Download as docx, pdf, or txt
Download as docx, pdf, or txt
You are on page 1of 24

‫وزارة الثقافة‬

‫المعهد العالي للفنون المسرحية‬


‫قسم الدراسات المسرحية‬
‫النقد المسرحي‬

‫النقد الماركسي‬

‫تقديم الطالب مرهف مسعود‬


‫إشراف األستاذ مصطفى عبود‬

‫‪2021‬‬
‫"م!ا ال!ذي يض!في على الفن قيم!!ة خال!!دة ب!الرغم من كون!ه تاريخي!ا؟"‪ ،‬ه!!ذا س!ؤال طرح!!ه ك!!ارل‬
‫ماركس في مقدمة (االقتصاد! السياسي ‪ ،)1858‬الجمالي!!ة الماركس!!ية تطلب من الجدلي!!ة ان تحق!!ق‬
‫الوحدة الصعبة بين الزمني! واالزلي‪ ،‬بين القيمة التاريخي!!ة والقيم!!ة المطلق!!ة‪ ،‬بين الحقيق!!ة النس!!بية‬
‫والحقيقة الكلية‪ ،‬فتخضعها! في الوقت نفسه للتجربة الفاصلة والعظمى‪ .‬ولذلك يشغل علم الفن مكانا‬
‫مرموق!!!ا في الم!!!ذهب الماركس!!!ي‪ !،‬فق!!!د أعلن غ!!!وركي في الس!!!ابق "ان الجمالي!!!ة هي أخالقي!!!ة‬
‫المستقبل"‪.1‬‬
‫اما روجيه جارودي‪ ،‬مؤلف (واقعية بال حدود)‪ ،‬فيعلن دون مواربة ان "إدراك الجمالية هو مح!!ك‬
‫تفسير الماركسية"‪ ،‬بيد ان جورج لوكاتش ه!!و ال!!ذي اخت!ار عم!دا مج!!ال الجمالي!!ة الس!!تعمالها في‬
‫مجال تجديد الجدلية الماركسية وجعلها تحيط بأبعاد معضالتنا! الحاضرة‪.‬‬
‫تبقى الجمالية الماركسية القابلة لتطبيق كلي ودائم التجدد للجدلية‪ ،‬ال سيما انه!!ا أح!!د ان!!در الف!!روع‬
‫في المذهب الماركسي التي ال تنسحق او تختنق تحت ثقل عقي!!دة مح!!ددة نهائي!!ا‪ ،‬وق!!د أحس الن!!اس‬
‫بالفن وارادوه حينا أداة ارشاد ملزم او تعبيرا حر ألمل ث!!وري مجن!!ون ت!!ارة من ناحي!!ة اس!!تمراره‬
‫الباعث على االطمئن!!ان‪ ،‬وت!!ارة من ناحي!!ة االنفص!!ال المف!!اجئ‪ ،‬فأتخ!!ذ على الت!!والي ش!!كال ثوري!ا!‬
‫يجعلنا ننسى مض!!مونه المحاف!!ظ‪ ،‬ف!!الفن ل!!و ش!!ئنا ض!!مه الى نظ!!رة اجمالي!!ة للظ!!واهر االجتماعي!!ة‬
‫‪2‬‬
‫التاريخية‪ ،‬قد أدى الى اثارة معضالت تعرض لها ماركس وغيره بال شك‪.‬‬

‫توطئة‪:‬‬
‫ان االدب والفن هو م!رآة عاكس!ة لمالمح المجتم!ع السياس!ية والثقافي!ة والفكري!ة واالقتص!ادية في‬
‫فترة تاريخية معينة‪ ،‬ومن اجل معرفة تأثير االحداث السياسية واالجتماعية على وعي االف!!راد في‬
‫المجتمع‪ ،‬يكفي ان نطلع على االدب والفن في تلك الحقبة‪ ،‬حيث هناك عالقة وطيدة بينهما كم!!ا ان‬
‫االحداث السياسية واالقتصادية واالجتماعية لها ت!!أثير ب!!الغ على نوعي!!ة ونم!!ط االدب والفن‪ ،‬ف!!ان‬
‫االدب والفن لهما تأثير مواز! على مجريات تلك االحداث‪ ‬‬
‫كارل ماركس وفردريك! إنجلز معروفين بكتابتهما! السياسية واالقتصادية أكثر مم!ا هم!ا مع!روفين‬
‫في كتابتهما األدبية ولكن هذا ال يعني ع!دم تق!!دريهما ألهمي!!ة االدب‪ " .‬ان هن!اك كث!يرا من البش!ر‬
‫يفكرون تفك!!ير الث!!وار ولكنهم جام!!دوا المش!!اعر"‪ ،‬كم!!ا الح!!ظ لي!!ون تروتس!!كي! في كتاب!!ه (االدب‬
‫والثورة‪ .)1924-‬وكان ماركس نفسه مشاهدا ال ينقطع عن الذهاب الى المسرح‪ ،‬ومنش!!دا للش!!عر‪،‬‬
‫وقارئا! نهما ألي نتاج ادبي يصادفه‪ ،‬ابتداء من العص!!ر االوغس!!طي‪ ،‬الى القص!!ائد القصص!!ية عن‬
‫الصناعة‪ ،‬اما في مسألة األسلوب فقد كان مدققا مرهف الحساسية فيما يتص!!ل بأس!!لوبه او أس!!لوب‬
‫غيره‪ .‬وكانت كتابته األولى في الصحافة دفاعا عن حرية التعبير الفني‪ ،‬يضاف! الى ذلك م!!ا يمكن‬
‫ان نكتشفه من أثر للمفاهيم الجمالية في المقوالت الحاسمة في فكره االقتصادي! في مرحلة نضجه‪.‬‬
‫النقد الماركسي! ال ينطلق فحسب من النظرية الماركسية والقضايا التي طرحتها‪ ،‬وان انطلق منه!!ا‬
‫فانه يمتد الى أكثر من ذلك‪ ،‬حيث ان هذا العلم يمتد أساسا الى ما يمكن ان نس!!ميه "أدوات اإلنت!!اج‬
‫االدبي" أي عملي!ات التوزي!ع والتب!ادل! في مجتم!ع بعين!ه‪ ،‬من قبي!ل كيفي!ة نش!ر الكتب‪ ،‬والتك!وين‬
‫االجتماعي لمؤلفيها وقرائها‪ ،‬ومستويات التعليم‪ ،‬والعوامل! االجتماعية التي تحدد الذوق‪ ،‬ويتن!!اول‬
‫علم اجتماع االدب والنصوص األدبية‪ ،‬من منظور! ما تحتويه هذه النصوص من موض!!وعات تهم‬
‫المؤرخ االجتماعي‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫الجمالية الماركسية‪ ،‬ص‪.6‬‬
‫‪2‬‬
‫الجمالية الماركسية‪ ،‬ص‪.7‬‬

‫‪1‬‬
‫ويجدر التنويه هنا ان تلك األمور تشكل جانبا واحدا من جوانب النقد الماركسي‪ ،‬وان علم اجتم!!اع‬
‫االدب بذاته ليس خاصا بالماركس!!ية او النق!!د االدبي‪ ،‬انم!!ا ه!!و عب!!ارة عن نس!!خة مهذب!!ة من النق!!د‬
‫الماركسي في الغالب‪ ،‬تتالءم مع االستهالك الغربي‪.‬‬
‫ان غاية هذا النقد ان يشرح العمل االدبي على أكمل وجه‪ ،‬وه!!ذا يع!!ني االنتب!!اه الى اش!!كال العم!!ل‬
‫االدبي واساليبه ومعانيه‪ ،‬كما يهدف هذا النقد الى فهم هذه االشكال واألس!!اليب والمع!!اني من حيث‬
‫هي نتاج تاريخ محدد‪ ،‬وان اص!!الة النق!!د الماركس!!ي ال تكمن في منهج!!ه الت!!اريخي لدراس!!ة االدب‬
‫‪1‬‬
‫فحسب‪ ،‬بل في فهمه الثوري للتاريخ نفسه‪.‬‬
‫ويمكن ان نجد تفسيرا أوضح للفهم الث!وري! الت!اريخي عن!د م!اركس حيث يق!ول في مقدم!ة كت!اب‬
‫"اسهام في نقد االقتصاد! السياسي ‪ "1859‬حيث يقول‪ " :‬ان البش!!ر خالل اإلنت!!اج الم!!ادي لحي!!اتهم‬
‫يدخلون في عالقات محددة البد منها‪ ،‬مستقلة عن ارادتهم‪ ،‬هي عالق!!ات اإلنت!!اج ال!!تي تتواف!!ق م!!ع‬
‫مرحلة محددة من تطور! قوى انتاجهم المادية‪ .‬ويؤسس! مجم!!وع! ه!!ذه العالق!!ات البني!!ة االقتص!!ادية‬
‫للمجتمع‪ ،‬أي األساس الحقيقي التي تقوم عليه البنية الفوقية السياسية والتشريعية والتي تتوافق معه‬
‫اشكال محددة من الوعي االجتماعي‪ .‬ان نمط انتاج الحياة المادية يح!!دد عملي!!ة الحي!!اة االجتماعي!!ة‬
‫والسياس!!ية والفكري!!ة بوج!!ه ع!!ام؛ فليس وعي البش!!ر ه!!و ال!!ذي يح!!دد وج!!ودهم‪ ،‬ب!!ل ان وج!!ودهم!‬
‫االجتماعي هو الذي يحدد وعيهم"‪.2‬‬
‫ويمكن فهم المذكور! من خالل نموذج بلد رأس!!مالي في ش!كله االقتص!!ادي‪ !،‬ف!ان الرأس!!مالي يمتل!!ك‬
‫أدوات اإلنتاج وطبقة البروليتاريا! التي يجني الرأسمالي ربحه من قوة عملها‪ ،‬وتشكل قوى اإلنتاج‬
‫وعالقته معا ما يسميه ماركس "البنية االقتصادية للمجتم!!ع" او البني!!ة التحتي!!ة بتعب!!ير! اخ!!ر‪ ،‬ومن‬
‫هذا األساس االقتصادي! تنشأ في كل مرة "بنية فوقي!ة"‪ ،‬او اش!كال مح!ددة من الق!!انون والسياس!!ة‪،‬‬
‫ونوع محدد من الدولة‪ ،‬وظيفتها األساسية هي إضفاء الشرعية على سلطة الطبقة االجتماعية التي‬
‫تمتلك القوة اإلنتاجي!!ة واالقتص!!ادية‪ ،‬ولكن البني!!ة الفوقي!!ة تحت!!وي اك!!ثر من ذل!!ك‪ ،‬انه!!ا تتك!!ون من‬
‫اش!!كال مح!!ددة من ال!!وعي االجتم!!اعي (سياس!!ة‪ -‬دين‪ -‬اخالق – جمالي!!ات‪ .‬الخ) وه!!ذا م!!ا يس!!مى‬
‫باأليدولوجيا‪ ،‬ووظيفة األيديولوجيا! أيضا إضفاء الشرعية على الطبقة الحاكمة في المجتمع‪.‬‬
‫والفن كما تراه الماركسية ه!!و ج!!زء من البني!!ة الفوقي!!ة للمجتم!!ع ول!!ذلك ف!!ان فهم االدب يع!!ني فهم‬
‫العملية االجتماعية التي تشمله‪ .‬ومعنى ذل!ك ان االعم!!ال األدبي!ة ليس!ت الهام!!ا غامض!!ا او اعم!اال‬
‫قابلة لتفسير بسيط يعتمد على عقلية مؤلفه!ا‪ ،‬ب!ل انه!!ا اش!!كال لإلدراك وطرائ!ق! خاص!ة في رؤي!!ة‬
‫العالم‪ ،‬وعملية معقدة من التأثير والتأثر ضمن المجتمع الواحد وتتس!ع! لتش!!مل إي!!ديولوجيا العص!!ر‬
‫وهذه اإليدلوجيا! نتاج لعالقات اجتماعية ملموسة‪ ،‬ويجدر التنويه أيضا الى ان البشر ليسوا اح!!رار‬
‫في اختيار عالقاتهم! االجتماعية‪ ،‬بل تدفعهم اليها ضرورة مادية‪ ،‬ترتب!!ط بطبيع!!ة التط!!ور في نم!!ط‬
‫انتاجهم االقتصادي ومرحلته على السواء‪.‬‬
‫ولذلك فان عمليه فهم اعمال أدبية معينة ال تنطوي على م!!ا ه!!و تفس!!ير للج!!وانب الرمزي!!ة للنص‪،‬‬
‫ودراسة تاريخها االدبي وحقائقه االجتماعية‪ ،‬بل علين!!ا أوال فهم العالق!!ات المعق!!دة غ!!ير المباش!!رة‬
‫بين هذه االعمال والعوالم! اإليديولوجية التي انطلقت منه!!ا‪( ،‬أي في األس!!لوب وااليق!!اع والص!!ورة‬
‫والشكل والنوع االدبي)‪ ،‬ولكنن!!ا لن ن!!درك ه!ذه اإلي!!ديولوجيا! م!ا لم ن!!درك الج!انب ال!!تي تلعب!!ه في‬
‫المجتمع ككل‪ ،‬وليست هذه مهمة سهلة اذ ان االيدلوجيا ليست مجرد انعكاس بسيط ألفك!!ار! الطبق!!ة‬

‫‪1‬‬
‫الماركسية والنقد األدبي‪ ،‬مجلة الفصول‪ ،‬ص ‪.22‬‬
‫‪2‬‬
‫المرجع السابق نفسه‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫الحاكمة‪ ،‬بل أنه!!ا اك!!ثر تعقي!!دا تت!!داخل فيه!!ا نظ!!رات متص!!ارعة متض!!اربة عن الع!!الم‪ ،‬وعالق!!ات‬
‫‪1‬‬
‫مركبة بين طبقات المجتمع‪.‬‬
‫وقد يبدو ذلك بمثابة خلط بين النقد االدبي والمجاالت األخرى‪( ،‬كالسياس!!ة واالقتص!!اد) ويجب ان‬
‫تنفصل عنه‪ ،‬ولكنه!!ا أس!!اس ال غ!!نى عن!ه لش!!رح أي عم!!ل ادبي ش!!رحا ك!!امال‪ ،‬وينطل!ق! ذل!!ك من‬
‫موقف كل كاتب من عالمه وموضعه الفردي داخل المجتمع‪ ،‬على نحو يستجيب مع!!ه الى الت!!اريخ‬
‫الخاص من خالل موقف خاص به‪ ،‬ويدرك مغزى التاريخ من خالل لغته الخاصة به‪.‬‬

‫الماركسية والفن‪:‬‬
‫اهتم ماركس بالشؤون الجمالية‪ ،‬فلقد اعتزم خالل مرحل!!ة تط!!وره الفلس!!في‪ ،‬نش!!ر دراس!!ات تتعل!ق‬
‫بالفن الديني والرومنسية‪ ،‬وكان يريد بعد ان انجز كتابه (رأس المال) ان يؤلف كتاب!!ا عن بل!!زاك‪،‬‬
‫ولكن تلك المشاريع! لم تتحقق قط لعدم توفر! الوقت‪.‬‬
‫وهك!!ذا ف!!ان نق!!دة االدبي مقتص!ر! على رأيين عريض!!ين‪ ،‬وان النق!!د األول (لرواي!!ة خفاي!!ا ب!!اريس‬
‫ألوجين سو) اجتماعي أكثر منه ادبي‪ ،‬فماركس! يتهم اوجين سو ال!!ذي ذاع آن!!ذاك ص!!يته‪ ،‬ال!!ذي ال‬
‫يناسب قيمة مؤلفاته األدبية‪ ،‬ليس في فرنسا! فحسب بل في الماني!!ا أيض!!ا‪ ،‬والنق!!د الث!!اني ال يتوق!!ف‬
‫‪2‬‬
‫عند معايير خارجة عن المسرحية‪ ،‬وهنا نرى الخطوط األولى للجمالية الماركسية‪.‬‬
‫ولكن يع!!بر عن اعجاب!!ه في الفن االغ!!ريقي‪ ،‬ف!!الفن ل!!ديهم بل!!غ ذروت!!ه وش!!كله االبهى‪ ،‬والمعج!!زة‬
‫االغريقي!!ة تش!!كل في نظ!!ره قم!!ة ص!!عبة االدراك‪ .‬ان م!!اركس ال يحكم على الفن من قبي!!ل تط!!ور!‬
‫اإلنسانية فحسب‪ ،‬بل أيضا في عالقته الجدلية بمختل!!ف المراح!!ل االجتماعي!!ة واالقتص!!ادية ال!!تي‪،‬‬
‫توجه ذل التطور‪ ،‬فيبدأ! حوارا مع هيغل‪ ،‬ويتكلم األخ!!ير عن الش!!عر عن!!د االغري!!ق كم!!ا يتكلم عن‬
‫"بيئة هي مع ذلك كالحي!!اة العام!!ة‪ ،‬عب!!ارة عن مم!!ر في ال!!وقت نفس!!ه‪ ،‬ب!!الرغم من انه!!ا تبل!!غ قم!!ة‬
‫الجم!!ال في ذل!!ك المم!!ر"‪ ،‬في حين ان م!!اركس يش!!دد في مقدم!!ة نق!!د (االقتص!!اد السياس!!ي) على‬
‫التناقض الوهمي بين الحتمية التاريخية واالجتماعية للفن االغريقي التي كان عليها ان تحبس!!ه في‬
‫‪3‬‬
‫نطاق معين من التفسير والتفكير‪.‬‬
‫وهكذا فان التحديد الذي يقترحه م!!اركس ي!!نزع الى ادخ!!ال المعج!!زة االغريقي!!ة في م!!ذهب يرب!!ط‬
‫جميع الظاهرات اإلنسانية بالعالقات االجتماعية‪ ،‬تل!!ك المعج!!زة ال!!تي يمكنه!!ا ان تص!!ور بالض!!بط‬
‫التفاوت الذي يقع بين الفن والتطور! عامة‪.‬‬
‫أتاح نقد مسرحية (السال‪-‬ف!رنتس فن س!كنغن) لم!اركس وانغلس‪ ،‬فرص!ة مراجع!ة مفه!وم البط!ل‬
‫وتكييفه مع مقتضيات جمالية تسيرها! الضروريات! التاريخية‪ .‬بيد ان ذلك كان هدف الس!!ال عن!!دما‬
‫كتب مسرحيته‪ .‬ولقد طالب الكتاب الجمالي (فريدرش ثودور فش!!ر) وه!!و المت!!أثر! كث!!يرا باألفك!!ار‬
‫الهيغلية في مقالة بعنوان (شكسبير في عالقته مع الشعر األلم!!اني) ب!!ان تك!!ون ك!!ل مس!!رحية على‬
‫صلة بمحتوى تاريخي! وذلك بحس!!ب الجمالي!!ة الهيغلي!!ة‪ ،‬وان س!!يطرة الت!!اريخ تل!!ك على االرادات‬
‫الفردية هي بالذات التي أراد السال ان يمثلها‪ ،‬فان مسرحيته بخالف مسرحية شيلر الذاتي!!ة‪ ،‬تعل!!ق‬
‫‪4‬‬
‫أهمية ال بمصير البطل الشخصي ولكن بالضغط! التي تقوم به الروح الموضوعية عليه‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫الماركسية والنقد األدبي‪ ،‬مجلة الفصول‪ ،‬ص ‪.23‬‬
‫‪2‬‬
‫الجمالية الماركسية‪ ،‬ص ‪.8‬‬
‫‪3‬‬
‫الجمالية الماركسية‪ ،‬ص ‪.13‬‬
‫‪4‬‬
‫الجمالية الماركسية‪ ،‬ص ‪.16‬‬

