Professional Documents
Culture Documents
Hamdy Qandeel - 3esh Maratein
Hamdy Qandeel - 3esh Maratein
0
ُنشرت هذه المذكرات فً موقع جرٌدة الشروق المصرٌة
مُسلسلة على حلقات عام 2014م وقمنا فً مدونة مذكرات
كتاب قرأته بنسخ هذه الحلقات وإعدادها فً كتاب اكترونً
ونعتذر عن أي خطؤ وقع فً ترتٌب الحلقات.
1
أخى األصؽر هو عاصم قندٌل ،المحامى اآلن ،وهو آخر العنقود كما ٌقال،
أما ماجد ،اللواء المتقاعد الذى قضى عمره فى سالح المدفعٌة ،فقد ولد بعد
والدتى بعامٌن ،وبعده بعامٌن أٌضا ولدت مٌرفت ،وهى ربة أسرة
متزوجة من لواء األسلحة والذخٌرة المتقاعد صالح صالح ،وبعد عامٌن
آخرٌن جاءت شقٌقتى مآثر ،التى عٌنت معٌدة بقسم اللؽة اإلسبانٌة فى كلٌة
األلسن ،ثم حصلت على منحة لدراسة الدكتوراه فى إسبانٌا ،وهناك بدأت
حٌاتها كمترجمة فورٌة حتى تقاعدت قبل سنوات ،أما مٌرفت التى
تصؽرنى بؤربعة أعوام فهى تعاملنى كؤمى.
أنجبت مٌرفت ومآثر أوالدا وبنات ،أما أنا وماجد وعاصم فلم ٌنجب
ثالثتنا ،والحمد هلل أننا راضون بما قسم هللا لنا.
عشنا جمٌعا أٌام صبانا فى طنطا التى انتقل إلٌها والدى مدرسا للؽة
العربٌة فى مدرسة طنطا الثانوٌة للبنات ،وكنا نسكن فى بٌت من ثالثة
طوابق فى 16شارع الفاتح ،كان بٌتنا مثل كثٌر من البٌوت المصرٌة
ٌعرؾ ربنا ،وٌعمر المساجد وٌعمِّر فى األرض وٌعامل الناس بالحسنى.
كان أبى ٌسمح لى ،بل ٌطلب منى أحٌانا ،قراءة جرٌدة المصرى ،وكانت
هى الجرٌدة الوحٌدة التى ٌشترٌها كل ٌوم ،قرأت جرٌدة االشتراكٌة فى
بٌت صدٌق كان والده ٌشترٌها بانتظام ،فؤصبحت أبحث عنها أنا اآلخر بٌن
الحٌن والحٌن ،وأظنها أثرت كثٌرا فى توجٌه مٌولى ،بل واستفزتنى إلى
أبعد حد عندما قرأت فٌها مقال أحمد حسٌن الشهٌر رعاٌاك ٌا موالى.
كان المقال ممتدا على صفحتٌن تصدرته صورة لطفل حافى القدمٌن
مهلهل المالبس وصور أخرى لنساء ورجال تنطق أحوالهم بالبإس فى
أزقة القاهرة وأعماق الرٌؾُ ،
وذ ٌِّ َل المقال بتوقٌع المخلص :أحمد حسٌن.
كانت دراستنا مستقرة ،ولم ٌرسب أحدنا فى عام من األعوام ،وال أذكر
أننى رسبت فى مادة سوى مرة واحدة عندما كنت فى مدرسة طنطا
االبتدابٌة للبنٌن ،وعندما جاءت الشهادة بدابرة حمراء فى اللؽة اإلنجلٌزٌة
2
خلع والدى حزامه وضربنى به مرة واحدة كانت هى األولى واألخٌرة،
التى ضربنى فٌها ،أنا أو واحد من إخوتى فى حٌاته.
كان لطفى لؽزا بالنسبة لى وعدد من أقرانى ،وازداد اللؽز ؼموضا حٌن
قال أحدنا إنه شٌوعى ،ولم ٌكن هناك بد من أن أتربص به ذات مرة،
وأسؤله إذا ما كان شٌوعٌا حقا ،وما هذه الشٌوعٌة؟ وقد أجابنى ٌومها
بإٌجاز ،لكنه وعدنى أن نلتقى مرة كل أسبوع فى الحدٌقة المواجهة
لمدرسة طنطا الثانوٌة القدٌمة فى شارع البحر لٌحدثنى باستفاضة.
عندما التقٌنا فى الموعد المحدد نبهنى أن أكتم سر لقابنا ومكانه فازداد
األمر بالنسبة لى إثارة ،وأعطانى ٌومها محاضرة موجزة تذكرت منها
عبارتٌن براقتٌن« ،العدالة االجتماعٌة» و«المساواة بٌن البشر» ،لما قلت
3
ألبى ما سمعت قال إن ذلك كله فى اإلسالم ،وطلب منى أن أستعد فى
عصر الٌوم التالى لٌصطحبنى إلى جمعٌة «الشبان المسلمٌن» سؤلته:
الشبان أم اإلخوان؟ أذكر ما قال« :ال ،اإلخوان شداد شوٌة» ..ربما كان
ٌعنى متشددٌن ،أو ٌعنى أنهم مٌالون إلى العنؾ ،خاصة أن األنباء كانت
تواترت عندبذ عن مقتل النقراشى باشا ،ربٌس الوزراء ،واللواء سلٌم
زكى ،حكمدار العاصمة ،على أٌدٌهم.
دعانى لطفى فطٌم إلى بٌته حٌث أطلعنى على بعض المنشورات المكتوبة
بخط ٌده ،وكان أحدها قاموسا فى ألفاظ السباب ،لعن فٌه خاش الملك
والحكومة واإلنجلٌز جمٌعاٌ ،ومها طلب منى أن أعاونه فى نسخ
المنشورات بخطى ألن الشرطة أصبحت تعرؾ خطه جٌدا ،وعندما
تهربت طلب منى أن أعاونه فى توزٌعها على األقل ،وبدت لى المهمة
أكثر إثارة.
قال إنه ٌعرؾ أننى أصلى الجمعة فى مسجد قرٌب من البٌت ،ولكنه ٌطلب
منى أن أصلٌها فى األسبوع التالى فى مسجد السٌد البدوى الحاشد عادة
بالمصلٌن؛ لكى نوزع فٌه منشورات معادٌة للملك.
ذهبت إلى منزله صباح الجمعة ،حٌث شحنت حزمة من المنشورات داخل
سترتى ،وفعل هو اآلخر الشىء نفسه ،وذهبنا إلى المسجد ،توجه هو إلى
الطابق األرضى وطلب منى التوجه إلى الطابق العلوى ،وقال« :عندما
تنتهى الصالة وٌبدأ المصلون فى التسلٌم أقذؾ المنشورات من أعلى إلى
صحن المسجد بعد أن ٌلتفت الناس بالسالم إلى جانبهم األٌمن وقبل أن
ٌلتفتوا للتسلٌم إلى ٌسارهم ،وهرول إلى أسفل تجاه الباب دون أن تجرى»،
وتمت المهمة بنجاح ،وكنت أشعر بسعادة بالؽة وأنا أرى المنشورات
تتطاٌر مع الرٌح الخفٌفة فى صحن المسجد كما لو كنا فى كرنفال.
كانت تعلٌمات لطفى أن ٌتحاشى كل منا أن ٌلتقى اآلخر ألسبوع كامل،
ولكننى شؽلت عنه سنوات طواال كان قد طلق خاللها النشاط السٌاسى
وسافر إلى الخارج ،ربما إلى هولندا ،وعندما عاد نجح فى مٌدان نشر
4
الكتب وتوزٌعها ،وأصبح أستاذا لعلم النفس فى الجامعة ،وقد علمت مإخرا
أنه عاش فى السعودٌة نحو عشر سنوات توفى بعدها فى عام .1998
أما المؽامرة األخرى التى ما أزال أختزن تفاصٌلها فكانت أٌضا أٌام
دراستى الثانوٌة ،حٌث علمت أن هناك صحٌفة محلٌة تصدر فى طنطا
باسم جرٌدة اإلخالص ،وكان صاحبها وربٌس تحرٌرها هو األستاذ محمد
عبدالسالم شتا.
ذهبت إلى األستاذ عبدالسالم فى الجرٌدة ،وكانت فى حارة خلؾ قسم أول
طنطاٌ ،ومها كان الرجل رابضا خلؾ مكتبه ،ورحب بى ببعض المبالؽة،
وطلب منى أن أجمع أخبارا من هنا وهناك وآتى بها إلٌه بعد أسبوع ،لكنه
حذرنى من أنه سٌكون من الصعب القٌام بهذا العمل اإال لو أعطانى بطاقة
صحفٌة ،وقال إن لدٌه نوعٌْن من البطاقات ،أحدهما «عادى» واآلخر
«لوكس».
اخترت اللوكس على الرؼم من أن ثمنها كان أربعة جنٌهات ،هى كل ما
كان فى حصالتى ،وحصلت على ما ٌثبت أننى أصبحت (مراسال صحفٌا)،
أذكر أننى ذهبت إلى اإلسكندرٌة فى ذلك الصٌؾ ،وعندما كنت أدخل إلى
بالج سٌدى بشر نمرة 2الخاص ،كنت أبرز الكارنٌه اللوكس وأقول
عال :صحافة ،فٌسمح لى بالدخول دون أن أدفع الرسوم ،وكنت
بصوت ٍ
أحس بزهو عظٌم.
فى ذلك الوقت كان هناك جدل محتدم فى البرلمان حول ترمٌم الٌخت
الملكى (المحروسة) فى إٌطالٌا ،وكانت الحكومة خصصت لهذا الؽرض
ملٌون جنٌه ،وهو األمر الذى استفز نواب المعارضة ،وخاصة المحامى
الكبٌر مصطفى مرعى بك ،والذى قدم استجوابا فى هذا الشؤن وألقى
خطابا نارٌا قال فٌه كلمته الشهٌرة« :الٌخت ملك فاروق ولٌس ملكا للدولة
فلماذا تتكلؾ الدولة بتصلٌحه؟» ،وقد تؤثرت كثٌرا بالخطاب فكتبت مقاال
5
على خطى مرعى نفسها ،وتسللت به فى المساء إلى المطبعة وقمت بدسه
فى الصحٌفة بعد أن خدعت (المطبعجى) فى وردٌة اللٌل.
حلت الكارثة باإلخالص ،وأؼلقت الصحٌفة ،وألقى القبض على محمد
عبدالسالم شتا فى قسم أول ،ولكن سرعان ما دبر أمره ،فؤفرج عنه خالل
ساعات.
عندما اقتربت امتحانات التوجٌهٌة (الثانوٌة العامة) تبدلت األحوال ،مرض
والدى مرضا شدٌدا اضطر معه للعالج فى مستشفى الجمعٌة الخٌرٌة فى
القاهرة ،أما أمى فقد أرهقها السفر بٌن طنطا والقاهرة ،واضطربت أحوال
البٌت ،وكنت أنا وإخوتى فى ؼم دابم ،فؤنهٌت االمتحان بصعوبة ،ولم
أحصل سوى على %60بالكاد.
كانت صدمة قاسٌة للعابلة التى كانت تتوقع البنها المتفوق دابما أن ٌدخل
الطب ،وٌلبس البالطو األبٌض وٌنادونهٌ« :ا دكتور».
1952ــ 1956
قادنى مجموعً فى الثانوٌة العامة إلى واحد من اختٌارٌن؛ إما كلٌة العلوم
وإما معهد الكٌمٌاء الصناعٌة ،وكان أبى ٌتكهن بؤن للتعدٌن والبترول
مستقبال كبٌرا فى مصر؛ ولذلك رجح كفة كلٌة العلوم ،بل وقال« :اعمل
حسابك من اآلن ،عندما تبدأون فى التخصص ،فسوؾ تدرس فى قسم
الجٌولوجٌا» ،وكانت كلٌة العلوم المتاحة هى علوم اإلسكندرٌة.
كانت نقلة ثقٌلة فى حٌاتى من البٌت الدافا إلى المجهول ،سافرت مع
والدى إلى اإلسكندرٌة ،وكان لنا هناك أقارب ٌعٌشون فى حى فٌكتورٌا،
طلب والدى منهم أن ٌساعدونا على إٌجاد مسكن لى ٌفضل أن ٌكون «مع
ناس طٌبٌن» ،واهتدٌنا إلى عابلة ٌونانٌة ،كانا زوجٌن فى الستٌنٌات من
عمرهما ،وكانت الشقة نظٌفة ،فاتفقنا مع الرجل على السكن واإلفطار
مقابل 12جنٌها فى الشهر ،واشتركت فى مطعم مجاور للكلٌة لتناول
الؽداء فٌه مقابل أربعة جنٌهات أخرى.
6
أذكر أننى اشترٌت كتبا كثٌرة ،وكان معظمها باإلنجلٌزٌة ،وكنت أستؽرق
فى الدراسة إلى حد أنه لم ٌكن ٌؽرٌنى فى المدٌنة الكبٌرة شا سواها ،ولم
ٌكن لى بع ُد أصحاب وال رفاق أزورهم وٌزوروننى ،وداهمتنى نوبات من
ٌمض شهران حتى استولى علىّ ِ الصداع لم أكن أعرفها من قبل ،ولم
شعور جارؾ أن أعٌد امتحان التوجٌهٌة وأحصل على مجموع أستعٌد به
كرامتى وسط أقرانى وأعٌد به البهجة إلى األسرة ،وأظن أن هذا كان دافعا
مهما لعودتى إلى طنطا ،وأعتقد أن أبى وأمى لم ٌمانعا فى ذلك بل ربما
كانا ٌحبذانه.
بدأت أجمع كتب التوجٌهٌة مرة أخرى وأعد نفسى لالمتحان ،اإال أن نوبات
الصداع كانت تتكرر بسرعة أكبر وحدة بالؽة ،ولم أكن أستطٌع القراءة
أكثر من دقابق معدودة ،وظن الجمٌع فى بداٌة األمر أننى أحتاج إلى
نظارة طبٌة ولكن نظرى كان سلٌما ،وهكذا صحبنى أبى إلى القاهرة حٌث
طفنا بؤطباء فى كل التخصصات عدا أمراض النساء واألطفال.
وهكذا قفلنا عابدٌن إلى طنطا ونحن فى حٌرة ،والصداع ال ٌزال على
حاله ،وكان التفسٌر المنطقى الذى توصلت إلٌه صدٌقات أمى بعد أن
أمضٌن معها ٌوما كامال ٌبحثن فٌه األمر هو أن «الولد معمول له عمل».
وهكذا جىء برجل معمم إلى البٌت ،وأعدت له ؼرفة مظلمة وحده ،خرج
منها بعد ساعة لٌعلن على الجمٌع أن الولد معمول له عمل فعال ،وأن هذا
العمل مدفون فى الحقول المجاورة لمستشفى طنطا األمٌرى ،وأننا ٌجب أن
نخرج فى الٌوم التالى فى الفجر لنبحث عنه ونبطل مفعوله ،وعندما جاء
الرجل بالحنطور مع أول خٌط من خٌوط النهار نزلت إلٌه مع أبى الذى
كان ممتعضا امتعاضا شدٌدا لتورطه فى كل هذه الرواٌة ،لكنه حاول
إخفاء شعوره ،وتوقؾ الحنطور بنا بجانب سور المستشفى ،ونزل الرجل
معصوب العٌنٌن ونحن وراءه ،وعندما أمسك بالسور بٌده ،خطا ثالث
خطوات ع ادها بحرص ،ثم توقؾ وخلع مندٌله من فوق عٌنٌه ونادى على
واحد من الفالحٌن الذٌن كانوا ٌعملون فى الحقل بالقرب منا« :افحت هنا
7
ٌا جدع» ،وإذا بخرقة ملفوفة فى قطعة من القماش القذر تظهر من باطن
األرض فٌتلقفها الرجل بٌده متلهفا كما لو كان قد وجد كنزا.
عاد بنا الحنطور إلى البٌت ،حٌث طلب الرجل طشت ؼسٌل ملٌبا بالماء،
ونثر فٌه كثٌرا من الملح وهو ٌقرأ القرآن وٌفك اللفافة بٌدٌه ،حتى ظهرت
بداخلها ورقة ملفوفة بعناٌة فقال الرجل إنها العمل ،وعندما َه ام بإلقاء
الورقة فى الماء أطبق والدى على ٌده ،وصمم على أن ٌقرأ ما فى الورقة،
حاول الرجل أن ٌقنع والدى بؤن من ٌلقى نظرة واحدة على العمل تعمى
عٌناه ،ولكن والدى لم ٌتراجع ،وقد ازداد إعجابى لحظتها به ،ولم أكن
أتخٌل أنه ٌخفى وراء وجهه السمح كل هذه القوة والحزم ،وبدأ والدى فى
قراءة الورقة ،ولم ٌجد مكتوبا فٌها سوى آٌات من القرآن فتساءل :كٌؾ
ٌجلب كتاب هللا الضرر؟ وفوق هذا وذاك لم ٌجد ذكرا السمى فى الورقة،
فطرد الرجل شر طردة ،ومنذ ذلك الحٌن وأنا ال أصدق الدجالٌن أو أتعامل
مع العرافٌن.
وعندما اشتد بى الصداع ،وكانت حدته قد وصلت إلى درجة أننى لم أكن
أستطٌع النوم اإال بصعوبة ،ولم تنفع المهدبات أو المنومات ،فنصح عمى
أبى أن أدخن سٌجارة عندما أدخل سرٌرى ،فربما دارت بى رأسى ونمت،
وهكذا كانت أول سٌجارة فى حٌاتى هى تلك التى أوقدها لى عمى بٌنما
كان أبى واقفا إلى جواره ،ولم أنم لٌلتها ،ولم أقلع عن التدخٌن منذ ذلك
الحٌن.
فاتنى الدور األول من امتحانات التوجٌهٌة ولم ٌكن قد تبقى على الدور
الثانى سوى شهرٌن اثنٌن ،لكنهما كانا كافٌٌْن مع دأبى وإصراري ،ودخلت
االمتحان ،وأهلنً مجموعً بـ %74.5لدخول كلٌة طب قصر العٌنً،
فعم الفرح األهل والمعارؾ ،وبدأت فى االستعداد للرحٌل إلى القاهرة.
زمالبً الكبار
أذكر من زمالبً فً مدرسة طنطا الثانوٌة الجدٌدة :جمال بدوى وعمرو
موسى ..جمال أصبح فٌما بعد صحفٌا المعا وكاتبا كبٌرا وكنت أعتبره
8
واحدا من أفضل من تحدثوا على شاشة التلٌفزٌون وهو ٌروى كحكاء بارع
قصصا مثٌرة من التارٌخ.
9
•تظاهرت دعمـًا لمحمد نجٌب بعد إقالته..وإزداد حنقى على الحكم بعد
اعتقال إحسان عبدالقدوس
مع نجيب
استؽرقت جوالتى هذه أشهرا قلٌلة لم أخرج منها بنتابج جلٌة حتى جاء
مارس 1954عندما حدثت األزمة المعروفة بٌن محمد نجٌب ومجلس
قٌادة الثورة ،وكنت من بٌن أولبك الذٌن ٌناصرون محمد نجٌب ألنه ـ على
ما فهمت ـ كان هو من ٌنادى بعودة الجٌش إلى ثكناته ،وتشكٌل حكومة
برلمانٌة ،فى حٌن كان اآلخرون ٌصرون على البقاء فى السلطة ،وكان
نجٌب رمز الثورة لدى الكثٌرٌن ،وعندما صدر القرار بإقالته خرجت من
الجامعة مظاهرات استمرت عدة أٌام.
فى أحد هذه األٌام وصلنا إلى كوبرى قصر النٌل فطاردتنا الشرطة
واعتقلت الكثٌرٌن ،ولكننى استطعت النجاة مع البعض عندما سارعنا
بالع ْدو تجاه فندق شبرد ،واختبؤنا فى جراج عمارة الشمس المجاورة له؛
َ
حٌث استتر بعضنا داخل السٌارات واآلخرون تحتها أو خلفها ،وظللنا فى
هذا المخبؤ ساعات حتى تؤكدنا أن الشرطة ؼادرت المكان عندما صاح
ضابط فى الخارج« :حارجع لكم تانى ٌا والد الكلب».
•حصلت على درجتٌن من مابة فى الكٌمٌا العضوٌة ..فحبست نفسى
شهرٌن بعدما حلقت شعرى «على الزٌرو»
وزاد حنقى على الحكم بعد اعتقال إحسان عبدالقدوس ،ولم أفهم كٌؾ
تعتقل الثورة ذلك الرجل الذى كشؾ األسلحة الفاسدة ،ولكننى كنت أحاول
على الدوام االهتمام بالدراسة ،وؼالبا ما كنت أفشل ،وكان مصٌرى
المحتوم الرسوب فى كل المواد ،وأذكر أننى حصلت فى إحداها على
صفر ،أما فى الكٌمٌاء الحٌوٌة ،وكان كتابها ٌزٌد على 300صفحة باللؽة
اإلنجلٌزٌة ،فلم أستطع اإلجابة سوى على فقرة واحدة من سإال بٌن أسبلة
االمتحان الخمسة ،وكان السإال على ما أذكر حول تركٌب ؼاز األوزون،
ونلت مقابل هذه اإلجابة درجتٌن اثنتٌن من مابة درجة.
10
لم تصدمنى النتٌجة كثٌرا ،وقررت العودة إلى طنطا ،وحلقت شعرى
«على الزٌرو» وحبست نفسى فى المنزل لم أؼادره لمدة شهرٌن
فاستطعت بذلك اجتٌاز امتحانات الدور الثانى ،ونقلت إلى سنة أولى طب،
أى إلى دراسة الطب الحقٌقٌة فى قصر العٌنى.
فى خرٌؾ 1955بدأت االنشؽال بالمجلة التى كانت الكلٌة على وشك
إصدارها ،وبدأنا العمل باختٌار الطلبة واألساتذة الذٌن سٌكتبون المقاالت
أو ٌجمعون األخبار والمعلومات ،وأخذنا ننقب فى تارٌخ الكلٌة ونبحث عن
خرٌجٌها البارزٌن الذٌن تولوا مناصب مهمة وما زالوا على قٌد الحٌاة،
وجمعنا قدرا كبٌرا من الصور الفرٌدة.
احتفلت أخبار الٌوم معنا عندما انتهت طباعة المجلة ،وانضمت إلى
االحتفال زمٌلتنا سمٌحة النجدى التى تصدرت صورتها الؽالؾ ،وقد
توفٌت فى رٌعان شبابها بعد تخرجها بسنوات ،وكانت آٌة فى الجمال
والخلق ،أما أنا فقد كدت أطٌر فرحا بنشر مقالى فى المجلة (بقلم حمدى
قندٌل) تحت عنوان «ذباب ونعاج فى الجامعة» ،وكان ٌدور حول العالقة
بٌن الطلبة والطالبات ،الموضوع الذى شؽل بالى كثٌرا ،وعندما اطلعت
على المقال مإخرا هالنى ما فٌه من سطحٌة.
قبل فجٌعة االمتحان ،وكنا وقتها فى عام ،1956واجهتنا فجٌعة أقسى ،إذ
جاءنا الدكتور ناصح أمٌن ٌنقل لنا النبؤ الصادم أن إدارة الكلٌة قررت
مصادرة المجلة؛ بدعوى أننا تطاولنا على الجامعة وأساتذتها ،وكنا بالفعل
قد انتقدنا األساتذة ولكننا لم نتطاول علٌهم ،لهذا رجحنا أن ٌكون سبب
المصادرة هو مقال محمد العزبى ،وكان مقاال ملتهبا عن الكفاح الوطنى
لطلبة الطب عبر الزمن ،أو أن ٌكون أصحاب العٌون واآلذان المفتوحة قد
علموا أننا من أنصار محمد نجٌب.
11
فى براغ
بعدها بؤٌام نادانى صبرى أٌوب إلى المالعب لٌحدثنى فى أمر قال إنه
IUSكما تعرؾ، مهم« :أنا على صلة باتحاد الطلبة العالمى فى براغ
وسٌعقد االتحاد مإتمره السنوى هذا العام فى المدٌنة نفسها ،وهم ٌواجهون
أزمة مع السلطات المصرٌة التى ترفض مشاركة طلبة من مصر فى
مإتمر تعقده منظمة ٌسارٌة» على الرؼم من أن عبدالناصر كان قد عقد
،1955 صفقة األسلحة التشٌكٌة الشهٌرة فى العام السابق ،أى فى عام
وعلى الرؼم من وقوفه ضد سٌاسة األحالؾ العسكرٌة الؽربٌة فقد كان
حذرا من تسلل الخطر الشٌوعى إلى مصر فى ذلك الحٌن ،وهكذا رفضت
سلطات األمن مشاركة مصر فى المإتمر.
اتصل بى صبرى ذات ٌوم وسؤلنى إذا ما كنت أستطٌع المرور علٌه فى
المساء ،وعندما ذهبت إلٌه كان لدٌه ضٌؾ أجنبى هو ربٌس اتحاد الطلبة
العالمى (ٌورى بلٌكان) ،وهو تشٌكى أصبح فٌما بعد ربٌسا للتلٌفزٌون،
تكلم بلٌكان طوٌال عن االتحاد وعن المإتمر وودعناه بعد أن وعدناه
بالحضور ،كذلك وعدناه بؤن ننسق ،كما طلب ،مع ٌاسر عرفات الذى
أبلؽنا فٌما بعد بؤنه سٌحضر المإتمر هو اآلخر.
لم ٌكن ٌاسر عرفات شخصٌة معروفة عندبذ ،كان مجرد طالب مثلنا
ٌدرس فى كلٌة الهندسة بجامعة القاهرة ،وإن كنا قد اجتمعنا به من قبل فى
ندوة عقدت فى مقر اتحاد الطلبة الفلسطٌنٌٌن باعتباره ربٌسا لالتحاد.
بعد مقابلة بلٌكان ،أعلن عبدالناصر عن تؤمٌم قناة السوٌس ،وتؤزمت
العالقة مع الؽرب ،ومع ذلك ظل رفض الجامعة للمشاركة فى المإتمر
على ما هو ،وهكذا بدأنا نتشاور حول تشكٌل وفدنا ،واتفقنا على أن
نصطحب معنا زمٌلنا سلٌمان إدرٌس (الذى أصبح زعٌما نقابٌا فى شركة
الحدٌد والصلب فٌما بعد) واقترحت أن نضم طالبة إلٌنا أٌضا ،فرشح
صبرى سناء فتح هللا (الناقدة المسرحٌة الكبٌرة فٌما بعد) ،وكانت تتدرب
فى دار أخبار الٌوم عندما كنا نطبع المجلة ،وكثٌرا ما كانت تعاوننا فى
12
إعدادها اتصلنا بسناء فوافقت على الفور ،وهكذا بدأنا التحضٌر للسفر الذى
اتفقنا مع ٌاسر عرفات أن ٌكون عن طرٌق أثٌنا.
بحرا إلى اليونان
ً
فً إحدى جلسات المإتمر ،الصؾ األول من الٌسارٌ :اسر عرفات
وصالح خلؾ وزهٌر العلمً ..الصؾ الثانً من الٌسار :سناء فتح هللا
وأنا وصبري أٌوب وسلٌمان إدرٌس
حجزنا السفر بالبحر بالباخرة التركٌة (إسكندرون) ،وقبل أن نستقل القطار
جمٌعا من أثٌنا فى الٌوم التالى اقترح ٌاسر عرفات أن نزور األكروبول
فذهبنا معا إلى حٌث ٌقع هذا المعبد الشهٌر فوق هضبة عالٌة (اسمه
بالٌونانٌة ٌعنى الهضبة العالٌة).
من فوق الهضبة أخذ عرفات ٌحدق طوٌال من خالل نظارة معظمة ثم
نادانى ،ولما اقتربت طلب منى أن أثبت عٌنى فى النظارة وسؤلنى« :هل
ترى فلسطٌن؟» ..فلسطٌن؟! فلسطٌن تبعد عن هنا مبات الكٌلومترات ٌا
ٌاسر ..قال عرفات« :ولكننى أراها بوضوح ،بل إننى أرى قبة الصخرة
تلمع» ،عندما سددت النظارة إلى الوجهة التى حددها لم أتبٌن شٌبا سوى
مٌاه البحر على مدى البصر ،وظللت سنوات بعد أن بدأ اسم عرفات ٌلمع
فى أواخر الستٌنٌات حابرا بٌن ظنونى ،فإما أنه خٌل إلٌه بالفعل أنه رأى
فلسطٌن لشدة تعلقه بها ،وإما أنه قد بدأ ٌلعب دور السٌاسٌٌن الذٌن ٌبٌعون
األوهام للناس وٌلعبون بعواطفهم.
كانت رحلة ممتعة بالقطار استقبلنا بعدها فى محطة براغ استقبال الفاتحٌن،
وقدمت لنا باقات الزهور ،وعندما تقدمنا صبرى وسط جمع من البنات
والصبٌة الذٌن كانوا ٌلوحون بؤعالم مصرٌة وفلسطٌنٌة صؽٌرة بدا كما لو
كان ربٌس دولة ،خاصة أنه كان الوحٌد بٌن القادمٌن والمستقبلٌن الذى
ٌلبس بدلة بصدٌرى تتدلى منه سلسلة ساعة ،ولما افتتح المإتمر وجاء دور
صبرى لٌلقى كلمة مصر تكرر المشهد ودوت القاعة بالتصفٌق والهتاؾ
لناصر ووقؾ األعضاء جمٌعا تقدٌرا واحتراما ،أما أنا وسناء وسلٌمان فقد
13
سالت من مآقٌنا الدموع ،ذقت منذ ذلك الحٌن معنى االعتزاز ببلدى
وبنفسى كمصرى.
