مقاس ف.الدين 4 5

You might also like

Download as docx, pdf, or txt
Download as docx, pdf, or txt
You are on page 1of 8

‫فلسفة تطبيقية‬ ‫محاضرات فلسفة الدين‬ ‫األستاذ‪ :‬محمد الشريف الطاهر‬

‫الجمهورية الجزائرية الدمقراطية الشعبية‬

‫وزارة التعليم العالي والبحث العلمي‬

‫جامعة& الحاج لخضر باتنة ‪1‬‬

‫قسم الفلسفة‬

‫مقياس فلسفة& الدين‬ ‫األستاذ‪ :‬محمد الشريف الطاهر‬

‫السنة الثانية ماستر‬ ‫التخصص‪ :‬فلسفة تطبيقية‬

‫المحاضرة الرابعة‬

‫‪1‬‬
‫فلسفة تطبيقية‬ ‫محاضرات فلسفة الدين‬ ‫األستاذ‪ :‬محمد الشريف الطاهر‬

‫المحاضرة الرابعة‪ :‬مفهوم الدين في النماذج الحلولية‬

‫أوال طرح المشكلة‪ :‬كما سبق ذكره فإن الركن الثالث من الفلسفة هو املفهمة‪ ،‬ومنها يتولد احلجاج كعمل‬
‫لتبي ان ماص دق املفه وم وإثب ات ص حته‪ ،‬وذكرن ا يف احملاض رة املاض ية أن هنال ك رؤي تني مها‪ :‬الرؤي ة احللولي ة‬
‫بأنواعها‪ ،‬والرؤية التوحيدية‪ ،‬وكال النموذجني يضعنا أمام مفاهيم خمتلفة للدين‪ ،‬حيث ستحدد النماذج زاوية‬
‫نظر حمددة إىل مفردات العامل منها الدين‪.‬‬

‫ولكن املشكلة اليت ستعرض على النموذج احللويل‪ ،‬إذا كان هذا النموذج ال يؤمن باملتجاوز والدين‬
‫ي ؤمن باملتج اوز‪ ،‬فكي ف ل ه أن خيض ع ال دين ملنظوريت ه؟ وبالت ايل هنال ك مفارق ة بني الك امن واملتج اوز‪ ،‬حيث‬
‫عملية املفهمة ستعمل على إخضاع الدين قوالبها اجلاهزة واملسبقة‪ ،‬ومنه ستلغي من الدين أهم عنصر فيه وهو‬
‫البعد املتجاوز أو املتعدي حلدود الزمين والدنيوي وغري ذلك‪ ،‬وبناء على ما سلف نطرح السؤال التايل‪ :‬هل‬
‫ميكن للنماذج احللولية أن تفسر الدين؟ أم أهنا ستلغيه؟‬

‫ثاني&&ا‪-‬اس&&تراتيجيات النم&&وذج الحل&&ولي‪ :‬تقوم اس رتاتيجية احللولي ة على نفي املتجاوز وذلك لغرض إثبات أن‬
‫املبدأ املنتج للكائنات كامن يف هذا العامل‪ ،‬وهذه احللولية أبرز منوذج مؤسس هلا هو فلسفة الطبيعة النيوتونية‬
‫وال يت أسس ت للحلولي ة‪ ،‬حيث تنب ين أطروحت ه على ثالث ة مب ادئ أساس ية وهي‪ :‬الزم ان املطل ق واملك ان املطل ق‬
‫واآللية‪ ،‬وبنظم هذه املبادئ يظهر أن العامل مكتف بنفسه‪ ،‬حيث أن مطلقية الزمان واملكان متنعان وجود شيء‬
‫خ ارج عن الع امل وبالت ايل نفي إمكاني ة التج اوز‪ ،‬وح ىت ل و وج د فلن تك ون ل ه فعالي ة‪ ،‬العتب ار ان الع امل حمكم‬
‫باآللية ومبعىن اآلخر العامل آلة ميكانيكية كبرية حيرك بعضها بعضا‪ ،‬ومنه فال حاجة للمتجاوز واملطلق واإلله‪،‬‬
‫وبغض النظر عن إميان نيوتن فإن أطروحته هذا مآهلا‪ ،‬وقد نتج منها منوذج تفسريي حلويل‪.‬‬

