نشر العرف صلاح أبو الحاج

You might also like

Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 176

‫إﺻﺪاراﺗﻨﺎ اﻟﺮﻗﻤﻴﺔ )‪(٧٨‬‬ ‫ﺳﻠﺴﻠﺔ اﻟﺘﺤﻘﻴﻘﺎت اﻟﻌﻠﻤﻴﺔ )‪(٣٥‬‬

‫�﮲ﺸﺮ َ‬
‫اﻟﻌﺮف‬
‫�� �‬
‫�‬
‫�﮳ﻨﺎء �﮳ﻌﺾ اﻷﺣﲀم‬
‫ﻋﲆ ُ‬
‫اﻟﻌﺮف‬
‫)‪wHM(« s�b�U� s� dL� s� 5�√ bL� 5II;« W9U‬‬
‫�‪?� ®١٢٥٢© WM� �u‬‬

‫‪]‚Ë÷¡Â‬‬
‫˛‬
‫\’‪ÃÖ¬’\;Öç›;Ì÷¡;Ï…Ö¬’\;k]ŒË÷¬i‬‬

‫لألستاذ الدكتور صالح محمد أبو الحاج‬


‫عميد كلية الفقه الحنفي‬
‫بجامعة العلوم اإلسالمية العاملية‬
‫عامن ‪ -‬األردن‬

‫ﻣﺮﻛﺰ أﻧﻮار اﻟﻌﻠﻤﺎء ﻟﻠﺪراﺳﺎت‬


‫التعليقات العرفية عىل نرش العرف‪........‬‬

‫‪ ........‬يف بناء بعض األحكام عىل العرف‬


‫نرش العرف‬
‫يف بناء بعض األحكام عىل العرف‬
‫خلامتة املحققني حممد أمني بن عمر بن عابدين احلنفي‬
‫تويف سنة (‪ )1252‬هـ‬

‫وعليها‬

‫التعليقات العرفية عىل نرش العرف‬

‫لألستاذ الدكتور صالح حممد أبو احلاج‬


‫عميد كلية الفقه احلنفي‬
‫بجامعة العلوم اإلسالمية العاملية‬

‫مركز أنوار العلامء للدراسات‬



‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪7‬‬

‫ﱁﱂﱃﱄ‬
‫والسال ُم عىل سيد املرسلني‪ ،‬وعىل آله‬ ‫والصال ُة َّ‬
‫رب العاملني‪َّ ،‬‬‫احلمد هلل ّ‬
‫وصحبه أمجعني‪ ،‬ومن سار عىل دربه واهتدى هبديه إىل يوم الدين‪.‬‬
‫وبعد‪:‬‬
‫مر ًة بعد َم ّر ٍة‪،‬‬
‫الرسالة َّ‬‫عيل أن يرس يل تدريس هذه ِّ‬ ‫من نعم اهلل تعاىل َّ‬
‫وكرم ِه‪ ،‬حتى‬‫ِ‬ ‫وكنت ُأعلق عليها َأثناء الدرس بام َيرزق اهلل تعاىل من فضلِ ِه‬
‫وح ِّقق فيها مباحث ال مثيل هلا‪ ،‬و َغدَ ت‬
‫ُو ِّشحت بتعليقات ال نظري هلا‪ُ ،‬‬
‫روض ًة لل َّطالبني‪ ،‬وحك ًام للمختلفني‪ ،‬ومأوى َّ‬
‫للراغبني‪.‬‬
‫وقد اختلط األمر عىل إمام عرص‪ّ ،‬‬
‫وعالمة دهره‪ ،‬خامتة املحققني ابن‬
‫عابدين يف أوهلا يف حتقيق مبحث عالقة العرف بالنص‪ ،‬وختصيصه له‪،‬‬
‫فاضطرب فيها اضطراب ًا كبري ًا بام ال يفيد املطلوب‪ ،‬وال حيقق املقصود‪ ،‬فال‬
‫عول عليها‪.‬‬
‫يصل القارئ فيها إىل ثمرة ُيمكن له أن ُي ِّ‬
‫وسعى رضوان اهلل عليه إىل تنقيح ما يتعلق بالعرف العام واخلاص‪،‬‬
‫والتفريق بينهام‪ ،‬فلم يأت بنتيجة مرضية ُيمكن االعتامد عليها‪ ،‬ومل يفرق‬
‫الرسالة عىل خالف‬
‫بينهام بام يصلح االعتامد عليه‪ ،‬فكان َّأول مباحث هذه ِّ‬
‫املراد من التَّحقيق والتَّنقيح‪ ،‬بخالف ما بعدها من مباحث تعرض هلا يف‬
‫‪ 8‬ــــــــــــــــــــــــــ التعليقات العرفية عىل نرش العرف يف بناء بعض األحكام عىل العرف‬

‫الرسالة يف االعتامد عىل العرف وبناء األحكام عليه‪َ ،‬فأفاد و َأجاد‪ ،‬كام هو‬
‫عوالً عليها‪.‬‬
‫عاد ُته ودأ ُبه‪ ،‬فكان حم َّقق ًة ُمنقح ًة موثوق ًا هبا‪ُ ،‬م ّ‬
‫فسعيت إىل تنقيح مباحثها األُوىل‪ ،‬و َترصيف مسائلها‪ ،‬بام َيرفع اإلهيام‬
‫ُ‬
‫و ُيزيل اإلشكال‪ ،‬وأرجو من اهلل تعاىل أن أكون ُو ِّف ُ‬
‫قت هلذا‪ ،‬ف َغدَ ت ِّ‬
‫الرسالة‬
‫مع تعليقاهتا العرفية حتف ًة هبي ًة ُيعتمد عليها‪ ،‬و ُيرجع هلا يف ِّ‬
‫كل مباحثها‪.‬‬
‫واملتتبع ملسائلها جيد أن إطالق العرف هاهنا ليس املقصود منها املعنى‬
‫الرسم يرجع لقاعدتني رئيسيتني‪:‬‬ ‫اخلاص به‪ ،‬وإ ّنام يشمل قواعد الرسم؛ ّ‬
‫ألن ّ‬
‫ف ال مغري‪ ،‬ولذلك نجد‬‫معر ٌ‬
‫والعرف ِّ‬
‫ُ‬ ‫والرضور ُة ُم َغ ّريةٌ‪،‬‬
‫الرضورة والعرف‪َّ ،‬‬
‫الرسالة من النَّوع األَ ّول‪ ،‬وهو َّ‬
‫الرضورة‪ ،‬وال خيفى أن‬ ‫جزء ًا كبري ًا من مسائل ِّ‬
‫للرضورة هلا تع ُّل ٌق بالواقع فاعتربت عند املصنف من ال ُعرف‪.‬‬
‫َّ‬
‫ووضعت يف بدايتها َترمج ًة موجز ًة ِ‬
‫ملؤلفها رضوان اهلل عليه‪َ ،‬سعي ًا لنرش‬
‫مآثره ومناقبه و َأحواله‪ ،‬فهو خامت ُة ا ُملح ِّققني بال ُمنازع‪.‬‬
‫ألّنا منسوب ٌة له يف‬
‫شائع؛ ّ‬
‫ٌ‬ ‫مشهور‬
‫ٌ‬ ‫وثبوت الرسالة البن عابدين‬
‫مقدمتها‪ ،‬ويف «ر ِّد املحتار» و«رشح عقود رسم املفتي» ويف كتب َمن ترجم‬
‫َّ‬
‫كالشطي و«قرة عيون األخيار» وغريها‪.‬‬
‫واعتمدت يف طبعتها عىل نسخة رسائله املطبوعة املشهورة‪ ،‬حتى ييرس‬
‫اهلل تعاىل الوقوف عىل خمطوطة هلا فتقابل عليها‪.‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪9‬‬
‫وأسأل اهلل تعاىل أن ينفع بتعليقاهتا كام نفع َبأصلها‪ ،‬وأن يتق َّبلها وجيعلها‬
‫خالص ًة لوجهه الكريم‪ ،‬وصىل اهلل عىل سيدنا حممد وعىل آله وصبحه وسلم‪.‬‬
‫وكتبه‬
‫األستاذ الدكتور صالح أبو احلاج‬
‫عميد كلية الفقه احلنفي‬
‫جامعة العلوم اإلسالمية العاملية‬
‫بتاريخ ‪15‬ـ ‪ 9‬ـ ‪2020‬م‬
‫صويلح‪ ،‬عامن‪ ،‬األردن‬
‫‪ 10‬ــــــــــــــــــــــــــ التعليقات العرفية عىل نرش العرف يف بناء بعض األحكام عىل العرف‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪11‬‬

‫ترمجة موجزة‬
‫خلامتة املحققني ابن عابدين‬

‫املطلب األول‪ :‬اسمه ونسبه وشهرته وأرسته‪:‬‬


‫أوالً‪ :‬اسمه ونسبه‪:‬‬
‫حممد أمني بن عمر بن عبد العزيز بن أمحد بن عبد الرحيم بن نجم‬
‫الدين بن حممد صالح الدين الشهري عابدين بن نجم الدين بن حسني بن‬
‫رمحة اهلل بن أمحد الثاين مصطفى الشهايب بن أمحد الثالث بن حممود بن أمحد‬
‫الرابع بن عبد اهلل بن عز الدين عبد اهلل الثاين بن قاسم بن حسن بن إسامعيل‬
‫بن حسني النتيف الثالث بن أمحد اخلامس بن إسامعيل الثاين بن حممد بن‬
‫إسامعيل األعرج بن جعفر الصادق بن حممد الباقر بن زين العابدين بن‬
‫الرسول ‪ ،‬وعليها وعىل مجيع‬
‫حسني ابن البتول‪ ،‬هي الزهراء فاطمة بنت َّ‬
‫آله وصحبه آمني(‪.)1‬‬

‫)‪ (1‬هذا النسب أثبته ابنه عالء الدين يف قرة العيون‪ ،419 :7‬وذكر احلافظ أنه نسبه‪:‬‬
‫حممد أمني بن عمر بن عبد العزيز بن أمحد بن عبد الرحيم بن حممد صالح الدين بن‬
‫‪ 12‬ــــــــــــــــــــــــــ التعليقات العرفية عىل نرش العرف يف بناء بعض األحكام عىل العرف‬

‫املحبي صاحب ال َّتاريخ‬


‫ّ‬ ‫وكانت جدّ ته أ ّم والده من بنات الشيخ‬
‫املشهور‪.‬‬
‫الداودي املحدِّ ث‬ ‫ذر ّية احلافظ‬ ‫ِ‬
‫ّ‬ ‫وكانت أمه من ساللة طاهرة من ّ‬
‫الداودي صاحب التأليفات‬
‫ّ‬ ‫احلي‬
‫حممد بن عبد ّ‬ ‫ُ‬
‫الشيخ ّ‬ ‫عمها‬‫الشهري‪ ،‬وكان ُّ‬
‫الشهرية‪ :‬منها‪« :‬حاشية املنهج»‪ ،‬و«حاشية ابن عقيل»‪ ،‬وجمموع «الفوائد»‬
‫وغريها‪.‬‬
‫واشتهر َّ‬
‫أن نسبتَهم إىل حرضة سيدنا الع ّباس‪ ،‬إال أنَّه ليس بدرجة‬
‫نسب عليه شهادة العلامء والنُّقباء‪ ،‬كام جرت عادة‬
‫ٌ‬ ‫ال ُّثبوت‪ ،‬وليس عندهم‬
‫َأصحاب األنساب(‪.)1‬‬
‫ثاني ًا‪ :‬شهرته‪:‬‬
‫اشتهر بابن عابدين‪ :‬نسبة ألحد أجداده العامل الفاضل الويل الصالح‬
‫اجلامع بني الرشيعة واحلقيقة‪ ،‬إمام الفضل والطريقة‪ ،‬حممد صلح الدين‬
‫الشهري بـ«عابدين»(‪.)1‬‬

‫نجم الدين بن حممد صالح الدين بن نجم الدين بن حممد كامل بن تقي الدين املدرس‬
‫ابن مصطفى الشهايب بن حسني بن رمحة اهلل بن أمحد الفاين بن عيل بن أمحد بن حممود‬
‫بن أمحد بن عبد اهلل بن عز الدين بن عبد اهلل بن قاسم بن حسن بن إسامعيل بن حسني‬
‫النتيف بن أمحد بن إسامعيل بن حممد بن إسامعيل األعرج ابن اإلمام جعفر الصادق‬
‫ابن اإلمام حممد الباقر ابن اإلمام زين العابدين بن احلسني بن عيل ريض اهلل عنهم‪،‬‬
‫فليتثبت من ذلك‪.‬‬
‫)‪ (1‬ينظر‪ :‬قرة العيون ‪.422 :7‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪13‬‬
‫ثالث ًا‪ :‬أرسته‪:‬‬
‫‪.1‬والده‪:‬‬
‫حج ابنه سنة مخس‬‫كان شفوق ًا عليه وحيبه حم ّبة تا ّمة‪ ،‬حتى أنَّه ّملا ّ‬
‫وثالثني امتنع والده من دخول داره اجلوانية مدّ َة غيابه‪ ،‬ومل ينم عىل فراش‬
‫تلك املدّ ة‪ ،‬وهي أربع ُة أشهر‪ ،‬بل بقي نائ ًام يف داره الربانية‪.‬‬
‫ومن حكمته‪ :‬أنه ملا عرض شيخ ابنه عىل ابنه التزوج بابنته‪ ،‬منعه والده‬
‫ِ‬
‫وعقوقه إن َأغضبت‬ ‫غصب ِ‬
‫شيخك‬ ‫ِ‬ ‫من زواجها‪ ،‬وقال له‪ :‬أخاف عليك من‬
‫ابنتَه يوم ًا ما‪ ،‬وهذا ممَّا ال ختلو منه اجلبلة اإلنسانية غالب ًا(‪.)2‬‬
‫‪.2‬والدته‪:‬‬
‫ِ‬
‫اجلمعة إىل اجلمعة مئة‬ ‫تويف يف حياهتا‪ ،‬وكانت صاحل ًة صابر ًة تقرأ من‬
‫ِّ‬
‫صيل َّ‬
‫كل‬ ‫ألف مرة سورة اإلخالص‪ ،‬وهتب ثواهبا لولدها سيدي الوالد‪ ،‬و ُت ِّ‬
‫والصيام‪ ،‬عاشت‬‫ِّ‬ ‫ليلة مخس أوقات قضا ًء احتياط ًا‪ ،‬وكانت كثرية َّ‬
‫الصالة‬
‫بعده سنتني صابر ًة حمتسب ًة مل تفعل ما تفعله جهلة النِّساء عند فقد أوالده ّن‪،‬‬
‫الرضا بالقضاء والقدر‪ ،‬وتقول‪ :‬احلمد اهلل عىل مجيع‬ ‫ُ‬
‫حاهلا ِّ‬ ‫بل كان‬
‫األحوال(‪.)3‬‬

‫)‪ (1‬ينظر‪ :‬قرة العيون‪.419 :7‬‬


‫)‪ (2‬ينظر‪ :‬قرة العيون ‪.422 :7‬‬
‫)‪ (3‬ينظر‪ :‬قرة العيون ‪.419 :7‬‬
‫‪ 14‬ــــــــــــــــــــــــــ التعليقات العرفية عىل نرش العرف يف بناء بعض األحكام عىل العرف‬

‫املطلب الثاين‪ :‬طلبه للعلم وشيوخه‪:‬‬


‫أوالً‪ :‬والدته ونشأته وطلبه للعلم‪:‬‬
‫ولد يف سنة ثامن وتسعني بعد املئة واأللف (‪1198‬هـ)‪ ،‬يف دمشق‬
‫الشام‪ ،‬ونشأ يف حجر والده‪.‬‬
‫وحفظ القرآن العظيم عن ظهر قلب وهو صغري جد ًا‪ ،‬وجلس يف حمل‬
‫جتارة والده؛ ليألف التجارة‪ ،‬ويتع ّلم البيع والرشاء‪ ،‬فجلس ّ‬
‫مرة يقرأ القرآن‬
‫ألن هذا‬ ‫فمر ٌ‬
‫رجل ال يعرفه فسمعه وهو يقرأ‪ ،‬فزجره وأنكر قراءته؛ َّ‬ ‫العظيم َّ‬
‫املحل ّ‬
‫حمل التَّجارة والنَّاس ال يسمعون قراءتك‪ ،‬فريتكبون اإلثم بسببك‪،‬‬
‫وأنت أيض ًا آثم‪ ،‬وألن قراءتك ملحونة‪.‬‬
‫فقام من ساعته وسأل عن أقرأ أهل العرص يف زمنه‪ ،‬فد َّله واحدٌ عىل‬
‫شيخ القراء يف عرصه وهو الشيخ سعيد احلموي‪ ،‬فذهب حلجرته وطلب منه‬
‫ٍ‬
‫وقتئذ مل يبلغ احللم‪ ،‬فحفظ‬ ‫أن ُيع ّلمه أحكام القراءة بالتجويد‪ ،‬وكان‬
‫«امليدان ّية» و«اجلزر ّية» و«الشاطب ّية»‪ ،‬وقرأها عليه قراءة إتقان وإمعان حتى‬
‫وأوجهها‪.‬‬
‫ُ‬ ‫أتقن ف َّن القراءات بطرقها‬
‫الشافعي‪ ،‬وحفظ‬
‫ّ‬ ‫ثم اشتغل عليه بقراءة النحو والرصف وفقه اإلمام‬
‫ّ‬
‫والرصف والفقه وغري ذلك‪.‬‬
‫«متن الزبد»‪ ،‬وبعض املتون من النَّحو َّ‬
‫ثم حرض عىل شيخه عالّمة زمانه وفقيه عرصه وأوانه السيد حممد‬ ‫ّ‬
‫شاكر الساملي العمري ابن املقدّ م سعد‪ ،‬الشهري والده بـ(الع ّقاد احلنفي)‪،‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪15‬‬
‫بالتحول ملذهب سيدنا‬
‫ّ‬ ‫ثم ألزمه‬
‫وقرأ عليه علم املعقول واحلديث والتَّفسري‪ّ ،‬‬
‫أيب حنيفة النعامن‪ ،‬اإلمام األعظم عليه الرمحة الرضوان‪ ،‬وقرأ عليه كتب‬
‫الفقه وأصوله حتى برع وصار عالمة زمنه يف حياة شيخه املذكور(‪.)1‬‬
‫فقرأ عليه يف الفقه «امللتقى» و«الكنز» و«البحر» البن نجيم و«صدر‬
‫الرشيعة» و«الدراية» و«اهلداية» وبعض رشوحها وغري ذلك‪.‬‬
‫ثم رشع يف قراءة «الدر املختار» عىل شيخه املذكور‪ ،‬مع مجاعة‪ ،‬من‬
‫مجلتهم عالمة زمانه وفقيه عرصه وأوانه‪ :‬الشيخ سعيد احللبي‪ ،‬وبقي مالزم ًا‬
‫له إىل أن اخرتمته املنية‪ ،‬يف اليوم الرابع من حمرم احلرام سنة اثنتني وعرشين‬
‫ومئتني وألف (‪1222‬هـ)‪ ،‬ومل تتم قراءة «الدر» فأمتَّه مع بعض َمن حرض‬
‫معه من إخوانه عىل الشيخ سعيد احللبي املذكور‪ ،‬ضاعف اهلل تعاىل لنا وله‬
‫األجور‪ ،‬وقرأ عىل الشيخ سعيد غري ذلك من الفقه وغريه من الفنون‪ ،‬وحني‬
‫الدر» عليه استجازه فأجازه بخ ّطه وختمه(‪.)2‬‬
‫أتم « ّ‬
‫ّ‬
‫وأكمل عىل الشيخ احللبي قراءة الكتب التي مل تتم قراءة مع شيخ‬
‫العقاد كـ«البحر» و«اهلداية» ورشحها‪ ،‬و«اهلداية» ورشوحها‪ ،‬وحرض معه‬
‫إلمتام الكتب املذكورة بقية التالمذة والطلبة الذين كانوا يداومون عىل الشيخ‬
‫العقاد(‪.)3‬‬

‫)‪ (1‬يف قرة العيون‪.424 :7‬‬


‫)‪ (2‬ينظر‪ :‬حلية البرش‪ ،1231 :1‬وأعيان دمشق ص‪.253-252‬‬
‫)‪ (3‬ينظر‪ :‬قرة العيون‪.419 :7‬‬
‫‪ 16‬ــــــــــــــــــــــــــ التعليقات العرفية عىل نرش العرف يف بناء بعض األحكام عىل العرف‬

‫ثاني ًا‪ :‬شيوخه‪:‬‬


‫قال عالء الدين(‪« :)1‬أخذ عن مشايخ كثريين يطول ذكرهم هنا من‬
‫شاميني ومرصيني وحجازيني وعراقيني وروميني»‪ ،‬ومنهم‪:‬‬
‫‪.1‬حممد بن عبد الرمحن بن حممد الكزبري الدمشقي الشافعي‪ ،‬أبو‬
‫املكارم‪ ،‬شيخ شيوخ دمشق وأعلم علامئها‪ ،‬وصدر صدورها وأفضل‬
‫فضالئها‪ ،‬حمدث الديار الشامية(‪.)2‬‬
‫وكان شيخ ابن عابدين حممد شاكر كثري ًا ما يأخذه معه وحيرضه دروس‬
‫أشياخه‪ ،‬حتى أنَّه أخذه وأحرضه درس شيخه العالمة العامل الو ّيل الصالح‬
‫الكزبري‪ ،‬واستجازه له فأجازه وكتب له إجازة‬
‫ّ‬ ‫شيخ احلديث الشيخ حممد‬
‫عا ّمة عىل ظهر «ثبته»‪ ،‬مؤرخ ٌة يف افتتاح ليلة غرة سنة عرش ومئتني وألف‬
‫(‪1210‬هـ)‪.‬‬
‫وترمجه ابن عابدين يف «ثبته» ترمج ًة حسن ًة‪ ،‬فراجعها‪ ،‬ورثاه أيض ًا عند‬
‫األول سنة إحدى‬ ‫وفاته‪ ،‬ليل َة اجلمعة لتسع عرشة ليلة خلت من ّربيع َّ‬
‫ٍ‬
‫بقصيدة مؤرخ ًا وفاته فيها‪ ،‬ومط ُلعها‪:‬‬ ‫وعرشين ومئتني وألف (‪1221‬هـ)‪،‬‬
‫خطب عظيم بأهل الدين قد نزال ‪ ...‬فحسبنا اهلل يف ّ‬
‫كل األمور وال‬

‫)‪ (1‬ينظر‪ :‬قرة العيون‪.423 :7‬‬


‫)‪ (2‬ينظر‪ :‬أعيان دمشق ص‪.260‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪17‬‬
‫وبيت التاريخ‪:‬‬
‫(‪)2‬‬
‫إمام(‪ )1‬الكزبري نجم أفال ‪ ...‬قليل جل ُقه ما زال منسدال‬
‫‪.2‬أمحد بن عبيد اهلل بن عسكر بن أمحد الشهري بالعطار احلميص‬
‫األصل‪ ،‬الدمشقي املولد والسكن والوفاة الشافعي‪ ،‬إمام أئمة دمشق‪،‬‬
‫وأستاذ أساتذهتا‪ ،‬وحرب أحبارها‪ ،‬وجهبذ جهذابتها‪ ،‬الذي شاع ذكره يف‬
‫القرى واألمصار‪ ،‬واشتهر كالشمس يف رابعة النهار‪ ،‬حمدث العرص‬
‫وفقيهه(‪.)3‬‬
‫أحرض شيخه حممد شاكر درس العامل العالّمة‪ ،‬الشيخ الكبري املحدّ ث‪،‬‬
‫الشيخ أمحد العطار‪ ،‬واستجازه له فأجازه‪ ،‬وكتب له إجاز ًة عا ّمة عىل ِ‬
‫ظهر‬
‫«ثبتِه» بخ ِّطه مؤرخ ًة يف منتصف حمرم احلرام سنة ست عرشة ومئتني وألف‬
‫(‪1216‬هـ)‪.‬‬
‫وقد ترمجه ابن عابدين يف ثبتِ ِه «عقود الآليل» ترمج ًة حسن ًة فراجعها‪،‬‬
‫ورثاه عند وفاتِ ِه مع غروب َّ‬
‫الشمس َّنار اخلميس التَّاسع من ربيع ال َّثاين سنة‬
‫ثامن عرشة ومئتني وألف (‪1218‬هـ) بقصيدة مؤرخ ًا وفا ُته هبا‪ ،‬ومطلعها‪:‬‬

‫)‪ (1‬قوله‪ :‬إمامنا الكزبري‪ ...‬الخ‪ ،‬هكذا باألصل‪ ،‬والشطر األول ناقص ما يتم به‬
‫الوزن والتاريخ فليحرر اهـ‪ ،‬مصححه‪.‬‬
‫)‪ (2‬ينظر‪ :‬قرة العيون‪.423 :7‬‬
‫)‪ (3‬ينظر‪ :‬أعيان دمشق ص‪.45‬‬
‫‪ 18‬ــــــــــــــــــــــــــ التعليقات العرفية عىل نرش العرف يف بناء بعض األحكام عىل العرف‬

‫وليسكن العلم يف كتب ويف سطر‬


‫(‪)1‬‬
‫ليقدح اجلهل يف البلدان بالرشر‬
‫وقرأ ابن عابدين عىل الشيخ أمحد العطار «األربعني العجلونية» إىل‬
‫احلديث الثالثني ثم أمتها عىل الشيخ حممد شاكر سنة ‪1218‬هـ(‪.)2‬‬
‫‪.3‬الشيخ األمري الكبري املرصي‪.‬‬
‫أخذ ابن عابدين عنه وأجازه إجازة عا ّمة كتبها له بخ ِّطه َّ‬
‫الرشيف‬
‫ِِ‬
‫غرة رمضان املع ّظم ُ‬
‫قدره من‬ ‫وختمها بختمه املنيف‪ ،‬و َأرسلها له مؤرخ ًة يف ّ‬
‫شهور عام ثامنية وعرشين بعد األلف واملئتني من اهلجرة النبو ّية‬
‫(‪1228‬هـ)(‪.)3‬‬
‫‪ .4‬سعيد بن حسن بن أمحد الدمشقي احلنفي احللبي املولد والشهرة‪،‬‬
‫شيخ علامء احلنفية بدمشق وأحد صدورها األجالء‪ ،‬العامل العالمة واحلرب‬
‫الفهامة‪ ،‬فقيه زمانه وناسك أوانه‪ ،‬مفيد الطالبني ومريب املريدين‪ ،‬تتلمذ عليه‬
‫أبرز علامء عرصه‪ ،‬ومنهم خامتة املحققني حممد أمني ابن عابدين‪.‬‬
‫ال وعقد ًا‪ ،‬أمر ًا‬
‫وكان موقر ًا حمرتم ًا‪ ،‬وله الكلمة النافذة يف دمشق ح ً‬
‫ال مهيب ًا‪ ،‬وقور ًا عابد ًا زاهد ًا‪،‬‬
‫وّني ًا‪ ،‬تؤثر عنه آثار حسنة‪ ،‬وكان إمام ًا جلي ً‬
‫كر العصور مذكور‪ ،‬تويف سنة‬
‫مر الدخول منشور‪ ،‬وفضله عىل ّ‬
‫علمه عىل ّ‬
‫(‪1259‬هـ)(‪.)4‬‬

‫)‪ (1‬ينظر‪ :‬قرة العيون‪.423 :7‬‬


‫)‪ (2‬ينظر‪ :‬فقيه احلنفية ‪.105980/0www.alukah.net/culture/‬‬
‫)‪ (3‬ينظر‪ :‬قرة العيون‪.424 :7‬‬
‫(‪ )4‬ينظر‪ :‬تاريخ دمشق ص‪ 129‬ـ ‪.130‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪19‬‬
‫‪.5‬حممد شاكر بن عيل بن سعد بن عيل بن سامل العمري‪ ،‬الشهري والده‬
‫بالعقاد‪ ،‬احلنفي الدمشقي اخللويت‪ ،‬يتصل نسبه بسيدنا عمر بن اخلطاب ‪.‬‬
‫قال ابن عابدين‪« :‬اإلمام األوحد‪ ،‬الفاضل اهلامم األجمد‪ ،‬فريد العرص‬
‫ويتيمة الدهر‪ ،‬من انتهت إليه الرئاسة يف العلوم‪ ،‬وكان عديم النظري يف حسن‬
‫التقرير والتَّعبري‪ ،‬حتى يف تفهيم املبتدئ واملبادئ الدقيقة‪ ،‬واحلصل أنّه كان‬
‫باب الفتوح‪ ،‬والشيخ املريب النصوح‪ ،‬وشغله من الدُّ نيا التعلم والتعليم‪،‬‬
‫ال عىل َمواله فيام ُيرضيه‪ ،‬راضي ًا من‬
‫والتفهم والتفهيم‪ ،‬تارك ًا ملا ال يعنيه ُمقب ً‬
‫الدُّ نيا بالقليل معرض ًا عن األنام‪ ،‬متعفف ًا عام يف أيدهم من احلطام‪ ،‬عفيف‬
‫النفس‪ ،‬مل أعهد منه أنه تعاطى شيئا مما يفعله أمثاله‪ ،‬مما جيلب له نفع ًا دنيوي ًا‪،‬‬
‫مع أين الزمته سبع سنني كاملة مالزمة شديدة‪ ،‬وكانت تعرض عليه‬
‫الوظائف والتداريس وغريها فال يقبلها‪ ،‬وكان حيب زوايا اخلمول‪ ،‬ويتجنب‬
‫األمراء واالجتامع هبم‪ ،‬يأمر باملعروف‪ ،‬وينهى عن املنكر‪ ،‬ال خيشى يف اهلل‬
‫لومة الئم‪ ،‬وباجلملة فقد كان أفراد أهل العرص‪ ،‬وبركة أهل مرصه‪ ،‬وقد م َّن‬
‫عيل بخدمته يف املدة املذكورة‪ ،‬وقرأت عليه كتب ًا عديدة‪ ،‬وكان حي ُّبني ح ّب ًا‬
‫اهلل َّ‬
‫شديد ًا‪ ،‬و ُيكرمني إكرام ًا مزيد ًا‪ ،‬فجزاه اهلل عني خري اجلزاء»‪ 1157( ،‬ـ‬
‫‪1222‬هـ)(‪.)1‬‬

‫)‪ (1‬ينظر‪ :‬أعيان دمشق ص‪143‬ـ ‪.144‬‬


‫‪ 20‬ــــــــــــــــــــــــــ التعليقات العرفية عىل نرش العرف يف بناء بعض األحكام عىل العرف‬

‫واستجاز البن عابدين شيخه حممد شاكر من الشيخ نجيب القلعي يوم‬
‫عيد الفطر سنة ‪1220‬هـ فأجازه‪.‬‬
‫وأحرضه عند الشيخ حممد عبد الرسول اهلندي النقشبندي خليفة‬
‫الشيخ عبد اهلل الدهلوي واستجازه له فأجازه مع أخيه الشيخ عبد الغني‬
‫عابدين(‪.)1‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬مؤلفاته وأشعاره وتالمذته‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬مؤلفاته‪:‬‬
‫‪« .1‬نسامت األسحار عىل إفاضة األنوار رشح املنار» (‪.)2‬‬
‫‪« .2‬حاشية عىل رشح املنار» للعالئي‪ ،‬قال عالء الدين‪« :‬مل خيطر يل اسمها؛‬
‫ألّنا ُف ِقدت عند مفتي مرص الشيخ التميمي»(‪.)3‬‬
‫َّ‬
‫‪« .3‬العقود الآليل يف األسانيد العوايل»‪ ،‬وهو ثبت ألسانيد شيخه العقاد(‪.)4‬‬
‫تم يف‬
‫‪« .4‬رشح الكايف يف العروض والقوايف»‪ ،‬وكتب يف آخر هذا الرشح‪َّ :‬‬
‫سنة مخس عرشة ومائتني وألف (‪1215‬هـ)‪ ،‬وكان ِسنّه سبع عرشة‬
‫سنة(‪.)5‬‬

‫)‪ (1‬ينظر‪ :‬قرة العيون‪.423 :7‬‬


‫)‪ (2‬ينظر‪ :‬قرة العيون‪.419 :7‬‬
‫)‪ (3‬ينظر‪ :‬قرة العيون‪.419 :7‬‬
‫)‪ (4‬ينظر‪ :‬قرة العيون‪.419 :7‬‬
‫)‪ (5‬ينظر‪ :‬قرة العيون‪.419 :7‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪21‬‬
‫‪« .5‬رفع االشتباه عن عبارة األشباه»(‪.)1‬‬
‫لب األلباب رشح نبذة اإلعراب»(‪.)2‬‬
‫‪« .6‬فتح رب األرباب عىل ّ‬
‫‪« .7‬رد املحتار عىل الدر املختار»‪ ،‬قال َّ‬
‫الشطي(‪« :)3‬طبع كثري من مؤلفاته‪،‬‬
‫وعم نفعها‪ ،‬واشتهر فضلها‪ ،‬وكان أعظمها نفع ًا وأكثرها شهرة حاشيته‬
‫ّ‬
‫املعول يف فقه‬
‫الدر املختار»‪ ،‬يف مخس جملدات كبار‪ ،‬فقد أضحى ّ‬
‫عىل « ّ‬
‫احلنفية عليها‪ ،‬واملرجع يف ّ‬
‫حل املشكالت إليها‪ ...‬ولو مل يكن له من‬
‫املنوه هبا‪ ،‬التي سارت هبا الركبان‪ ،‬وتنافست فيها‬
‫الفضل سوى حاشيته ّ‬
‫الناس زمان ًا بعد زمان‪ ،‬لكفته فضيلة تذكر‪ ،‬ومزية تشكر‪ ،‬فاهلل ّ‬
‫يتغمده‬
‫برمحته‪ ،‬ويسكنه فسيح جنّته‪ ،‬وجيزيه عن املسلمني خري ًا كثري ًا»‪.‬‬
‫واشتهر هذا الكتاب باسم «حاشية ابن عابدين»‪ ، ،‬وعليها املعول يف‬
‫الفقه احلنفي يف الفتوى‪ ،‬ذكر الشيخ أبو اليرس عابدين يف «دائرة املعارف» أن‬
‫ابن عابدين بدأ بتأليف حاشيته هذه من آخرها (باب اإلجارة) حتى أمتها‪ ،‬ثم‬
‫عاد من أوهلا‪ ،‬فتويف يف أثناء ذلك‪ ،‬فبقيت خمرومة من أول ثلثها األخري‬
‫تقريب ًا‪ ،‬والذي أكمله ولده‪.‬‬
‫وقد أخربين والدي املرحوم الشيخ أبو اخلري عابدين عن سبب ذلك‬
‫حمر ٌر إىل‬
‫فقال‪ :‬إ ّنه يوجد كثري من كتب احلنفية الكبار كـ«فتح القدير» فهو َّ‬

‫)‪ (1‬ينظر‪ :‬قرة العيون‪.419 :7‬‬


‫)‪ (2‬ينظر‪ :‬قرة العيون‪.419 :7‬‬
‫)‪ (3‬يف أعيان دمشق ص‪.255- 254‬‬
‫‪ 22‬ــــــــــــــــــــــــــ التعليقات العرفية عىل نرش العرف يف بناء بعض األحكام عىل العرف‬

‫ثم إ ّنه يموت املؤلف أو أستاذ الدرس‪ ،‬فقال ابن عابدين‪ :‬إن مل‬
‫باب اإلجارة ّ‬
‫يساعد األجل يكون كتايب هذا إمتام ًا لنواقص غريه‪ ،‬وإن ساعد األجل أعود‬
‫إلكامهلا‪ ،‬فلام انتهى إىل آخرها عاد من أوهلا فتويف قبل الوصول ملا بدأ به‪.‬‬
‫قال الشيخ عبد الوهاب دبس وزيت نق ً‬
‫ال عن شيخه الشيخ عطا الكسم‬
‫عن الشيخ عبد الغني الغنيمي امليداين تلميذ ابن عابدين‪ّ :‬‬
‫إن سبب تأليفه هلا‬
‫أن الشيخ سعيد احللبي شيخ ابن عابدين بحث مع تالميذه بحوث ًا متعددة‬
‫ّ‬
‫مشكلة‪ ،‬فكان ابن عابدين يتفوق يف اإلجابة دوم ًا‪ ،‬وكان من أبرز املسائل‬
‫مسألة املتحرية يف باب املستحاضة‪ ،‬وأعجب الشيخ احللبي بتقريره للمسألة‪،‬‬
‫فأمره بوضع حاشيته عىل كتاب «الدر املختار» الذي كان الشيخ احللبي‬
‫يقرره‪.‬‬
‫شيخه يدعوه بني اآلونة واآلخرى ليطلع عىل‬ ‫وعندما بدأ بالتأليف كان ُ‬
‫الصربة‪ ،‬يقول هذه العبارة كيال يغرت ابن عابدين‬ ‫ّ‬ ‫عمله‪ ،‬ويقول له‪ :‬هات‬
‫رس رسور ًا عظي ًام‪ ،‬وال يفصح‬ ‫بنفسه وعلمه‪ ،‬ولكنه كان عندما يقرأ ما كتب ُي َ ُّ‬
‫عام يف نفسه ويقول‪ :‬اللهم افتح عليه و َيرس له(‪.)1‬‬
‫الدر ّية يف تنقيح الفتاوى احلامد ّية»‪ ،‬قال الشطي(‪« :)2‬فإنَّه‬ ‫ّ‬ ‫‪« .8‬العقود‬
‫كاحلاشية مطبوع مشهور‪ ،‬يرجع إليه ويعتمد عليه»‪.‬‬
‫الدر املختار»(‪.)3‬‬‫احللبي عىل ّ‬
‫ّ‬ ‫‪« .9‬رفع األنظار عام أورده‬

‫)‪ (1‬ينظر‪ :‬فقيه احلنفية ‪.105980/0www.alukah.net/culture/‬‬


‫)‪ (2‬يف أعيان دمشق ص‪.254‬‬
‫)‪ (3‬ينظر‪ :‬قرة العيون‪.420 :7‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪23‬‬
‫البيضاوي»‪ ،‬قال البيطار(‪« :)1‬التزم أن ال يذكر فيها شيئ ًا‬
‫ّ‬ ‫‪«.10‬حاشية عىل‬
‫املفرسون»‪.‬‬
‫ذكره ّ‬
‫املطول»(‪.)2‬‬
‫‪«.11‬حاشية عىل ّ‬
‫‪«.12‬حاشية عىل رشح امللتقى»‪ ،‬مل جترد من اهلوامش(‪.)3‬‬
‫‪«.13‬حاشية عىل النهر»‪ ،‬مل جترد من اهلوامش(‪.)4‬‬
‫‪«.14‬منحة اخلالق عىل البحر الرائق»(‪.)5‬‬
‫‪«.15‬العقود الآليل يف األسانيد العوايل»(‪.)6‬‬
‫‪«.16‬منهل الواردين من بحار الفيض عىل ذخر املتأهلني ملسائل احليض»‪،‬‬
‫ورشح رسالة الربكوي يف احليض والنفاس(‪.)7‬‬
‫املسامة بعقود رسم‬
‫‪«.17‬رشح منظومته رسم املفتي»‪ ،‬وهو رشح منظومته ّ‬
‫املفتي(‪.)8‬‬
‫‪«.18‬الرحيق املختوم رشح قالئد املنظوم يف الفرائض» (‪.)9‬‬

‫)‪ (1‬يف حلية البرش‪.1231 :1‬‬


‫)‪ (2‬ينظر‪ :‬قرة العيون‪.420 :7‬‬
‫)‪ (3‬ينظر‪ :‬قرة العيون‪.420 :7‬‬
‫)‪ (4‬ينظر‪ :‬قرة العيون‪.420 :7‬‬
‫)‪ (5‬ينظر‪ :‬قرة العيون‪.420 :7‬‬
‫)‪ (6‬ينظر‪ :‬قرة العيون‪.420 :7‬‬
‫)‪ (7‬ينظر‪ :‬قرة العيون‪.420 :7‬‬
‫)‪ (8‬ينظر‪ :‬وقرة عني االخيار‪ ،420 :7‬وأعيان دمشق ص‪.255‬‬
‫)‪ (9‬ينظر‪ :‬قرة العيون‪.420 :7‬‬
‫‪ 24‬ــــــــــــــــــــــــــ التعليقات العرفية عىل نرش العرف يف بناء بعض األحكام عىل العرف‬
‫‪ «.19‬تنبيه الوالة واحلكام يف حكم شاتم خري األنام أو أحد أصاحبه‬
‫الكرام» (‪.)1‬‬
‫‪«.20‬نرش ال َعرف يف بناء بعض األحكام عىل ال ُعرف»(‪.)2‬‬
‫‪«.21‬حترير النقول يف نفقة الفروع واألصول»(‪ ،)3‬وهي رسالة يف النفقات مل‬
‫يسبق هلا نظري اخرتع هلا ضابط ًا مانع ًا‪.‬‬
‫‪«.22‬الفوائد العجبية يف إعراب الكلامت الغربية»(‪.)4‬‬
‫‪«.23‬إجابة الغوث يف أحكام النقباء والنجباء واألبدال والغوث»(‪.)5‬‬
‫‪«.24‬العلم الظاهر يف نفع النسب الطاهر»(‪ ،)6‬وذيلها‪.‬‬
‫‪«.25‬تنبيه الغافل والوسنان يف أحكام هالل رمضان»(‪.)7‬‬
‫‪«.26‬اإلبانة عن أخذ األجرة عىل احلضانة»(‪.)8‬‬
‫‪«.27‬شفاء العليل وبل الغليل يف الوصية باخلتم والتهاليل»(‪.)9‬‬

‫)‪ (1‬ينظر‪ :‬وقرة عني االخيار‪ ،420 :7‬وحلية البرش‪.1231 :1‬‬


‫وقرة عني االخيار‪.420 :7‬‬
‫)‪ (2‬ينظر‪ :‬أعيان دمشق ص‪ّ ،255‬‬
‫)‪ (3‬ينظر‪ :‬وقرة عني االخيار‪ ،420 :7‬وأعيان دمشق ص‪.254‬‬
‫)‪ (4‬هكذا اسمها يف أعيان دمشق ص‪.254‬‬
‫)‪ (5‬ينظر‪ :‬وقرة عني االخيار‪ ،420 :7‬ويف أعيان دمشق ص‪ ،255‬اسمها‪« :‬إجابة‬
‫الغوث ببيان حال النقباء والنجباء واألبدال واألوتاد والغوث»‪.‬‬
‫)‪ (6‬هكذا اسمها يف أعيان دمشق ص‪.255‬‬
‫)‪ (7‬يف أعيان دمشق ص‪ ،254‬اسمها‪« :‬تنبيه الغافل والوسنان عىل أحكام هالل‬
‫رمضان»‪.‬‬
‫)‪ (8‬ينظر‪ :‬أعيان دمشق ص‪ ،254‬وقرة عني االخيار‪.420 :7‬‬
‫)‪ (9‬ينظر‪ :‬وقرة عني االخيار‪ ،420 :7‬ويف أعيان دمشق ص‪ ،254‬اسمها‪« :‬شفاء‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪25‬‬
‫‪«.28‬رفع االنتقاض ودفع االعرتاض يف قوهلم‪ :‬األيامن مبنية عىل األلفاظ ال‬
‫عىل األغراض»(‪.)1‬‬
‫‪«.29‬حترير العبارة فيمن هو أوىل باإلجارة»(‪.)2‬‬
‫‪«.30‬إعالم األعالم يف اإلقرار العا ّم»(‪.)3‬‬
‫‪«.31‬تنبيه الرقود عىل مسائل املفقود» (‪.)4‬‬
‫‪«.32‬سل احلسام اهلندي لنرصة موالنا خالد النقشبندي»(‪.)5‬‬
‫‪«.33‬غاية املطلب يف اشرتاط الواقف عود نصيب العقيم إىل درجته األقرب‬
‫فاألقرب» (‪.)6‬‬
‫‪«.34‬الفوائد املخصصة بأحكام كي احلمصة» (‪.)7‬‬
‫‪«.35‬حتبري التحرير يف إبطال القضاء بالفسخ يف الغبن الفاحش بال تغرير» (‪.)8‬‬

‫العليل يف حكم الوصية باخلتامت والتهاليل‪ ،‬وعليها تقاريظ من علامء عرصه»‪.‬‬


‫)‪ (1‬ينظر‪ :‬وقرة عني االخيار‪ ،420 :7‬ويف أعيان دمشق ص‪ ،254‬اسمها‪« :‬دفع‬
‫االعرتاض عىل قوهلم األيامن مبنية عىل األلفاظ ال عىل األغراض»‪.‬‬
‫)‪ (2‬ينظر‪ :‬وقرة عني االخيار‪ ،420 :7‬ويف أعيان دمشق ص‪ ،254‬اسمها‪ :‬حترير‬
‫العبارة فيمن هو أحق باإلجارة‪.‬‬
‫)‪ (3‬يف أعيان دمشق ص‪ ،254‬اسمها‪ :‬إعالم األعالم بأحكام اإلقرار العام‪.‬‬
‫)‪ (4‬يف أعيان دمشق ص‪ ،255‬وقرة عني االخيار‪.420 :7‬‬
‫)‪ (5‬ينظر‪ :‬أعيان دمشق ص‪ ،254‬وقرة عني االخيار‪.420 :7‬‬
‫)‪ (6‬ينظر‪ :‬أعيان دمشق ص‪ ،254‬وقرة عني االخيار‪.420 :7‬‬
‫)‪ (7‬ينظر‪ :‬أعيان دمشق ص‪ ،254‬وقرة عني االخيار‪.420 :7‬‬
‫)‪ (8‬ينظر‪ :‬أعيان دمشق ص‪ ،255‬وقرة عني االخيار‪.420 :7‬‬
‫‪ 26‬ــــــــــــــــــــــــــ التعليقات العرفية عىل نرش العرف يف بناء بعض األحكام عىل العرف‬
‫‪«.36‬تنبيه ذوي األفهام عىل بطالن احلكم بنقض الدعوى بعد اإلبراء‬
‫العام»(‪.)1‬‬
‫‪«.37‬تنبيه ذوي األفهام عىل أحكام التبليغ خلف اإلمام» (‪.)2‬‬
‫‪«.38‬رفع االشتباه عن عبارة األشباه»(‪.)3‬‬
‫‪ «.39‬العقود الدرية يف قول الواقف عىل الفريضة الرشعية»(‪.)4‬‬
‫أن وقف االثنني عىل أنفسهام وقف ال وقفان»(‪.)5‬‬ ‫‪«.40‬غاية البيان يف َّ‬
‫‪«.41‬الدرة املضية رشح األبحر الشعرية» (‪.)6‬‬
‫‪«.42‬رفع الرتدد يف عقد األصابع عند التشهد»(‪ )7‬وذيلها‪.‬‬
‫‪«.43‬األقوال الواضحة اجللية يف مسألة نقض القسمة ومسألة الدرجة‬
‫اجلعلية» (‪.)8‬‬
‫‪«.44‬إحتاف الذكي النبيه بجواب ما يقوله الفقيه»(‪.)9‬‬
‫‪«.45‬مناهل الرسور ملبتغي احلساب بالكسور» (‪.)10‬‬

‫)‪ (1‬ينظر‪ :‬أعيان دمشق ص‪ ، 255 - 254‬وقرة عني االخيار‪.420 :7‬‬


‫)‪ (2‬ينظر‪ :‬أعيان دمشق ص‪ ، 255 - 254‬وقرة عني االخيار‪.420 :7‬‬
‫)‪ (3‬ينظر‪ :‬أعيان دمشق ص‪ ،255‬وقرة عني االخيار‪.420 :7‬‬
‫)‪ (4‬ينظر‪ :‬أعيان دمشق ص‪ ،254‬وقرة عني االخيار‪.420 :7‬‬
‫)‪ (5‬ينظر‪ :‬أعيان دمشق ص‪ ،254‬وقرة عني االخيار‪.420 :7‬‬
‫)‪ (6‬ينظر‪ :‬أعيان دمشق ص‪ ،253‬وقرة عني االخيار‪.420 :7‬‬
‫)‪ (7‬ينظر‪ :‬أعيان دمشق ص‪ ،254‬وقرة عني االخيار‪.420 :7‬‬
‫)‪ (8‬ينظر‪ :‬أعيان دمشق ص‪ ،254‬وقرة عني االخيار‪.420 :7‬‬
‫)‪ (9‬ينظر‪ :‬أعيان دمشق ص‪ ،254‬وقرة عني االخيار‪.420 :7‬‬
‫)‪ (10‬يف أعيان دمشق ص‪.255‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪27‬‬
‫‪«.46‬حتفه املناسك يف أدعية املناسك» (‪.)1‬‬
‫‪«.47‬منّة اجلليل لبيان إسقاط ما عىل الذمة من كثري وقليل»(‪.)2‬‬
‫‪«.48‬أجوبة حمققة عن مسائل متفرقة»(‪ ،)3‬وهو جمموع أسئلة عويصة(‪.)4‬‬
‫‪«.49‬نظم الكنز»(‪.)5‬‬
‫الرشيف النبوي»(‪.)6‬‬
‫قصة املولد ّ‬
‫‪ّ «.50‬‬
‫قال عال ُء الدِّ ين(‪« :)7‬وأ ّما تعالي ُقه عىل هوامش الكتب وحواشيها‪،‬‬
‫الرائقة‬
‫وكتابته عىل أسئلة املستفتني‪ ،‬واألوراق التي َس َّودها باملباحث َّ‬
‫والرقائق الفائقة‪ ،‬فال َيكاد أن ُحتىص وال ُيمكن أن ُتستقىص»‪.‬‬
‫َّ‬
‫ً‬
‫رسالة‬ ‫سبع وعرشون‬
‫ٌ‬ ‫طي(‪ )8‬بعد أن ذكر رسائله‪« :‬فهذه‬ ‫وقال َّ‬
‫الش ُّ‬
‫مطبوع ًة منشورة مأخوذة بالقبول»‪.‬‬
‫وقال عالء الدين(‪ )9‬بعد ذكر مؤلفاته‪« :‬ومجل ُة رسائل يف األوقاف‪...‬وله‬

‫)‪ (1‬ينظر‪ :‬قرة العيون ‪.420 :7‬‬


‫)‪ (2‬ينظر‪ :‬قرة العيون ‪.420 :7‬‬
‫)‪ (3‬يف أعيان دمشق ص‪.255‬‬
‫)‪ (4‬ينظر‪ :‬قرة العيون ‪.420 :7‬‬
‫)‪ (5‬ينظر‪ :‬قرة العيون ‪.420 :7‬‬
‫)‪ (6‬ينظر‪ :‬قرة العيون ‪.420 :7‬‬
‫)‪ (7‬يف قرة العيون ‪.420 :7‬‬
‫)‪ (8‬يف أعيان دمشق ص‪.255‬‬
‫)‪ (9‬يف قرة عيون األخيار‪.420 :7‬‬
‫‪ 28‬ــــــــــــــــــــــــــ التعليقات العرفية عىل نرش العرف يف بناء بعض األحكام عىل العرف‬

‫رسائل عديدة ناهزت الثالثني يف مجلة فنون»(‪.)1‬‬


‫ثاني ًا‪ :‬أشعاره‪:‬‬
‫اشتهر رمحه تعاىل بح ِّبه للنَّظم وقدرته عليه‪ ،‬ومن ذلك املنظومة‬
‫املشهورة‪« :‬عقود رسم املفتي»‪ ،‬وله أشعار منها‪:‬‬
‫‪.1‬جمموع مجع فيه من نفائس الفوائد النثرية والشعرية‪ ،‬وعرائس‬
‫ويرس‬
‫ّ‬ ‫النكات وامللح األدبية‪ ،‬واأللغاز واملعميات‪ ،‬وما يروق النّاظر‪،‬‬
‫اخلاطر‪ ،‬ومنها‪ :‬قصيدة يف مدح النبي ‪ ‬قد أرسلها ضمن مكتوب للحرضة‬
‫الرشيفة النبوية صحبة ركب احلاج الرشيف سنة عرشين ومائتني وألف‬
‫(‪1220‬هـ)‪ ،‬لكي تقرأ أمام احلرضة الرشيفة املحمدية(‪ ،)2‬وهي‪:‬‬
‫فلقد صـدعت القلـب باألحلـان‬ ‫لبيـــك يـــا قمريـــة األغصـــان‬
‫لكــن بــال فقــد مــن اخلــالن‬ ‫لبيــك يــا مــن بالبكــا أشــبهتني‬
‫تعلــو ســفينته لــدى الطوفــان‬ ‫نــوحي فنــوحي يف بحــار م ـدامعي‬
‫بتـــذكر األحبـــاب يف نـــريان‬ ‫وترنمــي واحيــي فــؤاد معــذب‬
‫هيجــت منــي بالبكــا أشــجاين‬ ‫إن رمــت كــتامن اهلــوى متكلفــ ًا‬

‫)‪ (1‬يف حلية البرش ‪« :1230 :1‬وله من الرسائل يف حترير املسائل نيف وثالثون رسالة‬
‫معلومة يف ثبته فمن أرادها فلرياجعها»‪.‬‬
‫)‪ (2‬ينظر‪ :‬حلية البرش‪.1232 :1‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪29‬‬
‫‪.2‬مدح شيخه يف مقامات كمقامات احلريري(‪.)1‬‬
‫ثالث ًا‪ :‬تالميذه‪:‬‬
‫أكابر النّاس وأرشا ُفهم وأجالؤهم من‬
‫غالب َمن أخذ عنه وقرأ عليه ُ‬
‫املوايل والعلامء الكبار واملفتني واملدرسني وأصحاب التآليف واملشاهري‪،‬‬
‫وقصده النَّاس من األقطار الشاسعة للقراءة عليه واألخذ عنه‪ ،‬فممن قرأ‬
‫عليه وأخذ عنه‪:‬‬
‫الصويف‪ :‬السيد عبد الغني‪.‬‬
‫‪ .1‬شقيقه العالمة الفاضل الفقيه ُّ‬
‫‪ .2‬الشيخ أمحد أفندي أمني الفتوى بدمشق حاالً صاحب التآليف الشهرية‪.‬‬
‫عمه الشيخ صالح ابن السيد حسن عابدين‪.‬‬
‫‪ .3‬ابن ابن ّ‬
‫‪ .4‬صاحب الفضيلة والسامحة‪ ،‬العامل العالّمة‪ ،‬عمدة املوايل العظام‪ :‬جايب زاده‬
‫السيد حممد أفندي قايض املدينة املنورة سابق ًا‪.‬‬
‫ومن أصحاب بايه إسالمبول احلائز للنشيان العايل املجيدي من الرتبة‬
‫الثانية من ترشفت يف حرضته بايه إسالمبول‪ ،‬وافتخرت فيه عىل َمن ناهلا‬
‫أقرت به الفحول‪ ،‬وبكامل علومه وقدره مع فضله زاد‬
‫بفضائله وعلمه الذي ّ‬
‫وعز النشيان العايل املجيدي من الرتبة الثانية التي افتخرت فيها‬
‫فيه‪ ،‬رفعة ّ‬
‫أعاظم الرجال‪ ،‬وهي فيه فاقت وتبخرتت عىل أكابر أهل الكامل‪ ،‬فإنَّه أخذ‬
‫عنه سائر العلوم وبه انتفع‪.‬‬

‫)‪ (1‬ينظر‪ :‬قرة العيون ‪.420 :7‬‬


‫‪ 30‬ــــــــــــــــــــــــــ التعليقات العرفية عىل نرش العرف يف بناء بعض األحكام عىل العرف‬

‫الزاهد العابد‪ ،‬الورع التقي النَّقي‪ ،‬فقيه النفس‪ :‬الشيخ حييى‬


‫‪ .5‬العامل العالمة‪ّ ،‬‬
‫الصوفية يف زمنه‪ ،‬فإنَّه عنه أخذ‪ ،‬وبه انتفع‪ ،‬وعليه‬
‫الرسدست‪ ،‬أحد أفاضل ُّ‬
‫خترج‪.‬‬
‫ّ‬
‫يمي‬
‫الفهامة‪ ،‬فقيه العرص‪ :‬الشيخ عبد الغني الغن ّ‬
‫‪ .6‬العامل العالّمة‪ ،‬العمدة ّ‬
‫امليداين شارح «القدروي» و«عقيدة الطحاوي»‪ ،‬فإنَّه عنه أخذ وبه انتفع‬
‫ّ‬
‫خترج‪.‬‬
‫وعليه ّ‬
‫الفهامة‪ :‬الشيخ حسن البيطار‪ ،‬فإنَّه قرأ عليه «العقود‬
‫‪ .7‬العامل العالّمة‪ ،‬والعمدة ّ‬
‫السادة احلنفية‪.‬‬
‫خترج يف مذاهب َّ‬
‫الدر ّية»‪ ،‬وعليه ّ‬
‫ّ‬
‫‪ .8‬العامل العالّمة الشيخ حممد أفندي البيطار‪ ،‬فإنَّه عنه أخذ وبه انتفع‪ ،‬وعليه‬
‫خترج‪ ،‬وهو أمني فتوى دمشق الشام حاالً‪.‬‬‫ّ‬
‫حمّش «الدرر»‪ ،‬فإنَّه عنه أخذ وبه‬
‫‪ .9‬العامل العالّمة‪ :‬أمحد أفندي االسالمبو ّيل ّ‬
‫خترج‪.‬‬
‫انتفع وعليه ّ‬
‫ورئيس حساهبا‪ :‬السيد حسني‬
‫ُ‬ ‫فريض دمشق‬
‫ُّ‬ ‫‪ .10‬الشيخ الفاضل والعامل الكامل‬
‫خترج‪.‬‬
‫الرسامة‪ ،‬فإنَّه عن أخذ وبه انتفع وعليه ّ‬
‫الفهامة‪ ،‬صاحب التآليف املفيدة‪ ،‬والتَّصانيف‬
‫‪ .11‬العامل العالّمة‪ ،‬القدوة ّ‬
‫النَّفيسة يف املعقول واملنقول‪ :‬الشيخ يوسف بدر الدين املغريب‪ ،‬فإنَّه عنه أخذ‪،‬‬
‫خترج‪.‬‬
‫وبه انتفع‪ ،‬وعليه َّ‬
‫‪ .12‬العالمة الفاضل الشيخ عبد القادر اجلايب‪.‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪31‬‬
‫حممد اجلقيل‪.‬‬ ‫ُ‬
‫الشيخ ّ‬ ‫‪.13‬‬

‫‪ .14‬الشي ُخ َّ‬
‫حممد أفندي املنري أحد أصحاب بايه أزمري املجردة‪.‬‬
‫الدر املختار»‬
‫‪ .15‬العالمة الفاضل‪ :‬الشيخ عبد القادر اخلاليص‪ ،‬شارح « ّ‬
‫و«األلف ّية» البن مالك وغريمها‪.‬‬
‫املرادي‪ ،‬مفتي دمشق َّ‬
‫الشام‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫‪ .16‬عمدة املوايل الكرام‪ :‬عيل أفندي‬
‫‪ .17‬العامل العالمة‪ ،‬العمدة الفهامة‪ ،‬نخبة املوايل الفخام‪ :‬عبد احلليم مال قايض‬
‫الشام وقايض عسكر أنا طويل‪.‬‬
‫‪ .18‬الشيخ حسن بن خالد بك‪.‬‬
‫‪ .19‬الشيخ حممد تلو‪.‬‬
‫‪ .20‬الشيخ حميي الدين اليايف‪.‬‬
‫القراء يف زمنه‪.‬‬
‫املرصي‪ ،‬شيخ ّ‬
‫ّ‬ ‫املحالوي‬
‫ّ‬ ‫‪ .21‬الشيخ أمحد‬
‫املرصي‪.‬‬
‫ّ‬ ‫‪ .22‬الشيخ عبد الرمحن اجلمل‬
‫املرصي‪.‬‬
‫ّ‬ ‫‪ .23‬الشيخ أيوب‬
‫البغدادي أحد مشاهري علامء بغداد وأفاضلها‪.‬‬
‫ّ‬ ‫‪ .24‬الشيخ املال عبد الرزاق‬
‫‪ .25‬الشيخ مصلح قايض جنني‪.‬‬
‫‪ .26‬الشيخ أمحد البزري قايض صيدا‪.‬‬
‫‪ 32‬ــــــــــــــــــــــــــ التعليقات العرفية عىل نرش العرف يف بناء بعض األحكام عىل العرف‬

‫‪ .27‬الشيخ حممد أفندي‪.‬‬


‫‪ .28‬الشيخ حممد أفندي اآلتايس مفتي محص‪.‬‬
‫‪ .29‬الشيخ أمني فتواه‪.‬‬
‫األروادي‪.‬‬
‫ّ‬ ‫‪ .30‬الشيخ أمحد سليامن‬
‫فإّنم انتفعوا‬
‫وغريه ممن يطول ذكرهم وال ُحيىص عددهم من أفاضل وأعيان‪َّ ،‬‬
‫خترجوا(‪.)1‬‬
‫به وأخذوا عنه وعليه ّ‬
‫املطلب الرابع‪ :‬تصوفه وأحواله ونبوغه‪:‬‬
‫أوالً‪ُّ :‬‬
‫تصوفه‪:‬‬
‫ذوق يف ِّ‬
‫حل مشكالت القوم‪ ،‬وله هبم االعتقاد العظيم‪،‬‬ ‫وكان له ٌ‬
‫و ُيعاملهم باالحرتام والتَّكريم‪.‬‬

‫و َأ َخ َذ طريق َّ‬
‫السادة القادرية‪ ،‬عن شيخه املذكور ذي الفضل واملزية‪،‬‬
‫حتى أخرب عنه َمن يوثق بصالحه ودينه ممَّن صحبه يف سفره من تالمذته‪ِّ :‬إين‬
‫وجدت عليه شيئ ًا ُيشي ُنه يف دنياه وال يف دينه‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ما‬
‫والسامت‪ ،‬ما سمعته يف سفري معه يف طريق‬ ‫وكان حسن األخالق ِّ‬
‫ِ‬
‫وخدمه‪ ،‬أو أحد ًا من النَّاس‬ ‫ِ‬
‫رفقائه‬ ‫ٍ‬
‫بكلمة أغاظ هبا أحد ًا من‬ ‫احلج تك َّلم‬
‫ّ‬

‫)‪ (1‬ينظر‪ :‬قرة العيون ‪.425 :7‬‬


‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪33‬‬
‫أمجعني‪ ،‬اللهم إال رأى منكر ًا فيغريه من ساعته عىل مقتىض الرشيعة املطهرة‬
‫العادلة(‪.)1‬‬
‫ثاني ًا‪ :‬بيان أحواله‪:‬‬
‫‪ ‬وباجلملة فكان شغ ُله من الدُّ نيا التَّع ُّلم والتَّعليم‪ ،‬والتَّفهم والتَّفهيم‪ ،‬واإلقبال‬
‫مقس ًام زمنه عىل أنواع الطاعات‬
‫والسعي يف اكتساب رضاه‪ّ ،‬‬
‫َّ‬ ‫عىل مواله‪،‬‬
‫ٍ‬
‫وتأليف عىل‬ ‫ٍ‬
‫وإفتاء‬ ‫والعبادات واإلفادات‪ ،‬من صيام وقيام‪ ،‬وتدريس‬
‫الدوام‪.‬‬
‫ٍ‬
‫حارض‬ ‫كثري من‬
‫خلق ٌ‬‫‪ ‬وكانت ترد إليه األسئلة من غالب البالد‪ ،‬وانتفع به ٌ‬
‫ٍ‬
‫وباد‪.‬‬
‫‪ ‬وكان رمحه اهلل تعاىل جعل وقت التَّأليف والتَّحرير يف الليل‪ ،‬فال َينام منه إال‬
‫ما ّ‬
‫قل‪ ،‬وجعل النهار للدروس وإفادة التَّالمذة وإفاد َة املستفتني‪.‬‬
‫‪ ‬و ُيالحظ َأمر دنياه رشيكه من غري أن يتعاطى بنفسه‪.‬‬
‫ال مع تد ّبر معانيه‪ ،‬وكثري ًا ما يستغرق‬ ‫خيتم ّ‬
‫كل ليلة خت ًام كام ً‬ ‫‪ ‬وكان يف رمضان ّ‬
‫ليله بالبكاء والقراءة‪ ،‬وال يدع وقت ًا من األوقات إال وهو عىل طهارة‪ ،‬و ُيثابر‬
‫الوضوء‪.‬‬
‫‪ ‬وكان رمحه اهلل تعاىل حريص ًا عىل إفا ِ‬
‫دة النَّاس وجرب خواطرهم‪ ،‬مكرم ًا‬
‫للعلامء واألرشاف وطلبة العلم‪ ،‬ويواسيهم بامله‪.‬‬

