Professional Documents
Culture Documents
رسائل-من-الجحيم-معلومة وكتاب
رسائل-من-الجحيم-معلومة وكتاب
ال يجوز نشر هذا الكتاب أو جزء منه أو اختصاره بقصد الطباعة واختزان مادته العلمية أو
نقله بأي طريقة سواء كانت إلكترونية أو ميكانيكية أو بالتصوير أو خالف ذلك دون موافقة
خطية من الناشر مقدما
2
نامه هایی از جهنم
رواية
منى حارس
3
4
هل تخيلت يومًا أن تنقلب
المزحة والدعابة ...
فتتحول إلى دعابة قاتلة ؟؟؟
5
6
إهــــــداء
7
8
المقدمة
9
غير مصدق ما يحدث أمامك وشاهدتهم بعينيك يدخلونه إلى قبره.
وهو بكفنه األبيض ثم بعدها يضعون التراب على جسده.
وبعدها رحلت باكيا منهارا متذكرا أيامك الحلوة التي قضيتها معه.
ثم عدت إلى منزلك ليال باكيا منهارا ،ال تستطيع السير على قدميك
من شدة التعب بعد أن قمت بتأدية واجب العزاء.
فأنت تقف على قدميك منذ الصباح الباكر ولم تنل قسطا من
الراحة أثناء الظهيرة.
ثم نمت حزينا على فقدان من أحببت .بعد أن تناولت عشائك أوال.
فأنت لم تضع لقمة في فمك منذ الصباح.
ومنذ متى يمتنع الناس عن تناول الطعام عند موت أحدهم.
فأنت تؤمن بذلك ً
جيدا.
وأثناء نومك املتقلب في الفراش ،فمازلت متوترا غير مصدق ما حدث
صباحا.
و ل م تصدق بعد بأنك فقدت ذلك الشخص العزيز على قلبك.
ً
سريعا أمام عينيك وكأنه شريط ولن تراه مرة أخرى فكل ش يء مر
فيديو.
و ال تدري كيف ستكمل حياتك من غيره.
و هنا مددت بيدك لتلتقط وسادتك لتغطي بها وجهك.
10
و تتناس ى ما حدث متمنيا في نفسك أن يكون كل هذا مجرد كابوس.
و لم يحدث ً
أبدا واستيقظت صباحا لتجد انك كنت تحلم ،ولم يمت
أحد.
و لم يحدث ش يء والجميع بخير .وهنا شعرت بمن يتحرك بجوارك
على الفراش فصوت أنفاسه قريبة منك لدرجة مستفزة ومثيرة.
فنظرت بغضب مخترقا ظالم الغرفة.
فوجدت رأس أحدهم على وسادتك فقمت مفزوعا شاعرا بالغضب.
متسائال بصوت فظ .من هذا الذي تجرأ أن ينام على فراشك؟
فأنت تكره أن يشاركك أحد الفراش وهم يعلمون ذلك ً
جيدا فمن
الذي تجرأ وفعلها؟
فأضئت مصباح الغرفة بغضب لتصطدم عيناك بعين قريبك أو
صديقك الذي دفنته بنفسك صباحا؟
ماذا ستفعل حينها؟ هل ستصرخ مستغيثا أن ينقذك أحد؟
آم ستأخذه باألحضان فرحا بعودته من جديد؟
و لكن مهال صغيري فلماذا كل هذا الخوف في عينيك والفزع؟
ألم تتمن أن يعود إليك من فقدته منذ عدة ساعات مضت.
ً
سريعا؟ و يكون كل هذا مجرد كابوس بشع وتستيقظ منه
ً
سريعا أمنيتك الوحيدة في الحياة؟ فلماذا تخشاه اآلن؟ أنسيت
11
عال مستغيثا كاألطفال بأن ينقذك أحدهم؟
و ملاذا تصرخ بصوت ٍ
ال أدري ً
حقا سببا لكل هذا الفزع والخوف في عينيك فأنت إنسان
غريب ً
حقا يا عزيزي لقد استمع إليك صديقك.
وعاد من جديد من عامله اآلخر عالم األموات ولكنه لم يعد كما كان
ً
لقد تغير قليال وعاد بشكل جديد ومختلف.
عاد كالزومبي من قبره.
فهل ستتقبله؟ وهذا ما حدث معنا لقد عادت سارة .من هناك.
عادت من أين؟ يا لك من غريب ً
حقا يا أخي.
فهل عادت سارة من السينما أو التسوق أو ربما من عند مصفف
الشعر؟
لقد عادت سا ة من قبرها دمية متحركة ال تدري ً
شيئا عما حولها. ر
دعونا نرى ما حدث .وماذا فعلت الفتاة بعد أن غادرت قبرها.
لتجد نفسها منهم وانقلبت الدعابة لتتحول إلى مزحة قاتلة.
فأر ِم كل ش يء خلف ظهرك اآلن.
وتعال معي لتتعرف عليهم ً
جيدا .وكيف تتعامل معهم. َ
من هم؟
يا إلهي هل مازلتم تسألون؟
إنهم املوتى األحياء "الزومبي"
12
فربما قابلتهم ً
يوما في طريقك من يدري؟
فكل ش يء لم يعد كما كان حتى املوتى تغيروا ً
كثيرا هذه األيام.
فلم يعودوا مساملين كما كانوا في السابق.
فلم تعد األشياء كما كانت من قبل ثق في ذلك.
✦✦✦
13
14
ما قبل البداية
2011 / 8/22
في إحدى جزر الكاريبي وفي تلك الجزيرة البعيدة النائية وقفت هي
بشعرها الثائر وعيونها الواسعة ومالبسها الغريبة الفضفاضة زاهية
األلوان على تلك الصخرة العالية.
يضرب البحر الكاريبي الثائر بأمواجه العالية الصخرة تحت أقدامها
السوداء ويتطاير شعرها الثائر ليغطي نصف وجهها وعيونها السوداء
الواسعة التي تغطيها وترسمها بالكحل األسود الكثيف تتساءل بقلق.
وتضرب األرض الصخرية بغضب حتى كادت بروزات الصخرة تخترق
لحم قدميها تصرخ بفزع وهي تمسك بتلك الورقة بين يديها.
ماذا حدث يا بنيتي؟ وماذا فعلوا بك يا صغيرتي؟
كانت تقرأ الكلمات بعينيها بفزع يكاد قلبها يتوقف من شدة انفعالها.
فلقد استلمت الرسالة منذ دقائق معدودة من القاهرة
من ابنة أختها الراحلة من سارة التي ربتها واعتنت بها كابنتها
✦✦✦
15
خاليت الغالية :نورا
أرجوا أن تتصريف سريعًا وتبعديه عين فمازال بائع التذكرة
يطاردني.
إني خائفة يا خاليت فهو يطاردني يف كل مكان هل ستبعدينه
عين؟
أعلم بأنك تستطيعني .ال تفهمني شيئًا من كالمي أليس كذلك.
سأقص عليك القصة من البداية ولكن عديين أوال أن تساعديين
ألختلص منه ومن متابعته لي أتعدينين ،أعلم بأنك لن تتخلي عين
أبدًا.
بدأت القصة يف ذلك اليوم يا خاليت منذ أربعة أشهر ففي ذلك
اليوم كنت أسافر وحدي إىل القاهرة بعد زيارتي خلالي جمدي مبرسى
مطروح لقد أصر خالي على مرافقيت إىل القاهرة ولكنين رفضت فهو
مشغول دائما كما تعلمني.
16
ملا شعرت بأن هناك شيئًا غريبا وسيئا سيحدث اليوم.
وهنا أتى هو رجل طويل وبدين له شارب أبيض ويرتدي نظارة
سوداء.
يبدو أنه يف أوائل اخلمسينيات من عمره ،يشبه األتراك كثريًا
وكأنه قادم من مطار اسطنبول إىل القطار نظرت له حبرية ال أدري
ملاذا؟ صدقيين يا خاليت ال أعرف ماذا حدث لي ولكنه شعور غريب
بأن هذا الرجل سيحدث له شيء سيئ.
ما هو هذا الشيء؟ ال أعرف ولكنه حدس عندي وأكاد أجزم
بذلك .وهنا تعجبت من أمري ،فأنا ال أعرف الرجل ومل أره من
قبل .غريب أنت أيها احلدس حقًا.
فلنرتك الرجل وشأنه ،كنت أنظر إليه خلسة من خلف نظارتي
السوداء وال أدري ملا مل أنزعها بعد من على عيين؟
17
وهنا قررت أن أتركه وشأنه وأحاول النوم قليلًا .فمازالت
الرحلة طويلة فأغمضت عيين.
وهنا بدأ الرجل يروي قصة أخته اليت أجرت عملية قلب مفتوح
منذ بضعة أسابيع وبعدها دخلت يف غيبوبة ومل تفق إىل اآلن على
الرغم جناح العملية وهو ذاهب إىل زيارتها يف املستشفى.
19
وصوت شخريه كان عاليا لدرجة مثرية للقلق.
غريب حقًا هذا الرجل فهل يعتقد بأنه نام دهرا كامال.
20
-آه هل تقصد ذلك الشاب الصغري الذي يشبه الصينيني يف احملطة
لقد اشرتيت منه التذكرة .فلم يكن هناك حجز وعرض عليّ
تذكرته فاشرتيتها.
-ال أدري فلقد اشرتيت التذكرة وأنا مضطرة فأنا أكره ذلك
القطار وهذا املوعد ولكنها الظروف فلقد تعطلت بي احلافلة
وأنا قادمة من مرسى مطروح وفوت قطاري فلم أجد أمامي
اختيارا آخر إال هذا القطار وهذا املقعد.
"هل الرجل فقد عقله ومن الذي سيزورني وملاذا أركب هذا
القطار الغريب؟"
21
وهنا مسعت صوت هاتفه يرن من جديد ولكنه مل يرد هذه املرة.
وظل اهلاتف يرن والرجل نائم.
22
فقلت لنفسي وملا ال سأذهب إىل (.)WC
وبعدها أجلس يف أي عربة أخرى إىل أن يتوقف القطار.
ملاذا ميد ساقيه أمامه اآلن وبعدها ميوت؟ فماذا سأفعل أنا؟
شعرت باحلرية متزق كياني واخلوف و التوتر يقتالنين إذ مل أدر ماذا
افعل؟
وهنا شاهدتين هي والحظت توتري.
إذ يبدو أنه سقط منه وهو نائم أو يف أثناء موته ال يهم.
فقال لي بعض الركاب أن أحضر اهلاتف وأخرب أهل الرجل مبوته.
24
ولكين مل أستطع أن أفعل ما يقولون.
فرفعت اهلاتف من على األرض وأعطيته للطبيب بيد ترتعش
خوفا.
وهنا فتح الطيب اهلاتف ليخرب أهل الرجل مبوته.
ولكنه أغلق اهلاتف سريعًا ومل يرد على أهل الرجل بكلمة
واحدة.
وتساءل اجلميع بدهشة ملاذا مل خيرب أهل الرجل وأغلق اخلط.
فرد الطبيب عليهم بذهول:
-كيف أخربهم مبوته وأحدهم خيربني مبوت أخت الرجل منذ
دقائق معتقدا بأنين هو.
وهنا صرخت بفزع أريد أن أخرج من هذا املقعد الشؤم.
25
وعندما أقرتب ألتأكد منه أجده اختفى كاحللم.
ال أدري لقد أصبحت أخشى كل شيء والظالم خصوصا
وابتعدت عن اجلميع حتى عمر خطييب ،وأخشى أن أفقده وهو أول
حب يف حياتي كما تعلمني.
وال أعرف ما السبب يف كل ذلك يا خاليت؟
ال أدري ملاذا؟ وماذا فعلت أنا هل تستطيعني إخباري؟
واليوم رأيته بعيين نعم هو أقسم لك يا خاليت لقد كان يراقبين من
بعيد .نعم هو أقسم بأنه نفس الشاب بائع التذكرة صغري احلجم.
لقد شعرت بالفزع والرعب وتذكرت اجلثة وموت الرجل وأخته
وكل شيء مررت به فأسرعت أركض يف الشارع كاجملنونة وبعدها
نظرت خلفي فلم أجده لقد اختفى فجأة كما ظهر فجأة.
لقد أصابك الدور فال تتعجلي األمور ،فكل شيء سيمر سريعًا.
لقد صرخت وظللت أصرخ بفزع حتى جتمع الناس من حولي
ثم نقلوني إىل املستشفى وبعدها جاء أبي وقال الطبيب بأنه انهيار
عصيب حاد.
26
ولكين لست جمنونة يا خاليت ولكنهم ال يصدقون بأن بائع التذكرة
يطاردني ولكن ماذا فعلت أنا يا خاليت ليطاردني الرجل.
بعد أن فقدت أمي وقبل أن يظن اجلميع بأنين فقدت عقلي يا
خاليت.
فأنا مل أفقد عقلي ولكن بائع التذكرة يطاردني هل تفهمني ما
أقول؟
هل ستوقفينه وتعرفني ماذا يريد بائع التذكرة مين
ابنتك املخلصة
سارة
2011/7 /22
✦✦✦
27
ألقت السيدة الرسالة بغضب في البحر فالتقطتها أمواج البحر الثائرة
بلهفة وكأنها كانت تنتظر تلك اللحظة منذ دهر ،كانت املرأة تنظر إلى مياه
املحيط األطلس ي الزرقاء من بعيد بغضب ثم إلى البحر الكاريبي بغيظ
وكأنها تتوعدهم باالنتقام.
فلقد كانت تعيش بإحدى الجزر الصغيرة املميزة بمنطقة الكاريبي التي
تطل على املحيط األطلس ي والبحر الكاريبي في نفس الوقت.
والكاريبي ( )Caribbeanهو اسم ملنطقة جغرافية تقع بين قا ّرة أمريكا
الجنوبية وأمريكا الالتينية ويحدها املحيطّ الشمالية وقارة أمريكا
األطلس ي الشمالي.
و ُت ْعرف منطقة الكاريبي باسم (منطقة األنتيل) وتنقسم إلى جزر
األنتيال الكبرى وجزر األنتيل الصغرى..
والحظ االسم ً
جيدا " األنتيل " وليس " العنتيل "..
فهناك فارق كبير بين الكلمتين وما االختالف بينهما إال في حرف واحد،
حقا تلك اللغة إن أزلت أو أضفت حرفا اختلف كل ش يء؟؟ غريبة ً
✦✦✦
28
الفصل األول
✦✦✦
31
-وهل أبلغت الشرطة باختفائه .
-ال ،لم أفعل.
وهنا قاطعها بسخرية:
-ملاذا ،أال ترين بأنه أمر مثير للشك ،يختفي زوجك منذ أربعة أشهر
وال تتكلمين.
وهنا نظرت له بعيون مذعورة قائلة:
يختف هنا بالقاهرة بل ببنها .ولقد أبلغت إخوته ليبلغوا
ِ -ألنه لم
الشرطة وقالوا أنهم حرروا محضر اختفاء ببنها.
-وملاذا لم تحرري أنت محضرا باالختفاء في القاهرة
-لقد حاولت أن أفعل يا سيدي صدقني ولكنهم في قسم الشرطة
رفضوا تحرير املحضر وأخبروني بأنة يجب تحرير املحضر في بنها
حيث اختفى وهذا هو الروتين والقانون .فماذا كنت سأفعل؟
-أنت متهمة يا مدام مريم بقتل زوجك حسان.
وهنا صرخت بفزع:
-حسان مات ،وأنا من قتله؟ ماذا تقول أيها الضابط؟ أقسم لك
سيدي لقد تركته في بنها مع أهله يومها منذ أربعة أشهر ومن يومها
لم يعد زوجي واختفى .وأنا أعاني بالحياة.
32
-ولكن أشقاء زوجك يتهمونك بقتله وإخفاء جثته ويصرون على أن
زوجك رحل معك يومها ،يوم نقل األثاث من بنها في الشاحنة.
وهنا صرخت هي برعب:
-ال .زوجي لم يحضر لقد منعه إخوته يومها ،وأجبروني على الرحيل
بمفردي صدقني فأنا لم أفعل ً
شيئا .
وهنا تدخل أحدهم بجلبابه األبيض وشاربه الكث "سيد" إنه حارس
ً
البناية قائال:
-نعم يا سيدي لقد أتت مدام مريم يومها بمفردها في الشاحنة ولم
يحضر زوجها وكل من في الشارع يشهدون بذلك.
-ومتى آخر مرة شاهدت فيها املدعو حسان يا سيد.
-قبل اختفائه بأسبوع يا فندم وقال لي بأنه سيسافر بنها ،ليحضر
املفروشات من شقته هناك وسيعود قريبا .ولكنه لم يعد وعادت
زوجته بمفردها.
وهنا قالت مريم بحزن بعد أن تذكرت ً
شيئا هاما:
-لقد أرسل لي زوجي حوالة بريدية بمبلغ من املال بعدها بيوم من
مكتب بريد بنها ث م بعدها اختفى وال أعرف عنه ً
شيئا ،ومن يومها
وأنا أعاني فلقد تخلى الجميع عني ولم يساعدني أحد ،وال أعرف
أين اختفى وماذا حدث له؟
33
وبعدها انفجرت في بكاء هستيري ،وهنا نظر إليها ضابط الشرطة
بإشفاق إذ يبدو أن هذه السيدة عانت الكثير وال تستطيع قتل دجاجة
فهي هشة كقطعة الجاتوه الطازجة ،ضعيفة كورقة مبتلة تستطيع
سحقها بين أصابعك بكل س هولة ،نحيلة الجسد كخلة األسنان قصيرة،
عيونها حزينة.
ويرتسم األلم على قسمات وجهها ويدها ترتعد بعنف وكأنها مصابة
بمرض الرعاش وجسدها يرتعش بفزع.
فهو متأكد أن هذه املرأة ال يمكنها قتل زوجها .بعد أن شاهد صورته
وجسده القوي البدين .ولكنه مضطر للقبض عليها إلكمال املحضر في
قسم الشرطة ،فهذه هي اإلجراءات لألسف ،نعم سيخلون طرفها
ويفرجون عنها فليس هناك أي شبهة جنائية حولها إال اتهام إخوة الزوج.
وال توجد جثة لتأكيد التهمة وإثباتها ،وفي النهاية سيخلى طرفها .هو يعلم
ذلك ،ولكن البد أن يكون اإلفراج من قسم الشرطة هذا هو الروتين
املتبع والذي دفعوا له الكثير من املال لتحقيقه وهنا اقتادها رجال األمن
إلى سيارة الشرطة وهي تبكي بانهيار قائلة:
شيئا وزوجي لم يقتل. -صدقوني أنا لم أفعل ً
✦✦✦
-حسان حبيبي أشعر بأنني لست وحيدة بالشقة ،أحس وكأن أحدهم
يراقبني دوما وكأنه ظال أسود يتبعني أينما ذهبت ،ال أدري يا
حسان ،صدقني هناك ش يء غريب في هذه الشقة امللعونة.
-ماذا تقولين يا مريم كل هذه تخاريف وخدع بصرية ال تجعليها
تسيطر على عقلك.
-ال يا حسان ليست خدعا بصرية .فأنا أشعر بوجود أحدهم معي
بالشقة.
-يبدو أن أعصابك متوترة يا حبيبتي .وبدأت تخرفين.
35
و أخذ حسان يسخر من زوجته مريم ويضحك بعنف ثم ضرب كفا
بكف و رحل ذاهبا إلى عمله الذي ال تدري زوجته ماهيته.
فلقد تزوجت مريم من حسان منذ ستة أشهر وانتقلت للعيش ببنها
بمحافظة القليوبية وتركت القاهرة وأهلها.
فحسان عريس ال يعوض ثري يعمل بالتجارة وستعيش في مستوى
آخر غير مستوى أهلها املتوسط .ولقد أعجبها حسان عندما تقدم
لخطبتها بوسامته ونقوده الكثيرة .فقد كانت تحلم بالثراء الفاحش
واملالبس الكثيرة واملجوهرات والسيارة واملنزل الكبير الذي تحيطه
الحديقة الغناء.
ولقد قدم لها حسان كل هذا وأكثر منه على طبق من فضة.
مع بعض املنغصات التي تغاضت عنها مرغمة .فلقد كان حسان
يسكن قصرا كبير كما تمنت ،ولكن لم يكن القصر لها وحدها بل لعائلته
كلها كان القصر كبيرا وتحيط به حديقة غناء ،كما تمنت مكونا من
خمس طوابق ،كل طابق من طوابق القصر به شقة كبيرة مستقلة في دور
منفصل وتسكن به عائلة حسان أشقاؤه وزوجاتهم وأطفالهم ووالداه،
فالطابق األرض ي لألب الكبير املسن وزوجته عفاف هانم ،والطابق األول
يسكن بيه "عزام" شقيق حسان األكبر وزوجته وأطفاله الثالثة .والطابق
الثاني يسكن به "برهان" شقيق حسان األوسط وزوجته وابنته الوحيدة
فلم يرزق بأي أطفال آخرين .والطابق الثالث يسكن به "فهيم" شقيق
حسان األصغر .فقد تزوج فهيم قبل حسان بخمس أعوام وله طفالن
توأمان .والطابق الرابع كان حسان يسكن به هو وزوجته مريم ولم يرزقا
36
بأطفال بعد .وأخيرا الطابق الخامس واألخير كانت تسكن به أخته
الوحيدة "تيسير" هي وأطفالها الخمسة وزوجها القعيد.
لم تحب مريم بيوت العائلة ولم َ
تتمن أن تسكن بأحدها ً
يوما ،ولكن
ليس مع زوجها الثري حسان فهذا قصر كبير.
نعم القصر بالريف وسط الحقول الخضراء وليس باملدينة ،ولكنه في
ُ
قصر كانت تحلم برؤيته فقط في يقظتها وتتمنى دخوله أحالمها.لم النهاية
ينغص على مريم ش يء إال الطابق الخامس من القصر وسكانه ،فقد كانت
تشعر بالرهبة منه منذ أن وطئت قدماها القصر .فقد كانت تسمع صوت
صراخ متواصل ليال وعندما تحاول صعود الطابق.
لتعرف ماذا يحدث كانت تجد "تيسير "شقيقة زوجها تقف أمام
السلم فجأة كاملوت لتحول بينها وبين ما ستفعله .فتسألها هل تريد ً
شيئا
،فتشعر معها مريم بالرعب من نظرات تيسير املخيفة ،وتهرع إلى غرفتها
خائفة مذعورة بدون أن ترد عليها.
وعندما أخبرت زوجها حسان بما يحدث أجابها بفتوربأن زوج تيسير
قعيد من زمن وعنده شلل رباعي ومصاب بصرع ويصاب أحيانا بحاالت
هستريا فيصرخ بال سبب لم تقتنع مريم وقتها بتلك الحجة الواهية،
وعرفت بأن زوجها يكذب وهذا لسبب بسيط فهي تسمع صراخ امرأة
وليس صراخ رجل .ولكنها لم تهتم وقتها وحاولت التأقلم والتعايش مع
الوضع الجديد ،ولم يبخل زوجها حسان عليها بش يء بل كان ً
كريما
ويصرف بسخاء .وكانت تشتري كل ما تريده ووقتما تشاء .ولكنها شعرت
بامللل والحيرة فهي ال تعرف ماذا يعمل زوجها وال أشقاؤه؟ وال أين؟
37
كل ما تعرفه عن زوجها بأنه يعمل مع والدة وأشقائه بالتجارة فقط.
ولكنها ال تعلم أي تجارة أو نوعها أو حتى مكانها ،فقد كانوا يخرجون
صباحا ،وال يعودون إال ليال وحاولت هي االنشغال ولكن ماذا ستفعل،
فلقد ابتعدت عن أهلها وأصدقائها وعن املدينة العامرة للصباح وكانت
عادات أهل زوجها غريبة ،فهم دائما صامتون ال يتحدثون إال فيما ندر،
ال يتجمعون ً
أبدا على مائدة طعام واحدة .فكل أسرة مع نفسها وكأنهم ال
يعرفون بعضهم البعض.
وكانت هي وحيدة فليس عندها أطفال وزوجها ال تراه إال وقت النوم.
فبدأت تشعر بامللل وتزايدت الصرخات ليال ،فكانت تشعر بالفزع
والرعب وعندما تخبر زوجها يضحك عليها ويسخر منها.
وأخيرا بدأت تشعر بأنها ليست وحيدة بالشقة فهناك من يتبع
خطواتها ،ظال أسود تراه أحيانا بطرف عينيها سيلوليت أسود لشخص
يراقبها دوما وعندما تحاول التأكد ال تجد ً
شيئا .
فتبحث في كل مكان بالشقة فال تجد أحدا فتبسمل وتحوقل .ثم تفتح
التلفاز على قناة املجد للقران الكريم .وتذهب إلى الشرفة منتظرة قدوم
زوجها .واآلن هو ال يصدقها بل ويسخر منها ً
أيضا.
فوقفت حائرة تنظر إلى زوجها وهو يهم بالخروج بحسرة.فليست هذه
هي الحياة التي تمنتها ً
يوما.
38
فهي كانت تتمنى أن تعيش الحياة بكل لحظة فيها وتستمتع .تخرج
وتسافر إلى أماكن جديدة وتلف العالم بأحد القوارب الكبيرة .ال أن
تحبس بهذا املكان الكئيب وتضيع سنوات عمرها هباء.
وهنا سمعت الصرخات العالية قادمة من الطابق الخامس ،فشعرت
بالقشعريرة تسري في جسدها وفتحت باب شقتها لتسترق السمع ،فلم
شيئا ولكنها سمعت خطوات أحدهم يسرع الخطى صعودا على تسمع ً
الدرج وهنا أغلقت باب شقتها ببطيء حتى ال يشعر أحد بها.
ووقفت خلف الباب تنظر من العين السحرية في منتصف الباب وهنا
شاهدت أم زوجها عفاف هانم السيدة املسنة التي تجاوزت الستين عاما
تصعد الدرج بهدوء وهي تحمل في يدها سكينا كبيرا.
وهنا شهقت مريم فزعا ووضعت يدها على فمها لتكتم الصرخة ،وفي
تلك اللحظة شاهدت مريم .حماتها عفاف هانم تنظر إلى باب شقتها ثم
تبتسم وتلمع أسنانها الحادة فهل تبرد املرآة أسنانها وتسنها كاألفارقة.
من يدري؟
فابتعدت مريم بفزع عن الباب وهي تضع يدها على فمها وترتعد
أوصالها وتسأل هل شا هدتها املرأة من خلف الباب وماذا ستفعل
بالسكين.
عال من املطبخ وأشياء تتحطم ،فصرخت
وهنا سمعت صوت ضجيج ٍ
ً
مريم فزعا ثم ذهبت إلى املطبخ .فلم تجد شيئا هناك ،ولكنها وجدت
ً
شيئا غريبا فكل األواني على األرض واألطباق محطمة.
39
ً
مسرعا بجوارها، وهنا شاهدت بطرف عينيها ظال أسود لشخص يمر
فابتعدت تركض وهي تصرخ ثم فتحت باب الشقة محاولة الفرار.
ولكنها اصطدمت بحماتها عفاف هانم تقف أمام الباب لتسد عليها
الطريق وفي يدها سكين كبير ترفعه عاليا وتبتسم لتظهر كل أسنانها
البيضاء الالمعة.
✦✦✦
✦✦✦
44
" ابحثي في أوراق زوجك وأشيائه بما اكتشفت ً
شيئا ." . ر
ظلت جملة عمها جالل تتردد في عقلها.
ولكن فيما ستبحث فلم يحضر زوجها حسان أي ورقة معه إلى منزلهم
الجديد بالقاهرة وترك كل ش يء خلفه بالقصر في بنها.
وهنا شعرت بمن يمر بجوارها .وانخفضت حرارة الغرفة بطريقة مثيرة
للقلق ،وشعرت بأوصالها ترتعد فماذا حدث .وملاذا تشعر دائما بأنها
مراقبة ،وأن أحدهم يتبعها ويراقب تصرفاتها باملنزل.
ملاذا يراودها هذا الشعور منذ أن تزوجت حسان ودخلت ذلك القصر
الكبير فهي تشعر بأن هناك ً
شيئا خاطئا ولكنها ال تعرف ما هو؟
وهنا تذكرت ً
شيئا هاما "األيفون" الخاص بزوجها.
لقد أخذته معها يومها ووضعته بالخطأ في حقيبتها فهرشت رأسها وهي
تفكر هل ستجد به ً
شيئا هاما فهي لم تحاول فتحه من يومها وتركته كما
هو بالخزانة ،فهل ستجد فيه ً
شيئا هاما يعرفها بمكان زوجها أو ماذا
حدث معه بالفترة األخيرة.
فقد كان متوترا قليل الكالم في آخر أيامه وكان يتجنب الحديث مع
أحد حتى أشقاءه ويرفض الكالم معهم والخروج إلى العمل .فماذا حدث؟
لق د اعتقدت وقتها بأنه اختلف مع أشقائه بالعمل أو مشاكل وضغوط
كما أخبرها عندما سألته يومها.
فهزت رأسها بعنف قائلة" :من يدري!"
45
ثم ذهبت إلى غرفتها وهنا فتحت الخزانة ثم أخرجت األيفون من
الرف ثم جلست على األريكة وقامت بتشغيله ،فأخذت تتصفح أفالم
الفيديو وهنا لفت نظرها جملة " هام وخطير " مكتوبة كعنوان ألحد
أشرطة الفيديو املسجلة.
فضغطت على التشغيل وأخذت تشاهد الفيلم بفضول.
وهنا شعرت بالبرودة الشديدة تسري في أوصالها وشهقت ً
فزعا
وشعرت بجسدها يرتعد بشدة ،وشعرت بحاجتها إلفراغ ما في جوفها
ً
وتقلصت معدتها ،ال تدري هل خوفا أم اشمئزا ًزا مما ترى ،أم من
االنخفاض املفاجئ في درجة الحرارة وفي تلك اللحظة شعرت بمن يلمس
قدميها وكأن أحدهم يمرر ريشة خفيفة عليهما.
فقامت بفزع وهي تصرخ وتلقي ما بيدها على األرض بخوف غير
مصدقة ّأن يفعل حسان هذا.
وهنا سمعت صوتا غريبا كصوت انسحاق أوراق الشجر الجاف تحت
خال ،فتسارعت دقات قلبها .وأخذ صدرها يعلو
أقدام أحدهم في مكان ٍ
ويهبط بعنف ونظرت إلى الجدار أمامها بفزع وهنا أغمضت عينيها بقوة
ً
كابوسا وستستيقظ منه وهي تتمنى أن تكون في حلم وأن يكون كل ما رأته
قريبا.
وبعدها فتحت عينيها لتنظر إلى الجدار من جديد والى تلك البقعة التي
تشكلت على الجدار وأمعنت النظر .وهي تسأل بفزع ما هذا؟
46
وهنا ملئت رائحة الياسمين املنعش الغرفة وشعرت بمن يكتم
أنفاسها ،فرائحة الياسمين خانقة ،ولم تعد تتحمل أطلقت صرخة عالية.
فلقد أخذت البقعة تتشكل لتأخذ شكل عينين حمراوين دمويتين
وكأنهما لش يء أو كائن حي ال تدري ولكنها صرخت ً
فزعا.
وظلت تصرخ وكأنها لم تخلق إال من أجل الصراخ ،فلماذا يا صغيرتي
تدققين النظر فيما حولك ليال؟!
أال تعلمين بأننا لسنا نعيش بالكون وحدنا وهناك اآلخرون الذين
يمارسون حياتهم ليال عند نومنا؟!
قولي لي ألم تضعي مرة ً
شيئا في م كان وتكوني متأكدة من أنك وضعته
هناك ولكنك في الصباح تجدينه في مكان آخر ،ربما سقط الش يء على
ً
صباحا. األرض أو انتقل ملكان آخر
من في رأيك أسقطه أو نقله من مكانه أيتها الفتاة؟
إنهم سكان املنزل اآلخرون .الذين يعيشون بنفس املنزل ولكن ليال.
ألم يحدث هذا معك مرة .ولكنه ليس موضوعنا اآلن ..
لقد سقطت مريم فاقدة الوعي فلم تسمع جرس الباب الذي أخذ
يرن ً
كثيرا وتصرخ من خلف الباب أمها:
-افتحي الباب يا مريم ماذا حدث يا بنيتي؟
ولكنها لم ترد لقد سمعت األم صراخ ابنتها الهستيري وصوت أشياء
تتحطم فشعرت بالفزع وأخذت تصرخ مستنجدة بأحدهم ليساعدها.
47
وهنا تجمع ا لجيران وحاولوا كسر الباب بالقوة ،وبعد الضغط الشديد
واملحاوالت الكثيرة كسر الجيران باب الشقة.
ودخلت األم املذعورة تركض إلى داخل الشقة املظلمة حتى كادت
تسقط على وجهها ،لقد كانت الشقة مظلمة كالقبور وهنا قال أحد
الجيران وهو يضغط على زر الكهرباء:
-يبدو بأن هناك عطال بكهرباء الشقة ،فاملصباح ال يعمل.
فتطوع أحدهم وأشعل عود ثقاب .
دخلت األم إلى غرفة النوم تنادي على ابنتها مريم:
-أين أنت يا مريم وماذا حدث لك يا صغيرتي؟
وهنا قال أحدهم بفزع وهو يشير إلى األرض:
-إنها هنا.
وهنا نظر الجميع إليه وخرجت األم من الداخل حيث يشير الرجل
فوجدت ابنتها فاقدة الوعي على األرض في مكان ضيق بجوار األريكة
فأخرجها الجيران ووضعوها على األريكة.
وهنا صرخت األم بلوعة:
-مريم ،ماذا حدث لك يا حبيبتي.
وهنا تطوعت إحدى الجارات بإحضار عطر قوي ملحاولة إفاقتها
وبالرغم من املحاوالت الكثيرة لم تفق.
