4 6016866994031167163

You might also like

Download as doc, pdf, or txt
Download as doc, pdf, or txt
You are on page 1of 6

‫از َر ِح َم ُه ُ‬

‫اهلل‬ ‫صيحَة لِ َط َلَب ِة الْ ِع ْلمِ ِلابْ ِن بَ ٍ‬


‫تَ ْع ِليقَات َع َلى َن ِ‬

‫حمم ًدا عبده ورسوله ؛ صلَّى‬


‫أن َّ‬‫رب العاملني ‪ ،‬وأشهد أنْ ال إلـٰه إلَّا اهلل وحده ال شريك له ‪ ،‬وأشهد َّ‬ ‫احلمد هلل ِّ‬
‫ُ‬
‫اهلل وسلَّم عليه وعلى آله وأصحابه أمجعني ‪ .‬اللهم علِّمنا ما ينفعنا وانفعنا مبا علَّمتنا وزدنا ً‬
‫علما وأصلح لنا‬
‫شأنناـ كله وال تكلنا إىل أنفسنا طرفة عني ‪ ،‬اللهم آت نفوسنا تقواهاـ وزكها أنت خري من زكاها أنت وليها‬
‫وموالها ‪.‬‬
‫َّأما بعد ؛ معاشر الكرام ‪ :‬بني أيدينا صيحة عظيمة وموعظة بليغة لإلمام عبد العزيز بن باز رمحه اهلل تعاىل ‪.‬‬
‫مرب مشفق رمحة اهلل عليه ‪ ،‬وقد كتبها أو أمالهاـ وقت‬ ‫كتبها وأمالها لطالب العلم ناصحا هلم نصيحة عا ٍمل ٍ‬
‫ً‬
‫وجدير بكل طالب علم أن يتأمل يف هذه النصيحة تأمل‬ ‫ٌ‬ ‫أن كان نائبا لرئيس اجلامعة اإلسالميةـ باملدينة النبويةـ ‪،‬‬
‫املستفيد املنتفع املعترب ‪.‬‬
‫قال رمحة اهلل عليه ‪:‬‬
‫الحمد هلل‪ ،‬والصالة والسالم على رسول اهلل نبينا محمد وآله وصحبه ‪ ،‬أما بعد‪ :‬فال ريب أنَّ طلب العلم‪6‬‬
‫من أفضل القربات ومن أسباب الفوز بالجنة والكرامة‪ 6‬لمن عمل به ‪ ،‬ومن أهم المهمات اإلخالص في‬
‫طلبه؛ وذلك بأن يكون طلبه هلل ال لغرضٍ آخر ‪ ،‬ألن ذلك هو سبيل االنتفاع به وسبب التوفيق لبلوغ‬
‫المراتب العالية في الدنيا‪ 6‬واآلخرة ‪ ،‬وقد جاء في الحديث عن النبي صلى اهلل عليه وسلم أنه قال ‪(( :‬من‬
‫تعلم علماً مما يُبتغى به وجه اهلل ال يتعلمه إال ليصيب به عرضاً من الدنيا لم يجد َعْرف الجنة يوم‬
‫َّ‬
‫القيامة)) يعني ريحها ‪ ،‬أخرجه‪ 6‬أبو داود بإسناد حسن ‪ .‬وأخرج الترمذي‪ 6‬بإسنادٍ فيه ضعف عنه صلى اهلل‬
‫عليه وسلم أنه قال‪(( :‬من طلب العلم ليباهي‪ 6‬به العلماء ‪ ،‬أو ليماري به السفهاء‪ ،‬أو ليصرف به وجوه‬
‫الناس إليه أدخله اهلل النار)) ‪ .‬فأوصي كل طالب علم وكل مسلم يطَّلع على هذه الكلمة‪ 6‬باإلخالص هلل‬
‫في جميع األعمال عملًا بقول اهلل تعالى ‪{ :‬فَ َم ْن َكانَ يَرْ جُوا لِقَا َء َربِّ ِه فَ ْليَ ْع َملْ َع َماًل َ‬
‫صالِحًا َوال يُ ْش ِر ْك‬

‫بِ ِعبَا َد ِة َربِّ ِه أَ َحدًا}[الكهف‪ ،]110:‬وفي صحيح مسلم عن النبي صلى اهلل عليه وسلم أنه قال‪(( :‬يقول اهلل عز‬