‫)‪ (1‬ينظر‪ :‬قرة العيون ‪.420 :7‬‬


‫‪ 34‬ــــــــــــــــــــــــــ التعليقات العرفية عىل نرش العرف يف بناء بعض األحكام عىل العرف‬

‫‪ ‬وكان كثري التصدُّ ق عىل ذوي اهليئات من الفقراء الذين ال يسألون النَّاس‬
‫إحلاف ًا‪.‬‬
‫‪ ‬وكان غيور ًا عىل أهل العلم والرشف‪ ،‬نارص ًا هلم‪ ،‬دافع ًا عنهم ما استطاع‪.‬‬
‫‪ ‬وكان مهاب ًا مطاع ًا‪ ،‬نافذ الكلمة عند احلُكّام وأعيان النّاس‪ ،‬يأكل من مال‬
‫جتارته بمبارشة رشيكه مدّ ة حياته‪.‬‬
‫‪ ‬وكان رمحه اهلل تعاىل ورع ًا َد ّين ًا عفيف ًا‪ ،‬حتى أنَّه ُعرض عليه مخسون كيس ًا من‬
‫ّ‬
‫ألجل فتوى عىل قول مرجوح فر َّدها ومل يقبل‪ ،‬وقد امتنع عن رشاء‬ ‫الدَّ راهم‬
‫العقارات املوقوفة التي عليها كدك أو حماكرة أو قيمة أو باإلجارتني‪.‬‬
‫‪ ‬وكان وقف جدِّ ه ألم أبيه مرشوط ًا نظره لألرشد من ذر ّية الواقف‪ ،‬فامتنع من‬
‫توليتِه وس َّلمه ألخيه‪.‬‬
‫‪ ‬ومل يتفق له َقبول هدية من ذي حاجة أو مصلحة‪.‬‬
‫‪ ‬وكان رمحه اهلل تعاىل طويل القامة‪َ ،‬ش ْثن ـ أي غليظ ـ األعضاء واألنامل‪،‬‬
‫أبيض اللون‪ ،‬أسود َّ‬
‫الشعر‪ ،‬فيه قليل الشيب لو عدّ شي ُبه لعدّ ‪ ،‬مقرون‬
‫احلاجبني‪ ،‬ذا هيبة ووقار‪ ،‬وهيئة مستحسنة ونضار‪ ،‬مجيل الصورة‪ ،‬حسن‬
‫الرسيرة‪ ،‬يتألأل وجهه نور ًا‪ ،‬حسن البرش والصحبة‪َ ،‬من اجتمع به ال َيكاد‬
‫ينساه لطالوة كالمه‪ ،‬ولني جانبه ومتام تواضعه عىل الوجه املرشوع‪.‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪35‬‬
‫مشتمل عىل اآلداب وحس ُن‬ ‫ٌ‬ ‫وجملسه‬
‫ُ‬ ‫كثري الفوائد َملن صاحبه واملفاكهة‪،‬‬
‫ُ‬ ‫‪‬‬
‫املنطق واإلكرام للواردين عليه من أهلِ ِه وحم ّبيه وتالمذتِ ِه ومصاحبيه‪ُّ ،‬‬
‫كل َمن‬
‫ولده‪.‬‬‫أعز عنده من ِ‬ ‫جالسه يقول يف نفسه‪ :‬أنا ُّ‬
‫ِ‬
‫والغيبة والتك ُّلم بام ال يعني‪ ،‬ال ختلو أوقاته من‬ ‫ِ‬
‫الفحش‬ ‫ٌ‬
‫حمفوظ من‬ ‫جملسه‬ ‫‪‬‬
‫ُ‬
‫الكتابة واإلفادة واملراجعة للمسائل‪.‬‬
‫‪ ‬صادق اللهجة ذا فراسة إيامن ّية‪ ،‬وحكمة لقامن ّية‪ ،‬متني الدِّ ين‪ ،‬ال تأخذه يف اهلل‬
‫لومة الئم‪ ،‬صدّ اع ًا ِّ‬
‫باحلق ولو عند احلاكم اجلائر‪ ،‬هتا ُبه احلُكّام والقضاة وأهل‬
‫السياسة‪.‬‬
‫ِّ‬
‫ناموس عظيم‪ ،‬ال يتجارس‬
‫ٌ‬ ‫وللرشع هبا‬
‫َّ‬ ‫‪ ‬كانت دمشق يف زمنه أعدل البالد‪،‬‬
‫رشعي‪ ،‬وال يف غالب البالد‬ ‫حق بغري وجه‬ ‫أحدٌ عىل ظلم ٍ‬
‫أحد وال عىل إثبات ٍّ‬
‫ٍّ‬
‫القريبة منها‪ ،‬فإنَّه كان إذا ُحكم عىل أحد بغري وجه رشعي جاءه املحكوم‬
‫عليه بصورة حجة القايض‪ ،‬فيفتية ببطالنه ويراجع القايض فينفذ فتواه‪.‬‬
‫َّ‬
‫وقل أن تقع واقع ٌة مهم ٌة أو مشكل ٌة مدهلم ٌة يف سائر البالد أو بقي ُة املدن‬ ‫‪‬‬
‫اإلسالمية أو قراها إال و ُيستفتى فيها مع كثرة العلامء األكابر واملفتني يف ِّ‬
‫كل‬
‫مدينة‪.‬‬
‫‪ ‬وكانت أعراب البوادي إذا وصلت إليهم فتواه ال خيتلفون فيها مع جهلهم‬
‫بالرشيعة املطهرة‪.‬‬
‫‪ 36‬ــــــــــــــــــــــــــ التعليقات العرفية عىل نرش العرف يف بناء بعض األحكام عىل العرف‬

‫‪ ‬وكانت كلم ُته نافذ ٌة وشفاع ُته مقبول ٌة وكتاباته ميمونة‪ ،‬ما كتب ألحد شيئ ًا إال‬
‫وقوة يقينه‪ ،‬وشدّ ة دينه‪ ،‬وصالبتة‬ ‫ِ‬
‫وانتفع به؛ لصدق ن ّيته وحسن رسيرته‪ّ ،‬‬
‫فيه‪.‬‬
‫ِ‬
‫والكتابة عليها‪ ،‬فال يدع شيئ ًا من‬ ‫ِ‬
‫بتصحيح الكتب‬ ‫‪ ‬وكان رمحه اهلل تعاىل مغرم ًا‬
‫ٍ‬
‫فائدة إال ويكت ُبه عىل اهلامش‪،‬‬ ‫تتمة‬ ‫ٍ‬ ‫اعرتاض أو ٍ‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫جواب أو ّ‬ ‫تنبيه أو‬ ‫قيد أو‬
‫ويكتب املطالب أيض ًا‪.‬‬
‫‪ ‬وكانت عنده كتب من ِ‬
‫سائر العلوم مل جيمع عىل منواهلا‪.‬‬
‫بخط يده‪ ،‬ومل يدع كتاب ًا منها إال وعليه كتابته‪.‬‬
‫‪ ‬وكان كثري منها ِّ‬

‫بب يف مجعه هلذه الكتب العديمة النَّظري والده‪ ،‬فإنَّه كان يشرتي له‬
‫الس ُ‬
‫‪ ‬وكان َّ‬
‫َّ‬
‫كل كتاب أراده ويقول له‪ :‬اشرت ما بدا لك من الكتب وأنا أدفع لك الثمن‪،‬‬
‫فإنَّك أحييت ما أمته أنا من سرية سلفي‪ ،‬فجزاك اهلل تعاىل خري ًا يا ولدي‪،‬‬
‫وأعطاه كتب أسالفه املوجودة عنده من أثرهم املوقوفة عىل ذرارهيم‪،‬‬
‫وعندي بعض منها‪ ،‬وهلل تعاىل احلمد‪.‬‬
‫يمر عىل موضع منها فيه‬ ‫ِ‬
‫إصالح الكتب‪ ،‬ال ّ‬ ‫‪ ‬وكان رمحه اهلل تعاىل حريص ًا عىل‬
‫ٌ‬
‫غلط إال أصلحه‪ ،‬وكتب عليه ما ُيناسبه‪.‬‬
‫اخلط حسن القشط‪َّ ،‬‬
‫قل أن ُيرى َمن يكتب مثله عىل الفتاوى‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫‪ ‬وكان حسن‬
‫ّ‬
‫اخلط‪ ،‬وتناسق األسطر وتناسبها‪،‬‬ ‫وعىل هوامش الكتب يف اجلودة وحسن‬
‫وال يكتب عىل سؤال رفع إليه إال أن يغريه غالب ًا‪.‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪37‬‬
‫بحاث ًا ما باحثه أحد إال‬
‫‪ ‬وكان رمحه اهلل تعاىل فقيه النَّفس‪ ،‬انفرد به يف زمنه‪ّ ،‬‬
‫وظهر عليه‪ ،‬وقد حكى تلميذه صاحب الفضلية العالمة حممد أفندي جايب‬
‫زاده‪ ،‬قايض املدينة املنورة‪َّ :‬‬
‫إن شيخ اإلسالم عارف عصمت بك ـ مفتي‬
‫كنت أؤمل أن تطلب يل اإلجازة‬
‫السلطنه بدار اخلالفة العلية ـ‪ ،‬قال له‪ّ :‬إين ُ‬
‫ربك‪.‬‬
‫من شيخك للت ّ‬
‫وكان تلميذه العالمة الشيخ حممد أفندي احللواين ـ مفتي بريوت ـ‬
‫يقول يل‪ :‬ما سمعت مثل تقرير سيدي والدك يف درسه‪ ،‬حتى ّإين كثري ًا ما‬
‫والرشوح والكتابات‬ ‫أجتهد يف مطالعة الدرس‪ ،‬و ُأطالع عليه سائر احلوايش ُّ‬
‫عىل الدَّ رس‪ ،‬و َأظ ُّن من نفيس ّأين فهمت سائر اإلشكاالت وأجوبتها‪ ،‬وحني‬
‫يقرر شيخنا الدرس ويتك َّلم عىل مجيع ما طالعته مع التَّوضيح‬
‫أحرض الدرس ِّ‬
‫فكر ٍ‬
‫أحد‬ ‫والتَّفهيم‪ ،‬ويزيدنا فوائد ما سمعنا هبا وال رأيناها‪ ،‬ومل خيطر عىل ِ‬
‫ذكرها‪.‬‬
‫بار ًا بوالديه‪.‬‬
‫‪ ‬وكان رمحه اهلل تعاىل ّ‬
‫ومات والده يف حياته سنة سبع وثالثني بعد املئتني واأللف‬
‫تيرس من القرآن العظيم‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫(‪1237‬هـ)‪ ،‬وصار يقرأ ّ‬
‫كل ليلة عند النوم ما ّ‬
‫وهيديه ثوابه مع ما تقبل له من األعامل‪ ،‬حتى رأى والده يف النوم بعد شهر‬
‫من وفاته‪ ،‬وقال له‪ :‬جزاك اهلل تعاىل خري ًا يا والدي عىل هذه اخلريات التي‬
‫هتدهيا إيل يف ّ‬
‫كل ليلة‪.‬‬
‫‪ 38‬ــــــــــــــــــــــــــ التعليقات العرفية عىل نرش العرف يف بناء بعض األحكام عىل العرف‬

‫حجتِه‬ ‫‪ ‬وكان ورع ًا يف س ِ‬


‫ائر أحواله‪ ،‬وعىل اخلصوص يف حال إحرامه يف ّ‬
‫التحري‪ ،‬مع ق ّلة تناول ال َّطعام إال بقدر‬
‫ّ‬ ‫حترى للطعام غاية‬
‫املذكورة‪ ،‬فإنَّه َّ‬
‫الرضورة‪.‬‬
‫ِ‬
‫باخلصوص شقيقه‬ ‫والصلة ألرحامه‪ ،‬يواسيهم بأفعاله وماله‪،‬‬
‫رب َّ‬‫‪ ‬وكان كثري ال ّ‬
‫التقي الصالح السيد عبد الغني‪ ،‬وكان يعتنى‬
‫ّ‬ ‫الصويف‬
‫العالمة الفاضل الفقيه ُّ‬
‫ويتفرس اخلري بأكرب أوالده‪ ،‬وهو العامل العالّمة العمدة الفهامة الشيخ السيد‬
‫ّ‬
‫أمحد أفندي‪ ،‬أمني الفتوى بدمشق حاالً‪ ،‬وهيتم برتبيته‪ ،‬ويقول ـ أي ابن‬
‫عابدين ـ لوالده‪ :‬دع يل من ولدك السيد أمحد وأنا ُأربيه وأعلمه‪ ،‬فع َّلمه‬
‫القرآن العظيم‪ ،‬وأقرأه مسلسالت العالمة ابن عقيلة‪ ،‬وأجازه إجاز ًة عام ًة‬
‫حتى صار من أفاضل عرصه‪ ،‬وله تأليفات عديدة‪ ،‬منها‪« :‬رشح مولد ابن‬
‫حجر» رشحه رشح ًا مل يسبق عىل منوال‪ ،‬و«رشح علم احلال» الذي ألف‬
‫صاحب السامحة والفضيلة جندي زاده أمني أفندي العبايس‪ ،‬رئيس ديوان‬
‫متييز والية سوريا‪.‬‬
‫ونشأ له ولدان نجيبان فاضالن‪:‬‬
‫أحدمها‪ :‬السيد حممد أبو اخلري(‪ ،)1‬مسود الفتوى بدمشق‪ ،‬وخطيب‬
‫جامع برسبايب الشهري بجامع الورد ومدرسه‪.‬‬

‫)‪ (1‬يف أعيان دمشق ‪َّ « :252‬‬


‫إن الرتمجة أخذت من ترمجة حفيد أخيه العامل الفاضل‬
‫الشيخ أبو اخلري أفندي‪ ،‬الذي وضعها يف آخر الثبت الذي كتبه ابن عابدين لشيخه‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪39‬‬
‫السيد راغب إمام اجلامع املذكور‪.‬‬
‫وثانيهام‪َّ :‬‬
‫‪ ‬وكان رمحه اهلل تعاىل له خريات عا ّمة‪ :‬منها تعمري املساجد‪ ،‬وافتقاد األرامل‬
‫والفقراء‪.‬‬
‫‪ ‬وكانت تسعى إليه الوزراء واألمراء واملوايل والعلامء واملشايخ والكرباء‬
‫وعم نف ُعه‪ ،‬و َك ُثر أخذ الناس عنه(‪.)1‬‬
‫والفقراء وذا احلاجات‪ ،‬وعظمت برك ُته َّ‬
‫ثالث ًا‪ :‬بروز عالمات نبوغه‪:‬‬
‫عم من أهل الصالح‪ ،‬ومظنّة الوالية‪ ،‬ومن ِ‬
‫أهل‬ ‫ـ كان البن عابدين ٌّ‬
‫برش أ َّمه به قبل‬
‫مسمى‪ ،‬حتى أنَّه َّ‬
‫َّ‬ ‫اسمه الشيخ صالح اسم عىل‬
‫الكشف‪ُ ،‬‬
‫بطن أ ِّمه‪ ،‬ويضعه يف حال‬ ‫سامه حممد أمني حني كان يف ِ‬
‫والدته‪ ،‬وهو الذي َّ‬
‫صغره يف حجره‪ ،‬ويقول له‪ :‬أعطيتك عطية األسياد يف رأسك(‪.)2‬‬
‫مرة مع شيخه السيد حممد شاكر لزيارة بعض علامء اهلند‬‫ـ ذهب ّ‬
‫النبي ّملا ورد دمشق‪ّ ،‬‬
‫فلام دخال عليه جلس‬ ‫ّ‬ ‫وصلحائها‪ ،‬الشيخ حممد عبد‬
‫الشيخ حممد شاكر وبقي ابن عابدين واقف ًا يف العتبة بني يدي شيخه‪ ،‬حام ً‬
‫ال‬
‫النبي لشيخ حممد‬
‫نعله بيده كام هو عادته مع شيخه‪ ،‬فقال الشيخ حممد عبد ّ‬

‫السيد شاكر العقاد‪ ،‬املطبوع يف دمشق سنة ‪1302‬ه‪ ،‬وفيه ص‪ :255‬طبع الرسائل أبو‬
‫املرتجم من اآلثار املفيدة»‪.‬‬
‫َ‬ ‫لعمه‬ ‫اخلري أفندي‪ ،‬الذي مل ُ‬
‫يأل جهد ًا يف نرش ما ِّ‬
‫)‪ (1‬ينظر‪ :‬قرة العيون‪.224 :7‬‬
‫)‪ (2‬ينظر‪ :‬قرة العيون‪.224 :7‬‬
‫‪ 40‬ــــــــــــــــــــــــــ التعليقات العرفية عىل نرش العرف يف بناء بعض األحكام عىل العرف‬

‫فإين ال أجلس حتى جيلس‪ ،‬فإنَّه ستقبل‬


‫شاكر ُم ْر هذا الغالم السيد فليجلس‪ّ ،‬‬
‫يده وينتفع بفضله يف سائر البالد‪ ،‬وعليه نور آل بيت النبوة‪ ،‬فقال له الشيخ‬
‫حممد شاكر‪ :‬اجلس يا ولدي(‪.)1‬‬
‫الصويف‬
‫ـ ووقع له مع شيخه حممد شاكر إشار ٌة نظري هذه من اإلمام ُّ‬
‫الشهري والو ُّيل الكبري الشيخ طه الكردي ـ قدّ س رسه ـ‪ ،‬ومن ذاك الوقت زاد‬
‫اعتنا ُء الشيخ به‪ ،‬والتفا ُته إليه بالتَّعليم(‪.)2‬‬
‫املطلب اخلامس‪ :‬ثناء العلامء عليه ووفاته‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬ثناء العلامء عليه‪:‬‬
‫قال عالء الدين ابن عابدين(‪« :)3‬عالّم ُة زمانه عىل اإلطالق‪َ ،‬من انتهت‬
‫إليه الرئاسة باستحقاق‪ ،‬اإلمام املتقن‪ ،‬والعالمة املتفنن‪ ،‬العالمة الثاين‪َ ،‬من ال‬
‫يوجد له ثاين‪ ،‬احلسيب النَّسيب‪ ،‬الفاضل األديب‪ ،‬اجلامع بني رشقي العلم‬
‫الرشيعة واحلقيقة‪،‬‬
‫والنَّسب‪ ،‬واملستمسك بمواله بأقوى سبب‪ ،‬واجلامع بني َّ‬
‫والتصوف والطريقة‪ ،‬أعلم العلامء العاملني‪ ،‬أفضل‬
‫ّ‬ ‫وعلوم املعقول واملنقول‪،‬‬
‫اخلاص والعا ّم»‪.‬‬
‫ّ‬ ‫الفضالء الفاضلني‪ ،‬سيدي وعمديت عالمة األنام‪ ،‬مرجع‬

‫)‪ (1‬ينظر‪ :‬قرة العيون‪.223 :7‬‬


‫)‪ (2‬ينظر‪ :‬قرة العيون‪.223 :7‬‬
‫)‪ (3‬يف قرة عني األخيار‪.419 :7‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪41‬‬
‫وقال البيطار(‪« :)1‬الشيخ اإلمام العامل العالمة‪ ،‬واجلهبذ الفهامة‪ ،‬قطب‬
‫الديار الدمشقية‪ ،‬وعمدة البالد الشامية واملرصية‪ ،‬املفرس املحدث الفقيه‬
‫النحوي اللغوي البياين العرويض الذكي النبيه‪ ،‬الدمشقي األصل واملولد‪،‬‬
‫احلسيب النسيب الرشيف الذات واملحتد‪ ،‬ابن السيد عمر الشهري بـ(ابن‬
‫عابدين) احلسيني‪ ،‬إمام احلنفية يف عرصه‪ ،‬واملرجع عند اختالف اآلراء يف‬
‫مرصه‪ ،‬صاحب التآليف العديدة والتصانيف املفيدة‪ ...‬وفضائله ال تنكر‬
‫وشامئله ال حتىص وال حترص‪ ،‬وعباداته وورعه وإقباله عىل اهلل يقيض له‬
‫بالسعادة والفوز عند مواله»‪.‬‬
‫وقال الشطي(‪« :)2‬الشيخ اإلمام العامل العالمة‪ ،‬املحقق املد ّقق‪ ،‬الفقيه‬
‫النحوي الفريض احليسويب‪ ،‬األديب الشاعر املتفنّن‪ ،‬حالّل املشكالت‪،‬‬
‫ّ‬
‫وكشاف املعضالت‪ ،‬فقيه البالد الشامية‪ ،‬وبدر العصابة احلسينية»‪.‬‬
‫وقال أيض ًا(‪« :)3‬ومجلة القول يف صاحب الرتمجة‪ :‬أنَّه عالمة فقيه فهامة‬
‫نبيه‪ ،‬عذب التقرير‪ ،‬متفنن يف التحرير‪ ،‬مل ينسج عرصه عىل منواله‪.»...‬‬

‫)‪ (1‬يف حلية البرش‪.1230 :1‬‬


‫)‪ (2‬يف أعيان دمشق ص‪.252‬‬
‫)‪ (3‬ص‪.255‬‬
‫‪ 42‬ــــــــــــــــــــــــــ التعليقات العرفية عىل نرش العرف يف بناء بعض األحكام عىل العرف‬

‫ثاني ًا‪ :‬وفاته‪:‬‬


‫كان ابن عابدين حتى آخر عمره مواظب ًا عىل حضور الدروس عند‬
‫الشيخ سعيد الذي كان شديد النظام يف الدرس‪ ،‬قال الشيخ عبد الوهاب‪:‬‬
‫وكان من عادة الشيخ سعيد أ ّنه إذا حل موعد الدرس أغلق باب غرفته ومل‬
‫يسمح بدخول أحد‪ ،‬ويف درس األحد ‪ 18‬ربيع الثاين تأخر ابن عابدين عىل‬
‫أستاذه‪.‬‬
‫ومل يأمر الشيخ بإغالق الباب‪ ،‬وعند وصول ابن عابدين بعد ربع‬
‫ساعة قام إليه شيخه وجعل َيبكي وهو ُيعانقه‪ ...‬وكأنه ُيودعه وحينام رجع‬
‫ابن عابدين إىل بيته سقط حمموم ًا(‪.)1‬‬
‫مات رمحه اهلل تعاىل ضحوة يوم األربعاء احلادي والعرشين من ربيع‬
‫الثاين سنة (‪1252‬هـ)‪ ،‬وكانت مدّ ة حياته قريب ًا من أربع ومخسني سنة‪.‬‬
‫الصغري يف الرتبة الفوقانية‪ ،‬ال زالت سحائب‬ ‫ِ‬
‫و ُدفن بمقربة يف باب َّ‬
‫الرمحة ّ‬
‫تبل ثراه يف البكرة والعشية‪ ،‬وكان قبل موته بعرشين يوم ًا قد اختذ‬ ‫َّ‬
‫لنفسه القرب الذي دفن فيه‪ ،‬وكان فيه بوصية منه ملجاورته لقرب العالمتني‪:‬‬
‫اجلينيني إمام احلديث‬
‫ّ‬ ‫العالئي شارح «التنوير»‪ ،‬والشيخ صالح‬ ‫ّ‬ ‫الشيخ‬
‫ومدرسه حتت قبه النِّرس‪ ،‬وهذا ممَّا يدل عىل ح ِّبه للشارح العالئي‪ ،‬ال سيام‬
‫ِّ‬
‫وسمى‬ ‫وقد ّ‬
‫حشى له رشحيه عىل «الدر» و«امللتقى»‪ ،‬ورشحه عىل «املنار»‪ّ ،‬‬

‫)‪ (1‬ينظر‪ :‬فقيه احلنفية ‪.105980/0www.alukah.net/culture/‬‬


‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪43‬‬
‫الدر املختار» يف ليلة الثالثاء لثالثة‬
‫وأرخ والدته عىل ظهر كتابه « ّ‬
‫ابنه باسمه ّ‬
‫مضني من شهر ربيع الثاين (‪1244‬هـ) رمحه اهلل تعاىل العزيز الغفار‪ ،‬وقد‬
‫مدحه بقصيدة‪ ،‬وهي قوله‪:‬‬
‫جــزاك اهلل خــري ًا عــىل الــدوام‬ ‫عــالء الــدين يــا مفتــي األنــام‬
‫مبينــــ ًا للحــــالل وللحــــرام‬ ‫لقـــد أبـــرزت للفتيـــا كتابـــ ًا‬
‫كالصــب طــام‬
‫ِّ‬ ‫وعلــ ًام وافــر ًا‬
‫ال ال يضـاهى‬ ‫لقد أعطيت فضـ ً‬
‫كمثــل البــدر يف وفــن الــتامم‬ ‫فكنــت بــه فريــد العرص ـ حــت ًام‬
‫وطيبـــ ًا ذا حبـــور وابتســـام‬ ‫وكان بك الزمان خصيب عيش‬
‫لفقـــه أيب حنفـــة ذو انتظـــام‬ ‫وفــاق بــدرك املختــار عقــد‬
‫ومطروح ـ ًا عــىل طــرف الــثامم‬ ‫بألفــاظ تــرين الصــعب ســه ً‬
‫ال‬
‫عــىل قــول إذا قالــت حــذام‬ ‫إذا مــا قلــت قــوالً قيــل فيــه‬
‫تــنقح يف ربــى الكتــب العظــام‬ ‫صغري احلجم حاوي اجلـل ممّـا‬
‫تقل ذا لست ختشـى مـن مـالم‬ ‫فكل الصيد يف جوف الفـرا إن‬
‫ومــا تــأيت كــذا كــل األســامي‬ ‫حوى اس ًام قد أتى طبق املسمى‬
‫أن جنازتَه ُرفِعت عىل‬‫وكانت له جناز ٌة حافل ٌة ما عهد نظريها‪ ،‬حتى َّ‬
‫رؤوس األصابع من تزاحم اخللق‪ ،‬وخوف ًا من وقوعها وإرضار النّاس‬
‫يفرقون النَّاس عنها‪ ،‬وصار‬‫بعضهم بعض ًا‪ ،‬حتى صار حاكم البلدة وعساكره ِّ‬ ‫ُ‬
‫َّ‬
‫وصيل عليه يف جامع‬ ‫النَّاس عموم ًا َيبكون نسا ًء ورجاالً‪ ،‬كبار ًا وصغار ًا‪،‬‬
‫وغص هبم املسجد حتى ص ّلوا يف الطريق‪.‬‬
‫ّ‬ ‫سنان باشا‪،‬‬
‫‪ 44‬ــــــــــــــــــــــــــ التعليقات العرفية عىل نرش العرف يف بناء بعض األحكام عىل العرف‬
‫وصىل عليه إمام ًا بالناس الشيخ سعيد احللبي‪ُ ،‬‬
‫وص َّيل عليه غائبة يف‬ ‫ّ‬
‫أكثر البالد‪ ،‬ومل يرتك أوالد ًا ذكور ًا غري هذا احلقري‪ ،‬العاجز الفقري‪ ،‬امللتجئ‬
‫إىل عناية مواله القدير‪ ،‬جامع هذه التَّكملة‪ ،‬جعلها اهلل تعاىل خالصة لوجهه‬
‫الكريم‪ ،‬ورحم اهلل تعاىل روحه‪ ،‬ونور مرقده ورضحيه‪ ،‬وجزاه اهلل تعاىل عني‬
‫وعن املسلمني خري ًا‪ ،‬نفعني به وبعباده الصاحلني يف الدنيا واآلخرة(‪.)1‬‬

‫‪‬‬

‫)‪ (1‬ينظر‪ :‬ينظر‪ :‬قرة العيون‪.425 :7‬‬


‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪45‬‬
‫‪ 46‬ــــــــــــــــــــــــــ التعليقات العرفية عىل نرش العرف يف بناء بعض األحكام عىل العرف‬

‫ﱁﱂﱃﱄ‬
‫عمنا باإلنعام واللطف‪ ،‬و َأمرنا بالتيسري ال بالتشديد‬ ‫احلمد هلل الذي ّ‬
‫رش ِع األحكام(‪ ،)1‬ا ُمل َّنزل عليه‪{ :‬خ ِذ ا ْلع ْفو‬
‫والسالم عىل ُم َ ِّ‬
‫والصالة َّ‬
‫َّ‬ ‫والعنف‪،‬‬

‫املبني لترشيع األحكام؛ إذ ال حق يف الترشيع إال هلل وحده‪ ,‬كام يف قوله ‪{ :‬إِ ِن‬ ‫(‪ )1‬أي ّ‬
‫اص ِل َ‬ ‫احل َّق و ُهو َخري ا ْل َف ِ‬
‫ني}[األنعام‪ ،]57:‬فليس ألحد ـ كائن ًا من‬ ‫ص َْ َ َ ْ ُ‬ ‫احلُك ُْم إِ َّال هللَِّ َي ُق ُّ‬ ‫ْ‬
‫ألن هذا افرتاء عىل‬ ‫كان ـ أن يرشع حك ًام‪ ،‬سواء ما يتّصل بحقوق اهلل أو حقوق العباد؛ ّ‬
‫الل‬‫ف َأ ْل ِسنَ ُت ُك ُم ا ْلك َِذ َب َه َذا َح ٌ‬ ‫اهلل‪ ،‬وسلب ملا اختص به نفسه‪َ { :‬وال َت ُقو ُلوا ملَ ِا ت َِص ُ‬
‫ون َع َىل اهللَِّ ا ْلك َِذ َب ال‬ ‫رت َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫رتوا َع َىل اهللَِّ ا ْلكَذ َب إِ َّن ا َّلذي َن َي ْف َ ُ‬
‫ِ‬
‫َو َه َذا َح َرا ٌم ل َت ْف َ ُ‬
‫حق الترشيع وإنام‬ ‫ون}[يونس‪ ،]69:‬ورسول اهلل ‪ ‬ـ مع علو مكانته ـ ليس له ّ‬ ‫ُي ْفلِ ُح َ‬
‫ول َب ِّل ْغ َما ُأن ِْز َل إِ َل ْي َك ِم ْن‬‫الر ُس ُ‬‫حق البيان‪ ,‬وعليه واجب التبليغ‪ ،‬قال ‪َ { :‬يا َأ ُّ َهيا َّ‬ ‫له ُّ‬
‫ِ‬
‫َاب‬ ‫َر ِّب َك َوإِ ْن َمل ْ َت ْف َع ْل َف َام َب َّل ْغ َت ِر َسا َل َت ُه}[املائدة‪ ،]67:‬وقال‪َ { :‬و َما َأن َْز ْلنَا َع َل ْي َك ا ْلكت َ‬
‫ون}[األعراف‪ ،]203:‬وقال‬ ‫مح ًة ل ِ َق ْو ٍم ُي ْؤ ِمنُ َ‬ ‫دى َو َر ْ َ‬ ‫ِ ِ‬
‫اخ َت َل ُفوا فيه َو ُه ً‬ ‫ني َهل ُ ُم ا َّل ِذي ْ‬ ‫إِ َّال ل ِ ُت َب ِّ َ‬
‫ون}[النحل‪،]44:‬‬ ‫اس َما ُن ِّز َل إِ َل ْي ِه ْم َو َل َع َّل ُه ْم َي َت َفك َُّر َ‬‫ني لِلنَّ ِ‬ ‫الذك َْر ل ِ ُت َب ِّ َ‬
‫‪َ {:‬و َأن َْز ْلنَا إِ َل ْي َك ِّ‬
‫وهذا ما أمجع عليه املسلمون قاطبة‪ ،‬بل أمجعت عليه الرشائع الساموية كلها‪ ,‬ومل يشذ عن‬
‫ذلك إال الذين رفضوا االنصياع إىل رشائع اهلل مجلة وتفصيالً‪ ،‬كام يف املوسوعة الفقهية‬
‫الكويتية‪ ،18-17 :1‬ويؤيده ذلك ما قاله ابن عابدين يف رد املحتار‪ :459 :6‬وقد‬
‫املرشع يف حتريم اخلمر أم اخلبائث حتى نزل عليه النص‬ ‫توقف النبي ‪ ‬مع أنه هو ِّ‬
‫املبني حلرمة اخلمر قبل بيان القرآن‪ ،‬وذلك بطريق السنة‪.‬‬ ‫القطعي‪ ،‬انتهى‪ :‬أي ِّ‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪47‬‬
‫و ْأمر بِا ْلعر ِ‬
‫ف }[األعراف‪ ،]199:‬وعىل آله وأصحابه املوصوفني باتباعه‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫بأكمل وصف‪.‬‬
‫أما بعد‪:‬‬
‫حممد عابدين ـ عفا عنه رب العاملني ـ‪:‬‬
‫فيقول الفقري ّ‬
‫ََّملا رشحت ُأرجوزيت التي سميتها‪« :‬عقود رسم املفتي»‪ ،‬ووصلت يف‬
‫رشحها إىل قويل‪:‬‬
‫لذا عليه احلكم قد يدار‬ ‫والعرف يف الرشع له اعتبار‬
‫ُ‬
‫يرسه الكريم الفتّاح‪ ،‬واسرتسل القلم يف جريه ألجل‬ ‫َت َك َّل ْم ُت عليه بام ّ‬
‫اإليضاح‪ ،‬فام شعر إال وفجر الليل قد الح‪ ،‬وقد َب ِقي يف َّ‬
‫الزوايا خبايا حتتاج إىل‬
‫الرشح عن املعهود‪ ،‬فاقترصت فيه‬ ‫أن استيفا َء املقصود ُخي ِْر ُج َّ‬
‫اإلفصاح‪ ،‬فرأيت ّ‬
‫برسالة مستق ّل ٍة‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫يسرية من البيان‪ ،‬و َأردت أن ُأ ْف ِر َد الكالم عىل البيت‬ ‫عىل ٍ‬
‫نبذة‬
‫ُتظهر املقصود إىل العيان؛ ألين مل َأر َمن َأعطى هذا املقام َح َّقه‪ ،‬وال َمن َب َذ َل له‬
‫ِ‬
‫البيان ُم ْستَح َّقه‪.‬‬ ‫من‬
‫الرسالة‪:‬‬
‫وسميت هذه ِّ‬
‫ُ‬
‫«نش العرف يف بناء بعض األحكام عىل العرف»‬
‫فأقول‪ :‬ومنه سبحانه َأسأل أن حيفظني من اخلطأ َّ‬
‫والزلل‪ ،‬وأن يرزقني‬
‫حس َن النِّ ّي ِة وبلو َغ األمنية‪.‬‬
‫‪ 48‬ــــــــــــــــــــــــــ التعليقات العرفية عىل نرش العرف يف بناء بعض األحكام عىل العرف‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪49‬‬

‫مقدمة‬
‫يف بيان معنى العرف‬
‫ودليل العمل به‬
‫اهلندي(‪ )2‬يف «رشح املغني»(‪ :)3‬العادة‪ :‬عبارة‬
‫ُّ‬ ‫قال يف «األشباه»(‪ :)1‬وذكر‬

‫(‪ )1‬إلبراهيم بن حممد ابن ُن َج ْيم امل ِ ْرص ّي‪ ،‬زين العابدين‪ ،‬من مؤلفاته‪«:‬البحر الرائق‬
‫رشح كنز الدقائق»‪ ،‬و«الرسائل الزينية»‪ ،‬و«األشباه والنظائر»‪ ،‬و«وفتح الغفار رشح‬
‫املنار»‪ ،‬و«الفتاوي»‪ ،‬و«لب األصول» اخترص فيه «التحرير»‪ ،‬قال اإلمام اللكنوي‬
‫عن مؤلفاته‪ :‬ك ُّلها حسن ٌة جد ًا‪970-926( ،‬هـ)‪ ،‬كام يف التعليقات السنية ص‪-221‬‬
‫‪ ،222‬والكشف‪.1515 :2 ،385 :1‬‬
‫اهلن ِْد ِّي‪ ،‬رساج الدِّ ين‪ ،‬نسبة إىل َغ ْزنة‪ ،‬قال الكفوي‪:‬‬
‫(‪ )2‬وهو عمر بن إسحاق ال َغ ْزن َِوي ِ‬
‫ّ‬
‫كان إمام ًا عالمة نظار ًا فارس ًا يف البحث مفرط الذكاء عديم النَّظري‪ ،‬ومن مؤلفاته‪:‬‬
‫«رشح الزيادات»‪ ،‬و«التوشيح رشح اهلداية»‪ ،‬و«الشامل»‪ ،‬و«زبدة اآلكام يف‬
‫اختالف األئمة األعالم»‪ ،‬و«رشح البديع»‪ ،‬و«رشح املغني»‪( ،‬ت‪773‬هـ)‪ ،‬كام يف‬
‫تاج الرتاجم ص‪ ،224-223‬والكشف‪ ،2035-2034 :2‬والفوائد ص‪.241‬‬
‫حلن َِف ّي‪ ،‬أبو‬ ‫ِ‬ ‫(‪« )3‬املغني يف أصول الفقه» لعمر بن حممد بن عمر اخلَ َّب ِ‬
‫از ّي اخلُ َجنْد ّي ا َ‬
‫بلد يقال له ُخ َجنْدَ ة‪ ،‬من مؤلفاته‪:‬‬ ‫حممد‪ ،‬جالل الدين‪ ،‬أصله من بالد ما وراء النهر من ٍ‬

‫حواش عىل اهلداية»‪( ،‬ت‪691‬هـ)‪ ،‬كام يف تاج الرتاجم ص‪ ،220‬وطبقات ابن‬ ‫ٍ‬ ‫«‬
‫‪ 50‬ــــــــــــــــــــــــــ التعليقات العرفية عىل نرش العرف يف بناء بعض األحكام عىل العرف‬

‫املتكررة املعقولة عند ال ِّطباع َّ‬


‫السليمة‪.‬‬ ‫ِّ‬ ‫يستقر يف النُّفوس من األُمور‬
‫ُّ‬ ‫عام‬
‫ّ‬
‫أنواع ثالثة‪:‬‬
‫ٌ‬ ‫وهي‬
‫‪.1‬العرفية العا ّمة‪ :‬كوضع القدم(‪.)1‬‬
‫اخلاصة‪ :‬كاصطالح ِّ‬
‫كل طائفة خمصوصة كالرفع للنحاة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫‪.2‬والعرفيه‬
‫والفرق واجلمع والنّقض للنُّظار‪.‬‬
‫واحلج‪ُ ،‬ت ِرك ْ‬
‫َت معانيها‬ ‫ّ‬ ‫والزكاة‪،‬‬
‫َّ‬ ‫كالصالة‪،‬‬
‫َّ‬ ‫‪.3‬والعرفيه الرشعية‪:‬‬
‫ال ُّلغوية بمعانيها َّ‬
‫الرشع ّية‪ ،‬انتهى‪.‬‬
‫للبريي(‪ )2‬عن «املستصفى»(‪ :)3‬العاد ُة والعرف‪ :‬ما‬
‫ّ‬ ‫ويف «رشح األشباه»‬

‫احلنائي ص‪ ،122‬والفوائد ص‪ ،246-245‬وهو مشهور يف كتب الفقه باخلبازي أو‬


‫اخلجندي‪.‬‬
‫(‪ )1‬قوله‪ :‬كوضع القدم‪ :‬أي إذا قال‪ :‬واهلل ال أضع قدمي يف دار فالن فهو يف العرف‬
‫العام بمعنى الدخول فيحنث سواء دخلها ماشي ًا أو راكب ًا‪ ،‬ولو وضع قدمه يف الدَّ ار بال‬
‫دخول ال حينث‪ .‬منه رمحه اهلل‪.‬‬
‫(‪ )2‬وهو إبراهيم بن حسني بن أمحد بن حممد بن أمحد بن بريي‪ ،‬قال املحبي‪ :‬أحد أكابر‬
‫وحترى يف نقل األحكام‬
‫َّ‬ ‫الفقهاء احلنفية وعلامئهم املشهورين‪ ،‬ومن تبحر يف العلم‬
‫وحرر املسائل‪ ،‬وانفرد يف احلرمني بعلم الفتوى‪ ،‬من مؤلفاته‪« :‬عمدة ذوي البصائر عىل‬
‫َّ‬
‫األشباه والنظائر»‪ ،‬و«رشح موطأ حممد»‪ ،‬و«رشح تصحيح القدوري»‪،‬‬
‫(ت‪1099‬هـ)‪ .‬ينظر‪ :‬النافع الكبري ص‪ ،106-105‬واخلالصة‪.220-219 :2‬‬
‫(‪« )3‬املستصفى رشح النافع» لعبد اهلل بن أمحد بن حممود النسفي‪ ،‬أيب الربكات‪ ،‬حافظ‬
‫الدين‪ ،‬من مؤلفاته‪« :‬الكايف رشح الوايف»‪ ،‬و«الوايف»‪ ،‬و«الكنْز»‪ ،‬و«تفسري املدارك»‪،‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪51‬‬
‫استقر يف النفوس من ِ‬
‫جهة العقول وتلقته الطباع السليمة بالقبول(‪ ،)1‬اهـ‪.‬‬ ‫َّ‬
‫املتكرر من غري عالقة عقلية‪،‬‬
‫ِّ‬ ‫األمر‬
‫ُ‬ ‫ويف «رشح التحرير»(‪ :)2‬العادة‪:‬‬
‫اهـ(‪.)3‬‬

‫و«املنار يف األصول»‪ ،‬ورشحه «كشف األرسار»‪ ،‬قال اإلمام اللكنوي‪ُّ :‬‬


‫وكل تصانيفه‬
‫ِ‬
‫العلامء‪( ،‬ت‪701‬هـ)‪ ،‬كام يف اجلواهر املضية‬ ‫ِ‬
‫الفقهاء مطروح ٌة ألنظار‬ ‫نافع ٌة ُمعترب ٌة عند‬
‫‪ ،294 :2‬والفوائد ص‪.102‬‬
‫(‪ )1‬فلفظ‪ :‬ما؛ عام يشمل القول والفعل‪.‬‬
‫استقر يف النفوس؛ ما حصل بطريق الندرة ومل يعتده النّاس فإنّه ال ُيعدُّ عرف ًا‪.‬‬
‫ّ‬ ‫وخيرج بام‬
‫وخيرج بمن جهة العقول؛ ما استقر يف النفوس من جهة األهواء والشهوات كتعاطي‬
‫املنكرات واعتياد كثري من أنواع الفجور‪.‬‬
‫وخيرج بتلقته الطباع‪...‬؛ ما أنكرته الطباع أو بعضها فإنه نكر ال عرف‪ ،‬كام يف العرف‬
‫والعادة ص‪.9-8‬‬
‫حل َلبِ ّي احلنفي‪ ،‬أيب عبد اهلل‪ ،‬شمس الدين‪،‬‬ ‫(‪ )2‬ملحمد بن حممد بن حممد بن حسن ا َ‬
‫ابن َح َج ٍر‪ ،‬قال اإلمام اللكنوي‪:‬‬ ‫ِ‬
‫واحلافظ ِ‬ ‫تلميذ اب ِن اهل ُ َامم‬
‫ُ‬ ‫املعروف بابن أمري حاج‪،‬‬
‫ِ‬
‫أرباب‬ ‫ورجحان فِك ِْره‪ ،‬ولو ُج ِع َل من‬
‫ِ‬ ‫نظره‪،‬‬ ‫ِ‬
‫وسعة ِ‬ ‫ِ‬
‫تبحره‪،‬‬ ‫للمنْ َي ِة» ُّ‬
‫يدل عىل‬ ‫ورشحه « ُ‬
‫ْدي املَدَ ّين يف رسالته «فتح الغفور يف‬ ‫نجيح‪ ،‬وقال العالم ُة حيو ُة ِّ‬
‫السن ّ‬ ‫ٌ‬ ‫الرتجيحِ فهو ٌ‬
‫رأي‬ ‫َّ ْ‬
‫وسعة االطالعِ‪ ،‬ومن‬‫ِ‬ ‫وضع األيدي عىل الصدور»‪َ :‬أ َّن ُه تلو شيخه ابن اهل َامم يف الت ِ‬
‫َّحقيق‬ ‫ُ‬
‫مؤلفاته‪َ « :‬ح ْل َب ُة املُ َج ِّيل وبغية املهتدي يف رشح منية املصيل وغنية املبتدي»‪ ،‬و«التقرير‬
‫والتحبري رشح التحرير» البن اهل ُ َامم‪ ،‬و«ذخرية القرص يف تفسري سورة والعرص»‪،‬‬
‫(‪879-825‬هـ)‪ .‬ينظر‪ :‬الضوء الالمع‪ ،211-210 :9‬والكشف‪،358:1‬‬
‫واملستطرفة ص‪.147-146‬‬
‫(‪ )3‬من التقرير والتحبري ‪.282 :‬‬
‫‪ 52‬ــــــــــــــــــــــــــ التعليقات العرفية عىل نرش العرف يف بناء بعض األحكام عىل العرف‬
‫ِ‬
‫ومعاودهتا‬ ‫بتكر ِرها‬ ‫ِ‬ ‫قلت‪ :‬بيا ُنه‪ّ :‬‬
‫أن العاد َة(‪ )1‬مأخوذ ٌة من املعاودة فهي ُّ‬
‫ِ‬
‫والعقول‪ ،‬متلقا ًة بال َقبول‬ ‫ِ‬
‫النفوس‬ ‫مر ًة بعد ُأخرى صارت معروف ًة م ِ‬
‫ستق ّر ًة يف‬ ‫ُ‬ ‫َ َّ‬
‫غري عالقة وال قرينة‪ ،‬حتى صارت حقيق ًة عرفي ًة(‪.)2‬‬ ‫من ِ‬

‫ٍ‬
‫واحد من حيث املاصدق‪ ،‬وإن اختلفا من‬ ‫والعرف(‪ )3‬بمعنى‬
‫ُ‬ ‫فالعاد ُة‬
‫حيث املفهوم‪.‬‬

‫يتقرر بالنفوس ويكون مقبوالً عند ذوي الطباع‬ ‫(‪ )1‬تعريف العادة‪ :‬هي األمر الذي ّ‬
‫أن لفظ َة العادة يفهم منها تكرر الّشء ومعاودته‬ ‫السليمة بتكراره املرة بعد املرة عىل ّ‬
‫مرة أو مرتني‪ ,‬ومل يعتده الناس‪ ,‬فال يعد عادة وال يبنى عليه‬
‫بخالف األمر اجلاري صدفة ّ‬
‫حكم‪ ،‬والعرف بمعنى العادة أيض ًا‪ ،‬كام يف درر احلكام مادة‪.36‬‬
‫(‪ )2‬صارت حقيقة عرفية باصطالح املجتمع أو الرشع أو أهل فن خاص‪ ،‬وال يرجع‬
‫هذا للمعاودة التي تكون يف العادات احلسنة كام يف تعريف العادة السابق‪ ،‬فهناك فرق‬
‫بني العادة يف السلوك الفردي الذي تتلقاه الطباع السليمة وبني االصطالح العريف‪،‬‬
‫وهذا اجلمع من ابن عابدين بينها يف تكلف ظاهر‪ ،‬واهلل أعلم‪.‬‬
‫(‪ )3‬يطلق العرف عىل ما اعتاده الناس من فعل شاع بينهم‪ ،‬أو لفظ تعارفوا إطالقه عىل‬
‫معنى خاص إذا ذكر انرصف الذهن إليه ال إىل غريه‪.‬‬
‫مرة بعد أخرى‪ ،‬كام يف‬
‫والعادة‪ :‬هي ما استمروا عليه عند حكم العقول‪ ،‬وعادوا له ّ‬
‫الكليات ص‪.617‬‬
‫ويطلق الفقها ُء عىل العرف أحيان ًا لفظ‪ :‬العادة‪ ،‬كام يف كشاف مصطلحات الفنون ‪:2‬‬
‫‪ ،1179‬وسبب جعلهام مرتادفني أن معاودة الّشء جتعله معروف ًا يف نفوس الناس‪،‬‬
‫كل عرف عادة وال‬ ‫أعم من العرف‪ ،‬فيقال‪ُّ :‬‬
‫وهو املختار‪ ،‬وهناك َمن يرى أن العاد َة ُّ‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪53‬‬
‫وقويل‪:‬‬
‫ٌّ‬ ‫عميل‬
‫ٌّ‬ ‫ثم العرف‬
‫ِ‬
‫فاألول‪ :‬كتعارف قو ٍم أكل ُ ّ‬
‫الرب وحلم الضأن‪.‬‬ ‫ّ‬
‫والثاين‪ :‬كتعارفِهم إطالق لفظ ملعنى بحيث ال يتبادر عند سامعه غريه‪.‬‬
‫ص للعا ِّم اتفاق ًا كالدراهم ُ‬
‫تطلق و ُيراد هبا النقد الغالب يف‬ ‫خمص ٌ‬
‫والثاين ِّ‬
‫البلدة(‪.)1‬‬
‫ص أيض ًا عند احلنفية دون َّ‬
‫الشافع ّية‪ ،‬فإذا قال‪ :‬اشرت يل‬ ‫واألو ُل ُخم ِّص ٌ‬
‫َّ‬
‫ال بالعرف العميل‪ ،‬كام َأفاده يف‬ ‫ِ‬
‫الضأن عم ً‬ ‫طعام ًا أو حل ًام انرصف إىل ُ ِّ‬
‫الرب وحل ِم‬
‫«التحرير»(‪.)2‬‬
‫استدل عىل اعتبار العرف بقوله ‪{ :‬خ ِذ ا ْلع ْفو‬
‫ّ‬ ‫بعض العلامء‬
‫أن َ‬ ‫واعلم ّ‬
‫و ْأمر بِا ْلعر ِ‬
‫ف} (‪.)3‬‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬

‫أعم‪ ،‬كام يف العرف والعادة ص‪17‬ـ‪.18‬‬ ‫وبعضهم جيعل العرف ّ‬ ‫ُ‬ ‫عكس‪،‬‬
‫اجل ِ‬
‫اهلِ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ني}‪ ،‬معناه‪:‬‬ ‫والعرف يف قوله ‪ُ { :‬خذ ا ْل َع ْف َو َو ْأ ُم ْر بِا ْل ُع ْرف َو َأ ْع ِر ْض َع ِن ْ َ‬
‫لكل فعل يعرف بالعقل أو الرشع حسنه‪،‬‬ ‫املعروف من اإلحسان‪ ،‬واملعروف اسم ّ‬
‫ون بِا َْملعر ِ‬
‫وف َو َين َْه ْو َن َع ِن ا ْملُنْك َِر}‪ ،‬كام يف املفردات‬ ‫واملنكر ما ينكر هبام‪ ،‬قال ‪َ { :‬ي ْأ ُم ُر َ ْ ُ‬
‫ص‪.343‬‬
‫(‪ )1‬ويمكن أن نعترب هذا مثال للعرف العميل أيض ًا‪ ،‬حاله كاللحم بالنسبة للضأن‬
‫والطعام بالنسبة للرب‪ ،‬واألوىل أن نعترب مثال العرف القويل‪ :‬إطالق لفظ احلرام عىل‬
‫الطالق يف بعض البالد‪ ،‬فهو يرجع للفظ ال للعمل‪ ،‬واهلل أعلم‪.‬‬
‫(‪ )2‬من التحرير مع رشح التقرير‪.282 :1‬‬
‫(‪ )3‬قال الكوثري يف نظر املرء إىل رشع اهلل معيار دينه ص‪ :333‬وليس العرف يف قوله‬
‫‪ 54‬ــــــــــــــــــــــــــ التعليقات العرفية عىل نرش العرف يف بناء بعض األحكام عىل العرف‬

‫السادسة‪ :‬العاد ُة ُحمَكَّم ٌة‪ ،‬وأص ُلها قوله ‪:‬‬


‫وقال يف «األشباه»‪ :‬القاعدة َّ‬
‫«ما رآه املسلمون حسن ًا فهو عند اهلل حسن»(‪ ،)1‬قال العالئي (‪ :)2‬مل أجده مرفوع ًا‬
‫يف يشء من كتب احلديث أصالً‪ ،‬وال بسند ضعيف بعد طول البحث وكثرة‬
‫الكشف والسؤال‪ ،‬وإنام هو من قبل عبد اهلل بن مسعود ‪ ‬موقوف ًا عليه‪،‬‬
‫أخرجه أمحد يف «مسنده»‪.‬‬

‫اجل ِ‬
‫اهلِ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ني} بمعنى العادة اجلارية هنا وهناك‪،‬‬ ‫‪ُ { :‬خذ ا ْل َع ْف َو َو ْأ ُم ْر بِا ْل ُع ْرف َو َأ ْع ِر ْض َع ِن ْ َ‬
‫بل هو احلكم املعروف الذي ال ينكره الرشع وال يستقبحه‪ ،‬بل يراعيه ويستحسنه‬
‫الشخص ّي ِة‬ ‫ِ‬
‫املعاملة َّ‬ ‫العقل‪ ،‬يويص اهلل سبحانه يف اآلية املذكورة بالتَّسامح مع النَّاس يف‬
‫معهم‪ ،‬واملجاهرة بحكم اهلل تعاىل يف غري هوادة‪ ،‬وترك االلتفات إىل من حياول إيصال‬
‫األذى يف هذا السبيل‪.‬‬
‫فرس بالرأي بدون مدرك ال يف الرواية وال يف الدراية‪،‬‬ ‫فمن َف َّ َ‬
‫رس العرف هنا بالعادة‪ :‬فقد َّ َ‬ ‫َ‬
‫العرف بمعنى العادة بعد زمن الوحي‪ ،‬كام ال جيهل ذلك َأهل العلم بأطوار‬ ‫ُ‬ ‫وإنام ُع ِّرف‬
‫اللغة‪ ،‬فال يتصور حل الربا وال املتعة وال حرمة تعدد الزوجات‪ ،‬وال إباحة اخلمر ـ إذا‬
‫سميت شاي ًا بارد ًا ـ وال استساغة السفور والتربج‪....‬‬
‫(‪ )1‬يف مسند أمحد ‪ ،379 :1‬ومستدرك احلاكم ‪ ،83 :3‬واملعجم الكبري ‪،112 :9‬‬
‫ومسند أيب داود ال َّط َيالِيس ص‪ ،33‬موقوف ًا عىل ابن مسعود ‪.‬‬
‫(‪ )2‬وهو خليل بن كيكلدي بن عبد اهلل العالئي الدمشقي الشافعي‪ ،‬صالح الدين‪ ،‬أبو‬
‫سعيد‪ ،‬من مؤلفاته‪« :‬األشباه والنظائر»‪ ،‬و«تفصيل اإلمجال يف تعارض التيسري يف‬
‫عنوان التفسري»‪ ،‬و«املجموع املذهب يف قواعد املذهب»‪761-694( ،‬هـ)‪ .‬ينظر‪:‬‬
‫الدرر الكامنة‪ .92-90 :2‬معجم املؤلفني‪.689-688 :1‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪55‬‬
‫اعتبار العادة والعرف ُر ِجع إليه يف مسائل كثرية حتى جعلوا‬
‫َ‬ ‫واعلم ّ‬
‫أن‬
‫ذلك أصالً‪ ،‬فقالوا يف األصول يف باب ما ترتك به احلقيقة‪ :‬ترتك احلقيقة بداللة‬
‫فخر اإلسالم‪ ،‬انتهى كالم «األشباه»(‪.)1‬‬
‫االستعامل والعادة‪ ،‬هكذا ذكر ُ‬
‫رش ِع الثابت بالعرف ٌ‬
‫ثابت بدليل‬ ‫ويف «رشح األشباه» للبريي قال‪ :‬يف املُ َ َّ‬
‫بالنص»‪ ،‬انتهى(‪.)3‬‬ ‫ِ‬
‫بالعرف كال َّثابت‬ ‫رشعي(‪ ،)2‬ويف «املبسوط»‪« :‬ال َّث ُ‬
‫ابت‬
‫ّ‬

‫(‪ )1‬األشباه والنظائر ‪.265 :‬‬


‫(‪ )2‬معناها أن الرشيعة اعتربت يف غري العبادات مراعاة الواقع؛ ألّنا بنت األحكام‬
‫عىل علل‪ ،‬فال بد من مراعاة وجود هذه العلل قبل إعطاء احلكم الرشعي‪ ،‬وهذه العلة‬
‫مرتبطة بالواقع من حيث وجودها وعدمها‪ ،‬فإن وجدت وجد احلكم‪ ،‬وإن عدمت‬
‫عدم احلكم‪ ،‬فكان معنى قوله الثابت بالعرف هو اعتبار الشارع ملراعاة الواقع‪ ،‬فيكون‬
‫هذا الواقع مرشد ًا لوجود علة احلكم وعدمها‪ ،‬فيكون الثابت بالعرف ثابت بدليل‬
‫رشعي من حيث اعتبار الشارع للواقع‪ ،‬ومن حيث أن العرف يدل عىل وجود العلة‪ ،‬ال‬
‫من حيث أنه العرف مرشع ابتدا ًء؛ ألن العرف مظهر ومرشد ال غري‪.‬‬
‫(‪ )3‬من املبسوط\األيامن‪ ،41 :19‬وهي مذكورة يف باب الكسوة‪ّ ،‬‬
‫فدل أن املقصود به‬
‫نص احلالف ال نص الشارع‪ ،‬وقد وردت هذه القاعدة يف مواضع عديدة من املبسوط‪،‬‬
‫ّ‬
‫وهي حممولة عىل أن يف العرف داللة يف بيان ما مل يرصح به املتك ّلم‪ ،‬فيكون املقصود‬
‫بالنص‪ :‬هو الكالم‪ ،‬فالعرف يقوم مقام ترصيح املتك ِّلم‪ ،‬وهذا ما َ َّ‬
‫رصحوا به يف قاعدة‬
‫ِ‬
‫كاملرشوط باللفظ‪ ،‬كام يف درر احلكام عند رشح القاعدة(‪:1 )43‬‬ ‫املعروف بالعرف‬
‫‪ ،51‬وذكر يف املبسوط‪ :15 :13‬وإن كان رشط ًا ال يقتضيه العقد‪ ،‬وفيه عرف ظاهر‬
‫ال ورشاك ً‪,‬ا برشط أن حيذوه البائع؛ ّ‬
‫ألن الثابت بالعرف‬ ‫فذلك جائز‪ ،‬كام لو اشرتى نع ً‬
‫‪ 56‬ــــــــــــــــــــــــــ التعليقات العرفية عىل نرش العرف يف بناء بعض األحكام عىل العرف‬

‫حرج ًا ب ِّين ًا‪ ،‬انتهى‪.‬‬


‫ثابت بدليل رشعي; وألن يف النزوع عن العادة الظاهرة ّ‬
‫النص الرشعي‪،‬‬‫املحل يف حتقق الع ّلة الواردة يف ّ‬
‫ومعناه هاهنا‪ :‬أن العرف ُي َب ِّني صالحية ّ‬
‫ُّ‬
‫املحل موضع ًا‬ ‫ٍ‬
‫قاض عليه بمعنى مل يعد‬ ‫العرف‬
‫َ‬ ‫فلم يعد القياس ممكن ًا يف املح ّل؛ ّ‬
‫ألن‬
‫ٍ‬
‫ورشط لتح ُّقق النِّزاع فيه‪ ،‬فهي ع ّل ُته‪ ،‬وإن تعارف الناس‬ ‫للقياس؛ إذ النَّهي عن بي ٍع‬
‫البيع مع رشط بدون حت ُّقق النزاع بينهام‪ ،‬صار هذا العرف رافع ًا للع ّلة يف هذا املوضع‬
‫وقاضي ًا عىل القياس‪.‬‬
‫قرره البابريت يف العناية‪ 442 :6‬يف هذا املوضع حيث قال‪ :‬يقال‪ّ :‬نى‬
‫ويؤيد هذا ما َّ‬
‫النبي ‪ ‬عن «بيع ورشط»‪ ،‬وهو بإطالقه يقتيض عدم جوازه؛ ألنه يف احلقيقة ليس‬
‫برشط حيث أفاد ما أفاده العقد املطلق‪ ...‬وهو ما كان متعارف ًا كبيع النعل مع رشط‬
‫ٌ‬
‫رشط‬ ‫قاض عىل القياس‪ ،‬ال ُيقال‪ :‬فسا ُد البيع‬‫ٍ‬ ‫ألن ال َّث َ‬
‫ابت بالعرف‬ ‫الترشيك كذلك؛ ّ‬
‫ٌ‬
‫معلول بوقو ِع النِّزاع املخرج للعقد عن‬ ‫ٍ‬
‫بقاض عليه؛ ألنّه‬ ‫والعرف ليس‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫باحلديث‬ ‫ثابت‬
‫ٌ‬
‫قطع املنازعة‪ ،‬وال ُعرف ينفي النِّزاع‪ ،‬فكان موافق ًا ملعنى احلديث‪ ,‬فلم‬ ‫ِ‬
‫املقصود به‪ ،‬وهو ُ‬
‫والعرف قاض عليه‪،‬‬
‫ُ‬ ‫يبق من املوانع إال القياس عىل ما ال ُعرف فيه بجامع كونه رشط ً‪,‬ا‬
‫انتهى‪.‬‬
‫ٌ‬
‫حممول عىل‬ ‫أن ما ورد من النهي عن النبي ‪ ‬عن «بيع ورشط»‬ ‫َّ‬
‫ولعل ممَّا يؤكد هذا ّ‬
‫رب ِاين يف «معجمه‬
‫النِّزاع هو االختالف احلاصل فيام ُنقل عنه ‪ :‬فقد روى ال َّط َ َ‬
‫ط»‪ :‬عن عبد الوارث بن سعيد قال‪ :‬قدمت مكّة فوجدت هبا أبا حنيفة وابن أيب‬ ‫األوس ِ‬
‫ْ َ‬
‫باطل‬ ‫ٍ‬
‫رجل باع بيع ًا ورشط رشط ًا‪ .‬فقال‪ :‬البيع ٌ‬ ‫ليىل وابن ُش ْ ُ‬
‫رب َمة‪ ،‬فسألت أبا حنيفة عن‬
‫جائز‪ ،‬والرشط ٌ‬
‫باطل‪ .‬ثم أتيت‬ ‫والرشط ٌ‬
‫باطل‪ .‬ثم أتيت ابن أيب ليىل فسألته فقال‪ :‬البيع ٌ‬
‫جائز‪ .‬فقلت‪ :‬سبحان اهلل ثالث ٌة من فقهاء‬
‫جائز والرشط ٌ‬ ‫ابن ُش ْ ُ‬
‫رب َمة فسألته فقال‪ :‬البيع ٌ‬
‫ٍ‬
‫واحدة‪ .‬فأتيت أبا حنيفة فأخربته‪ .‬فقال‪ :‬ما أدري ما قاال‪:‬‬ ‫ٍ‬
‫مسألة‬ ‫العراق اختلفوا يف‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪57‬‬

‫فصل‬
‫ِ‬
‫املذهب‬ ‫ِ‬
‫ظاهر‬ ‫قال يف «ال ُقنية»(‪ :)1‬ليس للمفتي وال للقايض أن َ ْ‬
‫حي ُكام عىل‬

