليه الطبيب‪ ،‬بل اقترب الطبيب ببطء من تلك الجثة‬
‫ً‬
‫امللقاة على األرض قائال باشمئزاز‪:‬‬
‫‪ -‬ماذا يحدث هنا بالضبط؟‬
‫وهنا أدرك الحقيقة امل ؤملة فتلك الجثة تمت سرقتها فلقد شق‬
‫أحدهم القفص الصدري بطريقة بشعة‪ . .‬باستخدام آلة حادة ذات‬
‫أسنان مدببة وانتزع قلب الضحية ورئتيها و خرجت أمعاءها على األرض‬
‫بطريقة بشعة مقززة‪.‬‬
‫ً‬
‫غاضبا في وجه العامل من هذا املنظر املقزز‪:‬‬ ‫فصرخ الطبيب‬
‫‪ -‬اتصل بالشرطة فو ًرا يا عباس يبدوا أن هذا اليوم لن ينتهي ً‬
‫أبدا‪.‬‬
‫ً‬
‫متعجبا‪:‬‬ ‫فرد العامل‬
‫‪ -‬و ماذا سأقول لهم يا سيدي؟ لقد تم االعتداء على جثة؟ و من‬
‫يستطيع فعل ذلك بجثة ال حول لها وال قوة؟‬
‫فرد الطبيب متأثرا‪:‬‬
‫ً‬
‫مختال ً‬
‫عقليا ال‬ ‫‪ -‬ال أدري يا عباس صدقني من فعل ذلك؟ و لكنه يبدو‬
‫يملك أي ضمير اتصل بالشرطة وقل لهم‪ .‬لقد تمت سرقة إحدى جثثنا‪.‬‬
‫ثم وزفر بقوة مكمال‪:‬‬

‫‪150‬‬
‫‪ -‬أسرع واتصل بالشرطة قبل أن يحضر أهل الجثة الستالمها فماذا‬
‫سنقول لهم عذ ًرا لقد تمت سرقت بعض األعضاء من جثة ابنكم‪ ،‬يا‬
‫للمصيبة ألن أحصل على الراحة ً‬
‫أبدا اليوم‪.‬‬
‫وهنا ذهب العامل ليتصل بالشرطة و همس الطبيب وهو يضرب كفا‬
‫ً‬
‫بكف قائال‪:‬‬
‫ً‬
‫ومباحا‪.‬‬ ‫‪ -‬كل ش يء في ذلك البلد أصبح ً‬
‫عاديا‬
‫فما أرخص اللحم البشري ليفعلوا به ما يشاءون‪.‬‬
‫✦✦✦‬

‫في منزل أسرة رهام‬


‫قامت رهام بالذهاب إلى بيت أسرتها بحلوان وترك منزلها وزوجها وهي‬
‫تشعر بال رعب والخوف الشديد من رسالة سارة و تهديدها الواضح‬
‫الصريح بدون أي مجاملة أو تزين‪ ،‬فجلست بغرفتها القديمة في منزل‬
‫أسرتها تبكي وهي تحدث نفسها قائلة‪:‬‬
‫حقا تستطيع سارة االنتقام بعد موتها؟ هل عفريتها سينتقم منا‬‫"هل ً‬
‫ً‬
‫جميعا وماذا فعلت بأيرين؟"‬
‫و أخذت تفكر فيما حدث وتذكرت املاض ي وما فعلته من سنين وهنا‬
‫لم تحتمل فصرخت بعنف قائلة‪:‬‬
‫"صدقيني لم أقصد ذلك يا سارة"‬
‫‪151‬‬
‫وهنا دخلت أمها إلى الحجرة وهى تنظر بإشفاق إلى ابنتها‪ ،‬لقد كانت‬
‫تشعر األم أن هناك ً‬
‫شيئا يجري مع ابنتها ولكنها ال تعلم ما هو‪ ،‬فقالت‬
‫األم بحنان‪:‬‬
‫‪ -‬ماذا حدث يا رهام؟ ماذا بك يا ابنتي وملاذا تصرخين؟ هل أذاك‬
‫زوجك أو فعل ً‬
‫شيئا معك؟‬
‫فنظرت إلى أمها بعيون تملؤها الدموع و ردت قائلة‪:‬‬
‫ً‬ ‫شيئا ً‬
‫‪ -‬ال يا أمي فعمر لم يفعل لي ً‬
‫أبدا و لكني متعبة قليال من الحمل‬
‫وأشعر باالكتئاب‪ .‬و أ يد الراحة والنوم ً‬
‫بعيدا عن البيت ومسئولياته‪.‬‬ ‫ر‬
‫فاحتضنتها األم بحنان وربتت على ظهرها قائلة‪:‬‬
‫‪ -‬ال تقلقي يا ابنتي فهذا حال معظم النساء يشعرن باالكتئاب في‬
‫ً‬
‫سريعا‪،‬‬ ‫الحمل كلنا مررنا بتلك الفترة‪ .‬ال تقلقي ستمر شهور الحمل‬
‫ارتاحي اآلن وستكونين بخير بإذن هللا‪.‬‬
‫فهزت رهام رأسها أن نعم‪ ،‬فلم تكن تريد أن تتحدث في ش يء فماذا‬
‫ستقول ألمها أو تخبرها‪.‬‬
‫وغاد ت األم الغرفة ولكنها تذكرت ً‬
‫شيئا هاما فعادت إلى ابنتها قائلة‬ ‫ر‬
‫باهتمام‪:‬‬
‫‪ -‬عذرا يا ابنتي لقد اتصلت بك صديقتك لتطمئن عليك وأنت نائمة و‬
‫نسيت أن أخبرك باألمر لقد قالت أن أخبرك بأال تقلقي سيكون كل ش يء‬
‫بخير‪ ،‬فقط نفذي ما طلبته منك ستكونين بخير‪.‬‬

‫‪152‬‬
‫وهنا نظرت لها رهام برعب ورددت قائلة‪:‬‬
‫‪ -‬صديقتي وأنفذ ما طلبته مني؟ صديقتي من؟ هل أخبرتك باسمها يا‬
‫أمي أرجوك أخبريني؟‬
‫فنظرت لها األم بقلق ثم ردت قائلة‪:‬‬
‫‪ -‬نعم يا رهام إنها صديقتك القديمة سارة‪ .‬لقد عرفتها من صوتها قبل‬
‫أن تخبرني هي بذلك‪ .‬فسارة صوتها مميز جدا وال يمكن للمرء نسيانه‬
‫بسهولة ‪.‬‬
‫و هنا نظرت لها ابنتها برعب ثم أجهشت بالبكاء وبعدها صرخت في‬
‫وجه أمها قائلة‪:‬‬
‫‪ -‬هذا يكفي يا أمي ال أ يد أن أعرف ً‬
‫شيئا أرجوك اخرجي اآلن فأنا‬ ‫ر‬
‫أريد النوم من فضلك‪.‬‬
‫فنظرت لها األم بقلق و اقتربت منها ثم قالت بتوتر‪:‬‬
‫‪ -‬ماذا حدث يا رهام وملاذا تبكين يا ابنتي؟‬
‫و لم ترد رهام عليها بكلمة واحدة ولكن كلمات أمها ظلت تتردد بأذنيها‪:‬‬
‫" إنها صديقتك القديمة سارة لقد عرفتها قبل أن تخبرني‪ ،‬هي‬
‫باسمها فصوتها مميز جدا وال يمكن للمرء نسيانه بسهولة‪." .‬‬
‫و هنا صرخت رهام بعنف‪:‬‬

‫‪153‬‬
‫‪ -‬قلت لك اخرجي يا أمي من فضلك من الغرفة فأنا أريد الراحة‬
‫ً‬
‫والنوم قليال أشعر بالتعب واإلجهاد‪.‬‬
‫فخرجت األم وهي تشعر بالقلق على ابنتها‪ ،‬فهناك ش يء يحدث معها‬
‫والبد من معرفته وقالت هامسة‪:‬‬
‫"البد من سؤال سارة صديقتها‪ ،‬يبدو أنها تعرف كل ش يء سأحاول‬
‫االتصال بها‪ ،‬لعلها تخبرني الحقيقة"‪.‬‬
‫✦✦✦‬

‫في منزل عمر‬


‫جلس عمر في منزله على أحد املقاعد الهزازة يحاول أن يرتب أفكاره‬
‫ويفكر بعمق بعد أن أوصل زوجته إلى بيت أسرتها‪ ،‬فكان يفكر فيما‬
‫حدث‪ .‬و ماذا يحدث لزوجته وماذا حدث لصديقتها ومن هي سارة‪.‬‬
‫هل هي سارة خطيبته السابقة؟ فهو ال يعرف أي سارة أخرى ثم قال‬
‫هامسا يحدث نفسه‪:‬‬
‫"لقد كانت سارة صديقة لزوجتي وصديقاتها"؟‬
‫وهنا تذكر سارة بشعرها األسود الطويل وتنهد بحرارة عند تذكر وجهها‬
‫البريء‪ .‬فلكم أحب ذلك الوجه املالئكي وتلك العيون السوداء ذات‬
‫األهداب الطويلة‪.‬‬

‫‪154‬‬
‫و زفر بقوة غاضبا عندما تذكر ذلك اليوم املشئوم الذي خانته فيه و‬
‫هجرته ورحلت بدون أن تقول له ً‬
‫شيئا أو ملاذا رحلت هكذا؟ و صرخ بألم‬
‫ً‬
‫قائال‪:‬‬
‫"ملاذا يا سارة فعلت ذلك معي؟ ملاذا هجرتني ورحلت بدون أن تقولي‬
‫ً‬
‫شيئا ؟ أال تعلمين بأني لم و لن أحب سواك في هذا الكون؟"‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫غاضبا يحدث نفسه كمن فقد عقلة قائال‪:‬‬ ‫و صرخ‬
‫"ولكنك خنتني ورحلت بدون سبب ملاذا تعودين اآلن؟ و ماذا تريدين‬
‫من زوجتي وأم ابني يا سارة؟ لكم تمنيت أن يكون هذا الولد هو ابنك‬
‫أنت حبيبتي ولكنه قضاء هللا وقدره لقد حاولت ً‬
‫كثيرا أن أنساك لألبد‬
‫عدت فأنت من خدعتني‬ ‫ولكني فشلت‪.‬ماذا تريدين مني اآلن يا سارة ملاذا ِ‬
‫ورحلت"‪.‬‬
‫ثم وقف في منتصف الغرفة يصرخ بغضب كاملجنون ويردد‪:‬‬
‫"أنت من خدعتني يا سا ة فال تستحقين ً‬
‫شيئا"‬ ‫ر‬
‫وهنا أخذ يتذكر خطيبته السابقة ويلف بالغرفة ويدور كاملجنون و هو‬
‫يتذكر سارة وأيامها الحلوة ويلومها على تركه والرحيل بدون أي سبب وفي‬
‫ً‬
‫تلك اللحظة مألت رائحة الياسمين الغرفة‪ ،‬و تنهد قائال إنها رائحتها املميزة‬
‫عطر الياسمين‬
‫متمنيا دخولها من وراء الباب وهنا وجدها‬ ‫ً‬ ‫و نظر باتجاه باب الغرفة‬
‫على األرض هناك أمامه فنظر متعجبا‪ً.‬‬

‫‪155‬‬
‫ال ليست سارة كما تعتقدون‪ .‬و ليست عين بشرية أو أحد األعضاء‬
‫املبتورة التي مازالت تنزف دما‪ .‬أو حتى جثة سارة التي لم تتحلل بعد‪.‬‬
‫إنها رسالة وردية قرمزية اللون‪.‬‬
‫فهمس عمر بحيرة‪:‬‬
‫"من وضعها هناك؟"‬
‫واقترب منها ببطء فكانت داخل غالف أحمر قرمزي اللون تفوح منها‬
‫رائحة الياسمين املميزة تسألون من هي؟‬
‫إنها رسالة وردية اللون تفوح منها رائحة الياسمين املنعشة‬
‫واضحا نظر عمر بشوق وحنين إلى ذلك الغالف األحمر‬ ‫ً‬ ‫ظننت هذا‬
‫القرمزيفلقد كان كخطابات سارة له في املاض ي‪.‬‬
‫وما أجمل املاض ي فيا ليته يعود ً‬
‫يوما بأيامه الجميلة ولحظاته‬
‫السعيدة‪.‬‬
‫وهنا اقترب ببطء شديد والتقط الخطاب بين أنامله و قربة من أنفه‬
‫بهيام‪ .‬وهمس‪:‬‬
‫"نعم رائحة الياسمين املميزة لحبيبته الراحلة وهنا تذكرها"‬
‫فقال منفعال‪:‬‬
‫"هذه ال رسالة منها وأنا متأكد من ذلك وأقسم عليه"‬
‫و تساءل حائرا‪:‬‬

‫‪156‬‬
‫"هل أفتح هذه الرسالة ألعرف ماذا تريد مني سارة؟ أم أحرقها وأنس ى‬
‫أني رأيتها من األساس؟ ال أدري ماذا أفعل؟"‬
‫ً‬
‫عال‪:‬‬
‫و نظر إلى الخطاب طويال ثم صرخ بصوت ٍ‬
‫" ماذا تريدين مني يا سارة اآلن؟ أنت من هجرتني ورحلت"‬
‫ً‬
‫هامسا وهو يحتضن الرسالة بقوة‪:‬‬ ‫وخفض صوته‬
‫"و لكني ما لت أحبك إلى اليوم ولن أنساك ً‬
‫أبدا حبيبتي"‪.‬‬ ‫ز‬
‫وهنا فتح الرسالة‬

‫✦✦✦‬

‫‪157‬‬
‫الفصل التاسع‬

‫المكالمة الفاصلة‬

‫جلست مريم بغرفتها حزينة تبكي بقهر وتمسك برسالة سارة بين‬
‫أناملها بقوة كانت مذعورة خائفة مضطربة وتفكر فيما حدث‪.‬‬
‫و هل سارة ستعود ً‬
‫يوما لتنتقم منها ملا فعلت؟‬
‫فقالت تهمس لنفسها‪:‬‬
‫شيئا يا صديقتي‬‫"صدقيني يا سا ة لقد كانت مجرد دعابة ولم أقصد ً‬
‫ر‬
‫أبدا أو إهانتك‪ ،‬ويكفي انتقام هللا مني وما عشته من عذاب مع زوجي‬ ‫ً‬
‫األول وبعدها زوجي الثاني من ضرب وإهانة‪ .‬لقد انتقم هللا مني يا سارة ملا‬
‫فعلته معك"‪.‬‬
‫و هنا صرخت ً‬
‫فزعا عندما رن جرس الهاتف بجوارها‪.‬‬
‫فقالت غاضبة‪:‬‬
‫‪ "-‬من الذي يتصل في هذا الوقت املتأخر"‪.‬‬
‫وهنا رفعت السماعة بعنف لتعرف من املتصل فكانت هي على‬
‫الطرف اآلخر‪.‬‬

‫‪158‬‬
‫ال ليست سارة‪ .‬كما تظنون‪.‬‬
‫إنها سرينا أخت أيرين صديقتها وكانت ثائرة تبكي بقهر وتسأل عن‬
‫أيرين أختها‪ .‬فهي لم تعد إلى املنزل حتى اآلن منذ أن ذهبت لزيارتها في‬
‫بيتها‪.‬‬
‫فقالت سرينا من بين دموعها‪:‬‬
‫‪ -‬أين أختي يا مريم فهي لم تعد إلى املنزل منذ أن ذهبت ملقابلتكم أنت‬
‫ورهام أمس؟‬
‫فردت مريم برعب وهي تتذكر أيرين وهي تخرج من الغرفة بفزع و تبكي‬
‫بمالبسها املمزقة وتنتحب‪ .‬فردت بصوت مهزوز‪:‬‬
‫‪ -‬ال أعلم يا سرينا لقد رأيتها تغادر منزل رهام أمس وال أعرف أين‬
‫ذهبت صدقيني ولم تتصل بي أو تخبرني ً‬
‫شيئا من وقتها‪.‬‬
‫عال قائلة‪:‬‬
‫و هنا صرخت سرينا بصوت ٍ‬
‫‪ -‬ماذا تقولين يا رهام وأين ذهبت أيرين أذن‪.‬‬
‫فردت مريم‪:‬‬
‫‪ -‬صدقيني يا سرينا أنا ال أعلم عن أختك ً‬
‫شيئا ‪.‬‬
‫وهنا قاطعتها سرينا بغضب‪:‬‬
‫‪ -‬ماذا تقولين مريم؟ وملاذا تكذبين؟‬

‫‪159‬‬
‫‪ -‬لقد أخبرتني سا ة بأنك تعرفين مكانها ً‬
‫جيدا أنت ورهام فلقد ذهبت‬ ‫ر‬
‫أيرين لرؤيتكم ولم تعد حتى اآلن ماذا فعلتن لها‪ .‬و أين ذهبت أختي‬
‫الوحيدة؟‬
‫وهنا لم ترد مريم أو تنطق بحرف واحد مما أثار غضب سرينا وحنقها‬
‫فصرخت غاضبة وهي تقول بصوت ٍ‬
‫عال‪:‬‬
‫‪ -‬ملاذا ال تخبريني أين أختي يا مريم؟ وماذا فعلت معها؟ إن لم تخبريني‬
‫بمكانها سأتصل بالشرطة وأخبرهم ما قالته سارة لي‪ .‬فهي تعلم كل‬
‫ش يء‪.‬‬
‫وهنا لم تتحمل أعصاب مريم وشعرت بالتوتر عند سماعها هذا‬
‫االسم البغيض اسم سارة‪،‬‬
‫فردت مريم بفزع شديد قائلة‪:‬‬
‫‪ -‬من أخبرك بأنني أعرف مكانها؟ فأنا لم أسمع ً‬
‫جيدا‬
‫فردت عليها سرينا بحدة‪:‬‬
‫‪ -‬إنها سارة‬
‫وهنا صرخت مريم في أذنيها برعب وعدم تصديق‪:‬‬
‫‪ -‬سارة هل قلت سارة يا سرينا؟‬
‫فقاطعتها سرينا بغضب قائلة‪:‬‬
‫‪ -‬نعم سارة صديقتكن هي من أخبرتني لقد كانت معكن هناك يا‪.‬‬

‫‪160‬‬
‫وهنا لم تتحمل فقاطعتها مريم قائلة‪:‬‬
‫‪ -‬افعلي ما تشائين يا سرينا‪ ،‬فأنا ال اعرف طريق أختك‪.‬‬
‫ثم أغلقت الخط في وجهها بقوة و هي تنظر إلى األمام برعب وعيون‬
‫زائغة‪.‬‬
‫و تصرخ مرددة‪:‬‬
‫"سارة أخبرتها بذلك‪ .‬ال‪ .‬سامحيني يا سارة"‪.‬‬
‫✦✦✦‬

‫وعلى الطرف اآلخر من الخط و في منزل أيرين أغلقت سرينا التليفون‬


‫وهي تبكي من رد فعل صديقة أختها مريم فهي لم ترحها أو تخبرها أين‬
‫أختها أيرين وأين ذهبت؟ و ملاذا لم تعد إلى املنزل حتى اآلن؟ ماذا حدث‬
‫لها وهل هي بخير؟ و ملاذا كذبت مريم عليها فسارة أخبرتها بأن مريم ورهام‬
‫تعرفان مكانها ولكن األخرى ال ترد على هاتفها ً‬
‫أبدا لم تدري سرينا ماذا‬
‫تفعل أو كيف تتصرف؟ و هل تخبر والديها باألمر فهما عند خالتها‬
‫بأسيوط بصعيد مصر ولم يعودا بعد‪.‬‬
‫فقالت بهستريا وهى تمسك برأسها‪:‬‬
‫"كيف أتصرف يا رب وأنا وحدي هل اتصل بهما اآلن"‪.‬‬
‫و أمسكت بهاتفها املحمول فرن الهاتف بين يديها‪ .‬وأسرعت بالرد‬
‫معتقدة بأنها أختها الغائبة ولكن خاب ظنها لقد كانت إحدى صديقات‬
‫‪161‬‬
‫أختها أيرين و لكنها رفضت إخبارها من تكون ولكن سرينا كانت واثقة بأنها‬
‫صديقتها سارة فصوتها مميز‪ ،‬وال يمكن للمرء نسيانه بسهولة بتلك البحة‬
‫الواضحة وسألت الصديقة قائلة‪:‬‬
‫‪ -‬هل عادت أيرين إلى املنزل يا سرينا؟‬
‫فردت سرينا قائلة‪:‬‬
‫‪ -‬ال لم تعد إلى املنزل وال أدري ماذا أفعل أو كيف أتصرف؟ فأنا‬
‫وحدي في املنزل ‪.‬‬
‫فردت الصديقة قائلة‪:‬‬
‫‪ -‬ألم تخبرك مريم بمكانها ‪.‬‬
‫فردت سرينا‪:‬‬
‫‪ -‬بال لقد أنكرت األمر وقالت أنها لم ترها‪.‬‬
‫ثم أكملت بجدية‪:‬‬
‫‪ -‬وهل ً‬
‫حقا تعرف مريم مكانها يا سارة؟‬
‫فقالت الصديقة‪:‬‬
‫ً‬
‫‪ -‬أوال أنا لست من تعتقدين صدقيني يا سرينا‪ .‬بل فاعلة خير وأريدك‬
‫أن تعلمي بأن أختك محبوسة اآلن في غرفة مظلمة في منزل مريم‬
‫ثم أغلقت الخط و تركتها حائرة ال تدري ماذا تفعل؟‬

‫‪162‬‬
‫فصرخت سرينا برعب مرددة‪:‬‬
‫" ماذا تقولين يا سارة؟ أختي محبوسة بغرفة مظلمة ماذا تقولين يا‬
‫سارة أرجوك‪ .‬ال تغلقي الخط يا سارة‪ ،‬نعم أنت هي فصوتك ال يمكن‬
‫للمرء نسيانه بسهولة‪ ،‬أرجوك أخبريني الحقيقة أين أختي أيرين؟ "‬
‫و لكنها لم تتلق أي رد ووقفت سرينا غاضبة و هي تقول ٍ‬
‫بتحد‪:‬‬
‫"البد من إنقاذ أختي بأي ثمن و ليدفع املخطئ ثمن أخطائه سأذهب‬
‫إلى قسم الشرطة و ليحدث ما يحدث وليساعدني الرب"‬
‫✦✦✦‬

