Professional Documents
Culture Documents
النص بين انطولوجية المعنى ومشروعية التأويل
النص بين انطولوجية المعنى ومشروعية التأويل
ملخص:
يهدف هذا املقال إلى تسليط الضوء على إشكالية عالقة اللفظ باملعنى أو عالقة
النص باملعنى /املعاني التي يحملها ،هل هي عالقة ضرورية يتحدد فيها املعنى من خالل ألفاظ
والنص وعباراته وتراكيبه ،أم أن العالقة بينهما اعتباطية ،تاريخية ،تطورية ،متغيرة؟ وبناء على
تصور طبيعة هذه العالقة تتحدد كل من إستراتيجية كتابة النص أو إنتاجه وإستراتيجية
قراءته أو تأويله .وبناء على حدود هذه العالقة تبرز طبيعة الوعي في عالقته باملعنى؛ إن كان هذا
ألاخير يتحدد بالوعي أم أنه يتجاوزه.
الكلمات املفتاحية :النص ؛ الكتابة؛ القراءة؛ التأويل؛ الوعي؛ امليتافيزيقا؛ اللغة.
Abstract:
املقدمة:
ّ
323 التاريخ ISSN 1112-914X - 0103 /11/31 : املجلد 31:العدد 13 : مجلة علوم اللغة العربية وآدابها
د .عبد الفتاح سعيدي النص بين انطولوجية املعنى ومشروعية التأويل
إن التعامل مع النصوص مهما كانت املضامين التي تحملها ،ومهما كانت الحقول املعرفية
والتعبيرية التي تنتمي لها ،تفرض التعامل مع بعض املفاهيم ألاساسية ،أهمها أن ألي نص كاتب
أو منتج ،البد أن يكون قد ضمن نصه جملة من املفاهيم واملعاني ،تمت صياغتها وفق جملة
من ألالفاظ والتراكيب اللغوية من أجل حفظ هذه املعاني والتعبير عنها ،كما يفترض النص
قارئا يريد أن يصل إلى املعنى الذي ًّ
ضمنه الكاتب نصه ،لكن في الكثير من ألاحيان ما نجد
النصوص مثار جدل واختالف بين القراء حول املعنى /املعاني التي يتضمنها النص ،ألامر الذي
ً ً
يجعل التأويل بصفته نوعا من القراءة التي تريد أن تقف على املعنى آلاخر ،أمرا البد من
الاعتماد عليه في عملية القراءة .إن عملية تحري املعنى تجعل عالقة اللفظ باملعنى أو بتعبير
دقيق عالقة الدال باملدلول عالقة إشكالية ،يعتبرها ضرورية من ينظر إلى املعنى نظرة
ميتافيزيقية ،وبالتالي يضفي عليه داللة أنطولوجية ،ويعتبرها اعتباطية ،تطورية من يؤسس
املعنى على مشروعية التأويل وضرورته عند قراءة النصِ .وفق هذا السياق يمكن طرح إلاشكال
التالي :وفق ماذا يمكن الحديث عن انطولوجية املعنى؟ أي أن النص ال يحتمل سوى معنى
واحد ،معن ى خالد وثابت ،وأن النص ما هو إال مناسبة الستحضار هذا املعنى .وهل هناك عالقة
تطابق بين الوعي واملعنى .وبالتالي فكل شك في الوعي يؤدي إلى انكسار انطولوجية املعنى؟
ولإلجابة على هذا إلاشكال قسمت هذا املقال إلى مبحثين رئيسيين ،مبحث يتعلق
بأنطولوجية املعنى ومبحث يتناول مشروعية التأويل .في املبحث ألاول ربطت املعنى بامليتافيزيقا
على أساس أنها سلطة فكرية تمنع النص من أن يحتمل أكثر من معنى واحد ،ثم تناولت في
عناوين هذا املبحث كل من تأثير عالقة امليتافيزيقا بالنص على عالقة اللفظ باملعنى ،وعلى كل
من إستراتيجية الكتابة ثم القراءة ثم التأويل .أما في املبحث الثاني فتناولت ابتداء التأويل كآلية
تقف على الطرف النقيض من الطرف امليتافيزيقي ،وتأثير كذلك على عالقة اللفظ باملعنى،
حيث باتت مجرد عالقة اعتباطية ،ثم تناولت في ألاخير أثر إستراتيجية التأويل على العالقة بين
عمليتي الكتابة والقراءة.
النقدية الكالسيكية تنتجه سلطة الوعي( )0نفسه ،بصفتها سلطة تملك املعايير املطلقة ،املعايير
ّ
ألاصلية للحقيقة .ويعبر الدكتور علي سامي النشار عن هذه الفكرة بقوله « :إن الاتصال بين
اللغة واملنطق اتصال وثيق .فاللغة هي التعبير الظاهر على الفكر الباطن .فهي لفظ التفكير
ً
الباطن إذا ،أي أن إلانسان ال يستطيع أن يعبر عنه أو أن ينقله إلى غيره إال في ألفاظ .أو بمعنى
ً ً ً
فلسفي :اللغة هي التمثل الحس ي للمدرك الذهني في الخارج تمثال ماديا مسموعا» ( .)1بينما تنظر
تم في الزمان .الفعل من الناحية ألاخالقية ال يأخذ معنى إال الفلسفة املعاصرة إلى النص كفعل ّ
في حالة وجود املعيار ،وهكذا يتحول معنى الفعل إلى قيمة يمنحه إياها املعيار .إذن فإذا كان
ً ُّ
النص فعال ،فالبد للفعل من فاعل ،والفاعل هو الوعي الذي توقف أن يكون نقطة انطالق،
وعن أن يمتلك املعايير املطلقة للحقيقة .من أين يستمد الوعي معاييره إذن؟ يستمدها من
القوى الالواعية التي تقف خلفه .ولذلك« :فإذا كان ديكارت قد تغلب على الشك في الش يء
ببداهة الوعي ،فإن كل من ماركس ،نيتشه ،فرويد (وهم فالسفة معاصرون) يتغلبون على
()4
الشك حول الوعي الوعي بواسطة تأويل املعنى»
( -)2امليتافيزيقا وعالقة اللفظ باملعنى
يرى الكثير من كتاب وأدباء العصور الوسطى أن العالقة بين اللفظ واملعنى عالقة ضرورية،
فهاهو الجاحظ ( ) 878- 777يرى أن العالقة بين اللفظ واملعنى ينبغي أن تكون عالقة تآلف
ُ
وانسجام ،حيث يدعو إلى حسن اختيار ألالفاظ للمعاني التي إذا كسبت ألالفاظ الكريمة،
ُ
وألبست ألاوصاف الرفيعة ،صارت ألالفاظ في معاني املعارض وصارت املعاني في معنى الجواري،
ينوه الجاحظ إلى البعد عن اللفظ الغريب ،وإلى ضرورة التناسب بين اللفظ واملعنى [ ]..ويقرر
الجاحظ أن املعنى خفي ال يظهر إال باللفظ ،وكلما كانت الداللة أوضح وأفصح ،وكانت إلاشارة
أبين وأنور ،كان أنفع وأنجع )1( .ومعنى هذا أن إلاشكالية تكمن في فقط في حسن أو سوء اختيار
اللفظ أو العبارة ،ولذلك يصرح في كتاب "الحيوان" « :املعاني مطروحة في الطريق يعرفها