‫ٍ‬ ‫ّبي ‪ّ« ‬نى عن بي ِع‬


‫ورشط»‪ ،‬البيع‬ ‫حدّ ثني عمرو بن ُش َع ْيب‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن جده عن الن ّ‬
‫ثم أتيت ابن أيب ليىل فأخربته‪ .‬فقال‪ :‬ما أدري ما قاال‪ :‬حدّ ثني‬ ‫باطل والرشط ٌ‬
‫باطل‪ّ .‬‬ ‫ٌ‬
‫ِه َشام بن ُع ْر َوة‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن عائشة ريض اهلل عنها َّأّنا قالت‪« :‬أمرين رسول اهلل ‪ ‬أن‬
‫رب َمة فأخربته‪ .‬فقال‪:‬‬ ‫والرشط ٌ‬
‫باطل‪ .‬ثم أتيت ابن ُش ْ ُ‬ ‫ُ‬ ‫اشرتي َب ِر َيرة ُفأ ْعتقها»‪ ،‬البيع ٌ‬
‫جائز‬
‫بعت‬
‫ار‪ ،‬عن جابر ‪ ‬قال‪ُ « :‬‬ ‫ال أدري ما قاال‪ :‬حدّ ثني ِم ْس َعر بن كِدَ ام‪ ،‬عن ُحمَارب بن ِد َث ٍ‬
‫جائز‪ ،‬كام يف فتح‬ ‫ُ‬
‫والرشط ٌ‬ ‫رسول اهلل ‪ ‬ناق ًة ورشط يل محالّنا إىل املدينة»ـ البيع ٌ‬
‫جائز‬
‫باب العناية‪ ،‬وأفاض الشيخ عوامة يف هامش أثر احلديث ص‪157‬ـ‪ 162‬يف صالحية‬
‫القصة لالحتجاج‪.‬‬
‫هذه ّ‬
‫زم ْيني احلَن َِف ّي‪ ،‬أيب رجاء‪ ،‬نجم الدِّ ين‪ ،‬من مؤلفاته‬
‫اه ِدي ال َغ ِ‬
‫ّ‬
‫الز ِ‬
‫(‪ )1‬ملختار بن حممود َّ‬
‫وري»‪ ،‬و«ال ُقنْ َية»‪ ،‬قال اللكنوي‪ :‬طالعتهام فوجدهتام عىل املسائل‬ ‫«املجتبى رشح ال ُقدُ ّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الغريبة حاويني‪ ،‬ولتفصيل الفوائد كافيني‪ ،‬إالَّ َأ َّن ُه َ َّ‬
‫رصح اب ُن وهبان وغريه‪ :‬أنَّه معتز ُّيل‬
‫حنفي الفروع‪ ،‬وتصاني ُفه ُ‬
‫غري ُمعتربة ما مل ُيوجد ُمطابق ُتها لغريها؛ لكوّنا‬ ‫ُّ‬ ‫االعتقاد‪،‬‬
‫جامع ًة للرطب واليابس‪( ،‬ت‪658‬هـ)‪ ،‬ينظر‪ :‬اجلواهر املضية‪ ،460 :3‬والفوائد‬
‫ص‪ ،349‬والكشف‪.1357 :2‬‬
‫‪ 58‬ــــــــــــــــــــــــــ التعليقات العرفية عىل نرش العرف يف بناء بعض األحكام عىل العرف‬

‫البريي يف‬
‫ُّ‬ ‫الروايات»(‪ ،)2‬كام ذكره‬
‫ويرتكا العرف(‪ ،)1‬ونقل املسألة عنه يف «خزانة ِّ‬
‫«رشح األشباه»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫بحسب ال َّظ ِ‬
‫ِ‬
‫الرواية إذا كانت يف كتب‬ ‫اهر ُم ْشك َل ٌة فقد َ َّ‬
‫رصحوا بأن ِّ‬ ‫وهي‬
‫غريها‪ ،‬كام َأ ْو َض ْح ُت ذلك‬
‫الرواية ال ُي ْعدَ ُل عنها إالّ إذا َص َّحح املشايخ َ‬
‫ظاهر ِّ‬
‫الرواية‪.‬‬ ‫ِ‬
‫يف «رشح األرجوزة»‪ ،‬فكيف ُيعمل بال ُعرف املخالف لظاهر ِّ‬
‫َّص من الكتاب‬ ‫ِ‬
‫رصيح الن ِّ‬ ‫الرواية قد يكون مبني ًا عىل‬
‫ظاهر ِّ‬
‫َ‬ ‫وأيض ًا‪ّ :‬‬
‫فإن‬
‫َّص(‪)2‬؛ ّ‬
‫ألن العرف قد‬ ‫السنّة أو اإلمجاع(‪ ،)1‬وال اعتبار للعرف املخالف للن ّ‬
‫أو ُّ‬

‫(‪ )1‬وهذا فيام يتعلق بغري أبواب العبادات؛ ألن تأثري العرف فيها يكاد أن يكون‬
‫معدوم ًا‪ ،‬بخالف سائر األبواب األخرى فإن جزء ًا من تطبيق علة املسألة ّ‬
‫مبني عىل فهم‬
‫الواقع وحقيقته‪ ،‬فام مل يتسن لنا معرفته ومراعاته‪ ،‬لن يكون التطبيق للفتوى والقضاء‬
‫الرواية بني عىل ال ُعرف يف زمن املجتهد املطلق أيب حنيفة‬ ‫صحيح ًا؛ ألن ظاهر ّ‬
‫وأصحابه‪ ،‬فكان مالحظ ًا للواقع‪ ،‬وتطبيق املسالة يف زماننا حيتاج إىل ذلك‪ ،‬حتى نكون‬
‫املطلق يف زماننا بامذا‬
‫ُ‬ ‫فنتصور لو كان املجتهدُ‬
‫ّ‬ ‫عاملني باملذهب وبقول أيب حنيفة حقيقة‪،‬‬
‫كان سيفتي ويقيض‪ ،‬فنفتي ونقيض بذلك‪.‬‬
‫الساكن بقصبة كن من الكجرات‪ ،‬من‬ ‫ِ ِ‬
‫حلنَفي‪ ،‬القايض‪َّ ،‬‬ ‫(‪ )2‬جلكن الكجرايت اهلنْد ّي ا َ‬
‫الروايات‪،‬‬
‫الر َوا َيات»‪ ،‬ذكر فيه أنَّه أفنى عمره يف مجع املسائل وغريب ِّ‬
‫مؤلفاته‪« :‬خزانة ِّ‬
‫تويف يف حدود (‪920‬هـ)‪ .‬قال ال َّل ْكن ّ‬
‫َوي‪ :‬إنَّه من الكتب غري املعتربة اململوءة من‬
‫الرطب واليابس‪ ،‬مع ما فيها من األحاديث املخرتعة‪ ،‬واألَخبار املختلفة‪ ،‬ونسب هذا‬ ‫َّ‬
‫الكالم إىل ِ‬
‫ابن عابدين يف «تنقيح الفتاوى احلامدية»‪ ،‬كام يف الكشف‪ ،702:1‬والنافع‬
‫الكبري ص‪ ،30-29‬ونزهة اخلواطر‪.82 :4‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪59‬‬

‫(‪ )1‬االجتهاد يمر يف مرحلتني‪:‬‬


‫األوىل‪ :‬االستنباط‪ ،‬وهي تطبيق قواعد األصول للمجتهد املطلق عىل نصوص القرآن‬
‫والسنة؛ الستخراج القواعد الفقهية اجلزئية‪ ،‬وهي متثل أصول البناء للمسائل الفقهية‪،‬‬
‫فهي خالصة وزبدة ما يف القرآن والسنة يف موضوع ما‪ ،‬بحيث تكون وفقت بني األدلة‬
‫املتعددة الواردة‪ ،‬وأظهرت األصل الذي بنيت عليه أحكامها‪ ،‬فال يبنى حكم عىل آية‬
‫منفردة أو حديث منفردة إال بالنظر يف مجيع األدلة الواردة يف الباب حتى ال يكون ترك‬
‫ألدلة الرشع‪.‬‬
‫والثانية‪ :‬التخريج‪ ،‬وهي استخراج الفروع من القاعدة التي بنيت يف مرحلة االستبناط‪،‬‬
‫فكل ما يأيت من مسائل متوافقة مع ذلك األصل بتوفر العلة فيها‪ ،‬فإّنا تأخذ نفس‬
‫احلكم هلا‪.‬‬
‫وهذه القواعد التي تستمد منها الفروع هي عبارة عن علل وأحكام‪ ،‬بحيث إن توفرت‬
‫العلة يف القاعدة هذه الفرع املستجد أخذ حكم هذه القاعدة‪ ،‬والع ّلة يراعى يف وجودها‬
‫الواقع فال ُيمكن النظر إليها بدون االلتفات للعرف؛ ألنه هو املخرب عن وجود العلة يف‬
‫الفرع اجلديد‪ ،‬فاألحكام عندنا مع ّللة ال تعبدية‪ ،‬فال بد من مراعاة الواقع يف عامة‬
‫األحكام‪.‬‬
‫(‪ )2‬هذا املعنى منقول يف اهلداية‪14 :7‬ـ ‪« :15‬وكل يشء نص رسول اهلل ‪ ‬عىل حتريم‬
‫َ‬
‫الكيل فيه مثل احلنطة والشعري‬ ‫ٌ‬
‫مكيل أبد ًا‪ ،‬وإن ترك الناس‬ ‫التفاضل فيه كي ً‬
‫ال فهو‬
‫نص عىل حتريم التَّفاضل فيه وزن ًا‪ ،‬فهو موزون أبد ًا‪ ،‬وإن ترك‬ ‫والتمر وامللح‪ُّ ،‬‬
‫وكل ما ّ‬
‫النص أقوى من العرف‪ ،‬واألقوى ال يرتك‬ ‫الناس الوزن فيه مثل الذهب والفضة؛ ّ‬
‫ألن َّ‬
‫باألد نى‪ ،‬وما مل ينص عليه فهو حممول عىل عادات الناس؛ ألّنا داللة‪ ،‬وعن أيب‬
‫النص عىل ذلك ملكان‬
‫ألن ّ‬‫يوسف‪ :‬أنه يعترب العرف عىل خالف املنصوص عليه أيض ًا؛ ّ‬
‫‪ 60‬ــــــــــــــــــــــــــ التعليقات العرفية عىل نرش العرف يف بناء بعض األحكام عىل العرف‬

‫النص(‪.........................................)1‬‬ ‫ِ‬
‫يكون عىل باطل بخالف ّ‬

‫العادة‪ ،‬فكانت هي املنظور إليها‪ ،‬وقد تبدلت‪ ،‬فعىل هذا لو باع احلنطة بجنسها متساويا‬
‫وزن ًا‪ ،‬أو الذهب بجنسه متامث ً‬
‫ال كي ً‬
‫ال ال جيوز عندمها» أي أيب حنيفة وحممد‪.‬‬
‫وتوصيح ذلك أن أن النصوص يف نظر املجتهد عىل نوعني‪ :‬معللة وغري معللة‪ :‬أي‬
‫مقصودة بذاهتا‪ ،‬وحتديد راجع لنظر املجتهد‪ ،‬ففي نص األصناف الستة الربوية‬
‫النص يف هذه األصناف الستة‬
‫اختلفت األنظار عند أصحابنا‪ ،‬فأبو حنيفة وحممد جعال ّ‬
‫مقصود بذاته وغري معلل ويف غريها من األصناف معلل‪ ،‬وأما أبو يوسف فجعل‬
‫النص معل ً‬
‫ال يف األصناف الستة وغريها‪.‬‬ ‫ّ‬
‫النص أقوى من العرف»‪ ،‬خاص هبذه‬ ‫َّ‬ ‫فيكون معنى قول صاحب «اهلداية»‪ّ « :‬‬
‫ألن‬
‫نص غري معلل‪ ،‬وبالتايل ال يلتفت فيها إىل‬
‫املسألة وأمثاهلا من املسائل التي بنيت عىل ّ‬
‫والنص هو احلاكم فيها‪ ،‬وهو أقوى من العرف؛ ألّنا مل تبن عىل العرف حتى‬
‫ّ‬ ‫العرف‪،‬‬
‫يلتفت فيها‪ ،‬وهذا كله راجع لنظر املجتهد‪ ،‬بخالف غريه من املجتهدين الذي نظروا يف‬
‫مفرس ًا وموضح ًا‬
‫نفس املسألة ورأوا أّنا معللة فإّنم يراعون العرف فيها‪ ،‬وجيعلونه ّ‬
‫النص‪ ،‬كام ذكر صاحب «اهلداية» يف تعليل قول أيب يوسف‪« :‬أنه‬
‫للعلة املوجودة يف ّ‬
‫النص عىل ذلك ملكان العادة‪،‬‬
‫ّ‬ ‫يعترب العرف عىل خالف املنصوص عليه أيض ًا؛ ّ‬
‫ألن‬
‫فكانت هي املنظور إليها‪ ،‬وقد تبدلت»‪ ،‬فجعل نظر أيب يوسف إىل النص ّ‬
‫معلل‪ ،‬وقد‬
‫تبدلت العلة كام أخربنا العرف‪.‬‬
‫(‪ )1‬علق ابن اهلامم يف فتح القدير ‪ 15 :7‬عىل كالم صاحب «اهلداية»‪« :‬ألن النص‬
‫أقوى من العرف»‪ ،‬فقال‪« :‬ألن العرف جاز أن يكون عىل باطل كتعارف أهل زماننا يف‬
‫والنص بعد ثبوته ال حيتمل أن يكون‬
‫ُّ‬ ‫إخراج الشموع والرسج إىل املقابر ليايل العيد‪،‬‬
‫حجة عىل‬
‫والنص ّ‬
‫ُّ‬ ‫ّ‬
‫وألن حجية العرف عىل الذين تعارفوه والتزموه فقط‪،‬‬ ‫عىل باطل‪،‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪61‬‬

‫بالنص‪ ،‬وهو قوله ‪« :‬ما رآه املسلمون‬


‫ّ‬ ‫حجة‬ ‫ّ‬
‫وألن العرف إنّام صار ّ‬ ‫ّ‬
‫الكل فهو أقوى‪،‬‬
‫حسنا فهو عند اهلل حسن»‪ ،‬ويف «املجتبى»‪ :‬ثبت هبذا أن ما يعتاده أهل خوارزم من بيع‬
‫احلنطة الربيعية باخلريفية موزون ًا متساوي ًا ال جيوز»‪.‬‬
‫للنص‪ ،‬فاملقصود به العرف‬
‫ّ‬ ‫فكالم ابن اهلامم فيام يتعلق ببطالن العرف املخالف‬
‫ترصفات النّاس‬
‫حق التَّرشيع‪ ،‬حتى ُتقبل ّ‬ ‫للرشيعة‪ ،‬فال ّ‬
‫شك أنه ليس للعرف ّ‬ ‫املخالف َّ‬
‫َّص ال ّثابت يف‬ ‫التي تعارفوها‪ ،‬وهي خمالفة للرشيعة‪ ،‬فليس ُّ‬
‫كل عرف ُيقبل‪ ،‬بخالف الن ّ‬
‫والسنة‪ ،‬فإنّه ُيقبل دائ ًام بال ريب‪.‬‬
‫القرآن ُّ‬
‫حجة‬
‫والنص ّ‬
‫ُّ‬ ‫ومعنى قوله‪ّ « :‬‬
‫وألن حجية العرف عىل الذين تعارفوه والتزموه فقط‪،‬‬
‫الكل فهو أقوى»‪ ،‬فهو ُيقدم استدالالً آخر ًا عىل النص أقوى من العرف؛ ّ‬
‫ألن‬ ‫عىل ّ‬
‫والنص عام يف ّ‬
‫الكل‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫بمن تعارفه فقط‪،‬‬
‫خاص َ‬
‫ّ‬ ‫العرف‬
‫النص مطلق ًا‪ ،‬إال إذا تعارف الناس شيئ ًا‬
‫وهذا ألننا نعمل بالقياس الذي استفدناه من ّ‬
‫فرس لنا الع ّلة‬ ‫آخر خمالف ًا للقياس‪ ،‬فإننا نرتك القياس يف ِّ‬
‫حقهم‪ ،‬ونعمل بالعرف الذي َّ‬
‫املوجودة يف القياس‪ ،‬بحيث صارت حتمل عىل معنى آخر‪.‬‬
‫كام يف منع القياس من البيعتني يف البيعة الواحدة‪ :‬أي عدم جواز تعدد العقود مع ًا؛‬
‫نص يف ذلك‪ ،‬فكان هو القياس يف الباب‪ ،‬ولكن إن تعارف الناس بيعتني مع ًا‬
‫لورود ال ّ‬
‫بال نزاع بينهم يف ذلك‪ ،‬تكون انعدمت الع ّلة التي من أجلها منع احلكم‪ ،‬فيجوز يف ّ‬
‫حق‬
‫خاصة البيعتني يف بيعة‪ ،‬كام لو اشرتى جلد ًا عىل يصنع منه حذا ًء‪ ،‬فيكون‬
‫َمن تعارفوه ّ‬
‫ثم صنع احلذاء منه‪ ،‬فجاز ذلك إن حصل به عرف؛ النعدام ع ّلة‬
‫عىل البائع بيع اجللد ّ‬
‫املنع‪ ،‬وهي النّزاع‪.‬‬
‫‪ 62‬ــــــــــــــــــــــــــ التعليقات العرفية عىل نرش العرف يف بناء بعض األحكام عىل العرف‬

‫كام قاله اب ُن اهلُامم)‪.(1‬‬


‫ِ‬
‫املنصوص عليه‪ ،‬قال يف‬ ‫ٍ‬
‫معترب يف‬ ‫غري‬
‫العرف ُ‬
‫ُ‬ ‫وقد قال يف «األشباه»‪:‬‬
‫الرس ُة إىل موضع‬
‫حممدُ بن الفضل يقول‪ّ ُّ :‬‬
‫(‪)3‬‬
‫«ال َّظهريية»(‪ )2‬من ّ‬
‫الصالة‪ :‬وكان ّ‬

‫صحة العرف عند أهل خوازرم ببيع احلنطة وزن ًا يكون عىل‬
‫فام نقله اب ُن اهلامم من عدم ّ‬
‫وحممد‪ ،‬وأما عىل قول أيب يوسف فيكون جائز ًا‪ ،‬وهو األوىل باإلفتاء؛ ملا‬
‫قول أيب حنيفة ّ‬
‫فيه من رفع احلرج عن الناس‪.‬‬
‫ِ‬
‫ايس األصل‬ ‫الس َكنْدَ ِر ّي ِّ‬
‫الس َيو ّ‬ ‫(‪ )1‬وهو حممد بن عبد الواحد بن عبد احلميد بن مسعود َّ‬
‫حلن َِفي‪ ،‬نسبة إىل سيواس الشهري بابن اهلامم السكندري السيوايس‪ ،‬كامل‬ ‫ِ‬
‫ال َقاه ّ‬
‫ري ا َ‬
‫الدين‪ ،‬من مؤلفاته‪« :‬فتح القدير عىل اهلداية»‪ ،‬و«حترير األصول»‪ ،‬و«املسايرة يف‬
‫العقائد»‪ ،‬و«زاد الفقري»‪ ،‬قال اللكنوي‪ :‬كلها مشتملة عىل فوائد قلام توجد يف غريه ّا‪،‬‬
‫وقد سلك يف أثر تَصانيفه‪ ،‬ال سيام «فتح القدير» مسلك اإلنصاف متجنب ًا عن التعصب‬
‫املذهبي واالعتساف‪ ،‬إال ما شاء اهلل ‪861-790( ،‬هـ)‪ ،‬كام يف الضوء الالمع‪،127 :6‬‬
‫والفوائد ص‪ ،298-296‬والكشف‪.358 :1‬‬
‫اري احلَنَفي‪ ،‬ظهري الدين‪ ،‬ومن مؤ َّلفاته‪:‬‬
‫(‪ )2‬ملحمد بن أمحد بن عمر املحتسب ال ُب َخ ّ‬
‫«الفتاوي الظهريية»‪ ،‬و«الفوائد الظهريية»‪ ،‬قال اللكنوي‪ :‬طالعت «الفتاوي‬
‫الظهريية» فوجدته كتاب ًا متضمن ًا للفوائد الكثرية‪( ،‬ت‪ .)619‬كام يف الفوائد ص‪،257‬‬
‫والكشف‪.1226 :2‬‬
‫اري‪ ،‬أبو بكر ال َف ْض ِ ّيل‪ ،‬قال الكفوي‪ :‬كان إمام ًا‬
‫ري ال ُب َخ ّ‬
‫(‪ )3‬وهو حممد بن الفضل الك ََام ّ‬
‫كبري ًا وشيخ ًا جليالً‪ ،‬معتمد ًا يف الرواية مقلد ًا يف الدراية رحل إليه أئمة البالد‪ ،‬ومشاهري‬
‫أطلق‪ :‬ال َف ْضيل؛‬
‫كتب الفتاوى مشحونة بفتاواه ورواياته‪ .‬وأفاد ابن أمري حاج أنه حيث َ‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪63‬‬
‫أن العان َة ليست بعورة؛ لتعامل ّ‬
‫العامل يف اإلبداء عن ذلك‬ ‫الشعر مع(‪َّ )1‬‬
‫نبات َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ضعيف‬
‫ٌ‬ ‫ٍ‬
‫حرج‪ ،‬وهذا‬ ‫املوضع عند االتزار‪ ،‬ويف النَّزع عن العادة ال َّظاهرة ُ‬
‫نوع‬
‫النص ال ُيعترب(‪ ،)2‬انتهى بلفظه‪ ،‬اهـ(‪.)3‬‬ ‫َ‬
‫التعامل بخالف ِّ‬ ‫وبعيدٌ ؛ ّ‬
‫ألن‬

‫ويف «األشباه» أيض ًا‪( :‬الفائدة الثالثة)‪ :‬املش ّقة واحلرج إنّام ُيعتربان يف‬
‫وحممد ‪‬‬ ‫نص فيه‪ ،‬و َأ ّما مع الن ِّ‬
‫ّص بخالفه فال؛ ولذا قال أبو حنيفة ّ‬ ‫موض ٍع ال ّ‬
‫بحرمة رعي حشيش احلرم وقطعه إالّ اإلذخر‪َ ،‬‬
‫وج َّوز أبو يوسف ‪ ‬رع َيه‬
‫نص‬
‫احلرج إنّام يعترب يف موضع ال ّ‬
‫َ‬ ‫ور ّد عليه بام ذكرناه‪ :‬أي من ّ‬
‫أن‬ ‫ِ‬
‫للحرج‪ُ ،‬‬

‫يف كتبنا فاملرا ُد هو‪( ،‬ت‪371‬هـ)‪ .‬كام يف اجلواهر‪ ،302-300 :3‬وطبقات ابن احلنائي‬
‫ص‪ ،62‬والفوائد ص‪ ،304-303‬ومقدمة العمدة‪.16 :1‬‬
‫(‪ )1‬يف املطبوعة‪ :‬من‪.‬‬
‫نص الفقهاء وترصحيهم بكوّنا عورة يمنع اعتبار العرف يف كوّنا ليست‬
‫(‪ )2‬أي أن ّ‬
‫بعورة‪ ،‬فام كان منصوص ًا أقوى من العرف يف االعتبار؛ ألنه مستند ألحاديث عديدة‬
‫وردت عن النبي ‪ ،‬يف بيان العورة‪ ،‬قال رسول اهلل ‪« :‬ما بني الرسة إىل الركبة عورة»‬
‫يف املستدرك ‪ ،657 :3‬واملعجم الصغري ‪ ،205 :2‬قال اهليثمي يف جممع الزوائد ‪:53 :2‬‬
‫فيه أرصم ابن حوشب وهو ضعيف‪ .‬وعن أيب سعيد اخلدري ‪ ،‬قال ‪« :‬عورة‬
‫املؤمن ما بني رسته وركبته»‪ ،‬قال ابن امللقن يف خالصة البدر املنري ‪ ،153 :1‬وابن‬
‫حجر يف اخلالصة ‪ :153 :1‬رواه احلارث ابن أيب أسامة بإسناد ضعيف‪.‬‬
‫(‪ )3‬انتهى من األشباه ‪.297 :1‬‬
‫‪ 64‬ــــــــــــــــــــــــــ التعليقات العرفية عىل نرش العرف يف بناء بعض األحكام عىل العرف‬

‫لعي(‪ )2‬يف (جنايات اإلحرام)‪.‬‬


‫الز ْي ُّ‬
‫فيه(‪ ،)1‬ذكره َّ‬
‫وقال يف (باب األنجاس)‪ :‬إن اإلمام ‪ ‬يقول بتغليظ نجاسة األرواث؛‬
‫لقوله ‪ّ « :‬إّنا ركس»(‪ :)3‬أي نجس‪ ،‬وال اعتبار عنده بالبلوى يف موضع‬
‫أعم‪ ،‬اهـ(‪.)4‬‬
‫النص‪ ،‬كام يف بول اآلدمي‪ ،‬فإن البلوى فيه ّ‬
‫ّ‬
‫خاص وعا ٌم‪،‬‬
‫ٌّ‬ ‫أن العرف نوعان‪:‬‬ ‫ِ‬
‫جواب هذا اإلشكال‪ :‬اعلم ّ‬ ‫فنقول‪ :‬يف‬
‫الرشعي واملنصوص عليه يف كتب ظاهر‬ ‫يوافق الدَّ ليل َّ‬
‫َ‬ ‫ٌّ‬
‫وكل منهام إ ّما أن‬
‫الرواية أو ال‪ ،‬فإن وافقها فال كالم‪ ،‬وإال فإ ّما أن ُخيالف الدليل الرشعي أو‬ ‫ّ‬
‫املنصوص عليه يف املذهب(‪ ،)5‬فنذكر ذلك يف بابني‪:‬‬

‫(‪ )1‬ومسألة رعي حشيش احلرم وقطعه ورد فيه النص من الشارع احلكيم باملنع‪ ،‬قال‬
‫خي َت َىل خالها‪ ،‬فقال العباس‪ :‬يا رسول اهلل إال اإل ْذخر‪ ،‬فإنه لقينهم ولبيوهتم‪،‬‬
‫‪« :‬وال ُ ْ‬
‫فقال‪ :‬إال اإل ْذخر» يف صحيح مسلم ‪ ،982 :2‬وصحيح البخاري ‪ ،575 :2‬وغريها‪،‬‬
‫يعني وال يقطع وال يقلع‪ ،‬واخلال‪ :‬هو النبات الرطب الرقيق‪ ،‬بخالف ما يزرع الناس‬
‫فليس بحرام‪ .‬ينظر‪ :‬احلج والعمرة ص‪ ،50‬وغريها‪.‬‬
‫(‪ )2‬يف تبيني احلقائق‪.70 :2‬‬
‫(‪ )3‬فعن ابن مسعود ‪ ،‬قال‪« :‬خرج النبي ‪ ‬حلاجته فقال‪ :‬التمس يل ثالثة أحجار‪،‬‬
‫قال‪ :‬فأتيته بحجرين وروثة فأخذ احلجرين وألقى الروثة‪ ،‬وقال‪ :‬إّنا ركس» يف سنن‬
‫الرتمذي ‪ ،25 :1‬وسنن النسائي ‪ ،219 :4‬واملجتبى ‪39 :1‬‬
‫(‪ )4‬من تبيني احلقائق‪.74 :1‬‬
‫نص املذهب‬
‫ألن ّ‬ ‫ونص املذهب ُّ‬
‫حمل نظر؛ ّ‬ ‫(‪ )5‬تفريق ابن عابدين بني الدليل الرشعي ّ‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪65‬‬

‫الباب األول‬
‫إذا خالف العرف‬
‫الدليل الشعي‬
‫ِ‬
‫كتعارف‬ ‫َّص فال َش ّك يف ر ِّده‪:‬‬ ‫ٍ‬ ‫فإن خال َفه من ِّ‬
‫كل وجه بأن لزم منه ترك الن ّ‬
‫الربا ورشب اخلمر ولبس احلرير َّ‬
‫والذهب‬ ‫النّاس كثري ًا من املحرمات من ِّ‬
‫حتريمه ن َّص ًا‪.‬‬
‫ُ‬ ‫وغري ذلك ممَّا َو َر َد‬
‫كل ٍ‬
‫وجه‪:‬‬ ‫وإن مل خيالفه من ِّ‬
‫ِ‬
‫أفراده‪.‬‬ ‫ِ‬
‫بعض‬ ‫والعرف خالفه يف‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫الدليل عا ّم ًا‪،‬‬ ‫‪.1‬بأن َو َر َد‬

‫الرشع‪ُّ ،‬‬
‫وكل عمل فقهاء املذهب هو البيان‬ ‫هو عبار ٌة عن تفسري وتوضيح لدليل َّ‬
‫والتوضيح ملقصود الشارع؛ ّ‬
‫ألن املذاهب الفقهية هي علوم هلا قواعد راسخة ُوجدت‬
‫لتفسري كالم الرشع يف اجلانب العميل‪ ،‬فالفصل بينهام غري معترب؛ ألنه يعتمد الدليل‬
‫والنص من املذهب‬
‫ُّ‬ ‫ُ‬
‫الدليل من الرشع‬ ‫الرشعي بفهم املذهب له وتوضيحه ملراده‪ ،‬فكان‬
‫شيئ ًا واحد ًا يف إظهار مقصود الشارع احلكيم‪ ،‬فال جيوز لنا أن نفصل بينهام‪ ،‬حتى ال نقع‬
‫نص الفقهاء يكون‬
‫الرشعي‪ ،‬ولكي نستبعد أي توهم بأن ّ‬ ‫يف فهم مغلوط للدليل ّ‬
‫منفص ً‬
‫ال عن الدليل الرشعي؛ ألنه بيانه ملقصود الشارع ال غري‪.‬‬
‫‪ 66‬ــــــــــــــــــــــــــ التعليقات العرفية عىل نرش العرف يف بناء بعض األحكام عىل العرف‬

‫العرف‬
‫َ‬ ‫رب إن كان عا ّم ًا‪ ،‬فإن‬
‫العرف معت ٌ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫الدليل قياس ًا‪ ،‬فإن‬ ‫‪.2‬أو كان‬
‫رت ُك به القياس كام ّ‬
‫رصحوا به‬ ‫العام يصلح خمصص ًا‪ ،‬كام َم ّر عن «التَّحرير»‪ ،‬و ُي ْ َ‬
‫السقا‪.‬‬
‫والرشب من ّ‬
‫يف مسألة‪ :‬االستصناع‪ ،‬ودخول احلامم‪ُّ ،‬‬
‫املذهب‪ ،‬كام ذكره يف‬
‫ُ‬ ‫خاص ًا‪ ،‬فإنّه ال يعترب‪ ،‬وهو‬‫ّ‬ ‫العرف‬
‫ُ‬ ‫وإن كان‬
‫اخلاص‪ ،‬ولكن‬
‫ّ‬ ‫املذهب عد ُم اعتبار العرف‬
‫َ‬ ‫أن‬ ‫ُ‬
‫فاحلاصل ّ‬ ‫«األشباه» حيث قال‪:‬‬
‫َأ ْفتَى ٌ‬
‫كثري من املشايخ باعتباره(‪ ،)1‬اهـ(‪.)2‬‬
‫الربهانية»(‪ )3‬يف (الفصل الثامن من اإلجارات)‪ :‬فيام‬ ‫ِ‬ ‫وقال يف « َّ‬
‫الذخرية ُ‬
‫ينسجه بال ُّث ُلث‪ ،‬قال‪ :‬ومشايخ بلخ كنصري بن‬
‫َ‬ ‫لو َد َف َع إىل حائك غزالً عىل أن‬

‫كثري من املشايخ من اعتبار العرف اخلاص‪ ،‬وهذا ُّ‬


‫يدل عىل‬ ‫(‪ )1‬األوىل ما َأفتى به ٌ‬
‫اعتباره عندهم كالعرف العام؛ ألن التفريق بينهام ُّ‬
‫حمل نظر عموم ًا‪ ،‬فمن أين اكتسب‬
‫اخلاص‪ ،‬ومعلوم ّ‬
‫أن العرف غري معترب يف التَّرشيع‬ ‫ّ‬ ‫قوة مل يكتسبها العرف‬
‫العرف العام ّ‬
‫الشارع احلكيم‪ ،‬وهذا ال‬ ‫املحل لع ّلة َّ‬
‫ابتدا ًء‪ ،‬وإنّام ُيستفاد منه يف تفسري التَّرشيع‪ ،‬ومعرفة ّ‬
‫صالح للقيام هبذه الوظيفة‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫واحد منها‬ ‫اخلاص‪ُّ ،‬‬
‫فكل‬ ‫يفرتق به العرف العام عن العرف‬
‫ٌ‬ ‫ّ‬
‫اخلاص يتع َّل ُق‬ ‫والعرف‬
‫ُ‬ ‫أن العرف العام سيكون تأثريه يف ٍ‬
‫بيئة أكثر لشموله إياها‪،‬‬ ‫إال ّ‬
‫ُّ‬
‫ببيئة ّ‬
‫أقل القتصاره عليها‪ ،‬وال يعترب يف غريها‪ ،‬إال أن يقال‪ :‬املقصود بالعرف اخلاص‬
‫أفراد ًا حمصورين‪ ،‬فتعارفهم أمثاهلم ال يلتفت إليه‪ ،‬وال ُيعدّ عرف ًا صاحل ًا لتفسري حمل‬
‫علل األحكام‪.‬‬
‫(‪ )2‬من األشباه‪.89 :1‬‬
‫(‪ )3‬وهو حممد بن أمحد بن عبد العزيز‪ ،‬ابن مازه ال ُبخاري‪ُ ،‬برهان الدين‪ ،‬قال الكفوي‪:‬‬
‫كان إمام ًا فارس ًا يف البحث عديم النظري‪ ،‬له مشاركة يف العلوم وتعليق يف اخلالف‪ ،‬من‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪67‬‬
‫وغريمها ‪ ‬كانوا جييزون هذه اإلجارة يف ال َّثياب؛‬ ‫ِ‬ ‫(‪)2‬‬
‫حييى(‪ )1‬وحممد بن سلمة‬
‫َص به األَثر(‪.)4‬‬ ‫رت ُك به القياس(‪ُ ،)3‬‬ ‫لتعامل َأهل ِ‬
‫بلدهم‪ ،‬والت ُ‬
‫وخي ُّ‬ ‫َّعامل ُح َّج ٌة ُي ْ َ‬
‫وجتويز هذه اإلجارة يف ال ِّثياب للتَّعامل‪ ،‬بمعنى ختصيص الن ّ‬
‫َّص الذي‬ ‫ُ‬
‫أن‬ ‫َّص َو َر َد يف ِ‬
‫قفيز ال َّطحان ال يف احلائك‪ ،‬إال ّ‬ ‫َو َر َد يف قفيز ال َّطحان(‪)5‬؛ ّ‬
‫ألن الن ّ‬

‫مؤلفاته‪« :‬املحيط الربهاين»‪ ،‬و«ذخرية الفتاوي» املشهورة بـ«الذخرية الربهانية»‪ ،‬قال‬


‫رب‪( ،‬ت‪ .)616‬كام يف‬
‫اإلمام اللكنوي‪ :‬قد طالعت «الذخرية»‪ ،‬وهو جمموع نفيس ُمعت ٌ‬
‫اجلواهر‪ ،234-233 :3‬والفوائد ص‪ ،292-291‬والكشف‪.1619 :2‬‬
‫خي‪ ،‬أخذ الفقه عن أيب سليامن اجلوزجاين عن حممد‪،‬‬ ‫(‪ )1‬وهو نصري بن حييى ال َب ْل ّ‬
‫(ت‪268‬هـ)‪ .‬كام يف اجلواهر املضية‪ ،326 ،546 :3‬والفوائد ص‪.363‬‬
‫وزجاين‪ ،‬وشدَّ اد‬ ‫(‪ )2‬وهو حممد بن سلمة الب ْل ِ‬
‫خ ّي‪ ،‬أبو عبد اهلل‪ ،‬تفقه عىل أيب سليامن اجلُ َ‬ ‫َ‬
‫بن حكيم‪278-192( ،‬هـ)‪ .‬كام يف اجلواهر‪ ،163-162 :3‬والفوائد ص‪.279‬‬
‫(‪ )3‬أي القواعد التي يضعها الفقهاء لألبواب؛ لتفريع األحكام عليها‪ ،‬فكانت هذه‬
‫القواعد سبي ً‬
‫ال لتطبيق اإلسالم وعيشه‪ ،‬فإن تسببت هذه القواعد يف عكس ما ُوضعت‬
‫له‪ ،‬بحيث َع ُرس علينا تطبيق األحكام‪ ،‬فإننا نستحسن ونرتكها ونعمل بالعرف املتوافق‬
‫مع قدرة الناس عىل تطبيق اإلسالم‪.‬‬
‫األثر له ع ّلة ُبني عليها‪ ،‬والعرف يكون لتفسري حمل العلة‪ ،‬فتبني هبذا‬
‫أن َ‬ ‫(‪ )4‬املقصود به ّ‬
‫العرف احلادث عدم توفر علة األثر‪ ،‬فلن نطبق عليه حكم األثر‪ ،‬فكان هذا العرف‬
‫خمصص ًا لألثر‪.‬‬
‫(‪ )5‬من حديث ابن عمر وابن عباس وأيب سعيد اخلدري ‪ ‬يف سنن البيهقي‪،339 :5‬‬
‫وسنن الدراقطني ‪ ،47 :3‬وقال ابن حجر يف الدراية ‪ :190 :2‬يف إسناده ضعف‪ ،‬وقال‬
‫‪ 68‬ــــــــــــــــــــــــــ التعليقات العرفية عىل نرش العرف يف بناء بعض األحكام عىل العرف‬

‫َّص يف‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫نظريه‪ ،‬فيكون وارد ًا فيه داللة‪ ،‬فمتى تركنا‬ ‫َ‬
‫العمل بداللة هذا الن ّ‬ ‫احلائك ُ‬
‫ِ‬
‫قفيز ال َّطحان كان ختصيص ًا ال ترك ًا أصالً‪،‬‬ ‫بالنص يف‬ ‫ِ‬
‫احلائك وعملنا‬
‫ِّ‬
‫وختصيص النَّص بالتَّعامل جائز(‪.)1‬‬
‫ُ‬

‫بيع ما ليس عنده‬


‫واالستصناع ُ‬
‫ُ‬ ‫أال ترى أنّا َج َّوزنا االستصناع للتَّعامل‪،‬‬

‫البيهقي‪ :‬له طرق يقوي بعضها بعض ًا‪.‬‬


‫وملا كان حديث قفيز الطحان موافق ًا للقياس يف فساد اإلجارة إن كانت األجرة جمهولة‪،‬‬
‫كان االحتجاج به؛ ألنه تقوى هبذا القياس‪ ،‬ال سيام أن حديث النهي عن املزارعة‬
‫لألرض ببعض اخلارج يشهد له يف معناه يف كون هذه األجرة جمهولة‪ ،‬فعن زيد بن‬
‫ثابت ‪ ‬قال‪ّ« :‬نى رسول اهلل ‪ ‬عن املخابرة‪ .‬قلت‪ :‬وما املخابرة؟ قال‪ :‬أن تأخذ‬
‫األرض بنصف أو ثلث أو ربع» يف سنن أيب داود‪ ،283 :2‬ومسند أمحد‪ ،187 :5‬وقال‬
‫األرنؤوط‪ :‬صحيح‪ .‬فكان ذكرنا حلديث قفيز الطحان يف هذا الباب كناية عن أدلة‬
‫عديدة ُحيتج هبا يف عدم جواز أن تكون األجرة جمهولة‪.‬‬
‫أن النّهي كان وارد ًا رصحي ًا يف قفيز ال َّطحان؛ لوجود الع ّلة باجلهالة يف أجرة‬
‫(‪ )1‬معناه ّ‬
‫ال َّطحان‪ ،‬فكان العقد فاسد ًا‪ ،‬ومل يشمل النّص حياكة ال ِّثياب وإن كانت نظرية لقفيز‬
‫ألن الع َّلة مل تنتظمها‪ ،‬فلم تكن اجلهالة موجود ًة يف أجرة حياكة ال ِّثياب؛ ّ‬
‫ألّنا‬ ‫ال َّطحان؛ ّ‬
‫كانت منترشةً‪ ،‬وجرى فيها التعامل‪ ،‬فزالت اجلهالة منها‪ ،‬فجازت اإلجارة فيها بال‬
‫للنص‪ ،‬وإنّام ختصيص ًا له؛ لعدم وجود الع ّلة‪ ،‬ولو شاع قفيز‬
‫ّ‬ ‫فساد‪ ،‬ومل يكن هذا ترك ًا‬
‫الطحان وجرى عليه التعامل جلازت اإلجارة فيه عىل جزء منه؛ للتعامل؛ النتفاء الع ّلة‬
‫املانعة من اجلواز‪ ،‬وهي اجلهالة‪.‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪69‬‬
‫َّص الذي َو َر َد‬ ‫ختصيص منّا للن ِّ‬
‫ٌ‬ ‫(‪)2‬‬
‫وجتويز االستصناع بالتَّعامل‬
‫ُ‬ ‫منهي عنه(‪،)1‬‬
‫وأنّه ٌّ‬
‫ِ‬
‫َّص‬ ‫َّص َأ ْصالً؛ ألنا َعملنا بالن ِّ‬ ‫يف النَّهي عن بي ِع ما ليس عند اإلنسان ال ٌ‬
‫ترك للن ِّ‬
‫يف ِ‬
‫غري االستصناع‪.‬‬

‫قفيز الطحان فإنّه ال جيوز‪،‬‬ ‫أهل ٍ‬


‫بلدة َ‬ ‫قالوا‪ :‬وهذا بخالف ما لو تعامل ُ‬
‫وال تكون معامل ُتهم معتربة(‪)3‬؛ ألنّا لو اعتربنا معاملتهم كان ترك ًا للن ِّ‬
‫َّص‬

‫(‪ )1‬فعن حكيم بن حزام ‪ ‬قال‪« :‬قلت‪ :‬يا رسول اهلل يأتيني الرجل يسألني البيع‬
‫ليس عندي أبيعه منه ثم أتكلفه له من السوق‪ ،‬قال‪ :‬ال تبع ما ليس عندك» يف سنن أيب‬
‫داود ‪ ،283 :3‬واملجتبى ‪ ،289 :7‬وسنن البيهقي الكبري ‪ ،317 :5‬وعن عبد اهلل بن‬
‫عمرو ‪« :‬قال ‪ :‬ال حيل سلف وبيع‪ ،‬وال رشطان يف بيع‪ ،‬وال ربح ما مل يضمن‪ ،‬وال‬
‫بيع ما ليس عندك» يف سنن الرتمذي‪ ،535 :3‬وقال‪ :‬حسن صحيح‪ ،‬وصحيح ابن‬
‫حبان‪ ،161 :10‬واملستدرك‪ ،21 :2‬وسنن أيب داود ‪ ،283 :3‬وسنن النسائي الكربى‬
‫‪.39 :4‬‬
‫(‪ )2‬هذا التعامل كان من عرص النبي ‪ ،‬حيث منع من بيع ما ليس عند اإلنسان‪،‬‬
‫وجوز االستصناع‪ ،‬فعن ابن عمر ‪« :‬إن رسول اهلل ‪ ‬اصطنع خامت ًا من ذهب فكان‬
‫فصه يف باطن ك ّفه إذا لبسه‪ ،‬فصنع الناس‪ ،‬ثم إنه جلس عىل املنرب فنزعه‪ ،‬فقال‪:‬‬ ‫جيعل ّ‬
‫فصه من داخل فرمى به‪ ،‬ثم قال‪ :‬واهلل ال ألبسه أبد ًا‬
‫إين كنت ألبس هذا اخلاتم‪ ،‬وأجعل ّ‬
‫فنبذ الناس خواتيمهم» يف صحيح البخاري ‪ ،2205 :5‬وصحيح مسلم ‪،1655 :3‬‬
‫وصحيح ابن حبان ‪ ،302 :13‬وغريها‪.‬‬
‫(‪ )3‬بل ينبغي أن تكون معاملتهم معتربة إن تعارفها الناس وجرى التعامل عليها؛ ألن‬
‫ع ّلة النهي مل تعد موجودة‪ ،‬وهي اجلهالة‪ ،‬فحديث الطحان معلل بجهالة الثمن‪ ،‬فمتى‬
‫زالت العلة جاز العمل به‪ ،‬ولو يف قفيز الطحان‪.‬‬
‫‪ 70‬ــــــــــــــــــــــــــ التعليقات العرفية عىل نرش العرف يف بناء بعض األحكام عىل العرف‬

‫ختصيصه‪.‬‬
‫ُ‬ ‫َّص َأصالً‪ ،‬وإنّام جيوز‬
‫ترك الن ِّ‬ ‫َأص ً‬
‫ال(‪ ،)1‬وبالتَّعامل ال جيوز ُ‬
‫ألن ذلك تعامل َأهل ٍ‬
‫بلدة‬ ‫ولكن مشاخينا مل ُجي ِّوزوا هذا التَّخصيص(‪)2‬؛ ّ‬
‫َ‬
‫تعامل أهل بلدة إن‬ ‫ص األثر؛ ّ‬
‫ألن‬ ‫ٍ‬ ‫واحدة‪ ،‬وتعامل َأهل ٍ‬
‫خي ُّ‬
‫واحدة ال َ ُ‬ ‫بلدة‬
‫هل ب ٍ‬
‫لدة ُأخرى يمنع‬ ‫اقتىض أن جيوز التَّخصيص‪ ،‬فرتك التَّعامل من َأ ِ‬
‫بالش ِّك‪ ،‬بخالف التَّعامل يف االستصناع‪،‬‬
‫التَّخصيص‪ ،‬فال يثبت التَّخصيص ّ‬
‫ِ‬
‫البالد ك ِّلها‪ ،‬انتهى كالم « ّ‬
‫الذخرية»(‪.)3‬‬ ‫فإنه ُو ِجد يف‬

‫ألن الع ّلة مل‬


‫ختصيص له؛ ّ‬
‫ٌ‬ ‫للنص إن حصل به التَّعامل‪ ،‬وإنّام هو‬
‫ّ‬ ‫(‪ )1‬هذا ال ُي َعدُّ ترك ًا‬
‫نجوز‬ ‫تبق موجودةً‪ ،‬وإال ما الفرق بينه وبني حياكة الثِّياب‪ ،‬بحيث َّ‬
‫جوزنا هناك‪ ،‬ومل ِّ‬
‫هنا‪ ،‬وكأننا أوقفنا عقولنا‪ ،‬وأصبحنا نتعامل مع نصوص غري معقولة‪ ،‬فكان تعاملنا يف‬
‫املعامالت كام هو احلال يف العبادات من حيث فرضية عدد الركعات‪ ،‬ومثل هذا حجر‬
‫عىل املعامالت‪ ،‬وإغالق لباهبا فال ُيقبل‪.‬‬
‫(‪ )2‬أي يف بلدهم؛ ألن عرف بلدة أخرى ال يشملهم‪ ،‬فلم جيز يف حياكة ال ّثياب يف‬
‫بلدهم بجزء من النّاتج‪ ،‬وبقي األمر عندهم عىل القياس‪ ،‬بتقدير ُأجرة معينة؛ لوجود‬
‫اجلهالة املفضية للنزاع فيام يتع ّلق بأن تكون األجرة بعض العمل‪ ،‬ولو حصل عندهم‬
‫عرف بذلك وجرى عليه التعامل ينبغي أن جيوز‪ ،‬كام جاز يف البلدة األخرى‪ ،‬وهذا هو‬
‫اخلاص‪ ،‬فإنّه يقترص عىل َمن ُوجد عندهم‪ ،‬بخالف العرف العام مثل‬
‫ّ‬ ‫حال العرف‬
‫االستصاع‪ ،‬فإنّه يشمل عا ّمة البالد‪.‬‬
‫(‪ )3‬وفيها يف الفصل الرابع من كتاب الرشب‪ ،‬قال حممد‪ :‬إذا باع رشب يوم أو أقل من‬
‫ذلك أو أكثر فإنه ال جيوز إما ألنه باع ما ال يملك؛ ألن املاء قبل اإلحراز بام وضع‬
‫لإلحراز ال يصري مملوك ًا ألحد‪ ،‬وبيع ما ال يملك اإلنسان ال جيوز‪ ،‬وإما ألن املبيع‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪71‬‬
‫وقال يف «األشباه»‪« :‬تنبي ٌه‪ :‬هل من املعترب يف بناء األحكام العرف العام‬
‫خاص ًا؟‬
‫أو مطلق العرف ولو كان ّ‬
‫خاري ـ الذي‬
‫ّ‬ ‫األول(‪ :)1‬قال يف «ال َب َّزازية»(‪ )2‬معزي ًا إىل اإلمام ال ُب‬
‫املذهب ّ‬
‫اخلاص(‪ ،)3‬وقيل‪ :‬يثبت»‪ ،‬انتهى‪.‬‬ ‫ِ‬
‫بالعرف‬ ‫احلكم العا ُّم ال يثبت‬ ‫ُختِم به الفقه ـ‪:‬‬
‫ّ‬ ‫ُ‬

‫جمهول وبعض مشايخ بلخ كانوا يقولون‪ :‬إن أهل بلخ يتعاملون ذلك‪ ،‬والقياس يرتك‬
‫بالتعامل‪ ،‬والفقيه أبو جعفر وأبو بكر البلخي وغريمها من املشايخ مل جيوزوا ذلك‪،‬‬
‫وقالوا‪ :‬هذا تعامل بلدة واحدة‪ ،‬والقياس ال يرتك بتعامل بلدة واحدة‪ .‬منه رمحه اهلل‪.‬‬
‫(‪ )1‬قوله‪ :‬املذهب األول‪ ،‬يوهم بوجود مذهب آخر يف املسألة‪ ،‬ومل يذكر املصنف وال‬
‫ابن نجيم مذهب ًا آخر‪ ،‬وإنام اقترصا عىل ذكر املذهب األول فقط‪.‬‬
‫حلنَفي‪ ،‬املعروف‬
‫مي ا َ‬
‫(‪ )2‬وهو حممد بن حممد بن شهاب الك َْر َدري الربيقيني اخلَ َو َار ْز ّ‬
‫بابن ال َب َّزاز‪ ،‬حافظ الدين‪ ،‬قال الكفوي‪ :‬كان من أفراد الدهر يف الفروع واألصول‪،‬‬
‫البزازية‪ ،‬قال‬
‫وحاز قصبات السبق يف العلوم‪ .‬من مؤلفاته‪« :‬الوجيز» املشهور بالفتاوى َّ‬
‫اإلمام اللكنوي‪ :‬طالعت «الفتاوى البزازية» فوجدته مشتم ً‬
‫ال عىل مسائل حيتاج إليها‬
‫مما يعتمد عليها‪ .‬قيل‪ :‬أليب السعود املفتي مل ال جتمع املسائل املهمة‪ ،‬ومل تؤلف فيها‬
‫كتاب ًا‪ ،‬فقال‪ :‬أستحيي من صاحب «البزازية» مع وجود كتابه‪( .‬ت‪ ،)827‬كام يف تاج‬
‫الرتاجم ص‪ ،354‬والفوائد ص‪ ،309‬والكشف‪.24 :1‬‬
‫(‪ )3‬هذا كالم يف غاية الدقة؛ إذ ال ُيمكن اعتبار حكم عام يف مجيع البالد بسبب عرف‬
‫خاص ًا بأهل تلك البلدة فحسب‪ ،‬ويكون‬‫ّ‬ ‫خاص يف بلدة معينة‪ ،‬وإنّام يكون احلكم‬ ‫ّ‬
‫احلكم عا ّم ًا جلميع البالد إن كان صادر ًا من عرف عام يشمل مجيع البالد‪ ،‬قال احلموي‬
‫يف غمز عيون البصائر‪« :.315 :1‬يفهم منه أن احلكم اخلاص يثبت بالعرف اخلاص»‪.‬‬
‫‪ 72‬ــــــــــــــــــــــــــ التعليقات العرفية عىل نرش العرف يف بناء بعض األحكام عىل العرف‬
‫حلفظ ٍ‬
‫مرآة أو‬ ‫ِ‬ ‫املقرض‬ ‫و َي َت َف َّر ُع عىل ذلك‪ :‬لو استقرض ألف ًا واستأجر ِ‬
‫ٍ‬
‫بعرشة‪ ،‬وقيم ُتها ال تزيد عىل األجر‪ ،‬ففيها ثالث ُة أقوال‪:‬‬ ‫كل ٍ‬
‫شهر‬ ‫ٍ‬
‫ملعقة َّ‬

‫خواص ُبخارى‪.‬‬
‫ّ‬ ‫‪.‬صح ُة اإلجارة بال كراهة؛ اعتبار ًا لعرف‬
‫‪ّ 1‬‬
‫ِ‬
‫الكراهة؛ لالختالف‪.‬‬ ‫‪.‬والص ّح ُة مع‬ ‫‪2‬‬
‫ّ‬
‫صح َة اإلجارة بالتَّعارف العام‪ ،‬ومل يوجد‪ ،‬وقد َأ ْفتَى‬ ‫‪.3‬والفساد؛ َّ‬
‫ألن ّ‬
‫األكابر بفسادها‪.‬‬
‫َّعارف‬
‫ُ‬ ‫ويف «القنية»‪ :‬من (باب استئجار املستقرض من املقرض)‪ :‬الت‬
‫ٍ‬
‫واحدة عند البعض‪ ،‬وعند‬ ‫أهل ٍ‬
‫بلدة‬ ‫ِ‬
‫بتعارف ِ‬ ‫يثبت‬
‫تثبت به األحكام ال ُ‬
‫الذي ُ‬
‫بعض أهل ُبخارى‪ ،‬فلم يكن ُمتعارف ًا‬
‫البعض‪ :‬وإن كان يثبت لكن أحدثه ُ‬
‫خواصهم‪ ،‬فال يثبت‬
‫ُّ‬ ‫الّشء مل يعرفه عا ّم ُتهم‪ ،‬بل تعر ُفه‬ ‫مطلق ًا‪ ،‬كيف ّ‬
‫وإن هذا َّ‬
‫واب‪ ،‬انتهى‪.‬‬
‫الص ُ‬
‫التَّعارف هبذا القدر(‪ ،)1‬قال‪ :‬وهو َّ‬
‫هل ٍ‬
‫بلدة عىل‬ ‫َّحري‪ :‬لو تواضع َأ ُ‬
‫وذكر فيها من (كتاب الكراهية) قبيل الت ِّ‬
‫ٍ‬
‫زيادة يف سنجاهتم التي يوزن هبا الدَّ راهم واإلبريسم عىل خمالفة سائر البلدان‬
‫ليس هلم ذلك‪ ،‬انتهى‪.‬‬

‫(‪ )1‬هذا كالم لطيف يف بيان أن العرف إن مل يكن شائع ًا يف بلدة معينة ال يعترب‪،‬‬
‫وتعارف بعض أهل البلدة ليس بحجة‪ ،‬وال جيوز العمل به‪ ،‬حتى ينترش ويشيع وجيري‬
‫عليه التعامل عند عامة أهل البلدة‪ ،‬و ُيفهم من هذا عدم اعتبار عرف بلدة بعينه إن مل‬
‫يكن منترش ًا عند عامته؛ لتعارضه مع عرف آخر منترش يف هذه البلدة‪.‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪73‬‬
‫ويف (إجارة) «ال َب َّزاز ّية» عن (إجارة) «األصل»‪ :‬استأجره ليحمل طعا َمه‬
‫ٍ‬
‫بقفيز منه(‪ ،)1‬فاإلجار ُة فاسد ٌة وجيب أجر املثل ال يتجاوز به ا ُمل َس َّمى‪ ،‬وكذا لو‬
‫ينسجه بال ُّث ُلث‪ ،‬ومشايخ َب ْلخ وخوارزم َأفتوا‬
‫َ‬ ‫دفع إىل حائك غزالً عىل أن‬
‫ِ‬
‫َّسفي(‪ )2‬أيض ًا‪ ،‬والفتوى عىل‬ ‫بجواز إجارة احلائك للعرف‪ ،‬وبه َأفتى أبو ّ‬
‫عيل الن ُّ‬

‫(‪ )1‬ألنّه جعل األجر بعض ما خيرج من عمله‪ ،‬فيصري يف معنى قفيز الطحان‪ ،‬وقد ّني‬
‫بقفيز من ِ‬
‫دقيقه‪ ،‬فصار هذا أص ً‬
‫ال‬ ‫ٍ‬ ‫عنه ‪ ،‬وهو أن يستأجر ثور ًا؛ ليطحن له حنطة‬
‫يعرف به فساد جنسه‪ ,‬واملعنى فيه أن املستأجر عاجز عن تسليم األجر؛ ألنه بعض ما‬
‫رشط لصحة العقد‪ ،‬وهو ال يقدر ِ‬
‫بنفسه‪,‬‬ ‫ٌ‬ ‫خيرج من عمل األجري‪ ,‬والقدرة عىل التَّسليم‬
‫َّ‬
‫وإنَّام يقدر ِ‬
‫بغريه فال ُي َعدُّ قادر ًا ففسد‪ ،‬فإذا نسج أو محل فله أجر مثله ال جياوز به‬
‫والنسفي جييزون محل ال َّطعام ببعض املحمول‪ ،‬ونسج ال َّثوب‬
‫ّ‬ ‫املسمى‪ ،‬لكن مشايخ بلخ‬
‫ّ‬
‫جيوزه إنام مل جيوزه بالقياس‬ ‫ببعض املنسوج؛ لتعامل أهل بالدهم بذلك‪ ,‬وقالوا‪َ :‬من مل ِّ‬
‫فالنص‬ ‫َّص يتناوله دالل ًة‬ ‫ِ‬
‫الطحان والقياس يرتك بالتَّعارف‪ ,‬ولئن قلنا‪ّ :‬‬
‫ُّ‬ ‫إن الن َّ‬ ‫عىل قفيز‬
‫ص عن القواعد الرشع ّية‬ ‫القياس فيه ُ‬
‫وخ َّ‬ ‫ُ‬ ‫االستصناع ُت ِر َك‬
‫َ‬ ‫خيتص بالتَّعامل‪ ،‬أال ترى ّ‬
‫أن‬ ‫ُّ‬
‫بالتعامل‪ .‬ومشاخينا مل جيوزوا هذا التخصيص; ألن ذلك تعامل أهل بلدة واحدة وبه ال‬
‫كل البالد‪ ،‬وبمثلِ ِه ُيرتك‬
‫خيص األثر بخالف االستصناع‪ ،‬فإن التعامل به جرى يف ِّ‬
‫جوازه أن يشرتط قفيز ًا مطلق ًا من غري أن يشرتط أنّه‬‫ِ‬ ‫َص األثر‪ ,‬واحليل ُة يف‬
‫وخي ُّ‬
‫القياس ُ‬
‫ثم يعطيه منه‪ ،‬كام يف التبيني‪:5‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫من املحمول أو من املطحون‪ ،‬فيجب يف ذ ّمة املستأجر ّ‬
‫‪.130‬‬
‫(‪ )2‬وهو احلسني بن اخلرض‪ ،‬املشهور بأيب عيل النسفي‪ ،‬أخذ عن اإلمام أيب بكر حممد‬
‫بن فضل الك ََامري‪ ،‬وتفقه عليه شمس األئمة احللواين شيخ الرسخيس‪( ،‬ت‪424‬هـ)‪،‬‬
‫‪ 74‬ــــــــــــــــــــــــــ التعليقات العرفية عىل نرش العرف يف بناء بعض األحكام عىل العرف‬

‫النص»‪ ،‬انتهى كالم‬


‫منصوص عليه(‪ ،)2‬فيلزم إبطال ّ‬
‫ٌ‬ ‫جواب الكتاب(‪)1‬؛ ألنّه‬
‫«األشباه»(‪.)3‬‬
‫ض بأن‬ ‫ِ‬
‫املستقر ِ‬ ‫ِ‬
‫حيلة َأخذ ا ُمل ْق ِرض ربح ًا من‬ ‫أن ما ذكروا يف‬ ‫وحاص ُله‪ّ :‬‬
‫كل ٍ‬
‫شهر‬ ‫ض ملعق ًة مثالً‪ ،‬ويستأجره عىل حفظِها يف ِّ‬ ‫قر ِ‬‫ستقر ُض إىل ا ُمل ِ‬
‫يدفع ا ُمل ِ‬
‫ِ‬
‫بيع املنافع‬ ‫ألن اإلجار َة مرشوع ٌة عىل خالف القياس؛ ّ‬
‫ألّنا ُ‬ ‫غري صحيح؛ ّ‬ ‫بكذا ُ‬
‫املعدومة وقت العقد‪ ،‬وإنّام جازت بالتَّعارف العا ّم؛ ملا فيها من احتياج عا ّمة‬
‫ِ‬
‫خالف القياس‪.‬‬ ‫وخ َلف ًا‪ ،‬فجازت عىل‬ ‫النّاس إليها‪ ،‬وقد تعارفوها َس َلف ًا َ‬
‫بأن اإلجار َة إنّام جازت؛ لتعامل النَّاس‪ ،‬انتهى‪.‬‬ ‫الذخرية»‪ّ :‬‬ ‫ورص َح يف « َّ‬
‫َ َّ‬
‫حفظ ما ال َحيتاج إىل حفظِه‬
‫ِ‬ ‫وال خيفى أنّه ال رضورة إىل االستئجار عىل‬
‫جيز استئجار دا ّبة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بأضعاف قيمته‪ ،‬فإنّه ليس ممَّا يقصدُ ه ال ُعقالء؛ ولذا مل َ ْ‬
‫رصحوا به أيض ًا(‪ ،)5‬فتبقى عىل َأ ِ‬
‫صل‬ ‫ليحلبها أو دراهم؛ ل ُي َز ِّي َن هبا دكانة‪ ،‬كام َّ‬
‫(‪)4‬‬

‫كام يف طبقات ابن احلنائي ر‪ ،78‬ويف اجلواهر املضية‪ :68 :2‬احلسن بن عبد امللك‬
‫الن ََّس ِف ّي‪ ،‬القايض‪ ،‬أبو عيل‪ ،‬من شيوخ أيب الع َّباس املُ ْس َت ْغ ِف ِر ّي‪.‬‬
‫(‪ )1‬أي األصل ملحمد بن احلسن الشيباين‪ ،‬وهو املشهور باملبسوط‪.‬‬
‫نص حديث «قفيز الطحان»‪ ،‬فال‬
‫(‪ )2‬عدم اجلواز بأن األجرة بعض اخلارج‪ ،‬كام يف ّ‬
‫عرف به‪ ،‬فيُفتى باجلواز‪ ،‬وال يكون هذا‬
‫ٌ‬ ‫ُيفتى بجواز ذلك للجهالة‪ ،‬إال إن حصل‬
‫ٍ‬
‫حينئذ‪.‬‬ ‫إبطاالً للنص‬
‫(‪ )3‬األشباه‪.88 :1‬‬
‫(‪ )4‬يف األصل‪ :‬ليجنبها‪.‬‬
‫(‪ )5‬أي رصحوا بعدم جواز هذه األنواع من اإلجارة مثل استئجار الدّ ابة للحلب‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪75‬‬
‫رت ُك به‬ ‫اص(‪ّ ،)1‬‬ ‫ِ‬
‫اخلاص ال ُي ْ َ‬
‫ّ‬ ‫العرف‬
‫َ‬ ‫فإن‬ ‫القياس‪ ،‬وال يثبت جوازها بالعرف اخل ّ‬
‫بعض‬‫بلدة‪ ،‬بل تعارفه ُ‬ ‫العرف مل يشتهر يف ٍ‬ ‫الصحيح‪ ،‬عىل ّ‬
‫أن هذا‬
‫َ‬ ‫القياس يف َّ‬
‫أهل ُبخارى دون عا ّمتِهم‪ ،‬وال يثبت التَّعارف بذلك‪.‬‬
‫ِ‬
‫وأ ّما مسأل ُة زيادة ِّ‬
‫السنجات‪:‬‬

‫هل تلك البلدة يزيد يف سنجته ما‬ ‫كل ٍ‬


‫أحد من َأ ِ‬ ‫أن َّ‬
‫‪.‬فإن كان املرا ُد هبا ّ‬
‫‪ّ 1‬‬
‫َأراد‪ ،‬فاملنع منه ظاهر‪.‬‬

‫فوجه املنع ـ واهلل تعاىل‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬


‫خاصة‪ُ ،‬‬
‫‪.2‬وإن كان املرا ُد أن يتفقوا عىل زيادة ّ‬
‫أعلم ـ أنّه يلزم منه اجلهالة والتَّغرير إذا اشرتوا هبا من رجل غريب‪ ،‬يظنُّها عىل‬
‫عادة بق ّي ِة البالد‪.‬‬
‫ِ‬

‫وأ ّما مسأل ُة‪ :‬استئجار احلائك ونحوه‪ ،‬فقد علمت تقريرها من عبارة‬
‫« َّ‬
‫الذخرية»‪.‬‬

