Professional Documents
Culture Documents
مقاس ف.الدين 4 5
مقاس ف.الدين 4 5
مقاس ف.الدين 4 5
قسم الفلسفة
المحاضرة الرابعة
1
فلسفة تطبيقية محاضرات فلسفة الدين األستاذ :محمد الشريف الطاهر
أوال طرح المشكلة :كما سبق ذكره فإن الركن الثالث من الفلسفة هو املفهمة ،ومنها يتولد احلجاج كعمل
لتبي ان ماص دق املفه وم وإثب ات ص حته ،وذكرن ا يف احملاض رة املاض ية أن هنال ك رؤي تني مها :الرؤي ة احللولي ة
بأنواعها ،والرؤية التوحيدية ،وكال النموذجني يضعنا أمام مفاهيم خمتلفة للدين ،حيث ستحدد النماذج زاوية
نظر حمددة إىل مفردات العامل منها الدين.
ولكن املشكلة اليت ستعرض على النموذج احللويل ،إذا كان هذا النموذج ال يؤمن باملتجاوز والدين
ي ؤمن باملتج اوز ،فكي ف ل ه أن خيض ع ال دين ملنظوريت ه؟ وبالت ايل هنال ك مفارق ة بني الك امن واملتج اوز ،حيث
عملية املفهمة ستعمل على إخضاع الدين قوالبها اجلاهزة واملسبقة ،ومنه ستلغي من الدين أهم عنصر فيه وهو
البعد املتجاوز أو املتعدي حلدود الزمين والدنيوي وغري ذلك ،وبناء على ما سلف نطرح السؤال التايل :هل
ميكن للنماذج احللولية أن تفسر الدين؟ أم أهنا ستلغيه؟
ثاني&&ا-اس&&تراتيجيات النم&&وذج الحل&&ولي :تقوم اس رتاتيجية احللولي ة على نفي املتجاوز وذلك لغرض إثبات أن
املبدأ املنتج للكائنات كامن يف هذا العامل ،وهذه احللولية أبرز منوذج مؤسس هلا هو فلسفة الطبيعة النيوتونية
وال يت أسس ت للحلولي ة ،حيث تنب ين أطروحت ه على ثالث ة مب ادئ أساس ية وهي :الزم ان املطل ق واملك ان املطل ق
واآللية ،وبنظم هذه املبادئ يظهر أن العامل مكتف بنفسه ،حيث أن مطلقية الزمان واملكان متنعان وجود شيء
خ ارج عن الع امل وبالت ايل نفي إمكاني ة التج اوز ،وح ىت ل و وج د فلن تك ون ل ه فعالي ة ،العتب ار ان الع امل حمكم
باآللية ومبعىن اآلخر العامل آلة ميكانيكية كبرية حيرك بعضها بعضا ،ومنه فال حاجة للمتجاوز واملطلق واإلله،
وبغض النظر عن إميان نيوتن فإن أطروحته هذا مآهلا ،وقد نتج منها منوذج تفسريي حلويل.
يفسر الكون من خالل مبادئ الفلسفة الطبيعية النيوتونية ،واليت ولد كل منها مبدأ تفسرييا وهي:
مب دأ مطلقي ة الزم ان أنتج مب دأ تفس ريي وه و إمك ان التنب ؤ ،حيث أن احلادث ة الطبيعي ة واح دة يف ك ل
زمان ومنها ميكن أن نتنبأ حبدوث احلوادث نفسها.
2
فلسفة تطبيقية محاضرات فلسفة الدين األستاذ :محمد الشريف الطاهر
مطلقية املكان ،أنتجت إمكان التعميم ،حيث ميكن تعميم نتائج التجربة العلمية الن احلادثة واحدة يف
كل مكان.
اآللية ،وقد أنتجت احلتمية ،واالخرية تؤكد أن الطبيعة حممومة بآلية تتسم بالضرورة ال االحتمال ،مما
يعني أن معرفة القوانني معرفة يقينية ألهنا حتمية وميكن تعميمها والتنبؤ بقوقع األحداث وفقها.
