Professional Documents
Culture Documents
دلالة الألفاظ عند الحنفية
دلالة الألفاظ عند الحنفية
﷽
كثﲑا طيبًا مبارًكا فيه ،والصﻼة والسﻼم على عبد اﷲ ورسوله سيدنا ونبينا ﳏمد وعلى
ﲪدا ً
اﳊمد ﷲ ً
آله وصحبه ومن واﻻه.
أما بعد.،
فﻼ يزال استعراضنا ﳍذه اﳌوضوعات اﻷصولية ﰲ كل لقاء انطﻼقًا من اﻹتيان على بعض اﻷبواب
واﳌسائل الﱵ ﱂ ينتظمها رسالة الشيخ ﳏمد بن صاﱀ العثيمﲔ –رﲪه اﷲ -قد تقدم ﰲ اللقاءين السابقﲔ
اﳊديث ﰲ أوﳍما :عن دﻻلة اﳌنطوق واﳌفهوم وأنواعها وشروطها ،وكان ﰲ الثاﱐ منهما :اﳊديث عما
تناولناه من اﻻحتجاج بعمل أهل اﳌدينة عند اﻹمام مالك –رﲪه اﷲ.-
أحببت أن يكون لقاء الليلة ودرسنا متعل ًقا ذا التقسيم عند اﳊنفية ،وعرض ما تناولوه ﰲ هذا
التقسيم؛ لسببﲔ اثنﲔ:
أوﳍما :أن هذا تقسيم معتﱪ ﰲ أصول اﳊنفية واﻻطﻼع عليه مفيد ومهم.
سنقرأ مواطن من تقسيم دﻻﻻت اﻷلفاظ واصطﻼحا ا واﳌعاﱐ اﳌرادة منها كما ساقه اﻹمام عبد
العزيز البخاري –رﲪه اﷲ -صاحب )كشف اﻷسرار( ،كتاب كشف اﻷسرار شرح فيه البخاري أصول فخر
اﻹسﻼم البزدوي ،وأصول البزدوي أو ما يسمى ﲟختصر البزدوي ﰲ أصول الفقه عند اﳊنفية هو أحد اﳌتون
جدا حﱴ جاء كتاب منار اﻷنوار
اﳌعتﱪة عند اﳌتقدمﲔ من اﳊنفية ،وﳍذا كثرت شروحه واعتﲎ به اﳊنفية ً
جدا ﰲ عبارته وتقسيمه ومضمونه ﻷصول فخر اﻹسﻼم البزدوي ،فلما جاء منار
لﻺمام النسفي وهو مقارب ً
أيضا عليه ،فهما متنان من اﳌتون اﳌختصرة
اﻷنوار عند اﳌتأخرين من اﳊنفية صار العمل عليه وإقبال الشراح ً
هي ﳏل عناية اﳊنفية وﳏل اعتبار كتب اﻷصول عندهم؛ أصول فخر اﻹسﻼم البزدوي ،وأصول اﳌنار
للنسفي –رحم اﷲ اﳉميع.-
وكتاب كشف اﻷسرار للبخاري هو شرح على أصول فخر اﻹسﻼم البزدوي ،وللتقييد فإن عند
اﳊنفية ﰲ كتب اﻷصول كتابان كل منهما يسمى كشف اﻷسرار ،وإذا قيل :كتاب كشف اﻷسرار ،أو عُزي
كﻼ من كشف اﻷسرار اﻷول والثاﱐ
أيضا وجه اﻹشكال أن ًإليه فﻼ بد من تقييد الكتاب ليُعلم اﳌراد به ،و ً
شرح على هذه اﳌتون اﳌختصرة اﳌعتمدة ،فكشف اﻷسرار اﻷول لعبد العزيز البخاري هو شرح على أصول
فخر اﻹسﻼم البزدوي ،وكشف اﻷسرار الثاﱐ هو شرح على منار اﻷنوار للنسفي ،وصاحبه اﻹمام النسفي
نفسه فإنه صنف اﳌنار ﰒ وضع عليه كشف اﻷسرار ﰲ شرح منار اﻷنوار ،فإذا قيل :كشف اﻷسرار ،فﻼ بد
أن يقيد فإما أن تقول :للبخاري ،أو للنسفي .فالذي سنقرأ منه هو كشف اﻷسرار للبخاري ،وبالتاﱄ هو
شرح على أصول فخر اﻹسﻼم للبزدوي –رحم اﷲ اﳉميع.-
ﰲ تقسيم الكﻼم ،أنا سأقرأ عبارة البزدوي دون التعرض ﳌا أورده الشارح عبد العزيز البخاري؛ ﻷنه
أقرب واﳌقصود اﻹتيان على التقسيم ،فانتبه معي كيف تعامل اﳊنفية مع دﻻﻻت اﻷلفاظ وكيف قسموها،
وﳍم فيه تقسيم بديع ومأخذ ﻻ يوجد مثله عند اﳉمهور.