‫‪3‬‬
‫ان االزدواجية األساسية في الجمالية الماركسية التي تبدو تارة كمج!!رد طريق!!ة تفس!!يرية‪ ،‬وط!!ورا‬
‫كمذهب مجبر‪ ،‬تؤثر على تطبيقها في مختلف الحقول الثقافية فبقدر ما تقتصر الجمالية الماركس!!ية‬
‫على اخضاع النتاج الفني ألنوار! المادي!!ة التاريخي!!ة‪ ،‬تفتح له!!ا جمي!!ع الس!!بل‪ .‬وهك!!ذا ف!!ان م!!اركس‬
‫يحاول تفسير المعجزة اليونانية ويقر بالوقت نفسه بالحيرة التي تدفعه اليها تلك المعج!!زة‪ ،‬بي!!د ان!!ه‬
‫عندما تتحول الماركسية الى عملية واسعة تق!!وم في التوج!!ه والتربي!!ة السياس!!ية يحتم على االب!!داع‬
‫الفني بحصر المعنى‪ ،‬ذلك االبداع الذي من الص!!عب دائم!!ا ومن المس!!تحيل غالب!!ا ان ن!!درك معن!!اه‬
‫‪1‬‬
‫العقلي‪ ،‬ان يفسح المجال لألدب التي تنطوي! وسائله التعبيرية بسهولة الى اإلطار التصويري‪.‬‬
‫الشكل الغير مركزي‪:‬‬
‫كان ك!!ل من لوك!!اش وجول!!دمان متب!!نين للتفك!!ير الهيجيلي أن الش!!كل الب!!د أن يك!!ون وح!!دة ش!!املة‬
‫متكاملة‪ ،‬أما بيير ماشري يهاجم النقد األدبي البرجوازي‪ ،‬والنق!!د األدبي الخ!!اص باتب!!اع الهيجيلي!!ة‬
‫الجديدة‪ ،‬بحجة أن العمل األدبي ال يرتبط بأيديولوجيا عن طريق م!!ا يقول!!ه‪ ،‬ب!!ل عن طري!ق! م!!ا ال‬
‫يقول!!ه‪ .‬فنحن ال نش!!عر بوج!!ود إي!!ديولوجيا في النص إال من خالل جوانب!!ه الص!!امتة الدال!!ة‪ ،‬ه!!ذه‬
‫الجوانب الذي يجب على الناقد أن ينطقها‪ ،‬ومادام! النص يحمل ثغرات وصوامت فإن!!ه يظ!!ل دائم!!ا‬
‫غ!!ير متكام!!ل‪ ،‬وب!!العكس! من ان يك!!ون ص!!ورة متكامل!!ة ومتجانس!!ة يك!!ون ص!!راع بين المع!!اني‬
‫والدالالت‪ ،‬وهنا تكمن داللة العمل األدبي في االختالف بين معانيه وليس في انس!!جامها‪ ،‬وبالت!!الي‬
‫بنية العمل غير مركزية‪ .‬ولكن ال يريد ماشري! أن يقول ان العمل األدبي غير كامل وبالتالي! هناك‬
‫قطعة ضائعة يجب أن يمألها الناقد‪ ،‬بل على العكس من ذل!ك‪ ،‬ف!إن ع!دم اكتم!ال العم!ل يع!ود إلى‬
‫العمل ذات نفسه ويق!!ول" إن العم!!ل األدبي كام!!ل في ع!!دم اكتمال!!ه" وليس!!ت مهم!!ة الناق!!د أن يمأل‬
‫الفراغ أو يضيف‪ ،‬بل الكشف عن مبدأ الصراع في معانيه‪ ،‬والكيفي!!ة ال!تي ينتج به!!ا ه!!ذا الص!راع‬
‫عن العالقة بين الكاتب واأليديولوجيا‪.‬‬
‫وبسبب وجود ف!!رق! بين الص!!راع! في المع!!نى والص!!راع! في الش!!كل‪ ،‬نن!!وه إلى أن ماش!!ري يقص!!د‬
‫الص!!راع في المع!!نى‪ ،‬وي!!رى أن تض!!ارب ال!!دالالت وثي!!ق الص!!لة بالش!!كل األدبي المتكام!!ل‪ ،‬وال‬
‫يفض!!ي بالض!!رورة إلى تص!!دع في الش!!كل‪ .‬ومن هن!!ا ب!!دأ الخالف في النق!!د الماركس!!ي يص!!ل إلى‬
‫مستويات أبعد‪ ،‬إلى درجة أصبح معها االختيار المتعمد لألشكال المفتوحة بدل المغلق!!ة والص!!راع!‬
‫‪2‬‬
‫بدل الحل بمثابة نوع من االلتزام السياسي‪!.‬‬

‫الشكل والمضمون‪:‬‬
‫ليس للجمالية الماركسية الخيار عندما يقص!د تحدي!د العالق!ات بين المض!مون والش!كل‪ ،‬فعليه!ا ان‬
‫تقر بأولوية المضمون الذي يخلق بدوره ضرورة ان نوجد ل!ه ش!كال مالئم!ا‪ .‬الجمالي!ة الماركس!ية‬
‫هي اذن ض!رورة جمالي!ة مض!!مون‪ ،‬وهي تق!!اوم جمي!ع الجمالي!ات المجاني!ة واالم!ر! االعتب!!اطي‪،‬‬
‫وجميع الصوريات‪ ،‬وتقاب!!ل العالق!!ات بين المض!!مون والش!كل العالق!!ات القائم!!ة بص!ورة اعم بين‬
‫‪3‬‬
‫الركيزة االقتصادية والبنية الفوقية األيدلوجية‪.‬‬
‫تشدد الجمالية الهيغلية على البنية الموحدة توحيدا وثيقا للشكل والمض!!مون ال!تي تتخ!ذ ل!!ديها وج!!ه‬
‫الفكرة وتجعل من تحقيقها طابع المثال الفني المميز‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫الجمالية الماركسية‪ ،‬ص ‪.26‬‬
‫‪2‬‬
‫الماركسية والنقد األدبي‪ ،‬مجلة الفصول‪ ،‬ص ‪.31‬‬
‫‪3‬‬
‫الجمالية الماركسية‪ ،‬ص ‪.52‬‬

‫‪4‬‬
‫يكفي ان نقلب الجدلية الهيغلية فنضع مكان الفكرة ‪ ،53‬الواقع االجتماعي‪ ،‬كي تصلح تلك البرهن!ة‬
‫كإطار للجمالية الماركسية أيضا‪ .‬فالرومنسية تمتزج عندئذ مع العهد الرأس!!مالي! حيث التناقض!!ات‬
‫الداخلية تضفي على الواقع الوجه األقرب من العرض‪ ،‬وكل وعي لكل انساني! يظهر به مس!!تحيال‬
‫‪1‬‬
‫بحيث ان الشكل الفني ال يعود يحتفظ بأي رجوع الى مضمون محدد‪.‬‬
‫تبرز الجمالية الماركسية الصلة الجدلية بين الشكل والمضمون في وسط واق!!ع ق!!د اعي!!د‪ ،‬فتص!!ون‬
‫الفن من خطرين (مذهب طبيعي! يفص!!ل المض!!مون عن الش!!كل‪ ،‬وص!!ورية تتخلى عن المض!!مون‬
‫لتستسلم لجميع أنواع المحاوالت‪.‬‬
‫بينما تتقدم الجمالية الماركسية تدريجيا! نحو ال مب!!االة تام!!ة بالنس!!بة الى الش!!كل الخ!!ارجي! مراع!!اة‬
‫لمضمون اجتماعي صريح‪.‬‬
‫ولق!!د أث!!ر بلينس!!كي! (‪ )1848-1810‬ال!!ذي دع!!اه ثيرغي!!نيف ب (ليس!!نغ روس!!يا) في الجمالي!!ة‬
‫الماركسية من ناحيتين‪ .‬يق!ول في كتاب!ه (أحالم أدبي!ة) ال!ذي الف!ه ع!ام (‪ ،)1834‬وق!د ت!رك نفس!ه‬
‫تقودها ميتافيزيقية ش!!يلنغ وجماليت!!ه‪ ،‬ان الكت!!اب هم رج!!ال "ق!!ادرون على التعب!!ير الت!!ام عن روح‬
‫الشعب حيق ولدوا وتلقوا تربيتهم"!‪.2‬‬
‫والحال اننا ندرك األهمية ال!!تي ت!!رغب الجمالي!!ة الماركس!!ية الحالي!!ة في ان تمنحه!!ا الفن الش!!عبي‪،‬‬
‫وعلى األخص الرقص!!ات! الش!!عبية‪ ،‬وهك!!ذا ف!!ان (روح الش!!عب) ال!!تي يوحيه!!ا ش!!يلنغ ويمج!!دها‬
‫‪3‬‬
‫بلينسكي تتغلب جزئيا! على تحزب الموضوعية التي تجسدها! البروليتاريا‪!.‬‬

‫الغرض الفني في الجمالية الماركسية‬


‫ان المناقشة التي تجري في الجمالية الروسية بشأن االنعكاس الفني‪ ،‬تتضخم فور رفعن!!ا إياه!!ا الى‬
‫مستوى الجمالية الماركسية‪ .‬ففيما يسعى م!!اركس وانغلس الى توض!!يح العالق!!ات الجدلي!!ة المعق!!دة‬
‫ج!!دا بين الفن!!ان وغرض!!ه‪ ،‬يش!!دد بلينس!!كي‪ ،‬وتشرنشفس!!كي وق!!د حافظ!!ا على تل!!ك العالق!!ات ال!!تي‬
‫اقتصرت‪ ،‬مع ذلك على جوهر اقتصادي‪.‬‬
‫في نهاية المطاف ان توجيه الجمالية يتعلق بنظرية المعرفة التي ينطوي! عليها‪ .‬فال نستطيع! تفسير‬
‫أغراض الجمالية تفسيرا صحيحا اال تبعا لمفهوم الغرض العام الذي تقدمه نظرية المعرفة‪ ،‬وف!!ور‬
‫شروعنا باستخدام! لغة الوعي‪-‬االنعكاس‪ ،‬أعنى وعي!!ا حكم علي!!ه بنق!!ل وتص!!وير واق!!ع موض!!وعي‬
‫موجود بمعزل عنه وخارج! عنه‪ ،‬ننتهي ظاهريا! من دور الفن!!ان المب!!دع‪ ،‬ومن المش!!اكل المتأص!!لة‬
‫‪4‬‬
‫في الغرض الفني‪.‬‬
‫تلجأ الجمالية الماركسية‪ ،‬الى المفاهيم الفنية األق!ل تقيي!دا بكث!ير ال!!تي يق!!ول به!!ا م!!اركس وانغلس‪.‬‬
‫ويؤكد األخير خاصة في رسالته الموجهة الى االنسة هاركنس ‪ ،1888‬ان الواقعية هي "باإلضافة‬
‫الى امانة التفاصيل‪ ،‬صورة امينة لميزات نموذجية في ظروف نموذجية"‪!.‬‬
‫يجمع الجوهر بحس!!ب الجمالي!!ة الماركس!!ية‪ ،‬الج!!وانب الداخلي!!ة الرئيس!!ية لتط!!ور م!!ا‪ ،‬في حين ان‬
‫الظاهرة هي التعبير الخارجي ‪ ،62‬والمباشر عنه‪ .‬يستند! الجوهر والظاهر اذن الى التطور! نفس!ه‪،‬‬

‫‪1‬‬
‫الجمالية الماركسية‪ ،‬ص ‪.54‬‬
‫‪2‬‬
‫الجمالية الماركسية‪ ،‬ص ‪.55‬‬
‫‪3‬‬
‫المرجع السابق نفسه‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫الجمالية الماركسية‪ ،‬ص ‪.61‬‬

‫‪5‬‬
‫وهما بالتالي مرتبطان‪ .‬ويشبه لينين الجوهر! بنهر عميق والظاهر بموجات ودوام!!ات! زب!!د تح!!رك‬
‫‪1‬‬
‫هذا األخير الى السطح‪.‬‬

‫األدب والبنية الفوقية‪:‬‬


‫ان االدب الماركسي يهتم بوحدة المستويات بين النص واالي!دلوجيا! والعالق!ات االجتماعي!ة وق!وى‬
‫اإلنتاج‪ ،‬فاألدب جانب من البنية الفوقية ولكنه ليس مجرد انعكاس سلبي لألساس االقتصادي‪.‬‬
‫وقد أوضح إنجلز في خطابه الى جوزيف! بلوك عام ‪ ،1880‬حيث يقول‪ " :‬ان الموقف االقتصادي‬
‫هو األساس ولكن العناصر المختلفة للبنية الفوقية أي االشكال السياسية لصراع الطبقات ونتائجه‪،‬‬
‫والدساتير! التي تضعها الطبقة المنتصرة بعد نجاحها في معركة‪ ،‬وكل انعكاسات جوانب الص!!راع‬
‫الفعلية من نظريات التشريع والفلسفة واألفك!ار الديني!ة‪ ،‬وتحوله!ا! بع!د ذل!ك الى دوجم!ا‪ ،‬ك!ل ذل!ك‬
‫يمارس تأثيره في مجرى الصراع التاريخي‪ ،‬بل يصبح العامل الحاس!!م في تحدي!!د ش!!كل الص!!راع‬
‫في كثير من الحاالت"‪.‬‬
‫وما يريده إنجلز هنا‪ ،‬هو نفي اية عالقة مباش!رة بين األس!اس والبني!ة الفوقي!ة‪ ،‬فق!د تنك!ر النظري!ة‬
‫المادية للتاريخ ان الفن بذاته يمكن ان يغير مج!!رى الت!!اريخ‪ ،‬ولكنه!!ا تلح على ان!!ه يمكن ان يك!!ون‬
‫عنصرا فعاال في هذا التغيير‪.‬‬
‫وعبر ماركس عن اهتمامه بالعالقة غ!!ير المتكافئ!!ة بين اإلنت!!اج الف!!ني والتق!!دم الم!!ادي‪ ،‬على نح!!و‬
‫يؤكد ان أعظم االعمال التاريخية الفنية ال يعتم!!د بالض!!رورة على التط!!ور! االرقى لق!!وى اإلنت!!اج‪،‬‬
‫ومثالها االغريق اللذين أنتجوا فنا عظيم!ا في بل!د غ!ير متق!دم من الناحي!ة االقتص!ادية‪ ،‬ولكن يج!د‬
‫اإلشارة أيضا الى اشكال الفن األساس!!ية (كالملحم!!ة) ال تك!!ون ممكن!!ة اال في مجتم!!ع غ!!ير متق!!دم‪،‬‬
‫فلماذا اذن نظل نستجيب الى هذه االشكال‪ ،‬برغم تباعدنا التاريخي عنها؟‬
‫يجيب ماركس‪ " :‬ال تكمن اإلجاب!ة في فهم الكيفي!ة ال!تي ارتب!ط به!ا الفن والملحم!ة عن!د االغري!ق‬
‫ببعض اشكال التطور االجتماعي‪ ،‬بل تكمن الصعوبة في الفن والملحمة االغريقية ال يزال كالهما‬
‫يقدم الينا متعة فنية‪ ،‬ويمثالن من بعض الوجوه معيارا ونموذجا! ال يضهى"‪.2‬‬
‫ان ماركس يوضح لنا ان االغريق كانوا قادرين على انتاج فن عظيم بسبب الوض!!ع غ!!ير المتق!!دم‬
‫في البالد وليس على ال!!رغم من!!ه‪ ،‬ففي المجتمع!!ات القديم!!ة ال!!تي لم تم!!ر بتجرب!!ة تقس!!يم العم!!ل‬
‫المعروفة في الرأسمالية بما فيها من سيادة الكم على الكيف‪ ،‬والتي نتجت عن انتاج الس!!لع والتق!!دم‬
‫المس!!تمر لق!!وى اإلنت!!اج‪ ،‬وفي المجتمع!!ات القديم!!ة ك!!ان من الممكن ان يتحق!!ق ت!!آلف بين االنس!!ان‬
‫والطبيعة‪ ،‬وهو تآلف يعتمد كل االعتماد على الطبيعة المحدودة لمجتمع االغريق‪.‬‬
‫ان عالم االغريق ع!!الم ج!!ذاب ألن!!ه يزده!ر! داخ!!ل ح!!دود ومع!!ايير ينتهكه!!ا المجتم!!ع ال!!برجوازي!‬
‫انتهاكا وحش!!يا‪ ،‬في س!!عيه ال!!ذي ال ينقط!!ع وراء اإلنت!!اج واالس!!تهالك‪ ،‬وال ب!!د ان يتحطم المجتم!!ع‬
‫المحدود لإلغريق‪ ،‬عندما يعجز عن استيعاب قوى اإلنتاج‪.‬‬
‫ويترتب على صياغة ماركس سؤاالن يتصل أولهما بالعالقة بين األس!!س والبني!!ة الفوقي!!ة والث!!اني‬
‫بعالقتنا بفن الماضي‪ ،‬لنبدأ بسؤال عالقتنا بالفن الماضي‪ ،‬فنحن نج!د فيه!ا ط!!ورا غ!ير متق!دما من‬
‫اطوار القوى التي تتحكم فينا‪ ،‬يضاف الى ذلك‪ ،‬اننا نجد في هذه المجتمعات صورة غير متط!!ورة‬
‫بين االنسان والطبيعة‪ ،‬يحطمه المجتمع الرأسمالي! بالضرورة‪ ،‬في حين يمكن للمجتمع االشتراكي‬
‫‪1‬‬
‫الجمالية الماركسية‪ ،‬ص ‪.63‬‬
‫‪2‬‬
‫الماركسية والنقد األدبي‪ ،‬مجلة الفصول‪ ،‬ص ‪.24‬‬

