Professional Documents
Culture Documents
أول الدين للوصول إلى اليقين
أول الدين للوصول إلى اليقين
ومن هذا ظهر لك تعامل النبي ( صلى اهللا علیه وآله ) مع مسلمة الفتح ،وهم
الطلقاء الذین أطلق سراحهم عند فتح مكة كأبي سفیان وهند ومعاویة وخالد
ابن الولید وغیرهم ،هم ممن ابطنوا الكفر والنفاق ،إإل أنه (صلى اهللا علیه
وآله ) كان یعاملهم على ظاهر االسالم كما عرفت ٠
وكل من األصول والفروع تسمي ثوابت على ما يصطلح علیه متأخرا ،
ویعني بالثابت ؛ هو كل مورد في الدین یشكل ضرورة غیر قابلة لإلجتهاد
والنظر ،فمثال ؛ لو أخذنا اإلمامة التي هي من االصول ،فإنها غیر قابلة
للتغیر والتنازل عنها ،لتواتر ثبوتها شرعا ،وضرورتها عقال ،فاإلجتهاد
في عدمها الیجدي نفعا ،بل یؤدي الى الفساد وإلغاء خط الهداية بعد
النبي ( صلى اهللا علیه وآله ) ،كما وقع فیه سائر المذاهب والفرق ٠
وعلى هذا ،فإن أشرف العلوم هو العلم الذي موضوعه ( اهللا ) تبارك
وتعالى ،مع مالحظة نسبة شرف اهللا تعالى على غیره لیست كنسبة البحار
الى القطرة ،وال كنسبة الشمس الى الذرة ،بل نسبة غیر المتناهي الى
المتناهي ٠
وبالنظر الدقیق فإن الفقیر بالذات الیمكن أن یكون طرفا في النسبة مع الغني
بالذات
ْ ْ " َو َع َن ِ ْ
ت الوُ جُوهُ لِل َحيِّ ال َقي ِ
ُّوم { " ٠٠٠طه }١١١ /
وثمرة علم الدین هو اإلیمان والعمل الصالح ،اللذان یترتب علیما السعادة في
" َمنْ َع ِم َل صالِحا ً ِمنْ َذ َك ٍر َأ ْو ُأ ْنثى َو ه َُو مُْؤ ِمنٌ َف َل ُنحْ ِي َي َّن ُه َحيا ًة َط ِّي َب ًة َو َل َنجْ ِز َي َّن ُه ْم
ون " َأجْ َر ُه ْم ِبَأحْ َس ِن ما كا ُنوا َيعْ َملُ َ
{النحل ( }٩٧ /انظر مقدمة في أصول الدین /آیة اهللا الوحید الخراساني )١١ /
باب :في بیان أصول الدین
التوحید :
وهذا هو األصل االول في الدین ،ویعني به اإلیمان بالخالق الواحد وهو اهللا
عزوجل ذكره ،ونفي الشریك عنه ٠
ووجه البحث في هذا األصل من وجوه متعددة ؛
منها :إثبات وجود اهللا عزوجل ،والبراهین على وجوده بعدد أنفاس الخالئق
،على أن البرهان على وجوده عزوجل یشترك في إدراكه وإستیعابه كل
ت ُر ُسلُ ُه ْم َأ فِي أنسان مهما كان مستواه في اإلدراك والثقافة ،قال عزوجل " قا َل ْ
وب ُك ْم َو ُيَؤ ِّخ َر ُك ْم ِإلى ت َو اَأْلرْ ِ
ض َي ْدعُو ُك ْم لِ َي ْغف َِر َل ُك ْم ِمنْ ُذ ُن ِ اللَّـ ِه َش ٌّ
ك فاطِ ِر السَّماوا ِ
َأ َج ٍل م َُس ًّمى ٠٠٠إلخ اآلیة " { إبراهیم }١٠ /
ومن البراهین الفطریة التي أشارات لها أیات عدیدة في القرآن الكریم
واألحادیث الشریفة ،هو برهان العلة والمعلول ،وهو موجود في جبلة
اإلنسان ،ویقرر هذا البرهان بهذا التقریب :
إن ما من موجود إال وله علة في إیجاده ،بدأ من الشئ الصغیر الى الشئ
الكبیر ،وكل شئ یحیط بنا وبغیرنا من الموجودات ،
فكل شخص منا یحتاج الى سبب في وجوده ،وسبب وجودنا هم األباء
واإلمهات وهكذا بالنسبة الى أبائنا وأمهاتنا البد من سبب في إیجادهم حتى
یصل األمر الى سبب لیس له سبب ،والسبب الذي لیس له سبب هو العلة
التامة في اإلیجاد وهو اهللا عزوجل ٠
واهللا واهب الوجود لمن كان في طور العدم ،وكل سبب دون اهللا عزوجل
هو علل ناقصة ،وهذه األسباب الناقصة وجودها وعدمها على حد سواء ،
نعم وهب الوجود لها مبدأ الوجود وهو اهللا عزوجل ٠قال هللا تعالى
ت ُأِلولِي اَأْل ْلبا ِ
ب اختِالفِ اللَّي ِْل َو ال َّن ِ
هار آَل يا ٍ ض َو ْ ت َو اَأْلرْ ِ" ِإنَّ فِي َخ ْل ِق السَّماوا ِ
ُون فِي َخ ْل ِق السَّماوا ِ
ت وب ِه ْم َو َي َت َف َّكر َ ِين َي ْذ ُكر َ
ُون هَّللا َ قِياما ً َو قُعُوداً َو َعلى ُج ُن ِ ،الَّذ َ
ار " ت هذا باطِ الً ُسبْحا َن َك َفقِنا َع َ
ذاب ال َّن ِ ض َربَّنا ما َخ َل ْق َ َو اَأْلرْ ِ
{آل عمران }١٩١- ١٩٠ /
وهتان اآلیتان تقرر هذا البرهان الذي یتم عند اإلنسان بأدنى تفكر ،فلو أن
أي شخص قرأ هذه اآلیات ونحوها ،لتفطن الى هذا البرهان النه منسجم مع
الفطرة البشریة والعقل السلیم ٠
وكل من هذین اإلعتذارین الیجدي نفعا ،فإن الغفلة هذه مذمومة ناشئة من
التقصیر والتعمد ،إذ الذي ینغمس بالملذات والشهوات والظلم بأشكاله ،
ویتعمد التقصیر في اإلدراك ویختار حیاة الجهل والتجاهل مما الشك یفوته
الكثیر من الواجبات تجاه خالقه عزوجل ،فتكون غفلته ناشئة من سوء
إختیاره في إخماد نور الفطرة في نفسه فتضعف حتى تكاد أن ینطفئ ذلك