‫وجل ‪ :‬أنا أغنى الشركاء عن الشرك ‪ ،‬من عمل عمالً أشرك معي فيه غيري تركته وشركه)) ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫بــدأ الشــيخ رمحة اهلل عليــه هــذه الوصــية ببيــان مكانــة العلم ومنزلتــه العليــة ‪ ،‬وأن العلم أفضــل القــرب ‪ ،‬أفضــل مــا‬
‫تقــرب بــه متقـ ِّـرب إىل اهلل ســبحانه وتعــاىل ‪ ،‬حــىت إن بعض الســلف قــال ‪ :‬مــا تقــرب متقــرب إىل اهلل بأفضــل من‬
‫طلب العلم؛ ومــا ذاك إال ألن طلب العلم هــو الــذي تُعــرف بــه القــرب فرضــها ونفلهــا ‪ ،‬ال ميكن أن يعــرف املرء‬
‫الفرائضـ وال أن يعـرف النوافـل وال مييز بني احلالل واحلرام والسـنَّة والبدعـة واهلدى والضـالل إال بـالعلم ‪ ،‬فـالعلم‬
‫ه ــو أس ــاس الق ــرب وال ميكن أن تُع ــرف الق ــرب إال ب ــالعلم ؛ وهلذا ك ــان للعلم املكان ــة العلي ــة يف دين اهلل س ــبحانه‬
‫ونورا يف الظلمات ‪.‬‬ ‫وتعاىل ‪ ،‬وهلذا أيضا كان العلم ضياءً لصاحبه ً‬
‫فطلب العلم من أفضل القــرب ‪ ،‬ومن أسـباب الفـوز باجلنـة والكرامـةـ ملن عمـل بــه ؛ العلم سـبب الفــوز باجلنــة ألن‬
‫اجلنــة إمنا تُنــال بعــد رمحة اهلل ســبحانه وتعــاىل بالعمــل الصــاحل {ا ْد ُخلُوا ْال َجنَّةَ بِ َما ُك ْنتُ ْم تَ ْع َملُونَ }[النحــل‪ ، ]32:‬والعمــل‬
‫الصــاحل البــد فيــه من العلم ‪ ،‬والعلم ال يُنتفــع بــه مبجــرد طلبــه البــد أن يُطلب ليُعمــل بــه ‪ ،‬وال ميكن أن يكــون املرء‬
‫من أهل العلم إال إذا عمل بالعلم ‪ ،‬أما بدون العمل به فإن علمه حجـة عليـه ال لـه ‪ ،‬كمـا قـال النـيب عليـه الصـالة‬
‫َّاس َي ْغ ـ ُـدو َفبَ ــايِ ٌع َن ْف َسـ ـهُ فَ ُم ْعتِ ُق َهــا أ َْو ُموبِ ُق َها)) ‪،‬‬
‫ـل الن ِ‬ ‫ـك ‪ُ ،‬كـ ُّ‬‫ـك أ َْو َعلَْي ـ َ‬
‫والس ــالم يف الق ــرآن ‪َ (( :‬والْ ُق ـ ْـرآ ُن ُح َّجةٌ لَ ـ َ‬
‫فالقرآن حجة لـك أو عليـك ؛ حجـة لـك إن عملت بــه ‪ ،‬وحجــة عليـك إن مل تعمـل بــه ‪ ،‬من حفـظ القـرآن جمرد‬
‫حفظه للقرآن ال يكون من أهل القرآن مـا مل يعمـل بـالقرآن ‪ ،‬ومن عمـل بـالقرآن وإن مل يتيسـر لـه حفـظ القـرآن‬
‫كاماًل هـو من أهـل القـرآن لعملــه بـالقرآن ‪ ،‬فالعمـدة على العمـل ‪ ،‬والقــرآن إمنا أنــزل ليُعمــل بـه ‪ ،‬والعلم إمنا جـاء‬
‫احلث عليــه والــرتغيب في ــه من أجــل العمــل ‪ ،‬فمقص ــود العلم العمــل ؛ وهلذا ينبغي أن تكــونـ مهة طــالب العلم يف‬
