Professional Documents
Culture Documents
7- المثقف العصري ازدواجي بالطبع
7- المثقف العصري ازدواجي بالطبع
7- المثقف العصري ازدواجي بالطبع
يبدو للوهلة األولى أن الحياة الثقافية عندنا توتر بين قطبين ،وهو توتر تعكسه تلك الثنائيات الكثيرة ال تي
نس تعملها لوص ف تل ك الحي اة كالتقلي د والحداث ة ،واألص الة والمعاص رة .وعلى رغم م ا يقول ه البعض عن ه ذه
الثنائيات يظهر أنها ال تعمل إال على بلورة ثنائيات فعلية تتجاذب حياتنا وتمتد إلى الواقع المعيش والحياة اليومية.
فاإلنسان في العالم العربي ،مرغم على أن يلبس لباسين وينتعل نعلين ،ويأكل أكلتين ،وي تزوج زواجين،
ويتكلم لغتين ،ويحيي تحيتين ،ويغني أغنيتين ،وي رقص رقص تين ،وي درس دراس تين ،وي دخل ج امعتين ،وي ؤرخ
تاريخين ،ويسكن مسكنين ويؤثث أثاثين ،ويلعب لعبتين ،ويقرأ أدبين ،ويطالع صحيفتين ،ويشاهد قن اتين ،ويش رب
قهوتين .إنه دائما "مخير" بين الشرقي والغربي العربي واألوروبي ،التقليدي والحديث.
وربما كانت هذه االزدواجي ة المتع ددة مظه را الزدواجي ة أعم ق ،هي تل ك ال تي نعيش ها على مس توى
الزمان .فاإلنسان العربي يحتفل ببدايتين للسنة ،ويخلد األعياد الميالدية واألعياد الهجرية .والحي اة العربي ة ينظمه ا
زمانان :زمان الصالة وزمان الساعة (أو كما نقول في المغرب :التوقيت الع ربي والت وقيت اإلداري) ،إلى ح د أن
هناك في بعض األقطار العربية يومين للعطلة األسبوعية ،يعطل التجار والفالح ون ي وم الجمع ة ،وتعط ل ال دوائر
والبنوك والمدارس يوم األحد.
ولكن هل تعاش هذه االزدواجية فعال كتوتر حقيقي عند اإلنسان العربي أم أن ذلك اإلنسان يمر فيه ا من
قطب إلى آخر في هدنة وسالم .أال نالحظ من حولنا أن أعلى مظاهر الحداثة يقيم جنبا إلى جنب مع أعرق مظ اهر
التقليد عند الفرد الواحد وداخل األسرة الواح دة ،وفي عالق ة االبن بأبي ه والمعلم بتالمي ذه ،ب ل وفي الكتاب ة األدبي ة
والفنون التشكيلية والقطع الموسيقية؟
الشك أن هناك جدال فعليا بين قطبي تلك األزواج ،وه و الج دل ذات ه ال ذي عرفت ه أوروب ا س ابقا في م ا
أطلق عليه لو غوف "زمن الكنيسة وزمن التاجر" .ذلك الجدل الذي لم يبق إال على األصلح ،والذي سمح للساعات
في نهاية األمر أن تظهر في الساحات العمومية لتفرض زمنا خطيا ال يخضع لتع اقب الفص ول وال دورة الفالحي ة،
وإنما يرتمي في المستقبل ويتجه إلى األمام وفق مغامرات الصفات التجارية.
غير أن هذا الجدل ال يكاد يصبح تمزقا فعليا على مستوى الوعي ،وت وترا حقيقي ا ،إال عن د من اس تطاع
أن يتبين ،بتفتحه على الحداثة ،أن التقليد تقليد .ذلك أن التقليد ال يبدو كذلك إال من منظ ور الحداث ة ،أي من منظ ور
المثقف العصري .فالبعض (األستاذ العروي على سبيل المثال) يذهب اليوم إلى تحديد المثقف بأنه ذلك ال ذي اطل ع
على ثقافة غير ثقافته ،أي ذلك الذي يعيش بالفعل التوتر بين الثنائيات فيجد االزدواجي ة على مس توى الحي اة وعلى
مستوى الوعي .وربما كان ذلك سبب "أزمته" الدائمة.
عبدالسالم بنعبد العالي -ثقافة األذن وثقافة العين ،دار توبقال للنشر1994 ،