النور نظیر الشمعة الملتهبة في الظالم ،فعند إنقطاع مادة الشمع تكاد تنطفئ
فلم یبقى منها اإل بصیص نور ضئیل ،فهكذا فطرة التوحید ،فإنها نور في
ظلمات النفس وظلمات هذه الدنیا الحالكة ،كلما تمادى اإلنسان بالمعاصي
وكبائر الذنوب ،ویتورط في الحرام والشبهات تضعف في نفسه نور الفطرة ،
فیصبح القلب مظلما بعد ما كان متوهجا ً ،فال یكاد یبصر الحقیقة ،بل الحقیقة
باطال ،والباطل حقائق ،فیصبح القلب معكوسا منكوسا ،معترضا
على اآلیات والدالئل الدال على اإلیمان وأهله ٠
ومثل هؤالء الغافلون ،قد طبع اهللا عزوجل على قلوبهم بإختیارهم ،فتصیر
هذه القلوب غیر قابله لتقبل األلطاف اإللهیة ،ومتصفة بصفة القساوة ،وهي
أعظم العقوبات التي یعاقب اهللا عزوجل عباده بها ٠
ومن هنا تجد أن الشریعة تحذر اإلنسان من اإلقتراب الى حریم المعاصي ،
فضال عن إرتكابها ،وحریم المعاصي إرتكاب المكروهات ،ویشهد لهذا
البیان أمران :
األول :الوجدان ،إذا الحظت في فصول التأریخ الماضي والمعاصر تجد إن
من یقع في مستنقع الكفر وإنكار اإلیمان هم الكثرة الكاثرة من صنف أهل
المعاص الكبیرة والظالمات العظیمة ٠
الثاني :األیات الكریمة ،واألحادیث الشریفة ٠
هناك آیات قرآنیة كثیرة تشیر الى خطورة تلوث الفطرة البشریة وقساوة القلوب ،
ت َمنْ َي َشِأ هَّللا ُ الظلُما ِص ٌّم َو ب ُْك ٌم فِي ُّ ِين َك َّذبُوا ِبآياتِنا ُ ومنها قوله تعالى َ " :و الَّذ َ
يُضْ ل ِْل ُه َو َمنْ َي َشْأ َيجْ َع ْل ُه َعلى صِ راطٍ مُسْ َتق ٍِيم ،قُ ْل َأ َرَأ ْي َت ُك ْم ِإنْ َأتا ُك ْم َعذابُ اللَّـ ِه َأ ْو
ِين َ ،و َل َق ْد َأرْ َس ْلنا ِإلى ُأ َم ٍم ِمنْ َق ْبل َِك ُون ِإنْ ُك ْن ُت ْم صا ِدق َ َّاع ُة َأ َغي َْر اللَّـ ِه َت ْدع َ
َأ َت ْت ُك ُم الس َ
ضرَّ عُوا ُون َ ،ف َل ْو ال ِإ ْذ جا َء ُه ْم َبْأسُنا َت َضرَّ ع َ َفَأ َخ ْذنا ُه ْم ِب ْال َبْأسا ِء َو الضَّرَّ ا ِء َل َعلَّ ُه ْم َي َت َ
ون َ ،ف َلمَّا َنسُوا ما ُذ ِّكرُوا ِب ِه ت قُلُو ُب ُه ْم َو َزي ََّن َل ُه ُم ال َّشيْطانُ ما كا ُنوا َيعْ َملُ َ َو ل ِكنْ َق َس ْ
ْواب ُك ِّل َشيْ ٍء َح َّتى ِإذا َف ِرحُوا ِبما ُأو ُتوا َأ َخ ْذنا ُه ْم َب ْغ َت ًة َفِإذا ُه ْم َف َتحْ نا َع َلي ِْه ْم َأب َ
ِين َظ َلمُوا َو ْال َحمْ ُد لِلَّـ ِه َربِّ ْالعا َلم َ
ِين " داب ُر ْال َق ْو ِم الَّذ َ ُون َ ،فقُطِ َع ُِم ْبلِس َ
{األنعام } ٤٥-٣٩ /
ففي هذه اآلیات سنة تأریخیة وقانون إلهي یجري في األمة التي وصمت بداء
القسوة الناشئ من المعاصي والذنوب ،وهذه السنة هي ؛ إن األمة التي
تكذب النبي یأخذها اهللا تعالى بعذاب البأساء ،وهو الضرر الداخلي الذي
یخلف لهم الحزن ،وأكل بعضهم بعض ،ویذیق بعضهم بأس بعض ،
ویأخذهم عزوجل أیضا بعذاب الضراء ،وهو الضرر الذي یداهمهم من
خارج األمة ،بأن یسلط اهللا تعالى علیهم أعداءهم ،فیذلوهم وینهبوا خیراتهم
ویتحكمون بإدارة بالدهم ونحو ذلك ،إال أن مقتضى هذا العذاب الذي یصیب
هكذا أمة یلزمها أن تتضرع الى اهللا تعالى لكشف العذاب عنها ،وخالصهم
من واقع البؤس والضرر المحیط بهم ،ألن فطرة اإلنسان تتعلق باهللا تعالى
حیث ال منجي غیره ٠
إال أن اآلیات القرآنیة تبین لنا حقیقة أخرى ،وهي أن قساوة القلوب تمنع
هكذا أمم من التضرع وطلب النجاة من اهللا عزوجل لتخلیصهم من واقعهم ،
أو أن هذه األمم فقدت الوسیلة الى اهللا عزوجل وهم الحجج ،
فتكون درن الذنوب والظالمات والمعاصي من أعظم الموانع التي تمنع من
نزول الرحمة على العباد واللطف بهم ،وهنا یدخلون في والیة الشیطان
فیزین لهم أعمالهم ،فیرون أعمالهم حسنة مع أنها سیئة ،وهذا هو اإلنقالب
الفطري القلبي المعكوس المنكوس ،الذي أشرنا له سابقا !٠
ثم إن اآلیة تستطرد بیان الفعل اإللهي في مثل هذه اإلمم ،إذ یبعث علیهم
عذاب من نوع آخر وهو اإلستدراج ،وهو عذاب خفي یحسبه الجاهل
رفاهیة في العیش وسعادة في الحیاة ،كما نالحظ ذلك في إنغرار جملة من
الشباب والناس بحضارة الشعوب الغربیة وبالد التي یكثر فیها المخالفین
ألهل البیت (علیهم السالم ) ،إذ یحسبون ذلك إستقرار في النظم بناءا صالح
قلوبهم ،وغاب عنهم أن هذا عذاب إلهي في باطنه وبمنظور القرآن الكریم ،
وعذاب اإلستدراج یكمن خطره في منع األمة العاصیة من األلطاف اإللهیة
النازلة على القلوب ،فتكون قلوب النواصب والكفار والعصاة أشد قساوة ،