يقول اﻹمام البزدوي –رحمه اﷲ :-وإنما تعرف أحكام الشرع بمعرفة أقسام النظم والمعنى.
شيء عندهم يسمونه النظم ،وشيء يسمونه اﳌعﲎ ،يقصدون بالنظم سياق اللفظ ﰲ النصوص
أيضا ﰲ اﳉملة يسمو ا النظم ،فيقسمون
الشرعية ﰲ الكتاب والسنة ،يعﲏ اﳉملة ﰲ سياقها والكلمة ً
التعامل مع النصوص الشرعية قسمﲔ :تعامل مع النظم ،وتعامل مع اﳌعﲎ.
يقول :وإنما تعرف أحكام الشرع بمعرفة أقسام النظم والمعنى .وما هي أقسام النظم واﳌعﲎ؟.
قال :وذلك أربعة أقسام فيما يرجع إلى معرفة أحكام الشرع :القسم اﻷول :في وجوه النظم
صيغة ولغة .والقسم الثاني :في وجوه البيان بذلك النظم .والقسم الثالث :في وجوه استعمال ذلك
النظم وجريانه في باب البيان.
يقول القسم اﻷول :ﰲ وجوه النظم صيغة ولغة .يعﲏ ما هي الصيغ الﱵ تأﰐ عليها النصوص
الشرعية من ناحية الصياغة واللغة فقط؟ ،يقسمو ا إﱃ أقسام سيأﰐ ذكرها ،لكن ﳌا يقسمون التعامل مع
النصوص الشرعية يقولون :القسم اﻷول :ﰲ وجوه النظم صيغة ولغة.
قال :والثاﱐ ﰲ وجوه البيان بذلك النظم .ﰲ وجوه البيان يعﲏ الطريقة الﱵ يقع ا البيان ذا النظم
والﱰكيب الذي حصل.
قال :والثالث ﰲ وجوه استعمال ذلك النظم وجريانه ﰲ باب البيان .كيف تستعمل ذلك البيان
بأقسامه ﻻستنباط اﳌعاﱐ.
قال :والرابع في معرفة وجوه الوقوف على المراد والمعاني على حسب الوسع واﻹمكان
وإصابة التوفيق.
قال :أما القسم اﻷول ،فأربعة أوجه الخاص ،والعام ،والمشترك ،والمؤول .هذا تقسيم مغاير
ﲤاما لطريقة اﳉمهور ،القسم اﻷول الذي هو ﰲ وجوه النظم صيغة ولغة يقول :أربعة أنواع :اﳋاص ،والعام،
ً
واﳌشﱰك ،واﳌؤول.
قال :والقسم الثاني أربعة أوجه أيضا الظاهر ،والنص ،والمفسر ،والمحكم .يشﱰك معك ها
هنا مصطلحان جاء مثلها عند اﳉمهور :النص ،والظاهر ،لكن اﳌعﲎ اﳌراد به هنا عندهم ﳜتلف عن اﳌعﲎ
اﳌراد عند اﳉمهور ،إذن القسم الثاﱐ ﰲ معرفة وجوه البيان بذلك النظم قال :أربعة أوجه :الظاهر ،والنص،
واﳌفسر ،واﶈكم.
قال :وإنما يتحقق معرفة هذه اﻷقسام بأربعة –الظاهر ،والنص ،واﳌفسر ،واﶈكم -أخرى في
مقابلتها –كل مصطلح يقابله مصطلح -وهي الخفي ،والمشكل ،والمجمل ،والمتشابه .أربعة مقابل
أربعة :اﳋفي واﳌشكل وا مل واﳌتشابه ،وستوزع اﻷربعة على اﻷربعة السابقة ،فاﳋفي ﰲ مقابل الظاهر،
واﳌشكل ﰲ مقابل النص ،وا مل ﰲ مقابل اﳌفسر ،واﳌتشابه ﰲ مقابل اﶈكم ،كل هذه اﻷربعة أوجه
واﻷربعة أوجه اﳌقابلة ﳍا هي أقسام وجوه البيان بذلك النظم.