العجمي والعربي والبدوي والقروي واملدني .وإنما الشأن في إقامة الوزن وتخير اللفظ ،وسهولة
املخرج )7( » ..ويقرر – من جهة أخرى -أبو هالل العسكري ( )3111 - 001في سياق فهمه
ً ً لطبيعة العالقة بين اللفظ واملعنى أن الفكرة ّ
الجيدة ال يمكن أن تكون أدبا جيدا إال من خالل
فنية بديعة ،فزاد بذلك من زخم النظرية التي تنص على أن سر البالغة وكنه صياغتها صياغة ّ
إلابداع في النظم ،نظم املفردات وسبك العبارات ،وصياغتها صياغة فنية مؤثرة )7( .وبالتالي
ً
فمهمة ألاديب في نظر أبي الهالل العسكري أيضا تتمثل في حسن انتقاء ألالفاظ حتى يتحقق
التناسب والائتالف بين اللفظ واملعنى .ويذهب ابن سينا ( )3117 -081في نص شهير له أن
اللفظ يدل ضرورة عن املعنى الواحد ،املطابق .يقول « :اللفظ يدل على املعنى إما على سبيل
ّ
323 التاريخ ISSN 1112-914X - 0103 /11/31 : املجلد 31:العدد 13 : مجلة علوم اللغة العربية وآدابها
د .عبد الفتاح سعيدي النص بين انطولوجية املعنى ومشروعية التأويل
ً
املطابقة ،بأن يكون ذلك اللفظ موضوعا لذلك املعنى وبإزائه :مثل داللة "املثل" على الشكل
ً
املحيط به ثالثة أضالع .وإما على سبيل التضمن بأن يكون املعنى جزءا من املعنى الذي يطابقه
اللفظ :مثل داللة "املثلث" على "الشكل" فإنه يدل على "الشكل" ،ال على أنه اسم "الشكل" بل
ً
على أنه اسم ملعنى جزؤه "الشكل" .وإما على سبيل الاستتباع والالتزام ،بأن يكون اللفظ دالا
باملطابقة على معنى ،ويكون ذلك املعنى يلزمه معنى غيره كالرفيق الخارجي ،ال كالجزء منه ،بل
هو مصاحب مالزم له ،مثل داللة لفظ "السقف" على "الحائط" و"إلانسان" على " قابل صنعة
الكتابة )8( » .ويأخذ الجرجاني ( )3178 -3110عند حديثه عن خضوع ترتيب ألالفاظ إلى ترتيب
املعاني ،هذا الشطر من بيت امرئ القيس " :قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل" ملاذا كان ترتيب
َ ُ
اللفظ على نحو معين قدرة على البيان؟ يجيب الجرجاني قائال « :وفي ثبوت هذا ألاصل ما ت ْعلم
بيت شعر أو فصل خطاب ،هو ترتيبها على طريقة معلومة، به أن املعنى الذي كانت هذه الكلم َ
وحصولها على صورة من التأليف مخصوصة .وهذا الحكم –أعني الاختصاص في الترتيب -يقع
مرتبا على املعاني املرتبة في النفس ،املنتظمة فيها على قضية العقل .وال ُي ّ ً
تصور في في ألالفاظ
ألالفاظ وجوب تقديم وتأخير ،وتخصص في ترتيب وتنزيل ،وعلى ذلك ُو ِضعت املراتب واملنازل في
دونة ،فقيلِ :من حق هذا أن يسبق ذلك ،ومن حق ما هنا أن الجمل املركبة ،وأقسام الكالم املُ ّ
يقع هناك ،كما قيل في املبتدأ والخبر واملفعول والفاعل )0( » ..ويعلل الجرجاني ذلك :ألن ترتيب
اللفظ على هذا النحو املعين إنما يساير الترتيب نفسه الذي انتظمت به املعاني في ذهن املتكلم،
ُّ
ولقد انتظمت املعاني وفق ما يقتضيه العقل ،فاملنطق العقلي نفسه يدلك على أي املعاني يجب
أن تسبق ،وأيها يجب أن تأتي الحقة بحكم طبائعها بالنسبة للموقف الذي نقفه من عالم
ألاشياء ،فاملبتدأ يجب أن يسبق ليلحق به الخبر ،والفاعل يجب أن يسبق ليلحق به مفعوله.
َ ُ َّ ُ يقول الجرجاني « :ألالفاظ ُ
صرفة في حكمها ،وكانت املعاني هي املالكة سياستها، خدم املعاني وامل
َّ َ
املستحقة طاعتها .فمن نصر اللفظ على املعنى كان كمن أزال الش يء عن ِج َهته ،وأحاله عن
ّ ُّ ُ َّ َ
()31
ض للشين» . مظنة الاستكراه ،وفيه ف ْت ُح أبواب العيب ،والتعر طبيعته ،وذلك ّ
ً
وعن البعد الانطلوجي للمعاني ،يقول أبو حامد الغزالي ( « :)3333 -3118إن لألشياء وجودا في
ً ً
ألاعيان ،ووجودا في ألاذهان ،ووجودا في اللسان .أما الوجود في ألاعيان فهو الوجود ألاصلي
الحقيقي ،والوجود في ألاذهان هو الوجود العملي الصوري ،والوجود في اللسان وهو الوجود
ً
اللفظي الدليلي؛ فإن السماء – مثال – لها وجود في عينها ونفسها ثم لها وجود في أذهاننا
ونفوسنا؛ ألن السماء حاضرة في أبصارنا ثم في خيالنا .وهذه الصورة هي التي يعبر عنها بالعلم،
ومواز له ،وهو كالصورة املنطبعة في املرآة؛ فإنها محاكية ٍ حاك للمعلوم وهو مثال املعلوم؛ فهو ُم ٍ
للصورة الخارجة املقابلة لها .فإذن العلم ،إنما هو مثال املعلوم في الذهن .أما الوجود في اللسان
ّ
323 التاريخ ISSN 1112-914X - 0103 /11/31 : املجلد 31:العدد 13 : مجلة علوم اللغة العربية وآدابها
د .عبد الفتاح سعيدي النص بين انطولوجية املعنى ومشروعية التأويل
فهو اللفظ املركب من أصوات [ ]..فالقول دليل على ما في الذهن وما في الذهن صورة ملا في
الوجود مطابقة له [ ]..ولو لم يكن وجود في ألاعيان لم ينطبع صورة في ألاذهان ولو لم ينطبع
صورة في ألاذهان لم يشعر بها إنسان ولو لم يشعر إلانسان لم يعبر عنها اللسان .وإذن فاللفظ
والعلم واملعلوم ثالثة أمور متباينة لكنها متطابقة متوازية )33( » .ويدل هذا النص على أن
فالسفة إلاسالم قد أدركوا أن هناك عالقة بين بنية اللغة وبنية العقل وبنية الواقع .أما عن
استقالل املعنى التام عن اللفظ ،يرى روني ديكارت الفيلسوف الفرنس ي ( )3711-3107أن
إدراك املعنى في فعل الحدس الذي يستمد يقينه مما يتميز به من وحدة تجعل املعاني حاضرة
في الذهن املنتبه ،فحتى الرياضيات عنده ال تستمد يقينها من كتابتها الاستداللية وصرحها
()30
الاستنباطي ،بقدر ما تستمده من كيفية إدراكها ملوضوعاتها.