‫‪6‬‬
‫ان يعيد انتاجه بمس!!توى اعلى ال يض!!اهى‪ ،‬وبكلم!!ات أخ!!رى علين!!ا ان نفك!!ر في الت!!اريخ على ان!!ه‬
‫شيء أوس!ع من تاريخن!ا المعاص!ر‪ !.‬حيث ان س!ؤالنا! عن الكيفي!ة ال!تي يرتب!ط به!ا تش!ارلز ديك!نز‬
‫بالتاريخ ليس مجرد سؤال عن العالقة التي تربط!!ه ب!!إنجلترا في العص!!ر الفيكت!!وري! فحس!!ب‪ ،‬الن‬
‫هذا العصر نفسه كان نتاجا لتاريخ طويل يتضمن نتاجا من أمثال شكسبير وميلت!!ون‪ .‬وأنه!!ا نظ!!رة‬
‫ضيقة غريبة تلك التي تحدد التاريخ على انه اللحظة المعاصرة فحسب‪.‬‬
‫ويوحي الينا بريخت بإحدى اإلجابات عن مشكلة الماض!ي والحاض!ر! عن!دما يق!ول‪ " :‬انن!ا نحت!اج‬
‫الى ان نط!!ور! الحس الت!!اريخي! ونحول!!ه الى متع!!ة حس!!ية حقيقي!!ة‪ ،‬اذ عن!!دما تع!!رض مس!!ارحنا‬
‫مسرحيات عن عصور أخرى فينها تميل الى إزالة م!!ا بينن!!ا وبين تل!!ك العص!!ور من تباع!!د‪ ،‬فتمأل‬
‫الفجور وتعلق على االختالف‪ ،‬ولكن ما الذي يحدث بعد استمتاعنا بالمقارنات والبعد واالختالف؟‬
‫اليس هو استمتاعنا بما هو خاص بنا وقريب جدا الى نفوسنا في الوقت نفسه؟"‪.‬‬
‫اما المشكلة األخ!!رى ال!تي تطرحه!ا! األس!س فهي العالق!ة بين األس!س والبني!ة الفوقي!!ة‪ ،‬وم!!اركس‬
‫واضح ان هذين الجانبين من المجتمع ال يشكالن عالقة متماثل!!ة‪ ،‬ب!!ل ان ك!!ل عنص!!ر من عناص!!ر‬
‫البنية الفوقية (الفن القانون والسياسة والدين) له ايقاعه الخاص في التقدم‪ ،‬م!!ا ان التط!!ور! ال!!داخلي‬
‫الخاص بكل عنصر ال يمكن اختزاله في مجرد التعبير عن الصراع الطبقي او الحالة االقتصادية‪.‬‬
‫" ان للفن درجة عالية من االستقالل" كم!ا يق!ول تروتس!!كي‪ ،‬وان!!ه ال يرتب!ط! ارتباط!ا! وثيق!ا بنم!ط‬
‫اإلنتاج‪ ،‬ومع ذلك تزعم الماركسية ان الفن في التحليل النهائي مشروط بنمط اإلنتاج‪ ،‬فكيف يمكن‬
‫ان نفسر هذا التعارض الظاهر؟‬
‫لنأخذ مثاال ادبيا ملموسا‪ ،‬ل (ماركسي فج) فيما قيل في ان قصيدة "األرض الخراب‪-‬الي!!وت"‪ ،‬ق!!د‬
‫تحددت تحددا مباشرا! بفعل العوامل األيدولوجية واالقتصادية‪ ،‬أي بفعل الخواء الروحي واالنه!!اك‬
‫األيديولوجي للبرجوازية اللذين نبعا من ازمة االس!!تعمار! االمبري!!الي‪ ،‬ال!!تي ع!!رفت باس!!م الح!!رب‬
‫العالمية األولى‪.1‬‬
‫ان أي فهم كام!!ل لقص!!يدة "األرض الخ!!راب"‪ ،‬يحت!!اج الى ان ي!!دخل في االعتب!!ار مجموع!!ة من‬
‫العوامل‪ ،‬فاألمر! ليس اختزال القص!!يدة الى حال!!ة من ح!!االت الرأس!!مالية المعاص!!رة‪ ،‬وليس تق!!ديم‬
‫تعقيدات منمقة عن الرأسمالية‪ ،‬ب!!ل االم!!ر على الض!!د من ذل!!ك فالعناص!!ر ال!!تي يجب اخ!!ذها بعين‬
‫االعتبار مثل (وض!ع المؤل!ف الطبقي‪ ،‬االش!كال األيدلوجي!ة وعالقته!ا! باألش!كال األدبي!ة‪ ،‬النزع!ة‬
‫الروحانية‪ ،‬الفلسفة‪ ،‬تقنيات اإلنتاج االدبي‪ ،‬النظرة الجمالية) كله!!ا وثيق!!ة الص!!لة بنم!!وذج األس!!اس‬
‫والبنية الفوقية‪.‬‬
‫وما يبحث عنه الناقد الماركسي! ه!!و التواش!!ح الفري!!د له!!ذه العناص!ر! ال!!تي نعرفه!ا! باس!!م "األرض‬
‫الخ!!راب"‪ ،‬وال يمكن ان ين!!دمج اح!!دى العناص !ر! في غ!!يره ان!!دماجا تام!!ا‪ ،‬اذ ان ك!!ل عنص!!ر ل!!ه‬
‫اس!!تقالله النس!!بي‪ ،‬ومن الممكن قطع!!ا ش!!رح القص!!يدة بوص!!فها قص!!يدة تنب!!ع من أزمن!!ة األنظم!!ة‬
‫البرجوازية‪ ،‬ولكن القصيدة ال تنطوي! على صلة مباشرة بهذه األزمنة او باألوضاع! السياسية التي‬
‫انتجتها‪.‬‬
‫وما تحتاج اليه القصيدة هو ان تترجم هذه األزمنة الى صور ش!!املة‪ ،‬ذل!!ك لت!!درك األزمن!!ة نفس!!ها‬
‫بوصفها جانب من وضع انساني ثابت‪ ،‬يشترك! في معاناته المصريون الق!!دماء واالنس!!ان الح!!ديث‬

‫‪1‬‬
‫الماركسية والنقد األدبي‪ ،‬مجلة الفصول‪ ،‬ص ‪.25‬‬

‫‪7‬‬
‫على السواء‪ ،‬وإذا ان عالقة "األرض الخراب" بالتاريخ الفعلي لزمنه!!ا هي عالق!!ة توس!!ط رفي!!ع‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫وهي في ذلك تشبه كل اعمال الفن‪.‬‬

‫األدب وااليدلوجيا‪:‬‬
‫لقد الحظ إنجلز ان الفن اكثر غنى وصعوبة من النظري!!ة السياس!!ية واالقتص!!ادية‪ ،‬ألن!!ه اق!!ل منه!!ا‬
‫ايدلوجيا‪ ،‬ومن المهم ان ندرك في هذا السياق! المعنى المحدد لالي!!دلوجيا في الماركس!!ية‪ ،‬اذ ليس!!ت‬
‫مجرد جماع من التعاليم النظرية في المقام األول‪ ،‬بل انها تشير الى الطريقة التي يعيش بها البشر‬
‫ادوارهم في المجتم!!!ع الطبقي‪ ،‬أي تش!!!ير! الى القيم واألفك!!!ار! والص!!!ور! ال!!!تي تقي!!!دهم بوظ!!!ائفهم‬
‫االجتماعية‪ ،‬فتمنعهم من المعرفة الصحيحة للمجتمع بمجموعه‪ ،‬ومن هن!!ا ينطل!ق! الفن في التعب!!ير‬
‫عن نموذجه الخاص عن ايدلوجيا العالم‪ ،‬بل ال يمكن ان يوجد عمل فني يخلو تمام!!ا من مض!!مون‬
‫إيديولوجي! فيما يقول بيلخانوف‪ !،‬واذن ما عالقة الفن بااليدلوجيا؟‬
‫ان وض!!عين متعارض!!ين تمام!!ا ممكن!!ان في ه!!ذا الس!!ياق‪ ،‬الوض!!ع األول ي!!رى ممثل!!وه ان االدب‬
‫اي!!دلوجيا في ش!!كل ف!!ني معين‪ ،‬أي ان االعم!!ال األدبي!!ة ليس!!ت س!!وى تعب!!يرا عن أي!!ديولوجيات‬
‫عصرها‪ ،‬فهي بهذا الفهم أسيرة وعي زائف كما نوهنا سابقا‪ ،‬غير قادرة على تجاوز! ما ه!!و علي!!ه‬
‫لتصل الى الحقيقة‪ ،‬وهو وضع أعجز بحكم ما هو علي!!ه من ان يش!!رح الس!!بب ال!!ذي يجع!!ل اغلب‬
‫االدب يتحدى بحق الفرضيات األيدلوجية في زمانه‪.‬‬
‫اما الوضع المناقض فهو ذلك الذي يلح ممثلوه ان االدب يتحدى األيدلوجيا! التي يواجهها‪ ،‬ج!!اعلين‬
‫من هذا التحدي تعريفا لألدب‪ ،‬وما يذهب (ارنست فيشر) في كتابه المهم "االدب ضد االديلوجيا_‬
‫‪ )1969‬ف!!ان الفن األص!!يل يتج!!اوز! دائم!!ا الح!!دود األيدلوجي!!ة لزمن!!ه‪ ،‬مق!!دما الين!!ا إدراك!!ا عميق!!ا‬
‫للقالقات التي تحجبها األيدلوجيا عن النظر‪.‬‬
‫وهناك توصيف! اكثر دقة للعالقة بين االدب وااليدلوجيا‪ ،‬يطرحه المفكر الفرنسي (لوي اولستر)‪،‬‬
‫ال!!ذي ي!!ذهب الى ان الفن ال يمكن ان يتح!!ول الى اي!!دلوجيا‪ ،‬ان ل!!ه األح!!رى عالق!!ة خاص!!ة به!!ا‪،‬‬
‫فاأليديولوجيا! تشير الى الطرائق! التخيلية التي يعايش بها البشر ع!!المهم الفعلي ال!!ذي ه!!و من ن!!وع‬
‫ها لنا االدب‪ ،‬اعنى التجربة التي يمكن ان نعيشها في أوضاع خاصة‪،‬‬ ‫التجربة التي يتيح‬
‫وليس التحليل التصويري! له!ذه األوض!!اع‪ ،‬وعلى ك!!ل‪ ،‬ف!ان االدب يق!وم بم!ا ه!و اك!ثر من عملي!ة‬
‫تشويه لهذه التجربة‪ ،‬ان!!ه يب!!دأ من داخ!!ل االي!!دلوجيا ولكن!!ه يس!!عى الى ان يبتع!!د بنفس!!ه عنه!!ا‪ ،‬الى‬
‫النقطة التي تتيح لنا ان نشعر بااليدلوجيا التي تنبع منها وندركها‪ !.‬وعندما يقوم الفن ب!!ذلك‪ ،‬فان!!ه ال‬
‫يمكنن!!ا من ان نتع!!رف الى الحقيق!!ة ال!!تي تحجبه!!ا األي!!دلوجيا‪ ،‬الن المعرف!!ة بمعناه!!ا المح!!دد عن!!د‬
‫اولستر هي المعرفة العلمية‪.2‬‬
‫اما (ماشري) فقد ميز في كتابه بين ما يسميه الوهم (ويعني األيدلوجيا! أساسا) والقص‪ ،‬ويق!!ول ان‬
‫الفن يمنح األيدلوجيا! شكال محددا ويثبتها! داخل حدود القصة‪.‬‬
‫وقد نجد في مالحظات كل من التوس!!ير ومارش!ي! ح!!ول النق!!اط الحاس!!مة غموض!!ا‪ ،‬ولكن العالق!!ة‬
‫التي يتصورها! كالهما بين االدب وااليدلوجيا! عالقة عميقة في ايحائها فاأليدلوجيا! عند كال االثنين‬
‫تعتبر كيان ل!ه بن!اءه المتماس!!ك فيمكن ان تص!!بح موض!!وعا للتحي!ل العلمي وم!!ا دامت النص!!وص‬
‫‪3‬‬
‫األدبية تنتمي الى األيدلوجيا! فأنها يمكن ان تصبح موضوعا! لهذا التحليلي العلمي‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫الماركسية والنقد األدبي‪ ،‬مجلة الفصول‪ ،‬ص ‪.26‬‬
‫‪2‬‬
‫الماركسية والنقد األدبي‪ ،‬مجلة الفصول‪ ،‬ص ‪.26‬‬
‫‪3‬‬
‫الماركسية والنقد األدبي‪ ،‬مجلة الفصول‪ ،‬ص ‪.27‬‬

