Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 9

‫موضوعات أصولية )دﻻلة اللفظ عند الحنفية(‬ ‫‪٢‬‬

‫﷽‬

‫كثﲑا طيبًا مبارًكا فيه‪ ،‬والصﻼة والسﻼم على عبد اﷲ ورسوله سيدنا ونبينا ﳏمد وعلى‬
‫ﲪدا ً‬
‫اﳊمد ﷲ ً‬
‫آله وصحبه ومن واﻻه‪.‬‬

‫أما بعد‪.،‬‬

‫فﻼ يزال استعراضنا ﳍذه اﳌوضوعات اﻷصولية ﰲ كل لقاء انطﻼقًا من اﻹتيان على بعض اﻷبواب‬
‫واﳌسائل الﱵ ﱂ ينتظمها رسالة الشيخ ﳏمد بن صاﱀ العثيمﲔ –رﲪه اﷲ‪ -‬قد تقدم ﰲ اللقاءين السابقﲔ‬
‫اﳊديث ﰲ أوﳍما‪ :‬عن دﻻلة اﳌنطوق واﳌفهوم وأنواعها وشروطها‪ ،‬وكان ﰲ الثاﱐ منهما‪ :‬اﳊديث عما‬
‫تناولناه من اﻻحتجاج بعمل أهل اﳌدينة عند اﻹمام مالك –رﲪه اﷲ‪.-‬‬

‫أيضا ﳑا ﱂ تنتظمه رسالة الشيخ –رﲪه اﷲ‪ ،-‬درس الليلة هو‬


‫موضوعا ثالثًا ً‬
‫ً‬ ‫ولقاء الليلة سيتناول‬
‫تقسيم الدﻻﻻت اﻷلفاظ على مذهب اﳊنفية؛ ﻷنه مر ﰲ رسالة الشيخ اﳊديث عن تقسيم دﻻﻻت اﻷلفاظ‬
‫كما هو العمل عليه عند اﳉمهور‪ ،‬فتقسيم دﻻلة اﻷلفاظ عند اﳉمهور ينقسم باعتبارات متعددة كان أﳘها‬
‫اﳊديث عن تقسيم دﻻلة اﻷلفاظ باعتبار الوضوح واﳋفاء‪ ،‬وأ ا تنقسم كما مر إﱃ‪ :‬ﳎمل‪ ،‬وظاهر‪ ،‬ومؤول‪،‬‬
‫ظاهرا‪ ،‬وينصرف عن‬
‫ﳎمﻼ‪ ،‬فإن اتضح مع اﻻحتمال كان ً‬
‫ونص‪ ،‬باعتبار الوضوح واﳋفاء‪ ،‬فما خفي كان ً‬
‫نصا‪ ،‬هذه الطريقة الﱵ استقرت ﰲ‬
‫اضحا ﲤام الوضوح كان ً‬
‫مؤوﻻ‪ ،‬وإن كان و ً‬
‫الظاهر بقرينة أو بدليل ويسمى ً‬
‫تقسيم اﳉمهور‪ ،‬يقابلها تقسيم آخر على مذهب اﳊنفية ﰲ دﻻﻻت اﻷلفاظ‪.‬‬

‫أحببت أن يكون لقاء الليلة ودرسنا متعل ًقا ذا التقسيم عند اﳊنفية‪ ،‬وعرض ما تناولوه ﰲ هذا‬
‫التقسيم؛ لسببﲔ اثنﲔ‪:‬‬

‫أوﳍما‪ :‬أن هذا تقسيم معتﱪ ﰲ أصول اﳊنفية واﻻطﻼع عليه مفيد ومهم‪.‬‬

‫أيضا توافق ﰲ التسمية بعد اﻻطﻼقات‬


‫السبب الثاﱐ‪ :‬أن بعض اﻻصطﻼحات ﰲ هذا التقسيم ً‬
‫واﻻصطﻼحات على طريقة اﳉمهور؛ فلئﻼ ﳛدث تداخل عن طالب العلم وقد درس شيئًا من‬

‫هذه اﳌادة مفرغة‪ ،‬وﱂ تُراجع على الشيخ‬


‫‪٣‬‬ ‫فضيلة الشيخ‪ /‬حسن بن عبد الحميد بخاري‬

‫مثﻼ‪ ،‬ودﻻلة الظاهر‪ ،‬ودﻻلة اﳌؤول‪ ،‬ﲟعاﱐ معينة ومصطلحات‬


‫اﻻصطﻼحات‪ ،‬وقد درست دﻻلة النص ً‬
‫معينة‪ ،‬فيشكل رﲟا على طالب العلم أن هذه اﻻصطﻼحات نفسها تقول‪ :‬دﻻلة النص‪ .‬تطلق عند اﳊنفية‬
‫ولكن ﲟعﲎ آخر وﲟصطلح آخر‪ ،‬فما ﱂ ﳝيز طالب العلم إطﻼق اﳉمهور وإطﻼق اﳊنفية ﳍذه الدﻻﻻت من‬
‫اﻷلفاظ رﲟا وقع ﰲ إشكال‪ ،‬أو رﲟا قرأ ﰲ بعض كتب اﳊنفية شيء من هذه اﻻصطﻼحات فحملها على‬
‫معﲎ ما فهمه عند اﳉمهور وليس اﻷمر كذلك‪.‬‬