‫والدراهم للزينة؛ لعدم تعارف الناس عليها‪ ،‬ولو تعارفوا عليها جلازت‪ ،‬ولرتك القياس‬
‫يف عدم جوازها‪.‬‬
‫(‪ )1‬أي ال يثبت جواز استئجار امللعقة بالعرف اخلاص؛ لكون عرف ًا فاسد ًا حيتال به عىل‬
‫جواز الربا‪ ،‬فكيف تستأجر ملعقة ثمنها درهم للحفظ بعرشة دراهم‪ ،‬ويكون بني‬
‫ِ‬
‫للمقرض‪ ،‬وأمثال‬ ‫املتعاقدين إقراض‪ ،‬فكان سبي ً‬
‫ال منهم لتحقيق الربا بإيصال النفع‬
‫هذا ال يعترب به العرف‪ ،‬وتأيد ذلك بأن كان عرف ًا خاص ًا ببعض أهل البلدة ومل يكن‬
‫منترش ًا عند عامته‪ ،‬فمثل هذا العرف ال يعتمد أصالً‪.‬‬
‫‪ 76‬ــــــــــــــــــــــــــ التعليقات العرفية عىل نرش العرف يف بناء بعض األحكام عىل العرف‬

‫وامللح مكيل ًة أبد ًا؛ ِّ‬


‫لنص رسول اهلل‬ ‫َ‬ ‫َّمر‬
‫عري والت َ‬ ‫الرب َّ‬
‫والش َ‬ ‫اح ّ‬
‫أن ُ ّ‬ ‫الرش ُ‬
‫ذكر ُّ َّ‬
‫َ‬
‫يتغري أبد ًا‪ ،‬فيشرتط التَّساوي بالكيل‪ ،‬وال ُي ْل َت َف ُت إىل التَّساوي‬
‫‪ ‬عليها(‪ ،)1‬فال َّ‬
‫جيز‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫بحنطة وزن ًا ال كي ً‬ ‫ِ‬
‫الكيل‪ ،‬حتى لو باع حنط ًة‬ ‫ِ‬
‫ال مل َ ُ‬ ‫الوزن دون‬ ‫يف‬

‫والفضة موزون ًة أبد ًا؛ للن ِّ‬


‫َّص عىل وزّنام(‪ ،)2‬فال ُبدّ من التَّساوي‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬
‫والذهب‬

‫والشعري بالشعري‪،‬‬
‫ُ‬ ‫التمر بالتمر‪ ،‬واحلنط ُة باحلنطة‪،‬‬
‫(‪ )1‬فعن أيب هريرة ‪ ‬قال ‪ُ « :‬‬
‫فمن زاد أو استزاد فقد أربى إالّ ما اختلفت ألوانه» يف‬
‫ال بمثل‪ ،‬يد ًا بيد‪َ ،‬‬
‫وامللح بامللح مث ً‬
‫ُ‬
‫صحيح مسلم‪.1211 :3‬‬
‫نالحظ من لفظ هذا احلديث وغريه عدم التَّنصيص عىل عدم جواز بيعها مكايلة‪ ،‬وإنّام‬
‫ورد النَّص بجواز بيعها متساوية‪ ،‬وهذه األصناف األربعة طريقة تقديرها يف ذلك‬
‫الشارع‪ ،‬وملَّا‬ ‫ُ‬
‫الكيل هو الوسيلة؛ لتحقيق املساواة التي طلبها َّ‬ ‫الزمان هي الكيل‪ ،‬فكان‬
‫الزمان‪ ،‬ومل ُيعرف غريها يف التقدير يف هذه‬ ‫كانت هذه ال َّطريقة هي َّ‬
‫الشائعة يف ذلك َّ‬
‫األصناف وجدنا أبا حنيفة وحممد ًا اقترصوا عليها كأداة وحيدة للتقدير يف هذه‬
‫لقوة العرف يف ذلك‪.‬‬
‫األصناف‪ ،‬ومل يعتربوا غريها؛ ّ‬
‫ويدل عىل صحة هذا الفهم اخلالف يف املسألة مع أيب يوسف‪ ،‬فلو كانت النّصوص‬
‫بأّنا مكيلة أو موزونة ملا خالف أبو يوسف فيها‪ ،‬ومل حيصل من خالف عند‬
‫جازمة ّ‬
‫املذاهب األخرى يف علة الربا فيها‪ ،‬حيث مل يعتربوا الكيل والوزن‪ ،‬وإنام اعتربوا معاين‬
‫فكل هذا ّ‬
‫دل عىل أّنا مسألة فهم واجتهاد‪ ،‬وليست مسألة‬ ‫أخرى الطعم واالدخار‪ّ ،‬‬
‫الرشاح املنقول‪.‬‬
‫نص جازم ال جيوز لنا تركه‪ ،‬كام ُيفهم من كالم َّ ّ‬
‫ّ‬
‫(‪ )2‬فعن عبادة بن الصامت ‪ ،‬قال ‪« :‬الذهب بالذهب والفضة بالفضة‪...‬مثالً‬
‫بمثل سواء بسواء يد ًا بيد‪ »...‬يف صحيح مسلم ‪ ،1211 :3‬وعن أيب سعيد اخلُدري‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪77‬‬
‫ال ال وزن ًا مل جيز‪.‬‬ ‫الذهب َّ‬
‫بالذهب كي ً‬ ‫يف الوزن‪ ،‬حتى لو تساوى َّ‬

‫َّص‬ ‫ألن طاع َة رسول اهلل ‪ ‬واجب ٌة علينا؛ ّ‬


‫ألن الن َّ‬ ‫بالفض ِة؛ ّ‬‫َّ‬ ‫الفض ُة‬
‫وكذا ّ‬
‫ٌ‬
‫حممول‬ ‫َص عليه‪ ،‬فهو‬ ‫َأ ْق َوى من العرف‪ ،‬فال ُي ْ َ‬
‫رت ُك األقوى باألدنى(‪ ،)1‬وما مل ُين َّ‬
‫ألّنا دالل ٌة عىل جواز احلكم‪ ،‬انتهى‪.‬‬
‫عىل عادات النَّاس؛ ّ‬
‫فإن قلت‪ :‬قد ُر ِوي عن أيب يوسف ‪ ‬اعتبار العرف يف هذه األشياء‬
‫الذهب‪ ،‬وبالوزن يف احلنطة إذا‬ ‫ِ‬
‫بالكيل يف َّ‬ ‫املنصوصة‪ ،‬حتى َج َّوز التَّساوي‬

‫ال بمثل‪ ،‬وال تش ّفوا بعضها عىل بعض‪،‬‬


‫‪ ،‬قال ‪« :‬ال تبيعوا الذهب بالذهب إال مث ً‬
‫وال تبيعوا الورق بالورق إال مث ً‬
‫ال بمثل‪ ،‬وال تشفوا بعضها عىل بعض‪ ،‬وال تبيعوا منها‬
‫غائب ًا بناجز» يف صحيح البخاري ‪ ،761 :2‬وصحيح مسلم ‪ ،1208 :3‬وعن ابن عمر‬
‫‪ ،‬قال عمر ‪« :‬ال تبيعوا الذهب بالذهب إال مث ً‬
‫ال بمثل‪ ،‬وال تبيعوا الورق بالورق‬
‫إال مث ً‬
‫ال بمثل‪ ،‬وال تبيعوا الورق بالذهب أحدمها غائب واآلخر ناجز‪ ،‬وإن استنظرك‬
‫حتى يلج بيته فال تنظره إين أخاف عليكم الربا» يف املوطأ‪ ،634 :2‬وملا ما أوردنا سابق ًا‬
‫يف الكيل يرد هنا‪.‬‬
‫نص وعرف‪ ،‬بحيث ُيرتك‬ ‫(‪ )1‬من خالل املناقشة السابقة رأينا ّ‬
‫أن املسألة ليست مسألة ّ‬
‫الرشعية ال‬ ‫النص أصالً؛ ّ‬
‫ألن األحكام َّ‬ ‫ّ‬ ‫أحدمها لآلخر؛ ألنه مل يكن العرف يزاحم‬
‫تؤخذ إال من الشارع احلكيم‪ ،‬وال تؤخذ مطلق ًا من العرف‪ ،‬وإنام يراعى العرف عند‬
‫تطبيق احلكم الرشعي من اهلل ‪ ،‬فيكون العرف معرف ومرشد لصالحية احلكم‬
‫بتوفر ع ّلة ّ‬
‫النص وعدم توفرها‪ ،‬وليس البحث أبد ًا يف منافسة بني حكم الشارع وحكم‬
‫العرف؛ ّ‬
‫ألن احلكم ال يكون إال من الشارع‪ ،‬والعرف يساعدنا يف فهمه وتطبيقه ال‬
‫غري‪.‬‬
‫‪ 78‬ــــــــــــــــــــــــــ التعليقات العرفية عىل نرش العرف يف بناء بعض األحكام عىل العرف‬

‫َّص‪ ،‬فيلزم أن جيوز‬ ‫تعارفه النَّاس‪ ،‬فهذا فيه اتّباع العرف الالزم منه ُ‬
‫ترك الن ّ‬
‫َّص‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ونحوه للعرفِِ وإن خالف الن ّ‬ ‫الربا‬ ‫ِ‬
‫جتويز ِّ‬ ‫عنده ما شاهبه من‬
‫قلت‪ :‬حاشا هلل أن يكون مرا ُد أيب يوسف ‪ ‬ذلك‪ ،‬وإنام أراد تعليل‬
‫بأّنا‬ ‫الرب َّ‬
‫والشعري والتَّمر وامللح ّ‬ ‫َص عىل ُ ّ‬ ‫َّص بالعادة‪ ،‬بمعنى أنّه إنّام ن َّ‬ ‫الن ّ‬
‫بأّنا موزون ٌة؛ لكوّنام كانا يف ذلك الوقت‬ ‫والفضة ّ‬
‫ّ‬ ‫مكيل ٌة‪ ،‬وعىل َّ‬
‫الذهب‬
‫ِ‬
‫للعادة حتى لو كانت العاد ُة يف ذلك‬ ‫َّص يف ذلك الوقت إنّام كان‬ ‫كذلك‪ ،‬فالن ُّ‬
‫الذهب لورد النَّص عىل ِ‬
‫وفقها‪.‬‬ ‫الرب وكيل َّ‬
‫َ َ ُّ‬ ‫الوقت وزن ُ ّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫البعض هي‬ ‫والوزن يف‬ ‫البعض‬ ‫الكيل يف‬ ‫فحيث كانت الع َّل ُة للن ِّ‬
‫َّص عىل‬
‫العاد ُة‪ ،‬تكون العادة هي املنظور إليها‪ ،‬فإذا َت َغ َّ َري ْت ت َّ َ‬
‫َغري احلكم‪ ،‬فليس يف‬
‫وظاهر كال ِم‬
‫ُ‬ ‫َّص‪،‬‬ ‫اعتبار العادة ا ُمل َت َغ ِّرية احلادثة خمالف ٌة للن ّ‬
‫َّص‪ ،‬بل فيه اتّباع الن ّ‬
‫الرواية‪.‬‬
‫ترجيح هذه ِّ‬
‫َ‬ ‫ابن اهلُامم‬‫ا ُملح ِّقق ِ‬

‫بيع الدَّ راهم بالدَّ راهم أو استقراضها‬‫َّاس َ‬ ‫وعىل هذا لو تعارف الن ُ‬
‫بالعدد(‪ )1‬كام يف زماننا ال يكون خمُالف ًا للن ِّ‬
‫َّص‪ ،‬فاهللُ تعاىل جيزي اإلما َم أبا‬
‫الزمان خري اجلزاء‪ ،‬فلقد َسدَّ عنهم باب ًا عظي ًام من‬
‫يوسف ‪ ‬عن أهل هذا َّ‬
‫الربا‪.‬‬
‫ّ‬

‫(‪ )1‬أي بسبب أن الدراهم بينها تفاوت يسري جد ًا يف الوزن بسبب القطع‪ ،‬فلو اعترب‬
‫الوزن مل جتز‪ ،‬واعتبار العدد جيعله جائز ًا‪...‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪79‬‬
‫واية العالمة سعدي َأفندي(‪ )1‬يف‬ ‫هذه الر ِ‬ ‫بتخريج هذا عىل ِ‬
‫ِ‬ ‫رص َح‬
‫ِّ‬ ‫وقد َ َّ‬
‫«حاشيته عىل العناية»‪ ،‬ونقله عنه يف «النَّهر»(‪ )2‬و َأ َق َّره‪ ،‬وكذلك نقله يف «الدر‬
‫املختار»(‪ ،)3‬وقال‪ :‬ويف «الكايف»‪ :‬الفتوى عىل عادة الناس‪ ،‬انتهى‪.‬‬
‫و َذكَر نحوه يف آخر «ال َّطريقة املحمدية» للعارف ِ ِ‬
‫ْيل(‪ )4‬فقال‪ :‬وال‬
‫الربك ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ َ‬

‫(‪ )1‬وهو سعد اهلل بن عيسى بن أمري خان القسطموين الرومي احلنفي‪ ،‬الشري بسعدى‬
‫چلبي أو سعدي أفندي‪ ،‬القايض بالقسطنطينية واملفتي هبا‪ ،‬من تالميذه قايض زاده‪،‬‬
‫صنف «حاشية عىل أنوار التنزيل» للبيضاوي‪ ،‬و«حاشية عىل العناية رشح اهلداية»‪،‬‬
‫و«حاشية عىل القاموس» للفريوز آبادي‪ ،‬و«منظومة يف الفقه تركي»‪( ،‬ت‪945‬هـ)‪،‬‬
‫كام يف اهلدية العالئية‪ ، 203 :1‬واألعالم‪.‬‬
‫(‪ )2‬وهو عمر بن إبراهيم بن حممد‪ ،‬املشهور ابن ُن َج ْيم امل ِ ْرص ّي احلنفي‪ ،‬رساج الدين‪،‬‬
‫أخو صاحب «البحر الرائق»‪ ،‬من مؤلفاته‪« :‬النهر الفائق برشح الكنز الدقائق»‪،‬‬
‫و«إجابة السائل باختصار أنفع الوسائل»‪ ،‬و«عقد اجلواهر يف الكالم عىل سورة‬
‫الكوثر»‪( ،‬ت‪1005‬هـ)‪ ،‬كام يف خالصة األثر‪ ،307-306 :3‬وطرب األماثل‬
‫ص‪ ،509‬ومعجم املؤلفني‪.551 :2‬‬
‫حلن َِفي‪ ،‬عالء الدين‪ ،‬قال املحبي‪:‬‬ ‫ِ‬
‫حل ْصكَفي ا َ‬
‫ِ‬
‫(‪ )3‬وهو حممد بن عيل بن حممد احل ْصني ا َ‬
‫مفتي احلنفية بدمشق‪ ،‬وصاحب التصانيف الفائقة يف الفقه وغريه‪ ،‬من مؤ َّلفاته‪« :‬الدر‬
‫املختار رشح تنوير األبصار»‪ ،‬و«الدر املنتفى رشح ملتقى األبحر»‪ ،‬و«إفاضة األنوار‬
‫رشح املنار»‪ ،‬و«خمترص الفتاوى الصوفية»‪( ،‬ت‪1088‬هـ)‪ ،‬كام يف خالصة األثر‪:4‬‬
‫‪ ،65-63‬وطرب األماثل ص‪ ،566-564‬واألعالم‪.188 :7‬‬
‫ومي ‪ ،‬حميي الدين‪ ،‬من مؤلفاته‪« :‬الطريقة‬ ‫(‪ )4‬وهو حممد بن بري عيل ِ ِ‬
‫الر ّ‬
‫الربكيل ُّ‬
‫ْ‬
‫‪ 80‬ــــــــــــــــــــــــــ التعليقات العرفية عىل نرش العرف يف بناء بعض األحكام عىل العرف‬

‫الضعيفة(‪ )1‬عن أيب يوسف ‪.‬‬ ‫حيلة فيه إال التَّمسك بالر ِ‬
‫واية َّ‬ ‫ِّ‬ ‫ُّ‬
‫َّابليس(‪ )2‬يف رشحه عىل «ال َّطريقة املحمد َّية»‬
‫ّ‬ ‫وذكر سيدي عبد الغني الن‬
‫والفض َة‬
‫ّ‬ ‫هب‬ ‫ألن َّ‬
‫الذ َ‬ ‫الرواية؛ ّ‬
‫ما حاصله‪ :‬أنّه ال حاجة إىل خترجيه عىل هذه ِّ‬
‫السلطانية معلوم ًا املقدار بني املتعاقدين‪ ،‬فذكر‬
‫بالسكة ُّ‬
‫املرضوبني املدموغني ّ‬
‫العدد كناي ًة عن الوزن اصطالح ًا‪ ،‬والنقصان احلاصل بالقطع جزئي ال‬
‫الرشعي‪.‬‬
‫ّ‬ ‫يدخل حتت املعيار‬
‫ظاهر عىل ما كان يف زمن ِ ِه من عد ِم اختالف وزّنا‪ ،‬أ ّما يف‬
‫ٌ‬ ‫أقول‪ :‬هذا‬
‫ف سكتَه عن سك ِّة السلطان الذي قبله يف‬ ‫زماننا فيختلف‪ُّ ،‬‬
‫فكل سلطان ُخي ِّف ُ‬
‫أعزه اهلل تعاىل ـ ختتلف يف النّوع‬
‫النوع الواحد‪ ،‬بل سكة سلطان زماننا ـ ّ‬

‫املحمدية»‪ ،‬و«جالء األفهام»‪ ،‬و«إنقاذ اهلالكني»‪ ،‬و«تنبيه الغافلني»‪ ،‬و«معدل‬


‫الصالة»‪ ،‬و«متن العوامل»‪981-929( ،‬هـ)‪ ،‬كام يف طرب األماثل ص‪،558‬‬
‫والكشف‪ ،1111 :2‬واألعالم‪ ،286 :6‬ومعجم املؤلفني‪.176 :3‬‬
‫(‪ )1‬اعتبار قول أيب يوسف‪ ،‬رواية ضعيفة‪ ،‬فيه تساهل؛ ألنه قول معتمد عند أيب‬
‫يوسف‪ ،‬وعرب عنها بأّنا ضعيفة؛ ألنه تقابل قول أيب حنيفة ال غري‪ ،‬وال يقبل أّنا‬
‫ضعيفة؛ إذ رصح يف كثري من الكتب أن العمل عليها‪.‬‬
‫(‪ )2‬وهو عبد الغني بن إسامعيل بن عبد الغني بن إسامعيل بن أمحد بن إبراهيم‬
‫النابليس احلنفي الصويف‪ ،‬من مؤلفاته‪« :‬احلديقة الندية رشح الطريقة املحمدية»‪،‬‬
‫و«تعطري األنام يف تعبري األحالم»‪ ،‬و«ّناية املراد يف رشح هداية ابن العامد»‪ ،‬وقد‬
‫زادت مؤلفته عن مئتني‪1143-1050( ،‬هـ)‪ ،‬كام يف طرب األماثل ص‪،511-510‬‬
‫واألعالم‪.159-158 :4‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪81‬‬
‫السك ّة يف ّأول مدّ ته تكون أثقل منها يف‬ ‫السالطني قبله ّ‬
‫فإن ّ‬ ‫الواحد‪ ،‬وكذا َّ‬
‫الذهب من نوع واحد خيتلف وزنه‪ ،‬وال ينظر املتعاقدان‬ ‫ُ‬
‫فالريال أو َّ‬ ‫آخرها‪،‬‬
‫غري مشار إليه‪،‬‬ ‫ِ‬
‫مقدار ال َّث ِ‬ ‫صحة البيع معرف ُة‬
‫من إذا كان َ‬ ‫إىل ذلك‪ ،‬ورشط ّ‬
‫وكذا األجر ُة ونحوها‪.‬‬
‫والفض ُة موزونان‪ ،‬فإذا اشرتى شيئ ًا بعرشين رياالً مث ً‬
‫ال ال ُبدَّ‬ ‫ّ‬ ‫هب‬ ‫َّ‬
‫والذ ُ‬
‫أن الريال املذكور من رضب سنة كذا؛‬ ‫وحممد ‪ ‬من ِ‬
‫بيان ّ‬ ‫عىل قول أيب حنيفة ُ ّ‬
‫ليكون متحد الوزن‪.‬‬
‫اجلهادي ّ‬
‫والذهب العديل‬ ‫ّ‬ ‫املحمودي‬
‫ّ‬ ‫بالذهب كال َّذهب‬
‫وكذا لو اشرتى َّ‬
‫نوع‬
‫الريال الفرنجي ٌ‬
‫ال منهام متفاوت األفراد يف الوزن‪ ،‬وكذا ِّ‬ ‫يف زماننا‪ّ ،‬‬
‫فإن ك ً‬
‫منه أثقل من نوع‪.‬‬
‫الزمان فاسد ٌة من بيع وقرض ورصف‬ ‫فعىل ِ‬
‫قوهلام مجيع عقود أهل هذا َّ‬
‫وحوالة وكفالة وإجارة ورشكة ومضاربة وصلح‪ ،‬وكذا يلزم فساد التَّسمية‬
‫والش ِ‬
‫هادة باملال‬ ‫ِ‬
‫والقضاء َّ‬ ‫ِ‬
‫وفساد الدَّ عوى‬ ‫ٍ‬
‫وعتق عىل مال‬ ‫يف ِ‬
‫نحو نكاحٍ وخل ٍع‬
‫الرشع ّية‪.‬‬
‫وغري ذلك من املعامالت َّ‬
‫الزمان ال ينظرون إىل هذا التَّفاوت‪ ،‬بل يشرتي أحدُ هم‬‫أهل هذا َّ‬ ‫فإن َ‬
‫ثم يدفع ال َّثقيل أو اخلفيف‪ ،‬وكذا يف اإلجارة‬ ‫ِ‬
‫الريال و ُي ْطل ُق‪ّ ،‬‬ ‫َّ‬
‫بالذهب أو ِّ‬
‫والدَّ عوى وغريها‪.‬‬
‫اخلفيف وبالعكس‪ ،‬ويقبل املقرض‬
‫َ‬ ‫وكذا يستقرض ال َّثقيل ويدفع بد َله‬
‫‪ 82‬ــــــــــــــــــــــــــ التعليقات العرفية عىل نرش العرف يف بناء بعض األحكام عىل العرف‬

‫الربا؛ لتح ُّقق التَّفاوت يف‬


‫منه ذلك ما مل ختتلف القيمة‪ ،‬ويلزم من ذلك حت ُّقق ِّ‬
‫اهر ّ‬
‫أن‬ ‫عي كالقرياط‪ ،‬واألكثر‪ ،‬بل ال ّظ ُ‬ ‫الرش ّ‬
‫الوزن بام يدخل حتت املعيار َّ‬
‫ينقص قمح ًة عن‬
‫ُ‬ ‫هب الذي‬ ‫ألن َّ‬
‫الذ َ‬ ‫معيار يف زماننا؛ ّ‬
‫ٌ‬ ‫لذ ِ‬
‫هب‬ ‫القمح َة يف ا َّ‬
‫الزائد فال يعتربون‬ ‫لطان عليه ُحياسبون عىل ِ‬
‫نقصه‪ ،‬أ ّما ّ‬ ‫الس ُ‬ ‫ِ‬
‫معياره الذي رض َبه ُّ‬
‫هب املشخص إذا زاد قمح ًة أو أكثر‪.‬‬‫كالذ ِ‬
‫الزيادة َّ‬ ‫فيه ّ‬
‫الزمان حرج ًا عظي ًام؛ ملا علمته من لزوم‬ ‫أن يف ِ‬
‫قوهلام يف هذا َّ‬ ‫وال خيفى ّ‬
‫هذه املحظورات‪.‬‬
‫ٍ‬
‫وجاهل وصالحٍ وطالحٍ فيلزم‬ ‫ِ‬
‫عقوِلم من عاملٍ‬ ‫وقد ركز هذا العرف يف‬
‫هذه الر ِ‬
‫واية عن أيب يوسف‬ ‫هل العرص‪ ،‬فيتعني اإلفتاء بذلك عىل ِ‬‫منه تفسيق أ ِ‬
‫ِّ‬
‫‪ ،‬لكن فيه شبهة(‪:)1‬‬

‫الروايات املشهورة يف املذهب عن أئمتنا‬ ‫(‪ )1‬قوله‪ :‬لكن فيه شبهة‪...‬الخ‪ ،‬وجهه‪ّ :‬‬
‫أن ِّ‬
‫ال أو بكونه موزون ًا جيب اتباعه‪ ،‬حتى لو تعارف‬
‫َّص بكونه مكي ً‬ ‫ال َّثالثة ّ‬
‫أن ما ورد الن ّ‬
‫َّص كذلك‪،‬‬
‫يصح بيعها إال بالكيل؛ لورود الن ّ‬
‫ّ‬ ‫النَّاس وزن احلنطة َّ‬
‫والشعري ونحومها ال‬
‫وروي اعتبار‬
‫والزيت ُيعترب فيه عادة النَّاس‪ُ ،‬‬
‫والسمن َّ‬ ‫نص كاحلديد َّ‬‫وما مل يرد فيه ٌّ‬
‫العرف عىل خالف املنصوص عليه أيض ًا كام يف «اهلداية» وغريها‪.‬‬
‫تغري العرف حتى صار املكيل موزون ًا واملوزون‬
‫الرواية لو ّ‬
‫واملتبادر من هذا أنّه عىل هذه ِّ‬
‫نص ًا ُيباع جمازف ًة ال ُيعترب؛ ملا فيه من‬ ‫مكي ً‬
‫ال ُيعترب العرف الطارئ‪ ،‬أ ّما لو صار املكيل ّ‬
‫الربوية املتفق عىل قبوهلا‪ ،‬والعمل هبا بني األئمة‬ ‫ِ‬
‫إبطال نصوص التَّساوي يف األموال َّ‬
‫املجتهدين‪ ،‬منه [أي ابن عابدين] رمحه اهلل‪.‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪83‬‬
‫كيل أو ٍ‬
‫وزن‪ ،‬أ ّما إلغاؤمها‬ ‫وهي َأ ّن ال َّظاهر من هذه الر ِ‬
‫واية املعيار من ٍ‬ ‫ِّ‬ ‫َ‬
‫خالف‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫والعدول عنهام إىل العدد املتفاوت األفراد يف الوزن فهو‬ ‫بالكل ّي ِة‬
‫الرصيح يف اشرتاط املساواة يف املكيالت‬ ‫ال َّظاهر‪ ،‬وخالف الن ّ‬
‫َّص َّ‬
‫واملوزونات(‪.)1‬‬
‫واخلروج من اإلثم عند اهلل تعاىل إ ّما بنا ًء عىل‬
‫ُ‬ ‫اجلواز‬
‫ُ‬ ‫وعىل ٍّ‬
‫كل فينبغي‬
‫للرضورة‪.‬‬ ‫ِ‬
‫بالعرف أو َّ‬ ‫ِ‬
‫العمل‬
‫فقد َأجازوا ما هو دون ذلك يف َّ‬
‫الرضورة‪ ،‬ففي «ال َبحر» عن «ال ُقنية»‪:‬‬
‫ٍ‬
‫مخرية‬ ‫َّبي ‪ ‬عن‬ ‫وزن‪ِ ،‬‬‫غري ٍ‬
‫«وينبغي جواز استقراض اخلمرية من ِ‬
‫وسئل الن ُّ‬
‫ُ‬

‫(‪ )1‬أي أحاديث الربا السابقة من وجوب التساوي يف الكيل والوزن يف األصناف‬
‫الستة‪.‬‬
‫واجلواب عن هذه الشبهة يمكن بأن الشارع احلكيم اشرتط املساواة فيام وجدت فيه‬
‫الربا‪ ،‬من اجلنس والكيل أو الوزن‪ ،‬ومتى فقدت فيه هذه العلة بأن أصبح معدود ًا‪،‬‬
‫علة ّ‬
‫مل يعد الزم ًا املساواة فيه طاملا أننا نقول‪ :‬أن هذا احلكم معلول‪ ،‬فإن وجدت العلة وجد‬
‫احلكم‪ ،‬وإن عدمت العلة عدم احلكم‪.‬‬
‫واملوافقة عىل االنتقال عرف ًا من الكيل إىل الوزن‪ ،‬ومن الوزن إىل الكيل‪ ،‬وتطبيق ما‬
‫يقتضيه هذا التبدل عرف ًا يف وجود املساواة عىل الصورة اجلديدة‪ ،‬ثم االمتنال عن‬
‫االنتقال عرف ًا إىل العددي وما يقضيته من انعدام املساواة؛ ألّنا ليست من أحكامه‪ ،‬فإنه‬
‫ثم نلتزم ما يرتتب عليه‬ ‫ٌ‬
‫معلول ّ‬ ‫النص‬
‫حتك ٌّم غري مقبول؛ ألننا إ ّما أن نرىض بأن نجعل ّ‬
‫من أحكام‪ ،‬وإ ّما أن نمتنع عن قبوله كونه معلالً‪ ،‬أما أن نقبل تعليله بصورة دون‬
‫صورة‪ ،‬ونريض له حك ًام دون حكم‪ ،‬فهذا بعيدٌ عن قواعد العقول‪.‬‬
‫‪ 84‬ــــــــــــــــــــــــــ التعليقات العرفية عىل نرش العرف يف بناء بعض األحكام عىل العرف‬

‫يتعاطاها اجلريان أيكون ربا(‪ ،)1‬فقال‪« :‬ما رآه املسلمون حسن ًا فهو عند اهلل‬
‫حسن‪ ،‬وما رآه املسلمون قبيح ًا فهو عند اهلل قبيح»(‪.)2‬‬
‫السادس يف بي ِع الوفاء(‪:)3‬‬ ‫و َذك ََر يف «ال َب َّزاز ّية» يف البيع الفاسد يف القول َّ‬
‫الربا‪ ،‬ف َب ْل ٌخ اعتادوا الدَّ ين‬ ‫ِ‬
‫صحيح‪ ،‬قال‪ :‬حلاجة النَّاس فرار ًا من ِّ‬ ‫ٌ‬ ‫أنّه‬
‫و[أهل] ُبخارى اعتادوا اإلجارة‬ ‫ُ‬ ‫تصح يف الك َْرم‪،‬‬
‫ّ‬ ‫واإلجارة‪ ،‬وهي ال‬

‫(‪ )1‬فعن عائشة ريض اهلل عنها قالت‪( :‬سألت رسول اهلل عن اخلمرية واخلبز نقرضه‬
‫اجلريان فريدون أكثر أو أقل فقال‪ :‬ليس بذلك بأس إنام هو أمر موافق بني اجلريان‬
‫وليس يراد به الفضل) قال ابن عبد اهلادي يف تنقيح التحقيق ر‪ :1569‬هذا احلديث‬
‫غري خمرج يف يشء من الكتب الستة‪ ،‬قال شيخنا ويف إسناده َمن جيهل حاله‪ ،‬واهلل اعلم‪،‬‬
‫وعن معاذ بن جبل أنه سئل عن استقراض اخلمري واخلبز فقال‪( :‬سبحان اهلل هذا‬
‫مكارم األخالق فخذ الصغري وأعط الكبري وخذ الكبري وأعط الصغري خريكم‬
‫أحسنكم قضا ًء سمعت رسول اهلل يقول ذلك) قال قال ابن عبد اهلادي يف تنقيح‬
‫التحقيق ر‪ :1570‬هذا احلديث مل خيرج يف يشء من السنن‪ ،‬وإسناده صالح لكنه‬
‫مروي من طريق خالد‪ ،‬وخالد مل يدرك معاذ ًا‪ ،‬وابن عدي ذكره يف‬
‫ٌّ‬ ‫منقطع‪ ،‬فإن احلديث‬
‫ترمجة ثور وروى له غريه‪ .‬ثم قال‪ :‬مل َأر يف أحاديثه أنكر من هذا الذي ذكرته لكنه‬
‫مستقيم احلديث صالح بني الناس‪.‬‬
‫(‪ )2‬سبق خترجيه موقوف ًا عىل ابن مسعود ‪ ،‬بدون وجود اخلمرية‪.‬‬
‫(‪ )3‬وصورته‪ :‬يقول‪ :‬البائع للمشرتي‪ :‬بعت منك هذا العني بام لك عيل من الدين عىل‬
‫ّأين متى قضيته فهو يل‪ ،‬أو يقول‪ :‬بعت منك عىل أن تبي َعه ِمني متى جئت بالثمن‪ ،‬كام يف‬
‫تبيني احلقائق ‪ ،173 :5‬ورد املحتار ‪ ،276 :5‬وجممع األّنر ‪.430 :2‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪85‬‬
‫الطويلة‪ ،‬وال يمكن يف األشجار(‪ )1‬فاضطروا إىل ِ‬
‫بيعها وفا ًء‪ ،‬وما َ‬
‫ضاق عىل‬ ‫ُ‬
‫ِ‬ ‫حكمه‪ ،‬انتهى‪ ،‬نقله يف «األَشباه»(‪ )2‬يف فرو ِع‬
‫العرف‬ ‫ُ‬ ‫ّاس َأ ٌ‬
‫مر إالّ اتسع‬ ‫الن ِ‬
‫اخلاص‪.‬‬
‫واحلرج إنّام تعترب يف موض ٍع‬
‫َ‬ ‫مت عن «األشباه»‪َ :‬أ ّن املشق َة‬ ‫فإن قلت‪َ :‬قدَّ َ‬
‫ِ‬
‫حشيش احلرم‬ ‫ويز ِه رعي‬
‫نص فيه؛ ولذا ُر َّد عىل أيب يوسف ‪ ‬يف جت ِ‬ ‫ال َّ‬
‫منصوص عىل خالفِ ِه(‪.)3‬‬
‫ٌ‬ ‫للرضورة بأنّه‬
‫دليل عىل عد ِم‬ ‫ِ‬
‫احلشيش ٌ‬ ‫َّص عىل حتري ِم رعي‬ ‫قلت‪ :‬قد ُجياب ّ‬
‫بأن الن َّ‬ ‫ُ‬
‫دال عىل أنّه ال حرج فيام‬‫ألن «استثنا َءه ‪ ‬اإلذخر» فقط للحرج ٌ‬
‫احلرج فيه؛ ّ‬
‫ِ‬
‫ٍ‬
‫يسرية(‪،)4‬‬ ‫يسري ُيمكن اخلروج عنه بمش ّق ٍة‬ ‫حرج‬ ‫أن ذلك‬ ‫عداه‪ ،‬بناء عىل ّ‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬

‫(‪ )1‬يف األصل‪ :‬شجار‪ ،‬واملثبت من «األشباه»‪.‬‬


‫(‪ )2‬وع ّلق ابن نجيم يف األشباه ‪317 :‬هاهنا‪ :‬واحلاصل أن املذهب عدم اعتبار العرف‬
‫اخلاص‪ ،‬ولكن أفتى كثري من املشايخ باعتباره‪.‬‬
‫النص معلل بالرضورة‪ ،‬مل يعد منصوص ًا عىل خالفه‪ ،‬وإنام يكون‬
‫أن ّ‬ ‫(‪ )3‬لكن إن قدرنا ّ‬
‫يف اجتهاد أيب يوسف أنه عامل بعلة النص من أنه وجدت الرضورة يف رعي حشيش‬
‫احلرم يف عرصه‪ ،‬كام وجدت الرضورة باستثناء النبي ‪ ‬لإلذخر‪ ،‬وبالتايل ال يكون‬
‫ال عىل خالف النص مطلق ًا‪ ،‬وإنام يف اجتهادنا إن مل نعترب النص معلالً‪.‬‬
‫عم ً‬
‫(‪ )4‬اعتبار ابن عابدين لكونه حرج ًا يسري ًا حمل نظر‪ ،‬فلو كان كذلك ملا رأينا التجويز له‬
‫من قبل أيب يوسف‪ ،‬وال ش ّك أن فيه حرج ًا كبري ًا؛ ألّنم كانوا يف القديم يسوقون‬
‫األغنام واإلبل معهم للذبح يف احلرم‪ ،‬ويف منعها من رعي حشيس الغنم حرج كبري‬
‫عليهم‪ ،‬ولزوم اجلزاء ملا ترعاه أنعامهم أمر ال ُيطاق‪.‬‬
‫‪ 86‬ــــــــــــــــــــــــــ التعليقات العرفية عىل نرش العرف يف بناء بعض األحكام عىل العرف‬
‫بخالف مسألتنا‪ ،‬فإن تغيري ما اعتاده عامة َأهل العرص يف عامة ِ‬
‫بالد اإلسالم‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫حرج فو َقه‪.‬‬
‫ال َ‬
‫ِ‬
‫املنهية‬ ‫ِ‬
‫َّجاسات‬ ‫ِ‬
‫بعض الن‬ ‫وال َش ّك أ ّنه فوق احلرج الذي ُع ِفي ألجلِه عن‬
‫السنور يف ال ِّثياب‪،‬‬
‫الشارع الغالب عليه النَّجاسة‪ ،‬وكبول ِّ‬‫كطني َّ‬ ‫ِ‬ ‫بالنص‬
‫ِّ‬
‫والبعر القليل يف اآلبار وا َمل ْح َلب‪ ،‬لكن ذلك بتخصيص ألدلة النَّجاسة(‪.)1‬‬
‫ِ‬
‫املعيار‬ ‫ِ‬
‫اشرتاط‬ ‫العرف ُخمصص ًا ألدلة‬ ‫ُ‬ ‫و ُي ْمكِ ُن ا ّدعاء ذلك هنا بأن ُجي َ‬
‫عل‬
‫الزياد ُة القليلة التي‬ ‫ِ‬
‫ألحد املتعاقدين؛ وهلذا مل َ ْحت ُرم ِّ‬ ‫الز ِ‬
‫يادة منفع ٌة‬ ‫بام إذا كان يف ِّ‬
‫ِ‬
‫بالعدد‪ ،‬وال يكون ربا‬ ‫االستقراض‬ ‫عي(‪ ،)2‬فيجوز‬
‫ُ‬ ‫الرش ّ‬ ‫ال تدخل حتت املعيار َّ‬
‫عىل هذا الوجه‪ ،‬وكذا البيع واإلجارة ونحومها‪.‬‬
‫الغالب يف ِ‬
‫بلد‬ ‫ِ‬ ‫مطلق ال َّثمن إىل الن ِ‬
‫َّقد‬ ‫ُ‬ ‫ينرصف‬
‫ُ‬ ‫ُّ‬
‫ويدل عليه(‪ّ )3‬أّنم قالوا‪:‬‬
‫إن مل ُي َب ِّني؛ لوجود اجلهالة املفضية إىل‬ ‫فسدَ‬
‫البيع‪ ،‬وإن اختلفت النُّقود َ‬
‫الرواج‬ ‫باختالف الن ِ‬
‫ِ‬
‫اختالف ماليتها مع اإلستواء يف َّ‬‫ُ‬ ‫ُّقود‬ ‫املنازعة‪ ،‬واملرا ُد‬

‫ّص وال‬ ‫(‪ )1‬هذا بناء عىل الفكرة السابقة عند ابن عابدين من ّ‬
‫أن العرف خيصص الن ّ‬
‫ومر معنا ّأّنا ّ‬
‫حمل نظر؛ ألنه النصوص إما أن تكون معللة أو غري معللة‪ ،‬وليس‬ ‫يلغيه‪ّ ،‬‬
‫البحث يف التخصيص أو اإللغاء أصالً‪.‬‬
‫(‪ )2‬معناه أننا كام جوزنا أن خيصص العرف النص يف مسائل الطهارات وغريها‪ ،‬فإننا‬
‫نعترب أن العرف خصص النص الوارد يف الربويات‪ ،‬بحيث إن مل تعدّ خاضعة للمعيار‬
‫الرشعي من الكيل والوزن املذكور يف النص‪ ،‬فال يشرتط فيها التساوي‪.‬‬
‫(‪ )3‬أي عىل جواز البيع بالدراهم املتفاوتة يف زمن ابن عابدين‪.‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪87‬‬
‫وري يف القاهرة اآلن‪ ،‬كذا يف‬ ‫مي وا َمل ْغر ّ‬
‫يب وال ُغ ّ‬ ‫والس َل ْي ّ‬
‫ْباي ُّ‬ ‫ِ‬
‫والقايت ّ‬ ‫قي‬
‫كال ُبنْدُ ِّ‬
‫«البحر»(‪.)1‬‬
‫الرواج‬
‫فإّنام مستويان يف َّ‬
‫املحمودي والعد ُّيل ّ‬
‫ُّ‬ ‫اجلهادي‬
‫ُّ‬ ‫ومثله يف زماننا‬
‫خمتلفان يف القيمة‪.‬‬

‫وسمى ال ُفنْدُ َّ‬


‫قي ومل ُي ِّبني‬ ‫َّ‬ ‫القديم واجلديد‪ ،‬فإذا اشرتى‬
‫ُ‬ ‫وكذا ال ُفنْدُ ّ‬
‫قي‬
‫ِ‬
‫املنازعة‪.‬‬ ‫َف َسدَ البيع إلفضائه إىل‬
‫بسبب اختالف النَّوعني يف املالية َّ‬
‫دل عىل أنّه‬ ‫ِ‬ ‫فإذا كانت الع َّل ُة املنازع ُة‬
‫إذا مل تلزم املنازعة ال فساد(‪ ،)2‬فإذا اشرتى بالعد ِّيل ومل ُي َب ِّني ّ‬
‫أن املرا َد منه القديم‬
‫يرض؛ لتساوهيام يف املال ّية وإن اختلفا يف الوزن‪ ،‬وهكذا ُيقال يف‬
‫أو اجلديد ال ّ‬
‫اإلجارة وغريها‪.‬‬
‫ٍ‬
‫برشط ال يقتضيه العقد‪،‬‬ ‫ِ‬
‫بفساد البي ِع‬ ‫رصحوا‬ ‫ُّ‬
‫ويدل عىل ذلك‪ّ :‬أّنم َ َّ‬
‫ٍ‬
‫ورشط»(‪،)3‬‬ ‫ِ‬
‫ألحد العاقدين‪ ،‬واستدلوا عىل ذلك‪ :‬بنهيه ‪ ‬عن «بي ٍع‬ ‫نفع‬
‫وفيه ٌ‬
‫حيذوها‬
‫َ‬ ‫وبالقياس‪ ،‬واستثنوا من ذلك ما جرى به العرف كبيع نعل عىل أن‬
‫البائع‪.‬‬

‫(‪ )1‬البحر الرائق‪.303 :5‬‬


‫(‪ )2‬أي مدار الفساد عىل وجود املنازعة الختالف مالية النقود‪ ،‬فأ ّما إن مل تكن هناك‬
‫لطيف من‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫استدالل‬ ‫منازعة‪ ،‬فيجوز اعتامد ًا عىل مسائل الرواج واملالية يف النقود‪ ،‬وهو‬
‫ابن عابدين‪.‬‬
‫(‪ )3‬سبق خترجيه‪.‬‬
‫‪ 88‬ــــــــــــــــــــــــــ التعليقات العرفية عىل نرش العرف يف بناء بعض األحكام عىل العرف‬

‫قال يف «منح ال َغ ّفار»(‪« :)1‬فإن قلت‪ :‬إذا مل ُي ْف ِسد َّ‬


‫الرش ُط املتعارف العقد‬
‫العرف قاضي ًا عىل احلديث‪.‬‬
‫ُ‬ ‫يلزم أن يكون‬
‫ٌ‬
‫معلول بوقو ِع‬ ‫َ‬
‫احلديث‬ ‫ألن‬ ‫ٍ‬
‫بقاض عليه بل عىل القياس؛ ّ‬ ‫قلت‪ :‬ليس‬
‫ف ينفي‬ ‫قطع املنازعة‪ ،‬وال ُع ْر ُ‬ ‫ِ‬
‫املقصود به‪ ،‬وهو‬ ‫النِّزاع املخرج للعقد عن‬
‫ُ‬
‫والعرف‬
‫ُ‬ ‫النِّزاع‪ ،‬فكان موافق ًا ملعنى احلديث ومل يبق من املوانع إالّ القياس‪،‬‬
‫ٍ‬
‫قاض عليه(‪ ،»)2‬انتهى‪.‬‬

‫الغزي‪ ،‬شمس الدِّ ين‪ ،‬وهو من تالمذة‬


‫َايش ِّ‬‫بن أمحد التُّمرت ِ‬ ‫(‪ )1‬وهو حممدُ بن ِ‬
‫عبد اهللِ ِ‬
‫ُْ‬ ‫َّ ُ‬
‫الرائق»‪ ،‬قال حمب الدين‪ :‬كان إمام ًا كبري ًا حسن السمت قوي احلافظة‬ ‫صاحب «البحر َّ‬
‫كثري االطالع‪ ،‬ومل يبق من يساويه يف الرتبة‪ ،‬وألف التآليف العجيبة املتقنة‪ ،‬من مؤلفاته‪:‬‬
‫سامه «منح الغفار»‪ ،‬و«الوصول إىل قواعد األصول»‪،‬‬
‫«تنوير األبصار»‪ ،‬ورشحه َّ‬
‫و«إعانة احلقري رشح زاد الفقري»‪( ،‬ت‪1004‬هـ)‪ .‬ينظر‪ :‬خالصة األثر‪،20-18 :4‬‬
‫وطرب األماثل‪ ،563-562‬دفع الغواية ص‪.11‬‬
‫رتايش يف غاية الدقة‪ ،‬ويؤكد ما سبق طرحه يف بداية مناقشة هذا‬
‫ّ‬ ‫(‪ )2‬هذا كالم من الت ُُّم‬
‫والعرف ُيبني لنا عدم وجود ّ‬
‫حمل هلذه‬ ‫ُ‬ ‫أن األحاديث تكون معللة بع ّلة مع ّينة‪،‬‬
‫البحث يف ّ‬
‫الع ّلة‪ ،‬فلم يكن العرف قاضي ًا ومقدَّ م ًا عىل ّ‬
‫النص الرشعي أبد ًا‪ ،‬وإنّام يكون العرف‬
‫موضح ًا ملحل ع ّلة ّ‬
‫النص الرشعي‪ ،‬بحيث إن مل تتوفر العلة مل يوجد احلكم‪.‬‬
‫والربا كام‬ ‫والرشط» ٌ‬
‫معلل بوجود النِّزع ّ‬ ‫رتايش إذ ّ‬
‫أن حديث‪« :‬البيع َّ‬ ‫ُّ‬ ‫وهذا ما ب َّينه الت ُُّم‬
‫الرشط‪ ،‬ومل يبق يمنع‬
‫تبني من خالل العرف عدم وجودمها‪ ،‬جاز العقد مع َّ‬
‫فلام ّ‬
‫سبق‪ّ ،‬‬
‫مرة واحدةً‪ ،‬وهذا القياس منع من‬
‫من ذلك إال القياس‪ ،‬وهو عدم الرتكيب بني العقود ّ‬
‫ذلك خشية النِّزاع والربا‪ ،‬فإن تعارف الناس ذلك‪ ،‬مل يبق حاجة للتمسك هبذا القياس؛‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪89‬‬
‫فهذا غاي ُة ما َو َص َل إليه فهمي يف تقرير هذه املسألة‪ ،‬واهلل تعاىل أعلم(‪.)1‬‬
‫والفضة‪َ ،‬أ ّما إذا‬
‫ّ‬ ‫هب‬‫الذ ِ‬ ‫ثم اعلم َأ ّن هذا ك ّله فيام إذا مل َي ْغلِب ُّ‬
‫الغش عىل َّ‬ ‫ّ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وزن اتباع ًا للعرف‪،‬‬ ‫استقراضها عدد ًا بدون‬ ‫جواز‬ ‫ب‪ ،‬فال كالم يف‬ ‫َغ َل َ‬
‫ِ‬
‫اخلالصة‪ ،‬فإنّه ال جيوز إال وزن ًا‪.‬‬ ‫بالفض ِة‬
‫ّ‬ ‫ِ‬
‫بخالف ما إذا باعها‬
‫الربهان ّية» يف (الفصل التَّاسع) من (كتاب املداينات)‪:‬‬ ‫قال يف « ّ‬
‫الذخرية ُ‬
‫فضة وثلثاها صفر‪،‬‬‫راهم ثل ُثها ّ‬
‫حممد ‪ ‬يف «اجلامع»‪« :‬إذا كانت الدَّ ُ‬ ‫قال ّ‬
‫فاستقرض ٌ‬
‫رجل منها عدد ًا‪ ،‬وهي جاري ٌة بني النّاس عدد ًا بغري وزن فال بأس‬
‫فر متى‬
‫الص َ‬
‫ألن ّ‬ ‫به‪ ،‬وإن مل ِ‬
‫جتر بني النّاس إالّ وزن ًا مل جيز استقراضها إال وزن ًا؛ ّ‬

‫ٍ‬
‫واحد إن تعارفها الناس‪ ،‬ويكون عرفهم هو‬ ‫ألن العقود املركبة تصبح بمنزلة ٍ‬
‫عقد‬
‫احلكم إن حصل نزاع يف هذه الصورة لتعارفها‪ ،‬كام يكون عرفهم هو احلكم لو حصل‬
‫نزاع يف العقد الواحد كام هي صورة القياس‪ ،‬فلذلك جعلنا العرف حاك ًام عىل القياس‪،‬‬
‫بمعنى أننا نرتك القياس إىل االستحسان إن تعارفه النّاس‪ ،‬وكان فيه مصلح ًة عام ًة‪ ،‬ومل‬
‫يعد يتنازعوا فيه‪ ،‬فيصبح هو املعترب يف العمل‪.‬‬
‫االحرتاز عن‬
‫ُ‬ ‫وخروج عن ال َّظاهر‪ ،‬ولكن دعى إليه‬
‫ٌ‬ ‫(‪ )1‬وهذا وإن كان فيه تك ّل ٌ‬
‫ف‬
‫تضليل األمة وتفسيقها بأمر ال حميص عن اخلروج عنه إال بذلك‪ ،‬قال َّ‬
‫الشاعر‪:‬‬
‫مركب‪ ،‬فام حيلة املضطر إال ركوهبا‬
‫ٌ‬ ‫إذا مل تكن األسن ُة‬
‫فإّنا مبن ّي ٌة عىل التَّيسري ال عىل التَّشديد والتَّعسري‪ ،‬وما‬
‫الرشيعة تقتضيه‪ّ ،‬‬ ‫عىل ّ‬
‫أن قواعد َّ‬
‫خري ‪ ‬بني أمرين إال اختار أيرسمها عىل ُأمته‪ ،‬ومن القواعد الفقهية‪ :‬إذا ضاق األمر‬
‫اتسع‪ .‬منه أي ابن عابدين رمحه اهلل‪.‬‬
‫‪ 90‬ــــــــــــــــــــــــــ التعليقات العرفية عىل نرش العرف يف بناء بعض األحكام عىل العرف‬

‫الفض ُة ساقط َة‬


‫ّ‬ ‫للصفر؛ لكونه غالب ًا‪ ،‬وتكون‬
‫كان غالبها كانت العرب ُة ّ‬
‫االعتبار؛ لكوّنا مغلوب ًة‪.‬‬
‫بالنص‪،‬‬
‫ِّ‬ ‫بالنص‪ ،‬وما مل يثبت كي ُله ووز ُنه‬
‫ّ‬ ‫الصفر موزون ًا ما ثبت‬ ‫ُ‬
‫وكون ّ‬
‫استقراضه‬
‫ُ‬ ‫فالعرب ُة يف ذلك لتعامل النَّاس‪ ،‬فمتى تعاملوه موزون ًا‪ ،‬فال جيوز‬
‫والفضة‪ ،‬ومتى تعاملوه عدد ًا كان عدد ًا‪ ،‬فال جيوز‬
‫ّ‬ ‫َّ‬
‫كالذهب‬ ‫إال وزن ًا‬
‫استقراضه إال عدد ًا»(‪.)1‬‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫القرض متى كانت مغلوبة‪ ،‬ومل‬ ‫الفضة يف‬
‫اعتبار ّ‬
‫َ‬ ‫فقد َأ ْس َ‬
‫قط ُحم ّمدٌ ‪‬‬
‫ِ‬
‫اخلالصة إالّ عىل‬ ‫ِ‬
‫بالفضة‬ ‫ِ‬
‫جواز البيع‪ ،‬فقال‪« :‬ال جيوز بي ُعها‬ ‫حق‬
‫يسقط يف ِّ‬
‫ِ‬
‫سبيل االعتبار(‪.»)2‬‬
‫أرسع جواز ًا من البيع؛ ألنّه مبادل ٌة‬ ‫ُ‬ ‫القرض‬
‫َ‬ ‫وإنّام كان كذلك ّ‬
‫ألن‬
‫الفضة‬
‫ربع‪ ،‬فاعترب ّ‬ ‫والربا إنّام يتح َّقق يف البيع ال يف ال َّت ّ‬
‫تربع حك ًام‪ِّ ،‬‬
‫صورةً‪ٌ ،‬‬
‫ربع‪ ،‬ولتظهر‬
‫املغلوبة يف البيع دون القرض؛ لضيق حال البيع وسعة حال ال َّت ُّ‬
‫مزي ُة البيع عىل القرض‪.‬‬

‫ّص‬ ‫(‪ )1‬أراد مما سبق ّ‬


‫أن العرب َة يف حتديد املوزون واملعدود للعرف يف غري ما ورد فيه الن ّ‬
‫من األصناف الستة يف احلديث‪ ،‬فلذلك اعترب هاهنا العرف يف الدراهم املصنوعة من‬
‫الصفر‪ ،‬فإن اعتربها العرف معدودة جاز استقراضها معدودة‪ ،‬وإن اعتربها العرف‬
‫موزونة جاز استقراضها موزونة‪.‬‬
‫(‪ ) 2‬أي يف بيع الدراهم املغلوبة بالصفر بالفضة اخلالصة يراعي الوزن‪ ،‬حتى ال يكون‬
‫ربا‪ ،‬فتكون الفضة اخلالصة أقل من الفضة يف الدراهم املغشوة‪.‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪91‬‬
‫صفر ال جيوز استقراضها إال‬
‫ٌ‬ ‫فضة وثل ُثها‬
‫فإن كانت الدَّ راهم ثلثاها ّ‬
‫الفض َة إذا كانت غالبة بمنزلة‬
‫ألن ّ‬‫وزن ًا‪ ،‬وإن تعامل النّاس التَّبايع هبا عدد ًا؛ ّ‬
‫استقراضها إالّ‬
‫ُ‬ ‫فض ًة لكنّها زيف‪ ،‬ولو كانت كذلك ال جيوز‬ ‫ما لو كان ُّ‬
‫الكل ّ‬
‫وزن ًا وإن تعامل النَّاس التَّبايع هبا عدد ًا كذلك ههنا‪.‬‬
‫صفر مل جيز استقراضها إال‬
‫ٌ‬ ‫فضة ونص َفها‬
‫راهم نص َفها ّ‬
‫وإن كانت الدَّ ُ‬
‫ٍ‬
‫واحد‬ ‫ٍ‬
‫واحد منهام؛ ّ‬
‫ألن إسقاط اعتبار‬ ‫وزن ًا عىل ّ‬
‫كل حال؛ ألنّه مل يسقط اعتبار‬
‫ب‬
‫اعتبارمها‪ ،‬وإذا َو َج َ‬
‫ُ‬ ‫منهام إنّام يكون حال كونه مغلوب ًا ومل يوجد‪ ،‬فوجب‬
‫الفضة إال وزن ًا‪ ،‬وإذا تركوا ذلك بطل‬
‫حق ّ‬ ‫اعتبارمها مل جيز االستقراض يف ّ‬
‫ُ‬
‫الص ِ‬
‫فر رضورة‪ ،‬انتهى‪.‬‬ ‫الفضة‪ ،‬فيبطل يف ُّ‬
‫االستقراض يف ّ‬
‫ُ‬
‫بالفضة اخلالصة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫هذا ك ُّله يف االستقراض‪ ،‬ويف بيعها‬
‫الذخرية» أيض ًا يف‬
‫وأما إذا اشرتى هبا أي باملغشوشة متاع ًا‪ ،‬فقال يف « َّ‬
‫السادس) من (كتاب البيوع)‪ :‬قال يف «اجلامع»‪« :‬وإذا كانت‬ ‫(الفصل َّ‬
‫فضة‪ ،‬فاشرتى هبا متاع ًا وزن ًا جاز عىل ِّ‬
‫كل حال‪،‬‬ ‫صفر وثل ُثها ّ‬
‫راهم ثلثاها ٌ‬
‫الدَّ ُ‬
‫تتعني تلك الدّ راهم‪.‬‬
‫وال َّ‬
‫وإن اشرتى هبا ِ‬
‫بغري عينها عدد ًا‪ ،‬وهي بينهم وزن ًا فال خري فيه»؛ ّ‬
‫ألن‬
‫الرشاء هبا‬
‫ألّنم إذا تعاملوا ِّ‬
‫ينرصف إىل الوزن؛ ّ‬
‫ُ‬ ‫قو َله‪ :‬اشرتيت بكذا درمه ًا‬
‫تقررت الصف ُة األصلية للدَّ راهم‪ ،‬وهي الوزن‪ ،‬وصارت العرب ُة‬ ‫وزن ًا ال عدد ًا َّ‬
‫للوزن‪ ،‬وال َّثمن إذا كان موزون ًا‪ ،‬فإنّام يصري معلوم ًا بأحد َأمرين‪ :‬إ ّما بذكر‬
‫الوزن أو باإلشارة إليه‪.‬‬
‫‪ 92‬ــــــــــــــــــــــــــ التعليقات العرفية عىل نرش العرف يف بناء بعض األحكام عىل العرف‬

‫ومل يوجد يش ٌء من ذلك‪ ،‬فكان ال َّثم ُن جمهوالً جهال ًة توق ُعهام يف‬
‫ألن فيها اخلفاف وال ّثقال‪.‬‬
‫املنازعة؛ ّ‬

‫الرشاء هبا وزن ًا‪[ ،‬فلهذا مل‬


‫رب عند النّاس حيث تعاملوا ِّ‬ ‫وال ّث ُ‬
‫قل معت ٌ‬
‫جيز](‪.)1‬‬
‫وإن اشرتى هبا بعينِها عدد ًا فال بأس وإن تعاملوا املبايعة هبا وزن ًا؛ ّ‬
‫ألن‬
‫جواز البيع‪.‬‬ ‫متنع‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫جهال َة‬
‫َ‬ ‫املشار إليه ال ُ‬ ‫الوزن يف‬
‫وإن كانت بينهم عدد ًا‪ ،‬فاشرتى هبا بغري عينها عدد ًا جاز‪ ،‬وإن كان فيها‬
‫ألّنم متى تعاملوا هبا عدد ًا ال وزن ًا‪ ،‬فاجلهال ُة من حيث‬ ‫اخلفاف وال ِّثقال؛ ّ‬
‫ال ِّثقل ِ‬
‫واخل َّفة ال توق ُعهام يف املنازعة(‪ ،)2‬فال يمنع اجلواز‪.‬‬
‫الزيوف‬ ‫ِ‬
‫بمنزلة الدَّ راهم ُّ‬ ‫فض ًة وثل ُثها صفر‪ ،‬فهي‬ ‫وإن كان ثلثاها ّ‬
‫الرشاء إال وزن ًا‪ ،‬كام لو كان ُّ‬
‫الكل‬ ‫والنَّبهرجة إن مل تكن مشار ًا إليها ال جيوز ِّ‬
‫فض ًة زيف ًا؛ وهلذا مل جيز استقراضها إالّ وزن ًا‪.‬‬
‫ّ‬
‫الرشاء هبا من ِ‬
‫غري وزن‪.‬‬ ‫وإن كانت مشار ًا إليها جيوز ُّ‬
‫فضة ونص ُفها صفر‪ ،‬فاجلواب‪ :‬كام لو كان ثلثاها‬
‫وإن كانت نص ُفها ّ‬
‫الفضة تبع ًا ُّ‬
‫للصفر‪ ،‬فال جيوز‬ ‫فضة؛ ّ‬
‫ألن عند االستواء ال تصري ّ‬ ‫صفر ًا وثل ُثها ّ‬
‫الصفر»‪ ،‬اهـ‪.‬‬
‫الفضة إال بطريق الوزن‪ ،‬وكذا يف َح ِّق ُّ‬
‫الرشاء يف َح ّق ّ‬
‫ِّ‬

‫(‪ )1‬زيادة من املحيط الربهاين‪.329 :6‬‬


‫(‪ )2‬بسبب أّنم تعارفوا ذلك‪ ،‬فال يتنازعوا يف البيع يف هذه الصورة‪.‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪93‬‬
‫كثري منها‬
‫دراهم زماننا ٌ‬
‫َ‬ ‫أقول‪ :‬وهبذا حصل نوع ختفيف يف القضية‪ّ ،‬‬
‫فإن‬
‫فضتِه‪ ،‬فيجوز ِّ‬
‫الرشاء هبا عدد ًا سواء كانت بعينها‪ :‬أي مشار‬ ‫غالب عىل ّ‬
‫ٌ‬ ‫ُّ‬
‫غشه‬
‫إليها أو ال‪ ،‬وهذا إذا اشرتى هبا عروض ًا‪.‬‬

‫فض ًة خالص ًة فال جيوز إال وزن ًا‪ ،‬كام ّ‬


‫مر‪.‬‬ ‫رشى هبا ّ‬
‫وأ ّما لو َ َ‬
‫الذخرية» َأيض ًا بعد ما َم ّر‪« :‬وإذا‬ ‫و َأما لو رشى هبا من ِ‬
‫جنسها‪ ،‬فقال يف « َّ‬ ‫ّ‬
‫الدراهم صنوف ًا خمتلف ًة منها ما ثلثاها ّ‬
‫فضة‪ ،‬ومنها ثلثاها صفر‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫كانت هذه‬
‫ال يد ًا بيد برصف‬
‫فضة فال بأس ببيع إحداها باآلخر متفاض ً‬
‫ومنها نصفها ّ‬
‫فضة هذا إىل صفر ذاك‪ ،‬وبالعكس‪ ،‬كام لو باع صفر ًا وفضة بصفر ّ‬
‫وفضة‪،‬‬ ‫ّ‬
‫وال جيوز نسيئ ًة؛ ألنّه جيم ُعهام الوزن‪ ،‬ومها ثمنان‪ ،‬فيحرم النّسأ‪.‬‬
‫وأ ّما إذا باع جنس ًا منها بذلك اجلنس متفاضالً‪ ،‬فلو ّ‬
‫الفضة غالبة ال‬
‫ال‬ ‫ساقط االعتبار‪ ،‬فكان ُّ‬
‫الكل فض ًة فال جيوز إال مث ً‬ ‫ُ‬ ‫املغلوب‬
‫َ‬ ‫جيوز؛ ّ‬
‫ألن‬
‫ال رصف ًا للجنس إىل‬ ‫بمثل(‪ ،)1‬ولو الصفر غالب ًا أو كانا عىل ّ‬
‫السواء جاز متفاض ً‬
‫خالفه‪ ،‬ويشرتط كونه يد ًا بيد‪.‬‬
‫وعىل هذه قالوا‪ :‬إذا باع من العدليات التي يف زماننا واحد ًا باثنني جيوز‬
‫يد ًا بيد‪ ،‬هذه اجلملة من «اجلامع الكبري»‪ ،‬انتهى ملخص ًا‪.‬‬

‫(‪ )1‬يعني إذا بيعت الدراهم الغالب فيها الفضة بدراهم غالب فيها الفضة‪ ،‬فال ُبدّ من‬
‫ألن الغلبة جعلت الفضة يف حكم ّ‬
‫الكل‪ ،‬أما إذا كانت مغلوبة أو متساوية‬ ‫التَّساوي؛ ّ‬
‫فال يشرتط إال التقابض؛ ألنه يمكن رصف إىل خالف اجلنس‪.‬‬
‫‪ 94‬ــــــــــــــــــــــــــ التعليقات العرفية عىل نرش العرف يف بناء بعض األحكام عىل العرف‬