‫يفسر الكون من خالل مبادئ الفلسفة الطبيعية النيوتونية‪ ،‬واليت ولد كل منها مبدأ تفسرييا وهي‪:‬‬

‫مب دأ مطلقي ة الزم ان أنتج مب دأ تفس ريي وه و إمك ان التنب ؤ‪ ،‬حيث أن احلادث ة الطبيعي ة واح دة يف ك ل‬ ‫‪‬‬
‫زمان ومنها ميكن أن نتنبأ حبدوث احلوادث نفسها‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫فلسفة تطبيقية‬ ‫محاضرات فلسفة الدين‬ ‫األستاذ‪ :‬محمد الشريف الطاهر‬

‫مطلقية املكان‪ ،‬أنتجت إمكان التعميم‪ ،‬حيث ميكن تعميم نتائج التجربة العلمية الن احلادثة واحدة يف‬ ‫‪‬‬
‫كل مكان‪.‬‬
‫اآللية‪ ،‬وقد أنتجت احلتمية‪ ،‬واالخرية تؤكد أن الطبيعة حممومة بآلية تتسم بالضرورة ال االحتمال‪ ،‬مما‬ ‫‪‬‬
‫يعني أن معرفة القوانني معرفة يقينية ألهنا حتمية وميكن تعميمها والتنبؤ بقوقع األحداث وفقها‪.‬‬

‫وهذه املبادئ التفسريية تنتهي إىل تفسري كل شيء برده إىل العامل‪ ،‬وبنفي أي مبدأ متجاوز هلذا العامل الذي‬
‫ال خيرج عن عامل الطبيعة‪ ،‬العتبار ان املتجاوز يتعدى اآللية واملطلقية الزمان واملكان‪ ،‬ومنه ال ميكن تعميمه‬
‫أو التنبؤ به‪.‬‬

‫ووفق هذه املنظورية ااحللولية جاءت جمموعة من املمارسات احللولية اليت ترد الدين إىل بعد حال وكامن ال‬
‫مب دأ متج اوز‪ ،‬وهي على أربع ة مقارب ات وهي‪ :‬رد ال دين على اإلنس ان نافي ا وج ود اإلل ه وهن ا ميكن أن‬
‫نأخ ذ منوذج الفيلس وف االملاين فيورب اخ‪ ،‬رد ال دين إىل اجملتم ع وهن ا جند مقارب ة إمي ل دورك امي‪ ،‬واملقارب ة‬
‫التارخياني ة وهي ملاركس‪ ،‬واملقارب ة الس يكولوجية وهي لفروي د‪ ،‬وك ل ه ذه املقارب ات فس رت ال دين وف ق‬
‫مبدأ كامن ال بعد متجاوز ومصدر الكمون إما اإلنسان أو اجملتمع أو النفس أو التاريخ‪.‬‬

‫ثالثا‪-‬مقاربة فيورباخ وأنسنة الدين‪ :‬الدين عند فيورباخ هو حالة اغرتاب الوعي البشري عن ذاته‪ ،‬وهذا‬
‫االغرتاب ليس ملبدأ متجاوز بل نتيجة لعنصر كامن يف الطبيعة البشرية‪ ،‬وهو ما جعله يطرح سؤاله قائال‪" :‬‬
‫ملاذا ينتج اإلنس ان دين ا وال ينتج ه احلي وان؟ وه ذا الس ؤال ي دعو فيورب اخ إىل أن ين اقش ال دين مناقش ة‬
‫أنثروبولوجيا وليس الهوتية‪ ،‬ألن السؤال يتجه إىل اإلنسان املنتج للدين‪ ،‬ناهيك عن كوهنا تكشف حقيقة‬
‫الالهوت أو نفيه‪.‬‬

‫ووفق املنهج األنثروبولوجي ينطلق فيورباخ من املقارنة بني اإلنسان واحليوان‪ ،‬وميكن تلخيص الفارق‬
‫بينهما فيما يلي‪:‬‬

‫التفكري‪ :‬احليوان تفكريه آين وبالتايل ال يستحضر أبعاد الزمن املختلفة‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫الكينون ة‪ :‬احلي وان يفك ر يف موض وعه ال يف ذات ه وكينونت ه‪ ،‬أم ا اإلنس ان فه و يفك ر يف كينونت ه‬ ‫‪‬‬
‫وجيعلها موضوعا له‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫فلسفة تطبيقية‬ ‫محاضرات فلسفة الدين‬ ‫األستاذ‪ :‬محمد الشريف الطاهر‬