‫سنقرأ مواطن من تقسيم دﻻﻻت اﻷلفاظ واصطﻼحا ا واﳌعاﱐ اﳌرادة منها كما ساقه اﻹمام عبد‬
‫العزيز البخاري –رﲪه اﷲ‪ -‬صاحب )كشف اﻷسرار(‪ ،‬كتاب كشف اﻷسرار شرح فيه البخاري أصول فخر‬
‫اﻹسﻼم البزدوي‪ ،‬وأصول البزدوي أو ما يسمى ﲟختصر البزدوي ﰲ أصول الفقه عند اﳊنفية هو أحد اﳌتون‬
‫جدا حﱴ جاء كتاب منار اﻷنوار‬
‫اﳌعتﱪة عند اﳌتقدمﲔ من اﳊنفية‪ ،‬وﳍذا كثرت شروحه واعتﲎ به اﳊنفية ً‬
‫جدا ﰲ عبارته وتقسيمه ومضمونه ﻷصول فخر اﻹسﻼم البزدوي‪ ،‬فلما جاء منار‬
‫لﻺمام النسفي وهو مقارب ً‬
‫أيضا عليه‪ ،‬فهما متنان من اﳌتون اﳌختصرة‬
‫اﻷنوار عند اﳌتأخرين من اﳊنفية صار العمل عليه وإقبال الشراح ً‬
‫هي ﳏل عناية اﳊنفية وﳏل اعتبار كتب اﻷصول عندهم؛ أصول فخر اﻹسﻼم البزدوي‪ ،‬وأصول اﳌنار‬
‫للنسفي –رحم اﷲ اﳉميع‪.-‬‬

‫وكتاب كشف اﻷسرار للبخاري هو شرح على أصول فخر اﻹسﻼم البزدوي‪ ،‬وللتقييد فإن عند‬
‫اﳊنفية ﰲ كتب اﻷصول كتابان كل منهما يسمى كشف اﻷسرار‪ ،‬وإذا قيل‪ :‬كتاب كشف اﻷسرار‪ ،‬أو عُزي‬
‫كﻼ من كشف اﻷسرار اﻷول والثاﱐ‬
‫أيضا وجه اﻹشكال أن ً‬‫إليه فﻼ بد من تقييد الكتاب ليُعلم اﳌراد به‪ ،‬و ً‬
‫شرح على هذه اﳌتون اﳌختصرة اﳌعتمدة‪ ،‬فكشف اﻷسرار اﻷول لعبد العزيز البخاري هو شرح على أصول‬
‫فخر اﻹسﻼم البزدوي‪ ،‬وكشف اﻷسرار الثاﱐ هو شرح على منار اﻷنوار للنسفي‪ ،‬وصاحبه اﻹمام النسفي‬
‫نفسه فإنه صنف اﳌنار ﰒ وضع عليه كشف اﻷسرار ﰲ شرح منار اﻷنوار‪ ،‬فإذا قيل‪ :‬كشف اﻷسرار‪ ،‬فﻼ بد‬
‫أن يقيد فإما أن تقول‪ :‬للبخاري‪ ،‬أو للنسفي‪ .‬فالذي سنقرأ منه هو كشف اﻷسرار للبخاري‪ ،‬وبالتاﱄ هو‬
‫شرح على أصول فخر اﻹسﻼم للبزدوي –رحم اﷲ اﳉميع‪.-‬‬

‫هذه اﳌادة مفرغة‪ ،‬وﱂ تُراجع على الشيخ‬


‫موضوعات أصولية )دﻻلة اللفظ عند الحنفية(‬ ‫‪٤‬‬

‫ﰲ تقسيم الكﻼم‪ ،‬أنا سأقرأ عبارة البزدوي دون التعرض ﳌا أورده الشارح عبد العزيز البخاري؛ ﻷنه‬
‫أقرب واﳌقصود اﻹتيان على التقسيم‪ ،‬فانتبه معي كيف تعامل اﳊنفية مع دﻻﻻت اﻷلفاظ وكيف قسموها‪،‬‬
‫وﳍم فيه تقسيم بديع ومأخذ ﻻ يوجد مثله عند اﳉمهور‪.‬‬

‫يقول اﻹمام البزدوي –رحمه اﷲ‪ :-‬وإنما تعرف أحكام الشرع بمعرفة أقسام النظم والمعنى‪.‬‬

‫شيء عندهم يسمونه النظم‪ ،‬وشيء يسمونه اﳌعﲎ‪ ،‬يقصدون بالنظم سياق اللفظ ﰲ النصوص‬
‫أيضا ﰲ اﳉملة يسمو ا النظم‪ ،‬فيقسمون‬
‫الشرعية ﰲ الكتاب والسنة‪ ،‬يعﲏ اﳉملة ﰲ سياقها والكلمة ً‬
‫التعامل مع النصوص الشرعية قسمﲔ‪ :‬تعامل مع النظم‪ ،‬وتعامل مع اﳌعﲎ‪.‬‬

‫يقول‪ :‬وإنما تعرف أحكام الشرع بمعرفة أقسام النظم والمعنى‪ .‬وما هي أقسام النظم واﳌعﲎ؟‪.‬‬

