Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 11

‫الفصل الثاني‪ :‬ميزان المدفوعات‪ :‬دراسة تحليلة‬

‫‪ _1‬مفهوم ميزان المدفوعات‬


‫ميزان املدفوعات هو بيان إحصائي يلخص املعامالت بني املقيمني وغري املقيمني خالل فرتة زمنية معينة‪،‬‬
‫يتألف من‪ :‬حساب السلع واخلدمات‪ ،‬احلساب الرأمسايل واحلساب املايل‪ .‬يسجل لكل معاملة يف ميزان‬
‫املدفوعات_ وفق نظام القيد املزدوج _ قيدان‪ :‬مدين ودائن‪ ،‬حيث يكون جمموع القيود الدائنة يساوي جمموع‬
‫القيود املدينة‪.‬‬
‫كما ميكن تعريفه على أنه سجل حماسيب أو إحصائي موثق رمسيا‪ ،‬يعتمد قيدا مزدوجا خلالصة املقبوضات‬
‫واملدفوعات اليت ترتتب عليهما حقوق دائنية والتزامات مديونية للمقيمني من األشخاص الطبيعيني والقانونيني يف‬
‫دولة ما مع اخلارج نتيجة للمبادالت االقتصادي ة والتحوالت اخلارجية سواء كانت من طرف واحد أو من طرفني‬
‫خالل فرتة زمنية عادة ما تكون سنة‪.‬‬
‫يتوضح لنا من هذا التعريف ما يلي‪:‬‬
‫_ ينصب اهتمام ميزان املدفوعات فقط على املعامالت االقتصادية سواء تولد عنها حقوقا للمقيمني لدى غري‬
‫املقيمني أو نتج عنها حقوق لغري املقيمني يتعني على املقيمني أدائها‪ ،‬أما املعامالت االقتصادية الداخلية بني‬
‫املقيمني على إقليم نفس الدولة فال يتم تسجيلها يف ميزان املدفوعات‪.‬‬
‫_ اإلقامة و ليست اجلنسية هي املعيار الذي يعول عليه للتفرقة بني ما يعترب دوليا فيدرج يف ميزان املدفوعات و‬
‫ماال يعترب كذلك فال يدرج فيه‪.‬‬
‫_ تقيم الوحدة االقتصادية يف إقليم اقتصادي واحد حمدد هلا ميثل مركز املصلحة االقتصادية اخلاص هبا‪ ،‬ويقصد‬
‫بذلك أن متلك الوحدة االقتصادي ة مثال مسكنا أو مصنعا أو موقعا ما متارس فيه قدرا معينا من األنشطة‬
‫واملعامالت االقتصادية لفرتة ال تقل يف الغالب عن سنة قصد تسهيل احلسابات على املستوى الدويل‪.‬‬
‫_ يسجل يف اجلانب الدائن مليزان املدفوعات لدولة ما كل املعامالت اليت يرتتب عليها حتصيل مداخيل وإيرادات‬
‫ورؤوس أموال من غري املقيمني للمقيمني يف الدولة املعنية‪ ،‬يف حني يسجل يف اجلانب املدين كل املعامالت اليت‬
‫يرتتب عليها دفع رؤوس أموال أو مستحقات من املقيمني يف الدولة املعنية إىل غري املقيمني‪.‬‬
‫وتكمن أمهية ميزان املدفوعات يف كونه يعترب أداة هامة للتحليل االقتصادي‪ ،‬باعتباره املرآة اليت تنعكس‬
‫من خالهلا وضعية االقتصاد احمللي بالنسبة لالقتصاديات العاملية سواء من حيث قوة اجلهاز االنتاجي اليت تنعكس‬
‫من خالل وضعية احلساب اجلاري أو من خالل تطور النظام املايل الذي تعكسه وضعية احلساب املايل ومن مث‬
‫يساعد صانعي قرار السياسة االقتصادية على اختاذ القرارت املناسبة لتصحيح الوضع االقتصادي‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬ميزان المدفوعات‪ :‬دراسة تحليلة‬