وهذه املبادئ التفسريية تنتهي إىل تفسري كل شيء برده إىل العامل ،وبنفي أي مبدأ متجاوز هلذا العامل الذي
ال خيرج عن عامل الطبيعة ،العتبار ان املتجاوز يتعدى اآللية واملطلقية الزمان واملكان ،ومنه ال ميكن تعميمه
أو التنبؤ به.
ووفق هذه املنظورية ااحللولية جاءت جمموعة من املمارسات احللولية اليت ترد الدين إىل بعد حال وكامن ال
مب دأ متج اوز ،وهي على أربع ة مقارب ات وهي :رد ال دين على اإلنس ان نافي ا وج ود اإلل ه وهن ا ميكن أن
نأخ ذ منوذج الفيلس وف االملاين فيورب اخ ،رد ال دين إىل اجملتم ع وهن ا جند مقارب ة إمي ل دورك امي ،واملقارب ة
التارخياني ة وهي ملاركس ،واملقارب ة الس يكولوجية وهي لفروي د ،وك ل ه ذه املقارب ات فس رت ال دين وف ق
مبدأ كامن ال بعد متجاوز ومصدر الكمون إما اإلنسان أو اجملتمع أو النفس أو التاريخ.
ثالثا-مقاربة فيورباخ وأنسنة الدين :الدين عند فيورباخ هو حالة اغرتاب الوعي البشري عن ذاته ،وهذا
االغرتاب ليس ملبدأ متجاوز بل نتيجة لعنصر كامن يف الطبيعة البشرية ،وهو ما جعله يطرح سؤاله قائال" :
ملاذا ينتج اإلنس ان دين ا وال ينتج ه احلي وان؟ وه ذا الس ؤال ي دعو فيورب اخ إىل أن ين اقش ال دين مناقش ة
أنثروبولوجيا وليس الهوتية ،ألن السؤال يتجه إىل اإلنسان املنتج للدين ،ناهيك عن كوهنا تكشف حقيقة
الالهوت أو نفيه.
ووفق املنهج األنثروبولوجي ينطلق فيورباخ من املقارنة بني اإلنسان واحليوان ،وميكن تلخيص الفارق
بينهما فيما يلي:
التفكري :احليوان تفكريه آين وبالتايل ال يستحضر أبعاد الزمن املختلفة.
الكينون ة :احلي وان يفك ر يف موض وعه ال يف ذات ه وكينونت ه ،أم ا اإلنس ان فه و يفك ر يف كينونت ه
وجيعلها موضوعا له.
3
فلسفة تطبيقية محاضرات فلسفة الدين األستاذ :محمد الشريف الطاهر
وكال االختالفني سيعمالن على اإلجابة عن سؤاله ،فاحليوان ال ينتج الدين العتبار أن تفكريه آين فهو ال يفكر
يف املس تقل وبالت ايل لن يفك ر يف احلي اة وآماهلا عكس م ا يفعل ه اإلنس ان وال دين ه و جمموع ة آم ال الن اس هلذا
يفكرون يف اآلخرة بوصفها االمل الذي خيرجهم من آالم احلياة ،وكذلك لكون احليوان ال يفكر يف كينونته
فهو لن ميارس إسقاط ذاته على العامل فينتج إهلا ،وهو ما عني ما يفعله اإلنسان وهنا نصل إىل تعريفه للدين
وهو" الدين هو إسقاط الذات على العالم".
وأما الدافع الذي يدفع اإلنسان على إسقاط ذاته على العامل ،فهو يرجع إىل أمرين مها :مواجهة وحشية العامل
بصناعة األمل يف عامل آخر يأيت يف املستقبل .وإدراك حمدودية الذات اليت يريد اخلروج منها هلذا يفكر اإلنسان
يف إله يعوض حمدوديته.