‫قال‪ :‬وذلك أربعة أقسام فيما يرجع إلى معرفة أحكام الشرع‪ :‬القسم اﻷول‪ :‬في وجوه النظم‬
‫صيغة ولغة‪ .‬والقسم الثاني‪ :‬في وجوه البيان بذلك النظم‪ .‬والقسم الثالث‪ :‬في وجوه استعمال ذلك‬
‫النظم وجريانه في باب البيان‪.‬‬

‫يقول القسم اﻷول‪ :‬ﰲ وجوه النظم صيغة ولغة‪ .‬يعﲏ ما هي الصيغ الﱵ تأﰐ عليها النصوص‬
‫الشرعية من ناحية الصياغة واللغة فقط؟‪ ،‬يقسمو ا إﱃ أقسام سيأﰐ ذكرها‪ ،‬لكن ﳌا يقسمون التعامل مع‬
‫النصوص الشرعية يقولون‪ :‬القسم اﻷول‪ :‬ﰲ وجوه النظم صيغة ولغة‪.‬‬

‫قال‪ :‬والثاﱐ ﰲ وجوه البيان بذلك النظم‪ .‬ﰲ وجوه البيان يعﲏ الطريقة الﱵ يقع ا البيان ذا النظم‬
‫والﱰكيب الذي حصل‪.‬‬

‫قال‪ :‬والثالث ﰲ وجوه استعمال ذلك النظم وجريانه ﰲ باب البيان‪ .‬كيف تستعمل ذلك البيان‬
‫بأقسامه ﻻستنباط اﳌعاﱐ‪.‬‬

‫قال‪ :‬والرابع في معرفة وجوه الوقوف على المراد والمعاني على حسب الوسع واﻹمكان‬
‫وإصابة التوفيق‪.‬‬

‫هذه اﳌادة مفرغة‪ ،‬وﱂ تُراجع على الشيخ‬


‫‪٥‬‬ ‫فضيلة الشيخ‪ /‬حسن بن عبد الحميد بخاري‬

‫هذا التقسيم إﲨاﱄ خذ التفصيل اﻵن‪:‬‬

‫قال‪ :‬أما القسم اﻷول‪ ،‬فأربعة أوجه الخاص‪ ،‬والعام‪ ،‬والمشترك‪ ،‬والمؤول‪ .‬هذا تقسيم مغاير‬
‫ﲤاما لطريقة اﳉمهور‪ ،‬القسم اﻷول الذي هو ﰲ وجوه النظم صيغة ولغة يقول‪ :‬أربعة أنواع‪ :‬اﳋاص‪ ،‬والعام‪،‬‬
‫ً‬
‫واﳌشﱰك‪ ،‬واﳌؤول‪.‬‬

‫قال‪ :‬والقسم الثاني أربعة أوجه أيضا الظاهر‪ ،‬والنص‪ ،‬والمفسر‪ ،‬والمحكم‪ .‬يشﱰك معك ها‬
‫هنا مصطلحان جاء مثلها عند اﳉمهور‪ :‬النص‪ ،‬والظاهر‪ ،‬لكن اﳌعﲎ اﳌراد به هنا عندهم ﳜتلف عن اﳌعﲎ‬
‫اﳌراد عند اﳉمهور‪ ،‬إذن القسم الثاﱐ ﰲ معرفة وجوه البيان بذلك النظم قال‪ :‬أربعة أوجه‪ :‬الظاهر‪ ،‬والنص‪،‬‬
‫واﳌفسر‪ ،‬واﶈكم‪.‬‬

‫قال‪ :‬وإنما يتحقق معرفة هذه اﻷقسام بأربعة –الظاهر‪ ،‬والنص‪ ،‬واﳌفسر‪ ،‬واﶈكم‪ -‬أخرى في‬
‫مقابلتها –كل مصطلح يقابله مصطلح‪ -‬وهي الخفي‪ ،‬والمشكل‪ ،‬والمجمل‪ ،‬والمتشابه‪ .‬أربعة مقابل‬
‫أربعة‪ :‬اﳋفي واﳌشكل وا مل واﳌتشابه‪ ،‬وستوزع اﻷربعة على اﻷربعة السابقة‪ ،‬فاﳋفي ﰲ مقابل الظاهر‪،‬‬
‫واﳌشكل ﰲ مقابل النص‪ ،‬وا مل ﰲ مقابل اﳌفسر‪ ،‬واﳌتشابه ﰲ مقابل اﶈكم‪ ،‬كل هذه اﻷربعة أوجه‬
‫واﻷربعة أوجه اﳌقابلة ﳍا هي أقسام وجوه البيان بذلك النظم‪.‬‬

‫نأﰐ للقسم الثالث الذي ﲰاه وجوه استعمال ذلك البيان وجريانه ﰲ باب البيان‪.‬‬

‫ضا الحقيقة‪ ،‬والمجاز‪ ،‬والصريح‪ ،‬والكناية‪ .‬تﻼحظ أ ا‬


‫قال‪ :‬والقسم الثالث أربعة أوجه أي ً‬
‫اصطﻼحات بﻼغية خالصة ﰲ علم البيان‪ ،‬اﳊقيقة وا از والصريح والكناية‪ ،‬هذه أربعة أوجه تتعلق بالقسم‬
‫الثالث الذي هو وجوه استعمال ذلك البيان وجريانه ﰲ باب البيان‪ ،‬ومن اﲰه البيان فجاءت اﻻصطﻼحات‬
‫بيانية من علم البيان‪.‬‬