وذلك من خالل ما یفتح اهللا تعالى لهم أبواب نعیم الدنیا " َف َلمَّا َنسُوا ما ُذ ِّكرُوا ِب ِه
ْواب ُك ِّل َشيْ ٍء َح َّتى ِإذا َف ِرحُوا ِبما ُأو ُتوا َأ َخ ْذنا ُه ْم َب ْغ َت ًة َفِإذا ُه ْم َف َتحْ نا َع َلي ِْه ْم َأب َ
ُون " ٠ ُم ْبلِس َ
ُون " وهنا إشارة لطیفة تشیر لها ذیل األیة وهي قوله " َأ َخ ْذنا ُه ْم َب ْغ َت ًة َفِإذا ُه ْم ُم ْبلِس َ
،إن العذاب لمثل هذه األمم لم یأتي إلیها بمقدمات تنذرهم بنزوله ،
بل یأتي إلیهم فجئة یباغتهم اهللا تعالى به ،وعند المباغتة یفرون حیث ال
مأوى لهم ،وهو معنى قوله مبلسون ٠
وعذاب اإلستدراج هو من نوع إمالء ،فیقال :أملیته فإمتأل ،قال عزوجل :
ِين َك َفرُوا َأ َّنما ُنمْ لِي َل ُه ْم َخ ْي ٌر َأِل ْنفُسِ ِه ْم ِإ َّنما ُنمْ لِي َل ُه ْم لِ َي ْزدا ُدوا ِإ ْثما ً
" َو ال َيحْ َس َبنَّ الَّذ َ
َو َل ُه ْم َعذابٌ م ُِهينٌ " ٠
{آل عمران }١٧٨ /
أحادیث المقام :
روى الكلیني بسنده عن أبي عبد اهللا ( علیه السالم ) قال :
" كان أبي یقول ؛ ما من شئ أفسد للقلب من خطیئة ،إن القلب لیواقع
الخطیئة فما تزال به حتى تغلب علیه فیصیر أعاله أسفله "
{ الكافي / ٢٦٨ / ٢ /باب الذنوب /ح} ١
ویعني ؛ إن حالوة الخطیئة تؤثر في القلب حتى تجعله یرى الحق باطال
والباطل حقا ،إلن مصیر الذنوب العاقبة السیئة لمرتكبها ،أعاذنا
اهللا تعالى منها ٠
وأیضا روى بسنده عن أبي بصیر قال :سمعت أبا عبدهللا ( علیه السالم )
یقول ":إذا أذنب الرجل خرج من قلبه نكتة سوداء ،فإن تاب انمحت ،وإن
زاد زادت حتى تغلب على قلبه فال یفلح بعدها أبدا " ٠
{ نفس المصدر /ح } ١٣
وروى بسنده ایضا عن زرارة عن أبي جعفر ( علیه السالم ) قال ":ما من
عبد إال وفي قلبه نكتة بیضاء ،فإذا أذنب ذنبا خرج في النكتة نكتة سوداء ،
فإن تاب ذهب ذلك السواد ،وإن تمادى في الذنوب زاد ذلك السواد حتى
یغطي البیاض فإذا غطى البیاض لم یرجع صاحبه الى خیر أبدا ،وهو قول
ران َعلى قُلُ ِ
وب ِه ْم ما كا ُنوا َي ْكسِ ب َ
ُون " ٠ اهللا عزوجل " َكالَّ َب ْل َ
{ نفس المصدر /ح } ٢٠
ورى بسنده أیضا عن عرفة عن أبي الحسن ( علیه السالم ) قال ":مهالً مهالً
عباد اهللا عن معاصي اهللا ،فلوال بهائم رتع ،وصبیة رضع ،وشیوخ ركع
لصب علیكم العذاب صبا ترضون به رضا " ٠
{ نفس المصدر /ح} ٣١
وهنا المراد من الرض ؛ هو الدق والجریش ٠
وروى بسنده أیضا عن سدیر قال ؛ سأل رجل أبا عبدهللا ( علیه السالم ) عن
فارنا َو َظ َلمُوا َأ ْنفُ َس ُه ْم ٠٠٠اآلیة ، َأ
قول اهللا عزوجل ؛ " َفقالُوا َربَّنا باعِ ْد َبي َْن سْ ِ
فقال " :هؤالء قوم كانت لهم قرى متصلة ینظر بعضهم الى بعض وأنهار
جاریة وأموال ظاهرة فكفروا نعم اهللا عزوجل وغیروا ما بأنفسهم من عافیة
فغیر اهللا ما بهم من نعمة ،وإن اهللا الیغیر مابقوم حتى یغیروا ما بأنفسهم ،
فأرسل اهللا علیهم سیل العرم فغرق قراهم وخرب دیارهم وأذهب أموالهم ،
وأبدلهم مكان جناتهم جنتین ذواتي أكل خمر وأثل ،وشئ من سدر قلیل ،ثم
ور" " ٠ جازي ِإالَّ ْال َكفُ َ قال " ذل َِك َج َزيْنا ُه ْم ِبما َك َفرُوا َو َه ْل ُن ِ
{ نفس المصدر /ح}٢٣
وروى بسنده أیضا عن ابن مسكان عن أبي عبداهللا ( علیه السالم ) قال ؛ "
قال :أمیر المؤمنین ( صلوات اهللا علیه ) ما من عبد إال وعلیه أربعون جنة
حتى یعمل أربعین كبیرة ،فإذا عمل أربعین كبیرة انكشف عنه الجنن ،
فیوحي اهللا إلیهم أن أستروا عبدي بأجنحتكم ،فتستره المالئكة بأجنحتها ،قال
؛ فما یدع شیئا من القبیح إال قارفه حتى یمتدح الى الناس بفعله القبیح ،
فیقول المالئكة ؛ یارب ،هذا عبدك ما یدع شیئا إال ركبه وإنا لنستحي مما
یصنع ،فیوحي اهللا عزوجل إلیهم أن أرفعوا أجنحتكم عنه ،فإذا فعل ذلك
أخذ في بغضنا أهل البیت ،فعند ذلك ینهتك ستره في السماء وستره في
األرض ،فیقول المالئكة :یارب ،هذا عبدك قد بقي مهتوك الستر فیوحي
اهللا عزوجل إلیهم ؛ لو كانت هللا فیه حاجة ما أمركم أن ترفعوا أجنحتكم عنه " ٠
{الكافي /٢/باب الكبائر /ح }٩
فقال المؤمن الذي آمن على یدي أبي عبداهللا ( علیه السالم ) أجعلني من
تالمذتك ،فقال أبو عبداهللا :یاهشام بن الحكم ،خذه إلیك وعلمه ،فعلمه
هشام ،فكان معلم أهل الشام وأهل مصر اإلیمان ،وحسنت طهارته حتى
رضي بها أبو عبداهللا { ٠الكافي / ٧٤/ ١/باب حدوث العالم /ح }١
تعلیق وتوضیح :