‫يرتكز التسجيل على مستوى ميزان املدفوعات على نظام قاعدة القيد املزدوج اليت تقوم على مبدأ أن كل‬
‫معاملة يسجل هلا قيدان متساويان ومتقابالن تعبريا عن عنصري التدفق الداخل والتدفق اخلارج لكل عملية‬
‫تبادل‪ .‬فعند إجراء أي معاملة يسجل كل طرف فيها قيدا دائنا وقيدا مدينا مقابال حيث جند‪:‬‬
‫القيد الدائن‪ :‬يضم صادرات السلع واخلدمات‪ ،‬الدخل مستحق القبض‪ ،‬اخنفاض األصول أو زيادة‬
‫اخلصوم‪ ،‬زيادة يف التزامات الدولة اجتاه األجانب أو اخنفاض التزامات األجانب اجتاه الدولة‪.‬‬
‫القيد المدين‪ :‬يضم واردات السلع واخلدمات‪ ،‬الدخل مستحق الدفع‪ ،‬زيادة األصول أو اخنفاض‬
‫اخلصوم‪ ،‬زيادة التزامات األجانب اجتاه الدولة أو اخنفاض التزامات الدولة اجتاه األجانب‪.‬‬
‫‪ _2‬أقسام ميزان المدفوعات‬
‫يتكون ميزان املدفوعات من ‪ 3‬أقسام رئيسية هي‪:‬‬
‫‪ _1_2‬الحساب الجاري‪:‬‬
‫تسجل فيه حسابات القيود الدائنة واملدينة للمعامالت اجلارية اليت تتم بني املقيمني وغري املقيمني واليت‬
‫ختص‪:‬‬
‫‪ _1_1_2‬حساب السلع والخدمات‪:‬‬
‫يقيد حساب السلع واخلدمات املعامالت يف البنود اليت متثل خمرجات من أنشطة االنتاج واليت قد تكون‬
‫يف شكل سلع عينية (جتارة منظورة) أو يف شكل خدمات (جتارة غري منظورة) كـ‪ :‬خدمات النقل والتأمني‪،‬‬
‫خدمات البنوك والسياحة‪.....‬اخل‪ ،‬ويعرب عنها عموما من خالل الصادرات (انتاج من جهة املقيمني)‬
‫والواردات(انتاج من جهة غري املقيمني)‪.‬‬
‫‪ 2_2_2‬حساب الدخل األولي‪:‬‬
‫يبني هذا احلساب تدفقات الدخل األويل بني املقيمني وغري املقيمني واليت قد تكون مستحقة التحصيل‬
‫للمقيمني تسجل يف اجلانب الدائن أو مستحقة الدفع عليهم تسجل يف اجلانب املدين‪.‬‬
‫يتمثل الدخل األويل يف العائد على الوحدة االقتصادية نظري مسامهتها يف عملية االنتاج وقد يكون إما‬
‫دخال مرتبطا بعملية االنتاج كأجور العاملني والضرائب والدعم على االنتاج واملنتجات‪ ،‬أو قد يكون مرتبطا مبلكية‬
‫أصول مالية غري منتجة يعرب عنه بدخل االستثمار يف شكل توزيعات أرباح وفوائد‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬ميزان المدفوعات‪ :‬دراسة تحليلة‬