‫ضا اﻻستدﻻل بعبارته‪ ،‬وبإشارته‪ ،‬وبدﻻلته‪ ،‬وباقتضائه‪.‬‬


‫قال‪ :‬والقسم الرابع أربعة أوجه أي ً‬
‫اﻻستدﻻل بعبارته بعبارة النص‪ ،‬وبإشارته بإشارة النص‪ ،‬وبدﻻلته دﻻلة النص‪ ،‬وباقتضائه باقتضاء النص‪،‬‬
‫عندهم أربعة أوجه ﳌعرفة الوقوف على اﳌراد‪ ،‬اﻻستدﻻل بالعبارة وباﻹشارة وبالدﻻلة وباﻻقتضاء‪ ،‬وﳜتصرها‬
‫هذه اﳌادة مفرغة‪ ،‬وﱂ تُراجع على الشيخ‬
‫موضوعات أصولية )دﻻلة اللفظ عند الحنفية(‬ ‫‪٦‬‬

‫اﳊنفية فيقولون‪ :‬العبارة‪ ،‬اﻹشارة‪ ،‬الدﻻلة‪ ،‬اﻻقتضاء‪ ،‬أو يقولون‪ :‬دﻻلة اﻻقتضاء‪ ،‬دﻻلة العبارة‪ ،‬دﻻلة‬
‫اﻹشارة‪ ،‬دﻻلة الدﻻلة‪ .‬فهذه أربعة مصطلحات يقابلها شيء من اﻻصطﻼحات الﱵ مرت عند اﳉمهور كما‬
‫سيأﰐ التعريف اﻵن واﳌثال لكل واحد من هذه‪.‬‬

‫قال‪ :‬وبعد معرفة هذه اﻷقسام قسم خامس‪ ،‬وهو وجوه أربعة أيضا معرفة مواضعها‪ ،‬ومعانيها‪،‬‬
‫وترتيبها‪ ،‬وأحكامها‪.‬‬

‫أيضا‪ ،‬كل قسم انقسم إﱃ‬


‫اﻵن الذي يهمنا من هذا التقسيم الرباعي‪ ،‬والرباعي انقسم إﱃ رباعي ً‬
‫أربعة‪ ،‬فمعرفة الوجوه هذه كلها يهمنا منها تقسيمان اثنان‪ ،‬سآﰐ على ذكرها‪ ،‬لكن سأورد عليك اﻵن خاﲤة‬
‫هذا التقسيم اﻹﲨاﱄ الذي سيشرع بعده البزدوي ﰲ التفصيل‪.‬‬

‫صر في هذا اﻷصل‪ ،‬بل يلزمه‬ ‫قال‪ :‬وأصل الشرع هو الكتاب والسنة فﻼ يحل ﻷحد أن يُـ َق ﱢ‬
‫مفتقرا إلى اﷲ تعالى مستعينًا به راجيًا أن يوفقه بفضله‪.‬‬
‫محافظة النظم ومعرفة أقسامه ومعانيه ً‬
‫كﻼم رائع وهو مربط فرس اﳊقيقة لكل طالب علم يبتغي فهم اﳌراد عن اﷲ وعن رسول اﷲ صلى‬
‫اﷲ عليه وسلم‪ ،‬هذا قمة الشرف أنت تتهيأ ذا العلم ﻷن تتبوأ ﳍذا اﳌنصب الشريف‪ ،‬أن تكون امرءًا مكل ًفا‬
‫مسلما يعقل عن اﷲ مراده ومراد رسوله صلى اﷲ عليه وسلم‪ ،‬وﳍذا هو قال لك اﳌسألة تتوقف على عاملﲔ‬
‫ً‬
‫اثنﲔ‪:‬‬

‫أحدﳘا‪ :‬عنايتك ذا اﻷصل واهتمامك به‪ ،‬ومعرفتك لتقسيمات النظم‪ ،‬والدﻻلة على اﳌعاﱐ‪،‬‬
‫وكيف تتعامل معها؟‪.‬‬

‫مفتقرا إﱃ اﷲ تعاﱃ مستعينًا به‬


‫والعامل الثاﱐ الذي تفتقر إليه‪ :‬هو توفيق اﷲ وعونه‪ ،‬وﳍذا قال‪ً :‬‬
‫راجيًا أن يوفقه بفضله‪.‬‬

‫وقد أصاب –رﲪه اﷲ‪ ،-‬فلن يوفق عبد ﰲ مثل هذا اﳌطلب الشريف اﳉليل إﻻ ذين اﻻثنﲔ‪ :‬أن‬
‫يأخذ اﳌسألة ﲝقها فيجد وﳚتهد ويتعب وينصب ﰲ إدراك العلم وﲢقيقه‪ ،‬وأن يكون من اﳊذاق‪ ،‬وأن يتقن‬