الزندیق :كلمة فارسیة األصل -زنده كرد أو زندي أي أو زنده ، -إستعملها
العرب في كالمهم ،ومعناها الملحد الدهري الذي یقول ببقاء الدهرالذي الیؤمن
بوحدانیة الخالق عزوجل وال باآلخرة ،والزندقة تعني الضیق أیضا
،ومنه الزندیق ،النه ضیق على نفسه ٠
{ أنظر شرح الشافیة /ابن الحاجب } ١٨٦ / ٢ /
وفي زماننا هذا یسمى الزندیق بالملحد ،واإللحاد ؛ هو المیل عن القصد ،
ویأتي بمعنى اإلعتراض ،والزم اإللحاد هو الظلم وقد فسر به أیضا ٠
{ أنظر لسان العرب } ٣٨٩ / ٣ /
والدهریة ؛ هم المالحدة القائلون بمبدئیة الدهر للكائنات وهم القائلون مایهلكنا
إال الدهر ،وهم یساوقون الطبیعین في زماننا هذا من هذه الجهة ،القائلون
بأن الذي أوجد األشیاء الطبیعة المنكرون لأللوهیة ٠
وهؤالء دعواهم تقوم على أساس اإلنكار ولیس اإلثبات ٠
ثمت أن اإلنكار ودعوى اإلثبات كل منها التقبل بنظر العقل إال بعد إقامة
البرهان القائم على مقدمات مسلمة ،لكي ینتهین الى نتیجة قطعیة ولیست
ظنیة إحتمالیة ٠
وهؤالء المالحدة دعواهم قائمة على إنكار وجود الخالق عزوجل ،فال بد من
إقامة برهان على هذه الدعوى ،وإقامة الدعوى على ذلك مستحیل عقال
ووقوعا بأشد اإلستحالة ،وذلك :
إن الذي یدعي عدم وجود الشئ البد أن یبحث بنفسه عن ذلك الشئ لكي
یصل الى نتیجة عدم وجوده ،وهذا أمر بدیهي ٠
ومدعي عدم وجود الخالق عزوجل لم یفتش عن وجوده بین الموجودات من
أرضین وسماوات ،وأنى له ذلك ! ،فكیف ینفي وجوده ؟! ،ومجرد الظن
بذلك هو جهل ومكابرة ،ال یركن إلیها عاقل سلیم ،نظیر مایقال :لشخص
محبوس في حجرة ،هل یوجد أسد في البلد ؟ فیقول ؛ ال ،بدون علم وتفحص ٠
فهكذا هو حال المنكرین ،على أن اهللا عزوجل هو شئ ال كاألشیاء فال هو
بجوهر والهو بعرض وال هو بجسم ،ولم یكیف بكیف ،والهو كائن بمكان
،وال یؤین بزمان ،بل هو خالق الجواهر واألعراض واألجسام وواجد
الكیف والمكان والزمان ،والتدركه األبصار وهو یدركها ،وهو المحیط
بكل شئ ،وهو العلیم الحكیم ٠
ثم ألفت موالنا الصادق ( علیه السالم ) هذا الرجل الى نظام الكون من
الشمس والقمر ،واللیل والنهار یسیر كل منهما وفق نظام مدبر لهما ،ال
كیفما إتفقا ولیس هما من المصادفة ،إذ لو كانا من الصدفة لكان التخلف فیها
الزم ،بأن یكون مكان النهار ظالم اللیل ومكان اللیل نور النهار حیث ال لیل
منسلخ من النهار ،وال نهار منسلخ من اللیل ،وهكذا في وضع السماء في
إرتفاعها ،ووضع االرض في إنبساطها ،وتقدیر نظامهما بحیث ال تسقط
السماء على األرض ،وال األرض تنحدر فوق طبقاتها ویختل نظام الجاذبیة
فتنعدم الحیاة علیها ٠
وبهذا أرشد موالنا الصادق ( علیه السالم ) الرجل ،وبین له إن جمیع أجزاء
العالم من العلویات والسفلیات وإرتباط بعضها ببعض وتالزمها في غایة
اإلحكام وإالتقان ،ال یتم إال بوجود خالق لها ،وهو اهللا عزوجل ٠
ثم إن اهللا تعالى دل عباده إلیه ،وأرشدهم الى التأمل والتفكر والنظر في
عالماته وآیاته ومخلوقاته وأنفسهم بما یحصل لهم الیقین به تعالى ،الذي
یحتج به علیهم یوم المعاد ،معززا ببعث الرسل واألنبیاء ،لتنبیه الناس
لفطرتهم المودعة في نفوسهم ،فكانت طریقة ومنهجیة األنبیاء
واألوصیاء ( علیهم السالم ) على غرار منهجیة هدایة اهللا في خلقه لعباده ،فكل
هذه المخلوقات آیات هدایة البشریة لعبادة خالقها وهو اهللا تعالى ،وهنا یتجلى لك
ما جاء في الدعاء " : ٠یامن دل على ذاته بذاته "
ض َو مات َو اَأْلرْ َقال عزوجل َ ":أ َو َل ْم َي َت َف َّكرُوا فِي َأ ْنفُسِ ِه ْم ما َخ َل َق هَّللا ُ السَّماوا ِ
َب ْي َنهُما ِإالَّ ِب ْال َح ِّق َو َأ َج ٍل م َُس ًّمى َو ِإنَّ َكثِيراً م َِن ال َّن ِ
اس ِبلِقا ِء َرب ِِّه ْم َلكا ِفر َ
ُون " ٠
{الروم }٨ /
برهان وجوده سبحانه وتعالى یدل على تنزهه عن مخلوقات:
إن البرهان على وجود الخالق بوجود المخلوقات ،یتضمن برهان آخر على
وجدوه عزوجل أیضا یفطن إلیه من تأمله من المؤمنین ،وقد أشرنا إلیه
بدعاء أمیر المؤمنین ( علیه السالم ) " :یامن دل على ذاته بذاته " ٠
روى الكلیني بسنده عن محمد بن عبداهللا الخراساني خادم
الرضا ( علیه السالم ) ،قال الكليني :دخل رجل من الزنادقة على
أبي الحسن ( علیه السالم )
وعنده جماعة ،فقال أبو الحسن (علیه السالم ) ؛
أیها الرجل ،أرأیت إن كان القول قولكم -ولیس هو كما تقولون -ألسنا
وإیاكم شرعا سواء ،الیضرنا ما صلینا وزكینا وأقررنا ؟ ،فسكت الرجل ٠