‫بقي هنا يش ٌء ينبغي التَّنبيه عليه َأيض ًا‪ ،‬وقد ذكرته يف رسالتي ّ‬
‫املسامة‬
‫ِ‬
‫البالد‬ ‫ِ‬
‫عرف‬ ‫الرقود يف أحكام النّقود»‪ ،‬وهو أنّه قد شاع أيض ًا يف‬ ‫«تنبيه ّ‬
‫قطع معلوم ٌة من ّ‬
‫الفضة كان‬ ‫وغريها ّأّنم يتبايعون بالقروش‪ ،‬وهي ٌ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬
‫الشام ّية‬
‫ثم زادت قيم ُتها اآلن عىل األربعني‪.‬‬ ‫ُّ‬
‫كل واحدة منها بأربعني مرصية‪ّ ،‬‬
‫وبقي عر ُفهم عىل إطالق القرش‪ ،‬ويريدون به أربعني مرصية‪ ،‬كام كان‬
‫يف األصل‪ ،‬ولكن ال يريدون عني القرش‪ ،‬وال عني املرصيات‪ ،‬بل يطلقون‬
‫القرش وقت البيع ويدفعون بمقدار ما سموه يف العقد‪:‬‬
‫فض ًة‪ ،‬فصار القرش عندهم بيان ًا‬
‫إ ّما من املرصيات أو من غريها ذهب ًا أو ّ‬
‫السواء املختلفة املال ّية‪ ،‬ال لبيان نوعه‪،‬‬ ‫ملقدار ال َّثمن من النُّقود َّ‬
‫الرائجة عىل َّ‬
‫كل‬ ‫ِ‬
‫بمقابلة ِّ‬ ‫وال لبيان جنسه‪ ،‬فيشرتي أحدُ هم بامئة قرش ثوب ًا مثالً‪ ،‬ويدفع‬
‫قرش أربعني مرصية‪.‬‬
‫أو يدفع من القروش الصحاح العتيقة‪ ،‬وتساوي اآلن مئة وعرشون‬
‫مرصيه‪ ،‬فيدفع ّ‬
‫كل قرش منها بدل ثالثة قروش‪.‬‬
‫السلمية وتساوى اآلن مائة مرصية بدل قرشني ونصف‬
‫أو من اجلديدة َّ‬
‫قرش‪.‬‬
‫أو من اجلديدة املحمودية وتساوي اآلن سبعني مرصية‪ ،‬فيدفعها بدل‬
‫الريال‪.‬‬
‫قرش ونصف وربع‪ ،‬أو يدفع من ِّ‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪95‬‬
‫الرواج بقيمته املعلومة‬
‫أو من الذهب عىل اختالف أنواعه املتساوية يف َّ‬
‫من املرصيات‪ ،‬هكذا شاع يف عرفهم من كبري وصغري‪ ،‬وعامل وجاهل‪ ،‬وال‬
‫يفهمون عند اإلطالق غريه‪.‬‬
‫وإذا أرادوا نوع ًا خاص ًا َع َّينوه فيقول أحدهم‪ :‬بع ُتك كذا بامئة قرش من‬
‫الريال الفالين‪ ،‬وال يفهم أحدُ هم أنّه إذا اشرتى بالقروش‬ ‫َّ‬
‫الذهب الفالين أو ِّ‬
‫و َأطلق أن يكون الواجب عليه دفع عينها‪ ،‬فقد صارت عندهم عرف ًا قولي ًا‪،‬‬
‫ص كام قدمناه عن «التَّحرير»‪.‬‬
‫خمص ٌ‬
‫وهو ِّ‬
‫وقد رأيت بفضل اهلل تعاىل يف «ال ُقنية»‪ :‬نظري هذا حيث قال يف باب‬
‫مجاين(‪ :)1‬باع شيئ ًا بعرشة‬
‫الرت ّ‬ ‫املتعارف بني التَّجار كاملرشوط برمز عالء الدين َّ ْ‬
‫مخسة أسداس مكان‬ ‫ِ‬ ‫كل‬ ‫دنانري‪ ،‬واستقرت العادة يف ذلك ِ‬
‫البلد َّأّنم ُيعطون َّ‬ ‫ّ‬
‫ينرصف إىل ما تعارفه الناس فيام بينهم يف‬‫ُ‬ ‫الدِّ ينار‪ ،‬فاشتهرت بينهم‪ ،‬فالعقدُ‬
‫تلك التجارة‪.‬‬
‫ثم رمز لفتاوى أيب الفضل الكرماين(‪ :)2‬جرت العادة فيام بني أهل‬
‫ّ‬

‫والرت ُمجاين‪:‬‬
‫اين املكي اخلوارزمي احلنفي‪ ،‬عالء الدين‪َّ ،‬‬
‫الرت ُمج ّ‬
‫(‪ )1‬وهو حممد بن حممود َّ‬
‫َرمجان اسم لبعض أجداد املنتسب‪ ،‬أو لقب له بفتح التاء وسكون الراء‪ ،‬قال‬
‫نسبة إىل ت ُ‬
‫الكفوي‪ :‬كان إمام ًا مرجع ًا لألنام‪ .‬من مؤلفاته‪« :‬يتيمة الدهر يف فتاوى أهل العرص»‪،‬‬
‫مات بجرجانية خوارزم سنة (‪645‬هـ)‪ .‬ينظر‪ :‬اجلواهر‪ ،163 :4‬الفوائد ص‪،328‬‬
‫الكشف‪.2049 :2‬‬
‫حلنَفي‪ ،‬أبو الفضل‪ ،‬ركن‬ ‫ِ ِ‬
‫اين ا َ‬
‫(‪ )2‬وهو عبد الرمحن بن حممد بن أمريويه بن حممد الك ْر َم ّ‬
‫‪ 96‬ــــــــــــــــــــــــــ التعليقات العرفية عىل نرش العرف يف بناء بعض األحكام عىل العرف‬

‫حممودي أو ثلثي‬ ‫ٍّ‬ ‫ثم ينقدون ثلثي دينار‬ ‫ٍ‬


‫بدينار ّ‬ ‫خوارزم ّأّنم يشرتون سلع ًة‬
‫الزياد ُة دين ًا‬ ‫ٍ‬
‫دينار وطسوج نيسابور ّية‪ ،‬قال‪ :‬جيري عىل املواضعة وال تبقى ِّ‬
‫عليهم‪ .‬انتهى‪.‬‬
‫فقهي يف اعتبار العرف بذكر الدِّ ينار ودفع ّ‬
‫أقل منه وزن ًا ممَّا‬ ‫ٌّ‬ ‫نص‬
‫فهذا ُّ‬
‫يتعني املذكور يف العقد اعتبار ًا للعرف‪ :‬كالقرش يف عرفنا‪،‬‬‫يساوي قيمتَه‪ ،‬فلم َّ‬
‫الفضة‬ ‫أن القرش يف عرفنا ُيراد به ما يساوي قيمته من َّ‬
‫الذهب أو ّ‬ ‫إال ّ‬
‫الرواج‪.‬‬
‫بأنواعهام املختلفة يف القيمة املتساوية يف َّ‬
‫الرواج وإن كان مانع ًا من ّ‬
‫صحة‬ ‫واالختالف يف القيمة مع التَّساوي يف َّ‬
‫البيع‪ ،‬لكن ذاك فيام يؤ ّدي إىل اجلهالة بأن كان يلزم منه اختالف الثمن كام إذا‬
‫اشرتى بالفندقي ومل يق ِّيده بالقديم أو اجلديد‪ ،‬فإن القديم اآلن بخمسة‬
‫وعرشين قرش ًا‪ ،‬واجلديد بعرشين قرش ًا‪ ،‬فالبائع يطلب القديم واملشرتي يريد‬
‫ِ‬
‫دفع اجلديد‪ ،‬فيؤدي إىل جهالة ال ّثمن واملنازعة فال ّ‬
‫يصح‪.‬‬
‫الفندقي اجلديد‬
‫ّ‬ ‫بخالف ما إذا قال‪ :‬اشرتي ُته بعرشين قرش ًا مثالً‪ ،‬ودفع‬
‫مثالً‪ ،‬أو غريه بقيمته املعلومة وقت العقد ممَّا هو رائج‪ ،‬فإنّه ال جهالة‪ ،‬وال‬

‫األئمة واإلسالم‪ ،‬كان شيخ ًا كبري ًا فقيه ًا جلي ً‬


‫ال صاحب القوة الكاملة والقدرة الشاملة‬
‫يف الفروع واألصول واحلديث والتفسري واملعقول واملنقول ذا الباع الطويل يف اجلدل‬
‫واخلصام واملناظرة والكالم‪ ،‬ومن مؤلفاته‪« :‬االيضاح رشح التجريد» كالمها له‪،‬‬
‫و«رشح اجلامع الكبري»‪ ،‬و«اإلشارات»‪ ،‬و«الفتاوى»‪543-457( ،‬هـ)‪ .‬ينظر‪:‬‬
‫الكشف‪ ،211 :1‬دفع الغواية ص‪ ،20‬الفوائد ص‪.158-156‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪97‬‬
‫منازعة فيه أصالً؛ للعلم ّ‬
‫بأن املرا َد بالقرش ليس عينه‪ ،‬بل ما يساويه يف القيمة‬
‫ِ‬
‫مقدار ال ّثمن‪ ،‬ورفع اجلهالة واملنازعة‪،‬‬ ‫ِ‬
‫معرفة‬ ‫املدار عىل‬ ‫من أي نقد كان؛ َّ‬
‫ألن‬
‫َ‬
‫حاصل فيام ُذكِر(‪.)1‬‬
‫ٌ‬ ‫وذلك‬
‫كل دراهم زماننا مل يبق إشكال يف‬ ‫الغش عىل ِّ‬ ‫ولكن لو كان الغالب ِ‬
‫ُ‬
‫فض ًة غالب ًة‪ ،‬وهذه ال‬
‫بعضها ّ‬ ‫اإلشكال من حيث إن َ‬ ‫ُ‬ ‫املسألة َأصالً‪ ،‬وإنّام يبقى‬
‫للرضورة عىل ما َق َّررناه‬ ‫ِ‬
‫بالعرف َّ‬ ‫ِ‬
‫القول‬ ‫جيوز دفعها إالّ وزن ًا‪ ،‬فنحتاج إىل‬
‫سابق ًا(‪ ،)2‬واهلل تعاىل أعلم‪.‬‬
‫يصلح ُخمصص ًا لألثر و ُيرتك‬
‫ُ‬ ‫العرف العام‬
‫َ‬ ‫إن ما قدّ مته من ّ‬
‫أن‬ ‫فإن قلت‪ّ :‬‬
‫ِ‬
‫الصحابة ‪ ‬و َمن بعدهم بدليل‬ ‫به القياس إنّام هو فيام إذا كان عا ّم ًا من عهد َّ‬
‫القياس عد ُم جوازه‪ ،‬لكنّا تركنا القياس بالتَّعامل‬ ‫َ‬ ‫إن‬‫َمن قالوا يف االستصناع‪ّ :‬‬
‫ِ‬
‫علامء‬ ‫الصحابة ‪ ،‬وال من التَّابعني ‪ ،‬وال من‬ ‫ٍ‬ ‫به من ِ‬
‫غري نكري من أحد من َّ‬
‫رت ُك به القياس(‪.)3‬‬
‫حج ٌة ُي ْ َ‬ ‫كل ٍ‬
‫عرص‪ ،‬وهذا ّ‬ ‫ِّ‬

‫(‪ )1‬معناه أن هذه الصورة للبيع بالقروس ليست فاسدة؛ ألّنا جهالة ال تفيض اىل‬
‫النزاع؛ ألن الدراهم املنترشة وإن كانت متفقة بالرواج وخمتلفة يف املالية‪ ،‬إال أن البيع‬
‫حصل بالقروش‪ ،‬ويف عرفهم القرش يساوي أربعني دينار ًا‪ ،‬فلم يبق منازعة‪.‬‬
‫(‪ )2‬أي ما سبق تقريره بعد النقل عن الرتمجاين والكرماين من اعتبار العرف يف‬
‫اإلطالق‪ ،‬فإن أطلق القرش‪ ،‬وأريد به أربعني درمه ًا‪ ،‬فيكون هو املقصود ال املعاين‬
‫األخرى‪.‬‬
‫(‪ )3‬يقصد هبذا ال يعترب العرف العام الذي طرأ بعد عرص الصحابة ‪ ‬يف ختصيص‬
‫األثر‪.‬‬
‫‪ 98‬ــــــــــــــــــــــــــ التعليقات العرفية عىل نرش العرف يف بناء بعض األحكام عىل العرف‬
‫ِ‬
‫عم من ذلك‪ ،‬أال‬ ‫أن املرا َد به ما هو َأ ّ‬
‫ف ّ‬‫فروعهم(‪َ )1‬ع َر َ‬ ‫قلت‪َ :‬من نظر إىل‬
‫ٍ (‪)2‬‬
‫الرش َط املتعارف‬
‫بأن َّ‬‫رصح الفقها ُء ّ‬ ‫ترى أنّه ‪ّ ‬نى عن «بي ٍع ورشط» ‪ ،‬وقد َّ‬
‫نعل عىل أن حيذوها البائع‪ :‬أي يقطعها‪.‬‬ ‫ِ‬
‫كرشاء ٍ‬ ‫ال ُي ْف ِسدُ البيع‪:‬‬
‫وخيرزه‬
‫َ‬ ‫البائع‬
‫ُ‬ ‫ومنه‪ :‬ما لو رشى ثوب ًا أو ُخ ّف ًا َخلِق ًا عىل أن َي ْر َق َعه‬
‫خصصوا األثر بالعرف(‪.)3‬‬ ‫يصح للعرف‪ ،‬فقد َّ‬ ‫و ُيس ِّل َمه‪ّ ،‬‬
‫فإّنم قالوا‪ُّ :‬‬
‫أن ما ُذكِر‬
‫يصح دعواك ختصيص العرف العا ّم بام ذكرتَه(‪ )4‬إذا ثبت ّ‬
‫وإنِّام ُّ‬
‫من هذه املسائل ونحوها(‪ )5‬كان ال ُعرف فيها موجود ًا زمن املجتهدين من‬
‫عموم ِه(‪ُ )6‬مراد ًا به ما قابل العرف‬
‫ِ‬ ‫الصحابة ‪ ‬وغريهم‪ ،‬وإال فيبقى عىل‬
‫َّ‬
‫ٍ‬
‫واحدة‪ ،‬وهو ما تعامله عا ّمة أهل البالد سواء كان قدي ًام أو‬ ‫ٍ‬
‫ببلدة‬ ‫اخلاص‬
‫ّ‬
‫حديث ًا‪.‬‬
‫مشايخ َب ْل ٍخ‬
‫ِ‬ ‫بعض‬
‫الذخرية» يف َر ِّد ما قاله ُ‬ ‫ُّ‬
‫ويدل عليه‪ :‬ما قدّ مناه عن « َّ‬

‫(‪ )1‬أي أن الفروع التي يذكرها الفقهاء ليست خاصة بعرف الصحابة ‪ ،‬وإنام تشمل‬
‫العرف الذي جاء بعدهم‪.‬‬
‫(‪ )2‬سبق خترجيه‪.‬‬
‫(‪ )3‬أي األثر الوارد من النهي عن بيع ورشط‪.‬‬
‫(‪ )4‬أي عرف الصحابة ‪ ‬وما بعدهم دون سواهم‪.‬‬
‫(‪ )5‬أي األمثلة التي ذكرها أخري ًا قد كانت يف عرص الصحابة ‪ ‬ومن بعدهم‪.‬‬
‫(‪ )6‬أي يشمل عرف الصحابة ‪ ،‬ومن بعدهم أو أي عرف عام شاع يف البالد وإن‬
‫كان بعد عرص الصحابة ‪.‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪99‬‬
‫ٍ‬
‫واحدة ال‬ ‫هل ٍ‬
‫بلدة‬ ‫عرف َأ ِ‬
‫َ‬ ‫الرش ِ‬
‫ب ونحوه ب َّ‬
‫أن‬ ‫ِ‬
‫اعتبارهم عرف َب ْل ٍخ يف بي ِع ِّ‬ ‫من‬
‫َص به األثر(‪.)1‬‬ ‫رت ُك به القياس‪ ،‬وال ُخي ُّ‬
‫ُي ْ َ‬
‫حق الكالم يف الر ِّد عليهم أن‬ ‫ذكرتَه(‪ )2‬لكان ُّ‬ ‫ِ‬
‫ولو كان املرا ُد بالعرف ما ْ‬
‫العرف احلادث ال ُ‬
‫يرتك به القياس‪ ...‬الخ‪ ،‬فليتأ ّمل‪.‬‬ ‫َ‬ ‫ُيقال‪ّ :‬‬
‫إن‬
‫ِ‬
‫بالعرف العا ّم ما ذكرتَه‪ ،‬فاعتبار العرف اخلاص ببلدة‬ ‫ولو ُس ِّل َم ّ‬
‫أن املرا َد‬
‫الرضورة‪ ،‬كام‬
‫عيف جيوز العمل به عند َّ‬
‫الض ُ‬ ‫ُ‬
‫والقول َّ‬ ‫واحدة ٌ‬
‫قول يف املذهب‪،‬‬
‫ب َّين ُته يف آخر «رشح املنظومة»‪ ،‬واهلل تعاىل أعلم‪.‬‬
‫البائع أنّه‬ ‫َّعل عىل أن حيذوها‬ ‫ِ‬
‫رشاء الن ِ‬ ‫بل ذكر يف «فتح القدير»‪« :‬مسأل َة‬
‫ُ‬
‫ثم قال‪ :‬ومث ُله يف ِ‬
‫ديارنا رشاء‬ ‫الرشط للتَّعامل‪ّ ،‬‬ ‫جيوز البيع استحسان ًا‪ ،‬ويلزم َّ‬
‫ال َق ْب َقاب عىل أن ُي َس ِّم َر له سري ًا»‪ ،‬انتهى(‪.)3‬‬
‫ِ‬
‫لبس فيها‬ ‫خاص َأيض ًا؛ إذ ٌ‬
‫كثري من البالد ال ُي ُ‬ ‫حادث و ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫عرف‬
‫ٌ‬ ‫فهذا‬
‫ٍ‬
‫برشط»(‪.)4‬‬ ‫خمصص ًا ِّ‬
‫للنص النَّاهي عن «بي ٍع‬ ‫ال َق ْب َقاب‪ ،‬وقد جعله معترب ًا ِّ‬

‫(‪ )1‬سبق بيان أنه ّ‬


‫حمل نظر‪ ،‬فلرياجع‪.‬‬
‫(‪ )2‬أي العرف العام خاص بعرف الصحابة ‪ ‬ومن بعدهم‪.‬‬
‫(‪ )3‬من فتح القدير‪.451 :6‬‬
‫قرره اب ُن عابدين يف بحثه األخري هنا من اعتبار العرف العام مطلق ًا يف ختصيص‬
‫(‪ )4‬ما َّ‬
‫األثر والقضاء عىل القياس هو املعترب‪ ،‬وهو حتقيق بديع‪ ،‬إال أنه يف بحثه نقض ما أسسه‬
‫ص به األثر وال يكون قاضيا عىل القياس‪،‬‬
‫اخلاص ال ُخي ُّ‬
‫ّ‬ ‫الرسالة من ّ‬
‫أن العرف‬ ‫يف بداية ِّ‬
‫‪ 100‬ــــــــــــــــــــــــــ التعليقات العرفية عىل نرش العرف يف بناء بعض األحكام عىل العرف‬

‫اخلاص‪ ،‬ومع ذلك ّ‬


‫فإن اب َن‬ ‫ّ‬ ‫رصح بأن مسأل َة ال َقب َقاب من العرف‬
‫ففي التَّطبيق هاهنا َّ‬
‫وأقره اب ُن عابدين عىل ذلك‪،‬‬
‫خصص هبا األثر الوارد يف النَّهي عن «بيع ورشط»‪ّ ،‬‬ ‫اهلُامم َّ‬
‫قرره سابق ًا‪ ،‬ومسائل الفقه التي‬
‫ختصيصه وقضاءه كان صحيح ًا‪ ،‬وهذا ناقض ملا َّ‬
‫َ‬ ‫بأن‬
‫قرره‪ ،‬فكان هذا اضطراب ًا من ابن عابدين يف حتقيق‬
‫والواقع ُي ِّ‬
‫ُ‬ ‫تشهد ملثل هذا ال ُحتىص‪،‬‬
‫قرر شيئ ًا‪ ،‬وطبق آخر‪ ،‬فليحفظ مثل هذا‪ ،‬ولينتبه إىل زلة القدم التي وقع‬
‫املسألة‪ ،‬بحيث َّ‬
‫فيها مثل هذا العامل النحرير‪ ،‬خامتة املح ّققني‪.‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪101‬‬

‫الباب الثاين‬
‫فيام إذا خالف العرف‬
‫الرواية‬
‫ما هو ظاهر ِّ‬
‫َّص‪ ،‬وهي‬ ‫ِ‬
‫برصيح الن ِّ‬ ‫َ‬
‫املسائل الفقه ّي َة إ ّما أن تكون ثابت ًة‬ ‫فنقول‪ :‬اعلم َأ ّن‬
‫األول‪.‬‬
‫الفصل ّ‬
‫ٍ‬
‫اجتهاد ورأي‪ ،‬وكثري منها ما يب ِّينه املجتهد‬ ‫ِ‬
‫برضب‬ ‫و َأ ّما ما تكون ثابت ًة‬
‫عرف زمانِه‪ ،‬بحيث لو كان يف زمان العرف احلادث لقال‬ ‫ِ‬ ‫عىل ما كان يف‬
‫ِ‬
‫معرفة‬ ‫بخالف ما قاله أوالً؛ وِلذا قالوا يف رشوط االجتهاد‪ :‬أنه ال بد فيه من‬
‫عادات الناس‪.‬‬
‫لتغري عرف أهله‪ ،‬أو‬ ‫ِ‬
‫فكثري من األحكام ختتلف باختالف الزمان؛ ُّ‬
‫أهل الزمان بحيث لو بقي احلكم عىل ما كان عليه‬ ‫ٍ‬
‫رضورة‪ ،‬أو فساد ِ‬ ‫ِ‬
‫حلدوث‬
‫ِ‬
‫خفيف‬ ‫أوالً للزم منه املشقة والَّضر بالناس‪ ،‬وخلالف الشيعة املبنية عىل الت‬
‫ِ‬
‫وأحسن إحكام‪.‬‬ ‫أتم نظا ِم‬ ‫والت ِ‬
‫يسري ودفع الَّضر والفساد؛ لبقاء العامل عىل ِّ‬
‫نص عليه املجتهدُ يف مواضع‬
‫وهلذا ترى مشايخ املذهب خالفوا ما َّ‬
‫‪ 102‬ــــــــــــــــــــــــــ التعليقات العرفية عىل نرش العرف يف بناء بعض األحكام عىل العرف‬
‫كثرية‪ ،‬بناها عىل ما كان يف زمنه؛ ِ‬
‫لعلمهم بأنّه لو كان يف زمنهم لقال بام قالوا‬
‫به َأخذ ًا من قواعد مذهبه(‪.)1‬‬
‫ِ‬
‫ونحوه(‪)2‬؛‬ ‫ِ‬
‫فمن ذلك افتاؤهم بجواز االستئجار عىل تعلي ِم القرآن‬
‫األول‪ ،‬ولو اشتغل املعلمون‬ ‫الصدر ّ‬ ‫النقطاع عطايا املعلمني التي كانت يف َّ‬
‫وضياع عياهلم‪ ،‬ولو اشتغلوا باالكتساب من‬ ‫ُ‬ ‫بالتَّعليم بال ُأجرة يلزم ضيا ُعهم‬
‫ضياع القرآن والدِّ ين َفأفتوا َبأخذ األُجرة عىل التّعليم‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫وصناعة يلزم‬ ‫ٍ‬
‫حرفة‬
‫ُ‬
‫الف ملا اتفق عليه أبو‬ ‫ِ‬
‫واألذان كذلك(‪ )3‬مع َأ ّن ذلك ُخم ٌ‬ ‫ِ‬
‫اإلمامة‬ ‫وكذا عىل‬
‫ِ‬
‫وأخذ األُجرة عليه‬ ‫وحممد ‪ ‬من عدم جواز االستئجار‬ ‫حنيفة وأبو يوسف‬
‫ّ‬
‫حل ّج‪ ،‬وقراءة القرآن‪ ،‬ونحو ذلك‪.‬‬
‫والصالة‪ ،‬وا َ‬ ‫كبقية ال َّطاعات من َّ‬
‫الصوم‪َّ ،‬‬
‫الش ِ‬
‫هادة(‪،)4‬‬ ‫ِ‬
‫بظاهر العدالة يف َّ‬ ‫ومن ذلك‪ :‬قول اإلمامني بعدم االكتفاء‬
‫َص عليه أبو حنيفة ‪ ‬بناء عىل ما كان يف زمن ِ ِه من غلبة‬ ‫مع ُخمالفته ملا ن َّ‬
‫ُ‬
‫رسول اهلل ‪ ‬باخلريية‪ ،‬ومها أدركا‬ ‫الزمن الذي َش ِهد‬
‫العدالة؛ ألنّه كان يف َّ‬

‫للرضورة‪،‬‬
‫(‪ )1‬ما يذكر ابن عابدين من مسائل بعضها ترجع للعرف واألخرى ترجع َّ‬
‫الرضورة فإّنا مغرية للحكم‪ ،‬ونحاول يف‬
‫مغري‪ ،‬بخالف َّ‬
‫معرف ال ّ‬
‫ومعلوم أن العرف ّ‬
‫األمثلة التي ذكرها أن نميز بني ما يكون راجع للرضورة وما يكون راجع للعرف‪.‬‬
‫(‪ )2‬هذه من مسائل الرضورة‪.‬‬
‫(‪ )3‬هذه من مسائل الرضورة‪.‬‬
‫(‪ )4‬هذه من مسائل العرف‪.‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪103‬‬
‫االختالف‬
‫َ‬ ‫َص العلام ُء عىل ّ‬
‫أن هذا‬ ‫الزمن الذي َف َشى فيه الكذب‪ ،‬وقد ن َّ‬
‫َّ‬
‫حجة وبرهان‪.‬‬‫اختالف عرص وأوان ال اختالف ّ‬
‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ (‪)1‬‬ ‫ومن ذلك‪ :‬حت ُّق ُق اإلكراه من ِ‬
‫لقول اإلمام‬ ‫السلطان مع خمالفته‬
‫غري ُّ‬
‫ثم َك ُث َر‬
‫السلطان ال ُيمكنه اإلكراه‪ّ ،‬‬
‫غري ُّ‬ ‫بنا ًء عىل ما كان يف زمنِه من ّ‬
‫أن َ‬
‫حممد ‪ :‬باعتباره‪ ،‬و َأفتى به‬ ‫الفساد‪ ،‬فصار يتح َّقق اإلكراه من غريه‪ ،‬فقال ّ‬
‫املتأخرون لذلك‪.‬‬
‫َ‬
‫الضامن‬ ‫ِ‬
‫لقاعدة املذهب من ّ‬
‫أن‬ ‫الساعي مع خمالفتِه‬
‫ومن ذلك‪ :‬تضمني َّ‬
‫عىل املبارش دون املتس ِّبب(‪ ،)2‬ولكن أفتوا بضامنه زجر ًا؛ بسبب كثرة ُّ‬
‫السعاة‬
‫املفسدين بل أفتوا بقتله زمن الفتنة(‪.)3‬‬
‫ِ‬
‫كتضمني األَجري املشرتك(‪.)4‬‬ ‫ومن ذلك مسائل كثرية‪:‬‬
‫إن الويص ليس له املضارب ُة ِ‬
‫بامل اليتي ِم يف زماننا(‪ ،)5‬وإفتاؤهم‬ ‫وقوهلم‪ّ :‬‬
‫َّ‬
‫بتضمني الغاصب عقار اليتيم والوقف(‪ ،)6‬وبعدم إجارته أكثر من سنة يف‬

‫(‪ )1‬هذا من مسائل العرف‪.‬‬


‫(‪ )2‬هذه من مسائل الرضورة‪.‬‬
‫(‪ )3‬يف األصل‪ :‬فرتة‪.‬‬
‫(‪ )4‬هذه من مسائل الرضورة‪.‬‬
‫(‪ )5‬هذه من مسائل الرضورة‪.‬‬
‫(‪ )6‬هذه من مسائل الرضورة‪.‬‬
‫‪ 104‬ــــــــــــــــــــــــــ التعليقات العرفية عىل نرش العرف يف بناء بعض األحكام عىل العرف‬
‫ِ‬
‫ألصل املذهب من عد ِم‬ ‫ثالث سنني يف األرايض مع خمالفتِه‬
‫ِ‬ ‫الدور‪ ،‬وأكثر من‬
‫الضامن وعدم التقدير بمدّ ة‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫املساجد لصالة‬ ‫حضور‬ ‫ومنع النّساء َع ّام ُك َّن عليه يف زمن ا ّ‬
‫لنبي ‪ ‬من‬
‫اجلامعة(‪.)1‬‬
‫الزمان‪.‬‬
‫السفر بزوجته وإن أوفاها(‪)2‬؛ لفساد ّ‬ ‫وإفتاؤهم بمن ِع ّ‬
‫الزوج من َّ‬
‫وعدم قبول قوله‪ :‬أنّه استثنى بعد احللف بطالقها إال ببينة(‪)3‬؛ لفساد‬
‫الزمان مع ّ‬
‫أن ظاهر الرواية خالفه‪.‬‬
‫بأّنا مل تقبض املرشوط تعجيله من‬
‫وعدم تصديقها بعد الدخول هبا ّ‬
‫ِ‬
‫للمنكر لكنّها يف‬ ‫َ‬
‫القول‬ ‫املهر مع ّأّنا منكرة للقبض(‪ ،)4‬وقاعدة املذهب‪ّ :‬‬
‫أن‬
‫العادة ال ُت َس ِّل ُم َ‬
‫نفسها قبل قبضة‪.‬‬
‫قوهلم يف قوله‪ِ ُّ :‬‬
‫كل ح ِّل َّ‬
‫عيل حرا ٌم َي َق ُع به ال َّطالق للعرف(‪ ،)5‬قال‬ ‫وكذا ُ‬
‫مشايخ بلخ‪ :‬وقول حممد ‪ ‬ال يقع إالّ بالنّية َأجاب به عىل ِ‬
‫عرف ديارهم‪َ ،‬أ ّما‬ ‫ّ‬
‫عرف بالدنا ُفرييدون به حتريم املنكوحة‪ ،‬فيحمل عليه‪ ،‬انتهى‪.‬‬‫يف ِ‬

‫(‪ )1‬هذه من مسائل العرف‪.‬‬


‫(‪ )2‬هذه من مسائل العرف‪.‬‬
‫(‪ )3‬هذه من مسائل العرف‪.‬‬
‫(‪ )4‬هذه من مسائل العرف‪.‬‬
‫(‪ )5‬هذه من مسائل العرف‪.‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪105‬‬
‫ِ‬
‫األلفاظ املستعملة يف هذا يف مرصنا‪ :‬الطالق‬ ‫قال العالمة قاسم(‪ :)1‬ومن‬
‫وعيل احلرام(‪ ،)2‬انتهى‪.‬‬
‫ّ‬ ‫وعيل الطالق‪،‬‬
‫ّ‬ ‫يلزمني‪ ،‬واحلرام يلزمني‪،‬‬
‫املختار يف زماننا قول اإلمامني يف املزارعة واملعاملة‬
‫ُ‬ ‫وكذا قوهلم‪:‬‬
‫ِ‬
‫الرضورة والبلوى‪.‬‬ ‫والوقف(‪)3‬؛ ملكان‬
‫بسقوط َّ ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ب‬‫الشفعة إذا َأ َّخ َر َط َل َ‬ ‫بقول ُحم ّمد ‪‬‬ ‫و َأفتى ٌ‬
‫كثري منهم‪:‬‬
‫التم ُّلك شهر ًا دفع ًا َّ‬
‫للرضر عن املشرتي(‪.)4‬‬
‫بأن احلر َة البالغ َة العاقل َة لو َّ‬
‫زوجت نفسها من غري‬ ‫وبرواية احلسن ‪ّ ‬‬
‫الزمان(‪.)6‬‬
‫كفؤ ال يصح(‪)5‬؛ لفساد ّ‬

‫وين امل ِ ْ ِ‬
‫رصي احلَنَفي‪ ،‬أبو العدل‪ ،‬زين‬ ‫(‪ )1‬وهو قاسم بن ُق ْط ُلو ُب َغا بن عبد اهلل ُّ‬
‫السو ُد ّ‬
‫الدِّ ين‪ ،‬من مؤلفاته‪« :‬حتفة اإلحياء بتخريج أحاديث اإلحياء»‪ ،‬و«رشح املجمع»‪،‬‬
‫و«رشح خمترص املنار»‪879-802( ،‬هـ)‪ .‬ينظر‪ :‬الضوء الالمع‪،190-184 :5‬‬
‫التعليقات السنية ص‪.168-167‬‬
‫(‪ )2‬هذه من مسائل العرف‪.‬‬
‫(‪ )3‬هذه من مسائل الرضورة‪.‬‬
‫(‪ )4‬هذه من مسائل الرضورة‪.‬‬
‫(‪ )5‬هذه من مسائل الرضورة‪.‬‬
‫(‪ )6‬وهذا نص عليه القانون العثامين‪ :‬جاء يف املعروضات‪« :‬سنة (‪951‬هـ)‪ :‬القضاة‬
‫مأمورون بأن ال يقبلوا النكاح إال بإذن الويل»‪ .‬ينظر‪ :‬قانون الدولة العثامنية ص‪،168‬‬
‫عل ًام أن املشهور من قول أيب حنيفة أنه جيوز نكاح املرأة بال ويل‪ ،‬لكن ملا فسد الزمان‬
‫أخذوا بقول الصاحبني بعدم جواز النكاح إال بو ّيل‪.‬‬
‫‪ 106‬ــــــــــــــــــــــــــ التعليقات العرفية عىل نرش العرف يف بناء بعض األحكام عىل العرف‬

‫للرضورة‪.‬‬ ‫وإفتاؤهم بالعفو عن طني َّ‬


‫الشارع(‪َّ )1‬‬
‫وببيع الوفاء(‪ ،)2‬وباالستصناع(‪.)3‬‬
‫السقاء بال بيان قدر املاء(‪.)4‬‬
‫الرشب من ِّ‬ ‫وكذا ُّ‬
‫وقدر ِ‬
‫املاء(‪ )5‬ونحو ذلك من املسائل‬ ‫ِ‬ ‫احلامم بال بيان مدّ ِة املكث‬ ‫ُ‬
‫ودخول ّ‬
‫الزمان وأحواهلم التي ال ُبدّ‬
‫حكمها؛ الختالف عادات أهل َّ‬ ‫ُ‬ ‫التي اختلف‬
‫للمجتهد من معرفتِها‪ ،‬وهي كثري ٌة جدّ ًا ال ُيمكن استقصاؤها‪ ،‬وسنذكر نبذة‬ ‫ِ‬

‫يسرية مهمة منها‪.‬‬


‫ويقرب من ذلك مسائل كثرية أيض ًا َحكَّموا فيها قرائن األحوال‬
‫العرفية كمسألة‪ :‬االختالف يف امليزاب(‪ )6‬وماء الطاحون(‪.)7‬‬

‫(‪ )1‬هذه من مسائل الرضورة‪.‬‬


‫(‪ )2‬هذه من مسائل الرضورة‪.‬‬
‫(‪ )3‬هذه من مسائل الرضورة‪.‬‬
‫(‪ )4‬هذه من مسائل العرف‪.‬‬
‫(‪ )5‬هذه من مسائل العرف‪.‬‬
‫ميزاب قديم‪ ,‬فليس له منعه‪ ،‬وهذا‬
‫ٌ‬ ‫(‪ )6‬لو كان مسيل سطوحه إىل دار رجل‪ ،‬وله فيها‬
‫ٌ‬
‫استحسان جرت به العادة‪ ,‬أ ّما أصحا ُبنا فقد أخذوا بالقياس ‪ ,‬وقالوا‪ :‬ليس له ذلك إال‬
‫حق املسيل‪ ،‬والفتوى عىل ما ذكره أبو الليث‪ ،‬اهـ‪ ،‬ويف «البزازية »‪:‬‬
‫أن ُيقيم الب ّينة أن له ّ‬
‫وبه نأخذ ا هـ وهو موافق للقاعدة اآلتية أن القديم ُيرتك عىل قدمه تأ ّمل‪ ،‬رد املحتار‪:‬‬
‫‪.443 :6‬‬
‫(‪ )7‬هذه من مسائل العرف‪.‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪107‬‬
‫ثم َملن له عليه أخشاب(‪)1‬؛‬ ‫ِ‬
‫وكذا احلكم باحلائط َملن له اتصال تربيع‪ّ ،‬‬
‫ألنه قرين ٌة عىل سبق اليد‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ف به(‪.)2‬‬ ‫الشهادة بامللك َملن رأيت بيده شيئ ًا َيت َ َّ‬
‫َرص ُ‬ ‫وجتويزهم ّ‬
‫ُ‬
‫وبالزوجية َملن يتعارشان معارشة األزواج(‪.)3‬‬
‫ٍ‬
‫واحد‬ ‫الزوجني يف َأمتعة البيت‪ُ ،‬جيعل القول ِّ‬
‫لكل‬ ‫وكذا مسألة اختالف َّ‬
‫وللزوج يف غريه(‪.)4‬‬
‫الصالح له َّ‬
‫منهام يف َّ‬
‫الركاز(‪.)5‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وحتكيم ِ‬
‫سمة اإلسال ِم‬
‫الكفر يف َّ‬ ‫وسمة‬ ‫ُ‬
‫ويف الص ِ‬
‫الة عىل القتىل يف احلرب مع الك ّفار‪.‬‬ ‫ّ‬
‫بحب املردان عىل تابعه األمرد بامل(‪،)6‬‬
‫ِّ‬ ‫وعد ُم سامع الدَّ عوى ممَّن ُعرف‬

‫(‪ )1‬هذه من مسائل العرف‪.‬‬


‫(‪ )2‬هذه من مسائل العرف‪.‬‬
‫(‪ )3‬هذه من مسائل العرف‪.‬‬
‫(‪ )4‬أي ما يصلح للمرأة يكون للمرأة‪ ،‬وما يصلح للرجل يكون للرجل‪ ،‬وما يصلح‬
‫هلام‪ ،‬فهو للرجل‪ ،‬وهذه املسألة مبنية عىل العرف‪.‬‬
‫الركاز من َّ‬
‫الذهب وغريه فيه عالمة اإلسالم‪ ،‬فله حكم اللقطة‪ ،‬وإن‬ ‫(‪ )5‬أي إن كان َّ‬
‫كان فيه عالمة أهل الكفر‪ ،‬فيكون له حكم الركاز املعروف‪ ،‬وهذه املسألة مبنية عىل‬
‫مسائل العرف‪.‬‬
‫(‪ )6‬عبارة النهر عن املحيط‪ :‬الفاسق املسلم إذا اشرتى عبد ًا أمرد ًا‪ ،‬وكان من عادته‬
‫اتباع املرد أجرب عىل بيعه دفع ًا للفساد‪ ،‬اهـ‪ ،‬وعن هذا َأفتى املوىل أبو السعود بأنّه ال‬
‫‪ 108‬ــــــــــــــــــــــــــ التعليقات العرفية عىل نرش العرف يف بناء بعض األحكام عىل العرف‬

‫ميل(‪. )2‬‬
‫والر ُّ‬
‫تايش َّ‬
‫السعود والت ُُّمر ُّ‬
‫(‪)1‬‬
‫كام أفتى به املوىل أبو ُّ‬
‫ِ‬
‫ونحوه عند ظهور األمارات(‪.)3‬‬ ‫وحبس املتهم ٍ‬
‫بقتل‬
‫بمن ُز َّفت إليه ليل َة العرس وإن مل يشهد عدالن ّ‬
‫بأّنا‬ ‫وجواز الدُّ خول َ‬
‫زوجته(‪.)4‬‬
‫الصبيان أو العبيد(‪.)5‬‬ ‫ِ‬
‫وقبول اهلدية عىل يد ِّ‬

‫ميل واحلصكفي‪ ،‬كام يف رد املحتار‪،229 :5 :‬‬ ‫ُتسمع دعواه عىل أمرد‪ ,‬وبه َأفتى اخلري َّ‬
‫الر ّ‬
‫وهي من املسائل املبنية عىل العرف‪.‬‬
‫(‪ )1‬حممد بن حممد بن مصطفى العامدي‪ ،‬أبو السعود‪ ،‬شيخ اإلسالم‪ ،‬كان حارض‬
‫الذهن رسيع البدهية‪ :‬كتب اجلواب مرارا يف يوم واحد عىل ألف رقعة باللغات العربية‬
‫والفارسية والرتكية‪ ،‬تبع ًا ملا يكتبه السائل‪ .‬من مؤلفاته‪« :‬إرشاد العقل السليم إىل مرايا‬
‫الكتاب الكريم»‪« ،‬حتفة الطالب» يف املناظرة‪ ،‬و«رسالة يف املسح عىل اخلفني‪- 898( ،‬‬
‫‪ 982‬هـ)‪ .‬ينظر‪ :‬األعالم‪.59 :7‬‬
‫الر ْم ِيل احلَنَفي‪،‬‬ ‫ِ‬
‫(‪ )2‬وهو خري الدين بن أمحد بن نور الدين األيويب ال ُع َل ْيمي الفاروقي َّ‬
‫املفرس اللغوي الرصيف النحوي البياين العرويض‬ ‫قال املحبي‪ :‬اإلمام الفقيه املحدِّ ث ِّ‬
‫املعمر شيخ احلنيفة يف عرصه وصاحب الفتاوى السائرة‪ ،‬ومن مؤلفاته‪« :‬الفتاوي‬
‫اخلريية لنفع الربية»‪ ،‬و«حوايش عىل منح الغفار»‪ ،‬و«حوايش عىل رشح الكنْز‬
‫للعيني»‪ ،‬و«حوايش عىل األشباه والنظائر»‪1081-993( ،‬هـ)‪ .‬ينظر‪ :‬خالصة‬
‫األثر‪ ،134 :2‬واألعالم‪.375-374 :2‬‬
‫(‪ )3‬وهي من مسائل العرف‪.‬‬
‫(‪ )4‬ألن العرف ثابت يف أنه ال تزف له إال زوجته‪.‬‬
‫(‪ )5‬لشيوع العرف يف إرسال اهلدايا معهم‪.‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪109‬‬
‫الضيف من طعام وضعه املضيف بني يديه(‪.)1‬‬ ‫ِ‬
‫وأكل َّ‬

‫والتقاط ما ُينْ َب ُذ يف ال َّطريق من نحو قشور البطيخ ُّ‬


‫والرمان(‪.)2‬‬
‫والرشب من احلباب املسبلة‪ ،‬وعدم جواز الوضوء منها(‪.)3‬‬
‫ُّ‬
‫وعدم سامع الدَّ عوى ممَّن سكت بعد ا ّطالعه عىل بي ِع جاره أو قريبه‬
‫دار ًا مث ً‬
‫ال(‪.)4‬‬
‫ف يف الدَّ ار‬ ‫وعدم سامعها ممَّن َسكَت َأيض ًا بعد رؤيته ذا اليد َيت َ َّ‬
‫َرص ُ‬
‫ف املالّك من هدم وبناء(‪.)5‬‬
‫َرص َ‬
‫ت َ ُّ‬
‫ومنها‪ :‬ما يف آخر باب التَّحالف من «البحر» عن «خزانة األكمل»(‪،)6‬‬

‫(‪ )1‬ألنه متعارف بني الناس أن وضع الطعام بني يدي الضيف ّ‬
‫يدل عىل إباحة األكل‪.‬‬
‫لكل ٍ‬
‫أحد أخذها‪.‬‬ ‫(‪ )2‬لشيوع العرف بإباحة ما ُيلقى يف ال ُّطرق من هذه القشور‪ ،‬فيحل ّ‬
‫للامرة تكون مباح َة ّ‬
‫الرشب‬ ‫أن جرار املاء التي توضع يف ال ُّطرق ّ‬‫(‪ )3‬أي صار معروف ًا ّ‬
‫هلم‪ ،‬ال الوضوء منها‪ ،‬فإّنا مل توضع له‪.‬‬
‫ألن العرف جار بأنّه لو كانت الدار له العرتض عندما سمع‪ ،‬وسكوته ّ‬
‫دل عىل‬ ‫( ‪ّ )4‬‬
‫إقراره عرف ًا بأنه ملك لغريه‪ ،‬فادعاؤه فيام بعد أنه له فيه تناقض‪ ،‬فلم تقبل دعواه‪.‬‬
‫(‪ )5‬أي إن رأى َمن يسكن الدّ ار يقوم هبدم وبناء فيها يدل عرف ًا أنه مالك له عند َمن‬
‫رآه بال اعرتاض‪ ،‬فال تقبل دعواه فيام بعد أّنا له‪.‬‬
‫(‪ )6‬ليوسف بن حممد اجلرجاين‪ ،‬أبو عبد اهلل‪ ،‬من مؤلفاته‪« :‬خزانة األكمل»‪( ،‬ت‬
‫بعد‪522‬هـ)‪ .‬ينظر‪ :‬األعالم‪ ،242 :8‬والفوائد ص‪.231‬‬
‫‪ 110‬ــــــــــــــــــــــــــ التعليقات العرفية عىل نرش العرف يف بناء بعض األحكام عىل العرف‬

‫بيده يف بيتِه غال ٌم معه بدر ٌة فيها عرشون ألف ًا‬


‫رجل فقري ِ‬
‫ٌ‬ ‫وكذا يف «التَّنوير»‪ٌ :‬‬
‫فادعاه مورس معروف باليسار‪ ،‬فهو للمورس(‪.)1‬‬
‫رجل عىل ِ‬
‫عنقه قطيفة‪ ،‬فهي لصاحب املنزل(‪.)2‬‬ ‫ٍ‬ ‫وكذا كنّاس يف ِ‬
‫منزل‬
‫واآلخر س ّفان‪،‬‬ ‫بياع ٍ‬
‫دقيق‬ ‫ٍ‬
‫ُ‬ ‫دقيق وأحدُ مها ُ‬
‫سفينة فيها ٌ‬ ‫وكذا رجالن يف‬
‫والسفينة لل َّثاين(‪.)3‬‬ ‫فالدَّ قيق ل َ‬
‫أل َّول َّ‬
‫ٍ‬
‫يشء دخل منزل رجل‪ ،‬ومعه يشء من ذلك‪،‬‬ ‫وكذا ٌ‬
‫رجل ُيعرف ببيع‬
‫فادعياه‪ ،‬فهو للمعروف ببيعه(‪ ،)4‬انتهى‪.‬‬
‫وكذا ما يف كتب الفتاوى‪ :‬رجل دخل منزل رجل فقتله َر ُّب املنزل‪،‬‬
‫معروف بالدَّ عارة‪ ،‬لكن‬
‫ٌ‬ ‫وقال‪ :‬إنه داعر دخل ليقتلني فال قصاص لو الدَّ اخل‬
‫ألن دالل َة احلال أورثت شبه ًة يف‬
‫يف «ال َب ّزاز ّية»‪ :‬وجتب الدِّ ية استحسان ًا؛ ّ‬
‫القصاص ال يف املال‪.‬‬

‫العرف يدل عىل عدم قدرة الغالم عىل متلك مثل هذا املبلغ من املال‪ ،‬بخالف‬
‫َ‬ ‫(‪ّ )1‬‬
‫ألن‬
‫املورس فإنه قادر عىل متلكه‪.‬‬
‫(‪ )2‬ألن العرف عىل عدم محل الكناس للقطيفة؛ ألنه ثوم من خممل‪ ،‬فيكون ثمين ًا‪،‬‬
‫فتكون لصاحب البيت‪.‬‬
‫(‪ )3‬ألن العرف دال عىل أن بياع الدقيق يملك الدقيق‪ ،‬والسفان يملك السفينة‪.‬‬
‫أحق من غريه‬
‫(‪ )4‬ألن العرف عىل أن من عرف ببيع يشء‪ ،‬يكون بعضه معه‪ ،‬فيكون ّ‬
‫فيه إن اختلفا‪.‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪111‬‬
‫مخر‪ ،‬وقال‪ :‬أريد‬
‫السري الكبري»‪ :‬لو ُوجد مع مسلم ٌ‬ ‫وكذا ما يف «رشح ِّ‬
‫ظاهر حالِه يشهد له‪،‬‬
‫َ‬ ‫ختليله أو ليس يل‪ ،‬فإن كان دين ًا ال ُيتهم ُخ ِّيل سبي ُله؛ ّ‬
‫ألن‬
‫ني خالفه‪ ،‬اهـ‪.‬‬ ‫واجب حتى َي َت َب َّ َ‬
‫ٌ‬ ‫والبناء عىل الظاهر‬
‫وأمثال ذلك من املسائل التي عملوا فيها بالعرف والقرائن‪ ،‬ونزل ذلك‬
‫ِ‬
‫رصيح املقال‪ ،‬وإليه اإلشار ُة‬ ‫ِ‬
‫بشاهد احلال عن‬ ‫الرصيح اكتفا ًء‬
‫منزلة النُّطق َّ‬
‫ات ِّل ْلمتو ِّس ِمني}[احلجر‪ ، ]75:‬وقوله تعاىل‪:‬‬
‫بقوله تعاىل‪{ :‬إِن ِيف ذلِك آلي ٍ‬

‫اهد ِّم ْن أ ْهلِها إِن كان ق ِميصه}[يوسف‪ ]26:‬اآلية‪.‬‬


‫{وش ِهد ش ِ‬

‫وذكر العالم ُة املح ِّق ُق أبو اليرس ّ‬


‫حممد بن الغرس(‪ )1‬يف «الفواكه البدرية»‬
‫يف (الفصل السادس يف طريق القايض إىل احلكم)‪َ :‬أ ّن من ِ‬
‫مجلة طرق القضاء‪:‬‬
‫القرائن الدا ّلة عىل ما ُيطلب احلكم به داللة واضح ًة بحيث ُت َص ِّ ُريه يف ِ‬
‫حيز‬
‫سكني يف يده‪ ،‬وهو‬ ‫ٌ‬ ‫إنسان من ٍ‬
‫دار ومعه‬ ‫ٌ‬ ‫املقطوع به‪ ،‬فقد قالوا‪ :‬لو ظهر‬
‫ٌ‬
‫متلوث بالدِّ ماء‪ ،‬رسيع احلركة‪ ،‬عليه أثر اخلوف‪ ،‬فدخلوا الدَّ ار يف ذلك‬
‫الوقت عىل الفور فوجدوا هبا إنسان ًا مذبوح ًا بذلك احلني‪ ،‬وهو ملطخ‬
‫الرجل الذي ُو ِجد بتلك ِّ‬
‫الصفة‪ ،‬وهو‬ ‫بدمائه‪ ،‬ومل يكن يف الدَّ ار غري ذلك َّ‬
‫ظاهر؛ إذ ال يمرتي أحدٌ يف أنّه قات ُله‪ ،‬والقول‬
‫ٌ‬ ‫خارج من الدَّ ار يؤخذ به‪ ،‬وهو‬

‫(‪ )1‬وهو حممد بن حممد بن حممد بن خليل‪ ،‬أبو اليرس‪ ،‬البدر ابن الغرس‪ ،‬والغرس‬
‫لقب جده خليل‪ .‬من مؤلفاته‪« :‬الفواكه البدرية يف األقضية احلكمية»‪ ،‬و«حاشية عىل‬
‫رشح التفتازاين للعقائد النسفية»‪ ،‬وكتاب يف الرد عىل البقاعي دفاعا عن ابن الفارض‪،‬‬
‫(‪ 894 - 833‬هـ)‪ .‬ينظر‪ :‬األعالم‪ ،52 :7‬وعقد اجلامن‪.56 :1‬‬
‫‪ 112‬ــــــــــــــــــــــــــ التعليقات العرفية عىل نرش العرف يف بناء بعض األحكام عىل العرف‬
‫ٌ‬
‫احتامل‬ ‫تسور احلائط فذهب‪،‬‬ ‫الرجل قت َله ّ‬
‫ثم َّ‬ ‫بأنّه َذ َب َح نفسه أو ّ‬
‫أن غري ذلك ُّ‬
‫بعيدٌ ال ُيلتفت إليه؛ إذ مل ينشأ عن دليل‪ ،‬انتهى‪.‬‬
‫عرف‬
‫ٌ‬ ‫ف باختالف األزمان‪ ،‬فلو طرأ‬‫وخيتَلِ ُ‬
‫العرف َي َت َغ َّ ُري َ ْ‬
‫ُ‬ ‫فإن قلت‪:‬‬
‫تب‬‫املنصوص يف ك ِ‬
‫َ‬ ‫وفق ِه ُ‬
‫وخيالف‬ ‫جديدٌ هل للمفتي يف زماننا أن يفتي عىل ِ‬
‫ُ‬
‫املذهب؟ وكذا هل للحاكم اآلن العمل بالقرآئن؟‬
‫الرسالة عىل هذه املسألة‪.‬‬
‫قلت‪ :‬مبنى هذه ّ‬
‫فاعلم أن املتأخرين الذين خالفوا املنصوص يف كتب املذهب يف املسائل‬
‫لتغري الزمان والعرف‪ ،‬وعلمهم أن صاحب املذهب لو‬
‫السابقة مل ُيالفوه إال ُّ‬
‫احلق من ظامل‪ ،‬أو يدفع دعوى‬
‫كان يف زمنهم لقال بام قالوه(‪ )1‬مما ي ْستخْ رج به ُّ‬
‫بحبس ِه أو ِ‬
‫نحوه‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ونحوه بعدم سامع دعواه أو‬‫ِ‬ ‫متعن ٍ‬
‫ِّت‬
‫ٍ‬
‫مديد‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫واشتغال‬ ‫ٍ‬
‫سديد‪،‬‬ ‫لكل من املفتي واحلاكم من ٍ‬
‫نظر‬ ‫ولكن ال بد ٍّ‬
‫القرائن غري مطر ٍد‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫ومعرفة باألحكا ِم الشعية‪ُّ ،‬‬
‫والشوط املرعية‪ ،‬فإن حتكيم‬
‫تزوج بمرشق ّية وبينهام أكثر من ستَّة َأشهر‬‫أن مغربي ًا َّ‬‫أالّ ترى لو ّ‬
‫ٍ‬
‫أشهر َث َب َت نس ُبه منه؛ حلديث‪« :‬الولد للفراش»(‪ )2‬مع أن‬ ‫بولد لست ِّة‬
‫ٍ‬ ‫فجاءت‬

‫(‪ )1‬وقد سمعناك ما فيه الكفاية من اعتبار العرف والزمان واختالف األحكام‬
‫باختالفه‪ ،‬فللمفتي اآلن أن يفتي عىل عرف أهل زمانه وإن خالف زمان املتقدِّ مني‪،‬‬
‫وكذا للحاكم العمل بالقرائن يف أمثال ما ذكرناه حيث كان أمر ًا ظاهر ًا‪ .‬منه [ابن‬
‫عابدين] رمحه اهلل‪.‬‬
‫(‪ )2‬يف صحيح البخاري ‪ ، 724 :2‬وصحيح مسلم ‪ ،1080 :2‬وغريمها‪.‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪113‬‬
‫ِ‬
‫بطريق الكرامة أو االستخدام‪،‬‬ ‫تصو َر االجتامع بينهام بعيدٌ جد ًا‪ ،‬لكنّه ممكن‬
‫ّ‬
‫واقع‪ ،‬كام يف «فتح القدير» (‪.)1‬‬
‫فإنّه ٌ‬
‫رجل َأسود ُيشبه الولد من‬
‫الزوج ُة ولد ًا َأسود وا ّدعاه ٌ‬
‫وكذا لو ولدت َّ‬
‫وجه فهو لزوجها األبيض ما مل ُيالعن‪ ،‬وحديث ابن زمعة(‪ )2‬يف ذلك‬ ‫ٍ‬ ‫ِّ‬
‫كل‬
‫مشهور‪.‬‬

‫الصبي‬ ‫ٌ‬
‫رشط ‪ ,‬ولذا لو جاءت امرأ ُة َّ‬ ‫َّصو َر‬ ‫واحلق ّ‬
‫أن الت ُّ‬ ‫(‪ )1‬وعبارة الفتح‪ُّ « :350 :4‬‬
‫ثابت يف املغربية؛ لثبوت كرامات األولياء واالستخدامات‪,‬‬ ‫َّصو ُر ٌ‬ ‫ٍ‬
‫بولد ال يثبت نس ُبه‪ ,‬والت ُّ‬
‫فيكون صاحب خطوة أو جني ًا»‪ ،‬ومتامه يف رد املحتار‪.551 :3‬‬
‫(‪ )2‬فعائشة ريض اهلل عنها قالت‪( :‬كان عتبة بن أيب وقاص َع ِهدَ إىل أخيه سعد أن‬
‫ِ‬
‫يقبض ابن وليدة زمعة‪ ،‬وقال عتبة‪ :‬إنّه ابني فلام َقدم الن ّ‬
‫َّبي ‪ ‬مكّة يف الفتح أخذ سعد‬
‫بن أيب وقاص ابن وليدة زمعة فأقبل به إىل رسول اهلل ‪ ‬وأقبل معه عبد بن زمعة‪ ،‬فقال‬
‫سعد بن أيب وقاص‪ :‬هذا ابن أخي عهد إيل أنّه ابنه‪ .‬قال عبد بن زمعة‪ :‬يا رسول اهلل هذا‬
‫أخي هذا ابن زمعة ولد عىل فراشه‪ ،‬فنظر رسول اهلل ‪ ‬إىل ابن وليدة زمعة‪ ،‬فإذا أشبه‬
‫الناس بعتبة ابن أيب وقاص‪ ،‬فقال رسول اهلل ‪ :‬هو لك هو أخوك يا عبد بن زمعة‪ ،‬من‬
‫أجل أنّه ُولِد عىل فراشه‪ ،‬فقال رسول اهلل ‪ :‬احتجبي منه يا سودة؛ ملا رأى من شبه‬
‫عتبة بن أيب وقاص‪ ،‬قال ابن شهاب‪ :‬قالت عائشة‪ :‬قال رسول اهلل ‪ :‬الولد للفراش‬
‫وللعاهر احلجر)‪ .‬وقال ابن شهاب‪ :‬وكان أبو هريرة ‪ ‬يصيح بذلك‪ ،‬يف صحيح‬
‫هالل ب َن ُأمية قذف امرأته‬
‫(إن َ‬
‫البخاري‪ ،1565 :4‬ومثله حديث‪ :‬عن ابن ع ّباس ‪ّ :‬‬
‫النبي ‪ ‬برشيك بن سحامء فقال ‪ :‬الب ّين ُة أو َحدٌّ يف ظهرك‪ ،‬فقال‪ :‬يا رسول اهلل‬ ‫عند ّ‬
‫إذا رأى أحدُ نا عىل امرأتِ ِه رج ً‬
‫ال ينطلق يلتمس الب ّينة‪ ،‬فجعل الن ّبي ‪ ‬يقول‪ :‬الب ّينة وإال‬
‫‪ 114‬ــــــــــــــــــــــــــ التعليقات العرفية عىل نرش العرف يف بناء بعض األحكام عىل العرف‬

‫َرب‪.‬‬
‫النص ال ُت ْعت َ ُ‬
‫والقرائ ُن مع ِّ‬
‫الص ِّك‬ ‫ٍ‬ ‫َب بخ ِّطه َص ّك ًا ٍ‬
‫بامل عليه لزيد فا ّدعى زيدٌ بام يف َّ‬ ‫وكذا لو َكت َ‬
‫حجج‬
‫َ‬ ‫رصحوا به؛ ّ‬
‫ألن‬ ‫خل َّط َخ ُّطه كام ّ‬ ‫املال ال يثبت عليه‪ ،‬وإن َأ َق َّر ّ‬
‫بأن ا َ‬ ‫فأنكر َ‬
‫واخلط ليس واحد ًا منها‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫واإلقرار والنُّكول عن اليمني‪،‬‬
‫ُ‬ ‫اإلثبات ثالثة‪ :‬الب ِّين ُة‬
‫ِ‬
‫وخ ُّطه وإن كان ظاهر ًا يف صدق ا ُملدَّ عي‪ ،‬لكن ال َّظ َ‬
‫اهر يصلح للدَّ فع ال‬ ‫َ‬
‫الص ُّك قبل َأخذه املال‪.‬‬
‫لإلثبات عىل أ ّنه كثري ًا ما ُيكتب َّ‬
‫رب هو‬
‫الشاهدان بخالف ما قام عليه القرينة‪ ،‬فاملعت ُ‬ ‫وكذا لو شهد َّ‬
‫عمرو‬
‫ٌ‬ ‫ثم جاء‬ ‫احلس‪ ،‬كام لو شهدا بأن زيد ًا َ‬
‫قتل عمر ًا ّ‬ ‫الشهادة ما مل ُيكذهبا ّ‬ ‫َّ‬
‫وكل َمن رآها يقول‪ :‬إن ُأجرهتا‬ ‫أن الدَّ َار الفالنية ُأجرة مثلها كذا‪ُّ ،‬‬
‫حي ًا‪ ،‬أو ّ‬
‫أكثر‪.‬‬

‫باحلق ّإين لصادق فلينزل ّن اهلل ‪ ‬ما يربىء‬ ‫ّ‬ ‫حدّ يف ظهرك‪ ،‬فقال هالل‪ :‬والذي بعثك‬
‫{والَّذِينَ يَ ْر ُمونَ أ َ ْز َوا َج ُه ْم}[النور‪،]6:‬‬
‫ظهري من احلدّ ‪ ،‬فنزل جربيل وأنزل عليه‪َ :‬‬
‫النبي ‪ ‬فأرسل إليها‬
‫ّ‬ ‫صا ِدقِين}[النور‪ ،]9:‬فانرصف‬ ‫فقرأ حتى بلغ { ِإن َكانَ ِمنَ ال َّ‬
‫ثم‬
‫فجاء هالل فشهد والنبي ‪ ‬يقول‪ :‬إن اهلل يعلم أن أحدَ كام كاذب فهل منكام تائب‪ّ ،‬‬
‫فلام كانت عند اخلامسة وقفوها‪ ،‬وقالوا‪ّ :‬إّنا موجبة‪ ،‬قال اب ُن ع َّباس ‪‬‬
‫قامت فشهدت ّ‬
‫ثم قالت‪ :‬ال أفضح قومي سائر اليوم فمضت‪،‬‬
‫فتلكأت ونكصت حتى ظنّنا ّأّنا ترجع‪ّ ،‬‬
‫النبي ‪ :‬أبرصوها‪ ،‬فإن جاءت به أكحل العينني سابغ األليتني خدلج الساقني‪،‬‬
‫فقال ّ‬
‫النبي ‪ :‬لوال ما مىض من كتاب اهلل‬
‫فهو لرشيك بن سحامء‪ ،‬فجاءت به كذلك‪ ،‬فقال ّ‬
‫‪ ‬لكان يل وهلا شأن) يف صحيح البخاري‪.1773 :4‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪115‬‬
‫مر مع احتامل ِ‬
‫غريه احتامالً قريب ًا‪ ،‬كام لو رآى‬ ‫وقد يتفق قيام قرينة عىل َأ ٍ‬
‫حجر ًا منقور ًا عىل باب دار ُكتِب عليه وقفية الدَّ ار ال يثبت كوّنا وقف ًا بمجرد‬
‫ثم‬
‫َب ذلك‪ ،‬وأراد أن يقفها‪ّ ،‬‬ ‫رصحوا به؛ الحتامل أن َمن بناها َكت َ‬
‫ذلك كام ّ‬
‫مستحق أثبت ّأّنا‬
‫ٌّ‬ ‫عدل عن وقفها أو مات قبله أو وقفها‪ ،‬لكن استح َّقها‬ ‫َ‬
‫آخر‬ ‫ِ‬ ‫ِمل ُكه‪ ،‬أو كانت هتدَّ مت واستبدلت‪ ،‬أو مل َحيكم‬
‫حاكم بوقفها فحكم ُ‬
‫ٌ‬
‫بيعها‪ ،‬أو غري ذلك من االحتامالت ال َّظاهرة التي ال يثبت معها نزع‬‫بصح ِة ِ‬
‫ّ‬
‫فإّنم‬
‫ترصف املالك من غري منازع مدّ ة مديدة‪ّ ،‬‬
‫املترصف هبا ُّ‬
‫ِّ‬ ‫الدَّ ار من‬
‫َّرصف القديم من َأقوى عالمات امللك‪.‬‬
‫رصحوا بأن الت ُّ‬
‫ّ‬
‫وقال اإلمام أبو يوسف ‪ ‬يف كتاب «اخلراج»(‪« :)1‬وليس لإلمام أن‬
‫بحق ثابت معروف»‪ ،‬انتهى(‪.)2‬‬ ‫يد ٍ‬
‫أحد إال ٍّ‬ ‫ُخي ِْرج شيئ ًا من ِ‬
‫َ‬
‫ٍ‬
‫سديد‪ ،‬والتَّوفيق والتَّأييد‪.‬‬ ‫فلذا كان احلكم بالقرائن ُحمتاج ًا إىل ٍ‬
‫نظر‬