‫‪8‬‬
‫جريجوري لوكاش واألشكال األدبية‪:‬‬
‫هجر جريجوري! لوكاش نزعة التشاؤم! ال!!تي تخللت فك!!ره أثن!!اء تبني!!ه النهج الهيجيلي عن!!دما اتب!!ع‬
‫الماركسية‪ ,‬فبينما كان يتعامل مع الرواية على أنها "ملحمة عالم تخلى عنه اإلل!!ه" أص!!بح لوك!!اش‬
‫ينظر إلى أن الكاتب العظيم هو الذي يستطيع! أن يصل وص !الً ج!!دليا ً بين العناص!!ر المنقس!!مة‪ ,‬في‬
‫مجتم!!ع زاد في!!ه االغ!!تراب ال!!رأس م!!الي ه!!وة االنقس!!ام بين الع!!ام والخ!!اص‪ ,‬وبين التص!!ويري‬
‫والحسي‪ ,‬وبين االجتماعي والفردي‪ !,‬فيستطيع أن يوح!د بين ه!!ذه المتفرق!ات وح!!دة ش!!املة مركب!ة‬
‫األبعاد‪ ,‬فتقدم قصته صورة مصغرة من الوحدة الشاملة المركبة للمجتمع‪ ,‬وبهذا! يق!!اوم الفن العظيم‬
‫اغتراب المجتمع ال!!رأس م!!الي وتج!!زأه‪ ,‬مق!!دما ً ص!!ورة ثري!!ة متع!!ددة الج!!وانب للوح!!دة اإلنس!!انية‬
‫الشاملة‪ ,‬ويطلق لوكاش على هذا الفن صفة ((الواقعية)) التي يوسعها! لتش!!مل اإلغري!!ق وشكس!!بير!‬
‫وبلزاك وتولستوي‪!.‬‬
‫والعم!ل األدبي ال!واقعي! عم!ل ث!ري عن!د لوك!اش‪ ،‬ينط!وي! على وض!ع م!ركب من العالق!ات بين‬
‫اإلنسان والطبيعة والتاريخ‪ ،‬وتقوم! العالقة بين المركبات بالتجسيد النمطي ألي مرحلة من مراحل‬
‫التاريخ وتكشف! عنه‪ ،‬وكلمة النمطي هن!!ا ت!!دل على الق!!وى الكامن!!ة في المجتم!!ع (أي الق!!وى ال!!تي‬
‫تراها الماركسية األكثر تقدما ً وأهمية من الناحية التاريخية ألنها تكشف عن البنية الداخلي!!ة الفعال!ة‬
‫للمجتمع)‪ ،‬ومهمة الكاتب الواقعي هي إب!!راز االتجاه!!ات والق!!وى النمطي!!ة في أف!!راد معي!!نين وفي‬
‫أفع!!ال مجس!!دة وملموس!!ة‪ .‬ويك!!ون ب!!ذلك الس!!بيل الوحي!!د ه!!و الوص!!ل بين الف!!رد والكي!!ان الش!!امل‬
‫للمجتمع‪.‬‬
‫استخدم ماركس وانجلز فكرة النمطية في كتاباتهما! األدبية‪ ،‬حيث الح!!ظ إنجل!!ز في خط!!اب أرس!!له‬
‫إلى السال أن الشخصية الواقعية البد له!!ا أن تجم!!ع بين الف!!ردي والنمطي‪ ،‬ومن ثم ذهب م!!اركس‬
‫وإنجلز إلى أن الفردي والنمطي هو اإلنجاز األساسي لشكسبير‪ !.‬وما نجده عن!د لوك!اش ق!ريب من‬
‫ذلك فالشخصية النمطية أو الممثلة تجسد القوى التاريخية دون أن يتأثر ثراؤها الفردي‪ ،‬وعلى كل‬
‫كاتب أن يكون تقدميا ً ليجسد هذه الق!!وى في فن!!ه‪ ،‬ولكن ك!!ل فن عظيم يجب أن يك!!ون تق!!دمي على‬
‫المستوى االجتماعي ألنه يجسد‪ ،‬الوالء السياسي الواعي للمؤل!!ف‪-‬ق!!وى! الع!!الم الت!!اريخي! الفاعل!!ة‪،‬‬
‫التي تهيئ للتغير والتقدم في كل مرحلة من المراحل‪.‬‬
‫وقدرة الكاتب على القيام ب!!ذلك أو ع!!دم القي!!ام ب!!ه عن!!د لوك!!اش ال تعتم!!د فق!!ط على مه!!ارة الك!!اتب‬
‫الشخصية وإنما على وضع الكاتب داخل التاريخ‪ ،‬ألن كت!!اب الواقعي!!ة العظ!!ام ال يظه!!رون إاّل في‬
‫حالة تخلق تاريخي‪ ،‬ويقول لوك!اش " إن ث!راء خل!ق الشخص!ية وعمق!ه يعتم!د على ث!راء العملي!ة‬
‫االجتماعية المتكاملة وعمقها"‪...‬حتى تم!!زقت الواقعي!!ة حين تخلت عن األوض!!اع التاريخي!!ة ال!!تي‬
‫خلقتها‪ ،‬فانحدرت إل درك الطبيعة من ناحية‪ ،‬والشكلية من ناحية ثانية‪.‬‬
‫ويع!!ود! ه!!ذه التح!!ول الحاس!!م في نظ!!ر لوك!!اش إلى إخف!!اق الث!!ورات األوروبي!!ة ‪ ,1848‬وهزيم!!ة‬
‫البروليتاريا‪ ,‬وبالتالي! توقف الدور الصاعد للبرجوازي!!ة وتحوله!ا! للقي!!ام ب!!دور! غ!!ير بط!!ولي مهين‬
‫تحت راية الرأس مالية‪ ,‬ويبرهن على ذلك باختف!!اء المث!!ل الثوري!!ة من األيديولوجي!!ة البرجوازي!!ة‪,‬‬
‫وتجرد الواقع من تاريخيته‪ ,‬والص!!ياغة الوحي!!دة ال!!تي بقيت ه!!و ع!!الم رأس م!!الي متحل!!ل‪ ,‬وب!!ذلك!‬
‫ظهرت الطبيعية نتاج لهذه المرحلة‪ ,‬وكل ما أنتجته تعبير عن تالشي االتجاه والمعنى في التاريخ‪,‬‬
‫ويراه!!ا لوك!!اش تش!!ويها ً للواقعي!!ة‪ ,‬حيث تق!!وم على مج!!رد التص!!وير! الفوت!!وغرافي! للظ!!واهر‬
‫االجتماعية‪ ,‬بدل النفاذ إلى جوهرها الدال (تنحو فيه نحو التفاصيل بدل تصوير! المالمح الحرفي!!ة‪,‬‬
‫وتغيب العالق!!!ات الجدلي!!!ة لتس!!!يطر! موض!!!وعات ميت!!!ة عارض!!!ة ليس!!!ت ذات ص!!!لة ووثيق!!!ة‬

‫‪9‬‬
‫بالشخصيات)‪ ,‬فيأتي علم النفس ليحت!ل مكان!ة الت!اريخ (العام!ل الحقيقي ال!ذي يحق!ق مكان!ة الفع!ل‬
‫الفردي)‪ ,‬وبذلك تكون الطبيعي!ة رؤي!ة مغترب!ة عن الواق!!ع‪ ,‬يتح!ول معه!ا الك!!اتب من مش!ارك في‬
‫التاريخ إلى مالك إكلينيكي‪ .‬وكما ال تطال الطبيعية فهم النمطي ال تستطيع كذلك خلق وحدة شاملة‬
‫دالة بين العناصر! وحين تنهار الملحمة المتكاملة واألحداث الدرامية التي تصاعدت به!!ا الواقعي!!ة‪،‬‬
‫تهوي إلى هوة من االهتمامات الذاتية الخالصة‪.‬‬
‫أما الشكلية فتكشف! بدورها عن ضياع معنى التاريخ‪ ,‬وينفصل فيها اإلنسان عن واقعه وعن نفسه‪,‬‬
‫فتتحول فيها الشخصيات إلى حاالت عقلية‪ ,‬ويخ!!تزل الواق!ع الموض!!وعي في م!!زيج غ!ير مفه!وم‪,‬‬
‫ويحدث هنا ما يحدث في الواقعية من تحطم للوحدة الجدلية بين العالم ال!!واقعي! والع!!الم الخ!!ارجي‪,‬‬
‫ويغدو الف!!رد والمجتم!!ع ف!!ارغين من المع!!نى‪ ,‬ويس!!يطر! على الف!!رد ي!!أس واكتئ!!اب ال عالق!!ة لهم!!ا‬
‫بالعالقات االجتماعية أو الجوانب الذاتية األصيلة‪ ,‬ويغدو التاريخ دائرة تبدأ من حيث تنتهي‪ ,‬كأن!!ه‬
‫ديمومة بال أي هدف أو غاية‪ ,‬وتفقد الموضوعات دالالتها‪ ,‬ويتراجع! الرم!!ز أم!!ام التمثي!!ل الكي!!اني‬
‫الذي يجافي! فكرة المعنى الجوهري‪ !,‬وبذلك اذا اعتبرن!!ا الطبيعي!!ة نوع!!ا من الموض!وعية المج!!ردة‬
‫كانت الشكلية تجريد ذاتي‪ .‬وكالهما انحراف عن الفن الجدلي األصيل (الواقعية)‪.‬‬

‫الوعي الطبقي عند لوكاتش‪:‬‬


‫في عرضه الشهير للمادية التاريخية‪ ،‬ينطلق! إنجلز من النقط التالي!!ة‪ :‬ب!!الرغم من‪ ،‬ج!!وهر الت!!اريخ‬
‫يقوم بهذا "ال شيء يحدث بدون قصد واع وبدون غاية مقص!!ودة"‪ ،‬ف!!ان اس!!تيعاب الت!!اريخ يتطلب‬
‫ال!!ذهاب الى ابع!!د‪ ،‬من جه!!ة ألن "االرادات العددي!!ة الفردي!!ة العامل!!ة في الت!!اريخ تعطي في أك!!ثر‬
‫األوقات نتائج مختلفة عن النتائج المرجوة‪ ،‬وغالبا ما تكون مناقض!!ة له!ذه النت!!ائج المرج!وة‪ ،‬وان!ه‬
‫بالنتيجة ليس لدوافعها اال أهمية ثانوية نسبية لنتيجة المجم!وع‪ !.‬ومن ج!ه أخ!رى‪ ،‬يجب معرف!ة م!ا‬
‫هي القوى الدافعة المخبئة بدورها! وراء هذه الدوافع‪ ،‬وما هي األسباب التاريخية التي تتحول لمثل‬
‫‪1‬‬
‫هذه الدوافع‪ ،‬في رأس البشر الفاعلين"‪.‬‬
‫ان الدرس الموضوعي! معناه اذن‪ :‬صلة المجتمع ككلية‪ ،‬ألنه في ه!!ذه الص!!لة فق!!ط يك!!ون ال!!وعي‪،‬‬
‫الذي يستطيع! الناس ان يكونوه في كل برهة عن وجودهم‪ ،‬باديا في تفسيراته األساس!!ية‪ ،‬ان!!ه يب!!دو‬
‫من جهة شيء‪ ،‬نظريا! يتبرر ويدرك! ويجب ادراكه انطالقا من الوضع االجتماعي الت!!اريخي‪ !،‬اذن‬
‫كشيء "صحيح وبذات الحين يبدو كشيء‪ ،‬موضوعيا! عابرا بالنسبة لجوهر التط!!ور االجتم!!اعي‪،‬‬
‫ال يدرك وال يعبر عنه كما هو اذن (كوعي كاذب)"‪ .‬ومن جهة أخرى ان هذا الوعي يبدو بالنس!!بة‬
‫لهذه الصلة‪ ،‬كأن!!ه ق!!د أخط!!أ اله!!دف‪ ،‬ذاتي!!ا‪ ،‬ال!!ذي ح!!دده‪ ،‬وب!!ذات الحين ك!!ان يه!!دف ويبل!!غ أه!!دافا‬
‫موضوعية للتطور االجتماعي مجهولة منه ولم يقصدها‪.‬‬
‫ان هذا التفسير الجدلي المضاعف‪( ،‬للوعي الكاذب) يسمح بان ال يعالج بعد باالكتف!!اء بوص!ف! م!!ا‬
‫فكره الناس وشعروه وارادوه فعليا في ظروف! تاريخي!ة معين!ه‪ ،‬وفي! أوض!اع طبقي!ة معين!ة‪ ،‬ليس‬
‫ذلك سوى المادة المهمة جدا للدروس التاريخية الصحيحة‪ ،‬وبإعادة الص!!لة الى الكلي!!ة المحسوس!!ة‬
‫تنتج تفسيرات جدلية‪ ،‬تتجاوز! الوصف البسيط وتصل الة مقول!!ة االمكاني!!ة الموض!!وعية‪ ،‬وبإع!!ادة‬
‫‪2‬‬
‫الوعي الى كلية المجتمع تكتشف األفكار! والعواطف! التي حصلت للناس في وضع حيوي معين‪.‬‬
‫ان ه!ذا التفس!ير يح!دد دفع!ة وإح!دى المس!افة ال!تي تفص!ل ال!وعي الطبقي عن األفك!ار التجريبي!ة‬
‫الفعلية‪ ،‬األفكار الموصوفة والمفك!!رة بس!!يكولوجيا! ال!!تي يكونه!ا! الن!!اس عن وض!!عهم! الحي!!اتي‪ .‬فال‬

‫‪1‬‬
‫التاريخ والوعي الطبقي‪ ،‬ص ‪.49‬‬
‫‪2‬‬
‫التاريخ والوعي الطبقي‪ ،‬ص ‪.52‬‬

‫‪10‬‬
‫يجب البقاء عند مالحظة هذه المسافة‪ ،‬او تحديد االرتباطات الناجمة عنها بطريقة عام!!ة وقطعي!!ة‪،‬‬
‫بل باألحرى يجب التفتيش على‪( :‬إذا كانت هذه المسافة مختلفة حسب اختالفات الطبق!!ات‪-‬وحس!!ب‬
‫الصالت المختلفة التي تجريها! مع الكلي!ة االقتص!ادية واالجتماعي!ة ال!تي هي أعض!اء منه!ا)‪( ،‬م!ا‬
‫تعنيه عمليا‪ ،‬نسبة لتطور المجتمع‪ ،‬هذه العالقات المختلفة داخل كلية اقتص!!ادية موض!!وعية‪ ،‬ال!!تي‬
‫هي الوعي الطبقي وأفكار! الناس النفسانية الواقعية حول وضعهم! الحياتي‪.‬‬
‫ان مالحظات كهذه وحدها تجعل االستعمال المنهجي ممكنا لكلم!ة الموض!وعية‪ ،‬اذ يجب التس!اؤل‬
‫قبل ك!!ل ش!!يء الى أي ح!!د تس!!تطيع كلي!!ة اقتص!!اد! المجتم!!ع‪ ،‬ان تس!!تلمح من داخ!!ل مجتم!!ع معين‪،‬‬
‫انطالقا من وضع معين في تطور اإلنتاج‪ ،‬الفكر واالحكام المرتبطة بوضعهم! الحيوي‪.‬‬
‫ان الوعي الطبقي هو اذن بذات الحين تجريديا وحتميا‪ ،‬ال وعي محدد بالنس!بة للطبق!ة‪ ،‬ولوض!!عها‬
‫االقتص!!ادي والت!!اريخي! واالجتم!!اعي! الخ!!اص‪ ،‬اذ ان ه!!ذا الوض!!ع معطى كص!!لة بنيوي!!ة مح!!ددة‬
‫‪1‬‬
‫وكرباط! للشكل المحدود الذي يبدو انه يسود كل مواضيع الحياة‪.‬‬

‫برتولت بريخت والمسرح الملحمي‪:‬‬


‫كان بنيامين صديقا حميما لبريخت وأول نصير له‪ ،‬بل ان التوافق الفكري الذي جم!!ع بين االث!!نين‬
‫اشبه بفصل من امتع فصول! تاريخ النقد االدبي الماركس!!ي‪ .‬لق!!د رأى بني!!امين في مس!!رح ب!!ريخت‬
‫التجريبي نموذجا! لما يمكن ان يصل اليه الفنان من قدرة على التغي!!ير في المحت!!وى السياس!!ي للفن‬
‫وأدوات انتاجه في آن واحد‪.‬‬
‫ومعنى ذل!!ك ان ب!!ريخت "نجح في تغي!!ير العالق!!ات الوظيفي!!ة بين خش!!بة المس!!رح والمتلقي‪ ،‬وبين‬
‫النص والمنتج‪ ،‬وبين المنتج والممث!!ل"‪ !.‬وإذا ك!!ان ب!!ريخت ق!!د حطم المس!!رح الط!!بيعي! التقلي!!دي‬
‫تحطيما جلب معه نوعا جدي!دا من ال!دراما‪ ،‬فق!د ك!ان ه!ذا الن!وع بمثاب!ة نق!د لل!دعاوي األيدلوجي!ة‬
‫‪2‬‬
‫للمسرح البرجوازي‪ ،‬نقد يتلخص في عبارة بريخت الشهيرة عن (التغريب)‪.‬‬
‫وي!!ذهب ب!!ريخت الى النظري!!ة الجمالي!!ة ال!!تي تق!!وم عليه!!ا ه!!ذا الن!!وع من المس!!رح تعكس عقي!!دة‬
‫أيدلوجية‪ ،‬مؤداه!!ا ان الع!!الم معطى ث!!ابت ال يمكن تغي!!يره‪ ،‬وان وظيف!!ة المس!!رح هي تق!!ديم تس!!لية‬
‫تخدر أولئك الذين يقعون في شراك هذه النظرية‪ .‬ويواجه بريخت ه!!ذه النظري!!ة الجمالي!!ة بنظري!!ة‬
‫مضادة‪ ،‬مؤداها ان الواقع عملية من التغيير المتقطع يصنعها! البشر‪ ،‬وان المسرح ليست مهمته ان‬
‫يعكس واقعا! ثابتا بل واقعا متحرك!!ا‪ ،‬تظه!!ر في!!ه الشخص!!يات واالح!!داث بوص!!فات انتاج!!ا لزمنه!!ا‬
‫الخاص‪ ،‬على نحو يباعد بينها وبيننا‪ ،‬ويبرر اختالفها عنا واختالفنا عنها‪.‬‬
‫ام!!ا المس!!رحية نفس!!ها فإنه !ا! ال تتش!!كل بوص!!فها وح!!دة عض!!وية‪ ،‬تش!!د المتلقي بم!!ا يش!!به التن!!ويم‬
‫المغناطيسي! من البداية الى النهاية‪ .‬انها على الضد من ذلك متباينة في ش!!كلها‪ ،‬ال تنس!!اب بطريق!!ة‬
‫الية‪ ،‬وتنطوي على تداخالت‪ ،‬وتتجمع مشاهدها! بطرائق تعطل التوقعات العرفي!!ة‪ ،‬لت!!دفع المش!!اهد‬
‫الى التأمل النقدي في العالقات الجدلية بين االحداث‪.‬‬

‫لوكاش مقابل بريشت‪:‬‬


‫لقد عن!!ف الح!!زب ج!!ورج لكتش بع!!د نش!!ره لكتاب!!ه (ت!!اريخ ووعي طبقي‪ )1923-‬فتلفت الى النق!!د‬
‫االدبي‪ ،‬بيد انه لم يترك مع ذلك انشغاالته السياسية‪ ،‬فهو! ينقلها الى المستوى! االدبي وذل!!ك مواف!!ق‬
‫تماما للمتطلبات التي تنطوي! عليها الجمالية الماركسية‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫التاريخ والوعي الطبقي‪ ،‬ص ‪.53‬‬
‫‪2‬‬
‫الماركسية والنقد األدبي‪ ،‬مجلة الفصول‪ ،‬ص ‪.39‬‬