48
فصرخت األم في وجوههم أن يحضروا ً
طبيبا وكأنهم هم املسئولون
عما حدث ألبنتها .فتطوع أحد الجيران إلحضاره.
وتطوع اآلخر إلصالح الكهرباء وأخذت الجارات يواسين األم.
وهذا هو الشعب املصري األصيل الذي يحب أن يقدم دوما يد العون
للجميع .وفي املقابل يعرف ماذا حدث ليروي فضوله الشديد ملعرفة
الحقيقة ..
هكذا هي الدنيا دائما.
✦✦✦
49
-ماذا تقول يا حسان وهل تخشاهم لتلك الدرجة لتجعلهم يتحكموا
في حياتك .هل ستتركني أرحل من دونك مع رجل غريب.
-ليس هناك بديل آخر صدقيني ارحلي يا مريم وغادري هذا املكان
اآلن وال تعودي إليه مهما حدث .لقد كتبت الشقة بالدقي باسمك.
-لن أرحل بدونك وسوف أخبرهم بذلك.
-ال يا مريم لن تفعلي ً
شيئا بل سترحلين ،اذهبي اآلن وسوف أحضر
ً
مساء وسوف أشرح لك كل ش يء وقتها صدقيني وثقي بي. اليوم
-ال يا حسان أشعر بأنك تكذب وهناك ش يء س يء سيحدث .ملاذا
يمنعك إخوتك من السفر معي وماذا يريدون منك؟
-سوف أشرح لك كل ش يء في وقته وليس اآلن ارحلي وال تعودي إلى
هذا املكان مرة أخرى يا مريم أرجوك يا حبيبتي ال تصعبي األمور.
-سأبقى معك يا حسان وسنسافر معا.
وهنا فقد حسان أعصابه أمام إصرارها وصرخ بغضب:
-ارحلي أيتها الغبية فليس هناك وقت لهذه التفاهات والكالم الكثير ال
تصعبي األمور أيتها الحمقاء أكثر من هذا فليس هناك وقت.
فصرخت من بين دموعها:
-هل تشتمني يا حسان وتنعتني بالغبية.
-نعم ألنك ال تفهمين ً
شيئا ارحلي اآلن.
50
وهنا نظرت إليه والدموع تمأل عينيها ثم غادرت الغرفة وهي تجري
فاصطدمت بحماتها وأشقاء زوجها وكانوا يقفون صفا واحدا أسرعت
تركض وهي تتحاش ى النظر إلى عيونهم فهل هذه صرخات زوج تيسير؟
فالصرخات قوية شديدة هذه املرة .هل يودعها الرجل؟
أم يدعوها بأال ترحل؟
ولكنها لم تهتم هذه املرة ،بل رحلت مسرعة لتستقل الشاحنة بجوار
السائق إلى القاهرة وهي تبكي بقهر .فلماذا حدث لها كل هذا فهي لم
شيئا ولم تطلب من زوجها الرحيل بل هو من فاجئها بشرائه لتلك تفعل ً
الشقة وطلبه منها أن تنقل كل أشيائها وأثاث شقتها إليها ألنهم سينتقلون
إلى هناك.
ال تدري ملاذا وال تنكر بأنها وقتها كانت تشعر بالسعادة ألنها أخيرا
ستعود للقاهرة وستترك ذلك القصر الكئيب وسكانه األغرب .ولكن ملاذا
اآلن بعد تلك الفترة وبعد أن بدأت تتأقلم على الوضع .وملاذا يتركها
حسان ترحل من دونه؟
✦✦✦
51
-ال تقولي هذا يا سيدتي فاألعمار بيد هللا ولكن ابنتك تعرضت
لضغط عصبي ومجهود ذ هني شديد أدى إلى حالة صدمة شديدة
مع انهيار عصب ي حاد لم تتحمله فدخلت في غيبوبة ،وتحتاج إلى
املتابعة في العناية املركزة في املستشفى .
وهنا أخذت األم تبكي وهي ترى املسعفين يحملون ابنتها على املحفة
وكانت كاملوتى بوجهها الشاحب وعالمات الفزع املرتسمة على قسمات
وجهها.
وأخذ الجيران يضربون كفا بكف على حالة تلك الجارة الغريبة التي
يمض على سكنها أكثر من خمسة أشهر وأدخلت رجال الشرطة ثم ِ لم
املسعفين إلى البناية وجعلت بنايتهم مشهورة في الشارع وربما الحي كله.
يا للمصيبة فكيف سيواجهون املجتمع والناس والجيران بالشارع
والبنايات األخرى اآلن.
✦✦✦
-ال أستطيع يا فهيم أرجوك اتركني يا أخي وال تضغط علي ،فأنا لن
أخون مريم حتى وإن كان آخر يوم لي في الحياة.
ً
عال قائال:
وهنا ابتسم فهيم بسخرية بصوت ٍ
-لن تخون مريم ،جميل
عال على أبيه وشقيقة اآلخر:
وبعدها نادى بصوت ٍ
52
َ -
تعال يا أبي اسمع ماذا يقول ابنك العاشق؟
-ماذا حدث يا بني وملا كل هذا الصراخ؟
وهنا صرخ حسان في وجوههم:
-لن أفعلها يا أبي ولن أخون مريم زوجتي حتى وإن قتلتموني.
ً
وهنا صفعه األب على وجهه بغضب قائال:
-كيف تجرؤ على رفع صوتك في وجودي يا ولد ،أنت تعرف طبيعة
عملنا وليس لك حق الرفض وستفعل ما طلبه الشيخ إلرضاء
الجني.
-ال يا أبي لن أفعلها ولن أخون زوجتي.
ً
وهنا تدخل فهيم قائال بغيظ:
-ومنذ متى تعص ي أوامرنا يا حسان وهذه ليست املرة األولى التي
تفعلها.
-ولكني ال أستطيع فعلها هذه املرة أرجوك يا فهيم اتركني وافعلها أنت
أو برهان أو حتى أبي ولكن أنا ال لن أخون مريم ً
أبدا.
وهنا نظر األب إلى أبنائه اآلخرين وهو يهز رئسه بغضب:
-ماذا فعلت لك يا ولدي تلك األفعى الصفراء لترفض تنفيذ ما نقول
وما نأمرك بيه لقد سمعنا كالمك من قبل وأحضرنا شيخك وفعلنا
ما طلبه الرجل بالحرف الواحد فأحضرنا له كل ما طلب يا حسان
53
(دلو ماء كبير سعة 40لتر ثم وضعنا شبة مطحونة مع ملح وبعدها
وضعنا زجاجة ماء الزهر وزجاجة ماء الورد مع املاء كما طلب
عفرانا أحمر سائل وسدر مطحون وتوله مسك أسود ً
الرجل و ز
سائل مع املاء وزجاجة صغيرة من زيت النعناع مع املاء ثم قرأنا
سورة البقرة كاملة وقرأنا الرقية الشرعية واآليات التي طلبها كما
طلب الشيخ وقمنا بتربيع وتخطيط املكان مربع متر في متر وقمنا
برش املكان باملاء كما طلب الشيخ)
ولكن أبى الجني أن يغادر املكان هل تعرف ملاذا يا حسان؟ ألنك غبي
يا ولدي فهذه مقبرة فرعونية وليست مقبرة نقود أيها األحمق ليتركها
الحارس بسهولة لك بدون تقديم القربان والدماء.
وهنا تدخل برهان وهو يقول بغضب:
-لقد ضيعت علينا الفرصة يا حسان بتصرفاتك الغبية هذه فهذا
رصد فرعوني أيها الغبي وجني قوي لن يترك املقبرة إال بتقديم
القربان كما تعودنا وكما قال الشيخ الحويني املغربي وكما تعودنا.
وهنا صرخ حسان في وجوههم:
-ال لن أفعلها سأحضر لكم الطفش املغربي وشمعة رمسيس من
اطفيس واذهب إلى بهجورة وإلى آخر مكان في العالم ولكني لن أخون
مريم مهما فعلتم.
54
-ليس أمامك اختيار يا حسان فأنت من اختاره الشيخ إلقامة عالقة
فوق تراب املقبرة إلرضاء الجني قبل التعزيم وتقديم القربان
البشري.
-ال يا أبي ال أستطيع.
-يبدو أنك جننت يا حسان وزواجك من تلك الصفراء غيرك ،وتذكر
يا ولدي بأن هذا عملنا وليس لنا مصدررزق غيره ولن نتركه حتى لو
ضحينا في سبيله بأغلى ما نملك ،فلقد توارثناه أبا عن جد والبحث
عن املقابر الفرعونية وفك الرصد.
وهنا تدخل برهان بغيظ وهو يقول:
-هل تذكر بماذا ضحت تيسير في املرة السابقة ضحت بابنتها منال
املريضة عقليا وقدمتها قربانا لجني املقبرة فذبحها الشيخ الحويني
وبعدما فقد زوجها عقله وحبسناه بالقصر ،ولكن تيسير لم تتأثر أو
يطرف لها رمش فنحن ال نطلب منك التضحية بزوجتك وتقديمها
قربانا بل نطلب منك إقامة عالقة مع إحدى الفتيات فوق تراب
املقبرة.
وهنا تدخل األب وهو ينظر إلى حسان:
-إن كنت ترفض خيانة زوجتك فاحضرها هي وافعل معها ما تشاء.
-ال لن أحضرها ولن أعرضها لألذى فماذا إن مسها الجني أو أعجبته؟
سأفعل ما تشاءون ولكن اتركوا مريم زوجتي وابتعدوا عنها.
55
-سنتركها يا حسان ال تقلق إن نفذت ما نريد.
-موافق ولكن عدوني بأنكم لن تؤذوها.
-لن نؤذيها يا ولدي ال تقلق ولكنك ستصور لنا كل ش يء لنتأكد بأنك
فعلتها ،فلن نقبل بحدوث أي خطأ هذه املرة فلن يقوم الشيخ
بالتعزيم وتالوة الطقوس على الطفل قبل ذبحه وتقديمه قرب ًانا
للجني ليترك املقبرة إال بعد أن يتأكد.
وهنا صرخ حسان في وجوههم:
-سأصور لكم كل ش يء على األيفون وإن أردتم أن تحضروا لتروا
بأعينكم كل ش يء فلتحضروا.
وبعدها تركهم ورحل غاضبا ليحضر الفتاة ،فكيف له أن يتخلص
منهم .نعم كان يفعل ما يأمرونه من قبل ولكن بعد أن تزوج مريم ال
يستطيع فلقد غيره حبها وجعله إنسانا آخر ،فكيف له أن يتخلص منهم
ويحمي حبيبته؟
سيحرمونه من كل ش يء ولن يعطوه قرشا واحدا؟
ً
سريعا ويبعدها عنهم. فال بد أن يتصرف
✦✦✦
56
استيقظت مريم وهي تتأوه وتشعر باأللم الشديد في جسدها ورائحة
الياسمين من حولها تشعرها بالغثيان فتحت عينيها ببطيء لترى أنابيب
كثيرة تخرج من جسدها فقالت بألم:
-أين أنا؟
َ
بيضاء كانت كاملالئكة بثيابها وهنا وجدتها تبتسم لها برقة ترتدي ثيابا
وغطاء رئسها األبيض:
-حمد هلل على سالمتك يا مدام مريم
-أين أنا؟
-أنت في املستشفي في غيبوبة منذ ستة أشهر
-غيبوبة وستة أشهر وماذا حدث لي؟
-سأحضر الطبيب أرجوك ال تجهدي نفسك بالحديث الكثير وتركتها
ورحلت وهنا نظرت مريم إلى الجدار أمامها وهي تحاول أن تتذكر
ماذا حدث وهنا تذكرت األيفون والفيديو وبعدها صرخت بغضب:
-حسان كيف تجرؤ على خيانتي أيها الحقير.
✦✦✦
57
-ماذا تقولين يا أ مي؟ وكيف يستطيع حسان فعلها؟
-هذا ما حدث يا مريم لقد طلقك حسان منذ خمسة أشهر .الجبان
لم يكلف نفسه بزيارتك في املستشفى أو االطمئنان عليك ولكننا
فوجئنا باملحضر وورقة طالقك.
-حسان طلقني ولم يقتل ،مازال على قيد الحياة وأين كان مختفيا
تلك الفترة؟
-ال أحد يعرف يا م ريم فهو رجل غامض وعائلته أغرب والحمد هلل
بأنك تخلصت منه يا ابنتي وسيعوضك هللا خيرا املرة القادمة
والحمد هلل بأنك لم ترزقي منه بطفل.
-ولكن ملاذا يا أمي ،ملاذا يخونني حسان وبعدها يطلقني؟
ثم انفجرت في بكاء هيستيري:
-يا ليتك قتلت أو مت شنقا يا حسان.
-اهدئي يا ابنتي حتى ال تتدهور صحتك فهو ال يستحق منك دمعة
واحدة وصحتك بالدنيا كلها
وهنا مسحت دموعها وهي تقول:
-نعم يا أمي عندك حق فهو ال يستحق أن ابكي عليه .ولكن ملاذا؟
✦✦✦
58
-هل ارتحتم اآلن لقد طلقتها وسأفعل ما تريدون ولكن أتركوها
وشأنها يا أمي.
-سنتركها يا حسان ال تقلق فأمك ال تتمنى لك إال الخير يا ولدي وتلك
الفتاة الصفراء التي تتدخل فيما ال يعنيها ال تصلح لك ثق بي يا حسان.
وهنا نظر إليها وهو يذكر كيف كانت تمسك منال الطفلة املريضة
عقليا ابنة أخته تيسير فلقد ولدت بمرض عقلي نادر ليس له أي دواء أو
عالج ولكنها كانت كاملالك ،كانت تمسك رقبتها للشيخ بعد أن سنت
السكين لذبحها على باب املقبرة إلرضاء الجني وفك " الرصد الفرعوني ".
تذكر كيف أجبروه على إقامة عالقة محرمة مع فتاة ليل فوق تراب
املقبرة إلرضاء الجني وكانت الفتاة مصابة بمرض "اإليدز" فنقلت له
سريعا ،ففر ها با ً
بعيدا عن الجميع ً العدوى وكان انتقام هللا منه ملا فعله
ر
لستة أشهر يحاول أن يكفر عن ذنوبه.
ولكن أهله لم يتركوا زوجته وشأنها فقد اتهموها بقتله وجعلوا الشيخ
املغربي يمارس عليها السحر األسود وأدخلوها في غيبوبة.
واآلن قد عاد لهم من أجل أن يحميها ولكنه سينتقم من الجميع فلن
ً
جميعا ويموتوا. يخبرهم بأنه مصاب بااليدز حتى يصابوا
وهنا نظر إلى أمه ولكنه لم يستطع أن يتحمل أكثر من ذلك فلقد
كانت منال الطفلة املقتولة ابنة أخته تقف خلف أمه وهي ترتدي ثوبا
أبيضا وتبتسم له كاملالك وكأنها فهمت ما يدور في رأسه فرفعت يدها
59
مشجعة بعالمة النصر فهي توافق وستساعده على االنتقام من تلك
العائلة ولكنه لم يتحمل فسقط مغشيا عليه وهو يردد:
-سامحيني يا حبيبتي فلم أستطع حمايتك.
✦✦✦
60
-رسالة لي أنا!
ونظرت بتعجب إلى لون الرسالة الوردي اللون ،فأخذتها منها بلهفة
ربما كان بها ش يء سعيد وسيغير حياتها.
من يدري؟ ربما كانت الرسالة من حسان زوجها األول فهي تعترف
بأنها مازالت تحبه ولم تنسه بعد
✦✦✦
61
الرسالة األولى
عزيزتي :مريم
✦✦✦
63
الفصل الثاني
الرسالة الثانية
64
ً -
حقا أيها الطبيب أم انك تسخر مني.
ً
فابتسم الطبيب قائال:
-أنا ال أسخر من أحد هنا يا مدام رهام وفعال هناك فرصة لحالتك
وأتمنى من هللا أن تنجح إن شاء هللا.
-وما هي؟
-الحقن املجهري ليس أمامك حل آخر إال هو.
-الحقن املجهري ،وهل ستنجح العملية وأصبح ًأما يا دكتور.
وادع هللا يا مدام رهام فهو على كل ش يء قدير ،فالعملية
-تفاءلي خيرا ِ
سهلة وبسيطة وال تأخذ وقت ونسبة فشل العملية ال تتجاوز %10
في أيامنا هذه فلقد تطورت هذه العمليات بشكل كبير .
وهنا قالت بتوتر وهي تنظر إلى عيون الطبيب برجاء:
-يا رب يا دكتور فهذا آخر أمل لي.
وبعدها مألت رائحة الياسمين الغرفة.
فنظرت رهام بتعجب إلى الطب يب الجالس أمامها متسائلة "فهل يضع
الرجل عطر الياسمين النسائي" ،فهذا العطر مميز وهي تعرفه ً
جيدا
وتكرهه بشدة.
فهمست لنفسها "من يدري فلم يعد هناك فارقا بين عطر نسائي أو
رجالي وال لبس نسائي أو رجالي في يومنا هذا فربما املرة القادمة أتت
65
العيادة لتجده يرتدي تنورة ويطيل شعره إلى أسفل ركبتيه من يدري فكل
ش يء جائز.
فهزت رئسها بحيرة ولم ترد فلقد كانت مشغولة الرأس وقد أعادتها
رائحة الياسمين إلى الوراء بذاكرتها .إلى سنوات مضت.
تتذكر ما عانت في هذه الحياة في السنوات الثالث األخيرة ،وتتساءل
ماذا فعلت ليحدث لها كل هذا؟ وملاذا تشعر بأن هناك لعنة ما تطاردها.
هل هي لعنتها؟ ألم تسامحها على فعلتها؟
ولكن ملاذا فقط فعلتها هي وتناست كل ش يء وبدأت من جديد؟
أمازالت هي تتذكر .ال لم تعد تستطيع التفكير في األمر.
فأغمضت عينيها وعادت بذاكرتها إلى الوراء إلى ثالث سنوات مضت
لتتذكر.
✦✦✦
66
-ألف مبروك يا زوجتي الجميلة وأخيرا سأصبح أبا ال أصدق ما أسمع
هذا أجمل خبر سمعته في حياتي يا حبيبتي.
-صدق يا عمر فكلها 7أشهر ويأتي ولي العهد فماذا تريد يا حبيبتي
ولدا أم بنتا.
وهنا قال بهيام وهو ينظر إلى الجدار خلفها:
-سارة .أريد طفلة وأسميها سارة.
ولكنه قطع كالمه وابتلع الكلمات وهو ينظر إلى زوجته بتوتر ويرى
نظرات الغضب النارية في عينيها التي كانت كافية لحرق مدينة كاملة
وليس هو واملنزل فقط فأشاح بوجهه ً
بعيدا عنها وهو يزفر بغضب ثم
صمت ولم ينطق بكلمة واحدة.
وهنا فتحت الزوجة فمها لتتكلم ولكن املكان امتأل براحة الياسمين
لتكتم أنفاسها وتشعرها بالغثيان فأمسكت بطنها بقوة وذهبت مسرعة
إلى دورة املياه لتخرج ما في جوفها.
✦✦✦
67
-عمر هل عدت من السفر هل أنت من بالغرفة؟ أرجوك أجب فأنت
تعرف بأني أخش ى الظالم.
ً
صباحا وأخبرها بأنه لن ولكنها لم تسمع إجابة وكان زوجها قد سافر
يأتي اليوم سيقض ي ليلته في دمياط وطلب منها قضاء الليلة عند أسرتها
بحلوان ولكنها لم تذهب وقررت أن تبقى بمنزلها.
فهل عاد الزوج؟ ال تدري فالظالم دامس ويبدو بأن الكهرباء مفصولة
عن املنزل.
أخذت رهام تنادي على زوجها بصوت مبحوح ولكنها لم تسمع أي
إجابة ،كانت تشعر بتنفس أحدهم بجوارها.
فأنفاسه حارقة قريبة من وجهها وهنا صرخت برعب .وبعدها سمعت
صوت أشياء تسقط على األرض وتتحطم ،فنهضت من الفراش مسرعة
وقلبها يدق بسرعة فلقد شعرت بوجود أحدهم بجوارها على الفراش فلم
تستطع التحمل ،فنهضت مسرعة وهنا شعرت بمن يدفعها من على
الفراش لتسقط على بطنها بعنف وهنا نظرت برعب محاولة اختراق ظالم
الغرفة لتعرف من فعل بها ذلك .ولكنها لم َتر إال الظالم من حولها.
فحاولت النهوض ولكنها لم تستطع فقد كان هناك من يمسك بقدميها
فسقطت فاقدة الوعي وهي تشعر بالبرودة الشديدة وتشم رائحة
الياسمين تكتم أنفاسها.
✦✦✦
68
استيقظت رهام وفتحت عينيها ببطء لتجد زوجها يجلس بجوارها
على الفراش يمسك يدها وتجلس أمها بجواره تبكي بحرقة.
فقالت بصوت واهن:
-ماذا حدث وأين أنا يا عمر؟
-في املستشفى يا رهام لقد عدت صباحا فوجدتك غارقة في الدماء
وفاقدة الوعي
وهنا صرخت برعب:
-غارقة في الدماء فوضعت يدها على بطنها بذعر طفلي هل فقدت
الطفل يا عمر.
فأشاح بوجهه عنها وهنا قالت األم من بين دموعها:
-حمد هلل على سالمتك يا رهام وربنا يعوض عليك في املرة القادمة يا
بنيتي.
فصرخت من بين دموعها:
-ولكن من فعل بي ذلك لقد كان هناك أحد بالغرفة يا عمر صدقني
لم أكن بمفردي هناك من قتل ابني.
وهنا نظر الزوج بتعجب إلى زوجته ولم ينطق.
✦✦✦
69
-عمر أنا حامل.
-حامل هل تأكدت يا رهام؟
-نعم يا حبيبي لقد أكد لي الطبيب فأنا حامل في بداية الشهر الثاني؟
-الحمد هلل يا رب لقد عوضنا هللا خيرا يا رهام عن طفلنا األول ،أرجو
أن تهتمي بنفسك وترتاحي بالفراش فال داعي ألن تجهدي نفسك
بالعمل.
-ال تقلق يا عمر لن أفعل ً
شيئا
ً
وهنا أخذها بين ذراعية وقبل جبينها بحنان قائال:
-أتمنى من هللا أن يتم حملك على خير يا حبيبتي
-ال تقلق سيكون كل ش يء بخير ولن يحدث ش يء س يء ،ولكن ال تتركني
وحيدة في هذه الفترة يا عمر ولن يحدث ش يء س يء ً
أبدا.
✦✦✦
70
-ال يا أمي فعمر ال يخاف علي بل على الطفل ولن أحبس نفس ي في
املنزل من أجله.
-ولكن ما تفعلينه خاطئ يا رهام ،والبد أن تكوني مسئولة أكثر من
ذلك حتى يكرمك هللا ويعوضك.
-حاضر يا أمي ولكنني أريد شراء بعض األغراض وسأعود إلى املنزل
قبل أن يعود فال داعي للقلق الزائد؟
وهنا نظرت لها األم بحيرة وهي تشعر بأن ً
شيئا سيئا سيحدث.
فهزت رئسها ثم قالت:
ً
-إني متعبة يا رهام وأريد أن أستريح قليال.
-حاضر يا أمي اجلس ي هنا وأنا سأذهب إلى الحمام ولن أتأخر وبعدها
نرحل سويا إلى املنزل قبل عودة عمر.
-ال تتأخري يا رهام فأنا متعبة يا ابنتي وال أستطيع تحريك قدمي.
-حاضر يا أمي ال تقلقي فأنا ً
أيضا بدأت أشعر بالتعب واملغص.
✦✦✦
71
نظرت السيدة إليها بطريقة غريبة وألقت نظرة على بطنها ثم وضعت
املمسحة على األرض ورحلت في هدوء دون أن ترد السالم ،فوقفت رهام
في حيرة تنظر بتعجب إلى املرأة وهي ترحل بفزع.
عال قائلة:
وهنا هزت رأسها بقوة وأخذت تضحك بصوت ٍ
"إن البلد مازالت مليئة باملجانين".
وبعدها وضعت حقيبتها على الرخامة وفتحت الصنبور لتغسل وجهها
وفي تلك اللحظة سمعت صوت باب الحمام من خلفها يغلق بقوة فيصدر
صوتا عاليا فرفعت وجهها لترى انعكاس الباب يفتح ثانية في املرآة أمامها
مصدرا صريرا مزعجا.
وهنا ابتلعت رهام ما في حلقها وقالت بصوت مبحوح خرج بصعوبة
من حلقها الجاف:
-هل هناك أحد بالداخل؟
ولكنها لم تسمع أي إجابة فهزت رأسها بحيرة وهي تنظر للباب املفتوح
بحيرة ،وهنا مألت رائحة الياسمين املكان وانخفضت درجة حرارة املكان
بردا وهنا حاولت الرحيل مرة واحدة ،فشعرت بأن أطرافها ستتجمد ً
فلقد كانت رائحة الياسمين تشعرها بالغثيان فهي تكرهها ،ولكنها لم
تستطع أن تتقدم خطوة واحدة فلقد شعرت بمن يثبت قدميها باألرض ال
تعرف من ولكنها شعرت بأظافر أحدهم تغرس في لحم قدميها.
فنظرت إلى األرض فوجدت يدا سوداء ذات مخالب طويلة تمسك
بقدميها بقوة وتجذبها لألسفل وهنا حاولت الفرار فشعرت بمن يمسكها
72
من الخلف وكانت أنفاسه قريبة منها ومثيرة لالشمئزاز فلم تعد تتحمل كل
هذا فأطلقت صرخة عالية وهي تشعر بمن يدفعها على وجهها بعنف
فسقطت على األرض وهي تحاول أن ترى من الذي فعل بها هذا.
وهنا لم ترى إال كتلة من السواد تتحرك بانسيابية في الهواء وكأنها
دخان أسود كثيف أخذ يلتف فوق رأسها وهنا لم تعد تتحمل فحاولت
وحاولت الصراخ.
✦✦✦
فتحت عينيها وهي تتأوه بألم تنظر بذعر حولها كانت تشعر بألم في كل
ذرة بجسدها وكأنهم ضربوها بالسوط على جسدها ووجدت أمها تبكي
بقهر ويقف زوجها على باب الغرفة غاضبا وفتاة أخرى تضع محقنا في
محلول معلق بذراعها فقالت بوهن:
-ماذا حدث يا أمي ،أين أنا؟
فردت األم بحسرة وألم:
-في املستشفى يا رهام
وهنا تدخل الزوج غاضبا:
-كيف تخرجين بدون علمي يا رهام وتقتلين ابني بتلك الطريقة
البشعة.
فقالت والدمع بعينيها:
73
-اقتل طفلك .هل مات ابني؟ ماذا حدث يا أمي؟
-لقد مات الطفل يا رهام ولقد خرجت من حجرة العمليات منذ قليل
ربنا يعوضك في املرة القادمة فأنت مازلت صغيرة والحياة أمامك.
-ولكن كيف ومن فعل بي ذلك لقد كان هناك أحدهم معي بالحمام
يا عمر صدقني.
-لم يكن هناك أحد يا بنيتي بل كانت األرض مبتلة فسقطتي على
بطنك بعنف.
وهنا نظرت إلى أمها بذعر تتذكر ذلك الش يء األسود الذي رأته
بالحمام وهاجمها
فقالت:
-ال بل كان هناك أحد وهاجمني.
ومازالت تشعر بأنفاسه وتسمعها بأذنيها ..
✦✦✦
-هام هل تريدين ً
شيئا من الخارج سأخرج إلى السوق؟ ر
-ال يا أمي ولكني أشم رائحة العنب باستمرار في أنفي يبدو بأنني أتوحم
ويريد الطفل العنب.
-العنب ولكنه ليس أوانه يا رهام ولكني سأبحث لك عنه ال تقلقي
املهم اهتمي بنفسك وال تتحركي من الفراش إلى أن أعود لن أتأخر.
-ال تقلقين سوف أقرأ هذه الرواية وبعدها سأنام
✦✦✦
75
كانت رهام تمد ساقيها على الفراش وتقرأ إحدى القصص وهنا
سمعت من يهمس بأذنيها:
-هسسسسسسس هسسسسسسسس
فالتفتت بتوتر ناحية الصوت لتعرف ما هذا ولكنها لم ترى أحدا
فنهضت من الفراش وجلست على أحد املقاعد وكانت ترتعد خوفا فلقد
انخفضت درجة حرارة الغرفة مرة واحدة فحاولت النهوض ،ولكنها شعرت
بمن يثبتها باملقعد ويجبرها على الجلوس مرة أخرى ،حاولت الصراخ
ولكنها لم تستطع.
وهنا نظرت إلى املرآة أمامها فشاهدت كتلة من الدخان األسود
الكثيف تقف فوق رأسها وكأنها قطعة هالم سوداء تتحرك بانسيابية
كالغيمة فوق رأسها.
وهنا التفت الكتلة السوداء حول جسدها كالثعبان وأخذت تضغط
بعنف على بطنها لتعتصر ما بداخلها ،وهنا لم تعد تتحمل وقد مألت
رائحة الياسمين الغرفة لتكتم على أنفاسها و...
✦✦✦
76
-من هي؟
-ال أدري يا عمر هناك ً
شيئا غريبا يحدث لي صدقني يا عمر.
-أصدقك ماذا تقولين؟ فأنت إنسانة مستهترة وال تستحقين أن
تصبحي أما فهذا عقاب هللا لك يا رهام عن استهتارك.
وهنا صرخت بانهيار:
-ال يا عمر ال تقل هذا فأنا أريد أن أكون أ ًما
✦✦✦
ً
وهنا قطع الطبيب حبل أفكارها وذكرياتها قائال:
-ماذا قررت يا مدام رهام
-موافقة فأنا لست مستهترة وأريد أن أصبح أما يا دكتور
✦✦✦
77
-ال تقلقي يا أمي فلقد زال الخطر وأتممت الثالث شهور األولى
وطمئنني الطبيب فال داعي للخوف والقلق.
-االحتياط واجب يا رهام واحرص ي على ما في بطنك فأنت لم تحصلي
عليه بسهولة يا حبيبتي.
-ال تقلقي يا أمي سأرتاح ولن أجهد نفس ي.
-سوف أعود إلى املنزل اليوم فلقد تركت أباك منذ أربعة أشهر
بمفرده.
-اذهبي يا أمي وال تقلقي فأنا بخير.
وهنا نظرت لها األم وقد تذكرت ً
شيئا :
-لقد وصلت لك هذه الرسالة اليوم يا رهام وكنت نائمة.
-رسالة لي أنا.
وهنا مدت يدها لتلتقط الورقة بلهفة وهي تتمنى أن تسمع خبر
يسعدها ويدخل السرور على قلبها ويغير حياتها ربما كان جواب التعين في
الوظيفة التي كانت تتمنى الحصول عليها فنظرت بتعجب إلى الخطاب
فقد كان وردي اللون فقالت لنفسها ومنذ متى تكون خطابات التعين
وردية اللون.
من يدري فكل ش يء تغير ولم يعد كما كان.
✦✦✦
78
الرسالة الثانية
عزيزتي :رهام
عند قراءتك لرساليت .اعلمي بأني اآلن أرقد يف القرب ميتة مل يعد
لي وجود يف عاملكم ،عامل األحياء بل رحلت إىل عامل األموات.
لقد علمت خبرب زواجك من عمر خطييب سابقا وأول من أحببت
يف هذا العامل .و لوال ما حدث ،لكنت أنا زوجته اآلن وحياتك هي
حياتي ،وطفلك هو طفلي ،فهنيئا لكي يا صديقيت بالزواج ممن
أحببت وحتطيم حياتي.
فهل تشعرين معه بسعادة؟ هل تشعرين حبركة الطفل يف رمحك؟
أتعتقدين يا رهام بأني سأتركك تعيشني بسالم وكأن شيئًا مل
حيدث؟
فال تتفاءلي كثريًا يا صديقيت السابقة فلن أتركك أبدًا تعيشني
بسالم .فروحي لن ترتكك أبدًا تنعمني بالسعادة واهلدوء مع من
أحببت ،ستجعلك تتأملني دائما تتمنني املوت كل حلظة ومع كل نفس
خيرج من صدرك .لن أتركك أبدًا تفلتني مبا فعلت بدون عقاب.
فروحي ستطاردك يف يقظتك ويف أحالمك.
ورمبا سأخرج لكي أنا من قربي كالزوميب ألنتقم.
فلن أتركك تنعمني بالسعادة .إال بشرط واحد و بعدها سأتركك
تنعمني بالسالم مع زوجك وحبيب قليب ال يهم.
و طليب هو .ما يف بطنك .أول مولود لكي ولعمر فهو لي.
79
أريدك بعد والدته مباشرة أن تضعيه على قربي.
ثم بعدها ترحلني بهدوء بدون أن تنطقي حبرف واحد.
فهذا الطفل من حقي ،لو تزوجت أنا من عمر لكان هذا الطفل
طفلي.
لو مل تفعلي ما فعلت .لكنت أنا مكانك اآلن وأعيش حياتك
وعمر زوجي فإن نفذت طليب سأتركك تعيشني بسالم ولن أقرتب
منك أو من زوجك وسأرحل.
وسأكتفي بالطفل ،وإن مل تنفذي مطليب وحتققي أمنييت وترتكي
لي الطفل فالويل لكي ولطفلك مين فلن أتركك.
سأجعلك تتأملني كل يوم تتمنني املوت كل حلظة فال جتدينه
وفتلومي إال نفسك يا صديقيت السابقة.
واآلن هل تتذكرين ما فعلته معي أنت واألخريات يا صديقة
طفوليت؟
ملاذا فعليت ذلك؟
سأتركك تتذكرين رمبا جعلتك السنني واأليام تنسني ما حدث.
