Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 3

‫‪ ‬أثر األفالم السينمائية على السلوك والدوافع اإلنسانية‪:‬‬

‫تُعد األفالم السينمائية وكغيرها من الفنون األخرى كالرسم والتصوير والكتابة النقدية وما إلى ذلك‪,‬‬
‫أمور ذات طابع خاص وفريد‪ ,‬فهي باإلضافة لجوانبها الفنية البحتة‪ ,‬يمكن استخدامها بجوانب‬
‫ٌ‬
‫حياتية أخرى‪ ,‬فالرسم يمكن أن يستخدم لمداللة عمى جوانب اجتماعية‪ ,‬والتصوير يمكن أن‬
‫أمر ما أو‬ ‫ِ‬
‫لتعظيم ٍ‬ ‫يستخدم إعالمياً واعالنياً‪ ,‬وكذلك الكتابة النقدية التي من الممكن أن تٌستخدم‬
‫ٌ‬
‫لتهميشه‪ ,‬وكل ما سبق قابل لالستخدام سياسياً وكذلك إجتماعياً‪.‬‬

‫وتجسد أفعاالً‬
‫ُ‬ ‫نع الب َشر‪,‬‬
‫صِ‬ ‫البشري‪ ,‬فهي من ٌ‬ ‫كل الفنون‪ ,‬مشبعةٌ ب ِ‬
‫العقل‬ ‫شأن ِ‬‫فاألفالم شأنها ُ‬
‫ّ‬ ‫ُ‬
‫أمر بالغُ‬ ‫ِ‬
‫لهو ٌ‬
‫البشر‪ ,‬إن التفكير فيها وبماهيتها وبوظائفها َ‬
‫بشرية‪ ,‬لتعرض في النهاية عمى َ‬
‫األهمية وبه من الغرابة والتعجب الكثير‪.‬‬

‫فعل شعورية قوية لدى البشر‪ ,‬إال أن‬


‫ردود ْ‬
‫َ‬ ‫كثير ما تستثير‬
‫إن األفالم والعروض السينائية‪ً ,‬ا‬
‫استجابات الناس لألفالم‪ ,‬من حين إلى آخر‪ ,‬قد تبمغ من القوة أحياناً الى المستوى الذي ُيدخمهم‬
‫في أعراض الصدمة الشديدة‪ ,‬أو االكتئاب‪ ,‬أو ُّ‬
‫الذهان‪ ,‬ويكفي الخوض في بعض أدبيات الطب‬
‫النفسي‪ ,‬لنفاجئ بالكم الهائل من الدراسات النفسية التي تحاول عالج األمراض ذات المنشأ‬
‫ٔ‬
‫النفسي الناتجة عن مجرد فيمم‪.‬‬

‫فمثالً بعد مشاهدته لفيمم (غزو خاطفي األجساد ‪ )Invasion of The body snatchers -‬من‬
‫إنتاج والتر وانجر واخراج دون سيجل‪ ,‬بدأ طفل في الثانية عشر من عمره يعتقد أن كائنا غريبا‬
‫َغ َزا جسده وأنه إذا قام أيُّ شخص ب َل ْمسِ ه‪ ،‬فإن يديه سوف تخترقانه‪ ،‬وقد تم توثيق ذلك بإحدى‬
‫ٕ‬
‫الصحف األمريكية‪.‬‬

‫كذلك في العشرين من أبريل لمعام ‪ٔ١١١‬م‪ ,‬قام شخصين يدعيان‪( :‬إريك هاريس وديالن‬
‫كميبولد)‪ ,‬بإطالق النار بطريقة عشوائية وهستيرية ضمن مدرسة (كولمبين الثانوية)‪ ,‬بوالية‬
‫كولورادو األمريكية‪ ,‬ما أدى لمقتل ٖٔ شخص واصابة ٕٔ آخرين بجراح متفاوتة‪ ,‬قبل أن ُيطمِقا‬
‫النار عمى نفسيهما‪ ,‬والجدير بالذكر أنهما كانا يرتديان معاطف طويمة سوداء المون تُشبه إلى ٍ‬
‫حد‬

‫‪1‬‬
‫سكيب داين يونغ‪ ،‬السينما وعلم النفس‪ ،‬ترجمة‪ :‬سامح فرج‪ ،‬مصر‪ ،‬مؤسسة هنداوي للنشر‪ ،5112 ،‬ص ‪.172‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Mathai, J. (1983) An acute anxiety state in an adolescent precipitated by viewing a horror movie.‬‬
‫‪Journal of Adolescence, 6, 197–200.‬‬
‫حول‬
‫كبير المعاطف التي ارتدتْها شخصيات فيمم «المصفوفة» (ماتريكس)‪ ,‬وهو الفيمم الذي َّ‬
‫عممية تبادل إطالق النار الهستيري إلى م ِ‬
‫شاهد َّ‬
‫أخاذة أشبه برقصات الباليه‪ ,‬والذي ٌعرض في‬ ‫َ‬
‫ذات الفترة التي قامت بها الحادثة‪ ,‬حيث ربط المحممون الجنائيون تمك األحداث بذاك الفيمم‬
‫‪3‬‬
‫حينها‪.‬‬