‫‪11‬‬
‫والحال ان وحدة العمل بالذات بين القوى االشتراكية والق!!وى الديمقراطي!!ة‪ ،‬هي ال!!تي س!!عى لكتش‬
‫‪1‬‬
‫الى تحقيقها على الصعيد االدبي‪.‬‬
‫لقد اخضع لكتش ادب جمهورية فايمار! البروليتاري!ة لنق!د ق!اس تبع!ا للعالق!ة القائم!ة بين الم!يراث‬
‫الكالس!!يكي والنزع!!ة ض!!د الفاش!!يتية‪ .‬ان االيم!!ان االعمى والحص!!ري في ق!!وى ص!!راع الطبق!!ات‬
‫يفضي بنا في الواقع بذلك االدب الى تعصب بناقض مفه!!وم الجبه!!ة الش!!عبية‪ ،‬فالبرجوازي!!ة مدان!!ة‬
‫كليا وقد! وضع ادبها جانبا‪.‬‬
‫اما فيما يتعلق بالمتعة الجمالية التي يضحي بها االدب البروليتاري ليقوم بدوره السياس!!ي بص!!ورة‬
‫أفض!!ل‪ ،‬في!!ذكر! لكتش في اوان!!ه ان م!!اركس ق!!د اهتم بآث!!ار فني!!ة ل!!ذاتها وان!!ه أعجب خاص!!ة بآث!!ار‬
‫العصور القديمة متسائال لماذا (ما برحت تقدم متعة فني!!ة وتعت!!بر! الى ح!!د م!!ا كمع!!ايير! ونم!!اذج ال‬
‫تضاهى)‪ ،‬وه!!ا ان تفك!ير لكتش الناق!!د يمي!!ل الى مف!!اهيم برت!!ولت بريش!ت الجمالي!!ة‪ ،‬ف!ان الفعالي!!ة‬
‫السياسية التي يعارضها! اتلفت بالمتعة المجردة ذات األساس البرجوازي تبدو له ش!بيهة بمناهض!!ة‬
‫‪2‬‬
‫االرسطوطاليسية‪ ،‬أي مناهضة الكالسيكية لدى برتولت بريشت‪.‬‬
‫يؤكد لكتش ان (ذلك يقابل تماما المع!!ارض ال!!تي يقيمه!!ا برت!!ولت برش!!ت‪ ،‬بين فن المس!!رح الق!!ديم‬
‫وفن المسرح الجديد‪ :‬فاألول! (يخول المشاهد مشاعر وتجربة معاشه‪ ،‬والمشاهد! ينقل فيه الى شيء‬
‫ما) (والثاني ينتزع منه القرارات ويمنح صورة ‪ ،130‬للعالم والمشاهد في!!ه (مقاب!!ل)‪ .‬وبالخالص!!ة‬
‫‪3‬‬
‫ان الفن الجديد يعاني انقطاع جذريا عن كل ما هو قديم)‪.‬‬
‫ان التصادم! الحقيقي بين لكتش وبريشت! قد حصل عام ‪ ،1938‬في اثناء مناقشة حول التعبيرية في‬
‫أعم!!دة مجل!!ة أسس!!ها مه!!اجرون الم!!ان‪ ،‬ت!!دعى (داس ف!!رت الكلم!!ة)‪ .‬وان النض!!ال ض!!د ‪،131‬‬
‫الفاشستية هو ال!ذي هيج الخص!مين‪ ،‬بي!!د ان مفاهيمه!ا للواقعي!!ة االش!تراكية ال!تي أص!بحت ألرب!!ع‬
‫س!نوات‪ ،‬الجمالي!ة الرس!مية في الح!زب الش!يوعي‪ ،‬هي مختلف!ة ج!دا فيم!ا بينهم!ا‪ .‬ان لكتش ال!ذي‬
‫يقترب من البرجوازية المتح!!ررة لكي يجع!!ل منه!!ا حليف!!ة للبروليتاري!!ة الثوري!!ة في النض!!ال ض!!د‬
‫الفاشستية‪ ،‬يضع الواقعية االش!!تراكية في امت!داد الواقعي!ة النق!!ادة ل!دى كت!اب الق!!رن التاس!ع عش!ر‬
‫البرجوازيين‪ ،‬وبعكس ذلك‪ ،‬ن!رى بريش!ت وق!د اقتن!ع ان االنقط!اع الج!ذري! عن البرجوازي!ة ه!و‬
‫وحده يجعل البروليتارية قادرة على الظفر بصدمة الفاشستية‪.‬‬
‫انطالقا من الضرورة القصوى لدى المؤلف في التع!!اون في الجه!!د السياس!!ي‪ ،‬يس!!تخلص بريش!!ت‬
‫تبرير فن مسرح مناهض لالرسطوطاليسية‪ ،‬أعنى فن مسرح يقلع عن كل عمل ايمائي‪ ،‬وعوض!!ا‬
‫عن ان يخدر ذهن المشاهد وقلبه‪ ،‬يقيمه على بعد لكي يترك له كل وعيه امام العرض المس!!رحي‪،‬‬
‫لكي ينتزع منه ال دموعا تطهيريه بل قرارات يشعر بعملها بعد العرض المسرحي‪!.‬‬
‫ويشكو بريشت في رسالة وجهها الى فلي بريدل المدير المشارك في مجلة (داس فرت)‪ ،‬من كون‬
‫لكتش قد صنفه من بين الكتاب المنحطين‪ ،‬ألنه استخدم بعض الطرق! األدبية التي روجها! (ج!ويس‬
‫وكافكا ودبلن)‪ ،‬وال يعتقد بريشت انه قد خان الجمالية الماركسية اذ ادخل فيها اشكاال جدي!!دة‪ .‬ف!!ان‬
‫روائي القرن العشرين الذين يتخبطون بواقع الرأسمالية‪ ،‬حتى إذا تظ!!اهروا! بجهله!!ا‪ ،‬يكش!!فون في‬
‫‪4‬‬
‫نظره عن قوى! عصرنا الحية‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫الجمالية الماركسية‪ ،‬ص ‪.126‬‬
‫‪2‬‬
‫الجمالية الماركسية‪ ،‬ص ‪.130‬‬
‫‪3‬‬
‫المرجع السابق نفسه‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫الجمالية الماركسية‪ ،‬ص ‪.133‬‬

‫‪12‬‬
‫ق!ال بريش!ت‪" :‬إذا اعطين!!ا الواقعي!ة تحدي!دا ص!!وريا! بحت!ا‪ ،‬تمكنن!ا ان نوج!ه جمي!!ع االعتراض!!ات‬
‫الممكنة الى التقنيات الروائي!!ة ك!!المونولوج والمونت!!اج‪ ،‬بي!!د ان ذل!!ك ليس ممكن!!ا على االطالق من‬
‫الناحية الواقعية‪ ،‬ال شك ان يمكننا ان نشهد منولوجا! داخليا خليقا على ان ننعته بالص!!وري‪ ،‬ولكنن!!ا‬
‫نشهد أيضا منولوج!!ات! واقعي!!ة‪ ،‬وفي اس!!تطاعتنا! بواس!!طة المونت!!اج ان نمث!!ل عالم!!ا واقعي!ا! بدق!!ة‪،‬‬
‫ويتحتم علينا في مسائل االشكال البحتة اال نبالغ بالكالم باسم الماركسية‪ ،‬فليس ذلك بماركسي"!‬
‫وقد افضت المناقشة أخيرا الى مشكلة النقد االدبي عامة‪ ،‬اذ عارض بريشت ك!!ل تفري!!ق مص!!طنع‬
‫بين اإلنتاج االدبي نفسه والنقد الذي يوجه اليه‪ .‬إذا ان إمكانية االبداع الذاتية ال تستفيد من المعايير‬
‫التي نود ان نفرضها عليها من الخارج‪ ،‬فالفن ال يخضع اال لقوانينه الخاص!!ة‪" ،‬من الخط!!أ ان نقيم‬
‫نقدا هو‪ ،‬كذات تجابه موضوعا هو السلطة التشريعية التي يقوم منها الفن مقام الس!!لطة التنفيذي!!ة"‪.‬‬
‫يتحتم على النقد ان يكون مائال في اإلنتاج الف!!ني‪ ،‬وعلي!!ه ان يج!!د نقط!!ة ارتك!!ازه في النت!!اج الف!!ني‬
‫نفسه‪" :‬مهما بلغ الفن من االستقالل‪ ،‬فعليه ان يحت!!وي على المراقب!!ة (النق!!د) في نفس!!ه‪ ،‬وعلي!!ه ان‬
‫‪1‬‬
‫يترك المقاطع الحرة ويعطي! كلمة السر"‪.‬‬

‫نموذج المعرفة السلبية‪:‬‬


‫مع بداية عملية ن!!زع الس!!تالينية في االتح!!اد الس!!وفيتي‪ ،‬اخ!!ذ لوك!!اتش ينتق!!د بص!!ورة أك!!ثر علني!!ة‪،‬‬
‫تقيدات الواقعية االشتراكية التي ك!!انت تش!!جعها األجه!!زة الحزبي!!ة من!!ذ أوائ!!ل الثالثيني!!ات‪ ،‬ويعي!د!‬
‫النظر في الكتاب المحدثين أمثال جويس وبيكيت‪ ،‬غ!!ير ان الحص!!يلة النهائي!!ة إلع!!ادة التق!!ويم ه!!ذه‬
‫كانت في واقع االمر تبريرا لما كان يقوله طيلة الوقت حول تف!!وق الواقعي!!ة االنتقادي!!ة او الواقعي!!ة‬
‫االش!!تراكية الحقيقي!!ة على اش!!كال الكتاب!!ة األخ!!رى‪ ،‬انه!!ا لم تمس المق!!دمات المنطقي!!ة األساس!!ية‬
‫لمفاهيمه الجمالية ونظريته األدبية‪.‬‬
‫لقد كتب ثيودور! اودرنو! الماركسي هجوما على كتاب لوكاتش‪ ،‬وفيه اشتكى اودرنو! من دوغماتية‬
‫لوكاتش‪ ،‬وسعى! الى بيان كيف ان لوكاتش ك!!ان غارق!!ا في النظ!!رة "المادي!!ة المبتذل!!ة" الى العم!!ل‬
‫االدبي كانعكاس للواقع‪ .‬وال حاجة لنا هنا لالهتم!!ام بك!!ل تفاص!!يل نق!!د اودرن!!و‪ !،‬وس!!نركز! على م!!ا‬
‫يجعل مقاربة اودرنو ذات أهمية مباشرة‪ ،‬في سعيها الى إضفاء قيمة محددة على الكتابة المحدث!!ة‪،‬‬
‫في مواجهة نظرية أدبية تضع ثقلها مباشرة ضد الحداثة‪.‬‬
‫على الرغم من فكرة لوكاتش ان العمل االدبي يعكس الواقع مستخدما وسائله الشكلية الخاصة ب!!ه‪،‬‬
‫فانه عالج االنعكاس ذاته باعتباره مماثال للطريقة التي ينعكس بها الواقع في الوعي اإلنساني‪!.‬‬
‫وينتقد اودرنو! لوكاتش على وج!ه التحدي!!د ألن!ه "ينق!!ل الى الفن مق!!والت ت!!دل على عالق!ة ال!!وعي‬
‫بالعالم الفعلي‪ ،‬كما لو ان ال فارق! بينهما"‪ .‬اما وجهة نظر اودرنو! هي ان الفن والواق!!ع يقف!!ان على‬
‫‪2‬‬
‫مسافة من بعضهما! وان هذه المسافة تمنح العمل الفني موقعا ممتازا يمكنه من نقد الواقع‪.‬‬
‫تنشأ هذه العالقة المسافة النقدية من حقيقة ان االدب يمتلك قوانين شكلية خاصة به‪ ،‬انه ال يوض!!ح‬
‫ماهية هذه القوانين الشكلية بالتحديد‪ ،‬لكنه يقدم مؤش!!رين ه!!امين لم!!ا يعني!!ه‪ ،‬فه!!و يتح!!دث أوال عن‬
‫"اإلجراءات والتقنيات" التي تق!!وم في الفن الح!!ديث " بتفكي!!ك م!!ادة موض!!وعة وإع!!ادة ترتيبه!!ا"‪،‬‬
‫‪3‬‬
‫وثانيا ان الفن " جوهر وصورة" الواقع بدل من كونه نسخة عنه‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫الجمالية الماركسية‪ ،‬ص ‪.136‬‬
‫‪2‬‬
‫النظرية األدبية الحديثة‪ ،‬ص ‪.285 ,286‬‬
‫‪3‬‬
‫المرجع السابق نفسه‬

‫‪13‬‬
‫بهذا التشديد! على القوانين الشكلية للفن باعتبارها مس!!ألة إج!!راءات وتقني!!ات‪ ،‬وباعتباره!!ا ان!!دماجا‬
‫لل!!ذات والموض!!وع‪ ،‬يش!!رح اودرن!!و كي!!ف ان الكت!!اب ال!!ذين يق!!رعهم لوك!!اتش على ذاتيتهم‪ ،‬انم!!ا‬
‫يض!!عون أنفس!!هم في الحقيق!!ة‪ ،‬على مس!!افة من الواق!!ع‪ ،‬لكي ينق!!د عملهم بص!!ورة فعال!!ة‪ ،‬ك!!ل من‬
‫بروست وجويس يستخدم! المنولوج ال!!داخلي‪ ،‬ال!!ذي ك!!ان في رأي لوك!!اتش تقني!!ة وض!!عت تش!!ديدا‬
‫مبالغا فيه على الذات المفكرة في الرواية‪ ،‬مما أدى الى فصلها! عن الواقع االجتماعي التي تسكنه‪،‬‬
‫وبالتالي الى فصل العمل االدبي عن الواقعية‪ .‬من ناحية أخرى يصر اودرنو على انه ب!!دال من ان‬
‫يفصل المونولوج! الداخلي للعمل االدبي عن الواقع‪ ،‬فان بإمكان!!ه ان يكش!!ف طريق!!ة وج!!ود! الواق!!ع‬
‫فعليا‪.‬‬
‫ان االنفصال عن العالم والتأكيد على الذاتية الذي يأتي من المونولوج الداخلي هما صورة ص!!ادقة‬
‫للواقع‪ ،‬حيث يسيطر االستالب على الناس ويحيلهم الى مج!!رد ظالل ألنفس!!هم وفي ال!!وقت نفس!!ه‪،‬‬
‫ان التأكيد على الذات هو مظهر أيضا‪ ،‬وليس النحو الذي عليه األمور حقا‪ ،‬من منظور ماركس!!ي‪،‬‬
‫الن " الكلية االجتماعية تمتلك افضلية على الفرد‪.‬‬
‫ان العمل المحدث العظيم من وجهة نظر اودرن!و! ه!!و بالتحدي!!د العم!!ل ال!!ذي ينجح في كش!!ف ه!!ذا‬
‫التن!!اقض بين المظه !ر! والواق!!ع‪ ،‬وعن!!دما يلج!!أ بروس!!ت وج!!ويس الى المنول!!وج ال!!داخلي ف!!انهم‬
‫يعرضون الذات مستلبة ومعزولة عن المجتم!!ع‪ ،‬ولكنهم!ا! يض!!عان ال!!ذات في ال!!وقت نفس!!ه ض!!من‬
‫سياق اجتماعي يعيد سياق المنظور! الصحيح الذي يظهر الذات المفردة كجزء من الكلية‪.‬‬
‫ال يختلف مفهوم اودرنو! بكليته عن مفهوم لوكاتش حيث يعت!!بر اودرن!و! ان الواق!!ع التجري!!بي ليس‬
‫فقط الذي ندركه بأعينن!ا وانم!ا الكلي!ة الديالكتيكي!ة‪ ،‬وهي عملي!ة يمكنن!ا ان ن!دركها! فق!ط من خالل‬
‫‪1‬‬
‫عملية تفكير تربط األشياء ببعضها‪.‬‬

‫النماذج المرتكزة على اللغة‪:‬‬


‫ان ماشريه هو الوحيد الذي يمكن ان يقال عنه انه خصص مكانا بارزا للغة في نظريته‪ ،‬ومع ذلك‬
‫ليست اللغة في الذات هي التي تحتل المرك!ز! في نم!!وذج ماش!ريه‪ ،‬وانم!ا عملي!ه انت!!اج األي!!دلوجيا‬
‫بواسطة النص‪.‬‬
‫لقد رأينا انه كان في متناول الماركسيين نظرة ديالكتيكية تعز بني!ة المجتم!ع‪ ،‬ونم!وذج في القاع!دة‬
‫والبنية الفوقية يق!!وم‪ ،‬كيفم!!ا فس!!ره الم!!رء‪ ،‬برب!!ط االدب ب!!األمور غ!!ير األدبي!!ة في الع!!الم الم!!ادي‪،‬‬
‫‪2‬‬
‫وبعزله عنها أيضا‪.‬‬
‫ولكي يغدو نموذجا ما مرتكزا على اللغ!ة‪ ،‬ويبقى في ال!!وقت نفس!ه ماركس!!يا‪ ،‬س!نحتاج الى مفه!!وم‬
‫جديد عن أهمي!ة اللغ!ة في العملي!!ة االجتماعي!ة‪ .‬ان النم!وذج المرتك!!ز على اللغ!ة‪ ،‬ال!ذي س!أعالجه‬
‫بصورة رئيسية في هذا القسم‪ ،‬يطرح مفهوما من هذا النوع‪ ،‬لقد طورته ما تدعى مدرسة ب!!اختين‪،‬‬
‫وهي مجموعة من الب!!احثين الس!!وفييت ال!!ذين ب!!دأوا نش!!اطهم! في المراح!!ل األخ!!يرة من الش!!كالنية‬
‫‪3‬‬
‫الروسية في أوائل العشرينيات‪ ،‬وتأثروا بعمل الشكالنيين والماركسية في آن واحد‪.‬‬
‫االفتراض األساسي الذي يحضر بواس!!طته ه!!ؤالء المنظ!!رين اللغ!!ة الى المرك!ز! ه!!و ان المجتم!!ع‬
‫نفسه ال ينفص!!ل عن اللغ!!ة‪ ،‬وإذا م!!ا اخ!!ذنا األي!!دلوجيا! أوال‪ ،‬س!!يكون باس!!تطاعتنا ان ن!!رى الى اين‬
‫تفض!!ي ه!!ذه الفك!!رة وف!ق! الش!!روط! الماركس!!ية‪ ،‬فبقول!!ه ان ك!!ل م!!ا ه!!و اي!!دلوجي! عالم!!ة‪ ،‬يخ!!رج‬
‫‪1‬‬
‫النظرية األدبية الحديثة‪ ،‬ص‪.288‬‬
‫‪2‬‬
‫النظرية األدبية الحديثة‪ ،‬ص ‪.291‬‬
‫‪3‬‬
‫النظرية األدبية الحديثة‪ ،‬ص ‪.292‬‬