‫‪ _3_2_2‬حساب الدخل الثانوي‪:‬‬


‫يبني هذا احلساب التحويالت اجلارية اليت تتم بني املقيمني وغري املقيمني‪ ،‬واليت تتخذا شكال نقديا أو‬
‫عينيا‪ ،‬يف حني أن التحويالت الرأمسالية ال تقيد إال على مستوى احلساب الرأمسايل‪.‬‬
‫‪ _2_2‬الحساب الرأسمالي‪:‬‬
‫تسجل فيه احلسابات املتعلقة باملعامالت بني املقيمني وغري املقيمني اخلاصة بالتحويالت الرأمسالية _من‬
‫دون مقابل_ مستحقة القبض واملستحقة الدفع‪ ،‬وكذا ما تعلق باقتناء أو التخلي عن األصول غري املنتجة وغري‬
‫املالية كاملوارد الطبيعية وعقود اإلجيار والرتاخيص واألصول التسويقية (كاالسم التجاري والعالمة التجارية)‪ .‬وتتمثل‬
‫التحويالت الرأمسالية يف التحويالت اليت تنتقل فيها ملكية أصل معني (ما عدا النقدية واملخزونات) من طرف‬
‫آلخر‪ ،‬حيث تتمثل يف‪ :‬إعفاءات الدين‪ ،‬مطالبات التأمني على غري احلياة‪ ،‬إعانات االستثمار‪...‬اخل‪.‬‬
‫‪ _3_2‬الحساب المالي‪:‬‬
‫يعرض هذا احلساب القيود الدائنة واملدينة املتعلقة بعمليات اقتناء األصول واخلصوم املالية‪ .‬كما ميكن أن‬
‫تكون هذه القيود قيودا مقابلة لقيود ما يف حساب السلع واخلدمات أو الدخل أو احلساب الرأمسايل أو بنود‬
‫احلساب املايل األخرى‪ .‬إذ جند على سبيل املثال أن تسوية معامالت التصدير يعرب عنها بزيادة يف األصول املالية‬
‫كالعملة أو االئتمان التجاري أو الودائع‪ ،‬كما قد تنطوي معاملة ما على قيدين يف احلساب املايل‪.‬‬
‫تنقسم األصول املالية إىل صنفني رئيسيني‪ :‬األصول املالية طويلة األجل تتجاوز مدة استحقاقها السنة‬
‫الواحدة وهي ما تعلق منها باالستثمار املباشر (األسهم) واالقرتاض (القروض طويلة األجل أو السندات)‪ ،‬كما قد‬
‫تكون أصوال مالية قصرية األجل ال تتجاوز مدة استحقاقها سنة واحدة كالكمبياالت والقروض حتت الطلب‬
‫وأذونات اخلزانة‪ .‬ويسمى رصيد احلساب املايل بصايف االقراض أو صايف االقرتاض‪ ،‬إذ أهنا إذا كانت حالة وضعية‬
‫صايف إقراض فذلك يعين أن االقتصاد يقدم رؤوس أموال للعامل اخلارجي أكثر مما حيصل عليه والعكس يف حالة‬
‫ما إذا كان االقتصاد جيلب رؤوس أموال أكثر من العامل اخلارجي فهو يكون يف وضعية صايف االقرتاض‪.‬‬
‫و نظرا لعدم قدرة اجلهاز اإلحصائي للبلد على حصر مجيع املعامالت االقتصادية اليت تتم مع العامل‬
‫اخلارجي ألسباب عديدة منها دواعي األمن القومي اليت حتتم عدم إدراج بعض املعامالت للعلن أو لتغريات يف‬
‫أسعار الصرف ومعدالت الفائدة‪ ،‬وأحيانا الختالف مصادر احلصول على بيانات خمتلف املعامالت االقتصادية‬
‫الدولية‪ ،‬يتم ادرج حساب السهو و اخلطأ ليتطابق يف ميزان املدفوعات جمموع احلسابات الدائنة مع جمموع‬
‫احلسابات املدينة وبالتايل حتقق التعادل احملاسيب احلتمي مليزان املدفوعات‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬ميزان المدفوعات‪ :‬دراسة تحليلة‬

‫ويكون ميزان املدفوعات متعادال دائما من الناحية احملاسبية أي يتساوى فيه بالضرورة اجلانب الدائن مع‬
‫اجلانب املدين‪ ،‬لكن من الناحية االقتصادية ال يتحقق التوازن فيه بالضرورة‪ ،‬ألن هذا التوازن يعرب عنه من خالل‬
‫رصيد احلسابات الثالثة الرئيسية واليت قد تكون يف حالة فائض كما قد تكون يف حالة عجز‪.‬‬
‫‪_3‬أمثلة تطبيقية عن التسجيل في ميزان المدفوعات‬
‫_ تصدر شركة جزائرية سلعا قيمتها ‪ 011‬مليون يورو إىل فرنسا وتتلقى الدفع بوديعة باليورو يف حساهبا لدى‬
‫بنك "‪ "BNP‬بباريس؛‬
‫هنا نسجل يف اجلانب الدائن حلساب السلع واخلدمات للجزائر ما قيمته ‪ 011‬مليون يورو‪ ،‬مقابل‬
‫تسجيل ما قيمته ‪ 011‬مليون يورو يف اجلانب املدين من احلساب املايل ألنه يعرب عن زيادة اللتزامات األجانب‬
‫اجتاه اجلزائر‪.‬‬
‫_ ينفق سائح جزائري ما قيمته ‪ 0111‬يورو يف لندن مقابل خدمات الفندق والسفر واألكل بالسحب من‬
‫ودائعه باليورو على مستوى بنك ‪ HSBC‬بلندن؛‬
‫تسجل اجلزائر ما قيمته ‪ 0111‬يورو يف اجلانب املدين من حساب السلع واخلدمات مقابل تسجيلها ملا‬
‫قيمته ‪ 0111‬يورو يف اجلانب الدائن من حساهبا املايل قصري األجل ألن ذلك ميثل اخنفاضا يف التزامات األجانب‬
‫اجتاه اجلزائر‪.‬‬
‫_ يشرتي مستثمر جزائري أسهما من بورصة باريس مبا يعادل ‪ 0‬مليون يورو وذلك بالدفع عن طريق السحب من‬
‫ودائعه باليورو من بنك "‪ "BNP‬بباريس؛‬
‫تسجل اجلزائر يف اجلانب املدين من حساهبا املايل طويل األجل ما قيمته ‪ 0‬مليون يورو (زيادة يف‬
‫األصول املالية األجنبية) مقابل تسجيلها ما قيمته ‪ 0‬مليون يورو يف اجلانب الدائن حلساهبا املايل قصري األجل ألن‬
‫ذلك ميثل اخنفاضا يف التزامات األجانب اجتاه اجلزائر‪.‬‬
‫_تدفع احلكومة اجلزائرية مساعدة لدولة افريقية مبا قيمته ‪ 0‬مليون يورو؛‬
‫تسجل اجلزائر يف اجلانب املدين من حساهبا الرأمسايل ما قيمته ‪ 0‬مليون يورو (حتويالت حكومية دون‬
‫مقابل) مقابل تسجيل ما قيمته ‪ 0‬مليون يورو يف اجلانب الدائن من حساهبا املايل طويل األجل ألن ذلك يعرب‬
‫عن تناقص يف ثروة الدولة (اخنفاض يف األصول)‪.‬‬
‫_ يقرتض مستثمر جزائري ما قيمته ‪ 01‬مليون يورو لبناء مصنع يف دولة مايل؛‬