لكن رب معترض عن ضرورة العالقة بين اللفظ واملعنى ،على أساس أن الش يء الواحد يختلف
ً
اسمه من لغة ألخرى ،كما قد يكون له من املترادفات الكثيرة على مستوى اللغة الواحدة .وردا
على هذا يقول إميل بنفنيست « :إن كل التسميات التي تحيل إلى نفس الواقع ،لها قيمة متساوية؛
ً
فأن توجد هذه التسميات ،ذلك هو دليل إذن على أن أيا منها ال يمكنه أن يدعي الانفراد
بالتسمية ذاتها على وجه إلاطالق [ ]..وهكذا الشأن في العالقة اللسانية .فأحد مكونات العالمة
كون آلاخر فهو املفهوم ويشكل املدلول .إن العالقة هي الصورة الصوتية ويشكل الدال ،أما املُ ّ
بين الدال واملدلول ليست اعتباطية بل هي على العكس من ذلك عالقة ضرورية .فاملفهوم "ثور"
مماثل في وعيي بالضرورة للمجموع الصوتي "ثور" .وكيف يكون ألامر على خالف ذلك؟ فكالهما
نقشا في ذهني ،وكل منهما يستحضر آلاخر في كل الظروف .ثمة بينهما اتحاد وثيق إلى درجة أن
املفهوم "ثور" هو بمثابة روح الصورة الصوتية "ثور" إن الذهن ال يحتوي على أشكال خاوية ،أي
ال يحتوي على مفاهيم غير مسماة [ ]..إن الذهن ال يتقبل من ألاشكال الصوتية إال ذلك الشكل
ً ً ً
الذي يكون حامال لتمثل يمكنه التعرف عليه ،وإال رفضه بوصفه مجهوال وغريبا .فالدال
ً
واملدلول ،التمثل الذهني والصورة الصوتية ،هنا في الواقع وجهان ألمر واحد ويتشكالن معا
كاملحتوي واملحتوى .فالدال هو الترجمة الصوتية للمفهوم ،واملدلول هو املقابل الذهني للدال.
()31
إن وحدة الجوهر هذه للدال واملدلول هي التي تضمن الوحدة البنيوية للعالمة اللسانية »
ومن هذا النص ُتفهم ضرورة العالقة بين اللفظ واملعنى عندما يسقط اللفظ في ذاته ويعوض
باألثر النفس ي الذي يتركه أي لفظ يوحي بنفس املعنى.
( -)3امليتافيزيقا وإستراتيجية الكتابة
تنظر امليتافيزيقا إلى الكتابة كوسيلة تعبير ،الجسر الذي يسمح بعبور املعاني ،املجاز الذي
يقوم بنقلها .هي أداة لتبليغ املعاني وتمثيلها ،مناسبة لحضور املعنى ومثوله .تعتبر الدال مجرد
ّ
323 التاريخ ISSN 1112-914X - 0103 /11/31 : املجلد 31:العدد 13 : مجلة علوم اللغة العربية وآدابها
د .عبد الفتاح سعيدي النص بين انطولوجية املعنى ومشروعية التأويل
مظهر للمدلول .تعطي ألاسبقية الزمانية واملنطقية وحتى الشرفية للمعنى على الدليل ،للمدلول
ً
على الدال ،للفكر على املادة وللنفس على الجسد .الكتابة ليس مجاال إلنتاج املعاني .هنا يصبح
الدليل أو اللفظ مجرد مناسبة الستحضار املعنى ألاصلي ،سواء كان ذلك املعنى قد وجد في
ً
عالم مفارق أو كان محتوى ذهنيا أو مقصد ذات (هللا أو النفس البشرية) تعطي للموضوعات
ً
معانيها .الكتابة عملية حصر يهيمن عليها منطق الهوية )34( .إذن فالنص ليس نسقا يفيض
ً ً
باملعاني ،الدليل ليس تكثيفا لعدة تأويالت ،وليس فضاء تفاضليا ملختلف املعاني واملدلوالت.
اللفظ عند امليتافيزيقا هو الحد الذي يحصر املعنى ويحدده .إنه التعريف ألاحادي الذي يعطينا
ماهية ألاشياء وحقيقتها .ليست الكتابة مجرد وسيلة تعبير وتمثيل وتبليغ ،بل وكذلك كونها
ً
أساسا أداة لحفظ املعاني وحمايتها من التبدل والتغير ومن النسيان والضياع .الكتابة تعطي
للمعاني طابع الخلود ،وتضمن لها الوجود في حاضر دائم )31( .ومن هنا فامليتافيزيقا تحرص على
الكتابة املوصولة التي يطبعها مفهوم الوحدة ،تلك الوحدة التي تعكس وحدة الذات املتملكة
للمعنى واملتحكمة فيه ،الذات التي تزود الكتابة بمضمونها .إنها كتابة تقوم على أنطلوجيا
ً ً
التطابق والوحدة .وأخيرا فإن الكتابة هي الوسيلة التي يصبح بها النص امليتافيزيقي موضوعا
()37 ً
أخالقيا يقض ي منا احترامه وتقديسه ومعاملته بنزاهة علمية.
( -)4امليتافيزيقا وإستراتيجية القراءة
ً
هذا الدور الثانوي الذي تعطيه امليتافيزيقا للكتابة ليس إال إعالء لفعل القراءة ،وتقديما
للصوت واللوغوس ( )37( )Logosعلى العالمة وألاثر .القراءة هي الفعل السحري الذي يلغي املادة
املكتوبة ليتمكن من روح النص .إنها ليست عملية إنتاج ،إنها مجرد موقف إنفعالي يتمثل في
()38
إلانصات لخطبة النص وإلاصغاء إلى صوته والتقاط معناه.
حسب تعبير لويس التوسير فإن هذه القراءة تعتقد بحضور املاهية املجردة في وجودها العيني
الشفاف ،هي قراءة مباشرة للماهية في الوجود .هذه القراءة هي عينها قراءة الكتاب املفتوح،
قراءة كتاب الطبيعة الكبير الذي تحدث عنه غاليلي .ومنه فإن هذه القراءة تقوم على
الابستمولوجيا الديكارتية -الغاليلية ،التي هي ابستمولوجيا مباشرة ،قائمة على فلسفة
الحضور ،حيث يصبح معنى القراءة ال يتجاوز الشرح والتعليق ،مع ما يقتضيه املنهج الديكارتي
()30
من حسن تنبه ،وتخلص من ألاحكام املسبقة وعدم التعجل ..الخ
( -)5امليتافيزيقا وإستراتيجية التأويل
ً
لعل أول ما يسترعي انتباهنا هو املعنى اللغوي لكلمة "التأويل" انطالقا مما ورد في معاجم
اللغة القديمة ،فحسب ما جاء في "لسان العرب" البن منظور فإن املصدر "أول" يكون كما يلي:
ُْ َ ً َ ً َ
ألا ْو ُل :الرجوع .آل الش ُيء َي ُؤول أوال ومآالَ :ر َجع .وأ َّول ِإليه الش َيءَ :ر َج َعه .وأل ُت عن الش يء :ارتددت.