‫طلبــه للعلم أن يعمــل هبذا الــذي يتعلمــه ‪ ،‬وهلذا ملا جــاء وفــد عبــد القيسـ إىل النــيب عليــه الصــالةـ والســالم قــالوا ‪:‬‬
‫صـ ـ ٍل خُنْرِب ْ بِ ـ ِـه َم ْن َو َراءَنَ ــا َونَـ ـ ْد ُخ ْل بِ ـ ِـه اجلَنَّةَ» أرادوا رض ــي اهلل عنهم أي ‪ :‬نعم ــل ب ــه فنف ــوز جبن ــات‬ ‫« ُم ْرنَ ــا بِـ ـأ َْم ٍر فَ ْ‬
‫النعيم ‪ ،‬ومفتاح العمل الصاحل العلم النافع وهلذا يُبدأ ب ــه {فَا ْعلَ ْم أَنَّهُ اَل إِلَهَ إِاَّل هَّللا ُ َوا ْستَ ْغفِرْ لِ َذ ْنبِ َك }[حممـ ــد‪ ]19:‬ب ــدأ‬
‫بالعلم قبل القول والعمل ‪ ،‬ألن العلم هو أساس الذي يُبىن عليه القول ويُبىن عليه العمل ‪.‬‬
‫احلاص ــل أن الشـ ــيخ رمحة اهلل عليـ ــه بـ ــدأ هـ ــذه الوصـ ــية ببيـ ــان مكانـ ــة العلم وفضـ ــله ومنزلتـ ــه العلي ــة ‪ ،‬مث حث على‬
‫اإلخالص يف طلب العلم ‪ ،‬وأن الـ ــواجب على كـ ــل من وفَّقـ ــه اهلل سـ ــبحانه وتعـ ــاىل لطلب العلم أن ين ــوي بطلب ــه‬
‫وجه اهلل وأن يريد به وجه اهلل سبحانه وتعـاىل ‪ .‬والعلم شــأنه شـأن ســائر األعمـال ؛ نيــة املرء فيهـا قــد يــدخلها مــا‬
‫يـدخلها‪ ،‬قـد يطلب العلم ريـاءً ‪ ،‬قـد يطلبـه مسعةً ‪ ،‬قـد يطلبـه من أجـل الشـهرة ‪ ،‬قـد يطلبـه ألغـراض كثـرية جـدا ‪،‬‬
‫وال يكــون من عملــه الصــاحل إال إذا قصــد بــه وجــه اهلل ‪ ،‬ألن اهلل ســبحانه وتعــاىل ال يقبــل من املرء أعمالــه وقرباتــه‬
‫ص ـا اعتــىن‬
‫ومنهــا طلبــه للعلم إال إذا قصــد بــه وجــه اهلل ؛ فــاإلخالص يف العمــل أســاس لقبــول العمــل ‪ .‬لــو أن شخ ً‬
‫ـرياـ‬
‫علمـا كثـ ً‬
‫ص ـل ًـ‬ ‫بطلب العلم عنايــة كبــرية حفــظ متونًــا كثــرية والزم درو ًس ـا كثــرية وجــالس علمــاء كثــريون وح َّ‬
‫ولكن نيته يف ذلك ليست صاحلة ‪ ،‬إذا وقف أمام اهلل ال جيد هذه اجلهود كلها يف صاحل عمله ‪ ،‬ألن اهلل ال يقبــل‬

‫‪2‬‬
‫إال اخلالص ‪ ،‬ال يقبــل إال الصــايف النقيـ الــذي أريــد دبــه وجــه اهلل ســبحانه وتعــاىل الــذي قُصــد بــه التقــرب إىل اهلل‬
‫سبحانه وتعاىل ‪.‬‬
‫وهلذا من أهم املهمــات الــيت ينبغيـ على ط ــالب العلم أن يُع ــىن هبا عناي ـةـ مس ــتمرة أن خيلص النيــة يف طلب العلم ‪،‬‬
‫وليع لم أنه سيهامجه الرياء والسمعة واألغراض األخرى ‪ ،‬ستهامجه بني وقت أو آخر ‪ ،‬وهلذا املعاجلة للنية ليســت‬ ‫ْ‬