‫ً‬
‫متحفزا ال‬ ‫في إحدى الشوارع الضيقة كريهة الرائحة وقف ساهر‬
‫يتحرك أو يصدر منه أي صوت‪ ،‬حتى صوت أنفاسه حاول كتمانه حتى ال‬
‫يخيفها فتهرب من أ مامه كان منتظرا اللحظة املناسبة‪ ،‬لحظة الصفر‬
‫لينقض عليها بدون أن يشعر أحد باألمر‪.‬‬
‫لقد حاول ً‬
‫كثيرا أن يمسكها بهدوء ولكنها عنيدة وتشعر بوجوده فكلما‬
‫اقترب منها خطوة فرت هي هاربة من أمامه أكثر مختبئة خلف تالل‬
‫القمامة التي تمأل الشارع في كل مكان هنا وهناك فزفر بقوة وهو يجري‬
‫ً‬
‫مسرعا حتى كاد يسقط على وجهه متعثرا في القمامة فقال صارخا‪:‬‬ ‫خلفها‬
‫أبدا يا صغيرتي صدقيني‪ .‬سآخذ‬ ‫"يا لك من لعينة أنا لن أقتلك ً‬
‫عينيك اليسرى فقط وبعض أظافرك فلماذا تهربين يا فتاة؟"‬

‫‪163‬‬
‫و لكنها فرت من أمامه هاربة وكأنها فهمت ما يريده منها‪ .‬فأبت أن‬
‫ً‬
‫مفكرا و قال هامسا لنفسه‪:‬‬ ‫تعطيه ً‬
‫شيئا فوقف‬
‫" البد من اصطياد تلك اللعينة بأي ثمن فهذه آخر طلبات سارة العين‬
‫اليسرى لقطة سوداء وبعض األظافر املتسخة بالقمامة‪".‬‬
‫وقف ساهر ً‬
‫حائرا يفكر في كيفية اصطيادها‪ ،‬فقد أحضر كل الطلبات‬
‫و لم يتبق إال هذان الطلبان فقال لنفسه غاضبا‪:‬‬
‫"ملاذا تصعبين األمور يا سارة؟ ملاذا عين قطة وأظافرها‪ ،‬ملا لم تطلبي‬
‫عين بشرية وتسهلي األمور فالعيون البشرية كثيرة تمأل الشوارع فما أسهل‬
‫الحصول عليها بدون أي مجهود ولكن عين قطة تجري هنا وهناك‪ .‬ال‬
‫أعلم ملاذا فعلت بي ذلك حبيبتي فأنت تصعبين األمور ً‬
‫كثيرا‪".‬‬
‫وهنا التقط إحدى األحجار الكبيرة من على األرض بغضب‪ .‬قام بقذف‬
‫القطة وهو غاضب وبقوة‪ .‬فأصابتها الحجرة في إحدى أرجلها الخلفية و‬
‫سقطت على األرض تئن وتتألم بشدة فاقترب هو منها‪ .‬وهو يبتسم بانتصار‬
‫و كانت املسكينة تموء وتتألم‪ .‬و قال مبتسما يحدثها وكأنها تفهمه‪:‬‬
‫" أخيرا هزمتك أيتها اللعينة وسأحصل على آخر طلبات سارة يا‬
‫صغيرة‪ ،‬ال تخافي فلن تتألمي ً‬
‫كثيرا‪ ،‬صدقيني يا فتاة‪".‬‬
‫وهنا أخرج السكين الصغير من جيب قميصه‪ .‬و أمسك بالقطة التي‬
‫ازداد موائها ثم قام بقص أظافرها وأغلق فمها بقطعة قماش متسخة‪.‬و‬
‫شق اللحم حول عينيها وهو سعيد بمنظر الدماء التي مألت يديه‪.‬‬
‫و قال مبتسما‪:‬‬
‫‪164‬‬
‫"عذرا يا صغيرة ولكن هذا من أجل سارة‪ .‬فأنت لن تحتاجي لعينيك‬
‫االثنتين‪ ،‬فلتكتفي بواحدة حتى ال تري تلك التالل الكثيرة من القمامة"‬
‫عال وسالت الدماء الحمراء على األرض و نظر ساهر‬
‫وضحك بصوت ٍ‬
‫ً‬
‫إلى الدماء الحمراء قائال‪:‬‬
‫"نفس لون الدماء البشرية فما الفرق فكل ها دماء حمراء فالبشر‬
‫كالحيوانات ويحملون نفس الدماء"‬
‫ً‬
‫وكتم ساهر أنفاسه منفعال و لم يتبق إال صوت مواء املسكينة وهي‬
‫تتألم فقد حرمت من مأوى تعيش فيه وطعام نظيف تأكله و اآلن حرمت‬
‫من إحدى عينيها ولكن ال يهم فمن سيهتم‪.‬‬
‫✦✦✦‬

‫نقلت نورا جسد األب إلى غرفته وأغلقت الباب خلفها بهدوء وكأن‬
‫شيئا لم يحدث ثم ذهبت إلى غرفتها لتكمل طقوسها الخاصة وكأن ً‬
‫شيئا‬ ‫ً‬
‫لم يحدث‪.‬‬
‫وفي تلك اللحظة سمعت الدق على باب غرفتها فقالت بغضب‪:‬‬
‫‪ -‬ماذا تريد يا أحمد اآلن؟‬
‫ً‬
‫فرد أحمد شقيق سارة األصغر وهو ينتحب قائال‪:‬‬
‫ً‬
‫‪ -‬أريد أن أتحدث معك قليال يا خالتي إن سمحت لي بالدخول‪.‬‬

‫‪165‬‬
‫ً‬
‫و هنا رق قلبها قليال عندما سمعت صوته الحزين فهي بشر مثلنا و‬
‫تشعر وتحس فمازال قلبها ينبض بالحياة فردت عليه برقة قائلة‪:‬‬
‫‪ -‬تفضل بالدخول يا فتى‪.‬‬
‫فدخل الصبي وهو مرتبك يجر قدميه جرا‪ .‬و كان يبكي بشدة وينتحب‬
‫كان يشبه أمه ً‬
‫كثيرا فهو يحمل نفس عيونها البنية وشعرها البني املجعد‬
‫وبشرته السمراء فقال من بين دموعه‪:‬‬
‫‪ -‬مساء الخير يا خالتي نورا‪.‬‬
‫فنظرت إليه برفق نظرا لحالته املزرية قائلة‪:‬‬
‫‪ -‬ماذا تريد يا أحمد اآلن؟‬
‫ً‬
‫فرد قائال وهو يتجنب النظر إلى عيونها الواسعة‪:‬‬
‫حقا تستطيعين إيقاظ شقيقتي سارة من قبرها يا خالتي نورا‬ ‫‪ -‬هل ً‬
‫وتعيديها إلينا مرة أخرى كالزومبي‬
‫فنظرت له نورا بعيونها الواسعة الشبيهة بالفنجان في وسعها وردت‪:‬‬
‫‪ -‬من أخبرك ذلك الكالم أيها الصغير‪.‬‬
‫فرد أحمد مذعو ًرا وهو يرجع خطوتين إلى الخلف خوفا من نظرات‬
‫عيون خالته النارية‪:‬‬
‫‪ -‬لقد سمعت حديثك مع أبي يا خالتي‪.‬‬

‫‪166‬‬
‫ً‬
‫منتظرا‬ ‫ً‬
‫منتظرا ردها وظل ينظر إليها‬ ‫و صمت ولم ينطق بحرف آخر‬
‫إجابتها و لكنها صمتت هي األخرى ولم ترد عليه‪.‬بل ظلت تنظر إلى عينيه‬
‫وكأنها تقرأ أفكاره و تريد أن تعرف ماذا يريد بعد ذلك هل سيعارضها كما‬
‫فعل والده؟‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫فقال متوترا وهنا خرج صوته ضعيفا وابتعد قليال عنها قائال‪:‬‬
‫‪ -‬أرجوك يا خال تي نورا أن تعيديها لي فأنا ليس لي أحد في هذا العالم‬
‫سواها‪ ،‬هي من كانت تفهمني وتحبني‪.‬‬
‫و لم يعد يستطيع التحمل أكثر من ذلك فانفجرت الدموع من عينيته‬
‫ً‬
‫تسيل كالشالل ثم أكمل قائال‪:‬‬
‫‪ -‬أتوسل إليك أن تعيديها مرة أخرى‪.‬‬
‫فنظرت نورا بإشفاق تأثرا بحالته وهنا ردت عليه قائلة‪:‬‬
‫‪ -‬ال تقلق يا صغير سيكون كل ش يء بخير و ستعود سارة ً‬
‫يوما ال تقلق‪.‬‬
‫وثق بي يا بني ال تخف من ش يء ‪.‬‬
‫ً‬
‫فرد عليها وهو يحاول االبتسام قائال‪:‬‬
‫‪ -‬هل تعدينني بذلك يا خالتي نورا؟‬
‫فابتسمت برفق قائلة‪:‬‬
‫َ‬
‫وانس كل‬ ‫‪ -‬أعدك يا أحمد أن أعيد إليك أختك‪ .‬و اآلن غادر غرفتي‬
‫ش يء تحدثنا فيه هنا أيها الصبي‪ .‬و ال تنطق بحرف واحد وال تتحدث‬
‫أبدا هل سمعتني ً‬
‫جيدا؟‬ ‫مع أحد ً‬
‫‪167‬‬
‫ً‬
‫فرد الصبي وهو سعيد ال يصدق نفسه قائال‪:‬‬
‫‪ -‬نعم فهمت كل ش يء ولن أخبر أحد ً‬
‫أبدا بش يء صدقيني و أعدك‬
‫بذلك‪.‬‬
‫و خرج من الغرفة وهو سعيد يكاد يطير من األرض ً‬
‫فرحا ال يصدق هل‬
‫ً‬
‫حقا ستعود سارة إليه ً‬
‫يوما‪.‬‬
‫من يدري؟‬
‫فكل ش يء أصبح ممكن الحدوث حتى املوتى لم يعودوا كما كانوا من‬
‫قبل‪.‬‬

‫✦✦✦‬

‫‪168‬‬
‫الفصل العاشر‬

‫الدعابة القاتلة‬

‫جلست رهام بغرفتها منهارة تبكي بقهر بعد حديثها مع والدتها ثم‬
‫أخرجت رسالة صديقتها الراحلة سارة وأخذت تعيد قراءتها من جديد‬
‫وهي تشعر بالرعب من كل ش يء حولها وأمسكت بطنها بقوة وهي تقول‬
‫هامسة محدثة من في رحمها‪:‬‬
‫أبدا أعدك بأنني سأحميك‬ ‫"ال تخف يا صغيري فلن يأخذك مني ش يء ً‬
‫ذهابا ً‬
‫وإيابا‪".‬‬ ‫من كل ش يء وبعدها أخذت تجوب الحجرة ً‬

‫ثم همست لنفسها‪:‬‬


‫ُ‬
‫" البد من االتصال باألخريات فأنا لم أفعل ما فعلت بمفردي بل ك ّن‬
‫معي فالبد من أن يعرفن باتصال سارة بأمي وتهديدها لي فالبد من معرفة‬
‫حقا وهذه روحها‪ .‬أم أن كل ذلك مجرد دعابة‬ ‫الحقيقة‪ .‬هل سا ة ماتت ً‬
‫ر‬
‫سخيفة من إحداهن‪ ،‬و ربما كانت الدعابة منها هي سارة الخبيثة"‪.‬‬
‫ثم زفرت بقوة وأكملت بغضب‪:‬‬

‫‪169‬‬
‫"نعم ومن غيرها يريد أن ينتقم منا ويجعلنا نفقد صوابنا؟ فالبد من‬
‫أن نتحد ونتصرف بسرعة ونعطيها درسا ثانيا‪ .‬حتى ال تكرر ما تفعله معنا‬
‫تلك اللعينة و ترحل بال عودة"‪.‬‬
‫وفي تلك اللحظة انفتح باب غرفتها بقوة‪ .‬و هنا شعرت بالرياح الباردة‬
‫تتسلل إليها‪ .‬و ال تدري من أين تأتي تلك الرياح شديدة البرودة؟ فالطقس‬
‫مازال صيفا وأصبح املكان باردا كالثلج‪ .‬و شعرت رهام بالتوتر والفزع‪.‬‬
‫عال حاولت أن تجعله يخرج طبيعيا قائلة‪:‬‬
‫فتساءلت بصوت ٍ‬
‫" من فتح الباب؟ هل أنت هناك يا أمي؟"‬
‫ً‬
‫طويال فلم َ‬
‫تتلق أي‬ ‫و انتظرت أن تتلقى أي إجابة ولكنها انتظرت‬
‫جواب أو تسمع أي صوت غير صوت صفير الرياح والبرودة الشديدة التي‬
‫تجمد األطراف وازداد صوت الرياح كالصفير في أذنيها فلم تستطع التحرك‬
‫من مكانها أو التقدم خطوة واحدة‪ ،‬و ظلت ترتعد من البرد الشديد‬
‫والفزع وصدرها يعلو ويهبط ببطء و تسارعت دقات قلبها حتى كانت‬
‫تسمعها تدق كالطبول‪.‬‬
‫و خرجت الكلمات من بين شفتيها مهزوزة مرتجفة و هي تردد قائلة‪:‬‬
‫" من هناك من فتح الباب"‪.‬‬
‫وفي تلك اللحظة رأتها بوضح تمر من أمام باب غرفتها مسرعة‪ ،‬فتاة‬
‫ترتدي الثوب األبيض وذات شعر أسود طويل‪ ،‬ولكنها لم تتبين مالمحها‬
‫ً‬
‫جيدا و أمتأل املكان برائحة الياسمين وصرخت رهام برعب قائلة‪:‬‬
‫"سااااااااارة"‬
‫‪170‬‬
‫و تسمرت قدماها في األرض من شدة التوتر واالنفعال‪ .‬و لم تستطع‬
‫التحرك أو التقدم خطوة واحدة فوقفت ممسكة ببطنها وهي تنظر إلى‬
‫خارج الغرفة برعب إلى تلك الفتاة ذات الشعر األسود الطويل التي تقف‬
‫خارج باب الغرفة‪.‬‬
‫✦✦✦‬

‫ً‬
‫وشاكرا فضله بعد أن استطاع جمع كل‬ ‫ً‬
‫حامدا ربه‬ ‫تنهد ساهر بارتياح‬
‫الطلبات التي طلبتها منه سارة في رسالتها و نفذ جميع أوامرها بالحرف‬
‫الواحد‪.‬ثم قال مبتسما يحدث نفسه في زهو وعيونه تلمع بقوة‪:‬‬
‫" أخيرا سأراها ثانية"‬
‫ثم قام بوضع األشياء التي جمعها في أكياس سوداء كما طلبت منه في‬
‫ً‬
‫رسالتها وردد قائال بفخر‪:‬‬
‫ً‬
‫سريعا إلى الخالة‬ ‫"أخي را نفذت ما تريدين مني يا حبيبتي و سأذهب‬
‫نورا ونخرجك من قبرك قبل أن يخرج الدود من أنفك يا عزيزتي"‬
‫و هنا ضحك بقوة واهتز جسده من شدة االنفعال و أكمل بهيام‪:‬‬
‫" لقد اشتقت إليك ً‬
‫كثيرا وأتمنى رؤيتك اآلن حبيبتي"‪.‬‬
‫ً‬
‫سريعا متجها إلى منزل حبيبته وخالتها الساحرة‬ ‫ثم خرج من غرفته‬
‫نورا و كانت تراقبه بقلق شديد من بعيد وتنتظر تلك اللحظة بفارغ‬
‫الصبرأن يخرج من الغرفة لتتكلم معه فاستوقفته األم قائلة‪:‬‬

‫‪171‬‬
‫‪ -‬هل أنت خارج اآلن يا ساهر؟‬
‫ً‬
‫فرد بفتور وهو يتجه إلى باب الشقة ولم يلتفت إليها قائال‪:‬‬
‫ً‬
‫سريعا ولن أتأخر صدقيني‪.‬‬ ‫‪ -‬نعم يا أمي سأعود‬
‫فردت األم بقلق وهي تنظر إلى تلك األكياس السوداء ويداه املتسختان‬
‫وامللطختان بالدماء فقالت برجاء‪:‬‬
‫‪ -‬ال تخرج يا ولدي من فضلك‪ ،‬فالطبيب ينتظرنا بالعيادة اآلن‬
‫و هنا نظر إليها مندهشا مما تقول ثم قال متسائال‪:‬‬
‫‪ -‬الطبيب ينتظرنا! أي طبيب يا أمي؟ هل أنت مريضة وأنا ال أعرف‪.‬‬
‫ملاذا لم تخبريني باألمر يا أمي؟‬
‫فقاطعته أمه قائلة‪:‬‬
‫‪ -‬ال يا ساهر لست أنا املريضة يا ولدي‪ .‬فالطبيب حسام ينتظرك‬
‫بالعيادة اآلن‪.‬‬
‫ً‬
‫و هنا نظر إليها بغضب شديد قائال‪:‬‬
‫‪ -‬ماذا تقولين الطبيب حسام ينتظرني اليوم؟ ملاذا؟ أنت تعرفين ً‬
‫جيدا‬
‫بأني أصبحت بخير اآلن‪ .‬و ال أحتاج إليه أو إلى غيره‪ ،‬ملاذا فعلت ذلك‬
‫يا أمي؟‬
‫فأجابت األم بحنان وهي تقترب من ابنها الثائر محاولة تهدئته قائلة‪:‬‬

‫‪172‬‬
‫‪ -‬ال يا ولدي أنت مازلت تحتاج إلى العالج و بعض الجلسات‪ ،‬لقد‬
‫اتصلت به ألستشيره‪ .‬فأخبرني بضرورة حضورك اليوم الستكمال‬
‫العالج‪.‬‬
‫فرد عليها ً‬
‫ثائرا وهو يبعد يدها عن كتفة‪:‬‬
‫‪ -‬ال يا أمي لن اذهب إلى أي طبيب ودعيني وشأني و ال تتدخلي في‬
‫أموري مرة أخرى‪ .‬هل تفهمين؟‬
‫ثم نظر في ساعته فقال غاضبا‪:‬‬
‫‪ -‬لقد تأخرت ً‬
‫كثيرا على موعدي‪ ،‬البد أن أرحل اآلن‬
‫وهنا قالت األم غاضبة وهي تتجه إلى باب املنزل لتسد عليه الطريق‬
‫وتمنعه من اجتياز الباب والخروج من املنزل قائلة‪:‬‬
‫‪ -‬إلى أين تريد الذهاب اآلن يا ولدي؟ و ما تلك القمامة واألكياس‬
‫السوداء في يدك‪ .‬لن أدعك تذهب إلى أي مكان‪ ،‬قبل أن تذهب معي‬
‫إلى الطبيب يا ساهر‪ .‬لن أدعك تؤذي نفسك يا ولدي من جديد‬
‫فأنت مازلت مريضا ومازلت تحتاج إلى العالج النفس ي واملتابعة‪.‬‬
‫وهنا لم يتحمل ساهر كل هذا فصرخ غاضبا في وجهها‪:‬‬
‫‪ -‬ابتعدي عن الباب يا أمي من فضلك فليس هناك وقت لكل هذا‬
‫التهريج أريد الخروج اآلن قبل أن تفسد األشياء‬
‫وتحد قائلة‪:‬‬
‫فنظرت إليه األم بإصرار ٍ‬

‫‪173‬‬
‫‪ -‬أي أشياء يا ولدي لن تخرج من املنزل ً‬
‫أبدا يا ساهر قبل زيارة‬
‫الطبيب اآلن وإن لم تذهب معي سأتصل به‪ .‬ليرسل من يأخذنك إلى‬
‫املستشفى‪.‬‬
‫فنظر إليها غير مصدق ما تقول و قال ثائرا‪:‬‬
‫‪ -‬هل سترسلينني إلى مستشفى األمراض العقلية يا أمي؟ هل ستفعلين‬
‫معي ذلك؟ هل نسيت ما فعلوه معي هناك‪.‬‬
‫وهنا نظرت له أمه بحزن وأس ى والدموع في عينيها قائلة‪:‬‬
‫‪ -‬هذا ملصلحتك يا ساهر‪ ،‬فأنت مازلت تحتاج إلى العالج يا ولدي ولقد‬
‫أخبرني الطبيب مجدي بذلك‪.‬‬
‫كانت تريد أن تكون حازمة وقوية في اتخاذ قراراها ولكن غلبتها‬
‫دموعها فسقطت كالشالل مندفعة‪ .‬و لم تستطع التحمل أكثر من ذلك‬
‫أمام لوم ابنها وتأنيبه لها فهي ال تريد إال م صلحته ملاذا ال يفهم ذلك؟‬
‫ً‬
‫نظر إليها ساهر وهو غاضب وصرخ بهيستريا قائال‪:‬‬
‫‪ -‬ال يا أمي لن أسمح لك بذلك فسارة تحتاجني اآلن ولن أتخلى عنها‬
‫بعد كل ما فعلت‪ .‬و سأخرج اآلن من املنزل ولن يقف في طريقي أحد‬
‫فابتعدي عني اآلن‬
‫فردت األم بإصرار قائلة‪:‬‬
‫‪ -‬لقد رحلت سارة‪ ،‬ولن تخرج يا ساهر اآلن قبل أن يراك الطبيب‪.‬‬

‫‪174‬‬
‫وهنا وقفت أمام باب املنزل لتسد طريقه بإصرار غريب و أكملت‬
‫قائلة‪:‬‬
‫‪ -‬لن تخرج إال على جثتي يا ولدي‪ ،‬فلن أبتعد عن باب املنزل ً‬
‫أبدا و لن‬
‫أدعك تخرج لتؤذي نفسك يا ولدي هل تفهم يا ساهر‪ .‬لن تخرج إال على‬
‫جثتي‬
‫ً‬
‫فرد ببرود شديد قائال‪:‬‬
‫‪ -‬إذن فأنت من اختارت يا أمي وسأخرج ولن يمنعني أحد على وجه‬
‫األرض‪ ،‬سأخرج فسارة تحتاجني اآلن هل تفهمين ذلك؟ و ال يمكنني‬
‫التخلي عنها ً‬
‫أبدا‪.‬‬
‫ثم أخرج السكين الصغير من جيب قميصه‪ ،‬وكان ما يزال متسخا‬
‫ببعض الدماء و اقترب من رقبة أمه التي مازالت تسد الباب ثم قام‬
‫بذبحها بقوة دون أن تهتز له شعرة واحدة‪ ،‬ونظرت له األم غير مصدقة‬
‫أبدا ما حدث‪ .‬هل ذبحها ساهر ابنها ً‬
‫حقا كالنعاج؟‬ ‫ً‬