‫وكال االختالفني سيعمالن على اإلجابة عن سؤاله‪ ،‬فاحليوان ال ينتج الدين العتبار أن تفكريه آين فهو ال يفكر‬
‫يف املس تقل وبالت ايل لن يفك ر يف احلي اة وآماهلا عكس م ا يفعل ه اإلنس ان وال دين ه و جمموع ة آم ال الن اس هلذا‬
‫يفكرون يف اآلخرة بوصفها االمل الذي خيرجهم من آالم احلياة‪ ،‬وكذلك لكون احليوان ال يفكر يف كينونته‬
‫فهو لن ميارس إسقاط ذاته على العامل فينتج إهلا‪ ،‬وهو ما عني ما يفعله اإلنسان وهنا نصل إىل تعريفه للدين‬
‫وهو" الدين هو إسقاط الذات على العالم"‪.‬‬

‫وأما الدافع الذي يدفع اإلنسان على إسقاط ذاته على العامل‪ ،‬فهو يرجع إىل أمرين مها‪ :‬مواجهة وحشية العامل‬
‫بصناعة األمل يف عامل آخر يأيت يف املستقبل‪ .‬وإدراك حمدودية الذات اليت يريد اخلروج منها هلذا يفكر اإلنسان‬
‫يف إله يعوض حمدوديته‪.‬‬

‫نقد‪ :‬رد كل الدين على الطبيعة البشرية مهم جدا‪ ،‬لكن يبقى السؤال ملاذا أنتج اإلنسان الدين ومل ينتج غريه؟‬
‫مما يؤك د أن ال دين ليس احنراف عن الطبيع ة البش رية ب ل ض روري في ه‪ ،‬والعتب ار أن اإلنس ان ينتمي إىل ع امل‬
‫الطبيع ة فق ط فه و لن ينتج بالض رورة ال دين واخلص ائص املم يز ل ه عن احلي وان لن توج د‪ ،‬وه ذا ألهنا ص فا ال‬
‫تتصف هبا الطبيعة وبالتايل من أين لإلنسان هبا؟ وهذا السؤال يقودنا إىل اإلقرار بأن متايز اإلنسان عن احليوان‬
‫ينتهي حتما إىل رد التمايز إىل خارج الطبيعة أي املبدأ املتجاوز ومنه يكون الدين ليس اغرتابا بل مكونا أساسيا‬
‫لكينونة اإلنسان وهبا يتمايز عن احليوان‪ ،‬وإذا كان الدين إسقاط بشري على العامل فلما ال نقول أن اهلل أودع‬
‫صفاته يف اإلنسان ليعرف ربه هبا‪ ،‬وإن سلمنا أن اإلله صناعة بشرية فكيف نفسر كثريا من الديانات اليت تنفي‬
‫عن اهلل االتصاف بصفات العباد وأنه ال حيده الزمان واملكان‪ ،‬فهذه العقائد ال إسقاط فيها لصورة اإلنسان على‬
‫الطبيعة‪.‬‬

‫رابعا‪-‬ماركس الدين من نتاجات حركة التاريخ‪ :‬العنوان الكبري لفلسفة ماركس هو املادية اجلدلية التارخيية‪،‬‬
‫فهي أوال فلسفة مادية لكنها تؤمن أن اإلنسان حمكوم بالتاريخ واألخري حمكوم بقانون اجلدل‪ ،‬وهذا اجلدل يتم‬
‫وف ق بني تني مها البني ة التحتي ة والبني ة الفوقي ة‪ ،‬البني ة التحتي ة وهي ممثل ة يف احلاج ات االجتماعي ة املادي ة ممثل ة يف‬
‫االقتص اد‪ ،‬والبني ة الفوقي ة ي دخل فيه ا ك ل عناص ر اجملتم ع من ‪ ،‬وعلي ه فأطروح ة م اركس هي نظري ة فلس فية‬
‫اجتماعية تفسر التاريخ الكلي للبشر جاعلة من التاريخ حاكما على وجودهم‪ ،‬من هنا هي نظرية حلولية ترد‬
‫كل شيء إىل التاريخ املادي اجلديل‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫فلسفة تطبيقية‬ ‫محاضرات فلسفة الدين‬ ‫األستاذ‪ :‬محمد الشريف الطاهر‬