‫‪4‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬ميزان المدفوعات‪ :‬دراسة تحليلة‬

‫تسجل اجلزائر يف اجلانب الدائن من حساهبا املايل قصري األجل ما قيمته ‪ 01‬مليون يورو ألنه ميثل زيادة‬
‫يف التزامات الدولة اجتاه األجانب مقابل تسجيل ما قيمته ‪ 01‬مليون يورو يف اجلانب املدين من احلساب املايل‬
‫طويل األجل ألن ذلك يعترب زيادة يف األصول االستثمارية‪.‬‬
‫وينشأ عن التسجيل احملاسيب يف ميزان املدفوعات ملختلف املعامالت االقتصادية الدولية وفق قاعدة القيد‬
‫املزدوج حتقق املعادلة التالية‪ :‬رصيد الحساب الجاري‪ +‬رصيد الحساب الرأسمالي= رصيد الحساب المالي‪.‬‬
‫‪ _4‬التحليل االقتصادي لميزان المدفوعات‬
‫يوزع الناتج الكلي يف اقتصاد دولة ما على عدة استخدامات كما تربزه املعادلة التالية‪:‬‬
‫)‪Y=C+I+G+X-M………………(1‬‬
‫حيث‪:‬‬
‫‪ :Y‬الناتج الكلي‪ :C ،‬استهالك العائالت واألفراد‪ :I ،‬االستثمار(تكوين رأس املال)‪،‬‬
‫‪ : G‬اإلنفاق احلكومي‪ :X ،‬الصادرات‪ :M ،‬الواردات‬
‫وباعتبار أن اإلدخار الوطين يعرب عنه كما يلي‪:‬‬
‫)‪S=Y-C-G……….….(2‬‬
‫جند‪:‬‬
‫)‪S=I+X-M……………(3‬‬
‫مبعىن‪:‬‬
‫)‪S-I=X-M…………….(4‬‬
‫أي أن وضعية احلساب اجلاري تساوي إىل الفجوة بني اإلدخار واالستثمار‪ .‬وميكن استعراض العالقة‬
‫املتبادلة بني ميزان احلساب اجلاري واالدخار واالستثمار مبزيد من التفصيل عن طريق التمييز بني القطاعني اخلاص‬
‫واحلكومي‪ .‬وميكن حتديد االدخار اخلاص واالستثمار اخلاص على النحو التايل‪:‬‬
‫)‪………(5‬‬
‫وعليه ميكن كتابة املعادلة ‪ 4‬كما يلي‪:‬‬
‫)‪………….(6‬‬
‫وتوضح املعادلة ‪ 6‬أنه ما مل تتم موازنة اإلدخار احلكومي السالب بصايف اإلدخار يف القطاع اخلاص‪،‬‬
‫فسوف يسجل احلساب اجلاري عجزا‪ .‬ومبزيد من التحديد‪ ،‬تشري هذه املعادلة إىل أن التوازن املستهدف يف ميزانية‬
‫‪5‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬ميزان المدفوعات‪ :‬دراسة تحليلة‬

‫احلكومة ‪ Sg – Ig‬قد يكون عامال مهما يؤثر يف ميزان احلساب اجلاري‪ .‬وعلى وجه التحديد‪ ،‬قد يكون‬
‫استمرار العجز يف احلساب اجلاري راجعا الستمرار احلكومة يف اإلنفاق مبا يتجاوز إيراداهتا‪ ،‬وتفيد مثل هذه الزيادة‬
‫املفرطة يف اإلنفاق بأن اإلجراء الواجب اختاذه على مستوى السياسات هو تشديد سياسة املالية العامة‪.‬‬
‫‪ _5‬االختالل في ميزان المدفوعات‬