‫هل هذا هو ساهر ابنها الذي حملته في بطنها تسعة أشهر و أرضعته‬
‫عامين من صد ها؟ هل هو أم أنه وحش ال تعرف عنه ً‬
‫شيئا ؟‬ ‫ر‬
‫ظلت تردد بوهن‪:‬‬
‫"هل هنت عليه هكذا ليذبحني كالنعاج"‪.‬‬
‫وهنا سقطت األم على األرض غير مصدقة ما حدث وسالت الدماء‬
‫الحمراء تجري كالنهر على األرض‪ ،‬وفي تلك اللحظة نظر ساهر إلى أمه‬
‫ً‬
‫ببرود قائال‪:‬‬
‫‪175‬‬
‫‪ -‬أنت من جعلتني أقوم بذلك يا أمي فأرجو أن تلتمس ي لي العذر‪،‬‬
‫فالبد من أن تعود سارة للحياة مرة أخرى فهذا من أجلها‪.‬‬
‫و زفر هو بقوة ثم أكمل‪:‬‬
‫‪ -‬ال تقلقي يا أمي فسأجعل الخالة نورا تعيدك مرة أخرى للحياة ال‬
‫تقلقي يا أمي ً‬
‫أبدا ونامي في هدوء إلى أن أعود‪.‬‬
‫ً‬
‫متجها إلى الخالة نورا إلعادة سارة من جديد‬ ‫ثم خرج من باب املنزل‬
‫ً‬
‫تاركا خلفه أمه الحاجة عفاف مذبوحة على األرض ومفصولة الرأس عن‬
‫الجسد كالنعاج‪.‬‬
‫ال أدري ملاذا لم تدعيه يخرج من املنزل يا عفاف؟ وأصريت على رأيك‬
‫فلتدعيه يخرج أيتها املرأة حتى وإن ذهب إلى الجحيم و لكنها النهاية وال‬
‫يدري أي منا كيف ستكون نهايته؟ وإن تعددت األسباب فاملوت واحد‪.‬‬
‫وال تدري كل نفس بأي أرض تموت‬
‫✦✦✦‬

‫في مكان مظلم ال تستطيع رؤية أصابع يديك من شدة ظالمه جلست‬
‫أيرين ممزقة املالبس تبكي بقوة وهي ال ترى أي ش يء أمامها فاملكان مظلم‬
‫ومخيف من حولها ال تدري أين هي؟ أو من وضعها هنا وملاذا؟‬
‫كل ما تتذكره بأنها خ رجت من منزل صديقتها رهام مذعورة بعد أن‬
‫هاجمها ً‬
‫شيئا أسود غريب هناك بالغرفة ث م امتالء املكان برائحة‬

‫‪176‬‬
‫الياسمين التي ال يمكن للمرء نسيانها بسهولة‪ ،‬فهي رائحة عطر سارة‬
‫املفضلة‪.‬‬
‫كانت تتحدث معه على الهاتف‪ .‬تبكي بفزع وتخبره ماذا أصابها هناك‪.‬‬
‫فلقد كان يعرف كل ش يء‪ .‬نعم يعرف فهي لم تخفي ً‬
‫شيئا عنه‪ .‬واآلن‬
‫تخبره بمصيبتها وتهديد سارة لها بأنها ستقتله إن عرفت بأنه يحبها‪.‬‬
‫إنه مينا صديقها وابن خالتها‪ ،‬لقد فتحت له قلبها وقصت عليه كل‬
‫ش يء ليساعدها‪ ،‬كانت تعرف بأنه يحبها ولكنها لم تبادله الحب فلم يعد‬
‫قلبها يتحمل أي ش يء وال تريد أن تؤذي أحد أخر‬
‫كانت منهارة وهي تتحدث في الهاتف املحمول مع مينا‪ .‬وبعدها حدث‬
‫سريعا‪ .‬فهي ال تتذكر ً‬
‫شيئا ثم وجدت نفسها هنا في هذا املكان‬ ‫ً‬ ‫كل ش يء‬
‫املظلم املخيف‪ .‬من الذي أحضرها ال تعرف هل هي سارة أم شبحها؟‬
‫كانت الرائحة كريهة من حولها‪ .‬كرائحة العفن أو القمامة وكانت هي‬
‫مقيدة اليدين والقدمين مكممة الفم‪.‬‬
‫وهنا بكت أيرين بشدة وهي ال تدري ماذا تفعل ففمها مربوط و لن‬
‫تستطيع الصراخ لينقذها أحدهم‬
‫شعرت أيرين بقهر وهي تتذكر سارة وتتذكر ما فعلوه معها‪ ،‬نعم ومن‬
‫غيرها إنها صديقتها القديمة سارة‬
‫فهمست لنفسها من بين دموعها قائلة‪:‬‬
‫"سامحيني يا سا ة أعرف بأنك تسمعينني اآلن‪ ،‬لم أكن أقصد ً‬
‫شيئا‬ ‫ر‬
‫صد قيني فلم تكن إال دعابة سخيفة‪ .‬و أنت صدقت األمر كله يا صديقتي‪.‬‬
‫‪177‬‬
‫لم أكن أعلم بأنهم كانوا يريدون بك شرا صدقيني وسامحيني أرجوك"‬
‫و أجهشت بالبكاء الحار والنحيب وهي تتذكر ما حدث و ما فعلوه‬
‫بسارة في تلك الليلة؟‬
‫✦✦✦‬

‫استمع مينا إلى أيرين بتوتر وحاول أن يهدئ من روعها ولكنه لم‬
‫يستطع‪ ،‬فقد كانت منهارة ومذعورة بشدة وتبكي بعنف‪ .‬ثم سمع صراخها‬
‫املتواصل وبعدها انقطع االتصال‪.‬‬
‫وأخذ هو ينادي ً‬
‫مرددا اسمها‪ .‬ولكن بال جدوى‪.‬‬
‫ً‬
‫سريعا وقرر‬ ‫فحاول االتصال بها مرارا بال فائدة‪ ،‬فارتدى مالبسه‬
‫الذهاب للبحث عنها‪ ،‬ولكنها منعته لقد خرجت له من تحت األرض‪.‬‬
‫أياد سوداء مشعره‪.‬‬
‫لتمسك بقدميه بقوة‪ .‬إنها ٍ‬
‫وهنا صرخ‪ .‬صرخ بعنف عندما رآها‪ .‬ثم سقط على رأسه بعنف‪.‬‬
‫ً‬
‫سريعا‪.‬‬ ‫وبعدها انتهى كل ش يء‬

‫✦✦✦‬

‫‪178‬‬
‫في قسم الشرطة‬
‫ذهبت سرينا مع عمها بطرس إلى قسم الشرطة وهي تبكي بقهر فلقد‬
‫علمت بخبر موت "مينا" ابن خالتها اثر سقوطه على رأسه بعنف‪.‬‬
‫ذهبت إلى قسم الش رطة لتبلغ عن اختفاء أختها أيرين و تتهم صديقتها‬
‫مريم باختطافها وحبسها عندها باملنزل كما أخبرتها سارة‪.‬‬
‫وبعد تقديم البالغ تقدمت قوة من رجال الشرطة إلى منزل مريم و‬
‫قاموا بتفتيش املنزل والبحث عن أيرين فلم يجدوا لها ً‬
‫أثرا و بعد تفتيش‬
‫سطح امل نزل التي تسكنه مريم بعد طالقها و الذي هو ملك لوالدها وجد‬
‫رجال الش رطة أيرين مقيدة القدمين واليدين و ممزقة املالبس بإحدى‬
‫الغرف الخالية بسطح املنزل‬
‫و هنا صرخت سرينا ر ً‬
‫عبا عند رؤيتها ألختها بتلك الهيئة املزرية وظلت‬
‫ت صرخ بهيستريا ثم ذهبت لتصفع مريم على وجهها بقوة قائلة بغضب‪:‬‬
‫‪ -‬ستدفعين الثمن غاليا أيتها الحقيرة ملا فعلته بأختي‪.‬‬
‫و تم نقل أيرين إلى املستشفى حيث كانت في حالة صدمة شديدة و تم‬
‫القبض على مريم بتهمة اختطاف وتعذيب أيرين‪ ،‬وهنا وقفت مريم تنظر‬
‫بذهول لكل ما يحدث حولها غير مصدقة ما تراه أمامها وأخذت مريم‬
‫تصيح برعب بين أيدي رجال الشرطة غير مصدقة أن تكون أيرين هنا‬
‫فوق سطح منزلها ممزقه املالبس ومقيدة اليدين والقدمين‬
‫وهنا تذكرت سارة وما حدث من سنين و بنفس الغرفة املشئومة‬
‫وصرخت برعب قائلة‪:‬‬
‫‪179‬‬
‫"ال‪ .‬سامحيني يا سارة أرجوك فلم تكن إال دعابة يا صديقتي"‪.‬‬
‫ثم سقطت فا قدة الوعي تحت أقدام رجال الشرطة‪ .‬و تم نقلها إلى‬
‫املستشفى‬

‫✦✦✦‬

‫‪180‬‬
‫الفصل الحادي عشر‬

‫رسالة وردية اللون‬

‫عزيزي‪ :‬عمر‬

‫لقد اشتقت إليك كثريًا حبييب وكنت أمتنى رؤيتك كل يوم ويف‬
‫كل حلظة و لكين مل أستطع أبدًا أن أراك ففضلت الرحيل واالختباء‬
‫بعيدًا عنك و عند ما تصلك رساليت فاعلم بأن األوان قد فات وبأنين‬
‫مبكان بعيد اآلن وال ميكن الوصول إلية بسهولة ولكين سأعود يومًا‬
‫إليك‪.‬‬
‫ال تقلق يا عزيزي صدقين وثق بي جيدًا ولكين ال أدري كيف‬
‫سأعود أو متى؟ و لكين سأعود يومًا ال تقلق أبدًا وانتظر عودتي‬
‫إليك يومًا‪.‬‬
‫أعرف بأنك كنت تنتظر رساليت من فرتة طويلة لتعرف ماذا‬
‫حدث وملاذا تركتك ورحلت؟‬
‫و لكين مل أتركك بإرادتي صدقين يا عمر لقد مر كل شيء سريعًا‬

‫‪181‬‬
‫و لكن سأعود إليك يومًا فالبد من أن تعرف ما حدث معي و ما‬
‫فعلته معي زوجتك لتبعدني عنك و تتزوجك هي سأتصل بك قريبا‬
‫ألشرح لك كل شيء وما حدث‪.‬‬

‫إن كنت ال تستطيع االنتظار فاذهب إىل رهام زوجتك وأساهلا‬


‫بنفسك ماذا فعلت معي هي واألخريات؟‬
‫وداعا وانتظرني قريبا فما هي إال أيام قليلة ونلتقي من جديد‬

‫حبيبتك املخلصة لألبد‪:‬‬


‫سارة‬

‫✦✦✦‬

‫شيئا‪ ،‬هل ً‬
‫حقا‬ ‫قرأ عمر سالة سا ة الوردية وهو ال يدري أو يفهم ً‬
‫ر‬ ‫ر‬
‫رهام زوجته هي السبب بفراقه مع حبيبته سارة؟‬
‫و لكن كيف وملاذا فعلت رهام ذلك؟ فقرر الذهاب إلى زوجته في منزل‬
‫أسرتها و سؤالها ماذا فعلت لسارة؟ وماذا حدث فهو لن يستطيع االنتظار‬
‫أبدا فرسالة سارة حركت الكثير من مشاعره الدفينة التي حاول ً‬
‫كثيرا‬ ‫ً‬
‫قدما و لكنه اآلن ال يستطيع نسيانها ً‬
‫أبدا‪.‬‬ ‫قتلها داخله واملض ي بحياته ً‬

‫‪182‬‬
‫فرسالتها جعلته ال يرى ً‬
‫شيئا أمامه إال هي بشعرها األسود الطويل‬
‫ً‬
‫مسرعا إلى زوجته ليفهم منها كل‬ ‫ورائحة الياسمين ال تفارق أنفه فذهب‬
‫ش يء‪.‬‬
‫✦✦✦‬

‫وقفت رهام أمام باب الغرفة مذعورة تحاول أن تجر رجلها جرا لترى‬
‫من خارج الغرفة و تتأكد بأنها روح سارة أو عفريتها فخرجت ببطء وهي‬
‫ممسكة ببطنها و تشعر بمغص شديد وهنا نادت بصوت منخفض مبحوح‬
‫قائلة‪:‬‬
‫"سارة هل أنت هنا يا صديقتي أرجوك سامحيني يا سارة و دعيني‬
‫أعيش بسالم فأنا لم أقصد إيذائك ً‬
‫أبدا لقد كانت مجرد دعابة يا‬
‫صديقتي‪ ،‬صدقيني يا سارة"‬
‫وأجهشت بالبكاء الحار والنحيب وهى تردد قائلة‪:‬‬
‫"اتركيني يا سارة وارحلي واتركي ابني من فضلك فهو لم يفعل لكي‬
‫ً‬
‫شيئا" ‪.‬‬
‫وبعدها غادرت الغرفة تبحث عنها في املنزل كله‪ ،‬فقامت بتفتيش‬
‫جميع الغرف و لكنها لم تجد ً‬
‫شيئا باملنزل فلم يكن هناك أحد هناك‬
‫غيرها فأمها ذهبت لشراء بعض الحاجيات من الخارج و تركتها وحيدة‬
‫باملنزل وهنا جلست رهام على أقرب مقعد لتستريح بعد أن اطمأنت أنه‬
‫ليس هناك أحد باملنزل‪ ،‬وأن ما رأته ليس إال تهيؤات وهالوس بصرية‬
‫‪183‬‬
‫نتيجة لخوفها الشديد و توترها من رسالة سارة وكل ما مرت به في األيام‬
‫املاضية‪.‬‬
‫فأخذت تبكي بقهر وتنتحب قائلة‪:‬‬
‫"سامحيني يا سا ة لم أكن أقصد ً‬
‫شيئا"‬ ‫ر‬
‫و في تلك اللحظة شعرت بالبرودة الشديدة في املكان وصفير الرياح‬
‫بأذنيها مرة أخرى وهنا شعرت بوجود أحد معها بالغرفة‪ ،‬شعرت بوجوده‬
‫معها وكأن هناك من يجثم على أنفاسها بقوة فال تستطع التنفس أو‬
‫الحركة بسهولة فصرخت من بين دموعها وهي ال تستطيع التنفس‪.‬‬
‫" اتركيني يا سارة وارحلي أرجوك ال تؤذيني"‬
‫وازدادت البرودة وصرخت رهام برعب عندما انقطعت الكهرباء و عم‬
‫الظالم الغرفة واملنزل كله‪ ،‬وكأن هذا آخر ما ينقصها‪.‬‬
‫وهنا صرخت بهستريا وظلت تصرخ مستنجدة بأن ينقذها أحد و هنا‬
‫شعرت بيد تمسك معصمها بقوة وتجذبها إلى داخل غرفتها و باليد األخرى‬
‫التي كانت تضغط على بطنها بقوة فتعتصر ما بها‬
‫فصرخت برعب قائلة وهي تحاول االبتعاد واإلفالت من تلك األيدي‬
‫التي تمسك بها وال تراها‪:‬‬
‫"أرجوك ارحميني يا سارة واتركي ابني يعيش"‬
‫فشعرت بالضغط يزيد على بطنها فصرخت بألم متوسلة‪:‬‬
‫"ال ابني اتركيه فهو لم يفعل لكي ً‬
‫شيئا"‬
‫‪184‬‬
‫وهنا سقطت فاقدة الوعي من شدة األلم والتوتر واالنفعال و لم‬
‫تسمع تلك الضحكات العالية التي مألت الغرفة من حولها و ال تلك‬
‫الرائحة املنعشة رائحة الياسمين التي غمرت املكان‪.‬‬
‫فجعلته كأحد أيام الربيع‪.‬‬
‫✦✦✦‬

‫استفاقت رهام لتجد زوجها وأمها يقفان فوق رأسها و يتساءالن‬


‫بخوف وقلق عما حدث لها‪.‬‬
‫وملاذا كانت تصرخ برعب مستغيثة بأحدهم أن يخلصها؟‬
‫فقالت موجهة حديثها لزوجها‪:‬‬
‫‪ -‬ال ش يء يا عمر لقد أخافني الظالم عندما انقطعت الكهرباء فشعرت‬
‫بالرعب والقلق ولم أجد أحدا باملنزل‪.‬‬
‫وهنا نظرت إليها األم بتعجب قائلة‪:‬‬
‫‪ -‬أي ظالم يا بنيتي فالكهرباء لم تنقطع عن املنزل و أنا لم أغادر البيت‬
‫وأتركك بمفردك ً‬
‫أبدا يبدو أنك كنت تحلمين يا رهام‪.‬‬
‫فنظرت هام إلى أمها بحيرة ال تنطق بحرف‪ .‬وهي تفكر هل ً‬
‫حقا كانت‬ ‫ر‬
‫تحلم وكان كل هذا مجرد كابوس بشع و لم يحدث في الواقع؟‬
‫و لم تر سارة تمر من أمامها تحاول قتل ابنها‪.‬‬

‫‪185‬‬
‫وهنا أمسكت ببطنها لتطمئن على ما في رحمها‪.‬‬
‫ً‬
‫فنظر الزوج إلى أم زوجته قائال‪:‬‬
‫‪ -‬أرجو املعذرة يا أمي ولكني أريد التحدث مع زوجتي على انفراد من‬
‫فضلك فهل تسمحين لي بكوب من الشاي‪.‬‬
‫فغادرت األم الغرفة وهي تنظر لهما بقلق‪ .‬فقد كانت تعلم بأن األمور‬
‫بينهما ليست على ما يرام و هناك ش يء تخفيه ابنتها عنها ولكنها ال تعلم ما‬
‫هو أو ماذا تخفي؟ و لكنها مؤمنة بأن األيام كفيلة بكشف كل ش يء‪ .‬و‬
‫ً‬ ‫سيأتي اليوم الذي تعرف فيه كل ش يء فال داعي لالستعجال ً‬
‫أبدا فعاجال‬
‫آجال ستعرف الحقيقة فمنذ متى يخفي اإلنسان ً‬ ‫ً‬
‫شيئا عن أقرب‬ ‫أو‬
‫الناس إليه‬
‫جيدا خلف أم زوجته بعد أن غادرت‬ ‫و هنا قام عمر بغلق الباب ً‬
‫الغرفة ثم جلس في مواجهة زوجته و نظر مباشرة إلى عيونها الزرقاء‬
‫املذعورة ثم قال بحدة صارخا في وجهها‪:‬‬
‫‪ -‬أريد أن أعرف ما يحدث معك؟ و ماذا فعلت بسارة صديقتك‬
‫السابقة أنت واألخريات يا رهام؟ وال أريد ًلفا أو دور ًانا أريد معرفة‬
‫كل ش يء بصدق‪.‬‬
‫وهنا نظرت إلى عيونه البنية برعب ولم تتكلم أو تنطق بحرف واحد‬
‫فصرخ الزوج ثائرا‪:‬‬

‫‪186‬‬
‫‪ -‬أرجو أن تخبريني يا رهام كل ش يء اآلن فهذا أفضل للجميع أن أعرف‬
‫منك ما يحدث معك؟ و ماذا فعلت بسارة؟ قبل أن تخبرني هي‬
‫حقيقة ما حدث‪.‬‬
‫فلم تتحرك من مكانها أو تنطق بحرف واحد‪ .‬أو حتى تسمع ما يقوله‬
‫زوجها فقد كان عقلها مشغوال بش يء آخر‪.‬‬
‫وكانت تنظر إليه برعب وتوتر فقد كانت تنظر إلى معصم يدها بفزع‬
‫شديد و هي ترى تلك اآلثار الواضحة على رسغها‪.‬‬
‫فهناك آثار أصابع بنية عليها وكأنها حرق وهنا صرخت برعب قائلة‪:‬‬
‫‪ -‬ارحل من هنا اآلن أنا متعبة وأريد الراحة والنوم يا عمر‬
‫فقام الزوج ثائرا يصرخ‪:‬‬
‫‪ -‬أنت تطردينني يا رهام من منزل أهلك‪.‬‬
‫و لكنها لم تجب عليه أو تتكلم فبم ستجيبه وبماذا ستخبره وتقول له‪.‬‬
‫‪ -‬نعم أطردك يا حبيبي من منزل أسرتي فماذا ستفعل؟‬
‫و إنها لقوة بأن تكون الزوجة في منزل أسرتها وتقوم بطرد زوجها بهدوء‬
‫بحجة املرض فلن تتاح لها تلك الفرصة إن كانت في منزلها ً‬
‫أبدا حتى وان‬
‫كانت تحتضر وعلى فراش املوت فلن تجرؤ على فعلها ً‬
‫أبدا‬
‫ً‬
‫مهموما‬ ‫وهنا ثار الزوج غاضبا وهو يتوعد زوجته‪ ،‬وخرج من املنزل‬
‫غاضبا ال نريد أن نقول مطرو ًدا‬
‫ً‬

‫‪187‬‬
‫خرج عمر ولم ترحه زوجته وبدون أن يفهم ً‬
‫شيئا أو تخبره ما يحدث‬
‫معها بالضبط فقد رأى بنفسه آثار الحرق على معصمها فماذا فعلت‬
‫زوجته لتستحق الحرق بالنار بتلك الطريقة البشعة؟‬
‫ولكم تمنى أن يكون ذلك الحرق بلسانها حتى ال تجرؤ على فعلها مرة‬
‫أخرى‪ .‬طرده من منزل أسرتها‪ .‬شر طردة‬
‫ولكن مع األسف كان الحرق في معصمها فقط‪ ،‬ليس لسانها‪ .‬فليس‬
‫كل ما يتمناه املرء يدركه دائما‪.‬‬
‫✦✦✦‬

‫في منزل سارة‬


‫ً‬
‫سريعا بعد أن قام بالتخلص من أمه وإزالتها من طريقه‬ ‫ذهب ساهر‬
‫من أجل أن تعود سارة للحياة‪.‬‬
‫ثم ذهب إلى منزل حبيبته الراحلة ليعطي الطلبات إلى الخالة نورا كما‬
‫طلبت منه سارة في رسالتها و قابلته نورا بترحاب شديد وتأكدت من جميع‬
‫األشياء كما طلبت وبأنها طازجة ولم يفسد منها ش يء فليس هناك وقت‬
‫فليكف ما ضاع من وقت؟‬
‫ِ‬ ‫للحصول على أشياء أخرى‬
‫و تساءل ساهر بفرح عندما وجد نظرات الرضا واالرتياح على وجه‬
‫ً‬
‫نورا قائال‪:‬‬
‫‪ -‬متى ستعيدين سارة يا خالتي نورا؟‬

‫‪188‬‬
‫فأجابت نورا بسعادة وهي تبتسم قائلة‪:‬‬
‫‪ -‬اليوم يا ساهر عند منتصف الليل ستخرج سارة من قبرها يا ولدي‬
‫كالعروس ال تقلق فكل ش يء محسوب‬
‫ً‬
‫فرد ساهر وعيونه تلمع من شدة التأثر واالنفعال قائال‪:‬‬
‫ً‬
‫سريعا يا خالتي فلقد‬ ‫‪ -‬اليوم عند منتصف الليل‪ ،‬يا ليت الليل يأتي‬
‫ً‬
‫سريعا‬ ‫كثيرا و اشتقت إلى عينيها ً‬
‫كثيرا وأتمنى رؤيتها‬ ‫اشتقت إليها ً‬