‫فكرة الدين عن ماركس هي امتداد ألطروحة فيورباخ‪ ،‬الدين اغتراب اإلنسان‪ ،‬هذا التعريف قد ال‬
‫يفي بالغرض عند ماركس‪ ،‬فاألخري سوف يكون أكثر واقعية حيث سيفسر سبب االغرتاب ليس انطالقا من‬
‫الذات اإلنسانية‪ ،‬وإمنا من وضعية تارخيية‪ ،‬فالدين هو كذلك أفيون الشعوب‪ ،‬وهنا سنجد وجهني للدين عند‬
‫كارل ماركس من جهة اغرتاب ومن جهة أفيون أو خمدر‪ ،‬وهو يدعونا على فهم تفسري ماركس له‪.‬‬

‫يرى ماركس أن الدين أصله ليس الطبيعة البشرية كما هو عند فيورباخ وإمنا العوامل االقتصادية أي‬
‫البنية التحتية‪ ،‬وهو بذلك سيكون له كال الوجهني السابق ذكرمها‪ ،‬فالوجه األول هو أفيون‪ ،‬ألن الدين خاصة‬
‫يف املرحلة الرأمسالية هو انعكاس للمصاحل االقتصادية الربجوازية‪ ،‬واليت تتخذ الدين ذريعة لإلبقاء على مصاحلها‬
‫حية‪ ،‬وذلك من خالل استعماله كمخدر ضد الثورة على استغالل طبقة الربوليتارية‪ ،‬ذلك أن الدين سيمنح‬
‫شرعية االستغالل‪ .‬ويأيت الوجه الثاين وهو االغرتاب كتعبري عن بؤس الربوليتارية‪ ،‬أمام حتالف اإلله مع الدولة‬
‫لتحقيق البؤس‪ ،‬فآمال اإلنسان عن حياة سعيدة يف عامل آخر ما هو إال تعبري عن حالة االغرتاب‪ ،‬ألن الطبقة‬
‫العامل ة مل جتد الس عادة يف حياهتا هن ا ب دأت تبحث عنه ا يف ع امل آخ ر‪ .‬وهن ا ج اءت دع وة م اركس إىل تغي ري‬
‫الظروف املنتجة للدين وليس الدين‪ ،‬فاألخري سيختفي آليا بتغيري البنية التحية‪.‬‬

‫وأم ا اجنل ز فق د اجته إىل أن ال دين ه و نت اج الغ رتاب ال وعي يف مرحل تني‪ ،‬املرحل ة البدائي ة عن د قل ق‬
‫اإلنس ان وعج زه عن تفس ري آلي ة عم ل الطبيع ة‪ ،‬فه و ك ذلك يف املراح ل املوالي ة هلا‪ ،‬فق د ابتك ر االنس ان ال دين‬
‫نتيجة قلقه وعجزه عن تفسري اآللية اليت حتكم تطور اجملتمعات واختالالهتا االقتصادية واالجتماعية‪.‬‬

‫نق&&د‪ :‬ص حيح أن بعض ال دين أفي ون للش عوب‪ ،‬ولكن ال ننس ى أن هنال ك من ال دين م ا حيرر اإلنس ان وحيق ق‬
‫الثورة‪ ،‬ولنا يف ثورة النيب حممد صل اهلل عليه وآله‪ ،‬اليت أطاحت باالستبداد الذي كان آنذاك وقلبت موازين‬
‫الق وى االقتص ادية‪ ،‬وك انت ش ريعته ألج ل تفكي ك احتك ار ال ثروة والقض اء على ذهني ة امللكي ة وم ا إىل ذل ك‪،‬‬
‫واالمر الثاين أن الدين هو نتاج مبدأ حال كامن وهو إما النشاط االجتماعي أو غريه‪ ،‬فاآلية قد تقلب راسا‬
‫على عقب‪ ،‬حيث ملا ال يكون النشاط االجتماعي هو نتيجة للدين بوصفه هو من ميد اإلنسان برؤية كونية‪،‬‬
‫فيصبح هو البنية التحتية لكونه متأصل يف اإلنسان‪ ،‬ودليل ذلك ان نشؤ أي حضارة هو نتيجة لدين ما‪ ،‬ومنط‬
‫إب داعاهتا ه و نتيج ة ل دينها‪ ،‬فإب داع املص ريني لألهرام ات ويف الطب ه و نتيج ة ل رؤيتهم الديني ة ال يت ح ددت‬
‫نشاطهم واالمر نفسهم بالنسبة للبابليني الذين برعوا يف الفلك وهو نتيجة لعقائدهم الدينية وغريهم كثري‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫فلسفة تطبيقية‬ ‫محاضرات فلسفة الدين‬ ‫األستاذ‪ :‬محمد الشريف الطاهر‬