نقد :رد كل الدين على الطبيعة البشرية مهم جدا ،لكن يبقى السؤال ملاذا أنتج اإلنسان الدين ومل ينتج غريه؟
مما يؤك د أن ال دين ليس احنراف عن الطبيع ة البش رية ب ل ض روري في ه ،والعتب ار أن اإلنس ان ينتمي إىل ع امل
الطبيع ة فق ط فه و لن ينتج بالض رورة ال دين واخلص ائص املم يز ل ه عن احلي وان لن توج د ،وه ذا ألهنا ص فا ال
تتصف هبا الطبيعة وبالتايل من أين لإلنسان هبا؟ وهذا السؤال يقودنا إىل اإلقرار بأن متايز اإلنسان عن احليوان
ينتهي حتما إىل رد التمايز إىل خارج الطبيعة أي املبدأ املتجاوز ومنه يكون الدين ليس اغرتابا بل مكونا أساسيا
لكينونة اإلنسان وهبا يتمايز عن احليوان ،وإذا كان الدين إسقاط بشري على العامل فلما ال نقول أن اهلل أودع
صفاته يف اإلنسان ليعرف ربه هبا ،وإن سلمنا أن اإلله صناعة بشرية فكيف نفسر كثريا من الديانات اليت تنفي
عن اهلل االتصاف بصفات العباد وأنه ال حيده الزمان واملكان ،فهذه العقائد ال إسقاط فيها لصورة اإلنسان على
الطبيعة.
رابعا-ماركس الدين من نتاجات حركة التاريخ :العنوان الكبري لفلسفة ماركس هو املادية اجلدلية التارخيية،
فهي أوال فلسفة مادية لكنها تؤمن أن اإلنسان حمكوم بالتاريخ واألخري حمكوم بقانون اجلدل ،وهذا اجلدل يتم
وف ق بني تني مها البني ة التحتي ة والبني ة الفوقي ة ،البني ة التحتي ة وهي ممثل ة يف احلاج ات االجتماعي ة املادي ة ممثل ة يف
االقتص اد ،والبني ة الفوقي ة ي دخل فيه ا ك ل عناص ر اجملتم ع من ،وعلي ه فأطروح ة م اركس هي نظري ة فلس فية
اجتماعية تفسر التاريخ الكلي للبشر جاعلة من التاريخ حاكما على وجودهم ،من هنا هي نظرية حلولية ترد
كل شيء إىل التاريخ املادي اجلديل.
4
فلسفة تطبيقية محاضرات فلسفة الدين األستاذ :محمد الشريف الطاهر
فكرة الدين عن ماركس هي امتداد ألطروحة فيورباخ ،الدين اغتراب اإلنسان ،هذا التعريف قد ال
يفي بالغرض عند ماركس ،فاألخري سوف يكون أكثر واقعية حيث سيفسر سبب االغرتاب ليس انطالقا من
الذات اإلنسانية ،وإمنا من وضعية تارخيية ،فالدين هو كذلك أفيون الشعوب ،وهنا سنجد وجهني للدين عند
كارل ماركس من جهة اغرتاب ومن جهة أفيون أو خمدر ،وهو يدعونا على فهم تفسري ماركس له.
يرى ماركس أن الدين أصله ليس الطبيعة البشرية كما هو عند فيورباخ وإمنا العوامل االقتصادية أي
البنية التحتية ،وهو بذلك سيكون له كال الوجهني السابق ذكرمها ،فالوجه األول هو أفيون ،ألن الدين خاصة
يف املرحلة الرأمسالية هو انعكاس للمصاحل االقتصادية الربجوازية ،واليت تتخذ الدين ذريعة لإلبقاء على مصاحلها
حية ،وذلك من خالل استعماله كمخدر ضد الثورة على استغالل طبقة الربوليتارية ،ذلك أن الدين سيمنح
شرعية االستغالل .ويأيت الوجه الثاين وهو االغرتاب كتعبري عن بؤس الربوليتارية ،أمام حتالف اإلله مع الدولة
لتحقيق البؤس ،فآمال اإلنسان عن حياة سعيدة يف عامل آخر ما هو إال تعبري عن حالة االغرتاب ،ألن الطبقة
العامل ة مل جتد الس عادة يف حياهتا هن ا ب دأت تبحث عنه ا يف ع امل آخ ر .وهن ا ج اءت دع وة م اركس إىل تغي ري
الظروف املنتجة للدين وليس الدين ،فاألخري سيختفي آليا بتغيري البنية التحية.