‫هذه اﳌادة مفرغة‪ ،‬وﱂ تُراجع على الشيخ‬


‫‪٧‬‬ ‫فضيلة الشيخ‪ /‬حسن بن عبد الحميد بخاري‬

‫فيه‪ ،‬وأن يﱪع‪ ،‬والعامل اﻷول مقدم ومتابع وﻻحق وهو‪ :‬توفيق اﷲ والتماس الفضل منه ﻻفتقاره إليه ودعاؤه‬
‫والتضرع إليه سبحانه وتعاﱃ أن يفتح على العبد؛ ﻷن هذا علم والعلم هبة يؤتيها اﷲ عز وجل وباب من‬
‫علما فحسب بل هو أشرف مراتب العلم‪ ،‬وأجلى‬ ‫فضله يفتحه على من يشاء من عباده‪ ،‬ﰒ هو ليس ً‬
‫مقاصده‪ ،‬وأﲰى مراتبه‪ ،‬أن يتبوأ طالب العلم هذه اﳌرتبة الشريفة‪ ،‬إذن هو أحرى أن يكون من توفيق اﷲ عز‬
‫وجل وفضله على من يشاء من عباده‪.‬‬

‫هذا التقسيم الرباعي أنا سأﲡاوز فيه القسم اﻷول ﻵﰐ للثاﱐ والثالث أو الثالث والرابع على وجه‬
‫اﳋصوص؛ ﻷ ما ﳘا اﳌرادان‪ ،‬يعﲏ سأﲡاوز القسم اﻷول وجوه النظم صيغة ولغة اﳋاص والعام واﳌشﱰك‬
‫واﳌؤول‪ ،‬وسأنتقل إﱃ التقسيم الثاﱐ تقسيم وجوه البيان‪ :‬الظاهر‪ ،‬والنص‪ ،‬واﳌفسر‪ ،‬واﶈكم‪ ،‬وما يقابله اﳋفي‬
‫واﳌشكل وا مل واﳌتشابه‪ ،‬ﻻنتقل بعده إﱃ القسم الرابع الذي هو دﻻلة اﻹشارة واﻻقتضاء والعبارة‪.‬‬

‫يقول –رﲪه اﷲ‪ -‬وهو يتحدث عن القسم الثاﱐ الذي هو معرفة وجوه البيان بذلك النظم‪ :‬والقسم‬
‫الثاﱐ أربعة أوجه أيضا الظاهر والنص واﳌفسر واﶈكم‪ .‬هذا الﱰتيب عند اﳊنفية هو من اﻷضعف إﱃ اﻷقوى‬
‫ومن اﻷدﱏ إﱃ اﻷعلى‪ ،‬هذا الﱰتيب‪ :‬ظاهر‪ ،‬نص‪ ،‬مفسر‪ ،‬ﳏكم‪ ،‬هو اﻻنتقال من اﻷضعف إﱃ اﻷقوى‪،‬‬
‫إذن أيهما أقوى عندهم دﻻلة الظاهر أو النص؟ النص‪ ،‬أيهما أقوى النص أم اﳌفسر؟ اﳌفسر‪ ،‬أيهما أقوى‬
‫اﳌفسر أم اﶈكم؟ اﶈكم‪ ،‬انظر للتفريق وأنت تﻼحظ أن اﳉمهور أقوى اﳌراتب هو النص‪ ،‬لكن عند اﳊنفية‬
‫هو الثالث ﰲ الﱰتيب يعﲏ فوقه مرتبتان‪ ،‬لكن طريقة التقسم ومأخذ التقسيم عندهم ﳐتلف‪.‬‬

‫قال –رحمه اﷲ‪ :-‬فإن الظاهر اسم لكل كﻼم ظهر المراد به للسامع بصيغته مثل قوله تعالى‪:‬‬
‫ﱢس ِاء{ ]النساء‪ ،[٣ :‬فإنه ظاهر في اﻹطﻼق ‪-‬يعﲏ إطﻼق اﻹذن‬ ‫ِ‬
‫اب لَ ُك ْم م َن الن َ‬
‫ِ‬
‫}فَانْك ُحوا َما طَ َ‬
‫َح ﱠل اللﱠهُ الْبَـ ْي َع{ ]البقرة‪- ،[٢٧٥ :‬ظاهر ﰲ إباحة البيع‪ -‬هذا ظاهر في‬
‫}وأ َ‬
‫واﻹباحة‪ -‬وقوله تعالى‪َ :‬‬
‫وضوحا على الظاهر بمعنى من المتكلم ﻻ في نفس الصيغة‪ ،‬مأخوذ من‬
‫ً‬ ‫اﻹحﻼل‪ ،‬وأما النص فما ازداد‬
‫سيرا فوق سيرها المعتاد‪ ،‬وسمي مجلس العروس‬
‫قولهم‪ :‬نصصت الدابة‪ .‬إذا استخرجت بتكلفك منها ً‬
‫ظهورا على سائر المجالس بفضل تكليف اتصل به‪ ،‬ومثاله‪ :‬قوله تعالى‪} :‬فَانْ ِك ُحوا َما‬
‫منصة ﻷنه ازداد ً‬