ّ
323 التاريخ ISSN 1112-914X - 0103 /11/31 : املجلد 31:العدد 13 : مجلة علوم اللغة العربية وآدابها
د .عبد الفتاح سعيدي النص بين انطولوجية املعنى ومشروعية التأويل
َ َ
وفي الحديث :من صام الدهر فال صام وال آل أي ال رجع ِإلى خير ،وألا ْو ُل الرجوع .في حديث
ُ َ ُّ َ َّ
الم ُّي أي رجع ِإليه املخ )01( .وبالتالي فالتأويل في اللغة هو إلارجاع. خزيمة السلمي :حتى آل الس ِ
ُ
و( ّأول) الش ئ اليه أرجعه ،و( ّأول) الكالم يعني فسره .فكأن التأويل هو إرجاع للكلمة املرادة إلى
أصل أبعد من املعنى الحرفي لها .وهذا املعنى هو املعنى الوحيد ،ألاصلي ،الحقيقي .أما غيره من
املعاني فكلها مزيف ،مجازي ،متشابه ،غير حقيقي.
ً ُ ْ
عرفت عملية فهم النصوص اللغوية ،خصوصا الدينية منها عملية التأويل ،وذلك منذ لقد
ً
العصور القديمة ،وخصوصا في العصور الوسطى ،عندما ظهرت الفرق الكالمية املختلفة
واملدارس الفلسفية .ولعل من أهم الفرق الكالمية على إلاطالق في تاريخ إلاسالم هي فرقة
ً
املعتزلة ،وبالتالي فهي ألاكثر اهتماما بالتأويل .يقول الزمخشري (وهو من كبار املعتزلة املتأخرين):
ٌ « وملا في تقادح العلماء وإتعابهم القرائح في استخراج معانيه (أي القرآن) ّ
ورده إلى املحكم من ِ
الفوائد الجليلة والعلوم الجمة ونيل الدرجات عند هللا ،وألن املؤمن املعتقد أن ال مناقضة في
كالم هللا وال اختالف ،إذا رأى فيه ما يتناقض في ظاهره ،وأهمه طلب ما يوفق بينه ويجريه على
سنن واحد ،ففكر وراجع نفسه وغيره ففتح هللا عليه وتبين مطابقة املتشابه املحكم ،ازداد
طمأنينة إلى معتقده وقوة في إيقانه )03( ».أي أن معاني القرآن ألاصيلة قائمة على آلايات
املحكمة ،ونتيجة ملا يعتري آلايات املتشابهة من تناقض ظاهري .إذن يجب تأويلها ،وإرجاعها إلى
ّ
معناها ألاصلي والوحيد ،وذلك حتى ال ُيناقض الشرع العقل ،وهو ُمقدم عليهُ .ويعلق الدكتور
ً
نصر حامد أبو زيد عن هذا بقوله « :لقد وجد املعتزلة في املحكم واملتشابه منفذا إلرساء
ضوابط للتأويل .وإذا كان القرآن نفسه قد سكت عن تحديد املحكم واملتشابه وإن أشار إلى
ً
ضرورة رد املتشابه إلى املحكم ،فإن املعتزلة اعتبروا كل ما يدعم وجهة نظرهم محكما يدل
ً
بظاهره ،وكل ما يخالف هذه الوجهة اعتبروه متشابها يجوز ،بل يحق لهم تأويله .وبذلك نقلوا
الخالفات العقلية الاستداللية إلى القرآن على أساس وجود املحكم واملتشابه فيه .وكان من
ً
الطبيعي أن يلجأ خصوم املعتزلة لنفس السالح فيعتبروا ما يدعم وجهة نظرهم محكما ،وما
ً ً
يدعم وجهة نظر املعتزلة متشابها )00( ».وهذا ما أدى إلى نشأة الفرق إلاسالمية ،وذلك تبعا
الختالف موقفهم من التأويل .ويمكن الاستشهاد في هذا املوقف بابن رشد ،وهو خير من تصدى
َّ ً
بالنقد والتحليل للفرق إلاسالمية ،خصوصا في ُمؤل َفيه الشهيرين "مناهج ألادلة في عقائد امللة"
و"فصل املقال" يقول « :ومن قبل التأويالت والظن بأنها يجب أن يصرح بها في الشرع للجميع،
ً ُ بعضاّ ، ً نشأت فرق إلاسالم ،حتى ّ
بعضهم بعضا ،وبخاصة الفاسدة منها. وبدع كفر بعضها
فأولت املعتزلة آيات كثيرة ،وأحاديث كثيرة ،وصرحوا بتأويلهم للجمهور .وكذلك فعلت ألاشعرية
ً
وإن كانت أقل تأويال .فأوقعوا الناس من قبل ذلك في شنآن وتباغض وحروب ،ومزقوا ،وفرقوا
ّ
323 التاريخ ISSN 1112-914X - 0103 /11/31 : املجلد 31:العدد 13 : مجلة علوم اللغة العربية وآدابها
د .عبد الفتاح سعيدي النص بين انطولوجية املعنى ومشروعية التأويل
الناس كل التفريق )01( ».في هذا النص الهام يصرح ابن رشد أن سبب نشأة الفرق إلاسالمية
املختلفة هو التأويل ،ولكن الذي لم يصرح به هو فهمهم في تلك الفترة الزمنية للتأويل على أنه
الوقوف على املعنى ألاوحد والوحيد للنص ،وبالتالي فكل ما يقول به الغير فهو خاطئ ،ولهذا
ً
بعضاّ ، السبب ،يصرح ابن رشد بأن هذه الفرق قد ّ
وبدع بعضها البعض آلاخر .فلو كفر بعضها
كان معنى التأويل – كما هو عندنا اليوم -إمكان قيام النص على هذا املعنى واملعنى آلاخر ،ملا
حدث كل ما حدث .ولعل استمرار ظاهرة التكفير اليوم عندنا في املجتمعات العربية إلاسالمية
ما هو إال نتيجة إلايمان الد وغمائي باملعنى الوحيد ،على اعتبار أنه هو املعنى الصحيح فقط،
وكل ما يخالفه ويعارضه من املعاني فهو خاطئ ،وبالتالي فكل من يعتقد به فهو كافر.