‫يف يــوم واحــد وال يف يــومني ‪ ،‬املعاجلة للنيــة مســألة مســتمرة يف حياتــك كلهــا ‪ ،‬مثــل مــا قــال ســفيانـ الثــوري رمحة‬
‫ـاجلت شــيئًا أشــد علي من نييت» ‪ ،‬وملا ذُكــرت الــين عنــد اإلمــام أمحد قــال «هــذا اخلنــاق» ؛ هــذا‬
‫اهلل عليــه‪« :‬مــا عـ ُ‬
‫األمر الصعب الـذي حيتـاج إىل عالج دائم ومسـتمر حـىت ت ْسـلم نيـة املرء لـه ‪ .‬وهلذا من أهم مـا ينبغيـ أن يعتـين بـه‬
‫طالب العلم إصالح نيته وليحذر أن يكون طلبه للعلم ليجاري به العلمــاء أو ليمـاري بـه السـفهاء أو ليصــرف بـه‬
‫وجوه الناس إليه من أجل أن يشار إليه بأن يقال فالن العامل الفالين الداعيةـ الفالين اخلطيب الفالين ؛ هـذه كلهـا‬
‫مــا ينفع ـهـ عنــد اهلل إذا كــان غرضــه يف طلبــه للعلم ويف دعوتــه مثــل هــذه األشــياء ال تــدخل يف صــاحل عملــه إال إذا‬
‫أخلص ذلــك هلل عــز وجــل ‪ .‬وأورد رمحه اهلل هــذا احلديث القدســي العظيم الــذي يقــول اهلل عــز وجــل فيــه ‪(( :‬أَنَــا‬
‫رد عليــه عملـه ومل يقبلــه‬ ‫ـل َع َماًل أَ ْشـَر َك فِي ِـه َمعِي َغرْيِ ي‪َ ،‬تَر ْكتُــهُ َو ِشـ ْر َكهُ)) أي َّ‬‫أَ ْغ الشُّر َك ِاء ع ِن الشِّر ِك‪ ،‬من ع ِ‬
‫م‬
‫ْ َْ َ َ‬ ‫ىَن َ َ‬
‫منه ‪.‬‬
‫مث بعد ذلك انتقــل رمحه اهلل إىل وصــية أخـرى ‪ ،‬بعـد أن أوصـى بــاإلخالص وحث عليــه وبنَّي مكانتــه العظيمـة من‬
‫دين اهلل انتقل إىل وصية أخرى قال ‪:‬‬
‫كما أوصى كل طالب علم وكل مسلم بخش‪66‬ية اهلل س‪66‬بحانه ومراقبت‪66‬ه في جمي‪66‬ع األم‪66‬ور عمالً بق‪66‬ول اهلل ع‪66‬ز‬
‫‪ ،‬وقول ‪66‬ه س ‪66‬بحانه‪َ { :‬ولِ َمنْ َخ" افَ‬ ‫وج ‪66‬ل‪{ :‬إِنَّ الَّ ِذينَ يَ ْخش َْونَ َربَّ ُه ْم بِا ْل َغ ْي ِ‬
‫ب لَ ُه ْم َم ْغفِ َرةٌ َوأَ ْج ٌر َكبِي ٌ"ر}‬
‫[المل‪66 6 6‬ك‪]12:‬‬

‫َان}[ال‪66‬رحمن‪ ، 6]46:‬ق‪6‬ال بعض الس‪66‬لف‪« :‬رأس العلم‪ 6‬خش‪6‬ية اهلل»‪ ،‬وق‪6‬ال عب‪66‬د اهلل بن مس‪6‬عود رض‪66‬ي‬ ‫َمقَا َم َربِّ ِه َجنَّت ِ‬
‫علما ‪ ،‬وكفى باالغترار ب‪66‬ه جهالً»‪ ،‬وق‪66‬ال بعض الس‪66‬لف رض‪66‬ي اهلل عنهم ‪« :‬من‬
‫اهلل عنه‪« :‬كفى بخشية اهلل ً‬
‫كان باهلل أعرف كان منه أخوف» ‪ ،‬ويدل على صحة ه‪6‬ذا المع‪6‬نى ق‪6‬ول الن‪6‬بي ص‪6‬لى اهلل علي‪6‬ه وس‪6‬لم‪(( :‬أم‪6‬ا‬
‫واهلل إني‪ 6‬ألخشاكم هلل وأتقاكم له)) ‪ ،‬ألنه عليه الصالة والسالم أعلم الخلق باهلل ؛ فكلما قوي علم العب‪66‬د‬