زمالؤنا السوفييت
لم نكن على أى حال فى حاجة لبذل جهد الستخراج تؤشٌرة أو استصدار
تذاكر سفر فقد قام زمالإنا السوفٌٌت بترتٌب كل شىء على نحو دقٌق،
وسافر وفدنا بالقطار إلى موسكو حٌث استقبلنا استقباال أكثر تواضعا من
ذلك الذى وقع فى براغ وإن لم ٌقل دفبا وحماسا ،كانوا ٌسموننا وفد
ناصر ،وربما لهذا استضافونا فى فندق ال ٌلٌق إال بالوزراء ومن على
شاكلتهم ،والحق أن كل فنادق موسكو الكبرى كانت عندبذ أشبه بالقصور.
فى موسكو كان أول بند فى البرنامج بعد الذهاب إلى مسرح البولشوى (أى
المسرح الكبٌر باللؽة الروسٌة) هو زٌارة إذاعة موسكو (أظن أن اسمها
عندبذ كان :صوت روسٌا) ،هناك استضافونا فى القسم العربى ،وأجروا
حدٌثا مع كل منا حول تؤمٌم القناة وحول مإتمر براغ وكذلك حول الثورة
المصرٌة.
كانت هذه أول مرة ٌخرج فٌها صوتى على موجات األثٌر ،ولم أكن أعلم
عندبذ أننى سؤعمل فى األستودٌوهات بقٌة عمرى ،وال كنت أعلم أن
الشاب الذى جلس معى نحتسى الشاى إلى أن ٌنتهى صبرى وسناء من
التسجٌل سٌصبح بعد سنوات وزٌرا لخارجٌة روسٌا ثم ربٌسا لحكومتها
فى عهد ٌلتسٌن ،كان الشاب هو ٌفجٌنى برٌماكوؾ» ،الذى كان ٌعمل
بالقسم العربى فى اإلذاعة عندبذ ،فى المساء جاءنا المترجم إلى الفندق،
وهناك أبلؽنا أن اإلذاعة تعرض علٌنا نحن الثالثة العمل بها ،وافق صبرى
على الفور ،ورفضت سناء دون تردد ،أما أنا فقد استمهلته حتى الؽد ألتخذ
قرارى.
طمؤننا صبرى أنه لن ٌباشر العمل اإال بعد سفرنا ،أما أنا فظللت ؼارقا فى
الصمت ،كل ما كان ٌشؽل بالى هى الزٌارة التى قررت أن أقوم بها فى
الصباح للسفارة المصرٌة.
14
ذهبت دون موعد ،وطلبت مقابلة سفٌرنا الشهٌر محمد عوض القونى الذى
استقبلنى بعد انتظار قصٌر ،فروٌت له قصة وفدنا وأخبرته بالعرض الذى
تلقٌناه ،وبؤننى راؼب فى العمل فى اإلذاعة عدة شهور ولكننى أرٌد أوال
استبذان السلطات المصرٌة ،كان هذا هو القرار الذى توصلت إلٌه خاصة
بعد أن زاد إعجابى بعبدالناصر بعد تؤمٌمه للقناة ،وأٌقنت أنه ال ٌمكننى
العمل بدون إذن واالصطدام مع النظام ،أثنى القونى على قرارى ،وقال إنه
سٌبلػ القاهرة باألمر وسٌفٌدنى بعد ذلك بالرد.
•تلقٌت عرضـًا وأنا فى موسكو للعمل فى «اإلذاعة» ..فطلبت اإلذن من
القاهرة فجاء الرد :خالك بٌقولك إرجع حاال
كان قد مضى على إقامتنا فى موسكو ثالثة أسابٌع ،واآلن علىا أن أرحل،
كان السفٌر القونى قد تلقى ردا على رسالته من القاهرة ،وكان الرد موجزا
للؽاٌة« :خالك بٌقولك :عد فورا إلى القاهرة» ،كان خالى المقدم صادق
حالوة ٌشؽل المنصب المناسـب لطلبى بالتحدٌد ،كان ربٌس قسم مكافحة
الشٌوعٌة فى وزارة الداخلٌة!
•حملت المدفع الرشاش وأنا عابد للبٌت وكنت أشعر بالرجولة الكاملة
العدوان
فى القاهرة كانت تهدٌدات الؽرب قد تصاعدت ،وبدأ التلوٌح بالعدوان على
مصر ،وهكذا التحقت بالحرس الوطنى ضمن الكتٌبة التى بدأ تشكٌلها فى
قصر العٌنى ،وقد تقاطر األساتذة والطلبة لالنضمام إلى الكتٌبة ،وبدأ
التدرٌب بشكل ٌومى لنحو ساعتٌن ،ووزعت علٌنا فٌما بعد مدافع رشاشة،
وأذكر أننى فى أول ٌوم حملت فٌه مدفعى وأنا عابد إلى البٌت شعرت
بالرجولة الكاملة وبالمسبولٌة الكاملة أٌضا ،وكان كثٌرون ؼٌرى ٌحملون
مدافعهم وبنادقهم فى الشوارع ،لم تكن الثورة تخشى شعبها.
وقبل العدوان الثالثى بؤٌام تم توزٌع معظم فرق الحرس الوطنى فى البالد
على مواقعها ،وكان الموقع الذى خصص لفصٌلتى فى القاهرة مجاورا
لحى المرج ،وكنا نقضى اللٌل فى المزارع مختببٌن فى قنوات الرى أو
15
تحت الشجر نعٌن أنفسنا على البرد بالشاى الذى كان ٌجىء به أهل الكفر
المجاور فى براد ،ما إن ٌفرغ حتى ٌؤتونا بؽٌره.
كانت مهمتنا أن نقاوم أى إنزال محتمل للؽزاة بالمظالت وأن نخبر بذلك
ثكنة عسكرٌة ؼٌر بعٌدة عنا ،وقد أمضٌنا هناك نحو عشرٌن ٌوما ،ولكننا
لم نصادؾ سوى حادث واحد عندما هبط طٌار بالمظلة إثر سقوط طابرته
المؽٌرة على بعد كٌلومتر منا ،وهكذا هرعنا جمٌعا تجاهه عدا واحد فقط
من مجموعتنا ظل ٌهتؾ بحماس«« :روحوا ..ربنا معاكم ..أنا حاحرس
لكم هنا البطاطٌن» وقد أصبنا بخٌبة أمل كبٌرة عندما وصلنا إلى مكان
هبوط الطٌار فإذا به قد اختفى بعد أن ألقى الفالحون القبض علٌه وقٌل
إنهم سلموه للجٌش.
كانت أمى قد أصٌبت بالسرطان قبل وفاتها ،ولكنها ظلت تصارعه
بشجاعة وإصرار وكذلك بتفاإل مذهل أكثر من خمس عشرة سنة ،وكانت
مقبلة على الحٌاة على الدوام تماما كما كانت قبل أن ٌطالها المرض اللعٌن.
والواقع أنها لم تكن مرضت من قبل سوى لعدة أشهر فى منتصؾ
الخمسٌنٌات عندما أصٌبت بنوبة ربو عندما كنا نعٌش فى طنطا ،وهكذا
نصحها األطباء بالسكن فى منطقة جافة ،فكان قرار العابلة باالنتقال إلى
القاهرة حٌث كنت أدرس فى قصر العٌنى وماجد ٌدرس فى الحربٌة،
وكان والدى قد ترك تعلٌم البنات ورقى ناظرا لمدرسة المحلة الكبرى
الثانوٌة ،ولم ٌكن قد تبقى على إحالته للمعاش سوى عدة شهور ..وكانت
المفاضلة بٌن حلوان أو مصر الجدٌدة ،فرجحت كفة مصر الجدٌدة فى
النهاٌة..
كانت مصر الجدٌدة فى منتصؾ الخمسٌنٌات ضاحٌة جمٌلة هادبة ،تم
تخطٌطها منذ بداٌة إنشابها وفقا الشتراطات عمرانٌة صارمة ،وكانت
تتمٌز بمبانٌها المتناسقة ذات الطرز اإلٌطالٌة والعربٌة.
ولو كان هناك منا من لم ٌذهب إلى مصر الجدٌدة وقتها لكفاه أن ٌشاهد
عبدالحلٌم حافظ وهو ٌسٌر فى شوارعها فى فٌلم الوسادة الخالٌة الذى
صور هناك فى الوقت الذى انتقلنا فٌه إلٌها ..والٌزال هناك حتى اآلن
16
شواهد على المعمار القدٌم ماثلة فى كنٌسة البازٌلٌك ،وفندق هلٌوبولٌس
هاوس الذى أصبح ٌسمى قصر االتحادٌة ،وهناك أٌضا جروبى
واألمفترٌون ،وكذلك قصر البارون ذو المعمار التاٌلندى.
ولم ٌكن مترو مصر الجدٌدة وسٌلة مواصالت مثلى فقط للسكان ،بل إنه
كان العامل الذى اجتذب الكثٌرٌن مثلنا للسكن فى هذه الضاحٌة ،وكان
باإلضافة إلى ذلك ٌستخدم بؽرض النزهة ،وكانت عرباته التى صنعت فى
بلجٌكا نظٌفة ومواعٌده نموذجا للدقة كما أن ركوبه كان مجانٌا فى أٌامه
األولى ،وال بد لمن ٌتذكر أن البارون إمبان الذى أنشؤ ضاحٌة مصر
الجدٌدة منذ أكثر من مابة سنة قد مد خطوط المترو لٌشجع األهالى على
السكن فى الحى ،أن ٌتساءل الٌوم :كٌؾ فات على كل المسبولٌن فى مصر
من بعد أن ٌمدوا خطوطا للمترو إلى مناطق مثل الشروق ومدٌنتى
والرحاب؛ حتى تٌسر الحٌاة على سكانها وتجتذب آخرٌن للخروج من قمقم
القاهرة؟
ً
فسادا ..دمروا القصور •ٌعرؾ سكان مصر الجدٌدة من عاثوا فٌها
القدٌمة لتبنى مكانها عمارات لوزراء مبارك وأعوانه وأنجاله
مصر الجديدة
ولكن السإال األول هو :كٌؾ تدهور حال مصر الجدٌدة على النحو الذى
نراه اآلن؟ ال شك أن الزٌادة السكانٌة الهابلة قد تكون العامل األهم ،لكن
الذى خرب مصر الجدٌدة فعال هو الفوضى التى اجتاحت مصر كلها
فؤتاحت للكل أن ٌضربوا بالقوانٌن واللوابح عرض الحابط ،والفساد الذى
شاع من قمة الحكم إلى قاع المحلٌات.
وٌعرؾ سكان مصر الجدٌدة األصلٌون ،الكبار الذٌن عاثوا فٌها فسادا ،كما
ٌعرفون الوافدٌن الجدد منهم باالسم ،وٌعرفون ما دمروه من القصور
القدٌمة لتبنى مكانها عمارات فارهة أصبحت سكنى لعدد من وزراء مبارك
وأعوانه وأنجاله وأصفٌابهم ،وعلى الرؼم من أن سوزان مبارك كانت
حرٌصة على إقامة لمسات تجمٌل فى الحى هنا وهناك مثل منع مرور
السٌارات فى الكوربة كل ٌوم جمعة أو بناء مكتبة باسم الحى أو إقامة
17
حدٌقة باسمها ،فإن هذه كانت مجرد لمسات لتجمٌل البٌبة المجاورة
لقصرها ،أو كانت استكماال لدٌكور استقبالها مع الجوقة التى كانت
تصاحبها فى المناسبات المعدة سلفا للتصوٌر.
ظهرت نتٌجة امتحانات ثانٌة طب فى المساء ،ونقلت إلى السنة الثالثة وإن
كان علىّ أن أدخل امتحان اإلعادة بعد شهور فى التشرٌح والفسٌولوجى،
ولكننى قبل أن أذهب إلى البٌت ألخبر العابلة بالنتٌجة ،توجهت أوال إلى
أخبار الٌوم لعلِّى أستطٌع مقابلة األستاذ مصطفى أمٌن.
لم تستؽرق المقابلة سوى بضع دقابق وفوجبت به بعدها ٌطلب سكرتٌره
سلٌم فى التلٌفون وٌبلؽه بؤننى سؤعمل محررا فى مجلة «آخر ساعة» وأن
مرتبى سٌكون 15جنٌها شهرٌا.
بعد ذلك جاءنى زمٌلى محمد العزبى ٌبلؽنى بؤن هناك عرضا لكلٌنا من
مجلة «التحرٌر» مقابل راتب قدره خمسة وعشرون جنٌها.
كانت مجلة «التحرٌر» تصدر عن «دار التحرٌر للطبع والنشر» التى
1953 تصدر كذلك جرٌدة «الجمهورٌة» ،وكانت الدار أنشبت عام
لتتحدث بلسان الثورة ،وكان ربٌس تحرٌر المجلة هو المقدم عبد العزٌز
صادق ،أحد أعضاء الصؾ الثانى فى «الضباط األحرار» ،ولم ٌكن تولى
ضابط لمثل هذه المهام أمرا ٌلفت النظر فى تلك األٌام التى بدأ فٌها
الضباط ٌتسربون إلى الصحافة واإلذاعة.
آه يا دمشق 1959ــ 2011
طلب منى زمٌلى فى مجلة «التحرٌر» أسعد حسنى فى فبراٌر 1959أن
نلتقى مع نصوح بابٌل نقٌب الصحفٌٌن فى سورٌا وصاحب جرٌدة
«األٌام» ،ذهبنا إلى هناك وأنا على ٌقٌن أن أسعد رتب لى اللقاء حتى
أجرى حدٌثا للمجلة مع الرجل ،وأنه صاحبنى ألنه صدٌق له.
18
لم تستؽرق المقابلة سوى وقت قصٌر للؽاٌة ،كل ما فهمته فى الدقابق
األولى أنه متحمس للوحدة بٌن مصر وسورٌا ،وبعدها دخل مباشرة فى
راض عنها
ٍ الموضوع ،جرٌدته كانت عرٌقة وشهٌرة فى سورٌا ،وهو
راض عن إخراجها الصحفى؛ ولذلك فهو ٌعرض علًا ٍ تماما ،اإال أنه ؼٌر
أن أكون مسبوال عن ذلك ،وفاجؤنى الرجل بؤنه ٌود لو أجبته فى الحال إذا
كنت على استعداد للسفر معه إلى دمشق خالل األسبوع نفسه.
أجبت باإلٌجاب حتى قبل أن أعرؾ الراتب الذى سٌعرضه؛ وعندما
أخبرت أبى باألمر سؤلنى سإاال واحدا« :وما الذى ستفعله بدراستك؟»
قلت إن زمالبى سوؾ ٌوافونى بالكتب والمذكرات ،ووعدت بالحضور إلى
القاهرة ألداء االمتحان ،كنت على ٌقٌن أن العابلة لن تمانع؛ فقد ربانى أبى
وأمى على حب السفر ،بل كانا ٌحرضانى علٌه.
19
صمت برهة وصمت أنا اآلخر ،فاستطرد ٌقول« :تعرؾ مشكلة لواء
اإلسكندرونة» ،قلت« :أعرفها ..هذه أرض سورٌة استولى علٌها
األتراك» ،قال« :ونحن نجاهد من أجل استردادها ،وٌعمل فٌها رجالنا
على الدوام ،ولكن مجموعة منهم ألقى القبض علٌه فى العام الماضى ،وهم
اآلن ٌحاكمون ،ولدٌنا رسالة مهمة ٌمكن أن تساعد على تبربتهم ،وهذه
الرسالة نرٌد تسلٌمها إلى القنصل (السورى) فى إسطنبول».
ذكر لى اسم القنصل الذى ال ٌحضرنى اآلن ،وسؤلنى إذا ما كنت على
استعداد لتوصٌل الرسالة ،أشهد أنه نبهنى بشدة إلى مخاطر المهمة،
وأبلؽنى بؤن المخابرات التركٌة لو ضبطت الرسالة معى أثنـاء التفتـٌش
الدقٌق على الحدود فربما ٌكون مصٌرى اإلعدام.
وافقت دون تردد ،ولكننى قلت إن لى شرطا واحدا هو أن أبلػ السفٌر فى
أنقرة ،التى سؤزورها بعد زٌارتى إلسطنبول ،قال« :افعل ما ترى ..المهم
أن تصل الرسالة بسرعة».
فى اسطنبول
ق ادرت أنه مادامت الصحؾ العربٌة ممنوعة فى تركٌا ،فسوؾ تلفت المجلة
نظر ضابط الجمرك ،واألرجح أنه سٌركز اهتمامه فٌها ،وبذلك لن ٌلتفت
إلى المظروؾٌ ،ا إلهى ،هذا ما حدث تماما عندما بلؽنا نقطة الحدود
التركٌة ،صادر الضابط المجلة ولم ٌفتش الحقٌبة ،أحمدك ٌارب ،السإال
الوحٌد الذى سؤله لى الضابط هو ما إذا كان معى بن أم ال ،وهو السإال
نفسه الذى وجهه لكل الذٌن معنا فى السٌارة؛ إذ ٌبدو أن مهربى البن كانوا
كثٌرا ما ٌستخدمون هذا الطرٌق.
عندما وصلنا إسطنبول أخذت أعد الساعات حتى ٌؤتى الصباح وأسلم
الرسالة ،كانت تعلٌمات طلعت صدقى أال أتصل بالقنصل ،وإنما أن أذهب
إلى القنصلٌة فى الصباح كمواطن عادى وأطلب مقابلته ،وسوؾ ٌكون
20
مستعدا الستقبالى ،وهذا ما حدث ،بعدها ذهبت إلى أنقرة وأبلؽت السفٌر
باألمر.
منذ الٌوم األول عاملنى نصوح بابٌل كؤب ال كصاحب عمل ،كان حرٌصا
على راحتى الشخصٌة أوال ،على سكنى وما إلى ذلك ،بل إنه وفقا للعقد
الذى وقعناه كان علٌه أن ٌدفع لى مرتب شهر مقدما اإال أنه قال إنه ملتزم
بوعده لكنه سٌعطٌنى نصؾ المبلػ فقط خشٌة أن تضٌع الفلوس فى
«الكالم الفارغ» إذا ما تسلمتها دفعة واحدة ،وقال إنه سٌحتفظ بالباقى لدٌه
إلى أن أطلبه وقت الحاجة.
حٌن ؼادرت الجرٌدة بعد انتهاء فترة عملى المإقتة بها ،شاءت الصدؾ أن
ٌنطلق مشروع لصحٌفة ٌومٌة جدٌدة فى دمشق هى جرٌدة «الجماهٌر»
التى التحقت بالعمل بها بدعوة من القابمٌن علٌها ،وكان وراءها قطبان
شهٌران فى حزب البعث ،د .جمال الدٌن األتاسى ود .عبد الكرٌم زهور،
وكان كالهما ٌمثل جناحا ذا صبؽة اشتراكٌة ممٌزة فى الحزب الذى أصدر
23فبراٌر قرارا بحل نفسه فى الٌوم التالى إلعالن الوحدة ،أى فى
.1958
انتظم العمل ،ولم ٌكن هناك ما ٌنؽصنى سوى ذلك التوتر المكتوم بٌن
مإسسى الجرٌدة وبٌن عبد الحمٌد السراج الذى أصبح وزٌرا لداخلٌة
الوحدة وربٌسا للمكتب التنفٌذى لإلقلٌم الشمالى ،وكان هذا التوتر ٌعكس
فى حقٌقته العالقة المضطربة بٌن البعث والسراج؛ أقرب الضباط
السورٌٌن إلى عبد الناصر.
االنتخابات
أعلن وقتها عن إجراء االتحاد القومى ألول انتخابات له فى دولة الوحدة
التى كنت واحدا من المالٌٌن المتحمسة لها ،فقررت أن أرشح نفسى فى
دمشق لمجرد أن أإكد أن هذه الوحدة واقع ولٌس مجرد شعارات.
تمض أٌام حتى
ِ قدمت أوراقى إلى وزارة الداخلٌة كما هو مقرر ،ولكن لم
اتصل بى ضابط مصرى شاب ٌعمل فى مكتب االتصال المصرى فى
21
الداخلٌة السورٌة ،وهو المكتب المعنى بشبون المواطنٌن المصرٌٌن
المقٌمٌن فى اإلقلٌم الشمالى ،وطلب منى الذهاب إلٌه ،وفى مكتبه فاجؤنى
عندما طلب منى سحب ترشٌحى ،عندما سؤلت عن السبب ،قال:
«أصارحك ،أنت المصرى الوحٌد الذى رشح نفسه فى سورٌا ،وإذا
سقطت فى االنتخابات فسوؾ ٌستؽل ذلك للنٌل من الوحدة» ،عبثا حاولت
أن أجادل ،فقد قال الضابط بحسم« :أمـامك 48سـاعة لتقرر ا
وإال فإننا
سوؾ نصادر بطاقتك الشخصٌة ونعتبر ترشحك الؼٌا».
نشرت مقاال فى «الجماهٌر» حكٌت فٌه القصة بتفاصٌلها ،وفى الٌوم
التالى وصلنى إخطار رسمى بؤن ترشٌحى اعتبر الؼٌا ألن «أوراقه لٌست
مكتملة» ،وصودرت البطاقة.
تمض أٌام حتى وقعت أزمة أخرى داخل الجرٌدة بسبب تحقٌق صحفى
ِ لم
قام بنشره صدٌقى الصحفى المصرى الشهٌر سعد زؼلول فإاد.
سعد لم ٌكن صحفٌا فقط ،لكنه كان أٌضا فى طلٌعة الفدابٌٌن فى حقبة
النضال من أجل االستقالل فى األربعٌنٌات والخمسٌنٌات ،وكانت له
صوالت وجوالت على امتداد الوطن العربى كله ،حكم علٌه خاللها
باإلعدام مرتٌن وأفلت من المشنقة ،وقاتل إلى جانب الجزابرٌٌن أثناء
ثورتهم ،ورافق الفلسطٌنٌٌن فى كفاحهم سنوات ،وظل على الدوام نقٌا
صافى النفس ال ٌملك من الدنٌا اإال ما ٌكاد ٌستره ،حتى استراح من رحلته
المضنٌة فى الحٌاة.
كلؾ سعد مع مصور الجرٌدة «سركٌس بالجٌان» بإعداد تحقٌق صحفى
حول انتخابات االتحاد القومى ،وبالفعل قدم التحقٌق فى الٌوم التالى ،اإال أنه
أسهب كثٌرا فى التفاصٌل حتى إن التحقٌق تعدى الصفحة المخصصة له
فاختصرت منه نحو فقرتٌن عند النشر.
جاء سعد فى المساء إلى مقر الجرٌدة فى حى «المهاجرٌن» على حافة
جبل قاسٌون فى دمشق ،وكان مكتبى فى قاعة كبٌرة أجلس فى جانب منها
فى حٌن ٌجلس فى الجانب اآلخر «إمٌل شوٌري» مدٌر التحرٌر.
22
وما إن أبلؽت سعد بؤننى قمت باالختصار حتى ثار ،كان ٌعتقد أن إمٌل هو
الذى حذؾ ما حذؾ ألنه بعثى ،وألن التحقٌق الصحفى شهد بنزاهة
التصوٌت والفرز الذى أشرؾ علٌه السراج عدو البعث ،لم ٌصدق سعد
أننى الذى قمت باختصار التحقٌق ،وفجؤة قفز إلى الجانب اآلخر من الؽرفة
لٌبدأ بٌنه وبٌن إمٌل تالسن حاد ،انتهى بؤن التقط سعد مطفؤة السجابر من
على مكتب إمٌل وقذفه بها فى وجهه ،كان هذا آخر أٌام سعد فى الجرٌدة.
إلى بيروت
بعد هذه الواقعة بؤٌام وصلنى مقال الدكتور جمال األتاسى قبل أن أتناول
إفطارى ،فقد كان معتادا أن ٌرسل مقاالته بانتظام ،كانت مقدمة المقال
معتادة تعكس األزمة المؤلوفة مع السراج ومع السلطة فى القاهرة التى
كتب عنها األتاسى مرات من قبل ،ولكن اللهجة هذه المرة كانت حادة ،بل
إنها تصاعدت حتى قال األتاسى فى نهاٌة المقال« :عندما توصلت مع أخى
عبد الكرٌم زهور إلى تحلٌل المرحلة ،والمخاطر الخارجٌة والداخلٌة،
وسٌادة عقلٌة كمال الدٌن حسٌن وعبد القادر حاتم وؼٌرهما فى إدارة
المجتمع على النقٌض من عقلٌة الربٌس عبد الناصر ،وجدنا أن الحل
الوحٌد المتاح لنا هو االعتصام بالصمت كتعبٌر عن االحتجاج» ،وهكذا
صمتت «الجماهٌر» وتوقفت عن الصدور فى عام .1959
قال سعد« :ال تحمل همّا ..سنسافر إلى بٌروت» ..كانت بٌروت بالنسبة
لى حلما لم أستطع تحقٌقه طوال إقامتى فى دمشق ،وكانت وقتها مركز
السٌاحة والتجارة فى المنطقة ،وقبل هذا وذاك منبر الصحافة العربٌة
الحرة.
23
قال سعد« :ال تخش شٌبا ،هذه الطلقات هى تحٌة لقدومنا ،فنحن اآلن فى
أرض لبنانٌة ٌقٌم بها الدروز التابعون للشٌخ شبلى أؼا العرٌان ،وهو
ورجاله أصدقابى منذ كنت أهرِّ ب لهم السالح فى العام الماضى عندما
كانوا ٌقاومون الربٌس اللبنانى كمٌل شمعون الذى استدعى األسطول
السادس لضرب مصر وسورٌا» ،وهكذا واصلنا السٌر إلى قلب بٌروت
حٌث أقمنا فى فندق متواضع صؽٌر».
كان الفندق فى «ساحة البرج» ،لم أعد أذكر اسمه ،وكان أفضل ما ٌمٌزه
أنه كان ٌقبل الزبابن دون حاجة إلى جواز سفر ،أما أسوأ ما فٌه فكان
الؽرفة التى أعطوها لنا ،فقد كان فى الؽرفة سرٌر ثالث خال ولكنه شؽل
فى الٌوم التالى بزبون جدٌد كان شابا أمرٌكٌا فى عمرنا.
فى المساء أخذنى سعد إلى شرفة الؽرفة المطلة على الساحة وهو بادى
الؽضب ..قال« :الواد ده ، CIAالزم نمشى» ..عذرته ،إذ كان قد قضى
الكثٌر من أٌامه مطاردا فقلت« :فى كل األحوال أنا ال أستطٌع البقاء معه
تحت سقؾ واحد ..رابحة جواربه تقتلنى».
عدت إلى دمشق بعد نحو عام من هروبً؛ حٌث كنت موفدا من تلٌفزٌون
القاهرة لمدة أسبوع أقرأ فٌه نشرات األخبار فى تلٌفزٌون دمشق ،وكان
زمالإنا السورٌون ٌؤتون هم اآلخرون إلى القاهرة بٌن وقت وآخر تنفٌذا
لبرنامج التبادل بٌن المحطتٌن.
بشار األسد
أصبح لى هناك أصدقاء سورٌون ال حصر لهم ،وأذكر طالل الزٌن ،وهو
واحد من أكبر مالك ناقالت الؽاز فى العالم ،الذى التقٌته فى الٌونان عام
2003عندما أقامت السفارة المصرٌة حفل استقبال لسوزان مبارك أثناء
زٌارتها ألثٌنا ،وكان الحفل فى واقع األمر لجمع التبرعات للمشروعات
الخٌرٌة التى ترعاها حرم الربٌس السابق ولمكتبة اإلسكندرٌة أٌضا ،وكان
الزٌن مدعوا فتبرع بشٌك بملٌون دوالر ،ولكنه جاءنى بعدها إلى الفندق
مندهشا من أن الشٌك أعٌد له حتى ٌعٌد كتابته باسم سوزان مبارك!
24
لم تتح لى فرصة اللقاء باألسد األب من قبل ولكنى التقٌت الربٌس بشار
عدة مرات عام 2006و.2008
عندما جلسنا معا فى أول لقاء عام 2006قلت لهٌ« :ا دكتور بشار ،أنتم لم
تستفٌدوا من درس االنفصال بٌن مصر وسورٌا ،وأنت تعرؾ أن واحدا
من أسبابه كان سلوك بعض ضباط القٌادة المصرٌٌن المقٌمٌن فى دمشق،
أنتم اآلن تكررون الخطؤ نفسه ،لكنه بدال من أن تكون سورٌا هى المفعول
به أصبحت هى الفاعل».
وعندما أوشكت المقابلة أن تنتهى قلتٌ« :ا سٌادة الربٌس ،إن كان لى أن
أطلب منك شٌبا واحدا قبل أن أؼادر فهو ضرورة أن تقود بنفسك انفراجة
سٌاسٌة داخلٌة ،وأن تقترب من معارضٌك وأن تفرج عن المعتقلٌن
السٌاسٌٌن» ،فقال« :وعد سوؾ أفى به ،ولنا فى ذلك لقاء آخر».