ثم قال أبو الحسن ( علیه السالم ) ؛ وإن كان القول -وهو قولنا -ألستم قد
هلكتم ونجونا ؟ ،فقال رحمك اهللا ،أوجدني ( أي أظفرني ) كیف هو وأین هو ؟
فقال ؛ ویلك ،إن الذي ذهبت إلیه غلط ،هو أین األین بال أین ،وكیف
الكیف بال كیف فال یعرف بالكیفوفیة وال بأینونیة والیدرك بحاسة وال یقاس
بشئ ٠
فقال الرجل :فإذا أنه الشئ إذا لم یدرك بحاسة من الحواس ؟
فقال أبو الحسن (علیه السالم ) :ویلك ،لما عجزت حواسنا عن إدراكه أیقنا
أنه ربنا بخالف شئ من األشیاء ٠
قال الرجل ؛ أخبرني متى هو ؟
قال أبو الحسن (علیه السالم )؛ أخبرني متى لم یكن فأخبرك متى كان ٠
قال الرجل ؛ فما الدلیل علیه ؟
فقال أبو الحسن (علیه السالم ) :إني لما نظرت الى جسدي ولم یمكني فیه
زیادة وال نقصان في العرض والطول ودفع المكاره عنه وجر المنعة إلیه ،
علمت أن لهذا البنیان بانیا ،فأقررت به مع ما أرى من دوران الفلك بقدرته
وإنشاء السحاب وتصریف الریاح ومجرى الشمس والقمر والنجوم وغیر
ذلك من اآلیات العجیبات المبنیات علمت أن لهذا مقدرا ومنشئا ٠
{ الكافي / ٧٩ /١/التوحید /ح } ٣
تعلیق وتوضیح :
نالحظ في هذا النص اإلستدراج من قبل االمام ( علیه السالم ) في خصومة
الرجل ،وذلك ؛
أوال :ألفت االمام الرجل الى أن دعوى إنكار الخالق بنفسها التجدي نفعا
لمدعیها ،النه الیؤمن المنكر بالمعاد وال العقاب والثواب ،فالعبادات على
رأي المنكر فعلت أو لم تفعل ال تضر بزعم المنكر ،النه لم یؤمن بالخالق
والمعاد ٠
وأما بناءا على دعوى المؤمن ،فإن المنكر یكون من أشد الهالكین ،إذ لم
یأت بما أتى المؤمن من إیمان وأعمال ،النه یؤمن بالخالق والمعاد إلیه ٠
ثانیا :إن االمام ( علیه السالم ) عند إجابة الرجل شرع في بیان برهان
وجوده وتنزهه یسمى باإلصطالح ببرهان الصدیقین ،القائم على تنزیه
الخالق عزوجل عن كل شائبة نقص ،إذ كل موجود من الموجودات وكل أیة
من هذه األیات من أجسام وأجرام وأفالك وما فیهن وما فوقهن وما تحتهن
مفتقر الى وجوده وفیضه عزوجل ،فوجوداتها بالعرض ،فهو المفیض
علیها الوجود والقدرة ،فدل على أن لها خالقا وجوده بذاته لیس مفتقر
بوجوده ٠
وبهذا ظهر لك -كما في الروایة -إنتقال االمام (علیه السالم ) في البرهان
على وجود اهللا عزوجل منزها عما یحده من المكان والزمان والكیف وإدراك
الحواس ومشابهة األشیاء ،إذ كل ذلك یدلك أن لهذا الخلق خالقا منزه عما
خلقه ٠
فهذا البرهان قائم على اإلنتقال من الزم من لوازم الموجودات الى الزم أخر
،فیكون الموجود برهان على الموجود بذاته المنزه عن مجانسة مخلوقاته ٠
روى الكلیني بسنده عن الفضل بن السكن عن أبي عبداهللا ( علیه السالم )
قال " :قال أمیر المؤمنین ( علیه السالم ) :أعرفوا اهللا باهللا ،والرسول
بالرسول ٠٠٠الى أن قال (علیه السالم ) :ومعنى معرقة اهللا باهللا ،یعني أن
اهللا خلق األشخاص واألنوار والجواهر واألعیان ،فاالعیان ؛ االبدان ،
والجواهر ؛ األرواح ،وهو عزوجل الیشبه جسما والروحا ولیس ألحد في
خلق الروح الحساس الدراك أمر والسبب ،هو المتفرد بخلق األرواح
واألجسام ،فإذا نفى عنه الشبهین ؛ شبه األبدان وشبه األرواح ،فقد عرف
اهللا باهللا ،وإذا شبهه بالروح أو البدن أو النور فلم یعرف اهللا باهللا " ٠
{ الكافي / ٨٥/ ١ /باب أنه الیعرف إال به /ح} ١
تذكیر ؛
فقد روى من كالمه عزوجل لعباده أنه قال ":ابن آدم بمشیئتي كنت ،أنت
الذي تشاء لنفسك وبقوتي أدیت فرائضي ،وبنعمتي قویت على معصیتي ،
جعلتك سمیعا بصریا ً قویا ،ما أصابك من حسنة فمن اهللا ،وما أصابك من
سیئة فمن نفسك ،وذلك أني أولى بحسناتك منك وأنت أولى بسیئاتك مني ،
إنني ال أسأل عما أفعل وهم یسألون ،قد نظمت لك كل شئ ترید " ٠
{ انظر كتاب كلمة اهللا } ٣٦ /
وقال عزوجل في حدیث آخر " :عبدي خلقت األشیاء ألجلك ،وخلقتك
ألجلي وهبتك الدنیا باإلحسان ،واآلخرة باإلیمان " ٠
وقال عزوجل في حدیث أیضا :
" یاعبادي ،إني لم أخلق الخلق ألستكثر بهم من قلة ،وال آلنس بهم من
وحشة ،وال ألستعین بهم على شئ عجزت عنه ،وال لجر منفعة ،وال لدفع
مضرة ،ولو أن جمیع خلقي من أهل السماوات واألرض أجتمعوا على
طاعتي وعبادتي الیفترون عن ذلك لیال ونهارا ،مازاد في ملكي شئ ،سبحاني
وتعاليت عن ذلك " { ٠نفس المصدر }١٦٩ /
وأما الثاني ؛ وأما لو فرض أحدهما ضعیفا ،لكان الضعیف محتاجا ومفتقرا