املبحث الثاني :مشروعية التأويل
( )1التأويل ومناهضة امليتافيزيقا
بالرغم من أن الدراسات ألادبية والفلسفية للنصوص قد عرفت التأويل منذ القديم إال أن
ً
مهمة التأويل الكالسيكية لم تخرج بتاتا عن دائرة التعامل امليتافيزيقي والانطولوجي مع املعنى،
حيث كان التعامل مع النص ،ال على أنه يحمل معاني كثيرة ومتعددة ،ولكن على أساس أنه ال
ً ً
يحتمل سوى معنى واحدا ووحيدا وال أكثر من ذلك ،ولذلك فكان موقف الذي يمارس التأويل
ً ً
مع املعنى الظاهر موقفا سلبيا للغاية ،موقف يجعله ينظر إلى ذلك املعنى على أنه معنى زائف،
غير حقيقي .وبالتالي فجوهر مهمته تتمثل في استبدال معنى بمعنى آخر ،يتمثل دوره في
التأسيس ملعنى مقابل تفنيد معنى أو معاني أخرى .وفي تقديري الشخص ي أن أهم ألاسباب التي
ً ً
كرست هذا املعنى بالذات ،هذا التصور الذي يعطي للمعنى طابعا انطولوجيا هو ارتباط التأويل
آنذاك بالنصوص الدينية ،ألن النص الديني هو نص مقدس ،هو رسالة إلهية تفترض معنى
ً
واحدا فقط .أما في عصرنا الراهن وبعد تطور علوم إلانسان واملناهج النقدية للنصوص ألادبية
والشعرية ،قد أحدث نقلة في مهمة التأويل الذي أصبحت تتمثل في فك آلاليات التي تتحكم في
ً
الوعي وتجعله غافال عن ذاته ،فتسمح بتقدير درجة عبودية هذا الوعي وتفسير انحسار حقله
ً
املعرفي والعملي .فإذا كانت النص ألادبي مثال وبغض النظر على املوضوع الذي يتناوله ،فهو
تعبير عن مكنونات الذات ،تعبير عن مواقف وانفعاالت وعواطف ،وعن كل ما يريد صاحب
النص التعبير عنه ،لكنه في الوقت ذاته ،إخفاء وسكوت وتعتيم للكثير والكثير من ألامور ،هذا
ليس عن آلاخرين فقط ،ولكن – وهذا هو ألاهم -عن الذات وعن وعي الكاتب في حد ذاته .ومن
هذا املنطلق تبدو صعوبة عملية التأويل من جهة ،وأهميتها البالغة من جهة أخرى .ملاذا؟ ألنها
ً
تكشف دوما على أن كل معنى يحمله النص إال ويقف وراءه معنى آخر ،أن كل نص يحمل على
ألاقل مستويين من املعنى؛ مستوى ظاهر يعبر عنه صاحب النص ،ومستوى ضامر يتوارى
ّ
333 التاريخ ISSN 1112-914X - 0103 /11/31 : املجلد 31:العدد 13 : مجلة علوم اللغة العربية وآدابها
د .عبد الفتاح سعيدي النص بين انطولوجية املعنى ومشروعية التأويل
داخل ال وعيه .والنتيجة الحتمية التي نصل إليها أن التأويل قد أثبت جدارته في حقل الدراسات
ألادبية والفنية والفلسفية ،وأنه عملية ال مناص منها في مجال النقد ألادبي ،وأن مشروعيتها
تتأسس على مسلمة أساسية تتمثل في ضرورة التخلص من وهم انطولوجية املعنى ،هذا
املوقف النقدي الذي يتكئ على مقوالت امليتافيزيقا .ولكن السؤال الذي يتبادر إلى الذهن :ما هي
أهم العوامل التي ساهمت بفعالية في إعادة النظر وفي الثورة الداللية التي أدت بشكل مباشر
إلى أعادة بناء مفهوم التأويل؟
( -)2اعتباطية عالقة اللفظ باملعنى
ينطلق التصور الكالسيكي للغة على أساس أنها عالقة بين اسم ومسمى ،املسميات هي جملة
ألاشياء املوجودة في العالم ،وألاسماء هي ألالفاظ ،هي الكائنات اللغوية .ومن جهة أخرى هناك
عالقة بين اللفظ واملعنى ،فإذا كانت ألاسماء تطابق ألالفاظ فإن املسميات أو ألاشياء تطابق
ً ً
املعاني .ومن هذا التطابق بالذات أخذت املعاني بعدا انطولوجيا ،حيث أن املعاني ما هي إال
الحقائق الثابتة لألشياء ،وبالتالي فهي ثابتة بوجودها .فإذا حللنا هذه الفكرة ِوفق تصورات
أفالطون ،فإن املثال له حقيقة ووجود ثابت ،ولكنه في الواقع يمكن أن يأخذ صور وأشكال
متعددة ومتنوعة ،كذلك املعنى فإن له حقيقة ووجود ثابت ،ولكنه في الواقع يمكن أن يأخذ
ً
ألفاظ متعددة ومتنوعة ،فيمكن مثال أن يأخذ في اللغة الواحدة ما ال حصر له من املترادفات،
ناهيك عن اللغات ألاخرى ،حيث يمكن لنفس املعنى أن ُيطلق عليه في كل لغة ما يختلف عن
ألاخرى .إذن فاأللفا ظ ما هي إال حامل مادي للمعنى ،حامل يمكن تغييره واستبداله في كل
ً ً ً ً
لحظة دون أن يكون له أدنى تأثير على املعنى ،هذا ألاخير الذي يظل ثابتا ،خالدا ،مستقال تماما
عن أي لغة وعن أي لسان .أما عن قواعد اللغة وترتيب الكلمات داخل الجملة ،وترتيب الجمل
داخل النص ،فهذه هي ألاخرى أمور ثابتة ألن العقل هو سيد املوقف ،ومنطق تسلسل وتراتب
املعاني هو الذي يفرض منطق تسلسل وترتيب ألالفاظ ( .سبق طرح هذا املوقف عند الجرجاني)
ولعل أهم ما جعل قدماء اللغويين يتوهمون هذا ألامر على أنه حقيقة هو الغياب التام
للدراسات اللغوية املقارنة .ويمكن النظر من جهة أخرى على أن العالقة بين اللفظ واملعنى أو
ُ ُ
الاسم واملسمى ضرورية تقوم على فكرة السبق املنطقي للمعنى على اللفظ ،أو املسمى على
ً ً
الاسم؛ إذ ال يصبح الاسم اسما إال إذا ارتبط بمسمى ،و يصير اللفظ كالما إال إذا ارتبط بمعنى.
()04
ولهذا يقول ابن مالك في ألفيته :كالمنا لفظ مفيد كاستقم اسم وفعل ثم حرف الكلم .