‫‪14‬‬
‫فولوسينوف! الرأي القائل بان األيدلوجيا ش!!يء موج!!ود في ال!!وعي فق!!ط‪ ،‬الن م!!اركس تح!!دث عن‬
‫أجزاء البنية الفوقية األيدلوجية‪ ،‬كالسياسة والدين والفن‪ .‬وبذلك ينفصل فولوس!!ينوف! بوض!!وح عن‬
‫احدى تقاليد الفلسفة الماركسية عندما يدعو األيدلوجيا! الجزء المادي من الواقع‪ ،‬وتش!!اطر! العالم!!ة‬
‫األيدلوجية أجزاء الواقع األخرى طبيعتها! المادية‪ ،‬على الرغم من انه!ا متم!يزة عنه!ا أيض!ا‪ ،‬فعلى‬
‫سبيل المثال يفرق ميديفيديف بين األي!!ديولوجيات‪ ،‬وهي مادي!!ة واجتماعي!!ة ومؤلف!!ة من عالم!!ات‪،‬‬
‫واألمور! المادية األخرى التي اما هي غير اجتماعية او ال تدل على شيء (كأدوات اإلنتاج)‪.‬‬
‫باختين يرى اللغة كفعالية اجتماعية‪ ،‬غدا االبداع بالتالي مس!!ألة ج!!ذب انتب!!اه المس!!تمع والمحافظ!!ة‬
‫على االهتمام بالحوار‪ ،‬وان منظري مدرس!!ة ب!!اختين لم يكون!!وا معن!!يين باللس!!انيات بمعناه!!ا ه!!ذا‪،‬‬
‫وانما بدراسة اللغة ضمن موقف! اجتماعية حقيقي!!ة‪ ،‬أي بم!!ا اس!!موه دراس!!ة (النط!!ق) او (الكلم!!ة)‪،‬‬
‫التي تحمل مضامين‪ ،‬وتحتل موقعا! مركزيا في كتابات مدرسة باختين‪.‬‬
‫الكلمة هي دائما ح!!وار والوح!!دة األساس!!ية للغ!!ة في مقارب!!ة مدرس!!ة ب!!اختين هي الح!!وار! وامت!!داد‬
‫القول‪ ،‬وليس الكالم‪ ،‬الفردي او عناصر الجملة‪ ،‬وكما يقول فولوسينوف! "الكلمة فع!!ل ذو وجهين‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫انها تقرر بمن تصدر عنه‪ ،‬وبمن هي موجهة اليه"‪.‬‬
‫ه!!ذا المفه!!وم عن اللغ!!ة والنظ!!رة المتص!!لة ب!!ه الى األي!!دولوجيا باعتباره!!ا تجس!!يدا مادي!!ا للتفاع!!ل‬
‫االجتماعي‪ ،‬هما من أساس نظرية مدرس!!ة ب!!اختين األدبي!!ة‪ .‬وهن!!اك ثالث!!ة تطبيق!!ات رئيس!!ية له!!ذه‬
‫النظرية‪ :‬كنظرية في العمل االدبي‪-‬وكنهج في تحليل القول‪-‬وكنظرية في االدب باعتباره ممارسة‪.‬‬
‫بحسب مدفيدييف‪ ،‬تكمن طبيع!!ة االدب الخصوص!!ية في كون!!ه ش!!كال متم!!يزا من األي!!دلوجيا‪ ،‬وفي‬
‫الوقت نفسه انعكاسا! أليديولوجيات! أخ!!رى‪ ،‬وب!!ذلك يجب ان يص!!بح ف!!رع! االدب جزئ!!ا من دراس!!ة‬
‫‪2‬‬
‫األيديولوجيات بوجه عام‪.‬‬
‫يتخ!!ذ مدفي!!دفييف موقف!!ا معارض!!ا! للنظري!!ات السيس!!يولوجيا الس!!ابقة في االنعك!!اس‪ ،‬وللنظ!!رة‬
‫الماركس!!ية المبتذل!!ة لألدب باعتب!!اره انعكاس!ا! مباش!!را للواق!!ع االجتم!!اعي‪ ،‬االقتص!!ادي‪ ،‬وال ينك!!ر‬
‫البديل الذي يأتي به ان االدب انعكاس‪ ،‬ولكنه يعتبره انعكاسا! متدرجا‪ ،‬أي انعكاسا على مرحل!!تين‪،‬‬
‫فالعم!!ل االدبي وه!!و نفس!!ه ش!!كل من اش!!كال األي!!دلوجيا‪ ،‬يعكس أي!!ديولوجيا! أخ!!رى وهي تعكس‬
‫بدورها القاعدة االجتماعية‪ ،‬االقتصادية‪.‬‬
‫ويقول مدفيدييف! بانه من غير الجائز‪ ،‬للماركسي! ان يستخلص من االنعكاسات الثانوي!!ة في االدب‬
‫استنتاجات مباشرة حول الواقع االجتم!!اعي لف!!ترة معين!!ة‪ ،‬وب!!الطبع بإمك!!ان بط!!ل الرواي!!ة او أح!!د‬
‫اح!!داث الحبك!!ة ان ينبئ!!ا ع!!الم اجتم!!اع اص!!يل‪ ،‬بص!!فتهما عناص !ر! من البني!!ة (أي بلغتهم!!ا الفني!!ة‬
‫‪3‬‬
‫الخاصة)‪.‬‬

‫جولدمان والبنيوية التوليدية‪:‬‬


‫اتبع جولدمان لوكاش فيما سمي المدرسة الهيجيلية الجديدة في النقد الماركسي‪ !.‬وي!درس جول!!دمان‬
‫النص األدبي من حيث ما يجس!ده النص من بني!ة فكري!ة عن!د طبق!ة او مجموع!ة اجتماعي!ة ينتمي‬
‫إليها الكاتب‪ ،‬وعلى أساس اقتراب انص من التعبير الكامل المتجانس عن رؤي!!ة الع!!الم عن!!د طبق!!ة‬
‫معينة كان أعظم تالحما ً في صفاته الفنية‪ ،‬ويعتبر! جولدمان أن األعمال الفني!ة ليس!ت عم!ل ف!ردي‬
‫خالص‪ ،‬وإنما كخلق يتجاوز! الفرد‪ ،‬وكأبنية عقلي!!ة لمجموع!!ة اجتماعي!!ة‪ .‬وهي األفك!!ار والمش!!اعر‬
‫‪1‬‬
‫النظرية األدبية الحديثة‪ ،‬ص ‪.295‬‬
‫‪2‬‬
‫المرجع السابق نفسه‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫النظرية األدبية الحديثة‪ ،‬ص ‪.296‬‬

‫‪15‬‬
‫التي تشترك! بها مجموعة اجتماعية وتصل إلى أرقى! تعبير عنها عن!!د الش!!اعر أو المفك!!ر‪ .‬وب!!ذلك‬
‫الكتاب الكبار عند جول!!دمان هم من ينقل!!ون رؤي!!ة الع!!الم عن!!د طبق!!ة معين!!ة ويص!!وغونها! بطريق!!ة‬
‫كاشفة وإن لم تكن بالضرورة واعية‪.‬‬
‫ولفهم البنيوية التقليدية كمنهج نقدي سنفصله إلى منهج بنيوي ومنهج توليدي‪ ،‬المنهج الب!!نيوي! ألن‬
‫اهتمامه ببنية المقوالت التي تكشف عن رؤية خاصة للعالم يفوق اهتمامه بمضمون الرؤية نفسها‪.‬‬
‫والمضمون التوليدي! ألنه يركز! على الكيفية التي تتولد فيها ه!!ذه األبني!!ة التاريخي!!ة على المس!!توى!‬
‫التاريخي‪ ،‬أي يركز على رؤية الك!!اتب واألوض!!اع التاريخي!!ة ال!!تي أنتجت إلى ه!!ذه الرؤي!!ة‪ .‬وم!!ا‬
‫يبحث عنه جولدمان هو جماع من العاقات البنيوية بين النص األدبي ورؤية العالم والتاريخ نفسه‪،‬‬
‫ليظهر الكيفية التي يتحول بها الموقف التاريخي! لمجموعة او طبقة اجتماعية إلى بنية عم!!ل أدبي‪،‬‬
‫عن طريق رؤية العالم عند هذه الطبقة‪ ،‬ولتحقيق ذلك نحن بحاج!!ة منهج ج!!دلي يتح!!رك دوم!ا! بين‬
‫النص ورؤية العالم والتاريخ‪ ،‬بحيث يكيّف المنهج ك!!ل واح!!د منه!!ا م!ع األخ!!ر‪ ،‬وينظ!!ر في ض!!وء‬
‫االخر‪.‬‬
‫والثغ!!رة ل!!دى جول!!دمان ك!!انت بنظرت!!ه لل!!وعي االجتم!!اعي بوص!!فه تعب!!ير مباش!!ر عن الطبق!!ة‬
‫االجتماعية ‪-‬وهي النظرة الهيجيلية وليست الماركسية‪-‬وبهذا! أصبح العمل األدبي تعبير مباشر عن‬
‫هذا الوعي‪ ،‬وهذا النم!!وذج ع!!اجز عن التوفي!ق! بين الص!!راعات الجدلي!!ة والتعقي!!دات أي م!!ا يم!!يز‬
‫‪1‬‬
‫عالقة األدب بالمجتمع‪.‬‬

‫الواقعية االشتراكية‪:‬‬
‫لق!!د اعتم!!د ش!!عار الواقعي!!ة االش!!تراكية في اول م!!ؤتمر اتح!!اد الكت!!اب الس!!وفييت في اب ‪،1934‬‬
‫مفهوما دنيويا واداريا‪ ،‬في االدب يظهر! الطابع الغامض وغير المحدد في مفاهيمه الجمالية البحتة‬
‫مثلما تذهل الدقة الشديدة في االحكام التي توجه في اغلب األحيان تبعا للمناسبة السياسية وحدها‪.‬‬
‫ان غوركي وستالين هما اللذان يتقاسمان ابوة الواقعية االشتراكية‪ ،‬بيد اننا ال نستطيع م!!ع ذل!!ك ان‬
‫نحدد بدقة مساهمة كل منهما في تكوينها‪ !.‬ان (الموسوعة الس!!وفييتية الكب!!يرة) ال!!تي يش!!رف! عليه!!ا‬
‫الحكم بصرامة‪ ،‬تعزو كل الفضل الى ستالين‪ ،‬وتق!!رأ فيه!!ا م!!ا يلي‪" :‬لق!!د فص!!ل غ!!وركي المب!!ادئ‬
‫األساس!!ية للواقعي!!ة االش!!تراكية‪ ،‬انطالق!!ا من تحدي!!د المنهج الف!!ني لألدب الس!!وفييتي! المع!!زو الى‬
‫س!!تالين"‪ .‬وعلى النقيض من ذل!!ك‪ ،‬يمنح (ت!!اريخ االدب الروس!!ي) ذو الط!!ابع األق!!ل رس!!مية من‬
‫الموسوعة‪ ،‬اول مكان لغوركي‪" ،‬وهكذا فان غوركي قد وجد مبدأ االب!داع الف!ني ه!ذا ال!ذي ح!دده‬
‫‪2‬‬
‫ستالين فيما بعد‪ ،‬في مقابلة مع كتاب منهج الواقعية االشتراكية"‪!.‬‬
‫لقد وضع غوركي في الوقع‪ ،‬في روايته (االم) ومس!!رحيته (األع!!داء)‪ ،‬وهي نص!!وص كتبت بع!!د‬
‫سنة من ثورة ‪ ،1905‬األساس المتين االولي ألدب اشتراكي‪ ،‬فان صراع الطبقات يع!!رض فيهم!!ا‬
‫في عريه الفظ التام‪ ،‬وهو يعارض خاصة في مس!رحية (األع!داء)‪ ،‬الرأس!مال الط!اغي وجمه!ورا‬
‫‪3‬‬
‫ثوريا متعطشا‪ ،‬للتحرر أكثر من معارضته أبناء فيما بينهم‪.‬‬
‫ولكن يجدر بنا ان نلفت للنظر انه‪ ،‬بالغرم من تلك الرغبة التي اظهرها الحزب جه!!را‪ ،‬في حص!!ر‬
‫االدب في تخطيطية مفرطة واالقرار به بقدر ما يخدم التشييد االشتراكي‪ ،‬سعى ع!!دة خطب!!اء‪ ،‬في‬
‫منهد ماركس وانغلس‪ ،‬الى ان يحفظو ميراث الماضي! الثقافي‪ ،‬واض!!عين الواقعي!!ة االش!!تراكية في‬
‫‪1‬‬
‫الماركسية والنقد األدبي‪ ،‬مجلة الفصول‪ ،‬ص ‪30‬‬
‫‪2‬‬
‫الجمالية الماركسية‪ .‬ص ‪.105‬‬
‫‪3‬‬
‫الجمالية الماركسية‪ ،‬ص ‪.105,106‬‬

‫‪16‬‬
‫امتداد تقليد ادبي تقدمي أك!!ثر من!!ه بالنس!!بة للوض!!ع السياس!!ي‪ ،‬وهك!!ذا ان ل!!ويس ارغ!!ون ي!!ذكر ان‬
‫الواقعية االشتراكية‪ ،‬تتوج نشاطا ادبيا انجزه‪ ،‬في االدب الفرنسي‪ ،‬بلزاك وزوال وبوتي!!ه وف!!اليس‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫وستاندال وباربوس ورامبو! وبيغي‪.‬‬

‫لينين وموقفه الجمالي (الموضوعي)‪:‬‬


‫عندما تولي لينين السلطة السياسية في روسيا! الس!!وفيتية لم يكن مج!!رد ح!!اكم ج!!اء الى الحكم‪ ،‬ب!!ل‬
‫كان قائد ثورة‪ ،‬أضف على ذلك انه كان قائد ألول ث!!ورة اش!!تراكية ناجح!!ة في الت!!اريخ‪ ،‬ومؤسس!!ا‬
‫ألول دولة تمقل جماهير العمال والفالحين‪ ،‬وبالتالي! فان االدب يعتبر اح!!دى اهتمامات!!ه‪ ،‬ولكن!!ه لم‬
‫يوله جامل تركيزه وال أقول هنا انه كان موقفا ادبيا سطحيا‪ ،‬انم!!ا ك!!ان امت!!دادا لموقف!!ه من االدب!!اء‬
‫‪2‬‬
‫والفنانين قبل توليه السلطة‪ ،‬مضافا! اليه عنصر التطبيق والواقع! العملي بعد توليه السلطة‪.‬‬
‫يقتض!!ي االخ!!ذ بأس!!باب المنهج الموض!!وعي! األق!!رب الى الص!!واب‪ ،‬تقيم أفك!!ار لي!!نين في س!!ياقها!‬
‫التاريخي من ناحية‪ ،‬وفي إطار انها آراء قائد سياسي ال عالم جمال من ناحية أخرى‪ ،‬وهي أفك!!ار‬
‫وآراء تطرح للنقاش الواسع واحدة من أخطر قضايا! االدب والسياس!!ة في عالمن!!ا المعاص!!ر‪ ،‬وهي‬
‫‪3‬‬
‫قضية العالقة بين السلطة الثورية والفن‪.‬‬
‫نستطيع ان نضع اليد على ثالث!!ة مص!!ادر رئيس!!ية لمعظم م!!ا تعرض!!ت ل!!ه نظ!!رات لي!!نين األدبي!!ة‬
‫والفنية من قضايا ومشكالت‪ .‬المصدر! األول هو مقاالته الخمس عن تولس!!توي‪ ،‬والمص!!در! الث!!اني‬
‫هو رسائله الى غوركي‪ ،‬اما المصدر! الثالث هو مقاله "التنظيم الح!!زبي واالدب الح!!زبي"‪ .‬وتبقى‬
‫بعد ذلك رسائل وتعليقات وذكريات وق!!رارات تتص!!ل من بعي!!د او ق!!ريب بمش!!كالت الفن وقض!!ايا‬
‫االدب‪.‬‬
‫برهن لينين من وجهة نظر المادية الجدلي!!ة على ان الفن "وس!!يلة متم!!يزة ومهم!!ة ج!!دا من وس!!ائل‬
‫المعرفة‪ ،‬وهو وسيلة وحيدة في جنسها وليس لها مثيل‪ ،‬وان كانت تنطبق عليها كل القوانين العامة‬
‫في نظرية المعرفة"‪ ،‬ولذلك كان لينين يرى ان "أجمل األشياء اكره!!ا تشخيص!ا! وأكثره!!ا ذاتي!!ة"‪،‬‬
‫ولكنه بشكل عام استطاع! ان يمد اهتمام الماركسية الى الجماليات من زاوية نظرية المعرفة‪ ،‬حيث‬
‫أومأ بأن الخيال والتص!!ور! والتلقائي!ة من س!!مات المعرف!!ة اإلنس!!انية عام!!ة‪ ،‬ولكن الفن يكث!ف ه!!ذه‬
‫السمات العام!!ة ويركزه!!ا في دائ!!رة اك!!ثر خصوص!!ية فيص!!بح التخي!!ل والتص!!وير! من جوهري!!ات‬
‫االب!!داع الف!!ني‪ ،‬وال ينفي ه!!ذا بطبيع!!ة الح!!ال ان تك!!ون الحي!!اة هي المقي!!اس الحاس!!م لتق!!ييم ص!!حة‬
‫التصورات المالحظات التي يبديها الفنان في عمله االدبي‪.‬‬
‫وفي عالقة الفن بالحياة وهي من اهم القض!!ايا النظري!!ة‪ ،‬اكتفى لي!!نين ب!!أن الوح!!دة الجدلي!!ة بين م!!ا‬
‫يعكس وكيفية انعكاسه هي أساس ماهية الفن‪ ،‬هذه الكلمات أدت دورا ب!!الغ األهمي!!ة للفن والفن!!انين‬
‫ابان المرحلة اللينينية في الثورة االشتراكية األولى‪ ،‬ذلك انها كانت بالقدر التي كافحت به المن!!اهج‬
‫المثالية في التفكير الجمالي كافحت أيضا المناهج المادية المبتذلة‪ ،‬ويق!!ول لي!!نين في كتاب!!ه المادي!!ة‬
‫والنق!!د التجري!!بي! "ان االحاس!!يس بالنس!!بة لص!!احب األي!!دلوجيا المادي!!ة هي ص!!ور عن الحقيق!!ة‬
‫النهائية‪ ،‬وهي وحدها الحقيقة الموضوعية"‪.4‬‬
‫"ان وجود الم!!ادة غ!!ير مرتب!ط! باإلحس!!اس‪ ،‬فالم!!ادة أولي!!ة وس!!ابقة على الش!!عور‪ ،‬ام!!ا االحاس!!يس‬
‫والفكر والوعي‪ ،‬فهي النتاج األعلى للمادة المنظمة بصورة خاصة"‪ ،‬وعلى هذا النح!!و ك!!ان لي!!نين‬
‫‪1‬‬
‫الجمالية الماركسية‪ ،‬ص ‪.108‬‬
‫‪2‬‬
‫الماركسية واألدب‪ ،‬ص ‪.68‬‬
‫‪3‬‬
‫الماركسية واألدب‪ ،‬ص ‪.52‬‬
‫‪4‬‬
‫الماركسية واألدب‪ ،‬ص ‪.54‬‬