‫إن اختالل ميزان املدفوعات وعدم توازنه يعترب أمرا واقعا بالنسبة لكافة االقتصاديات العاملية‪ ،‬باعتبار‬
‫ديناميكية التطور اليت متيز النشاط االقتصادي من جهة والتقلبات العديدة اليت متسه من جهة أخرى‪ ،‬واليت تدفع‬
‫حلالة عدم التوازن يف موازين املدفوعات ما بني الفائض والعجز‪.‬‬

‫ف قد تعاين الدولة من عجز يف ميزان مدفوعاهتا ‪ ،‬و يرتتب عن ذلك زيادة يف مديونيتها للعامل اخلارجي‬
‫فتعيش يف مستوى أكرب من إمكاناهتا احلقيقية‪ .‬كما يرتتب عن هذا العجز أيضا اإلقبال على عمالت الدول‬
‫الدائنة و اخنفاض الطلب على العملة احمللية‪ ،‬و استمرار هذا الوضع جيعل مركز هذه الدولة ضعيفا يف االقتصاد‬
‫الدويل فتنهار مسعتها االقتصادية بني املؤسسات املالية الدولية و اإلقليمية‪.‬‬

‫‪ _1_5‬أنواع االختالل في ميزان المدفوعات‬

‫هناك العديد من أشكال االختالل يف ميزان املدفوعات (سواء كان حالة فائض أو حالة عجز) وتنقسم‬
‫إىل قسمني ‪:‬‬

‫‪ _1_1_5‬االختالل المؤقت‪ :‬ينقسم بدوره إىل‪:‬‬

‫أ_ االختالل الطبيعي‪ :‬وهو االختالل الذي حيصل يف الغالب نتيجة ظروف طبيعية قاهرة تؤثر على استمرارية‬
‫املصانع واألراضي على اإلنتاج ومن مث تدفع لرتاجع صادرات البلد املعين إىل مستوى جيعل من ميزان املدفوعات‬
‫يربز يف حالة عجز‪.‬‬
‫ب_ االختالل الموسمي‪ :‬يتوقف على املدة اليت حدث فيها االختالل و ميس خاصة الدول اليت هلذه احملاصيل‬
‫املومسية أو منتجات مومسية‪ .‬ففي فصل الشتاء مثال يزيد الطلب على البرتول و الغاز و مما يدفع الرتفاع أسعاره‬
‫بالشكل الذي يؤدي إىل استفادة الدول املصدرة له من تزايد يف جانب الصادرات الذي قد يدفع غالبا لتسجيل‬
‫حالة فائض يف مزيان املدفوعات‪ ،‬لكن بعد هذه الفرتة عند تقلص الطلب على املنتجات الطاقوية يتالشي‬
‫الفائض املسجل سابقا تدرجييا ويتحول ميزان املدفوعات إىل حالة عجز أحيانا‪ ،‬حيث أن مواجهة هذا االختالل‬

‫‪6‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬ميزان المدفوعات‪ :‬دراسة تحليلة‬

‫يتطلب من املسؤولني يف االقتصاد املعين تنويع الصادرات للحفاظ على مستوى مستقر من املداخيل ال تتأثر‬
‫بالدورة املومسية‪.‬‬
‫جـ_ االختالل الدوري ‪ :‬ميس هذا النوع من االختالل األنظمة الرأمسالية يف فرتات الرواج و الكساد تنعكس‬
‫أثارها على ميزان املدفوعات‪ ،‬فهو حيقق عجزا و تارة حيقق فائضا و هذا الفائض أو العجز يطلق عليه االختالل‬
‫الدوري نسبة إىل الدورة االقتصادية ‪ ،‬و مثل هذا النوع من االختالل ميكن عالجه عن طريق اتباع السياسات‬
‫الظرفية النقدية و املالية اليت ميكن أن تكون سياسات توسعية أو انكماشية تبعا لوضعية الدورة االقتصادية‪.‬‬
‫‪ _2_1_5‬االختالل الدائم ( الهيكلي )‪ :‬يعترب االختالل الدائم يف ميزان املدفوعات مبثابة االختالل الناتج عن‬
‫وضعية اهليكل االقتصادي لالقتصاد املعين واليت حتول دون متكنه من حتقيق التوان يف ميزان مدفوعاته كـ‪ :‬ضعف‬
‫التقنية التكنولوجية يف عملية اإلنتاج نتيجة تراجع عمليات االبتكار والبحث والتطوير‪ ،‬تراجع املنافسة يف النشاط‬
‫االقتصادي‪ ،‬صرامة اللوائح التنظيمية لسوق العمل وسوق املنتجات وغريها من الصعويات اهليكلية‪ ،‬مما يستدعي‬
‫تطبيق مجلة إصالحات هيكلية تؤثر على املدى الطويل يف بنية االقتصاد احمللي مبا ميكن من العودة إىل حالة‬
‫التوازن مليزان املدفوعات‪.‬‬