وأم ا اجنل ز فق د اجته إىل أن ال دين ه و نت اج الغ رتاب ال وعي يف مرحل تني ،املرحل ة البدائي ة عن د قل ق
اإلنس ان وعج زه عن تفس ري آلي ة عم ل الطبيع ة ،فه و ك ذلك يف املراح ل املوالي ة هلا ،فق د ابتك ر االنس ان ال دين
نتيجة قلقه وعجزه عن تفسري اآللية اليت حتكم تطور اجملتمعات واختالالهتا االقتصادية واالجتماعية.
نق&&د :ص حيح أن بعض ال دين أفي ون للش عوب ،ولكن ال ننس ى أن هنال ك من ال دين م ا حيرر اإلنس ان وحيق ق
الثورة ،ولنا يف ثورة النيب حممد صل اهلل عليه وآله ،اليت أطاحت باالستبداد الذي كان آنذاك وقلبت موازين
الق وى االقتص ادية ،وك انت ش ريعته ألج ل تفكي ك احتك ار ال ثروة والقض اء على ذهني ة امللكي ة وم ا إىل ذل ك،
واالمر الثاين أن الدين هو نتاج مبدأ حال كامن وهو إما النشاط االجتماعي أو غريه ،فاآلية قد تقلب راسا
على عقب ،حيث ملا ال يكون النشاط االجتماعي هو نتيجة للدين بوصفه هو من ميد اإلنسان برؤية كونية،
فيصبح هو البنية التحتية لكونه متأصل يف اإلنسان ،ودليل ذلك ان نشؤ أي حضارة هو نتيجة لدين ما ،ومنط
إب داعاهتا ه و نتيج ة ل دينها ،فإب داع املص ريني لألهرام ات ويف الطب ه و نتيج ة ل رؤيتهم الديني ة ال يت ح ددت
نشاطهم واالمر نفسهم بالنسبة للبابليني الذين برعوا يف الفلك وهو نتيجة لعقائدهم الدينية وغريهم كثري.
5
فلسفة تطبيقية محاضرات فلسفة الدين األستاذ :محمد الشريف الطاهر
خامس&&ا-ال&&دين نت&&اج عق&&د نفس&&ية عن&&د فروي&&د :تقرتب املقاربة الفرويدي ة من أنثروبولوجيا فيورباخ من حيث
بنيته ا احلجاجي ة ،فكالمهم ا جيد ان ال دين عب ارة عن إس قاطات لل ذات البش رية ،إال أن فروي د أعم ق من
فيورباخ ،حيث أنه فكر يف الدين على مستوى تكون احلضارة البشرية ككل وكذلك وفق نظريته يف التحليل
النفسي ،وهنا سيكون استدالل فرويد أقوى حجاجية من فيورباخ.
حلل فرويد الدين يف العديد من كتابته منها "الطوطم والتابو" و"مدخل إىل التحليل النفسي" و"قلق احلضارة"
وخاصة "مستقبل وهم" مث تبعه كتب أخرى وهي "إبليس يف التحليل النفسي" وكتابه "موسى والتوحيد" ويف
كتابه "مستقبل وهم" يعرف الدين قائل " :الدين وهم" وذلك راجع إىل أن الدين يف أعراضه يشبه كثريا من
االمراض النفسية هلذا فهو نتيجة هلوس أو مرض عصايب ومرض نفسي وليس نتيجة حلقائق إهلية.
وحىت يربهن فرويد على صحة أفكاره اجته إىل ثالثة موضوعات للدين وهي :اإلله-والتوبة والغفران-واحلرام،
ومنها سيبني أن مفهومه للدين صحيح ،واما بالنسبة إىل لإلله فقد بني فرويد أن التشابه بني اإلله واألب كبري
ج دا ،ودلي ل ذل ك أن الش باب ال ذين خرج وا عن س يطرة آب ائهم ق د ختلص وا من ال دين ،من هن ا يلج أ على
أسطورة أوديب لكي حيللها ويظهر أهنا معربة عن منشأ الدين.