‫‪17‬‬
‫يوصل مقولة إنجل!!ز عن العالق!!ة بين االدب والتط!!ور! االقتص!!ادي‪ ،‬وهي العالق!!ة ال!!تي تق!!وم على‬
‫أساس االنعكاس المباشر‪ ،‬واال لكانت الفنون واآلداب والفلسفات واألديان وغيره!!ا من المعنوي!!ات‬
‫مجرد أصداء سلبية للواقع االقتصادي‪ ،‬وان الصدى السلبي كما يق!!ول لي!!ني ال يثم!!ر فعال إيجابي!!ا‪،‬‬
‫وبالتالي فما قيمة السياسة‪ ،‬والقانون والفلس!!فة والفن اذا لم يكن له!!ا دور م!!ؤثر! في تط!!ور! االنس!!ان‬
‫وواقعه‪.‬‬
‫ولق!!د ان من الط!!بيعي ان تك!!ون قض!!ية الق!!ديم والجدي!!د في الفن اهم القض!!ايا ال!!تي تواج!!ه الس!!لطة‬
‫الجديدة التي تبني أسس الثورة االجتماعية والسياسية‪ ،‬فما هو االمر بالنسبة للفن واالدب‪.‬‬
‫لقد اختار البعض موقف المعارضة القطعية للق!!ديم أي!!ا ك!!ان اتجاه!!ه‪ ،‬واإلص!!رار! على خل!!ق ثقاف!!ة‬
‫بروليتارية خاصة وصافية ونقية‪ ،‬وتلك هي االلفاظ ال!!تي اس!!تخدمها بوج!!دانوف! بغ!!ير ان تش!!وبها!‬
‫صبغة التأثر بظالل الماضي‪ ،‬مهم!!ا ك!انت روعت!!ه‪ ،‬ومن الواض!!ح ان التط!ور! الميك!انيكي! لعالق!ة‬
‫الفن بالواقع هو الذي املى على اولئك المتحمسين‪ ،‬فكرة ان القاع!دة االقتص!!ادية الجدي!!دة للمجتم!ع‬
‫سوف تخلق بالضرورة قيمتها! الفنية المغ!!ايرة للق!!ديم ال!!ذي ك!!ان‪ 56.‬فالقاع!!دة االقتص!!ادية الجدي!!دة‬
‫نفسها ال يتم بناؤها بين يوم وليلة‪ ،‬بل هناك مراح!!ل تح!!ول طويل!!ة ومري!!رة ومعق!!دة‪ ،‬لالنتق!!ال من‬
‫‪1‬‬
‫النظام االقتصادي! القديم الى النظام الجديد‪.‬‬
‫يض!!اف! الى ذل!!ك‪ ،‬ان اآلداب والفن!!ون تختل!!ف في مس!!ار تطوره!!ا ومع!!دل ه!!ذا التط!!ور! ووس!!ائله‬
‫اختالفا يكاد يكون كافيا عن مسار التطور! االقتصادي‪ ،‬وهذا ما دعا لي!!نين للوق!!ف بح!!زم في وج!!ه‬
‫دعاة الثقافة البروليتارية‪ ،‬حتى ان!!ه اض!طر كرج!!ل دول!ة ان يص!در! ق!رارا! رس!ميا في التاس!!ع من‬
‫أكتوبر ‪ 1920‬يقول في مادته الثانية "ال اختالق ثقافة بروليتارية جديدة‪ ،‬بل تط!!وير! خ!!يرة نم!!اذج‬
‫وتقاليد ونتائج الثقافة الموجودة من وجه!!ة نظ!!ر الماركس!!ية عن الع!!الم" وك!!ان تجس!!يدا عميق!!ا لم!!ا‬
‫‪2‬‬
‫يشعر به لينين تجاه التراث‪.‬‬
‫ويتساءل لينين "لماذا يتعين علينا ان دي!!ر ظهورن!!ا للجمي!!ل ونتخلى عن!!ه كنقط!!ة انطالق للتط!!ور‪،‬‬
‫‪3‬‬
‫لسبب واحد هو انه قديم؟ بل يجب االحتفاظ بكل ما هو الئق من الفن القديم"‪.‬‬
‫ويشير لينين الى جمعية الثقافة البروليتارية ان عزل الثقافة الديمقراطية عن الثقافة االشتراكية هو‬
‫أخطر ما يمكن ان تواجهه الثقافة االشتراكية‪.‬‬
‫وفي التاسع عشر من سبتمبر ‪ 1918‬يوقع لينين مرسوما يحظ!!ر نق!ل األش!!ياء ذات األهمي!!ة الفني!ة‬
‫والتاريخية الخاصة الى البلدان األجنبية وبيعها لها‪ ،‬مستلهما! في توقيع! ذلك المرسوم! فكرة ماركس‬
‫عن االستقالل النسبي للفنون وكي!!ف ان!ه رغم ارتب!اط بعض التح!ف بأش!كال اجتماعي!!ة معين!ة‪ ،‬ال‬
‫تتالش!!ى أهميته!!ا ب!!زوال ه!!ذه االش!!كال‪ ،‬ويش!!ير م!!اركس الى اعجابن!!ا المس!!تمر الى االن ب!!الفنون‬
‫اليونانية والتي ما زالت تحتفظ الى اليوم بأهميتها‪.‬‬
‫وان هذا الموقف! الدقيق من قضية القديم لم يوازنه لينين بموقف! مماثل من قضية الجديد فظلت من‬
‫المشكالت التي أرقته طويال‪ ،58‬وفي! احدى اللحظات مع كارال زيتكين (سياس!!ية الماني!!ة يس!!ارية‬
‫ومدافعة عن حقوق المرأة ومؤسسة صحيفة المساواة سنة ‪ )1891‬يق!!ول له!!ا‪" ،‬اج!!ل ي!!ا عزي!!زتي‬
‫كالرا‪ ،‬ليس في اليد حيلة‪ ،‬فنحن كالنا عجز وليس لن!!ا ان ن!!واكب الفن الجدي!!د‪ ،‬انم!!ا سنس!!ير ببطء‬
‫‪4‬‬
‫وراءه"‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫الماركسية واألدب‪ ،‬ص ‪.57‬‬
‫‪2‬‬
‫المرجع السابق نفسه‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫المرجع السابق نفسه‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫الماركسية واألدب‪ ،‬ص ‪.59‬‬

‫‪18‬‬
‫ولو استعدنا موقفه من بوشكين ومايوكوفسكي! لتبين لنا من المتابعة الدقيقة له!!ذا الموق!!ف ان!!ه ك!!ان‬
‫موقفا من المدرسة "المستقبلية" التي يمثلها مايكوفس!!كي في الش!!عر الروس!!ي‪ ،‬ولم يكن ق!!ط موقف!!ا‬
‫‪1‬‬
‫شخصيا من الشاعر الذي أحب كثيرا قصائده في نقد البيروقراطية السوفيتية‪.‬‬
‫وفي كلم!!ات أك!!ثر ايج!!ازا ووض!!وحا ق!!ال في حديث!!ه م!!ع كالرا "وال أس!!تطيع ان اعت!!بر مؤلف!!ات‬
‫المدرسة االنطباعية والمستقبلية والتكعيبية وغيره!ا من الم!دارس المماثل!ة غاي!!ة العبقري!ة الفني!ة‪،‬‬
‫أنى ال افهمها! وهي ال تبعث في نفسي أي شعور بالفرح"‪ ،‬مشيرا ب!!ذلك الى تعري !ف! م!!اركس للفن‬
‫بأنه اقصى درجات الفرح‪ ،‬ولينين به!ذا الموق!ف من الفن!ون الجدي!دة ال يختل!ف عن ماليين البش!ر‬
‫الذين استقبلوا هذه االتجاهات بالكثير من الدهشة التي تصل أحيانا الى االستنكار‪.‬‬
‫كانت الديمقراطية اللينينية ذات جذر فلس!!في اص!يل في البن!اء الفك!!ري للي!!نين وه!!و ذل!ك التص!!ور!‬
‫لمعنى "االنعكاس"‬
‫وقد اوضحه في الكراسات الفلسفية قائال انه "ليس فعال بسيطا مباش!!را! ميت!!ا ان!!ه ليس انعك!!اس في‬
‫مرآة‪ ،‬بل فعال معقدا‪ ،‬مزدوجا‪ ،‬متعرج!!ا‪ ،‬فعال يتض!!من إمكاني!!ة تحوي!!ل للمفه!!وم المج!!رد للفك!!رة‪،‬‬
‫وهي بدعة خيالية‪ ،‬ذلك ألنه يوجد في ابسط أنواع التعميم وفي ابسط اشكال الفكر العامة شيء من‬
‫الخي!!ال" وان ه!!ذه الفك!!رة الجوهري!!ة عن مراح!!ل االنعك!!اس وتحوالت!!ه وتفاعالت!!ه هي األس!!اس‬
‫‪2‬‬
‫النظري لفكرة الحرية في الفن‪.‬‬
‫وكان يقص!!د في ذل!!ك جماع!!ة "الثقاف!!ة البروليتاري!!ة" ال!!تي دعت الى ح!!رق االث!!ار الفني!!ة القديم!!ة‬
‫ومصادر! كل ما هو غير بروليتاري‪ ،‬ول!!ذلك أص!!در لي!!نين ق!!راره الش!!هير بحماي!!ة االث!!ار‪ ،‬ول!!ذلك‬
‫أيضا أص!در ق!!رار ب!!أن ثقاف!!ة البروليتاري!ا! هي وريث!!ة أعظم منج!زات الثقاف!!ة اإلنس!انية على م!ر‬
‫التاريخ‪.‬‬
‫لم يعد لينين الى األفكار! الرئيسية في مقاله القديم (تنظيم الحزب وادبه‪( ،)1905-‬التي اك!!دت على‬
‫أهمية تطوي!ع ك!ل نش!اط ادبي في مص!لحة الح!زب‪ ،‬ف!األدب يش!غل في عرف!ة وظيف!ة اجتماعي!ة‪،‬‬
‫ويوجه العمل الثوري‪ ،‬من خالل وعي الوقائع! االجتماعية التي يثيرها ويحافظ عليه!!ا ويقويه !ا! في‬
‫‪3‬‬
‫الوقت نفسه)‪ ،‬اال مرة واحدة في الثامن من أكتوبر ‪.1920‬‬
‫وإن اتخذنا لنا مثاال على المذكور مسبقا عن القديم والجديد‪ ،‬نرى لينين وقد! تساءل وسط فيض من‬
‫ردود األفعال التي تج!اذبت ت!راث تولس!توي! بين الليبرال!يين الث!وريين بعض!هم! البعض‪ ،‬وبالنس!بة‬
‫للفري!!ق اللي!!برالي أدرك لي!!نين في وقت مبك!!ر انهم ك!!انوا يتلق!!ون أوام!!ر في مهاجم!!ة تولس!!توي‬
‫واالشادة به كلما استدعت ظروفهم السياسية متخذين من اسم تولستوي مجرد مشجب يعلقون عليه‬
‫خطاياهم او راياتهم‪" ،‬ان هذا التفخيم المصطنع! والجمل المنمقة حول الباحث الكبير عن هللا ليست‬
‫اكثر من بهتان واباطيل‪ ،‬الن الليبراليين الروس ال يؤمنون بإل!!ه تولس!!توي! وال يعطف!!ون عن النق!!د‬
‫‪4‬‬
‫التلستوي للنظام القائم‪.‬‬
‫وأوض!!ح لي!!نين ان المن!!اخ الفالحي للث!!ورة ك!!ان مناخ!!ا ش!!ديد االض!!طراب والتعقي!!د‪ ،‬اذ ان فق!!راء‬
‫الفالحين وجدوا أنفسهم فجأة بين نارين (االقطاع بسلطته الطاغية المتحالفة مع الكنيس!!ة‪ ،‬وال!!رأس‬
‫مالية الوليدة التي أحس الفالح معها بق!!دوم س!!يد جدي!!د يخلع!!ه من األرض ل!!يرمي ب!!ه الى الع!!راء)‬

‫‪1‬‬
‫المرجع السابق نفسه‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫الماركسية واألدب‪ ،‬ص ‪.62‬‬
‫‪3‬‬
‫الماركسية واألدب‪ ،‬ص ‪.67‬‬
‫‪4‬‬
‫الماركسية واألدب‪ ،‬ص ‪.81‬‬

‫‪19‬‬
‫وك!!انت القيم الس!!ائدة على الري!!ف المم!!زق بين س!!يد ق!!ديم وس!!يد جدي!!د‪ ،‬هي قيم "النظ!!ام االب!!وي"‬
‫المناهض للمقاومة مما تسبب في انكسار اول حملة ثورية‪.‬‬
‫وك!!انت مؤلف!!ات تولس!!توي كم!!ا يراه!!ا لي!!نين‪ ،‬هي الم!!رآة المص!!قولة للق!!وة والض!!عف في حري!!ة‬
‫الفالحين المتمردة على القنانة االقطاعية واالفالس! الرأس!!مالي! في آن‪ ،‬وهي أيض!!ا المؤلف!!ات ذات‬
‫النقمة الحارة والحادة معا على الدول!!ة البوليس!!ية والكنيس!!ة الرس!!مية‪ ،‬بحيث ع!!برت أخلص تعب!!ير‬
‫وأعمق!!ه عن مش!!اعر الديمقراطي!!ة البدائي!!ة عن!!د الفالحين‪ ،‬المش!!اعر ال!!تي كدس!!ها ظلم القنان!!ة‬
‫‪1‬‬
‫االقطاعية‪.‬‬
‫توقف تولستوي عند المرحلة الطوباوية في الفكر اال اننا ال يمكن ان نستنتج من ذلك مطلق!!ا ان!!ه لم‬
‫يكن اشتراكيا‪ ،‬او انه ال يحتوي على عناصر نقدية تقدم موادا ثمينة لتثقيف الطبقات التقدمية‪.‬‬
‫ان التقييم اللينيني لتراث تولستوي‪ ،‬هو في جوهره تقييم سياسي‪ ،‬ولكن!!ه أعم!!ق م!!ا قدم!!ه لي!!ني من‬
‫نظ!!رات في االدب والفن‪ ،‬ولق!!د أش!!ار بغ!!ير مس!!اومة الى ان القض!!ايا الجمالي!!ة ال تحتم!!ل النظ!!رة‬
‫األحادي!!ة الج!!انب‪ ،‬الن الظالل ال!!تي بينه!!ا ال ح!!د لغناه!!ا‪ ،‬كم!!ا أش!!ار ول!!و من بعي!!د ودون تحدي!!د‬
‫‪2‬‬
‫أكاديمي‪ ،‬الى ان الصدق وحده هو معيار عظمة الفن وبقاءه مع الزمن‪.‬‬