نأﰐ للقسم الثالث الذي ﲰاه وجوه استعمال ذلك البيان وجريانه ﰲ باب البيان.
اﳊنفية فيقولون :العبارة ،اﻹشارة ،الدﻻلة ،اﻻقتضاء ،أو يقولون :دﻻلة اﻻقتضاء ،دﻻلة العبارة ،دﻻلة
اﻹشارة ،دﻻلة الدﻻلة .فهذه أربعة مصطلحات يقابلها شيء من اﻻصطﻼحات الﱵ مرت عند اﳉمهور كما
سيأﰐ التعريف اﻵن واﳌثال لكل واحد من هذه.
قال :وبعد معرفة هذه اﻷقسام قسم خامس ،وهو وجوه أربعة أيضا معرفة مواضعها ،ومعانيها،
وترتيبها ،وأحكامها.
صر في هذا اﻷصل ،بل يلزمه قال :وأصل الشرع هو الكتاب والسنة فﻼ يحل ﻷحد أن يُـ َق ﱢ
مفتقرا إلى اﷲ تعالى مستعينًا به راجيًا أن يوفقه بفضله.
محافظة النظم ومعرفة أقسامه ومعانيه ً
كﻼم رائع وهو مربط فرس اﳊقيقة لكل طالب علم يبتغي فهم اﳌراد عن اﷲ وعن رسول اﷲ صلى
اﷲ عليه وسلم ،هذا قمة الشرف أنت تتهيأ ذا العلم ﻷن تتبوأ ﳍذا اﳌنصب الشريف ،أن تكون امرءًا مكل ًفا
مسلما يعقل عن اﷲ مراده ومراد رسوله صلى اﷲ عليه وسلم ،وﳍذا هو قال لك اﳌسألة تتوقف على عاملﲔ
ً
اثنﲔ:
أحدﳘا :عنايتك ذا اﻷصل واهتمامك به ،ومعرفتك لتقسيمات النظم ،والدﻻلة على اﳌعاﱐ،
وكيف تتعامل معها؟.
وقد أصاب –رﲪه اﷲ ،-فلن يوفق عبد ﰲ مثل هذا اﳌطلب الشريف اﳉليل إﻻ ذين اﻻثنﲔ :أن
يأخذ اﳌسألة ﲝقها فيجد وﳚتهد ويتعب وينصب ﰲ إدراك العلم وﲢقيقه ،وأن يكون من اﳊذاق ،وأن يتقن
فيه ،وأن يﱪع ،والعامل اﻷول مقدم ومتابع وﻻحق وهو :توفيق اﷲ والتماس الفضل منه ﻻفتقاره إليه ودعاؤه
والتضرع إليه سبحانه وتعاﱃ أن يفتح على العبد؛ ﻷن هذا علم والعلم هبة يؤتيها اﷲ عز وجل وباب من
علما فحسب بل هو أشرف مراتب العلم ،وأجلى فضله يفتحه على من يشاء من عباده ،ﰒ هو ليس ً
مقاصده ،وأﲰى مراتبه ،أن يتبوأ طالب العلم هذه اﳌرتبة الشريفة ،إذن هو أحرى أن يكون من توفيق اﷲ عز
وجل وفضله على من يشاء من عباده.
هذا التقسيم الرباعي أنا سأﲡاوز فيه القسم اﻷول ﻵﰐ للثاﱐ والثالث أو الثالث والرابع على وجه
اﳋصوص؛ ﻷ ما ﳘا اﳌرادان ،يعﲏ سأﲡاوز القسم اﻷول وجوه النظم صيغة ولغة اﳋاص والعام واﳌشﱰك
واﳌؤول ،وسأنتقل إﱃ التقسيم الثاﱐ تقسيم وجوه البيان :الظاهر ،والنص ،واﳌفسر ،واﶈكم ،وما يقابله اﳋفي
واﳌشكل وا مل واﳌتشابه ،ﻻنتقل بعده إﱃ القسم الرابع الذي هو دﻻلة اﻹشارة واﻻقتضاء والعبارة.