‫فردت عليه نورا قائلة‪:‬‬


‫‪ -‬اصبر يا ولدي فالصبر مفتاح كل ش يء في الكون‬
‫فنظر إليها متوسال وقال‪:‬‬
‫ً‬
‫سريعا يا خالتي‪ .‬استخدمي سحرك‬ ‫‪ -‬أال تستطيعين جعل الليل يأتي‬
‫األسود ولتجعلينا في منتصف الليل أرجوك‬
‫فضحكت نورا بشدة واهتز جسدها من شدة الضحك قائلة‪:‬‬
‫‪ -‬ماذا تقول يا ولدي فال يستطيع أي ساحر في العالم أن يغير مشيئة‬
‫هللا‪.‬و طبيعة الكون يا بني فال يستطيع أن يجعل الليل نها ًرا والنهار‬
‫ً‬
‫ليال فال تصدق ما تراه على شاشة التلفاز يا ساهر فهذا كله كذب‬
‫وافتراء يا ولدي على السحرة وتشويه لسمعتهم‪.‬‬
‫ً‬
‫متعجبا مما تقول وتسأل بينه وبين نفسه‪:‬‬ ‫فنظر إليها‬

‫‪189‬‬
‫"و كيف ستعيدين سارة من مرقدها إذن؟ و موتها أال يعتبر املوت‬
‫إرادة هللا وقضاءه و ال يستطيع أي مخلوق أن يعترضها في هذا العالم"‪.‬‬
‫و لكنه لم يجرؤ على التحدث بصوت ٍ‬
‫عال و سؤالها عما جال بخاطرة‬
‫فمن يستطيع تحمل نظراتها النارية الغاضبة فآثر الصمت وأبتلع لسانه‬
‫ولم ينطق بحرف آخر وهنا تذكر ً‬
‫شيئا ً‬
‫هاما فقال منفعال‪:‬‬
‫‪ -‬وهل أستطيع أن أكون هناك لرؤيتها يا خالتي نورا‪.‬أتسمحين لي‬
‫بذلك من فضلك ال تحرميني من استقبالها العظيم‬
‫ً‬
‫فنظرت له طويال بطريقة غريبة ثم قالت‪:‬‬
‫‪ -‬نعم يا ساهر تستطيع الحضور‪ ،‬كما يمكنك االنتظار بغرفتها حتى‬
‫منتصف الليل‪.‬‬
‫وهنا شعر ساهر بالفرح وباإلثارة فلم يكن يحلم أن يخطو أمام باب‬
‫حجرة حبيبته الراحلة‪ ،‬ولكنه اآلن يستطع االنتظار فيها‪ ،‬فيا له من حلم‬
‫جميل يتمنى أال يستيقظ منه ً‬
‫أبدا‪.‬‬
‫ً‬
‫سريعا إلى غرفة سارة قبل أن ترجع الخالة نورا في رأيها‬ ‫و هنا ذهب‬
‫ً‬
‫منتظرا منتصف الليل بفارغ الصبر فعنده سيقابل حبيبته و هي تخرج من‬
‫شاهدها بكفنها األبيض وكأنها عروس ترتدي ثوب الزفاف األبيض وابتسم‬
‫سعيدا وتركها ودخل الغرفة و أغلق الباب خلفه بقوة‪.‬‬
‫و كان هناك من يقف بجوار الباب وسمع كل ما دار بالغرفة و قرر‬
‫الذهاب هو اآلخر الستقبال العروس بعد خروجها من شاهدها بثوبها أو‬
‫كفنها األبيض ال يهم ففي النهاية اللون واحد‪.‬‬
‫‪190‬‬
‫إنه أحمد شقيق سارة الصغير‪.‬‬
‫وليس والدها الحج مسعد فمازال األخير غائبا عن عاملنا في غيبوبة‬
‫بغرفته‪.‬‬
‫ً‬
‫سريعا إلى غرفته ليتوارى حتى منتصف الليل‬ ‫وذهب الصبي‬
‫و ليستعد الستقبال أخته عند عودتها من العالم اآلخر‬
‫عالم األموات‪ ،‬كالزومبي‬
‫✦✦✦‬

‫في قسم الشرطة‬


‫قامت الشرطة بفتح امل حضر املقدم من بطرس مينا إبراهيم ضد‬
‫املدعو عليها مريم محمد حسنين واتهامها باختطاف ابنة أخيه أيرين مينا‬
‫إبراهيم وتعذيبها‪ ،‬و قامت الشرطة بنقل املتهمة إلى املستشفى التي تعالج‬
‫فيها الضحية تحت حراسة مشددة لكال الغرفتين الضحية واملتهمة حتى‬
‫تستفيقا و تعلم الشرطة حقيقة ما حدث هناك بالضبط و هل ً‬
‫حقا مريم‬
‫هي من قام باالعتداء عليها و اختطافها أم أن هناك طرف آخر طرف ثالث‬
‫كما يقولون دائما الطرف املجهول؟‬
‫فمن هو هذا الطرف الخفي وما دوره في القضية وماذا حدث هناك؟‬
‫✦✦✦‬

‫‪191‬‬
‫في املستشفى‬
‫و في املستشفى التي نقلت إليه الصديقتان املتهمة والضحية كانت‬
‫مريم نائمة حين دخلت تلك املمرضة ذات الشعر األسود الطويل إلى‬
‫الغرفة حاملة بعض األدوية على صينية صغيرة‪ .‬فوضعت األدوية بجوار‬
‫ً‬
‫فراش املريضة و نظرت إلى املريضة طويال ثم اقتربت منها ببطء‪.‬‬
‫و ضغطت على صدرها بقوة ثم ظلت تضغط وت ضغط بقوة أكثر و هي‬
‫تقول‪:‬‬
‫‪ -‬استيقظي يا فتاة ليس هناك وقت لذلك استيقظي اآلن‬
‫و هنا شهقت مريم بألم وهي تفتح عينيها بألم‪ .‬وفي تلك اللحظة رأتها‬
‫تبتسم بمكر وهي تقول‪:‬‬
‫‪ -‬حمدا هلل على سالمتك يا صغيرتي‬
‫ً‬
‫سريعا ونظرت إليها مريم برعب غير مصدقة ما ترى‬ ‫و غادرت الغرفة‬
‫لقد كانت صديقتها سارة فعجزت عن الصراخ من هول الصدمة‬
‫هل مازالت سارة على قيد الحياة أم أن هذا شبحها؟‬
‫✦✦✦‬

‫و في الغرفة املجاورة جلس ذلك الشرطي أمام باب الغرفة متحفزا‬


‫وشاهرا بسالحه في وجه تلك املمرضة التي غادرت الغرفة املجاورة للمتهمة‬
‫لتدخل غرفة الضحية وسألها مستفسرا عما تريد؟‬
‫‪192‬‬
‫فلم تجب بل أشارت ملحقن بيدها فتركها تدخل إلى الغرفة وكانت‬
‫أيرين نائمة ال تشعر بمن حولها تتذكر ما حدث من سنين وما فعلته مع‬
‫األخريات بسارة و حبسها بتلك الغرفة املظلمة ممزقة املالبس‪.‬‬
‫لقد عاشت هي ما مرت به سارة وحيدة‪ .‬وهي التي كانت تخاف من‬
‫الظالم مثلها ً‬
‫تماما‪ .‬و هنا تذكرت سارة وشعرها األسود الطويل‪ .‬و رائحتها‬
‫املميزة رائحة الياسمين‪.‬التي تفوح منها باستمرار لقد كانت هي املقربة إلى‬
‫قلبها وال تدري كيف فعلت معها ما فعلت؟‬
‫كيف طاوعها قلبها على أن تفعل ما فعلت؟‬
‫حقا كيف استطاعت ولكنها مريم هي السبب و غيرتها من‬ ‫ال تدري ً‬
‫سارة وحقدها الشديد عليها هي من دفعتها لفعل ذلك بل واألدهى محاولة‬
‫إقناعهم بمساعدتها على إنها مجرد دعابة لتتغلب سارة على خوفها من‬
‫الظالم وعلى هالوس بائع التذكرة الذي كانت تدعي بأنه يطاردها ويظهر‬
‫لها دوما‪ ،‬ولكنهن لن يصدقنها وال يصدقن قصتها السخيفة بأن الرجل‬
‫يتبعها‪ .‬وال تدري ماذا يريد منها واعتقدن بأنها تفتعل القصة إلثارة رعبهم‬
‫وفزعهم كما كانت تفعل دوما وهنا عادت أيرين بذاكرتها لذلك اليوم‬
‫الشؤم‪.‬‬
‫الذي حدث فيه كل ش يء وتذكرت ذلك الحوار مع صديقتها مريم‪ .‬و‬
‫عادت بذكرياتها لتلك اللحظة وفي ذلك املكان‪.‬‬
‫هناك‪.‬‬
‫✦✦✦‬

‫‪193‬‬
‫عندما صرخت أيرين غاضبة في وجه صديقتها مريم قائلة‪:‬‬
‫‪ -‬ال لم أفقد عقلي يا مريم‪ ،‬ولكنها هي من سيفقده إن لم تعرف كل‬
‫ش يء اآلن ملاذا تفعلن ذلك فهي لم تؤذكن في ش يء؟ و سأخبرها بكل‬
‫ش يء اآلن ولن يهمني أحد‬
‫وحاولت أيرين ً‬
‫كثيرا أن تقابل سارة أو تتصل بها لتشرح لها حقيقة ما‬
‫حدث وتفهمها كل ش يء‪ .‬و لكنها رفضت أن تستمع ألي واحدة منهن‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وتوعدتهن باالنتقام آجال و ليس عاجال‪.‬‬
‫وهنا شعرت بمن يضغط على صدرها بقوة حتى فقدت القدرة على‬
‫التنفس الطبيعي من قوة الضغط على صدرها‪.‬‬
‫ففتحت عينيها بألم محاولة االستغاثة وطلب يد العون من أحدهم‬
‫وفي تلك اللحظة اصطدمت بعين صديقتها سارة الراحلة و هي ترتدي زى‬
‫إحدى املمرضات و تبتسم لها بمكر قائلة‪:‬‬
‫‪ -‬حمدا هلل على سالمتك يا صغيرتي لقد أتعبتني ً‬
‫كثيرا يا صديقتي‪.‬‬
‫وبعدها امتأل املكان برائحة الياسمين املنعشة‪.‬‬
‫و هنا لم تعد أيرين تتحمل الصدمة‪.‬‬
‫فصرخت برعب قائلة‪:‬‬
‫" سااااااااااااا ة‪ .‬سامحيني فلم أكن اقصد أذيتك ً‬
‫أبدا يا صديقتي‪".‬‬ ‫ر‬
‫✦✦✦‬

‫‪194‬‬
‫الفصل الثاني عشر‬

‫عودة من العالم اآلخر‬

‫في منتصف الليل‬


‫وقف ساهر عند منتصف الليل أما م شاهد سارة أو قبرها كما يقولون‬
‫ينظر إلى الخالة نورا بتعجب وهي تنثر بعض األشياء الحمراء حول‬
‫الشاهد و تردد ببعض الكلمات الغريبة قائلة بلغة لم يفهمها‪:‬‬
‫"بیدار‪ ،‬یکی کوچک من است آن زمان برای از خواب بیدار و‬
‫بیدار‪ ،‬یکی کوچک من تا قبل از نگاه ماه تکمیل شود‪.‬‬
‫دهان خود را باز واستنشاق هوای‪.‬‬
‫بلند کردن دست خود ودر علف های هرز نشستن‪.‬‬
‫بیدار‪ ،‬قصد من آمده است زمان برای انتقام گرفتن‪.‬‬
‫اداره کل اتباع خارجه سارا تو از ارواح‪." .‬‬

‫✦✦✦‬

‫‪195‬‬
‫" استيقظي صغيرتي فلقد حان وقت االستيقاظ‪.‬‬
‫استيقظي صغيرتي قبل أن يكتمل القمر في عاله‪.‬‬
‫افتحي فمك واستنشقي الهواء‪.‬‬
‫ارفعي يدك واجلس ي على األعشاب‪.‬‬
‫استيقظي بنيتي فلقد حان وقت االنتقام‪.‬‬
‫عودي سارة فأنت من املوتى األحياء‪." .‬‬
‫✦✦✦‬

‫وقف ساهر ينتظر بلهفة شديدة وشوق كبير انفتاح القبر و قيام سارة‬
‫من مرقدها كالزومبي كانت السماء مظلمة تلك الليلة واملكان مخيف ٍ‬
‫خال‬
‫من أي مخلوق بشري في تلك اللحظة فمن يستطيع أن يخطو بأقدامه إلى‬
‫املقابر بعد منتصف الليل‪.‬‬
‫فليس هناك عشاق يريدون عد النجوم في هذه الليلة ورؤية القمر‪،‬‬
‫ً‬
‫فلم يكن هناك أي قمر أو نجوم بالسماء لينيرا املكان قليال هذه الليلة‬
‫وكان الهدوء الشديد يعم املقابر ليس هناك أي صوت إال صوت‪.‬‬
‫بعض الحشرات الليلية تصفر بصوت غريب مصدره العزيف املميز لها‬
‫والعزيف كما تعرفون فهو أصوات الحشرات‪.‬‬
‫ً‬
‫و في الجاهلية كانوا يعتقدون بأن العزيف هو أصوات الجن ليال‬

‫‪196‬‬
‫حقا أي عزيف ذلك الذي كان يسمعه ساهر في املقابر هذه‬ ‫ال ندري ً‬
‫الليلة؟ أهو صوت الجن أم صوت الحشرات ال يهم ففي النهاية كلها‬
‫حقا هو صوت ذلك الغراب األسود‬ ‫أصوات‪ .‬و لكن ما استطاع تميزه ً‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫منتظرا‪.‬‬ ‫هناك يحوم حول املكان ويقف على كل شاهد قليال‬
‫فتلفت ساهر حوله بقلق وهنا سمع ذلك املواء لقطة تستغيث‬
‫بصراخ كصوت األطفال‪.‬‬
‫فشعر ساهر بالقلق ً‬
‫حقا من ذلك املواء‪ .‬و ال يدري ملاذا؟ وهنا قالت‬
‫نورا آمرة‪:‬‬
‫‪ -‬افتح القبر يا ساهر وأخرج الجسد هنا فليس هناك الكثير من الوقت‬
‫وأشارت إلى بقعة مغطاة بالعشب األخضر أحاطتها نورا بالشموع‬
‫السوداء املصنوعة من دهن األموات‬
‫وهنا ألقى ساهر نظرة سريعة على املكان ثم بدأ بإزالة الرخام من‬
‫فوق الشاهد وبدأ بالحفر السريع بالتراب إلى أن وصل إلى جسد سارة‬
‫فوجدها نائمة بالقبر بكفنها األبيض كامل الك ساحرة هي نومتها في قبرها‪.‬‬
‫فدق قلبه بعنف وتوترت أعصابه بقوة‪.‬‬
‫كانت سارة نائمة وبجوارها ثالث عرائس من القماش يشبهن البشر‬
‫جيدا فتلك الدمية بعيونها الزرقاء تشبه إحداهن ً‬
‫جيدا‪.‬‬ ‫كثيرا ويتذكرهن ً‬
‫ً‬

‫فقال هامسا وهو ينظر إلي تلك الدمية‪:‬‬


‫"نعم هي‪ ،‬فتلك العيون الزرقاء ال تنس ى بسهولة ً‬
‫أبدا"‪.‬‬

‫‪197‬‬
‫ثم هز رأسه بقوة فليس هذا وقت الكالم في أي ش يء‪ .‬إنه وقتها هي‬
‫فقط وقت خروج الع روس‪ .‬وهنا قام بإخراج الجثة برفق و هو يشعر‬
‫بدفء جسدها بين يديه وكأنها مازالت على قيد الحياة‪ .‬أو ماتت منذ‬
‫لحظات فقط وليس بضع أيام‪ ،‬وهنا قام بوضع جسد سارة في املكان‬
‫الذي طلبته منه نورا على العشب األخضر وسط تلك الشموع السوداء‬
‫وهنا قامت نورا بنثر التراب األبيض الذي يشبه الرماد ً‬
‫كثيرا على‬
‫الجثة وهي تتلو بعض الكلمات الغريبة التي ال يفهم ساهر معناها أو أي‬
‫حرف منها ربما كانت الفارسية من يدري؟‬
‫✦✦✦‬

‫"بیدار‪ ،‬یکی کوچک من است آن زمان برای از خواب بیدار و‬


‫بیدار‪ ،‬یکی کوچک من تا قبل از نگاه ماه تکمیل شود‪.‬‬
‫دهان خود را باز واستنشاق هوای‪.‬‬
‫بلند کردن دست خود ودر علف های هرز نشستن‪.‬‬
‫بیدار‪ ،‬قصد من آمده است زمان برای انتقام گرفتن‪.‬‬
‫اداره کل اتباع خارجه سارا تو از ارواح‪." .‬‬

‫✦✦✦‬

‫‪198‬‬
‫" بیدار‪ ،‬زمان ریزه اندام است برای انتقام آمده‬
‫بیدار‪ ،‬ریزه اندام را در ماه به اتمام نمى زل زل نگاه "‬
‫✦✦✦‬

‫ثم وقف هو متحفزا منتظرا رجوع الحياة إليها من جديد و جلست‬


‫نورا لتدلك مكان القلب عند سارة وتضغط بقوة علي قلبها وبعدها‬
‫وضعت بعض القطرات من تلك الزجاجة السوداء في فمها و هي تردد‬
‫الكلمات التي ال يفهمها أحد غيرها ويعلوا صوتها وينخفض‪.‬‬
‫وهنا ازدادت الرياح قوة وسمع صفير الرياح قوية يأتي من العدم‪.‬‬
‫ً‬
‫منتظرا بلهفة ينظر إلى‬ ‫فالجو مازال صيفا خانقا‪ ،‬ثم وقف ساهر‬
‫ً‬
‫منتظرا عودتها من جديد وكان هو هناك يراقب كل ما يحدث‬ ‫جسد سارة‬
‫بلهفة‪.‬‬
‫توارى خلف أحد ا ملقابر منتظرا عودة أخته من جديد إنه‪ ،‬نعم هو‬
‫أحمد شقيق سارة‪.‬‬
‫فلم يستمع إلى خالته نورا التي حذرته من عدم املجيء بل أمرته‬
‫بالبقاء باملنزل بجوار والدة املريض أو النائم ال يهم فاالثنان سيان‪.‬‬
‫و لكن لهفته وشوقه للقاء أخته كانت أقوى من أن يستمع إلى كالمها‬
‫وتحذيرها الشديد كان الكل ينتظر بلهفة والجميع يضع يديه على قلبه‬
‫منتظرا تلك اللحظة الحاسمة‪.‬‬

‫‪199‬‬
‫ً‬
‫منتظرا‬ ‫حتى ذلك الغراب وقف فوق أحد املقابر بلونه األسود القاتم‬
‫ً‬
‫شيئا وال أحد يعرف ما هو بالضبط‪.‬‬
‫و هنا فتحت هي عينيها ببطيء وجاءت اللحظة التي ينتظرها الجميع‪.‬‬
‫فشهقت سارة بقوة وهي تسعل‪ .‬وتسعل ثم بعدها اعتدلت لتجلس‬
‫على العشب األخضر‪.‬‬
‫ً‬ ‫تنظر بشرود إلى األمام وهنا صرخ ساهر ً‬
‫فرحا غير مصدق عينيه قائال‪:‬‬
‫‪ -‬سارة‪ ،‬أخيرا عدتي مرة أخرى يا حبيبتي‬
‫ً‬
‫و هنا خرج الصبي أحمد من خلف الشاهد و صرخ بلهفة شديد قائال‪:‬‬
‫‪ -‬سارة أختي لقد عدتي من جديد‬
‫وهنا اشتدت البرودة باملكان وازداد اندفاع الرياح و صفيرها لتحرك‬
‫تلك األعشاب اليابسة حول ذلك القبر هناك‪.‬‬
‫و شقت تلك الصرخة البشعة آذان الجميع‪.‬‬
‫✦✦✦‬

‫و في منزل عمر‬
‫شعر األخير برجفة تسري في جسده وكانت أصابعه ترتعد من البرد‬
‫الشديد فلقد انخفضت درجة الحرارة مرة واحدة بالغرفة‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫و ال يدري السبب فلم ينته شهر أغسطس بعد هل أتى الشتاء قبل‬
‫أوانه هذا العام‪.‬‬
‫وربما كان ثقب األوزون ومن غيره يستطيع تغيير الحرارة واللعب‬
‫بحياتنا‪.‬‬
‫جائز فكل ش يء أصبح ممكن هذه األيام‪ .‬حتى ثقب األوزون لم يعد‬
‫كما كان من قبل‪ .‬لقد تغيرت األشياء ً‬
‫كثيرا هذه األيام؟‬
‫وهنا شعر عمر بوقوف وانتصاب شعر يديه‪.‬‬
‫فقال حائرا شاعرا بالتوتر والقلق‪:‬‬
‫"ماذا حدث يا ربي؟"‬
‫و ملاذا انخفضت درجة حرارة الغرفة هكذا‪.‬‬
‫فهو يعلم بأن انخفاض درجة الحرارة والشعور بالتوتر في مكان ما‬
‫فهناك ش يء غريب وروح هائمة بالغرفة‪ .‬هي من تفعل ذلك فأخذ يبسمل‬
‫ويحوقل ويتلوا بعض آيات الذكر الحكيم و ما ت يسر له منه وهو يرتجف‬
‫بشدة كورقة و كانت رائحة الياسمين تمأل الغرفة بشدة وهنا شعر هو‬
‫بوجودها معه بالغرفة‪.‬‬
‫وجود خطيبته السابقة سارة وال يدري ملاذا؟‬
‫و لكنه متأكد من وجودها بجواره اآلن‪ .‬فرائحة عطرها قوية ورائحة‬
‫الياسمين املنعشة ال يمكن نسيانها بسهولة تجعلك تشعر بالغثيان وعدم‬
‫القدرة على التنفس‪.‬‬

‫‪201‬‬
‫فحاول إبعاد تلك الفكرة عن رأسه والنوم و لكنه لم يستطع فقام‬
‫بوضع الوسادة فوق رأسه بخوف فشعر بش يء أسفل الوسادة‪ ،‬فمد يده‬
‫ليخرجها فوجدها بلونها املميز األحمر القرمزي‪.‬‬
‫إنها رسالة منها‪ ،‬ومن غيرها حبيبته السابقة‪ ،‬سارة‪ .‬وليست سارة‬
‫نفسها داخل الوسادة املريشة الناعمة‪.‬‬
‫متعجبا كيف وصلت تلك الرسالة إلى غرفة نومه و ً‬
‫أيضا‬ ‫ً‬ ‫و تساءل‬
‫تحت وسادته‪.‬‬
‫فنظر برعب إلى ذلك الخطاب األحمر بين يديه الذي يعلم ً‬
‫جيدا بأنه‬
‫منها فهو ال يخطئ ً‬
‫أبدا رائحتها املميزة‬
‫ظل ينظر إلى الخطاب بين أصابعه وهو يفكر هل يفتحه ليقرأ ما فيه‬
‫و يعرف كل ش يء أم يحرقه ويتخلص منه فقال لنفسه هامسا‪:‬‬
‫" ً‬
‫حقا االختيار صعب فأنا ال أدري أي األمرين أفضل لي؟ و لكني أريد‬
‫معرفة الحقيقة ملاذا تفعل سارة ذلك معي؟ و كيف استطاعت الوصول‬
‫لغرفة نومي لتضع هذه الرسالة وماذا يحدث بينها وبين زوجتي؟‬
‫و كيف استطاعت دخول غرفة نومي لتفعل ما تشاء؟‬
‫البد من معرفة إجابة كل هذه األسئلة‬
‫فالفضول سيقتلني إن لم أعرف الحقيقة وماذا حدث؟"‬
‫و هنا أمسك بالرسالة بقوة وقربها إلى أنفه ليشم رائحة عطرها املميز‬
‫ثم صرخ بصوت عا ٍل‪:‬‬