وجاء اللقاء الثانى بعدها بؤسابٌع ،سافرت إلى لبنان ضمن وفد شعبى
مصرى بعد نشوب حرب تموز (ٌولٌو) 2006مباشرة ،أذكر أننا عندما
تجمعنا فى تظاهرة فى مطار القاهرة اقترب منى أحد لواءات الشرطة
وهمس فى أذنى« :قل لحسن نصر هللا إن مصر كلها معاه».
بعد ذلك بؤسابٌع أخرى كان لقاإنا الثالث عندما لبى الربٌس بشار طلبى
بإجراء حدٌث حول حرب «تموز» لتلٌفزٌون دبى ،وتطرقت إلى
الموضوعٌن الحساسٌن لدٌه :لماذا لم ٌطلق الجٌش السورى طلقة واحدة
فى الجوالن ،ولماذا ال ٌفرج عن المعتقلٌن السٌاسٌٌن؟ ولم تكن إجاباته
شافٌة ..عندما تحدث عن الجوالن مثال قال إن المقاومة هناك «قرار
شعبى ،ومن ؼٌر المنطقى أن تقول دولة إنها ستذهب إلى المقاومة؛ ألن
الشعب ٌتحرك للمقاومة بمعزل عن دولته عندما ٌقرر هذا الشىء» ،أى أن
الشعب هو المسبول!
وقلت له ٌومها أٌضا إن «أول حق للناس فى وطنهم أن ٌتكلموا بحرٌة»،
وعدت ألذ ِّكر أن جماعة مثل جماعة منتدى األتاسى أو مثل األعضاء فى
االتحاد االشتراكى وآخرٌن ؼٌرهم قد ٌكونون أكثر والء لبلدهم وهم فى
المعتقل من بعض الذٌن خارج السجون ،ولكنه رد بـ«الكلٌشٌه» التقلٌدى:
25
«ال نرٌد الحرٌات التى تستؽل من الخارج ..نرٌد حرٌات ضمن إطار
الوطن».
الثورة السورية
عندما اشتعلت الثورة فى سورٌا بعد مصر تعاطفت مع الثوار مثلما
تعاطؾ معظم المصرٌٌن الذٌن هبوا ضد االستبداد والفساد فى بلدهم،
ولكننى لم أعلن ذلك صراحة فى البداٌة ،وتفاقمت األمور على نحو ما
نعرؾ ،وامتدت الثورة إلى مناطق أوسع.
وقتها هاجم أعوان بشار رسام الكارٌكاتٌر المعارض الشهٌر على فرزات
فى ساحة األموٌٌن وهو عابد إلى بٌته فجرا وأوسعوه ضربا على ٌدٌه
وأصابعه فنقل إلى المستشفى مصابا بارتجاج فى المخ «علشان تتلم
ماترسمشى ضد أسٌادك» ،وكان إبراهٌم قاشوش الذى ؼنى أؼنٌة الثورة
الشهٌرة «ٌالال ارحل ٌا بشار» قد ذبح من حنجرته قبلها بؤسابٌع على
أٌدى الشبٌحة أنفسهم.
عندها وصل بى االستفزاز إلى مداه فقلت فى برنامجى الذى كنت أقدمه
فى قناة «التحرٌر» حٌنبذ إن أمثالى «اللى كانوا بٌشوفوا أمل فى بشار
األسد فى وقت ما ،ال ٌمكن بعد كل المجازر اللى حصلت ٌقفوا النهارده
جنب نظامه ،مهما كنا متؤكدٌن إن قوى أجنبٌة بتستهدؾ هذا النظام ..اللى
عارؾ إن فٌه قوة أجنبٌة متقصداه ما ٌدٌلهاش فرصة ،ما ٌفتحلهاش
الباب».
وأٌقنت أن بشار وصل فى عناده إلى نقطة الالعودة ،فحسمت أمرى
وواصلت الوقوؾ إلى جانب المعارضة ،ولكن األمور تطورت على النحو
الذى تطورت إلٌه فٌما بعد ،وهالنى التدخل الفاضح للؽرب الذى كان
ٌهدؾ إلى إسقاط بشار منذ زمن.
26
فى ٌ 21ولٌو ،1960بدأ إرسال «التلٌفزٌون العربى» ولم تمر شهور
حتى طلب منى ربٌس تحرٌر األخبار بهى الدٌن نصر أن أقرأ ألول مرة
نشرة أخبار التاسعة الربٌسٌة.
لما حاولت التملص أبلؽنى أن هذه أوامر« ،الدكتور حاتم قال :خلوا الجدع
السورى ده ٌقرا لنا النشرة اللٌلة دى» ،وضحك .كان عبدالقادر حاتم
ٌعرؾ العاملٌن جمٌعا واحدا واحدا ،إذ لم ٌكن عددنا عندبذ فى التلٌفزٌون
كله ٌزٌد على ،600وكان ٌظن أننى سورى ربما ألن أحدا أبلؽه أننى
كنت أعمل بالصحافة فى سورٌا قبل التحاقى بالتلٌفزٌون.
كان من المقرر أن ٌقرأ أنور المشرى تلك النشرة ،وكانت أوراقها بالفعل
فى ٌده عندما أبلؽوه أن ٌتخلى عنها لى ،لم ٌؽضب ،وبرقة بالؽة وحرص
صادق طلب منى أن أقرأ النشرة أمامه قبل أن أقرأها على الهواء حتى
ٌطمبن إلى إلقابى.
عندما بدأت تقدٌم برنامج «أقوال الصحؾ» فى سبتمبر 1961توقؾ بعد
الحلقة الخامسة ،قال لى ربٌس تحرٌر األخبار« :الوزٌر بٌقول لك استرٌح
شوٌة» .كانت هذه هى الشفرة فى ذلك الحٌن لإلعراب عن ؼضب
السلطة ،بعدها علمت أن سبب الؽضب هو أننى أوردت خبرا عن الربٌس
عبدالناصر فى نهاٌة البرنامج ولٌس فى بداٌته.
ذهبت إلى مكتب الربٌس فى منشٌة البكرى ،وطلبت مقابلة سامى شرؾ
سكرتٌر الربٌس للمعلومات ،قلت لهٌ« :ا سامى بك ،أرٌد أن أعرؾ من
الربٌس شخصٌا إذا كان ٌعترض على إذاعة خبر عنه فى نهاٌة برنامج»،
وحكٌت له الحكاٌة ،ضحك سامى شرؾ وطلب منى االنتظار فى استراحة
مكتبه.
بعد قلٌل نادانى ثانٌة ،وقال« :الرٌس بٌقول لك خد الجراٌد وروح على
األستودٌو بتاعك على طول من ؼٌر ما تكلم حد».
27
فى سنة 1963كان ٌصلنى فى مبنى التلٌفزٌون قفص من المانجو الفاخر
كل أسبوع دون أن أعرؾ مصدره ،،وعندما طلبت من األمن أن ٌتحرى
األمر أخبرونى أن القفص جاء مع سابق سٌارة لٌموزٌن سوداء فارهة
ولكنه ٌرفض اإلفصاح عن اسم المرسل.
انتظرت لألسبوع التالى ،وتتبعت السابق ،وما إن ركب السٌارة حتى
فتحت بابها الخلفى وقفزت داخلها ،أخذت أسؤل« :مٌن اللى قاعد جنبى؟
مٌن اللى قاعد جنبى؟» ،وعندما جاءنى الجواب عرفت أنها امرأة.
طلبت منها أن تخلع الخمار ،وعندما فعلت تمنٌت لو لم أكن ألححت فى
الطلب ،كانت دمٌمة للؽاٌة فؽلبنى إحباط شدٌد ،ولكننى حاولت أن أكون
لطٌفا بل وافقت على تلبٌة دعوتها على العشاء ،ذهبنا إلى كازٌنو مجاور
لقصر العٌنى الجدٌد ،وما إن جلست حتى نادت النادل« :هات له كٌلو
كباب».
كظمت ؼٌظى وأنا أقول لها« :أوال أنا الذى أنادى الرجل ال أنتِ ،ثانٌا ما
حكاٌة هات له هذه؟ وأخٌرا :الكباب هنا لٌس بالكٌلو ولكنه بالطبق».
بعد العشاء مدت ٌدها تحت المابدة وبدأت تلعب فى بنطلونى فاستعذت باهلل
من الفضٌحة التى ٌمكن أن تحدث ،حتى اكتشفت أنها تمد لى ٌدها بعشرة
جنٌهات ألدفع الحساب ،اعتذرت شاكرا ،وتنفست الصعداء عندما ؼادرت،
ولما جاء الثالثاء التالى ولم ٌصل قفص المانجو لعننى كل الزمالء الذٌن
كانوا ٌنتظرون القفص كل أسبوع .ما أذكره عن تلك السنوات من حٌاتى
فى التلٌفزٌون أننا كنا سعداء ،راضٌن برواتبنا المتواضعة ،بدأت بـ 14.5
جنٌه ،وانتهت بـ 55وكنت أتقاضى 70جنٌها بدل مالبس فى السنة ،فى
هذه السنوات اشترٌت سٌارة نصر 1300بقسط شهرى 20جنٌها على
مدى 24شهرا ،كما تزوجت من زمٌلتى مذٌعة النشرة الفرنسٌة فى
اإلذاعة علٌة البرعى فى عام 1966فى حفل استقبال فى فندق شبرد أظن
أنه كان أنٌقا كلفنى 240جنٌها ،بالتقسٌط أٌضا.
عندما علم األستاذ أنٌس منصور بنٌتى فى الزواج قال لى« :اوعى تعملها
ٌا حمدى ،إنت طالع ،واللى طالع الزم ٌخفؾ الحمولة» ،أشهد أن حمولتى
28
لم تحل بٌنى وبٌن ارتقاء درجات السلم ،إن لم تكن قد دفعتنى إلى مزٌد من
الصعود.
بعد حفل افتتاح مهرجان التلٌفزٌون الدولى فى االسكندرٌة عام ،1964
وعندما أوشكت أن أؼادر قابلت سعاد حسنى ولما علمت أننى مؽادر إلى
القاهرة طلبت منى أن أصطحبها معى ألنها مرتبطة بتصوٌر فى القاهرة.
انطلقنا حتى وصلنا إلى االستراحة فى منتصؾ الطرٌق الصحراوى،
وهناك ؼلبنى اإلجهاد والنوم فسؤلتها إذا ما كانت تستطٌع قٌادة السٌارة بدال
منى فقالت إنها متعبة تماما ،وهكذا استؽرقنا فى النوم كل فى كرسٌه حتى
جاء موظؾ فى المكتب ودق على الزجاج« :إصحى ٌافندى النهار طلع»،
وال أظن أنه تبٌن أن النابمة إلى جوارى هى سعاد حسنى.
وما أدراك ما الستينيات
كنا فى عام 1962عندما طلب التلٌفزٌون منى فى الدقٌقة األخٌرة تقدٌم
حفل نادى ضباط الجٌش بالزمالك مساء ٌ 26ولٌو احتفاال بالذكرى السنوٌة
لطرد الملك ،بعدما تؽٌب عن الحفل مقدمه األصلى.
عندما وصلت علمت أن مهمتى ستقتصر على تقدٌم أم كلثوم ،وجدت أن
األمر ال ٌحتاج إلى عناء ،وصعدت إلى خشبة المسرح فوجدت أمامى على
بعد أمتار جمال عبدالناصر جالسا فى الصدارة ومن حوله أعضاء مجلس
قٌادة الثورة ،لكننى لم أتحقق من شخصٌاتهم ألننى لم أستطع أن أحول
نظرى عن عبدالناصر ،وعلى الرؼم من أنه ابتسم ابتسامة عرٌضة
ثوان من الصمت قلت« :أٌها ٍ مشجعة فإن رعشة خفٌفة أصابتنى ،وبعد
السادة ،إلٌكم أم كلثوم» ،وقفلت عابدا ،فوجدت أم كلثوم فى طرٌقى تتقدم
على خشبة المسرح ،فاستوقفتنى وقالت« :ده كل اللى ربنا فتح بٌه
علٌك؟».
جحيم النكسة
أتذكر ٌوم ٌ 5ونٌو 1967بكل تفاصٌله ،عندما وصلنا إلى الشبون العامة
للقوات المسلحة قٌل لنا إننا سنذهب إلى قاعدة فاٌد الجوٌة التى سٌصل
29
إلٌها الفرٌق طاهر ٌحٌى ،ربٌس وزراء العراق ،لٌتفقد القوة العراقٌة
المرابطة هناك ،وسٌرافقه فى الزٌارة حسٌن الشافعى نابب الربٌس.
كان معى المصوران محمد رجب وفاروق صالح ،ومهندس الصوت محمد
البلتاجى ،وصلنا وقت اإلفطار ،فتناولنا إفطارنا مع الطٌارٌن المصرٌٌن
فى «مٌس» الضباط ،ثم قمنا بتصوٌر وصول الضٌؾ العراقى ،وبعدها
اتجهنا إلى القوة العراقٌة التى كانت تقوم بتدرٌبات روتٌنٌة.
وفجؤة ،بٌنما نحن هناك إذا بدوى انفجار هابل تبعته انفجارات أخرى
متتالٌة ،وكانت الساعة وقتها تشٌر إلى التاسعة اإال الربع ،أخذتنا المفاجؤة
فلم نتبٌن تماما ماذا حدث ،اإال أننى بعد دقابق لمحت طابرة تحترق عن بعد
على المدرج ،وبعدها مباشرة لمحت طابرة إسرابٌلٌة تمرق فوقنا فى الجو،
وتتالت االنفجارات ،سارعنا إلى سٌارة التلٌفزٌون ،وعندما سؤلنا السابق:
إلى أٌن؟ قلت« :تحرك فى أى اتجاه لكن بسرعة».
بعد أن ذهبت بنا السٌارة ٌمٌنا وٌسارا ونحن ال نعرؾ أٌن المفر ،انتهى بنا
20طٌارا األمر فى نادى الطٌارٌن على ضفاؾ القناة ،كان هناك نحو
ٌتصاٌحون بهستٌرٌا ،وظل واحد منهم ٌخبط رأسه فى جدار حتى سال منه
الدم.
فهمت من أحدهم أن معظمهم فقدوا طابراتهم قبل أن ٌصلوا إلٌها ،وأن
ثالثة من زمالبهم فقط استطاعوا الطٌران لكنهم ال ٌعلمون مصٌرهم.
خرجت من المكان قبل أن أصاب بالجنون ،وعندما وصلت إلى السلم
األمامى إذا بسٌارة جٌب مكشوفة قادمة وفٌها حسٌن الشافعى جالس إلى
جوار الجندى السابق ،سؤلنى إن كانت لدىّ معلومات مفصلة عما حدث
فؤجبته بما أعرؾ ،قال إنه سٌعود إذن إلى القاهرة ،لكنه استدرك« :تفتكر
ناخد أى طرٌق؟» ،نصحت بالطرٌق الصحراوى.
عدنا نحن على الطرٌق الزراعى الذى كان ٌمر بثالثة مطارات عسكرٌة
هى أبوصوٌر ثم بلبٌس ثم أنشاص ،لعلنا نستطٌع أن نجد شٌبا مناسبا
للتصوٌر ،وكانت الطابرات اإلسرابٌلٌة تدوى فوق رءوسنا بٌن حٌن وآخر
30
فنؽادر السٌارة ونرتمى إلى جانب الطرٌق ،أما المطارات فكانت تتصاعد
منها النٌران جمٌعا ،فى حٌن كان رادٌو السٌارة ٌنقل لنا أخبارا عن
عشرات الطابرات التى أسقطتها قواتنا.
المإكد أن قٌادة الجٌش خدعتنا خدعة كبرى ،ولألسؾ فإننا تحققنا من ذلك
بعد ساعات ،فقد علمت فى صباح الٌوم التالى ٌ 6ونٌو أن عبدالحكٌم عامر
أصدر قراره فى الفجر بانسحاب الجٌش من سٌناء.
بالرؼم من شعبٌة عبدالحكٌم عامر بٌن كثٌر من الضباط ،فإننى لم أنبهر به
على مدى السنوات القلٌلة السابقة منذ انفصال سورٌا عن دولة الوحدة فى
سنة ،1961وذلك بسبب سلوك أعوانه المدللٌن فى دمشق وبسبب فسادهم
الذى انتشرت روابحه فى القاهرة ،ولم أكن أعتقد أنه ٌملك الكفاءة الالزمة
لقٌادة جٌش مثل جٌش مصر.
التنحي
4 ٌوم ٌ 9ونٌو عندما ألقى عبدالناصر خطاب التنحى ،كنت فى أستودٌو
وقتها مع همت مصطفى حٌث قدمنا الخطاب الذى بدأ بثه من بٌت
عبدالناصر فى منشٌة البكرى فى السابعة مساء ،ولما وقعت المفاجؤة
المذهلة عندما قال« :قررت أن أتنحى تماما ونهابٌا عن أى منصب رسمى
أو دور سٌاسى» ،وقبل أن ٌكمل الخطاب حتى نهاٌته ،قررنا معا أن
نطالب عبدالناصر بالبقاء« ..كالم رجالة؟» ،سؤلت همت ..قالت« :كالم
رجالة» ..انطلقنا فور أن انتهى الخطاب.
بعد دقابق طلبنا الوزٌر إلى مكتبه ،وعندما دخلنا صاح فٌنا« :إنتو عملتوها
مسرحٌة؟ الرٌس ٌتنحى وبعدٌن التلٌفزٌون بتاعه ٌقول له :أله؟» ..جادلته
همت ،وانطلقت أنا إلى شباك مكتبه أفتحه وأقول لهٌ« :ا سٌادة الوزٌر
اسمع الناس وأنت فى الدور التاسع بتقول إٌه» ،كان الصٌاح من حوارى
بوالق ٌتصاعد مطالبا الربٌس بالبقاء وتحمل المسبولٌة ،ولم نكن ندرى
وقتها أن مصر كلها بل وشعوب العرب جمٌعا تطالبه بؤن ٌبقى.
31
أثبتت األٌام أن بقاءه كان الضمان األول الستنهاض الهمم وبدء حرب
االستنزاؾ ووضع الخطة التى كانت أساسا لحرب أكتوبر ،وفى أٌام قلٌلة
بدأ الجٌش ٌستعٌد روحه فانتصر فى معركة رأس العش بعد ثالثة أسابٌع
فقط من النكسة ،ثم أؼرق الباخرة إٌالت وبدأ حرب االستنزاؾ عندما رفع
عبدالناصر شعار «ال صوت ٌعلو على صوت المعركة» ،واستهل هذه
الحرب بإقامة حابط الصوارٌخ الشهٌر.
فى 28سبتمبر 1970انتقل عبدالناصر إلى باربه ،ما إن تتالى بث آٌات
القرآن الكرٌم على الشاشة وأنا فى البٌت حتى هرولت إلى مبنى
التلٌفزٌون ،طردت من ذهنى أن ٌكون عبدالناصر قد أصابه سوء ،ومع
ذلك فقد طاردنى هاجس أنه ربما ٌكون قد اؼتٌل ،ولعل هذا ما دفعنى إلى
الذهاب ال إلى إدارة األخبار وإنما إلى مكتب الوزٌر.
هناك كانت تنتظرنى الصاعقة ..لم ٌكن األستاذ هٌكل الذى عٌن وزٌرا
لإلعالم قبل عدة شهور فى المكتب ..حضر أنور السادات لٌلقى البٌان،
ُ
وتهٌؤت ألن أقدم السادات وأعلن أنه سٌوجه بٌانا وصحبته إلى أستودٌو ،4
إلى األمة ،وكان ذلك فى الساعة الحادٌة عشرة اإال خمس دقابق ،لكننى قبل
بثوان تذكرت فجؤة بؤى صفة أقدمه ،فربما ٌكون قد
ٍ أن أظهر على الشاشة
حدث فى الساعات القلٌلة السابقة ما ال أدرٌه ..سؤلته« :بؤى لقب أقدمك
سٌادة النابب؟» ..رمقنى بنظرة لم أتبٌن عندبذ معناها وقال« :أنور
السادات ،مش كفاٌة كده؟!».
كان للثورة أخطاإها والشك ،وفى مقدمتها مصادرة الحرٌات وسٌطرتها
على اإلعالم ،عن نفسى فقد اعتذرت لإلخوان المسلمٌن منذ سنوات عن
األحادٌث التى أجرٌتها مع المعتقلٌن منهم فى السجن الحربى عام ،1965
وقد راجت فى بعض مإلفات اإلخوان بعدبذ أكذوبة ،أننى كنت أطلب من
ضباط السجن أن ٌبدلوا المعتقلٌن الذٌن كنت أستجوبهم بآخرٌن حتى
أحصل على اعترافات صرٌحة ،بل إننى كنت أصفع بعضهم إن لم ٌعترؾ
االعتراؾ الذى أرٌد ،وأشارك فى تعذٌبهم أحٌانا!
32
أٌقنت أننى ارتكبت خطؤ مهنٌا وأخالقٌا باستجواب معتقلٌن قٌدت حرٌتهم
فاعتذرت ،ورحب اإلخوان باعتذارى بامتنان ،ولكننى عندما اختلفت مع
مرسى فى 2012وهاجمته ،عادوا عن طرٌق تنظٌمهم اإللكترونى
ٌذ ِّكرون ،فى لؽة ال عالقة لها بدٌن وال خلق ،بحكاٌة السجن الحربى
وٌضٌفون إلٌها رواٌات ورواٌات عن عبدالناصر وحكمه وأٌام الستٌنٌات
التى كثٌرا ما كرروا أنهم لم ٌشهدوا فٌها سوى المذابح والمشانق.
عندما جاء عام ،1973ذهبت إلى مكتب الدكتور عبدالقادر حاتم مباشرة،
وعندما قابلته قلت« :جبت ألسلم نفسى إذا كان بمقدورى أن أساهم
بشىء» ،أشهد أن الدكتور «حاتم» لم ٌتردد ،طلب منى النزول إلى
األستودٌو مباشرة ،حٌث أقمت إقامة تكاد تكون دابمة عدة أٌام هى األٌام
التى سبقت انسحاب القوات المصرٌة الذى وصفته السلطة وقتبذ بؤنه
«انسحاب تكتٌكى» بسبب «ثؽرة الدفرسوار» ٌوم 15أكتوبر.
فى ذلك الوقت أجرٌت الحدٌث الشهٌر مع الكولونٌل «عساؾ ٌاجورى»
صاحب أعلى رتبة بٌن الضباط اإلسرابٌلٌٌن الذٌن أسرهم الجٌش
المصرى.
عندما عدت إلى المنزل قابلتنى والدتى بوجه عابس ،ثم إذا بها تعاتبنى
على إجراء حدٌث مع ٌاجورى ،لم أستطع أن أضبط أعصابى فصحت:
«تعاتبٌننى ٌا أمى على الحدٌث؟ لٌه؟ ألن الرجل كان إسرابٌلٌا؟» قالت:
«ال ،ألنه أسٌر» ،أفحمتنى إجابتها فلم أنطق بكلمة.
كنت وال أزال أعتقد أن الربٌس السادات خذل جٌشه ،إذ إن الجٌش كان قد
حقق فى الحرب انتصارا مبهرا ،وكان باستطاعته التقدم إلى الممرات فى
سٌناء مما ٌضع مصر فى موقؾ تفاوضى أفضل عند انتهاء العملٌات
العسكرٌة ،لكن السادات أجهض هذا التقدم فى وقت مبكر ،حتى إن صدٌقه
«هنرى كٌسنجر» قال إنه بدد كل أوراق الضؽط التى كان ٌمتلكها فى
البداٌة.
33
غزو الكويت
عندما ؼزا صدام الكوٌت فى 2أؼسطس 1990كنت فى ؼاٌة القلق على
أصدقابى هناك ،كنت أرٌد معرفة ماذا حدث لهم ،وخاصة جواد بو خمسٌن
على وجه الخصوص ،وكان واحدا من كبار رجال األعمال فى الكوٌت،
فوجبت برجل ٌتصل بى من األردنٌ ،قول بلهجة ٌمنٌة« :معى خطاب
عاجل من أبو عماد وهو مهم جدا ..أرجوك أن تقابلنى فى عمان».
هرولت إلى عمان ألتسلم الخطاب الذى أبلؽنى فٌه بوخمسٌن أنه نجح فى
تهرٌب عابلته ،وأنها فى طرٌقها اآلن إلى القاهرة حٌث ستقٌم فٌها تحت
مسبولٌتى ،ولكن المسبولٌة الفادحة بالفعل كانت تنتظرنى فى مظروؾ
آخر كبٌر حمله الرسول ذاته ،فقد كانت فٌه رسالة مفادها أن «هذه
األوراق هى توكٌالت رسمٌة لك منى بالتصرؾ فى أموالى» ،كانت
األوراق موجهة منه إلى البنوك التى ٌتعامل معها فى القاهرة وبٌروت
ولندن ،وكانت حساباته فٌها بمالٌٌن ٌصعب إحصاإها ،أما سطور الرسالة
األخٌرة فكانت بالعامٌة المصرٌة« :أما عن نفسى ،فؤنا مش طالع من
هنا».
بعد أسابٌع قلٌلة جاءنى صوته فى اتصال تلٌفونى ٌبلؽنى أنه مع أصحابه
الذٌن أعرؾ بعضهم ٌنظمون هناك صفوؾ المقاومة ،تبٌن أن هإالء
الرجال ومبات ؼٌرهم قد نظموا تحت االحتالل ما ٌشبه الحكومة المدنٌة،
وحملوا السالح وحملوا القلم أٌضا.
كان معظم من تبقى فى الكوٌت وقتها هم أقل الناس دخال ممن لم ٌستطع
الهرب ،وكانت هناك شبكة محكمة تنقل الؽذاء والمال ممن عنده إلى من
لٌس عنده ،كانت هناك خالٌا من األطباء المتطوعٌن ،وكان المهندسون
وؼٌرهم من أصحاب المهن ٌوزعون الخبز والزٌت واألرز وكبار القوم
ٌجمعون القمامة.
كان صدام ٌظن أنه سٌكون الطرؾ الرابح ،وكانت الوالٌات المتحدة تظن
أنها الرابحة ،ولكننا بعد انتهاء «عاصفة الصحراء» اكتشفنا أن الرابح
الوحٌد من الحرب كانت الـCNN
34
كانت محطة تلٌفزٌون CNNقد أنشبت فى الوالٌات المتحدة فى عام
،1980لكنها لم تعرؾ على المستوى العالمى سوى بعد ؼزو الكوٌت،
وربما لهذا ٌقول كثٌرون إنها ولدت مع الؽزو الذى كلفت بتؽطٌته عدٌدٌن
من مراسلٌها ونقلت كل أحداث الحرب خطوة بخطوة ،وكان كل من
الجانبٌن العراقى واألمرٌكى ٌوجه إنذاراته إلى اآلخر من خاللها.
بعد دحر القوات العراقٌة ذهبت إلى الكوٌت وكان المطار الذى خرجت
منه ودخلت مرات ومرات من قبل خرابا ٌبابا« ..أكو أوامر أن ٌحرق
األصل (العراق) الفرع (الكوٌت) وتؤكل األم كالقطط أوالدها» ،قالها
ضابط عراقى بزهو إلى جمع من األسرى الكوٌتٌٌن« :المحافظة 19ال
ٌمكن أن تكون أكثر بهاء من العاصمة بؽداد ،سنسوٌها باألرض حتى
تصبح أحقر من أقذر أحٌاء البصرة» ،لكن القدر الساخر جعلنا نرى
البصرة تدمر ،ومعها كركوك وكربالء ومابة مدٌنة ومدٌنة فى العراق
ذاته ،أما الكوٌت فقد ظلت معظم مبانٌها على حالها أو أقرب ما تكون إلى
ذلك.
ورؼم كل الخراب الذى خلفه العراق فى الكوٌت فإنه ٌهون أمام الجرٌمة
الكبرى ،حٌث أحرقت القوات العراقٌة أكثر من 700ببر للبترول قبل
انسحابها ،وهكذا ؼطت السماء سحابة سوداء امتدت إلى الدول المجاورة
(استؽرق إطفاإها 8أشهر).
35
فى صباح ٌوم 26سبتمبر ،1962أذٌع نبؤ قٌام انقالب فى الٌمن
«السعٌد» بقٌادة الزعٌم (العقٌد) عبدهللا السالل ومقتل اإلمام محمد البدر،
خالل قصؾ قصر البشابر (قصر الحكم) فى صنعاء وقٌام نظام جمهورى
فى البالد.
كانت إذاعة «صوت العرب» هٌؤت األذهان لقٌام الثورة ،ودعت قبل
أشهر الشعب الٌمنى لالنتفاض ضد اإلمام أحمد حمٌد الدٌن ،وقبل الثورة
بؤسبوع واحد فقط ،كان قد أعلن فى الٌمن عن وفاة اإلمام أحمد الذى حكم
البالد لنحو ثالثٌن سنة ،ولم ٌعرؾ أحد على وجه الدقة كٌؾ مات ،بل إن
الكثٌرٌن شككوا فى أنه مات قبل إعالن وفاته بٌوم واحد كما زعم ابنه
اإلمام البدر ،واألرجح أن ذلك كان قد حدث قبل ذلك بفترة ،وأن اإلمام
البدر الذى كان ولٌا للعهد عندبذ أرجؤ إذاعة الخبر حتى ٌتمكن من ترسٌخ
سلطته أوال.
بدأت معارك اإلذاعة بٌن البلدٌن (مصر والٌمن ) عندما بث رادٌو صنعاء
فى بداٌة سبتمبر 1961هجوما شدٌدا على عبدالناصر فى قالب قصٌدة
تمض أسابٌع
ِ شعرٌة من 64بٌتا من تؤلٌؾ اإلمام أحمد حمٌد الدٌن ،ولم
حتى كال عبدالناصر لإلمام الصاع صاعٌن فى خطبة االحتفال بعٌد
النصر.