81
-هل تضحكين على عقلي أم تسخرين مني يا أمي فلقد قالوا باألخبار
بان جميع الركاب موتى ومازالوا ينتشلون باقي أشالئهم من البحر
ً
أشالء بعد أن التهمت أسماك القرش الكثير من الجثث فلم تترك إال
ممزقة ال يستطيعون التعرف عليها.
وهنا أخذت األم نفسا عميقا وهي تستنشق تلك الرائحة الجميلة
وتشعرها باالنتعاش وبراحة عجيبة جعلتها تبتسم رغما عنها بسعادة .إنها
رائحة الياسمين املميزة.
وهنا نظرت أيرين إلى أمها بتعجب وهي تتساءل هل فقدت األم عقلها.
وما تلك الرائحة التي تضعها .هل تضع عطر الياسمين .فهل هذه طريقتها
للتعبير عن حزنها ملوت أحدهم .وخصوصا إن كان عريس ابنتها الرابع.
ربما من يدري فكل ش يء جائز وممكن أن يحدث في هذا الكون؟ فكال
منا يحزن بطريقته الخاصة.
فهزت رأسها ونظرت إلى أمها بحيرة ولم تتكلم بل عادت بذاكرتها
للوراء .فلقد جعلتها رائحة الياسمين تتذكر كل ما مرت به في السنوات
الثالث األخيرة.
تشعر بأن هناك لعنة وذنبا يطاردها .فهل هي لعنتها؟
ولكنها طهرت روحها واعترفت بخطيئتها وذنبها .فهل اعترافها لم يكن
كافيا؟
فأغمضت عينيها ثم عادت بذاكرتها إلى الوراء .لتتذكر.
✦✦✦
82
-هل سترافقينني يا أيرين؟
-ال يا جرجس .فأنت تعرف بأن أبي لن يوافق.
-وملاذا يا أيرين؟ مجرد يومين فقط سترافقينني أنت وسرينا وحماتي
فلماذا سيرفض عمي؟
-أنت تعرف يا جرجس فهو رجل صعيدي ومحافظ فلن يسمح لنا
بالذهاب بمفردنا وهو مشغول بالعمل باملحل كما تعلم.
-أعلم ولكن املصيف القادم سترافقينني رغما عن أنف الجميع
فوقتها ستكونين زوجتي
وهنا شعرت أيرين بغصة في حلقها وألم في معدتها ال تدري ملاذا؟ فلقد
حدد جرجس ميعاد الفرح واإلكليل مع كاهن الكنيسة وهو بعد أربعة
شيئا سيئا سيحدث فنظرت له وحاولت االبتسام أشهر ولكنها تشعر بأن ً
ولكن أبت االبتسامة أن ترتسم على شفتيها فهزت رأسها مجاملة ولم
تتكلم.
✦✦✦
83
-ماذا تقول يا أبي؟ هل تمزح؟
فرد األب من بين دموعه:
-وهل في املوت مزحة يا أيرين ،إنها مشيئة الرب يا حبيبتي
✦✦✦
✦✦✦
84
-ماذا تقول يا أبي؟
لقد مات صموئيل اليوم يا أيرين في حادثة سيارة وهذه مشيئة الرب
يا حبيبتي
-الااااااااااا
فصرخت برعب وهي تشعر بالبرودة تسري في أوصالها ،وظلت تصرخ
وبعدها نقلت إلى املستشفى مصابة بانهيار عصبي.
فلقد تعرفت على صموئيل وبدأت تعجب به وكانوا على وشك تحديد
ميعاد للخطبة مع الكاهن ولكنه لم يلحق ومات.
وهنا ملئت رائحة الياسمين الغرفة.
✦✦✦
85
-وأنا ال أوافق يا كرولس وال أريد الزواج وأرجوك ابتعد عني.
-ملاذا من حقي معرفة السبب؟
-ألنني ال أريد أن أتزوج أتفهم.
-ولكنك لن تعيش ي كالراهبات طوال حياتك بدون زواج.
✦✦✦
86
وبعد مرور عامين
وقفت أيرين بحجرتها تصرخ بغضب:
-لن أتزوج ولن أوافق على إبراهيم زو ًجا لي مهما حاولتم ،فال أريد له
أن يموت كاآلخرين.
-ال تقو لي هذا يا بنيتي فليس لك أي دخل فيما حدث إنها مشيئة
الرب.
ً
وقضاءا وقد ًرا فال أريد الزواج. -حتى وإن كانت مشيئة الرب
" إن لم يبن الرب البيت فباطال يتعب البناءون إن لم يحفظ الرب
املدينة فباطال يسهر الحارس "مزمور" "1 - 127
هل تعرفين فأنا شؤم على الجميع ولن أتزوج وبعدها
أخذت تصرخ في وجه أمها بهيستريا فدخل األب غاضبا:
-ملاذا تصرخين يا أيرين وترفعين صوتك على أمك
-ال أريد أن أتزوج يا أبي هل تفهم ال أريد أن يتقدم أحدهم لطلب
يدي.
وهنا احمر وجه األب غاضبا:
-ماذا تقولين أيتها الفتاة؟
-ما سمعته يا أبي ولن يجبرني أحد على تغير رأيي هل تفهمون فلن
أتزوج.
87
وهنا رفع األب يده ً
عاليا وصفعها على وجهها بغضب وهو يقول:
-كيف تجرئين أن يعلو صوتك وأنت تتحدثين معي؟ جهزي نفسك
فسيأتي إبراهيم الليلة هو وعائلته وال أريد أن أسمع صوتك وتركها
ً
غاضبا. تبكي ورحل
✦✦✦
-ماذا أفعل يا مينا؟ أرجوك ساعدني وكلم إبراهيم واطلب منه أال
يأتي اليوم فانا ال أريد أن أكون السبب في موت أحدهم؟ فأنا فتاة
نحس.
-ال تقولي هذا يا أيرين فليس لك دخل في كل ما حدث إنها مشيئة
الرب وحكمته وربما كانت كلها صدفا ليس لك دخل فيها.
-حتى أنت يا مينا تتكلم مثلهم .كلكم أغبياء ال تفهمون ً
شيئا وال
تعرفون ما ارتكبت من خطيئة وأن كل ما يحدث ليس صدفا ولكنه
عقاب من الرب على ما ارتكبت.
وبعدها تركته ينظر إليها بتعجب وفضول ال يعرف عما تتحدث،
ورحلت في صمت وهي تشعر بتلك الرائحة الكريهة تخنقها وتشعرها
بالغثيان.
✦✦✦
88
كانت تقف في مكان مظلم ال تستطيع رؤية ش يء نادت أيرين بصوت
عال:
ٍ
-من هناك وأين أنا؟
فهي تسمع صوت أقدام أحدهم تتقدم ببطء ولكنها لم تتلق أي
إجابة ،وهنا شاهدت تلك الشمعة املضيئة من بعيد وكانت تقترب ولكنها
عال "من هناك؟" ولكن الشمعة ال ترى من يحملها أخذت تنادي بصوت ٍ
أخذت تقترب ولم تتلق أي إجابة بدأت تشعر بالتوتر بالقلق وتساقطت
حبات العرق البارد على جبينها.
-من هناك؟
وهنا شاهدت ضوء شمعة ثانية يقترب وبعدها ضوء ًا ثالثا ثم ً
ضوءا
ر ً
ابعا ،أخذت الشموع املشتعلة تقترب منها وهي تصرخ بهستريا:
-من هناك .من هناك ماذا تريدون مني؟
وهنا شاهدت حامل الشمعة األولى إنه جرجس خطيبها األول وكان
وجهه ممسوح املعالم ورائحته كريهة ،كانت تعرف بأنه جرجس بالرغم
من معامله املمسوحة وكانت املياه تتساقط من مالبسة املبتلة.
حاولت الهروب وهي تصرخ وهي تقول:
-سامحني يا جرجس وال تؤذني.
ولكنه لم يرد عليها بل أخذ يقترب ببطء.
89
وهنا أسرعت تجري فوجدت الشمعة الثانية وكان يحملها كرولس
وكانت الدماء تغرق وجهه ومالبسه فصرخت برعب:
-سامحني يا كرولس وال تؤذني.
حاولت الفرار فوجدت الشمعة الثالثة تقترب منها وهنا شاهدت
صموئيل وهو غارق في دمائه فمالبسه ممزقة وتخرج الدماء من أماكن
كثيرة من جسده.
صرخت وظلت تصرخ:
-سامحني يا صموئيل لم أكن أعرف بأنكم ستدفعون ثمن أخطائي.
ولكنه لم يتوقف بل أخذ يقترب وتتساقط الدماء من حوله.
حاولت الفرار ولكنها لم تستطع فسقطت على األرض.
وهنا تقدم منها حامل الشمعة الرابعة وكان بذراع واحدة ووجه مشوه
مأكول نصفه كان يتقدم في خطى ثابتة وهو يحمل الشمعة بيد واحدة
ويتساقط أملا من جراحه.
فصرخت صرخة:
-سامحني يا إبراهيم سامحني.
ولكنهم أخذوا يقتربون ببطء وهم يحملون الشموع املشتعلة ،وهنا
غطت هي وجهها وأخذت تصرخ بهستريا:
-لم تكن الغلطة غلطتي .سامحوني.
✦✦✦
90
-أيرين يا أيرين .ماذا حدث وملاذا تصرخين؟
وهنا نظرت أيرين حولها بفزع فوجدت نفسها بغرفتها وعلى فراشها
وأمها تكلمها بتوتر .
وهنا نظرت بفزع إلى أمها وهزت رأسها بعنف فلقد قطعت حبل
ذكرياتها وقالت:
-نعم يا أمي ماذا تريدين مني؟
-لقد وصلتك هذه الرسالة اليوم ونسيت سرينا أن تخبرك؟
-رسالة لي أنا؟ ممن يا ترى؟ لعل بها خبرا يسعدني ويغير حياتي لعلها
موافقة الدير على قبولي كراهبة من يدري؟
✦✦✦
91
الرسالة الثالثة
عزيزتي :أيرين
عند قراءتك هلذه الرسالة .ثقي بأني مل أعد موجودة يف هذا العامل
البغيض ،عامل األحياء بل رحلت إىل مكان أفضل أو عامل آخر إن
صح التعبري ،وهو عامل األموات كما تقولون.
ال تتعجيب يا أيرين .فهي مشيئة الرب ،ففي اللحظة اليت تصلك
فيها رساليت فأنا ميتة وأرقد يف ظلمات القرب ومل يعد لي وجود يف
عاملكم أبدًا.
إني أشعر باالبتسامة وعالمات االرتياح ترتسم على وجهك
اآلن.
هل تعتقدين بأنين سأتركك تعيشني حياة طبيعية؟
تتزوجني ورمبا تنجبني أطفالًا وتصبحني أما.
ال تتفاءلي كثريًا عزيزتي وتعتقدي أنها النهاية .إن موتي ال يعنى
إال البداية .ستظل روحي تطاردك يف يقظتك ،وستزورك أيضًا يف
أحالمك إىل أن تنتقم وتعيد لي حقي .وإن مل تستطع روحي االنتقام
سأخرج لكي أنا من قربي يا أيرين .كالزوميب ألنتقم منك ،ولن
مينعين أحد على وجه األرض من إمتام انتقامي.
فلن أدعك يا صديقيت السابقة تعيشني بسالم أبدًا .إال بشرط
واحد.و هو أن تنفذي ما أريد .و بعدها سأتركك تعيشني بسالم
وأبتعد عنك .و أرحل لألبد .وطليب هو أال تتزوجي أبدًا يا أيرين.
تعيشني هكذا طو ال حياتك بدون زواج كالراهبات.
92
فأنت جعلتين أموت بدون أن أتزوج عزيزتي فلتعيشي أنت
األخرى هكذا بدون زواج مثلى إىل أن متوتي وتتعفن جثتك وإن مل
تنفذي أمري و فكرتِ بالزواج فسيحل بكِ انتقامي وستجعلك
روحي تندمني و سأجعلك تتمنني املوت كل يوم .وسأخرج لكي
من قربي ألنتقم.
فمصري كل من يتقدم للزواج منك هو املوت .و ال تلومي إال
نفسك يا صديقيت السابقة.
و اآلن هل تتذكرين ما فعلته معي أنت واألخريات؟
ملاذا فعلت ذلك معي؟ فقد كنت صديقيت املقربة.
رمبا جعلتك السنني واأليام تنسني ما حدث؟ لذا سأتركك
جتلسني مع نفسك قليلًا وتغمضي عينيك وتعودي إىل ذلك اليوم،
وتتذكرين تلك الليلة.
و لتنتظرن انتقامي فإنه قريب ،ولن أترككن تعشن بسالم أبدًا .و
لن أرحل بهدوء سأجعلكن تتأملن مجيعًا حتى تتمنني املوت كل يوم
إال أن تنفذن ما أريد.
مع حتياتي من اجلحيم
املخلصة :سارة
2015\8\3
✦✦✦
93
الفصل الرابع
الرسالة الرابعة
94
-ال ذنب لك يا ولدي فيما حدث ولكنه القدر وهو الكفيل بتغير كل
ش يء .اصبر يا ولدي وال تتعجل األمور ،فربما اتصلت بك قريبا من
يدري.
-سأنتظر يا أمي سأنتظر اتصالها .ولكني لن أتحمل هجرها أكثر من
ذلك
✦✦✦
95
-ولكني أشعر بأنك تغيرت ً
كثيرا.
-ملاذا تقول هذا فأنا كما كنت ولكني مشغولة هذه األيام.
-في أي ش يء؟
فقالت بتوتر:
-ساهر لقد تم تحديد موعد خطبتي.
-ماذا تقولين؟
-ما سمعت يا ساهر لقد تم تحديد موعد خطبتي يوم الجمعة القادم
سأنتظرك.
-هل تمزحين يا سارة.
-ال يا ساهر ال أمزح.
-وأنا ؟
-أنت أخي وصديقي يا ساهر.
-ولكنك لست أختي يا سارة.
ً
غاضبا .كيف لها أن تفعل به ذلك وتكون لغيره َ؟ وبعدها تركها ورحل
✦✦✦
96
-ماذا تقولين يا مريم؟
-ما سمعت يا ساهر ،نريد أن نجعل سارة تتخلص من خوفها من
الظالم و تنس ى الرجل الذي يطاردها
-وماذا ستفعلون؟
-هل ستساعدنا؟
-وماذا تريدون مني؟
-سنقوم بعمل مقلب صغير ونريدك معنا؟
-وملاذا أساعدكم يا مريم؟
ً
جميعا نعلم بحبك لسارة أيها الغبي ونريدك أنت أن تتزوجها. -ألننا
-وماذا عن خطيبها عمر ؟
-ماذا عنه ،لم تعد سارة تحبه فهي ال تحب سواك.
-هل تتكلمين صدقا يا مريم؟
-نعم وملاذا سأكذب عليك أال ترى نظراتها املستمرة إليك.
-ولكن إن كانت كما تقولين ملاذا خطبت لغيري؟
يوما بحبك -ألنك غبي ولم تخبرها ً
97
الرسالة الرابعة
صديقي العزيز :ساهر
لقد اشتقت إليك كثريًا يا ساهر .كنت أمتنى رؤيتك قبل الرحيل،
ولكن األوان قد فات اآلن .عند قراءتك لرساليت فلتعلم بأنين ميتة
منذ ساعات .و مت دفين ودخولي إىل ذلك املكان املظلم القرب
وانتقالي إىل عامل األموات يا ساهر.
أرجو سرعة التنفيذ قبل أن تتحلل اجلثة فلن يكون مجيال أن
أخرج من قربي وعيوني مت حللة خترج منها الديدان السوداء ،أو
بطين منتفخ ميلؤه الدود فيخرج من فمي وأنفي.
صدقين يا ساهر فلن يكون منظري مجيال أبدًا ،رمبا سيكون مسليًا
ولكنه لن يعجبك.
إني أمسعك تسأل و ملاذا مل أنتقم قبل موتى؟ أال تعرف حقًا ما
حدث لي؟
99
لقد كنت مريضة ال أستطيع التحرك من شدة التعب .لقد ماتت
روحي يومها يا ساهر ولكن جسدي ظل يعاني األمل واألوجاع.
كنت أمتنى أن أراك مرة واحدة قبل املوت .أن أرى نظراتك
احلانية اليت اشتقت إليها كثريًا.
ولكنى مل أستطع أيضًا أن أرى نظرات الشفقة يف عينيك أبدًا .و
مل أكن أريد أن يراني أحد يف تلك اهليئة املزرية .أو يعرف ماذا حدث
لي؟
فقد اعتزلت الناس مجيعًا وابتعدت عنهم كلهم .و مل أتعامل مع
أحد منذ فرتة طويلة إال مع خاليت نورا .هي فقط من رآني ،واقرتبت
مين يف نهاية مرضي.و قبل رحيلي عن عاملكم البشع الغادر ولقد
حاولت خاليت نورا كثريًا أن تداويين بالسحر األسود و لكنها فشلت
متامًا.
فلم تكن لي رغبة بالبقاء يف هذا العامل القاسي وما فعله معي،
البد من أن يدفع ا جلميع الثمن .وسيكون الثمن غاليا ،أغلى مما
يتصورن يا ساهر ،صدقين سيدفعن أرواحهن مثنا ملا فعلن معي.
✦✦✦
100
الطلبات هي--------------- :
ملحوظة هامة:
أعرف بأن الطلبات صعبة ولن تحصل عليها بسهولة .و لكني أعرف
بقدرتك الخارقة.
يجب أال يراك أحد وأنت تحضر هذه األشياء.
يجب أن تكون حذرا أكثر من الالزم .فالبد أال يراك أو يشعر بك أحد.
فأنت تعرف قوانين اللعبة هل تتذكر حينما كنا نلعب ونحن صغار؟
أرجو اإلسراع في إحضار الطلبات قبل أن تتحلل الجثة وتمألها
الديدان ،ثق بأنني لن أنساك ً
أبدا يا ساهر.
يوما عزيزي ال تقلق ً
أبدا. فا جو منك أال تنساني ً
أبدا ،سأعود إليك ً ر
ً
سريعا .فليس هناك وقت للمشاعر أسرع بتنفيذ وإحضار الطلبات
واألحزان فلكل ثانية ثمنها.
101
الفصل الخامس
يوم2015\8\ 3 :
في إحدى املنازل بإحدى املدن الجديدة البعيدة نوعا ما عن العمران.
والتابعة ملحافظة القاهرة ،كانت تجلس فتاتان تتحدثان بتوتر بصوت
منخفض .وإحداهما تمسك بيدها ورقة تبدو كرسالة وردية اللون
وتلفتت الفتاة ً
يمينا ويسا ًرا وهي تنظر إلى صديقتها بذعر ثم قالت بتوتر
بصوت منخفض خوفا من أن يسمعها أحد:
جيدا وتأكدت بأنها صحيحة و ليست مجرد -أيرين هل قرأت الرسالة ً
دعابة سخيفة من أحدهم وربما كانت منها هي ومن غيرها يحب
الدعابات السخيفة .لتنتقم مما حدث ً
قديما.
وبعدها صمتت الفتاة وهي تنظر إلي عيون صديقتها بتوتر وتنتظر الرد.
فردت األخرى "أيرين"بتوتر وعيون دامعة قائلة:
-صدقيني يا رهام لقد ذهبت بنفس ي إلى منزلها ألتأكد بأنها ليست
دعابة سخيفة منها ،وتريد أن ترعبني و تنتقم ملا حدث قديما ،كنت
أريد أن أخبرها الحقيقة وأطلب منها أن تسامحني وتتركني وشأني
102
فحياتي كلها دمرت فال تتخيلي ما عانيت في السنوات الثالث املاضية
وبأن كل من يتقدم لي يموت .لقد كنت السبب في موت الكثيرين يا
رهام ،ذهبت أرجوها لتسامحني وتغفر لي خطيئتي ولكني وجدت
صوان العزاء أمام بيتها فسألت إحدى الجارات و تأكدت بأنها هي
صباحا ،و ال أدري كيف وصلت رسائلها إلينا ً
ظهرا ً لقد ماتت اليوم
بعد أن ماتت.
ً
ثم صمتت طويال وهي تنظر إلى عيون صديقتها برعب ،وبعدها صرخت
عال كمن فقد عقله مكملة حديثها بانفعال:
أيرين بصوت ٍ
ً
جميعا. -لقد ماتت يا رهام ماتت سارة وأقسمت على االنتقام منا
وبعدها أجهشت بالبكاء الشديد وأكملت من بين دموعها:
-ماتت سارة وهى ال تعلم الحقيقة .ماتت بحسرتها وهي ال تعلم بأن ما
حدث كان مجرد مزحة غبية وكذبة صغيرة ،وكان الغرض منها املزاح
و الضحك وأن ما حدث لم يكن حقيقة ولكن املسكينة صدقت كل
ش يء وعاشت في الوهم إلى أن ماتت من الحسرة و القهر ودمرنا
حياتها وتركت خطيبها .كنت أتمنى أن أخبرها الحقيقة وأقول لها
بأنكم أجبرتنني على فعلها.
وهنا صرخت "رهام "في وجهها مقاطعة لكالمها:
-ماذا تقولين يا مجنونة ،هل كنت ستخبرينها حقيقة ما حدث؟ هل
جننت يا أيرين؟
103
وهنا نظرت أيرين إلى صديقتها بحزن شديد ودهشة كبيرة قائلة من
بين دموعها و هي تصرخ في وجهها:
-هل كل ما يهمك يا رهام هو أال تعرف حقيقة ما حدث .وال يهم بأنها
ً
جميعا و تخلينا عنها ماتت وهى مقهورة تعتقد بأننا خدعناها
فنظ رت لها رهام بعيون متوترة كقطة مذعورة بعد أن سرقت
الطعام وأمسكها صاحب املتجر.
وكانت رهام فائقة الجمال ذات عيون زرقاء صافية كلون البحر،
تشعر بالراحة عند النظر إلي تلك العيون الصافية كالسماء وبشرة بيضاء
ً
كاللبن ،ذات جسد ممتلئ وبطن كبير قليال لحملها في الشهر الرابع وشعر
أسود مجعد قصير وأنف طويل حاد و فم صغير رفيع يشعرك معه
بقسوة صاحبته.
وهنا رفعت رهام حاجها الرفيع كالخيط ،وهي تنظر لها بغضب
وبدهشة وكأنها تراها ألول مرة ثم قالت بصوت ٍ
عال:
-ماذا تقولين يا أيرين؟ هل نسيت ً
حقا ما فعلت تلك املريضة معي؟
لقد كانت تريد أن تخطف عمر مني ،هل نسيت ً
حقا ما حدث؟ لقد
كنت أدافع عن حقي وعمن أحببت وحياتي التي كانت ستتدمر
بسبها ،هل ارتكبت جريمة يا أيرين؟
ثم صرخت في وجه صديقتها أيرين قائلة بعنف:
-هيا أخبريني ما الجريمة التي ارتكبتها في حقها .لقد كنا نمزح معها
كما كانت تمزح هي معنا دائما؟
104
و هنا نظرت لها أيرين بحزن وهى تهز رأسها وتزفر بغضب قائلة:
-من فضلك يا رهام ال تكرري كالمك السخيف هذا ثانية أمامي،
فكالنا يعرف حقيقة ما حدث وال داعي ألن نكذب أكثر من ذلك
فكلنا أخطأنا وكلنا سندفع الثمن وليغفر لنا الرب خطيئتنا يا
صديقتي.
ثم نظرت لها بحزن شديد وعيون دامعة ثم أكملت حديثها قائلة:
ً
جميعا بعد -املهم اآلن أن نعرف هل تستطيع ً
حقا سارة االنتقام منا
موتها؟ أم أن كل هذا هراء ومجرد كالم فارغ لتخويفنا واالنتقام منا
فقط.
و هنا نظرت لها هام بعيون ائغة ال تدري بماذا تجيب ،فهل ً
حقا ز ر
ً
تستطيع سارة االنتقام منهن بعد موتها؟ هي ال تعرف شيئا عن األموات
والعالم األخر.
و لكن رهام كانت خائفة مذعورة من الرسالة .تفكر في كيفية االنتقام
ً
جميعا؟ فكيف ستنتقم سارة منهن
حقا إن مات شخص روحه معذبة ،فإن روحه تنتقم له و تعيد فهل ً
له حقه؟
نظرت بتوتر إلى صديقتها أيرين ولم ترد عليها بل صمتت وهي تتأملها و
تفكر فماذا تقول وبماذا تجيب؟
105
لم تكن أيرين بالفتاة الجميلة ولكنها تجذب انتباهك وتلفت نظرك
عند التحدث إليها برزانتها وعقلها الكبير.
كانت فتاة عادية مثلها مثل أي فتاة مصرية قمحية اللون ذات عيون
سوداء و تملك شعرا بنيا قصيرا وكانت ذات جسد نحيف كخلة األسنان.
كانت في نفس عمر رهام تقريبا في منتصف العقد الثاني من العمر.
كن صديقات منذ الطفولة و هو نفس عمر سارة ومريم صديقتيهما ،فقد ّ
ولم يفرقهن ش يء في الحياة ً
أبداّ ،
كن معا منذ الروضة إلى الجامعة ،ولقد
ارتدن نفس الجامعة .وتخرجن معا من نفس الجامعة كلية اآلداب قسم
تاريخ.
و بالرغم من اختالف ديانة أيرين عنهن .فلم تكن مسلمة مثلهن بل
كانت مسيحية ولكنها كانت صديقتهن منذ الصغر ولم يؤثر هذا على
إحداهن .فكان يؤمن بأن الدين هلل والوطن للجميع.
لم يفرقهن ش يء إال ما حدث منذ ثالث أعوام مضت وما فعلن
بصديقتهن سارة.
لقد كانت مجرد دعابة ،ولكنها كانت دعابة قاسية .وانقلبت إلى جد.
أبدا فحدث ما حدث .وبعدها تفرقن وقلت اتصاالتهن فلم تتحملها سا ة ً
ر
ببعض وربما انقطعت نهائيا .و انشغلت كل منهن عن األخرى بحياتها .و لم
يعدن كسابق عهدهن ،وتزوجت رهام هي ومريم وانفصلن عنهن .و لم
شيئا منذ مدة طويلة إال اليوم ،فنظرت رهام بتوتر وهي تعرف عنهن ً
تتأمل صديقتها أيرين.
106
فهي لم ترها منذ فترة طويلة ولم تعتقد بأنها ستراها ثانية .و لكنها
الرسالة املشئومة التي وصلتها صباحا من صديقتهن امليتة سارة هي ما
جمعتهن مرة أخرى.
كانت تمسك بطنها بخوف وهي تشعر بقلق على ما في رحمها.
فلقد أخبرتها سارة أن تضع امل ولد بعد والدته مباشرة على قبرها،
تتركه وترحل بكل بساطة وكأنه مجرد دمية ملت من اللعب معها
فسترميها بكل سهولة والمباالة .وتتركها عند القبر وترحل.
هي ال تعرف كم عانت وقاست بالحياة من أجل هذا الطفل بعد أن
أجرت عملية الحقن املجهري ،فهذا آخر أمل لها بالحياة لتكون أما.
و هنا صرخت برعب وهي تمسك بطنها بقوة وكأنها تحاول حماية ما في
رحمها قائلة:
أبدا وسأحميك من كل ش يء في هذا العالم -ال لن يأخذك منى ش يء ً
حتى و إن كانت روح سارة أو عفريتها لن يأخذك مني أحد يا بني .هل
جيدا فأنا لم أحصل عليك بسهولة ألتخلى عنك بهذه تسمعني ً
البساطة يا ولدي؟
و هنا نظرت لها أيرين بشفقة ،فلقد كانت تشعر بمأساتها .بعد أن
قرأت تهديد سارة لها في الرسالة ولم تتحدث أو تنطق بحرف .و انتظرت
أن تبدأ رهام بالكالم ولكنها آثرت الصمت هي األخرى و لم تتحدث لفترة
إلى أن قطع صمتهم صوت جرس الباب الذي أخذ يرن بقوة فقامت
األخيرة مفزوعة لتفتح الباب وترى من الطارق.
107
فوجدتها صديقتهن الثالثة "مريم " التي كانت منهارة وعيونها حمراء
كلون الدم من كثرة البكاء وشعرها منكوش يغطي نصف وجهها و تمسك
بيدها ورقة تشبه الرسالة لونها وردي فقالت من بين دموعها:
-لقد ماتت سارة اليوم يا رهام
وانفجرت بالبكاء والنحيب وهي تقول بانهيار شديد:
-لقد ماتت سارة ولم تعلم الحقيقة بعد وأن ما حدث كان مزحة
ً
جميعا على ما حدث يا ً
ومقلبا ،ماتت وروحها معذبة وستنتقم منا
هام .لن تدع ً
أحدا يعيش. ر
ثم سقطت فاقدة الوعي من شدة االنفعال والتوتر عند قدمي
صديقتها ،فصرخت األخيرة برعب وهي تنادي على صديقتها أيرين بالغرفة
األخرى لتساعدها على حمل مريم ومحاولة إفاقتها فهي لن تستطع حملها
بمفردها؟
وهنا سمعت الصرخة األخرى أليرين من الداخل ،أبشع صرخة ممكن
أن تسمعها في حياتها ،صرخة شخص يتعذب ويصرخ أملا.
و هنا مألت رائحة الياسمين املكان.
و شعرت رهام بالهواء البارد يكتم أنفاسها .فلم تستطيع التنفس،
ونظرت برعب إلى باب الغرفة ثم صرخة قائلة برعب وانهيار:
-ساررررررررررة ،أرجوك سامحيني يا سااااااااااااارة واتركي لي طفلي.
✦✦✦
108
في منزل ساهر
و بداخل إحدى الحجرات املظلمة .جلس شاب في منتصف الغرفة
على األرض يبكي وينتحب ويمسك بيده ورقة تشبه الرسالة و كان ينظر
لتلك الرسالة الوردية اللون بين يديه بذهول غير مصدق ملا يقرأ.
نحيفا متوسط الطول وجهه شاحب يملؤه النمش وشعره كان الشاب ً
قصير بني اللون.
ً
فصرخ الشاب بحزن قائال:
-هل ً
حقا ماتت سارة؟ أم أنها مجرد دعابة منها
ثم صرخ
-لكني ذهبت بنفس ي إلى بيتها اليوم وتأكدت من كل ش يء و بأنها ماتت.
ً
عال كاملجنون:
وصمت قليال وهو ينظر إلى صورتها .وبعدها صرخ بصوت ٍ
-ماتت سارة ولكن ملاذا لم تدعني أرها قبل أن ترحل؟ ملاذا لم تتركني
أودعها؟ ملاذا رحلت هكذا بدون أن تخبرني أي ش يء؟ ملاذا يا سارة
فعلت ذلك معي؟ ملاذا؟
كان يمسك الرسالة بيد وباليد األخرى صورتها .و يحدث الصورة
بحزن وغضب وعدم تصديق فلم يكن يصدق ً
أبدا أن ترحل سارة هكذا.
كيف وقد كان ينتظرها وينتظر عودتها ً
يوما إليه؟
نظر إلى صورتها بحسرة وهو يبكي مكمال:
109
حقا إن نفذت ما طلبت منى ستعودين لي يا حبيبتي؟ هل -هل ً
تستطيع الخالة نورا وزوجها إعادتك إلى الحياة مرة أخرى يا حبيبتي
بالفودو؟
كثيرا غير مصدق ما حدث ،فلم يشعر بأي ش يء ظل ينظر إلى صورتها ً
من حوله و ال بباب الغرفة وهو يفتح ببطء ممن خلفه .و ال بتلك
الخطوات البطيئة التي كانت تقترب منه ببطء شديد وحذر كبير .و كأنها
ال تريد أن تقاطعه وال أن تجعله يشعر بوجودها أو بخطواتها من خلفه.
لقد كان منفعال ومثارا وال يستطيع رؤية أي ش يء من حوله .فحواسه
كلها مثارة والحزن والكآبة وعدم التصديق تمأل نفسه .فلم يشعر بش يء
من حوله وال بتلك الخطوات من خلفه .وهى تقترب منه بإصرار عجيب
وحزن شديد .و لكن الضوء الخافت الذي كان يجلس فيه جعله .يرى ظل
يديها السوداء ،وهي تحاول أن تمسك برأسه من الخلف .و امتدت الذراع
أمامه طويلة تحاول أن تمسك برأسه بقوة.
وهنا مألت رائحة عطر الياسمين املميزة الغرفة.
فشهق ساهر برعب:
-سااااااااااااااااارة.
و هنا التفت بقوة خلفه ليراها أمامه تقف و تبتسم بحزن فصرخ بفزع
ً
مرددا اسمها من جديد و رائحة عطرها املميز تمأل املكان من حوله
✦✦✦
110
في منزل رهام
كانت رهام تشعر بالرعب والتوتر وكاد قلبها أن يتوقف من شدة
انفعالها وهي تشعر بالبرودة تسري في أوصالها ورائحة الياسمين املميز
تمأل الغرفة.
فقالت بصوت مهزوز بالكاد يخرج من بين شفتيها تنادي على صديقتها
أيرين بالغرفة األخرى لتساعدها في إسعاف صديقتهم مريم التي سقطت
فاقدة الوعي أمام باب الشقة.
و في تلك اللحظة سمعت صرخة أيرين العالية من الداخل و تسمرت
قدماها باألرض .وهنا وقفت حائرة.
ال تدري ماذا تفعل؟ وال كيف تتصرف؟
لقد كانت خائفة متوترة ورائحة الياسمين تشعرها بالغثيان .فذلك
العطر هو عطرها املفضل .نعم عطر صديقتها سارة .و تلك الرائحة املميزة
هي رائحتها التي طاملا كرهتها.
فوقفت ترتعد خوفا كالورقة وسط عاصفة هوجاء ال تدري كيف
تتصرف؟ و ال تعلم ماذا تفعل؟ فهي ال تستطيع حمل صديقتها مريم
بمفردها فهي حامل ،و تخاف على جنينها الذي حصلت عليه بعد عذاب.