‫‪202‬‬
‫"ملاذا يا سارة تفعلين ذلك؟‬
‫ملاذا ال تتركينني أكمل حياتي بسالم وأنساك بهدوء‪.‬‬
‫ملاذا تصعبين األمر حبيبتي؟"‬
‫✦✦✦‬

‫في املقابر‬
‫وتحت ظالم الليل الدامس وذلك الصوت الخفي الهامس وفي تلك‬
‫الليلة املظلمة التي ال يستطيع املرء فيها رؤية أصابع يديه من شدة‬
‫الظالم الحالك والليل الدامس‪ ،‬ولكنك تستطيع سماع الهمسات تقذفها‬
‫الرياح الثائرة هنا وهناك‪.‬‬
‫صوت يقول‪ :‬هسسسسسسسسسس‬
‫و اشتدت الرياح قوة واهتزت أضواء الشموع السوداء حول جسد‬
‫سارة الجالسة على األرض بثبات تنظر بعيون زائغة ال تدري أين هي أو‬
‫ماذا يحدث حولها؟‬
‫كانت ترتدي كفنها امل صنوع من الكتان األبيض‪.‬‬
‫ً‬
‫و هنا صرخ ساهر فرحا بعودتها قائال‪:‬‬
‫عدت حبيبتي‬
‫‪ -‬سارة أخيرا ِ‬
‫وهنا أسرع يركض إليها متلهفا‪.‬‬

‫‪203‬‬
‫وفي تلك اللحظة سمع صرخة نورا تحذره بأال يفعل ذلك اآلن‪ .‬و أن‬
‫يبتعد عن وجهها اآلن‪.‬‬
‫فتوقف ساهر مكانه وتسمرت قدماه باألرض ووقف حائرا‪ .‬ينظر بغل‬
‫وحقد كبيرين لتلك املشعوذة الشمطاء "نورا" متسائال بينه وبين نفسه‪.‬‬
‫ملاذا منعته نورا من مواصلة طريقة الستقبال سارة ورؤيتها بوضوح؟‬
‫فهي بخير وتجلس على األرض أمام عينيه تنظر لهم فلماذا لم تدعه‬
‫وشأنه تلك اللعينة؟ ملاذا ال تدعه يلقي بنفسه بين ذراعيها‪ .‬ويخبرها بأنه‬
‫يحبها‪ .‬كان يريد أن يرى عينيها ويلمس شعرها األسود‪.‬‬
‫و يهمس في أذنيها بأنه يحبها‪ .‬و ال يتحمل الحياة بدونها في هذا الكون‬
‫الكبير‪ .‬و هنا نظر إلى نورا مؤنبا فوجدها ترفع جمجمتين صغيرتين‬
‫فنظرت إليها سارة بعيون زائغة ثم وقفت على قدميها و هنا صرخ‬
‫أحمد فرحا‪:‬‬
‫‪ -‬سارة أختي لقد عدت من جديد وأسرع يجرى باتجاهها‬
‫و صرخت نورا‪:‬‬
‫‪ -‬ال‪ ،‬وأمرته أن يتوقف‪.‬‬
‫و لكنه لم يستمع إليها فلهفته للقاء شقيقته غلبته وطغت عليه بقوة‬
‫فألقى بنفسه بين ذراعيها وهو يتسم ً‬
‫فرحا بعودتها و كانت هي ما زالت‬
‫تنظر للجماجم بعيون زائغة و صرخت نورا بغضب شديد وصوت ٍ‬
‫عال‬
‫تتوسل الصبي أن يبتعد عن شقيقته اآلن قبل فوات األوان قائلة‪:‬‬

‫‪204‬‬
‫‪ -‬ابتعد يا بني اآلن‪.‬‬
‫ولكن شوق الصبي وفرحته بلقاء أخته وعودتها غلبه فلم يتحرك‬
‫خطوة واحدة بل أخذ يحتضن أخته بقوة ويقبل جبينها‪ .‬لم يستمع إلى‬
‫ش يء‪ .‬و ال إلى تحذير الخالة نورا الشديد باالبتعاد اآلن‪.‬‬
‫و هنا انتفض جسد سارة بقوة وأخذ يرتجف بطريقة مخيفة و هي‬
‫تصرخ بصوت بشع هو أقرب إلى مواء القطط‪ .‬ال ندري‪.‬‬
‫يوما قطة تموء وتصرخ بطريقة تثير أعصابك فيختلط‬ ‫فهل سمعت ً‬
‫عليك األمر هل هي طفلة الجيران أم القطة‪ .‬التي تصرخ‪ ،‬فتهم بضربها‬
‫فتجد أمك تحذرك بأال تفعل‪ ،‬فإنها توأم ابنة جارتك الصغيرة‪.‬‬
‫فتقف حائرا ال تدري ماذا تقول أمك وما هذا التخريف ولكنك ً‬
‫أيضا‬
‫لم تجرؤ على فعلها وضرب القطة وإال أصابتك اللعنة‪.‬‬
‫فكانت سارة تصرخ برعب كمواء قطة ابنة توأم جارتك‪ ،‬و هي تضغط‬
‫على جسد شقيقها بقوة و حاول الصبي اإلفالت من بين يديها فلم يستطع‬
‫ً‬
‫و صرخ أحمد قائال بألم‪:‬‬
‫‪ -‬سارة اتركيني أنا أحمد شقيقك يا حبيبتي فأنت تؤملينني بشدة‬
‫أرجوك توقفي يا أختي‪.‬‬
‫فلم تتأثر سارة بكل توسالته أو تدعه وشأنه بل ظلت تعتصر جسده‬
‫بقوة ورقبته بعنف وحاول هو الخالص واإلفالت من بين يديها‪.‬‬
‫فلم يستطع أن يفلت من قبضة يدها القوية كالفوالذ‬
‫‪205‬‬
‫و صرخت نورا قائلة وهي ترفع الجمجمتين أمام عينيها قائلة‪:‬‬
‫‪ -‬اتركيه يا سارة‪ .‬ليس هو من أذاكي يا ابنتي‪ .‬دعية يرحل إنه شقيقك‬
‫الصغير أحمد هل تتذكرينه يا سارة أرجوك توقفي اآلن‪.‬‬
‫وهنا توقفت عن اعتصار عنق شقيقها‪ .‬بعد أن هدأ ً‬
‫تماما و سكنت‬
‫حركته وتكسرت عظام رقبته وخارت قوة‪.‬و فات األوان فسقط على‬
‫األرض ميتا‪ .‬جاحظ العينين‪.‬‬
‫وهنا ابتعد ساهر خطوتين إلى الخلف‪ .‬و عيونه تلمع بشدة من‬
‫االنفعال والتأثر و هو ينظر إلى جسد الصبي امليت على األرض‪ .‬و إلى سارة‬
‫التي عادت من جديد وابتسم بفرح عندما وجدها تنظر له بهيام فقال‬
‫بفرح‪:‬‬
‫‪ -‬أهال بعودتك حبيبتي في عالم األحياء‪.‬‬
‫✦✦✦‬

‫في املستشفي في غرفة أيرين‬


‫كانت األخيرة تصرخ بهستريا بطريقة عنيفة‪ ،‬عندما اصطدمت عيناها‬
‫بعين املمرضة التي تقف عند رأسها وظلت تصرخ بطريقة غريبة‪.‬‬
‫وهنا صرخت املمرضة تستدعي الطبيب بسرعة ليعطيها ً‬
‫شيئا يهدئ‬
‫من روعها وتساءلت املمرضة برعب‪:‬‬

‫‪206‬‬
‫‪ -‬ماذا حدث فأنا لم أفعل لها ً‬
‫شيئا سوى إعطائها الدواء ولكن‬
‫املريضة فتحت عينيها و عندما رأتني أمام ها أخذت تصرخ بهستريا‬
‫وتصيح برعب سامحيني يا سا ة فأنا لم أقصد ً‬
‫شيئا ‪.‬‬ ‫ر‬
‫و همست املمرضة لنفسها قائلة‪:‬‬
‫‪ -‬ماذا فعلت أنا يا ربي؟‬
‫ً‬
‫مسرعا وشاهد املريضة الثائرة فأمر بإعطائها‬ ‫و هنا وصل الطبيب‬
‫حقنة مهدئة‪.‬‬
‫وهنا هدأت حركتها وخارت قواها فاستكانت و هدأت لتنام وهي تردد‬
‫كلمة واحدة‪.‬‬
‫‪ -‬سارة‪.‬‬
‫و بعد لحظات قليلة سمع نفس ال صراخ من الغرفة املجاورة للمريضة‬
‫و هي غرفة املتهمة‪.‬‬
‫فأسرع الطبيب واملمرضة إلى الحجرة األخرى فوجدوا نفس حالة‬
‫الهياج و الصراخ املتواصل ويتردد نفس االسم مرة أخرى‪.‬‬
‫‪ -‬سارة‬
‫يتردد ثانية على مسمع الطبيب فأمر الطبيب بإعطائها الحقنة املهدئة‪.‬‬
‫و خرج من الغرفة مفكرا وهو يهمس لنفسه‪:‬‬
‫" من هي سارة وماذا فعلت معهن يا ترى"‬
‫‪207‬‬
‫و تذكر املريضة وهي تقول برعب‪:‬‬
‫" سامحيني يا سا ة لم أكن أقصد ً‬
‫شيئا" ‪.‬‬ ‫ر‬
‫فقال هامسا‪:‬‬
‫"أو ماذا فعلن ُه ّن معها إن صح التعبير؟"‬
‫✦✦✦‬

‫جلست رهام خائفة مذعورة من كل ش يء حولها تتلفت باستمرار‬


‫ً‬
‫يمينا ويسا ًرا إن سمعت أي همس أو صوت حولها ال تدري ماذا تفعل؟‬
‫حبست نفسها بغرفتها تبكي وهنا دخلت أمها الغرفة متسائلة بقلق‬
‫قائلة‪:‬‬
‫‪ -‬ماذا حدث يا بنيتي وملاذا تحبسين نفسك بالغرفة طوال الوقت؟‬
‫نظرت لها رهام بتوتر ورعب شديد بعيونها الزرقاء الصافية و لم ترد‬
‫عليها فأكملت األم حديثها بقلق قائلة‪:‬‬
‫‪ -‬ملاذا ال تريدين إخباري باألمر يا رهام؟ أال تعلمين بان كل ما تفعلينه‬
‫سيضر بمن في بطنك‪ .‬و ربما خسرته لألبد وتذكري بأنك لم تحصلي‬
‫عليه بسهولة‪.‬‬
‫وهنا لم تعد تتحمل فبكت رهام بانهيار وهي تمسك بطنها بقوة و‬
‫تحاول حماية ما في رحمها وهنا انفجرت بالبكاء ثم قالت من بين دموعها‪:‬‬
‫‪ -‬ال أحد في العالم يستطيع مساعدتي يا أمي‪.‬‬

‫‪208‬‬
‫ثم أجهشت بالبكاء والنحيب فنظرت لها األم بقلق قائلة‪:‬‬
‫‪ -‬ملاذا تقولين ذلك يا حبيبتي‪ .‬فكل مشكلة ولها حل بإذن هللا‪ ،‬أخبريني‬
‫باألمر لعلي أستطيع مساعدتك فمن يدرى يا ابنتي ربما جعلني هللا‬
‫سببا في حل مشكلتك‬
‫وهنا نظرت لها ابنتها بعيون دامعة‪ .‬و قالت لنفسها هامسة‪:‬‬
‫‪ -‬ربما تستطيع أمي مساعدتي‬
‫وهنا ردت على األم قائلة‪:‬‬
‫‪ -‬سأخبرك بكل ش يء يا أمي وأرجو أن تسامحيني و تلتمس ي لي العذر‬
‫فأنا لم أكن أقصد ً‬
‫شيئا صدقيني‬
‫فردت األم والقلق يقتلها قتال فماذا فعلت ابنتها يا ترى؟ فردت قائلة‪:‬‬
‫‪ -‬هيا يا رهام أخبريني باألمر وقولي لي ماذا حدث؟ و ال داعي لكل تلك‬
‫املقدمات السخيفة‪ ،‬فأنت تعلمين بأنني أكرهها‪.‬‬
‫و هنا قصت رهام على أمها كل ش يء من بداية ما فعلته بسارة هي‬
‫واألخريات وحتى رسالتها وتهديدها لها بعد موتها وظهورها املستمر لها‪.‬‬
‫و بعدها صمتت وهي تنظر إلى عيون أمها منتظرة أن تقول األخيرة‬
‫ً‬
‫شيئا ولكن األم صمتت هي األخرى‪ .‬و ظلت تنظر إلى ابنتها غير مصدقة أن‬
‫تكون ابنتها بتلك القسوة و البشاعة واألنانية فردت على ابنتها بفتور‬
‫قائلة‪:‬‬
‫‪ -‬لن ألومك اآلن يا رهام فلن يفيد ذلك بش يء فيكفي ما أنت فيه وما‬
‫عانيته الفترة األخيرة فهذا عقاب لك من هللا يا ابنتي لعلك تتعلمين‬
‫درسا في الحياة فال يجوز اللعب وتدمير حياة اآلخرين‬
‫‪209‬‬
‫فنظرت إلى أمها قائلة برجاء‪:‬‬
‫‪ -‬ماذا سأفعل يا أمي وهل تستطيعين مساعدتي ً‬
‫حقا و حماية ابني من‬
‫روح سارة فأنا لم أعد أتحمل ما تفعله معي ولن أستطيع ترك ابني‬
‫لها عند شاهدها باملقابر فماذا أفعل؟‬
‫فردت األم قائلة‪:‬‬
‫‪ -‬إن ما أعرفه يا رهام أنه إذا مات شخص بطريقة بشعة و تعرض‬
‫للتعذيب فإنه تتولد طاقة سلبية باملكان فنشعر بعدم االرتياح‬
‫لبعض األماكن ونتيجة لتلك الطاقة ممكن أن تحدث أشياء غريبة‬
‫فيقولون بأنها من صنع األشباح والعفاريت للميت ولكنك تقولين‬
‫بأن سارة لم تمت يومها‪.‬‬
‫فردت رهام بلهفة‪:‬‬
‫‪ -‬نعم لم تمت أو يحدث لها ش يء ً‬
‫أبدا فقد كنا نمزح معها فقط‬
‫فلم تهتم األم لردها بل نظرت لها بلوم وعتاب ثم أكملت حديثها وهي‬
‫تفكر قائلة‪:‬‬
‫‪ -‬هل ماتت سارة في فراشها؟ أم أنها قتلت البد من معرفة تلك النقطة‬
‫فإن ماتت مقتولة ربما نتيجة لقتلها فتلك الطاقة السلبية هي ما‬
‫تفعل ذلك؟‬
‫فقالت رهام بقلق شديد‪:‬‬
‫‪ -‬وهل تنتقل تلك الطاقة يا أمي وتتحرك لتنتقم منا و تحاول قتلنا‬
‫وترسل لنا رسائل ً‬
‫أيضا؟‬
‫فردت األم قائلة‪:‬‬
‫‪210‬‬
‫‪ -‬هذا هو الغريب في األمر فالطاقة تكون باملكان الذي حدثت فيه‬
‫الجريمة والحادثة فتلك األشياء التي تحدث معك كلها من عمل‬
‫عفاريت الجن أعوذ باهلل من الشيطان الرجيم استعيذي يا رهام‬
‫من الشيطان الرجيم وخذي كتاب هللا و اقرئي فيه باستمرار إلى أن‬
‫نذهب إلى الشيخ زويد فهو من يستطيع مساعدتنا في هذا األمر‬
‫جيدا‪ ،‬فهو جل يعرف هذه األمور ً‬
‫جيدا و سيخبرنا ماذا يجب علينا‬ ‫ً‬
‫ر‬
‫فعله لتتركك روح سارة أو عفريتها و تعود من حيث أتت فردت رهام‬
‫بقلق مستعجبة ما تقوله األم‪.‬‬
‫فقالت‪:‬‬
‫‪ -‬ماذا تقولين يا أمي وهل سنؤمن بتلك الخرافات و نسير وراء ذلك‬
‫الدجال؟‬
‫ً‬
‫سريعا قائلة‪:‬‬ ‫فقاطعتها األم‬
‫‪ -‬أرجو أال تكملي حديثك يا رهام فأنت ال تعرفين من هو الشيخ زويد‬
‫ومع من يتعامل؟ و من يسخره لخدمته ال تؤذي نفسك يا ابنتي‬
‫وأمسكي لسانك فهذا أفضل للجميع‪.‬‬
‫فصمتت رهام غير مصدقة ما تقوله األم و لكنها ال تستطيع الرفض‬
‫فربما كان هذا الرجل سبب خالصها من ذلك الكابوس املرعب التي‬
‫تحيياه كل يوم فمن يدرى ربما؟‬

‫✦✦✦‬

‫‪211‬‬
‫الفصل الثالث عشر‬

‫غيرة وكراهية‬

‫وقفت سارة بعيون زائغة تنظر إلى من حولها بتعجب و تحت أقدامها‬
‫جثة أحمد شقيقها بعد أن اعتصرت عظام رقبته بقسوة‪.‬‬
‫و وقف ساهر وعيناه تلمعان بتأثر شديد ال يتكلم بل ينظر باستمتاع و‬
‫نشوة إلى جثة الصبي ووقفت نورا وهي تمسك بالجمجمتين وتنظر إلى‬
‫الصبي بحزن وألم وتقول‪:‬‬
‫‪ -‬ملاذا فعلت ذلك يا بني؟ ملاذا لم تصبر حتى تأتي شقيقتك إليك؟‬
‫ً‬
‫فقاطعها ساهر قائال‪:‬‬
‫‪ -‬ملاذا ال تعيدينه إلى الحياة مرة أخرى يا خالتي نورا كالزومبي‪ ،‬كما‬
‫فعلت بسارة؟‬
‫و هنا نظرت إليه غاضبة واقترن حاجباها من شدة الغضب و صرخت‬
‫في وجهه أن يصمت و ال ينطق بحرف آخر فنظر لها بحقد ولم يتكلم ً‬
‫أبدا‪.‬‬
‫فصرخت نورا قائلة‪:‬‬

‫‪212‬‬
‫‪ -‬أدخل الصبي القبر يا ساهر وأغلقه ً‬
‫جيدا‪ .‬قبل أن يشعر بنا أحد و‬
‫أسرع فليس هناك وقت لكل هذا اآلن فقد حان وقت الرحيل من‬
‫هنا‪ .‬ولن ينفع الندم اآلن يا بني على أي ش يء و لنكمل ما بدأناه يا‬
‫ولدي وليرحم هللا جميع األموات‪.‬‬
‫فقام ساهر لينفذ ما تقوله الخالة نورا‪ .‬و قا م بإدخال جثة الصبي إلى‬
‫قبر سارة شقيقته وأغلق القبر خلفه ثم قام بوضع الرخام على الشاهد‬
‫ً‬
‫و هنا التفت إليها قائال‪:‬‬
‫‪ -‬لقد فعلت ما أمرت يا خالتي‪.‬‬
‫و لم يكمل جملته فلقد اختفت نورا هي وسارة من خلفه و لم يكن‬
‫لهما أي أثر باملكان وفي تلك اللحظة‪.‬‬
‫وجد ساهر نفسه وحيدا وسط كل تلك الشواهد السوداء الكثيرة في‬
‫كل مكان‪.‬‬
‫ً‬
‫فصرخ غاضبا ينادي على حبيبته قائال‪:‬‬
‫ً‬
‫وحيدا بجوار شاهدك‪.‬‬ ‫‪ -‬سارة أين أنت يا حبيبتي‪ .‬ملاذا ذهبت وتركتني‬
‫ثم أخذ يركض كاملجنون وسط املقابر املظلمة يبحث عن نورا وعن‬
‫سارة ولكنه لم يجد لهما أي أثر‪ ،‬لقد تبخرتا كقطرات الندى في وقت‬
‫ً‬
‫مسرعا في كل مكان محاوال الخروج من تلك املقابر‬ ‫الظهيرة فأسرع يركض‬
‫الكئيبة و لكنه لم يستطع فكلما ابتعد عن ذلك الشاهد‪ ،‬الذي قام بدفن‬
‫ً‬
‫مسرعا باتجاه الباب فيجد‬ ‫الصبي شقيق سارة فيه منذ قليل يركض‬