‫باهلل ك‪66‬ان ذل‪66‬ك س‪66‬ببًا لكم‪66‬ال تق‪66‬واه وإخالص‪66‬ه ووقوف‪66‬ه عن‪66‬د الح‪66‬دود وح‪66‬ذره من المعاصي ‪ ،‬وله‪66‬ذا ق‪66‬ال اهلل‬
‫‪ ،‬فالعلم ‪66‬اء باهلل وبدين ‪66‬ه هم‬ ‫[ف ‪66 6‬اطر‪]28:‬‬ ‫س ‪66‬بحانه ‪{ :‬إِنَّ َما يَ ْخ َ‬
‫ش"ى هَّللا َ ِمنْ ِعبَ"ا ِد ِه ا ْل ُعلَ َم""ا ُء إِنَّ هَّللا َ َع ِزي" ٌز َغفُ"و ٌر}‬
‫أخش ‪66‬ى الن ‪66‬اس هلل وأتق ‪66‬اهم‪ 6‬ل ‪66‬ه وأق ‪66‬ومهم بدينه وعلى رأس ‪66‬هم الرس ‪66‬ل واألنبي ‪66‬اء عليهم صلوات اهلل وس ‪66‬المه‬
‫وبركاته‪ 6‬عليهم أجمعين ثم أتباعهم‪ 6‬بإحسان‪.‬‬
‫هــذه وصــية عظيمــة من الشــيخ رمحة اهلل عليــه خبشــية اهلل ومراقبتــه يف الســر والعالني ـةـ ‪ ،‬وهــذه اخلشــية مثــل مــا نبَّه‬
‫علم ــا باهلل وعظمتـ ــه‬
‫رمحة اهلل عليـ ــه هي فـ ــرعٌ عن العلم باهلل واملعرفـ ــة بأمسائه وصـ ــفاته ‪ ،‬وأن العبـ ــد كلمـ ــا ازداد ًـ‬

‫‪3‬‬
‫وجالله وكماله واطالعه وأنه السميع البصري الـذي ال ختفى عليـه خافيـة ‪ ،‬املطلـع على العبـاد ‪ ،‬املطَّلـع على مـا يف‬
‫الصدور ‪ ،‬العليم بالعباد وأقواهلم وحركاهتم وسكناهتم ال ختفى عليه منهم خافية ؛ هذا العلم وهذه املعرفة كلمــا‬
‫ازدادت عند العبد زاد خشية هلل ؛ إذ إن هذا العلم باهلل هو الذي يولِّد اخلشية ‪ ،‬وهلذا قال اهلل‪{ :‬إِنَّ َما يَ ْخ َشى هَّللا َ‬
‫ِم ْن ِعبَا ِد ِه ْال ُعلَ َما ُء } ‪ ،‬جــاء عن ابن عبــاس قــال ‪« :‬العلمــاء بــأن اهلل على كــل شــيء قــدير» ؛ العلم بــأن اهلل على‬
‫كــل شـيء قـدير عنـد كــل مسـلم هـذا العلم أن اهلل على كــل شـيء قـدير ‪ ،‬لكن العلم التفصـيليـ بـأن اهلل على كـل‬
‫ش ــيء ق ــدير واستحض ــار ق ــدرة اهلل وأن اهلل ال يعج ــزه ش ــيء وق ــوة اإلميان ب ــذلك ه ــذا يتف ــاوت في ــه الن ــاس تفاوتً ــا‬
‫علما باهلل وبأمسائه وعظمتــه وجاللــه وكمــال‬ ‫عظيما ‪ ،‬وألهل العلم من ذلك النصيبـ األوفر ؛ فكلما ازداد العبد ً‬
‫صفاته سبحانه وتعاىل ازداد خشيةً هلل ‪ ،‬ورأس العلم خشـية اهلل سـبحانه وتعـاىل ‪ ،‬وإذا كـان املرء ‪-‬والعيـاذ باهلل‪-‬‬
‫ـتكثرا من العلم وليس عنــده خشــية هلل هــذا من عالمــات عــدم انتفاع ـهـ بــالعلم وأنــه ال حــظ لــه من هــذا العلم‬ ‫مسـ ً‬
‫حصله ‪ ،‬ألن رأس العلم خشية اهلل سبحانه وتعاىل ‪.‬‬ ‫الذي َّ‬
‫ونقــل رمحة اهلل عليــه عن بعض الســلف أنــه قــال ‪ :‬من كــان باهلل أعــرف كــان منــه أخــوف ؛ قــال ‪[ :‬وق‪66‬ال بعض‬