يقول –رﲪه اﷲ -وهو يتحدث عن القسم الثاﱐ الذي هو معرفة وجوه البيان بذلك النظم :والقسم
الثاﱐ أربعة أوجه أيضا الظاهر والنص واﳌفسر واﶈكم .هذا الﱰتيب عند اﳊنفية هو من اﻷضعف إﱃ اﻷقوى
ومن اﻷدﱏ إﱃ اﻷعلى ،هذا الﱰتيب :ظاهر ،نص ،مفسر ،ﳏكم ،هو اﻻنتقال من اﻷضعف إﱃ اﻷقوى،
إذن أيهما أقوى عندهم دﻻلة الظاهر أو النص؟ النص ،أيهما أقوى النص أم اﳌفسر؟ اﳌفسر ،أيهما أقوى
اﳌفسر أم اﶈكم؟ اﶈكم ،انظر للتفريق وأنت تﻼحظ أن اﳉمهور أقوى اﳌراتب هو النص ،لكن عند اﳊنفية
هو الثالث ﰲ الﱰتيب يعﲏ فوقه مرتبتان ،لكن طريقة التقسم ومأخذ التقسيم عندهم ﳐتلف.
قال –رحمه اﷲ :-فإن الظاهر اسم لكل كﻼم ظهر المراد به للسامع بصيغته مثل قوله تعالى:
ﱢس ِاء{ ]النساء ،[٣ :فإنه ظاهر في اﻹطﻼق -يعﲏ إطﻼق اﻹذن ِ
اب لَ ُك ْم م َن الن َ
ِ
}فَانْك ُحوا َما طَ َ
َح ﱠل اللﱠهُ الْبَـ ْي َع{ ]البقرة- ،[٢٧٥ :ظاهر ﰲ إباحة البيع -هذا ظاهر في
}وأ َ
واﻹباحة -وقوله تعالىَ :
وضوحا على الظاهر بمعنى من المتكلم ﻻ في نفس الصيغة ،مأخوذ من
ً اﻹحﻼل ،وأما النص فما ازداد
سيرا فوق سيرها المعتاد ،وسمي مجلس العروس
قولهم :نصصت الدابة .إذا استخرجت بتكلفك منها ً
ظهورا على سائر المجالس بفضل تكليف اتصل به ،ومثاله :قوله تعالى} :فَانْ ِك ُحوا َما
منصة ﻷنه ازداد ً
اع{ ]النساء- ،[٣ :فانكحوا ما طاب لكم قلنا :ظاهر ﰲ ﱢس ِاء َمثْـنَى َوثُ َ
ﻼث َوُربَ َ
ِ
اب لَ ُك ْم م َن الن َ
طَ َ
اﻹباحة -قال :فإن هذا ظاهر في اﻹطﻼق نص في بيان العدد.
إذن اﻵية فيها دﻻلتان :من حيث اﻹباحة هو ظاهر ظهر للسامع ﲟجرد الصيغة ،لكن ﳌا قال:
وضوحا .فهو مرتبة فوق الظاهر حدد العدد بصيغة ﻻ
ً اع{ ،ﲢديد العدد يقول هذا :ازداد
ﻼث َوُربَ َ
} َمثْـ َﲎ َوثُ َ
ﲢتمل إﻻ البيان ،فيعتﱪون النص أقوى من الظاهر.
قال :فإن هذا ظاهر في اﻹطﻼق نص في بيان العدد؛ ﻷنه سبق الكﻼم للعدد وقُصد به
ظهورا على اﻷول بأن قصد به وسيق له.
فازداد ً
َح ﱠل اللﱠهُ الْبَـ ْي َع َو َح ﱠرَم ال ﱢربَا{ ]البقرة ،[٢٧٥ :قلنا :ظاهر
}وأ َ
مثال آخر :قال :ومثله قوله تعالىَ :
ﰲ جواز البيع ،إذن نص التفريق بﲔ البيع والربا ،قال :فإنه ظاهر للتحليل والتحريم –ﲢليل البيع وﲢرﱘ
ﱠه ْم قَالُوا إِﱠﳕَا الْبَـْي ُع ِمثْ ُل الﱢربَا{ ِ
ك بِأَنـ ُ
الربا -نص للفصل من البيع والربا ﻷنه سيق الكﻼم ﻷجله – } َذل َ
]البقرة .[٢٧٥ :اﳉملة اﻵتية رد على هذه التسوية ،إذن الكﻼم سيق ابتداء ﻷي شيء؟ لبيان الفرق بﲔ
َح ﱠل اللﱠهُ الْبَـْي َع َو َحﱠرَم الﱢربَا{ ،استفدت شيئﲔ:
}وأ َ
البيع والربا وأ ما ليسا سواء ،ﳌا قالَ :
الشيء اﻷول :النص على ﲢليل البيع وﲢرﱘ الربا ،يقول هذا ظاهر لكن ليس هو اﳌقصود اﻷول ﰲ
ردا على مزاعم العرب ﰲ التسوية بينهما ،يقول:
اﳉملة القرآنية ،اﳌقصود اﻷول هو التفريق بﲔ البيع والربا ً
فإن هذا نص للفصل بين البيع والربا؛ ﻷنه سيق الكﻼم ﻷجله فازداد وضوحا بمعنى من المتكلم ﻻ
بمعنى في صيغته.