‫هذه اﳌادة مفرغة‪ ،‬وﱂ تُراجع على الشيخ‬


‫موضوعات أصولية )دﻻلة اللفظ عند الحنفية(‬ ‫‪٨‬‬

‫اع{ ]النساء‪- ،[٣ :‬فانكحوا ما طاب لكم قلنا‪ :‬ظاهر ﰲ‬ ‫ﱢس ِاء َمثْـنَى َوثُ َ‬
‫ﻼث َوُربَ َ‬
‫ِ‬
‫اب لَ ُك ْم م َن الن َ‬
‫طَ َ‬
‫اﻹباحة‪ -‬قال‪ :‬فإن هذا ظاهر في اﻹطﻼق نص في بيان العدد‪.‬‬

‫إذن اﻵية فيها دﻻلتان‪ :‬من حيث اﻹباحة هو ظاهر ظهر للسامع ﲟجرد الصيغة‪ ،‬لكن ﳌا قال‪:‬‬
‫وضوحا‪ .‬فهو مرتبة فوق الظاهر حدد العدد بصيغة ﻻ‬
‫ً‬ ‫اع{‪ ،‬ﲢديد العدد يقول هذا‪ :‬ازداد‬
‫ﻼث َوُربَ َ‬
‫} َمثْـ َﲎ َوثُ َ‬
‫ﲢتمل إﻻ البيان‪ ،‬فيعتﱪون النص أقوى من الظاهر‪.‬‬

‫قال‪ :‬فإن هذا ظاهر في اﻹطﻼق نص في بيان العدد؛ ﻷنه سبق الكﻼم للعدد وقُصد به‬
‫ظهورا على اﻷول بأن قصد به وسيق له‪.‬‬
‫فازداد ً‬
‫َح ﱠل اللﱠهُ الْبَـ ْي َع َو َح ﱠرَم ال ﱢربَا{ ]البقرة‪ ،[٢٧٥ :‬قلنا‪ :‬ظاهر‬
‫}وأ َ‬
‫مثال آخر‪ :‬قال‪ :‬ومثله قوله تعالى‪َ :‬‬
‫ﰲ جواز البيع‪ ،‬إذن نص التفريق بﲔ البيع والربا‪ ،‬قال‪ :‬فإنه ظاهر للتحليل والتحريم –ﲢليل البيع وﲢرﱘ‬
‫ﱠه ْم قَالُوا إِﱠﳕَا الْبَـْي ُع ِمثْ ُل الﱢربَا{‬ ‫ِ‬
‫ك بِأَنـ ُ‬
‫الربا‪ -‬نص للفصل من البيع والربا ﻷنه سيق الكﻼم ﻷجله – } َذل َ‬
‫]البقرة‪ .[٢٧٥ :‬اﳉملة اﻵتية رد على هذه التسوية‪ ،‬إذن الكﻼم سيق ابتداء ﻷي شيء؟ لبيان الفرق بﲔ‬
‫َح ﱠل اللﱠهُ الْبَـْي َع َو َحﱠرَم الﱢربَا{‪ ،‬استفدت شيئﲔ‪:‬‬
‫}وأ َ‬
‫البيع والربا وأ ما ليسا سواء‪ ،‬ﳌا قال‪َ :‬‬
‫الشيء اﻷول‪ :‬النص على ﲢليل البيع وﲢرﱘ الربا‪ ،‬يقول هذا ظاهر لكن ليس هو اﳌقصود اﻷول ﰲ‬
‫ردا على مزاعم العرب ﰲ التسوية بينهما‪ ،‬يقول‪:‬‬
‫اﳉملة القرآنية‪ ،‬اﳌقصود اﻷول هو التفريق بﲔ البيع والربا ً‬
‫فإن هذا نص للفصل بين البيع والربا؛ ﻷنه سيق الكﻼم ﻷجله فازداد وضوحا بمعنى من المتكلم ﻻ‬
‫بمعنى في صيغته‪.‬‬

‫اﻵن عرفت الظاهر والنص وﳘا متقاربان‪ ،‬لكن أيهما أقوى‪ :‬النص‪ ،‬قال‪ :‬وحكم اﻷول –الظاهر‪-‬‬
‫ثبوت ما انتظمه يقينًا وكذلك الثاني ‪ .‬يعﲏ كل من الظاهر والنص يثبت بيقﲔ ما دل عليه‪ ،‬قال‪ :‬إﻻ أن‬
‫هذا عند التعارض أولى منه‪ .‬ما هو؟ النص‪ ،‬وحكم اﻷول ثبوت ما انتظمه يقينًا وكذلك الثاﱐ‪ ،‬إذن التسوية‬
‫بينهما ﰲ اﳊكم لكن عند الﱰجيح‪ ،‬عند اﳌعارضة فإن دﻻلة النص عندهم أقوى من دﻻلة الظاهر‪.‬‬