وخملص عقدة أوديب أن االبن يقتل أهبا ألجل احلصول على مكانته ،فاألب صورة إعجاب من جهة
وكراهي ة يف اآلن نفس ه ،فاإلعج اب بق درة األب يف احلص ول على االن ثى األوىل وهي األم وال يت يس تفرد هبا
لنفسه ،وهنا تتكون كراهيته لألب ألنه أخذ منه األنثى اليت يبحث عنها ،فيقوم بقتله حىت يستويل على أنثاه،
وبعملية القتل سيشعر بالذنب ألنه قتل القدوة والنموذج وهنا سيسعى إىل تأليهه وتبدأ منه طقوس ويبدأ تصور
إله يف صفاته يشبه االب الذي نشعر إزاءه باإلمث ،واملشاهبة بني اإلله واألب أكدها فرويد يف العديد من أحباثه
خاصة حول موسى والتوحيد واملسيحية وفكرة موت املسيح وغريها.
وقت ل األب كف رة منتج ة ألم رين مها :اإلل ه والتوب ة تتمظه ر أك ثر يف حديث ه عن الط وطم والت ابو،
والطوطم هو عبادة األجداد ،وهو ميثل أب العشرية الذي استحوذ على كل االناث ،فلهذا هو مصدر إعجاب
إىل قتله ،وإحساسهم بالذنب دفعهم إىل حتويله على مقدس وكراهية يف اآلن نفسه ،وهو ما دفع بأبنائه
وإله وأصبحوا يعبدونه ويتقربون إليه بسبب إعجاهبم به ولكي ميحوا ذنوهبم ،وبعد القتل والشعور بالندم تقرر
6
فلسفة تطبيقية محاضرات فلسفة الدين األستاذ :محمد الشريف الطاهر
لديهم أن يقسموا اإلناث بينهم ويضعوا احملرمات حىت ال يعودوا إىل عملية القتل ،وأول ما منعوه زىن احملارم،
وهنا بدأ يتشكل ما يسميه بالطابو.
ويذهب فرويد إىل أن ما حدث من قتل االب دليله أن يف كل األديان حضور لألب االول ،زد على
ذلك يف ذاكرتنا ،وغرية الطفل من أبيه على أمه ،وكلها دالالت على وجود هذا القتل ،بل ويؤكد على وجود
ذاكرة مجاعية تتناقل هذا القتل بشكل الشعوري ،وهلذا فإن زوال سلطة االب ستحل عقدة الدين ويتخلص
اإلنسان من الدين ويتحرر من أوهامه.
نق&&د :لق د اس تبدل فروي د إهلا ب آخر ،وإهله ه و اجلنس خ الق ك ل ش يء ،فال دين ال ميكن رده إىل جمرد الرغب ات
اجلنس ية العتب ار أن أغلب االدي ان تك ون مناذج اخالقية عليا ،وه ذه االخ رية ال ميكن تفس ريها فق ط من طري ق
اجلنس ،فما عالقة الصدق والرمحة باجلنس ،ناهيك عن إبداع القيم االخالقية أثناء أزمات احلروب الكربى من
طرف العديد من الديانات خاصة منها البوذية ،هلذا فإن تفسري الدين عن طريق القتل يشبه إىل حد قريب ما
قاله اكزينوفان عن آهلة اليونان أن اليونان ألصقوا أقبح ما يف نفوسهم يف اآلهلة ،وهو ما قام به فرويد عندما
وصف كل االديان بقبيح النفوس ،مث أنه ليس كل العقائد الدينية تتعامل مع اإلله كأب ،بل هو خارج عن
التصور ،وتتعامل معه كملك أو كقوة غري عادية وغريها من التصورات الدينية ،وهذا كله راجع إىل عيب
منهجي يف اطروحة فرويد وهي االختزال والتبسيط وهذه املثلبة مساه إدغار موران بالعقل االعمى.
خامسا-دوركايم الدين وليد رابطة اجتماعية :يذهب دوركامي يف كتابه " االشكال االولية للحياة الدينية إلى
ان الدين هو رابط&ة اجتماعي&ة وه&و ك&ذلك الض&مير الجمعي ،وعليه فهو يشكل عماد اجملتمع وليس هامشه،
ولت ربير ه ذا التعري ف يلج أ ف رود إىل حتدي د مكون ات ال دين ،ليص ل إىل الربهن ة على أن ال دين ه و يف حقيقت ه
ضمري مجعي ورابطة اجتماعية.