‫بيلخانوف مقابل لينين‪:‬‬


‫"ان االدب والفن هم!!ا م!!رآه الحي!!اة االجتماعي!!ة"‪ ،‬في ع!!رف بلخ!!انف (‪ ،)1918-1856‬الم!!ترجم‬
‫الروسي للمنشور! الشيوعي واستاذ لينين قبل ان يصبح خص!!مه‪18.‬الجمالي!!ة الماركس!!ية‪ ،‬وبم!!ا ان‬
‫النتاج الفني ظاهرات او اعمال ناتجة عن عالق!ات اجتماعي!ة‪ ،‬يمكنن!ا "نق!!ل النت!اج الف!!ني من لغ!ة‬
‫الفن الى لغة علم االجتماع"‪ ،‬فمن الضروري اذن معرفة سيكولوجية الفنان او المؤلف االجتماعية‬
‫‪3‬‬
‫التي يشارك! فيها أكثر من معرفتنا! ذاته‪ ،‬في سبيل تفهم كامل لنتاجه الفني او االدبي‪.‬‬
‫يهتم بلخانف باإلش!ارة الى المراح!ل ال!تي تنقلن!ا في تفك!ير جم!الي‪ ،‬من االقتص!اد الى الفن "حال!ة‬
‫القوى المنتجة‪ ،‬العالقات االقتصادية التي تسيرها تلك القوى‪ ،‬النظام االجتماعي والسياسي المب!!ني‬
‫على تل!!ك الرك!!يزة االقتص!!ادية‪ ،‬س!!يكولوجيا! االنس!!ان االجتم!!اعي ال!!تي يس!!يرها جزئي!!ا النظ!!ام‬
‫االجتماعي والسياسي المبني على االقتصاد‪ !،‬وأيديولوجيات مختلفة تعكس تلك السيكولوجيا"‪!.‬‬
‫يبدو ان التميز الذي قام به بلخ!!انف بحكم!!ه الجم!!الي يحص!!ر المع!!نى‪ ،‬وه!!دف! الفن النفعي يط!!ابق‬
‫التميز الذي قام به ماركس بين التقويم الجم!!الي وقص!!دية الفن‪ ،‬ولكن هن!!اك فرق!!ا أساس!!يا‪ ،‬ف!!الحكم‬
‫الجمالي في نظر بلخانف‪ ،‬متعلق بالحق!!ل النظ!!ري! البحت‪ ،‬في حين ان م!!اركس يجع!!ل من!!ه ش!!كال‬
‫خاصا من التقويم العملي‪ ،‬زد على ذلك ان التميز الدقيق! بين اللذة الجمالي!!ة ودور! الفن االجتم!!اعي‬
‫‪4‬‬
‫السامي ناتج لدى بلخانف! من تأثير النقاد الراديكاليين الروس‪.‬‬
‫وبالرغم من ه!!ذا التص!!لب السيس!!يولوجيا! الماركس!!ي‪ ،‬ي!!رفض بلخ!!انف ان يض!!ع الفن واالدب في‬
‫خدمة سياسة الحزب‪ ،‬فهو! يوضح قائال "ال تأمر الجمالية الفن بشيء على االطالق‪ ،‬فهي ال تق!!ول‬
‫له عليك ان تتقي!!د بتل!!ك القواع!!د او بتل!!ك األمثل!!ة‪ ،‬ب!!ل تقتص!!ر بتواض!!ع على مراقب!!ة كيفي!ة نش!!وء‬
‫مختلف القواعد واالسئلة التي انتصرت في مختل!!ف العص!!ور التاريخي!!ة‪ ،‬فهي تج!!د ان ك!!ل ش!!يء‬
‫حسن في عصره‪ ،‬وهي موضوعية كالفيزياء"‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫الماركسية واألدب‪ ،‬ص ‪.83‬‬
‫‪2‬‬
‫الماركسية واألدب‪ ،‬ص ‪.85‬‬
‫‪3‬‬
‫الجمالية الماركسية‪ ،‬ص‪.19‬‬
‫‪4‬‬
‫الجمالية الماركسية‪ ،‬ص ‪.20‬‬

‫‪20‬‬
‫وان مقال لينين لعام ‪ 1905‬هو ما عارضه عليه بلخانف هو م!ا اعت!بر حج!ة في عص!ره وأص!بح‬
‫"البارتينيوست" التحزب الذي أراد لينين اعتباره العنصر المحرك لكل الحياة الثقافية‪.‬‬

‫االدب والثورة (ليون تروتسكي ‪:)1940 -1879‬‬


‫ماركسي بارز! واحد زعماء ثورة أكت!!وبر في روس!يا! ع!ام ‪ ،1917‬إض!افة الى الحرك!!ة الش!!يوعية‬
‫العالمية في النصف األول من القرن الماضي‪ ،‬ومؤسس المذهب التروتسكي! الشيوعي‪ ،‬لق!!د ك!!انت‬
‫كتاباته الموجهة ضد الستالينية الدكتاتورية قاسية‪ ،‬وعن هذا يقول (ج!!ورج برن!!ارد ش!!و) " عن!!دما‬
‫يقطع تروتسكي رأس خصمه‪ ،‬ال يكتفي بذلك‪ ،‬بل يحمل الرأس عاليا ً ويعرضه على الن!!اس ق!!ائالً‪،‬‬
‫انظروا ال يوجد! دماغ داخله"‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫نظرة على كتابه‪:‬‬
‫يعلن الكت!!اب البروليت!!اريين من جماع!!ة "كوزنتس!!ا"‪ ،‬في بي!!انهم المن!!اهجي‪ ،‬أن "االس!!لوب ه!!و‬
‫الطبقة"‪ ،‬وأن الكتاب ال!!ذين من أص!!ل اجتم!!اعي أخ!!ر ال يس!!عهم‪ ،‬بالت!!الي‪ ،‬أن يخلق!!وا أس!!لوبا فني!!ا‬
‫يتجاوب وطبيعة البروليتاريا‪ .‬ومن هنا يبدو أنه من الغني عن البيان أن جماعة "كوزنتس!!ا"‪ !،‬ال!!تي‬
‫‪2‬‬
‫هي بروليتارية بتكوينها واتجاهها! معا‪ ،‬هي في سبيلها الى إبداع الفن البروليتاري‪!.‬‬
‫بيد أن االسلوب ال يولد مع الطبقة في زمن واحد‪ .‬فالطبقة تعثر على أسلوبها بسبل بالغ!!ة التش!!ابك‬
‫والتعقيد‪" ،‬االسلوب هو الطبقة"‪ ،‬ال في الفن فحسب‪ ،‬وإنما في السياسة قبل كل ش!!يء‪ .‬والح!!ال أن‬
‫السياسة هي المضمار الوحيد الذي أب!!دعت في!!ه البروليتاري!ا! أس!!لوبها الخ!!اص فع!!ال‪ .‬كي!!ف؟ ليس‬
‫بالمرة عن طريق! هذا القياس الساذج‪ :‬لكل طبق!!ة أس!!لوبها‪ ،‬البروليتاري!ا! طبق!!ة‪ ،‬إذن هي تعه!!د إلى‬
‫‪3‬‬
‫هذه الجماعة البروليتاريا أو تلك بصياغة أسلوبها! السياسي‪.‬‬
‫إذا كنا نريد أن نقارن صعود البروليتاريا! الفني بصعودها! السياسي‪ ،‬فال بد من القول بأن المرحلة‬
‫التي نحن فيها حاليا في مضمار الفن هي على وجه التقريب عين المرحلة التي ك!!انت تتالقى فيه!!ا‬
‫الحركات الجماهيرية االولى الغضة الع!!ود م!!ع جه!!ود االنتلجانس!!يا وبعض العم!!ال لتش!!ييد أنظم!!ة‬
‫‪4‬‬
‫طوباوية‪.‬‬
‫ان بيان "كوزنتسا"! يص!!ور! الوض!!ع ال!!راهن في مض!!مار! الفن ب!!ألوان قاتم!!ة ج!!دا واتهامي!!ة‪" :‬لق!!د‬
‫ظهرت السياسة االقتصادية الجدي!!دة‪ ،‬بوص!!فها مرحل!!ة من مراح!!ل الث!!ورة‪ ،‬الى ح!!يز الوج!!ود في‬
‫مناخ فن يشبه مهارة الغوريال"‪ ،‬وعن الفن البروليتاري تتكلم الجماعة بألفاظ مفخم!!ة‪ ،‬ب!!ل طنان!!ة‪،‬‬
‫بوصفه فن المستقبل من ناحية‪ ،‬وفن الحاضر من ناحية ثانية‪" :‬أن الطبقة العاملة المتراص!!ة تب!!دع‬
‫فنا على صورتها ونظيرها"‪.‬‬
‫يزود الحزب عن المصالح التاريخية للطبقة العاملة في مجموعها ويمهد! الطريق‪ ،‬خط!!وة خط!!وة‪،‬‬
‫نحو ثقافة جديدة‪ ،‬نحو فن جديد‪ .‬ال يرى في رفاق! الدرب منافسين للكتاب العم!!ال‪ ،‬وإنم!!ا مع!!اونين‬
‫للطبقة العاملة في مشروعها! الضخم إلعادة البناء‪ .‬ي!درك الط!!ابع الع!!ارض للجماع!!ات االدبي!!ة في‬
‫مرحلة االنتقال‪ .‬وبدال من أن يقي هذه الجماع!!ات على أس!!اس الش!!هادات الشخص!!ية الطبقي!!ة ال!!تي‬
‫يحتج بها السادة االدباء‪ ،‬يهتم للمكانة التي تحتلها أو يمكن أن تحتلها في تشييد! ثقافة اشتراكية‪ .‬وإذا‬
‫لم يكن ممكنا اليوم تحديد هذه المكانة بالنسبة الى هذه الجماعة أو تلك‪ ،‬فإن الحزب سينتظر بصبر‬
‫‪1‬‬
‫ينظر‪ :‬ليون تروتسكي‪ :‬األدب والثورة‬
‫‪2‬‬
‫الجمالية الماركسية‪ ،‬ص ‪.12‬‬
‫‪3‬‬
‫الجمالية الماركسية‪ ،‬ص ‪.13‬‬
‫‪4‬‬
‫المرجع السابق نفسه‬

‫‪21‬‬
‫وأناة وترو‪ ،‬وهذا ال يحول البت!!ة دون الق!!راء والنق!!اد ودون التع!!اطف فردي!ا! م!!ع ه!!ذه الجماع!ة أو‬
‫‪1‬‬
‫تلك‪.‬‬
‫ان الحزب‪ ،‬بحكم من أنه يزود عن مجم!!ل المص!!الح التاريخي!!ة للطبق!!ة العامل!!ة‪ ،‬مل!!زم ب!!أن يك!!ون‬
‫موضوعيا ومتبصرا‪ !.‬فهو من جهة أولى ال يعطي "بركته" ل "كوزنتسا"! لمجرد ان هناك اعمال‬
‫يكتبون فيها‪ ،‬ومن الجهة الثانية ال يرفض مسبقا أي جماعة أدبية‪ ،‬حتى ولو كانت مؤلف!!ة كله!!ا من‬
‫مثقفين‪ ،‬إذا ما بذلت جهدا ولو بسيطا! للتقرب من الثورة او لتدعيم واحدة من الروابط‪ !،‬م!!ع المدين!!ة‬
‫أو القرية‪ ،‬بين أعضاء الحزب واال حزبيين‪ ،‬بين المثقفين والعمال‪.‬‬
‫سياسية الحزب في الفن‪:‬‬
‫بصدد "الشكل"‪ ،‬يسلك نقادنا الطريق الذي س!!بق أن فتحت!!ه مجموع!!ة "راس!!باد"‪ ،‬في ع!!ام ‪.1711‬‬
‫بيد أنه ينبغي أن نفهم ونقي م التغيرات ال!!تي ط!!رأت على االوض!!اع التاريخي!!ة‪ ،‬والتوزي!ع! الجدي!!د‬
‫للقوى الذي تحقق منذ ذلك الحين‪ .‬فيومئذ كنا حزبا مقهورا! ومرغم!!ا على الس!!رية‪ .‬وك!!انت الث!!ورة‬
‫في جزر‪ ،‬بينما كانت ثورة ستوليبين‪ ،‬الفوضويين‪-‬الصوفيين المضادة تتقدم على امتداد الخط كله‪.‬‬
‫وفي الحزب نفس!ه ك!ان المثقف!ون يلعب!ون دورا ليتناس!ب وأهميتهم‪ ،‬كم!ا ك!انت جماع!ات المثقفين‬
‫المنتمية الى األسر السياسية األخرى تؤثر في بعضها بعضا‪ .‬وفي! مثل تلك الشروط‪ !،‬وحماي!!ة من!!ا‬
‫أس!!اليبنا في النظ!!ر والتفك!!ير‪ ،‬ك!!ان علين!!ا بحكم ال!!واجب أن نك!!افح جمي!!ع أش!!كال التعب!!ير االدبي‬
‫للرجعية‪ .‬أما اليوم‪ ،‬فالوضع! يختلف كل االختالف‪ .‬فقانون الجاذبية‪ ،‬الذي يفعل فعله لصالح الطبقة‬
‫الحاكمة والذي يحدد‪ ،‬في التحليل األخير‪ ،‬نشاط المثقفين اإلبداعي‪ ،‬يعم!!ل اآلن لص!!الحنا‪ !.‬وب!!د ال!!ة‬
‫ذلك‪ ،‬ينبغي علينا أن نعرف كيف نرسم! وننشئ سياسة فن‪.‬‬
‫ليس صحيحا أن الفن الثوري ال يمكن أن يرى النور اال على أيدي العمال‪ .‬فعلى وجه التحدي!!د الن‬
‫الثورة عمالية فإنها تحرر – لنكرر ذلك‪-‬كمية واهية من طاقة الطبقة العاملة في مض!!مار! الفن‪ ،‬ان‬
‫أعظم آثار الثورة الفرنسية‪ ،‬االثار التي تعكسها بصورة مباشرة أو غير مباشرة‪ ،‬رأت الن!!ور على‬
‫أيدي فنانين ألمان أو انجليز أو غيرهم‪ ،‬ال على أي!!دي الفرنس!!يين‪ .‬فالبورجوازي!!ة الفرنس!!ية‪ ،‬ال!!تي‬
‫‪ ،17‬كانت مشغولة بصنع الثورة‪ ،‬لم تكن تملك م!!ا في!!ه الكفاي!!ة من الق!!وى لتحف!!ر بنفس!!ها خاتمه!!ا‪.‬‬
‫وه!!ذا ينطب!!ق على البروليتاري!!ا! أك!!ثر أيض!!ا‪ :‬فثقافته!!ا الفني!!ة أض!!عف وأوهى بكث!!ير من ثقافته!!ا‬
‫السياسية‪.‬‬
‫ينبغي على االش!!كال الجدي!!دة أن تج!!د من تلق!!اء نفس!!ها‪ ،‬منف!!ذا إلى وج!!دان العناص!!ر المتقدم!!ة من‬
‫الطبق!ة العامل!ة‪ ،‬إن الفن ال يس!تطيع! ال أن يحي!ا وال أن يتط!ور! من غ!ير أن يحوط!ه ج!و من ال!ود‬
‫والتع!!اطف‪ ،‬وإنم!!ا على ه!!ذا الطري!!ق‪ !،‬وليس على أي طري!ق! آخ!!ر‪ ،‬س!!تظهر! س!!يرورة معق!!دة من‬
‫العالقات المتبادلة‪ ،‬فارتفاع المستوى! الثقافي للطبقة العاملة سيساعد وسيكون له تأثيره على أولئ!!ك‬
‫المجددين الذين ل!!ديهم حق!!ا ش!!يء يقولون!!ه‪ ،‬أم!!ا التص!!نع‪ ،‬المحتم حين تس!!يطر التكتالت‪ ،‬فس!!يزول‬
‫وستتمخض البراعم الحية عن أشكال جديدة تتيح إمكانية حل مش!!كالت فني!!ة جدي!!دة‪ ،‬ه!!ذا التط!!ور‬
‫‪2‬‬
‫يفترض قبل أي شيء آخر تراكم خيرات ثقافية‪ ،‬ونمو الرفاهية‪ ،‬وتطور التقنية‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫الجمالية الماركسية‪ ،‬ص ‪.18‬‬
‫‪2‬‬
‫ينظر‪ :‬ليون تروتسكي‪ :‬األدب والثورة‬

‫‪22‬‬
‫المراجع‪:‬‬
‫أرفون‪ ،‬هنري‪ :‬الجمالية الماركس))ية‪ ،‬ت))ر‪ :‬جه))اد نعم))ان‪ ،‬ب))يروت‪/1982/‬دار منش))ورات‬ ‫‪)1‬‬
‫عويدات‪ ،‬ط‪.2‬‬

‫إيجلت))ون‪ ،‬ت))يري‪ :‬الماركس))ية والنق))د األدبي‪ ،‬ت))ر‪ :‬ج))ابر عص))فور‪ ،‬مجل))ة النق))د األدبي‬ ‫‪)2‬‬
‫الفصول‪ ،‬العدد ‪ /‬الهيئة المصرية العامة للكتاب‪.‬‬

‫تروتسكي‪ ،‬ليون‪ :‬األدب والثورة‪ ،‬تر‪ :‬جورج طرابيشي‪ ،‬بيروت‪ /1975/‬دار الطليعة‪ ،‬ط‬ ‫‪)3‬‬
‫‪.1‬‬

‫جيفرسون‪ ،‬آن‪ ،‬روبي‪ ،‬ديفيد‪ :‬النظرية األدبية الحديثة تقديم مقارن‪ ،‬تر‪ :‬سمير مسعود‪،‬‬ ‫‪)4‬‬
‫دمشق‪/1992/‬منشورات وزارة الثقافة‪ ،‬ط‪.1‬‬

‫شكري‪ ،‬غالي‪ :‬الماركسية واألدب‪ ،‬بيروت‪/1979/‬المؤسسة العربية للدراسات والنشر‪،‬‬ ‫‪)5‬‬


‫ط‪.1‬‬

‫لوكاش‪ ،‬جورج‪ :‬التاريخ والوعي الطبقي‪ ،‬تر‪ :‬حنا الشاعر‪ ،‬بيروت‪/1979/‬مؤسسة دار‬ ‫‪)6‬‬
‫الريحاني للطباعة والنشر‪ ،‬ط‪.1‬‬

‫‪23‬‬

You might also like