،وهذه صفة الممكن المخلوق المفتقر بذاته ،العدیم لوجود الصفة ٠
ومن خالل هذا ظهر لك وضوح فساد الفرض الثالث أیضا ٠
روى الكلیني بسنده عن هشام بن الحكم في حدیث الزندیق الذي أتى اباعبداهللا
(علیه السالم ) وكان من قول أبي عبداهللا ( علیه السالم ) ":ال یخلو قولك
أنهما إثنان ؛ من أن یكونا قدیمین قویین أو یكونا ضعیفین أو یكون أحدهما
قویا واآلخر ضعیفا ،فإن كانا قویین فلم ال یدفع كل واحد منهما صاحبه
ویتفرد بالتدبیر ،وإن زعمت أن أحدهما قوي واآلخر ضعیف ثبت أنه واحد
كما نقول للعجز الظاهر في الثاني ،فإن قلت ،إنهما إثنان لم یخل من أن
یكونا متفقین من كل جهة أو مفترقین من كل جهة فلما رأینا الخلق منتظما ،
والفلك جاریا والتدبیر واحدا واللیل والنهار والشمس والقمر دل صحة األمر
والتدبیر وإئتالف األمر على أن المدبر واحد ،ثم یلزمك إن أدعیت أثنین
فرجة ( أي ممیز فاصل ) ما بینهما حتى یكونا اثنین فصارت الفرجة ثالثا
بینهما قدیما معهما فیلزمه ثالثة ،فإن أدعیت ثالثة لزمة ما قلت في اإلثنین
حتى تكون بینهم فرجة فیكونوا خمسة ثم یتناهى في العدد الى ما ال نهایة له
في الكثرة ٠
قال هشام :فكان من سؤال الزندیق ،أن قال :فما الدلیل علیه ؟
فقال أبو عبداهللا ( علیه السالم ) :وجود األفاعیل دلت على أن صانعا
صنعها ،أال ترى أنك إذا نظرت الى بناء مشید مبني علمت أن له بانیا ،وإن
كنت لم ترى الباني ولم تشاهده ٠
قال :فما هو ؟
قال ( علیه السالم ) :شئ بخالف األشیاء ارجع بقولي الى إثبات معنى وأنه
شئ بحقیقة الشیئیة غیر أنه ال جسم وال صورة وال یحس وال یجس وال
یدرك بالحواس الخمس ،
ال تدركه األوهام وال تنقصه الدهور
وال تغیره األزمان " ٠
{ الكافي / ٨١ /١ /التوحيد /ح } ٥
ِيهما آلِ َه ٌة ِإالَّ هَّللا ُ َل َف َسدَ تا َف ُسب َ
ْحان ومن خالل ذلك یتضح لك قوله تعالى َ " :ل ْو َ
كان ف ِ
ون " { ٠األنبیاء } ٢٢ / اللَّـ ِه َربِّ ْال َعرْ ِ
ش َعمَّا يَصِ فُ َ
ومن هذا یتبین ؛ إن األسماء والصفات مضافة الى اهللا عزوجل بإضافة ما ٠
ولتقریب الصورة یقال؛ إن ما حكاه القرآن الكریم عن وصف الجنان ونعیمها ،
فإنها تولد في ذهن القارئ صورة لهذه الجنان ،وهذه الصورة تشوق العبد الى
الطمع بهذا النعیم ،فیتحرك نحو التكامل ٠
إال أن هذه الصورة الذهنیة لیست هي نفس النعیم والجنان ،الن الجنة ونعیمها
فیها ما الیدركه العقل البشري ،ما ال عین رأت وال أذن سمعت وال خطر على
قلب بشر ٠
فهنا یالحظ أن ثمت فارق بین ما یخلقه ذهن العبد وبین النعیم الموعود به في
اآلخرة ،فتكون الصفة في الذهن غیر الموصوف ،إال أن هذه الصورة فیما لو
آمن بها العبد سوف تؤدي به الى التكامل فیما سار على السنن والقوانین
الصحیحة ٠
والذي یدل على ماحكیناه ،ما رواه الصدوق بسنده عن الحسین بن سعید الخزاز
عن رجاله عن أبي عبداهللا (علیه السالم ) قال " :اهللا غایة من غیاه ،والمغیى
غیر الغایة ،توحد بالربوبیة ،ووصف نفسه بغیر محدودیة ٠
فالذاكر اهللا غیر اهللا ،واهللا غیر أسمائه ،وكل شئ وقع علیه أسم شئ سواه فهو
مخلوق ٠
أال ترى الى قوله ؛ " العزة هلل ،العظمة هلل "
وقال ؛" وهلل األسماء الحسنى فأدعوه بها " ،وقال ؛ " قل أدعوا اهللا أو أدعوا
الرحمن أیا ما تدعوا فله األسماء الحسنى " ،فاألسماء مضافة إلیه ،وهو التوحید
الخالص " { ٠كتاب التوحید /الصدوق / ٥٨ /ط /جماعة المدرسین }
تقریب لبعض مفردات الحدیث :
قوله (علیه السالم ) ؛ (الغایة غیر المغیى ) ،اهللا عزوجل هو الغایة ،یصح أن
یجعله االنسان غایة لسلوكه ،والمغیى ؛ ما وقع في الذهن ،وهي غیر اهللا
عزوجل ٠
قوله (علیه السالم ) ؛ (فالذاكر اهللا غیر اهللا ) ،اي ماتصورته في ذهنك لیس هو
هو ،فال تدركه األوهام ٠
وإضافة االسماء ؛ هو نحو إضافة ،والمضاف یأخذ حكم المضاف إلیه ،فتكتسب
االسماء قداستها من المضاف إلیه ،فكل أسم أضیف الى اهللا تعالى أكتسب صفة
الكمال والقداسة والشرافة ،فتأمل ٠
ومنه یتضح لك ،أن النبي وأهل بیته (علیهم السالم ) هم مظهر لصفات اهللا
عزوجل ،فقدرتهم منه وعلمهم منه ،فأحیائهم للموتى وشفائهم للمرضى
وإبرائهم لألكمه واألبرص وأنطواء االرض لهم ،وأخبارهم بالمغیبات وغیر
ذلك ،إنما هي صفاته عزوجل تجلت فیهم ،فمن هنا أصبحت معرفتهم باب
لمعرفة اهللا تعالى ( من أراد اهللا بدأ بكم ) ٠
فالتوجه المأمورون به العباد إنما من خالل أسماءه ( فادعوه بها ) ،وهؤالء