‫السلف رضي اهلل عنهم ‪« :‬من كان باهلل أعرف كان من‪66‬ه أخ‪66‬وف»] ‪ .‬وهــذه الكلمــة رواهــا َ‬
‫املروزي يف كتابــه‬
‫ـريا يف كتب الســلف املســندة فلم أعــثر عليهــا يف شــيء منهــا إال يف‬
‫حبثت عنهــا كثـ ً‬
‫تعظيم الصــالة ‪ ،‬وأذكــر قــدميًا ُ‬
‫كتاب «تعظيم قدر الصالة» لإلمام املروزي رمحه اهلل عن عبد اهلل بن أمحد األنطاكي وهي كلمة عظيمة ً‬
‫جدا ‪.‬‬
‫«من كان باهلل أعرف كان منه أخـوف» مبعـىن أن املعرفـة باهلل وبأمسائه وبصـفاتهـ كلمـا زادت يف العبـد زاد خوفـه‬
‫من اهلل ‪ ،‬واإلمــام ابن القيم لــه يف بعض كتبــه كلمــة شــبيهة هبذه وهي أوســع منهــا يقــول ‪« :‬من كــان باهلل أعــرف‬
‫كالمـا حنو هـذا ‪ ،‬ومن كـان باهلل أعـرف أمثرت فيـه هـذه‬
‫كان منه أخوف ولعبادته أطلب وعن معصيته أبعد» أو ً‬
‫املعرفــة وأثَّرت فيـه خوفًــا من اهلل ومراقبــة هلل وإقبـااًل على طاعــة اهلل وجمانبـةً للمعاصــي والــذنوب ‪ ،‬كم من مواقــف‬
‫ومواقف حصلت ألناس مل حيجزه عن املعصية إال خـوف اهلل ‪ ،‬ال يطلـع عليــه أحــد من النــاس لكن مل حيجــزه عن‬
‫املعصية إال خوفه من اهلل سـبحانه وتعـاىل ‪ ،‬وهلذا الشــيخ الشــنقيطي رمحة اهلل عليـه يف كتابــه التفســري قـال ‪« :‬أمجع‬
‫العلماء أن أعظم واعظ وأكـرب وزاجـر أن تعلم أن اهلل يـراك» ‪ ،‬وإذا انعـدم والعيـاذ باهلل هـذا الزاجـر من القلب مـا‬
‫يبايل ‪ ،‬جتد كثـري من النـاس يســتخفي بذنوبــه من النـاس وال يسـتخفي من اهلل ‪ ،‬ويسـتحيي من النــاس وال يسـتحي‬
‫ضى ِمنَ ْالقَوْ ِ‬
‫ل }[النس ـ ــاء‪]108:‬‬ ‫من اهلل { يَ ْست َْخفُونَ ِمنَ النَّ ِ‬
‫اس َواَل يَ ْست َْخفُونَ ِمنَ هَّللا ِ َوهُ َو َم َعهُ ْم إِ ْذ يُبَيِّتُونَ َما اَل يَرْ َ‬
‫‪.‬‬
‫وهلذا ينبغي على ط ــالب العلم أن يتقي اهلل س ــبحانه وتع ــاىل وأن يعم ــل على أن يك ــونـ من أه ــل اخلش ــية يف الغيب‬
‫والش ــهادة ‪ ،‬وزمانن ــا ه ــذا زمن فنت وج ــاءت أم ــور أثَّرت ح ــىت على طلب ــة العلم وأث ــرت ح ــىت على خش ــيتهم هلل‬
‫سبحانه وتعاىل ‪ ،‬زماننـا هـذا زمن فيـه فنت كثـرية ج ًـدا واألجهـزة هـذه ج َّـرت شـرور على كثـري من النـاس مبا فيهـا‬

‫‪4‬‬
‫من مواق ــع وم ــا فيه ــا من ش ــبهات وم ــا فيه ــا من ش ــهوات ‪ ،‬وجتد م ــا يُع ــرف اآلن ب ــاخللوة العص ــرية ؛ م ــا ك ــان هلا‬