‫خامس&&ا‪-‬ال&&دين نت&&اج عق&&د نفس&&ية عن&&د فروي&&د‪ :‬تقرتب املقاربة الفرويدي ة من أنثروبولوجيا فيورباخ من حيث‬
‫بنيته ا احلجاجي ة‪ ،‬فكالمهم ا جيد ان ال دين عب ارة عن إس قاطات لل ذات البش رية‪ ،‬إال أن فروي د أعم ق من‬
‫فيورباخ‪ ،‬حيث أنه فكر يف الدين على مستوى تكون احلضارة البشرية ككل وكذلك وفق نظريته يف التحليل‬
‫النفسي‪ ،‬وهنا سيكون استدالل فرويد أقوى حجاجية من فيورباخ‪.‬‬

‫حلل فرويد الدين يف العديد من كتابته منها "الطوطم والتابو" و"مدخل إىل التحليل النفسي" و"قلق احلضارة"‬
‫وخاصة "مستقبل وهم" مث تبعه كتب أخرى وهي "إبليس يف التحليل النفسي" وكتابه "موسى والتوحيد" ويف‬
‫كتابه "مستقبل وهم" يعرف الدين قائل‪ " :‬الدين وهم" وذلك راجع إىل أن الدين يف أعراضه يشبه كثريا من‬
‫االمراض النفسية هلذا فهو نتيجة هلوس أو مرض عصايب ومرض نفسي وليس نتيجة حلقائق إهلية‪.‬‬

‫وحىت يربهن فرويد على صحة أفكاره اجته إىل ثالثة موضوعات للدين وهي‪ :‬اإلله‪-‬والتوبة والغفران‪-‬واحلرام‪،‬‬
‫ومنها سيبني أن مفهومه للدين صحيح‪ ،‬واما بالنسبة إىل لإلله فقد بني فرويد أن التشابه بني اإلله واألب كبري‬
‫ج دا‪ ،‬ودلي ل ذل ك أن الش باب ال ذين خرج وا عن س يطرة آب ائهم ق د ختلص وا من ال دين‪ ،‬من هن ا يلج أ على‬
‫أسطورة أوديب لكي حيللها ويظهر أهنا معربة عن منشأ الدين‪.‬‬

‫وخملص عقدة أوديب أن االبن يقتل أهبا ألجل احلصول على مكانته‪ ،‬فاألب صورة إعجاب من جهة‬
‫وكراهي ة يف اآلن نفس ه‪ ،‬فاإلعج اب بق درة األب يف احلص ول على االن ثى األوىل وهي األم وال يت يس تفرد هبا‬
‫لنفسه‪ ،‬وهنا تتكون كراهيته لألب ألنه أخذ منه األنثى اليت يبحث عنها‪ ،‬فيقوم بقتله حىت يستويل على أنثاه‪،‬‬
‫وبعملية القتل سيشعر بالذنب ألنه قتل القدوة والنموذج وهنا سيسعى إىل تأليهه وتبدأ منه طقوس ويبدأ تصور‬
‫إله يف صفاته يشبه االب الذي نشعر إزاءه باإلمث‪ ،‬واملشاهبة بني اإلله واألب أكدها فرويد يف العديد من أحباثه‬
‫خاصة حول موسى والتوحيد واملسيحية وفكرة موت املسيح وغريها‪.‬‬