‫‪ _2_5‬المقاربات المفسرة لميزان المدفوعات‬

‫شهد الفكر االقتصادي العديد من املقاربات اليت جاءت لتقدم تفسريا لالختالل يف ميزان املدفوعات‬
‫تربز أمهها يف املقاربات التالية‪:‬‬

‫‪_1_2_5‬المقاربة النقدية‪:‬‬

‫يعترب أنصار هذه املقاربة أن ميزان املدفوعات هو يف األساس ظاهرة نقدية مبعىن أن أي اختالل فيه هو‬
‫دورا أساسيًا يف حتديده‪ .‬إذ يعترب وضع ميزان‬
‫اختالل نقدي‪ ،‬بعبارة أخرى أن الطلب على النقود وعرضها يلعبان ً‬
‫انعكاسا للقرارات اليت يتخذها األفراد فيه فيما خيص جتميع األرصدة املالية أو التخلي عنها‪،‬‬
‫ً‬ ‫املدفوعات لبلد ما‬
‫وعملية تعديل هذا املخزون املرغوب من األرصدة املالية هي اليت تؤدي إىل عجز أو فائض يف ميزان املدفوعات‪.‬‬

‫فإذا كان بلد ما صغريًا وكان هناك تنقل مثايل لرأس املال والبضائع وتكون األسعار احمللية ومعدالت‬
‫الفائدة حتدد خارجيا‪ ،‬يف هذه احلالة جيب تلبية أي طلب زائد على األرصدة املالية ينشأ إما من مصادر حملية أو‬
‫نظرا ألن األسعار وأسعار الفائدة ال ميكن أن تتغري ‪ ،‬وإذا كان املكون احمللي للمخزون النقدي ثابتًا‪،‬‬
‫من اخلارج‪ .‬و ً‬

‫‪7‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬ميزان المدفوعات‪ :‬دراسة تحليلة‬

‫فإن هذا الطلب الزائد سيؤدي إىل زيادة يف االحتياطيات الدولية (أي سيكون هناك فائض يف ميزان املدفوعات)‪.‬‬
‫وقد تأيت هذه الزيادة يف االحتياطيات الدولية من خالل حتسني امليزان التجاري أو امليزان الرأمسايل أو كليهما‪.‬‬
‫واجلدير بالذكر أن املقاربة النقدية مليزان املدفوعات تتعامل فقط مع التأثري النهائي وليس مع القنوات اليت حيدث‬
‫من خالهلا هذا التأثري‪.‬‬

‫‪ _2_2_5‬مقاربة المرونات‪:‬‬

‫تتعلق أسعار السلع واخلدمات على الصعيد الدويل حبركة أسعار الصرف‪ .‬وبالتايل‪ ،‬بعد عجز ميزان‬
‫املدفوعات‪ ،‬تنخفض قيمة العملة الوطنية مما يؤدي إىل اخنفاض أسعار الصادرات وزيادة أسعار الواردات‪ ،‬ومن مث‬
‫تشهد الدولة زيادة يف صادراهتا وتنخفض وارداهتا اليت تصبح أكثر تكلفة ومن مث ينخفض العجز األويل‪.‬‬

‫وحسب مقاربة املرونات‪ ،‬فإن حتقق هذه اآللية مرتبط مبرونة الصادرات والواردات السعرية‪ ،‬مبعىن أنه ال‬
‫يكفي فقط زيادة طلب املستهلكني األجانب على السلع احمللية إذا مل يواكب ذلك زيادة يف حجم العرض من‬
‫املنتجني احملليني مبا يواكب تلك الزيادة يف الطلب من األجانب‪ .‬كما أنه يتوجب فعال أن تعكس ارتفاع تكلفة‬
‫الواردات تراجعا حقيقيا يف الطلب على السلع األجنبية‪ .‬إن حتقق هذه الشروط يف إطار ما يسمى بـ"شرط‬
‫مارشال‪-‬لرينر" يعرب عنه من خالل ضرورة أن يكون جمموع القيم املطلقة ملرونة الواردات السعرية ومرونة الصادرات‬
‫السعرية أكرب من ‪.0‬‬

‫‪_3_2_5‬مقاربة االمتصاص‪:‬‬

‫تعترب هذه املقاربة أن اخللل يف ميزان املدفوعات مرتبط بالفارق املوجود بني الطلب الكلي احمللي والعرض‬
‫الكلي‪ ،‬وذلك من خالل املعادلة التالية‪ BC=Y-A :‬حيث أن‪:‬‬