اﻵن عرفت الظاهر والنص وﳘا متقاربان ،لكن أيهما أقوى :النص ،قال :وحكم اﻷول –الظاهر-
ثبوت ما انتظمه يقينًا وكذلك الثاني .يعﲏ كل من الظاهر والنص يثبت بيقﲔ ما دل عليه ،قال :إﻻ أن
هذا عند التعارض أولى منه .ما هو؟ النص ،وحكم اﻷول ثبوت ما انتظمه يقينًا وكذلك الثاﱐ ،إذن التسوية
بينهما ﰲ اﳊكم لكن عند الﱰجيح ،عند اﳌعارضة فإن دﻻلة النص عندهم أقوى من دﻻلة الظاهر.
ووضوحا
ً وضوحا على النص .وﳍذا ﲰوه مفسر يعﲏ هو ازداد ً
تفسﲑا ً قال :وأما المفسر فما ازداد
مجمﻼ فلحقه بيان قاطع فانسد به
ً على النص ،قال :سواء كان بمعنى في النص أو بغيره ،بأن كان
عاما فلحقه ما انسد به باب التخصيص .إذن يقول هو وصل لدرجة من الوضوح ،وصل
التأويل أو كان ً
س َج َد ال َْمﻼئِ َكةُ
إﱃ اﳌنتهى وﻻ مزيد على البيان بعده .قال :مأخو ًذا مما ذكرنا ،وذلك مثل قوله تعالى} :فَ َ
َج َمعُو َن{ ]الحجر ،[٣٠ :فإن المﻼئكة جمع عام محتمل للتخصيص فانسد باب التخصيص ُكلﱡ ُه ْم أ ْ
َج َمعُو َن} .يقول :فهذا عندهم دﻻلة مفسر
بذكر الكل ،وذكر الكل احتمل تأويل التفرق فقطعه بقوله{ :أ ْ
فهو أقوى يعﲏ وﱂ يدع بعد ذلك ،يقول :فسد باب التخصيص بذكر الكل .يعﲏ قولهُ } :كلﱡ ُه ْم{ ،وذكر
تأويﻼ احتمل أنه سجد اﳌﻼئكة كلهم لكن متفرقﲔ ﳎموعة بعد ﳎموعة ،سجدت مﻼئكة ،ﰒ
الكل احتمل ً
معا ،قال :وذكر الكل احتمل تأويل
َﲨَعُو َن{ ،أفاد سجود اﳉميع ً
سجدت دفعة أخرى ،فلما جاء قوله} :أ ْ
قطعا بﻼ احتمال تخصيص وﻻ تأويل
مفسرا ،وحكمه اﻹيجاب ً
َج َمعُو َن} ،فصار ً
التفرق فقطع بقوله{ :أ ْ
تأويﻼ ،لكن ﳛتمل شيئًا آخر وهو النسخ ،فإذا كان
ﲣصيصا وﻻ ً
ً إﻻ أنه يحتمل النسخ والتبديل .ﻻ ﳛتمل
تأويﻼ وﻻ
ﲣصيصا وﻻ ً
ً ﳛتمل النسخ تأﰐ اﳌرتبة الرابعة وهو اﶈكم الذي يزداد قوة على اﳌفسر بأنه ﻻ ﳛتمل
نسخا وﳍذا أصبح أقوى من اﳌفسر.