هناك مالحظتان في غاية ألاهمية توصل إليهما دو سوسير:
ّ
333 التاريخ ISSN 1112-914X - 0103 /11/31 : املجلد 31:العدد 13 : مجلة علوم اللغة العربية وآدابها
د .عبد الفتاح سعيدي النص بين انطولوجية املعنى ومشروعية التأويل
( -)3صحيح أننا نستبدل ألالفاظ للتعبير عن نفس املعنى ولكن العقل ال يستطيع أن يتصور
معنى بشكل مستقل عن ألالفاظ .إذن يبقى املعنى جزء ال يتجزأ من إلاشارة اللغوية .وهو ما
يسميه دو سوسير "املدلول"
( -)0جميع ألالفاظ التي تعبر عن نفس املعنى متساوية ومتكافئة في هذه الوظيفة ،فما هو هذا
ً ً ً
الثابت الذي ال يتغير بتغير هذه ألالفاظ جميعا؟ الذي يبقى دوما ملتصقا باملعنى هو الصورة
السمعية ،هذا ألاثر النفس ي الذي يمكن أن تشترك في إحداثه جميع ألالفاظ الذي تعبر عن
املعنى نفسه .إذن تبقى الصورة السمعية جزء ال يتجزأ من إلاشارة اللغوية .وهو ما يسميه دو
سوسير "الدال" .حسب هذا التحليل قد يبدو للبعض أن العالقة بين الدال واملدلول
ضرورية ،طاملا أن العقل غير قادر على تصور املدلول (املعنى) دون الحاجة إلى الدال (ألاثر
النفس ي الذي تتركه جميع ألالفاظ التي تعبر عن نفس املعنى ) .لكن ما هو موقف دو سوسير
من هذا ألامر؟
تكاد تنصب الدراسات املبدعة التي أضافها العالم اللساني السويسري دو سوسير في مجال
اللسانيات على طبيعة العالقة بين الدال واملدلول .فإذا اعتبرنا أن اللسانيات ما هي إال الدراسة
العلمية التجريبية ملواضيع اللغة واللسان ،فيكون إلاسهام اللساني لهذا الباحث ينحصر في
الدراسة العلمية والتتبع التجريبي لهذه العالقة .وكأي باحث علمي أكاديمي ينطلق دو سوسير
من مبدأين يراهما أساسيين يمكن أن يشتق منهما ما ال حصر له من النتائج:
املبدأ ألاول :العالقة بين الدال واملدلول هي عالقة اعتباطية ( ،)arbitraireغير ضرورية.
ً ً
املبدأ الثاني :الطبيعة الخطية للدال .يقول دو سوسير « :ملا كان الدال شيئا مسموعا فهو يظهر
إلى الوجود في حيز زماني فقط ،و فقط ُويستمد منه هاتان الصفتان( :أ) أنه يمثل فترة زمنية،
ُ
(ب) تقاس هذه الفترة ببعد واحد ،فهو على هيئة خط )01( » .وألامر املالحظ على هذا املبدأ أن
الدال في تصور دو سوسير هو ألاثر النفس ي ،وبالتالي فالدال كذلك ذو طبيعة نفسية ،وكل ما
هو نفساني فهو يجري ضرورة في الزمان ،ال في املكان.
متغيرة؟ لو كانت العالقة بينهما ضرورية ،أي يحكمها ّ هل عالقة الدال باملدلول ثابتة أم
ً
املنطق ،لكانت مستقلة عن الزمان ،وبالتالي فهي عالقة ثابتة مطلقا ،ولكن كون هذه العالقة
اعتباطية (املبدأ ألاول) ،فهي تجري ضرورة في الزمان (املبدأ الثاني) .وما دامت تجري في الزمان،
ً
فكيف نفسر هذا الثبات الذي كثيرا ما يوهمنا بفطرية العالقة؟ من أجل تفسير خاصيتي
الثبات والتغير في العالقة بين الدال واملدلول يلجأ دو سوسير إلى مصطلحين في غاية ألاهمية
ً
هما التزامنية ( )la synchronieوالتعاقبية ( .)la diachronieحيث يرى أن العالقة ثابتة تزامنيا
ً
ومتغيرة تعاقبيا؛ فإذا نظرنا إلى هذه العالقة في فترة زمنية معينة بدت لنا كم هي ثابتة
ّ
332 التاريخ ISSN 1112-914X - 0103 /11/31 : املجلد 31:العدد 13 : مجلة علوم اللغة العربية وآدابها
د .عبد الفتاح سعيدي النص بين انطولوجية املعنى ومشروعية التأويل
وضرورية .أما إذا نظرنا إليها في فترة زمنية طويلة بدا لنا بوضوح التغير الذي يلحق بعالقة الدال
ً
باملدلول .ولكي يوضح كيفية تغير العالقة مع محافظتها على الثبات ،يعقد تشبيها بين وظيفة
اللغة ولعبة الشطرنج .يقول )3( « :ففي كلتا الحالتين يوجد نظام من القيم والتغيرات [ ]..فقيم
القطع تعتمد على قيمها على لوحة الشطرنج ،كما أن كل عنصر من العناصر اللغوية يستمد ِ
ً
قيمته من تقابله مع العناصر ألاخرى )0( .النظام يرتبط دائما بلحظة زمنية معينة .فهو يختلف
من وضع آلخر .كما أن القيم تعتمد بالدرجة ألاولى على العرف الثابت ،أي على قوانين اللعبة
فعالة حتى النهاية ،ومثل هذه القوانين املتفق عليها موجودة في املوجودة قبل بدء اللعب وتظل ّ
ً ً
اللغة أيضا :فهي املبادئ الثابتة لعلم إلاشارات .وأخيرا فإن الانتقال من حالة توازن إلى حالة
أخرى ،أي من حالة سنكرونية إلى أخرى ،ال نحتاج إال إلى تحريك قطعة واحدة فقط ،وكذلك
ً
التغيير في اللغة ال يؤثر إال في عناصر مفردة .ومع ذلك فإن للحركة انعكاسا على النظام بأكمله.
كما يصعب على الالعب أن يتنبأ بدقة بمدى ألاثر الذي ينتج عن الحركة .فتكون التغيرات
()07
الناتجة للقيمة مختلفة حسب الظروف » .
إن أهم نتيجة يصل إليها دو سوسير هي أن الدال واملدلول غير مرتبطين بالضرروة .وهذا يعني
الدال ال ينفرد بمعنى واحد ووحيد ،أي أنه ال يرتبط بمعنى انطولوجي .يقول« :فاللغة ال أن ّ
حول لها وال قوة في الدفاع عن نفسها في مواجهة القوى التي تغير من لحظة إلى أخرى العالقة
بين املدلول والدال .وهذه إحدى نتائج الطبيعة الاعتباطية لإلشارة )07( » .ويعلق نصر حامد أبو
زيد عن هذا بقوله ..« :هذا التصور الذي صاغه دو سوسير أنهى وإلى ألابد التصور الكالسيكي
ً ً
عن عالقة اللغة بالعالم بوصفها تعبيرا مباشرا عن هذا العالم .لقد صارت العالقة بين اللغة
والعالم محكومة بأفق املفاهيم والتصورات الذهنية الثقافية )08( .بمعنى أن النصوص قد
ً
تخلصت نهائيا وإلى ألابد من املعاني ألانطولوجية ،ليحل عصر جديد هو عصر التأويل.