‫وجود يف زمن سابق ‪ ،‬اخللوة مع املعاصي جيلس يف الغرفة ويغلق الباب ويفتح على مواقــع موبــوءة قــذرة ‪ ،‬مــادام‬
‫أنه اطمأن أن الباب مغلق وأنه ال أحد من الناس يراه يدخل وينظر وال يبايل ‪ .‬أحد األشخاص حيدِّث عن نفسه‬
‫انه كان على هذه احلال وينظر إىل فسمع حركة عند الباب ففزع وخاف وأغلق اجلهــاز وراح وفتح البــاب وإذا‬
‫بقطة عند الباب حتركت فارتبك ! ورب العاملني يراه ‪.‬‬
‫خلوت ولكن قل علي رقيب‬ ‫يوما فال تقل‬
‫إذا خلوت الده ً‬
‫ات ــق اهلل ي ــا عب ــد اهلل ‪ ،‬ات ــق اهلل ي ــا ط ــالب العلم ‪ ،‬راقب اهلل س ــبحانه وتع ــاىل ‪ ،‬واستحض ــر رؤي ــة اهلل ل ــك واطالع ـهـ‬
‫علي ــك وعلمــه ب ــك يف خلوتــك وجلوت ــك يف س ــرك وعالنيت ــك { َس َوا ٌء ِم ْن ُك ْم َم ْن أَ َس َّر ْالقَوْ َل َو َم ْن َجهَ َر بِ ِه َو َم ْن‬
‫ار}[الرعد‪. ]10:‬‬ ‫ف بِاللَّي ِْل َو َس ِ‬
‫اربٌ بِالنَّهَ ِ‬ ‫هُ َو ُم ْست َْخ ٍ‬
‫فيجب على طالب العلم أن يستحضر هذه الوصـية الثمينـةـ العظيمـة ‪ ،‬يستحضـر أن اخلشـية هي رأس العلم ‪ ،‬فـإذا‬
‫علوم ــا أو حف ــظ متونً ــا ‪ ،‬إذا مل يكن من أه ــل‬ ‫ك ــان ليس من أه ــل اخلش ــية ليس من أه ــل العلم ح ــىت وإن حف ــظ ً‬
‫اخلشية ليس من أهل العلم فإن رأس العلم هو خشية اهلل سبحانه وتعاىل ‪.‬‬
‫مث قال رمحة اهلل عليه ‪:‬‬
‫وله‪66‬ذا أخ‪66‬بر الن‪66‬بي ص‪66‬لى اهلل علي‪66‬ه وس‪66‬لم أن من عالم‪66‬ات الس‪66‬عادة‪ 6‬أن يفق‪66‬ه العب‪66‬د في دين اهلل ‪ ،‬فق‪66‬ال علي‪66‬ه‬
‫((م ْن يُ ‪ِ 6‬ر ِد اللَّهُ بِ‪6ِ 6‬ه َخ ْ‪6‬ي ً‪6‬را ُي َف ِّق ْ‪6‬ه‪6‬هُ فِي ال‪66‬دِّي ِن)) أخرج‪66‬اه في الص‪66‬حيحين من ح‪66‬ديث معاوي‪66‬ة‬
‫الص‪66‬الة والس‪66‬الم‪َ :‬‬
‫رض‪66 6‬ي اهلل عنه ‪ ،‬وم‪66 6‬ا ذاك ‪-‬انتبـ ـ ـهـ هلذا التنبي ـ ــه‪-‬ـ إال ألن الفق ‪6 6‬ه‪ 6‬في ال‪66 6‬دين‪ 6‬يحف‪66 6‬ز العب‪66 6‬د على القي‪66 6‬ام ب‪66 6‬أمر اهلل‬
‫وخشيته ‪ ،‬وأداء فرائضه والحذر من مساخطه ‪ ،‬ويدعوه إلى مكارم األخالق ومحاس‪66‬ن األعم‪66‬ال‪ ،‬والنص‪66‬ح‬
‫هلل ولعباده ‪.‬‬
‫«وكل عل ٍم ال حيقق للعبد هذه املعاين فعلمه مدخول» ؛ هذه عبارة لشيخ اإلسالم ابن تيمية ‪ ،‬كل علم ال حيقق‬
‫دخل ؛ إما النية فيهـا خلـل ‪ ،‬أو أمـور من هـذا‬‫علم مدخول ؛ يف علمه َ‬ ‫هذه املعاين ‪ ،‬ال يزيد هذه املعاين يف العبد ٌ‬
‫القبيل وقعت يف علمه وهلذا مل يثمر العلم هذه املعاين ومل يؤثر يف صاحبه هذا التأثري ‪ .‬قــال ‪ [ :‬ومــا ذاك إال ألن‬