كان اإلمام أحمد ٌحتفظ بمفتاح اإلذاعة فى خزٌنته الخاصة ،وكان المهندس
المختص ٌؤخذ منه مفتاحها كل ٌوم لٌفتتح اإلرسال ثم ٌعٌد المفتاح إلٌه بعد
ذلك ،وكانت مواعٌد اإلرسال تعتمد على مزاج اإلمام وعلى ارتباطاته
ومواعٌده.
كان عبدهللا جزٌالن مدٌر الكلٌة الحربٌة ومدرسة األسلحة هو الذى خطط
للهجوم على قصر البشابر ،وزود بعض الفصابل التى شاركت فى الثورة
فى صنعاء بالسالح.
وكان المتوقع من اإلمام البدر أن ٌسلم إذا ما حاصرت القوات القصر ،لكنه
أمر الحرس بإطالق النار على المهاجمٌن ،وأوفد قابد الحرس الزعٌم
عبدهللا السالل للتفاوض مع الثوار ،فؤعلن انضمامه لهم ونصابوه قابدا عاما
36
للقوات المسلحة باعتباره صاحب أكبر رتبة عسكرٌة (هكذا ٌمكن اعتباره
نجٌب الثورة الٌمنٌة إذا ما قارنا الوضع بالثورة فى مصر).
وفى حٌن أعلنت اإلذاعة مقتل البدر فى الهجوم ،كان قد تسلل عبر سرداب
تحت القصر فى مالبس أحد الحراس ،وهرب فى اتجاه السعودٌة.
استولت «حركة الضباط الشبان» على حامٌة قصر البشابر وعلى صنعاء
على الفور ،ولم تستخدم فى ذلك سوى 13دبابة و 6مدرعات وبضعة
مدافع منها اثنان مضادان للطابرات ،وكذلك سٌطرت فى الوقت نفسه على
حامٌة كل من تعز والحدٌدة.
وكانت كل من السفارة المصرٌة والبعثة العسكرٌة المصرٌة فى الٌمن على
صلة وثٌقة بالضباط الشبان ،وعلى دراٌة بالتحضٌر للثورة ثم بتوقٌت
إعالنها ،ومع ذلك فعندما قامت الثورة أرسل السالل إلى القاهرة برقٌة
نصها« :تسلم فورا إلى قابد العروبة سٌادة الربٌس جمال عبدالناصر..
نبلؽكم بقٌام الجٌش بإعالن الثورة واإلطاحة بحكم آل حمٌد الدٌن».
فى اليمن الثائر
فى أول أكتوبر سافرنا بطابرة إلى الٌمن ،كنا مع عدد من كبار ضباط
الجٌش الذٌن ذهبوا فى البداٌة لتقدٌر الموقؾ ،ورسم الخطط الالزمة قبل
أن تبدأ قوات الصاعقة وؼٌرها سفرها فى الٌوم التالى إلى كل من صنعاء
وتعز ،كانت طابرتنا متجهة إلى صنعاء ،وكان مهبط الطابرات فى المطار
مجرد طرٌق ممهد بالكاد ،وال أعتقد أنه كان مرصوفا باألسفلت ،وكان
ٌجاوره كشك صؽٌر ال بد أنه برج المراقبة.
كان تدبٌر أمور معٌشتنا وترتٌبات عملنا أمرا صعبا وخاصة ما ٌتعلق
بوسابل النقل ،وقد نصحنى محمد عبدالواحد؛ المسبول الوحٌد فى السفارة
فى ذلك الوقت ،أن أتوجه إلى «الزعٌم» السالل شخصٌا ،ولم تكن هناك
صعوبة فى تحدٌد لقاء معه فى الٌوم التالى.
قال السالل إنه لألسؾ ال توجد سٌارة ٌمكن االستؽناء عنها لدى الحكومة،
وإن أسرع حل أمامه أن ٌخصص لى سٌارة اإلمام البدر.
37
عندما الحظ ترددى قال« :هذا هو الحل الوحٌد لديا اآلن» ،وهكذا لم ٌكن
أمامى سوى القبول شاكرا ،وقد نبهنى ٌومها إلى أنه ال ٌمكننا الحصول
على بنزٌن للسٌارة إال بتوقٌعه شخصٌا ،لكن تلك لم تكن أسوأ مفاجؤة.
المفاجؤة األسوأ كانت عندما تسلمت السٌارة ،وكانت سٌارة أمرٌكٌة فارهة
من أحدث طراز فى شركة «شٌفرولٌه» على ما أذكر ،وكانت الفتة للنظر
إلى حد بعٌد؛ لذلك كنت أحاول تفادى ركوبها كلما استطعت.
عندما حضر أنور السادات إلى الٌمن لتوقٌع اتفاقٌة التعاون العسكرى بٌن
البلدٌن ،سلمت السٌارة لمكتبه؛ إذ ال ٌلٌق أن ٌتحرك مسبول مصرى فى
مكانته بسٌارة متواضعة فى حٌن أركب أنا شٌفرولٌه ،واستلمتها عند
سفره.
حضرت إحدى جلسات السادات خالل هذه الزٌارة ،وكان ٌجلس مع بعض
شٌوخ القبابل الٌمنٌة ،وٌبدو أن الحدٌث كان ٌدور قبل دخولى عن تدخل
اإلنجلٌز فى حرب الٌمن وعن ذكرٌات السادات عندما كان ٌشارك فى
المقاومة ضد القوات البرٌطانٌة فى القناة أثناء احتاللها لمصر ،أذكر أنه
قال« :أنا بإٌدى خلصت على أذنابهم فى مصر ،وكمان دوختهم فى
معسكراتهم فى القناة ..كل ٌوم آجى لهم من حتة ..دوخٌنى ٌا لمونة كده»
(ربما كان ٌقصد اتهامه باالشتراك فى مقتل الوزٌر الوفدى أمٌن باشا
عثمان ربٌس جمعٌة الصداقة المصرٌة البرٌطانٌة فى عام ،)1946وكان
ٌستخدم ٌده كما لو كان ٌعصر بها شٌبا.
التفت إلى الشٌوخ فلمحت فى عٌونهم نظرة دهشة؛ ربما ألنهم لم ٌستوعبوا
تماما ذلك التعبٌر الؽرٌب على آذانهم ،وٌبدو أن السادات انتبه إلى ذلك
فاعتدل فى كرسٌه ،وقالٌ« :عنى إنجلٌز دخلوا الحرب ،الجن األزرق
دخل الحرب ،أنا باقول لكم ،أنا مش ساٌب كرسٌّه ده إال لو طلعوا اإلنجلٌز
من عدنٌ ،عنى مابنخافشى من اإلنجلٌز ،وال إنتو حتخافوا من اإلنجلٌز وال
من الجن األزرق» ،عندبذ هلل واحد من الشٌوخ ،ورفع رشاشه بٌده ،فؤخذ
السادات ٌكررٌ« :عنى اطمنوا ..اطمنوا تمام».
38
بعد أن سجلت رسابلى األولى مع وحدات الصاعقة ،بدأت أجرى أٌضا
أحادٌث مع شخصٌات ٌمنٌة ،لعل أطرفها كان الحدٌث مع محمد حلمى َ
العراؾ الخاص باإلمام الذى كان ٌلقب بالفلكى ،وكان اإلمام ال ٌقدم على
قرار أو ٌتحرك إلى مكان قبل أن ٌدله ماذا تقول النجوم فى ذلك.
ٌومها قال لى إن حسابات الفلك كانت قد أكدت له أن ثورة ستقوم فى
الٌمن ،ولكنه خشى أن ٌبلػ اإلمام أحمد حتى ال ٌؤمر بحبسه أو إٌذابه ،وقد
صدر حكم بإعدام حلمى بعد الثورة بتهمة الفساد ،وسجن فى تعز انتظارا
لتنفٌذ الحكم ،وأفرج عنه قبل تنفٌذه.
عندما تحركت مع الوحدات المقاتلة خارج صنعاء كان القتال ال ٌزال
حامٌا بٌن الملكٌٌن والجمهورٌٌن ،وتوسعت ساحة المعركة فى أنحاء
متفرقة فى الٌمن ،وكان السعودٌون ال ٌكفون عن التدخل بالمال والسالح،
ولكن البعض أخذ على القٌادة العسكرٌة المصرٌة والسفارة المصرٌة هناك
أنهما أٌضا قاما بتوزٌع أموال على رجال القبابل لشراء والبهم.
كانت الٌمن مجاهل لم ٌكتشفها المصرٌون من قبل ،ولم تكن هناك خرابط
طوبوؼرافٌة ٌمكن االستعانة بها فى العملٌات العسكرٌة ،وكانت طبٌعة
األرض الجبلٌة مختلفة تماما عما ألفه المصرٌون ،وقد أنهك ذلك القوات
الجوٌة كما أجهد القوات البرٌة وواجه الضباط والجنود متاعب عدٌدة فى
التعامل مع الٌمنٌٌن الذٌن ال ٌعرفون طبابعهم وعاداتهم ،وكذلك فى التؤقلم
مع المناخ ،خاصة عندما تتباٌن درجات الحرارة بٌن النهار واللٌل أو بٌن
مناطق الجبال والودٌان.
حدثت مفاجؤة كبرى فى أوابل أكتوبر؛ إذ أرسلت السعودٌة طابرة تحمل
عتادا عسكرٌا إلى القوات الملكٌة فى الٌمن ،ولكن قابد هذه الطابرة توجه
بها إلى مطار أسوان.
وجهت الخارجٌة السعودٌة عندبذ خطابا إلى مصر تطلب إعادة الطٌارٌن
والفنى الذى كان ٌصاحبهما إلى الرٌاض باعتبار أنهم فارون من الخدمة
39
العسكرٌة ،لكن مصر تجاهلت الخطاب وأعادت شحن العتاد إلى قوات
الثورة فى الٌمن.
وكانت القاهرة قد رصدت فى ذلك الحٌن وجود جنود من الحرس الوطنى
السعودى ضمن قوات الملكٌٌن ،وكذلك عناصر إٌرانٌة (أثناء حكم الشاه
عندبذ) وبعض المرتزقة الفرنسٌٌن الذٌن حاربوا فى الجزابر ،واإلنجلٌز
الذٌن حاربوا فى عدن ورودٌسٌا ،والبلجٌكٌٌن أٌضا ،وكان ٌقال وقتها إن
هناك ضباطا إسرابٌلٌٌن همهم األول هو مراقبة القوات المصرٌة عن قرب
لٌتعرفوا على مدى كفاءتها ومواطن ضعفها.
أما الدعم البرٌطانى فكان مكشوفا ومتوقعا؛ ذلك أن برٌطانٌا كانت تخشى
أن تتسلل الثورة إلى محمٌتها فى عدن ،كما أنها كانت تود االنتقام من
جمال عبدالناصر الذى كان ٌهاجم حلؾ بؽداد.
فى نهاٌة أكتوبر كانت قوة الجٌش المصرى فى الٌمن بكاملها تكاد ال تزٌد
على ألفى جندى ،وكان عبدالناصر معارضا فى البداٌة للتوسع فى التدخل
العسكرى ،على الرؼم من أنه كان ٌود أن ٌستعٌد مكانته بعد انفصال
سورٌا عن دولة الوحدة ،وأن ٌساند الثوار فى الٌمن الجنوبى ،وٌهز أركان
حكم الملك سعود ،وٌإكد زعامته لألمة العربٌة.
وكانت هناك أفكار باالعتماد على متطوعٌن ،لٌس من مصر فقط وإنما من
دول عربٌة أخرى ،لكن المشٌر «عامر» كان ٌضؽط ،كما فهمت ،لدخول
مصر بثقلها حتى تستطٌع أن تسٌطر على منافذ البحر األحمر من باب
المندب فى الجنوب حتى قناة السوٌس شماال ،وتؽلبت وجهة نظره فى
النهاٌة ،وأجمع المجلس الرباسى فى القاهرة على الحملة العسكرٌة ،فبدأت
ألوؾ أخرى فى التدفق.
وعندما تحسن الموقؾ العسكرى فى نهاٌة إبرٌل ،1963نصح اللواء أنور
القاضى قابد القوات المصرٌة فى الٌمن بعودة الجانب األكبر من قواته إلى
مصر خاصة أن الجٌش الٌمنى كان قد بدأ بناإه ،كما أن عددا من الجبهات
كان قد هدأ.
40
وبدأت القوات تعود إلى مصر بالفعل وتقام االحتفاالت الستقبالها ،اإال أن
الموقؾ سرعان ما تبدل فتورطت القوات المصرٌة فى وحل الٌمن مرة
أخرى حتى إن المراقبٌن األجانب سموها «فٌتنام مصر» ،وٌقال إن عدد
القوات وصل إلى ذروته فى منتصؾ عام 1965عندما بلػ 70ألفا ،بقى
جانب منهم هناك حتى ما بعد انتهاء نكسة .1967أما أنا فكنت قد عدت
إلى القاهرة مع بداٌة .1963
انقالب
فى 8فبراٌر 1963دق جرس الهاتؾ فى بٌتى وكان المتحدث الدكتور
حاتم ،قال« :تعلم أن انقالبا تم فى العراق ..الٌوم تذهب إلى السٌد سامى
شرؾ ،وتنفذ ما ٌقوله لك» ..ذهبت إلى سامى شرؾ فقال إن وفدا إعالمٌا
مصرٌا سٌسافر فى الٌوم التالى إلى بؽداد وإننى سؤكون ضمن هذا الوفد
مع مصور اختاره ،ولكن وجود المصور معى سٌكون للتعمٌة حتى نوحى
بؤن المهمة هى تؽطٌة األخبار« ..مهمتك األولى هناك هى إقناع المسبولٌن
بإذاعة إنتاج التلٌفزٌون المصرى على شاشة بؽداد ..طبعا لن تقول ذلك
صراحة ..اعمل ما تراه مناسبا ،وإذا احتجت إلى مساعدة اتصل بفخرى
عثمان السكرتٌر الثالث بالسفارة» ،وأردؾ أن الدكتور حاتم سٌتابع تنفٌذ
المهمة ،وأن الطرٌقة الوحٌدة لالتصال به هى إمالء الرسابل فى مكتب
الملحق العسكرى ،حٌث ترسل بالشفرة من هناك ..فى الٌوم التالى تجماع
فى حدٌقة مكتب معلومات الرباسة فى منشٌة البكرى وفد الصحفٌٌن
المصرٌٌن ،وأعطانى سامى شرؾ مظروفا صؽٌرا به رسالة توصٌة
موجهة منه إلى فخرى عثمان السكرتٌر الثالث فى السفارة.
فى بغداد
عندما وصلنا بؽداد ٌوم 10فبراٌر كان إطالق النار ال ٌزال مسموعا
بوضوح فى بعض شوارع العاصمة العراقٌة ،التى كانت تعج بالدبابات
والمصفحات المجهزة بمدافع الماكٌنة ،وخاصة فى منطقة مٌدان «باب
المعظم» ،حٌث توجد وزارة الدفاع التى كانت معقل عبدالكرٌم قاسم،
وكان قاسم قد أعدم مع ابن خالته ربٌس محكمة الثورة العقٌد عباس
41
المهداوى فى استودٌو التلٌفزٌون الذى نقال إلٌه تحت الحراسة فى الٌوم
السابق لوصولنا.
وضعنا حقاببنا فى ؼرفتنا بالفندق ،وانطلقت مع زمٌلى المصور رشاد
القوصى إلى وزارة الدفاع ..كانت بقاٌا المعارك ال تزال تدور هناك،
وكانت هناك سٌارة «جٌب» تربط خلفها ضابطا من الموالٌن لقاسم
وتسحله على األرض ..وعندما اقتربنا من وزارة الدفاع دخلنا مرمى
النٌران المتبادلة التى كادت تفتك بنا ،وكانت النٌران ال تزال مشتعلة فى
جانب من الوزارة بدا كما لو كان قد حطم تماما ،وأمامه مظاهرة محدودة
لمجموعة من البعثٌٌن تهتؾ بسقوط الشٌوعٌة.
كانت األوضاع حٌنبذ قد بدأت تستتب ،وبدأت القٌادات الجدٌدة البعثٌة
والقومٌة تتولى إدارة مإسسات الدولة ..كانت اإلذاعة والتلٌفزٌون من
نصٌب عبدالستار الدورى ،وهو قٌادى بارز فى فرع حزب البعث فى
بؽداد ،وعندما تولى مسبولٌته الجدٌدة لم ٌكن قد دخل التلٌفزٌون من قبل..
عندما ذهبت إلٌه استرحت له وٌبدو أنه استراح لى كذلك ،وتوطدت العالقة
بٌننا بسرعة حتى إننى خاطرت وصارحته فى اللقاء الثالث بٌننا بمهمتى،
فقال بحماس ظاهر« :عز المنى ..أنا فى االنتظار».
هكذا ذهبت إلى مكتب الملحق العسكرى ألبلػ الدكتور «حاتم» بالنبؤ،
وأطلب منه إرسال ما ٌرٌد من برامج ..كان الملحق العسكرى المصرى
فى بؽداد فى ذلك الحٌن هو العقٌد عبدالمجٌد فرٌد الذى أصبح فٌما بعد
سكرتٌرا عاما لرباسة الجمهورٌة فى القاهرة ،أما مساعده فكان المقدم
السورى طلعت صدقى الذى كنت قد التقٌته قبل سنوات فى دمشق ،ولكن
كلٌهما كان قد طرد من العراق ..كانت العالقات المصرٌة العراقٌة قد
توترت أٌام حكم قاسم الشٌوعى إلى حد بعٌد ،وكانت سفارتنا فى بؽداد
مقصدا معتادا للمظاهرات المعادٌة ،وهكذا فعندما تولى عبدالسالم عارؾ
الرباسة تنفست القاهرة الصعداء على الرؼم من أن حزب البعث العربى
االشتراكى هو الذى كان له الدور األبرز فى االنقالب ،ولم تكن أٌام
عارؾ كلها مرٌحة بالنسبة إلى مصر؛ إذ نجح البعثٌون فى السٌطرة علٌه
42
وزحزحته عن القوى القومٌة األخرى حتى مقتله فى ،1966إثر سقوط
طابرته الهلٌكوبتر فى حادث ؼامض..
فى الٌوم التالى اتصل بى مكتب الملحق العسكرى إلبالؼى أن رد الدكتور
حاتم وصل ،ولما اطلعت علٌه كدت أقفز من السعادة ألن المواد ستصل
بعد 24ساعة من القاهرة فى طابرة مصر للطٌران ..أبلؽت الدورى الذى
لم ٌكن أقل ابتهاجا ،وأصدر أوامره بإعداد قاعة عرض خاصة حتى أعود
من المطار لنشاهد معا ما أرسلته القاهرة ،وعندما عدت بالصندوق الذى
ٌحتوى على الشرابط أطفبت أنوار القاعة ،وجلست إلى جانب الدورى
وحدنا ..كانت المفاجؤة عندما بدأ العرض ..كان أول ما شاهدناه أؼنٌة
«ناصر كلنا بنحبك»ٌ ..اللؽباء ،دعاٌة سافرة على هذا النحو ،هكذا قلت
لنفسى ،ولكن المصابب تتالت بعد أن شاهدنا ثالثة شرابط أخرى كانت
كلها أفالما تسجٌلٌة عن عبدالناصر وثورته ..اعتذرت للدورى ..قلت إن
خطؤ ما ال بد أنه حدث ،وإننى سؤبلػ القاهرة على الفور ،وكنت واثقا من
أن األمر سوؾ ٌتم تصحٌحه على نحو السرعة.
هكذا عدت ثانٌة إلى مكتب الملحق العسكرى حٌث كتبت رسالة سرٌعة إلى
الدكتور حاتم بؤسلوب تلؽرافى« :وصل الطرد ..الشرابط التى شاهدتها مع
مدٌر اإلذاعة والتلٌفزٌون كلها تتحدث عن سٌادة الربٌس وعن الثورة
بشكل مباشر وربما مستفز للمسبولٌن البعثٌٌن هنا ..أرجو تفضلكم بإرسال
مواد أخرى تحمل الرسالة اإلعالمٌة التى نرٌد إبالؼها تدرٌجٌا..
احترامى» ..لم ٌؤخذ الدكتور حاتم وقتا طوٌال فى الرد على رسالتى؛ إذ
جاءت لى منه رسالة فى المساء ،وعندما استدعانى مكتب الملحق
العسكرى الستالمها وجدتها مختصرة تماما وواضحة جداٌ« :حضر
حمدى قندٌل إلى القاهرة ،وٌحل محله ممدوح زاهر (كبٌر مندوبى
األخبار) ،وال ٌنتظر حمدى وصول ممدوح» ،وهكذا عدت إلى مصر فى
الٌوم التالى.
43
الحجر الصحى
فى مطار القاهرة انتظرتنى مفاجؤة أخرى ،أننى لم أحقن بلقاح ما كان علىّ
أن أتناوله قبل سفرى من بؽداد ،أو هكذا أبلؽنى الرجل الذى قادنى إلى
الحجر الصحى ..اتصلت بمكتب الدكتور حاتم ألحٌطهم بالمشكلة لكن أحدا
لم ٌتحرك ..حاولت االتصال بالدكتور النبوى المهندس الذى كان وزٌرا
للصحة ،ولكن منزله أبلؽنى أنه ٌحضر حفل أم كلثوم ،وكان الٌوم بالفعل
ٌوم خمٌس؛ فاضطررت إلى االستسالم للحجر الصحى حتى انتهى بعد
أٌام ،وعندما ذهبت إلى الدكتور حاتم فى مكتبه انتظرت ساعات وساعات
ٌوما بعد آخر دون أن ٌؤذن بالمقابلة على ؼٌر ما اعتدت.
بعد نحو أسبوع استقبلنى الوزٌر ،وما إن دخلت مكتبه حتى قالٌ« :عنى
تفضحنا كده عند الرباسة» ..سؤلت« :فضٌحة إٌه ٌافندم ..رباسة إٌه ٌا
فندم؟» ..قال« :أال تعرؾ أن البرقٌات من مكتب أى ملحق عسكرى تمر
بالرباسة أوال ،وهى التى توزعها بعد ذلك على أصحابها؟» ..قلت إننى لم
أعرؾ ذلك من قبل ،وتعلٌمات السٌد سامى شرؾ تقضى بؤن أوجه
رسابلى من مكتب الملحق« ..طٌب اتفضل دلوقتى» ..عاد الدكتور حاتم
بعد أٌام فؤبلػ إدارة األخبار بالسماح لى بقراءة النشرات بعد أن عوقبت
على فضح اإلعالم لدى الرباسة ..كانت هذه حكاٌة زٌارتى األولى إلى
العراق.
44
كان التلٌفزٌون المؽربى ( M) 2قد أوفد فرٌق تصوٌر لتؽطٌة أخبار
مهرجان القاهرة السٌنمابى الدولى عام 1991وإجراء مقابالت مع عدد
من الفنانٌن ،كانت نجالء فتحى من بٌنهم ،ولما لم تكن مشاركة فى
المهرجان فقد طلب منى المخرج أن أسعى لترتٌب موعد معها.
عندما حدثتها عن المقابلة وافقت ولكنها اعتذرت عن عدم إجرابها فى
المنزل ألنها كانت تعدل فى دٌكوراته ،فاقترحت أن ٌجرى الحدٌث فى
حدٌقة الفندق الذى ٌقام به المهرجان ،ولكنها خرجت باقتراح آخر« :ولماذا
ال ٌكون ذلك فى بٌت شقٌقتى فى الدقى ،وهو قرٌب منكم؟».
فى المساء جاءنى اتصال تلٌفونى من اللواء محمد السكرى وكٌل اتحاد
التنس ،وكنت قد قابلته منذ سنوات فى نادى الٌخت ،قال« :أال تعرؾ أن
نجالء فتحى شقٌقة زوجتى؟» ،قلت إنها أول مرة أعرؾ فٌها ذلك ،فقال
إنها أبلؽته بمكالمتى ،وإنه ٌدعونى لزٌارته مع فرٌق التصوٌر فى الؽد
لنتناول فنجان شاى قبل أن أعود للمؽرب ،وكان ٌظن أننى مقٌم هناك،
اعتذرت الرتباطات أخرى ،فدعانى للعشاء فى األسبوع التالى.
ذهبت إلى العشاء وأنا فى ؼاٌة القلق خشٌة اأال أجد موضوعا مناسبا أحدثها
فٌه عندما نلتقى ،لكننا عندما التقٌنا ذهب كل هذا القلق تماما.
أول ما الحظته بعد أن جلست أن الكل ٌنادٌها بـ«زهرة» ،وعندما سؤلت
قالت إن اسمها الحقٌقى هو فاطمة الزهراء ،دهشت أنها بسٌطة للؽاٌة فى
ملبسها وتلقابٌة فى حدٌثها ،وعندما علمت منها أنها تعرؾ بارٌس جٌدا
انطلقنا نتحدث عن ذكرٌاتنا فٌها ،كما لو كنا قد زرنا كل شبر فٌها معا .ما
فاجؤنى حقا هو أنها ال تمت بصلة للصورة النمطٌة للنجمة السٌنمابٌة التى
كانت فى ذهنى.
وعندما أوشكت أن أؼادر وعدتها أن أتصل بها حتى «أحدثها عن
انطباعى عن الفٌلم بعد أن أشاهده» ،ولكننى كنت قد قررت أن ألقاها مرة
ثانٌة ،وذهبت وأنا على ٌقٌن أنها لٌست شاطرة فقط ،ولكنها ذكٌة ومرحة
45
وذات شخصٌة قوٌة ،وأنها ستضفى على حٌاتى بهجة لم أعرفها منذ
وصلت إلى القاهرة ،وهكذا تكرر اللقاء عدة مرات حتى جاء الصٌؾ
فذهبت مع ابنتها الوحٌدة ٌاسمٌن لتقضى أسبوعٌن فى العجمى ،وعندما
علمت أنها صدٌقة لزوجة صدٌقى رجل األعمال ممدوح مرسى الذى
ٌقضى شهور الصٌؾ فى فٌللته هناك ،حجزت أنا اآلخر ؼرفة فى فندق
باإلسكندرٌة ،وواظبنا على اللقاء كل ٌوم.
اكتشفت وقتها أن بٌننا الكثٌر مما ٌجمعنا ،كانت تصحو مبكرا ،وكانت
تحب السفر وتجٌد لعب الطاولة ،كما أنها كانت تنفر من حفالت وسهرات
المجتمع ،وكانت تتابع جٌدا الشؤن العام وتمٌل إلى نهج الٌسار على الرؼم
من أن عبدالناصر أمام أرض والدها حسٌن بك فتحى الذى كان من أعٌان
الفٌوم.
كانت المرأة التى تطلعت لالرتباط بها ،وعندما عدنا إلى القاهرة فى
سٌارتى كانت معنا ٌاسمٌن ،وكانت فى نحو الرابعة عشرة من عمرها ،ولم
أجد صعوبة فى التفاهم معها ،بل إنها راحت تداعبنى ونحن فى الطرٌق.
كان قد مضى على عودتنا من اإلسكندرٌة نحو أسبوعٌن عندما كلمتنى فى
التلٌفون فى الصباح ،كنت قد اعتدت هذه المكالمة منها بعد أن تصحب
ٌاسمٌن بنفسها إلى المدرسة ،سؤلت« :عملتى لفة فى النادى النهارده؟»،
قالت« :كتٌر ،أكتر من الالزم» ،فلما سؤلت عن السبب قالت« :ألنى كنت
بافكر فى موضوع مهم» ،خٌر؟ فاجؤتنى« :أنا هتجوزك النهارده!» أخذت
أردد دون أن أدرى« :عظٌم عظٌم» ،فباؼتتنى بسإال عملى« :إنت مش
معاك بطاقة؟» ،قلت إننى لم أستخرج بطاقة شخصٌة بعد ،فطلبت منى أن
أذهب إلى منزلها فى الخامسة بعد الظهر ومعى جواز السفر« ،موافق ا
وال
حنرجع فى كالمنا؟» ،قلت« :موافق أكٌد ،ولكننا البد أن نلتقى أوال لنبحث
الترتٌبات».
وأنا فى الطرٌق إلٌها أخذت أقلب فى األمر ،ال فى أمر الزواج ولكن فى
أسلوب عرضه ،وزاد إعجابى بها أنها على هذا القدر من الصراحة ،إذا
كان المؤلوؾ هو أن ٌبادر الرجل بطلب الزواج ،فلماذا ال ٌكون هذا من
46
حق المرأة أٌضا؟ ولكنها عندما فتحت لى الباب ،كان سإالى األول:
ت علىّ الزواج ،ألم تفكرى ماذا «ولكن افترضى أننى ماطلت عندما عرض ِ
سٌكون علٌه حالك عندبذ؟» ،قالت« :فكرت جٌدا ..أنت تعلم أننا لسنا فى
قصة ؼرام مشتعل ،نحن بالؽان ولنا تجارب زواج من قبل ،وما بٌننا هو
إعجاب شدٌد ،ولن أحزن كثٌرا علٌك إذا تنصلت ألنك لن تستؤهل ثقتى فى
رجاحة عقلك ولن تكون الزوج المناسب لى».