‫نعم لمسينما تأثير أبعد مما نتصور ولسينما وظائف أكثر مما نتخيل‪ ,‬في أذار ٕٗٔٓ‪ ,‬وعندما‬
‫كانت الدول العربية تغرق فيما يسمى (الربيع العربي)‪ ,‬أطمقت المخرجة المصرية ساند ار نشأت‬
‫فيمماً قصي اًر تحت عنوان (بحمم)‪ ,‬بصدد حث الجماهير المصرية عمى المشاركة في االستفتاء‬
‫عمى الدستور الجديد‪ ,‬في الوقت الذي كان فيه االحتقان الشعبي بأعمى مستوياته بعد ما أطمق‬
‫عميه حينها (مجزرة رابعة العدوية)‪ ,‬حيث استطاع الفيمم أن ُيشكل عنصر دعاية مضادة لدعوات‬
‫مقاطعة االستفتاء‪.‬‬

‫إن األمر ال يتعمق فقط بالفن بل بالسياسة والمجتمع واالقتصاد والسموك والطب وكل ما يخطر‬
‫نساء ُي ِ‬
‫ضرْم َن النار في‬ ‫ً‬ ‫في بالك‪ ,‬تخيل معي أنهُ ثمة مجموعة من الوقائع سيئة الذكر تشمل‪:‬‬
‫شركاء حياتهن الذين كانوا يسيئون معاممتهن‪ ,‬وذلك بعد مشاهدتهن الفيمم التميفزيوني (السرير‬
‫المحترق – ‪ ,)The Burning Bed‬وسمسمة جرائم قتل في أماكن كثيرة في أنحاء البالد ارتكبها‬
‫ٗ‬
‫رجل وصديقته من أوكالهوما األمريكية تجسيداً لفيمم (قتمة بالفطرة(‪.‬‬

‫يذكر جوزيف جوبمز في مذكراته‪ ,‬وهو وزير الدعاية في ألمانيا النازية زمن هتمر أنه تقدم لهتمر‬
‫بثالثة من أفضل األفالم التي أُنتِجت في السنوات األخيرة‪ ,‬باإلضافة إلى ‪ ٔ1‬فيمماً‪ ,‬من أفالم‬
‫(ميكي ماوس)‪ ,‬وكان هتمر مسرو اًر جداً بذلك‪,‬‬

‫لموهمة األولى يبدو كالم الرجل‪ ,‬ذو الدور الحاسم في تأسيس دولة هتمر والترويج لمنازية‪ ,‬غريباً‬
‫جداً ومستعصياً عمى الفهم‪ ,‬ولكن عمى قدر تعقيد السؤال فإن اإلجابة بسيطة أيضاً‪ ,‬ذلك أن‬
‫٘‬
‫جوبمز آمن أن السينما هي األداة الدعائية األهم لمقيام بالمهمات‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫سكيب داين يونغ‪ ،‬السينما وعلم النفس‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.171‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Sparks, G. G. (2010) Media Effects Research: A Basic Overview, 3rd edn. Wadsworth, Cengage‬‬
‫‪Learning, Boston, MA.‬‬
‫‪2‬‬
‫محمد عوض‪ ،‬صناعة السينما باألمر المباشر‪ ،‬مقال إلكتروني‪ ،‬شبكة الجزيرة‪ ،‬متوفر عبر الرابط‪https://2u.pw/IRpG8 :‬‬
‫إن جانب تأثير السينما واستخداماتها في عصرنا الحديث ال يقتصر فقط عمى الجانب النظري‬
‫والبحثي لعمماء النفس أو لعمماء االجتماع‪ ,‬بل يتعدى ذلك إلى الجانب التطبيقي العممي لتوجيه‬
‫ٍ‬
‫وتوجهات محددة‪ ,‬عمى رأسها حب الوطن وتعزيز الشعور‬ ‫ٍ‬
‫سموكيات‬ ‫الشعوب والمجتمعات نحو‬
‫القومي‪.‬‬

‫أدامكم اهلل وأدام أوطانكم وحفظها‪.‬‬

‫‪ ‬المراجع‪:‬‬
‫‪ .1‬سكيب داين يونغ‪ ،‬السينما وعلم النفس‪ ،‬ترجمة‪ :‬سامح فرج‪ ،‬مصر‪ ،‬مؤسسة هنداوي للنشر‪،‬‬
‫‪ ،5112‬ص ‪.172‬‬
‫‪Mathai, J. (1983) An acute anxiety state in an adolescent precipitated by .2‬‬
‫‪viewing a horror movie. Journal of Adolescence, 6, 197–200.‬‬
‫‪ .3‬سكيب داين يونغ‪ ،‬السينما وعلم النفس‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.171‬‬
‫‪Sparks, G. G. (2010) Media Effects Research: A Basic Overview, 3rd edn. .4‬‬
‫‪Wadsworth, Cengage Learning, Boston, MA.‬‬
‫‪ .5‬محمد عوض‪ ،‬صناعة السينما باألمر المباشر‪ ،‬مقال إلكتروني‪ ،‬شبكة الجزيرة‪ ،‬متوفر عبر‬
‫الرابط‪https://2u.pw/IRpG8 :‬‬

You might also like