‫الفق ــه يف الـ ــدين حيفـ ــز العبـ ــد على القيـ ــام بـ ــأمر اهلل وخشـ ــيته وأداء فرائضه ‪ ،‬واحلذر من مسـ ــاخطه ‪ ،‬وي ــدعوه إىل‬
‫مكارم األخالق وحماسن األعمال ‪ ،‬والنصح هلل ولعباده ] ‪.‬‬
‫مث ختم رمحه اهلل هبذه الــدعوةـ قــال ‪[ :‬فأس‪66‬أل‪ 6‬اهلل ع‪66‬ز وج‪66‬ل أن يمنحن‪66‬ا وجمي‪66‬ع طلب‪66‬ة العلم‪ 6‬وس‪66‬ائر‪ 6‬المس‪66‬لمين‬
‫الفق ‪6‬ه‪ 6‬في ال ‪6‬دين واالس ‪66‬تقامة عليه ‪ ،‬وأن يعي ‪66‬ذنا جميع ‪6‬اً من ش ‪66‬رور أنفس ‪66‬نا وس ‪66‬يئات‪ 6‬أعمالن ‪66‬ا‪ ،‬إن ‪66‬ه ولي ذل ‪66‬ك‬
‫والقادر‪ 6‬عليه‪ ،‬وصلى اهلل وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وآله وصحبه ]‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫اللهم ارحم اإلمــام ابن بــاز وأســكنه فردوســك األعلى ‪ ،‬واجــزه عنــا وعن أمــة اإلســالم خــري اجلزاء ‪ .‬اللهم انفعنــا‬
‫هبذه الوص ــية ووفقن ــا للعم ــل هبا ‪ ،‬واه ــدنا ي ــا ربن ــا إلي ــك ص ــراطا مس ــتقيما ‪ .‬اللهم إن ــا نس ــألك أن تغنِّمن ــا خ ــريات‬
‫وبركــات هــذه العشــر املباركــات ‪ ،‬وأن تعيننــا فيهــا على ذكــرك وشــكرك وحسـن عبادتــك ‪ ،‬اللهم أعنــا فيهــا على‬
‫ذكــرك وشــكرك وحســن عبادتــك ‪ ،‬اللهم أعنــا فيهــا على ذكــرك وشــكرك وحســن عبادتــك ‪ ،‬اللهم وأصــلح لنــا‬
‫ديننا الذي هو عصمة أمرنا ‪ ،‬وأصلح لنـا دنيانـا الـيت فيهـا معاشـنا ‪ ،‬وأصـلح لنـا آخرتنـا الـيت فيهـا معادنـا ‪ ،‬واجعـل‬
‫احلي ــاة زي ــاد ًة لن ــا يف ك ــل خ ــري واملوت راح ــة لن ــا من ك ــل ش ــر ‪ .‬اللهم آت نفوس ــنا تقواه ــا وزكه ــا أنت خ ــري من‬
‫زكاها أنت وليها وموالهـا ‪ .‬اللهم اقســم لنـا من خشـيتك مــا حيول بيننـا وبني معاصــيك ‪ ،‬ومن طاعتــك مـا تبلِّغنـا‬
‫هتون به علينا مصائبـ الدنيا ‪ ،‬اللهم متعنا بأمساعنا وأبصارنا وقوتنا مــا أحييتنـاـ واجعلـه‬ ‫به جنتك ‪ ،‬ومن اليقني ما ِّ‬
‫ال ــوارث من ــا ‪ ،‬واجع ــل ثأرن ــا على من ظلمن ــا وانص ــرنا على من عادان ــا ‪ ،‬وال جتع ــل مص ــيبتناـ يف دينن ــا ‪ ،‬وال جتع ــل‬
‫الدنيا أكرب مهنا وال مبلغ علمنا ‪ ،‬وال تسلط علينا من ال يرمحنا ‪.‬‬
‫سبحانك اللهم وحبمدك أشهد أن ال إله إال أنت أستغفرك وأتوب إليك ‪.‬‬
‫صل وسلم على عبدك ورسولك نبينا حممد وآله وصحبه ‪.‬‬ ‫اللهم ِّ‬

‫‪6‬‬

You might also like