فهي مازالت في بداية الشهر الرابع من الحمل ومريم ذات جسد بدين.
فوقفت مضطربة خائفة تشعر بالرعب والتوتر من كل ما يحدث
حولها .فخافت أن تذهب لترى ماذا حدث لصديقتها أيرين بالداخل.
111
فوقفت حائرة وتنظر برعب للغرفة ال تستطيع الدخول أو التقدم
خطوة واحدة.
و هنا أخذت تنادي على صديقتها مرة أخرى قائلة بتوتر:
-أيرين ماذا حدث ملاذا تصرخين؟ أرجوك أخبريني ماذا حدث هناك يا
أيرين؟
فلم تتلق أي إجابة من صديقتها.
فكررت رهام سؤالها بصوت مهزوز يملؤه الرعب والتوتر بالكاد يخرج
من بين شفتيها:
-أرجوك ردي علي يا أيرين أخبريني ماذا حدث معك؟
ً
مفتوحا فلم تشعر به وهو يدخل إلى داخل الشقة .فالباب كان
وصديقتها مريم ملقاة على األرض ال تستطيع حملها وتقف هي أمام باب
الغرفة األخرى مرعوبة تنادي على صديقتها األخرى بالداخل تستحثها أن
ترد عليها ،فلم تستطيع التقدم خطوة واحدة إلى داخل الغرفة.
ً
عال:
فنظر هو بغضب لكل هذه الفوض ى من حوله قائال بصوت ٍ
-ماذا حدث يا رهام؟ وما الذي يحدث هنا بالضبط؟
فصرخت مفزوعة عندما سمعت صوته وكاد يغش ى عليها ر ً
عبا .ثم
التفتت له بقوة وردت بارتياح على زوجها:
-عمر الحمد هلل أنك عدت إلى املنزل في الوقت املناسب.
112
ثم أسرعت وألقت نفسها بين ذراعيه وهي تبكي وتنتحب بقوة .فنظر
إليها زوجها بقلق ثم وضع يديه على رأسها يحاول تهدئتها .ثم قال منفعال:
-ماذا حدث يا رهام وملاذا تبكين يا حبيبتي؟
ً
و نظر إلى مريم على األرض ثم أكمل قائال:
-وماذا حدث لصديقتك؟
و هنا رفعت رهام رأسها عن كتف زوجها ونظرت إلى عيونه البنية و
لم تتكلم فلم تستطع أن تخبره بأي ش يء وعما حدث وعن الرسائل و عن
عفريت سارة خطيبته السابقة.
فردت عليه بتوتر قائلة وهي تبعد عينيها عنه خشية النظر إلى عيونه و
تقترب من صديقتها مريم امللقاة على األرض:
-ال أدرى يا عمر صدقني؟ ما حدث أن جرس الباب رن فذهبت لكي
أفتحه ألجد مريم تقف مرعوبة ولم تقل أي ش يء ثم سقطت فاقدة
الوعي أمامي و لم أستطع حملها أو إفاقتها وهنا سمعت صرخة أيرين
صديقتي األخرى من الداخل وكنت أحاول االطمئنان عليها ،فدخلت
أنت في الوقت املناسب.
وهنا حاولت رهام إسعاف صديقتها و محاولة إفاقتها بمساعدة زوجها
وفي تلك اللحظة خرجت أيرين من خلفهم من الغرفة وهي منكوشة الشعر
ممزقة الثياب وكانت تبكي بقهر.
113
و نظرت لهم برعب بعيون زائغة ،ثم ألقت نظرة سريعة على مريم التي
بدأت تستعيد وعيها وتحاول القيام من على األرض ثم أسرعت تغادر
الشقة.
و هنا نظرت لها رهام برعب ثم صرخت بتوتر قائلة:
-ماذا حدث يا أيرين ملاذا مالبسك ممزقة وملاذا تبكي؟ من فعل بكي
هذا؟
حاولت رهام أن تعرف منها ماذا حدث وملاذا مالبسها ممزقة؟ و هل
عفريت سارة هو من فعل ذلك؟
و لكنها خرجت مسرعة ولم تلتفت خلفها ً
أبدا و كأن شياطين الجحيم
تطاردها في الداخل ،و لم ترو ظمأ رهام بالرد عليها ،فسقطت على أقرب
كرس ي منهارة .وهي تستعيد صورة صديقتها أيرين في عقلها وتهمس لنفسها
برعب:
هل هي روح سارة وعفريتها هو من فعل ذلك؟
ً
و نظر الزوج بتعجب إلى زوجته .و صرخ في وجهها قائال:
-ماذا يحدث في بيتي يا رهام بالضبط أرجوك أن تخبريني الحقيقة
اآلن.
فردت الزوجة برعب:
-ال أدرى ماذا حدث يا عمر صدقني.
وانفجرت بالبكاء الهستيري و النحيب بعنف.
114
ً
متعجبا إلى زوجته ال يدري ماذا يقول لها. ونظر الزوج
وفي تلك اللحظة كانت مريم قد استفاقت من ثواني و رأت ما حدث
وشاهدت أيرين وهي تخرج من الغرفة ممزقة الثياب.
و هنا صرخت مريم برعب ونظرت لهم بعيون زائغة مرعوبة ثم قالت:
ً
جميعا يا رهام. -إنها سارة لقد عادت لتنتقم منا
ثم أسرعت تغادر الشقة وهي تنظر إلى صديقتها برعب وعيون خائفة
مذعورة وتشعر بالبرودة تسري في أوصالها و رائحة عطر الياسمين تمأل
أنفها وتكتم أنفاسها.
شيئا ومن هي سارة؟ ومن أين عادتو هنا وقف عمر مذهوال ال يفهم ً
وملاذا ستنتقم؟ واألهم من كل ذلك ماذا يحدث في شقته بالضبط؟
وهل هي سارة خطيبته السابقة؟ أم أنها أخرى وتدعى سارة؟
كان الغضب يمأل نفسه والفضول يقتله ملعرفة الحقيقة وماذا حدث
في شقته؟
✦✦✦
115
الفصل السادس
طلبات محرمة
في تلك الحجرة املظلمة إال من شمعة صغيرة .التفت ساهر برعب
عندما رأى ظلها األسود خلفه يقترب ببطيء وحذر وهي تحاول أن تضع
يدها على رأسه.
ً
مناديا باسمها وهو يلتفت للخلف فصرخ بلهفة ممتزجة ببعض القلق
ً
قائال:
-سارة.
و هنا زفر بقوة وتنهد بألم عندما خاب ظنه فوجدها أمه هي من تقف
عند رأسه .تبتسم بحزن وتنظر له متعجبة من حاله.
فقالت األم بحزن متسائلة:
-ماذا حدث يا ساهر وملاذا تبكى يا بني .وتحبس نفسك بالغرفة منذ
الصباح ،لقد قلقت عليك ً
كثيرا يا ولدي.
فنظر ساهر إلى أمه بحزن شديد وعيون حمراء دامعة غير مصدق بأن
تكون هي أمه ،الحاجة عفاف ذات الجسد البدين و القدمين املنتفختين
من كثرة األمراض واليد التي تفوح منها رائحة البصل و الثوم من أثر
116
إعداد الطعام .لقد اعتقد أنها هي حبيبته سارة التي لم يعرف قلبه
حبيبية غيرها في هذا العالم .والتي هجرته منذ فترة طويلة ،و لم يعرف
شيئا إال اليوم فلقد جاءه خبرها كما يقولون وعرف بأنها ماتت عنها ً
اليوم وهو الذي كان يتمنى ً
يوما لقاءها.
فقال لنفسه هامسا وهو مازال ينظر إلى عيون أمه الحزينة على حالة.
ً
و تحاول معرفة سبب حزن ابنها الوحيد فهمس قائال:
"لكن مهال كيف تكون هذه أمي وليست هي لقد كان نفس ظلها نعم
ظل سا ة فأنا لن أنس ى مالمحها ً
أبدا مهما طال الزمن و بعدت املسافة ر
ً
بيننا وإن نسيت صورتها فلن أنس ى رائحة عطرها املفضل أبدا"
فنظر ألمه برعب و نظرت إليه أمه بقلق قائلة بمرارة وهي تحتضن
رأسه بقوة:
-ما بك يا ساهر وماذا حدث يا ولدي أرجوك أخبرني ليطمئن قلبي
عليك يا ولدي .فأنا لن أتحمل كل هذا الحزن في عينيك ً
أبدا.
ً
و هنا نظر إليها طويال بفزع ولم يرد عليها ساهر .بل أخذ يبكي بقهر
على فقدان حبيبته سارة غير مصدق.
وهنا نظرت األم بعدم ارتياح إلي ابنها بعد أن فهمت كل ش يء ثم قالت
بقلق:
-هل هناك أخبار عنها يا ساهر؟
فنظر لها بحسرة وهو يعلم ً
جيدا بأنها تقصد سارة فمن غيرها.
117
ً
و أجاب بحسرة قائال من بين دموعه:
-لقد ماتت يا أمي اليوم.
ً
وكرر كالمه بحزن وحرقة قائال بلوعة:
-ماتت سارة اليوم ولم تعرف الحقيقة ً
يوما ،يا أمي هل تصدقين؟
فنظرت له األم بحزن والدموع تمأل عينيها قائلة من بين دموعها غير
مصدقة:
-ماتت سارة ،كيف يا ولدي ماتت ومتى؟
فنظر إليها بحزن وهو يبكي بحرقة:
-ال يهم يا أمي كيف أو متى ماتت سارة املهم النهاية وأنها رحلت عن
عاملنا لألبد ماتت سارة ولن أراها ثانية ،لن أخبرها حقيقة مشاعري.
وأجهش بالبكاء الحار والنحيب كاألطفال ،فضمته أمه إلى صدرها
وهي تحاول تهدئته قائلة بحنان ممتزج بالحزن:
ً
جميعا املوت ً
جميعا فمصيرنا -البقاء هلل يا ولدي هذه هي نهايتنا
فهذه سنة الحياة وقضاء هللا وقدرة والبد من أن نرض ى و نحمد هللا
على كل ش يء فليس بيدينا ش يء نفعله لها اآلن سوى الدعاء لها
بالرحمة وألهلها بالصبر والسلوان
ً
فرد عليها قائال بحزن وقلبه يتمزق من شدة األلم:
118
-و لكنها ماتت دون أن تعلم الحقيقة يا أمي وأن ما حدث كان مزحة
ً
ومقلبا.
ً
و صمت قليال ليلتقط أنفاسه ثم أكمل:
-ماتت مقهورة فلم تعطني الفرصة ألشرح لها كل ش يء و أخبرها بأنها
لم تكن ا ملخطئة ولم تفعل أي ش يء لم تعطني الفرصة ألخبرها بأنني
أحبها ً
كثيرا ولن أستطيع الحياة بدونها يا أمي هل تفهمين ذلك.
فردت عليه األم بحسرة على تلك الفتاة البريئة التي كانت تحبها بشدة
قائلة:
-ال يهم يا ولدي اآلن فلقد رحلت وهذا خير لها صدقني.
و نظرت إلى عيونه الدا معة ثم أكملت حديثها قائلة:
-لقد ارتاحت اآلن يا ساهر صد قني ارتاحت من هذا العالم القاس ي
الذي ال يرحم ً
أبدا وذهبت ملكان أفضل يا ولدي من عاملنا بكثير.
فرد عليها ساهر بحيرة وعيون زائغة:
-من قال لكي يا أمي بأنها ارتاحت اآلن؟ من قال لكي بأن روحها
ارتاحت بعد موتها؟ وهي لم تنتقم بعد
ثم نظر إلى أمه ً
كثيرا ثم تساءل بانفعال:
-هل من املمكن أن تعود روحها بعد املوت يا أمي .لتنتقم مرة أخرى
ممن ظلمها يا أمي؟
119
فردت عليه األم بحيرة:
-ماذا تقول يا ولدي كيف ستعود روحها بعد أن فارقت جسدها؟
فهذا الكالم غير صحيح ً
أبدا ،فهي لم تمت مقتولة أو معذبة .لقد
ماتت في هدوء على فراشها.
ً
فرد عليها ساهر قائال:
-و لكنها ستعود ً
يوما أنا أثق في ذلك ولقد أخبرتني بذلك.
ثم نظر إلى أمه بقوة وبعيون مفتوحة زائغة والزبد يتطاير من فمه.
و كرر مرددا بصوت جهوري عميق وكأنه يأتي من بئر سحيق:
-ستعود سارة يا أمي ستعود ً
يوما بمساعدة بكورز الفودو لتنتقم من
الجميع صدقيني
و هنا نظر إلى أمه بقوة ثم ضحك بعنف وأكمل حديثه:
-والبد من مساعدتها على العودة من جديد البد من تنفيذ طلباتها
قبل أن تتحلل الجثة ويخرج الدود من أنفها يا أمي.
ً
مسرعا تاركا أمه خلفه تشعر بغصة في حلقها و ألم وخرج من الغرفة
في معدتها من نظرة ابنها وعيونه املخيفة التي تتحرك باستمرار و كلماته
غير املفهومة ولم تنطق بحرف واحد ،بل ظلت تنظر إلى باب الغرفة برعب
إلى أن اختفى ابنها من أمام عينيها فوقفت حائرة ال تدري ماذا تفعل؟
فتلك النظرة الحادة والعيون الزائغة والكلمات غير املفهومة ،كل ذلك
ذكرها باملاض ي البعيد .وما حدث منذ زمن.
120
و تلك األيام التي ال تتمنى عودتها ً
أبدا مرة أخرى.
فقالت بحسرة متأملة وهي تبكي:
-أرجو أن يخيب ظني يا ربي وتكون بخير يا ولدي.
ثم أكملت بقهر من بين دموعها املنهمرة كالشالل:
-البد من االتصال بالطبيب حسام و استشارته فحالته غير مطمئنة
ً
أبدا وأخش ى أن تعود تلك األيام.
و هنا تذكرت ما حدث منذ فترة ليست بالبعيدة وانفجرت في البكاء
الحار .و هي تتمنى أن يخيب ظنها ويكون ابنها بخير.
و كل ما تراه مجرد أوهام وليس لها أي عالقة بما جال بخاطرها.
✦✦✦
خرج ساهر م ن املنزل وهو يبكي بقهر على فقدان حبيبته ورفيقة دربه.
سارة .فهي الوحيدة التي كانت تفهمه وتشعر بوجوده في هذا العالم.
فكانت سارة صديقة طفولته منذ أن كان طفال ال يتجاوز عمره
العامين فلقد كانت جارته ،تسكن عائلتها في الشقة املقابلة لهم بنفس
البناية .و كانت والدتها صديقة مقربة ألمة ويتبادالن الزيارات بين الوقت
واآلخر .و كانت سارة زميلته بالروضة ثم دخال معا نفس املدرسة.
و كان حبه لها يزيد ً
يوما بعد اآلخر ولكنه لم يستطع إخبارها بش يء.
121
فكانت هي صديقته وزميلته وأخته وكل ش يء ولم يكن له أي أصدقاء
أو زمالء في الحياة غيرها ولم يكن يرى أحدا في الكون غيرها أمامه إلى أن
ماتت أمها .و هي في املرحلة الثانوية وانتقل األب للسكن ً
بعيدا عن شقته.
فلم يستطع العيش في املنزل وحيدا بعد رحيل زوجته.
و هنا انهار ساهر وهو يتذكر تلك الفترة الكئيبة في حياته ،فترة رحيل
سارة من حياته وكيف لم يتحمل فراقها فأنهار وفقد الوعي .ثم فقد
الذاكرة لفترة من الزمن فقد خاللها ذاكرته وحياته .و ال يستطيع أن
يتذكر عن تلك الفترة أي ش يء .عام كامل ال يتذكر منه أي ش يء إلى أن
استعاد ذاك رته فوجد نفسه في أحد املستشفيات ،ومع الجلسات والعالج
املكثف استطاع ساهر إكمال حياته والتغلب على صدمته بفقد حبيبته
وصديقته الوحيدة.
ونجح في الثانوية العامة وقام بااللتحاق بالجامعة وكانت املفاجئة
تنتظره هناك .لقد وجدها ثانية وبنفس الجامعة وبنفس القسم ،ولكنها
تسبقه بعام .نعم هي حبيبته سارة ومن غيرها يستطيع تغيير حياته.
و لكنها كانت مختلفة ولم تكن كما كانت دائما ،فلم تكن هي سارة
أبدا لقد اختلفت ً
كثيرا وتغيرت ،و كان هو حبيبته و صديقته السابقة ً
وحيدا بعالم غريب عليه ال يعرف عنه ً
شيئا ولم يستطع تكوين صداقات
جديدة بذلك العالم املفتوح.
فكانت سارة هي دليله بالجامعة .و هي من تخبره وتعرفه بكل ش يء من
حوله .و كان هو سعيدا بذلك .فأخيرا وجدها ثانية ولم يالحظ أو ينتبه
122
ملعاملتها القاسية له ،فلقد كانت تعامله كالعامل والخادم لديها ال
كصديق وفي وحبيب سعيد برؤية حبيبته بعد فترة اشتياق وطول انتظار.
فقد كانت ترسله لجميع مشاويرها ليشتري لها ما تريد أو تسخر منه
أمام صديقاتها وتقوم بعمل املقالب املضحكة ليسخرن منه ويضحكن
من قلوبهن ،لقد عاملته سارة كخادم مطيع لديها ال يحق له رفض أي
مطلب لها .ويجب عليه تنفيذ جميع طلباتها وكان هو يفعل كل ش يء بحب
إلى أن أكملت هي سنين جامعتها األربع وغادرت الجامعة و حدث ما حدث.
في تلك الليلة الشؤم هناك .بعد أن خدعه األوغاد و هنا لم يستطع ساهر
أن يتذكر ما حدث في تلك الفترة.
ً
فصرخ بقوة وهو يردد كاملجنون قائال:
"سأنفذ مطالبك يا سارة حتى تعودي مرة أخرى فالبد أن أعترف لك
بكل ش يء و أخبرك بحبي وبعدها افعلي ما تشائين يا حبيبتي .فأنا أستحق
العقاب و لكن ُه ّن السبب صدقيني يا حبيبتي هن السبب والبد أن
يدفعن الثمن ً
غاليا".
ثم زفر بقوة وهو ينظر إلى الرسالة بين يديه ،ليتأكد مرة أخرى من
الطلبات التي طلبتها سارة منه.
مسرعا ليحضر الطلب األول.ً ثم اتجه
و هنا ذهب ساهر في طريقة إلى املشرحة.
ليحضر بعض الطلبات املحرمة .ومن أين سيحصل على طلبات
محرمة غير ثالجة حفظ املوتى .فأنت غريب إن اعتقدت غير ذلك.
✦✦✦
123
و في منزل رهام وقف الزوج ينظر بدهشة وغضب إلى زوجته ،و كانت
األخيرة تبكى أمامه بانهيار .فقال عمر غاضبا وهو يحدق بعيون زوجته:
-أريد أن أفهم ما يحدث هنا لو سمحت؟ و من هي سارة التي عادت
لتنتقم؟
وهنا نظرت رهام إلى زوجها .ثم قالت بانهيار من بين دموعها:
-ليس هذا الوقت مناسبا اآلن يا عمر .أرجوك دعني أستريح
وسأخبرك بكل ش يء غدا وأمسكت ببطنها بألم
ثم أكملت حديثها قائلة:
-فأنا أشعر بالتعب الشديد ،وأريد أن أستريح اآلن من فضلك .فال
تضغط علي أكثر من ذلك فأنا لن أحتمل.
وهنا قاطعها ثائرا وهو يقول صارخا:
ً -
غد ا هل تتخيلين بأنني سأنتظر إلى الغد ألعرف ما يحدث في منزلي؟
أريد أن أعرف كل ش يء اآلن وال أريد الكذب فأنت تعلمين بأنني أكره
الكذب والخداع.
فنظرت له زوجته برعب ثم غادرت الغرفة مسرعة وطلبت منه أن
يتركها و شأنها لتستريح .فلقد كانت رأسها مشغولة وتريد أن تجلس
بمفردها .لتفكر فيما حدث وتستوعب ما يحدث حولها و تفكر ماذا حدث
لصديقتها أيرين بداخل الغرفة و من الذي مزق مالبسها هكذا؟ هل هي
حقا روح سارة عادت لتنتقم؟ هل عفريت سارة هو من فعل ذلك؟ً
124
و هل مازال العفريت موجودا بالغرفة األخرى؟
و عندما جال هذا الخاطر في عقلها صرخت برعب وهى تتخيل روح
وعفريت سارة معها بنفس الشقة تحاول قتلها هي وابنها الذي لم ير نور
الحياة بعد وهنا سمع الزو ج صرختها واقترب منها محاوال تهدأتها و معرفة
سبب خوفها وف زعها ولكنها صرخت في وجهه ثائرة ،و صممت على ترك
املنزل .والذهاب ملنزل أسرتها بحلوان لقضاء بعض األيام حتى تستريح
أعصابها وتتحسن صحتها.
فلم يستطع الزوج الرفض أمام إصرارها الغريب و حالة الهلع الشديد
التي أصابتها خوفا على صحة الجنين الذي حصل عليه بعد طول انتظار
ً
و لكنه قال مهددا:
-سأتركك تفعلين ما تشائين يا رهام وسأتركك تذهبين ملنزل أسرتك و
لكني لن أتنازل عن معرفة الحقيقة ،مهما كانت هل تفهمين؟
فنظرت له بعيون مذعورة ولم تنطق بكلمة واحدة بل ظلت تنظر إليه
وتتأمل جسده الرياض ي املمشوق و وجهه الوسيم وعيونه البنية وشعرة
األسود الناعم.
ثم قالت تهمس لنفسها:
-كل هذا بسببك أنت يا زوجي العزيز لو تعلم ما فعلته من أجلك
لكنت توجتني ملكة ،تنحني كل يوم لتقبل قدميها.
✦✦✦
125
وقف ساهر منتظرا في ذلك الشارع الضيق كريه الرائحة خلف
ً
منتظرا أن تغلق أبواب املشرحة أو تقل الحركة مشرحة حفظ املوتى
ً
قليال ليستطيع هو التسلل دون أن يراه أحد ملحاولة إحضار بعض طلبات
ً سارة الخاصة و تنفيذ أوامرها ولكنه لسوء حظه كان ً
يوما حافال.
فلم تتوقف سيارات اإلسعاف عن إحضار املوتى والجثث الغارقة
بدمائها.
ً
هامسا: وهنا زفر بقوة ثم قال
" ماذا حدث؟ وملاذا ال يغلقون أبواب املشرحة ويذهبوا ليناموا و
يقولون عذرا لقد اكتفينا اليوم؟"
ثم زفر بقوة وأكمل حديثة صارخا بغضب:
-إني أنتظر من فترة طويلة في هذا املكان الضيق كريه الرائحة.
ً وهنا وفي تلك اللحظة قذف بقدميه حج ًرا ً
كبيرا بعنف وغضب قائال:
ً
سريعا .فسارة لن "أال يخجلون من أنفسهم وينهون هذه املهزلة
كثيرا .أال يفهمون ذلك؟ و أين سيضعون كل تلك الجثث .هل تنتظرهم ً
سيأكلونها .أم سيبيعونها بالكيلو؟"
ثم وقف منتظرا بملل ينظر إلى تلك السيارات التي تنقل الجثث
واألشالء إلى داخل املشرحة العشرات من الجثث.
ال يدري من أين تأتي تلك السيارات محملة بكل هؤالء املوتى والجثث
املمزقة؟
126
ً
متعجبا: و تساءل بينه وبين نفسه
"هل كل هؤالء ضحايا حادثة كبرى؟ هل انهار عليهم العقار وسقط
فوق رؤوسهم؟ و لكن هناك بعض الجثث املتفحمة ،فهل احترقت بهم
البناية؟"
ً ثم تلفت ً
يمينا ويسا ًرا وخفض صوته وهمس قائال:
"وربما كانوا بمظاهرة من يدري؟ ف كل ش يء جائز في هذا البلد .ال يهم
سبب موتهم اآلن املهم هي النهاية وبأنهم ماتوا و انتهوا وارتاحوا من هذا
العالم الغادر".
ً ً ً
منتظرا بملل أن يهدأ املكان وتخف األرجل قليال عن صامتا ثم وقف
املشرحة فيجد هو الفرصة للحصول على غايته.
وفي تلك اللحظة أخرج الرسالة من جيبه وأخذ يقرأ الطلبات مرة
أخرى ليتأكد من كل ش يء.
ثم وقف منتظرا بملل ساعة الصفر.
✦✦✦
127
الفصل السابع
سارة
128
و تتميز بشعر أسود ناع م كثيف طويل يصل إلى أسفل ركبتها ،كانت
نحيفة جدا وتشبه الهنديات في جمالها الشرقي ،ولكنها ذبلت ً
كثيرا وقل
وزنها في آخر أيامها وقبل موتها بفترة ،وأصيبت بانهيار عصبي حاد
وأصبحت تهلوس كثرا وتتخيل األشياء وأن هناك من يطاردها ويريد قتلها.
وعندما سألها األطباء قالت بأنه بائع التذكرة أصبحت تخاف من كل
ش يء ،من الظالم ومن الناس وبعد أن بدأت تتعافى وتستجيب للعالج
وأصبحت حالتها مطمئنة ومستقرة وبشره األطباء باقتراب شفائها ولكنهم
كثيرا وحرص على أال يزعجها أحدحذروه من انفعالها الزائد ،ولقد فرح ً
ولكنه ال يعلم ماذا حدث من جديد ،وملاذا انتكست حالتها.
فلقد هاجمها املرض بضراوة ولم تستطع الدفاع عن نفسها.
لقد احتار األطباء في مرضها ً
كثيرا فأعضاؤها سليمة ولم تعد تذكر
بائع التذكرة وال مالحقته لها ومحاولته لقتلها ولكن نفسها محطمة.
فأجمع األطباء بان ما عندها مجرد حالة نفسية مؤقتة نظرا لتعرضها
لضغط عصبي شديد ،حاله مؤقتة ستنتهي وستعود إلى طبيعتها ً
يوما ما.
وانتظر األب ذلك اليوم بفارغ الصبر و لكنه لم يأت ً
أبدا ،وبدال من أن
يسمع خبر شفائها فوجئ األب بموتها أمام عينيه.
و تساءل األب بحزن وهو يحدث صورتها:
-ماذا حدث لك يا ابنتي ومن الذي كسر نفسك وجعلك تموتين
مريضه مقهورة ومحطمة النفس؟
129
و هنا رفع األب وسادتها إلى شفتيه وقبلها بحرقة وهو يحتضنها بقوة و
يشم رائحة عطرها املفضل ،عطر الياسمين بالوسادة؟
ثم قال بحزن وهو يحتضن الوسادة بين يديه و مازال ينظر إلى صورة
ابنته على الجدار وهي تبتسم:
" هذه وسادتك املفضلة يا حبيبتي ،كنت ال تستطيعين النوم بدونها
فكيف ستنامين بقبرك اآلن بدونها؟"
وأخذ يبكي بحرقة وهو يحتضن الوسادة بقوة ويشم رائحة عطر ابنته
فيها رائحة الياسمين التي مازالت الرائحة موجودة بالوسادة التي تركتها
منذ ساعات و رحلت هي إلى قبرها بدون رجعة وتركتها خلفها ،وهنا شعر
ً
مسرعا بتمزيق بش يء ما تحت أنامله كما لو كانت ورقة فقام األب
الوسادة وإخراج ما بداخلها ،فكانت ورقة وردية قرمزية اللون من دفتر
رسائل ابنته املفضل.
و كانت مفاجئة مدهشة إنها رسالة من ابنته الراحلة سارة.
وهنا قام األب بتقريب الرسالة من أنفه ليشم رائحة ابنته املميزة.
رائحة عطر الياسمين التي تعشقها ابنته فصرخ األب بلهفة مناديا باسم
ابنته بلوعة:
"سااااااااااااااااارة"
وبعدها قام ا ألب بفتح الرسالة بسرعة وبدأ يقرأ الرسالة بلهفة .و
شوق إلى خط ابنته متمنيا أن يراها أمامه .و يكون كل هذا مجرد كابوس
بشع ويستيقظ منه في أي لحظة.
130
وهنا تحولت مالمحه إلى الفزع والخوف ،ثم شعر األب باأللم يعتصر
صدره ،وكأن هناك من طعنه بخنجر حاد في قلبه.
و ظل ينظر إلى تلك الرسالة وإلى تلك الكلمات والكلمات برعب وهلع
بالرسالة من ابنته غير مصدق ما يرى أمامه.
ً
و هنا صرخ برعب مناديا باسم ابنته قائال بألم:
"ساااااااااارة ماذا فعلت بنفسك يا حبيبتي؟"
لم يتمالك األب نفسه أكثر من ذلك فانهار وسقط فاقد الوعي على
فراش ابنته فلم يتحمل األب ً
أبدا ما كتبته ابنته بالرسالة.
✦✦✦
كان ساهر يقف منتظرا الفرج أمام ثالجة حفظ املوتى .واقتربت
الساعة من منتصف الليل عندما هدأت الحركة وأخيرا وبعد طول
انتظار قل عدد سيارات اإلسعاف التي تنقل املوتى والجثث املمزقة إلى
داخل املشرحة وأقفلت املشرحة أبوابها.
و لم يوجد هناك أحد سوى حارس أمن عجوز يقف أمام باب
كوبا من الشاي الساخن باستمتاع ،فمن الذي املشرحة و يحتس ى ً
سيحاول سرقة املكان حيث املوتى واألعضاء املمزقة والجثث كالتالل فلم
يكن هناك داعي لإلفراط في حراسة األموات أكثر من الالزم ،فهم لن
يحتاجوا إلى الحراسة اآلن.
131
فاألفضل االهتمام بحراسة األشياء الثمينة ،فهي األجدر باالهتمام
والرعاية.فمن سيفكر في سرقة جثة أو عضو ممزق من مشرحة.
غريب أنت ً
حقا يا أخي .إن اعتقدت بغير ذلك؟
وهنا تنهد ساهر بانفعال وهو ال يصدق وعيناه تلمعان بشدة وهمس
بفرح:
"أخيرا حانت لحظة الصفر"
ثم تسلل بهدوء إلى ذلك الشارع الضيق خلف املشرحة ورائحة العفن
و الفورمالين تمأل املكان لتعمي العيون.
و القطط السوداء تموء هنا وهناك وصوت ذلك الذئب يعوي من
بعيد.
ً
متعجبا وهو يبتسم بحماس: فقال ساهر
" ذئب يعوي ماذا حدث في هذه املدينة؟ وهل هناك ذئاب باملدينة؟"
فهز رأسه بعنف وهمس لنفسه:
"ربما كان كلبا شريدا يحاول أن يقلد الذئاب ،فما أكثر الكالب بهذه
املدينة الغريبة"
فوجدها مفتوحة كما كانت فحمد ربه:
" الحمد هلل يبدو أنهم نسوا إغالقها وتسلق النافذة املفتوحة".
132
و دخل إلى الغرفة املظلمة وهنا وقف دقيقة صامتا .ال يسمع إال
صوت أنفاسه املتالحقة وصدره يعلوا ويهبط ببطيء ،ليتأكد بأن كل ش يء
على ما يرام ولم يسمعه أحدهم أو شعر أحد بوجوده وهنا أشعل
البطارية الصغيرة بيده ،وحاول استكشاف املكان من حوله.
فكانت غرفة مكتب صغيرة وفيها بعض املقاعد وسرير صغير فهمس:
"يبدو أنها غرفة األطباء أو املمرضين ال أدري"
ثم ابتسم:
"ال يهم حتى إن كانت حجرة شياطين الجحيم ،املهم بأن أحدهم نس ي
إغالق هذه النافذة الصغيرة فاستطعت أنا الدخول إلى هنا"
واقترب بحذر شديد من باب الغرفة ،ثم وقف متصنتا أمام باب
الغرفة وعندما تأكد من خلو املكان بالخارج حاول هو التسلل خار ًجا
ولكنة توقف بسرعة عندما سمع صوت خطوات أقدام بطيئة تقترب من
عال منفعال يكاد يكون
باب الغرفة بحذر و صوت أحدهم يتحدث بصوت ٍ
ً
يصرخ قائال:
-أرجو أن تلتمس ي لي العذر يا زوجتي العزيزة فالعمل لم ينته منذ
الثالثة عصرا هنا وأنا أقف على قدمي و لم أجلس منذ فترة طويلة
وقد تجاوزت الساعة منتصف الليل .فلقد وقعت حادثة كبيرة
وهناك العشرات من الضحايا .و املوتى في كل مكان ،فانقالب
واحتراق قطار ليس باألمر الهين ً
أبدا عزيزتي
وأكمل الطبيب منفعال:
133
-أرجو أن تغلقي الخط من فضلك وسنتحدث عند عودتي إلى املنزل
ً
و هنا زفر الطبيب بقوة وهو يضع الهاتف في جيب معطفه قائال:
"يا للنساء وسخافتهن".
ثم وضع يده على مقبض الباب ليدخل الغرفة وينال قسطا من
عال
الراحة بعد هذا اليوم الطويل عندما سمع من ينادي عليه بصوت ٍ
ً
قائال:
-طبيب أمجد هناك املزيد من الجثث وصلت اآلن و نريد إمضاء
سيادتك باالستالم.
ً
وهنا زفر الطبيب بقوة قائال:
ً
-أال تتركونني أرتاح قليال .
ثم ترك مقبض الباب و ذهب خلف املمرض ليرى تلك الجثث
ً
عصرا الجديدة واألعضاء املمزقة التي حرمته من الراحة منذ الثالثة
فالحادثة بشعة والفاجعة كبيرة .و لكن ما ذنبه هو في كل ذلك .هل يخبره
أحد؟
و استغل ساهر الفرصة وارتدى أحد املعاطف البيضاء املعلقة خلف
ً
متجها إلى ثالجة حفظ املوتى و لكن الباب ثم خرج إلى خارج الغرفة
املفاجأة أوقفته ،فقبل أن يخطو إلى أي مكان تنهد بارتياح عندما رأى تلك
الجثث هنا وهناك في الطرقات و في كل مكان مرصوصة على األرض في
صفوف طويلة ومغطاة بورق الجرائد.