‫‪213‬‬
‫نفسه ثانية أمام نفس الشاهد‪ ،‬شاهد سارة‪ .‬ونفس املكان مرة أخرى‪.‬‬
‫فصرخ بغضب‪:‬‬
‫‪ -‬نعم‪ ،‬هو إنه نفس شاهد قبر سارة املميز برخامته السوداء و لم أفقد‬
‫عقلي‪.‬‬
‫ً‬
‫مبتعدا عن ذلك القبر امللعون ليجد‬ ‫ونظر غير مصدق ما يحدث و‬
‫ً‬
‫نفسه أمامه مرة أخرى فتعجب قائال لنفسه‪:‬‬
‫" ما هذا؟ وملاذا أعود من جديد لقبر سارة؟"‬
‫ً‬
‫عال قائال‪:‬‬
‫و صرخ بصوت ٍ‬
‫‪ -‬هذا كله من عمل املشعوذة‪ ،‬الساحرة ذات اليد السوداء نورا‬
‫اللعينة ومن غيرها سيفعل معي ذلك‪ .‬و لكن ملاذا لقد ساعدتها؟ و‬
‫نفذت كل ما تريد ملاذا تفعل معي ذلك اآلن؟‬
‫وهنا شاهدها بوضوح تقف فوق القبر بلونها األسود القاتم كالليل‬
‫األسود‪ ،‬وقفت تنظر إليه بعين واحدة فلقد فقدت األخرى من يوم تقريبا‪.‬‬
‫و لم يتبقى لها غير تلك العين الواحدة لترى بها الدنيا والعالم الغادر‬
‫من حولها الذي حرمها من عينها اليسرى‪ .‬و لم يترك لها سوى عين واحدة‬
‫إنها قطة سوداء وقفت على شاهد سارة تموء بقوة وكأنها تتوعد‬
‫باالنتقام‪.‬‬
‫وليست نورا ذات اليد السوداء‪ .‬فهناك فارق يا أخي؟‬
‫ً‬
‫مستعجبا‪.‬‬ ‫وهنا نظر لها ساهر‬
‫‪214‬‬
‫فلقد قتل تلك القطة السوداء بنفسه أمس‪ ،‬فلماذا تقف هنا اآلن‬
‫وتنظر إليه متوعدة فقال محدثا القطة بغضب‪:‬‬
‫‪ -‬ألم أقتلك أمس أيتها اللعينة ماذا تريدين اآلن؟ هل تريدين املوت‬
‫من جديد؟ فأنا ال أمانع ً‬
‫أبدا عزيزتي‬
‫فظلت تموء متوعدة و كأنها تهدده هي األخرى‪ ،‬ونظرت إليه و نظر هو‬
‫اآلخر إليها وهو يفكر فيما حدث فهو متأكد بأنه قتلها بعد أن انتزع عينيها‪.‬‬
‫فلقد أراد أن يرحمها من الحياة عاجزة بعين واحدة في هذا العالم الكبير‬
‫فقام بتكسير عظام رقبتها بقوة رحمة ورأفة بحالها‪ .‬فكيف ستحيى‬
‫مشوهة في العالم بعين واحدة؟ أهذا هو جزاء معروفه لها وعدم تركها‬
‫تحيى مشوهة في هذا العالم الكبير؟‬
‫حقا هذه الحياة‪.‬‬‫هكذا يقابل اإلحسان والعمل الحسن‪ .‬غريبة ً‬
‫ً‬
‫مبتسما وعيونه تلمع‬ ‫بتحد‬
‫ٍ‬ ‫ظلت تنظر إليه وهي تموء وينظر هو لها‬
‫بشدة وهنا اتخذت قرارها وبدأت الهجوم فوثبت بقوة لتقفز على وجهه‬
‫ً‬
‫بعنف‪ ،‬و صرخ ساهر أملا عند ما غرزت أظافرها في عينيه اليسرى و سالت‬
‫الدماء الحمراء تجري وسط الشواهد املظلمة‪.‬‬
‫✦✦✦‬

‫اجتمع األربع صديقات " سارة‪ ،‬مريم‪ ،‬أيرين ورهام " بتلك الحديقة‬
‫الجميلة التي اعتدن أن يجتمعن فيها كل جمعة من كل أسبوع‪ .‬فبعد‬
‫تخرجهن من نفس الجامعة‪ ،‬انشغلت كل واحدة بالحياة‪.‬‬
‫‪215‬‬
‫فمنهن من انشغلت بالبحث عن عمل ولكن ل م توفق إال مريم التي‬
‫وجدت وظيفة في إحدى الشركات بواسطة أحد أقاربها الذي يعمل بنفس‬
‫الشركة‪.‬‬
‫وكانت سارة منشغلة باالستعداد للزواج من عمر فكانت مشغولة‬
‫ً‬
‫استعدادا للزواج قبل أن‬ ‫معظم الوقت مع خطيبها أو لشراء الجهاز‬
‫يحدث لها ما حدث‪ ،‬فكانت تلك الليلة عائدة من عند خالها بمرس ى‬
‫مطروح‪ ،‬فاستقلت القطار وحيدة من اإلسكندرية إلى القاهرة وحدثت‬
‫تلك الحادثة الغريبة‪.‬‬
‫فلقد مات الراكب بجوارها وماتت أخته في نفس اللحظة‪ ،‬وحذرها‬
‫الرجل قبل موته من زيارة بائع التذكرة الشاب الذي باعها التذكرة الغلط‬
‫قبلها بيوم‪.‬‬
‫ومن يومها تغير حالها فأصبحت ترى الرجل يطاردها‪ .‬فكانت تخش ى‬
‫الظالم لدرجة مثيرة وترى الرجل يطاردها‪ .‬فخضعت للعالج النفس ي بعد‬
‫أن أصيبت بانهيار عصبي حاد‪ .‬وبعد فترة من العالج بدأت في الشفاء‪.‬‬
‫ولكن خوفها من الظالم ومن بائع التذكرة لم يزل ولكنها لم تخبر‬
‫ً‬
‫خطيبها عمر بش يء خوفا من أن يعتقد بأنها فقدت عقلها فيتركها ولكنها‬
‫ً‬
‫ابتعدت عنه قليال‪.‬‬
‫وكانت سارة تحكي كل ش يء في حياتها لصديقاتها املقربات فكن يعرفن‬
‫ُ‬
‫القصة وك ّن يعتقدن بأنها تختلق األمر لتثير رعبهن وفزعهن فلم يصدقنها‬
‫إال أيرين التي كانت تحب سارة وتصدقها وتصدق القصة كلها فهي تعلم‬

‫‪216‬‬
‫بأن هناك أمو ًرا غريبة تحدث بالكون حولها ليس لها تفسير ولكن لها‬
‫حكمة ال يعلمها إال الرب‪.‬‬
‫املهم جلسن جميعهن بتلك الحديقة يتحدثن فقالت سارة ضاحكة‪:‬‬
‫‪ -‬سأفتقدكن يا فتيات عندما أتزوج ً‬
‫قريبا‪ ،‬وربما هجرتكن لألبد‪.‬‬
‫وانفجرت بالضحك وابتسمت األخريات بسعادة و الدعاء لها‬
‫ً‬
‫بالسعادة‪ ،‬إال رهام التي كانت نار الغيرة تأكلها أكال وتشعر بالكراهية‬
‫والحقد الشديد لسارة‪ ،‬فلقد أخذت منها حبيبها عمر الذي لم تحب سواه‬
‫في هذا العالم ولكنه اختار سارة بعد أن رآها معها ً‬
‫يوما و تركها هي‬
‫بجمالها وأنوثتها الطاغية ولم يهتم ألمرها من يومها‪ ،‬فلقد سحرته سارة‬
‫وبالرغم م ن حبها الكبير له وجمالها الفتان فلم يهتم عمر ألمرها ً‬
‫أبدا أو‬
‫يرها أمامه‪.‬‬
‫فكانت كلمات سارة كالخنجر الحاد يمزق قلبها بشدة‪.‬‬
‫وهنا نظرت لها مريم مؤنبة وهمست في أذنيها قائلة‪:‬‬
‫‪ -‬ليس هكذا يا رهام أمام األخريات‪ ،‬فلتصبري حتى يرحلن‪.‬‬
‫كانت مريم تعرف حب رهام لعمر وكراهيتها وغيرتها من صديقتها سارة‪.‬‬
‫فلقد كانت تعتقد بأن سارة سحرت عمر وجعلته يحبها بمساعدة خالتها‬
‫الساحرة نورا ساحرة الفودو بالسحر األسود لتجعله ال يرى سواها‬
‫ويحبها‪.‬‬

‫‪217‬‬
‫و كانت مريم تشاركها تلك الكراهية لسارة منذ الصغر وهي تحقد على‬
‫سارة وتغار منها لقد كانت سارة تمتلك كل ش يء وتجذب الجميع إليها على‬
‫عكسها ً‬
‫تماما‪ ،‬فلم يكن لها أحد لذا كرهتها وتمنت موتها‪.‬‬
‫و هنا قامت سارة وأيرين إلحضار بعض املشروبات الغازية‪ .‬فمالت‬
‫رهام على أذن مريم قائلة‪:‬‬
‫‪ -‬ال أستطيع التحمل أكثر من ذلك يا مريم البد أن تتصرفي بسرعة إن‬
‫تزوجت سا ة من عمر سأقتلها فلن يأخذه مني أحد ً‬
‫أبدا في هذا‬ ‫ر‬
‫الكون إال املوت فبسببها وبسبب سحر خالتها لم يعد يراني أو يشعر‬
‫بوجودي بجواره‪.‬‬
‫فردت األخرى قائلة‪:‬‬
‫‪ -‬اصبري يا صديقتي فل كل ش يء نهاية فلدي خطة إن نفذنها ً‬
‫جيدا‬
‫فستترك سارة خطيبها عمر وربما تركت الحياة كلها وأراحتنا من ثقل‬
‫ظلها‬
‫فردت رهام بلهفه‪:‬‬
‫‪ً -‬‬
‫حقا يا مريم‬
‫فأجابت مريم بجدية قائلة‪:‬‬
‫ً‬
‫‪ -‬نعم يا صديقتي اصبري فقط قليال وسترين كل ش يء بعينيك سنقوم‬
‫بعمل دعابة ومقلب معها كما تعمل هي بنا املقالب الكثيرة وتضحك‬
‫بعدها باستخفاف قائلة بأنها مجرد مزحة ولم تقصد ً‬
‫شيئا فلنذقها‬

‫‪218‬‬
‫ً‬
‫من نفس الكأس إذن ولكننا سنختلف عنها قليال‪ ،‬فلن نخبرها أنها‬
‫مزحة وسنتركها تعتقد بأن ما حدث كان حقيقة‪.‬‬
‫و هنا ردت رهام بلهفة قائلة‪:‬‬
‫‪ -‬ماذا ستفعلين يا مريم أرجوك أخبريني اآلن فلن أستطيع الصبر‪.‬‬
‫وهنا شرحت مريم املقلب بهمس لصديقتها التي اتسعت عيناها ر ً‬
‫عبا‬
‫من هول ما سمعت‪ ،‬ثم انفجرت ضاحكة‪.‬‬
‫و هي تقول‪:‬‬
‫‪ -‬يا لك من شيطانة يا مريم‬
‫عال وتردد صدى ضحكاتهما في املكان‪.‬‬
‫وبعدها ضحكتا بصوت ٍ‬
‫✦✦✦‬

‫و هنا سمعت رهام من يناديها فقطع حبل ذكرياتها من املاض ي‪،‬‬


‫ونظرت إلى أمها التي كانت تقف عند باب الحجرة مرتدية كامل ثيابها‪ .‬و‬
‫قالت البنتها بغضب‪:‬‬
‫‪ -‬ملاذا لم ترتدي مالبسك حتى اآلن‪ ،‬فلقد أخذت موعد من الشيخ‬
‫زويد وهو ينتظرنا اآلن في بيته‪.‬‬
‫فردت على أمها بعيون زائغة مضطربة‪:‬‬

‫‪219‬‬
‫‪ -‬حاضر يا أمي سأ تدي مالبس ي حاال‪ .‬ال تقلقي فلن أفعل ً‬
‫شيئا غير‬ ‫ر‬
‫ما تريدينه مني‪ ،‬سأذهب معك كما تشائين إلى أي مكان حتى‬
‫أتخلص من روحها التي تطاردني باستمرار وتريد اخذ ابني قبل أن‬
‫أراه ويرى النور وتدفعني للجنون وفقد عقلي ولن أسمح لها بذلك‬
‫ً‬
‫أبدا‪.‬‬
‫✦✦✦‬

‫في منزل عمر‬


‫ً‬
‫متوترا وهو يمسك برسالة سارة بين‬ ‫في منزل عمر جلس األخير بالغرفة‬
‫ً‬
‫يديه و يقربها من قلبه فهمس يكلم الرسالة قائال‪:‬‬
‫"ماذا تريدين يا سارة مني"‬
‫وهنا فتح الرسالة ليعرف حقيقة ما حدث معها؟‬
‫ماذا فعلت زوجته بحبيبته؟‬

‫✦✦✦‬

‫‪220‬‬
‫عزيزي‪ :‬عمر‬
‫عند قراءتك لرساليت هذه فاعلم بأن األوان قد فات لكل شيء‬
‫فلم أعد كما كنت سابقا فأنا اآلن زومي يا عمر هل تعرف الزوميب؟‬
‫املوتى األحياء لقد مت وقامت خاليت نورا بإعادتي للحياة من‬
‫جديد ألنتقم ممن ظلمين ال أدرى كيف؟‬
‫و لكنها فعلتها فعندما تصلك تل ك الرسالة وتبدأ يف قراءتها أكون‬
‫أنا عدت ثانية من العامل اآلخر لألموات‪.‬‬
‫ال أعرف كيف سيكون إحساسي وشعوري حينها هل سأعرفك‬
‫أم ال؟‬
‫ال أدرى هل سأكون مسخا أم ستعيدني خاليت بهيئيت كما كانت‬
‫قبل املوت؟ ال أعلم شيئًا ولكن كل ما أعرفه هو االنتقام من‬
‫زوجتك رهام و األخريات مريم وأيرين البد من أن يدفع اجلميع‬
‫الثمن‪.‬‬
‫مثن ما فعلوه بي وأرجو أن تساحمين يا عمر سأقتل طفلك بدم‬
‫بارد فزوجتك ال تستحقه مطلقا‪ ،‬فأنت ال تعرف ماذا فعلت إلبعادي‬
‫عن طريقك‪ .‬فهذا الطفل من حقي أنا‪.‬‬
‫لذا أرجو أن تساحمين يا عمر وتلتمس لي العذر يا عزيزي‬
‫فأنت مل تعش ما عشت وداعًا إىل القريب العاجل‪.‬‬
‫املخلصة‪ :‬سارة‬
‫✦✦✦‬

‫‪221‬‬
‫ألقى عمر بالرسالة من يده بعد أن قرأ كل ما جاء بها‪ .‬و أخذ يذرع‬
‫الغرفة كاملجنون وهو يتذكر كلمات سارة "سأقتل طفلك بدم بارد" فصرخ‬
‫ً‬
‫عال قائال‪:‬‬
‫بصوت ٍ‬
‫جننت يا سارة؟"‬
‫ِ‬ ‫"هل‬
‫ً‬
‫سريعا وذهب إلى زوجته ليعرف منها كل‬ ‫و هنا ارتدى عمر مالبسه‬
‫ش يء و يحذرها من انتقام سارة وتساءل ً‬
‫حائرا‪:‬‬
‫‪ -‬هل جنت سارة ما هذا الكالم الغريب الذي تقوله ماتت والعودة من‬
‫أبدا وهل ً‬
‫حقا‬ ‫شيئا ً‬
‫جديد للحياة والزومبي واملوتى األحياء‪ ،‬إني ال أفهم ً‬
‫ماتت سارة؟‬
‫مسرعا إلى منزل أسرة زوجته‪ ،‬فدق الباب ً‬
‫كثيرا لكن‬ ‫ً‬ ‫وأخيرا وصل‬
‫يبدو بأنه ال يوجد أحد باملنزل‪.‬‬
‫فاحتار ماذا يفعل فهو يتصل بزوجته على هاتفها املحمول منذ أن قرأ‬
‫رسالة سارة ولكنها ال ترد ال هي وال أمها‪.‬‬
‫ً‬
‫متأخرا‪.‬‬ ‫فنظر إلى ساعته فوجد الوقت‬
‫فقال بقلق‪:‬‬
‫" ماذا حدث وأين ذهبت رهام في هذا الوقت املتأخر؟"‬
‫و هنا غادر البناية وهو قلق وال يدري كيف يتصرف و يتساءل برعب‪:‬‬
‫" هل حدث لها مكروه؟ هل نفذت سارة انتقامها وملاذا؟ فهو ال يفهم‬
‫ً‬
‫مفكرا ثم قرر الذهاب إلى منزل سارة و التأكد من كل‬ ‫شيئا ً‬
‫أبدا‪ ،‬فوقف‬ ‫ً‬

‫‪222‬‬
‫ش يء بنفسه‪ ،‬ربما كانت مجرد مزحة منها‪ ،‬فهي كانت تحب املقالب ً‬
‫كثيرا‪.‬‬
‫و تذكر ذلك املقلب الذي فعلته معه من سنين وأوهمته فيه بأنها‬
‫مريضة بمرض خطير وأجمع األطباء بعد عمل التحاليل واألشعة الالزمة‬
‫بأنها ستموت خالل شهر‪.‬‬
‫و استغلت هذا الشهر في الخروج والتنزه والطلبات الكثيرة و كان هو‬
‫قلبه يتقطع حزنا عليها و كاد أن يفقد وظيفته بسبب كثرة تغيبه عن‬
‫العمل‪ ،‬و بعد انقضاء الشهر أخبرته وهي تنفجر من الضحك بأنها مجرد‬
‫مزحة‪ ،‬أرادت بها أن تجعله قريب منها ألنه أهملها في الفترة األخيرة واهتم‬
‫بعمله أكثر منها و لم يعد يخرج معها كما كان من قبل‪.‬‬
‫فقامت هي بعمل ذلك املقلب فيه‪ ،‬فلم يصدقها في أي مقلب بعد‬
‫ذلك‪ ،‬وال مقلب بائع التذكرة والهالوس التي كانت تقولها والرجل الذي‬
‫كان يتبعها هزرأسه بعنف ليبعد عنه تلك األفكار والذكريات الكثيرة وهنا‬
‫وصل عمر إلى منزل سارة‪.‬‬
‫ً‬
‫و كانت الساعة تجاوزت منتصف الليل‪ ،‬فوقف قليال يفكر هل يعود‬
‫في الصباح أم يدق الباب و يحدث ما يحدث‪ ،‬فقرر طرق الباب وليكن ما‬
‫يكون‪.‬‬
‫كثيرا فلم يرد أحد عليه وطرق الباب مرة أخرى وانتظر‬‫فطرق الباب ً‬
‫أن يرد عليه احد‪ ،‬و لكنه لم يتلق أي رد أو يسمع صوت أحد بالداخل‪.‬‬
‫و في تلك اللحظة شعر بالرياح الباردة تخرج من أسفل الباب و‬
‫انتصب شعر ذراعه وشعر بالتوتر وبأن هناك من يراقبه فأخذ يبسمل‬

‫‪223‬‬
‫ويحوقل ويقرأ ما تيسر له من آيات الذكر الحكيم إلى أن هدأت الرياح‬
‫واعتدل الطقس مرة أخرى و هدأت نفسه فدق الباب لثالث مرة وقال‬
‫هامسا لنفسه "هذه آخر مرة أطرقه إن لم يفتح أحد سأرحل من هنا‬
‫سريعا فقلبي ليس مطمئنا ً‬
‫أبدا ملا يحدث"‬ ‫ً‬

‫فلم يفتح أحد الباب أو يرد عليه ولكنه سمع من يئن بألم داخل‬
‫املنزل‪ ،‬فاقترب واضعا أذنيه على الباب‪ ،‬و هنا سمع الصوت بوضوح‬
‫هناك من يئن ويتألم بداخل الشقة‪.‬‬
‫فقال عمر بصوت عالي‪:‬‬
‫‪ -‬هل هناك أحد داخل املنزل؟‬
‫طالبا للعون وبأن يساعده أحد فوقف عمر‬‫فزاد األنين والصوت ً‬
‫ً‬
‫مفكرا ماذا يفعل هل يكسر الباب وينقذ من يطلب املساعدة ويتألم‬
‫بالداخل‪ ،‬و ربما كانت مزحة أو خدعة من سارة‪.‬‬
‫حائرا ثم نظر إلى باب الشقة املجاور‪ ،‬وطرق الباب ً‬
‫طالبا‬ ‫ً‬ ‫فوقف‬
‫للمساعدة ملعرفة ماذا يحدث بداخل شقة سارة فلم يرد عليه أحد‬
‫ً‬
‫مستنجدا بمن بالداخل أن يساعده فلم يرد عليه‬ ‫وطرق الباب مرة أخرى‬
‫أحد وهنا سمع صوت األنين واالستغاثة من داخل الشقة األخرى ً‬
‫أيضا‪.‬‬
‫و هنا شعر بالتوتر والقلق‪.‬‬
‫فرجع عمر للخلف برعب خطوتين للخلف‪ .‬وهو ال يدري كيف يتصرف‬
‫فازداد األنين والتألم مع الصراخ املتواصل من داخل الشقة وهنا أسرع‬

‫‪224‬‬
‫عمر يركض مغاد ًرا املكان حتى كاد يسقط على وجهه من شدة انفعاله‬
‫ً‬
‫مسرعا إلي أقرب قسم للشرطة‪.‬‬ ‫ورعبه وذهب‪،‬‬
‫✦✦✦‬

‫في املستشفى‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وقف كبير األطباء ومدير املستشفى فاتحا فاه ومذهوال مما يرى أمامه‬
‫غير مصدق ما يحدث بمستشفاه لقد كانت إحدى املريضات معلقة‬
‫بالسقف مذبوحة كالنعاج وممزقة الجسد وخرجت أمعاؤها بطريقة‬
‫مقززة وانفصلت رأسها عن الجسد‪ .‬وصرخت إحدى املمرضات برعب من‬
‫هول املنظر واستفاق الطبيب من ذهوله على صوت الصراخ والعويل و‬
‫ً‬
‫صرخ قائال‪:‬‬
‫ً‬
‫‪ -‬اتصلوا بالشرطة حاال‪.‬‬
‫فصرخت ممرضة أخرى بانهيار‪:‬‬
‫‪ -‬وماذا ستفعل الشرطة في هذه الحالة فهي من كانت تحرس تلك‬
‫الغرفة‬
‫و هزت رأسها بقوة ثم أكملت حديثها‪:‬‬
‫‪ -‬فهذه غرفة املتهمة التي أحضروها أمس أعتقد اسمها مريم‬
‫ً‬
‫و هنا صرخ الطبيب مدير املستشفى برعب قائال‪:‬‬

‫‪225‬‬
‫‪ -‬و أين ذلك الشرطي املكلف بحراسة املكان كيف حدث هذا؟ و ملاذا؟‬
‫ً‬
‫فرد رجل أمن املستشفى قائال‪:‬‬
‫‪ -‬لقد وجدنا الشرطي ً‬
‫نائما أمام باب الغرفة يا سيدي و يغطيه التراب‬
‫األبيض كأن هناك من قام بتخديره فدخل املسكين في غيبوبة‬
‫وحاول األطباء إفاقته بكل الطرق فلم يفلحوا ولم يستطيعوا فعل‬
‫أي ش يء له فقاموا بنقلة إلى غ رفة العناية الفائقة‬
‫و هنا صرخت إحدى املمرضات قائلة‪:‬‬
‫هاما لقد اختفى الشرطي اآلخر ً‬
‫أيضا‬ ‫أمرا ً‬
‫‪ -‬سيدي املدير لقد نسينا ً‬
‫املكلف بحراسة غ رفة املريضة األخرى املجني عليها كما قالوا لنا‬
‫أمس واسمها أيرين ولم يهتم أحد بالدخول لالطمئنان عليها‪.‬‬
‫ً‬
‫فصرخ املدير في وجهها قائال‪:‬‬
‫‪ -‬أتقولين ذلك اآلن أيتها الغبية‪ ،‬ثم أسرع إلى غرفة أيرين والعرق‬
‫يتصبب من وجهه ويهز كرشه البدين ليطمئن بنفسه عليها ولكنه لم‬
‫يجد أي أحد بالغرفة‪.‬‬
‫لقد كانت الغرفة خالية‪ .‬واختفت أيرين من الغرفة وأمر املدير رجال‬
‫األمن واألطباء و ً‬
‫أيضا املمرضين وكل العاملين باملستشفى بالبحث عنها وإن‬
‫أستطاع أن يأمر املرض ى بالبحث عنها لفعل ولكنهم لم يجدوا لها أي اثر‬
‫باملستشفى‪.‬لقد تبخرت أيرين من املستشفى كلها‪ ،‬كتبخر املاء وقت‬
‫الظهيرة‪ ،‬فلم يعثروا سوى على مالبسها ملطخة بالدماء واختفت هي‬
‫ً‬
‫تماما وال يعلم أحد كيف؟‬
‫‪226‬‬
‫ً‬
‫و هنا صرخ املدير برعب قائال‪:‬‬
‫‪ -‬أين رجال الشرطة ملاذا لم يحضروا حتى اآلن؟ اتصلوا بهم مرة‬
‫أخرى أيها‪....‬‬