األسماء هم محمد وال محمد (صلى اهللا علیهم أجمعین) ،فیجب إتباع أحكامهم و
سننهم وآدابهم ،لكي یتحقق التكامل للعباد ومعرفة خالقهم عزوجل ،وهي الغایة
المرجوة ٠
فدل هذا المبحث على إحكام صنع اهللا عزوجل وإتمام الحجة علیهم ،إذ جعل
الكالمین من عبادة حجج على عباده یلزم الناس إتباعهم ٠
ومن خالل هذا البیان یتضح لك أیضا إحكام نظریة اإلمامیة ،وأنهم هم الفرقة
الناجیة التباعهم الحجج الكاملین ،وكمالهم یدل على حسن فعل اهللا وجمیل
صنعه
وتنزیهه من النقص ٠
ومقابل ذلك ،یتضح لك بطالن نظریة أهل الخالف القائلین بخالفة الخلفاء ،ألن
اإلیمان بهذه النظریة یستلزم نسبة القبیح الى اهللا تعالى ،إذ لو جعل اهللا بجعلهم
خلفاء قد أجمعت األمة على نقصانهم ،لكان هذا نقص في القدرة اإللهیة ،واهللا
عزوجل منزه عن النقص ! ،كیف یجعل من فیه أدران المعاصي مظهر من
مظاهر جاللته عزوجل ،ألیس هذا عجز في قدرته وهو منزه عن النقص وألن
النقص قبیح وهو منزه عن القبیح ! ٠
فمن آمن بهذه المقولة یعني آمن بنسبة القبح والعجز والنقص هلل تعالى اهللا عن
ذلك ،وهو شرك وكفر ،فتأمل ٠
ومما ینبغي التنبیه ؛ إن المعتزلة وإن أشتركت مع اإلمامیة في هذا إال أن عندهم
كثیر من اإلنحرافات في العقائد بل واألحكام ،ومنها إنحرافهم عن الوالیة ،
والقول بخالفة أئمة الضالل الغاصبین لحق أمیر المؤمنین ( علیه السالم ) ٠
مضافا الى أن اإلمامیة لم یستندوا في أخذ عقیدتهم منهم ومن أمثالهم ،بل عقیدة
اإلمامیة عقیدة قدیمة بقدم االسالم مأخوذة من النبي واألئمة ( علیهم السالم ) ،
وقد ألف الشیخ المفید محمد بن النعمان ( قدس سره ) كتابا سماه ب ( الحكایات )
بین فیه ،أن اإلمامیة لیست من المعتزلة ،وأنهم ممن ثبت إنحرافهم في كثیر من
اإلعتقادات ٠
أقول :
عند التتبع نجد أن منشأ هذه العقائد هم الحكام الذین أغتصبوا الخالفة الربانیة من
أهل البیت ( علیهم السالم ) ،وذلك ؛ إن خلفاء الجور فعلوا فعال قبیحة جدا ،
وجرائم كثيرة صدرت منهم ومن ناصرهم من بعض الصحابة طیلة حكمهم ،
والتكاد تخفى هذه الجرام على أحد من المسلمین الى یوم الدنیا هذا ،مما یؤدي
إظهارها الى سلب شرعیة خلفاء الجور وفضحهم ،وقد تنبه الى هذه األخطاء
والجرائم أول من تنبه هو أبوبكر عتیق بن أبي قحافة ،حیث برر جریمة خالد
بن الولید عندما قتل مالك بن نویرة وأصحابه وزنى بزوجته ! ،فأفتضح أمرهم
بهذه الجریمة النكراء ،إال أن أبا بكر سرعان ما بادر بمقولة تكشف عن مكره
وهي ( إن خالدا أجتهد فأخطأ ) ،وبهذا المقولة برر فعل خالد ولم یقم علیه
القصاص ! ٠
فأصبحت هذه المقولة عند علماء الجمهور ووعاظهم ساریة في كل صحابي یفعل
فعل قبیح أو جریمة ،فیبرر له بأنه أجتهد فأخطأ حتى وإن قتل هذا الصحابي
مئات من المسلمین ! ،وعلى أثر هذه المقولة برر خروج عائشة ومروان وطلحة
والزبیر وأبنه على أمیر المؤمنین ( علیه السالم ) ،وتسبیبهم لمقتلة أكثر من
عشرین ألفا من المسلمین في معركة الجمل { ٠أنظر كتاب الجمل /للمفید }
فال تكاد أن تذكر لهم قبیحا وفعال منكرا یقرون به إال وتجد هذه المقولة حاضرة
عندهم لتبریر فعله ٠
وعلى هذا األساس سار بنو أمیة وعمالهم وقضاتهم ووعاظهم ،حیث تجد نسبة
جرائمهم الى اهللا تعالى في كلماتهم ،لكي یفسدوا عقائد الناس ،
فهذا ابن زیاد (لعنه اهللا تعالى) ،یقول إلمامنا زین العابدین ( علیه السالم ) :
٠٠٠أولیس قتل اهللا علي بن الحسین ! ٠
فیجیبه االمام (علیه السالم ) :بل قتله الناس ٠
ومعنى ذلك :أن اهللا تعالى الیجبر عباده على المعصیة ،بل هم من یختارونها ،
وأن اهللا تعالى ال یفعل القبیح ٠
وهكذا تجد كالم ابن زیاد ( لعنه اهللا تعالى ) مخاطبا العقیلة
زینب الكبرى ( علیها السالم )
قائال ٠٠٠ :كیف رأیت صنع اهللا بأخیك الحسین وأهل بیته ٠٠؟
فتجیبه قائلة :ما رأیت اإل جمیال ٠
ومعناه :إن فعل اهللا تعالى بعباده جمیل ،وإن أفعال الناس بأولیاءه قبیح ،
فالشهادة والتضحیة في سبیل اهللا سبحانه جمیلة ویتمناها المؤمن ،إال أن من
یقوم بقتل المؤمن لیس اهللا تعالى ،بل الناس تقتل المؤمن ٠
ومن هذا تجد اإلصرار من قبل هذا الطاغیة الملعون على مقولة ؛ أن هذا الفعل
القبیح من اهللا تعالى عن ذلك ،ومن هنا تجد ؛ أن قبائح بني أمیة وحكامهم أسس
لها هذا المذهب ،وهو مذهب المرجئة ،التي ترجع فعل العباد قبیحه وحسنه الى
اهللا تعالى ٠
كما أن هذه األمور وفروعها تؤدي باإلنسان الى الشقاء وترك القوانین والتعالیم