رئيس التحرير 1998ــ 2003
كنا فى فبراٌر 1998عندما قال لى جمال بدوى إن صفوت الشرٌؾ طلب
منه أن ٌسؤلنى إذا ما كنت على استعداد ألقدم برنامجا فى التلٌفزٌون
المصرى ،وعندما وافقت رتب جمال الموعد وذهبت إلى الوزٌر فى
مكتبه.
حدثنى عن الكتٌبة اإلعالمٌة ،وعن الرٌادة التى ٌجب أن تحتفظ بها مصر،
وعن إٌمان النظام بحرٌة اإلعالم ،وعن أن انطالق هذه الحرٌات ٌعتمد
على أن توضع فى أٌ ٍد حكٌمة ،قال« :إحنا مش حنالقى حد زٌك فاهم
األمور كوٌس» ،توقفت قلٌال عند هذه العبارة ،لكننى مع ذلك شكرته،
وقلت إن أساس العالقة ٌجب أن ٌكون الوضوح ،وإن لى متطلبات بدونها
من الصعب أن أعمل ،أنا ال أضع شروطا ،ولكنى أرى أن نجاح البرنامج
عال ،وثانٌها المرونة
ٌعتمد على ثالث ركابز؛ أوالها توافر سقؾ حرٌة ٍ
اإلدارٌة بحٌث ال أقع فى حبابل روتٌن ماسبٌرو ،أما الثالثة فهى قبول
اإلعالنات فى البرنامج.
قال صفوت الشرٌؾ« :األولى والثانٌة فهمناها ،بل وقبلناها أٌضا ،لكنى
أود أن أعرؾ لماذا اإلعالن؟» ،قلت« :أوال ألن هذا هو المستقبل ..فى
المستقبل لن ُتستثنى البرامج اإلخبارٌة من اإلعالنات ،وسوؾ تنافس
األخبار برامج المنوعات ،وما أفكر فٌه أٌضا هو أن تخصص نسبة من
اإلعالنات لإلنفاق على البرنامج نفسه خاصة من أجل استضافة متحدثٌن
من الخارج أو من أجل سفرى لتؽطٌة بعض األحداث».
47
قال« :سوؾ نرصد للبرنامج المٌزانٌة المناسبة بإعالن أو بدونه ،لكننى ال
أمانع فى قبول اإلعالنات على أى حال» ،أضفت« :ولكن اسمح لى ٌا
صفوت بك أن تكون لى كلمة فى الموافقة على هذه اإلعالنات ،نحن لن
نسمح مثال بقبول إعالنات عن مالبس داخلٌة أو عن فٌدٌو كلٌب جدٌد
وسط حدٌث عن القضاٌا الجادة ،ولعلنا نبدأ بالبحث عن رعاة بٌن شركات
الموباٌل مثال».
انساب الحدٌث فى مودة بادٌة ،وبدأنا ندخل فى التفاصٌل ،فسؤلنى عن
االسم الذى أقترحه للبرنامج ،قلت إن لدىّ ثالثة اقتراحات ،ولكنى أفضل
بٌنها اسم «ربٌس التحرٌر» ..بصراحة ،أفضله ألن معناه أننى أنا
المسبول عما أقول ،أى أننى ،بعد إذنك ،ال أتقبل تعلٌمات من أحد ،ضحك
صفوت الشرٌؾ ،وقال« :مفٌش مانع أبدا» ،ثم سؤلنى :متى أكون على
استعداد لتقدٌم الحلقة األولى؟ ،قلت« :فور انتهاء الترتٌبات اللوجٌستٌة،
الدٌكور وما شابه» ،قال« :ربنا ٌوفقك ،دعنا إذن نبدأ بحلقة كل شهر»،
فقلت إن المرة فى الشهر لٌست وصفة للنجاح ولكننى ال أمانع ،فلنجعلها
فترة جس نبض ٌتعرؾ فٌها كل جانب إلى اآلخر وٌطمبن له ،وبعدها
ٌجب أن ٌكون البرنامج أسبوعٌا.
قال الوزٌر« :إذن فال ٌتبقى لنا اآلن اإال الحدٌث عن األجر ،وأنت تعلم
طبعا أن أجورنا ال تتوازى مع ما تدفعه القنوات الخاصة ،لكنى أعدك بؤنك
ستتقاضى أعلى أجر بمقدورنا أن نقدمه لك ،وعلى أى حال فسوؾ أترك
) هذه التفصٌالت لعبدالرحمن حافظ (ربٌس اتحاد اإلذاعة والتلٌفزٌون
لٌبحثها معك».
قلت إن ذلك ال ٌمثل مشكلة ،وعلى الرؼم من أننى ال أعرؾ البحة األجور
هنا وال ما الذى سؤتقاضاه فإنه مهما كان األجر فسٌظل رمزٌا ،وما أطلبه
أن تخصص لى نسبة %10مما ستدفعه الجهات الراعٌة للبرنامج.
بدأت فى إعداد البرنامج ،كنت قد قررت أن ٌكون «ربٌس التحرٌر»
عرضا بسٌطا وعمٌقا ،ساخنا وساخرا لقضاٌا البلد ،واخترت للحلقة األولى
موضوعا حساسا ألختبر بذلك قٌود الرقابة هو حرب الخلٌج ،واستضفت
48
للمناقشة المشٌر عبدالؽنى الجمسى والدكتور مراد ؼالب وزٌر الخارجٌة
األسبق والمفكر المصرى الٌسارى محمد سٌد أحمد ،كما استضفت أٌضا
المفكر الكوٌتى الدكتور أحمد الربعى ألتبٌن مدى كفاءة التلٌفزٌون فى
إجراء ترتٌبات سفره وفى دفع المكافؤة المناسبة ،وتم ذلك كله على خٌر
وجه.
لم ٌصدق البعض أن ٌخرج مثل هذا الكالم من التلٌفزٌون الرسمى ،فؤخذوا
ٌعزون ذلك إلى أن قابله مسنود ،أو ألن هناك اتفاقا تحت الطاولة بٌنى
وبٌن أهل الحكم ،أو ألن وزارة اإلعالم كانت تبحث عن واجهة توحى بؤن
الدولة تبنت سٌاسة منفتحة تإمن بالدٌمقراطٌة.
لما اقترب موعد الحلقة الثانٌة من «ربٌس التحرٌر» دعوت المفكر
الفلسطٌنى الدكتور عزمى بشارة للحضور ،فى حٌن توجهت أنا إلى
بٌروت لتسجٌل أول حدٌث فى التلٌفزٌون المصرى مع أمٌن عام حزب هللا
حسن نصر هللا للحلقة ذاتها ،وكنت أنوى تخصٌص الفقرة الثالثة فى الحلقة
لمناقشة قضٌة الصحافة الصفراء ،ودعوت للمشاركة فٌها الدكتور
مصطفى كمال حلمى ربٌس مجلس الشورى ومكرم محمد أحمد نقٌب
الصحفٌٌن وكذلك صفوت الشرٌؾ ،لكنه اعتذر بدعوى أنه سٌظهر فى
برنامج تلٌفزٌونى آخر.
استمر التجهٌز للحلقة ،وسارت األمور دون متاعب تذكر ،وفى الٌوم
المقرر للتسجٌل ،وهو ٌوم البث نفسه ،فوجبت بالمخرج ٌتصل بى لٌقول
إنه ذهب إلى المسرح فى الصباح فوجده محجوزا لتسجٌل برنامج «لو
بطلنا نحلم» ،كما أن إحدى المدارس الخاصة استؤجرته لتقٌم فٌه حفال،
حاولت فض االشتباك بكل ما أمكننى من اتصاالت اإال أن ذلك كان
مستحٌال ،لم أنجح سوى فى ترتٌب تسجٌل عزمى بشارة فى الفندق الذى
كان ٌقٌم فٌه.
أحد عشر موظفا
الطرٌؾ أننى عندما ذهبت إلى الفندق وجدت آلتى التصوٌر وإلى جانبهما
11من موظفى التلٌفزٌون ،قلتٌ« :ا إخواننا ،أى محطة خاصة تجرى
49
مثل هذا التسجٌل ٌكفٌها ثالثة أشخاص على األكثر» ،وبدأت أسؤل كال
منهم عن عمله ،مصور ،مهندس صوت ،فنى كهربا ،عامل لنقل المعدات،
وهكذا إلى أن وصلت إلى االثنٌن األخٌرٌن ،قال أولهما إنه جاء من
الشبون المالٌة لٌسدد مكافؤة الضٌؾ ،أما األخٌر فالتفت لى ،قابال« :أصل
الضٌؾ هٌاخد مكافؤته بالعملة الصعبة» ،فهمت ٌومها لماذا كان ٌوجد 35
ألؾ موظؾ فى ماسبٌرو عندبذ.
فات موعد البرنامج دون أن ٌذاع فلم أجد بدا ،كى أحفظ ماء وجه
التلٌفزٌون ،من االتصال بعزمى بشارة ،وكذلك بمسبول اإلعالم فى حزب
هللا لالعتذار عن عدم بث الحلقة ،متعلال بؤن عواصؾ الخماسٌن دكت
مخزن الدٌكور ،وأن النار اشتعلت فى جانب من االستودٌو ،وذهبت إلى
ربٌس االتحاد ثابرا أحاول أن أبٌن له أن ما حدث ٌعتبر فضٌحة
للتلٌفزٌون ،وأطلب وضع قواعد واضحة حتى ال ٌتكرر ذلك مرة أخرى،
وأسؤل عن الموعد الجدٌد المحدد للحلقة ،فوعدنى بحسم ذلك كله على
الفور وإبالؼى بالنتٌجة ،لكننى ظللت أكثر من شهر فى االنتظار ،وكما هو
متوقع انهالت الصحؾ هجوما على التلٌفزٌون ألنه لم ٌعلن للمشاهدٌن أن
البرنامج سٌؽٌب ،ولم ٌوضح سبب ؼٌابه.
وعندما جاء االحتفال بعٌد تحرٌر سٌناء ( 25أبرٌل) كان قد مضى على
بث الحلقة األولى ٌ 50وما ،وكانت القوات المسلحة تحتفل بالعٌد فى
مسرح الجالء ،وكنت قد دعٌت إلى االحتفال فى قاعة كبار الزوار فوجبت
بصفوت الشرٌؾ أمامى ٌقؾ إلى جانب فاروق حسنى وزكرٌا عزمى
وعدد آخر من الوزراء ،بادرنى« :إنت زعالن لٌه ٌا أستاذ حمدى؟»،
فقلت« :سعادتك بتسؤلنى بعد شهرٌن إنت زعالن لٌه؟» ..قال« :أعمل إٌه
ٌعنى إذا كنت طالب 10آالؾ جنٌه فى الحلقة؟» ،فوجدتها فرصة ألتبرأ
من هذه الشابعة أمام كبار القوم جمٌعا« :هذا ؼٌر صحٌح بالمرة ،وأنا لم
أطلب هذا المبلػ ولم أحدد أى مبلػ على اإلطالق» ،قال« :أصلهم قالوا لى
كده» ..سؤلت« :من هم سٌادة الوزٌر؟» ،وطلبت االستشهاد بربٌس اتحاد
اإلذاعة والتلٌفزٌون الذى كان موجودا فى الحفل ،قال الوزٌر« :بعدٌن»،
ولكنى صممت على استدعابه ،فجاء عبدالرحمن حافظ وحاول إمساك
50
العصا من المنتصؾ ،ال هو قادر على إؼضاب الوزٌر وال على إنكار
الحقٌقة ،قلتٌ« :كفٌنى هذا ٌا سٌادة الوزٌر ..أستؤذن» ..ومضٌت..
ونشرت صحٌفة الوفد نص المناقشة التى دارت فى االحتفال بعدها بؤٌام.
على الرؼم من تدخل الوزٌر لم تبث الحلقة الثانٌة سوى فى ٌوم 27ماٌو،
ومع أنها ؼابت أسابٌع فإنها أذٌعت فجؤة ودون تنوٌه مسبق.
مع مبارك
بعد ذلك بؤٌام جاء احتفال عٌد اإلعالمٌٌن الذى ٌقام سنوٌا فى مدٌنة اإلنتاج
اإلعالمى بمناسبة ذكرى مولد اإلذاعة الحكومٌة المصرٌة عام ،1934
وٌحضره الربٌس مبارك فى العادة.
كانت هذه أول مرة ألقاه فٌها منذ أكثر من عشر سنوات ،أخذ مبارك
ٌتجول بٌننا ونحن نتناول المرطبات ،وعندما رآنى اقترب منى وأمسك
بٌدى ،وهو ٌصطحبنى تجاه البحٌرة الصناعٌة التى أقٌم بجوارها الحفل،
وعندما وصلنا إلى هناك توقؾ والتفت لى ٌسؤل« :هو صفوت الشرٌؾ
عامل فٌك إٌه بالظبط؟» ..قلت« :مفٌش حاجة ٌارٌس ،ده مجرد سوء
تفاهم».
كنت أعلم ؼرام مبارك بالمقالب ،وخاصة مع مساعدٌه ،والضحك على
الجمٌع فى النهاٌة ،وكانت تسالٌه المفضلة عندما ٌوقع بٌن صفوت
الشرٌؾ وفاروق حسنى معروفة لى بتفاصٌلها ،وهكذا كنت حذرا اأال أقع
فى الفخ ،ومع ذلك فقد استدرجنى ألروى له حكاٌة االحتفال بعٌد سٌناء
التى كان قد سمع بها ،كما قال ،عندما كان ٌشهد االحتفال ،استمع باهتمام
ومودة ،ثم قال« :لو فٌه مشاكل تانى كلمنى» ،ولكننى لم أفعل.
الريس أم سيادة الريس؟
فى مرة أخرى نبهنى صفوت الشرٌؾ إلى أننى الوحٌد على شاشة
التلٌفزٌون الذى ٌسمى مبارك «الرٌس» ،هكذا «حاؾ» بدال من «سٌادة
الرٌس» ،قلت ألن برنامجى قابم على أننى أتحدث مع المشاهدٌن كما لو
كنت جالسا معهم فى بٌوتهم ،والناس فى بٌوتهم عندما ٌتحدثون إلى
51
بعضهم البعض وٌؤتون على ذكر الربٌس فهم ٌلقبونه بالرٌس ولٌس سٌادة
الرٌس ،قال الوزٌر« :أنت تجادل والسالم» ،فقلت« :ال ٌا صفوت بك..
ٌعنى سٌادتك مثال وأنت تتكلم فى البٌت مع الهانم عن الربٌس ،هل تقول
الرٌس أم تقول سٌادة الرٌس؟» ..ضحك الوزٌر ضحكة مجلجلة ،وقال:
«طبعا بؤقول سٌادة الرٌس ..دى عاٌزه كالم».
من أبرز أحادٌث البرنامج ،حدٌث أجرٌته مع المطرب الشعبى شعبان
عبدالرحٌم ،وكان ذلك بعد أؼنٌته الشهٌرة «باحب عمرو موسى وباكره
إسرابٌل» ،التى وصلت أصداإها إلى قناة ، CNNوقد ترددت قلٌال فى
استضافته ،ولكننى عندما علمت أن شرابطه وزعت 6مالٌٌن نسخة ،وهو
رقم ؼٌر مسبوق فى توزٌع الشرابط الصوتٌة ،اتصلت به على الفور.
وعندما جاءنا إلى االستودٌو كنت حرٌصا على أن ٌظهر فى أفضل صورة
ممكنة حتى ال ٌظن أحد أننا أتٌنا به لنسخر منه ومن مالبسه.
وما أزال أعتقد أن استضافة شعبان عبدالرحٌم فى «ربٌس التحرٌر» كان
قرارا صاببا ،فقد كان ظهور أؼنٌته مهما اختلفت اآلراء حولها حدثا ال
ٌمكن تجاهله.
مقص الرقيب
كانت إسرابٌل هدفا دابما لطلقات البرنامج ،وفى إحدى المرات كنت قد
وصفت شٌمون بٌرٌز بالنازى ،وصمم الرقٌب على حذؾ العبارة ،وكنت
أعرؾ سلفا أننى لو شكوت لصفوت الشرٌؾ فى هذه الحالة بالذات فلن
أحصل منه على شىء؛ ذلك ألنه كان قد نبهنى من قبل أن «مبارك»
منزعج للؽاٌة ألنى وصفت اإلسرابٌلٌٌن بالسفلة ،وكنت قد خففت من
تكرار هذا الوصؾ ،لكننى لم أتوقؾ عنه على الرؼم من ذلك.
وصل رواج البرنامج إلى الذروة عندما بدأ بثه أسبوعٌا فى ،2001وقد
20دقٌقة فى الحلقة، بدا ذلك جلٌا فى حجم اإلعالنات التى بلؽت نحو
وارتفع سعرها %.150
52
حصار عرفات
كانت حلقة أول أبرٌل 2002هى الحلقة التى أصابتنى بؤكبر قدر من القلق
والتوتر ،كان ٌاسر عرفات محاصرا وقتها فى المقاطعة؛ لذلك لم ٌستطع
حضور مإتمر القمة فى بٌروت خشٌة أن ٌمنعه اإلسرابٌلٌون من العودة،
فشارك فى نقاشات المإتمر من خالل دابرة فٌدٌو مؽلقة ،وكان هذا أمرا
مهٌنا للؽاٌة ،للرإساء والملوك ال لعرفات نفسه ،وإثر انعقاد القمة قامت
إسرابٌل بعملٌة االجتٌاح الكبرى لألراضى الفلسطٌنٌة.
استفزت هذه األحداث الجماهٌر العربٌة ،فوجدت أن الموقؾ ال ٌحتمل
الكالم ،وقررت اختصار البرنامج قدر اإلمكان وإلؽاء ندوته المعتادة،
وحذؾ الشكاوى وكذلك األقوال المؤثورة ،واختصار التعلٌق فٌما ٌشبه
رسالة موجهة إلى القادة العرب وإلى الجماهٌر فى آن واحد ..وعندما
سجلت الرسالة بلػ طولها نحو 14دقٌقة ،فؤبلؽت صفوت الشرٌؾ بذلك
سلفا وطلبت منه أن ٌذاع البرنامج على هذا النحو ،لكنه قال إنه ال ٌفضل
ٌطلع محمد الوكٌل ربٌس قطاع األخبار ذلك ،وأرجؤ اتخاذ القرار إلى أن ا
على التسجٌل.
ال أدرى ما الذى حدث بعد ذلك ،ولكنه عندما أذٌع البرنامج لم ٌستؽرق
أكثر من ثمانى دقابق ،وكان المونتاج الذى أجرى فٌه ؼشٌما إلى حد بالػ،
وكانت الحلقة مثل جمر متقد ،وخاصة عندما رددت أكثر من مرة عبارة:
«رفعت األقالم وطوٌت الصحؾ».
53
فى سبتمبر عام 1997كنت أقدم برنامجا فى «رادٌو وتلٌفزٌون العرب »
،ARTعندما ذهبت إلى القذافى فى سرت ألجرى معه حدٌثا بمناسبة
االحتفال بذكرى ثورة الفاتح.
بدأ القذافى بالحدٌث عن تارٌخ العالم واألجناس التى سكنته ومإامرات
االستعمار التى ال تنتهى والتحضٌر للثورة اللٌبٌة ،ومع ذلك بدا حدٌثه
متماسكا فى بعض األحٌان بل شابقا إلى حد ما فى أحٌان أخرى.
عندما كادت الساعة المخصصة للحدٌث تنتهى تؤهبت للختام ،فإذا بٌد تمتد
من ورابى ٌقدم لى صاحبها ورقة صؽٌرة كتب علٌها «تم مد اإلرسال
ساعة أخرى» ،لم أتبٌن َمن صاحب الٌد ،ولكن المفاجا أن طرؾ كم
البدلة أكد أنها بدلة عسكرٌة.
11العبا فقط ..وٌعتبر •كان ٌستنكر اقتصار مبارٌات الكرة على
«المالكمة» سلو ًكا همجًٌا ..ودعا إللؽاء رٌاض األطفال والمدارس
االبتدابٌة
تحدث القذافى عن مبارٌات كرة القدم واستنكر اقتصارها على 11العبا
فقط من كل فرٌق ،وعندما سؤلته عن الحل المثالى من وجهة نظره قال:
إنه فى الجماهٌرٌة الشعبٌة البد أن ٌشارك الشعب كله ،وال ٌقتصر دوره
على الفرجة السلبٌة ،وإنما أن ٌنزل الجمٌع إلى أرض الملعب ،ولم ٌكن
حدٌثه عن المالكمة مختلفا كثٌرا؛ إذ كان ٌعتبرها داللة على أن البشرٌة لم
تتخلص بعد من سلوكها الهمجى ،وكان ٌرى أن المالكمٌن والمتفرجٌن هم
ساللة البشر الذٌن لم ٌتحضروا بعد.
سؤلته أٌضا لماذا ٌطالب بإلؽاء رٌاض األطفال ،فقال« :أنا لست ضدها
وحدها ،أنا أنادى أٌضا بإلؽاء المدارس االبتدابٌة ،رٌاض األطفال
والمدارس االبتدابٌة مثل تسمٌن الدجاج ،ال أدرى لماذا ٌرمى الناس
أوالدهم على هذا النحو ،لماذا ٌنجبونهم ما داموا ال ٌستطٌعون تربٌتهم؟
54
التعلٌم االبتدابى تربٌة ،والتربٌة ٌجب أن ٌكون مكانها البٌت ،أما رٌاض
األطفال فٌقتصر دخولها على الٌتامى».
•القذافى سؤلنى فى :2005لماذا تصر على مهاجمة مبارك ..وما
اعتراضك على نجله جمال؟ ..وحاورته للمرة االولى فؤبلؽنى الشٌخ صالح
كامل أن «الجماعة زعالنٌن» فى الرٌاض
بعد اللقاء التقٌت الشٌخ صالح كامل فى بارٌس وكان وجهه ٌنطق بما فى
صدره ،أوجز الشٌخ صالح الموقؾ فى كلمات صارت فٌما بعد مثال ٌتردد
كلما مرت برامجى بالمآزق التى ألفتها« :الجماعة زعالنٌن» ،وأخبرنى
أنه تلقى مكالمة ؼاضبة من الرٌاض خالصتها أننى كثٌرا ما تركت القذافى
ٌهذى دون أن أجادله.
مدافعا عن مبارك
ً القذافى
لم تكن هذه هى المرة الوحٌدة التى التقٌت فٌها القذافى فى عمل تلٌفزٌونى؛
إذ كانت المرة الثانٌة فى إبرٌل 2005عندما كنت أقدم برنامجى «قلم
رصاص» من دبى ،وكان الحدٌث فى مقره بطرابلس فى «باب
العزٌزٌة».
عندما دخلت علٌه مكتبه بادرنى بالسإال« :لماذا إصرارك على الهجوم
على الربٌس مبارك؟» ،قلتٌ« :ا سٌادة العقٌد أنا ال أهاجم ،أنا أنتقد»،
قال« :ولكن ما اعتراضك بالذات على جمال مبارك؟» ،أجبت« :لٌس لى
علٌه أى اعتراض كشخص» ،ثم أضفت« :لكن الجمهورٌات ال تورث ٌا
سٌدى».
ـر القذافى إجابتى وقال« :عندما آتى إلى القاهرة فى المرة القادمة
َع َب َ
سؤصطحبك معى إلى الربٌس مبارك» ،فضلت أن أتفادى النقاش فؤجبت
بؤنه لٌس بٌنى وبٌن الربٌس خالؾ ٌستدعى الوساطة ،وانتهى الحدٌث عند
هذا الحد.
•وقعت عقد «قلم رصاص» مع «اللٌبٌة» باعتبارها «ذات توجه حر»..
وبعد الحلقة الخامسة جاءنى أحد المسبولٌن وهو ٌهذى« :القابد ..القابد»
55
تأميم الليبية
فى ماٌو سنة ،2009كنت جالسا فى سكنى فى لندن الذى ٌطل على
حدابق كنسنجتون ،امتداد «هاٌد بارك» ،أتؤهب إلجازة نهاٌة األسبوع بعد
أن أنهٌت تسجٌل الحلقة الخامسة من برنامجى «قلم رصاص» فى قناة
عال« :القابد القابد.
اللٌبٌة ،عندما دخل علًا «توفٌق» وهو ٌهذى بصوت ٍ
توفٌق رجل لٌبى طٌب فى المجملٌ ،عمل فى مجال المقاوالت على ما
أظن ،وهو صدٌق مقرب من عبدالسالم مشرى ،ربٌس مجلس إدارة
مإسسة «الؽد» المسبولة عن القناة ،انتدبه لٌكون مسبوال إدارٌا ٌذلل
العقبات أمام برنامجى فى أسابٌع انطالقته األولى ،وقد عرفته متزنا رزٌنا؛
األمر الذى أثار دهشتى لما رأٌته ٌصٌح على هذا النحو الهستٌرى.
«القابد» ألى لٌبى ال أحد ؼٌر القذافى ،والقذافى كما كنت أعلم ال شؤن له
بنا أو بالقناة ،القناة تصدر عن مإسسة مستقلة عن الدولة هى مإسسة
الؽد.
هذا ما قاله لى مشرى عندما التقٌنا فى دبى ألول مرة ،كنا فى شهر ٌناٌر،
وكان الرجل قد جاء لٌتفاوض مع تلٌفزٌون دبى على شراء بعض
المسلسالت والبرامج من بٌنها برنامجى «قلم رصاص» ،وعندما علم أن
البرنامج أوقؾ اتصل بى فالتقٌنا وعرض علًا تقدٌم البرنامج فى قناته،
وشدد ٌومها على أن القناة لٌست تابعة إلعالم الدولة ،وأن «مإسسة الؽد»
أطلقتها بتموٌل من بعض المنظمات األهلٌة ،فطلبت منه أن ٌمهلنى حتى
نلتقى فى طرابلس.
كانت الدنٌا من حولى وأنا ذاهب إلى لٌبٌا قد أظلمت ،لٌس فٌها طاقة نور
واحدة ،أخذت أحاسب نفسى حسابا عسٌرا وأتدبر فٌما إذا كان الخطؤ
خطبى أم خطؤ ؼٌرى ،لكن المحصلة فى النهاٌة كانت جلٌة :لم تعد هناك
بالد تتحمل مشروعى ،وال هناك محطات ذات وزن ٌمكنها أن تطٌق ما
أقول ،لكننى لم أستسلم.
56
جلست مع مشرى ربٌس مإسسة «الؽد» التى تشرؾ على قناة «اللٌبٌة»
ساعات فى طرابلس نبحث مشروع العقد الذى كان قد أعده ،كان كل ما
ٌهمنى بالدرجة األولى قدر الحرٌة المتاح ،وانتهٌنا فى ذلك إلى أن ٌنص
العقد على أن البرنامج «ذو توجه حر» ،وهو على ما أظن نص فرٌد من
نوعه فى مثل هذه العقود وإن كانت النصوص ال تضمن الكثٌر فى النهاٌة.
طال النقاش فٌما بعد حول مكان تصوٌر البرنامج ،وانتهٌنا أخٌرا إلى أن
البرنامج سٌصور فى لندن؛ عاصمة الصحافة العربٌة المهاجرة.
عندما أوشكت على السفر إلى لندن استضافتنى منى الشاذلى فى برنامجها
«العاشرة مسا ًء» الذى كان ٌتص ّدر برامج المساء فى حلقة كاملة ،وفٌه
رت المفاجؤة التى لم ٌكن أحد قد علم بها من قبل ،أن قطارى ستكون فجا ُ
محطته القادمة فى «اللٌبٌة».
اندهشت منى بالطبع وأخذت تمطرنى بسإال تلو اآلخر :لماذا اللٌبٌة؟
وٌبدو أن إجاباتى لم تكن مقنعة تماما حتى قلت لها فى النهاٌة إن مثل هذا
الوضع السٌرٌالى الذى أنا فٌه لٌس له اإال حل سٌرٌالى أٌضا ،وعندما بدأ
البرنامج فى استقبال مكالمات المشاهدٌن التلٌفونٌة ؼمرنى أصحابها
بحبهم ،ونبهتنى إحدى المتصالت إلى اختٌار مسكن فى لندن بال شرفات
(إشارة إلى حوادث مقتل عدد من الشخصٌات المصرٌة البارزة من
شرفات مساكنهم فى لندن .
بعد ذلك سؤلت منى« :ولماذا ال تعود إلى بٌتك؛ إلى مصر؟» ،وكانت
تعرؾ اإلجابة بالطبع ،قلت« :النهاردة أنا عقد اللٌبٌة فى جٌبى ،وفى الؽد
سوؾ أؼادر إلى لندن ،ومع ذلك أقول بوضوح :لو قدم لى عرضا من
التلٌفزٌون المصرى اآلن فسوؾ أقبله على الفور وأنسى عقد اللٌبٌة ،لكننى
على ٌقٌن أن هذا لن ٌحدث ،ال توجد فى مصر قناة ترٌد برنامجى ،أعمل
إٌه؟ أنشر إعالنا فى الجراٌد أقول فٌه إنى أبحث عن وظٌفة؟».
صمتت منى كما لم تصمت فى برنامجها من قبل ،وسالت من عٌونها دمعة
ؼالبتها ،تحدثت عنها الصحؾ كثٌرا فٌما بعد.