ً
يقول –رحمه اﷲ :-فإذا ازداد قوة وأحكم المراد به عن احتمال النسخ والتبديل سمي
اب َوأُ َخ ُر ُمتَ َشابِ َه ٌ
ات{ ]آل ات ُه ﱠن أُ ﱡم ال ِ
ْكتَ ِ ات ُم ْح َك َم ٌ محكما من أحكام البناء قال اﷲ تعالىِ :
}م ْنهُ آيَ ٌ ً
ٍ ِ ِ
يم{ ]اﻷنفال .[٧٥ :فهذا ﻻ ﲣصيص فيه، عمران ،[٧ :وذلك مثل قوله تعالى} :إِ ﱠن اللﱠهَ ب ُك ﱢل َش ْيء َعل ٌ
هل يستثﲎ من علم اﷲ شيء؟ ﻻ .وﻻ يدخله تأويل ،هل تقول :ﻻ ،اﳌراد شيء دون شيء؟ ﻻ .هل يلحقه
نسخ أنه ﳝكن أن ينسخ هذه اﻵية ﰲ دﻻلتها شيء؟ فمثل هذا يسمى عندهم ﰲ الدﻻلة ﳏكم ،فإذا قلت:
مفسرا؛ ﻷنه ما وصل إﱃ درجة
نصا ،وأن يكون ً
ظاهرا ،وأن يكون ً
ﳏكم باصطﻼح اﳊنفية لزم منه أن يكون ً
تأويﻼ ،يلزم أن
اضحا ﰲ اﳌعﲎ ،يلزم أن يكون غﲑ ﳏتمل ً
اﶈكم وإﻻ قد ﲡاوز هذا كله ،يلزم أن يكون و ً
يقول –رحمه اﷲ :-فالخفي اسم لكل ما اشتبه معناه وخفي مراده بعارض غير الصيغة ﻻ ينال
إﻻ بالطلب ،وذلك مأخوذ من قولهم :اختفى فﻼن .أي استتر في مصره بحيلة عارضة من غير تبديل
في نفسه فصار ﻻ يدرك إﻻ بالطلب.
الم ْش ِكل ،وهو الداخل في إشكاله وأمثاله .قلنا :اﳌشكل يقابل النص ،النص قلنا :ما ازداد
ثم ُ
وضوحا على الظاهر بأن سيق الكﻼم ﻷجله ،يقول :اﳌشكل ما دخل ﰲ أشكاله وأمثاله .ﲟعﲎ أنه ﳛتمل ً
أكثر من معﲎ .قال :مثل قولهم :أحرم .ما معﲎ أحرم؟ أي دخل ﰲ اﻹحرام بأن نوى وتلبس بالنسك،
لكن يأﰐ أحرم ﲟعﲎ دخل ﰲ اﳊرم ،دخل حدود اﳊرم تقول :أحرم .وإن ﱂ يكن ناويًا النسك ،فأنا ﳌا
أقول :أحرم ،وأنوي به ﰲ اﳌعﲎ ،أريد به ﰲ اﳌعﲎ أنه دخل حدود اﳊرم فقلت :أحرم فﻼن .اﳌتبادر إﱃ الفهم
ما هو؟ التلبس بالنسك ،لكن أنا ما أردت هذا اﳌعﲎ ،أردت أنه كان خارج اﳊرم فدخل ،فقلت :أحرم .هذا
مشكﻼ ،فأقول :أشكل علي كﻼمك .ﻷنه دخل ﰲ اشتباه وهو غﲑ متبادر .قال:
ً اﻻستعمال يسمى عندهم
مثل قولهم :أحرم .أي دخل في الحرم ،وأشتى :أي دخل في الشتاء وهذا فوق اﻷول .يعﲏ هو أعلى
درجة من اﳋفي ،قلنا :اﳋفي ﻻ ينال إﻻ بالسؤال والطلب .قال :وهذا فوق اﻷول ﻻ ينال بالطلب بل
بالتأمل بعد الطلب ليتميز عن إشكاله ،وهذا لغموض في المعنى ،أو ﻻستعارة بديعة وذلك يسمى
غريبًا مثل رجل اغترب عن وطنه فاختلط بأشكاله من الناس فصار خفيًا بمعنى زائد على اﻷول.
الذي يليه ا مل ويقابل اﳌفسر هناك ،قال :ثم المجمل ،وهو ما ازدحمت فيه المعاني واشتبه
المراد اشتباها ﻻ يدرك بنفس العبارة بل بالرجوع إلى اﻻستفسار ثم الطلب ثم التأمل .فيحتاج ً
جهدا
}و َح ﱠرَم ال ﱢربَا{ ]البقرة ،[٢٧٥ :فإنه ﻻ يدرك بمعاني
أكﱪ هم يقسمونه هكذا ،قال :مثل قوله تعالىَ :