السماویة الوحانیة ،التي تأتي على لسان األنبیاء واألوصیاء ( علیهم السالم ) ،
وهذا النوع من الترك هو أحد معاني الكفور ،والتي تعني صیغة مبالغة في الكفر
،كما أشارت اآلیة ،
فتأمل ٠
وقوله (علیه السالم ) " :إن اهللا عزوجل لم یطع بإكراه " ،إشار الى اآلیة
الكریمة " ال إكراه في الدین قد تبین الرشد من الغي " وغیرها ،إذ اإلكراه هو
الجبر المنافي لإلختیار ،إذ لو كان االنسان مجبورا لبطل الدین وبطل العقاب
والثواب كما تقدم ٠
وعن الكلیني بسنده عن احمد بن محمد بن أبي نصر قال :قال أبو الحسن الرضا
(علیه السالم ) " :قال اهللا ؛ یا ابن آدم بمشیئتي كنت الذي تشاء لنفسك ما تشاء ،
وبقوتي أدیت فرائضي وبنعمتي قویت على معصیتي ،جعلتك سمیعا بصیرا قویا
،ما أصابك من حسنة فمن اهللا ،وما أصابك من سیئة فمن نفسك وذاك
أني أولى بحسناتك منك وأنت أولى بسیئاتك مني ،وذاك أنني ال أسأل عما أفعل
وهم یسألون " ،انتهى { ٠الكافي } ١٥٢ / ١ /
وقوله عزوجل ( تشاء لنفسك ) ؛ أي تختار لنفسك ،واإلختیار من اهللا تعالى
جعله لإلنسان ٠
التمییز :
التمییز ،هو التفریق بین الحقائق واألوهام وبین الحق والباطل وبین المنجي
والمهلك ،فهو نسبة من اإلدراك عالیة ،بحیث من خاللها یتمیز االنسان عن
الحیوان ،وعلى أساسها یترتب العقاب والثواب والمحاسبة ،هو غیر موجود في
الحیوانات والحشرات ٠
وعلى هذا األساس ،أصبح االنسان مكلفا في هذه الدنیا ،وأخذ علیه تطبیق
القانون السماوي ،وعصیانه یؤدي الى هالكه ٠
وهذه المرحلة من التمییز إن أمتثل لها االنسان ،أرتقى الى العقالنیة ،وإن لم
یمثلها صار في حضیض الحیوانیة ! ،وأصبح كل ما یمارسه من مجهود عقلي
على مستوى التفكیر إنما یكون من النكراء أو الدهاء ،وهما
لیس من العقل بشئ ٠
والنكراء والدهاء والفطنة تعد من جنود الجهل ،وتسمى الشیطنة ،روى الكلیني
بسنده عن بعض أصحابنا رفعة الى أبي عبداهللا (علیه السالم ) قال :
قلت له :ما العقل ؟
قال :ما عبد به الرحمن وأكتسب به الجنان ٠
قال ؛ قلت :فالذي كان في معاویة ؟
فقال :تلك النكراء ،تلك الشیطنة ،وهي شبیهة بالعقل ،ولیست بالعقل ٠
{ الكافي } ١١ /١/
الغایة اإلیجابیة :
إن التعریف الصحیح للعقل ،هو ما عبد به الرحمن وأكتسب به الجنان ،كما
تقدم في حدیث موالنا الصادق ( علیه السالم ) ،إال أن هذا التعریف غفل وتغافل
عنه الحكماء ،فخلطوا بین الدهاء والنكراء وبین العقل ،وبین الحدیث السابق
سر هذا الخلط ،إذ أنه ناشئ من المشابهة ٠
وعند التأمل قلیال ،نجد صحة وتمامیة مقولة الوحي ،وتعریفها للعقل ،إذ عند
مالحظة أصحاب الدهاء والنكراء والفطنة الالدینیين نجدهم متفوقون ظاهرا
ودنیویا على غیرهم في مهنهم ومجاالتهم ،إال إن واقعهم حیواني بحت ،بحیث
تقودهم الشهوات ،ومن قادته الشهوة یصف مع
البهائم ال مع العقالء ،قال اهللا تعالى :
ت َت ُكونُ َع َل ْي ِه َوكِيالً َ ،أ ْم َتحْ َسبُ َأنَّ َأ ْك َث َر ُه ْم ْت َم ِن ا َّت َخ َذ ِإل َه ُه َهواهُ َأ َفَأ ْن َ
" َأ َرَأي َ
ض ُّل َس ِبيالً " ٠ عام َب ْل ُه ْم َأ َ َأْل ُون َأ ْو َيعْ ِقلُ َ
ون ِإنْ ُه ْم ِإالَّ َكا ْن ِ َيسْ َمع َ
[ الفرقان ] ٤٤ - ٤٣ /
روى الكلیني بسنده عن موالنا الصادق (علیه السالم ) قال " :من كان عاقال
كان له دین ،ومن كان له دین دخل الجنة " { ٠الكافي } ١١ / ١ /
وعنه بسنده عن هشام بن الحكم ،قال :قال لي
أبو الحسن موسى بن جعفر (علیه السالم ) " :یا هشام ،إن اهللا تبارك وتعالى
ُون ْال َق ْو َل
ِين َيسْ َت ِمع َ بشر أهل العقل والفهم في كتابه ،فقال َ ... " :ف َب ِّشرْ عِ با ِد ،الَّذ َ
ب"٠ ِين َهدا ُه ُم هَّللا ُ َو ُأ َ
ولِئك ُه ْم ُأولُوا اَأْل ْلبا ِ ُون َأحْ َس َن ُه ُأ َ
ولِئك الَّذ َ َف َي َّت ِبع َ
یاهشام ،إن اهللا تبارك وتعالى أكمل للناس الحجج بالعقول ،ونصر النبیین
بالبیان ،ودلهم على ربوبیته باألدلة ٠٠٠إلخ الحدیث " { ٠الكافي } ١٣ /١/
فمن خالل هذا أتضح ،أن العقل بعد التمییز ینبغي أن یختار ما یكمله دون ما
ینقصه ،فإن تم أختیار الصالح تكامل وترقى ،وإن أختار
الفساد نقص وتسافل ٠
ومن بعد بيان هذا المقدار من المفاهيم التي عسى أني وفقت في إيصالها إلى
القارئ اختم هذه الحلقة األولى ،آمال أن اشرع في التتمة ،بعون هللا تعالى
وقوته ،والحمدهلل رب العالمين والصالة والسالم على رسول هللا وآله الطيبين
الطاهرين ٠