( -)3مركزية التأويل والعالقة بين الكتابة والقراءة
ُ
إن القول باعتباطية العالقة بين الدال واملدلول تعطي مشروعية قصوى للتأويل يمكن أن
تتجسد هذه املشروعية في تماهي مصطلح "القراءة" مع مصطلح "الكتابة" .السؤال إذن :كيف
يمكن النظر إلى الكتابة /القراءة كفعل واحد؟ ودور ذلك في تقويض امليتافيزيقا؟
يجب على القراءة التي تقوض امليتافيزيقا أن تتخلص ابتداء من فلسفة الحضور .ونقصد
بفلسفة الحضور ،أن معنى النص هو ذلك املعنى الحال في الوعي ،وأن الوعي له القدرة املطلقة
على استحضار املعنى الكامن في النص ،أي املعنى الذي يقصده منتج النص بالذات .على أساس
أن النص كألفاظ وعبارات ما هو إال وسيلة لتثبيت وحفظ املعنى الذي يقصده منتجه .وهذا
ً ً
هو العيب الذي وقعت فيه امليتافيزيقا ،وهو أنها افترضت تأويال واحدا وقفت عنده ،واعتبرت
ّ
333 التاريخ ISSN 1112-914X - 0103 /11/31 : املجلد 31:العدد 13 : مجلة علوم اللغة العربية وآدابها
د .عبد الفتاح سعيدي النص بين انطولوجية املعنى ومشروعية التأويل
ً ً
أنه التأويل الحق .هذا في حين أن التأويل ليس بحثا عن معنى أول ،وإنما تفضيال وإعطاء أولوية
ملعنى على آخر )00( .وقد توصل الفيلسوف ألاملاني نيتشه ( )3011-3844إلى كشف السر الكامن
وراء هذا العيب حين ّبين أن إنتاج املعنى عملية تقف وراءها قوى تهدف إلى إلاخضاع
والسيطرة .وما تفعله امليتافيزيقا هو اختزال تلك القوى ،وحصر املعنى في ألالفاظ اللغوية التي
ً
تحد املعنى وتحدده .لذا فإن نيتشه يرى في اللغة معقال للميتافيزيقا .ففي اللغة فقط تجد
مفهومات "الوجود" و"الجوهر" و"الهوية" إمكانية دوامها وخلودها .إن امليتافيزيقا تنظر إلى
ألالفاظ اللغوية كخزانات تحفظ للمعاني أزليتها وتبقي على تطابقها ،فبدل أن ترى في الدليل
(اللفظ) والعالمة مكان تناحر واختالف ،ترى فيه مناسبة لحضور املعنى ]..[ .يحاول نيتشه أن
ّ
يقف ضد هذا الاختزال امليتافيزيقي ،وأن يبعث العنف والقوة اللذين يؤسس بهما اللغوس
فضاءه السيميولوجي ،ويضع بهما املعنى والنظام)11( .من خالل هذا النص يتضح كيف للتأويل
من قدرة على إزاحة الوعي من مركزيته وسلطته املطلقة في إلامساك باملعنى الانطولوجي للنص.
ً
ملاذا؟ ألن الوعي املباشر عاجز عن التوصل انطالقا من ذاته إلى فهم ما ينتجه .ولذلك ينبغي
ً
عليه أن يلجأ إلى خطاب آخر لتوضيح إنتاجاته ،وهي إنتاجات ترتدي معنى كامنا غير مباشر
ينبغي استحضاره ورفعه من مستوى الباطن إلى مستوى الظاهر .وهذه إلازاحة من املركز
تطعن في صميم الفلسفة التأملية» ( )13واملقصود باملستوى الباطن هو ذلك املعنى آلاخر ،
الغائب عن الوعي .وبالتالي فإذا تسمك الوعي باملعنى الواحد للنص فذلك لقصوره ،ال ألن تلك
هي الحقيقة .والنتيجة أن اكتشاف قصور الوعي يؤسس لتعدد معاني النص ،وبالتالي يقصف
كل ما يتضمنه النص من معاني ميتافيزيقية.
الخاتمة:
إن مثل هذه الدراسات النقدية ،هي من عمل على تحرير النصوص من سلطة املعنى
الواحد ،إذ أصبحت النصوص كنوز يمكن اكتشاف ما تحتويه من املعنى ما ال يتخيله متخيل.
وهو ما أدى في ألاخير إلى موت املؤلف أو الكاتب على اعتبار أنه سلطة منتجة للمعنى ومتحكمة
فيه .أصبح القارئ هو الفاعل الحقيقي إزاء النص من خالل تفكيكه لشفرات النص وتفكيكه
ً
ملعانيه وكشفه على مستويات املعنى فيه .لقد أصبح القارئ مسلحا بكل ما توصلت إليه علوم
اللسان وعلوم إلانسان من مناهج تساعده على سبر أغوار النص .لقد برز التأويل كآلية ضرورية
يجب أن يتسلح بها قارئ النص .ومن هذا أخذ التأويل معنى أوسع بكثير من ذلك الذي كان
ُيفهم منه عند عملية فهم النصوص املقدسة والبحث عن املعنى الواحد واملشروع .وفي ألاخير
فإن املتتبع آلخر التطورات النقدية الحاصلة في علم النص ،يرى بوضوح كيف انتقلت عملية
ّ
333 التاريخ ISSN 1112-914X - 0103 /11/31 : املجلد 31:العدد 13 : مجلة علوم اللغة العربية وآدابها
د .عبد الفتاح سعيدي النص بين انطولوجية املعنى ومشروعية التأويل
قراءته من انطولوجية املعنى (املعنى امليتافيزيقي) إلى مشروعية التأويل حيث يتعدد ويتنوع
املعنى.
املصادر واملراجع:
.3إبراهيم مدكور :املعجم الفلسفي ،الهيئة العامة لشؤون املطابع ألاميرية ،القاهرة.3081 ،
ّ
.0علي سامي النشار :املنطق الصوري ،دار املعرفة الجامعية ،القاهرة0111 ،
.1عمارة ناصر :اللغة والتأويل ،منشورات الاختالف ،الجزائر ،الطبعة ألاولى0117 ،
.4عمر عبد الهادي عتيق :علم البالغة بين ألاصالة واملعاصرة ،دار أسامة للنشر والتوزيع ،عمان ،ألاردن،
الطبعة ألاولى0130 ،
.1الجاحظ :الحيوان ،ج ،1دار الكتب العلمية ،بيروت ،الطبعة الثالثة
.7ميلود مصطفى عاشور :مقاييس فصاحة اللفظ ومعايير بالغة املعنى؛ دراسة ّ
فنية تحليلية ،دار نشر
يسطرون ،القاهرة
.7ابن سينا :إلاشارات والتنبيهات ،ج ،3تحقيق :سليمان دنيا ،دار املعارف ،القاهرة ،ط3081 ،1
.8عبد القاهر الجرجاني :أسرار البالغة ،تحقيق :محمود محمد شاكر ،دار املدني ،جدة
.0أبو حامد الغزالي :املقصد ألاسنى في شرح أسماء هللا الحسنى ،مكتبة الجندي ،القاهرة3078 ،
.31عبد السالم بنعبد العالي :أسس الفكر الفلسفي املعاصر ،دار طوبقال للنشر ،الدار البيضاء،
املغرب ،الطبعة ألاولى3003 ،
.33إميل بنفنيست :مسائل في ألالسنية العامة ،ت :عبد السالم بنعبد العالي ومحمد سبيال ،في دفاتر
فلسفية ،ج( 1اللغة) ،دار طوبقال للنشر ،الدار البيضاء ،املغرب ،الطبعة الرابعة0111 ،
.30ابن منظور :لسان العرب ،ج ،3تحقيق :أمين محمد عبد الوهاب ومحمد الصادق العبيدي ،دار
إحياء التراث العربي ومؤسسة التاريخ العربي ،بيروت ،ط3000 ،1
ّ
.31الزمخشري :الكشاف ،ج ،3مكتبة العبيكان ،الرياض ،السعودية ،ط.3008 ،3
.34نصر حامد أبو زيد ، :الاتجاه العقلي في التفسير ،املركز الثقافي العربي ،بيروت ،ط.3007 ،1
.31ابن رشد :فصل املقال في ما بين الحكمة والشريعة من الاتصال ،تحقيق :محمد عمارة ،دار املعارف،
القاهرة ،الطبعة ألاولى3070 ،
.37أبو عبد هللا محمد بن مالك املعروف بابن الناظم :شرح ابن الناظم على ألفية بن مالك ،تحقيق:
محمد باسل عيون ُّ
السود ،دار الكتب العلمية ،بيروت0131 ،
.37فردينان دي سوسور :علم اللغة العام ،ت :يوئيل يوسف عزيز ، ،دار آفاق عربية ،بغداد3081 ،
.38نصر حامد أبو زيد :النص السلطة الحقيقة ،املركز الثقافي العربي ،بيروت ،ط3001 ،3
.30نبيهة قاره :الفلسفة والتأويل ،دار الطليعة للطباعة والنشر ،بيروت.