وملعرف ة ال دين ي ذهب دورك امي على ان ه ال يكفي التمي يز بني املق دس واملدنس ،ب ل الب د من النظ ر يف
العناصر املكونة هلثم حتليله اجتماعية حىت نتمكن من تفسريها ،وهذه العناصر هي:
نسق املعتقدات ،فكل دين لديه جمموعة من املعتقدات ،فال يوجد بدون معتقد حىت لو كان دون إله.
نسق الطقوس والشعائر ،فكل الديانات هلا شعائرها حمدد وطقوس متارسها وتتسم بالروح اجلماعية.
7
فلسفة تطبيقية محاضرات فلسفة الدين األستاذ :محمد الشريف الطاهر
نسق اجلماعة واالخالق ،فكل دين له أخالقية معينة وفضائل حممودة تربط أفراد اجلماعة.
وهذه األنساق الثالثة ماهي إال روابط اجتماعية ابتداء من املعتقدات إىل الشعائر واالخالق ،فاملعتقدات
هي تربيرات لتحقيق الصالت والشعائر وسيلة للتذكري بالرابطة واالخالق حتقيق هلا.
ولكي يربهن على صحة ما ذهب إليه يتجه دوركامي إىل ديانة الطوطم كما فعل فرويد ،لكنه سيعطيه
حتليال اجتماعي ا عكس فروي د ال ذي فس رها س يكولوجيا ،ويع رف الط وطم بأن ه تعب ري عن احلي اة املش رتكة
االصلية ،فالطوطم هو عبارة عن عب ادة االب اء ،ولكنه يف جوهره هو اس تعادة للحياة املشرتكة من خالل
املشرتك بينهم وهو االب األول ،هلذا فالدين البدائي ميجد اآلباء كي ميجد احلياة املشرتكة بينهم ،والذي
حوله ينشأ نسق العقائد تعبري عن احلياة املشرتكة
وهذا املشرتك يولد لنا فعل القداسة ،وهي عبارة عن وضع احلياة املشرتكة حمل التحرمي وأهنا احلدود
ال يت ال جيب أن يقرهبا أح د ،وعلي ه فوج ود املق دس م ا ه و إال آلي ة حلماي ة احلي اة املش رتكة حيث ي ؤدي
املس اس هبا إىل تفك ك اجلماع ة ،ومن املق دس تنش أ الطق وس واحملرم ات ،أم ا االخ ري فهي أش به ب القوانني
احلافظة لنظام اجلماعة ،أما الطقوس فوظيفتها توليد مشاعر اإلجالل والتقدير للحياة املشرتكة من جهة،
ومن جهة أخرى ،تعمل الطقوس على توليد القيم االخالقية اليت بفضلها تتماسك اجلماعة .وهنا يكون
دوركامي قد فسر الدين تفسريا اجتماعيا وذلك بتحليله إىل األنساق املكونة له ،وهي أنساق متجد احلياة
املشرتكة وختلق الضمري اجلمعي ،وهذا التفسري مل خيرج عن املنظور احللويل ،ألنه رد الدين إىل مبدأ كامن
وهو اجملتمع وليس متجاوز واإلله.
نق&&&د :من املعل وم أن احليوان ات منه ا م ا يعيش يف مجاع ة ومنه ا م ا يعيش متف ردا ،فاألس ود ذات طبيع ة
اجتماعية أما النمور فال ،واحليوانات االجتماعية ترتابط قصد حتقيق البقاء وهو أمر غريزي مشرتك بني
اإلنس ان واحلي وان ،لكن ملاذا اإلنس ان أنتج ال دين والطق وس ومل ينتجه ا احلي وان االجتم اعي؟ ه ذا الس ؤال
النقدي يبني أن الدين ليس فقط ممن إنتاج اجملتمع بل له أبعاد أخرى متجاوزة ،العتبار أن يف اإلنسان بعد
متجاوز وال ميكن رده إىل التفسريات االختزالية للنموذج احللويل ،وهذا البعد هو تعبري عن اإلله.
8