‫(‪ )1‬اخلراج‪.78 :1‬‬


‫(‪ )2‬نقل هذا النص ابن نجيم يف األشباه‪ ،106 :1‬ثم نقل عن قايض خان يف فتاواه‪:‬‬
‫أن سلطان ًا أذن لقوم أن جيعلوا أرض ًا‬
‫قال قايض خان يف فتاويه من كتاب الوقف‪« :‬ولو ّ‬
‫من أرايض البلدة حوانيت موقوف ًة عىل املسجد َّفرق‪ ،‬أو أمرهم أن يزيدوا يف‬
‫باملار والناس‪ُ ،‬ينفذ أمر‬
‫يرض ّ‬ ‫مسجدهم‪ ،‬قالوا‪ :‬إن كانت البلدة فتحت عنوةً‪ ،‬وذلك ال ّ‬
‫السلطان فيها‪ ،‬وإن كانت البلدة فتحت صلح ًا تبقى عىل ملك مالكها‪ ،‬فال ينفذ أمر‬
‫السلطان فيها»‪.‬‬
‫‪ 116‬ــــــــــــــــــــــــــ التعليقات العرفية عىل نرش العرف يف بناء بعض األحكام عىل العرف‬
‫بعض العلامء املح ِّققني‪ :‬ال بد للحاك ِم من ٍ‬
‫فقه يف أحكام‬ ‫وعن هذا قال ُ‬
‫ِ‬
‫وأحوال الناس‪ ،‬يم ِّيز به بني الصادق‬ ‫ِ‬
‫نفس الواقع‬ ‫ٍ‬
‫وفقه يف‬ ‫احلوادث الكلية‪،‬‬
‫والكاذب‪ ،‬واملحق واملبطل‪ ،‬ثم يطابق بني هذا وهذا‪ ،‬فيعطى الواقع حكمه‬
‫من الواجب‪ ،‬وال َيعل الواجب ُمالف ًا للواقع(‪ ،)1‬انتهى‪.‬‬

‫وأحوال أهلِه‬
‫ِ‬ ‫وكذا املفتي الذي يفتي بالعرف ال بد له من معرفة الزمان‬
‫خاص أو عام‪ ،‬وأنه ُمالف للن ِّص أو ال(‪ ،)2‬وال بد له‬
‫ومعرفة أن هذا العرف ٌّ‬
‫ماهر‪ ،‬وال يكفيه ُمرد حفظ املسائل والدالئل‪ ،‬فإن‬ ‫ٍ‬ ‫من التخرجِ عىل أ ٍ‬
‫ستاذ‬ ‫ُّ‬
‫ِ‬
‫عادات الناس‪ ،‬كام قدمناه فكذا املفتي‪.‬‬ ‫ِ‬
‫معرفة‬ ‫املجتهد ال بد له من‬

‫ولذا قال يف آخر «منية املفتي»(‪ :)3‬لو أن الرجل حفظ مجيع كتب‬
‫ِ‬
‫املسائل‬ ‫أصحابنا ال بد أن يت ْلمذ للفتوى حتى هيتدي إليها؛ ألن كثري ًا من‬
‫َياب عنه عىل عادات أهل الزمان فيام ال ُيالف الشيعة‪ ،‬انتهى‪.‬‬

‫(‪ ) 1‬معناها ال بد للفقيه من ملكة فقهية كاملة متكنه ضبط أبواب الفقه املتعددة‪،‬‬
‫ومعرفة بالواقع الذي يريد أن يفتي به‪ ،‬فمن مل جيمع بني األمرين ال يستطيع أن يؤدي‬
‫حك ًام رشعي ًا موافق ًا للواقع‪ ،‬وإنام سيكون بحث ًا نظري ًا ال قيمة له‪.‬‬
‫(‪ )2‬سبق حترير هذا املسألة بام ال مثيل له‪ ،‬فريجى مراجعته‪.‬‬
‫حلن َِفي‪ ،‬له‪« :‬منية املفتي» خلص فيه «نوادر‬ ‫ِ ِ‬
‫َاين ا َ‬
‫السج ْست ّ‬
‫(‪ )3‬ليوسف بن أيب سعيد أمحد َّ‬
‫الواقعات» عرية عن الدالئل‪ .‬تويف سنة (‪666‬هـ) كام هامش تاج الرتاجم ص‪،319‬‬
‫وقال صاحب هدية العارفني‪ :554 :6‬تويف سنة (‪638‬هـ)‪.‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪117‬‬
‫وقريب منه ما نقله يف «األشباه» عن «ال َب َّزاز ّية» من أن املفتي يفتي بام‬
‫ٌ‬
‫يقع عنده من املصلحة(‪.)1‬‬

‫(‪ )1‬املقصود هبا املصلحة الرشعية ال املصلحة العقلية‪ ،‬ففي العبادات تكون املصلحة‬
‫مقرر يف الفتوى يف العبادات؛ لذلك كان قول أيب‬
‫الرشعية باألخذ باألحوط‪ ،‬كام هو ّ‬
‫حنيفة هو املفتى به؛ ألنه أعىل املجتهدين درجة‪ ،‬فيكون األخذ بقوله هو األحوط‪.‬‬
‫وأما فيام عدا العبادات فإن اعتباراملصلحة حمل نظر الشارع‪ ،‬ومن ذلك‪:‬‬
‫للرعية‪.‬‬
‫حتقيق وظيفة احلاكم بفعل األصلح َّ‬
‫ُ‬ ‫‪ .1‬قيد الرشيعة‬
‫‪ .2‬وضعت الرشيعة العقوبات التعزيرية لتحقيق املصلحة بدفع رضر الفساد‪.‬‬
‫‪ .3‬أن والية القايض نظرية «لتحقيق املصلحة»‪.‬‬
‫الرتجيح بني قولني باملصلحة‪.‬‬
‫‪ .4‬أنه يعترب َّ‬
‫‪ .5‬أن بناء املجتهد املطلق ملسائله بام حيقق املصلحة املتوافقة مع القواعد‪.‬‬
‫‪ .6‬أن يفتى املفتي يف املستجدات بام يظهر من املصلحة املتوافقة مع القواعد‪.‬‬
‫ومن هذا يلحظ أن اعتبار املصلحة مقصد أسايس للشارع‪ ،‬فال ينبغي التغافل عنه‪ ،‬وما‬
‫اعترب من قواعد رسم املفتي من الرضورة والعرف هو حتقيق للمصلحة‪.‬‬
‫وأما املصلحة العقلية املجردة فال التفات هلا‪ ،‬إن كانت املصلح ُة نابع ًة من جمرد التَّفكري‬
‫للرشع‪ ،‬فهي مصلح ٌة عقلي ٌة مردودةٌ‪ ،‬ال سيام إن كانت‬
‫العقيل املجرد‪ ،‬بال التفات منها َّ‬
‫والسنة‪،‬‬
‫الرشع ّية املعتربة املذكورة يف القرآن ُّ‬
‫تعارض ما هو أقوى منها من املصالح َّ‬
‫الرشع املعتربة‪ ،‬التي توافقت عليها األ ّمة بال نزاع فيها‪ ،‬من املسائل‬
‫املقعدة ضمن قواعد َّ‬
‫املجمع عليها‪.‬‬
‫بعض مشاخينا بق ّلة املؤنة فيام سقته َّ‬
‫السامء وبكثرهتا فيام سقي‬ ‫يس‪« :‬ع َّلل ُ‬
‫الرس ْخ ُّ‬
‫قال َّ َ‬
‫الرشع أوجب اخلمس يف الغنائم‪ ،‬واملؤنة فيها‬ ‫بغرب أو دالية‪ ،‬وهذا ليس بقوي‪َّ ،‬‬
‫فإن َّ‬
‫‪ 118‬ــــــــــــــــــــــــــ التعليقات العرفية عىل نرش العرف يف بناء بعض األحكام عىل العرف‬

‫وقال يف «فتح القدير» ـ يف باب ما يوجب القضاء والك َّفارة من كتاب‬


‫الصوم عند قول «اهلداية»‪ :‬ولو أكل حلم ًة بني أسنانه مل ُيفطر‪ ،‬وإن كان كثري ًا‬
‫َّ‬
‫نصه‪ :‬والتحقيق أن املفتي‬ ‫فطر يف الوجهني‪ ،‬انتهى‪ ،‬ـ ما ُّ‬
‫ُيفطر‪ ،‬وقال ُزفر ‪ُ :‬ي ُ‬
‫ِ‬
‫بأحوال الناس‪ ،‬وقد ُع ِرف َأ ّن‬ ‫ٍ‬
‫ومعرفة‬ ‫ٍ‬
‫اجتهاد‪،‬‬ ‫ِ‬
‫رضب‬ ‫يف الوقائع ال بد له من‬
‫تفتقر إىل كامل اجلناية‪ ،‬فينظر إىل صاحب الواقعة إن كان ممَّن َيعاف‬
‫ُ‬ ‫الك ّفار َة‬
‫طب ُعه ذلك أخذ بقول أيب يوسف ‪ ،‬وإن كان ممَّن ال َأ َثر لذلك عنده َأخذ‬
‫بقول ُزفر ‪ ،‬انتهى(‪.)1‬‬
‫حممدُ بن سالم(‪ )2‬من كبار أئمة‬ ‫قريب ممَّا قاله أبو نرص ّ‬
‫ٌ‬ ‫َأقول‪ :‬وهذا‬
‫احلنفية وبعض أئمة املالكية يف إفطار السلطان يف رمضان‪ :‬أنّه ُيفتَى بصيام‬
‫ٍ‬
‫شهر‬ ‫إفطار‬
‫ُ‬ ‫ألن املقصود من الك ّفارة اإلنزجار‪ ،‬و َي ْس ُه ُل عليه‬
‫شهرين؛ ّ‬
‫الزجر‪ ،‬انتهى‪.‬‬ ‫وإعتاق ٍ‬
‫رقبة فال حيصل َّ‬ ‫ُ‬

‫ويف «تصحيح العالمة قاسم»‪ :‬فإن قلت‪ :‬قد حيكون أقواالً من غري‬

‫رشعي فنتبعه‪ ،‬ونعتقد فيه املصلحة وإن مل نقف‬


‫ّ‬ ‫الزراعة‪ ،‬ولكن هذا تقدير‬
‫أكثر منها يف ِّ‬
‫عليها»‪ ،‬كام يف العناية‪ ،246 :2‬فكانت املصلحة فيام ُيقدِّ ره َّ‬
‫الشارع احلكيم ال فيام‬
‫نقدِّ ره‪.‬‬
‫(‪ )1‬من فتح القدير‪.334 :2‬‬
‫(‪ )2‬وهو حممد بن سالم‪ ،‬أبو نرص‪ ،‬من أهل َب ْلخ‪( ،‬ت‪305‬هـ)‪ ،‬وقد صاحب‬
‫«اجلواهر» أن حممد بن سالم‪ ،‬ونرص بن سالم‪ ،‬وأيب نرص بن سالم واحدٌ ‪ ،‬واسمه‬
‫الصحيح كام ذكرنا‪ ،‬ينظر‪ :‬اجلواهر‪ ،93-92 :4‬والفوائد ص‪.276‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪119‬‬
‫ترجيح‪ ،‬وقد خيتلفون يف التصحيح‪.‬‬
‫ِ‬
‫العرف وأحوال الناس‪ ،‬وما‬ ‫تغري‬
‫قلت‪ :‬يعمل بمثل ما عملوا من اعتبار ُّ‬
‫وجهه‪ ،‬وال خيلو‬
‫ُ‬ ‫هو األرفق بالناس‪ ،‬وما ظهر عليه التعامل‪ ،‬وما َق ِوي‬
‫ويرجع َمن مل ُيميز إىل َمن ُيم ّيز‪،‬‬
‫ُ‬ ‫الوجود من متييز هذا حقيق ًة(‪ )1‬ال َظنّ ًا بنفسه‪،‬‬
‫انتهى‪.‬‬
‫وقد قالوا‪ :‬يفتى بقول أيب يوسف ‪ ‬فيام يتع َّلق بالقضاء؛ لكونه َج َّرب‬
‫الوقائع وعرف أحوال النّاس‪.‬‬
‫حممد ‪ »‬للكردري‪ :‬كان ُحم ّمد ‪‬‬
‫ويف «البحرس عن «مناقب اإلمام ّ‬
‫الصباغني‪ ،‬ويسأل عن معامالهتم‪ ،‬وما يديروّنا فيام بينهم‪،‬‬
‫يذهب إىل َّ‬
‫انتهى(‪.)2‬‬
‫وحم ّمد ‪‬‬ ‫ويف آخر «احلاوي القديس»(‪ :)3‬ومتى كان ُ‬
‫قول أيب يوسف ُ‬

‫(‪ )1‬يعني أن من حفظ اهلل ‪ ‬لدينه أن يسخر علامء لدراسته والتمكن من علومه‪،‬‬
‫بحيث يكونون قادرين عىل معرفة الراجح من األقوال بالنظر للواقع ومراعاة قواعد‬
‫الرسم‪ ،‬وهذا يفيدنا أن مرد الرتجيح إىل قواعد رسم املفتي‪ ،‬فال يعمل إال بام هو أرفق‬
‫للناس وأنسب ملصلحتهم‪.‬‬
‫(‪ )2‬من البحر الرائق‪.288 :6‬‬
‫القابيس ال َغ ْزن َِو ّي احلَن َِف ّي‪ ،‬مجال الدين‪ ،‬من مؤلفاته‪:‬‬
‫ّ‬ ‫(‪ )3‬ألمحد بن حممد بن نوح‬
‫«احلاوي القديس» وسمي به ألنه صنفه يف القدس‪( ،‬ت‪593‬هـ)‪ .‬ينظر‪ :‬الكشف‬
‫ص‪ ،627‬ومعجم املؤلفني‪ ،301 :1‬وفهرس خمطوطات الظاهرية‪281 :1‬‬
‫‪ 120‬ــــــــــــــــــــــــــ التعليقات العرفية عىل نرش العرف يف بناء بعض األحكام عىل العرف‬

‫الرضورة‪ ،‬و ُعلِم‬


‫يوافق قول أيب حنيفة ‪ ‬ال َيتَعدَّ ى عنه إالّ فيام َم َّست إليه َّ‬
‫ُ‬
‫أ ّنه لو كان أبو حنيفة ‪ ‬رأى ما رأوا ألفتى به‪ ،‬انتهى‪.‬‬

‫رصحوا ّ‬
‫بأن قراءة اخلتم يف صالة الرتاويح سنّة‪ ،‬قال يف «الدر‬ ‫وقد َ َّ‬
‫املختار»(‪ :)1‬لكن يف «االختيار»(‪ :)2‬األفضل يف زماننا قدر ما ال يثقل عليهم(‪،)3‬‬
‫وغريه‪.‬‬
‫ُ‬
‫(‪)4‬‬
‫املصنف‬
‫ُ‬ ‫و َأ َق َّره‬

‫احل ْصني األصل احلَ ْصك َِفي احلَن َِفي‪ ،‬عالء الدين‪ ،‬قال‬
‫(‪ )1‬ملحمد بن عيل بن حممد ِ‬

‫املحبي‪ :‬مفتي احلنفية بدمشق‪ ،‬وصاحب التصانيف الفائقة يف الفقه وغريه‪ ،‬من‬
‫ُّ‬
‫مؤ َّلفاته‪« :‬الدر املختار رشح تنوير األبصار»‪ ،‬و«خزائن األرسار رشح تنوير‬
‫األبصار»‪ ،‬و«الدر املنتفى رشح ملتقى األبحر»‪ ،‬و«إفاضة األنوار رشح املنار»‪،‬‬
‫(ت‪1088‬هـ)‪ .‬ينظر‪ :‬خالصة األثر‪ ،65-63 :4‬وطرب األماثلص‪.566-564‬‬
‫(‪ )2‬لعبد اهلل بن حممود بن َم ْو ُدود املَ ْو ِص ّيل احلنفي‪ ،‬أيب الفضل‪ ،‬جمد الدين‪ ،‬قال‬
‫الكفوي‪ :‬وكان من أفراد الدهر يف الفروع واألصول‪ ،‬وكانت مشاهري الفتاوى عىل‬
‫حفظه‪ ،‬من مؤلفاته‪« :‬املختار» ورشحه «االختيار»‪ ،‬و«املشتمل عىل مسائل‬
‫املخترص»‪683-599(،‬هـ)‪ .‬ينظر‪ :‬اجلواهر‪ ،350-349 :2‬وتاج الرتاجم ص‪-176‬‬
‫‪.177‬‬
‫(‪ )3‬انتهى من االختيار‪ ،70 :1‬وعبارته‪ « :‬واألفضل يف زماننا مقدار ما ال يؤدي إىل‬
‫تنفري القوم عن اجلامعة»‪.‬‬
‫(‪ )4‬أي مصنف «التنوير»‪ ،‬وهو التمرتايش‪.‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪121‬‬
‫للزاهدي‪ :‬أفتى أبو الفضل الكرماين‬ ‫ويف «فضائل رمضان» َّ‬
‫الرتاويح الفاحت َة وآي َة أو آيتني ال ُيكره‪ ،‬و َمن مل َي ُكن‬
‫والو َبري(‪ :)1‬أنّه إذا قرأ يف َّ‬
‫َ‬
‫عامل ًا ِ‬
‫بأهل زمانه‪ ،‬فهو جاهل‪ ،‬انتهى(‪.)2‬‬
‫الرواية بأن رمضان يثبت‬ ‫ِ‬
‫ظاهر ِّ‬ ‫ورصحوا يف املتون وغريها من ِ‬
‫كتب‬ ‫َ َّ‬
‫السامء ع ّل ٌة‪ ،‬وإال فال ُبدّ من مج ٍع عظيم؛ ّ‬
‫ألن انفرا َد‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫بخرب عدل إن كان يف َّ‬
‫توجه هو له‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫توجه َأ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الواحد واالثنني مث ً‬
‫هل البلد طالبني ملا َّ‬ ‫برؤية اهلالل مع‬ ‫ال‬
‫السامء ع ّل ٌة الحتامل أنّه رآه بني‬ ‫ِ‬
‫ظاهر يف غلطه‪ ،‬بخالف ما إذا كان يف َّ‬ ‫ٌ‬
‫السحاب‪ ،‬فلم يره بقي ُة أهل البلد‪ ،‬فلم يكن فيه ُ‬
‫دليل‬ ‫ثم غ ّطاه َّ‬
‫السحاب‪ّ ،‬‬
‫َّ‬
‫الغلط‪.‬‬
‫وروى احلسن عن اإلمام ‪ :‬قبول الواحد واالثنني مطلق ًا‪ ،‬قال يف‬
‫الرواية‪ ،‬وينبغي العمل عليها يف زماننا؛ ّ‬
‫ألن‬ ‫رجح هذه ِّ‬
‫«البحر»‪ :‬ومل أر َمن ّ‬
‫َّاس تكاسلوا عن ترائي األهلة‪ ،‬فانتفى قوهلم مع توجههم طالبني؛ ملا‬ ‫الن َ‬
‫َّفر ُد غري ظاهر يف الغلط‪ ،‬انتهى(‪.)3‬‬
‫توجه هو له‪ ،‬فكان الت ُّ‬
‫ّ‬

‫(‪ )1‬وهو اخلمري الوبري‪ ،‬يف اجلواهر املضية‪ :183 :2‬له كتاب األضحية‪ ،‬ويف (‪:4‬‬
‫الو َب ِر‪ .‬ويف‬ ‫الو َب ِر ّي‪ :‬بفتح الواو والباء َّ‬
‫املوحدة‪ ،‬ويف آخرها را ٌء‪ ،‬نسبة إىل َ‬ ‫‪َ :)340-339‬‬
‫هامش«اجلواهر»‪ :‬ذكره الكفوي يف ترمجة عني األئمة الكرابييس (ت‪584‬هـ)‪ ،‬وكان‬
‫الو َب ِر ّي من رجال القرن َّ‬
‫السادس‪ .‬ويف تاج الرتاجم‬ ‫معارص ًا له‪ ،‬فيكون مخري َ‬
‫ص‪ :168-167‬قال عبد القادر‪ :‬له كتاب «األضحية»‪.‬‬
‫(‪ )2‬انتهى من الدر املختار‪.47 :2‬‬
‫(‪ )3‬من البحر‪.288 :2‬‬
‫‪ 122‬ــــــــــــــــــــــــــ التعليقات العرفية عىل نرش العرف يف بناء بعض األحكام عىل العرف‬

‫وال َخيفى أنّه كال ٌم وجي ٌه خصوص ًا يف زماننا هذا‪ ،‬فإنّه لو توقف ثبو ُته‬
‫عىل اجلمع العظيم مل يثبت إال بعد يومني أو ثالثة؛ ملا نرى من إمهاهلم ذلك‪،‬‬
‫الرضر من النَّاس من ال َّطعن يف‬
‫بل نرى َمن يشهد برؤيته كثري ًا ما حيصل له َّ‬
‫شهادته‪ ،‬والقدح يف ديانته؛ ألنّه كان سبب ًا ملنعهم عن شهواهتم‪ ،‬ومن ج ِهل‬
‫الزمان خري ًا‪.‬‬
‫بأهل زمانه فهو جاهل‪ ،‬فجزاه اهلل عن أهل هذا َّ‬

‫فهذا ك ُّله وأمثاله دالئل واضحة عىل أن املفتي ليس له اجلمود عىل‬
‫مراعاة الزمان وأهلِه‪ ،‬وإال يضيع حقوق ًا‬
‫ِ‬ ‫الرواية من ِ‬
‫غري‬ ‫املنقول يف كتب ظاهر ِّ‬
‫كثريةً‪ ،‬ويكون رضره أعظم من ِ‬
‫نفعه‪.‬‬

‫َّوصل‬
‫رشعي ويكون مرا ُده الت ُّ‬
‫ّ‬ ‫الرجل يأيت ُمستفتي ًا عن حكم‬
‫فإنّا نرى َّ‬
‫عام ُس ِئل عنه نكون قد شاركناه‬ ‫بذلك إىل إرضار غريه‪ ،‬فلو أخرجنا له فتوى ّ‬
‫يف اإلثم؛ ألنّه مل يتوصل إىل ِ‬
‫مراده الذي قصدَ ه إال بسببنا‪.‬‬ ‫َّ‬
‫ِ‬
‫حضانة ُأ ِّمها‪ ،‬وقد انتهت مد ُة‬ ‫سأل عن ُأخت له يف‬ ‫مثالً‪ :‬إذا جاء َي ُ‬
‫احلضانة‪ ،‬ويريدُ َأخذها من ُأ ِّمها‪ ،‬وتعلم أنّه لو أخذها من ُأ ِّمها لضاعت عنده‬
‫ِ‬
‫االستيالء عىل ماهلا أو‬ ‫وما قصدُ ه بأخذها إال أذي َة ُأ ِّمها أو التَّوصل إىل‬
‫ويتزوج هبا بنتَه أو ُأخته‪ ،‬وأمثال ذلك‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫ليزو َجها آلخر‬
‫ِّ‬

‫اإلرضار ال‬
‫ُ‬ ‫فعىل املفتي إذا رأى ذلك أن ُحياول يف اجلواب‪ ،‬ويقول له‪:‬‬
‫جيوز ونحو ذلك‪.‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪123‬‬
‫توافق‬
‫ُ‬ ‫ووي»‪ ،‬وذكر ّأّنا‬
‫وقد ذكر يف «البحر» مسائل عن «روض النَّ ّ‬
‫قواعد مذهبنا منها‪:‬‬
‫متأوالً‪ ،‬كام إذا سأله َمن له عبدٌ عن‬
‫للزجر ّ‬ ‫قوله‪ :‬فرع‪ :‬للمفتي أن ُي َغ ِّل َظ َّ‬
‫تأوالً؛ لقوله ‪َ ( :‬من‬
‫قتله‪ ،‬وخّش أن يقت َله جاز أن يقول‪ :‬إن قتلته قتلناك ُم ّ‬
‫إطالق ِه مفسدةٌ‪ ،‬انتهى(‪.)2‬‬
‫ِ‬ ‫قتل عبد ًا قتلناه)(‪ ،)1‬وهذا إذا مل يرتتب عىل‬

‫(‪ )1‬فعن سمرة ‪ ،‬قال ‪« :‬من قتل عبده قتلناه‪ ،‬ومن جدع عبده جدعناه» يف سنن‬
‫أيب داود‪ ،176 :4‬وسنن الرتمذي‪ ،26 :4‬وقال‪ :‬حسن غريب‪.‬‬
‫هل‬ ‫رجل من ِ‬
‫غري َأ ِ‬ ‫ٍ‬ ‫(‪ )2‬وكتبت يف «ر ّد املحتار» يف باب القسامة‪ :‬فيام لو ادعى الو ُّيل عىل‬
‫وش ِهدَ اثنان منهم عليه مل ُت ْق َبل عنده‪ ،‬وقاال‪ :‬تقبل‪...‬الخ‪ ،‬نقل السيد احلموي عن‬ ‫ِ‬
‫املحلة َ‬
‫العالمة املقديس أنه قال‪ :‬توقفت عن الفتوى بقول اإلمام‪ ،‬ومنعت من إشاعتِه؛ ملا‬
‫يرتتب عليه من الرضر العام فإن من عرفه من املتمردين يتجارس عىل قتل النفس يف‬
‫املحالت اخلالية من ِ‬
‫غري َأهلها معتمد ًا عىل عد ِم قبول شهادهتم عليه‪ ،‬حتى قلت‪ :‬ينبغي‬
‫الفتوى عىل قوهلام ال س ّيام واألحكام ختتلف باختالف األيام‪ ،‬اهـ‪ ،‬وكتبت أيض ًا يف «رد‬
‫املحتار» يف باب العرش واخلراج يف مسألة‪ :‬ما إذا زرع صاحب األرض أرضه ما هو‬
‫أدنى مع قدرته عىل األعىل‪ ،‬قالوا‪ :‬وهذا ُيعلم وال ُيفتى به؛ كيال يتجرأ الظلمة عىل َأخذ‬
‫ور َّد بأنّه كيف يكون الكتامن ولو َأخذوا كان يف‬ ‫أموال الناس‪ ،‬قال يف «العناية»‪ُ :‬‬
‫كل ظاملٍ يف َأ ٍ‬
‫رض شأّنا ذلك‬ ‫موضعه؛ لكونه واجب ًا‪ ،‬و ُأجيب بأنّا لو َأفتينا بذلك ال ّدعى ُّ‬
‫ظلم وعدوان‪ ،‬اهـ‪،‬‬
‫الزعفران مثالً‪ ،‬فيأخذ خراج ذلك‪ ،‬وهو ٌ‬ ‫ّأّنا قبل هذا كانت ُت ْز َر ُع َّ‬
‫ِ‬
‫الظلمة عىل أموال‬ ‫ِ‬
‫تسليط‬ ‫وكذا قال يف «فتح القدير» قالوا‪ :‬ال ُيفتى هبذا ملا فيه من‬
‫الزعفران ونحوه‪ ،‬وعالجه‬
‫أن األرض تصلح لزراعة َّ‬ ‫كل ظامل ّ‬ ‫املسلمني إذ يدَّ عى ُّ‬
‫صعب‪ ،‬اهـ‪ ،‬منه رمحه اهلل‪.‬‬
‫‪ 124‬ــــــــــــــــــــــــــ التعليقات العرفية عىل نرش العرف يف بناء بعض األحكام عىل العرف‬

‫فإن قلت‪ :‬إذا كان عىل املفتي اتباع العرف وإن خالف املنصوص عليه‬
‫اخلاص كام يف‬
‫ّ‬ ‫يف كتب ظاهر الرواية فهل هنا ٌ‬
‫فرق بني العرف العام والعرف‬
‫النص الرشعي؟‬
‫القسم األول‪ ،‬وهو ما خالف فيه العرف ّ‬
‫احلكم‬ ‫العرف العا َم يثبت به‬
‫َ‬ ‫قلت‪ :‬ال فرق بينهام هنا إالّ من ِ‬
‫جهة َأ ّن‬
‫ُ‬
‫اخلاص(‪.)1‬‬
‫ّ‬ ‫اخلاص يثبت به احلكم‬
‫ُّ‬ ‫والعرف‬
‫ُ‬ ‫العا ُم‪،‬‬
‫فالعرف‬
‫ُ‬ ‫خاص ًا‪،‬‬
‫ّ‬ ‫حكم العرف يثبت عىل أهلِه عا ّم ًا أو‬
‫َ‬ ‫وحاص ُله‪ّ :‬‬
‫أن‬
‫العا ُّم يف سائر البالد يثبت حكمه عىل تلك البلدة فقط؛ وهلذا قال العال ّمة‬
‫نصه‪ :‬قوله‪ :‬احلكم العا ُّم ال‬
‫احلموي يف «حاشيته عىل األشباه» ما ّ‬
‫ّ‬ ‫السيد أمحد‬
‫بالعرف اخلاص‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫يثبت‬
‫اخلاص ُ‬ ‫احلكم‬ ‫اخلاص يفهم منه‪ّ :‬‬
‫أن‬ ‫ِ‬
‫بالعرف‬ ‫يثبت‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ِّ‬
‫ومنه ما َت َقدَّ م يف الكالم عىل املدارس املوقوفة عىل درس احلديث‪ ،‬وال ُي ْع َل ُم‬
‫الواقف أراد قراءة ما يتع َّلق بمعرفة املصطلح أو قراءة متن احلديث حيث‬
‫َ‬ ‫ّ‬
‫أن‬
‫قيل‪ :‬باتباع اصطالح ّ‬
‫كل بلد‪ ،‬انتهى(‪.)2‬‬

‫قرره اب ُن عابدين هاهنا يف غاية الدَّ ّقة‪ ،‬وهو ما سبق تقريره يف بداية الرسالة ّ‬
‫بأن‬ ‫(‪ )1‬ما ّ‬
‫رب فيها‪ ،‬فإن كان العرف يشتمل عدّ ة بالد اعتربها فيها‪ ،‬وينبغي أن‬ ‫عرف ّ‬
‫كل بلد معت ٌ‬
‫األمر فيه ال خيتلف‬
‫َ‬ ‫يكون البحث يف العرف مع وجود احلديث آخذ ًا لنفس احلكم؛ ّ‬
‫ألن‬
‫قرره ابن عابدين سابق ًا فيام يتعلق بعالقة العرف باحلديث عام ًا‬
‫عام هو هنا‪ ،‬فكان ما َّ‬
‫ّ‬
‫يقرر هاهنا‪ ،‬فلينتبه‪.‬‬
‫نظر‪ ،‬وهو معارض ملا َّ‬ ‫خاص ًا ّ‬
‫حمل ّ‬ ‫كان أو ّ‬
‫(‪ )2‬من غمز العيون‪.315 :1‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪125‬‬
‫إطالق املحدِّ ِ‬
‫ث عىل‬ ‫َ‬ ‫واقف املدرسة يف ٍ‬
‫بلدة تعارف أه ُلها‬ ‫ُ‬ ‫يعني إن كان‬
‫العامل بمصطلح احلديث‪ :‬أي بعلم أصوله كـ«النُّخبة»(‪ ،)1‬و«خمترص ابن‬
‫الوقف إليه‪ ،‬وإن تعارفوا إطال َقه‬
‫ُ‬ ‫ف‬
‫رص ُ‬
‫الصالح» ‪ ،‬و«ألفية العراقي» ُي ْ َ‬
‫(‪)3‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫َّ‬
‫ف إليه‪.‬‬
‫رص ُ‬
‫عىل العامل بمتن احلديث‪ :‬كـ«صحيح ال ُبخاري» و«مسلم» ُي ْ َ‬

‫الين امل ِ ْرص ّي‬


‫ِ‬ ‫ِ‬
‫(‪ )1‬نخبة الفكر يف أصول احلديث؛ ألمحد بن عيل بن حممد الكنَاين ال َع ْس َق ّ‬
‫الشافِ ِعي‪ ،‬أيب الفضل‪ ،‬شهاب الدين‪ ،‬املعروف بابن َح َجر‪ ،‬وهو لقب ألحد‬ ‫ري ّ‬ ‫ِ‬
‫ال َقاه ّ‬
‫آبائه‪ ،‬من مؤلفاته‪« :‬فتح الباري برشح صحيح البخاري»‪ ،‬و«هدي الساري مقدمة‬
‫فتح الباري»‪ ،‬و«إنباء الغمر بأبناء العمر»‪ ،‬قال اللكنوي‪ :‬وكل تصانيفه تَشهد بأ َّن ُه إمام‬
‫احلفاظ حم ِّقق املحدِّ ثني‪ُ ،‬زبد ُة النّاقدين‪ ،‬مل ُخيلف بعد مثله‪852-773( ،‬هـ)‪ .‬ينظر‪:‬‬
‫الضوء الالمع‪ ،40-36 :2‬والكشف‪.106 :1‬‬
‫الرشخاين‬ ‫ِ‬ ‫(‪ )2‬لعثامن بن عبد الرمحن بن عثامن النرصي الكردي َّ‬
‫الش ْه َر ُزور ّي َّ َ‬
‫الصالح‪ ،‬قال‪ :‬األسنوي‪ :‬كان إمام ًا‬ ‫ِ‬
‫قي‪ ،‬أيب عمرو‪ ،‬تقي الدين ‪ ،‬املعروف بابن َّ‬
‫الدِّ َمش ّ‬
‫يف الفقه واحلديث‪ ،‬عارف ًا بالتفسري واألصول النحو ورع ًا زاهد ًا مالزم ًا لطريقة السلف‬
‫الصالح ال يمكن أحد ًا يف دمشق من قراءة املنطق والفلسفة‪ ،‬وامللوك تطيعه يف ذلك‪،‬‬
‫(‪643-577‬هـ)‪ .‬ينظر‪ :‬وفيات‪ ،245-243 :3‬وطبقات األسنوي‪.41 :2‬‬
‫(‪ )3‬لعبد الرحيم بن احلسني بن عبد الرمحن الكردي الرازناين األصل املهراين العراقي‬
‫الشافِ ِع ّي‪ ،‬أيب الفضل‪ ،‬زين الدين‪ ،‬من مؤلفاته‪« :‬األلفية»‪ ،‬و«فتح املغيث‬
‫املرصي َّ‬
‫رشح ألفية احلديث»‪ ،‬و«املغني عن محل األسفار يف ختريج ما يف اإلحياء من األخبار»‪،‬‬
‫(‪806-725‬هـ)‪ .‬ينظر‪ :‬الضوء الالمع‪ ،)178-171 :4‬والبدر الطالع‪-354 :1‬‬
‫‪.356‬‬
‫‪ 126‬ــــــــــــــــــــــــــ التعليقات العرفية عىل نرش العرف يف بناء بعض األحكام عىل العرف‬
‫وقدّ مناه عن مشايخ ب ْلخ أّنم قالوا‪ :‬يف ِّ ِ‬
‫حممد ًا ‪‬‬
‫أن ّ‬ ‫كل ح ّل ّ‬
‫عيل حرام ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫قال‪ :‬ال يقع ال َّطالق إالّ بالن ّية بنا ًء عىل عرف دياره‪ ،‬أ ّما يف عرف بالدنا فيقع‪،‬‬
‫ٍ‬
‫عرف‬ ‫بعض البالد‪ ،‬واعتبار العرف احلادث عىل‬ ‫ِ‬ ‫رصيح يف اعتبار عرف‬ ‫فهذا‬
‫ٌ‬
‫قبله‪.‬‬
‫العلو ال‬
‫َ‬ ‫وأرصح منه‪ّ :‬أّنم ذكروا يف املتون وغريها يف باب احلقوق‪ّ :‬‬
‫أن‬
‫حق هو‬‫بكل ٍّ‬ ‫ٍ‬
‫وبرشاء منزل ال يدخل إالّ ِّ‬ ‫حق هو له‪،‬‬ ‫بيت ِّ‬
‫لكل ٍّ‬ ‫ِ‬
‫برشاء ٍ‬ ‫يدخل‬
‫له لو بمرافقه ويدخل يف الدَّ ار مطلق ًا‪ ،‬فقال يف «البحر» نق ً‬
‫ال عن «الكايف»‪:‬‬
‫العلو يف ّ‬
‫الكل‪،‬‬ ‫ُّ‬ ‫مبني عىل عرف الكوفة‪ ،‬ويف عرفنا‪ :‬يدخل‬ ‫َ‬
‫التفصيل ٌّ‬ ‫ّ‬
‫أن هذا‬
‫ف أهله‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫عرص ُع ْر ُ‬ ‫كل إقليم‪ ،‬ويف ِّ‬
‫كل‬ ‫َرب يف ِّ‬ ‫ِ‬
‫واألحكام تبتنى عىل العرف ف ُي ْعت َ ُ‬
‫انتهى‪.‬‬
‫الس َل َم املنفصل ال يدخل يف‬ ‫وفيه يف فصل ما يدخل يف البيع تبع ًا‪ّ :‬‬
‫إن ُّ‬
‫بيوهتم طبقات‬
‫ألن َ‬‫البيع يف عرفهم‪ ،‬ويف عرف القاهرة‪ :‬ينبغي دخوله مطلق ًا؛ ّ‬
‫ال ينتفع هبا بدونه‪ ،‬انتهى‪ ،‬وأصله يف «فتح القدير»‪ ،‬وهو مأخو ٌذ من قول‬
‫«اهلداية» يف دخول املفتاح تبع ًا للغلق؛ ألنه ال ينتفع به إال به‪.‬‬
‫ِ‬
‫والكرش عىل ما‬ ‫ِ‬
‫الكبد‬ ‫ويف «األشباه»‪ :‬حلف ال يأكل حل ًام َحن ََث ِ‬
‫بأكل‬
‫حين َُث‬ ‫يف «الكنز» مع أنّه ال ُي َس َّمى َ ْ‬
‫حل ًام ُعرف ًا؛ ولذا قال يف «املحيط»‪ :‬أنه إنّام َ ْ‬
‫أهل الكوفة‪ ،‬وأ ّما يف عرفنا فال حينث؛ ألنه ال ُي َعدُّ حل ًام‪ ،‬انتهى(‪،)1‬‬ ‫ِ‬
‫عادة ِ‬ ‫عىل‬
‫وهو حس ٌن جد ًا‪.‬‬

‫(‪ )1‬من األشباه‪.81 :1‬‬


‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪127‬‬
‫العجمي ُيعترب عرفه قطع ًا‪.‬‬
‫َّ‬ ‫ومن هنا و َأمثاله ُعلِم ّ‬
‫أن‬
‫ٌ‬
‫داخل(‪:)1‬‬ ‫السطح‬
‫والواقف عىل َّ‬
‫ُ‬ ‫يلعي يف قول «الكنز»‪:‬‬
‫الز ُّ‬
‫ومن هنا قال َّ‬
‫ّ‬
‫أن املختار أن ال حينث يف العجم؛ ألنّه ال ُي َس َّمى داخ ً‬
‫ال عندهم(‪ ،)2‬انتهى كالم‬
‫«األشباه»(‪.)3‬‬
‫ٍ‬
‫حائك مدّ ًة معلوم ًة‬ ‫دفع غال َمه إىل‬ ‫وفيها أيض ًا(‪ )4‬عن «منية املفتي»‪َ :‬‬
‫طلب األُستا ُذ‬ ‫َ‬
‫العمل‬ ‫شرتط األجر عىل ٍ‬
‫أحد‪ ،‬ف َل َّام َعلِ َم‬ ‫ْ‬ ‫لتعليم النَّسج ومل ُي‬
‫َ‬
‫األجر من املوىل‪ ،‬واملوىل من األستاذ‪ ،‬ينظر إىل عرف أهل تلك البلدة يف ذلك‬
‫َ‬
‫العمل‪...‬الخ‪.‬‬
‫السوق شيئ ًا بثمن ومل يرصحا بحلول وال‬ ‫وفيها أيض ًا‪ :‬لو باع التاجر يف ُّ‬
‫ٍ‬
‫مجعة قدر ًا معلوم ًا‬ ‫أن البائع يأخذ َّ‬
‫كل‬ ‫املتعارف فيام بينهم ّ‬
‫ُ‬ ‫تأجيل‪ ،‬وكان‬
‫انرصف إليه بال بيان؛ قالوا ّ‬
‫ألن املعروف كاملرشوط‪ ،‬انتهى(‪.)5‬‬
‫ِ‬ ‫أن هذا مل ُيتعارف يف ٍ‬
‫عرف ِ‬
‫أهل‬ ‫ُ‬ ‫كثري من البالد فا ْع ُت ِ َ‬
‫رب فيه‬ ‫شك ّ‬
‫وال ّ‬
‫ُ‬
‫حلول الثمن ما‬ ‫املنصوص عليه يف ِ‬
‫كتب املذهب‬ ‫َ‬ ‫اخلاص مع ّ‬
‫أن‬ ‫ّ‬ ‫السوق‬
‫ذلك ُّ‬
‫مل يشرتط تأجي َله‪.‬‬

‫(‪ )1‬انتهى من الكنز ص‪.330‬‬


‫(‪ )2‬انتهى من تبيني احلقائق‪.118 :3‬‬
‫(‪ )3‬األشباه ص‪.84‬‬
‫(‪ )4‬أي يف األشباه‪.86 :1‬‬
‫(‪ )5‬من األشباه‪.81 :1‬‬
‫‪ 128‬ــــــــــــــــــــــــــ التعليقات العرفية عىل نرش العرف يف بناء بعض األحكام عىل العرف‬
‫ِ‬
‫وغريه فيام لو حلف ال‬ ‫أصحاب املتون كـ«الكنز»‬
‫ُ‬ ‫ومث ُله ما َّ‬
‫رص َح به‬
‫والرأس ما ُيباع يف‬ ‫هل ِ‬
‫بلده‪،‬‬ ‫اخلبز ما اعتاده َأ ُ‬
‫َ‬ ‫يأكل خبز ًا أو رأس ًا من ّ‬
‫أن‬
‫ُ‬
‫مرصه‪.‬‬
‫كل ٍ‬
‫مرص َو َق َع‬ ‫أن عىل املفتي أن ُيفتي بام هو املعتا ُد يف ِّ‬
‫الرشاح‪ّ :‬‬
‫وذكر ُّ‬
‫احللف فيه‪.‬‬
‫ويف باب الربا من «البحر» عن «الكايف»‪ :‬والفتوى عىل عادة الناس‪.‬‬
‫ِ‬
‫العرف اخلاص‪ ،‬وإن خالف‬ ‫ِ‬
‫اعتبار‬ ‫فهذه النقول ونحوها دالة عىل‬
‫ِ‬
‫املذهب ما مل ُيالف النص الشعي‪ ،‬كام قدمناه‪.‬‬ ‫املنصوص عليه يف ِ‬
‫كتب‬
‫كل ُم َت َك ِّلم إنّام يقصدُ ما‬
‫أن َّ‬
‫رب مطلق ًا مع ّ‬
‫يصح أن ُيقال‪ :‬ال يعت ُ‬
‫ُّ‬ ‫وكيف‬
‫َيتَعار ُفه‪.‬‬
‫ينرصف إىل‬
‫ُ‬ ‫ويف «جامع الفصولني» مطلق الكالم فيام بني الن ِ‬
‫ّاس‬
‫املتعارف‪ ،‬انتهى‪.‬‬
‫الواقف واملويص‬ ‫ِ‬ ‫أن َ‬
‫لفظ‬ ‫التحقيق ّ‬
‫ُ‬ ‫ويف »فتاوى العالمة قاسم»‪:‬‬
‫ِ‬
‫ولغته التي َي َت َك َّل ُم هبا‬ ‫ِ‬
‫خطابه‬ ‫حي َم ُل عىل عادتِ ِه يف‬ ‫ٍ‬ ‫واحلالف والناذر‪ُّ ،‬‬
‫وكل عاقد ُ ْ‬
‫الشارع أو ال‪ ،‬انتهى(‪.)1‬‬ ‫وافقت لغ َة العرب ولغ َة َّ‬

‫خيس‪ :‬احلاصل أنه يعترب يف ِّ‬


‫كل موض ٍع عرف أهل‬ ‫للرس ّ‬
‫(‪ )1‬ويف «رشح السري الكبري» َّ َ‬
‫ال سأل ابن عمر ‪ّ ‬‬
‫أن‬ ‫ذلك املوضع فيام يطلقوا عليه من االسم‪ ،‬أصله ما روي أن رج ً‬
‫صاحب ًا لنا َأ ْو َج َ‬
‫ب بدن ًة أفتجزيه البقرة‪ ،‬فقال ممن صاحبكم‪ ،‬فقال‪ :‬من بني رباح‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪129‬‬
‫أن ما َت َقدَّ َم عن «األشباه» من أن املذهب‬
‫ني لك ّ‬
‫قررناه َت َب َّ َ‬
‫أقول‪ :‬وبام َّ‬
‫عدم اعتبار العرف اخلاص إنام هو فيام إذا عارض النص الشعي فال ي ْْتك به‬
‫تقريره فيام نقلناه‬
‫ُ‬ ‫القياس وال ُي ُّص به األثر‪ ،‬بخالف العرف العام(‪ ،)1‬كام َم ّر‬
‫األول‪.‬‬ ‫عن « َّ‬
‫الذخرية» يف الباب ّ‬
‫ِ‬
‫صاحب‬ ‫َ‬
‫املنقول عن‬ ‫املذهبي‬
‫َّ‬ ‫النص‬
‫اخلاص إذا عارض َّ‬
‫ُّ‬ ‫وأ ّما العرف‬
‫والرشوح والفتاوى يف‬
‫أصحاب املتون ُّ‬
‫ُ‬ ‫رب كام مشى عليه‬
‫املذهب فهو معت ٌ‬
‫الفرو ِع التي ذكرناها وغريها‪.‬‬
‫َ‬
‫واحلادث كالعرف العام‪.‬‬ ‫القديم‬
‫َ‬ ‫اخلاص‬
‫ُّ‬ ‫العرف‬
‫ُ‬ ‫وشمل‬
‫وبام َّقررناه أيض ًا‪ :‬اتضح لك معنى ما قاله يف «ال ُقنية»‪ ،‬و َأرشنا له يف‬
‫الرواية‬
‫حيكام بظاهر ِّ‬
‫السابق‪ :‬من أنّه ليس للمفتي وال للقايض أن َ ْ‬
‫البيت َّ‬
‫ويرتكا العرف‪ ،‬واهلل تعاىل أعلم‪.‬‬

‫ومتى اقتنت بنو رباح البقر‪ ،‬إنام وهم صاحبكم اإلبل‪ ،‬اهـ‪ .‬منه رمحه اهلل‪ .‬ويف مصنف‬
‫ابن أيب شيبة‪ :327 :3‬عن سليامن بن يعقوب عن أبيه قال‪« :‬مات رجل من احلي‬
‫وأوىص أن ينحر عنه بدنة فسألنا ابن عباس ‪ ‬عن البقرة‪ ،‬فقال‪ :‬جتزي‪ ،‬قال‪ :‬من أي‬
‫قوم أنت؟ قال‪ :‬قلت‪ :‬من بني رباح‪ ،‬قال‪ :‬وأين لبني رباح البقر إنام البقر لألزد وعبد‬
‫القيس»‪.‬‬
‫اخلاص والعا َّم‬
‫َّ‬ ‫العرف‬
‫َ‬ ‫وأن‬ ‫أن هذا البحث البن عابدين ّ‬
‫حمل نظر‪ّ ،‬‬ ‫(‪ )1‬لكن سبق تقرير ّ‬
‫خاص ًبأهله والعام‬
‫ٌ‬ ‫عي إن كان معلالً‪ ،‬لكن العرف اخلاص‬
‫الرش ّ‬
‫َّص َّ‬
‫رب مع الن ّ‬
‫معت ٌ‬
‫يشمل عامة البالد‪.‬‬
‫‪ 130‬ــــــــــــــــــــــــــ التعليقات العرفية عىل نرش العرف يف بناء بعض األحكام عىل العرف‬

‫تنبيه‪:‬‬
‫رب إذا كان َشائع ًا بني َأهلِ ِه‬
‫واخلاص إنّام ُيعت ُ‬
‫ِّ‬
‫ال من الع ِ‬
‫رف العا ِّم‬ ‫ُ‬ ‫اعلم ّ‬
‫أن ك ً‬
‫البريي يف «رشح األشباه» عن «املستصفى» ما‬
‫ُّ‬ ‫يعر ُفه مجي ُعهم؛ وهلذا نقل‬
‫يصح‬
‫ُّ‬ ‫ُ‬
‫املشرتك ال‬ ‫والعرف‬
‫ُ‬ ‫املستفيض‪،‬‬
‫ُ‬ ‫ائع‬
‫الش ُ‬ ‫ن َُّصه‪ :‬الت ُ‬
‫َّعامل العا ُّم‪ :‬أي َّ‬
‫الرت ُّدد‪ ،‬انتهى‪.‬‬
‫الرجوع إليه مع َّ‬
‫ُّ‬
‫ثم َن َق َل عن «املستصفى» َأيض ًا ما ُّ‬
‫نصه‪ :‬وال َي ْص ُل ُح ُمق ِّيد ًا؛ ألنّه ََّملا كان‬ ‫ّ‬
‫رتك ًا صار ُمتعارض ًا‪ ،‬انتهى‪.‬‬
‫ُم ْش َ َ‬
‫فقوله‪ :‬الت ُ‬
‫َّعامل العا ُّم يشمل العام مطلق ًا‪ :‬أي يف مجي ِع البالد‪ ،‬والعام‬
‫ٍ‬
‫واحدة‪ٌّ ،‬‬
‫فكل منهام ال يكون عا ّم ًا ُت ْبنَى األحكام عليه حتى‬ ‫املقيد‪ :‬أي يف ٍ‬
‫بلدة‬ ‫َّ‬
‫يكون شائع ًا مستفيض ًا بني مجيع أهله‪.‬‬
‫َأ ّما لو كان ُمشرتك ًا فال ُي ْبنَى عليه احلكم؛ للرت ُّدد يف ّ‬
‫أن املتك ِّل َم َق َصدَ هذا‬
‫املعنى أو املعنى اآلخر فال يتق َّيدُ أحد املعنيني؛ لتعارضهام بتح ُّق ِق االشرتاك‪.‬‬
‫أقول‪ :‬وينبغي تقييد ذلك بام إذا مل يغلب َأحدُ املعنيني عىل اآلخر‪ ،‬كام‬
‫والعرف املشرتك‪ ،‬فإن االشرتاك يقتيض تساوي املعنيني‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ُي ْش ِع ُر به قوله‪:‬‬
‫الراجح‪ ،‬وإنّام‬‫املرجوح ال يعارض َّ‬
‫َ‬ ‫وكذا قوله‪ :‬صار متعارض ًا‪ ،‬فإن‬
‫ً‬
‫قرينة‬ ‫أشهر كانت ُّ‬
‫الشهر ُة‬ ‫َ‬ ‫املتعارضان ما كانا ُمتساويني‪ ،‬أ ّما لو كان أحدُ مها‬
‫عىل إرادته‪.‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪131‬‬
‫رب العاد ُة إذا ا ّطردت أو َغ َل َبت؛ ولذا‬
‫ولذا قال يف «األشباه»‪ :‬إنّام تعت ُ‬
‫بلد اختلف فيها النقود مع‬ ‫قالوا يف البيع‪ :‬لو باع بدراهم أو دنانري‪ ،‬وكانا يف ٍ‬

‫انرصف البيع إىل األغلب‪ ،‬قال يف «اهلداية»؛‬


‫َ‬ ‫والرواج‬
‫االختالف يف املالية َّ‬
‫رصيح فيام قلناه‪ ،‬واهللُ‬
‫ٌ‬ ‫املتعارف‪ ،‬فينرصف املطلق إليه‪ ،‬انتهى(‪ ،)1‬فهذا‬
‫ُ‬ ‫ألنه هو‬
‫تعاىل أعلم‪.‬‬

‫‪‬‬

‫(‪ )1‬من األشباه‪.81 :1‬‬


‫‪ 132‬ــــــــــــــــــــــــــ التعليقات العرفية عىل نرش العرف يف بناء بعض األحكام عىل العرف‬

‫فصل‬
‫ِ‬
‫بعض فروع مهمة‬ ‫يف ِ‬
‫ذكر‬
‫مبنية عىل العرف‬
‫الربهان ّية» وغريها‪ :‬لو َج َّه َز ابنتَه فامتت‪،‬‬
‫الذخرية ُ‬ ‫‪.1‬منها‪ :‬ما يف « َّ‬
‫وحكِي‬‫ألن ال َّظاه َر التَّمليك‪ُ ،‬‬
‫للزوج؛ َّ‬ ‫ُ‬
‫فالقول َّ‬ ‫فا ّدعى أنّه دفعه عاري ًة ال ِملك ًا‪،‬‬
‫در َّ‬
‫الشهيدُ (‪ )2‬يف‬ ‫الص ُ‬ ‫ألن اليدَ من جهته‪ ،‬وقال َّ‬‫السغدي(‪ :)1‬أنّه لألب؛ ّ‬ ‫عن ُّ‬

‫الس ْغ ِد ّي‪ ،‬أبو احلسن‪ ،‬شيخ اإلسالم‪ ،‬قال الكفوي‪:‬‬


‫(‪ )1‬هو عيل بن احلسني بن حممد ُّ‬
‫ال فقيه ًا مناظراانتهت إليه رئاسة احلنفية‪ ،‬ورحل إليه يف النوازل‬
‫كان إمام ًا فاض ً‬
‫والواقعات‪ ،‬من مؤلفاته‪« :‬النتف يف الفتاوى»‪،‬و«رشح اجلامع الكبري»‪( ،‬ت‪461‬هـ)‪.‬‬
‫ينظر‪ :‬اجلواهر‪ ،567 :2‬وطبقات ابن احلنائي ص‪ ،73‬والفوائد ص‪.203‬‬
‫(‪ )2‬هو عمر بن عبد العزيز بن مازه‪ ،‬املعروف بالصدر الشهيد‪ ،‬أبو حممد‪ ،‬برهان‬
‫األئمة‪ ،‬حسام الدين‪ ،‬من مؤلفاته‪« :‬رشح اجلامع الصغري»‪ ،‬و«الفتاوى الصغرى»‪،‬‬
‫و«الفتاوى الكربى»‪ ،‬و«رشح أدب اخلصاف»‪ ،‬و«الواقعات»‪ ،‬و«املنتقى»‪ ،‬و«عمدة‬
‫املفتي واملستفتي»‪536-483( ،‬هـ)‪ .‬ينظر‪ :‬اجلواهر‪ ،650-649 :2‬والفوائد‬
‫ص‪ ،242‬والنُّجوم الزاهرة‪.269-268 :5‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪133‬‬
‫األب‬
‫أن َ‬‫رف مستمر ًا ّ‬
‫للزوج إذا كان ال ُع ُ‬ ‫َ‬
‫القول َّ‬ ‫«واقعاته»‪ :‬املختار للفتوى ّ‬
‫أن‬
‫يدفع مث َله جهاز ًا ال عاري ًة كام يف ديارنا‪ ،‬وإن كان مشرتك ًا‪ ،‬فالقول لألب‪،‬‬
‫انتهى‪.‬‬

‫ومشى عليه يف «التَّنوير» من (كتاب العارية)‪ ،‬وكذا يف «األشباه»‪،‬‬


‫َّفصيل هو املختار للفتوى‪ ،‬وحكى عن قايض خان‬
‫(‪)1‬‬ ‫بأن هذا الت َ‬
‫ورص َح أيض ًا َّ‬
‫َ َّ‬
‫ّاس وأرشافِهم مل‬
‫األب إن كان من كرا ِم الن ِ‬
‫أن َ‬ ‫قوالً رابع ًا وهو قوله‪ :‬وعندي‪ّ :‬‬
‫ُي ْق َبل قو ُله‪ ،‬وإن كان من األوساط ُقبِل‪ ،‬انتهى(‪.)2‬‬
‫ِ‬
‫العرف‬ ‫ِ‬
‫استمرار‬ ‫مبني عىل‬ ‫َ‬
‫األول ٌّ‬
‫القول ّ‬ ‫َّوفيق بأن‬
‫أقول‪ :‬و ُيمكن الت ُ‬
‫اهر التَّمليك‪ :‬أي ال َّظ َ‬
‫اهر يف ال ُعرف والعادة املستمرة‪،‬‬ ‫ألن ال َّظ َ‬
‫بقرينة قوله‪ّ :‬‬
‫ُ‬
‫القول‬ ‫أ ّما إذا مل يكن ذلك هو العادة املستمرة مل يكن التَّمليك ظاهر ًا‪ ،‬بل كان‬
‫رف إال من جهتِه‪.‬‬‫لألب؛ ألنّه ال ُيع ُ‬
‫السغدي‪ :‬أنّه لألب‪.‬‬
‫وعىل هذا حيمل قول ُّ‬

‫وز َجن ِْدي ال َف ْر َغ ِاين احلَن َِفي‪ ،‬أبو‬


‫(‪ )1‬وهو حسن بن منصور بن حممود بن عبد العزيز األُ ْ‬
‫القاسم‪ ،‬فخر الدين‪ ،‬املشهور بقايض خان‪ ،‬من مؤلفاته‪« :‬اخلانية»‪ ،‬و«رشح اجلامع‬
‫الصغري»‪ ،‬و«رشح الزيادات»‪ ،‬قال احلصريي‪ :‬هو القايض اإلمام‪ ،‬واألستاذ فخر امل َّلة‬
‫ركن اإلسالم‪ ،‬بق َّية السلف‪ ،‬مفتي الرشق‪( ،‬ت‪592‬هـ)‪ .‬ينظر‪ :‬اجلواهر‪ ،94 :2‬وتاج‬
‫الرتاجم ص‪.152-151‬‬
‫(‪ )2‬األشباه‪.86 :1‬‬
‫‪ 134‬ــــــــــــــــــــــــــ التعليقات العرفية عىل نرش العرف يف بناء بعض األحكام عىل العرف‬
‫وأ ّما ما ذكره قايض خان ‪ ‬فهو يف احلقيقة ٌ‬
‫بيان ملوض ِع االستمرار‬
‫استمرار دفعه‬ ‫ِ‬
‫القول املختار للفتوى‪ ،‬بأن‬ ‫وموض ِع االشرتاك الواقعني يف‬
‫َ‬
‫األب من األرشاف‪ّ ،‬‬
‫وأن عد َم االستمرار‬ ‫جهاز ًا ال عاري ًة إنّام هو فيام إذا كان ُ‬
‫إنّام هو فيام بني أوساط النَّاس‪.‬‬
‫فع عاري ًة ٌ‬
‫نادر بني األوساط‪ ،‬والعرب ُة للغالب كام‬ ‫لكن قد ُيقال‪ّ :‬‬
‫إن الدَّ َ‬
‫ِ‬
‫لألب معناه‪ :‬إذا كان‬ ‫ُ‬
‫فالقول‬ ‫ٍ‬
‫وحينئذ فقوهلم‪ :‬وإن كان مشرتك ًا‬ ‫حررناه آنف ًا‬
‫َّ‬
‫االشرتاك عىل سبيل التَّساوي‪.‬‬
‫أ ّما لو ت ََر َّج َح أحدُ مها كام هو الواقع يف زماننا فيام بني ِ‬
‫أكثر الن ِ‬
‫َّاس من‬
‫الغالب هو الظاهر‪،‬‬
‫َ‬ ‫ائع‬ ‫للزوج؛ ألن َّ‬
‫ّالش َ‬ ‫َ‬
‫القول َّ‬ ‫الدفع متليك ًا‪ ،‬فاألظهر ّ‬
‫أن‬
‫صلح للدفع‪ ،‬فتندفع به دعوى األب أنّه عاري ٌة‪.‬‬
‫والظاهر ي ُ‬
‫ُ‬
‫رص َح‬
‫للزوج وإن َ َّ‬ ‫َ‬
‫القول َّ‬ ‫ظاهر كالمهم ّ‬
‫أن‬ ‫َ‬ ‫لكن بقي هنا يشء‪ :‬وهو ّ‬
‫أن‬
‫األب ودعوى انتقاله إىل‬ ‫ِ‬
‫بملك ِ‬ ‫إقرار‬ ‫بدعوى ال َّتمليك مع ّ‬
‫َّرصيح بذلك ٌ‬
‫َ‬ ‫أن الت‬
‫البنت‪ ،‬وال عربة لل َّظاهر مع اإلقرار‪.‬‬
‫الزوجني‬ ‫ِ‬
‫اختالف َّ‬ ‫ِ‬
‫مسألة‬ ‫ويدل لذلك ما يف «البحر» عن «البدائع» يف‬ ‫ُّ‬
‫القول ٍّ‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫اهر شاهدٌ له ما‬ ‫ألن ال َّظ َ‬
‫لكل منهام فيام يصلح له؛ ّ‬ ‫البيت من ّ‬
‫أن‬ ‫يف متا ِع‬
‫ألّنا‬
‫قوهلا؛ ّ‬ ‫الزوج‪ ،‬فإن َأ َق َّرت بذلك َس َق َط ُ‬
‫املتاع اشرتاه َّ‬
‫َ‬ ‫مل ُت ِق ّر املرأ ُة ّ‬
‫بأن هذا‬
‫ثم ا َّدعت االنتقال إليها‪ ،‬فال يثبت االنتقال إال بال َب ِّي ِنة‪،‬‬
‫َأ َق َّرت بامللك لزوجها‪ّ ،‬‬
‫انتهى(‪.)1‬‬

‫(‪ )1‬من البحر‪.225 :7‬‬


‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪135‬‬
‫ثم قال‪ :‬وكذا إذا ا َّدعت َّأّنا اشرتته منه‪ ،‬كام يف «اخلانية»‪.‬‬
‫ّ‬
‫وال خيفى أنّه لو برهن عىل رشائه كان كإقرارها برشائه منه‪ ،‬فال ُبدّ من‬
‫ونحوها‪ ،‬وال يكون استمتا ُعها بمرشيه‬ ‫ِ‬ ‫بي ٍنة عىل االتنقال إليها منه ٍ‬
‫هببة‬ ‫ّ‬
‫ال عىل أنّه َم َّلكَها ذلك‪ ،‬كام تفهمه النِّساء والعوام‪ ،‬وقد‬
‫ورضاه بذلك دلي ً‬
‫أفتيت بذلك مرار ًا‪ ،‬اهـ‪.‬‬
‫املستمر يف متليك‬
‫َ‬ ‫العرف‬
‫َ‬ ‫أقول‪ :‬وقد ُجياب بالفرق بني املسألتني‪ :‬بأن‬
‫اجلهاز ُم َصدِّ ٌق لدعوى التمليك فلم يعترب ما استلزمه الدعوى من‬
‫َ‬ ‫األب‬
‫اإلقرار‪.‬‬
‫املستمر فيها هو ملك املرأة للصالح هلا‪،‬‬
‫َّ‬ ‫العرف‬
‫َ‬ ‫أ ّما مسأل ُة األمتعة فإن‬
‫العرف مصدق ًا هلا‪ ،‬بل ا ّدعت التمليك الذي ال‬
‫ُ‬ ‫وهي مل تدع امللك حتى يكون‬
‫ُيصدِّ ُقه العرف‪ ،‬فاعترب ما استلزمته دعواها من اإلقرار‪.‬‬

‫ونظريه‪ :‬ما قالوا فيام لو أرسل إىل زوجته شيئ ًا وا ّدعى أنّه من املهر‬
‫ُ‬
‫ُ‬
‫والقول هلا يف املهيأ له كخبز‬ ‫فالقول له يف ِ‬
‫غري املهيأ لألكل‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫وا ّدعت أنّه هديه‪،‬‬
‫اهر ُي ِّ‬
‫كذ ُبه‪.‬‬ ‫ألن ال َّظ َ‬
‫وحلم مشوي؛ ّ‬