134
فقد امتألت الثالجات باملوتى ،فوضعوهم في أروقة املشرحة فليس
هناك ثالجات إضافية الستيعاب كل تلك األعداد وهنا تلفت ساهر ً
يمينا
ويسا ًرا.
ثم اقترب بحذر شديد من أقرب الجثث إلى قدميه .ثم قام بسحبها
بسرعة إلى داخل غرفة الطبيب و أغلق الباب خلفه وانتظر دقيقة صامتا
ال يتحرك وبعدها تنهد بارتياح ثم التفت إلى الجثة التي أحضرها من
ً
متأثرا بشدة فلقد كانت الجثة لشاب صغير لم يتجاوز الخارج .و نظر إليها
السادسة عشر من عمره.
فقال ساهر محدثا الجثة بحزن وتأثر شديد وعيون دامعة:
" أرجو أن تسامحني أيها الفتى وتلتمس لي العذر فأنا سآخذ بعض
األجزاء التي لن تضرك أو تفيدك في ش يء اآلن فأنت ميت ورحلت عن
كثيرا من هذه الدنيا القاسية صدقني ،و لن تستفيد عاملنا وارتحت ً
بأعضائك في ش يء بداخل القبر ،و لن تشعر بأي ألم صدقني و ثق بي هذا
ملصلحتك يا أخي بدل أن تتعفن أعضاؤك وتأكلها الديدان ،فاألفضل أن
تلتهمها سارة لتعود للحياة مرة أخرى .فالتمس لي العذر يا أخي فهذا من
أجل أن تعود حبيبتي مرة أخرى إلى الحياة .و صدقني لن أنس ى معروفك
ً
أبدا"
ونظ ر إلى عيون الفتى املفتوحة بنشوة ،ثم أخرج السكين الصغير من
جيب قميصه .ثم بدأ بالعمل ،وشق قميص الفتى إلى نصفين ثم غرز
السكين بقوة بصدر الفتى ليقسم القفص الصدري إلى نصفين واصال
بالسكين إلى الحجاب ا لحاجز ليقسم جسد الفتى إلى نصفين فخرجت
135
أحشاء الفتى وأمعائه خارج جسده و سالت الدماء الحمراء تجري على
األرض.
ً
شاعرا بالنشوة والسعادة و هو يستخرج بعض وهنا ابتسم ساهر
طلبات سارة املحرمة من داخل جسد الفتى املسكين.
و نحمد هللا بأن الفتى ال يشعر بأي ألم.
فما أجمل نعمة .عدم الشعور باأللم.
فكثير من األحياء يحسدون األموات عليها.
✦✦✦
✦✦✦
136
" نامی ،به صلح.
نامی از خواب بیدار نمى تنها زمانی که ماه کامل شده است نگاه.
نامی فرشته وتنفس پوست شما مانند ماهی.
آیا شما دهان خود را باز وشما حرکت می کند.
نامی خنک بدن از خارج کلوی.
قلب گرم از داخل.
ریزه اندام نامی در صلح است انتقام لنگ "
✦✦✦
ثم بعدها قامت بإشعال بعض الشموع السوداء اللون غريبة الشكل
و امللمس تشبه شمعة رمسيس الذي يبيعها محل عطارة في فرشوط
وتستخدم للتنقيب والبحث عن املقابر الفرعونية فيشتريها الرجل ويعطيها
للشيخ الضرير في بمهجورة ليدله على مكان باب املقبرة إنها شمعة باهظة
كثيرا ولكن كل شمعة كانت على هيئة كف الثمن كانت الشمعة تشبها ً
اليد الواحدة بخمس أصابع.
و كل إصبع مشتعل وتتراقص نيرانه الخضراء كلما تحركت نو ًرا ً
يمينا
و يسا ًرا حولها فكانت الشموع مرصوصة على شكل دائرة من الشموع
السوداء.
137
كانت الشموع مصنوعة من دهن األموات فتلك الشموع لم تنطفئ
ً
أبدا أو يقل وميضها لحظة واحدة ،بل تزداد توهجا واشتعاال كلما اقتربت
منها وحاولت ملسها.
و هنا وضعت نورا الدمية في املنتصف بين الشموع املتوهجة و ازداد
ارتفاع النيران الخضراء وتوهجها.
و ظلت هي تردد ببعض الكلمات باللغة الفارسية وإن كنت ال تعرف
فالفرس هم أول من استخدموا السحر واستعانوا بالجن.
✦✦✦
✦✦✦
138
نامي يا صغيرتي في سالم.
نامي فال تستيقظي إال حينما يكتمل القمر في عاله.
نامي كاملالك وتنفس ي من جلدك كاألسماك.
ال تفتحي فمك وال تتحركي.
نامي كاألفاعي باردة الجسد من الخارج.
دافئة القلب من الداخل.
نامي صغيرتي في سالم فقد اقترب موعد االنتقام.
✦✦✦
139
فالجميع كانوا يخشون تلك املرأة ويهابونها بشدة كاملوت وكأنها
الشيطان نفسه وال يريدون أن يغضبوها ً
أبدا أو يتورطوا معها في ش يء.
ً
سريعا وال يريدون فقد أتوا ألداء الواجب والترحيب ،ثم الرحيل
معرفة ش يء عن تلك املرأة ً
أبدا.
فهم يعرفون بأنها ساحرة وتمارس السحر األسود هي وزوجها في بلدها
التي تعيش فيه في إحدى جزر الكا يبي .و ال يريدون التورط معها ً
أبدا أو ر
االحتكاك بها في ش يء.
فهم أصال ال يعرفون ما هو الكاريبي وهل توجد فعال بلد بهذا االسم أم
أنها تخترع االسم وتعيش عند الشيطان ال يهم.
فهم ال يعرفون وظيفتها كب كورز للفودو في جزر الهايتي وكانت تعمل مع
الحكومة هي وزوجها ضد املعارضين للسلطة كانت تحولهم إلى زومبي
وتجعلهم خاضعين لسيطرتها ويفعلون ما تأمرهم به الحكومة فهذه هي
ً
الديمقراطية يا أخي ولكنها اختلفت مع الحكومة قليال فغضبت عليها
ورحلت هي وزوجها إلى جزر األنتيل لتعيش بالكاريبي وتكمل ما بدأت هي
وزوجها.
ظلت نورا تردد بعض الكلمات غير املفهومة و ترفع يدها وتخفضها
بعنف ،فكانت تبدو كمجانين السيدة زينب بشعرها الثائر على كتفيها
والثياب الغريبة التي ترتديها وتلك الحلي الكثيرة التي تتدلى منها.
ففي يديها تلك األساور التي تشبه أساور رجال الشرطة ،و ذلك العقد
برقبتها الذي ينتهي بجمجمة سوداء كجمجمة طفل رضيع.
140
عال ورائحة البخور تمتزج
فكانت تتلو بعض الكلمات الغريبة بصوت ٍ
مع رائحة الياسمين وتمأل الغرفة.
و هنا وفي تلك اللحظة فتح باب الغرفة بقوة و دخل رجل كبير بالسن
يبدو بالعقد الخامس من عمرة يمأل الشعر األبيض رأسه و التجاعيد
الكثيرة وجهه ويديه وترتسم مالمح الحزن على قسمات وجهه وعيونه
حمراء من أثر البكاء ويبدو ثائرا.
فقال الرجل منفعال بغضب:
-ماذا فعلت البنتي سارة يا نورا ماذا حدث لها أيتها؟
و لم يكمل جملته عندما التفتت له نورا بغضب شديد وعيون حمراء
تتراقص النيران املشتعلة بداخلها ملقاطعته لطقوسها الخاصة التي كانت
تؤديها.
فردت عليه بصوت قوي متحديا قائلة:
-ماذا تقصد يا زوج أختي الراحلة؟ فماذا فعلت أنا بسارة الغالية؟
فرد مسعد:
-إني أسألك عن ابنتي سارة ماذا فعلت لها؟
ً
و صرخ بغضب وهو ينظر لتلك الشموع السوداء كريهة الرائحة قائال:
-ماذا تريدين أن تفعلي بالضبط؟ أتمارسين السحر األسود على جسد
ابنتي الراحلة ،أال تتقين هللا وتخافينه ً
أبدا أيتها املرأة ،ملاذا ال تتركيها
ترحل بسالم؟
141
فنظرت له نورا بالمباالة ثم قالت بهدوء شديد:
-أنت ال تفهم ً
شيئا يا مسعد صدقني ،إني أحاول مساعدتها فقط ثق
بي وصدقني.
ً
و هنا رد عليها األب صارخا وهو يرفع بورقة في وجهها قائال:
-و من طلب منك املساعدة أيتها الساحرة .أرجو أن تخبريني ما هذا
بالضبط؟ وما تلك الرسالة منها رحمها هللا.
فنظرت له نورا متعجبة وردت عليه بتوتر:
-عن أي رسالة تتحدث يا مسعد
وهنا اختطفت الورقة بعنف من بين أصابعه و قرأت ما فيها بسرعة ثم
زفرت بقوة وقالت بغضب هامسة:
-لقد تسرعت ً
كثيرا يا سارة ملاذا فعلت ذلك اآلن يا ابنتي؟ فلم يحن
األوان بعد إلخبار أحدهم
وهنا قاطعها األب ثائرا:
-أرجو أن تخبريني الحقيقة اآلن يا نورا .و ماذا حدث البنتي سارة؟ وما
سبب موتها؟
ظلت نورا تنظر إليه ولم ترد عليه مما أثار حنقه فصرخ غاضبا في
وجهها:
142
-هل أنت من قتلها يا نورا هل مارست عليها سحرك األسود
فماتت؟أخبريني الحقيقة باهلل عليك حتى أستريح .ملاذا فعلت ذلك
بابنتي الوحيدة؟
بتحد وغضب وعيون ثائرة ثم قالت بصوت
و هنا ظلت نورا تنظر له ٍ
عميق وكأنه يأتي من بئر سحيق:
-ملاذا فعلت ذلك اآلن؟ ملاذا دخلت غرفتها اآلن يا مسعد؟ ألم أحذرك
بعدم دخول غرفتها قبل أسبوع.
وصرخت غاضبة و هي تقول بعنف:
-ملاذا يا مسعد تصعب األمور؟
فنظر لها بعيون دامعة وهو يقول بحزن الدنيا وقلبه ينزف دما على
فقد ابنته:
-وهل تريدين أال أفعل؟
وانفجرت الدموع من مقلتيه وهو يردد
ً
أسبوعا حتى أدخل غرفة ابنتي الراحلة -هل تعتقدين بأنني سأصبر
وأجهش بالبكاء الحار.
ً
وبعدها أكمل حديثة قائال من بين دموعه:
-فهذا ما تبقى لي منها غرفتها ومالبسها فمازالت رائحتها تعطر الغرفة
هناك.
143
فقاطعته نورا ثائرة:
-أعرف يا مسعد ً
جيدا بأن رائحتها مازالت هناك بالغرفة لذلك طلبت
منك عدم دخول غرفتها قبل أن تزول الرائحة منها وأني أحذرك من
دخول غرفتها ثانية.
ً
متعجبا من كالمها الغريب ،ثم نظر لها وكأنه و هنا رد األب غاضبا و
ينظر ملعتوه في الشارع فقال:
-يبدو أنك جننت ً
حقا كما يقولون عنك يا نورا.
وزفر بقوة وهو يكمل:
-لم أكن أ يدك أن تدخلي بيتي ً
أبدا ولكنها كانت أمنية سارة رحمها ر
هللا في مرضها ولم أشأ أال أحقق لها ما تريد و هي طريحة الفراش في
أيامها األخيرة.
فنظرت له نورا برعب قائلة:
-وماذا تريد اآلن يا مسعد؟ أرجو أن تتركني أكمل ما بدأت و ترحل
اآلن من الغرفة وكانت تمسك بإحدى الدمى ذات الشعر األسود
الطويل.
فنظر األب إلى تلك الدمية برعب وظل ينظر وينظر بغضب فقد كانت
صورة طبق األصل من ابنته سارة ،فصرخ األب في وجهها وهو يحاول
جذب الدمية من بين أصابعها:
-ماذا تفعلين يا نورا بابنتي بحق السماء.
144
فعادت هي إلى الخلف خطوتين ثم رفعت بيديها املمسكة بالدمية
قائلة:
-إني أعيد إليك ابنتك ثانية يا أحمق ،ابتعد عني واخرج من هذه
الغرفة اآلن.
ً
فرد األب بحزن قائال:
-ماذا تقولين أيتها املجنونة؟ ما هذا الكفر باهلل .أعوذ باهلل من غضب
هللا ،أال تعرفين بأنه ال يستطيع أي كائن في هذا الكون إعادة الروح
إلى جسد فارقته الحياة إال هللا عز وجل فهو خالقها وهو من يقول
لها كن فتكون أال تؤمنين باهلل يا نورا قال تعالى في سورة يونس
اآلية " :56هو يحيي ويميت وإليه ترجعون"
فقاطعته بغضب:
شيئا يا مسعد ألم تسمع عن الزومبي املوتى األحياء -أنت ال تفهم ً
الذين ماتوا وتم إعادتهم إلى الحياة مرة أخرى؟
فقاطعها ثائرا بغضب:
-ما هذه التخاريف والكالم الفارغ أعوذ باهلل من الشيطان الرجيم.
هل زواجك من ذلك املشعوذ األجنبي وعيشك في بلد أجنبي جعلك
تنسين دينك وتكفرين باهلل الواحد القهار.
ً
ثم تنهد بقوة وأكمل حديثة قائال:
145
-هذا يكفي أرجو أن تغادري بيتي اآلن فليس لك مكان بيننا .وال أريد
املزيد من املصائب ،فيكفي مصيبتي في فقد سارة
ثم نظر إلى عينيها مكمال:
-عودي إلى البلد الذي تنتمين إليه ،فأنت غير مرحب بك هنا و مارس ي
سحرك األسود كما تشائين ،فلن يسألك أحد هناك ماذا تفعلين؟
فنظرت له بغضب شديد قائلة:
-هل تطردني من منزل أختي يا مسعد.
ً
فقاطعها قائال:
-أختك رحمها هللا ماتت من زمن وإن كانت هنا اآلن كانت هي من
طردك من منزلها.
وهنا ضحكت نورا بصوت عال ثم رفعت يديها ً
عاليا لتلقي ببعض ٍ
الرماد األسود على وجهه و هي تردد بعض الكلمات الغريبة التي لم يفهم
منها مسعد أي ش يء.
و لكنه صرخ متأملا ثم سقط على األرض فاقد الوعي تحت أقدام نورا.
ً
وهنا نظرت إليه طويال وهي تلقي باملزيد من الرماد على الجسد امللقى
على األرض تحت أقدامها قائلة:
"أنت من اخترت ذلك أرجو أن تنام بسالم إلى أن أتم مهمتي فلن
أتخلى عنها اآلن بعد أن تخلى عنها الجميع ،فأرجو أن تسامحني يا مسعد
146
فهذا من أجل سارة صد قني فسوف تعود إلى رشدك مرة أخرى عند
االنتهاء من كل ش يء وعند عودتها للحياة مرة أخرى"
و ضحكت بعنف وهي تكمل قائلة:
شيئا ولكنك ستشكرني ال ً
حقا عندما تراها "صدقني أنت ال تفهم ً
تعود إلى أحضانك مرة أخرى .صدقني يا مسعد فسارة ستحتاج إلى ذلك
الحضن ً
كثيرا عند عودتها من جديد".
عال وهي تمسك شمعتين وتضربهما ببعض بصوتو ضحكت بصوت ٍ
مدوي فاهتزت له باقي الشموع بشدة وازداد توهجها.
✦✦✦
147
الفصل الثامن
سرقة بالمشرحة
ً
عاد الطبيب أمجد منهكا يجر رجليه جرا إلى غرفته ،ليستريح بعد أن
قام بتشريح بعض الجثث واألشالء املمزقة وتسجيل بيانات الجثث
األخرى وإعطائها أر ً
قاما تمهيدا لتشريحها ومعرفة سبب الوفاة.
ً
لقد كان منهكا والعرق الغزير على جبينه يريد الراحة فاليوم كان شاقا
وعدد الجثث يفوق الخيال فلم تكفي الثالجات عدد الجثث فوضعوها
باملمرات.
كان املنظر بشعا ومقززا بطريقة تثير األعصاب و هو يمر عليها ويحاول
تفادي تلك الجثة على األرض أو تلك اليد املبتورة هناك.
لقد تم تعينه وعمله باملشرحة منذ أكثر من عشر سنوات و لم يشعر
يوما باالشمئزاز من املوتى و الجثث ً
أبدا كما شعر اآلن فلقد مر عليه الكثير ً
من الجثث والكثير املحروقة والغارقة في املاء لدرجة محو معاملها
واملطعونة واملسمومة و الكثير .الكثير من الجثث ولكن طريقة املوت
مختلفة .ولكنه اليوم شعر بالغثيان وألم في معدته من هول ما رأى من
أعضاء بشرية ممزقة.
148
فقال متنهدا بألم:
-أخيرا سأحصل على بعض الراحة وكوب من الشاي الساخن حتى
ً
تهدأ أعصابي وأسترخي قليال.
و اقترب من باب غرفته ً
ممنيا نفسه بالراحة وكوب الشاي الساخن
وهنا وجد الدماء تخرج من تحت باب الغرفة.
ً ً ً
مناديا أحد العاملين باملشرحة قائال بعنف: غاضبا فصرخ
-عباس هل جننت لتضع الجثث في مكتبي أيها الغبي؟
فنظر العامل إلى الدماء ورد عليه متوترا:
-ال يا سيدي إننا لم نضع أي جثث بالغرفة ،فالجثث الزائدة
ووضعناها باملمرات ولم يقترب أحد من الغرفة .صدقني
فنظر الطبيب غاضبا إلى العامل غير مصدق ما يقول وهو يفتح باب
ً
الغرفة قائال:
-و ما كل هذه الدماء التي تخرج من الغرفة؟ ملاذا ال تنظفون املكان
بضمير أيها ...
و لم يكمل جملته فلقد قطع كالمه وابتلع ما يريد قوله عندما وجدها
على األرض أمامه غارقة في دمائها تنادي عليه أن يرى ماذا فعلوا بها وهي
ال حول لها وال قوة.
ً
و هنا صرخ العامل فزعا وهو يردد قائال:
149
-ما هذا بحق السماء يا سيدي؟ ومن فعل ذلك بتلك الجثة؟
وهنا لم يرد عليه الطبيب ،بل اقترب الطبيب ببطء من تلك الجثة
ً
امللقاة على األرض قائال باشمئزاز:
-ماذا يحدث هنا بالضبط؟
وهنا أدرك الحقيقة امل ؤملة فتلك الجثة تمت سرقتها فلقد شق
أحدهم القفص الصدري بطريقة بشعة . .باستخدام آلة حادة ذات
أسنان مدببة وانتزع قلب الضحية ورئتيها و خرجت أمعاءها على األرض
بطريقة بشعة مقززة.
ً
غاضبا في وجه العامل من هذا املنظر املقزز: فصرخ الطبيب
-اتصل بالشرطة فو ًرا يا عباس يبدوا أن هذا اليوم لن ينتهي ً
أبدا.
ً
متعجبا: فرد العامل
-و ماذا سأقول لهم يا سيدي؟ لقد تم االعتداء على جثة؟ و من
يستطيع فعل ذلك بجثة ال حول لها وال قوة؟
فرد الطبيب متأثرا:
ً
مختال ً
عقليا ال -ال أدري يا عباس صدقني من فعل ذلك؟ و لكنه يبدو
يملك أي ضمير اتصل بالشرطة وقل لهم .لقد تمت سرقة إحدى جثثنا.
ثم وزفر بقوة مكمال:
150
-أسرع واتصل بالشرطة قبل أن يحضر أهل الجثة الستالمها فماذا
سنقول لهم عذ ًرا لقد تمت سرقت بعض األعضاء من جثة ابنكم ،يا
للمصيبة ألن أحصل على الراحة ً
أبدا اليوم.
وهنا ذهب العامل ليتصل بالشرطة و همس الطبيب وهو يضرب كفا
ً
بكف قائال:
ً
ومباحا. -كل ش يء في ذلك البلد أصبح ً
عاديا
فما أرخص اللحم البشري ليفعلوا به ما يشاءون.
✦✦✦
152
وهنا نظرت لها رهام برعب ورددت قائلة:
-صديقتي وأنفذ ما طلبته مني؟ صديقتي من؟ هل أخبرتك باسمها يا
أمي أرجوك أخبريني؟
فنظرت لها األم بقلق ثم ردت قائلة:
-نعم يا رهام إنها صديقتك القديمة سارة .لقد عرفتها من صوتها قبل
أن تخبرني هي بذلك .فسارة صوتها مميز جدا وال يمكن للمرء نسيانه
بسهولة .
و هنا نظرت لها ابنتها برعب ثم أجهشت بالبكاء وبعدها صرخت في
وجه أمها قائلة:
-هذا يكفي يا أمي ال أ يد أن أعرف ً
شيئا أرجوك اخرجي اآلن فأنا ر
أريد النوم من فضلك.
فنظرت لها األم بقلق و اقتربت منها ثم قالت بتوتر:
-ماذا حدث يا رهام وملاذا تبكين يا ابنتي؟
و لم ترد رهام عليها بكلمة واحدة ولكن كلمات أمها ظلت تتردد بأذنيها:
" إنها صديقتك القديمة سارة لقد عرفتها قبل أن تخبرني ،هي
باسمها فصوتها مميز جدا وال يمكن للمرء نسيانه بسهولة." .
و هنا صرخت رهام بعنف:
153
-قلت لك اخرجي يا أمي من فضلك من الغرفة فأنا أريد الراحة
ً
والنوم قليال أشعر بالتعب واإلجهاد.
فخرجت األم وهي تشعر بالقلق على ابنتها ،فهناك ش يء يحدث معها
والبد من معرفته وقالت هامسة:
"البد من سؤال سارة صديقتها ،يبدو أنها تعرف كل ش يء سأحاول
االتصال بها ،لعلها تخبرني الحقيقة".
✦✦✦
154
و زفر بقوة غاضبا عندما تذكر ذلك اليوم املشئوم الذي خانته فيه و
هجرته ورحلت بدون أن تقول له ً
شيئا أو ملاذا رحلت هكذا؟ و صرخ بألم
ً
قائال:
"ملاذا يا سارة فعلت ذلك معي؟ ملاذا هجرتني ورحلت بدون أن تقولي
ً
شيئا ؟ أال تعلمين بأني لم و لن أحب سواك في هذا الكون؟"
ً ً
غاضبا يحدث نفسه كمن فقد عقلة قائال: و صرخ
"ولكنك خنتني ورحلت بدون سبب ملاذا تعودين اآلن؟ و ماذا تريدين
من زوجتي وأم ابني يا سارة؟ لكم تمنيت أن يكون هذا الولد هو ابنك
أنت حبيبتي ولكنه قضاء هللا وقدره لقد حاولت ً
كثيرا أن أنساك لألبد
عدت فأنت من خدعتني ولكني فشلت.ماذا تريدين مني اآلن يا سارة ملاذا ِ
ورحلت".
ثم وقف في منتصف الغرفة يصرخ بغضب كاملجنون ويردد:
"أنت من خدعتني يا سا ة فال تستحقين ً
شيئا" ر
وهنا أخذ يتذكر خطيبته السابقة ويلف بالغرفة ويدور كاملجنون و هو
يتذكر سارة وأيامها الحلوة ويلومها على تركه والرحيل بدون أي سبب وفي
ً
تلك اللحظة مألت رائحة الياسمين الغرفة ،و تنهد قائال إنها رائحتها املميزة
عطر الياسمين
متمنيا دخولها من وراء الباب وهنا وجدها ً و نظر باتجاه باب الغرفة
على األرض هناك أمامه فنظر متعجباً.
155
ال ليست سارة كما تعتقدون .و ليست عين بشرية أو أحد األعضاء
املبتورة التي مازالت تنزف دما .أو حتى جثة سارة التي لم تتحلل بعد.
إنها رسالة وردية قرمزية اللون.
فهمس عمر بحيرة:
"من وضعها هناك؟"
واقترب منها ببطء فكانت داخل غالف أحمر قرمزي اللون تفوح منها
رائحة الياسمين املميزة تسألون من هي؟
إنها رسالة وردية اللون تفوح منها رائحة الياسمين املنعشة
واضحا نظر عمر بشوق وحنين إلى ذلك الغالف األحمر ً ظننت هذا
القرمزيفلقد كان كخطابات سارة له في املاض ي.
وما أجمل املاض ي فيا ليته يعود ً
يوما بأيامه الجميلة ولحظاته
السعيدة.
وهنا اقترب ببطء شديد والتقط الخطاب بين أنامله و قربة من أنفه
بهيام .وهمس:
"نعم رائحة الياسمين املميزة لحبيبته الراحلة وهنا تذكرها"
فقال منفعال:
"هذه ال رسالة منها وأنا متأكد من ذلك وأقسم عليه"
و تساءل حائرا:
156
"هل أفتح هذه الرسالة ألعرف ماذا تريد مني سارة؟ أم أحرقها وأنس ى
أني رأيتها من األساس؟ ال أدري ماذا أفعل؟"
ً
عال:
و نظر إلى الخطاب طويال ثم صرخ بصوت ٍ
" ماذا تريدين مني يا سارة اآلن؟ أنت من هجرتني ورحلت"
ً
هامسا وهو يحتضن الرسالة بقوة: وخفض صوته
"و لكني ما لت أحبك إلى اليوم ولن أنساك ً
أبدا حبيبتي". ز
وهنا فتح الرسالة
✦✦✦
157
الفصل التاسع
المكالمة الفاصلة
جلست مريم بغرفتها حزينة تبكي بقهر وتمسك برسالة سارة بين
أناملها بقوة كانت مذعورة خائفة مضطربة وتفكر فيما حدث.
و هل سارة ستعود ً
يوما لتنتقم منها ملا فعلت؟
فقالت تهمس لنفسها:
شيئا يا صديقتي"صدقيني يا سا ة لقد كانت مجرد دعابة ولم أقصد ً
ر
أبدا أو إهانتك ،ويكفي انتقام هللا مني وما عشته من عذاب مع زوجي ً
األول وبعدها زوجي الثاني من ضرب وإهانة .لقد انتقم هللا مني يا سارة ملا
فعلته معك".
و هنا صرخت ً
فزعا عندما رن جرس الهاتف بجوارها.
فقالت غاضبة:
"-من الذي يتصل في هذا الوقت املتأخر".
وهنا رفعت السماعة بعنف لتعرف من املتصل فكانت هي على
الطرف اآلخر.
158
ال ليست سارة .كما تظنون.
إنها سرينا أخت أيرين صديقتها وكانت ثائرة تبكي بقهر وتسأل عن
أيرين أختها .فهي لم تعد إلى املنزل حتى اآلن منذ أن ذهبت لزيارتها في
بيتها.
فقالت سرينا من بين دموعها:
-أين أختي يا مريم فهي لم تعد إلى املنزل منذ أن ذهبت ملقابلتكم أنت
ورهام أمس؟
فردت مريم برعب وهي تتذكر أيرين وهي تخرج من الغرفة بفزع و تبكي
بمالبسها املمزقة وتنتحب .فردت بصوت مهزوز:
-ال أعلم يا سرينا لقد رأيتها تغادر منزل رهام أمس وال أعرف أين
ذهبت صدقيني ولم تتصل بي أو تخبرني ً
شيئا من وقتها.
عال قائلة:
و هنا صرخت سرينا بصوت ٍ
-ماذا تقولين يا رهام وأين ذهبت أيرين أذن.
فردت مريم:
-صدقيني يا سرينا أنا ال أعلم عن أختك ً
شيئا .
وهنا قاطعتها سرينا بغضب:
-ماذا تقولين مريم؟ وملاذا تكذبين؟
159
-لقد أخبرتني سا ة بأنك تعرفين مكانها ً
جيدا أنت ورهام فلقد ذهبت ر
أيرين لرؤيتكم ولم تعد حتى اآلن ماذا فعلتن لها .و أين ذهبت أختي
الوحيدة؟
وهنا لم ترد مريم أو تنطق بحرف واحد مما أثار غضب سرينا وحنقها
فصرخت غاضبة وهي تقول بصوت ٍ
عال:
-ملاذا ال تخبريني أين أختي يا مريم؟ وماذا فعلت معها؟ إن لم تخبريني
بمكانها سأتصل بالشرطة وأخبرهم ما قالته سارة لي .فهي تعلم كل
ش يء.
وهنا لم تتحمل أعصاب مريم وشعرت بالتوتر عند سماعها هذا
االسم البغيض اسم سارة،
فردت مريم بفزع شديد قائلة:
-من أخبرك بأنني أعرف مكانها؟ فأنا لم أسمع ً
جيدا
فردت عليها سرينا بحدة:
-إنها سارة
وهنا صرخت مريم في أذنيها برعب وعدم تصديق:
-سارة هل قلت سارة يا سرينا؟
فقاطعتها سرينا بغضب قائلة:
-نعم سارة صديقتكن هي من أخبرتني لقد كانت معكن هناك يا.
160
وهنا لم تتحمل فقاطعتها مريم قائلة:
-افعلي ما تشائين يا سرينا ،فأنا ال اعرف طريق أختك.
ثم أغلقت الخط في وجهها بقوة و هي تنظر إلى األمام برعب وعيون
زائغة.
و تصرخ مرددة:
"سارة أخبرتها بذلك .ال .سامحيني يا سارة".
✦✦✦
162
فصرخت سرينا برعب مرددة:
" ماذا تقولين يا سارة؟ أختي محبوسة بغرفة مظلمة ماذا تقولين يا
سارة أرجوك .ال تغلقي الخط يا سارة ،نعم أنت هي فصوتك ال يمكن
للمرء نسيانه بسهولة ،أرجوك أخبريني الحقيقة أين أختي أيرين؟ "
و لكنها لم تتلق أي رد ووقفت سرينا غاضبة و هي تقول ٍ
بتحد:
"البد من إنقاذ أختي بأي ثمن و ليدفع املخطئ ثمن أخطائه سأذهب
إلى قسم الشرطة و ليحدث ما يحدث وليساعدني الرب"
✦✦✦
ً
متحفزا ال في إحدى الشوارع الضيقة كريهة الرائحة وقف ساهر
يتحرك أو يصدر منه أي صوت ،حتى صوت أنفاسه حاول كتمانه حتى ال
يخيفها فتهرب من أ مامه كان منتظرا اللحظة املناسبة ،لحظة الصفر
لينقض عليها بدون أن يشعر أحد باألمر.
لقد حاول ً
كثيرا أن يمسكها بهدوء ولكنها عنيدة وتشعر بوجوده فكلما
اقترب منها خطوة فرت هي هاربة من أمامه أكثر مختبئة خلف تالل
القمامة التي تمأل الشارع في كل مكان هنا وهناك فزفر بقوة وهو يجري
ً
مسرعا حتى كاد يسقط على وجهه متعثرا في القمامة فقال صارخا: خلفها
أبدا يا صغيرتي صدقيني .سآخذ "يا لك من لعينة أنا لن أقتلك ً
عينيك اليسرى فقط وبعض أظافرك فلماذا تهربين يا فتاة؟"
163
و لكنها فرت من أمامه هاربة وكأنها فهمت ما يريده منها .فأبت أن
ً
مفكرا و قال هامسا لنفسه: تعطيه ً
شيئا فوقف
" البد من اصطياد تلك اللعينة بأي ثمن فهذه آخر طلبات سارة العين
اليسرى لقطة سوداء وبعض األظافر املتسخة بالقمامة".
وقف ساهر ً
حائرا يفكر في كيفية اصطيادها ،فقد أحضر كل الطلبات
و لم يتبق إال هذان الطلبان فقال لنفسه غاضبا:
"ملاذا تصعبين األمور يا سارة؟ ملاذا عين قطة وأظافرها ،ملا لم تطلبي
عين بشرية وتسهلي األمور فالعيون البشرية كثيرة تمأل الشوارع فما أسهل
الحصول عليها بدون أي مجهود ولكن عين قطة تجري هنا وهناك .ال
أعلم ملاذا فعلت بي ذلك حبيبتي فأنت تصعبين األمور ً
كثيرا".
وهنا التقط إحدى األحجار الكبيرة من على األرض بغضب .قام بقذف
القطة وهو غاضب وبقوة .فأصابتها الحجرة في إحدى أرجلها الخلفية و
سقطت على األرض تئن وتتألم بشدة فاقترب هو منها .وهو يبتسم بانتصار
و كانت املسكينة تموء وتتألم .و قال مبتسما يحدثها وكأنها تفهمه:
" أخيرا هزمتك أيتها اللعينة وسأحصل على آخر طلبات سارة يا
صغيرة ،ال تخافي فلن تتألمي ً
كثيرا ،صدقيني يا فتاة".
وهنا أخرج السكين الصغير من جيب قميصه .و أمسك بالقطة التي
ازداد موائها ثم قام بقص أظافرها وأغلق فمها بقطعة قماش متسخة.و
شق اللحم حول عينيها وهو سعيد بمنظر الدماء التي مألت يديه.
و قال مبتسما:
164
"عذرا يا صغيرة ولكن هذا من أجل سارة .فأنت لن تحتاجي لعينيك
االثنتين ،فلتكتفي بواحدة حتى ال تري تلك التالل الكثيرة من القمامة"
عال وسالت الدماء الحمراء على األرض و نظر ساهر
وضحك بصوت ٍ
ً
إلى الدماء الحمراء قائال:
"نفس لون الدماء البشرية فما الفرق فكل ها دماء حمراء فالبشر
كالحيوانات ويحملون نفس الدماء"
ً
وكتم ساهر أنفاسه منفعال و لم يتبق إال صوت مواء املسكينة وهي
تتألم فقد حرمت من مأوى تعيش فيه وطعام نظيف تأكله و اآلن حرمت
من إحدى عينيها ولكن ال يهم فمن سيهتم.