‫‪ :BC‬احلساب اجلاري؛‬

‫‪ :Y‬العرض الكلي؛‬

‫‪ :A‬الطلب الكلي احمللي املكون من االستهالك‪ ،‬االستثمار واالنفاق احلكومي‪.‬‬

‫وبالتايل حسب هذه املقاربة‪ ،‬إذا كان العرض الكلي غري كاف لتلبية الطلب الكلي احمللي‪ ،‬فإنه سيكون‬
‫هنالك عجز يف احلساب اجلاري مليزان املدفوعات أي الواردات أكرب من الصادرات‪ ،‬أي تلبية جزء من الطلب‬
‫الكلي احمللي (الذي مل يستطع اجلهاز االنتاجي احمللي تلبيته) عن طريق القطاع اخلارجي‪.‬‬
‫‪8‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬ميزان المدفوعات‪ :‬دراسة تحليلة‬

‫‪ _3_5‬آليات تعديل االختالل في ميزان المدفوعات‬

‫إن تعديل االختالل يف ميزان املدفوعات (من خالل وضعية احلساب اجلاري أساسا) سواء كان يف حالة‬
‫فائض أو يف حالة عجز يكون إما تعديال آليا (تلقائيا) أو عن طريق التدخل بتطبيق سياسة معينة كما يتوضح‬
‫فيما سيأيت‪:‬‬

‫‪ _1_3_5‬التعديل اآللي(التلقائي)‬

‫يتم تعديل اإلختالل يف ميزان املدفوعات بصفة آلية دون أي تدخل من صناع قرار السياسة االقتصادية‬
‫وفق اآلليات التالية‪:‬‬

‫أ_ آلية التعديل السعري في ظل نظام قاعدة الذهب‪ :‬ختص هذه اآللية نظام قاعدة الذهب الذي‬
‫كان معموال يف اإلقتصاد العاملي ما بني الفرتة ‪ ،0104_0781‬والذي كان يقوم باألساس على افرتاض‪ :‬أن‬
‫عرض النقود يرتكز على الذهب أو أي عملة مغطاة بالذهب‪ ،‬وأن املستوى العام لألسعار يتأثر بالتغري يف كمية‬
‫النقود‪ .‬ومن مث فإن أي تغري يف وضعية ميزان املدفوعات يعدل آليا بالتغري يف األسعار الداخلية‪.‬‬

‫ففي حالة الفائض‪ ،‬فإنه حيدث دخول للذهب لإلقتصاد احمللي يتسبب يف زيادة عرض النقود الذي‬
‫يؤدي حسب نظرية كمية النقود إىل ارتفاع يف املستوى العام لألسعار الداخلية‪ ،‬وهو ما يدفع لرتاجع تنافسية‬
‫الصادرات وقلة الطلب عليها يف مقابل تزايد الطلب على الواردات كبديل للسلع احمللية مرتفعة األسعار‪ ،‬وهو ما‬
‫يتسبب يف تالشي الفائض يف ميزان املدفوعات تدرجييا حىت العودة حلالة التوازن‪.‬‬

‫ب_ آلية التعديل السعري في ظل نظام الصرف المرن‪ :‬يف ظل نظام الصرف املرن‪ ،‬يتسبب العجز‬
‫يف ميزان املدفوعات يف تراجع الطلب على العملة احمللية وزيادة املعروض منها مما يدفع إىل تراجع قيمتها بشكل‬
‫يزيد من التنافسية السعرية للصادرات اليت يرتفع الطلب عليها يف مقابل تراجع الطلب على الواردات اليت تصبح‬
‫مرتفعة األسعار‪ ،‬وهو ما يعين تالشي العجز وعودة ميزان املدفوعات تدرجييا حلالته التوازنية‪.‬‬

‫جـ_ آلية التعديل عن طريق الدخل‪ :‬تنص هذه اآللية اليت تأيت يف إطار التحليل الكينزي الذي يفرتض‬
‫تواجد اإلقتصاد يف وضعية ما دون التشغيل الكامل‪ .‬ومن مث فإنه وبناء على مفهوم آلية املضاعف فإن تغريا يف‬
‫مستوى التجارة الدولية يؤثر على مستوى الدخل القومي الذي بدوره يؤثر على طلب الواردات‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬ميزان المدفوعات‪ :‬دراسة تحليلة‬

‫وعليه فإن زيادة قيمة الصادرات يتسبب يف زيادة قيمة الدخل القومي بقيمة تعادل ما يعرف بـ"مضاعف‬
‫التجارة اخلارجية"‪ ،‬يف حني أن زيادة الدخل القومي سوف تدفع عن طريق امليل احلدي لإلسترياد إىل تزايد الطلب‬
‫على الواردات‪ ،‬وهو ما يدفع لتالشي اإلرتفاع السابق يف قيمة الصادرات تدرجييا وعودة ميزان املدفوعات إىل‬
‫حالته التوازنية‪.‬‬