‫ِ‬
‫جنس املهر‬ ‫وكذا لو ا ّدعت أنّه من ِ‬
‫املهر وا ّدعى أنّه وديعة‪ ،‬فإن كان من‬
‫ُ‬
‫فالقول هلا‪ ،‬وإال فله بشهادة الظاهر‪ ،‬فقد َحكَّموا الظاهر يف املسألتني‪ ،‬لك ّن‬
‫ألن يف األُوىل اتفقا عىل التمليك‪ ،‬واختلفا يف صفته‪.‬‬
‫الثانية أشبه بمسألتنا؛ ّ‬
‫‪ 136‬ــــــــــــــــــــــــــ التعليقات العرفية عىل نرش العرف يف بناء بعض األحكام عىل العرف‬
‫َ‬
‫القول هلا َع َم ً‬
‫ال‬ ‫َّمليك و َأنكره‪ ،‬وجعلوا‬
‫ويف ال َّثانية‪ :‬ا ّدعت املرأة الت َ‬
‫ِ‬
‫مسألة اجلهاز‪ ،‬واهلل تعاىل أعلم‪.‬‬ ‫بال َّظ ِ‬
‫اهر كام يف‬
‫ِ‬
‫الواجبة عليه‪ ،‬وهو‬ ‫ِ‬
‫الكسوة‬ ‫ومقتىض هذا ّأّنا لو ا ّدعت املبعوث أنّه من‬
‫ُ‬
‫القول قوهلا كام يف املهر‪.‬‬ ‫من ِ‬
‫جنسها أن يكون‬
‫وعىل هذا فقوله يف «البحر»‪ :‬وال يكون استمتا ُعها بمرشيه‪ ...‬الخ‪،‬‬
‫ثياب‬ ‫ِ‬
‫بخالف ِ‬ ‫وحصري و َأ ٍ‬
‫وان‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫فراش‬ ‫ينبغي تقييدُ ه بنحو أثاث املنزل من ِ‬
‫نحو‬
‫البدن التي ألبسها إ ّياها فليس له ُ‬
‫أخذها‪ ،‬كام قالوا‪ :‬فيام لو اختذ لولده الكبري‬ ‫ِ‬
‫وس َّل َمها إليه ليس له دف ُعها ِ‬
‫لغريه‪.‬‬ ‫أو تلميذه ثياب ًا‪َ ،‬‬
‫غري وإن مل ُي َس ِّلم إليه‪.‬‬ ‫الص ُ‬
‫وكذا َّ‬
‫ِ‬
‫واملنزل والدَّ ِار وإن مل‬ ‫ِ‬
‫البيت‬ ‫ِ‬
‫العلو يف بي ِع‬ ‫ِ‬
‫دخول‬ ‫‪.2‬ومنها‪ :‬ما َم َّر من‬
‫ومرافق ِه بنا ًء عىل العرف احلادث‪ ،‬كام َم َّر عن «الكايف»‪ّ ،‬‬
‫وأن ما‬ ‫ِ‬ ‫بحقوق ِه‬
‫ِ‬ ‫يذكر‬
‫مبني عىل عرف الكوفة‪.‬‬ ‫يف املتون من التَّفصيل ٌّ‬
‫ُ‬
‫يدخل يف البي ِع‬ ‫الرش َب ال‬ ‫َأقول‪ :‬وعىل هذا فام يف املتون َأيض ًا من َأ ّن ِّ‬
‫مبني عىل عرفِهم َأيض ًا‪.‬‬ ‫بدون التَّرصيح‪ ،‬أو ذكر احلقوق ٌّ‬
‫رشب‬
‫ٌ‬ ‫الشام ّية‪َّ ،‬‬
‫فإن الدَّ َار التي هلا‬ ‫وال َش ّك يف دخوله يف عرف ديارنا َّ‬
‫جيري إليها تزداد قيم ُتها زياد ًة وافرةً‪ ،‬وقد كنت ذكرت ذلك بحث ًا(‪ )1‬فيام َع َّل ْق ُته‬
‫عىل «البحر»‪.‬‬

‫خرجه من املسائل املستجدة بناء عىل قواعد الفقهاء‪ ،‬فقد شاع عند‬ ‫(‪ )1‬وهي ما َّ‬
‫املتأخرين إطالق كلمة بحث ًا عليه‪.‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪137‬‬
‫حل صارت هذه املسألة واقع ُة الفتوى‪ :‬حيث‬ ‫ثم قريب ًا من كتابتي هلذا امل ّ‬ ‫ّ‬
‫غزيرة يقصدُ ها‬ ‫ٍ‬ ‫رجل دار ًا عظيم ًة بصاحل ّي ًة دمشق مشتمل ًة عىل مياه‬ ‫ٌ‬ ‫باع‬
‫يمنع املا َء‬
‫َ‬ ‫البائع أن‬
‫ُ‬ ‫والربيع‪ ،‬فأراد‬
‫الصيف َّ‬‫األُمراء وكبار التُّجار للت َُّّنزه أ ّيام َّ‬
‫ِ‬
‫مقايلة(‪ )1‬البيع من املشرتي؛ ألن الدَّ َار بدون املاء ُر ّبام‬ ‫ليتوصل إىل‬ ‫عن الدَّ ار؛‬
‫َّ‬
‫ذكره الفقها ُء من عد ِم الدُّ خول بال ذكر‬ ‫ال تساوي نصف ال َّثمن‪ ،‬وتع َّلل بام َ‬
‫ِّ‬
‫كل َح ٍّق ونحوه‪.‬‬

‫َفأجبت‪ :‬بأنّه ليس له ذلك بنا ًء عىل العرف‪ّ ،‬‬


‫ثم راجعت « َّ‬
‫الذخرية‬
‫الربهانية» يف (الفصل اخلامس فيام يدخل حتت البيع من ِ‬
‫غري ذكره رصحي ًا‬ ‫ُ‬
‫الرشب وال َّطريق والبستان‪:‬‬
‫وما ال يدخل)‪ ،‬فرأيته قال بعد ما ذكر مسألة ِّ‬
‫ال به يدخل يف ِ‬
‫بيعها من‬ ‫أن ما كان يف الدَّ ار من البناء أو كان متص ً‬ ‫ُ‬
‫فاألصل ّ‬ ‫«‬
‫ِ‬
‫بطريق التَّبع ّية‪ ،‬وما ال فال‪ ،‬إال إذا كان شيئ ًا جرى العرف فيه فيام بني‬ ‫ِ‬
‫غري ٍ‬
‫ذكر‬
‫ٍ‬
‫فحينئذ يدخل وإن مل يذكره يف البيع‪،‬‬ ‫البائع ال يمنعه عن املشرتي‪،‬‬ ‫النَّاس َّ‬
‫أن‬
‫َ‬
‫ٍ‬
‫متصل بالبناء‪ ،‬وقلنا‪ :‬بالدُّ خول‬ ‫واملفتاح يدخل استحسان ًا ال قياس ًا؛ ألنّه ُ‬
‫غري‬
‫لم إن كان متص ً‬
‫ال بالبناء‬ ‫والس ُ‬
‫واملفتاح ال يدخالن‪ِّ ،‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫والقفل‬ ‫بحك ِم العرف‪،‬‬
‫الرسير‪ ،‬انتهى ملخص ًا‪.‬‬
‫يدخل وإال فال‪ ،‬ومثله َّ‬
‫ف ُعلِم من قوله‪ :‬فقلنا‪ :‬بالدُّ خول بحكم العرف ّ‬
‫أن ما ن َُّصوا عىل عدم‬
‫العرف بدخوله‬
‫ُ‬ ‫دخوله إنّام مل يدخل؛ لعد ِم التَّعارف بدخوله‪ ،‬وأنّه لو َج َرى‬

‫(‪ )1‬أي من اإلقالة‪ :‬أي من أجل أن يطلب منه املشرتي إقالة البيع وفسخه ليعود املبيع‬
‫إىل البائع‪.‬‬
‫‪ 138‬ــــــــــــــــــــــــــ التعليقات العرفية عىل نرش العرف يف بناء بعض األحكام عىل العرف‬

‫فالرش ُب مل يتعارفوا دخوله فقالوا‪ :‬إنّه ال يدخل‪ ،‬واملفتاح تعارفوا‬


‫لدخل‪ِّ ،‬‬
‫دخوله‪ ،‬فقالوا‪ :‬إنّه يدخل‪.‬‬
‫الرشب وال ِّطريق‪ ،‬قال‪:‬‬ ‫و َيدُ ُّل عىل ذلك أنّه بعد أن َ‬
‫ذكر عدم دخول ِّ‬
‫ني بذلك األصل ّ‬
‫أن ما كان القياس عدم دخوله إنّام ال‬ ‫واألصل‪ ...‬الخ‪ ،‬ف َب َّ َ‬
‫العرف ُيعارض‬
‫َ‬ ‫يدخل إذا مل ُيتَعارف دخو ُله‪ ،‬فإذا ُتعورف دخو ُله دخل؛ ّ‬
‫ألن‬
‫الرشب كام يف زماننا يدخل‪.‬‬ ‫القياس؛ ولذا دخل املفتاح‪ ،‬فإذا ُتعورف ُد ُ‬
‫خول ِّ‬
‫الس َّل َم الغري املتصل ال يدخل‪:‬‬ ‫نصوا عىل ّ‬
‫أن ُّ‬ ‫ويدل عىل ذلك أيض ًا‪ّ :‬أّنم ّ‬
‫رصحا بدخوله‬
‫أي لعدم العرف‪ ،‬انتهى فتأ ّمل مع أنّه يف «الفتح» و«البحر» َ َّ‬
‫بيوهتم طبقات ال ينتفع هبا إال به‪،‬‬
‫ألن َ‬‫يف البيت املبيع بالقاهرة دون غريها؛ ّ‬
‫كام قدّ مناه‪.‬‬
‫َص الفقها ُء رصحي ًا عىل عد ِم دخوله اعتبار ًا‬ ‫الس َّلم الذي ن َّ‬
‫دخل ُّ‬ ‫فإذا َ‬
‫أن املشرتي‬ ‫اخلاص َبأهل القاهرة؛ ألنّه ال ينتفع بالبيت إال به‪ ،‬مع ّ‬ ‫ّ‬ ‫للعرف‬
‫بقيمة يسرية‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫يمكِنُه أن يعم َل س َّل ًام ِ‬
‫لنفسه‬ ‫َْ َ ُ‬ ‫ُْ‬
‫حيتاج‬
‫ُ‬ ‫بالرشب الذي لو َأراد املشرتي أن ُجيري َبد َله ِرشب ًا آخر‬ ‫فام بالك ِّ‬
‫أهل ديارنا عىل َجريان‬ ‫قيمة الدّ ار أو أكثر مع أنه الئتالف ِ‬ ‫فق قدر ِ‬ ‫إىل أن ين َ‬
‫َ‬
‫االنتفاع بالدَّ ار إال بامئها‪ ،‬والدَّ ُار التي ال ماء هلا ال‬
‫ُ‬ ‫دورهم ال ُي ْمكِنُهم‬‫املياه يف ِ‬
‫رشاء دار هلا ما ٌء ٍ‬
‫جار‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫يسكنُها غالب ًا إال العاجز عن‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪139‬‬
‫وال س ّيام إذا كانت الدَّ ُار معدّ ًة للت َُّّنزه مثل الدَّ ار املذكورة يف احلادثة‪ّ ،‬‬
‫فإن‬
‫أعظم املقاصد من سكناها التَّنزه بامئها الغزير؛ ولذا ُبنيت هذه الدَّ ار يف أحسن‬
‫الرت ُّدد يف‬ ‫ُ‬
‫وأعدهلا هوا ًء‪ ،‬فال ينبغي َّ‬ ‫موض ٍع من صاحل ّية دمشق‪ ،‬هو ُ‬
‫أكثرها ما ًء‬
‫ِ‬
‫دخول مائها َت َبع ًا هلا‪ ،‬واهلل تعاىل أعلم‪.‬‬

‫الفعل املضارع املثبت ال يكون‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫بالعربية يف‬ ‫احللف‬
‫ُ‬ ‫‪.3‬ومنها‪ّ :‬أّنم قالوا‪:‬‬
‫ِ‬
‫بحرف التَّأكيد‪ ،‬وهو الال ُم والنون‪ :‬كقوله‪ :‬واهلل ألفعل ّن كذا حتى لو قال‪:‬‬ ‫إالّ‬
‫واهلل َأفعل كذا كانت يمينه عىل النفي‪ ،‬وتكون ال مضمرة‪ ،‬كام يف {تَاهلل ت َ ْفتَأ ُ‬
‫ِ‬
‫حرف‬ ‫ِ‬
‫حذف‬ ‫ف}[يوسف‪ ،]85:‬فكأنّه قال‪ :‬واهلل ال أفعل؛ المتنا ِع‬ ‫ت َ ْذ ُك ُر يُو ُ‬
‫س َ‬
‫ِ‬
‫بخالف حرف النَّفي‪.‬‬ ‫التَّوكيد يف اإلثبات‪،‬‬

‫املقديس(‪ )1‬يف «رشحه عىل‬


‫ّ‬ ‫شيخ اإلسالم العالم ُة ا ُمل َح ِّق ُق الشيخ ّ‬
‫عيل‬ ‫قال ُ‬
‫نظم الكنز»‪ :‬فعىل هذا أكثر ما يقع من العوام ال يكون يمين ًا؛ لعدم الالم‬
‫والنون فال ك ّفارة عليهم فيها‪ ،‬انتهى‪ :‬أي ال يكون يمين ًا عىل اإلثبات فال ك ّفارة‬
‫ِ‬
‫احللف‬ ‫ِ‬
‫لتعارف‬ ‫عليهم إذا ت ََركوا ذلك الّشء‪ُ ،‬ث ّم قال‪ :‬لكن ينبغي أن تلز َمهم‬
‫بذلك‪.‬‬

‫(‪ )1‬وهو عيل بن حممد بن عيل اخلزرجي احلنفي‪ ،‬نور الدين ابن غانم‪ ،‬من مؤلفاته‪:‬‬
‫«الرمز يف رشح نظم الكنز» البن الفصيح‪ ،‬و«نور الشمعة يف أحكام اجلمعة»‪ ،‬و«بغية‬
‫املرتاد يف تصحيح الضاد»‪ 1004 - 920( ،‬هـ)‪ .‬ينظر‪ :‬األعالم‪.12 :5‬‬
‫‪ 140‬ــــــــــــــــــــــــــ التعليقات العرفية عىل نرش العرف يف بناء بعض األحكام عىل العرف‬

‫ويؤ ِّيده ما نقلناه عن «ال َّظهريية»(‪ :)1‬أنّه لو َسكَّن اهلاء أو َر َفع أو ن ََص َ‬
‫ب‬
‫العرب ما َن َط َقت بغري ّ‬
‫اجلر‪ ،‬انتهى‪.‬‬ ‫َ‬ ‫باهلل يكون َيمين ًا مع أن‬
‫الدر ا ُملختار»‪:‬‬
‫احللبي(‪ )2‬يف «حاشيته عىل ّ‬
‫ّ‬ ‫ُ‬
‫الشيخ إبراهيم‬ ‫قال العالم ُة‬
‫َ‬
‫املنقول يف‬ ‫ِ‬
‫املذهب ُجياب عنه‪ :‬بأن‬ ‫ِ‬
‫بعض النَّاس أنّه ُيصادم ا َملنقول يف‬ ‫ُ‬
‫وقول‬
‫تتغري اللغة‪ ،‬وأ ّما اآلن فال يأتون‬ ‫ِ‬
‫املذهب كان عىل عرف صدر اإلسالم قبل أن َّ َ‬
‫مثبت القسم َأصالً‪ ،‬و ُي َف ِّرقون بني اإلثبات والنفي بوجود ال‬‫بالالم والنُّون يف ِ‬

‫وعدمها‪ ،‬وما اصطالحهم عىل هذا إال كاصطالحهم لغة الفرس ونحوها يف‬
‫األيامن َملن تَدَ َّبر‪ ،‬انتهى‪.‬‬
‫جواب‬
‫َ‬ ‫قلت‪ :‬وكهذه املسأل ُة ما ذكره يف «البحر» يف (باب التَّعليق)‪ّ :‬‬
‫إن‬ ‫ُ‬
‫طلبي أو جامدٌ أو‬
‫ٌّ‬ ‫وقع مجل ًة اسمي ًة أو فعلي ًة فع ُلها‬
‫الرشط جيب اقرتا ُنه بالفاء إذا َ‬
‫َّ‬
‫رب‪ ،‬فال َيتَح َّقق التَّعليق إال‬ ‫ٌ‬
‫مقرون بام‪ ،‬أو قد‪ ،‬أو لن‪ ،‬أو تنفيس‪ ،‬أو القسم‪ ،‬أو ّ‬
‫األول هو‬
‫أن ّ‬ ‫بالفاء يف هذه املواضع‪ ،‬إال أن يتقدَّ م اجلواب فيتع َّلق بدوّنا‪ ،‬عىل ّ‬

‫اري احلَنَفي‪ ،‬ظهري الدين‪ ،‬ومن مؤ َّلفاته‪:‬‬


‫(‪ )1‬ملحمد بن أمحد بن عمر املحتسب ال ُب َخ ّ‬
‫«الفتاوي الظهريية»‪ ،‬و«الفوائد الظهريية»‪( ،‬ت‪ ،)619‬قال اللكنوي‪ :‬طالعت‬
‫«الفتاوي الظهريية» فوجدته كتاب ًا متضمن ًا للفوائد الكثرية‪ .‬ينظر‪ :‬الفوائد ص‪،257‬‬
‫والكشف‪.1226 :2‬‬
‫حل َلبي احلنفي‪ ،‬من مؤلفاته‪« :‬حتفة األخبار»‬
‫(‪ )2‬وهو إبراهيم بن مصطفى بن إبراهيم ا َ‬
‫حاشية عىل الدر املختار‪ ،‬و«رشح جواهر الكالم»‪ ،‬و«نظم السرية» ‪( ،‬ت‪.)1190‬‬
‫ينظر‪ :‬األعالم‪.74 :1‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪141‬‬
‫ِ‬
‫بالفاء يف‬ ‫اجلواب عند الكوفيني‪ ،‬أو دليل اجلواب عند البرصيني‪ ،‬فلو مل ِ‬
‫يأت‬
‫موضع وجوهبا كان منجز ًا‪ :‬كإن دخلت الدار أنت طالق‪ ،‬فإن نوى تعلي َقه‬
‫ُد ِّين‪ ،‬وكذا إن نوى تقديمه‪.‬‬
‫ال لكالمه عىل الفائدة‪ ،‬فتضمر الفاء‬ ‫وعن أيب يوسف ‪ :‬أنّه يتع َّل َق مح ً‬
‫تفرع‬
‫هل البرصة‪ ،‬وعليه َّ‬‫بناء عىل قول الكوفيني بجواز حذفها اختيار ًا‪ ،‬ومنعه َأ ُ‬
‫املذهب‪.‬‬
‫و ُأورد عىل البرصيني قوله ‪{ :‬وإِ ْن أط ْعتموه ْم إِنك ْم مل ْ ِ‬
‫شكون}‬
‫[األنعام‪.]121:‬‬
‫ِ‬
‫تقدير القسم‪ ،‬انتهى ملخص ًا(‪.)1‬‬ ‫وأجيب‪ :‬بأنّه عىل‬
‫مر اعتبار العرف‪ ،‬فإن‬
‫فرق بني العامل واجلاهل‪ ،‬ويبنغي عىل ما ّ‬
‫ومل ُي َّ‬
‫العوا َّم ال يفرقون بني إثباهتا وحذفها مع قصدهم التعليق‪ ،‬فينيغي أن يتع َّل َق‬
‫قضا ًء وديان ًة َأخذ ًا بام ُر ِوي عن أيب يوسف ‪.‬‬
‫وذكر يف «ال َبحر» َأيض ًا يف َأ ّول (باب الكنايات) عند قوله‪ :‬ف َت ْط ُلق‬
‫َ‬
‫واحد ًة رجعي ًة يف‪ :‬اعتدي‪ ،‬واستربي رمحك‪ ،‬وأنت واحدة‪ ،‬فقال‪ :‬و َأطلق يف‬
‫الصحيح؛ ّ‬
‫ألن‬ ‫ٍ‬
‫واحدة َفأفاد أنّه ال معترب يف إعراهبا‪ ،‬وهو ُ‬
‫قول العا ّمة‪ ،‬وهو َّ‬
‫واخلواص ال يلتزمونه يف كالمهم‬ ‫ّ‬ ‫العوا َم ال ُيميزون بني وجوه اإلعراب‪،‬‬
‫والعرف لغ ُتهم‪.‬‬
‫ُ‬ ‫عرف ًا‪ ،‬بل تلك صناعتهم‪،‬‬

‫(‪ )1‬من البحر‪.350 :3‬‬


‫‪ 142‬ــــــــــــــــــــــــــ التعليقات العرفية عىل نرش العرف يف بناء بعض األحكام عىل العرف‬

‫وقد ذكرنا يف «رشحنا عىل املنار»‪ّ :‬أّنم مل يعتربوه هنا‪ ،‬واعتربوه يف‬
‫اإلقرار فيام لو قال‪ :‬درهم غري دانق رفع ًا ونصب ًا‪ ،‬فيحتاجون إىل الفرق‪ ،‬انتهى‪.‬‬
‫ويف (إقرار) «الدُّ ِر املختار»‪ :‬قال‪ :‬أليس يل عليك ألف؟ فقال‪ :‬بىل‪ ،‬فهو‬
‫اإلقرار ُحيمل عىل‬
‫َ‬ ‫إقرار‪ ،‬وإن قال‪ :‬نعم‪ ،‬فال‪ ،‬وقيل‪ :‬نعم‪ :‬أي يكون إقرار ًا؛ ّ‬
‫ألن‬ ‫ٌ‬
‫العرف ال عىل دقائق العربية‪ ،‬كذا يف «اجلوهرة»(‪ ،)1‬انتهى(‪.)2‬‬

‫سارق هذا ال َّثوب‪ُ ،‬قطِع إن َأضاف؛‬


‫ٌ‬ ‫الرسقة) قال‪ :‬أنا‬ ‫وذكر يف (كتاب َّ‬
‫إقرار‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫ونصب الثوب ال يقطع؛ لكونه عدَ ٌة ال ٌ‬
‫َ‬ ‫بالرسقة‪ ،‬وإن ن ََّونَه‬
‫إقرار َّ‬
‫لكونه ٌ‬
‫كذا يف «الدر»(‪.)3‬‬

‫وتوضيحه‪ :‬أنه إذا قيل‪ :‬هذا قاتل زيد‪ :‬أي باإلضافة معناه‪ :‬أنه قتله‪ ،‬وإذا‬
‫ُ‬
‫قيل‪ :‬قاتل زيد ًا‪ ،‬معناه أنّه يقتله‪ ،‬واملضارع حيتمل احلال واالستقبال‪ ،‬فال يقطع‬
‫ّ‬
‫بالشك‪.‬‬

‫قلت‪ :‬يف «رشح الوهبانية»‪ :‬ينبغي الفرق بني العامل واجلاهل؛ ّ‬


‫ألن العوا َم‬
‫فرقون‪ ،‬انتهى ما يف «الدُّ ّر املختار»(‪.)4‬‬
‫ال ُي ّ‬

‫(‪ )1‬اجلوهرة النرية‪.251 :1‬‬


‫(‪ )2‬من الدر املختار‪.595 :5‬‬
‫(‪ )3‬الدر املختار‪.102 :4‬‬
‫(‪ )4‬الدر املختار‪.104 :4‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪143‬‬
‫منفي‬
‫موجب أو ٍّ‬‫ٍ‬ ‫وذكر يف «التلويح»‪ّ :‬‬
‫أن «نعم»؛ لتقرير ما َس َبق من كال ِم‬
‫ِ‬
‫بإجياب النفي السابق استفهام ًا أو خرب ًا‪ ،‬قال‪:‬‬ ‫استفهام ًا أو خرب ًا‪ ،‬و«بىل» خمتص ٌة‬
‫يصح «بىل» يف جواب كان يل عليك كذا‪ ،‬وال يكون «نعم» إقرار ًا‬
‫فعىل هذا ال ُّ‬
‫رب يف أحكا ِم الرشع هو العرف حتى‬ ‫يف جواب‪ :‬أليس يل عليك كذا‪ ،‬إال ّ‬
‫أن املعت َ‬
‫كل منهام مكان اآلخر‪ ،‬ويكون إقرار ًا يف وجوب اإلجياب أو النفي‬ ‫ُيقام ٌّ‬
‫استفهام ًا أو خرب ًا‪ ،‬انتهى(‪.)1‬‬
‫أن َ‬
‫لفظ الواقف‬ ‫ِ‬
‫العالمة قاسم ‪ّ :‬‬ ‫وهذا مؤيدٌ ملا قلنا‪ ،‬و َقدَّ منا عن‬
‫وكل عاقد ُحيمل عىل عادتِ ِه ولغتِ ِه وافقت لغ َة العرب أو ال‪.‬‬
‫واحلالف َّ‬
‫يب عىل اختالف لغاته إنّام وضع‬
‫أن الكال َم العر َّ‬ ‫ُّ‬
‫ويدل عىل ذلك أيض ًا‪ّ :‬‬
‫كل متك ِّلم يقصد مدلول لغته‪ ،‬فيحمل‬ ‫للتفاهم والتخاطب‪ ،‬وال َش ّك أن ّ‬
‫كال ُمه عليها وإن خالفت لغة احلاكم والقايض باعتبار قصده‪.‬‬
‫الكويف لو أسقط الفاء َص َّح تعلي ُقه الرشط‪ ،‬وليس للقايض‬
‫َّ‬ ‫أال ترى ّ‬
‫أن‬
‫البرصي احلكم عليه بالتنجيز‪ ،‬فنفرض أهل زماننا بمنزلة الكويف‪ ،‬بل ُحيمل‬
‫مرادهم وإن خالف مذاهب النَّحاة؛ وهلذا أفتى املتأخرون ّ‬
‫بأن‬ ‫كالمهم عىل ِ‬
‫ُ‬
‫تعليق مع أنّه ليس فيه أداة تعليق أصالً؛ إذ ال َش ّك ّ‬
‫أن‬ ‫عيل ال َّطالق ال أفعل كذا ٌ‬
‫َّ‬
‫ِ ٍ‬
‫مل‬ ‫الزمان امللحونة صارت بمنزلة لغة ُأخرى ال يقصدون غريها‪ُ ،‬‬
‫فح ُ‬ ‫لغ َة هذا َّ‬
‫غري معناه‪ ،‬وال جيب مراعا ُة األلفاظ‬‫رصف له إىل ِ‬‫ٌ‬ ‫ِ‬
‫كالمهم عىل غري لغتهم‬
‫ال ّلغوية والقواعد العرب ّية إال يف القرآن واحلديث‪.‬‬

‫(‪ )1‬من التلويح‪.117 :1‬‬


‫‪ 144‬ــــــــــــــــــــــــــ التعليقات العرفية عىل نرش العرف يف بناء بعض األحكام عىل العرف‬

‫وإنام بنى الفقهاء األحكام عىل القواعد العربية؛ ألّنا املعلومة ِلم ال‬
‫لكون القواعد العربية متعبد ًا هبا‪ ،‬بل ال جيوز العدول عن مراعاهتا‪ ،‬ف ُعلِم ّ‬
‫أن‬
‫يب و َمن التزم لغة العرب‪ ،‬واهلل تعاىل أعلم‪.‬‬
‫كال َمهم مع العر ّ‬
‫ُّ‬
‫ويدل عليه ما يأيت يف تقرير املسألة التَّالية هلذه‪.‬‬
‫ِ‬
‫بلفظ‪:‬‬ ‫‪.4‬ومنها‪ :‬مسأل ٌة‪ :‬اختلف فيها املتأخرون‪ ،‬وهي انعقا ُد النِّكاح‬
‫زي بعدم االنعقاد‪،‬‬ ‫صاحب «التَّنوير» العالم ُة ال َغ ُّ‬
‫ُ‬ ‫الت ِ‬
‫َّجويز بتقديم اجليم‪ ،‬فأفتى‬
‫َّفتازاين من ّ‬
‫أن‬ ‫ّ‬ ‫وله فيه رسال ٌة حاص ُلها االستدالل بام يف «التَّلويح» َّ‬
‫للسعد الت‬
‫ً‬
‫حقيقة‬ ‫ٍ‬
‫وتصحيف مل يكن‬ ‫ٍ‬
‫حتريف‬ ‫صحيح‪ ،‬بل عن‬‫ٍ‬ ‫ال َّلفظ إذا صدَ ر ال عن ٍ‬
‫قصد‬ ‫َ َ‬
‫ِ‬
‫العالقة بل غلط ًا‪ ،‬فال اعتبار به أصالً‪ ،‬انتهى‪.‬‬ ‫وال جماز ًا؛ لعدم‬
‫قال عمد ُة املتأخرين العالم ُة َّ‬
‫الش ُ‬
‫يخ عال ُء الدَّ ين يف «الدُّ ِّر املختار» بعد‬
‫ٍ‬
‫قصد كان‬ ‫الغلطة وصدرت عن‬ ‫ِ‬ ‫نقله ذلك‪ :‬نعم لو اتفق قو ٌم عىل الن ِ‬
‫ُّطق هبذه‬
‫فيصح كام َأفتى به املرحو ُم أبو ُّ‬
‫السعود‪ ،‬انتهى(‪.)1‬‬ ‫ُّ‬ ‫ذلك وضع ًا جديد ًا‪،‬‬
‫ميل يف‬
‫الر ُّ‬
‫خري الدَّ ين َّ‬
‫الشيخ ُ‬‫ُ‬ ‫أقول‪ :‬و َأ ْفتَى به َأيض ًا العالم ُة املرحو ُم‬
‫ِ‬
‫األغامر‬ ‫ِ‬
‫اجلهلة‬ ‫ادر من‬ ‫«فتاواه» َو َر َّد ما قاله ال َغ َز ّي بقوله‪ :‬وال َش َّك ّ‬
‫الص َ‬
‫أن َّ‬
‫ِ‬
‫واملجاز‪ ،‬وال لنفي االستعارة ا ُملرتَّب عىل‬ ‫ِ‬
‫احلقيقة‬ ‫تصحيف ال دخل فيه لبحث‬ ‫ٌ‬
‫األصيل‪ :‬أي معنى لفظ‪ :‬التَّجويز‪ ،‬وهو التَّسويغ أو‬ ‫ِ‬
‫العالقة فيه؛ إذ معناه‬ ‫عد ِم‬
‫ّ‬
‫ٍ‬ ‫غري ُمالحظ هلم َأصالً؛ إذ‬
‫بمعزل عن درك ذلك‪.‬‬ ‫العامي‬
‫ّ‬ ‫مار ًا َ‬
‫جعله ّ‬

‫(‪ )1‬من الدر املختار‪19 :3‬ـ ‪.20‬‬


‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪145‬‬
‫فجميع ما جاء به ال َغ ُّ‬
‫زي ال يصلح إلثبات‬ ‫ُ‬ ‫وحيث كان تصحيف ًا وغلط ًا‪،‬‬
‫تصحيف كيف يتجه نفي العالقة واالستدالل بام‬ ‫ٌ‬ ‫ا ُملدَّ َعى‪ ،‬وحيث َأ َق ّر بأنّه‬
‫السعد‪.‬‬
‫ذكره َّ‬
‫صح ِة االستعامل‪ ،‬وال منكر له‪ ،‬بل ُمس َّل ٌم كونه‬ ‫ّ‬ ‫إثبات عد ِم‬
‫ُ‬ ‫وغاي ُته‬
‫ُ‬
‫الدليل صور َة املسألة‪.‬‬ ‫تصحيف ًا بإبدال حرف مكان حرف‪ ،‬فلم يتعدّ‬
‫املرصح بعدم‬ ‫ِ‬
‫األلفاظ‬ ‫عارف يأيت فيه ما يأيت يف‬ ‫ٍ‬ ‫نعم لو صدر من‬
‫َّ‬
‫الشيخ زين ابن نجيم ‪ ‬ومعارصيه‬‫االنعقاد(‪ )1‬هبا‪ ،‬وهو واهلل أعلم َحم َ ُّل فتوى َّ‬
‫فيقع الدَّ ليل يف حم ِّله حي ٍ‬
‫نئذ‪.‬‬
‫الش ِ‬
‫فإن املُ َ َّ‬
‫رص َح به يف عا ّمة‬ ‫افعية كذلك‪َّ ،‬‬ ‫احلكم عند َّ‬
‫ُ‬ ‫وهلذا الوجه كان‬
‫عامي َ‬
‫إبدال الزاي جي ًام مع ّأّنم أض ّن منّا بألفاظه؛ إذ ال‬ ‫ٍّ‬ ‫كتبِهم أنّه ال َي ُ ُّ‬
‫رض من‬
‫َي ِص ّح عندهم إال بلفظ‪ :‬التزويج واإلنكاح‪ ،‬ومل نر يف مذهبنا ما يوجب املخالفة‬
‫ِ‬
‫حتقيق هذه املسألة يف حاشيتنا « َر ّد املحتار»‪.‬‬ ‫هلم‪ ،‬واهلل أعلم‪ ،‬انتهى‪ ،‬ومتا ُم‬
‫‪.5‬ومنها‪ :‬مسأل ُة‪ :‬بيع الثامر عىل األشجار عند وجود ِ‬
‫بعضها دون بعض‪،‬‬
‫بعض علامئنا للعرف‪.‬‬
‫فقد أجازه ُ‬
‫الربهانية»يف (الفصل السادس من البيع)‪« :‬وإذا‬
‫قال يف «الذخرية ُ‬
‫وبعضها قد َخ َرج‪ ،‬وب ُ‬
‫عضها مل خيرج‪ ،‬فهل جيوز هذا البيع؟‬ ‫ُ‬ ‫اشرتى ثامر بستان‬
‫جيوزه‪.‬‬
‫ظاهر املذهب أنه ال ّ‬

‫(‪ )1‬يف األصل‪ :‬واالنعقاد‪.‬‬


‫‪ 146‬ــــــــــــــــــــــــــ التعليقات العرفية عىل نرش العرف يف بناء بعض األحكام عىل العرف‬
‫ِ‬
‫بجوازه يف الثامر والباذنجان‬ ‫شمس األئمة احلَ َلواين ‪ ‬يفتي‬
‫ُ‬ ‫وكان‬
‫روي عن أصحابنا‪ ،‬وهكذا ُحكِ َي عن‬
‫والبطيخ وغري ذلك‪ ،‬وكان يزعم أنه َم ٌّ‬
‫َّ‬
‫الشيخ اإلمام اجلليل أيب بكر حممد بن الفضل ‪ :‬أنه كان ُيفتي بجوازه‪،‬‬
‫ث بعد ذلك تبع ًا؛‬
‫حيدُ ُ‬ ‫وكان يقول‪ :‬أجعل املوجود أص ً‬
‫ال يف هذا العقد وما َ ْ‬
‫األكثر‬
‫ُ‬ ‫جي َع ُل‬
‫تابع لألكثر‪ ،‬وال ُ ْ‬ ‫ألن َّ‬
‫األقل ٌ‬ ‫اخلارج أكثر؛ ّ‬
‫ُ‬ ‫وهلذا ُيشرتط أن يكون‬
‫ّ‬
‫لألقل‪.‬‬ ‫تابع ًا‬

‫وقد ُر ِوي عن ّ‬
‫حممد ‪ ‬يف بيع الورد عىل األشجار أنّه جيوز‪ ،‬ومعلو ٌم‬
‫أن الور َد ال خيرج مجل ًة‪ ،‬ولكن يتالحق البعض بالبعض‪.‬‬
‫ّ‬
‫ِ‬
‫حيح عندي أنّه ال جيوز هذا‬ ‫والص ُ‬ ‫َّ‬ ‫يس ‪:‬‬ ‫الرس ْخ ُّ‬
‫شمس األئمة َّ َ‬
‫ُ‬ ‫قال‬
‫الرضورة‪ ،‬وال رضورة‬ ‫املصري إىل هذا الطريق إنّام يكون عند حت ُّق ِق َّ‬
‫َ‬ ‫البيع؛ ّ‬
‫ألن‬
‫أصول هذه األشياء مع ما فيها من ال َّثمرة‪ ،‬وما‬ ‫َ‬ ‫يبيع‬
‫ها هنا؛ ألنه ُيمكنُه أن َ‬
‫َص ال ُقدُ ُّ‬
‫وري ‪.‬‬ ‫ُيتَو َّلدُ بعد ذلك َ ْ‬
‫حيدُ ُ‬
‫ث عىل ملك املشرتي‪ ،‬وعىل هذا ن َّ‬
‫الثامر‬
‫َ‬ ‫بيع األشجار‪ ،‬فاملشرتي يشرتي‬ ‫البائع ال ُيعج ُبه ُ‬ ‫ُ‬ ‫فإن كان‬
‫من ويؤخر العقد يف الباقي إىل ِ‬
‫وقت وجوده‪ ،‬أو يشرتي‬ ‫ببعض ال َّث ِ ُ‬
‫ِ‬ ‫املوجود َة‬
‫ث‪ ،‬فيحصل مقصو َدمها‬‫حيدُ ُ‬
‫النتفاع بام َ ْ‬
‫َ‬ ‫البائع ا‬
‫ُ‬ ‫وحيِ ُّل له‬
‫املوجود بجميع الثمن ُ‬
‫هبذا ال َّطريق‪ ،‬وال رضورة إىل جتويز العقد يف املعدوم»‪ ،‬انتهى(‪.)1‬‬

‫(‪ )1‬من املحيط الربهاين‪.334 :6‬‬


‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪147‬‬
‫شمس األئمة نقل عن‬
‫َ‬ ‫وذكر حاصل ذلك يف «البحر»‪« :‬وذكر ّ‬
‫أن‬
‫الفضيل ‪ ‬ما َم ّر ومل ُيق ِّيدُ ه عنه بكون املوجود وقت العقد أكثر‪ ،‬بل‬
‫ّ‬ ‫اإلمام‬
‫ال يف العقد‪ ،‬وما حيدث بعد ذلك تبع ًا‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫قال عنه‪ :‬أجعل املوجو َد أص ً‬
‫الصفة‪ ،‬وِلم‬
‫استحسن فيه؛ لتعامل الناس‪ ،‬فإّنم تعاملوا بيع ثامر الكرم هبذه ِّ‬
‫ِ‬
‫عاداِتم حرج»‪ ،‬انتهى(‪.)1‬‬ ‫يف ذلك عادة ظاهرة‪ ،‬ويف نزع الناس عن‬

‫الرس ْخ ُّ‬
‫يس‪ ،‬وهو ظاهر‬ ‫األصح ما ذهب إليه َّ َ‬
‫َّ‬ ‫ثم َذك ََر عن «املعراج»‪ّ :‬‬
‫أن‬ ‫ّ‬
‫الرس ْخ ِّ‬
‫يس من‬ ‫املذهب من عدم اجلواز يف املعدوم‪ :‬أي بناء عىل ما َم ّر عن َّ َ‬
‫الرضورة؛ إلمكان التَّخلص عن ذلك‪.‬‬
‫عدم َّ‬
‫ِ‬
‫اجلهل عىل عا ّمة‬ ‫ِ‬
‫لغلبة‬ ‫أقول‪ :‬ال َش ّك يف َ َحت ُّق ِق َّ‬
‫الرضورة يف زماننا؛‬
‫الباعة‪ ،‬فإنّك ال تكاد جتد واحد ًا منهم يعلم هذه احليلة؛ ليتخلص هبا عن‬ ‫ِ‬

‫تعليمهم ذلك؛ لعدم ضبطهم‪ ،‬ولو علموا ذلك‬


‫َ‬ ‫هذه الغائلة‪ ،‬وال ُيمكن العامل‬
‫ال يعملون إال بام َألفوا واعتادوا وتلقوه جي ً‬
‫ال عن جيل‪.‬‬
‫الفضيل ‪ ‬يف قوله‪ :‬وهلم يف ذلك عاد ٌة ظاهرة‪ ،‬ويف‬
‫ُّ‬ ‫ولقد صدق اإلما ُم‬
‫حرج‪ ،‬فهو َن َظ َر إىل أن ذلك ُ‬
‫غري ممكن عادة فأثبت‬ ‫ٌ‬ ‫نزع النَّاس عن عاداهتم‬
‫ِ‬
‫يس ‪ ‬نظر إىل أنّه ممك ٌن عق ً‬
‫ال بام ذكره من احليلة ‪،‬‬ ‫الرس ْخ ُّ‬
‫الرضورة‪ ،‬واإلما ُم َّ َ‬
‫َّ‬
‫الرضورة‪.‬‬
‫فنفى َّ‬

‫(‪ )1‬من البحر الرائق‪.325 :5‬‬


‫‪ 148‬ــــــــــــــــــــــــــ التعليقات العرفية عىل نرش العرف يف بناء بعض األحكام عىل العرف‬

‫ذكره‬‫املستحيل العادي ال حكم له وإن َأ ْم َك َن عقالً‪ ،‬وفيام َ‬


‫َ‬ ‫خي َفى ّ‬
‫أن‬ ‫وال َ ْ‬
‫ِّ‬
‫وحل‬ ‫صحة بيعهم‬ ‫َّاس ورمح ًة هبم من حيث ّ‬ ‫تيسري عىل الن ِ‬
‫ٌ‬ ‫الفضيل‬
‫ُّ‬ ‫اإلما ُم‬
‫أكلهم ال ِّثامر واخلرضاوات‪ ،‬وتناوهلم أثامن ذلك‪.‬‬
‫الرض ِ‬
‫ورة‬ ‫نعم َمن كان عامل ًا باحلكم ال َحيِ ُّل له مبارش ُة هذا العقد؛ لعد ِم َّ‬
‫يف ح ِّقه‪ ،‬تأ َّمل(‪.)1‬‬
‫بيع ال ِّثامر عىل األشجار إنّام‬ ‫ِ‬
‫رصحوا بأن َ‬ ‫لكن َبقي يش ٌء آخر‪ ،‬وهو ّأّنم َ َّ‬
‫ِ‬
‫برشط القطع‪.‬‬ ‫َي ِص ُّح إذا رشاها مطلق ًا أو‬
‫ٌ‬
‫رشط ال يقتضيه البيع‪،‬‬ ‫الرتك عىل األشجار فال َي ِص ّح؛ ألنّه‬ ‫ِ‬
‫برشط َّ‬ ‫َأ ّما‬
‫وفيه ألحد املتعاقدين منفعة‪ ،‬وهي زياد ُة النَّمو والنُّضج(‪.)2‬‬

‫(‪ )1‬إن تأملنا نجد أن هذا التَّفريق ال معنى له‪ ،‬فينبغي للحكم أن يثبت يف ح ِّقهم مجيع ًا‪،‬‬
‫سواء كان يعلم أو ال يعلم؛ ألنّه هذا التفريق يدعو إىل تقديم اجلهل باألحكام عىل‬
‫تعلمها؛ ألّنا تكون حالالً َملن جهلها مع إمكانية التَّع ُّلم له‪ ،‬وحرم ُتها عىل َمن تعلمها‪،‬‬
‫فيكون بذلك تفضيل للجهل عىل العلم‪ ،‬ودعوة إىل عدم التَّع ُّلم؛ لكيال نقع يف احلرام‪،‬‬
‫وهذا بعيدٌ جد ًا‪.‬‬
‫(‪ ) 2‬مثل هذا الرشط يفسد العقد؛ ملا فيه من ربا ونزاع بني املتعاقدين؛ ألنه يشتمل عىل‬
‫منفعة زائدة ألحد العاقدين بال عوض‪ ،‬ومثل هذا الفضل يكون ربا‪ ،‬ولوجود عقد‬
‫ورشط فيه مما يوجب النزاع‪ ،‬فإن كان يف ذلك عرف شائع انتفى معنى الفساد املوجود‬
‫يف العقد؛ ألن العرف يمنع من وجود منفعة ألحدمها بدون مقابل فانتفى الربا‪ ،‬وظهور‬
‫العرف يف العقد والرشط يمنع التنازع؛ لوجود ما يمكن هلم أن حيتكموا له‪ ،‬فام قرره‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪149‬‬
‫معروف‬
‫ٌ‬ ‫الرتك؛ ألنّه‬
‫الزمان وإن مل يشرتطوا َّ‬ ‫خي َفى َّأّنم يف هذا َّ‬
‫وال َ ْ‬
‫املعروف ُعرف ًا كاملرشوط رشط ًا‪ ،‬ولو علم املشرتي ّ‬
‫أن‬ ‫َ‬ ‫عندهم‪ ،‬وقد قالوا‪ّ :‬‬
‫إن‬
‫البائع يأمره بالقطع مل يرض برشائه بعرش ال َّثمن‪.‬‬
‫َ‬
‫وأيض ًا‪ :‬يشرتون البطيخ‪ ،‬واخليار‪ ،‬والباذنجان‪ ،‬ونحوها من‬
‫متفرقات‬
‫البائع َم ّرات ِّ‬
‫ُ‬ ‫اخلرضاوات برشط إبقائها رصحي ًا‪ ،‬وبرشط أن يسق َيها‬
‫معدودة حتى تنمو ويظهر ما مل يكن منها ظاهر ًا ومل أر [من] َ َّ‬
‫رصح بجواز‬
‫ذلك بنا ًء عىل العرف‪ ،‬وينبغي جوازه بنا ًء عىل ما َم ّر‪ ،‬فإنّه حيث جاز للعرف‬
‫البيع مع هذا الرشط باألوىل‪،‬‬ ‫بيع املعدوم مع أن بي َعه ٌ‬
‫باطل ال فاسد‪ ،‬فيجوز ُ‬ ‫ُ‬
‫ألين مل َأر َمن َ َّ‬
‫رص َح‬ ‫فإين ال أجزم بام قل ُته؛ ّ‬
‫فتأ ّمل ذلك‪ ،‬واعمل بام يظهر لك ّ‬
‫والفكر َخ َّوان‪.‬‬
‫ُ‬ ‫به‪،‬‬
‫ِ‬
‫للظرف َأرطاالً‬ ‫ويطرح‬ ‫بيع املظروف كزيت مث ً‬
‫ال عىل أن يزنَه‬
‫َ‬ ‫‪.6‬ومنها‪ُ :‬‬
‫ألن مقتىض العقد طرح مقدار وزنه‪ ،‬لكنّه قد‬ ‫رشط فاسد؛ ّ‬ ‫ٌ‬ ‫معلومة‪ ،‬فإنّه‬
‫تأنس له بام ذكروا يف املتون أنه َي ِص ُّح‬ ‫تعار ُفه الن ُ‬
‫َّاس يف عا ّمة البلدان‪ ،‬وقد ُي ْس ُ‬
‫حيذوه ويرشكَه‪.‬‬
‫بيع نعل عىل أن َ‬ ‫ُ‬

‫ابن عابدين هنا هو ما يقتضيه القياس‪ ،‬وأما االستحسان فيقتيض اجلواز بعد شيوع‬
‫العقد وانتشاره‪.‬‬
‫‪ 150‬ــــــــــــــــــــــــــ التعليقات العرفية عىل نرش العرف يف بناء بعض األحكام عىل العرف‬

‫والقياس فسا ُده؛ ملا فيه من النَّف ِع للمشرتي مع كون‬


‫ُ‬ ‫قال يف «البحر»‪:‬‬
‫العقد ال يقتضيه‪ ،‬وما ذكره يف املتن(‪ )1‬جواب االستحسان للتَّعامل‪ ،‬ويف‬
‫ِ‬
‫خياطة ال َّث ِ‬
‫وب؛ لعدم العادة‪،‬‬ ‫ني‪ ،‬بخالف اشرتاط‬ ‫حرج َب ِّ ٌ‬ ‫اخلروج عن العادة‬
‫ٌ‬
‫ِ‬
‫كترشيك النَّعل‪ ،‬كام يف «فتح‬ ‫وتسمري ال ُقبقاب‬ ‫فبقي عىل أصل القياس‪،‬‬
‫ُ‬
‫القدير»(‪.)2‬‬
‫وخيرزه‬
‫َ‬ ‫البائع‬
‫ُ‬ ‫ويف «ال َب َّزاز ّية»‪ :‬اشرتى ثوب ًا أو ُخ ّف ًا َخ َلق ًا عىل أن يرق َعه‬
‫ذوه‪ :‬يقطعه‪ ،‬انتهى ما يف «البحر»(‪.)3‬‬ ‫و ُي َس ِّل َمه َص َّح للعرف‪ ،‬ومعنى َ ْ‬
‫حي َ‬
‫كل رشط ال يقتضيه العقد‬ ‫ٍ‬
‫برشط أنّه‪ُّ « :‬‬ ‫ِ‬
‫فساد البي ِع‬ ‫ِ‬
‫ضابط‬ ‫وذكر قبله يف‬
‫وال يالئمه‪ ،‬وفيه منفع ٌة ألحد العاقدين أو للمعقود عليه‪ ،‬وهو من أهل‬
‫الرشع بجوازه‪.‬‬ ‫االستحقاق ومل ِ‬
‫جير العرف به‪ ،‬ومل يرد َّ‬
‫الرشط مفسد ًا للبيع من هذه َّ‬
‫الرشائط اخلمسة‪:‬‬ ‫قال‪ :‬فال بدّ يف كون َّ‬
‫حيبس املبيع إىل‬
‫الرشط يقتضيه العقد ال يفسد‪ :‬كرشط أن َ‬
‫‪.1‬فإن كان َّ‬
‫قبض الثمن ونحوه‪.‬‬
‫تصحيحه رشع ًا‪ ،‬فال َم َر َّد له‪ :‬كرشط‬
‫ُ‬ ‫‪.2‬وإن كان ال يقتضيه‪ ،‬لكن َث َب َت‬

‫(‪ )1‬وعبارة متن الكنز‪« :‬وصح بيع نعل عىل أن حيذوه‪ ،‬ويرشكه‪ ،‬والقياس فساده»‪.‬‬
‫(‪ )2‬وعبارة فتح القدير‪« :451 :6‬ويف االستحسان‪ :‬جيوز البيع ويلزم الرشط للتعامل‬
‫كذلك‪ ،‬ومثله يف ديارنا رشاء القبقاب عىل هذا الوجه‪ :‬أي عىل أن ُيسمر له سري ًا»‪.‬‬
‫(‪ )3‬البحر الرائق‪.95 :6‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪151‬‬
‫الس َلم‪ ،‬ورشط اخليار ال ُيفسده‪.‬‬
‫األجل يف الثمن‪ ،‬ويف املبيع َّ‬
‫البائع أو ُيرشكَها‪ ،‬فهو‬
‫ُ‬ ‫ذوها‬ ‫‪.3‬وإن كان ُمتعارف ًا‪ :‬كرش ِاء ٍ‬
‫نعل عىل أن َحي َ‬
‫جائز‪ ...‬الخ»‪ ،‬انتهى(‪.)1‬‬
‫فقد جعل الشط املتعارف كالشط الثابت تصحيحه رشع ًا‪ ،‬وعلل‬
‫املسألة يف «الذخرية»(‪ )2‬بقوله‪« :‬ألن التعارف والتعامل حجة ي ْْتك به القياس‪،‬‬
‫وُي ُّص به األثر»‪ ،‬انتهى‪.‬‬
‫بيع املظروف‪ ،‬وكذا مسأل ُة بيع ال ِّثامر؛‬ ‫ِ‬
‫و ُمقتىض هذا اجلواز يف املسألة ُ‬
‫تعامل عا ّم ِة النَّاس يف عا ّمة ال ُبلدان أكثر من تعاملهم بيع النَّعل‬
‫ُ‬ ‫ٌ‬
‫رشط فيه‬ ‫ألنّه‬
‫حيذوها‪ ،‬ومن تعامل بيع ال َّثوب عىل أن يرق َعه‪ ،‬بل ما سمعنا بذلك يف‬ ‫عىل أن َ‬
‫يثبت به تَعامل‪ ،‬وكأنّه كان يف زمن‬
‫نادرة ال ُ‬ ‫ٍ‬ ‫َزماننا‪ ،‬وإن و َقع فهو من َأ ٍ‬
‫فراد‬ ‫َ َ‬
‫ِ‬
‫بعض البالد‪.‬‬ ‫السلف أو يف‬
‫َّ‬
‫مستفيض‪ ،‬وكثري ًا ما يكون فيه رضورة‪ّ ،‬‬
‫فإن‬ ‫ٌ‬ ‫شائع‬
‫ٌ‬ ‫بيع املظروف فهو‬
‫أ ّما ُ‬
‫باع معه‪،‬‬
‫إخراجها من ظرفها‪ ،‬بل ُت ُ‬
‫ُ‬ ‫كثري ًا من املبيعات املظروفة ال ُيمكن‬

‫(‪ )1‬من البحر الرائق‪.92 :6‬‬


‫الرش ُط رشط ًا يالئم العقد إال ّ‬
‫أن‬ ‫(‪ )2‬وعبارته يف املحيط الربهاين‪« :391 :6‬وإن كان ُّ‬
‫متعارف‪ ،‬كام إذا‬
‫ٌ‬ ‫الرشع بجوازه‪ ،‬ولكنه‬
‫الرشع ورد بجوازه كاخليار واألجل‪ ،‬أو مل يرد َّ‬
‫َّ‬
‫ال ورشاك ًا عىل أن حيذوه البائع جاز البيع‪ ،‬وإن كان القياس يأبى جوازه؛ ألن‬
‫اشرتى نع ً‬
‫التَّعارف والتَّعامل حجة يرتك به القياس‪ ،‬وخيص به األثر»‪.‬‬
‫‪ 152‬ــــــــــــــــــــــــــ التعليقات العرفية عىل نرش العرف يف بناء بعض األحكام عىل العرف‬

‫مقدار معلو ٌم بني التَّجار‪ ،‬أو بني املتعاقدين ال حيصل فيه‬ ‫وي ْطرح لل َّظ ِ‬
‫رف‬
‫ٌ‬ ‫ُ َ ُ‬
‫ٍ‬
‫كثري‪ ،‬وال يؤ ِّدي إىل منازعة إال نادر ًا‪ ،‬والن ُ‬
‫َّادر ال حكم له‪.‬‬ ‫تفاوت ٌ‬
‫ٌ‬

‫ألين مل أر أحد ًا قال به‪ ،‬بل املُ َ َّ‬


‫رص ُح به يف‬ ‫وهذا أيض ًا لست أجزم به؛ ّ‬
‫عا ّمة الكتب القديمة واحلديثة خالفه‪ ،‬وال يطمئن القلب إىل العمل بام مل‬
‫عظيم‪ ،‬ولكن‬‫ٌ‬ ‫تيسري‬
‫ٌ‬ ‫رصح أحدٌ به‪ ،‬نعم ما ذكرته من َّ‬
‫الشواهد ُيؤ ِّيدُ ه‪ ،‬وفيه‬ ‫ُي ِّ‬
‫بالربا‪،‬‬ ‫ِ‬
‫هذا بالنَّسبة إىل بيع النَّاس فيام بينهم؛ لئال نحكم بفساد بيعهم وإحلاقه َّ‬
‫ِ‬
‫أفعال عوا ِم‬ ‫أ ّما العامل ُ باحلك ِم فال ينبغي له فعل ذلك‪ ،‬بل عليه الت َُّّنزه عن‬
‫النَّاس واتّباع ما قاله الفقهاء؛ إذ ال رضورة إىل العدول عنه بالنَّسبة إليه‬
‫بخالفه بالنسبة إىل عا ّمة الناس(‪ ،)1‬واهلل تعاىل أعلم‪.‬‬
‫أهل زماننا من ِ‬
‫أخذ عرش األرايض من‬ ‫‪.7‬ومنها‪ :‬ما تعارف عليه ُ‬
‫ال بقول اإلمامني‪ ،‬وقال أبو حنيفة ‪ :‬أنه عىل‬ ‫املؤجر َع َم ً‬
‫ِّ‬ ‫املستأجر دون‬
‫املؤجر‪ ،‬واقترص عليه يف اخلَ َّصاف(‪ )2‬و«اإلسعاف»(‪ ،)1‬وقدَّ مه قايض خان ‪،‬‬
‫ِّ‬

‫(‪ )1‬وسبق تقرير أن هذا الفرق بني العامل والعامي حمل نظر؛ ألن احلكم متى تقرر ثبت‬
‫يف حق الكل‪ ،‬واهلل أعلم‪.‬‬
‫اخلصاف‬
‫اين اخلَ َّصاف‪ ،‬أبو بكر‪ ،‬قال احللواين‪َّ :‬‬ ‫(‪ )2‬وهو أمحد بن عمرو بن ُم َهري َّ‬
‫الش ْي َب ّ‬
‫يصح االقتداء به‪ ،‬من مؤلفاته‪« :‬احليل»‪ ،‬و«الوصايا»‪،‬‬
‫ُّ‬ ‫كبري يف العلم‪ ،‬وهو ممَّن‬
‫رجل ٌ‬
‫و«الرشوط الكبري»‪( ،‬ت‪261‬هـ)‪ .‬ينظر‪ :‬اجلواهر‪ ،232-230 :1‬وسري أعالم النبالء‬
‫‪.123 :13‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪153‬‬
‫َّ‬
‫والشيخ‬ ‫ميل‬ ‫كالشيخ ِ‬‫َّ‬ ‫وبه أفتى مجاع ٌة من متأخري احلنفية‬
‫الر ّ‬
‫خري الدين َّ‬
‫احلصكفي(‪ )2‬ـ‬
‫ّ‬ ‫إسامعيل احلايك ـ مفتي دمشق‪ ،‬تلميذ َّ‬
‫الشيخ عالء الدين‬
‫السلطنة املحمية‪،‬‬ ‫َّ‬
‫والشيخ زكريا أفندي وعطاء اهلل أفندي ـ املفتيني يف دار َّ‬
‫العامدي(‪.)3‬‬
‫ّ‬ ‫وتبعهم مفتي دمشق حامد أفندي‬
‫وتكر َر السؤال عنها‪ ،‬وملت‬
‫َّ‬ ‫أقول‪ :‬وقد وقعت هذه احلادثة يف زماننا‪،‬‬
‫مصح ٌح أيض ًا‪ ،‬فقد قال يف «الدر‬
‫َّ‬ ‫فيها إىل اجلواب بقول اإلمامني؛ ألنه ٌ‬
‫قول‬

‫(‪ )1‬إلبراهيم بن موسى بن أيب بكر بن عيل الطرابليس‪ ،‬برهان الدين‪ ،‬نزيل القاهرة‪،‬‬
‫له‪« :‬مواهب الرمحن يف مذهب النعامن»‪ ،‬قال‪ :‬وقد صنفت هذا الكتاب عىل نحو‬
‫سامه «الربهان»‪،‬‬
‫القاعدة التي اخرتعها صاحب «جممع البحرين»‪ .‬وله رشح عليه َّ‬
‫وله‪« :‬اإلسعاف يف حكم األوقاف»‪922-853( ،‬هـ)‪ .‬ينظر‪ :‬النور السافرص‪،104‬‬
‫والكشف‪.1895 :2‬‬
‫حلن َِفي‪ ،‬عالء الدين‪ ،‬قال املحبي‪:‬‬ ‫ِ‬
‫حل ْص َكفي ا َ‬
‫ِ‬
‫(‪ )2‬وهو حممد بن عيل بن حممد احل ْصني ا َ‬
‫مفتي احلنفية بدمشق‪ ،‬وصاحب التصانيف الفائقة يف الفقه وغريه‪ ،‬من مؤ َّلفاته‪« :‬الدر‬
‫املختار رشح تنوير األبصار»‪ ،‬و«خزائن األرسار رشح تنوير األبصار»‪ ،‬و«الدر املنتفى‬
‫رشح ملتقى األبحر»‪( ،‬ت‪1088‬هـ)‪ .‬ينظر‪ :‬خالصة األثر‪ ،65-63 :4‬وطرب‬
‫األماثل ص‪.566-564‬‬
‫(‪ )3‬وهو حامد أفندي بن عيل بن إبراهيم العامدي الدمشقي احلنفي‪ ،‬مفتي دمشق‪ ،‬كان‬
‫ال مهذب ًا‪ ،‬من مؤلفاته‪« :‬الفتاوى العامدية‬
‫عامل ًا حمقق ًا فقيه ًا أديب ًا شاعر ًا نبيه ًا كام ً‬
‫وسامها‪« :‬مغني املفتي عن جواب املستفتي»‪1171-1103( ،‬هـ)‪ .‬ينظر‪:‬‬
‫احلامدية» َّ‬
‫األعالم‪ ،166 :2‬و إيضاح املكنون‪.156 :2‬‬
‫‪ 154‬ــــــــــــــــــــــــــ التعليقات العرفية عىل نرش العرف يف بناء بعض األحكام عىل العرف‬

‫قول اإلمام‬ ‫ِ‬


‫وبقوهلام نأخذ؛ وألنه يلزم عىل ِ‬ ‫املختار» عن «احلاوي القديس»‪:‬‬
‫يف زماننا حصول رضر عظيم عىل ِ‬
‫جهة األوقاف وغريها ال يقول به أحدٌ ‪.‬‬
‫والزعامء الذين هم‬ ‫وذلك أنه جرت العادة يف زماننا ّ‬
‫أن أصحاب التّيامر ُّ‬
‫واخلراج من‬
‫َ‬ ‫العرش‬
‫َ‬ ‫السلطان ـ نرصه اهلل تعاىل ـ يأخذون‬
‫وكالء موالنا ُّ‬
‫املستأجرين‪.‬‬
‫السياسة يأخذون الغرامات الواردة‬ ‫وكذا َجرت العادة أيض ًا‪ّ :‬‬
‫أن ُحكّا َم ِّ‬
‫عىل األرايض من املستأجرين أيض ًا‪ ،‬وغالب ال ُقرى واملزارع أوقاف‪،‬‬
‫ٍ‬
‫يسرية جد ًا‪ ،‬فقد‬ ‫واملستأجر بسبب ما ذكرناه ال يستأجر األرض إالّ ُبأجرة‬
‫ُ‬
‫تكون قري ًة كبري ًة ُأجرة مثلها َأكثر من ألف درهم فيستأجرها بنحو عرشين‬
‫درمه ًا ملا يأخذه منه ُحكّام ِّ‬
‫السياسة من الغرامات الكثرية؛ وملا يأخذه منه‬
‫أصحاب التَّيامر‪.‬‬
‫ٍ‬
‫ألحد أن ُيفتي‬ ‫املتويل هذه القرية بعرشين درمه ًا‪ ،‬فهل يسوغ‬
‫ِّ‬ ‫فإذا آجر‬
‫ِّ‬
‫املتويل؟‬ ‫صاحب العرش بأخذ عرش ما خيرج من مجيع القرية من‬
‫ال عن إما ِم األئمة ومصباح األ ّمة أيب‬
‫هذا يش ٌء ال يقول به أحدٌ فض ً‬
‫ننظر إىل ُأجرة مثل هذه القرية‪ ،‬فإنّه‬ ‫ٍ‬
‫الواجب حينئذ أن َ‬
‫ُ‬ ‫حنيفة النُّعامن ‪ ،‬بل‬
‫ّ‬
‫املتويل يدفع عرشها للعرش تبلغ أجرة مثلها مخسمئة مثالً‪ ،‬وإذا كان‬ ‫إذا كان‬
‫الذي يدفع عرشها هو املستأجر تبلغ ُأجرة مثلها عرشين درمه ًا مثالً‪.‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪155‬‬
‫ٍ‬
‫فحينئذ ُنفتي بقول‬ ‫املتويل أن يؤجرها باألُجرة الوافرة‪،‬‬
‫ِّ‬ ‫فإذا أمكن‬
‫اإلمام‪ ،‬وإذا كان ال ُيمكنه ذلك‪ ،‬بأن كان ال يرىض أحدٌ أن يستأجرها إال‬
‫يتعني اإلفتاء بقول‬ ‫ٍ‬
‫باألجرة القليلة جلريان العادة بأخذ العرش منه‪ ،‬فحينئذ ّ‬
‫اإلمامني‪.‬‬
‫ٍ‬
‫ألحد فيه خالف‪ ،‬وأ ّما فساد اإلجارة‬ ‫اإلنصاف الذي ال يتأتى‬
‫ُ‬ ‫هذا هو‬
‫باشرتاط ال ُعرش واخلراج عىل املستأجر بناء عىل قول اإلمام‪ ،‬فهذا يش ٌء آخر‪،‬‬
‫وإذا كان ذلك عىل املستأجر عىل قوهلام ال يكون اشرتاطه مفسد ًا؛ ألنّه ممَّا‬
‫يقتضيه عقد اإلجارة عىل ِ‬
‫قوهلام‪ ،‬واهلل تعاىل أعلم‪.‬‬
‫ٍ‬
‫بتولية أو‬ ‫السلطان‬ ‫ِ‬ ‫ِّ‬ ‫ُ‬
‫بعض املواضع ككتاب ُّ‬ ‫باخلط يف‬ ‫العمل‬ ‫‪.8‬ومنها‪:‬‬
‫نحومها‪ ،‬وما يكتبه التَّاجر عىل ِ‬
‫نفسه يف ِ‬
‫دفرته‪ ،‬قال يف «األشباه» يف‬ ‫ٍ‬
‫عزل أو ِ‬
‫ِ‬
‫بمكتوب‬ ‫اخلط وال ُيعمل به‪ ،‬فال ُي ُ‬
‫عمل‬ ‫ِّ‬ ‫ّأول (كتاب القضاء)‪ :‬ال يعتمد عىل‬
‫ألن القايض ال يقيض إال‬‫الوقف الذي عليه خطوط القضاة املاضيني؛ ّ‬ ‫ِ‬