✦✦✦
نقلت نورا جسد األب إلى غرفته وأغلقت الباب خلفها بهدوء وكأن
شيئا لم يحدث ثم ذهبت إلى غرفتها لتكمل طقوسها الخاصة وكأن ً
شيئا ً
لم يحدث.
وفي تلك اللحظة سمعت الدق على باب غرفتها فقالت بغضب:
-ماذا تريد يا أحمد اآلن؟
ً
فرد أحمد شقيق سارة األصغر وهو ينتحب قائال:
ً
-أريد أن أتحدث معك قليال يا خالتي إن سمحت لي بالدخول.
165
ً
و هنا رق قلبها قليال عندما سمعت صوته الحزين فهي بشر مثلنا و
تشعر وتحس فمازال قلبها ينبض بالحياة فردت عليه برقة قائلة:
-تفضل بالدخول يا فتى.
فدخل الصبي وهو مرتبك يجر قدميه جرا .و كان يبكي بشدة وينتحب
كان يشبه أمه ً
كثيرا فهو يحمل نفس عيونها البنية وشعرها البني املجعد
وبشرته السمراء فقال من بين دموعه:
-مساء الخير يا خالتي نورا.
فنظرت إليه برفق نظرا لحالته املزرية قائلة:
-ماذا تريد يا أحمد اآلن؟
ً
فرد قائال وهو يتجنب النظر إلى عيونها الواسعة:
حقا تستطيعين إيقاظ شقيقتي سارة من قبرها يا خالتي نورا -هل ً
وتعيديها إلينا مرة أخرى كالزومبي
فنظرت له نورا بعيونها الواسعة الشبيهة بالفنجان في وسعها وردت:
-من أخبرك ذلك الكالم أيها الصغير.
فرد أحمد مذعو ًرا وهو يرجع خطوتين إلى الخلف خوفا من نظرات
عيون خالته النارية:
-لقد سمعت حديثك مع أبي يا خالتي.
166
ً
منتظرا ً
منتظرا ردها وظل ينظر إليها و صمت ولم ينطق بحرف آخر
إجابتها و لكنها صمتت هي األخرى ولم ترد عليه.بل ظلت تنظر إلى عينيه
وكأنها تقرأ أفكاره و تريد أن تعرف ماذا يريد بعد ذلك هل سيعارضها كما
فعل والده؟
ً ً
فقال متوترا وهنا خرج صوته ضعيفا وابتعد قليال عنها قائال:
-أرجوك يا خال تي نورا أن تعيديها لي فأنا ليس لي أحد في هذا العالم
سواها ،هي من كانت تفهمني وتحبني.
و لم يعد يستطيع التحمل أكثر من ذلك فانفجرت الدموع من عينيته
ً
تسيل كالشالل ثم أكمل قائال:
-أتوسل إليك أن تعيديها مرة أخرى.
فنظرت نورا بإشفاق تأثرا بحالته وهنا ردت عليه قائلة:
-ال تقلق يا صغير سيكون كل ش يء بخير و ستعود سارة ً
يوما ال تقلق.
وثق بي يا بني ال تخف من ش يء .
ً
فرد عليها وهو يحاول االبتسام قائال:
-هل تعدينني بذلك يا خالتي نورا؟
فابتسمت برفق قائلة:
َ
وانس كل -أعدك يا أحمد أن أعيد إليك أختك .و اآلن غادر غرفتي
ش يء تحدثنا فيه هنا أيها الصبي .و ال تنطق بحرف واحد وال تتحدث
أبدا هل سمعتني ً
جيدا؟ مع أحد ً
167
ً
فرد الصبي وهو سعيد ال يصدق نفسه قائال:
-نعم فهمت كل ش يء ولن أخبر أحد ً
أبدا بش يء صدقيني و أعدك
بذلك.
و خرج من الغرفة وهو سعيد يكاد يطير من األرض ً
فرحا ال يصدق هل
ً
حقا ستعود سارة إليه ً
يوما.
من يدري؟
فكل ش يء أصبح ممكن الحدوث حتى املوتى لم يعودوا كما كانوا من
قبل.
✦✦✦
168
الفصل العاشر
الدعابة القاتلة
جلست رهام بغرفتها منهارة تبكي بقهر بعد حديثها مع والدتها ثم
أخرجت رسالة صديقتها الراحلة سارة وأخذت تعيد قراءتها من جديد
وهي تشعر بالرعب من كل ش يء حولها وأمسكت بطنها بقوة وهي تقول
هامسة محدثة من في رحمها:
أبدا أعدك بأنني سأحميك "ال تخف يا صغيري فلن يأخذك مني ش يء ً
ذهابا ً
وإيابا". من كل ش يء وبعدها أخذت تجوب الحجرة ً
169
"نعم ومن غيرها يريد أن ينتقم منا ويجعلنا نفقد صوابنا؟ فالبد من
أن نتحد ونتصرف بسرعة ونعطيها درسا ثانيا .حتى ال تكرر ما تفعله معنا
تلك اللعينة و ترحل بال عودة".
وفي تلك اللحظة انفتح باب غرفتها بقوة .و هنا شعرت بالرياح الباردة
تتسلل إليها .و ال تدري من أين تأتي تلك الرياح شديدة البرودة؟ فالطقس
مازال صيفا وأصبح املكان باردا كالثلج .و شعرت رهام بالتوتر والفزع.
عال حاولت أن تجعله يخرج طبيعيا قائلة:
فتساءلت بصوت ٍ
" من فتح الباب؟ هل أنت هناك يا أمي؟"
ً
طويال فلم َ
تتلق أي و انتظرت أن تتلقى أي إجابة ولكنها انتظرت
جواب أو تسمع أي صوت غير صوت صفير الرياح والبرودة الشديدة التي
تجمد األطراف وازداد صوت الرياح كالصفير في أذنيها فلم تستطع التحرك
من مكانها أو التقدم خطوة واحدة ،و ظلت ترتعد من البرد الشديد
والفزع وصدرها يعلو ويهبط ببطء و تسارعت دقات قلبها حتى كانت
تسمعها تدق كالطبول.
و خرجت الكلمات من بين شفتيها مهزوزة مرتجفة و هي تردد قائلة:
" من هناك من فتح الباب".
وفي تلك اللحظة رأتها بوضح تمر من أمام باب غرفتها مسرعة ،فتاة
ترتدي الثوب األبيض وذات شعر أسود طويل ،ولكنها لم تتبين مالمحها
ً
جيدا و أمتأل املكان برائحة الياسمين وصرخت رهام برعب قائلة:
"سااااااااارة"
170
و تسمرت قدماها في األرض من شدة التوتر واالنفعال .و لم تستطع
التحرك أو التقدم خطوة واحدة فوقفت ممسكة ببطنها وهي تنظر إلى
خارج الغرفة برعب إلى تلك الفتاة ذات الشعر األسود الطويل التي تقف
خارج باب الغرفة.
✦✦✦
ً
وشاكرا فضله بعد أن استطاع جمع كل ً
حامدا ربه تنهد ساهر بارتياح
الطلبات التي طلبتها منه سارة في رسالتها و نفذ جميع أوامرها بالحرف
الواحد.ثم قال مبتسما يحدث نفسه في زهو وعيونه تلمع بقوة:
" أخيرا سأراها ثانية"
ثم قام بوضع األشياء التي جمعها في أكياس سوداء كما طلبت منه في
ً
رسالتها وردد قائال بفخر:
ً
سريعا إلى الخالة "أخي را نفذت ما تريدين مني يا حبيبتي و سأذهب
نورا ونخرجك من قبرك قبل أن يخرج الدود من أنفك يا عزيزتي"
و هنا ضحك بقوة واهتز جسده من شدة االنفعال و أكمل بهيام:
" لقد اشتقت إليك ً
كثيرا وأتمنى رؤيتك اآلن حبيبتي".
ً
سريعا متجها إلى منزل حبيبته وخالتها الساحرة ثم خرج من غرفته
نورا و كانت تراقبه بقلق شديد من بعيد وتنتظر تلك اللحظة بفارغ
الصبرأن يخرج من الغرفة لتتكلم معه فاستوقفته األم قائلة:
171
-هل أنت خارج اآلن يا ساهر؟
ً
فرد بفتور وهو يتجه إلى باب الشقة ولم يلتفت إليها قائال:
ً
سريعا ولن أتأخر صدقيني. -نعم يا أمي سأعود
فردت األم بقلق وهي تنظر إلى تلك األكياس السوداء ويداه املتسختان
وامللطختان بالدماء فقالت برجاء:
-ال تخرج يا ولدي من فضلك ،فالطبيب ينتظرنا بالعيادة اآلن
و هنا نظر إليها مندهشا مما تقول ثم قال متسائال:
-الطبيب ينتظرنا! أي طبيب يا أمي؟ هل أنت مريضة وأنا ال أعرف.
ملاذا لم تخبريني باألمر يا أمي؟
فقاطعته أمه قائلة:
-ال يا ساهر لست أنا املريضة يا ولدي .فالطبيب حسام ينتظرك
بالعيادة اآلن.
ً
و هنا نظر إليها بغضب شديد قائال:
-ماذا تقولين الطبيب حسام ينتظرني اليوم؟ ملاذا؟ أنت تعرفين ً
جيدا
بأني أصبحت بخير اآلن .و ال أحتاج إليه أو إلى غيره ،ملاذا فعلت ذلك
يا أمي؟
فأجابت األم بحنان وهي تقترب من ابنها الثائر محاولة تهدئته قائلة:
172
-ال يا ولدي أنت مازلت تحتاج إلى العالج و بعض الجلسات ،لقد
اتصلت به ألستشيره .فأخبرني بضرورة حضورك اليوم الستكمال
العالج.
فرد عليها ً
ثائرا وهو يبعد يدها عن كتفة:
-ال يا أمي لن اذهب إلى أي طبيب ودعيني وشأني و ال تتدخلي في
أموري مرة أخرى .هل تفهمين؟
ثم نظر في ساعته فقال غاضبا:
-لقد تأخرت ً
كثيرا على موعدي ،البد أن أرحل اآلن
وهنا قالت األم غاضبة وهي تتجه إلى باب املنزل لتسد عليه الطريق
وتمنعه من اجتياز الباب والخروج من املنزل قائلة:
-إلى أين تريد الذهاب اآلن يا ولدي؟ و ما تلك القمامة واألكياس
السوداء في يدك .لن أدعك تذهب إلى أي مكان ،قبل أن تذهب معي
إلى الطبيب يا ساهر .لن أدعك تؤذي نفسك يا ولدي من جديد
فأنت مازلت مريضا ومازلت تحتاج إلى العالج النفس ي واملتابعة.
وهنا لم يتحمل ساهر كل هذا فصرخ غاضبا في وجهها:
-ابتعدي عن الباب يا أمي من فضلك فليس هناك وقت لكل هذا
التهريج أريد الخروج اآلن قبل أن تفسد األشياء
وتحد قائلة:
فنظرت إليه األم بإصرار ٍ
173
-أي أشياء يا ولدي لن تخرج من املنزل ً
أبدا يا ساهر قبل زيارة
الطبيب اآلن وإن لم تذهب معي سأتصل به .ليرسل من يأخذنك إلى
املستشفى.
فنظر إليها غير مصدق ما تقول و قال ثائرا:
-هل سترسلينني إلى مستشفى األمراض العقلية يا أمي؟ هل ستفعلين
معي ذلك؟ هل نسيت ما فعلوه معي هناك.
وهنا نظرت له أمه بحزن وأس ى والدموع في عينيها قائلة:
-هذا ملصلحتك يا ساهر ،فأنت مازلت تحتاج إلى العالج يا ولدي ولقد
أخبرني الطبيب مجدي بذلك.
كانت تريد أن تكون حازمة وقوية في اتخاذ قراراها ولكن غلبتها
دموعها فسقطت كالشالل مندفعة .و لم تستطع التحمل أكثر من ذلك
أمام لوم ابنها وتأنيبه لها فهي ال تريد إال م صلحته ملاذا ال يفهم ذلك؟
ً
نظر إليها ساهر وهو غاضب وصرخ بهيستريا قائال:
-ال يا أمي لن أسمح لك بذلك فسارة تحتاجني اآلن ولن أتخلى عنها
بعد كل ما فعلت .و سأخرج اآلن من املنزل ولن يقف في طريقي أحد
فابتعدي عني اآلن
فردت األم بإصرار قائلة:
-لقد رحلت سارة ،ولن تخرج يا ساهر اآلن قبل أن يراك الطبيب.
174
وهنا وقفت أمام باب املنزل لتسد طريقه بإصرار غريب و أكملت
قائلة:
-لن تخرج إال على جثتي يا ولدي ،فلن أبتعد عن باب املنزل ً
أبدا و لن
أدعك تخرج لتؤذي نفسك يا ولدي هل تفهم يا ساهر .لن تخرج إال على
جثتي
ً
فرد ببرود شديد قائال:
-إذن فأنت من اختارت يا أمي وسأخرج ولن يمنعني أحد على وجه
األرض ،سأخرج فسارة تحتاجني اآلن هل تفهمين ذلك؟ و ال يمكنني
التخلي عنها ً
أبدا.
ثم أخرج السكين الصغير من جيب قميصه ،وكان ما يزال متسخا
ببعض الدماء و اقترب من رقبة أمه التي مازالت تسد الباب ثم قام
بذبحها بقوة دون أن تهتز له شعرة واحدة ،ونظرت له األم غير مصدقة
أبدا ما حدث .هل ذبحها ساهر ابنها ً
حقا كالنعاج؟ ً
هل هذا هو ساهر ابنها الذي حملته في بطنها تسعة أشهر و أرضعته
عامين من صد ها؟ هل هو أم أنه وحش ال تعرف عنه ً
شيئا ؟ ر
ظلت تردد بوهن:
"هل هنت عليه هكذا ليذبحني كالنعاج".
وهنا سقطت األم على األرض غير مصدقة ما حدث وسالت الدماء
الحمراء تجري كالنهر على األرض ،وفي تلك اللحظة نظر ساهر إلى أمه
ً
ببرود قائال:
175
-أنت من جعلتني أقوم بذلك يا أمي فأرجو أن تلتمس ي لي العذر،
فالبد من أن تعود سارة للحياة مرة أخرى فهذا من أجلها.
و زفر هو بقوة ثم أكمل:
-ال تقلقي يا أمي فسأجعل الخالة نورا تعيدك مرة أخرى للحياة ال
تقلقي يا أمي ً
أبدا ونامي في هدوء إلى أن أعود.
ً
متجها إلى الخالة نورا إلعادة سارة من جديد ثم خرج من باب املنزل
ً
تاركا خلفه أمه الحاجة عفاف مذبوحة على األرض ومفصولة الرأس عن
الجسد كالنعاج.
ال أدري ملاذا لم تدعيه يخرج من املنزل يا عفاف؟ وأصريت على رأيك
فلتدعيه يخرج أيتها املرأة حتى وإن ذهب إلى الجحيم و لكنها النهاية وال
يدري أي منا كيف ستكون نهايته؟ وإن تعددت األسباب فاملوت واحد.
وال تدري كل نفس بأي أرض تموت
✦✦✦
في مكان مظلم ال تستطيع رؤية أصابع يديك من شدة ظالمه جلست
أيرين ممزقة املالبس تبكي بقوة وهي ال ترى أي ش يء أمامها فاملكان مظلم
ومخيف من حولها ال تدري أين هي؟ أو من وضعها هنا وملاذا؟
كل ما تتذكره بأنها خ رجت من منزل صديقتها رهام مذعورة بعد أن
هاجمها ً
شيئا أسود غريب هناك بالغرفة ث م امتالء املكان برائحة
176
الياسمين التي ال يمكن للمرء نسيانها بسهولة ،فهي رائحة عطر سارة
املفضلة.
كانت تتحدث معه على الهاتف .تبكي بفزع وتخبره ماذا أصابها هناك.
فلقد كان يعرف كل ش يء .نعم يعرف فهي لم تخفي ً
شيئا عنه .واآلن
تخبره بمصيبتها وتهديد سارة لها بأنها ستقتله إن عرفت بأنه يحبها.
إنه مينا صديقها وابن خالتها ،لقد فتحت له قلبها وقصت عليه كل
ش يء ليساعدها ،كانت تعرف بأنه يحبها ولكنها لم تبادله الحب فلم يعد
قلبها يتحمل أي ش يء وال تريد أن تؤذي أحد أخر
كانت منهارة وهي تتحدث في الهاتف املحمول مع مينا .وبعدها حدث
سريعا .فهي ال تتذكر ً
شيئا ثم وجدت نفسها هنا في هذا املكان ً كل ش يء
املظلم املخيف .من الذي أحضرها ال تعرف هل هي سارة أم شبحها؟
كانت الرائحة كريهة من حولها .كرائحة العفن أو القمامة وكانت هي
مقيدة اليدين والقدمين مكممة الفم.
وهنا بكت أيرين بشدة وهي ال تدري ماذا تفعل ففمها مربوط و لن
تستطيع الصراخ لينقذها أحدهم
شعرت أيرين بقهر وهي تتذكر سارة وتتذكر ما فعلوه معها ،نعم ومن
غيرها إنها صديقتها القديمة سارة
فهمست لنفسها من بين دموعها قائلة:
"سامحيني يا سا ة أعرف بأنك تسمعينني اآلن ،لم أكن أقصد ً
شيئا ر
صد قيني فلم تكن إال دعابة سخيفة .و أنت صدقت األمر كله يا صديقتي.
177
لم أكن أعلم بأنهم كانوا يريدون بك شرا صدقيني وسامحيني أرجوك"
و أجهشت بالبكاء الحار والنحيب وهي تتذكر ما حدث و ما فعلوه
بسارة في تلك الليلة؟
✦✦✦
استمع مينا إلى أيرين بتوتر وحاول أن يهدئ من روعها ولكنه لم
يستطع ،فقد كانت منهارة ومذعورة بشدة وتبكي بعنف .ثم سمع صراخها
املتواصل وبعدها انقطع االتصال.
وأخذ هو ينادي ً
مرددا اسمها .ولكن بال جدوى.
ً
سريعا وقرر فحاول االتصال بها مرارا بال فائدة ،فارتدى مالبسه
الذهاب للبحث عنها ،ولكنها منعته لقد خرجت له من تحت األرض.
أياد سوداء مشعره.
لتمسك بقدميه بقوة .إنها ٍ
وهنا صرخ .صرخ بعنف عندما رآها .ثم سقط على رأسه بعنف.
ً
سريعا. وبعدها انتهى كل ش يء
✦✦✦
178
في قسم الشرطة
ذهبت سرينا مع عمها بطرس إلى قسم الشرطة وهي تبكي بقهر فلقد
علمت بخبر موت "مينا" ابن خالتها اثر سقوطه على رأسه بعنف.
ذهبت إلى قسم الش رطة لتبلغ عن اختفاء أختها أيرين و تتهم صديقتها
مريم باختطافها وحبسها عندها باملنزل كما أخبرتها سارة.
وبعد تقديم البالغ تقدمت قوة من رجال الشرطة إلى منزل مريم و
قاموا بتفتيش املنزل والبحث عن أيرين فلم يجدوا لها ً
أثرا و بعد تفتيش
سطح امل نزل التي تسكنه مريم بعد طالقها و الذي هو ملك لوالدها وجد
رجال الش رطة أيرين مقيدة القدمين واليدين و ممزقة املالبس بإحدى
الغرف الخالية بسطح املنزل
و هنا صرخت سرينا ر ً
عبا عند رؤيتها ألختها بتلك الهيئة املزرية وظلت
ت صرخ بهيستريا ثم ذهبت لتصفع مريم على وجهها بقوة قائلة بغضب:
-ستدفعين الثمن غاليا أيتها الحقيرة ملا فعلته بأختي.
و تم نقل أيرين إلى املستشفى حيث كانت في حالة صدمة شديدة و تم
القبض على مريم بتهمة اختطاف وتعذيب أيرين ،وهنا وقفت مريم تنظر
بذهول لكل ما يحدث حولها غير مصدقة ما تراه أمامها وأخذت مريم
تصيح برعب بين أيدي رجال الشرطة غير مصدقة أن تكون أيرين هنا
فوق سطح منزلها ممزقه املالبس ومقيدة اليدين والقدمين
وهنا تذكرت سارة وما حدث من سنين و بنفس الغرفة املشئومة
وصرخت برعب قائلة:
179
"ال .سامحيني يا سارة أرجوك فلم تكن إال دعابة يا صديقتي".
ثم سقطت فا قدة الوعي تحت أقدام رجال الشرطة .و تم نقلها إلى
املستشفى
✦✦✦
180
الفصل الحادي عشر
عزيزي :عمر
لقد اشتقت إليك كثريًا حبييب وكنت أمتنى رؤيتك كل يوم ويف
كل حلظة و لكين مل أستطع أبدًا أن أراك ففضلت الرحيل واالختباء
بعيدًا عنك و عند ما تصلك رساليت فاعلم بأن األوان قد فات وبأنين
مبكان بعيد اآلن وال ميكن الوصول إلية بسهولة ولكين سأعود يومًا
إليك.
ال تقلق يا عزيزي صدقين وثق بي جيدًا ولكين ال أدري كيف
سأعود أو متى؟ و لكين سأعود يومًا ال تقلق أبدًا وانتظر عودتي
إليك يومًا.
أعرف بأنك كنت تنتظر رساليت من فرتة طويلة لتعرف ماذا
حدث وملاذا تركتك ورحلت؟
و لكين مل أتركك بإرادتي صدقين يا عمر لقد مر كل شيء سريعًا
181
و لكن سأعود إليك يومًا فالبد من أن تعرف ما حدث معي و ما
فعلته معي زوجتك لتبعدني عنك و تتزوجك هي سأتصل بك قريبا
ألشرح لك كل شيء وما حدث.
✦✦✦
شيئا ،هل ً
حقا قرأ عمر سالة سا ة الوردية وهو ال يدري أو يفهم ً
ر ر
رهام زوجته هي السبب بفراقه مع حبيبته سارة؟
و لكن كيف وملاذا فعلت رهام ذلك؟ فقرر الذهاب إلى زوجته في منزل
أسرتها و سؤالها ماذا فعلت لسارة؟ وماذا حدث فهو لن يستطيع االنتظار
أبدا فرسالة سارة حركت الكثير من مشاعره الدفينة التي حاول ً
كثيرا ً
قدما و لكنه اآلن ال يستطيع نسيانها ً
أبدا. قتلها داخله واملض ي بحياته ً
182
فرسالتها جعلته ال يرى ً
شيئا أمامه إال هي بشعرها األسود الطويل
ً
مسرعا إلى زوجته ليفهم منها كل ورائحة الياسمين ال تفارق أنفه فذهب
ش يء.
✦✦✦
وقفت رهام أمام باب الغرفة مذعورة تحاول أن تجر رجلها جرا لترى
من خارج الغرفة و تتأكد بأنها روح سارة أو عفريتها فخرجت ببطء وهي
ممسكة ببطنها و تشعر بمغص شديد وهنا نادت بصوت منخفض مبحوح
قائلة:
"سارة هل أنت هنا يا صديقتي أرجوك سامحيني يا سارة و دعيني
أعيش بسالم فأنا لم أقصد إيذائك ً
أبدا لقد كانت مجرد دعابة يا
صديقتي ،صدقيني يا سارة"
وأجهشت بالبكاء الحار والنحيب وهى تردد قائلة:
"اتركيني يا سارة وارحلي واتركي ابني من فضلك فهو لم يفعل لكي
ً
شيئا" .
وبعدها غادرت الغرفة تبحث عنها في املنزل كله ،فقامت بتفتيش
جميع الغرف و لكنها لم تجد ً
شيئا باملنزل فلم يكن هناك أحد هناك
غيرها فأمها ذهبت لشراء بعض الحاجيات من الخارج و تركتها وحيدة
باملنزل وهنا جلست رهام على أقرب مقعد لتستريح بعد أن اطمأنت أنه
ليس هناك أحد باملنزل ،وأن ما رأته ليس إال تهيؤات وهالوس بصرية
183
نتيجة لخوفها الشديد و توترها من رسالة سارة وكل ما مرت به في األيام
املاضية.
فأخذت تبكي بقهر وتنتحب قائلة:
"سامحيني يا سا ة لم أكن أقصد ً
شيئا" ر
و في تلك اللحظة شعرت بالبرودة الشديدة في املكان وصفير الرياح
بأذنيها مرة أخرى وهنا شعرت بوجود أحد معها بالغرفة ،شعرت بوجوده
معها وكأن هناك من يجثم على أنفاسها بقوة فال تستطع التنفس أو
الحركة بسهولة فصرخت من بين دموعها وهي ال تستطيع التنفس.
" اتركيني يا سارة وارحلي أرجوك ال تؤذيني"
وازدادت البرودة وصرخت رهام برعب عندما انقطعت الكهرباء و عم
الظالم الغرفة واملنزل كله ،وكأن هذا آخر ما ينقصها.
وهنا صرخت بهستريا وظلت تصرخ مستنجدة بأن ينقذها أحد و هنا
شعرت بيد تمسك معصمها بقوة وتجذبها إلى داخل غرفتها و باليد األخرى
التي كانت تضغط على بطنها بقوة فتعتصر ما بها
فصرخت برعب قائلة وهي تحاول االبتعاد واإلفالت من تلك األيدي
التي تمسك بها وال تراها:
"أرجوك ارحميني يا سارة واتركي ابني يعيش"
فشعرت بالضغط يزيد على بطنها فصرخت بألم متوسلة:
"ال ابني اتركيه فهو لم يفعل لكي ً
شيئا"
184
وهنا سقطت فاقدة الوعي من شدة األلم والتوتر واالنفعال و لم
تسمع تلك الضحكات العالية التي مألت الغرفة من حولها و ال تلك
الرائحة املنعشة رائحة الياسمين التي غمرت املكان.
فجعلته كأحد أيام الربيع.
✦✦✦
185
وهنا أمسكت ببطنها لتطمئن على ما في رحمها.
ً
فنظر الزوج إلى أم زوجته قائال:
-أرجو املعذرة يا أمي ولكني أريد التحدث مع زوجتي على انفراد من
فضلك فهل تسمحين لي بكوب من الشاي.
فغادرت األم الغرفة وهي تنظر لهما بقلق .فقد كانت تعلم بأن األمور
بينهما ليست على ما يرام و هناك ش يء تخفيه ابنتها عنها ولكنها ال تعلم ما
هو أو ماذا تخفي؟ و لكنها مؤمنة بأن األيام كفيلة بكشف كل ش يء .و
ً سيأتي اليوم الذي تعرف فيه كل ش يء فال داعي لالستعجال ً
أبدا فعاجال
آجال ستعرف الحقيقة فمنذ متى يخفي اإلنسان ً ً
شيئا عن أقرب أو
الناس إليه
جيدا خلف أم زوجته بعد أن غادرت و هنا قام عمر بغلق الباب ً
الغرفة ثم جلس في مواجهة زوجته و نظر مباشرة إلى عيونها الزرقاء
املذعورة ثم قال بحدة صارخا في وجهها:
-أريد أن أعرف ما يحدث معك؟ و ماذا فعلت بسارة صديقتك
السابقة أنت واألخريات يا رهام؟ وال أريد ًلفا أو دور ًانا أريد معرفة
كل ش يء بصدق.
وهنا نظرت إلى عيونه البنية برعب ولم تتكلم أو تنطق بحرف واحد
فصرخ الزوج ثائرا:
186
-أرجو أن تخبريني يا رهام كل ش يء اآلن فهذا أفضل للجميع أن أعرف
منك ما يحدث معك؟ و ماذا فعلت بسارة؟ قبل أن تخبرني هي
حقيقة ما حدث.
فلم تتحرك من مكانها أو تنطق بحرف واحد .أو حتى تسمع ما يقوله
زوجها فقد كان عقلها مشغوال بش يء آخر.
وكانت تنظر إليه برعب وتوتر فقد كانت تنظر إلى معصم يدها بفزع
شديد و هي ترى تلك اآلثار الواضحة على رسغها.
فهناك آثار أصابع بنية عليها وكأنها حرق وهنا صرخت برعب قائلة:
-ارحل من هنا اآلن أنا متعبة وأريد الراحة والنوم يا عمر
فقام الزوج ثائرا يصرخ:
-أنت تطردينني يا رهام من منزل أهلك.
و لكنها لم تجب عليه أو تتكلم فبم ستجيبه وبماذا ستخبره وتقول له.
-نعم أطردك يا حبيبي من منزل أسرتي فماذا ستفعل؟
و إنها لقوة بأن تكون الزوجة في منزل أسرتها وتقوم بطرد زوجها بهدوء
بحجة املرض فلن تتاح لها تلك الفرصة إن كانت في منزلها ً
أبدا حتى وان
كانت تحتضر وعلى فراش املوت فلن تجرؤ على فعلها ً
أبدا
ً
مهموما وهنا ثار الزوج غاضبا وهو يتوعد زوجته ،وخرج من املنزل
غاضبا ال نريد أن نقول مطرو ًدا
ً
187
خرج عمر ولم ترحه زوجته وبدون أن يفهم ً
شيئا أو تخبره ما يحدث
معها بالضبط فقد رأى بنفسه آثار الحرق على معصمها فماذا فعلت
زوجته لتستحق الحرق بالنار بتلك الطريقة البشعة؟
ولكم تمنى أن يكون ذلك الحرق بلسانها حتى ال تجرؤ على فعلها مرة
أخرى .طرده من منزل أسرتها .شر طردة
ولكن مع األسف كان الحرق في معصمها فقط ،ليس لسانها .فليس
كل ما يتمناه املرء يدركه دائما.
✦✦✦
188
فأجابت نورا بسعادة وهي تبتسم قائلة:
-اليوم يا ساهر عند منتصف الليل ستخرج سارة من قبرها يا ولدي
كالعروس ال تقلق فكل ش يء محسوب
ً
فرد ساهر وعيونه تلمع من شدة التأثر واالنفعال قائال:
ً
سريعا يا خالتي فلقد -اليوم عند منتصف الليل ،يا ليت الليل يأتي
ً
سريعا كثيرا و اشتقت إلى عينيها ً
كثيرا وأتمنى رؤيتها اشتقت إليها ً
189
"و كيف ستعيدين سارة من مرقدها إذن؟ و موتها أال يعتبر املوت
إرادة هللا وقضاءه و ال يستطيع أي مخلوق أن يعترضها في هذا العالم".
و لكنه لم يجرؤ على التحدث بصوت ٍ
عال و سؤالها عما جال بخاطرة
فمن يستطيع تحمل نظراتها النارية الغاضبة فآثر الصمت وأبتلع لسانه
ولم ينطق بحرف آخر وهنا تذكر ً
شيئا ً
هاما فقال منفعال:
-وهل أستطيع أن أكون هناك لرؤيتها يا خالتي نورا.أتسمحين لي
بذلك من فضلك ال تحرميني من استقبالها العظيم
ً
فنظرت له طويال بطريقة غريبة ثم قالت:
-نعم يا ساهر تستطيع الحضور ،كما يمكنك االنتظار بغرفتها حتى
منتصف الليل.
وهنا شعر ساهر بالفرح وباإلثارة فلم يكن يحلم أن يخطو أمام باب
حجرة حبيبته الراحلة ،ولكنه اآلن يستطع االنتظار فيها ،فيا له من حلم
جميل يتمنى أال يستيقظ منه ً
أبدا.
ً
سريعا إلى غرفة سارة قبل أن ترجع الخالة نورا في رأيها و هنا ذهب
ً
منتظرا منتصف الليل بفارغ الصبر فعنده سيقابل حبيبته و هي تخرج من
شاهدها بكفنها األبيض وكأنها عروس ترتدي ثوب الزفاف األبيض وابتسم
سعيدا وتركها ودخل الغرفة و أغلق الباب خلفه بقوة.
و كان هناك من يقف بجوار الباب وسمع كل ما دار بالغرفة و قرر
الذهاب هو اآلخر الستقبال العروس بعد خروجها من شاهدها بثوبها أو
كفنها األبيض ال يهم ففي النهاية اللون واحد.
190
إنه أحمد شقيق سارة الصغير.
وليس والدها الحج مسعد فمازال األخير غائبا عن عاملنا في غيبوبة
بغرفته.
ً
سريعا إلى غرفته ليتوارى حتى منتصف الليل وذهب الصبي
و ليستعد الستقبال أخته عند عودتها من العالم اآلخر
عالم األموات ،كالزومبي
✦✦✦
191
في املستشفى
و في املستشفى التي نقلت إليه الصديقتان املتهمة والضحية كانت
مريم نائمة حين دخلت تلك املمرضة ذات الشعر األسود الطويل إلى
الغرفة حاملة بعض األدوية على صينية صغيرة .فوضعت األدوية بجوار
ً
فراش املريضة و نظرت إلى املريضة طويال ثم اقتربت منها ببطء.
و ضغطت على صدرها بقوة ثم ظلت تضغط وت ضغط بقوة أكثر و هي
تقول:
-استيقظي يا فتاة ليس هناك وقت لذلك استيقظي اآلن
و هنا شهقت مريم بألم وهي تفتح عينيها بألم .وفي تلك اللحظة رأتها
تبتسم بمكر وهي تقول:
-حمدا هلل على سالمتك يا صغيرتي
ً
سريعا ونظرت إليها مريم برعب غير مصدقة ما ترى و غادرت الغرفة
لقد كانت صديقتها سارة فعجزت عن الصراخ من هول الصدمة
هل مازالت سارة على قيد الحياة أم أن هذا شبحها؟
✦✦✦
193
عندما صرخت أيرين غاضبة في وجه صديقتها مريم قائلة:
-ال لم أفقد عقلي يا مريم ،ولكنها هي من سيفقده إن لم تعرف كل
ش يء اآلن ملاذا تفعلن ذلك فهي لم تؤذكن في ش يء؟ و سأخبرها بكل
ش يء اآلن ولن يهمني أحد
وحاولت أيرين ً
كثيرا أن تقابل سارة أو تتصل بها لتشرح لها حقيقة ما
حدث وتفهمها كل ش يء .و لكنها رفضت أن تستمع ألي واحدة منهن
ً ً
وتوعدتهن باالنتقام آجال و ليس عاجال.