‫✦✦✦‬

‫‪227‬‬
‫الفصل األخير‬

‫النهاية‬

‫في منزل الشيخ زويد‬


‫جلست رهام بعيونها الزائغة تنظر برعب إلى ذلك الشيخ الكبير الذي‬
‫جلبابا أسود ويضع العمامة السوداء على رأسه و ينظر إليها‬ ‫ً‬ ‫يرتدي‬
‫متفحصا بعيونه الواسعة التي يضع الكحل فيها بطريقة غريبة‪.‬‬
‫فتنظر إلى عينيه فال تستطيع رؤية ش يء آخر بوجهه غيرهما ً‬
‫نظرا‬
‫لكبرهما والكحل األسود الذي يحيطهما بطريقة غريبة‪.‬‬
‫فقالت األم بقلق بعد أن قصت عليه كل ش يء من البداية‪ .‬و ما فعلته‬
‫ابنتها بسارة‪ ،‬ورسالة سارة األخيرة التي تهددها فيها بقتل ابنها‪.‬‬
‫فقالت األم بقلق‪:‬‬
‫‪ -‬ماذا نفعل يا شيخ زويد اتقاء لشر تلك الروح ‪ ،‬وكيف تستطيع‬
‫بعيدا عن تهديدها لها وظهورها‬‫ً‬ ‫ابنتي تجنبها والعيش بسالم‬
‫املستمر؟ والحفاظ على ما في رحمها؟‬
‫ً‬
‫فنظر لها الشيخ طويال وأخذ يقرأ في بعض الكتب أمامه و كلما قرأ‬
‫مقطعا يلقي نظرة طويلة متفحصة على رهام‪.‬‬
‫‪228‬‬
‫و بعد االنتهاء من النظر في ذلك الكتاب األسود أمامه أجاب الشيخ‬
‫ً‬
‫زويد قائال‪:‬‬
‫‪ -‬ال تقلقي يا ابنتي فلن تؤذيك صديقتك بعد اليوم فقد نفذت ما‬
‫تريد منك بالضبط‪.‬‬
‫فقاطعته األم بلهفة‪:‬‬
‫حقا يا شيخ لن تظهر لنا روحها بعد اآلن‪.‬‬‫‪ً -‬‬
‫ً‬
‫فابتسم الشيخ قائال‪:‬‬
‫‪ -‬أنا لم أقل روحها ولكني قلت صديقتها‪.‬‬
‫ً‬
‫و هنا نظر إلى عيونها بعمق قائال فسارة لم تمت بعد مازالت على قيد‬
‫الحياة‪.‬‬
‫فصرخت رهام قائلة‪:‬‬
‫‪ -‬ماذا تقول؟ لقد تأكدت من موتها بنفس ي ورأيت شبحها أكثر من مرة‬
‫وبعدها نظرت إلى أمها غير مصدقة ما يقوله الرجل‪ .‬وهنا تذكرت األم‬
‫جملته األخيرة‬
‫و رددت قائلة‪:‬‬
‫‪ -‬لقد نفذت ما تريد‪.‬‬
‫فصرخت في وجهه قائلة‪:‬‬

‫‪229‬‬
‫‪ -‬ماذا تقصد بقولك إنها نفذت ما تريد أيها الشيخ‪.‬‬
‫ً‬
‫فنظر إلى ابنتها طويال ثم قال‪:‬‬
‫‪ -‬ال داعي ألن تخفي األمر أكثر من ذلك يا ابنتي‪.‬‬
‫ً‬
‫و نظر لها ثم أكمل قائال‪:‬‬
‫‪ -‬فأنت تعرفين ً‬
‫جيدا ما أقصد يا رهام‪.‬‬
‫وهنا نظرت األم بقلق إلى ابنتها التي كانت تمسك بطنها بقوة و تبكي‬
‫بقهر وإلى الشيخ زويد‬
‫و قالت األم موجهة حديثها للشيخ‪:‬‬
‫‪ -‬ماذا حدث وماذا تخفي ابنتي عني يا شيخ زويد؟ أرجو إخباري اآلن‬
‫أتوسل إليك‬
‫ً‬
‫فرد عليها الشيخ قائال‪:‬‬
‫‪ -‬إن ما في حم ابنتك مات منذ يومين وهي تعلم ذلك ً‬
‫جيدا وتخفي‬ ‫ر‬
‫األمر‬
‫فصرخت األم في وجهه قائلة‪:‬‬
‫‪ -‬ماذا تقول أيها الشيخ وملاذا لم تخبرني بذلك‪.‬‬
‫ً‬
‫فرد عليها قائال‪:‬‬
‫‪ -‬الن ابنتك هي من قام بقتله بيديها وبدم بارد‪.‬‬

‫‪230‬‬
‫فنظرت األم إلي ابنتها غير مصدقة ما تسمع و صرخت بغضب في‬
‫وجهها‪:‬‬
‫‪ -‬هل ما يقوله صحيح يا رهام‪.‬‬
‫فلم ترد عليها بل أخذت تضحك بطريقة هسترية غريبة وبعيون زائغة‬
‫تتحرك باستمرار ثم قالت وهي مازالت تضحك‪:‬‬
‫‪ -‬نعم لقد قتلته بيدي وبدم بارد‪ ،‬كما قال الشيخ حتى تتركني سارة‬
‫أعيش وأخذت تضحك‪.‬‬
‫نظرت إليها األم بقلق كبير فابنتها ليست في حالتها الطبيعية ً‬
‫أبدا‬
‫ً‬
‫ونظرت إلى الشيخ زويد لتستشيره وتأخذ بنصيحته فنظر إليها قائال‪:‬‬
‫‪ -‬ابنتك ال تحتاج ّ‬
‫إلي بل تحتاج إلى زيارة طبيب والذهاب إلى املستشفى‬
‫اآلن قبل فوات األوان يا سيدتي‪.‬‬
‫فنظرت له األم برجاء تستحثه أن ينقذ ابنتها ويساعدها مما هي فيه‬
‫ولكنه رحل من أمامها تاركا الغرفة وهو يقول‪:‬‬
‫‪ -‬ابنتك تحتاج إلى طبيب والذهاب إلى املستشفى قبل أن يتسمم‬
‫جسدها وتموت فالولد مات منذ يومين في بطنها ال تحتاج إلى معالج‬
‫روحاني يا سيدتي‪.‬‬
‫فنظرت له بضيق ثم أخذت ابنتها و هي مازالت تضحك بهستريا إلى‬
‫أقرب مستشفى‪ ،‬و رحلت األم وهي تحمل هموم الدنيا في قلبها فماذا‬
‫ستقول لزوج ابنتها‪.‬‬

‫‪231‬‬
‫و ماذا سيكون رد فعلة عندما يرى زوجته بهذه الحالة؟‬
‫✦✦✦‬

‫ذهب عمر ً‬
‫سريعا وقام بإحضار بعض قوات الشرطة التي فتحت باب‬
‫منزل سارة عنوة لترى األب (مسعد) ملقى على األرض يئن ويتألم‪.‬‬
‫من شدة األلم فلقد كان وجهه مشوها ممزقا بشدة بفعل ش يء حاد و‬
‫كأن هناك حيوانا مفترسا قام بمهاجمته‪.‬‬
‫و قامت الشرطة بمعاينة املكان ونقله إلى أقرب مستشفى و لكنه عند‬
‫ً‬
‫نقله على املحفة أمسك بمعصم عمر برعب قائال‪:‬‬
‫‪ -‬سارة خلصها يا عمر باهلل عليك وطهر روحها‬
‫و هنا نقله املسعفون إلى سيا ة اإلسعاف ولم يفهم عمر ً‬
‫شيئا من‬ ‫ر‬
‫حديث األب و بعد فتح الشقة املجاورة لشقه سارة وجدت الشرطة‬
‫أشالء جثة في املكان المرأة عجوز ممزقة ً‬
‫تماما وكأن هناك حيوانا مفترسا‬
‫قام بمهاجمتها وتمزيقها إربا كما يقولون نظر عمر برعب لتلك املرأة‬
‫املمزقة فشعر بالغثيان وبألم في معدته وقال برعب هامسا لنفسه‪:‬‬
‫حقا وتحولت لوحش مفترس؟"‬ ‫"من فعل ذلك هل هي سا ة ً‬
‫ر‬
‫و هنا تذكرزوجته ورسالة سارة املهددة لها فأسرع يغادر املكان متجها‬
‫إلى منزل أهل زوجته من جديد وظل يدق الباب‪.‬‬

‫‪232‬‬
‫و لكن لم يكن هناك أحد باملنزل فأشتد به القلق بشدة وعصف‬
‫بكيانها فأخذ يطرق على الجيران بعنف حتى فتحت له إحدى الجارات و‬
‫ً‬
‫مسرعا يركض في الشارع‬ ‫أخبرته بأن زوجته وأمها باملستشفى فذهب‬
‫كاملجنون متجها إلى املستشفى ليجد حماته منهارة وتبكي بقوة وأخبرته‬
‫بفقد ا لجنين وإصابة ابنتها بصدمة عصبية‪ ،‬مما أدى إلى فقدها لعقلها‬
‫ً‬
‫ووقف عمر ينظر بذهول إلى أم زوجته وتساءل قائال غير مصدق‪:‬‬
‫" ماذا تقول تلك السيدة وهل ما تقوله صحيح؟"‬
‫و في هذه اللحظة أتى أحد األطباء وأعاد عليه ما قالته األم وهنا‬
‫تركهم الزوج و رحل من املكان وعيناه تلمعان من أثر الدموع على فقد‬
‫ابنه وزوجته وقرر أن يسأل سارة ملاذا فعلت ذلك؟‬
‫ملاذا دمرت حياته وقتلت ابنه؟‬
‫و جعلت زوجته تفقد عقلها ما سبب كل هذه القسوة والبشاعة؟‬
‫✦✦✦‬

‫ً‬ ‫ً‬
‫عاد عمر إلى املنزل منهكا ومحمال بجراحه وآالمه التي ال تنتهي‪ ،‬فسمع‬
‫من يئن ويبكي بغرفة نومه فاقترب بحرص من باب الغرفة‪ ،‬و كلما اقترب‬
‫كلما زادت رائحة الياسمين‪ ،‬وهنا نظر إلى فراشة برعب من خلف باب‬
‫شيئا فشعرها‬‫الغرفة ليجدها تجلس على فراشة وتبكى‪ ،‬فتاة لم ير منها ً‬
‫األسود الطويل يغطي وجهها و ترتدي ثوبا أسود اللون فكانت ككتله من‬
‫الليل األسود تجلس على فراشه فابتعد خطوتين للخلف بتوتر‪.‬‬
‫‪233‬‬
‫و قال لنفسه هامسا‪:‬‬
‫"إنها هي سارة فأغلق الباب عليها باملفتاح"‬
‫و قال بصوت مهزوز يمأله الرعب والتوتر‪:‬‬
‫‪ -‬سارة هل أنت بالداخل؟‬
‫ً‬
‫فلم ترد عليه فأعاد سؤاله من جديد قائال‪:‬‬
‫‪ -‬أنت سا ة أعرف ذلك ً‬
‫جيدا فلماذا يا سارة فعلت ذلك؟ ملاذا قتلت‬ ‫ر‬
‫طفلي؟‬
‫ً‬
‫فسمع من يرد عليه من خلفه قائال‪:‬‬
‫ً‬
‫‪ -‬سارة لم تقتل أحدا يا ولدي‪.‬‬
‫فصرخ فزعا والتفت ليرى سيدة غريبة بعيون واسعة وترتدي زًيا‬
‫أسود وتمسك بجمجمتين صغيرتين بيدها‪ ،‬فصرخ برعب في وجهها‪:‬‬
‫‪ -‬من أنت وكيف دخلت إلى منزلي؟‬
‫فأجابت السيدة قائلة‪:‬‬
‫‪ -‬أنا نورا خالة سارة يا ولدي‬
‫ً‬
‫فصمت عمر قليال متذكرا ثم قال بتوتر‪:‬‬
‫‪ -‬أنت الساحرة التي تعيش في الخارج في الكاريبي وتمارس السحر‬
‫األسود على الناس‪ ،‬سحر الفودو لتعذبهم وتجبرهم على فعل ما‬
‫تريد لقد أخبرتني سارة عنك ً‬
‫كثيرا ماذا تريدين مني؟‬
‫فنظرت له نورا بعمق قائلة‪:‬‬
‫‪234‬‬
‫‪ -‬أنا ال أعذب أحد يا ولدي إال من يستحق العذاب‪ ،‬ومن يخطئ‬
‫فليعاقب ويعذب فأنا أحقق العدالة فقط‬
‫فرد عليها‪:‬‬
‫‪ -‬ومن طلب منك تحقيق العدالة‪ ،‬والتدخل فيما ال يعنيك واآلن ماذا‬
‫تريدين منى يا نورا و ماذا تفعل سارة في غرفة نومي؟‬
‫فأجابت بفتور‪:‬‬
‫‪ -‬إن سارة تحتاجك يا عمر تحتاج أن تقف بجوارها فهي اآلن في‬
‫مرحلة التعلم‬
‫ً‬
‫وهنا شهق برعب قائال‪:‬‬
‫‪ -‬ماذا تقولين؟ تحتاجني سارة أم تريد أن تقتلني‪ .‬كما قتلت ابني‬
‫الوحيد وجعلت زوجتي تفقد عقلها‪ ،‬أهذا ما تريدين قوله ملاذا ال‬
‫تقولينها صراحة‬
‫فأجابت نورا بغضب قائلة‪:‬‬
‫‪ -‬أنت مخطئ يا عمر فسارة لم تقتل ابنك بل زوجتك هي من أجهضت‬
‫نفسها بيديها وقتلت ما في رحمها بمفردها يا ولدي صدقني‪ ،‬لم‬
‫يتدخل أحد باألمر ً‬
‫أبدا صدقني‪ .‬هي اختارت الحياة‪ ،‬وشعرت بأن‬
‫ابنك حمل ثقيل عليها‪.‬‬
‫ً‬
‫فرد عليها بتوتر قائال‪:‬‬

‫‪235‬‬
‫‪ -‬و ماذا سأفعل أنا معها بعد أن تحولت إلى وحش مفترس زومبي خرج‬
‫من قبره ليلتهم الناس بقسوة ملاذا فعلت ذلك ملاذا جعلتها كاملسوخ‬
‫يا نورا؟ ملاذا لم تدعيها ترحل بسالم وينتهي األمر لقد رأيت ما فعلت‬
‫بوالدها وبالجارة العجوز املسكينة هل تريدين أن تكون نهايتي‬
‫مثلهما يا نورا‬
‫وهنا قاطعته قائلة‪:‬‬
‫شيئا يا عمر صدقني لم تقتل أحدا غير شقيقها‬ ‫‪ -‬سا ة لم تفعل ً‬
‫ر‬
‫أحمد‪ ،‬ولم تكن تقصد قتله فقد كانت أفاقت للتو‪ ،‬وكانت تحتاج‬
‫إلى فترة لتتأقلم وتعرف ما يدور حولها ولكن شقيقها تسرع وكانت‬
‫هي خائفة كاملولود يوم والدته ففعلت ما فعلت دون أن تدرك ماذا‬
‫تفعل؟ وهي اآلن تبكي على فقد شقيقها أحمد‪ ،‬وتحتاج من يساندها‬
‫ويقف بجوارها‬
‫ً‬
‫متعجبا ثم قال مندهشا‪:‬‬ ‫فنظر إليها عمر‬
‫شيئا ولكني متأكد بأن سارة ماتت لقد سألت والدها‬ ‫‪ -‬أنا ال أفهم ً‬
‫والجيران وأكدوا ذلك بأنها ماتت فماذا تريدين مني اآلن يا نورا؟أرجو‬
‫أن تتركيني وتأخذي معك تلك الزومبي وتبتعدا عني فأنا ال أريد رؤية‬
‫أو معرفة ش يء‪.‬‬
‫ً‬
‫فنظرت إليه طويال ولكنه لم يعد يتحمل نظراتها املخيفة فتركها‬
‫مسرعا وغادر املنزل ولكنه اصطدم بذلك الشاب عندما فتح باب املنزل‬ ‫ً‬
‫فسقط عمر على األرض واستطاع الوقوف على قدميه بصعوبة ليجد‬

‫‪236‬‬
‫مسخا مشوه الوجه فقئت إحدى عينيه وتلطخت ثيابه بالدماء‬‫ً‬ ‫أمامه‬
‫ً‬
‫مسرعا‪ ،‬إلى شقته فوجد نورا تنظر‬ ‫ويتساقط الدم من يديه فرجع عمر‬
‫برعب لذلك الشاب قائلة‪:‬‬
‫‪ -‬ماذا حدث لك يا ساهر ومن فعل بك ذلك يا ولدي؟‬
‫ً‬
‫سريعا وقفز عليها كالنمر‪ ،‬و صرخت نورا‬ ‫و لكنه لم يرد عليها بل هجم‬
‫ً‬
‫أملا عندما هجم على ذراعها ليقضم منه جزءا ويأكله‪.‬‬
‫و هنا خرجت سارة من الغرفة بثوبها األسود ويغطي شعرها األسود‬
‫عبا و أسرع‬‫وجهها تسير ببطء بقدميها العاريتين املتسخة وصرخ عمر ر ً‬
‫هربا وصدره يعلو ويهبط بقوة و تتسارع دقات قلبه بعنف‬ ‫يغادر املنزل ً‬
‫وتدق كالطبول عالية ثم ذهب إلى أقرب قسم شرطة ليبلغ عما حدث في‬
‫شقته وعن تلك الوحوش الضارية التي هربت من الغابة لتستوطن في‬
‫شقته واتجهت قوات الشرطة إلى منزلة ليجدوا سيدة ممزقة ً‬
‫تماما‬
‫بجوارها شاب مشوه الوجه ويبدو عليه الجنون يلتهم الجثة بنهم شديد‬
‫فأطلقوا عليه النار عندما حاول مهاجمتهم وهم يستعيذون باهلل من‬
‫ميتا على الفور بعد أن‬‫الشيطان الرجيم و يبسملون ويحوقلون فسقط ً‬
‫أصابته الرصاصات في قلبه ولم يجدوا أثرا ألي أحد آخر باملنزل‪.‬‬
‫ً‬ ‫متلفتا حوله ً‬
‫ً‬
‫يمينا ويسا ًرا باحثا عنها فلم يجد لها أي اثر‬ ‫ونظر عمر‬
‫باملنزل و لكنه وجد تلك الرسالة الحمراء قرمزية اللون على فراشه و تفوح‬
‫منها رائحة الياسمين املميزة فالتقط الرسالة ليقرأ ما فيها ويعرف أين‬
‫جيدا أن الرسالة منها هي ومن غيرها حبيبته املسخ التي‬‫ذهبت فهو يعرف ً‬
‫تحولت لزومبي‪.‬‬
‫✦✦✦‬

‫‪237‬‬
‫في املستشفى‬
‫عبا عندما سقط منها هاتفها املحمول‬ ‫صرخت إحدى املمرضات ر ً‬
‫أسفل ذلك الفراش بغرفة أحد املرض ى‪ ،‬فانحنت بتوتر لتلتقطه فقد كان‬
‫ً‬
‫صباحا‪ ،‬وقتل‬ ‫الجو العام باملستشفى يسوده التوتر والرعب بعد ما حدث‬
‫إحدى املريضات وذبحها كالنعاج فاألعصاب كلها مشدودة والتوتر والرعب‬
‫سيد املوقف‪.‬‬
‫وهنا شاهدتها فصرخت ر ً‬
‫عبا بهستيريا‪ ،‬وتجمع العاملون واألطباء‬
‫وبعض املرض ى الذين كانوا في طريقهم للهروب من املستشفى املشئومة‪،‬‬
‫ً‬
‫مسرعا و كرشه الضخم يهتز وهو يمسح العرق الغزير‬ ‫وجاء املدير يركض‬
‫ً‬
‫على جبينه ويتساءل برعب قائال‪:‬‬
‫‪ -‬ماذا حدث ملاذا كل هذا الصراخ؟‬
‫ً‬
‫فأجابه أحد رجال األمن قائال برعب‪:‬‬
‫‪ -‬لقد وجدوها يا سيادة املدير‪ ،‬ولكنهم لم يجدوها كلها‬
‫فقال املدير بعنف‪:‬‬
‫‪ -‬ماذا وجدوا يا متولي أوضح كالمك فأنا ال أفهم ً‬
‫شيئا ‪.‬‬
‫ً‬
‫فرد متولي رجل األمن باملستشفى قائال‪:‬‬
‫‪ -‬املريضة الهاربة يا سيدي أيرين التي يبحث عنها الجميع وجدوا‬
‫نصفها العلوي فقط أسفل الفراش‪ .‬ولم يجدوا النصف اآلخر‬
‫فنظر له الطبيب برعب فاتحا فاه غير مصدق ما يسمع و يسأل برعب‬
‫‪238‬‬
‫‪ -‬ماذا تقول أيها األحمق؟‬
‫✦✦✦‬

‫في املقابر‬
‫وفي املقابر وقف األب امللكوم على قبر ابنته سارة يبكي وينتحب بقوة و‬
‫من حوله رجال الشرطة يقومون بحفر القبر و معرفة ماذا يحدث فيه‪.‬‬
‫ً‬
‫بعد أن قام احدهم بإبالغ للشرطة بوجود أعمال غريبة تحدث ليال‬
‫عبا عندما أخرج الجنود تلك الجثة‬ ‫حول ذلك الشاهد وهنا صرخ األب ر ً‬
‫ً ً‬
‫عبا قائال‪:‬‬‫من الشاهد‪ ،‬إنها جثة ابنه أحمد فصرخ األب ر‬
‫‪ -‬ال‪ ،‬ولدي أحمد‪.‬‬
‫وبعدها سقط فاقد الوعي غير مصدق أنه فقد أوالده مرة واحدة‪.‬‬