57
•فى الطرٌق من لندن إلى القاهرة شعرت أنى طرٌ ٌد بال رجعة بعدما
ضاق اإلعالم المصرى ببرنامجى
كان األلم ٌعتصرنى وأنا ذاهب إلى المطار ،وكؤننى طرٌد بؽٌر رجعة،
ُكتبت علًا الهجرة مرة أخرى ،واألنكى هذه المرة أننى لم أكن أعرؾ إلى
أى عالم أنا ذاهب ،كٌؾ هم هإالء القوم الذٌن سؤتعامل معهم ،وما بالضبط
نظم العمل فى تلك القناة التى ستؤوى برنامجً؟
ما عرفته أن قناة اللٌبٌة كانت فى منطقة نفوذ «مإسسة القذافى العالمٌة
للجمعٌات الخٌرٌة» التى شكلها القابد لٌعمل تحت مظلتها الورٌث سٌؾ
اإلسالم ،وكان قد تنامى دوره داخل لٌبٌا ،وعندما بدأ الحصار أصبح
وجهها المفضل فى الؽرب ،خاصة بعد أن تؤهل بشهادة دكتوراه عن
الدٌمقراطٌة فى المجتمع المدنى حصل علٌها من كلٌة االقتصاد فى جامعة
لندن بعد أن قدم ملٌونا ونصؾ الملٌون جنٌه إسترلٌنى منحة للجامعة.
•سيف اإلسالم لم يقترب من ساسة بريطانيا قدر اقترابه من «الجشع
مستشارا لوالده
ً المتصابى» تونى بلير الذى كان
ألتق سٌؾ اإلسالم من قبل ،ال قبل عملى بـ «اللٌبٌة» وال بعده ،وعلى
لم ِ
الرؼم من أنه كان كثٌرا ما ٌتردد على لندن متنقال على الطابرة الخاصة
لمحمد رشٌد الرجل الؽامض المسبول عن أموال منظمة التحرٌر
الفلسطٌنٌة ،فإنه ،على ما أعلم ،لم ٌعقد اجتماعا واحدا حول اإلمبراطورٌة
اإلعالمٌة التى كثٌرا ما كان ٌقال إنه على وشك إطالقها من لندن ،والتى
كان ٌفترض أن قناة «اللٌبٌة» هى فصٌلها المتقدم.
كان بالػ االهتمام بالمال وشبونه ،وعلى الرؼم من كل ما كان ٌشاع عن
مهاراته وجوالته فى المحافل السٌاسٌة فإنه لم ٌقترب من الساسة
البرٌطانٌٌن قدر اقترابه من ذلك الرجل الجشع المتصابى تونى بلٌر الذى
كان مستشارا لوالده ،وهو أٌضا الذى ساعده على نٌل الدكتوراه على نحو
ما نشرت الصحؾ البرٌطانٌة.
58
كانت الحلقة األولى التى أذٌعت ٌوم 26مارس 2009أكثر سخونة من
التنوٌه ،كان هناك مإتمر قمة عربٌة على وشك االنعقاد خالل أٌام ،هذه
المرة فى الدوحة.
وهكذا انطلقت أصول وأجول فى حدٌثى عن القمة وعن ؼٌره من
موضوعات الساعة ،وحكٌت أٌضا للمشاهدٌن عن ظروؾ مصادرة
برامجى السابقة ،وقلت« :بعضهم كتب لى إن أحوال الحرٌات فى لٌبٌا
عدمانة ،قلت ده صحٌح ،إنما حد ٌقول لنا فٌن فى أرض العروبة ممكن
الواحد ٌتنفس؟ الوضع سٌرٌالى والحل الزم ٌكون سٌرٌالى ،وفى كل
األحوال من أول ٌوم قالوا لى إخوانا فى لٌبٌا مفٌش خط أحمر ،أنا ما
اشتؽلتش قبل كده فى محطة اإال واتقال لى إنه مفٌش خط أحمر ،وبعد كده
شفت الخط األحمر والجن األزرق ،لكن دى أول مرة ٌتكتب لى فى العقد
إنى أقدم برنامجا ذا طبٌعة حرة ،وآدى إحنا ،أنا وأنتم ،حنشوؾ».
وفى مكان آخر فى الحلقة قلت« :قلم رصاص حٌفضل ٌدافع عن
الحرٌات ،وحٌفضل ملتزم بالمبادئ القومٌة ،وحٌفضل ملتزم بمواجهة قوى
الهٌمنة الكبرى ،حٌفضل ملتزم بؤن طرٌق السالم ٌجب أن تسنده المقاومة،
حٌفضل ملتزم بمطاردة فساد أصحاب السلطة وأصحاب الثروة ،حٌفضل
ملتزم بمعارضة تورٌث الحكم فى البالد اللى بتسمى نفسها جمهورٌة ا
وال
ثورٌة ،ما احناش حنتحرك بالرٌموت كنترول ،وال حنتؽٌر بتبدٌل القناة،
حنتصادر ،بس كل ما نتصادر حتزودنا المصادرة قوة وإٌمان».
علي توفيق البيت ،كما ذكرت،
َّ بعد أن سجلت الحلقة الخامسة دخل
يهذى« :القائد ،القائد .
تلقى مشرى مكالمة من مكتب معمر القذافى تطلب منه إٌقاؾ بث حلقة
البرنامج التى كان مقررا إذاعتها فى المساء ،فاعتذر عن عدم تنفٌذ األمر
بؤنه ٌتلقى تعلٌماته من سٌؾ اإلسالم ،واتصل بسٌؾ اإلسالم ٌبلؽه بما
حدث فؤمره بإذاعة الحلقة ،وأذٌعت الحلقة بالفعل فى المساء ،وعندها تتالت
األحداث.
59
فى ساعات قلٌلة صدر قرار بحبس مشرى داخل مكتب القذافى ذاته فى
باب العزٌزٌة ،ثم قرار آخر بإٌقاؾ بث القناة ،تاله قرار ثالث بضمها إلى
هٌبة اإلذاعة والتلفزٌون الحكومٌة ،وبعد منتصؾ اللٌل بقلٌل فوجا
العاملون فى القناة بمعمر القذافى ٌدخل علٌهم وبصحبته على الكٌالنى
القذافى ربٌس الهٌبة ،كانا وحدهما دون حراسة ،وقؾ القذافى فى ردهة
مبنى القناة األمامٌة وأخذ ٌجول فٌها جٌبة وذهابا لدقابق معدودة ،بعدها
التفت إلى الكٌالنى ٌسؤله« :خالص وضعت ٌدك على كل شًء؟» ،ولما
أجاب باإلٌجاب ؼادر معمر.
أمم القذافى القناة هى وأخواتها ،كان للخبر صدى كبٌر فى صحؾ مصر
المعارضة وفى الصحؾ العربٌة ،وأرجع معظمها سبب تؤمٌم القناة وإلؽاء
البرنامج إلى الحلقة األخٌرة التى تعرضت بالنقد لموقؾ مصر الرسمى من
المقاومة الفلسطٌنٌة ،وكذلك لتحوٌل عضو فى حزب هللا إلى النٌابة بتهمة
القٌام بؤنشطة وعملٌات داخل األراضى المصرٌة دون إخطار السلطات.
المصادر الصحفٌة كلها أجمعت على أن «مبارك» كان ؼاضبا ؼضبا
شدٌدا وأنه كلم القذافى ،مساومًا حسب البعض ومهددا حسب آخرٌن؛ مما
أدى بالقذافى إلى تؤمٌم القناة ،الخالصة أن «القذافى طوق أزمة مع مبارك
بكبح االنتقادات اإلعالمٌة» ،كان هذا هو مانشٌت جرٌدة «القدس العربى»
ٌوم 28إبرٌل .2009
كنت قد زهدت اإلقامة فى الخارج وكان الحنٌن ٌجذبنى إلى الوطن ألإدى
رسالتى هناك ،فحزمت حقاببى عابدا إلى القاهرة؛ واتصلت بالصدٌق القدٌم
محمود جبرٌل فى طرابلس ،وهو خبٌر دولى بارز فى التخطٌط( ،بعد
الثورة أصبح أول ربٌس للمكتب التنفٌذى للمجلس الوطنى االنتقالً).
طلبت من جبرٌل أن ٌتدخل لدى من ٌعنٌهم األمر حتى تصرؾ مستحقاتى
المتؤخرة ،فوعدنى أن ٌطلب ذلك من ربٌس الوزراء البؽدادى المحمودى.
وبالفعل اتصل بى فى القاهرة فى الٌوم التالى ولكن ال لٌبشرنى بانتهاء
المشكلة وإنما لٌنقل لى عرض المحمودى بؤن أعود للعمل فى القناة نفسها
تحت إدارتها الحكومٌة الجدٌدة فى طرابلس ،فاعتذرت شاكرا.
60
تؤكدت من سبب إٌقاؾ البرنامج وما لحق ذلك من تطورات .انزعج مبارك
بداٌة ألن لٌبٌا أوت البرنامج بعد أن أوقؾ فى دبى ،وانزعج أكثر من
مواصلتى النتقاده بحدة ،وٌبدو أن انزعاجه بلػ حده عندما اتصل تلٌفونٌا
بالقذافى.
قال لى أحد األصدقاء اللٌبٌٌن الذٌن كانوا ٌحٌطون بـ«القابد» إنه حضر
المكالمة وإنها استؽرقت 22دقٌقة ،وإنها تناولت فى البداٌة عددا من
المسابل الشابكة فى العالقات المصرٌة ــ اللٌبٌة ،ثم شكا مبارك من
البرنامج ،وعندما لم ٌعده معمر بإجراء محدد لوا ح مبارك فى ابتزاز
مكشوؾ بؤنه قبل أٌام منع إحدى الصحؾ القومٌة المصرٌة من فتح النار
على القذافى شخصٌا ،وطلب منه صراحة أن ٌتخذ موقفا ال ٌقل حسما.
ولما كنت ال أشك فى صدق الصدٌق اللٌبى فقد فتحت النار أنا اآلخر،
وأعلنت فى أكثر من برنامج تلٌفزٌونى استضافنى بعد عودتى إلى القاهرة
أن الرباسة هى السبب فى إٌقاؾ «قلم رصاص» ،لٌس فقط فى «اللٌبٌة»
وإنما أٌضا فى قناة دبى.
بعد أٌام اتصل بى المهندس أسامة الشٌخ وقال إن وزٌر اإلعالم أنس الفقى
طلب منه إبالؼى أنه «ٌود أن ٌنقل لك رسالة مإداها أنه ال أحد فى
الرباسة ضدك ،بل إن الكل ٌرحب بعودتك إلى القاهرة وال ٌمانع فى أن
تعمل بؤى من المإسسات المصرٌة».
تمض أٌام حتى طلبنى الدكتور زكرٌا عزمى ٌبلؽنى بالرسالة نفسها
ِ ولم
وذات النص ،حتى هٌا لى أنه إذا لم تكن ممالة من الربٌس السابق ذاته
فال بد أن أحدا ما أرسل نصها مكتوبا إلى الفقى وعزمى.
عندها قلت« :ولكن ذلك ؼٌر صحٌح ٌا دكتور ..أنتم الذٌن أوقفتم
البرنامج» ،سؤلنى زكرٌا عزمى إن كنت أملك دلٌال مادٌا على ذلك،
فؤجبت باإلٌجاب على الرؼم من أنه لم ٌكن فى حوزتى بالطبع مثل هذا
الدلٌل ،قال« :إذن نلتقى ونناقش األمر» ،أجبت بؤن له أن ٌحدد الموعد
والمكان ،وكانت هذه آخر مرة أسمع فٌها صوت زكرٌا عزمى.
61
ما إن مرت عدة أسابٌع حتى كلمنى على مارٌا القابم بؤعمال مكتب
،2009لم أعد المتابعة اللٌبى فى القاهرة ،كنا فى مطلع شهر أكتوبر
أندهش مما تؤتى به مثل تلك المكالمات من مسبولٌن لٌبٌٌن ،دعانى ،باسم
القابد ،لزٌارة لٌبٌا «للمشاركة فى االحتفال الذى سٌقام بمدٌنة سبها فى
50عاما على تؤسٌس حركة الجماهٌرٌة العظمى بمناسبة مرور
الوحدوٌٌن األحرار».
قررت أن أقبل الدعوة على الرؼم من كل شًء لسبب وحٌد أن أحصل
على حقوقى وأؼلق ملؾ «اللٌبٌة» ،كنت عازما على أن أحدث «القابد»
فى األمر عندما ألتقٌه ،وكان ذلك مقررا فى الٌوم التالى الذى سنذهب فٌه
إلى بلدة «سبها».
أعد مسرحا مفتوحا كبٌرا امتأل بؤلوؾ من أهل «سبها» ،تطل علٌه منصة
اصطففنا فى ناحٌة منها ننتظر «القابد» ،كان ٌبدو ٌومها أكثر وقارا وأقل
اندفاعا ،لم ٌطرق المابدة التى أمامه بقبضته ،وال رفع ٌدٌه وصوته مهلال
هاتفا كعادته ،ولم ٌقذؾ بورق بٌن ٌدٌه كما فعل فى األمم المتحدة أثناء
كلمته.
جلس القذافى على المنصة ٌحٌط به ضٌوؾ الشرؾ القادمون من مناحى
األرض جمٌعا ،وجلست إلى جانبه ابنته عابشة ،وأخذ منظمو الحفل
ٌسوقون الضٌوؾ إلى المنصة العرٌضة التى تعلو عن األرض بضعة
أمتار ،وجاءنى أحمد قذاؾ الدم ٌطلب منى الصعود إلى هناك لكننى
اعتذرت ،فقد كنت مشحونا بالؽضب من تعامل «اللٌبٌة» معى ،وكنت
أعرؾ أننى لو وقفت أمامه وجها لوجه فال مناص من أن أتكلم بحدة ،ولم
أجد هذا البقا فى مناسبة عامة كهذه المناسبة.
أشهد أن قذاؾ الدم كان كرٌما لٌلتها معى ،تفهم رؼبتى فى الجلوس فى
الحدٌقة دون أن ٌلح ،ثم مر بى أكثر من مرة همس لى فى إحداها بحكاٌة
الطباخٌن الذٌن أهداهم زعٌم ٌوؼوسالفٌا «تٌتو» إلى «القابد» ،وأخبرنى
بؤن السفرجٌة الذٌن ٌقدمون لنا العشاء إٌطالٌون ،تبهج معمر كثٌرا مثل
هذه اللفتات.
62
سادة لٌبٌا فى الماضى ٌخدمون ضٌوفها الٌوم ،على الرؼم من أنه عفا عن
إٌطالٌا بعد أن اعتذر ربٌس وزرابها برلسكونى عن حقبة االستعمار ودفع
التعوٌض المناسب ،ولو أنه أخذ فى مقابل العفو ترضٌات مجزٌة.
•عدالة السماء أنهت حياة العقيد فى «أنابيب الصرف الصحى» حكاية
مكالمة الـ 22دقيقة بين مبارك ومعمر التى انتهت بوقف برنامجى
ومصادرة القناة
كانت هذه آخر مرة أرى فٌها القذافى قبل أن ٌلقى مصٌره البشع وهو
مختبا فى أحد أنابٌب الصرؾ فى سرت ،جفلت من المشهد الوحشى الذى
مثل إساءة بالؽة للثورة والثوار ،ولكننى ،شؤن كثٌرٌن كما أعتقد ،أٌقنتّ
مرة أخرى أن عدالة السماء اقتصت ألولبك الذٌن أصدر علٌهم القذافى
أحكامه بالسجن والتعذٌب واإلعدام ،اإال أننى ما كنت أود أبدا أن ٌتم
القصاص على أٌدى قوى الؽرب وحلفابه فى قطر ،أو أن ٌنتهى بتسلٌم
البالد إلى الظالمٌٌن الذٌن أؼرقوا البالد فى الفوضى.
63
كنت كؽٌرى مهتما بتصرٌحات الدكتور محمد البرادعى فى الخارج،
خاصة عندما أعلن فى CNNأنه ٌعتزم خوض انتخابات الرباسة المقررة
فى 2011إذا ما رفعت القٌود الدستورٌة على الترشٌح.
حاولت الصحؾ القومٌة تلوٌث سمعة البرادعى بؤكبر قدر من البذاءات
والشابعات ،من بٌنها مثال أنه حاصل على الجنسٌة النمساوٌة ،ولكننى
تحققت من كذب هذه الشابعة ،أما الشابعة األخرى فإنه عمٌل للوالٌات
المتحدة ،وأنه هو الذى أعانها على ؼزو العراق عندما قام مع وزٌر
الخارجٌة السوٌدى السابق هانز بلٌكس بالتفتٌش على األسلحة الكٌماوٌة
والبٌولوجٌة العراقٌة ،فلم تكن تقوم على أساس.
19 قررت الذهاب إلى المطار الستقبال الدكتور البرادعى ٌوم الجمعة
فبراٌر ،2010وتجمع نحو ثالثة آالؾ شخص فى المطار ،تؤخرت
الطابرة نحو ثالث ساعات ،وعندما استطاع الرجل أن ٌجد طرٌقه بٌن
الجموع التى تدافعت تجاهه ،فوجبت به ٌستقل سٌارته وٌنطلق بها وسط
الشباب الذٌن كانوا قد قضوا ساعات فى ساحة المطار ٌنادون باسمه ،فال
تتوقؾ السٌارة لحظة لتحٌتهم ،وإنما تنطلق بسرعة حمقاء ال تم ِّكنه من أن
ٌطل علٌهم من كرسٌها الخلفى وراء الزجاج المؽلق.
فى 23فبراٌر استضاؾ الدكتور البرادعى أؼلب ممثلى القوى الوطنٌة
وعددا من الشخصٌات المستقلة فى منزله فى اجتماع أعد له د .حسن
نافعة ،وكانت هذه أول مرة ألتقى فٌها البرادعى.
توصل المجتمعون إلى ضرورة تؤسٌس جمعٌة وطنٌة للتؽٌٌر ٌعلن
البرادعى قٌامها ،وقام عصام سلطان بكتابة بٌان مختصر ،ولكن البرادعى
تردد كثٌرا قبل أن ٌمتثل للضؽوط ،وٌوافق على أن ٌعلن قٌام الجمعٌة
بنفسه ،وأكد أن ذلك ال ٌعنى أنه ربٌسها.
فى األٌام التالٌة بدأ البرادعى ٌباشر بنفسه وضع تصور لخطة عمل
الجمعٌة وآلٌات تنفٌذها ،وعقد اجتماعا مطوال لهذا الؽرض مع حسن نافعة
ود .أبوالؽار ود .األسوانى ،ثم سافر.
64
اتفقنا بعد عودة البرادعى على توزٌع العمل بٌننا فى لجان ٌعٌان لكل منها
مسبول ،فؤصبح الدكتور عبدالجلٌل مصطفى مسبوال عن االتصال
والتوقٌعات على بٌان الجمعٌة ،والدكتور أبو الؽار مسبوال عن المصرٌٌن
فى الخارج ،والدكتور محمد ؼنٌم وجورج إسحق مسبولٌن عن لجان
المحافظات ،والمستشار الخضٌرى مسبوال عن اللجنة القانونٌة ،وعصام
سلطان مسبوال عن مساندة األعضاء ،أما أنا فكلفت بؤن أكون المتحدث
اإلعالمى للجمعٌة.
معلومة مغلوطة
بعد أن التقٌنا الصحفٌٌن انتحٌت بالدكتور البرادعى جانبا ،قلتٌ« :ا دكتور
محمد أنت تعلم بالطبع أننى ناصرى ،ولكن ما سؤحدثك فٌه اآلن ال ٌنطلق
من هذه الخلفٌة ،فقد عاهدنا أنفسنا جمٌعا أن نطرح جانبا معتقداتنا السٌاسٌة
ونعمل أوال على إحداث التؽٌٌر ،لقد قرأت الٌوم حدٌثك فى جرٌدة
المصرى الٌوم ،وٌإسفنى أنك ذكرت فٌه معلومة مؽلوطة هى أن
عبدالناصر دفن اإلخوان المسلمٌن أحٌاء فى سنة ،1967هذا أوال ؼٌر
صحٌح ،لكن األهم من ذلك أن نشره سوؾ ٌستعدى الناصرٌٌن ،ونحن ال
نرٌد استعداء أى فرٌق سٌاسى ،بٌنما نعمل على تجمٌع الكل حول أهداؾ
الجمعٌة» ،طمؤننى الدكتور البرادعى أنه سٌراعى ذلك فى المستقبل.
فى الٌوم التالى نزل البرادعى إلى الشارع ألول مرة لٌصلى الجمعة ،وبعد
أن طاؾ بشارع المعز توجه للصالة فى مسجد الحسٌن ،كنا نظن ٌومها أن
احتكاكه بالناس سٌدفعه للنزول إلى الشارع واللقاء بالجماهٌر ،إال أن
استقباله فى الحسٌن لم ٌثمر سوى عن افتتاحه لحسابه الشهٌر على
«توٌتر» ،وكنا قد الحظنا قبل ذلك أنه وجه شكره للشباب الذٌن استقبلوه
فى المطار من خالل رسالة فى «فٌس بوك» ،أما عندما أعلن عن
حضوره مإتمر «الحملة الشعبٌة لدعم البرادعى» فى 17دٌسمبر ،2010
فقد ؼاب عن المإتمر ،وفسر ؼٌابه بمرض والدته ،وألقى كلمة فى
المإتمر عن طرٌق الموباٌل.
65
التواصل باإلنترنت
منذ الٌوم األول كان البرادعى ٌتحدث إلى الناس عن بعد ،وكان ؼرامه
بشبكة اإلنترنت واضحا ،وكانت هى وسٌلته األولى لالتصال بمإٌدٌه بل
وبؤقرب معاونٌه أٌضا ،وعندما أبلؽناه اندهاشنا لسفره بعد أٌام من استقباله
الحماسى فى المطار كان رده جاهزا« :اإلنترنت ألؽت المسافات» ،وكان
ٌكرر هذا الرد كلما سافر.
أما أثناء وجوده فى القاهرة فكان برنامجه مزدحما بلقاءات وفود من
مختلؾ الطوابؾ ،ومن الشباب خاصة ،لكنه لم ٌعقد مإتمرا جماهٌرٌا
واحدا ،لم أستطع وقتها أن أجزم بالسبب فى ذلك ،هل ألنه ٌنفر من
الجماهٌر ،أم ألنه ٌخشاها ،أم ألنه ٌحتقرها؟ لم أكن قرٌبا منه بالقدر الذى
ٌمكننى من التعرؾ على ما فى داخله.
سندوتش فول
كنا كثٌرا ما نتندر فٌما بٌننا وقتبذ بقصة سابق المستشار الخضٌرى الذى
كان ٌتؤفؾ إذا ما علم أنه سٌقل المستشار من اإلسكندرٌة إلى القاهرة لٌقابل
الدكتور البرادعى ،شاكٌا أنه عندما ٌذهب إلى هناك فهو عادة ما ٌحتاج
إلى واسطة للحصول على كوب من الشاى.
ولكننا ونحن نتندر على ما فى األمر من طرافة كنا نعرؾ داللته ،وهى أن
الدكتور البرادعى ومن حوله لم ٌنجحوا فى التواصل اإلنسانى مع من
ٌترددون علٌهم ،بل إننا نحن المسبولٌن فى الجمعٌة ،الذٌن سمتنا الصحؾ
«أمناء سر البرادعى» أو «حكومة الظل» ،لم ٌعرض علٌنا مرة إذا ما
تؤخر اجتماعنا لدٌه فى المساء أن نتناول سندوتش فول أو نذهب إلى مطعم
قرٌب نتناول فٌه عشاءنا معا ،لم نجد فى طباعه أى لمسة شرقٌة.
األهم من سندوتش الفول أن ال أحد منا كان ٌستطٌع أن ٌتصل بالبرادعى
مباشرة ،فقد احتفظ برقم هاتفه سرا على الجمٌع ،وكان الطرٌق الوحٌد
لالتصال محصورا فى شقٌقه على البرادعى الذى ٌالزمه كظله ،نقول له
ما نقول وننتظر الرد أٌضا من خالله ،أما إذا كان هناك أمر عاجل فال
66
سبٌل إلبالؼه سوى من خالل البرٌد اإللكترونى ،وكنا نكظم ؼٌظنا؛ آملٌن
مع مرور األٌام أنه سوؾ ٌدرك أن هذا األسلوب ال ٌلٌق مع القامات التى
التفت حوله.
أزمة المبعدين
األزمة الحقٌقٌة التى واجهت الجمعٌة كانت قد وقعت ٌوم 8أبرٌل عندما
أبعدت الكوٌت 26مصرٌا كانوا فى طرٌقهم كعادتهم كل أسبوع إلى مقهى
للتشاور فٌما ٌمكنهم عمله للحصول على حقهم فى التصوٌت فى انتخابات
بالدهم ،وهو الحق الذى دعت إلٌه «الجمعٌة الوطنٌة للتؽٌٌر» ضمن
مطالبها السبعة.
معظم هإالء تم اعتقالهم فى الٌوم السابق للموعد ،والبعض اعتقلوا من
أماكن عملهم ،وسٌقوا مقٌدٌن باألؼالل أمام زمالبهم كؤنهم مجرمون فى
حوادث جنابٌة ،وآخرون اختطفوا ،وهم فى طرٌقهم إلى المقهى ،واحتجز
عدد آخر ألنه تصادؾ وجودهم لمجرد الفرجة بعد أن بات الجمٌع لٌلة لدى
أمن الدولة تعرضوا فٌها لتحقٌقات مضنٌة حول صلتهم بالدكتور
البرادعى ،بدأت السلطات الكوٌتٌة فى ترحٌلهم فى الٌوم التالى دون أن
ٌقدموا للمحاكمة.
كنت على صلة بواحد من هإالء المرحلٌن فاتصلت بى عابلته تبلؽنى
الخبر ،فنقلناه للدكتور البرادعى ،ولكننا كنا نعرؾ أن تعلٌقه سٌؤتٌنا متؤخرا
خاصة أنه كان فى إجازة فى منتجع بالبحر األحمر طالت بضعة أٌام
بمناسبة شم النسٌم.
اتصلت بالدكتور حسن نافعة واتفقنا على إصدار بٌان عاجل نستنكر فٌه
الحادث ،وعلى االتصال بالسفٌر الكوٌتى بالقاهرة ،وعلى إخطار المحامى
عصام سلطان المسبول عن لجنة مساندة األعضاء ،وأخذنا فى إبالغ
منظمات حقوق اإلنسان المصرٌة والكوٌتٌة والعربٌة بالخبر فى سعى
لٌعامل المرحلون معاملة حسنة إذا لم نستطع إٌقاؾ ترحلٌهم من الكوٌت.
67
صؽت البٌان واتفقت على نصه مع حسن نافعة وأرسلته للصحؾ،
وأرسلت النص إلى على البرادعى ،فإذا به ٌرد برسالة ٌطلب منى فٌها
إٌقاؾ توزٌع البٌان أو سحبه إذا ما كنت قد أصدرته ،وأضاؾ أنه قد «تم
االتفاق على أن الدكتور البرادعى هو وحده المخول بإصدار بٌانات باسم
الجمعٌة» ،ثم نقل لى نص رسالة الدكتور البرادعى ،باإلنجلٌزٌة كالعادة،
ترجمة رسالته تقول« :هذا البٌان ٌمكن أن ٌصدر بصفة شخصٌة ،على
لسان شخص أو مجموعة أشخاص ،ولكن لٌس باسم الجمعٌة ،إننا ال
نعرؾ القانون الكوٌتى ،وال نرٌد أن ندخل فى نزاع مع الحكومة الكوٌتٌة
أو حكومات عربٌة أخرى ،نحن ال نعرؾ كل الحقابق ،كما أن الجمعٌة
التى تمثل جمٌع المصرٌٌن ٌجب أن ٌقتصر حدٌثها على مطالبها السبعة
المتفق علٌها ،أما باقى األمور فٌجب التعبٌر عنها فى تصرٌحات خاصة
كما أفعل أنا فى توٌتر ،وهذا الموضوع بالذات ٌخص الحكومة المصرٌة
حتى اآلن .
كذب
صدمتنى الرسالة ألسباب عدة؛ أولها أن الدكتور البرادعى لم ٌكلؾ نفسه
االتصال بى أو بؤى من الزمالء الستٌضاح األمر ومناقشة التصدى له.
السبب اآلخر هو أن الرسالة فٌها كذب ال وصؾ آخر له ؼٌر الكذب؛ إذ
إننا لم نتفق من قبل على أن إصدار بٌانات الجمعٌة مقصور على البرادعى
وحده ،ثم إن ما فاجؤنى أٌضا كان معالجة الموضوع بؤسلوب المنظمات
الدولٌة البٌروقراطى ،وخذالن أنصارنا.
أرسلت الرد ،وكان نصه« :األخ األستاذ على البرادعى ،أبلؽتنى فى
رسالتك أن الدكتور البرادعى هو المخول وحده بإصدار البٌانات باسم
الجمعٌة كما هو متفق علٌه ،وبالرؼم من أننى لم أبلػ باتفاق كهذا فإن
الرسالة على هذا النحو تلؽى مسبولٌة اللجنة اإلعالمٌة أو المتحدث
اإلعالمى ،وهكذا فإننى أطلب منك إبالغ الدكتور البرادعى والزمالء
المسبولٌن عن بقٌة اللجان أننى أعفٌت نفسى من أى عمل إعالمى ٌتعلق
بالجمعٌة التى سؤظل وفٌا ألهدافها السبعة من أجل التؽٌٌر ،تمنٌاتى».