‫وقت ل األب كف رة منتج ة ألم رين مها‪ :‬اإلل ه والتوب ة تتمظه ر أك ثر يف حديث ه عن الط وطم والت ابو‪،‬‬
‫والطوطم هو عبادة األجداد‪ ،‬وهو ميثل أب العشرية الذي استحوذ على كل االناث‪ ،‬فلهذا هو مصدر إعجاب‬
‫إىل قتله‪ ،‬وإحساسهم بالذنب دفعهم إىل حتويله على مقدس‬ ‫وكراهية يف اآلن نفسه‪ ،‬وهو ما دفع بأبنائه‬
‫وإله وأصبحوا يعبدونه ويتقربون إليه بسبب إعجاهبم به ولكي ميحوا ذنوهبم‪ ،‬وبعد القتل والشعور بالندم تقرر‬

‫‪6‬‬
‫فلسفة تطبيقية‬ ‫محاضرات فلسفة الدين‬ ‫األستاذ‪ :‬محمد الشريف الطاهر‬

‫لديهم أن يقسموا اإلناث بينهم ويضعوا احملرمات حىت ال يعودوا إىل عملية القتل‪ ،‬وأول ما منعوه زىن احملارم‪،‬‬
‫وهنا بدأ يتشكل ما يسميه بالطابو‪.‬‬

‫ويذهب فرويد إىل أن ما حدث من قتل االب دليله أن يف كل األديان حضور لألب االول‪ ،‬زد على‬
‫ذلك يف ذاكرتنا‪ ،‬وغرية الطفل من أبيه على أمه‪ ،‬وكلها دالالت على وجود هذا القتل‪ ،‬بل ويؤكد على وجود‬
‫ذاكرة مجاعية تتناقل هذا القتل بشكل الشعوري‪ ،‬وهلذا فإن زوال سلطة االب ستحل عقدة الدين ويتخلص‬
‫اإلنسان من الدين ويتحرر من أوهامه‪.‬‬

‫نق&&د‪ :‬لق د اس تبدل فروي د إهلا ب آخر‪ ،‬وإهله ه و اجلنس خ الق ك ل ش يء‪ ،‬فال دين ال ميكن رده إىل جمرد الرغب ات‬
‫اجلنس ية العتب ار أن أغلب االدي ان تك ون مناذج اخالقية عليا‪ ،‬وه ذه االخ رية ال ميكن تفس ريها فق ط من طري ق‬
‫اجلنس‪ ،‬فما عالقة الصدق والرمحة باجلنس‪ ،‬ناهيك عن إبداع القيم االخالقية أثناء أزمات احلروب الكربى من‬
‫طرف العديد من الديانات خاصة منها البوذية‪ ،‬هلذا فإن تفسري الدين عن طريق القتل يشبه إىل حد قريب ما‬
‫قاله اكزينوفان عن آهلة اليونان أن اليونان ألصقوا أقبح ما يف نفوسهم يف اآلهلة‪ ،‬وهو ما قام به فرويد عندما‬
‫وصف كل االديان بقبيح النفوس‪ ،‬مث أنه ليس كل العقائد الدينية تتعامل مع اإلله كأب‪ ،‬بل هو خارج عن‬
‫التصور‪ ،‬وتتعامل معه كملك أو كقوة غري عادية وغريها من التصورات الدينية‪ ،‬وهذا كله راجع إىل عيب‬
‫منهجي يف اطروحة فرويد وهي االختزال والتبسيط وهذه املثلبة مساه إدغار موران بالعقل االعمى‪.‬‬

‫خامسا‪-‬دوركايم الدين وليد رابطة اجتماعية‪ :‬يذهب دوركامي يف كتابه " االشكال االولية للحياة الدينية إلى‬
‫ان الدين هو رابط&ة اجتماعي&ة وه&و ك&ذلك الض&مير الجمعي‪ ،‬وعليه فهو يشكل عماد اجملتمع وليس هامشه‪،‬‬
‫ولت ربير ه ذا التعري ف يلج أ ف رود إىل حتدي د مكون ات ال دين‪ ،‬ليص ل إىل الربهن ة على أن ال دين ه و يف حقيقت ه‬
‫ضمري مجعي ورابطة اجتماعية‪.‬‬

‫وملعرف ة ال دين ي ذهب دورك امي على ان ه ال يكفي التمي يز بني املق دس واملدنس‪ ،‬ب ل الب د من النظ ر يف‬
‫العناصر املكونة هلثم حتليله اجتماعية حىت نتمكن من تفسريها‪ ،‬وهذه العناصر هي‪:‬‬