‫هذه اﳌادة مفرغة‪ ،‬وﱂ تُراجع على الشيخ‬


‫‪٩‬‬ ‫فضيلة الشيخ‪ /‬حسن بن عبد الحميد بخاري‬

‫ننتقل اﻵن إﱃ الوجه الثالث وهو اﳌفسر‪:‬‬

‫ووضوحا‬
‫ً‬ ‫وضوحا على النص‪ .‬وﳍذا ﲰوه مفسر يعﲏ هو ازداد ً‬
‫تفسﲑا‬ ‫ً‬ ‫قال‪ :‬وأما المفسر فما ازداد‬
‫مجمﻼ فلحقه بيان قاطع فانسد به‬
‫ً‬ ‫على النص‪ ،‬قال‪ :‬سواء كان بمعنى في النص أو بغيره‪ ،‬بأن كان‬
‫عاما فلحقه ما انسد به باب التخصيص‪ .‬إذن يقول هو وصل لدرجة من الوضوح‪ ،‬وصل‬
‫التأويل أو كان ً‬
‫س َج َد ال َْمﻼئِ َكةُ‬
‫إﱃ اﳌنتهى وﻻ مزيد على البيان بعده‪ .‬قال‪ :‬مأخو ًذا مما ذكرنا‪ ،‬وذلك مثل قوله تعالى‪} :‬فَ َ‬
‫َج َمعُو َن{ ]الحجر‪ ،[٣٠ :‬فإن المﻼئكة جمع عام محتمل للتخصيص فانسد باب التخصيص‬ ‫ُكلﱡ ُه ْم أ ْ‬
‫َج َمعُو َن}‪ .‬يقول‪ :‬فهذا عندهم دﻻلة مفسر‬
‫بذكر الكل‪ ،‬وذكر الكل احتمل تأويل التفرق فقطعه بقوله‪{ :‬أ ْ‬
‫فهو أقوى يعﲏ وﱂ يدع بعد ذلك‪ ،‬يقول‪ :‬فسد باب التخصيص بذكر الكل‪ .‬يعﲏ قوله‪ُ } :‬كلﱡ ُه ْم{‪ ،‬وذكر‬
‫تأويﻼ احتمل أنه سجد اﳌﻼئكة كلهم لكن متفرقﲔ ﳎموعة بعد ﳎموعة‪ ،‬سجدت مﻼئكة‪ ،‬ﰒ‬
‫الكل احتمل ً‬
‫معا‪ ،‬قال‪ :‬وذكر الكل احتمل تأويل‬
‫َﲨَعُو َن{‪ ،‬أفاد سجود اﳉميع ً‬
‫سجدت دفعة أخرى‪ ،‬فلما جاء قوله‪} :‬أ ْ‬
‫قطعا بﻼ احتمال تخصيص وﻻ تأويل‬
‫مفسرا‪ ،‬وحكمه اﻹيجاب ً‬
‫َج َمعُو َن}‪ ،‬فصار ً‬
‫التفرق فقطع بقوله‪{ :‬أ ْ‬
‫تأويﻼ‪ ،‬لكن ﳛتمل شيئًا آخر وهو النسخ‪ ،‬فإذا كان‬
‫ﲣصيصا وﻻ ً‬
‫ً‬ ‫إﻻ أنه يحتمل النسخ والتبديل‪ .‬ﻻ ﳛتمل‬
‫تأويﻼ وﻻ‬
‫ﲣصيصا وﻻ ً‬
‫ً‬ ‫ﳛتمل النسخ تأﰐ اﳌرتبة الرابعة وهو اﶈكم الذي يزداد قوة على اﳌفسر بأنه ﻻ ﳛتمل‬
‫نسخا وﳍذا أصبح أقوى من اﳌفسر‪.‬‬
‫ً‬
‫يقول –رحمه اﷲ‪ :-‬فإذا ازداد قوة وأحكم المراد به عن احتمال النسخ والتبديل سمي‬
‫اب َوأُ َخ ُر ُمتَ َشابِ َه ٌ‬
‫ات{ ]آل‬ ‫ات ُه ﱠن أُ ﱡم ال ِ‬
‫ْكتَ ِ‬ ‫ات ُم ْح َك َم ٌ‬ ‫محكما من أحكام البناء قال اﷲ تعالى‪ِ :‬‬
‫}م ْنهُ آيَ ٌ‬ ‫ً‬
‫ٍ ِ‬ ‫ِ‬
‫يم{ ]اﻷنفال‪ .[٧٥ :‬فهذا ﻻ ﲣصيص فيه‪،‬‬ ‫عمران‪ ،[٧ :‬وذلك مثل قوله تعالى‪} :‬إِ ﱠن اللﱠهَ ب ُك ﱢل َش ْيء َعل ٌ‬
‫هل يستثﲎ من علم اﷲ شيء؟ ﻻ‪ .‬وﻻ يدخله تأويل‪ ،‬هل تقول‪ :‬ﻻ‪ ،‬اﳌراد شيء دون شيء؟ ﻻ‪ .‬هل يلحقه‬
‫نسخ أنه ﳝكن أن ينسخ هذه اﻵية ﰲ دﻻلتها شيء؟ فمثل هذا يسمى عندهم ﰲ الدﻻلة ﳏكم‪ ،‬فإذا قلت‪:‬‬
‫مفسرا؛ ﻷنه ما وصل إﱃ درجة‬
‫نصا‪ ،‬وأن يكون ً‬
‫ظاهرا‪ ،‬وأن يكون ً‬
‫ﳏكم باصطﻼح اﳊنفية لزم منه أن يكون ً‬
‫تأويﻼ‪ ،‬يلزم أن‬
‫اضحا ﰲ اﳌعﲎ‪ ،‬يلزم أن يكون غﲑ ﳏتمل ً‬
‫اﶈكم وإﻻ قد ﲡاوز هذا كله‪ ،‬يلزم أن يكون و ً‬