‫✦✦✦‬

‫‪239‬‬
‫الرسالة األخيرة‬

‫عزيزي‪ :‬عمر‬

‫آسفة لتدمري حياتك ولكنها فكرة االنتقام اليت سيطرت عليّ هي‬
‫من جعلتين أفعل ذلك فلقد اتصلت خباليت نورا ورجوتها كي تأتي و‬
‫تساعدني بسحر الفودو وتنتقم لي من الذين تسببوا بأذييت‪ ،‬كانت‬
‫أخربتين سابقًا عن الزوميب اليت تشتهر به جزر اهلاييت اليت عاشت‬
‫فيها خاليت سنني طويلة لقد كانت خاليت إحدى كبريات السحرة‬
‫هناك بكورز الفودو إحدى كبريات السحرة وتعمل لصاحل احلكومة‬
‫قبل أن تنتقل للعيش بإحدى جزر الكارييب‪.‬‬
‫و أعرف جيدًا قدراتها اخلارقة يف االستعانة باجلن وتسخريهم‬
‫ملساعدتها‪.‬‬
‫و أعجبتين فكرة االنتقام جبعل صديقاتي السابقات مينت رعبًا مين‬
‫بعد أن يعرفن خبرب‪ ،‬موتي ثم أعود هلن من جديد على هيئة زوميب‬
‫" املوتى األحياء " و جنحت خطيت وأعطتين خاليت بعض الشراب‬
‫الذي يستخدمونه جلعل الضحية تنام وتفقد وعها وتبدو كاألموات‬
‫فيعتقد األطباء واملقربون بأنها ماتت وبعد دفنها يقوم السحرة‬
‫‪240‬‬
‫بإخراجها من جديد من القرب على هيئة الزوميب و يعتقد الناس بأن‬
‫اجلثة مت إعادة الروح إليها ثانية و لكنه اجلهل وعدم اإلميان باهلل فمن‬
‫يستطيع إعادة روح إىل جسد غري خالقها فمن يستطيع أن يعود من‬
‫املوت من جديد ويصبح زوميب او املوتى األحياء كما يقولون عنهم‪.‬‬

‫هل تعرفهم يا عمر؟‬


‫إنهم الذين ماتوا ومت دفنهم فعادوا من جديد إىل احلياة‪ .‬ومت‬
‫إعادتهم بواسطة السحر األسود والفودو إىل احلياة من جديد‪.‬‬
‫ولكنهم ال يعودون كما كانوا أبدًا بل يعودون مغيبني ذهنيا‪،‬‬
‫كأنهم حتت تأثري التنويم املغناطيسي أو املخدر‪ ،‬فهناك الكثري من‬
‫األسر ار الطبية اليت ال تزال غري معروفة‪ ،‬وال يعرفها غري سحرة‬
‫الفودو وزعماء بعض القبائل اإلفريقية‪.‬‬

‫يا عمر‪.‬‬

‫هل تدري ميكن التغلب على ش خص بإدخاله يف غيبوبة تشبه‬


‫املوت ملدة زمنية ساعات ورمبا أيام وهنا يعتقد أهل املريض بأنه‬
‫مات‪.‬‬

‫فيقوم السحرة ليال بإخراجه من قربه وإفاقته من الغيبوبة بإعطائه‬


‫الرتياق فيعتقد الناس بأنه عاد من جديد من العامل اآلخر من املوت‪.‬‬

‫‪241‬‬
‫و لكنه ال يعود أبدًا كما كان‪ ،‬يعود مسلوب اإلرادة مغيب ذهنيا‬
‫يفعل أي شيء يعود كاخلادم يعود كالزوميب‪.‬‬

‫و لقد أعطتين خاليت الرتياق ولكنها مل ختربني بأن هذا الشراب‬


‫اليت أعطته لي عبارة عن نوع من املخدرات جعلتين أفقد تركيزي‬
‫وذهين لفرتة‬
‫فقتلت شقيقي أمحد دون أن أدري ماذا أفعل؟‬

‫وأنا نادمة أشد الندم على قتل أعز خملوق لي يف احلياة‪ ،‬أنا مل أقتل‬
‫أحدً ا يا عمر أريد أن أخربك بذلك فلقد قام ساهر بعد أن فقد عقله‬
‫بقتل صديقاتي وخاليت‪ .‬وحاول قتل أبي‪ .‬مل أفعل شيئًا صدقين فأنا‬
‫ضحية لدعابة سخيفة من صديقاتي السابقات‪.‬‬
‫وأوهلم زوجتك رهام لقد أوهموني بأنها حقيقة وليست دعابة أو‬
‫مزحة مل خيربني أحد شيئًا فجعلوني أموت قهرا‪ ،‬وأتركك رغما عين‬
‫وأنا مل أحب سواك يف هذا الكون‪.‬‬
‫لقد استخدموا كل شيء ضدي ولعبوا مبرضي وخويف‪.‬‬

‫فماذا ستفعل إن استيقظت لتجد نفسك بغرفة مظلمة مقيد‬


‫اليدين‬

‫‪242‬‬
‫والفم والقدمني ممزق الثياب عاري اجلسد وتغطيك الدماء‬
‫وتشعر باألمل يف كل ذرة جبسدك ماذا سيكون شعورك إن كنت فتاة‪.‬‬

‫وال تدري ما ذا حدث لك بالضبط ومن فعل بك ذلك‪ ،‬ماذا‬


‫سيكون شعورك إن كنت ختشى الظالم وتهابه كاملوت‪.‬‬
‫وأنت تشعر أن أحدهم يراقبك باستمرار‪ .‬وجعلوك تقضي فيه‬
‫ليلة كاملة؟‬

‫و ترى من حولك األشباح تتحرك وتهمس يف أذنك بأنه بائع‬


‫التذكرة جاء من أجلك ليأخذ روحك لقد كانت جتربة قاسية حقًا‪.‬‬
‫مل أحتملها أبدًا وعندما فتحت لي أيرين باب الغرفة‪.‬‬
‫و فكت قيودي شاهدته هو على األرض نائما عاريًا ممزق‬
‫املالبس و مقيدا باحلبال مل أكن أعلم من هو ولكنهم أخربوني بأنه‬
‫بائع التذكرة‪.‬‬
‫ولكنه مل يكن سوى جاري وصديق طفوليت ساهر لقد استغلوا‬
‫مرضه النفسي‪ .‬وحبه لي‪.‬‬
‫وهنا رأيتهن يقفن على باب الغرفة ويضحكن بعنف مل أكن‬
‫أدري ملاذا يضحكن و من فعل ذلك؟‬

‫‪243‬‬
‫و ماذا فعلن بي فلقد فقدت وعي لفرتة وال أدري ماذا حدث‬
‫فيها؟ هل عرفت اآلن ما فعلته معي زوجتك واألخريات‪.‬‬

‫لقد دمروا حياتي وجعلوني أحيا أسوء كابوس ممكن أن أحياه‪.‬‬


‫وبعدها أرسلت لي أيرين رسالة تشرح لي كل شيء وأخربتين‬
‫بأن ما حدث جمرد دعابة سخيفة منهن ألواجه خويف من بائع‬
‫التذكرة وإنين كما كنت مل حيدث لي أي شيء‪.‬‬

‫ولكن جاءت رسالتها متأخرة وبعد فوات األوان فكنت قد‬


‫تركتك ورحلت وتزوجت أنت من رهام اليت دبرت كل شيء‬
‫بإتقان‪ ،‬ومل أكن أنا كما كنت فذبلت روحي وحتطمت نفسي‬
‫واعتزلت الناس مجيعًا وأصابين املرض ففكرت باالنتقام منهن مجيعًا‬
‫مبساعدة خاليت نورا اليت مارست سحر الفودو السحر األسود‬
‫واالستعانة باجلن لالنتقام من زوجتك واألخريات فجعلتهن يعشن‬
‫يف الوهم ويتخيلن الكثري وأخريا انتقمت وهدأت نفسي وارتاحت‪.‬‬
‫هل عرفت اآلن بأنين جمرد ضحية إلحدى الدعابات السخيفة؟‬
‫وعندما تنتهي من قراءة رساليت فأعلم بأنين اآلن يف طريقي إىل‬
‫مكان آخر وبلد آخر للعيش هناك‪.‬‬
‫فلن يتقبلين أحد هنا ولن يصدق أحد قصيت أبدًا‪.‬‬

‫‪244‬‬
‫سأذهب إىل حيث أنتمي‪ .‬وأعيش كما أنا ويتقبلين الناس هناك‬
‫كما أنا زوميب‪ ،‬عاد من املوت ليعيش مرة أخرى وسط األحياء‪.‬‬

‫وداعًا يا عمر يا أول من أحببت يف هذا الكون سأتصل بك من‬


‫حني آلخر ألطمئن عليك‬
‫املخلصة‪:‬‬
‫سارة سابقًا والزوميب حاليًا‪.‬‬

‫✦✦✦‬

‫‪245‬‬
‫لقد انتهت الرواية ورحلت سا ة ً‬
‫بعيدا إلى حيث تنتمي‪ ،‬رحلت إليهم‬ ‫ر‬
‫لتحيى وسطهم ً‬
‫بعيدا‪.‬‬
‫وأتمنى أن نكون قد تعلمنا بأن للمزحة والدعابة حدود‪.‬‬
‫فال تستخف بشخص وال تهزأ منه حتى وإن كنت تبغضه‪ ،‬فال يحق‬
‫لك أن تلعب بحياة اآلخرين وال تقل أنها مزحة صغيرة ودعابة‪.‬‬
‫ال يا صغيري فربما انقلبت املزحة والدعابة إلى ش يء آخر وتحولت إلى‬
‫دعابة قاتلة‪ .‬وخسرت حياتك ثمنا لذلك‪.‬‬
‫فقل لي ماذا ستفعل حينها؟‬
‫فال تستخف بش يء وثق بأن كل ش يء ممكن أن يحدث في تلك الحياة‬
‫فليس هناك ش يء مضمون بالحياة‪.‬‬

‫مع تحياتي‪:‬‬
‫د‪ .‬منى حارس‬

‫✦✦✦‬

‫‪246‬‬
‫ما بين الحقيقة والخيال‬
‫ألسطورة الزومبي‬

‫هل تعرف أصل كلمة "زومبي"؟ ومن أين جاءت في رأيك؟‬


‫هو جثة بال روح ُيعتقد أنها عادت للحياة من جديد على يد َّ‬
‫السحرة‪،‬‬
‫أو أي وسيلة خارقة للطبيعة‪.‬‬
‫و تعود جذور ال زومبي للديانة التي يؤمن بها الناس في غرب أفريقيا‬
‫الفودو وفي قاموس أكسفورد "الزومبي" كلمة من منطقة غرب أفريقيا‬
‫وتم تسجيلها في اإلنجليزية عام ‪ "Zumbi" 1819‬تعني"صنم" وتعني "إله"‬

‫‪247‬‬
‫في لغة الكيكونجو والتي يتحدث بها الناس في جمهورية " ‪"nzambi‬‬
‫الكونجو الديمقراطية واملناطق املحيطة بها ‪.‬‬
‫ويشير مصطلح الزومبي إلى "إله الثعبان" في عقيدة الفودو في غرب‬
‫أفريقيا فحين تم اصطحاب مجموعات من البشر من غرب أفريقيا إلى‬
‫جزر الهاييتي وأجزاء من الكاريبي خالل القرن الثامن عشر وبداية القرن‬
‫التاسع عشر حافظت تلك املجموعات على معتقداتها وممارساتها الدينية‪.‬‬
‫وانتشرت فكرة الزومبي تدر ً‬
‫يجيا في الواليات املتحدة وأوروبا أما في‬
‫القرن العشرين فنشط تناول هذا املوضوع في السينما والتلفزيون حتى‬
‫أفالم الكرتون لألطفال لم تخل منها‪ ،‬فأصبح الكبير والصغير يعرف من‬
‫هم الزومبي‪.‬‬
‫املوتى األحياء ‪..‬‬

‫‪248‬‬
‫لقد شا هدنا الكثير من أفالم الرعب وحتى الكرتون التي تتحدث عن‬
‫الزومبي واجتياحهم للعالم والتهديد الذي يحملونه للجميع بأكل أدمغتهم‬
‫وأول ظهور للزومبي كان في فيلم " ‪"Night of the living dead‬‬
‫"ليلة من الحي امليت" عام ‪1968‬للمخرج "جورج روميرو" عام‬
‫‪1968‬م‪ ،‬البعض يرى أن روميرو لم يطلق عليهم زومبي‪ ،‬إنما أرادهم أن‬
‫كالغيالن‪ ،‬إال أن العامة هي من أطلقت مصطلح الزومبي‪ ،‬وعلق‬ ‫يظهروا ِ‬
‫االسم من حينها‪.‬‬
‫إن النسخة األمريكية من هذه األفالم مرتبطة بالزومبي آكل الدماغ‬
‫على الرغم من أن كثيرين يتعاملون مع زومبي نهاية العالم على أنه نوع‬
‫من الثقا فة الشعبية "البوب" إال أن بعض الناس يعتقدون أن الزومبي‬
‫حقيقي ً‬
‫جدا‪.‬‬
‫فالثقافة الهايتية وكذلك األفريقية غارقة بشكل كبير في اإليمان‬
‫بالسحر والشعوذة في معتقدات ديانة الفودو وانتشارها في هاييتي‬

‫‪249‬‬
‫ففي الثقافة الهايتية‪ ،‬فسنجد أنهم ليسوا أشرا ًرا إنما هم ضحايا‪،‬‬
‫ّ‬
‫وهم عبارة عن جثث تتحكم بها قوى سحرية ألغراض محددة‪ ،‬عادة‬
‫لغرض العمل‪.‬‬
‫يخيا‪ ،‬الخوف من الزومبي ُ‬
‫استخدم كوسيلة من وسائل السيطرة‬ ‫تار ً‬

‫االجتماعية والسياسية في هاييتي‪.‬‬

‫ُويعتقد أن بعض السحرة لديهم القوة السحرية لجعل الشخص‬


‫َ‬
‫السحرة والذين ُيطلق عليهم "بوكورز"‪ ،‬حيث‬
‫ّ‬ ‫زومبي‪ ،‬معظمهم من األطباء‬
‫كان الناس يخافون منهم ويحترمونهم كما ُيعتقد أن البوكورز‪ :‬كانوا في‬
‫خدمة " ‪"Tonton Macoute‬وهي الشرطة السرية الوحشية التي‬
‫استخدمتها أنظمة دوفالييه القمعية بين ‪1957‬م – ‪1984‬م‪ ،‬فأولئك‬
‫الذين يتحدون السلطة يصبحون مهددين أن يتم تحويلهم للحي امليت‬
‫وفي الخيال الشعبي هناك العديد من الطرق لتدمير الزومبي منها قطع‬
‫الرأس أو إطالق النار عليها‪.‬‬

‫والهدف من ذلك حسب الفلكلور الهاييتي هو تحرير الشخص من‬


‫حالة الزومبي‪ ،‬وليس القتل الصريح‪.‬‬

‫وهناك العديد من الطرق لتحرير الزومبي‪ ،‬منها تغذيته على امللح‪،‬‬

‫‪250‬‬
‫وآخرون يرون أن الزومبي إن رأى املحيط فقد يستعيد عقله‪ ،‬وبالتالي‬
‫العودة إلى القبر‪.‬‬

‫البعض يعتقد أنه حقيقي‪ ،‬لكن األدلة شحيحة‪ .‬وهناك عدد قليل‬
‫من حاالت الزومبي املفترض من بينهم شخص مختل ً‬
‫عقليا في الفلكلور‬
‫الهاييتي‪ ،‬فقد وجد الباحثون عدد ال يحص ى من القصص عن أشخاص‬
‫تمت إعادتهم إلى الحياة عن طريق األسياد "البكورز" (علماء الدين في‬
‫عقيدة الفودو)‪ ،‬و هؤالء الزومبي (حسب القصص الفلكلورية) يكونون‬
‫عبيد ألسيادهم بدون إرادة أو وعي‪.‬‬

‫في يوم من أيام ربيع عام ‪ ،1980‬وصل رجل غريب يمش ي بتثاقل‪،‬‬
‫وتعلو وجهه نظره غريبة‪ ،‬إلى سوق بلدة «ال استرا» في هاييتي‪ ،‬وقد أثار‬
‫منظره الرعب في قلوب الفالحين املحليين‪ ،‬خصوصا عندما اقترب من‬
‫امرأة تدعى أنجيلينا نارسيسا‪ ،‬ليقول لها إنه شقيقها كالرفيس الذي‬
‫ودفن عام ‪ 1962‬وادعى أنه كان يعمل كعبد في إحدى‬‫يفترض أنه مات ُ‬

‫مزارع قصب السكر في هاييتي‪.‬‬


‫لم يعرض على املحقق املكان الذي عمل فيه حوالي ‪ً 20‬‬
‫عاما‪ . .‬ورغم‬
‫ً‬
‫سنويا‬ ‫غرابة الحادثة إال أنها ليست فريدة من نوعها في هاييتي‪ ،‬التي تشهد‬
‫ظهور أكثر من حالة لعائدين من بين األموات‪ ،‬وهي الظاهرة التي ألهمت‬
‫هوليوود شخصية «الزومبي»‪.‬‬
‫‪251‬‬
‫في ثمانينيات القرن املاض ي ّادعى "ويد ديفيس" عالم نبات من‬
‫هارفارد أنه اكتشف سر مسحوق الزومبي حين كان في عمل ميداني في‬
‫هاييتي والعنصر النشط املوجود فيه هو ُسم العصب والذي يمكن‬
‫استخدامه لتسميم الضحايا وتحويلهم إلى زومبي كتب ديفيس العديد‬
‫من الكتب حول املوضوع منها‪.‬‬

‫" ‪"The Serpent and the Rainbow‬‬

‫والذي حقق شهرة كبيرة‪ ،‬وتم إنتاجه كفيلم لـ "ويس كرافن"‪ .‬وعلى‬
‫الرغم من نجاح الكتاب‪ ،‬إال أن العلماء شككوا في صحة ما يقوله‬
‫السم العصبي في مسحوق الزومبي الذي وجده ديفيس‬‫ديفيس‪ .‬فكمية ُّ‬
‫كاف إلحداث حاالت زومبي ً‬
‫نظريا‪ ،‬فإن قوة الزومبي قد تعمل تحت‬ ‫غير ٍ‬
‫ظروف مثالية‪ ،‬لكن في العالم الحقيقي سيكون من الصعب خلق زومبي‬
‫بهذه القوة‪.‬‬
‫فالقليل من هذا ُّ‬
‫السم له آثار مؤقتة‪ ،‬أما الكثير منه فقد يقتل‬
‫الضحية!‬

‫وكذلك هناك شكوك صيدالنية في تحويل الناس إلى زومبي للعمل في‬
‫املزارع‪ .‬فالعملية التي سيتم فيها تحويل الناس إلى زومبي "على افتراض أنها‬
‫لن تقتلهم" فإنها ستؤدي إلى تدمير أدمغتهم وإبطاء عملها‪ ،‬وبكلمات أخرى‬

‫‪252‬‬
‫إنه بالكاد ستكون لديهم القدرة على العمل في املزارع‪.‬‬

‫وعالوة على ذلك‪ ،‬فصنع الزومبي إلنتاج يد عاملة ش يء غريب خاصة‬


‫وأن هاييتي من أفقر دول العالم‪ ،‬فال يوجد لديها نقص في األيدي العاملة‬
‫للعمل في املزارع والزراعة‪ ،‬كما أن فيها الكثير من الناس الذين يقبلون‬
‫بالعمل ربما مقابل ال ش يء‪ ،‬في مقابل أن الزومبي غير مدفوعي األجر‬
‫ّ‬
‫سيكلفون املالبس واإليواء والطعام‪.‬‬

‫وعلى أية حال لم يتم العثور على مزارع قصب السكر التي ُيعتقد أنها‬
‫معقل الزومبي ويقول الدكتور المارك دويان‪ ،‬رئيس مركز «بورتو برنس»‬
‫لألمراض العصبية إنه راقب ظاهرة «الزومبي» وتتبع حاالتها على مدار ربع‬
‫قرن واكتشف الحد الفاصل فيها بين األساطير والعلم‪.‬‬

‫وقد أجرى دويان مقابالت مع ‪ 15‬من «الزومبي» الذين يؤكد أن‬


‫جميعهم مصابون بإعاقات عقلية أو حاالت تخلف ذهني أو أنهم مدمنون‬
‫على الكحول‪ً ،‬‬
‫وفقا ملجلة «تايم»‪ .‬وبعد دراسة مكثفة على حالة كالرفيس‪،‬‬
‫خلص دويان إلى أن الرجل الذي يفترض أنه عاد من بين األموات لم يكن‬
‫ً‬
‫ميتا بالفعل‪ ،‬بل كان ضحية سم يقوم بإخفاء املؤشرات الحيوية للبشر‬
‫بشكل يجعلهم يبدون وكأنهم أموات كي يتم دفنهم وهم أحياء‪ ،‬لينبشوا في‬
‫وقت الحق‪ .‬واعتمد دويان في استنتاجاته على تحليل مادة كيماوية حصل‬
‫عليها من أحد سحرة الفودو في مختبرات الواليات املتحدة‪ ،‬حيث اتضح‬
‫‪253‬‬
‫أنها تتضمن مجموعة من األعشاب املحلية التي تسبب تهيج الجلد‪ ،‬إلى‬
‫جانب بقايا من ضفدع «بوفو مارينوس» الذي يفرز مواد تسبب الهلوسة‬
‫وتشل الجهاز العصبي‪ ،‬والقليل من سمكة «النفيخة» التي تحمل ً‬
‫سما‬
‫ً ً‬
‫عصبيا قاتال يدعى تيترودوتكسين‪.‬‬
‫وذكر دويان أن هذه السمكة تعيش ً‬
‫أيضا على سواحل اليابان‪ ،‬حيث‬
‫يصنع منها طبق باهظ الثمن وشديد الخطورة‪ ،‬ألنه قادر على تسميم من‬
‫يأكله إن لم ُيعد بصورة جيدة تقض ي على سم السمكة‪ .‬وأضاف أن‬
‫ً‬
‫سنويا عدة حاالت لضحايا التسمم بسمكة‬ ‫مستشفيات اليابان تستقبل‬
‫«النفيخة» حيث تظهر عليهم عوارض «الزومبي» إذ تختفي مؤشراتهم‬
‫ً‬
‫وغالبا ما يعودون إلى الحياة قبل‬ ‫الحيوية مثل التنفس ودقات القلب‪،‬‬
‫دفنهم بساعات‪ ،‬ويعانون من عوارض تستمر لفترة طويلة‪.‬‬

‫✦✦✦‬
‫من يدري أين الحقيقة من كل هذا؟‬

‫ولكن املهم هو أنه ال يستطيع شخص إعادة الروح إلى جسد قد‬
‫فارقته إال هللا الواحد القاهر ‪.‬‬
‫✦✦✦‬
‫‪254‬‬
255
256

You might also like