‫نسق املعتقدات‪ ،‬فكل دين لديه جمموعة من املعتقدات‪ ،‬فال يوجد بدون معتقد حىت لو كان دون إله‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫نسق الطقوس والشعائر‪ ،‬فكل الديانات هلا شعائرها حمدد وطقوس متارسها وتتسم بالروح اجلماعية‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫‪7‬‬
‫فلسفة تطبيقية‬ ‫محاضرات فلسفة الدين‬ ‫األستاذ‪ :‬محمد الشريف الطاهر‬

‫نسق اجلماعة واالخالق‪ ،‬فكل دين له أخالقية معينة وفضائل حممودة تربط أفراد اجلماعة‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫وهذه األنساق الثالثة ماهي إال روابط اجتماعية ابتداء من املعتقدات إىل الشعائر واالخالق‪ ،‬فاملعتقدات‬
‫هي تربيرات لتحقيق الصالت والشعائر وسيلة للتذكري بالرابطة واالخالق حتقيق هلا‪.‬‬

‫ولكي يربهن على صحة ما ذهب إليه يتجه دوركامي إىل ديانة الطوطم كما فعل فرويد‪ ،‬لكنه سيعطيه‬
‫حتليال اجتماعي ا عكس فروي د ال ذي فس رها س يكولوجيا‪ ،‬ويع رف الط وطم بأن ه تعب ري عن احلي اة املش رتكة‬
‫االصلية‪ ،‬فالطوطم هو عبارة عن عب ادة االب اء‪ ،‬ولكنه يف جوهره هو اس تعادة للحياة املشرتكة من خالل‬
‫املشرتك بينهم وهو االب األول‪ ،‬هلذا فالدين البدائي ميجد اآلباء كي ميجد احلياة املشرتكة بينهم‪ ،‬والذي‬
‫حوله ينشأ نسق العقائد تعبري عن احلياة املشرتكة‬

‫وهذا املشرتك يولد لنا فعل القداسة‪ ،‬وهي عبارة عن وضع احلياة املشرتكة حمل التحرمي وأهنا احلدود‬
‫ال يت ال جيب أن يقرهبا أح د‪ ،‬وعلي ه فوج ود املق دس م ا ه و إال آلي ة حلماي ة احلي اة املش رتكة حيث ي ؤدي‬
‫املس اس هبا إىل تفك ك اجلماع ة‪ ،‬ومن املق دس تنش أ الطق وس واحملرم ات‪ ،‬أم ا االخ ري فهي أش به ب القوانني‬
‫احلافظة لنظام اجلماعة‪ ،‬أما الطقوس فوظيفتها توليد مشاعر اإلجالل والتقدير للحياة املشرتكة من جهة‪،‬‬
‫ومن جهة أخرى‪ ،‬تعمل الطقوس على توليد القيم االخالقية اليت بفضلها تتماسك اجلماعة‪ .‬وهنا يكون‬
‫دوركامي قد فسر الدين تفسريا اجتماعيا وذلك بتحليله إىل األنساق املكونة له‪ ،‬وهي أنساق متجد احلياة‬
‫املشرتكة وختلق الضمري اجلمعي‪ ،‬وهذا التفسري مل خيرج عن املنظور احللويل‪ ،‬ألنه رد الدين إىل مبدأ كامن‬
‫وهو اجملتمع وليس متجاوز واإلله‪.‬‬

‫نق&&&د‪ :‬من املعل وم أن احليوان ات منه ا م ا يعيش يف مجاع ة ومنه ا م ا يعيش متف ردا‪ ،‬فاألس ود ذات طبيع ة‬
‫اجتماعية أما النمور فال‪ ،‬واحليوانات االجتماعية ترتابط قصد حتقيق البقاء وهو أمر غريزي مشرتك بني‬
‫اإلنس ان واحلي وان‪ ،‬لكن ملاذا اإلنس ان أنتج ال دين والطق وس ومل ينتجه ا احلي وان االجتم اعي؟ ه ذا الس ؤال‬
‫النقدي يبني أن الدين ليس فقط ممن إنتاج اجملتمع بل له أبعاد أخرى متجاوزة‪ ،‬العتبار أن يف اإلنسان بعد‬
‫متجاوز وال ميكن رده إىل التفسريات االختزالية للنموذج احللويل‪ ،‬وهذا البعد هو تعبري عن اإلله‪.‬‬

‫‪8‬‬

You might also like