‫هذه اﳌادة مفرغة‪ ،‬وﱂ تُراجع على الشيخ‬


‫موضوعات أصولية )دﻻلة اللفظ عند الحنفية(‬ ‫‪١٠‬‬

‫ﳏكما وقد بلغ الغاية‪ ،‬هذه اﻷربع قلنا‪:‬‬


‫نصا‪ ،‬فيزداد قوة‪ ،‬وأن يساق الكﻼم ﻷجله‪ ،‬فيكون ً‬
‫يكون غﲑ ﳏتمل ً‬
‫يقابلها أربعة أخرى‪ ،‬أنا ﳌا قلت‪ :‬نص فظاهر فمفسر فمحكم‪ ،‬قلنا‪ :‬الﱰتيب من أدﱏ إﱃ أعلى‪ ،‬لكن‬
‫باعتبار الوضوح‪ ،‬وباعتبار اﳋفاء؟ تأتيك اﻷقسام اﻷربعة اﻷخرى‪ ،‬حﱴ الدﻻلة إذا خفيت ﰲ خفائها هي‬
‫درجات‪.‬‬

‫يقول –رحمه اﷲ‪ :-‬فالخفي اسم لكل ما اشتبه معناه وخفي مراده بعارض غير الصيغة ﻻ ينال‬
‫إﻻ بالطلب‪ ،‬وذلك مأخوذ من قولهم‪ :‬اختفى فﻼن‪ .‬أي استتر في مصره بحيلة عارضة من غير تبديل‬
‫في نفسه فصار ﻻ يدرك إﻻ بالطلب‪.‬‬

‫الم ْش ِكل‪ ،‬وهو الداخل في إشكاله وأمثاله‪ .‬قلنا‪ :‬اﳌشكل يقابل النص‪ ،‬النص قلنا‪ :‬ما ازداد‬
‫ثم ُ‬
‫وضوحا على الظاهر بأن سيق الكﻼم ﻷجله‪ ،‬يقول‪ :‬اﳌشكل ما دخل ﰲ أشكاله وأمثاله‪ .‬ﲟعﲎ أنه ﳛتمل‬ ‫ً‬
‫أكثر من معﲎ‪ .‬قال‪ :‬مثل قولهم‪ :‬أحرم‪ .‬ما معﲎ أحرم؟ أي دخل ﰲ اﻹحرام بأن نوى وتلبس بالنسك‪،‬‬
‫لكن يأﰐ أحرم ﲟعﲎ دخل ﰲ اﳊرم‪ ،‬دخل حدود اﳊرم تقول‪ :‬أحرم‪ .‬وإن ﱂ يكن ناويًا النسك‪ ،‬فأنا ﳌا‬
‫أقول‪ :‬أحرم‪ ،‬وأنوي به ﰲ اﳌعﲎ‪ ،‬أريد به ﰲ اﳌعﲎ أنه دخل حدود اﳊرم فقلت‪ :‬أحرم فﻼن‪ .‬اﳌتبادر إﱃ الفهم‬
‫ما هو؟ التلبس بالنسك‪ ،‬لكن أنا ما أردت هذا اﳌعﲎ‪ ،‬أردت أنه كان خارج اﳊرم فدخل‪ ،‬فقلت‪ :‬أحرم‪ .‬هذا‬
‫مشكﻼ‪ ،‬فأقول‪ :‬أشكل علي كﻼمك‪ .‬ﻷنه دخل ﰲ اشتباه وهو غﲑ متبادر‪ .‬قال‪:‬‬
‫ً‬ ‫اﻻستعمال يسمى عندهم‬
‫مثل قولهم‪ :‬أحرم‪ .‬أي دخل في الحرم‪ ،‬وأشتى‪ :‬أي دخل في الشتاء وهذا فوق اﻷول‪ .‬يعﲏ هو أعلى‬
‫درجة من اﳋفي‪ ،‬قلنا‪ :‬اﳋفي ﻻ ينال إﻻ بالسؤال والطلب‪ .‬قال‪ :‬وهذا فوق اﻷول ﻻ ينال بالطلب بل‬
‫بالتأمل بعد الطلب ليتميز عن إشكاله‪ ،‬وهذا لغموض في المعنى‪ ،‬أو ﻻستعارة بديعة وذلك يسمى‬
‫غريبًا مثل رجل اغترب عن وطنه فاختلط بأشكاله من الناس فصار خفيًا بمعنى زائد على اﻷول‪.‬‬

‫الذي يليه ا مل ويقابل اﳌفسر هناك‪ ،‬قال‪ :‬ثم المجمل‪ ،‬وهو ما ازدحمت فيه المعاني واشتبه‬
‫المراد اشتباها ﻻ يدرك بنفس العبارة بل بالرجوع إلى اﻻستفسار ثم الطلب ثم التأمل‪ .‬فيحتاج ً‬
‫جهدا‬
‫}و َح ﱠرَم ال ﱢربَا{ ]البقرة‪ ،[٢٧٥ :‬فإنه ﻻ يدرك بمعاني‬
‫أكﱪ هم يقسمونه هكذا‪ ،‬قال‪ :‬مثل قوله تعالى‪َ :‬‬

‫هذه اﳌادة مفرغة‪ ،‬وﱂ تُراجع على الشيخ‬

You might also like