‫النكول‪ ،‬كام يف (وقف)«اخلانية» إالّ يف‬


‫ُ‬ ‫اإلقرار أو‬
‫ُ‬ ‫باحلجة‪ ،‬وهي ال َب ِّين ُة أو‬
‫ّ‬
‫مسألتني‪:‬‬
‫األوىل‪ :‬كتاب أهل احلرب بطلب األمان إىل اإلمام‪ ،‬فإنّه ُيعمل به‪،‬‬
‫ويثبت األمان حلاملِه‪ ،‬كام يف (سري)«اخلانية»‪.‬‬
‫ِ‬
‫بالوظائف يف زماننا إن كانت الع ّل ُة‬ ‫السلطان ّية‬
‫و ُيمكن إحلاق الرباءات ُّ‬
‫‪ 156‬ــــــــــــــــــــــــــ التعليقات العرفية عىل نرش العرف يف بناء بعض األحكام عىل العرف‬
‫ِ‬
‫حلقن الدَّ م فال‪.‬‬ ‫أنّه ال ُيزور(‪ ،)1‬وإن كانت الع ّل ُة االحتياط يف األمان‬
‫والرصاف والب ّياع‪ ،‬كام يف (قضاء)‬
‫َّ‬ ‫السمسار‬ ‫الثانية‪ :‬أنّه ُي ُ‬
‫عمل بدفرت ِّ‬
‫رطويس(‪ّ  )2‬‬
‫بأن مشاخينا َر ُّدوا عىل اإلمام مالك ‪ ‬يف‬ ‫ُّ‬ ‫«اخلانية»‪ ،‬و َت َع َّق َبه ال َّط‬
‫اخلط‪ ،‬فكيف عملوا به هنا‪.‬‬ ‫اخلط ُيشبه ّ‬
‫باخلط؛ لكون ِّ‬ ‫ّ‬ ‫عملِه‬
‫ور ّده اب ُن َوهبان(‪  )3‬بأنّه ال يكتب يف دفرته إال ما له وعليه‪ ،‬ومتا ُمه فيه‬
‫من (الشهادات)‪ ،‬انتهى‪.‬‬

‫(‪ ) 1‬قال العالمة البريي‪ :‬والظاهر هذا ويشهد له ما يف الزكاة إذا قال‪ :‬أعطيتها وأظهر‬
‫الرباءة جيوز العمل به‪ ،‬وع َّلل بأن االحتيال يف اخلط نادر كام يف «املصفى»‪ ،‬اهـ‪ ،‬قال ابن‬
‫بالطرة‬
‫ّ‬ ‫عابدين‪ :‬وهذا يؤيد ما ذكره الشارح يف رسالة عملها يف الدفرت اخلاقاين املعنون‬
‫السلطانية املأمونة من التَّزوير إىل أن قال‪ :‬فلو وجد يف الدَّ فاتر ّ‬
‫أن املكان الفالين ُوقف‬ ‫ُّ‬
‫عىل املدرسة الفالنية مثالً‪ُ ،‬يعمل به من غري ب ّينة‪ ،‬قال‪ :‬وبذلك ُيفتي مشايخ اإلسالم كام‬
‫مرصح به يف هبجة عبد اهلل أفندي وغريها‪ ،‬اهـ‪ ،‬لكن أفتى يف «اخلريية»‪ :‬بأنّه ال يثبت‬
‫هو َّ‬
‫ّ‬
‫اخلط فتأ ّمل‪ ،‬كام يف رد‬ ‫السلطاين؛ لعدم االعتامد عىل‬
‫الوقف بمجرد وجوده يف الدّ فرت ُّ‬
‫املحتار‪.414 :4‬‬
‫(‪ )2‬وهو إبراهيم بن عيل بن أمحد الطرسويس‪ ،‬نجم الدين‪ ،‬ومن مؤلفاته‪« :‬اإلشارات‬
‫يف ضبط املشكالت» و«اإلعالم يف مصطلح الشهود واحلكام» و«االختالفات الواقعة‬
‫يف املصنفات» و«أنفع الوسائل» يعرف بالفتاوي الطرسوسية‪ 758 - 721( ،‬هـ)‪.‬‬
‫ينظر‪ :‬األعالم‪.51 :1‬‬
‫حلن َِفي‪ ،‬أمني الدين‪ ،‬له‪:‬‬ ‫ِ‬
‫(‪ )3‬وهو عبد الوهاب بن أمحد بن َو ْه َبان احلارثي الدِّ َم ْشق ّي ا َ‬
‫الرشائد ونظم الفرائد» الرشح والنظم له‪ ،‬و«رشح درر‬
‫«عقد القالئد يف حل قيد َّ‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪157‬‬
‫أقول‪ :‬قد كنت َح َّررت هذه املسألة يف كتايب «تنقيح الفتاوى احلامدية»‬
‫والس ْمسار وال َب ّياع‪َ ،‬ذك ََره يف «اخلانية»‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ِّ‬ ‫بأن ما ُذكر من مسألة َّ ّ‬
‫الرصاف‬ ‫ّ‬
‫و«ال َب ّزازية»‪ ،‬وجزم به يف «البحر»‪ ،‬وكذا يف «الوهابية»‪ ،‬وح َّققه اب ُن‬
‫الرشنبال ُّيل يف رشحها‪ ،‬و َأفتى به صاحب «التَّنوير»‪ ،‬ونسبه‬ ‫ّ‬
‫الشحنة ‪ ،‬وكذا ُّ ُ‬
‫(‪)1‬‬

‫العالم ُة البريي ‪ ‬إىل غالب الكتب قال‪ :‬حتى يف «املجتبى» حيث قال‪ :‬وأ ّما‬
‫حج ٌة وإن مل يكن معنون ًا ظاهر ًا بني‬
‫والسمسار فهو ّ‬
‫والرصاف ِّ‬
‫َّ‬ ‫ُّ‬
‫خط ال َب ّياع‬
‫حج ًة للعرف‪،‬‬
‫َّاس فيام بينهم جيب أن يكون ّ‬
‫النَّاس‪ ،‬وكذلك ما َيكتب الن ُ‬
‫انتهى‪.‬‬
‫وخ ُّطه معلو ٌم‬ ‫نفسه ٍ‬
‫بامل معلو ٍم َ‬ ‫اف َكتَب عىل ِ‬ ‫رص ٌ‬
‫َ‬ ‫ويف «خزانة األكمل»‪ّ َ :‬‬
‫يطلب َ‬
‫املال من الورثة‪ ،‬و َع َر َض‬ ‫ُ‬ ‫غريم‬
‫ٌ‬ ‫ثم مات فجاء‬ ‫بني ال ُتجار وأهل البلد‪ّ ،‬‬
‫حيك َُم به يف تركتِه إن ثبت أنّه‬‫َّاس َخ َّطه بذلك‪ْ ُ ،‬‬ ‫َخ َّط امليت بحيث َع َر َ‬
‫ف الن ُ‬
‫حج ًة‪ ،‬انتهى ما يف «البريي»‪.‬‬‫َخ ُّطه‪ ،‬وقد َجرت العاد ُة بني النَّاس بمثله ّ‬
‫العادة ال َّظ ِ‬
‫ِ‬
‫اهرة واجب‪،‬‬ ‫ُث َّم قال بعده قال العالم ُة ال َع ُّ‬
‫يني‪ :‬والبنا ُء عىل‬
‫وجدت يف بادكاري بخطي أو كتبت يف بادكاري‬
‫ُ‬ ‫فعىل هذا إذا قال ال َب َّياع‪:‬‬

‫البحار»‪ ،‬و«امتثال األمر يف قراءة أيب عمرو»‪768 -730( ،‬هـ)‪ .‬ينظر‪ :‬الدّ رر‬
‫الكامنة‪ ،424-423 :2‬والفوائد ص‪.191‬‬
‫رب بن حممد بن حممد احلنفي‪ ،‬املعروف بابن َّ‬
‫الش ْحنَة‪ ،‬أبو الربكات‪،‬‬ ‫(‪ )1‬وهو عبد ال ّ‬
‫رسي الدين‪ ،‬من مؤلفاته‪« :‬الذخائر األرشفية يف ألغاز احلنفية»‪ ،‬و«غريب القرآن»‪،‬‬
‫و«تفصيل عقد الفرائد»‪921-581( ،‬هـ)‪ .‬ينظر‪ :‬األعالم‪ ،47 :4‬والكشف‪.97 :1‬‬
‫‪ 158‬ــــــــــــــــــــــــــ التعليقات العرفية عىل نرش العرف يف بناء بعض األحكام عىل العرف‬

‫ألف درهم كان هذا إقرار ًا ُملزم ًا إ ّياه‪.‬‬


‫عيل َ‬ ‫ٍ‬ ‫بيدي ّ‬
‫أن لفالن َّ‬
‫اخلط‪،‬‬ ‫ِ‬
‫ملجرد ّ‬ ‫ِ‬
‫ملوجب ال ُعرف ال‬ ‫ِ‬
‫احلقيقة إنّام هو‬ ‫َ‬
‫العمل يف‬ ‫قلت‪ :‬و ُيزا ُد ّ‬
‫أن‬
‫واهلل أعلم‪ ،‬انتهى‪.‬‬
‫بني عىل‬ ‫ِ‬
‫وحاصله‪ :‬أن ما مر من قوِلم ال يعتمد عىل اخلط وال يعمل به م ٌّ‬
‫أصل املنقول يف املذهب قبل حدوث العرف‪ ،‬وملا حدث العرف يف االعتامد‬‫ِ‬
‫والعمل به يف ِ‬
‫مثل هذه املواضع أفتوا به‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫عىل ِّ‬
‫اخلط‬
‫البعيل يف «رشحه عىل األشباه» ما‬
‫ّ‬ ‫الشيخ هب ُة اهلل‬
‫ُ‬ ‫وذكر العالم ُة ا ُمل َح ِّق ُق‬
‫نصه‪:‬‬
‫اخلاقاين املعنون بال ُّط ّرة‬
‫ّ‬ ‫السلطان ّية‪ :‬الدفرت‬
‫«تنبي ٌه‪ :‬مثل الرباءات ُّ‬
‫عالء الدين احلصكفي شارح‬ ‫ِ‬ ‫السلطانية فإنّه يعمل به‪ ،‬وللعالمة الشيخ‬
‫«التنوير» و«امللتقى» رسال ٌة يف ذلك حاصلها‪ :‬بعد أن َن َق َل ما هنا من أنه ُي ْع َم ُل‬
‫الرصاف‬ ‫ِ‬ ‫ابن ُّ‬ ‫ِ‬
‫األمان ونقل جزم ِ‬ ‫ِ‬
‫وابن َوهبان بالعمل بدفرت َّ ّ‬ ‫الشحنة‬ ‫بكتاب‬
‫والرس ْخ ُّ‬
‫يس وقايض‬ ‫والسمسار لع ّلة َأ ْم ِن التَّزوير‪ ،‬كام جزم به ال َب َّز ُّ‬
‫ازي َّ َ‬ ‫وال َب َّياع ِّ‬
‫خان‪.‬‬
‫السلطانية َأ ْوىل كام يعرفه من شاهدَ َأحوال‬ ‫وإن هذه الع ّلة يف الدَّ فاتر ُّ‬
‫اجلم‬
‫ثم بعد اتفاق ّ‬ ‫السلطان‪ّ ،‬‬‫أهاليها حني نق َلها؛ إذ ال ُحت َّرر ّأوالً إال بإذن ُّ‬
‫تعرض عىل املُ َع َّني‬
‫ُ‬ ‫ٍ‬
‫نقصان‬ ‫ٍ‬
‫بزيادة أو‬ ‫الغفري عىل نقل ما فيها من غري تساهل‬
‫املتويل حلفظِها ا ُمل َس َّمى بدفرت‬
‫ِّ‬ ‫لذلك‪ ،‬فيضع َخ َّطه عليها‪ ،‬ثم ُت ُ‬
‫عرض عىل‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪159‬‬
‫أصوهلا إىل أمكنتها املحفوظة باخلتم‪ ،‬واألم ُن‬ ‫ُ‬ ‫ثم ُتعاد‬
‫أميني‪ ،‬فيكتب عليها‪ّ ،‬‬
‫مقطوع به‪ ،‬وبذلك ك ّله َي ْع َل ُم مجيع أهل الدَّ ولة والكتبة‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫من التَّزوير‬
‫ِ‬
‫الفالنية مث ً‬
‫ال‬ ‫ِ‬
‫املدرسة‬ ‫وقف عىل‬
‫ٌ‬ ‫الفالين‬ ‫َ‬
‫املكان‬ ‫فلو وجد يف الدَّ فاتر ّ‬
‫أن‬
‫َّ‬
‫ُي ْع َم ُل به من غري ب ّينة‪ ،‬وبذلك ُيفتي مشايخ اإلسالم كام هو ُم َ َّ‬
‫رص ٌح به يف‬
‫«هبجة عبد اهلل أفندي» وغريها فليحفظ‪ ،‬انتهى ما نقلته من رشح َّ‬
‫الشيخ هبة‬
‫عيل‪.‬‬
‫اهلل ال َب ّ‬
‫الش ِ‬
‫بهة ظاهر ًا‪ ،‬وعليه فام يوجد يف دفاتر‬ ‫ِ‬
‫انتفاء ُّ‬ ‫املدار عىل‬ ‫ُ‬
‫فاحلاصل ّ‬
‫أن‬
‫َ‬
‫بخ ِّطه ما عليه يف ِ‬
‫دفرته الذي‬ ‫َب َ‬‫التُّجار يف زماننا إذا مات َأحدُ هم وقد َكت َ‬
‫َي ْق ُر ُب من اليقني أنّه ال يكتب فيه عىل سبيل التَّجربة واهلزل ُيعمل به‪،‬‬
‫ضياع أموال النَّاس؛ إذ غالب‬
‫ُ‬ ‫والعرف ٍ‬
‫جار بينهم بذلك‪ ،‬فلو مل ُيعمل به يلزم‬ ‫ُ‬
‫بياعاهتم بال شهود خصوص ًا ما ُيرسلونه إىل رشكائهم و ُأمنائهم يف البالد؛‬
‫لتعذر اإلشهاد يف مثلِه‪ ،‬فيكتفون باملكتوب يف كتاب أو دفرت‪ ،‬وجيعلونه فيام‬
‫ُّ‬
‫حج ًة عند َحت ُّقق اخلَ ّط أو اخلتم‪.‬‬
‫بينهم ّ‬
‫سمى وصوالً يكتبه َمن له عند آخر أمانة أو‬
‫وينبغي أن يكون مث ُله ما ُي َّ‬
‫ِ‬
‫بختمه املعروف‬ ‫وخيتمه‬ ‫له عليه دين أو نحوه ُي ِق ُّر فيه بوصول ذلك إليه‪،‬‬
‫ُ‬
‫خصوص ًا فيام بني األُمراء واألعيان الذين ال يتمكَّن من اإلشهاد عليهم‪.‬‬
‫لسمسار‬
‫الرصاف والبياع وا ِّ‬
‫وقد علمت أن هذه املسألة أعني مسألة َّ ّ‬
‫خل ّط‪ ،‬وللعرف وللرضورة املذكورة َج َز َم‬ ‫مستثناة من قاعدة‪ :‬أنّه ال ُيعمل با َ‬
‫هبا هؤالء اجلامع ُة املذكورون‪ ،‬وكذا أئم ُة بلخ كام نق َله يف «ال َب َّزازية»‪ ،‬وكفى‬
‫‪ 160‬ــــــــــــــــــــــــــ التعليقات العرفية عىل نرش العرف يف بناء بعض األحكام عىل العرف‬
‫وحينئذ فال ي ِرد أنّه ال َ ِ‬
‫حت ُّل َّ‬ ‫ٍ‬
‫الشهاد ُة‬ ‫َ‬ ‫يس وقايض خان قدوةً‪،‬‬ ‫الرس ْخ ُّ‬
‫باإلمام َّ َ‬
‫خل ِّط عىل ما عليه العا ّمة مع ِّللني بأن الكتاب َة قد تكون للتَّجربة‪ ،‬فإن هذه‬
‫با َ‬
‫الع ّل َة يف مسألتنا ُمنتفي ٌة‪.‬‬
‫ونحوه ُي ْمكِ ُن أن يكون قد دفع املال و َأ ْب َقى الكتاب َة‬
‫َ‬ ‫َّاجر‬ ‫ُ‬
‫واحتامل أن الت َ‬
‫يف دفرته بعيدٌ جدّ ًا‪ ،‬عىل َأ ّن مثل ذلك االحتامل موجو ٌد مع الشهادة‪ ،‬فإنّه‬
‫حيتمل أن يكون َأ ْوىف باملال ومل يعلم به الشهود‪.‬‬
‫خي َفى أنّا حيث َع ِملنا بام يف الدَّ فرت فذاك فيام عليه‪ ،‬كام َيدُ ُّل عليه ما‬
‫ثم ال َ ْ‬
‫ّ‬
‫َقدَّ مناه عن «خزانة األكمل» وغريها‪.‬‬
‫عمل به‪ ،‬وإن أوهم كال ُم ِ‬
‫ابن َوهبان الذي‬ ‫َأ ّما فيام له عىل النّاس فال ُي ُ‬
‫نق َله يف «األشباه» خالفه‪ ،‬فلو ا ّدعى عىل آخر ماالً ُمستند ًا إىل ما يف دفرت نفسه‬
‫ال ُيقبل‪.‬‬
‫لقوة التُّهمة‪ ،‬بخالف ما يكتبه‬ ‫وكذا لو ُو ِجد ذلك يف ِ‬
‫دفرته بعد موته؛ ّ‬
‫عىل ِ‬
‫نفسه؛ إذ ال هتمة فيه‪.‬‬
‫مي‪ ،‬مات‬ ‫رت عند كاتبه َّ‬
‫الذ ّ‬ ‫هذا وقد وقعت يف زماننا حادث ٌة يف تاجر له دف ٌ‬
‫ف عن‬ ‫مي‪ ،‬ف ُك ِش َ‬ ‫بخط كاتبه ِّ‬
‫الذ ّ‬ ‫ٍّ‬ ‫مكتوب‬
‫ٌ‬ ‫التَّاجر فا َّدعى عليه آخر بامل‪ ،‬وأنه‬
‫بعض املفتني بثبوت املال‬ ‫الدَّ فرت فوجد كذلك‪ ،‬وأنكر الورثة املال فأفتى ُ‬
‫خط كافر‪،‬‬‫بخط امليت‪ ،‬بل هو ُّ‬ ‫عليه‪ ،‬والذي ظهر يل عدمه؛ لكون الدَّ فرت ليس ِّ‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪161‬‬
‫مي كت َبه بعد موته‪ ،‬ففيه شبه ٌة‬ ‫أن ِّ‬
‫الذ َّ‬ ‫ولكون الدَّ فرت ليس حتت يده‪ ،‬فيحتمل َّ‬
‫قو ّي ٌة‪ ،‬بخالف ما إذا كان الدَّ فرت بخ ِّطه حمفوظ ًا عنده‪ ،‬واهلل تعاىل أعلم‪.‬‬
‫الرشعية‪ ،‬فقد شاع يف العرف إطالقه‬
‫‪.9‬ومنها‪ :‬قوهلم‪ :‬عىل الفريضة َّ‬
‫حظ األُنثيني‪ ،‬فإذا وقف عىل أوالده وذريته‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫للذكر مثل ّ‬
‫عىل القسمة َّ‬
‫قسم بينهم عىل الفريضة الرشع ّية ُي ْق َس ُم كام قلنا‪.‬‬
‫ُي ُ‬
‫وقع اضطراب يف هذه املسألة‪ ،‬وأ ّلف فيها العالمة حييى ابن‬ ‫وقد َ‬
‫املنقار‪ ،‬املفتي بدمشق الشام رسال ًة َس َّامها‪« :‬الرسال َة املرضية يف الفريضة‬
‫الذكر واألُنثى من ِ‬
‫غري تفاضل‬ ‫بالسوية بني َّ‬ ‫الرشع ّية»‪ ،‬واختار فيها القسمة َّ‬
‫َّ‬
‫حظ األُنثيني‪ ،‬وقال‪ :‬إنّه أجاب كذلك ُ‬
‫شيخ‬ ‫للذكر مثل ِّ‬
‫حيث مل يقل الواقف َّ‬
‫املالكي‪ ،‬والقايض‬
‫ّ‬ ‫السنهوري‬
‫ّ‬ ‫افعي َّ‬
‫والشيخ سامل‬ ‫احلجازي َّ‬
‫الش ّ‬ ‫ّ‬ ‫حممد‬
‫اإلسالم ّ‬
‫يوطي والقايض زكريا واإلما ُم‬
‫ِّ‬ ‫وغريهم‪ ،‬و َن َق َل عن ُّ‬
‫الس‬ ‫ُ‬ ‫احلنفي‬
‫ّ‬ ‫تاج الدِّ ين‬
‫بكي ما يؤ ِّيد كال َمه‪.‬‬
‫الس ُّ‬
‫ُّ‬
‫الوقف ُيطلب به ال َّثواب‪ ،‬فال ُبدّ‬
‫َ‬ ‫وعمد ُته يف االستدالل عىل ذلك‪ّ :‬‬
‫أن‬
‫قول أيب يوسف بأنّه جيب‬ ‫الصدقة لتصحيح أصله‪ ،‬واملفتى به ُ‬
‫فيه من اعتبار َّ‬
‫العدل والتسوية بني األوالد يف العط ّية ذكور ًا وإناث ًا‪.‬‬
‫وقال ُحم ّمد ‪ُ :‬يعطيهم عىل ِ‬
‫قدر املواريث‪.‬‬
‫مسلم يف «صحيحه» من حديث النُّعامن ابن بشري ‪ ‬قال‪:‬‬
‫ٌ‬ ‫وروى‬
‫عيل َأيب ببعض ماله‪ ،‬فقالت أمي عمرة بنت رواحة‪ :‬ال أرىض حتى‬
‫«تصدَّ ق َّ‬
‫‪ 162‬ــــــــــــــــــــــــــ التعليقات العرفية عىل نرش العرف يف بناء بعض األحكام عىل العرف‬

‫ُت ْش ِهد يل رسول اهلل ‪ ‬فانطلق يب ُي ْشهدَ ه عىل صدقتي‪ ،‬فقال رسول اهلل ‪:‬‬
‫فعلت بولدك ك ِّلهم؟ قال‪ :‬ال‪ ،‬قال‪ :‬اتقوا اهلل واعدلوا يف أوالدكم‪ ،‬فرجع أيب‬
‫َف َر ّد تلك َّ‬
‫الصدقة»(‪.)1‬‬
‫وعن ِ‬
‫ابن َع َّباس ‪ ‬قال قال رسول اهلل ‪« :‬سووا بني أوالدكم يف‬
‫العطية ولو كنت مؤثر ًا أحد ًا آلثرت النِّساء عىل ِّ‬
‫الرجال»‪ ،‬رواه سعيد يف‬
‫«سننه»‪ ،‬أخذ أبو يوسف ‪ ‬وجوب التَّسوية من هذا احلديث‪ ،‬وتبعه َأ ُ‬
‫عيان‬
‫املجتهدين‪ ،‬وقالوا‪ :‬يأثم بالتَّخصيص والتَّفضيل‪ ،‬و َف َّرس ُحم َّمدٌ العدل بالتَّسوية‬
‫قدر املواريث‪ ،‬وقاس حال احلياة عىل حال املوت‪ ،‬وساعده العرف‪.‬‬ ‫عىل ِ‬

‫َّبي ‪َ « ‬قدَّ ر سهم البنت بالنِّصف يف العطايا»‪ ،‬وما ذكره يف‬


‫ولكن الن ّ‬
‫ٍ‬
‫معترب يف املنصوص عليه؛ ألنه‬ ‫غري‬ ‫َّص ال ُيساعده؛ ّ‬
‫العرف ُ‬‫َ‬ ‫ألن‬ ‫معرض الن ّ‬
‫حرره يف تلك الرسالة‪ ،‬وتابعه َّ‬
‫الشيخ‬ ‫النص‪ ،‬هذا خالص ُة ما َّ‬‫يلزم إبطال ّ‬
‫عالء الدين احلصكفي يف «الدر املختار»‪.‬‬

‫أقول‪ :‬وقد كنت َأل ّفت يف ذلك رسال ًة سميتها «العقود الدرية يف‬
‫الفريضة الرشعية»‪ ،‬و َب َسطت فيها الكالم عىل ذلك بام ال مزيد عليه‪ ،‬فلنذكر‬
‫من ذلك نبذ ًة يسري ًة فنقول‪:‬‬

‫‪.1242 :3‬‬ ‫(‪ )1‬يف صحيح مسلم‬


‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪163‬‬
‫ربمها‪،‬‬
‫وبنت أراد أن َي َّ‬
‫ٌ‬ ‫رص َح يف «الظهري ّية»‪ :‬بأ ّنه إذا كان له اب ٌن‬
‫قد َ َّ‬
‫حظ األُنثيني عند ُحم ّمد ‪ ،‬وعند أيب يوسف‬ ‫للذكر مثل ّ‬ ‫فاألفضل أن َ‬
‫جيعل َّ‬ ‫ُ‬
‫‪ ‬جيعلهام سواء‪ ،‬وهو املختار؛ لورود اآلثار‪.‬‬

‫كل ماله لالبن جاز يف القضاء و َأثم‪َّ ،‬‬


‫نص عليه ُحم َّمد ‪.‬‬ ‫وإن وهب َّ‬

‫الواقف أن يكون وق ُفه‬


‫ُ‬ ‫ثم قال قبيل (املحارض والسجالت)‪ :‬إن َأراد‬ ‫ّ‬
‫وفالن وفالن ٌة للذكر‬
‫ٌ‬ ‫ف غال ُته إىل أوالده‪ ،‬وهم ٌ‬
‫فالن‬ ‫ِ‬
‫أوالده يقول‪ُ :‬ت ْرص ُ‬ ‫عىل‬
‫األول‬
‫السواء‪ ،‬ولكن ّ‬ ‫الذكر واألُنثى عىل َّ‬
‫مثل َح ّظ األُنثيني‪ ،‬وإن شاء يقول‪َّ :‬‬
‫الصواب‪ ،‬وأجلب إىل ال َّثواب‪ ،‬انتهى‪.‬‬
‫أقرب إىل َّ‬
‫ُ‬
‫فانظر كيف َف َّر َق بني اهل ِبة والوقف‪ ،‬ولو ُس ِّل َم َّأّنام سواء فال يلزم من‬
‫رصحوا‬ ‫ِ‬ ‫ذلك ّ‬
‫أن املرا َد بالفريضة الرشعية حيث أطلقت القسمة بالسوية؛ ملا َ َّ‬
‫العرف‬
‫َ‬ ‫ورص َح األصوليون بأن‬ ‫غرض الواقفني واجب ٌة‪َّ َ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫به من أن مراعا َة‬
‫يصلح ُخمصص ًا‪ ،‬ويف «األشباه»‪ :‬ألفاظ الواقفني ُت ْبنَى عىل عرفِهم‪ ،‬كام يف‬
‫ِ‬
‫العالمة قاسم‪.‬‬ ‫(وقف) «فتح القدير»‪ ،‬انتهى‪ ،‬وقدَّ منا مث َله عن‬
‫ويف «الفتاوى الكربى» للعالمة ابن حجر املكي‪ :‬ال تبنى عبارات‬
‫والفقهية والعرب ّي ِة كام َأشار إليه اإلما ُم‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫األصولية‬ ‫ِ‬
‫الدقائق‬ ‫الواقفني عىل‬
‫البلقيني يف «الفتاوى»‪ ،‬وإنّام نبنيها عىل ما ُيتبادر و ُيفهم منها يف العرف‪،‬‬
‫وعىل ما هو أقرب إىل مقاصد الواقفني وعاداهتم‪.‬‬

‫ركّش َأ َّن القرائ َن ُي ْع َم ُل هبا يف ذلك َ َّ‬


‫رص َح به‬ ‫ِّ‬ ‫الز‬
‫قال‪ :‬وقد تقدّ م يف كالم َّ‬
‫‪ 164‬ــــــــــــــــــــــــــ التعليقات العرفية عىل نرش العرف يف بناء بعض األحكام عىل العرف‬

‫ألفاظ الواقفني(‪ )1‬إذا تر َّددت ُحت َم ُل عىل أظهر معانيها‪،‬‬


‫َ‬ ‫رصحوا ّ‬
‫بأن‬ ‫غريه‪ ،‬وقد َ َّ‬
‫ُ‬
‫وغريه‪ ،‬انتهى(‪.)2‬‬
‫ُ‬ ‫رب كام قاله ال َق ّف ُال‬
‫وبأن النَّظر إىل مقاصد الواقفني ُمعت ٌ‬
‫و َقدَّ منا ما فيه الكفاية من ذلك‪ ،‬وحينئذ فيجب ُ‬
‫محل كالم هذا الواقف‬
‫عىل ما هو املعروف عنده الذي ال يقصد بكالمه سواه‪.‬‬
‫َّص؟‬ ‫ُ‬
‫إبطال الن ّ‬ ‫َّص؛ ألنه يلزم‬ ‫العرف ال ِ‬
‫يعار ُض الن َّ‬ ‫َ‬ ‫وأ ّما قوهلم‪ :‬إن‬
‫َّص يف مسألتنا‪ ،‬ولو َس َّلمناه ال‬
‫فنقول‪ :‬بموجبه ولكن ال ُن َس ِّل ُم ورود الن ّ‬
‫ِ‬
‫بكراهة املفاضلة يف الوقف‪،‬‬ ‫َّص َو َر َد‬ ‫ّص؛ ألنّا إذا فرضنا ّ‬
‫أن الن َّ‬ ‫يلزم إبطال الن ّ‬
‫طلق الواقف هذا‬ ‫أن الفريض َة الرشع ّية معناها املفاضلة‪ ،‬و َأ َ‬ ‫َّاس ّ‬
‫وتعارف الن ُ‬
‫ِ‬
‫كراهة‬ ‫العريف ال يلزم منه نفي‬ ‫ورصفناه بحكم العرف إىل معناه‬
‫ِّ‬ ‫اللفظ‪َ َ ،‬‬
‫رشعي‪ ،‬وانرصاف اللفظ إىل معناه العريف داللة‬ ‫ٌّ‬ ‫املفاضلة؛ ألن الكراهة حكم‬
‫عرفية‪ ،‬فنرصف اللفظ إىل معناه العريف‪.‬‬
‫الواقف مكرو ٌه؛‬
‫ُ‬ ‫ونقول‪ :‬إن املرا َد به املفاضلة ّ‬
‫وإن هذا الذي أراده‬
‫َّص حيث أثبتنا مدلوله‪ ،‬وهو الكراهة‪،‬‬
‫لوجوب التَّسوية‪ ،‬فقد عملناه بالن ِّ‬
‫واجب االتباع‪ ،‬وال يلزم‬
‫ُ‬ ‫وعملنا بداللة اللفظ عىل معناه العريف‪ٌّ ،‬‬
‫وكل منهام‬
‫َّص إال إذا قلنا‪ :‬إن معنى الفريضة الرشع ّية هو مفاضلة ال كراهة‬ ‫ُ‬
‫إبطال الن ِّ‬
‫النص يف الوقف‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫فرض ورود ِّ‬ ‫فيها‪ ،‬ومل نقل بذلك عىل‬

‫(‪ )1‬ساقطة من املطبوع ومثبتة من الفتاوى الفقهية الكربى‪.208 :3‬‬


‫(‪ )2‬من الفتاوى الفقهية الكربى‪.208 :3‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪165‬‬
‫وتسمي ُتها فريض ًة رشع ّي ًة ال تقتيض مرشوع ّيتها؛ ّ‬
‫ألن ذلك االسم صار‬
‫عل ًام عرف ًا هلذا املعنى‪ ،‬واألعال ُم ال ُيعت ُ‬
‫رب فيها معاين األلفاظ الوضع ّية‪ ،‬كام لو‬
‫َسميت شخص ًا عبدَ الدَّ ار‪ ،‬و َأنف النَّاقة عىل ّ‬
‫أن املفاضل َة فريض ٌة رشع ّية يف‬
‫العرف عىل إطالقها يف باب الوقف مل خترج عن‬
‫ُ‬ ‫باب املرياث‪ ،‬فإذا َج َرى‬
‫الواجب محل الكالم عىل معناه املتعارف صار‬ ‫ُ‬ ‫ال َّتسمية األصلية‪ ،‬وإذا كان‬
‫إطالق هذا اللفظ مساوي ًا للتَّرصيح بقوله‪{ :‬لِلذك ِر ِم ْثل ح ِّظ األنثي ْ ِ‬
‫ني}‬ ‫ُ‬
‫[النساء‪.]11:‬‬
‫رب‬
‫النص‪ ،‬فكذا لو َع َّ َ‬ ‫ُ‬
‫إبطال ّ‬ ‫رص َح بذلك مل يلزم‬
‫الواقف لو َ َّ‬
‫َ‬ ‫وال خيفى ّ‬
‫أن‬
‫إبطال الدَّ ِ‬
‫اللة العرف ّية‪ ،‬ومحل األلفاظ دائ ًام عىل‬ ‫ُ‬ ‫عنه بام يساويه ُعرف ًا‪ ،‬وإال لزم‬
‫خالف اإلمجاع‪.‬‬
‫ُ‬ ‫املعاين الرشع ّية‪ ،‬وهو‬
‫َّسوية‬ ‫ٍ‬
‫يشء الكامل‪ ،‬فيحمل عىل الت ِ‬ ‫األصل يف ِّ‬
‫كل‬ ‫َ‬ ‫وال ُيقال‪ّ :‬‬
‫إن‬
‫ُ‬
‫اللفظ صادق ًا عىل شيئني‪ ،‬فينرصف اللفظ عند‬
‫ُ‬ ‫املرشوعة؛ ّ‬
‫ألن هذا إذا كان‬
‫اإلطالق إىل الكامل منها‪.‬‬
‫الرشع ّية ال معنى هلا عرف ًا إال باملفاضلة فحملها عىل التسوية‬
‫والفريض ُة َّ‬
‫والواجب‬
‫ُ‬ ‫للمتك ِّلم إىل معنى مل َخيطر بباله‪،‬‬
‫رصف للفظ عن معناه املقصود ُ‬
‫ٌ‬
‫عاقد عىل عاداتِه وإن خالفت لغ َة العرب َّ‬
‫والرشع‪.‬‬ ‫كل ٍ‬ ‫محل كالم ّ‬
‫ُ‬

‫حممدُ ال َغ ّ‬
‫زي‬ ‫يخ ّ‬ ‫الرشع ّية عىل املفاضلة‪ :‬العالم ُة َّ‬
‫الش ُ‬ ‫وممَّن محل الفريض َة َّ‬
‫ِ‬
‫مراجعة «فتاويه» املشهورة خالف ًا ملا عزاه‬ ‫صاحب «التَّنوير»‪ ،‬كام ُي ْع َل ُم من‬
‫ُ‬
‫ميل يف موضعني من‬ ‫الر ُّ‬
‫اخلري َّ‬
‫ُ‬ ‫إليه يف «الدُّ ر املختار»‪ ،‬و َأفتى بذلك َأيض ًا‬
‫‪ 166‬ــــــــــــــــــــــــــ التعليقات العرفية عىل نرش العرف يف بناء بعض األحكام عىل العرف‬
‫الشيخ إسامعيل احلايك‪ ،‬وكذا ُ‬
‫شيخ صاحب «البحر»‪ ،‬وهو‬ ‫«فتاويه»‪ ،‬وكذا َّ‬
‫الشلبي يف «فتاويه» املشهورة‪ ،‬ورأيت مث َله يف «فتاوى‬ ‫العالم ُة َّ‬
‫الشيخ محد بن ِّ‬
‫البلقيني‬
‫ّ‬ ‫الرساج‬
‫افعي»‪ ،‬وكذا يف «فتاوى ِّ‬ ‫ميل َّ‬
‫الش ّ‬ ‫الر ّ‬
‫الشهاب أمحد َّ‬ ‫ِّ‬
‫افعي»‪ ،‬ومتا ُم الكالم عىل ذلك يف رسالتنا املذكورة‪ ،‬واهلل أعلم بالصواب‬
‫الش ّ‬ ‫َّ‬
‫وإليه املرجع واملآب‪.‬‬
‫ويف هذا القدر كفاي ٌة لذوي الدِّ راية‪ ،‬واحلمد هلل َأ َّوالً وآخر ًا‪ ،‬وظاهر ًا‬
‫وباطن ًا وصىل اهلل عىل سيدنا وموالنا ُحم َّمد‪ ،‬وعىل آله وصحبه وسلم‪ ،‬وكان‬
‫الرسالة وتقريرها يف شهر ربيع الثاين سنة ثالث‬ ‫الفرا ُغ من حترير هذه ِّ‬
‫ِ‬
‫رمحة َر ّب العاملني‪،‬‬ ‫ِ‬
‫جامعها َأفقر الورى إىل‬ ‫و َأربعني ومائتني وألف عىل ِ‬
‫يد‬
‫حمم ِد َأمني ِ‬
‫بن عمر عابدين‪ ،‬غفر اهللُ له ولوالديه وجلميع املسلمني‪ ،‬واحلمدهلل‬ ‫ّ‬
‫رب العاملني‪.‬‬
‫ّ‬

‫‪‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪167‬‬

‫املراجع‪:‬‬
‫‪ .1‬أثر احلديث الرشيف يف اختالف األئمة الفقهاء‪ :‬ملحمد عوامة‪ ،‬دار البشائر اإلسالمية‪،‬‬
‫بريوت‪ ،‬ط‪1418 ،4‬هـ‪.‬‬
‫‪ .2‬االختيار لتعليل املختار‪ :‬لعبد اهلل بن حممود املوصيل (ت‪683‬هـ)‪ ،‬حتقيق‪ :‬زهري عثامن‪،‬‬
‫دار األرقم‪ ،‬بدون تاريخ طبع‪.‬‬
‫‪ .3‬األشباه والنظائر‪ :‬إلبراهيم ابن نجيم املرصي زين الدين (ت‪970‬هـ)‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممد‬
‫مطيع احلافظ‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬دمشق‪ ،‬ط‪1403 ،2‬هـ‪ ،‬وأيض ًا‪ :‬طبعة دار الكتب العلمية‪،‬‬
‫بريوت‪1405 ،‬هـ‪.‬‬
‫الزركيل‪ ،‬ط‪ ،15‬دار العلم للماليني‪2002 .‬م‪.‬‬
‫‪ .4‬األعالم ‪ :‬خلري الدين َّ‬
‫‪ .5‬أعيان دمشق يف القرن الثالث عرش ونصف القرن الرابع عرش‪ :‬ملحمد مجيل الشطي‪ ،‬دار‬
‫البشائر‪ ،‬ط‪1414 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ .6‬البحر الرائق رشح َكنْز الدقائق‪ :‬إلبراهيم ابن نجيم املرصي زين الدين (ت‪970‬هـ)‪،‬‬
‫دار املعرفة‪ ،‬بريوت‪ ،‬بدون تاريخ طبع‪.‬‬
‫‪ .7‬البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع‪ :‬ملحمد بن عيل الشوكاين (‪-1173‬‬
‫‪1250‬هـ)‪ ،‬مطبعة السعادة‪ ،‬مرص‪ ،‬ط‪1348 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ .8‬تاج الرتاجم‪ :‬أليب الفداء قاسم بن ُق ْط ُلو ُب َغا (ت‪879‬هـ)‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممد خري رمضان‪،‬‬
‫دار القلم‪ ،‬دمشق‪ ،‬ط‪1992 ،1‬مـ‪.‬‬
‫‪ .9‬تاريخ النور السافر عن أخبار القرن العارش‪ :‬ملحيي الدين عبد القادر ال َعيدرويس‬
‫(ت‪1628‬م)‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪1405 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ 168‬ــــــــــــــــــــــــــ التعليقات العرفية عىل نرش العرف يف بناء بعض األحكام عىل العرف‬
‫‪ .10‬تبيني احلقائق رشح َكنْز الدقائق‪ :‬لعثامن بن عيل الزيلعي فخر الدين (ت‪743‬هـ)‪،‬‬
‫املطبعة األمريية‪ ،‬مرص‪ ،‬ط‪1313 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ .11‬التحرير يف أصول الفقه‪ :‬ملحمد بن عبد الواحد بن عبد احلميد السكندري السيوايس‬
‫كامل الدين الشهري بـ(ابن اهلامم)(‪861-790‬هـ)‪ ،‬مطبعة احللبي‪1351 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ .12‬التعليقات السنية عىل الفوائد البهية‪ :‬لعبد احلي اللكنوي (‪1304-1264‬هـ)‪،‬‬
‫حتقيق‪ :‬أمحد الزعبي‪ ،‬دار األرقم‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪1998 ،1‬م‪ ،‬وأيض ًا‪ :‬طبعة السعادة‪،‬‬
‫مرص‪ ،‬ط‪1324 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ .13‬التقرير والتحبري رشح التحرير‪:‬أليب عبد اهلل‪ ،‬حممد بن حممد احلَ َلبِ ّي احلنفي شمس‬
‫الدين املعروف بـ(ابن أمري احلاج)(‪879-825‬هـ)‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪1996‬مـ‪.‬‬
‫‪ .14‬التقرير والتحبري رشح التحرير‪:‬أليب عبد اهلل‪ ،‬حممد بن حممد احلَ َلبِ ّي احلنفي شمس‬
‫الدين املعروف بـ(ابن أمري احلاج)(‪879-825‬هـ)‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪1996‬مـ‪.‬‬
‫‪ .15‬تنقيح التحقيق يف أحاديث التعليق‪ :‬ملحمد بن أمحد بن عبد اهلادي احلنبيل (ت‪744‬‬
‫هـ)‪ ،‬ت‪ :‬سامي حممد وعبد العزيز اخلباين‪ ،‬أضواء السلف‪ ،‬الرياض‪ ،‬ط‪1428 ،1‬‬
‫هـ‪.‬‬
‫‪ .16‬اجلواهر املضية يف طبقات احلنفية‪ :‬لعبد القادر بن حممد بن أيب الوفاء القريش‬
‫(ت‪775‬هـ)‪ ،‬حتقيق‪ :‬عبد الفتاح احللو‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪1413 ،2‬هـ‪.‬‬
‫‪ .17‬احلج والعمرة يف الفقه اإلسالمي‪ :‬للدكتور نور الدين عرت‪ ،‬دار الياممة‪ ،‬الطبعة‬
‫اخلامسة‪1995 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .18‬حلية البرش يف تاريخ القرن الثالث عرش‪ :‬لعبد الرزاق بن حسن البيطار امليداين‪،‬‬
‫(ت‪1335‬هـ)‪ ،‬ت‪ :‬حممد هبجة البيطار‪ ،‬دار صادر‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪ 1413 ،2‬هـ‪.‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪169‬‬
‫‪ .19‬خالصة األثر يف أعيان القرن احلادي عرش‪ :‬ملحمد أمني املحبي (ت‪1699‬م)‪ ،‬دار‬
‫صادر‪.‬‬
‫للرافِ ِعي‪ :‬لعمر بن عيل بن املُ َل ِّقن‬
‫‪ .20‬خالصة البدر املنري يف ختريج كتاب الرشح الكبري َّ‬
‫(‪804-723‬هـ)‪ ،‬حتقيق‪ :‬محدي السلفي‪ ،‬مكتبة الرشد‪ ،‬الرياض‪ ،‬ط‪1410 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ .21‬الدر املختار رشح تنوير األبصار‪ :‬ملحمد بن عيل بن حممد احلصكفي احلنفي‬
‫(ت‪1088‬هـ)‪ ،‬مطبوع يف حاشية َر ّد املُ ْحتَار‪ ،‬دار إحياء الرتاث العريب‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫‪ .22‬الدراية يف ختريج أحاديث اهلداية ‪ :‬أليب الفضل أمحد بن عيل ابن َح َجر ال َع ْس َقالين‬
‫(‪852-773‬هـ)‪ ،‬دار املعرفة‪ ،‬بريوت‪ ،‬بدون تاريخ طبع‪.‬‬
‫‪ .23‬درر احلكام رشح جملة األحكام‪ :‬لعيل حيدر‪ ،‬تعريب‪ :‬املحامي فهمي احلسيني‪ ،‬دار‬
‫عامل الكتب‪ ،‬الرياض‪ ،‬طبعة خاصة‪1423 ،‬هـ ‪2003 -‬م‪.‬‬
‫‪ .24‬الدرر الكامنة يف أعيان املئة الثامنة‪ :‬ألمحد بن عيل بن حجر العسقالين (ت‪852‬هـ)‪،‬‬
‫دار اجليل‪.‬‬
‫‪ .25‬دفع الغواية امللقبة بـ(مقدمة السعاية)‪ :‬لعبد احلي اللكنوي (‪1304-1264‬هـ)‪،‬‬
‫باكستان‪1976 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .26‬ر ّد املحتار عىل الدر املختار‪ :‬ملحمد أمني بن عمر ابن عابدين احلنفي (‪-1198‬‬
‫‪1252‬هـ)‪ ،‬دار إحياء الرتاث العريب‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫‪ .27‬الرسالة املستطرفة لبيان مشهور كتب السنة املرشفة‪ :‬ملحمد بن جعفر الكتاين‪ ،‬مكتبة‬
‫الكليات األزهرية‪ ،‬القاهرة‪.‬‬
‫‪ .28‬سنن ال َب ْي َه ِقي الكبري‪ :‬ألمحد بن احلسني بن عيل ال َب ْي َه ِقي (ت‪458‬هـ)‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممد‬
‫عبد القادر عطا‪ ،‬مكتبة دار الباز‪ ،‬مكة املكرمة‪1414 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ .29‬سنن الرتمذي‪ :‬ملحمد بن عيسى الرتمذي (‪279-209‬هـ)‪ ،‬حتقيق‪ :‬أمحد شاكر‬
‫وآخرون‪ ،‬دار إحياء الرتاث العريب‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫‪ 170‬ــــــــــــــــــــــــــ التعليقات العرفية عىل نرش العرف يف بناء بعض األحكام عىل العرف‬
‫‪ .30‬سنن الدَّ َار ُق ْطنِي‪ :‬أليب احلسن عيل بن عمر الدَّ َار ُق ْطنِي (‪385-306‬هـ)‪ ،‬حتقيق‪:‬‬
‫السيد عبد اهلل هاشم‪ ،‬دار املعرفة‪ ،‬بريوت‪1386 ،‬هـ‪.‬‬
‫ائي الكربى‪ :‬ألمحد بن شعيب الن ََّس ِائي (ت‪303‬هـ)‪ ،‬حتقيق‪ :‬الدكتور عبد‬
‫‪ .31‬سنن الن ََّس ّ‬
‫الغفار البنداوي وسيد كرسوي حسن‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪1411 ،1‬هـ‪.‬‬
‫الذ َهبِي‪ ،‬شمس الدين (‪-673‬‬
‫‪ .32‬سري أعالم النبالء‪ :‬أليب عبد اهلل حممد بن أمحد َّ‬
‫‪748‬هـ)‪ ،‬حتقيق‪ :‬شعيب األرناؤوط وحممد نعيم العرقسوي‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪،‬‬
‫بريوت‪ ،‬ط‪1413 ،9‬هـ‪.‬‬
‫‪ .33‬صحيح ابن ح َّبان برتتيب ابن بلبان‪ :‬ملحمد بن ِح َّبان التميمي (‪354‬هـ)‪ ،‬حتقيق‪:‬‬
‫شعيب األرناؤوط‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪1414 ،2‬هـ‪.‬‬
‫‪ .34‬صحيح ابن خزيمة‪ :‬ملحمد بن إسحاق بن خزيمة السلمي (ت‪311‬هـ)‪ ،‬حتقيق‪:‬‬
‫الدكتور حممد مصطفى األعظمي‪ ،‬املكتب اإلسالمي‪ ،‬بريوت‪1390 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ .35‬صحيح البخاري‪ :‬أليب عبد اهلل حممد بن إسامعيل اجلعفي ال ُب َخ ِ‬
‫ار ّي (‪-194‬‬
‫‪256‬هـ)‪ ،‬حتقيق‪ :‬الدكتور مصطفى البغا‪ ،‬دار ابن كثري والياممة‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪،3‬‬
‫‪1407‬هـ‪.‬‬
‫ابوري (ت‪261‬هـ)‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممد‬
‫ّ‬ ‫‪ .36‬صحيح مسلم‪ :‬ملسلم بن احلجاج ال ُق َش ْري ّي النَّ ْي َس‬
‫فؤاد عبد الباقي‪ ،‬دار إحياء الرتاث العريب‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫القاهري‬
‫ّ‬ ‫الس َخ ِ‬
‫او ّي‬ ‫‪ .37‬الضوء الالمع ألهل القرن التاسع‪ :‬ملحمد بن عبد الرمحن َّ‬
‫الشافِ ِع ّي شمس الدِّ ين (‪902-831‬هـ)‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بدون تاريخ طبع‪.‬‬
‫َّ‬
‫‪ .38‬طبقات احلنفية‪ :‬لعيل بن أمر اهلل قنايل زاده املشهور بـ(ابن احلنائي)(ت‪979‬هـ)‪،‬‬
‫مطبعة الزهراء احلديثة‪ ،‬املوصل‪ ،‬ط‪1380 ،2‬هـ‪.‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪171‬‬
‫‪ .39‬طرب األماثل برتاجم األفاضل‪ :‬لعبد احلي اللكنوي (‪1304-1264‬هـ)‪ ،‬حتقيق‪:‬‬
‫أمحد الزعبي‪ ،‬دار األرقم‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪1998 ،1‬م‪ ،‬وأيض ًا‪ :‬طبعة مطبع دبدبة أمحدي‪،‬‬
‫لكنو‪1303 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ .40‬العرف والعادة يف رأي الفقهاء‪ :‬ألمحد فهمي أبو سنة‪ ،‬مرص‪ ،‬مطبعة األزهر‪،‬‬
‫‪1947‬م‪.‬‬
‫‪ .41‬عقود اجلامن يف مناقب اإلمام األعظم أيب حنيفة النعامن‪ :‬ملحمد بن يوسف الصاحلي‬
‫(ت‪942‬هـ)‪ ،‬مكتبة اإليامن‪ ،‬املدينة املنورة‪.‬‬
‫‪ .42‬العناية عىل اهلداية‪ :‬ألكمل الدين حممد بن حممد الرومي ال َبا َب ْريت (ت‪786‬هـ)‪،‬‬
‫هبامش فتح القدير للعاجز الفقري‪ ،‬دار إحياء الرتاث العريب‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫‪ .43‬غمز عيون البصائر عىل األشباه والنظائر‪ :‬ألمحد بن حممد احلموي (ت‪1098‬هـ)‪،‬‬
‫دار الطباعة العامرة‪ ،‬مرص‪1290 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ .44‬الفتاوى الفقهية الكربى‪ :‬ألمحد بن عيل بن حجر املكي اهليتمي الشافعي (‪-909‬‬
‫‪974‬هـ)‪ ،‬املكتبة اإلسالمية‪.‬‬
‫‪ .45‬فتح القدير للعاجز الفقري عىل اهلداية‪ :‬ملحمد بن عبد الواحد بن عبد احلميد‬
‫السكندري السيوايس كامل الدين الشهري بـ(ابن اهلامم)(‪861-790‬هـ)‪ ،‬دار إحياء‬
‫الرتاث العريب‪ ،‬بريوت‪ ،‬وأيض ًا‪ :‬طبعة دار الفكر‪.‬‬
‫‪ .46‬فقيه احلنفية حممد أمني عابدين دراسة يف حياته وأثره العلمي وخملفاته الشخصية‬
‫ومكتبته للدكتور حممد مطيع احلافظ‪.www.alukah.net/culture/ ،‬‬
‫‪ .47‬فهرس خمطوطات دار الكتب الظاهرية‪ :‬ملحمد مطيع احلافظ‪ ،‬من مطبوعات جممع‬
‫اللغة العربية بدمشق‪1401 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ 172‬ــــــــــــــــــــــــــ التعليقات العرفية عىل نرش العرف يف بناء بعض األحكام عىل العرف‬
‫‪ .48‬الفوائد البهية يف تراجم احلنفية‪ :‬لعبد احلي الكنوي (‪2304-1264‬هـ)‪ ،‬حتقيق‪:‬‬
‫أمحد الزعبي‪ ،‬دار األرقم‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪1998 ،1‬م‪ ،‬وأيض ًا‪ :‬طبعة السعادة‪ ،‬مرص‪،‬‬
‫ط‪1324 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ .49‬قره عني األخيار لتكملة رد املحتار عيل الدر املختار رشح تنوير األبصار‪ :‬لعالء‬
‫الدين حممد بن حممد أمني‪ ،‬املعروف بابن عابدين‪( ،‬ت‪1306‬هـ)‪ ،‬دار الفكر‪،‬‬
‫بريوت‪.‬‬
‫‪ .50‬قوانني الدولة العثامنية وصلتها باملذهب احلنفي ألورها‪ ،‬صادق جانبوالت‪ ،‬املعهد‬
‫العاملي للفكر اإلسالمي‪ ،‬ط‪.2012 ،1‬‬
‫‪ .51‬كتاب اخلراج‪ :‬أليب يوسف يعقوب بن إبراهيم (ت‪182‬هـ)‪ ،‬املطبعة األمريية‬
‫ببوالق‪ ،‬ط‪1302 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ .52‬كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون‪ :‬ملصطفى بن عبد اهلل القسطنطيني احلنفي‬
‫(‪ ،)1067-1017‬دار الفكر‪.‬‬
‫رصي‪ ،‬مؤسسة دار‬‫‪ .53‬الكليات‪ :‬أليب البقاء الكفوي‪ ،‬حتقيق‪ :‬د‪ .‬عدنان درويش و ُحمَمد امل ِ‬
‫ّ‬ ‫َ َّ‬
‫املعارف‪ ،‬ط‪1993 ،2‬م‪.‬‬
‫‪ .54‬كنْز الدقائق‪ :‬أليب الربكات عبد اهلل بن أمحد الن ََّس ِفي‪ ،‬حافظ الدين (ت‪701‬هـ)‪،‬‬
‫اعتنى به‪ :‬إبراهيم احلنفي األزهري‪ ،‬طبع باملطبعة احلميدية املرصية باملنارصة بمرص‪،‬‬
‫‪1328‬هـ‪.‬‬
‫‪ .55‬املبسوط‪ :‬أليب بكر حممد بن أيب سهل الرسخيس توىف بحدود (‪500‬هـ)‪1406 ،‬هـ‪،‬‬
‫دار املعرفة‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫‪ .56‬املجتبى من السنن‪ :‬أليب عبد اهلل أمحد بن شعيب النسائي (‪ ،)303-215‬حتقيق‪ :‬عبد‬
‫الفتاح أبو غدة‪ ،‬مكتب املطبوعات اإلسالمية‪ ،‬حلب‪ ،‬ط‪1406 ،2‬هـ‪.‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪173‬‬
‫الرومي املعروف بـ(شيخِ‬ ‫محن ِ‬
‫الر ِ‬ ‫ِ‬
‫بن حممد ُّ‬ ‫‪ .57‬جممع األّنر رشح ملتقى األبحر‪ :‬لعبد َّ‬
‫زاده)(ت ‪1078‬هـ)‪ ،‬دار الطباعة العامرة‪.1316 ،‬‬
‫‪ .58‬املحيط الربهاين‪ :‬ملحمود بن أمحد بن مازه البخاري برهان الدين (ت ‪ ،)616‬إدارة‬
‫القرآن‪ ،‬املجلس العلمي‪ ،‬كراتّش‪2004 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .59‬املستدرك عىل الصحيحني‪ :‬ملحمد بن عبد اهلل احلاكم (ت‪405‬هـ)‪ ،‬حتقيق‪ :‬مصطفى‬
‫عبد القادر‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪1411 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ .60‬مسند أيب داود الطياليس‪ :‬لسليامن بن داود (ت‪204‬هـ)‪ ،‬دار املعرفة‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫‪ .61‬مسند أمحد بن حنبل‪ :‬ألمحد بن حنبل (‪241-164‬هـ)‪ ،‬مؤسسة قرطبة‪ ،‬مرص‪.‬‬
‫‪ .62‬املصنف يف األحاديث واآلثار‪ :‬لعبد اهلل بن حممد بن أيب َش ْيبَ َة (‪235-159‬هـ)‪،‬‬
‫حتقيق‪ :‬كامل احلوت‪ ،‬ط‪ ،1‬مكتبة الرشد‪ ،‬الرياض‪1409 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ .63‬املعجم الكبري‪ :‬أليب القاسم سليامن بن أمحد ال َّط َ َ‬
‫رباين (‪360-260‬هـ)‪ ،‬حتقيق‪ :‬محدي‬
‫السلفي‪ ،‬مكتبة العلوم واحلكم‪ ،‬املوصل‪ ،‬ط‪1404 ،2‬هـ‪.‬‬
‫‪ .64‬معجم املؤلفني‪ :‬لعمر كحالة‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪1414 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ .65‬معجم مفردات ألفاظ ال ُق ْرآن‪ :‬للعالمة أيب القاسم بن حممد بن املفضل املعروف‬
‫بـ(الراغب األصفهاين) (‪502‬هـ)‪ ،‬حتقيق‪ :‬نديم مرعشيل‪ ،‬دار الفكر‪.‬‬
‫‪ .66‬مقدِّ مة عمدة الرعاية حاشية رشح الوقاية‪ :‬لعبد احلي اللكنوي (‪1304-1264‬هـ)‪،‬‬
‫املطبع املجتبائي‪ ،‬دهيل‪1340 ،‬هـ ‪.‬‬
‫‪ .67‬املوسوعة الفقهية الكويتية‪ :‬جلامعة من العلامء‪ ،‬تصدرها وزارة األوقاف الكويتية‪.‬‬
‫‪ .68‬موطأ مالك‪ :‬ملالك بن أنس األصبحي (‪179-93‬هـ)‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممد فؤاد عبد‬
‫الباقي‪ ،‬دار إحياء الرتاث العريب‪ ،‬مرص‪.‬‬
‫‪ .69‬النافع الكبري ملن يطالع اجلامع الصغري‪ :‬لعبد احلي اللكنوي (‪1304-1264‬هـ)‪،‬‬
‫عامل الكتب‪ ،‬ط‪1406 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ 174‬ــــــــــــــــــــــــــ التعليقات العرفية عىل نرش العرف يف بناء بعض األحكام عىل العرف‬
‫‪ .70‬النجوم الزاهرة يف ملوك مرص والقاهرة‪ :‬ليوسف بن تغرة بردة األتابكي (‪-813‬‬
‫‪ ،)874‬وزارة الثقافة واإلرشاد القومي‪ ،‬املؤسسة املرصية العامة‪.‬‬
‫‪ .71‬نزهة اخلواطر وهبجة املسامع والنواظر‪ :‬لعبد احلي بن فخر الدين احلسني‬
‫(ت‪1341‬هـ)‪ ،‬دائرة املعارف العثامنية‪ ،‬اهلند‪ ،‬راجعه َأ ُبو احلسن الندوي‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪1972‬م‪.‬‬
‫‪ .72‬اهلداية رشح بداية املبتدي‪ :‬أليب احلسن عيل بن أيب بكر املرغيناين (ت‪593‬هـ)‪،‬‬
‫مطبعة مصطفى البايب‪ ،‬الطبعة األخرية‪ ،‬بدون تاريخ طبع‪.‬‬
‫‪ .73‬هدية العارفني ‪ :‬إلسامعيل باشا البغدادي (ت‪1339‬هـ)‪ ،‬دار الفكر ‪1402 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ .74‬اهلدية العالئية‪ :‬لعالء الدين ابن عابدين‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممد سعيد الربهاين‪ ،‬ط‪،5‬‬
‫‪1416‬هـ‪.‬‬
‫‪ .75‬وفيات األعيان وأنباء أبناء الزمان‪ :‬أليب العباس أمحد بن حممد ابن َخلكان (‪-608‬‬
‫‪681‬هـ)‪ ،‬حتقيق‪ :‬الدكتور إحسان عباس‪ ،‬دار الثقافة‪ ،‬بريوت‪.‬‬

‫‪‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪175‬‬

‫فهرس املوضوعات‪:‬‬

‫مقدمة املحقق ‪7 ..........................................................................‬‬

‫ترمجة موجزة ‪11 .........................................................................‬‬

‫خلامتة املح ّققني ابن عابدين ‪11 ............................................................‬‬

‫اسمه ونس ُبه وشهر ُته وأرس ُته‪11 ....................................... :‬‬


‫املطلب األول‪ُ :‬‬

‫َأ َّوالً‪ُ :‬‬


‫اسمه ونس ُبه‪11 .............................................................. :‬‬

‫ثاني ًا‪ :‬شهرته‪12 ................................................................... :‬‬

‫ثالث ًا‪ :‬أرسته‪13 .................................................................... :‬‬

‫املطلب الثاين‪ :‬طلبه للعلم وشيوخه‪14 ................................................ :‬‬

‫أوالً‪ :‬والدته ونشأته وطلبه للعلم‪14 ............................................... :‬‬

‫ثاني ًا‪ :‬شيوخه‪16 ................................................................... :‬‬

‫املطلب الثالث‪ :‬مؤلفاته وأشعاره وتالمذته‪20 ........................................ :‬‬


‫‪ 176‬ــــــــــــــــــــــــــ التعليقات العرفية عىل نرش العرف يف بناء بعض األحكام عىل العرف‬
‫أوالً‪ :‬مؤلفاته‪20 .................................................................. :‬‬

‫ثاني ًا‪ :‬أشعاره‪28 ................................................................... :‬‬

‫ثالث ًا‪ :‬تالميذه‪29 .................................................................. :‬‬

‫املطلب الرابع‪ :‬تصوفه وأحواله ونبوغه‪32 ............................................ :‬‬

‫أوالً‪ُّ :‬‬
‫تصوفه‪32 ................................................................... :‬‬

‫ثاني ًا‪ُ :‬‬


‫بيان أحواله‪33 ............................................................... :‬‬

‫املطلب اخلامس‪ :‬ثناء العلامء عليه ووفاته‪40 ........................................... :‬‬

‫أوالً‪ :‬ثناء العلامء عليه‪40 .......................................................... :‬‬

‫ثاني ًا‪ :‬وفاته‪42 ..................................................................... :‬‬

‫مقدمة املؤلف ‪46 ........................................................................‬‬

‫مقدم ٌة ‪49 ...............................................................................‬‬

‫يف بيان معنى العرف ‪49 ..................................................................‬‬

‫ودليل العمل به ‪49 ......................................................................‬‬

‫ٌ‬
‫فصل ‪57 ..............................................................................‬‬

‫ِ‬
‫املذهب ‪57 ................‬‬ ‫ِ‬
‫ظاهر‬ ‫قال يف «ال ُقنية» ‪ :‬ليس للمفتي وال للقايض أن َ ْ‬
‫حي ُكام عىل‬ ‫()‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪177‬‬
‫الباب األول ‪65 ..........................................................................‬‬
‫ُ‬

‫إذا خالف العرف ‪65 .....................................................................‬‬

‫الرشعي ‪65 .......................................................................‬‬


‫الدَّ ليل َّ‬

‫الباب ال َّثاين ‪101 ........................................................................‬‬


‫ُ‬

‫فيام إذا خالف العرف ‪101 ...............................................................‬‬

‫الرواية ‪101 .................................................................‬‬


‫ظاهر ِّ‬
‫ُ‬ ‫ما هو‬

‫فصل ‪132 ............................................................................‬‬

‫مهمة ‪132 .........................................................‬‬ ‫ِ‬


‫بعض فروع ّ‬ ‫يف ِ‬
‫ذكر‬

‫مبن ّي ٌة عىل ال ُعرف ‪132 .................................................................‬‬

‫فهرس املوضوعات‪175 ............................................................... :‬‬

‫‪‬‬

You might also like