وهنا شعرت بمن يضغط على صدرها بقوة حتى فقدت القدرة على
التنفس الطبيعي من قوة الضغط على صدرها.
ففتحت عينيها بألم محاولة االستغاثة وطلب يد العون من أحدهم
وفي تلك اللحظة اصطدمت بعين صديقتها سارة الراحلة و هي ترتدي زى
إحدى املمرضات و تبتسم لها بمكر قائلة:
-حمدا هلل على سالمتك يا صغيرتي لقد أتعبتني ً
كثيرا يا صديقتي.
وبعدها امتأل املكان برائحة الياسمين املنعشة.
و هنا لم تعد أيرين تتحمل الصدمة.
فصرخت برعب قائلة:
" سااااااااااااا ة .سامحيني فلم أكن اقصد أذيتك ً
أبدا يا صديقتي". ر
✦✦✦
194
الفصل الثاني عشر
✦✦✦
195
" استيقظي صغيرتي فلقد حان وقت االستيقاظ.
استيقظي صغيرتي قبل أن يكتمل القمر في عاله.
افتحي فمك واستنشقي الهواء.
ارفعي يدك واجلس ي على األعشاب.
استيقظي بنيتي فلقد حان وقت االنتقام.
عودي سارة فأنت من املوتى األحياء." .
✦✦✦
وقف ساهر ينتظر بلهفة شديدة وشوق كبير انفتاح القبر و قيام سارة
من مرقدها كالزومبي كانت السماء مظلمة تلك الليلة واملكان مخيف ٍ
خال
من أي مخلوق بشري في تلك اللحظة فمن يستطيع أن يخطو بأقدامه إلى
املقابر بعد منتصف الليل.
فليس هناك عشاق يريدون عد النجوم في هذه الليلة ورؤية القمر،
ً
فلم يكن هناك أي قمر أو نجوم بالسماء لينيرا املكان قليال هذه الليلة
وكان الهدوء الشديد يعم املقابر ليس هناك أي صوت إال صوت.
بعض الحشرات الليلية تصفر بصوت غريب مصدره العزيف املميز لها
والعزيف كما تعرفون فهو أصوات الحشرات.
ً
و في الجاهلية كانوا يعتقدون بأن العزيف هو أصوات الجن ليال
196
حقا أي عزيف ذلك الذي كان يسمعه ساهر في املقابر هذه ال ندري ً
الليلة؟ أهو صوت الجن أم صوت الحشرات ال يهم ففي النهاية كلها
حقا هو صوت ذلك الغراب األسود أصوات .و لكن ما استطاع تميزه ً
ً ً
منتظرا. هناك يحوم حول املكان ويقف على كل شاهد قليال
فتلفت ساهر حوله بقلق وهنا سمع ذلك املواء لقطة تستغيث
بصراخ كصوت األطفال.
فشعر ساهر بالقلق ً
حقا من ذلك املواء .و ال يدري ملاذا؟ وهنا قالت
نورا آمرة:
-افتح القبر يا ساهر وأخرج الجسد هنا فليس هناك الكثير من الوقت
وأشارت إلى بقعة مغطاة بالعشب األخضر أحاطتها نورا بالشموع
السوداء املصنوعة من دهن األموات
وهنا ألقى ساهر نظرة سريعة على املكان ثم بدأ بإزالة الرخام من
فوق الشاهد وبدأ بالحفر السريع بالتراب إلى أن وصل إلى جسد سارة
فوجدها نائمة بالقبر بكفنها األبيض كامل الك ساحرة هي نومتها في قبرها.
فدق قلبه بعنف وتوترت أعصابه بقوة.
كانت سارة نائمة وبجوارها ثالث عرائس من القماش يشبهن البشر
جيدا فتلك الدمية بعيونها الزرقاء تشبه إحداهن ً
جيدا. كثيرا ويتذكرهن ً
ً
197
ثم هز رأسه بقوة فليس هذا وقت الكالم في أي ش يء .إنه وقتها هي
فقط وقت خروج الع روس .وهنا قام بإخراج الجثة برفق و هو يشعر
بدفء جسدها بين يديه وكأنها مازالت على قيد الحياة .أو ماتت منذ
لحظات فقط وليس بضع أيام ،وهنا قام بوضع جسد سارة في املكان
الذي طلبته منه نورا على العشب األخضر وسط تلك الشموع السوداء
وهنا قامت نورا بنثر التراب األبيض الذي يشبه الرماد ً
كثيرا على
الجثة وهي تتلو بعض الكلمات الغريبة التي ال يفهم ساهر معناها أو أي
حرف منها ربما كانت الفارسية من يدري؟
✦✦✦
✦✦✦
198
" بیدار ،زمان ریزه اندام است برای انتقام آمده
بیدار ،ریزه اندام را در ماه به اتمام نمى زل زل نگاه "
✦✦✦
199
ً
منتظرا حتى ذلك الغراب وقف فوق أحد املقابر بلونه األسود القاتم
ً
شيئا وال أحد يعرف ما هو بالضبط.
و هنا فتحت هي عينيها ببطيء وجاءت اللحظة التي ينتظرها الجميع.
فشهقت سارة بقوة وهي تسعل .وتسعل ثم بعدها اعتدلت لتجلس
على العشب األخضر.
ً تنظر بشرود إلى األمام وهنا صرخ ساهر ً
فرحا غير مصدق عينيه قائال:
-سارة ،أخيرا عدتي مرة أخرى يا حبيبتي
ً
و هنا خرج الصبي أحمد من خلف الشاهد و صرخ بلهفة شديد قائال:
-سارة أختي لقد عدتي من جديد
وهنا اشتدت البرودة باملكان وازداد اندفاع الرياح و صفيرها لتحرك
تلك األعشاب اليابسة حول ذلك القبر هناك.
و شقت تلك الصرخة البشعة آذان الجميع.
✦✦✦
و في منزل عمر
شعر األخير برجفة تسري في جسده وكانت أصابعه ترتعد من البرد
الشديد فلقد انخفضت درجة الحرارة مرة واحدة بالغرفة.
200
و ال يدري السبب فلم ينته شهر أغسطس بعد هل أتى الشتاء قبل
أوانه هذا العام.
وربما كان ثقب األوزون ومن غيره يستطيع تغيير الحرارة واللعب
بحياتنا.
جائز فكل ش يء أصبح ممكن هذه األيام .حتى ثقب األوزون لم يعد
كما كان من قبل .لقد تغيرت األشياء ً
كثيرا هذه األيام؟
وهنا شعر عمر بوقوف وانتصاب شعر يديه.
فقال حائرا شاعرا بالتوتر والقلق:
"ماذا حدث يا ربي؟"
و ملاذا انخفضت درجة حرارة الغرفة هكذا.
فهو يعلم بأن انخفاض درجة الحرارة والشعور بالتوتر في مكان ما
فهناك ش يء غريب وروح هائمة بالغرفة .هي من تفعل ذلك فأخذ يبسمل
ويحوقل ويتلوا بعض آيات الذكر الحكيم و ما ت يسر له منه وهو يرتجف
بشدة كورقة و كانت رائحة الياسمين تمأل الغرفة بشدة وهنا شعر هو
بوجودها معه بالغرفة.
وجود خطيبته السابقة سارة وال يدري ملاذا؟
و لكنه متأكد من وجودها بجواره اآلن .فرائحة عطرها قوية ورائحة
الياسمين املنعشة ال يمكن نسيانها بسهولة تجعلك تشعر بالغثيان وعدم
القدرة على التنفس.
201
فحاول إبعاد تلك الفكرة عن رأسه والنوم و لكنه لم يستطع فقام
بوضع الوسادة فوق رأسه بخوف فشعر بش يء أسفل الوسادة ،فمد يده
ليخرجها فوجدها بلونها املميز األحمر القرمزي.
إنها رسالة منها ،ومن غيرها حبيبته السابقة ،سارة .وليست سارة
نفسها داخل الوسادة املريشة الناعمة.
متعجبا كيف وصلت تلك الرسالة إلى غرفة نومه و ً
أيضا ً و تساءل
تحت وسادته.
فنظر برعب إلى ذلك الخطاب األحمر بين يديه الذي يعلم ً
جيدا بأنه
منها فهو ال يخطئ ً
أبدا رائحتها املميزة
ظل ينظر إلى الخطاب بين أصابعه وهو يفكر هل يفتحه ليقرأ ما فيه
و يعرف كل ش يء أم يحرقه ويتخلص منه فقال لنفسه هامسا:
" ً
حقا االختيار صعب فأنا ال أدري أي األمرين أفضل لي؟ و لكني أريد
معرفة الحقيقة ملاذا تفعل سارة ذلك معي؟ و كيف استطاعت الوصول
لغرفة نومي لتضع هذه الرسالة وماذا يحدث بينها وبين زوجتي؟
و كيف استطاعت دخول غرفة نومي لتفعل ما تشاء؟
البد من معرفة إجابة كل هذه األسئلة
فالفضول سيقتلني إن لم أعرف الحقيقة وماذا حدث؟"
و هنا أمسك بالرسالة بقوة وقربها إلى أنفه ليشم رائحة عطرها املميز
ثم صرخ بصوت عا ٍل:
202
"ملاذا يا سارة تفعلين ذلك؟
ملاذا ال تتركينني أكمل حياتي بسالم وأنساك بهدوء.
ملاذا تصعبين األمر حبيبتي؟"
✦✦✦
في املقابر
وتحت ظالم الليل الدامس وذلك الصوت الخفي الهامس وفي تلك
الليلة املظلمة التي ال يستطيع املرء فيها رؤية أصابع يديه من شدة
الظالم الحالك والليل الدامس ،ولكنك تستطيع سماع الهمسات تقذفها
الرياح الثائرة هنا وهناك.
صوت يقول :هسسسسسسسسسس
و اشتدت الرياح قوة واهتزت أضواء الشموع السوداء حول جسد
سارة الجالسة على األرض بثبات تنظر بعيون زائغة ال تدري أين هي أو
ماذا يحدث حولها؟
كانت ترتدي كفنها امل صنوع من الكتان األبيض.
ً
و هنا صرخ ساهر فرحا بعودتها قائال:
عدت حبيبتي
-سارة أخيرا ِ
وهنا أسرع يركض إليها متلهفا.
203
وفي تلك اللحظة سمع صرخة نورا تحذره بأال يفعل ذلك اآلن .و أن
يبتعد عن وجهها اآلن.
فتوقف ساهر مكانه وتسمرت قدماه باألرض ووقف حائرا .ينظر بغل
وحقد كبيرين لتلك املشعوذة الشمطاء "نورا" متسائال بينه وبين نفسه.
ملاذا منعته نورا من مواصلة طريقة الستقبال سارة ورؤيتها بوضوح؟
فهي بخير وتجلس على األرض أمام عينيه تنظر لهم فلماذا لم تدعه
وشأنه تلك اللعينة؟ ملاذا ال تدعه يلقي بنفسه بين ذراعيها .ويخبرها بأنه
يحبها .كان يريد أن يرى عينيها ويلمس شعرها األسود.
و يهمس في أذنيها بأنه يحبها .و ال يتحمل الحياة بدونها في هذا الكون
الكبير .و هنا نظر إلى نورا مؤنبا فوجدها ترفع جمجمتين صغيرتين
فنظرت إليها سارة بعيون زائغة ثم وقفت على قدميها و هنا صرخ
أحمد فرحا:
-سارة أختي لقد عدت من جديد وأسرع يجرى باتجاهها
و صرخت نورا:
-ال ،وأمرته أن يتوقف.
و لكنه لم يستمع إليها فلهفته للقاء شقيقته غلبته وطغت عليه بقوة
فألقى بنفسه بين ذراعيها وهو يتسم ً
فرحا بعودتها و كانت هي ما زالت
تنظر للجماجم بعيون زائغة و صرخت نورا بغضب شديد وصوت ٍ
عال
تتوسل الصبي أن يبتعد عن شقيقته اآلن قبل فوات األوان قائلة:
204
-ابتعد يا بني اآلن.
ولكن شوق الصبي وفرحته بلقاء أخته وعودتها غلبه فلم يتحرك
خطوة واحدة بل أخذ يحتضن أخته بقوة ويقبل جبينها .لم يستمع إلى
ش يء .و ال إلى تحذير الخالة نورا الشديد باالبتعاد اآلن.
و هنا انتفض جسد سارة بقوة وأخذ يرتجف بطريقة مخيفة و هي
تصرخ بصوت بشع هو أقرب إلى مواء القطط .ال ندري.
يوما قطة تموء وتصرخ بطريقة تثير أعصابك فيختلط فهل سمعت ً
عليك األمر هل هي طفلة الجيران أم القطة .التي تصرخ ،فتهم بضربها
فتجد أمك تحذرك بأال تفعل ،فإنها توأم ابنة جارتك الصغيرة.
فتقف حائرا ال تدري ماذا تقول أمك وما هذا التخريف ولكنك ً
أيضا
لم تجرؤ على فعلها وضرب القطة وإال أصابتك اللعنة.
فكانت سارة تصرخ برعب كمواء قطة ابنة توأم جارتك ،و هي تضغط
على جسد شقيقها بقوة و حاول الصبي اإلفالت من بين يديها فلم يستطع
ً
و صرخ أحمد قائال بألم:
-سارة اتركيني أنا أحمد شقيقك يا حبيبتي فأنت تؤملينني بشدة
أرجوك توقفي يا أختي.
فلم تتأثر سارة بكل توسالته أو تدعه وشأنه بل ظلت تعتصر جسده
بقوة ورقبته بعنف وحاول هو الخالص واإلفالت من بين يديها.
فلم يستطع أن يفلت من قبضة يدها القوية كالفوالذ
205
و صرخت نورا قائلة وهي ترفع الجمجمتين أمام عينيها قائلة:
-اتركيه يا سارة .ليس هو من أذاكي يا ابنتي .دعية يرحل إنه شقيقك
الصغير أحمد هل تتذكرينه يا سارة أرجوك توقفي اآلن.
وهنا توقفت عن اعتصار عنق شقيقها .بعد أن هدأ ً
تماما و سكنت
حركته وتكسرت عظام رقبته وخارت قوة.و فات األوان فسقط على
األرض ميتا .جاحظ العينين.
وهنا ابتعد ساهر خطوتين إلى الخلف .و عيونه تلمع بشدة من
االنفعال والتأثر و هو ينظر إلى جسد الصبي امليت على األرض .و إلى سارة
التي عادت من جديد وابتسم بفرح عندما وجدها تنظر له بهيام فقال
بفرح:
-أهال بعودتك حبيبتي في عالم األحياء.
✦✦✦
206
-ماذا حدث فأنا لم أفعل لها ً
شيئا سوى إعطائها الدواء ولكن
املريضة فتحت عينيها و عندما رأتني أمام ها أخذت تصرخ بهستريا
وتصيح برعب سامحيني يا سا ة فأنا لم أقصد ً
شيئا . ر
و همست املمرضة لنفسها قائلة:
-ماذا فعلت أنا يا ربي؟
ً
مسرعا وشاهد املريضة الثائرة فأمر بإعطائها و هنا وصل الطبيب
حقنة مهدئة.
وهنا هدأت حركتها وخارت قواها فاستكانت و هدأت لتنام وهي تردد
كلمة واحدة.
-سارة.
و بعد لحظات قليلة سمع نفس ال صراخ من الغرفة املجاورة للمريضة
و هي غرفة املتهمة.
فأسرع الطبيب واملمرضة إلى الحجرة األخرى فوجدوا نفس حالة
الهياج و الصراخ املتواصل ويتردد نفس االسم مرة أخرى.
-سارة
يتردد ثانية على مسمع الطبيب فأمر الطبيب بإعطائها الحقنة املهدئة.
و خرج من الغرفة مفكرا وهو يهمس لنفسه:
" من هي سارة وماذا فعلت معهن يا ترى"
207
و تذكر املريضة وهي تقول برعب:
" سامحيني يا سا ة لم أكن أقصد ً
شيئا" . ر
فقال هامسا:
"أو ماذا فعلن ُه ّن معها إن صح التعبير؟"
✦✦✦
208
ثم أجهشت بالبكاء والنحيب فنظرت لها األم بقلق قائلة:
-ملاذا تقولين ذلك يا حبيبتي .فكل مشكلة ولها حل بإذن هللا ،أخبريني
باألمر لعلي أستطيع مساعدتك فمن يدرى يا ابنتي ربما جعلني هللا
سببا في حل مشكلتك
وهنا نظرت لها ابنتها بعيون دامعة .و قالت لنفسها هامسة:
-ربما تستطيع أمي مساعدتي
وهنا ردت على األم قائلة:
-سأخبرك بكل ش يء يا أمي وأرجو أن تسامحيني و تلتمس ي لي العذر
فأنا لم أكن أقصد ً
شيئا صدقيني
فردت األم والقلق يقتلها قتال فماذا فعلت ابنتها يا ترى؟ فردت قائلة:
-هيا يا رهام أخبريني باألمر وقولي لي ماذا حدث؟ و ال داعي لكل تلك
املقدمات السخيفة ،فأنت تعلمين بأنني أكرهها.
و هنا قصت رهام على أمها كل ش يء من بداية ما فعلته بسارة هي
واألخريات وحتى رسالتها وتهديدها لها بعد موتها وظهورها املستمر لها.
و بعدها صمتت وهي تنظر إلى عيون أمها منتظرة أن تقول األخيرة
ً
شيئا ولكن األم صمتت هي األخرى .و ظلت تنظر إلى ابنتها غير مصدقة أن
تكون ابنتها بتلك القسوة و البشاعة واألنانية فردت على ابنتها بفتور
قائلة:
-لن ألومك اآلن يا رهام فلن يفيد ذلك بش يء فيكفي ما أنت فيه وما
عانيته الفترة األخيرة فهذا عقاب لك من هللا يا ابنتي لعلك تتعلمين
درسا في الحياة فال يجوز اللعب وتدمير حياة اآلخرين
209
فنظرت إلى أمها قائلة برجاء:
-ماذا سأفعل يا أمي وهل تستطيعين مساعدتي ً
حقا و حماية ابني من
روح سارة فأنا لم أعد أتحمل ما تفعله معي ولن أستطيع ترك ابني
لها عند شاهدها باملقابر فماذا أفعل؟
فردت األم قائلة:
-إن ما أعرفه يا رهام أنه إذا مات شخص بطريقة بشعة و تعرض
للتعذيب فإنه تتولد طاقة سلبية باملكان فنشعر بعدم االرتياح
لبعض األماكن ونتيجة لتلك الطاقة ممكن أن تحدث أشياء غريبة
فيقولون بأنها من صنع األشباح والعفاريت للميت ولكنك تقولين
بأن سارة لم تمت يومها.
فردت رهام بلهفة:
-نعم لم تمت أو يحدث لها ش يء ً
أبدا فقد كنا نمزح معها فقط
فلم تهتم األم لردها بل نظرت لها بلوم وعتاب ثم أكملت حديثها وهي
تفكر قائلة:
-هل ماتت سارة في فراشها؟ أم أنها قتلت البد من معرفة تلك النقطة
فإن ماتت مقتولة ربما نتيجة لقتلها فتلك الطاقة السلبية هي ما
تفعل ذلك؟
فقالت رهام بقلق شديد:
-وهل تنتقل تلك الطاقة يا أمي وتتحرك لتنتقم منا و تحاول قتلنا
وترسل لنا رسائل ً
أيضا؟
فردت األم قائلة:
210
-هذا هو الغريب في األمر فالطاقة تكون باملكان الذي حدثت فيه
الجريمة والحادثة فتلك األشياء التي تحدث معك كلها من عمل
عفاريت الجن أعوذ باهلل من الشيطان الرجيم استعيذي يا رهام
من الشيطان الرجيم وخذي كتاب هللا و اقرئي فيه باستمرار إلى أن
نذهب إلى الشيخ زويد فهو من يستطيع مساعدتنا في هذا األمر
جيدا ،فهو جل يعرف هذه األمور ً
جيدا و سيخبرنا ماذا يجب علينا ً
ر
فعله لتتركك روح سارة أو عفريتها و تعود من حيث أتت فردت رهام
بقلق مستعجبة ما تقوله األم.
فقالت:
-ماذا تقولين يا أمي وهل سنؤمن بتلك الخرافات و نسير وراء ذلك
الدجال؟
ً
سريعا قائلة: فقاطعتها األم
-أرجو أال تكملي حديثك يا رهام فأنت ال تعرفين من هو الشيخ زويد
ومع من يتعامل؟ و من يسخره لخدمته ال تؤذي نفسك يا ابنتي
وأمسكي لسانك فهذا أفضل للجميع.
فصمتت رهام غير مصدقة ما تقوله األم و لكنها ال تستطيع الرفض
فربما كان هذا الرجل سبب خالصها من ذلك الكابوس املرعب التي
تحيياه كل يوم فمن يدرى ربما؟
✦✦✦
211
الفصل الثالث عشر
غيرة وكراهية
وقفت سارة بعيون زائغة تنظر إلى من حولها بتعجب و تحت أقدامها
جثة أحمد شقيقها بعد أن اعتصرت عظام رقبته بقسوة.
و وقف ساهر وعيناه تلمعان بتأثر شديد ال يتكلم بل ينظر باستمتاع و
نشوة إلى جثة الصبي ووقفت نورا وهي تمسك بالجمجمتين وتنظر إلى
الصبي بحزن وألم وتقول:
-ملاذا فعلت ذلك يا بني؟ ملاذا لم تصبر حتى تأتي شقيقتك إليك؟
ً
فقاطعها ساهر قائال:
-ملاذا ال تعيدينه إلى الحياة مرة أخرى يا خالتي نورا كالزومبي ،كما
فعلت بسارة؟
و هنا نظرت إليه غاضبة واقترن حاجباها من شدة الغضب و صرخت
في وجهه أن يصمت و ال ينطق بحرف آخر فنظر لها بحقد ولم يتكلم ً
أبدا.
فصرخت نورا قائلة:
212
-أدخل الصبي القبر يا ساهر وأغلقه ً
جيدا .قبل أن يشعر بنا أحد و
أسرع فليس هناك وقت لكل هذا اآلن فقد حان وقت الرحيل من
هنا .ولن ينفع الندم اآلن يا بني على أي ش يء و لنكمل ما بدأناه يا
ولدي وليرحم هللا جميع األموات.
فقام ساهر لينفذ ما تقوله الخالة نورا .و قا م بإدخال جثة الصبي إلى
قبر سارة شقيقته وأغلق القبر خلفه ثم قام بوضع الرخام على الشاهد
ً
و هنا التفت إليها قائال:
-لقد فعلت ما أمرت يا خالتي.
و لم يكمل جملته فلقد اختفت نورا هي وسارة من خلفه و لم يكن
لهما أي أثر باملكان وفي تلك اللحظة.
وجد ساهر نفسه وحيدا وسط كل تلك الشواهد السوداء الكثيرة في
كل مكان.
ً
فصرخ غاضبا ينادي على حبيبته قائال:
ً
وحيدا بجوار شاهدك. -سارة أين أنت يا حبيبتي .ملاذا ذهبت وتركتني
ثم أخذ يركض كاملجنون وسط املقابر املظلمة يبحث عن نورا وعن
سارة ولكنه لم يجد لهما أي أثر ،لقد تبخرتا كقطرات الندى في وقت
ً
مسرعا في كل مكان محاوال الخروج من تلك املقابر الظهيرة فأسرع يركض
الكئيبة و لكنه لم يستطع فكلما ابتعد عن ذلك الشاهد ،الذي قام بدفن
ً
مسرعا باتجاه الباب فيجد الصبي شقيق سارة فيه منذ قليل يركض
213
نفسه ثانية أمام نفس الشاهد ،شاهد سارة .ونفس املكان مرة أخرى.
فصرخ بغضب:
-نعم ،هو إنه نفس شاهد قبر سارة املميز برخامته السوداء و لم أفقد
عقلي.
ً
مبتعدا عن ذلك القبر امللعون ليجد ونظر غير مصدق ما يحدث و
ً
نفسه أمامه مرة أخرى فتعجب قائال لنفسه:
" ما هذا؟ وملاذا أعود من جديد لقبر سارة؟"
ً
عال قائال:
و صرخ بصوت ٍ
-هذا كله من عمل املشعوذة ،الساحرة ذات اليد السوداء نورا
اللعينة ومن غيرها سيفعل معي ذلك .و لكن ملاذا لقد ساعدتها؟ و
نفذت كل ما تريد ملاذا تفعل معي ذلك اآلن؟
وهنا شاهدها بوضوح تقف فوق القبر بلونها األسود القاتم كالليل
األسود ،وقفت تنظر إليه بعين واحدة فلقد فقدت األخرى من يوم تقريبا.
و لم يتبقى لها غير تلك العين الواحدة لترى بها الدنيا والعالم الغادر
من حولها الذي حرمها من عينها اليسرى .و لم يترك لها سوى عين واحدة
إنها قطة سوداء وقفت على شاهد سارة تموء بقوة وكأنها تتوعد
باالنتقام.
وليست نورا ذات اليد السوداء .فهناك فارق يا أخي؟
ً
مستعجبا. وهنا نظر لها ساهر
214
فلقد قتل تلك القطة السوداء بنفسه أمس ،فلماذا تقف هنا اآلن
وتنظر إليه متوعدة فقال محدثا القطة بغضب:
-ألم أقتلك أمس أيتها اللعينة ماذا تريدين اآلن؟ هل تريدين املوت
من جديد؟ فأنا ال أمانع ً
أبدا عزيزتي
فظلت تموء متوعدة و كأنها تهدده هي األخرى ،ونظرت إليه و نظر هو
اآلخر إليها وهو يفكر فيما حدث فهو متأكد بأنه قتلها بعد أن انتزع عينيها.
فلقد أراد أن يرحمها من الحياة عاجزة بعين واحدة في هذا العالم الكبير
فقام بتكسير عظام رقبتها بقوة رحمة ورأفة بحالها .فكيف ستحيى
مشوهة في العالم بعين واحدة؟ أهذا هو جزاء معروفه لها وعدم تركها
تحيى مشوهة في هذا العالم الكبير؟
حقا هذه الحياة.هكذا يقابل اإلحسان والعمل الحسن .غريبة ً
ً
مبتسما وعيونه تلمع بتحد
ٍ ظلت تنظر إليه وهي تموء وينظر هو لها
بشدة وهنا اتخذت قرارها وبدأت الهجوم فوثبت بقوة لتقفز على وجهه
ً
بعنف ،و صرخ ساهر أملا عند ما غرزت أظافرها في عينيه اليسرى و سالت
الدماء الحمراء تجري وسط الشواهد املظلمة.
✦✦✦
اجتمع األربع صديقات " سارة ،مريم ،أيرين ورهام " بتلك الحديقة
الجميلة التي اعتدن أن يجتمعن فيها كل جمعة من كل أسبوع .فبعد
تخرجهن من نفس الجامعة ،انشغلت كل واحدة بالحياة.
215
فمنهن من انشغلت بالبحث عن عمل ولكن ل م توفق إال مريم التي
وجدت وظيفة في إحدى الشركات بواسطة أحد أقاربها الذي يعمل بنفس
الشركة.
وكانت سارة منشغلة باالستعداد للزواج من عمر فكانت مشغولة
ً
استعدادا للزواج قبل أن معظم الوقت مع خطيبها أو لشراء الجهاز
يحدث لها ما حدث ،فكانت تلك الليلة عائدة من عند خالها بمرس ى
مطروح ،فاستقلت القطار وحيدة من اإلسكندرية إلى القاهرة وحدثت
تلك الحادثة الغريبة.
فلقد مات الراكب بجوارها وماتت أخته في نفس اللحظة ،وحذرها
الرجل قبل موته من زيارة بائع التذكرة الشاب الذي باعها التذكرة الغلط
قبلها بيوم.
ومن يومها تغير حالها فأصبحت ترى الرجل يطاردها .فكانت تخش ى
الظالم لدرجة مثيرة وترى الرجل يطاردها .فخضعت للعالج النفس ي بعد
أن أصيبت بانهيار عصبي حاد .وبعد فترة من العالج بدأت في الشفاء.
ولكن خوفها من الظالم ومن بائع التذكرة لم يزل ولكنها لم تخبر
ً
خطيبها عمر بش يء خوفا من أن يعتقد بأنها فقدت عقلها فيتركها ولكنها
ً
ابتعدت عنه قليال.
وكانت سارة تحكي كل ش يء في حياتها لصديقاتها املقربات فكن يعرفن
ُ
القصة وك ّن يعتقدن بأنها تختلق األمر لتثير رعبهن وفزعهن فلم يصدقنها
إال أيرين التي كانت تحب سارة وتصدقها وتصدق القصة كلها فهي تعلم
216
بأن هناك أمو ًرا غريبة تحدث بالكون حولها ليس لها تفسير ولكن لها
حكمة ال يعلمها إال الرب.
املهم جلسن جميعهن بتلك الحديقة يتحدثن فقالت سارة ضاحكة:
-سأفتقدكن يا فتيات عندما أتزوج ً
قريبا ،وربما هجرتكن لألبد.
وانفجرت بالضحك وابتسمت األخريات بسعادة و الدعاء لها
ً
بالسعادة ،إال رهام التي كانت نار الغيرة تأكلها أكال وتشعر بالكراهية
والحقد الشديد لسارة ،فلقد أخذت منها حبيبها عمر الذي لم تحب سواه
في هذا العالم ولكنه اختار سارة بعد أن رآها معها ً
يوما و تركها هي
بجمالها وأنوثتها الطاغية ولم يهتم ألمرها من يومها ،فلقد سحرته سارة
وبالرغم م ن حبها الكبير له وجمالها الفتان فلم يهتم عمر ألمرها ً
أبدا أو
يرها أمامه.
فكانت كلمات سارة كالخنجر الحاد يمزق قلبها بشدة.
وهنا نظرت لها مريم مؤنبة وهمست في أذنيها قائلة:
-ليس هكذا يا رهام أمام األخريات ،فلتصبري حتى يرحلن.
كانت مريم تعرف حب رهام لعمر وكراهيتها وغيرتها من صديقتها سارة.
فلقد كانت تعتقد بأن سارة سحرت عمر وجعلته يحبها بمساعدة خالتها
الساحرة نورا ساحرة الفودو بالسحر األسود لتجعله ال يرى سواها
ويحبها.
217
و كانت مريم تشاركها تلك الكراهية لسارة منذ الصغر وهي تحقد على
سارة وتغار منها لقد كانت سارة تمتلك كل ش يء وتجذب الجميع إليها على
عكسها ً
تماما ،فلم يكن لها أحد لذا كرهتها وتمنت موتها.
و هنا قامت سارة وأيرين إلحضار بعض املشروبات الغازية .فمالت
رهام على أذن مريم قائلة:
-ال أستطيع التحمل أكثر من ذلك يا مريم البد أن تتصرفي بسرعة إن
تزوجت سا ة من عمر سأقتلها فلن يأخذه مني أحد ً
أبدا في هذا ر
الكون إال املوت فبسببها وبسبب سحر خالتها لم يعد يراني أو يشعر
بوجودي بجواره.
فردت األخرى قائلة:
-اصبري يا صديقتي فل كل ش يء نهاية فلدي خطة إن نفذنها ً
جيدا
فستترك سارة خطيبها عمر وربما تركت الحياة كلها وأراحتنا من ثقل
ظلها
فردت رهام بلهفه:
ً -
حقا يا مريم
فأجابت مريم بجدية قائلة:
ً
-نعم يا صديقتي اصبري فقط قليال وسترين كل ش يء بعينيك سنقوم
بعمل دعابة ومقلب معها كما تعمل هي بنا املقالب الكثيرة وتضحك
بعدها باستخفاف قائلة بأنها مجرد مزحة ولم تقصد ً
شيئا فلنذقها
218
ً
من نفس الكأس إذن ولكننا سنختلف عنها قليال ،فلن نخبرها أنها
مزحة وسنتركها تعتقد بأن ما حدث كان حقيقة.
و هنا ردت رهام بلهفة قائلة:
-ماذا ستفعلين يا مريم أرجوك أخبريني اآلن فلن أستطيع الصبر.
وهنا شرحت مريم املقلب بهمس لصديقتها التي اتسعت عيناها ر ً
عبا
من هول ما سمعت ،ثم انفجرت ضاحكة.
و هي تقول:
-يا لك من شيطانة يا مريم
عال وتردد صدى ضحكاتهما في املكان.
وبعدها ضحكتا بصوت ٍ
✦✦✦
219
-حاضر يا أمي سأ تدي مالبس ي حاال .ال تقلقي فلن أفعل ً
شيئا غير ر
ما تريدينه مني ،سأذهب معك كما تشائين إلى أي مكان حتى
أتخلص من روحها التي تطاردني باستمرار وتريد اخذ ابني قبل أن
أراه ويرى النور وتدفعني للجنون وفقد عقلي ولن أسمح لها بذلك
ً
أبدا.
✦✦✦
✦✦✦
220
عزيزي :عمر
عند قراءتك لرساليت هذه فاعلم بأن األوان قد فات لكل شيء
فلم أعد كما كنت سابقا فأنا اآلن زومي يا عمر هل تعرف الزوميب؟
املوتى األحياء لقد مت وقامت خاليت نورا بإعادتي للحياة من
جديد ألنتقم ممن ظلمين ال أدرى كيف؟
و لكنها فعلتها فعندما تصلك تل ك الرسالة وتبدأ يف قراءتها أكون
أنا عدت ثانية من العامل اآلخر لألموات.