68
مع الجنزورى
كنت وقتها على صلة بالدكتور كمال الجنزورى ربٌس الوزراء األسبق،
كان قد اتصل بى عندما أذٌع حدٌثى مع عمرو اللٌثى لٌهنبنى على الحدٌث،
وكان هذا أول اتصال بٌننا ،قال إنه ٌود أن ٌرانى ،فذهبت إلٌه فى مكتبه
الخاص الذى لم ٌكن ٌبعد عن بٌتى كثٌرا فى مصر الجدٌدة ،وبعدها أخذت
أتردد علٌه بانتظام.
كان شدٌد االنتقاد للحلقة المحٌطة بمبارك ،وقاربا جٌدا للمقاالت السٌاسٌة،
وفى أكثر من مرة طلب منى أرقام تلٌفونات الكتاب المعارضٌن لٌبلؽهم
إعجابه بما كتبوه أو لٌناقشهم فٌه ،وحمالنى رسابل إلى البعض منهم،
وعندما أسسنا الجمعٌة الوطنٌة للتؽٌٌر حاولت أن أحثه على إصدار بٌان
ٌعلن فٌه معارضته للحكم ،ولكنه آثر الترٌث حتى ال ٌرتبط ذلك بعودة
البرادعى ،الذى لم ٌكن متحمسا له حماسه للجمعٌة ،كان شدٌد االنتقاد
لؽٌاب البرادعى المتكرر عن مصر ،وكان دابما ما ٌطلب منى أن نضؽط
علٌه حتى ٌعود.
مقر لإليجار
ٌبست مجموعتنا من الحدٌث عن حضور البرادعى وؼٌابه ،اإال أننا عندما
اجتمعنا فى 9ماٌو ناقشنا أمرا آخر كنا قد بحثناه من قبل ،هو البحث عن
مقر للجمعٌة ٌجرى فٌه البرادعى لقاءاته ،ونعقد فٌه اجتماعاتنا.
وكنا قد حدثنا البرادعى من قبل فى ذلك ،متسابلٌن عما إذا كان مكتب والده
للمحاماة فى وسط البلد ٌمكن أن ٌصلح للؽرض ،لكنه قال إن المكتب شؤن
العابلة ال شؤنه ،فطلبنا من جورج إسحق أن ٌوظؾ اتصاالته للبحث عن
مكتب نستؤجره.
بلؽنا جورج فى اجتماعنا هذا أن هناك عدة مكاتب متاحة ،وأن إٌجارها
ٌتراوح بٌن ثالثة آالؾ وخمسة آالؾ جنٌه شهرٌا ،فقررنا أن نسهم جمٌعا
فى سداد اإلٌجار ،لكننى سؤلت :وهل سٌسهم معنا الدكتور البرادعى هو
اآلخر؟ جاءت اإلجابة من أحدنا« :الدكتور البرادعى قال إنه لن ٌسهم فى
69
استبجار مكتب» ،قلت« :وأنا لن أساهم اإال إذا دفع هو نصٌبا مماثال
ألنصبتنا جمٌعا .
كان التواصل بٌن البرادعى وبٌن قٌادات الجمعٌة قد أصبح محدودا للؽاٌة،
وبدا واضحا أٌضا أنه ال ٌثق كثٌرا فى الجمعٌة الوطنٌة للتؽٌٌر ،وربما
كان هذا هو السبب فى ذهابه لزٌارة اإلخوان المسلمٌن فى مقر كتلتهم
البرلمانٌة فى المنٌل ،وما دفع اإلخوان لٌعلنوا حشد كل قواهم لجمع
التوقٌعات على بٌان األهداؾ السبعة.
بشائر يناير
عندما أتى ٌناٌر ذهبت ألول مرة ،بعد سنوات الؽربة ،إلى ضرٌح
عبدالناصر لنحتفل بذكرى مولده ٌوم ،15ونلتقى الناصرٌٌن القادمٌن من
األقالٌم ،كان همنا ٌومها أن نحشد القوى الوطنٌة خلؾ الدعوة التى كانت
الجمعٌة الوطنٌة للتؽٌٌر قد أطلقتها فى الٌوم السابق لتشكٌل حكومة إنقاذ
وطنى لفترة انتقالٌة.
ٌوم ٌ 22ناٌر جاء شباب الجمعٌة الوطنٌة للتؽٌٌر ٌعرضون على قٌادتها
خطة التحرك فى ٌ 25ناٌر التى حددتها قوى الشباب بحركاتها المختلفة،
وكانت تقوم على أساس االنطالق من مناطق القاهرة األكثر فقرا مثل
بوالق وإمبابة وناهٌا وشبرا متجهة إلى مٌدان التحرٌر ،فإذا لم ٌكن
التحرك كبٌرا بالقدر المؤمول ٌتحول إلى اعتصام فى مٌدان مصطفى
محمود ،وفى عواصم المحافظات كانت الخطة تقضى بتوجه المظاهرات
للتجمع فى مٌادٌنها الكبرى ،وفى الٌوم التالى اجتمعنا فى الجمعٌة الوطنٌة
للتؽٌٌر ،حٌث دعونا إلى أن تكون وقفتنا ٌوم 25أمام مكتب النابب العام
مع البرلمان الشعبى ،فى هذا االجتماع قال عصام العرٌان إن الجماعة
ستقصر مشاركتها فى الوقفة على بعض رموزها فقط ،لكنها لن تمنع من
ٌرٌد النزول من شبابها.
70
مطلوب أمنيا
اتصل بى لٌلتها شقٌقى عاصم ،وهو ضابط شرطة سابقٌ ،حذرنى من أن
الشرطة تتحٌن ظهورى فى أى مظاهرة بالشارع العتقالى بعد الخطاب
الحاد الذى كنت قد ألقٌته قبل أسابٌع فى نقابة الصحفٌٌن احتفاال بحصول
عالء األسوانى على جابزة «اإلنجاز العلمى» من جامعة إلٌنوى
األمرٌكٌة.
لكن القوى الوطنٌة كانت قد قررت النزول على الرؼم من اإلنذار الذى
وجهته لنا وزارة الداخلٌة بضرورة الحصول على تصارٌح للتظاهر،
24 وكان اللواء إسماعٌل الشاعر مساعد وزٌر الداخلٌة قد صرح ٌوم
أٌضا بؤن «الوزٌر أصدر توجٌهات باعتقال من ٌخرجون على الشرعٌة».
وأنا فى طرٌقى إلى دار القضاء العالى كنت أعتقد على الرؼم من ثقتى
بإحكام التخطٌط للمظاهرات ،أنها سوؾ تجبر النظام على إقالة وزٌر
الداخلٌة ،وربما تقدٌمه للمحاكمة بتهمة التعذٌب ،وسوؾ تتجاوب مع بعض
المطالب الشعبٌة مثل تحدٌد الحد األدنى لألجور مثال ،وعندها نلتقط
أنفاسنا ،ونعاود التجهٌز لخطوة أخرى ،لكننى لم أستبعد قط أن ٌضطر
مبارك إلى إقالة الوزارة ،وتشكٌل حكومة إنقاذ لتسد بعض أبواب الؽضب.
فى الثانٌة عشرة كان عددنا قد بلػ األلؾ تقرٌبا أمام دار القضاء العالى،
لكننى لم أشاهد من قٌادات اإلخوان أحدا سوى محمد البلتاجى ،فى حٌن
كانت قوات الشرطة التى تحٌط بنا وتلك الرابضة فى لورٌات األمن
المركزى تزٌد على عدة آالؾ.
متظاهرة من مدريد
فوجبت بشقٌقتى مآثر تشق طرٌقها نحونا فحاولت أن أثنٌها عن البقاء،
ولكنها قالت إنها وصلت من مدرٌد فى اللٌلة السابقة لتشهد هذه اللحظة،
تمكنت بعد حوالى نصؾ الساعة أن أقنعها بالذهاب ،وأن أجد ضابطا شابا
سمح لها بالخروج خرقا للتعلٌمات التى كانت تقضى بحصار الوقفة ومنع
71
الدخول إلٌها أو الخروج منها ،وعندما ركبت سٌارتها عدت ثانٌة حٌث
كان الخطباء ٌصعدون إلى الساللم لٌلقوا خطبهم النارٌة واحدا بعد آخر.
قصة األٌام الثمانٌة عشر المجٌدة بعدبذ أصبحت معروفة للكل ،ال أدعى
أنه كان لى فٌها دور ٌذكر إلى جانب دور المالٌٌن الذٌن حققوا الحلم،
كانت الطلٌعة ٌومها للشباب والضحاٌا كانوا فى صفوفهم.
عندما قرأت صحؾ الصباح فى الٌوم التالىٌ 26 ،ناٌر ،لم أفاجؤ بنشرها
تصرٌحا لجورج إسحق قال فٌه« :هللا ٌحرق البرادعى ..ال نرٌد معرفة أى
شىء عنه» ،كان ٌشٌر إلى ؼٌاب الدكتور البرادعى عن ٌوم اندالع
ٌ 8ولٌو الثورة ،ؼاب البرادعى بعد ذلك عن جمعة «الثورة أوال» فى
،2011وتخلؾ أٌضا عن االحتفال بالذكرى األولى لثورة ٌناٌر فى
،2012وكان قد أعلن قبل ذلك بؤٌام انسحابه من انتخابات الرباسة.
عندما فوجا البرادعى باإلحباط الذى حدث للشباب ،وبانقالب بعضهم
علٌه ،حاول أن ٌحتوى الموقؾ بالدعوة إلى تؤسٌس كٌان هالمى سماه
حزب الدستور .
72
خائن ..متردد ..كاذب
مرت األٌام ،وبعد ٌ 30ونٌو عادت الجبهة فعلقت علٌه آمالها ،وأعلنت مع
تنسٌقٌة ٌ 30ونٌو أنهما ٌفوضان الرجل متحدثا باسمهما مع القوات
المسلحة ،وانتهى التفاوض إلى تعٌٌن البرادعى ناببا للربٌس فى ٌ 9ونٌو
14 ،2013ولكنه خان األمانة التى علقها علٌه أنصاره ،واستقال فى
أؼسطس احتجاجا على فض اعتصامات مإٌدى مرسى بالقوة ،لم أجد فى
ذلك جدٌدا؛ إذ كٌؾ ٌنجح البرادعى فى إدارة شبون الدولة وهو الذى لم
ٌنجح فى إدارة شبون حزبه؟ وعندما كتبت ٌومها أقول إن البرادعى ،كما
عرفته ،متردد ،كاذب ،أنانى ،ال ٌتحمل مسبولٌة ،ال ٌقبل رأٌا آخر،
البرادعى لٌس منا ،لم أكن أقول ٌومها شٌبا جدٌدا.
73
عندما انتهى سباق االنتخابات الرباسٌة عام 2012باإلعادة بٌن الدكتور
محمد مرسى والفرٌق أحمد شفٌق ،اختصرت مقالً فً «المصري الٌوم»
فً عدة سطور كانت بمثابة بٌان عنوانه «نداء إلى قوى الثورة» ،قلت فٌه
إن االنتظار لن ٌطول بنا ألربع سنوات ،سٌتفجر السخط الشعبً ؼدا أو
بعد ؼد أٌا ما كان الفابز هذه المرة».
أجرٌت الجولة الثانٌة لالنتخابات الرباسٌة ٌومً 16و ٌ 17ونٌو ،2012
وفى مساء ٌوم 21جاءتنً مكالمة من د .محمد البلتاجى ٌدعونً مع
آخرٌن لالجتماع مع مرسى لمناقشة الموقؾ بعد الجولة الثانٌة ،ولم تكن
نتٌجة الجولة قد ظهرت بعد.
موقؾ المجلس العسكري كان وقتها ؼامضا تماما ،كل ما كنا نعلمه أنه
على صلة مستمرة مع الفرٌق شفٌق ،لكنه كان قد فتح قناة لالتصال مع
اإلخوان أٌضا من خالل الدعوة السلفٌة وحزب النور.
السلفيون والجيش
كان السلفٌون ٌطبخون شٌبا مع المجلس العسكري فً تلك األٌام السابقة
على الجولة الثانٌة لالنتخابات ،لكن هذه الطبخة لم تنكشؾ سوى بعد
االنتخابات بشهور ،عندما صرح الشٌخ ٌاسر برهامً فً نوفمبر 2013
أن المجلس كانت لدٌه مخاوؾ من سٌطرة اإلخوان على الحكم إذا فاز
مرشحهم فً االنتخابات ،فاتفق مع السلفٌٌن على أن ٌطلبوا من اإلخوان
تقدٌم مبادرة تتضمن توجٌه رسالة تطمٌن قوٌة لجمٌع مإسسات الدولة
وجمٌع أطٌافها ،والحرص على دعم الدولة الحدٌثة ،وتقدٌم تعهدات من
قبل الربٌس القادم تضمن تحقٌق االستقرار داخل الوطن ،وعدم تصفٌة
مإسسات الدولة بدعوى مواجهة الفساد ،ولكن من خالل إعادة هٌكلتها
بشكل تدرٌجى ٌضمن استقرار كٌان هذه المإسسات (الشرطة ،القضاء،
المخابرات ،المحافظٌن ،والمحلٌات) ،وإعادة النظر فى تشكٌل الجمعٌة
التؤسٌسٌة لكتابة الدستور ،إلخ.
74
لو كان المجلس العسكري قد أفصح عن نواٌاه عندبذ ،أو كان حزب النور
قد اتصل بالقوى المدنٌة لكانوا قد شكلوا قوة ضاؼطة ال ٌمكن بحال
تجاهلها ،خاصة أن عددا من القٌادات السٌاسٌة البارزة كان قد أعلن عن
مبادراته.
مع اإلخوان ..مباشرة
ذهبنا مباشرة إلى اإلخوان المسلمٌن الذٌن تتركز المخاوؾ من احتمال
لجوبهم إلـى العنؾ إذا ما فاز شفٌق ،وذهبنا إلٌهم فً العلن وبسرعة ،هكذا
قررت أن المؽامرة تستحق ،خاصة أن ضررها ٌقع علًا وحدى ،ولم
أزعم إننً أمثل أحدا ،مضٌت فً طرٌقً إلى فندق «فٌرمونت».
عندما دخلت قاعة االجتماع وجدت عبدالؽفار شكر هناك ،ثم دخل
عبدالجلٌل مصطفى وبعده حسن نافعة وسكٌنة فإاد وعبدالخالق فاروق
الذٌن كانوا فً اجتماع التٌار الثالث أٌضا ،وشارك فً االجتماع كذلك د.
عمار على حسن ود .محمد السعٌد إدرٌس ود .هبة رءوؾ والنابب سعد
عبود ود .رباب المهدى وأٌمن الصٌاد ووابل قندٌل ومحمد الصاوي ود.
سٌؾ عبدالفتاح ،أما شباب الثورة فكان هناك منهم وابل ؼنٌم وشادي
الؽزالً حرب ووابل خلٌل ومحمد القصاص وإسالم لطفى وطارق الخولً
وأحمد إمام ومصطفى شوقً .وعالء األسوانً جاء متؤخرا ،وقال ما عنده
فً دقابق ،ثم ؼادر الرتباطات أخرى ولم ٌحضر ثانٌة.
أتٌح لً أن أكون أول من تحدث فى االجتماع ،كررت مخاوفً مما إذا
كان اإلخوان المسلمون ٌحشدون الناس فى العلن لرفض قرارات المجلس
العسكرى وإعالناته الدستورٌة فى الوقت الذى ٌجرون فٌه االتصاالت
كعادتهم مع المجلس فى الخفاء.
وأعاد الكل على مسامع الدكتور مرسى كل ما ٌزعجهم بال تزوٌق وال
مجاملة ،بعدها انتقلنا إلى صلب ما ذهبنا من أجلهٌ ،ا د.مرسى ،إذا شاءت
لجنة االنتخابات الرباسٌة أن تكون الرباسة لشفٌق فنحن هنا معكم لكى
نحول دون أن ٌنزلق البلد إلى شفا هاوٌة ،وإذا كانت الرباسة من نصٌبكم
فلن ٌمكنكم البقاء فى الحكم بتؤٌٌد اإلخوان وحدهم ،الشعب له مطالب علٌكم
75
أن تلبوها ،إن تعهدتم بتلبٌتها أمام الشعب فسنساندكم ،بل ونصطؾ معكم
فى جبهة واحدة ،وإن حدتم عنها كان هذا فراقا بٌننا وبٌنكم ،طال النقاش
بٌننا حتى الرابعة فجرا.
تعهدات مرسى
فً مإتمرنا الصحفً الشهٌر ٌوم الجمعة ٌ 22ونٌو ،أى قبل إعالن النتٌجة
بعدة أٌام ،كررنا نحن ثباتنا على موقفنا ،وقلت فى كلمتى إننا نرفض
الهٌمنة باسم الدٌن أو االستبداد باسم العسكر وإننا نتسامح فٌما مضى من
أخطاء ،وتعهد محمد مرسى بما تعهد به أمام الناس جمٌعا ،دولة
دٌمقراطٌة مدنٌة ،كفالة الحرٌات ،ضمان حقوق المواطنة ،نواب ربٌس من
األقباط والشباب والنساء مسبولون عن ملفات محددة ،ربٌس حكومة
مستقل ،حكومة ؼالبٌة وزرابها من ؼٌر اإلخوان ،وجمعٌة تؤسٌسٌة
للدستور تمثل أطٌاؾ الشعب.
شـكلت من فى الٌوم التالى لما سمته الصحافة «إعالن فٌرمونت» ُ
المجتمعٌن جبهة سمت نفسها «الجبهة الوطنٌة الستكمال الثورة» ضمت
أٌضا عددا محدودا من قٌادات اإلخوان ،كان من أنشطهم البلتاجى وخالد
حنفى (أمٌن حزب الحرٌة والعدالة فى القاهرة فٌما بعد) ،وعلى الرؼم من
أننى لم أحضر االجتماع التؤسٌسى للجبهة فقد تم اختٌارى منسق للجنتها
اإلعالمٌة ،لكننى لم أتو َل فعلٌا هذه المسبولٌة.
حضرت اجتماعٌن للجبهة ،علمت منهما أن الدكتور سٌؾ عبدالفتاح اختٌر
منسقا لها ،وأن الجبهة أخذت فى إرسال ترشٌحاتها للمناصب الكبرى إلى
الربٌس ،وأن أعضاءها اتفقوا على اأال ٌتولوا أى مناصب فى اإلدارة
الجدٌدة للدولة ،وإن كان االستثناء الوحٌد لهذا القرار هو ترشٌح د.
عبدالجلٌل مصطفى ربٌسا للوزراء (رفض د .عبدالجلٌل الترشٌح كعادته
فى االعتذار عن أى منصب تنفٌذى منذ قٌام الثورة.
76
وجها لوجه
فى ٌوم ٌ 14ولٌو بدأ الربٌس مقابالته التى سمٌت «مشاورات حول
المشهد السٌاسى الراهن» باجتماعٌن؛ كان أولهما مع السفٌر محمد رفاعة
الطهطاوى الذى سمى فٌما بعد ربٌسا للدٌوان ،والثانى معى ،كان انطباعى
عنه بعد اجتماعنا المضنى فى «فٌرمونت» أنه رجل طٌب على الرؼم من
أنه كان ٌحاول اإلفالت من االلتزام ببند أو آخر من بنود االتفاق.
بادرنى الرجل بترحٌب دافا ،وعندما جلسنا دخل فى الموضوع مباشرة:
«كٌؾ ترى األوضاع؟» ،قلتٌ« :ا سٌادة الربٌس ،كٌؾ لى أن أدلى برأى
صابب وأنا ال أعرؾ بدقة ما ٌدور حولك فى الكوالٌس؟».
تحدثت عن الوضع بقدر ما فهمته ،وفصلت بعض الشىء فٌما تداولته
جبهتنا فى اجتماعاتها ،وفى أننا نبعث برإٌتنا بانتظام إلى الرباسة ،لكن ما
رجوناه من تشاور ٌبدو وكؤنه اتصال من جانب واحد ،بدا على الربٌس
االنزعاج ،وطلب من الدكتور ٌاسر على ،الذى كان حاضرا الجلسة ،أن
ٌذ ِّكره باألمر فٌما بعد.
أضفت« :موضوع إعادة تشكٌل الجمعٌة التؤسٌسٌة للدستور بحٌث تكون
أكثر توازنا لم ٌحدث فٌه أى تطور ،وممثلو الحرٌة والعدالة فى الجمعٌة لم
ٌنبس واحد منهم بكلمة تشٌر إلى ما اتفقنا علٌه».
قال الربٌس« :سنعمل على ذلك» ،وأتبع بكلمات امتنان وهو ٌتذكر اللٌلة
التى توصلنا فٌها إلى االتفاق فى «فٌرمونت» ،سؤلت« :وهل تسمح لك
القوى التى خلؾ الستار بتنفٌذه؟» ،بدأ الدكتور مرسى حدٌثا مستفٌضا
فهمت من مجمله أن الرجل مدرك لتعقٌدات الموقؾ ،وأنه الٌزال ٌتحسس
أقدامه فى حقل األلؽام الشابك ،ولكنه على استعداد لمؽامرة محسوبة،
كلمنى أحٌانا بالرمز ،وكثٌرا بصرٌح العبارة عن عالقاته المتشابكة مع
المجلس العسكرى «الذى ٌحتاج إلًا وأحتاج إلٌه» ،ومع القضاء ،ومع
اإلعالم ،وحتى مع الشرطة.
77
كان ٌرى أن عالقته بالشرطة سوؾ تسوى ،خاصة بعد االجتماعات
المتتالٌة التى عقدها مع رجالها ،لكنه عندما تحدث عن اإلعالم كانت
كلماته تنطق بخٌبة أمل واضحة ،قلت« :نحن اإلعالمٌٌن نشكو أٌضا ،لكن
الكل مع ذلك مإمن بؤمرٌن أساسٌٌن :ضمانات الحرٌة ،واستقالل اإلعالم
الرسمى عن الحكومة» ،قال الربٌس« :وأنا اآلخر ،وأإكد لك أنه ال ٌمكن
أن تحدث مذبحة لإلعالم فى عهدى».
انتقل بنا الحدٌث من بعد إلى التعرض بإٌجاز ألوضاع المإسسات
اإلعالمٌة ،قلت إننى معترض منذ زمن على وجود وزارة لإلعالم،
واقتراحى أن تكون لإلعالم وزارة دولة لنعطى إشارة إلى أنه لٌس فى نٌتنا
اإلبقاء علٌها إال لمهمة قصٌرة محددة هى إعادة هٌكلة أجهزة اإلعالم،
عندما طرحت بعض األسماء المرشحة للوزارة ،أدركت من تعلٌقه أن
المجلس العسكرى قد تكون له كلمته فى االختٌار ،وربما لوزارات السٌادة
جمٌعا.
عاد بنا الحدٌث إلى الوضع العام ،قلت« :ربما تندهش ٌا سٌادة الربٌس إذا
ما اقترحت علٌك التهدبة مع المجلس العسكرى لبعض الوقت ،نعم ،نحن ال
نقبل دولة برأسٌن ،لكننى مع ذلك ،أرى الترٌث قلٌال ،وأذهب فى القول
إلى حد مطالبتك بؤال تصؽى لفترة إلى صٌاح المٌادٌن حتى لو تصدرتها
أصوات اإلخوان ،الناس تود أن تلتقط أنفاسها وتنعم باستقرار ٌتٌح
لالقتصاد أن ٌنتعش بعد االستقطاب الحاد الذى خلافته االنتخابات الرباسٌة،
لكن واجبك األخالقى العاجل هو العفو عن المعتقلٌن والمحاكمٌن عسكرٌا،
وؼٌر ذلك مقدور علٌه».
قاطعنى الربٌس« :وهذا سٌبدأ مع رمضان ،وربما قبله» ،استطردت:
«وعندما تضطر إلى حسم األمور األخرى فٌجب أن ُتحسم فى حزمة
واحدة ،وأن ٌتم ذلك بعد تشكٌل حكومة وطنٌة قوٌة تساندك فى مواجهة
التبعات» ،كنت أقصد العالقة مع المجلس العسكرى ،ولكننى أوجزت،
خاصة وأننى الحظت أن مرسى ٌتكلم بحساب خشٌة آالت التنصت كما
كنت أتصور.
78
أكد الدكتور مرسى أن الحكومة ستتم تسمٌة ربٌسها خالل أٌام ،وأن اختٌار
الوزراء متروك لربٌس الحكومة ،وإن كان هو معنٌا باألمر بالطبع،
شجعنى هذا على تذكٌره بكفاءات مرموقة ،خاصة ممن ٌمكن أن تسقط
أسماإهم من الذاكرة بسبب إقامتهم فى الخارج ،مثل الدكتور هانى عازر
الذى صمم وأشرؾ على إنشاء محطة سكك حدٌد برلٌن ،وهى أكبر
محطات قطارات فى أوروبا ،وحصلت على جابزة أفضل محطة فى
العالم.
توقفت أٌضا عند اسم الدكتور محمد البرادعى ،وقلت إنه إن كانت هناك
عوامل فى رأٌى تحول دون تولٌه منصبا دابما ،فمن الممكن مع ذلك أن
ٌكون ممثال شخصٌا لك فى بعض المهام الدولٌة ،وتوقفت أكثر عند اسم
عمرو موسى ،وقلت« :لٌته ٌكون قرٌبا منك فى موقع ٌلٌق به ،ولٌته
ٌقبل» ،امتدح الدكتور مرسى بحرارة موقؾ موسى بعد خسارته
االنتخابات ،وقال إنه رجل دولة بحق.
كان هذا الصمت ٌقلقنا كثٌرا فى الجبهة مما دعانا إلى إصدار تصرٌح
صحفى طالبنا فٌه الربٌس بتنفٌذ تعهداته قبل رمضان ،أى فى خالل
األسبوعٌن التالٌٌن.
حكومة قنديل
وفى ٌوم ٌ 28ولٌو ،وبعد أن كلؾ هشام قندٌل بتشكٌل الحكومة،
اضطررنا للخروج إلى العلن ،فعقدنا مإتمرا صحفٌا فى ساقٌة الصاوى،
أعلنا فٌه استٌاءنا خاصة من تكلٌؾ ربٌس حكومة ٌفتقر إلى المعاٌٌر التى
تم االتفاق علٌها ،ومن الؽموض الذى ٌلؾ قصر الرباسة فٌما ٌتعلق
بتشكٌل الفرٌق الرباسى ،استؤنا كذلك من ؼٌاب الشفافٌة بٌن الربٌس
والشعب ،ومن انعدام التشاور مع الجبهة ،ومن تجاهل تعدٌل تشكٌل اللجنة
التؤسٌسٌة للدستور ،وطالبنا الربٌس بتصحٌح المسار ،أى إننا عدنا مرة
أخرى ننادى بما نادٌنا به قبل شهر فى اجتماعنا فى «فٌرمونت».
79
بعد تولى مرسى الحكم بخمسة أسابٌع ،نشرت مقاال كان عنوانه «أنعى
إلٌكم الشراكة مع الرباسة» ،وجاء ضمن ما جاء فٌه..
«إن لم ٌكن قد بلػ الربٌس صدى تشكٌل حكومة قندٌل ،فقد بلؽنا نحن،
بلؽنا فى انتقادات حادة حمالتنا كشركاء مسبولٌة االختٌار ،ومسبولٌة خداع
الرأى العام الذى أوحٌنا إلٌه باتفاقنا مع الدكتور مرسى أن األمور ستسٌر
على نحو أفضل .
الٌوم ،بعد تشكٌل الحكومة على النحو الذى شكلت به ،وبعد النكوص عن
التعهدات التى أعلنت ضمن اتفاق الشراكة فى «فٌرمونت» ،فإننا ال
نستطٌع تحمل مسبولٌة هذه الشراكة ،بل إنها فى واقع االمر لم تعد قابمة».
فى خالل ذلك حضرت اجتماعٌن من تلك االجتماعات التى كان مرسى
ٌعقدها مع الشخصٌات السٌاسٌة والثقافٌة ،اكتشفت بعدهما أن هدؾ هذه
االجتماعات هو الفضفضة ونشر الصور.
وعلى الرؼم من أنه كان ٌبدو كما لو كان ٌنصت لمن ٌتكلم باهتمام بالػ
وٌكتب مالحظاته كطالب مجتهد ،فإننى الحظت أنه كان منتشٌا بكرسٌه فى
الصدارة ،تماما كطفل حصل على لعبة جدٌدة لم ٌحصل علٌها أى من
رفاقه ،والحظت كذلك أنه أكثر حرصا على أن ٌإم المجتمعٌن فى صالة
العصر بعد كل اجتماع من حرصه على تنفٌذ اقتراحاتهم ،وهكذا اعتذرت
عن االجتماع الثالث ،وأبلؽت أمٌن الرباسة أن هذه االجتماعات بال جدول
أعمال وأنه ال جدوى منها.
بدأت فى الوقت نفسه أدلى بتصرٌحات أو أكتب فى «توٌتر» عبارات
أكثر حدة ،مثل «ٌصعب الثقة فى أن مرسى سٌكون حاكما دٌمقراطٌا»،
«الربٌس أعلن عن أرقام لم ٌلمسها المصرٌون»«،ما ٌفعله اإلخوان لم
ٌجرإ علٌه حزب مبارك»ٌ« ،ا دكتور مرسى وضح لنا عالقتك بصدٌقك
العظٌم بٌرٌز» ،إلى أن جاءت مظاهرات «جمعة الحساب» فى مٌدان
التحرٌر ٌوم 12أكتوبر ،وهى التى خرجت فٌها القوى المدنٌة تحاسب
الربٌس على وعود مابة الٌوم ،وتعترض على سٌاسات الحكم خاصة فٌما
80
ٌتعلق بوضع الدستور ،وزاد من االحتقان ٌومها مهرجان البراءة لكل
المتهمٌن فى موقعة الجمل.