‫‪ _2_3_5‬التعديل عن طريق أدوات السياسة االقتصادية‬

‫ميكن تعديل اإلختالل يف ميزان املدفوعات عن طريق تطبيق سياسات معينة يف حال عدم حتقق فعالية‬
‫آلية التعديل اآليل خصوصا إذا مل تتوفر اإلفرتاضات اليت تبىن عليها باألساس‪.‬‬

‫ويعترب حتقيق التوازن يف ميزان املدفوعات مبثابة التوازن اخلارجي القتصاد الدولة‪ ،‬يف حني أن التوازن‬
‫الداخلي يعىن مبؤشرات النمو‪ ،‬البطالة‪ ،‬وضعية امليزانية ومعدل التضخم‪ .‬وبالتايل ففي إطار السعي لتحقيق التوازن‬
‫االقتصادي العام يتوجب على صناع قرار السياسة االقتصادية اختيار السياسات املالئمة اليت متكن من حتقيق كال‬
‫التوازنني كما يربز فيما سيأيت‪:‬‬

‫أ_ السياسة المالية‬

‫تطبق السياسة املالية يف شكلها التوسعي يف حال ما إذا كان ميزان املدفوعات يف حالة فائض‪ ،‬ألهنا‬
‫تدفع إىل زيادة الطلب على الواردات مبا ميكن من تالشي فائض الصادرات عن الواردات‪ .‬يف حني أهنا تطبق يف‬
‫شكلها التقييدي إذا ما كان ميزان املدفوعات يف حالة عجز ألهنا تساهم يف احلد من الطلب على الواردات إىل‬
‫مستوى يوازي قيمة الصادرات لتحقيق توازن ميزان املدفوعات‪.‬‬

‫وباعتبار السياسة املالية التوسعية فعالة يف حتقيق التوازن اخلارجي يف حالة الفائض‪ ،‬فإهنا تكون فعالة يف‬
‫حتقيق التوازن الداخلي إذا كان اإلقتصاد املعين يف حالة انكماش ألهنا تساهم يف دفع الطلب الكل لإلرتفاع مبا‬
‫يساهم يف انعاش اإلقتصاد احمللي‪ ،‬لكنها لن تكون فعالة يف حتقيق التوازن الداخلي إذا كان اإلقتصاد يف حالة‬
‫تضخم ألهنا ستدفع حينئذ إىل تزايد معدالت التضخم ملستويات مرتفعة‪.‬‬

‫أما السياسة املالية املقيدة الفعالة يف حتقيق التوازن اخلارجي يف حالة العجز‪ ،‬فإهنا تساهم يف حتقيق التوازن‬
‫الداخلي إذا كان اإلقتصاد يف وضعية تضخم ألهنا سوف تدفع لرتاجع الطلب الكلي احمللي‪ ،‬لكنها لن تكون‬

‫‪10‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬ميزان المدفوعات‪ :‬دراسة تحليلة‬

‫فعالة يف حتقيق التوازن الداخلي إذا كان االقتصاد احمللي يف حالة انكماش ألهنا حينئد سوف تزيد من تراجع‬
‫الطلب الكلي ومن مث دخول اإلقتصاد احمللي يف حالة انكماش قصوى قد تصل به إىل مرحلة الكساد‪.‬‬

‫ب_ السياسة النقدية‬

‫تساهم السياسة النقدية يف تعديل اختالل ميزان املدفوعات يف ظل نظام الصرف الثابت عن طريق‬
‫سياسة ختفيض قيمة العملة اليت تؤثر على األسعار النسبية للسلع احمللية واألجنبية وبالتايل التأثري على حركة‬
‫الصادرات والواردات‪ .‬إذ أن تواجد ميزان املدفوعات يف حالة عجز يدفع صناع القرار إىل ختفيض قيمة العملة مبا‬
‫ميكن من إعطاء تنافسية للصادرات لرتتفع قيمتها يف مقابل تراجع الطلب عل الواردات اليت تصبح مرتفعة‬
‫األسعار بالنسبة للداخل ومن مث عودة ميزان املدفوعات حلالته التوازنية‪.‬‬

‫وتتحقق فعالية سياسة ختفيض قيمة العملة يف تصحيح عجز ميزان املدفوعات يف حال حتقق ما يعرف‬
‫بـ"شرط مارشال‪-‬لرينر" الذي يشري إىل ضرورة أن يكون جمموع القيم املطلقة للمرونة السعرية للصادرات واملرونة‬
‫السعرية للواردات أكرب من ‪.0‬‬

‫‪11‬‬

You might also like