ال أعرف كيف سيكون إحساسي وشعوري حينها هل سأعرفك
أم ال؟
ال أدرى هل سأكون مسخا أم ستعيدني خاليت بهيئيت كما كانت
قبل املوت؟ ال أعلم شيئًا ولكن كل ما أعرفه هو االنتقام من
زوجتك رهام و األخريات مريم وأيرين البد من أن يدفع اجلميع
الثمن.
مثن ما فعلوه بي وأرجو أن تساحمين يا عمر سأقتل طفلك بدم
بارد فزوجتك ال تستحقه مطلقا ،فأنت ال تعرف ماذا فعلت إلبعادي
عن طريقك .فهذا الطفل من حقي أنا.
لذا أرجو أن تساحمين يا عمر وتلتمس لي العذر يا عزيزي
فأنت مل تعش ما عشت وداعًا إىل القريب العاجل.
املخلصة :سارة
✦✦✦
221
ألقى عمر بالرسالة من يده بعد أن قرأ كل ما جاء بها .و أخذ يذرع
الغرفة كاملجنون وهو يتذكر كلمات سارة "سأقتل طفلك بدم بارد" فصرخ
ً
عال قائال:
بصوت ٍ
جننت يا سارة؟"
ِ "هل
ً
سريعا وذهب إلى زوجته ليعرف منها كل و هنا ارتدى عمر مالبسه
ش يء و يحذرها من انتقام سارة وتساءل ً
حائرا:
-هل جنت سارة ما هذا الكالم الغريب الذي تقوله ماتت والعودة من
أبدا وهل ً
حقا شيئا ً
جديد للحياة والزومبي واملوتى األحياء ،إني ال أفهم ً
ماتت سارة؟
مسرعا إلى منزل أسرة زوجته ،فدق الباب ً
كثيرا لكن ً وأخيرا وصل
يبدو بأنه ال يوجد أحد باملنزل.
فاحتار ماذا يفعل فهو يتصل بزوجته على هاتفها املحمول منذ أن قرأ
رسالة سارة ولكنها ال ترد ال هي وال أمها.
ً
متأخرا. فنظر إلى ساعته فوجد الوقت
فقال بقلق:
" ماذا حدث وأين ذهبت رهام في هذا الوقت املتأخر؟"
و هنا غادر البناية وهو قلق وال يدري كيف يتصرف و يتساءل برعب:
" هل حدث لها مكروه؟ هل نفذت سارة انتقامها وملاذا؟ فهو ال يفهم
ً
مفكرا ثم قرر الذهاب إلى منزل سارة و التأكد من كل شيئا ً
أبدا ،فوقف ً
222
ش يء بنفسه ،ربما كانت مجرد مزحة منها ،فهي كانت تحب املقالب ً
كثيرا.
و تذكر ذلك املقلب الذي فعلته معه من سنين وأوهمته فيه بأنها
مريضة بمرض خطير وأجمع األطباء بعد عمل التحاليل واألشعة الالزمة
بأنها ستموت خالل شهر.
و استغلت هذا الشهر في الخروج والتنزه والطلبات الكثيرة و كان هو
قلبه يتقطع حزنا عليها و كاد أن يفقد وظيفته بسبب كثرة تغيبه عن
العمل ،و بعد انقضاء الشهر أخبرته وهي تنفجر من الضحك بأنها مجرد
مزحة ،أرادت بها أن تجعله قريب منها ألنه أهملها في الفترة األخيرة واهتم
بعمله أكثر منها و لم يعد يخرج معها كما كان من قبل.
فقامت هي بعمل ذلك املقلب فيه ،فلم يصدقها في أي مقلب بعد
ذلك ،وال مقلب بائع التذكرة والهالوس التي كانت تقولها والرجل الذي
كان يتبعها هزرأسه بعنف ليبعد عنه تلك األفكار والذكريات الكثيرة وهنا
وصل عمر إلى منزل سارة.
ً
و كانت الساعة تجاوزت منتصف الليل ،فوقف قليال يفكر هل يعود
في الصباح أم يدق الباب و يحدث ما يحدث ،فقرر طرق الباب وليكن ما
يكون.
كثيرا فلم يرد أحد عليه وطرق الباب مرة أخرى وانتظرفطرق الباب ً
أن يرد عليه احد ،و لكنه لم يتلق أي رد أو يسمع صوت أحد بالداخل.
و في تلك اللحظة شعر بالرياح الباردة تخرج من أسفل الباب و
انتصب شعر ذراعه وشعر بالتوتر وبأن هناك من يراقبه فأخذ يبسمل
223
ويحوقل ويقرأ ما تيسر له من آيات الذكر الحكيم إلى أن هدأت الرياح
واعتدل الطقس مرة أخرى و هدأت نفسه فدق الباب لثالث مرة وقال
هامسا لنفسه "هذه آخر مرة أطرقه إن لم يفتح أحد سأرحل من هنا
سريعا فقلبي ليس مطمئنا ً
أبدا ملا يحدث" ً
فلم يفتح أحد الباب أو يرد عليه ولكنه سمع من يئن بألم داخل
املنزل ،فاقترب واضعا أذنيه على الباب ،و هنا سمع الصوت بوضوح
هناك من يئن ويتألم بداخل الشقة.
فقال عمر بصوت عالي:
-هل هناك أحد داخل املنزل؟
طالبا للعون وبأن يساعده أحد فوقف عمرفزاد األنين والصوت ً
ً
مفكرا ماذا يفعل هل يكسر الباب وينقذ من يطلب املساعدة ويتألم
بالداخل ،و ربما كانت مزحة أو خدعة من سارة.
حائرا ثم نظر إلى باب الشقة املجاور ،وطرق الباب ً
طالبا ً فوقف
للمساعدة ملعرفة ماذا يحدث بداخل شقة سارة فلم يرد عليه أحد
ً
مستنجدا بمن بالداخل أن يساعده فلم يرد عليه وطرق الباب مرة أخرى
أحد وهنا سمع صوت األنين واالستغاثة من داخل الشقة األخرى ً
أيضا.
و هنا شعر بالتوتر والقلق.
فرجع عمر للخلف برعب خطوتين للخلف .وهو ال يدري كيف يتصرف
فازداد األنين والتألم مع الصراخ املتواصل من داخل الشقة وهنا أسرع
224
عمر يركض مغاد ًرا املكان حتى كاد يسقط على وجهه من شدة انفعاله
ً
مسرعا إلي أقرب قسم للشرطة. ورعبه وذهب،
✦✦✦
في املستشفى
ً ً
وقف كبير األطباء ومدير املستشفى فاتحا فاه ومذهوال مما يرى أمامه
غير مصدق ما يحدث بمستشفاه لقد كانت إحدى املريضات معلقة
بالسقف مذبوحة كالنعاج وممزقة الجسد وخرجت أمعاؤها بطريقة
مقززة وانفصلت رأسها عن الجسد .وصرخت إحدى املمرضات برعب من
هول املنظر واستفاق الطبيب من ذهوله على صوت الصراخ والعويل و
ً
صرخ قائال:
ً
-اتصلوا بالشرطة حاال.
فصرخت ممرضة أخرى بانهيار:
-وماذا ستفعل الشرطة في هذه الحالة فهي من كانت تحرس تلك
الغرفة
و هزت رأسها بقوة ثم أكملت حديثها:
-فهذه غرفة املتهمة التي أحضروها أمس أعتقد اسمها مريم
ً
و هنا صرخ الطبيب مدير املستشفى برعب قائال:
225
-و أين ذلك الشرطي املكلف بحراسة املكان كيف حدث هذا؟ و ملاذا؟
ً
فرد رجل أمن املستشفى قائال:
-لقد وجدنا الشرطي ً
نائما أمام باب الغرفة يا سيدي و يغطيه التراب
األبيض كأن هناك من قام بتخديره فدخل املسكين في غيبوبة
وحاول األطباء إفاقته بكل الطرق فلم يفلحوا ولم يستطيعوا فعل
أي ش يء له فقاموا بنقلة إلى غ رفة العناية الفائقة
و هنا صرخت إحدى املمرضات قائلة:
هاما لقد اختفى الشرطي اآلخر ً
أيضا أمرا ً
-سيدي املدير لقد نسينا ً
املكلف بحراسة غ رفة املريضة األخرى املجني عليها كما قالوا لنا
أمس واسمها أيرين ولم يهتم أحد بالدخول لالطمئنان عليها.
ً
فصرخ املدير في وجهها قائال:
-أتقولين ذلك اآلن أيتها الغبية ،ثم أسرع إلى غرفة أيرين والعرق
يتصبب من وجهه ويهز كرشه البدين ليطمئن بنفسه عليها ولكنه لم
يجد أي أحد بالغرفة.
لقد كانت الغرفة خالية .واختفت أيرين من الغرفة وأمر املدير رجال
األمن واألطباء و ً
أيضا املمرضين وكل العاملين باملستشفى بالبحث عنها وإن
أستطاع أن يأمر املرض ى بالبحث عنها لفعل ولكنهم لم يجدوا لها أي اثر
باملستشفى.لقد تبخرت أيرين من املستشفى كلها ،كتبخر املاء وقت
الظهيرة ،فلم يعثروا سوى على مالبسها ملطخة بالدماء واختفت هي
ً
تماما وال يعلم أحد كيف؟
226
ً
و هنا صرخ املدير برعب قائال:
-أين رجال الشرطة ملاذا لم يحضروا حتى اآلن؟ اتصلوا بهم مرة
أخرى أيها....
✦✦✦
227
الفصل األخير
النهاية
229
-ماذا تقصد بقولك إنها نفذت ما تريد أيها الشيخ.
ً
فنظر إلى ابنتها طويال ثم قال:
-ال داعي ألن تخفي األمر أكثر من ذلك يا ابنتي.
ً
و نظر لها ثم أكمل قائال:
-فأنت تعرفين ً
جيدا ما أقصد يا رهام.
وهنا نظرت األم بقلق إلى ابنتها التي كانت تمسك بطنها بقوة و تبكي
بقهر وإلى الشيخ زويد
و قالت األم موجهة حديثها للشيخ:
-ماذا حدث وماذا تخفي ابنتي عني يا شيخ زويد؟ أرجو إخباري اآلن
أتوسل إليك
ً
فرد عليها الشيخ قائال:
-إن ما في حم ابنتك مات منذ يومين وهي تعلم ذلك ً
جيدا وتخفي ر
األمر
فصرخت األم في وجهه قائلة:
-ماذا تقول أيها الشيخ وملاذا لم تخبرني بذلك.
ً
فرد عليها قائال:
-الن ابنتك هي من قام بقتله بيديها وبدم بارد.
230
فنظرت األم إلي ابنتها غير مصدقة ما تسمع و صرخت بغضب في
وجهها:
-هل ما يقوله صحيح يا رهام.
فلم ترد عليها بل أخذت تضحك بطريقة هسترية غريبة وبعيون زائغة
تتحرك باستمرار ثم قالت وهي مازالت تضحك:
-نعم لقد قتلته بيدي وبدم بارد ،كما قال الشيخ حتى تتركني سارة
أعيش وأخذت تضحك.
نظرت إليها األم بقلق كبير فابنتها ليست في حالتها الطبيعية ً
أبدا
ً
ونظرت إلى الشيخ زويد لتستشيره وتأخذ بنصيحته فنظر إليها قائال:
-ابنتك ال تحتاج ّ
إلي بل تحتاج إلى زيارة طبيب والذهاب إلى املستشفى
اآلن قبل فوات األوان يا سيدتي.
فنظرت له األم برجاء تستحثه أن ينقذ ابنتها ويساعدها مما هي فيه
ولكنه رحل من أمامها تاركا الغرفة وهو يقول:
-ابنتك تحتاج إلى طبيب والذهاب إلى املستشفى قبل أن يتسمم
جسدها وتموت فالولد مات منذ يومين في بطنها ال تحتاج إلى معالج
روحاني يا سيدتي.
فنظرت له بضيق ثم أخذت ابنتها و هي مازالت تضحك بهستريا إلى
أقرب مستشفى ،و رحلت األم وهي تحمل هموم الدنيا في قلبها فماذا
ستقول لزوج ابنتها.
231
و ماذا سيكون رد فعلة عندما يرى زوجته بهذه الحالة؟
✦✦✦
ذهب عمر ً
سريعا وقام بإحضار بعض قوات الشرطة التي فتحت باب
منزل سارة عنوة لترى األب (مسعد) ملقى على األرض يئن ويتألم.
من شدة األلم فلقد كان وجهه مشوها ممزقا بشدة بفعل ش يء حاد و
كأن هناك حيوانا مفترسا قام بمهاجمته.
و قامت الشرطة بمعاينة املكان ونقله إلى أقرب مستشفى و لكنه عند
ً
نقله على املحفة أمسك بمعصم عمر برعب قائال:
-سارة خلصها يا عمر باهلل عليك وطهر روحها
و هنا نقله املسعفون إلى سيا ة اإلسعاف ولم يفهم عمر ً
شيئا من ر
حديث األب و بعد فتح الشقة املجاورة لشقه سارة وجدت الشرطة
أشالء جثة في املكان المرأة عجوز ممزقة ً
تماما وكأن هناك حيوانا مفترسا
قام بمهاجمتها وتمزيقها إربا كما يقولون نظر عمر برعب لتلك املرأة
املمزقة فشعر بالغثيان وبألم في معدته وقال برعب هامسا لنفسه:
حقا وتحولت لوحش مفترس؟" "من فعل ذلك هل هي سا ة ً
ر
و هنا تذكرزوجته ورسالة سارة املهددة لها فأسرع يغادر املكان متجها
إلى منزل أهل زوجته من جديد وظل يدق الباب.
232
و لكن لم يكن هناك أحد باملنزل فأشتد به القلق بشدة وعصف
بكيانها فأخذ يطرق على الجيران بعنف حتى فتحت له إحدى الجارات و
ً
مسرعا يركض في الشارع أخبرته بأن زوجته وأمها باملستشفى فذهب
كاملجنون متجها إلى املستشفى ليجد حماته منهارة وتبكي بقوة وأخبرته
بفقد ا لجنين وإصابة ابنتها بصدمة عصبية ،مما أدى إلى فقدها لعقلها
ً
ووقف عمر ينظر بذهول إلى أم زوجته وتساءل قائال غير مصدق:
" ماذا تقول تلك السيدة وهل ما تقوله صحيح؟"
و في هذه اللحظة أتى أحد األطباء وأعاد عليه ما قالته األم وهنا
تركهم الزوج و رحل من املكان وعيناه تلمعان من أثر الدموع على فقد
ابنه وزوجته وقرر أن يسأل سارة ملاذا فعلت ذلك؟
ملاذا دمرت حياته وقتلت ابنه؟
و جعلت زوجته تفقد عقلها ما سبب كل هذه القسوة والبشاعة؟
✦✦✦
ً ً
عاد عمر إلى املنزل منهكا ومحمال بجراحه وآالمه التي ال تنتهي ،فسمع
من يئن ويبكي بغرفة نومه فاقترب بحرص من باب الغرفة ،و كلما اقترب
كلما زادت رائحة الياسمين ،وهنا نظر إلى فراشة برعب من خلف باب
شيئا فشعرهاالغرفة ليجدها تجلس على فراشة وتبكى ،فتاة لم ير منها ً
األسود الطويل يغطي وجهها و ترتدي ثوبا أسود اللون فكانت ككتله من
الليل األسود تجلس على فراشه فابتعد خطوتين للخلف بتوتر.
233
و قال لنفسه هامسا:
"إنها هي سارة فأغلق الباب عليها باملفتاح"
و قال بصوت مهزوز يمأله الرعب والتوتر:
-سارة هل أنت بالداخل؟
ً
فلم ترد عليه فأعاد سؤاله من جديد قائال:
-أنت سا ة أعرف ذلك ً
جيدا فلماذا يا سارة فعلت ذلك؟ ملاذا قتلت ر
طفلي؟
ً
فسمع من يرد عليه من خلفه قائال:
ً
-سارة لم تقتل أحدا يا ولدي.
فصرخ فزعا والتفت ليرى سيدة غريبة بعيون واسعة وترتدي زًيا
أسود وتمسك بجمجمتين صغيرتين بيدها ،فصرخ برعب في وجهها:
-من أنت وكيف دخلت إلى منزلي؟
فأجابت السيدة قائلة:
-أنا نورا خالة سارة يا ولدي
ً
فصمت عمر قليال متذكرا ثم قال بتوتر:
-أنت الساحرة التي تعيش في الخارج في الكاريبي وتمارس السحر
األسود على الناس ،سحر الفودو لتعذبهم وتجبرهم على فعل ما
تريد لقد أخبرتني سارة عنك ً
كثيرا ماذا تريدين مني؟
فنظرت له نورا بعمق قائلة:
234
-أنا ال أعذب أحد يا ولدي إال من يستحق العذاب ،ومن يخطئ
فليعاقب ويعذب فأنا أحقق العدالة فقط
فرد عليها:
-ومن طلب منك تحقيق العدالة ،والتدخل فيما ال يعنيك واآلن ماذا
تريدين منى يا نورا و ماذا تفعل سارة في غرفة نومي؟
فأجابت بفتور:
-إن سارة تحتاجك يا عمر تحتاج أن تقف بجوارها فهي اآلن في
مرحلة التعلم
ً
وهنا شهق برعب قائال:
-ماذا تقولين؟ تحتاجني سارة أم تريد أن تقتلني .كما قتلت ابني
الوحيد وجعلت زوجتي تفقد عقلها ،أهذا ما تريدين قوله ملاذا ال
تقولينها صراحة
فأجابت نورا بغضب قائلة:
-أنت مخطئ يا عمر فسارة لم تقتل ابنك بل زوجتك هي من أجهضت
نفسها بيديها وقتلت ما في رحمها بمفردها يا ولدي صدقني ،لم
يتدخل أحد باألمر ً
أبدا صدقني .هي اختارت الحياة ،وشعرت بأن
ابنك حمل ثقيل عليها.
ً
فرد عليها بتوتر قائال:
235
-و ماذا سأفعل أنا معها بعد أن تحولت إلى وحش مفترس زومبي خرج
من قبره ليلتهم الناس بقسوة ملاذا فعلت ذلك ملاذا جعلتها كاملسوخ
يا نورا؟ ملاذا لم تدعيها ترحل بسالم وينتهي األمر لقد رأيت ما فعلت
بوالدها وبالجارة العجوز املسكينة هل تريدين أن تكون نهايتي
مثلهما يا نورا
وهنا قاطعته قائلة:
شيئا يا عمر صدقني لم تقتل أحدا غير شقيقها -سا ة لم تفعل ً
ر
أحمد ،ولم تكن تقصد قتله فقد كانت أفاقت للتو ،وكانت تحتاج
إلى فترة لتتأقلم وتعرف ما يدور حولها ولكن شقيقها تسرع وكانت
هي خائفة كاملولود يوم والدته ففعلت ما فعلت دون أن تدرك ماذا
تفعل؟ وهي اآلن تبكي على فقد شقيقها أحمد ،وتحتاج من يساندها
ويقف بجوارها
ً
متعجبا ثم قال مندهشا: فنظر إليها عمر
شيئا ولكني متأكد بأن سارة ماتت لقد سألت والدها -أنا ال أفهم ً
والجيران وأكدوا ذلك بأنها ماتت فماذا تريدين مني اآلن يا نورا؟أرجو
أن تتركيني وتأخذي معك تلك الزومبي وتبتعدا عني فأنا ال أريد رؤية
أو معرفة ش يء.
ً
فنظرت إليه طويال ولكنه لم يعد يتحمل نظراتها املخيفة فتركها
مسرعا وغادر املنزل ولكنه اصطدم بذلك الشاب عندما فتح باب املنزل ً
فسقط عمر على األرض واستطاع الوقوف على قدميه بصعوبة ليجد
236
مسخا مشوه الوجه فقئت إحدى عينيه وتلطخت ثيابه بالدماءً أمامه
ً
مسرعا ،إلى شقته فوجد نورا تنظر ويتساقط الدم من يديه فرجع عمر
برعب لذلك الشاب قائلة:
-ماذا حدث لك يا ساهر ومن فعل بك ذلك يا ولدي؟
ً
سريعا وقفز عليها كالنمر ،و صرخت نورا و لكنه لم يرد عليها بل هجم
ً
أملا عندما هجم على ذراعها ليقضم منه جزءا ويأكله.
و هنا خرجت سارة من الغرفة بثوبها األسود ويغطي شعرها األسود
عبا و أسرعوجهها تسير ببطء بقدميها العاريتين املتسخة وصرخ عمر ر ً
هربا وصدره يعلو ويهبط بقوة و تتسارع دقات قلبه بعنف يغادر املنزل ً
وتدق كالطبول عالية ثم ذهب إلى أقرب قسم شرطة ليبلغ عما حدث في
شقته وعن تلك الوحوش الضارية التي هربت من الغابة لتستوطن في
شقته واتجهت قوات الشرطة إلى منزلة ليجدوا سيدة ممزقة ً
تماما
بجوارها شاب مشوه الوجه ويبدو عليه الجنون يلتهم الجثة بنهم شديد
فأطلقوا عليه النار عندما حاول مهاجمتهم وهم يستعيذون باهلل من
ميتا على الفور بعد أنالشيطان الرجيم و يبسملون ويحوقلون فسقط ً
أصابته الرصاصات في قلبه ولم يجدوا أثرا ألي أحد آخر باملنزل.
ً متلفتا حوله ً
ً
يمينا ويسا ًرا باحثا عنها فلم يجد لها أي اثر ونظر عمر
باملنزل و لكنه وجد تلك الرسالة الحمراء قرمزية اللون على فراشه و تفوح
منها رائحة الياسمين املميزة فالتقط الرسالة ليقرأ ما فيها ويعرف أين
جيدا أن الرسالة منها هي ومن غيرها حبيبته املسخ التيذهبت فهو يعرف ً
تحولت لزومبي.
✦✦✦
237
في املستشفى
عبا عندما سقط منها هاتفها املحمول صرخت إحدى املمرضات ر ً
أسفل ذلك الفراش بغرفة أحد املرض ى ،فانحنت بتوتر لتلتقطه فقد كان
ً
صباحا ،وقتل الجو العام باملستشفى يسوده التوتر والرعب بعد ما حدث
إحدى املريضات وذبحها كالنعاج فاألعصاب كلها مشدودة والتوتر والرعب
سيد املوقف.
وهنا شاهدتها فصرخت ر ً
عبا بهستيريا ،وتجمع العاملون واألطباء
وبعض املرض ى الذين كانوا في طريقهم للهروب من املستشفى املشئومة،
ً
مسرعا و كرشه الضخم يهتز وهو يمسح العرق الغزير وجاء املدير يركض
ً
على جبينه ويتساءل برعب قائال:
-ماذا حدث ملاذا كل هذا الصراخ؟
ً
فأجابه أحد رجال األمن قائال برعب:
-لقد وجدوها يا سيادة املدير ،ولكنهم لم يجدوها كلها
فقال املدير بعنف:
-ماذا وجدوا يا متولي أوضح كالمك فأنا ال أفهم ً
شيئا .
ً
فرد متولي رجل األمن باملستشفى قائال:
-املريضة الهاربة يا سيدي أيرين التي يبحث عنها الجميع وجدوا
نصفها العلوي فقط أسفل الفراش .ولم يجدوا النصف اآلخر
فنظر له الطبيب برعب فاتحا فاه غير مصدق ما يسمع و يسأل برعب
238
-ماذا تقول أيها األحمق؟
✦✦✦
في املقابر
وفي املقابر وقف األب امللكوم على قبر ابنته سارة يبكي وينتحب بقوة و
من حوله رجال الشرطة يقومون بحفر القبر و معرفة ماذا يحدث فيه.
ً
بعد أن قام احدهم بإبالغ للشرطة بوجود أعمال غريبة تحدث ليال
عبا عندما أخرج الجنود تلك الجثة حول ذلك الشاهد وهنا صرخ األب ر ً
ً ً
عبا قائال:من الشاهد ،إنها جثة ابنه أحمد فصرخ األب ر
-ال ،ولدي أحمد.
وبعدها سقط فاقد الوعي غير مصدق أنه فقد أوالده مرة واحدة.
✦✦✦
239
الرسالة األخيرة
عزيزي :عمر
آسفة لتدمري حياتك ولكنها فكرة االنتقام اليت سيطرت عليّ هي
من جعلتين أفعل ذلك فلقد اتصلت خباليت نورا ورجوتها كي تأتي و
تساعدني بسحر الفودو وتنتقم لي من الذين تسببوا بأذييت ،كانت
أخربتين سابقًا عن الزوميب اليت تشتهر به جزر اهلاييت اليت عاشت
فيها خاليت سنني طويلة لقد كانت خاليت إحدى كبريات السحرة
هناك بكورز الفودو إحدى كبريات السحرة وتعمل لصاحل احلكومة
قبل أن تنتقل للعيش بإحدى جزر الكارييب.
و أعرف جيدًا قدراتها اخلارقة يف االستعانة باجلن وتسخريهم
ملساعدتها.
و أعجبتين فكرة االنتقام جبعل صديقاتي السابقات مينت رعبًا مين
بعد أن يعرفن خبرب ،موتي ثم أعود هلن من جديد على هيئة زوميب
" املوتى األحياء " و جنحت خطيت وأعطتين خاليت بعض الشراب
الذي يستخدمونه جلعل الضحية تنام وتفقد وعها وتبدو كاألموات
فيعتقد األطباء واملقربون بأنها ماتت وبعد دفنها يقوم السحرة
240
بإخراجها من جديد من القرب على هيئة الزوميب و يعتقد الناس بأن
اجلثة مت إعادة الروح إليها ثانية و لكنه اجلهل وعدم اإلميان باهلل فمن
يستطيع إعادة روح إىل جسد غري خالقها فمن يستطيع أن يعود من
املوت من جديد ويصبح زوميب او املوتى األحياء كما يقولون عنهم.
يا عمر.
241
و لكنه ال يعود أبدًا كما كان ،يعود مسلوب اإلرادة مغيب ذهنيا
يفعل أي شيء يعود كاخلادم يعود كالزوميب.
وأنا نادمة أشد الندم على قتل أعز خملوق لي يف احلياة ،أنا مل أقتل
أحدً ا يا عمر أريد أن أخربك بذلك فلقد قام ساهر بعد أن فقد عقله
بقتل صديقاتي وخاليت .وحاول قتل أبي .مل أفعل شيئًا صدقين فأنا
ضحية لدعابة سخيفة من صديقاتي السابقات.
وأوهلم زوجتك رهام لقد أوهموني بأنها حقيقة وليست دعابة أو
مزحة مل خيربني أحد شيئًا فجعلوني أموت قهرا ،وأتركك رغما عين
وأنا مل أحب سواك يف هذا الكون.
لقد استخدموا كل شيء ضدي ولعبوا مبرضي وخويف.
242
والفم والقدمني ممزق الثياب عاري اجلسد وتغطيك الدماء
وتشعر باألمل يف كل ذرة جبسدك ماذا سيكون شعورك إن كنت فتاة.
243
و ماذا فعلن بي فلقد فقدت وعي لفرتة وال أدري ماذا حدث
فيها؟ هل عرفت اآلن ما فعلته معي زوجتك واألخريات.
244
سأذهب إىل حيث أنتمي .وأعيش كما أنا ويتقبلين الناس هناك
كما أنا زوميب ،عاد من املوت ليعيش مرة أخرى وسط األحياء.
✦✦✦
245
لقد انتهت الرواية ورحلت سا ة ً
بعيدا إلى حيث تنتمي ،رحلت إليهم ر
لتحيى وسطهم ً
بعيدا.
وأتمنى أن نكون قد تعلمنا بأن للمزحة والدعابة حدود.
فال تستخف بشخص وال تهزأ منه حتى وإن كنت تبغضه ،فال يحق
لك أن تلعب بحياة اآلخرين وال تقل أنها مزحة صغيرة ودعابة.
ال يا صغيري فربما انقلبت املزحة والدعابة إلى ش يء آخر وتحولت إلى
دعابة قاتلة .وخسرت حياتك ثمنا لذلك.
فقل لي ماذا ستفعل حينها؟
فال تستخف بش يء وثق بأن كل ش يء ممكن أن يحدث في تلك الحياة
فليس هناك ش يء مضمون بالحياة.
مع تحياتي:
د .منى حارس
✦✦✦
246
ما بين الحقيقة والخيال
ألسطورة الزومبي
247
في لغة الكيكونجو والتي يتحدث بها الناس في جمهورية " "nzambi
الكونجو الديمقراطية واملناطق املحيطة بها .
ويشير مصطلح الزومبي إلى "إله الثعبان" في عقيدة الفودو في غرب
أفريقيا فحين تم اصطحاب مجموعات من البشر من غرب أفريقيا إلى
جزر الهاييتي وأجزاء من الكاريبي خالل القرن الثامن عشر وبداية القرن
التاسع عشر حافظت تلك املجموعات على معتقداتها وممارساتها الدينية.
وانتشرت فكرة الزومبي تدر ً
يجيا في الواليات املتحدة وأوروبا أما في
القرن العشرين فنشط تناول هذا املوضوع في السينما والتلفزيون حتى
أفالم الكرتون لألطفال لم تخل منها ،فأصبح الكبير والصغير يعرف من
هم الزومبي.
املوتى األحياء ..
248
لقد شا هدنا الكثير من أفالم الرعب وحتى الكرتون التي تتحدث عن
الزومبي واجتياحهم للعالم والتهديد الذي يحملونه للجميع بأكل أدمغتهم
وأول ظهور للزومبي كان في فيلم " "Night of the living dead
"ليلة من الحي امليت" عام 1968للمخرج "جورج روميرو" عام
1968م ،البعض يرى أن روميرو لم يطلق عليهم زومبي ،إنما أرادهم أن
كالغيالن ،إال أن العامة هي من أطلقت مصطلح الزومبي ،وعلق يظهروا ِ
االسم من حينها.
إن النسخة األمريكية من هذه األفالم مرتبطة بالزومبي آكل الدماغ
على الرغم من أن كثيرين يتعاملون مع زومبي نهاية العالم على أنه نوع
من الثقا فة الشعبية "البوب" إال أن بعض الناس يعتقدون أن الزومبي
حقيقي ً
جدا.
فالثقافة الهايتية وكذلك األفريقية غارقة بشكل كبير في اإليمان
بالسحر والشعوذة في معتقدات ديانة الفودو وانتشارها في هاييتي
249
ففي الثقافة الهايتية ،فسنجد أنهم ليسوا أشرا ًرا إنما هم ضحايا،
ّ
وهم عبارة عن جثث تتحكم بها قوى سحرية ألغراض محددة ،عادة
لغرض العمل.
يخيا ،الخوف من الزومبي ُ
استخدم كوسيلة من وسائل السيطرة تار ً
250
وآخرون يرون أن الزومبي إن رأى املحيط فقد يستعيد عقله ،وبالتالي
العودة إلى القبر.
البعض يعتقد أنه حقيقي ،لكن األدلة شحيحة .وهناك عدد قليل
من حاالت الزومبي املفترض من بينهم شخص مختل ً
عقليا في الفلكلور
الهاييتي ،فقد وجد الباحثون عدد ال يحص ى من القصص عن أشخاص
تمت إعادتهم إلى الحياة عن طريق األسياد "البكورز" (علماء الدين في
عقيدة الفودو) ،و هؤالء الزومبي (حسب القصص الفلكلورية) يكونون
عبيد ألسيادهم بدون إرادة أو وعي.
في يوم من أيام ربيع عام ،1980وصل رجل غريب يمش ي بتثاقل،
وتعلو وجهه نظره غريبة ،إلى سوق بلدة «ال استرا» في هاييتي ،وقد أثار
منظره الرعب في قلوب الفالحين املحليين ،خصوصا عندما اقترب من
امرأة تدعى أنجيلينا نارسيسا ،ليقول لها إنه شقيقها كالرفيس الذي
ودفن عام 1962وادعى أنه كان يعمل كعبد في إحدىيفترض أنه مات ُ
والذي حقق شهرة كبيرة ،وتم إنتاجه كفيلم لـ "ويس كرافن" .وعلى
الرغم من نجاح الكتاب ،إال أن العلماء شككوا في صحة ما يقوله
السم العصبي في مسحوق الزومبي الذي وجده ديفيسديفيس .فكمية ُّ
كاف إلحداث حاالت زومبي ً
نظريا ،فإن قوة الزومبي قد تعمل تحت غير ٍ
ظروف مثالية ،لكن في العالم الحقيقي سيكون من الصعب خلق زومبي
بهذه القوة.
فالقليل من هذا ُّ
السم له آثار مؤقتة ،أما الكثير منه فقد يقتل
الضحية!
وكذلك هناك شكوك صيدالنية في تحويل الناس إلى زومبي للعمل في
املزارع .فالعملية التي سيتم فيها تحويل الناس إلى زومبي "على افتراض أنها
لن تقتلهم" فإنها ستؤدي إلى تدمير أدمغتهم وإبطاء عملها ،وبكلمات أخرى
252
إنه بالكاد ستكون لديهم القدرة على العمل في املزارع.
وعلى أية حال لم يتم العثور على مزارع قصب السكر التي ُيعتقد أنها
معقل الزومبي ويقول الدكتور المارك دويان ،رئيس مركز «بورتو برنس»
لألمراض العصبية إنه راقب ظاهرة «الزومبي» وتتبع حاالتها على مدار ربع
قرن واكتشف الحد الفاصل فيها بين األساطير والعلم.
✦✦✦
من يدري أين الحقيقة من كل هذا؟
ولكن املهم هو أنه ال يستطيع شخص إعادة الروح إلى جسد قد
فارقته إال هللا الواحد القاهر .
✦✦✦
254
255
256