هوامش البحث
ّ
333 التاريخ ISSN 1112-914X - 0103 /11/31 : املجلد 31:العدد 13 : مجلة علوم اللغة العربية وآدابها
د .عبد الفتاح سعيدي النص بين انطولوجية املعنى ومشروعية التأويل
( -)1الانطلوجيا ( )L'ontologieكلمة ذات أصل يوناني ،تتألف من شقين ( =ontosالكائن =logos ،خطاب)
ً
بمعنى أنها خطاب يدور حول الكائن ،والتعامل مع املعنى انطولوجيا يعني التعامل معه ككائن له وجود املستقل
وحقيقته املنفردة التي ال تحتمل التأويل.
ً ً
( -)2يتمثل الوعي ( )La conscienceفي إدراك املرء لذاته وأحواله وأفعاله إدراكا مباشرا ،وهو أساس كل معرفة،
وله مراتب متفاوتة في الوضوح ،وبه تدرك الذات أنه تشعر وأنها تعرف ما نعرف .أنظر :إبراهيم مدكور :املعجم
الفلسفي ،الهيئة العامة لشؤون املطابع ألاميرية ،القاهرة ،3081 ،ص .031
ّ
( -)3علي سامي النشار :املنطق الصوري ،دار املعرفة الجامعية ،القاهرة ،0111 ،ص 73
( -)4عمارة ناصر :اللغة والتأويل ،منشورات الاختالف ،الجزائر ،الطبعة ألاولى ،0117 ،ص 88
( -)5عمر عبد الهادي عتيق :علم البالغة بين ألاصالة واملعاصرة ،دار أسامة للنشر والتوزيع ،عمان ،ألاردن،
الطبعة ألاولى ،0130 ،ص 00
( -)6الجاحظ :الحيوان ،ج ،1دار الكتب العلمية ،بيروت ،الطبعة الثالثة ،ص 77
( -)7ميلود مصطفى عاشور :مقاييس فصاحة اللفظ ومعايير بالغة املعنى؛ دراسة ّ
فنية تحليلية ،دار نشر
يسطرون ،القاهرة ،ص 377
( -)8ابن سينا :إلاشارات والتنبيهات ،ج ،3تحقيق :سليمان دنيا ،دار املعارف ،القاهرة ،ط ،3081 ،1ص310
( -)9عبد القاهر الجرجاني :أسرار البالغة ،تحقيق :محمود محمد شاكر ،دار املدني ،جدة ،ص 5
( -)10املصدر السابق ،ص 8
( -)11أبو حامد الغزالي :املقصد ألاسنى في شرح أسماء هللا الحسنى ،مكتبة الجندي ،القاهرة ،3078 ،ص ص
33 -31
( -)12عبد السالم بنعبد العالي :أسس الفكر الفلسفي املعاصر ،دار طوبقال للنشر ،الدار البيضاء ،املغرب،
الطبعة ألاولى ،3003 ،ص 314
( -)13إميل بنفنيست :مسائل في ألالسنية العامة ،ت :عبد السالم بنعبد العالي ومحمد سبيال ،في دفاتر فلسفية،
ج( 1اللغة) ،دار طوبقال للنشر ،الدار البيضاء ،املغرب ،الطبعة الرابعة ،0111 ،ص ص 47-47
( -)14عبد السالم بنعبد العالي :أسس الفكر الفلسفي املعاصر ،مرجع سابق ،ص ص 314 -311
( -)15نفس املرجع ،ص 314
( -)16نفس املرجع ،ص 311
( -)17اللوغوس ( ،)Logosوهي كلمة يونانية تعني اللغة والعقل واملنطق .في سياق املقال تعني اللغة منظور إليها
كأداة ،كخادمة للعقل.
( -)18نفس املرجع ،ص 317
( -)19نفس املرجع ،ص 317
( -)20ابن منظور :لسان العرب ،ج ،3تحقيق :أمين محمد عبد الوهاب ومحمد الصادق العبيدي ،دار إحياء
التراث العربي ومؤسسة التاريخ العربي ،بيروت ،ط ،3000 ،1ص 074
ّ
( -)21الزمخشري :الكشاف ،ج ،3مكتبة العبيكان ،الرياض ،السعودية ،ط ، ،3008 ،3ص .108
( -)22نصر حامد أبو زيد ، :الاتجاه العقلي في التفسير ،املركز الثقافي العربي ،بيروت ،ط ،3007 ،1ص .374
ّ
333 التاريخ ISSN 1112-914X - 0103 /11/31 : املجلد 31:العدد 13 : مجلة علوم اللغة العربية وآدابها
د .عبد الفتاح سعيدي النص بين انطولوجية املعنى ومشروعية التأويل
( -)23ابن رشد :فصل املقال في ما بين الحكمة والشريعة من الاتصال ،تحقيق :محمد عمارة ،دار املعارف،
القاهرة ،الطبعة ألاولى ،3070 ،ص ص 71 -70
(-)24أبو عبد هللا محمد بن مالك املعروف بابن الناظم :شرح ابن الناظم على ألفية بن مالك ،تحقيق :محمد
السود ،دار الكتب العلمية ،بيروت ،0131 ،ص 1 باسل عيون ُّ
( -)25فردينان دي سوسور :علم اللغة العام ،ت :يوئيل يوسف عزيز ، ،دار آفاق عربية ،بغداد ،3081 ،ص 80
( -)26املصدر السابق ،ص 317
( -)27املصدر السابق ،ص 94
( -)28نصر حامد أبو زيد :النص السلطة الحقيقة ،املركز الثقافي العربي ،بيروت ،ط ،3001 ،3ص ص 81 -70
( -)29عبد السالم بنعبد العالي :أسس الفكر الفلسفي املعاصر؛ مرجع سابق ،ص 340
( -)30نفس املرجع ،ص 347
( -)31نبيهة قاره :الفلسفة والتأويل ،دار الطليعة للطباعة والنشر ،بيروت ،ص .31
ّ
333 التاريخ ISSN 1112-914X - 0103 /11/31 : املجلد 31:العدد 13 : مجلة علوم اللغة العربية وآدابها