فجؤة اقتحم اإلخوان المٌدان ،واعتدوا على المتظاهرٌن من القوى الثورٌة،
وحطموا المنصة ،فطالبت اإلخوان باالنسحاب على الفور من التحرٌر ،ثم
كتبت «ننتظر اعتذار اإلخوان عن حماقة ٌوم الجمعة ،ننتظر بال أمل»،
22أكتوبر كان عنوانه وبعد أٌام نشرت مقاال فى المصرى الٌوم فى
أعلن اعتذارى عن مساندة الربٌس .
العشاء األخير
دعوت أعضاء الجبهة بعدها بؤٌام على عشاء فى مطعم «القاهرة »40فى
الزمالك فحضر معظمهم ،ولم ٌحضر من الجماعة اإال النابب السابق خالد
حنفى ،وقلت ٌومها إننى أردت أن ٌكون لقاإنا هذا ودٌا ألننى على ٌقٌن
أنه سٌكون العشاء األخٌر ،وقلت أٌضا إن الجبهة لٌس لها أى ثقل فى
المعترك السٌاسى ،وأخذت أعدد ما آلت إلٌه مطالب «فٌرمونت» من
ضٌاع ،وأإكد أننا لم نستطع ولن نستطٌع أن نفرض على الربٌس شٌبا .فى
النهاٌة قلت إنه ال ٌمكن لى أن أواصل االنتساب إلى الجبهة اإال لو اعتذر
اإلخوان المسلمون عن أحداث جمعة الحساب ،فوعد خالد حنفى بطرح
األمر على قٌادتهم ،ولكننى كنت أعرؾ النتٌجة مسبقا ،هكذا انفض لقاإنا
والكل مدرك أننا لن نلتقى ثانٌة فى إطار جبهة تؤكدنا أنها مجرد وهم ،ولم
نلتق بالفعل.
ِ
هجوم من كل جانب
فى ذلك الوقت دعا حمدٌن صباحى إلى مإتمر جماهٌرى كبٌر فى مٌدان
عابدٌن ٌعلن فٌه تؤسٌس «التٌار الشعبى».
ألقٌت كلمة فى المإتمر دعوت فٌها أعضاء التٌار للعمل على حصد أؼلبٌة
فى البرلمان القادم تمكننا من الحفاظ على الهوٌة المصرٌة وبناء دولة
المواطنة والحداثة ،وقوبلت الكلمة بحماس من اآلالؾ التى شاركت فى
المإتمر ،اإال أنه عند خروجى من السرادق التفت لى واحد من الشباب
81
الذٌن ٌنظمون المإتمر صابحا :وكانت فٌن دولة الحداثة دى لما رحت
لمرسى؟ .
لم ٌكن هناك مجال وسط تدافع الجمهور كى أقول شٌبا ،وعندما اتجهت
لسٌارتى التى لم تكن تبعد أكثر من مابة متر استوقفنى فى الطرٌق عدة
مرات عدد من الشباب أرادوا أن ٌناقشوا إعالن «فٌرمونت» ،وكان
أحدهم ٌتكلم بطرٌقة فظة فى حٌن كان اآلخرون ؼاضبٌن تماما ،حتى إن
السفٌر ٌاسر مراد الذى كان ٌصحبنى انفعل ألنهم تحدثوا إلى خاله على
هذا النحو ،كانت هذه أول مرة أظهر فٌها بٌن الجماهٌر ،وكانت تجربة
مرٌرة ترددت بعدها فى الذهاب إلى مٌدان التحرٌر أكثر من مرة.
عندما مررت بالتجربة المُرة األخرى فى مإتمر التٌار الشعبى تضاعؾ
إحباطى ،وزاد من الؽم أن صحتى أخذت فى التدهور ،واستمر الحال على
هذا النحو حتى اآلن .وحرمنى ذلك من المشاركة فى العمل العام كما
اعتدت من قبل ،كما زهدت الظهور فى برامج التلٌفزٌون.
ثم جاءت نكبتى فى مرسى وعهوده ،التى انتهت بؤننى أعلنت لمن وثق بى
ٌوم إعالن «فٌرمونت» اعتذارى عن مساندة الربٌس ،جاء هذا االعتذار
بعد أربعة أشهر تماما ،نالنى خاللها ما نالنى من أذى من كل جانب ،من
أنصار شفٌق ،ومن أنصار اإلخوان.
أما أنصار الثورة فكانوا عاتبٌن علًا أشد العتب ،إذ كٌؾ أذهب إلى
اإلخوان على الرؼم من دراٌتى بؤسالٌبهم؟ وكان هناك أٌضا المؽرضون
الذٌن صمموا على أننى أنا الذى دعوتهم النتخاب مرسى قبل جولة
االنتخابات الرباسٌة ،واستمر هذا األذى ٌالحقنى حتى اآلن ،وخاصة من
الكتابب اإللكترونٌة لإلخوان التى أدهشتنى سفالة الكثٌر من رسابلها.
82
جزاء وفاقا
ربما كنت تحت وطؤة ضؽط نفسى عندما نشرت اعتذارى ،لكن األٌام لو
عادت بى مرة أخرى إلى تلك اللحظة ،بظروفها ذاتها ،لما اعتذرت ،لقد
حاولت أن أصل إلى تعهد من اإلخوان ٌضمن استقرار البلد وثباته على
طبٌعته المدنٌة كما حاول المجلس العسكرى ،وحاول البرادعى ،وحاول
السلفٌون ،وحاول الكفراوى مع عمرو موسى ،وحاول صباحى ،وحاولت
كل القوى السٌاسٌة التى طرحت «وثٌقة العهد».
لكننى كنت الوحٌد الذى اعترفت بالفشل فى مسعاه ودفع الثمن ؼالٌا ،وكان
هذا ٌكفى ،ولم أجد فٌه ما ٌعٌب ،العٌب أن نستمر فى خداع أنفسنا ،ومن ثم
فى خداع الناس ،لم نكن نحن الذٌن أخطؤنا ،مرسى هو الذى أخطؤ فى حق
الشعب؛ ولذلك استحق الجزاء ،أما نحن ،فمهما كان تقٌٌم الناس لما فعلناه،
ومهما كانت ردود أفعالهم ،فلن ٌثنٌنا شىء عن مواصلة المسٌرة لتحقٌق
أهداؾ ثورة ٌ 25ناٌر التى استكملت فى ٌ 30ونٌو.
83
فى أحد أٌام مارس ،2011تلقٌت مكالمة من مكتب اللواء عبدالفتاح
السٌسى عضو المجلس العسكرى ومدٌر المخابرات الحربٌة حددت لى
موعدا لمقابلته.
ٌومها عبرت الشارع إلى مبنى المخابرات المواجه لبٌتى ،فوجدته فى
انتظارى أعلى السلم المإدى لمكتبه ،كانت هذه أول مرة ألتقى فٌها واحدا
من أعضاء المجلس الذى كنا نعتبره حٌنبذ حامى الثورة ،وكان انطباعى
األول عندما رأٌت الرجل أنه متواضع ،دمث الخلق ،خفٌض الصوت.
استؽرق لقاإنا نحو ثالث ساعات ،دار فٌها الحدٌث حول المجلس
العسكرى واستٌابه قبل الثورة من األوضاع التى كانت قابمة ،ومما كان
ٌدور من حدٌث حول التورٌث ،وقال إنه على الرؼم من ذلك كله لم ٌفكر
المجلس لحظة فى االنقالب على الحكم «ألن االنقالب ؼٌر وارد فى عقٌدة
القوات المسلحة» ،وأخذ ٌذكرنى بؤنه عندما حانت الفرصة بادر الجٌش
ٌ 31ناٌر إن بإعالن موقفه عن طرٌق المتحدث باسمه عندما قال فى
«القوات المسلحة لن تستخدم القوة ضد المحتجٌن ،وأن حرٌة التعبٌر
مكفولة لكل المواطنٌن الذٌن ٌستخدمون الوسابل السلمٌة» ،وبما اتخذته
القوات المسلحة من إجراءات بعد ذلك.
تحدثنا كثٌرا عن األوضاع القابمة ،وقال إنه ٌود أن ٌعقد اجتماعات
أسبوعٌة مصؽرة مع بعض الشخصٌات المرتبطة بالثورة لٌجرى معها
نقاشا حول المستقبل ،وطلب منى مقترحات فى هذا األمر ،كان حدٌث
الرجل ٌوحى بؤنه ٌمسك من الخٌوط قدرا أكبر مما كنت أظن ،وبؤنه
ٌستطٌع ترتٌب أفكاره جٌدا.
فى النهاٌة قال إن المشٌر ٌثق بى كثٌرا ،وٌرٌد منى أن أقدم برنامجا ٌومٌا
فى التلٌفزٌون ،رحبت ،وسؤلت« :متى؟» ..قالٌ« :رٌدك أن تبدأ ؼدا»،
استمهلته ٌومٌن أرتب فٌهما أفكارى وأجرى اتصاالتى.
84
العودة إلى التليفزيون
َحضارت مذكرة بحاجٌات التحرٌر واإلنتاج فى صفحة واحدة ،وذهبت بها
فى الٌوم التالى إلى المخابرات ،ولما لم أجد اللواء السٌسى سلمتها لمساعده
اللواء عباس كامل قبل أن أتوجه إلى المنصورة للمشاركة فى المإتمر
الذى نظمه الدكتور محمد ؼنٌم للدعوة للتصوٌت بال فى االستفتاء على
التعدٌالت الدستورٌة.
عدت بعد هذه الزٌارة حانقا على المجلس العسكرى الذى ٌخطو لتسلٌم
البالد إلى اإلخوان ،لكننى وجدت أن األمانة مع المشٌر ومع اللواء السٌسى
تقتضى منى االعتذار عن تقدٌم البرنامج.
كان الدكتور سامى الشرٌؾ فى ذلك الوقت ٌرأس اتحاد اإلذاعة
والتلٌفزٌون ،وهو أستاذ بارز فى اإلعالم ،وإن لم تكن لدٌه خبرة عملٌة
كافٌة ،وكان قد القى مصاعب جمة لم تمكنه من تحقٌق إنجاز ملموس.
وٌبدو أنه رأى أن أسرع وسٌلة ٌحس بها الجمهور العام أن التلٌفزٌون قد
التحق بركب الثورة هو أن ٌجرى تعدٌال جذرٌا على برنامج التلٌفزٌون
اإلخبارى الربٌسى «مصر النهارده» ،أو استبداله ببرنامج آخر تقدمه
وجوه ارتبطت بـ ٌ 25ناٌر ،وهكذا اتصلت بى شركة «صوت القاهرة»
التابعة لالتحاد بعد شهر من لقابى باللواء السٌسى ،واقترحت علًا تقدٌم
برنامج جدٌد.
أخذت أ ُ َقلِّبُ طوٌال فى االمر ،وأخٌرا قررت أن أستكشؾ سقؾ الحرٌة
المتاح ،فؤخذنا فى اإلعداد للبرنامج عدة أسابٌع ،واتفقنا على تقدٌمه باسم
«قلم رصاص» ،واخترت الطاقم المعاون ،وتم تصمٌم وتسجٌل العناوٌن،
وجاء للقابى فى «صوت القاهرة» الدكتور الشرٌؾ واألستاذة نهال كمال
التى كانت ربٌسة التلٌفزٌون عندبذ؛ لٌطمبنا أن األمور تسٌر على ما ٌرام.
الحق أن اللواء سعد عباس ربٌس الشركة ٌَس َار لى كل إمكاناتها ،وأحاطنى
بكثٌر من الود ،ولكنه عندما اقترب الموعد المحدد إلطالق البرنامج فى
85
ماٌو 2011كنت قد أصبحت أقل ثقة فى قدرة المجلس العسكرى على
إدارة البالد ،وفى مدى تحمله لحرٌة التعبٌر فى تلٌفزٌون الدولة الرسمى.
وكانت الصحؾ عندبذ تحمل لى كل ٌوم خبرا ٌفٌد بؤن هناك معارضة
شدٌدة بٌن العاملٌن فى ماسبٌرو لتقدٌمى برنامجا فٌه؛ بدعوى أن الفرصة
ٌجب أن تتاح ألبناء التلٌفزٌون الذٌن لم ٌعتبرونى واحدا منهم.
ووصل األمر بتشكٌل سمى نفسه «ثوار ماسبٌرو» حد االعتصام
احتجاجا ،بل وقدم «الثوار» بالؼا إلى النابب العام ضد المذٌعة هالة فهمى
ألنها تجاسرت ونادت باالستعانة بى.
لم ٌؽضبنى ذلك كله ،ولكننى رثٌت لحال هإالء الذٌن لم ٌعوا أننى كنت
أصعد إلى مكتبى فى ماسبٌرو على السقاالت فى عام ،1960قبل أن ٌبدأ
التلٌفزٌون إرساله بشهور ،ومع ذلك كنت أتفهم طموحات الشباب الذٌن
ٌقدمون البرامج ،بل وكنت أقدر عددا من الموهوبٌن منهم الذٌن بذلوا بعد
الثورة جهدا أعلم أنه شاق ،لٌبثوا الحٌاة فى التلٌفزٌون الذى حنطه عهد
مبارك.
أوقفت تقدٌم برنامج «صوت القاهرة» ،اإال أننى ال أزال أذكر مقاال لألستاذ
عبدالرحمن فهمى ،فى جرٌدة «الجمهورٌة» قال فٌه إن الثورة تؤكل
رجالها ،وكذلك مقاال لألستاذة منال الشٌن فى جرٌدة «الفجر» ،شككت فٌه
فى أهداؾ «ثوار ماسبٌرو» وفى رؼبتهم فى االستبثار بما ٌقال عن كعكة
المال داخل المبنى المفلس ،كما أذكر أٌضا نداء الشاعر جمال بخٌت
بٌومى لى اأال أترك ماسبٌرو للبوم والؽربان وأعداء النجاح ،وأذكر قبل
ذلك وبعده مواقؾ العدٌد من الزمالء فى ماسبٌرو الذٌن تصدوا ألصحاب
األصوات الزاعقة.
86
وجها لوجه مع شفيق
اكتفٌت فى تلك الشهور األولى التى تلت قٌام الثورة بالظهور فى بعض
برامج التلٌفزٌون ،مثلما فعلت فى المناقشة الشهٌرة مع الفرٌق أحمد شفٌق
عندما دعتنى » « ON TVمع الدكتور عالء األسوانى ضٌوفا على ٌسرى
فودة ورٌم ماجد بحضور نجٌب ساوٌرس ،كان ساوٌرس ٌومها ٌخشى أن
أكون عنٌفا مع الفرٌق شفٌق ،لكن األسوانى خدعه وهاجم شفٌق بضراوة
فى حٌن كنت أكثر برودا مما كان ٌظن.
حافظت على هدوبى لسببٌن؛ أولهما أن أوازن انقضاض األسوانى الساحق
على الفرٌق شفٌق ،أما السبب الثانى فلم ٌكن ٌعلم به أحد؛ إذ إننى كنت قد
قابلت شفٌق فى مكتبه بعد أن كلؾ بتشكٌل الوزارة ،وصارحته بكل
مالحظاتى.
كان قد تؤكد ٌومها أن الدكتور ٌحٌى الجمل مرشح لمنصب نابب ربٌس
الوزراء ،فتشاورت فى األمر مع الدكتور عبدالجلٌل مصطفى وقررنا
الذهاب إلٌه لحثه على رفض المنصب؛ ألننا كنا نرى أن أعضاء الجمعٌة
الوطنٌة للتؽٌٌر ،التى كان الدكتور الجمل واحدا من قٌاداتهاٌ ،جب اأال
ٌتعاونوا مع حكومة شفٌق التى عٌنها مبارك.
ذهبنا إلى الدكتور الجمل فوجدناه جالسا مع الدكتور أحمد البرعى ،جاء
الدكتور البرعى لٌبلؽه أنه مرشح لتولى إحدى الوزارات ،وأن زوج ابنته
الدكتور هانى سرى الدٌن مرشح لوزارة أخرى ،وأنه ٌرى أن هذا ال ٌلٌق؛
لذلك فهو ٌفضل االنسحاب ،وٌرٌد أن ٌسمع رأى الدكتور الجمل فى األمر.
بعد أن انصرؾ الدكتور البرعى أبلؽنا الدكتور الجمل رسالتنا بوضوح،
فقال إنه عازؾ عن المشاركة فى الوزارة خاصة أن صحته ال تسمح
بذلك ،ولكنه محرج أمام إصرار الفرٌق شفٌق الذى زاره فى مكتبه فى
الٌوم السابق ،ولم ٌنصرؾ اإال بعد أن أخذ منه وعدا بالموافقة.
87
خرجت إلى ؼرفة مجاورة قابلت فٌها ابنته الدكتورة مها ،المحامٌة هى
األخرى؛ لتعٌننا فى مسعانا لدى والدها ،فقالت إنها أبلؽته رفضها لمشاركته
فى وزارة شفٌق لكنه لم ٌستجب ،فاتصلت بواحد من أقرب أصدقابه،
المهندس حسب هللا الكفراوى ،الذى رد قابال« :قلت له امبارح بالش فى
آخر أٌامنا نؽلط ،لكن الظاهر مفٌش فاٌدة».
عاودت مع الدكتور عبدالجلٌل الضؽط حتى اتجه لى الدكتور الجمل وقال:
«أنت تعرؾ الفرٌق شفٌق جٌدا ،لماذا ال تذهب إلٌه ،وتشرح له حالتى
الصحٌة ،وتطلب منه أن ٌعفٌنى من وعدى له؟».
اتصلت بمكتب الفرٌق شفٌق وطلبت تحدٌد موعد ألمر عاجل ،وعدت إلى
البٌت ظنا منى أن الموعد سوؾ ٌحدد بعد عدة ساعات على أفضل تقدٌر،
لكننى تلقٌت مكالمة من مراسم رباسة الوزارة وأنا فى طرٌقى ،أبلؽونى
فٌها أن الموعد بعد ساعة ،فعدت من حٌث أتٌت.
دخلت مجلس الوزراء فؤخذ الصحفٌون ٌسؤلوننى إذا ما كنت سؤقبل منصب
وزٌر اإلعالم وأنا الذى طالبت مرات بإلؽاء الوزارة ،وسؤلنى أحدهم :ما
أول إجراء سؤتخذه عندما أتولى المنصب؟ وهنؤنى بعض أمناء الرباسة
وتمنوا لى التوفٌق ،وبالطبع لم ٌصدق أحد من هإالء أننى جبت ألمر آخر
فى الوقت الذى ٌتقاطر فٌه على المجلس المرشحون للمناصب الوزارٌة
المختلفة.
كنت أعرؾ الفرٌق شفٌق منذ زمن ،وكان بٌننا ود وتقدٌر متبادل ،قلت له
عند دخولى إلٌه« :أنت تعلم جٌدا أننى سؤكون صرٌحا وأمٌنا معك ،تعلم
كم أقدرك ،وأرى أنك واحد من أفضل من ٌمكنهم تولى مثل هذا المنصب،
لكن ذلك كان فى الماضى ،اآلن ،شبت أم أبٌت ،أنت محسوب على
مبارك ،وزمن مبارك قد ولى ،وسوؾ نظل نطارد رموزه ،وال أرٌد لك
أن تتحمل ما سوؾ تتحمله؛ لذلك أنصحك ٌا سٌادة الفرٌق باالستقالة مهما
كان الحرج فى ذلك ،سوؾ تواجه ما تؤباه على نفسك إذا ما بقٌت فى هذا
الكرسى» ،صمت شفٌق قلٌال ،وشكرنى على إخالصى معه ،وقال فى
88
النهاٌة ما خالصته إنه كجندى ال ٌمكنه االنسحاب من المعركة ،وإننى
متشابم أكثر مما ٌجب.
قلت« :على أى حال لم ٌكن فى نٌتى أن أكدر علٌك ٌومك بالحدٌث عن
هذا األمر على اإلطالق ،والحقٌقة أننى قدمت إلٌك فى أمر آخر ٌتعلق
بالدكتور ٌحٌى الجمل».
أسهبت فى الحدٌث عن العملٌة الجراحٌة التى أجرٌت له قبل أسابٌع ،وعن
األمراض التى ٌعانى منها ،ورجوته اأال ٌضؽط علٌه كثٌرا بٌنما هو فى
فترة النقاهة.
كان الدكتور الجمل حٌنبذ فى قاعة االستقبال ٌنتظر موعده المحدد سلفا مع
الفرٌق شفٌق ،وكان لقابى بالفرٌق قد تعدى المدة المقررة له بنحو ثلث
الساعة ،وعندما خرج لٌودعنى ،وجدت الدكتور الجمل ٌنتظر الدخول.
همس ٌسؤلنى« :قلت له كل حاجة؟» ،قلت« :وأكتر».
بقٌة الحكاٌة قالها لى الدكتور الجمل فٌما بعد ،تحدد موعد حلؾ الٌمٌن فى
الٌوم التالى ،وعندما حاول االعتذار مرة أخرى اصطحبه الفرٌق شفٌق فى
سٌارته ،وقال« :تعا َل معى اآلن ،وبلػ المشٌر اعتذارك بنفسك».
بالطبع لم ٌكن هناك مجال لالعتذار ،شكلت الحكومة ،وعٌن الدكتور
الجمل ناببا لربٌس الوزراء ،وعانى الفرٌق شفٌق ما عانى ،حتى كان
لقاإنا فى ON TVالذى استقال فى الٌوم التالى له ،وعٌن الدكتور عصام
شرؾ ربٌسا للوزراء.
عصام شرف
كنت على اتصال دابم مع الدكتور شرؾ منذ ترك وزارة النقل فى عهد
مبارك ،وقتها كنت أقدم برنامجى فى دبى ،وأردت أن أستضٌفه فى إحدى
حلقاته بعد أن فاز بإحدى الجوابز الدولٌة المرموقة ،لكنه اعتذر عندما
89
أبلؽته أننى سوؾ أسؤله أٌضا عن خروجه من الوزارة ،ومع ذلك حرصنا
على التواصل.
صدمت عندما كلؾ بتشكٌل الوزارة ألن خبرته لم تكن تإهله لهذه
المسبولٌة؛ وألن هناك من هو أقرب منه إلى الثورة وأقدر.
صحٌح أنه كان من الوزراء السابقٌن القالبل الذٌن ظهروا فى مٌدان
التحرٌر ،لكنه لم ٌتؤكد لى أنه قاد ،كما كان ٌقال ،مظاهرة أساتذة جامعة
القاهرة التى سارت إلى مٌدان التحرٌر فى األٌام األولى للثورة ،بل إن
بعضا من رموز حركة 9مارس أبلؽونى أنهم ال ٌعرفون إذا ما كان قد
شارك فى المظاهرة أم ال ،واألرجح أن ترشٌحه للحكومة بدأ بورقة سربها
إلى مٌدان التحرٌر اللواء حسن الروٌنى قابد المنطقة المركزٌة وعضو
المجلس العسكرى ضمت ثالثة أسماء ٌرشح المٌدان واحدا منهم لرباسة
الوزارة.
على الرؼم من ذلك كنت أعرؾ أن الدكتور شرؾ شخصٌة نقٌة وجادة،
وإن لم ٌكن حازما بما فٌه الكفاٌة.
أٌدته آمال أن ٌوفق ،وأعلنت بعد عدة أشهر من تولٌه المنصب مساندتى له
وتحفظى فى الوقت نفسه فى مقال كان عنوانه «نعم لعصام شرؾ
بشرط» ،ولكننى بعد شهور أخرى طلبت منه أن ٌستقٌل عندما كان هناك
اتجاه قوى لتطبٌق العزل السٌاسى على أعضاء لجنة سٌاسات الحزب
الوطنى ،وكان شرؾ عضوا فى هذه اللجنة.
وقد عطل تنفٌذ العزل عندبذ السإال الذى كان ٌدور فى الكوالٌس« :ونعمل
إٌه فى موضوع عصام شرؾ؟» ،هكذا كان اقتراحى أن ٌرفض هو
االستثناء وٌستقٌل ،ولكنه لم ٌفعل ،وفى النهاٌة اضطر إلى تقدٌم استقالته
فى 21نوفمبر .2011
90
فى عزاء خالد عبدالناصر
عندما ذهبت إلى عزاء الصدٌق خالد عبدالناصر ،وعلى الرؼم من حدة
أسلوبى فى انتقاد المجلس العسكرى والحكومة ،فإن اللواء إسماعٌل عتمان
مدٌر إدارة الشبون المعنوٌة وعضو المجلس العسكرى جاءنى لٌقولٌ« :ا
أستاذ حمدى ،سٌادة المشٌر عاوزك تطلع تقدم برنامج فى التلٌفزٌون ،أنت
تعلم كم ٌقدرك» ،قلت إننى آسؾ لعدم تلبٌة دعوته للمرة الثانٌة ،ولكننى ال
أملك من أمرى شٌبا ألننى تعاقدت باألمس فقط مع قناة «التحرٌر» ،ولٌس
هناك من حل كما أعتقد اإال أن ٌتفق التلٌفزٌون مع القناة على بث البرنامج
فى وقت واحد ،فوعدنى بؤن ٌرى كٌؾ ٌتم ذلك وٌرد علًا فى الصباح.
وعند خروجى من العزاء التقٌت باللواء سمٌر فرج مدٌر الشبون المعنوٌة
األسبق ومحافظ األقصر عند قٌام الثورة ،وكنت قد قابلته فى عشاء دعا
إلٌه الدكتور األسوانى قبل اندالع الثورة بؤسابٌع ،وقلت له ٌومها« :نحن
نثق بك ،ونرجو منكم أنتم كبار الضباط أن تتخذوا الموقؾ الذى ترتضٌه
ضمابركم فى اللحظة المناسبة» ،ولم أضؾ إلى ذلك كلمة ،واكتفى هو
بالقول« :إن شاء هللا ،سنكون أهال لثقة الشعب».
91
علق المستشار عدلى منصور قابال إنه ٌتفق مع وجهة نظرى تماما ،ولكنه
ٌفضل أن ٌترك القرار للمجتمعٌن ،فضل الحضور أن ٌواصلوا الكالم،
كانت هذه هى المرة األولى التى أقابل فٌها ربٌسنا المإقت ،فاجؤنى
بانطالقه فى الحدٌث وسرعة بدٌهته ،وكذلك بحزمه وسماحته فى آن،
تمنٌت ٌومها أن تطول رباسته سنة أخرى أو اثنتٌْن.
عندما قامت الشرطة بفض اعتصام رابعةٌ ،ومها اتصلت بوزٌرة اإلعالم
أقترح علٌها أن أقدم «تعلٌقا فى برنامج قصٌر شبه ٌومى بال مقابل فى
ضوء الظروؾ الحاسمة».
كان هذا نص رسالة SMSأرسلتها إلٌها عندما تعذر االتصال بها،
وانتظرت عدة أٌام بال جدوى ،فطلبت من المخرج عبدالرحمن حجازى،
الذى كان مخرجا تنفٌذٌا لبرنامجى «ربٌس التحرٌر» ،أن ٌذهب إلى مدٌر
مكتب الوزٌرة إلبالؼه أننى حاولت االتصال بها فوجدت هاتفها مؽلقا،
فؤرسلت لها رسالة ،أرجو أن تكون قد وصلتها ،علل الرجل تعذر االتصال
بؤن شاشة تلٌفون الوزٌرة «باٌظة» ،وقال إنها ال بد ستتصل بى فى الٌوم
ذاته.
لم أسمع من الوزٌرة فى األٌام الخمسة التالٌة ،وعندها تصادؾ أن اتصل
بى األستاذ جابر القرموطى فى برنامجه «مانشٌت» ألعلق على بعض
األحداث السٌاسٌة ،فروٌت له ما جرى مع الوزٌرة دون أن أعلق بكلمة،
فما كان من القرموطى اإال أن َع ان َ
ؾ الوزٌرة تعنٌفا قاسٌا ،زاد من حدته
سخرٌته من التلٌفون وشاشته «الباٌظة».
فى حدٌث لألستاذ محمد عبدالقدوس معها نشره فى «أخبار الٌوم» ،قالت
الوزٌرة إن سبب زعلها منى هو أننى قلت كالما ال ٌجوز فى حقها وأساء
إلى شخصها فى إحدى الفضابٌات الخاصة ..لكن مجلة «آخر ساعة»
نشرت مقاال لألستاذ عبدالرازق حسٌن كان عنوانه« :هل أصبح حمدى
قندٌل محظورا فى ماسبٌرو؟».
92
سواء كان حل اللؽز هو أن الوزٌرة اتخذت قرارا متعلقا بالعمل بسبب
زعلها من أمر شخصى ،أو أنه كان بسبب خشٌتها مما ٌمكن أن أقول فى
البرنامج المقترح ،أو بسبب تدخل من مدٌر مكتبها الذى كان مدٌرا لمكتب
الوزٌر األسبق أنس الفقى أو ألى سبب خاؾٍ آخر ،فالمثٌر لألسؾ فى
النهاٌة أن صوتى لم ٌحجب فقط فى ظل نظام مبارك ،ولكن أٌضا فى عهد
ما بعد ٌ 30ونٌو ..ذلك هو الفصل األخٌر الساخر ..النهاٌة المثلى لدراما
الفصول السابقة من هذا الكتاب! ..لكن ..كٌؾ ٌكون الفصل األخٌر،
والستار لم ٌسدل بعد؟!
93