Thinker 1066

You might also like

Download as doc, pdf, or txt
Download as doc, pdf, or txt
You are on page 1of 55

‫شرح كتاب كشف الشبهات‬

‫بقلم‪ /‬الشيخ‬
‫صالح بن فوزان بن عبد هللا الفوزان‬
‫‪ -‬حفظه هللا ‪-‬‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬
‫المقدمة‬
‫الحمد هلل رب العالمين وصلى هللا وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين‪ .‬أما بعد‪:‬‬
‫فهذه رسالة كشف الشبهات لإلمام المجدد الشيخ محمد بن عبد الوهاب – رحمه هللا تعالى ‪.-‬‬
‫وقبل أن ندخل في موضوع الرسالة نتكلم عن المؤلِّف والتعريف به من أجل أن يكون عند ط‪66‬الب العلم‬
‫معرفة بهذا المؤلف وطريقت‪6‬ه في دعوت‪6‬ه ألن ه‪6‬ذا من األم‪66‬ور المهم‪6‬ة في معرف‪6‬ة األئم‪6‬ة وال‪6‬دعاة إلى هللا‬
‫ومعرفة نشأتهم ودعوتهم من أجل أن يسير طالب العلم على نهجهم ويقتبسوا من سيرتهم ويقتدوا بهم‪.‬‬

‫فهو الشيخ اإلمام المجدِّد شيخ اإلسالم محمد بن عب‪66‬د الوه‪66‬اب بن س‪66‬ليمان بن علي بن مش‪66‬رف التميمي‬
‫وهي قرية في شمال الرياض‪ ،‬وكانت محل أسرته‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫النَّجدي ولد رحمه هللا في بلدة العيينة‬
‫نشأ في بيت علم فأبوه كان القاضي في البلد وج‪66‬ده الش‪66‬يخ س‪66‬ليمان ك‪66‬ان ه‪66‬و المف‪66‬تي والمرج‪66‬ع للعلم‪66‬اء‬
‫وأعمامه كلهم علماء‪.‬‬
‫فنشأ في بيت علم‪ .‬ودرس على يد أبيه عبد الوهاب وعلى أعمامه منذ صغره فق‪66‬د حف‪66‬ظ الق‪66‬رآن الك‪66‬ريم‬
‫قبل أن يبلغ سن العاشرة فاشتغل في طلب العلم وحفظ القرآن على أبيه‪ .‬وقرأ كتب التفسير والحديث ح‪66‬تى‬
‫ب‪6‬رع في العلم وه‪6‬و ص‪6‬غير وأعجب أب‪66‬وه والعلم‪66‬اء من حول‪6‬ه بذكائ‪66‬ه ونبوغ‪6‬ه وك‪66‬ان ين‪6‬اقش في المس‪66‬ائل‬
‫العلمية حتى أنهم استفادوا من مناقشته فاعترفوا له بالفضل ثم إنه لم يكتف به‪66‬ذا الق‪66‬در من العلم وإن ك‪66‬ان‬
‫فيه الخير إال أن العلم ال يشبع منه‪.‬‬
‫فرحل لطلب العلم وترك أهله ووطنه وسافر إلى الحج وبعد الحج ذهب إلى المدينة والتقى بعلمائها في‬
‫المسجد النّبوي خصو ً‬
‫صا الشيخ عبد هللا بن إبراهيم بن سيف وكان إما ًما في الفقه وأص‪66‬وله وه‪66‬و من أه‪66‬ل‬
‫نجد من أهل المجمعة في سدير وكذلك ابنه إبراهيم بن عبد هللا مؤل‪66‬ف كت‪66‬اب الع‪66‬ذب الف‪66‬ائض ش‪66‬رح ألفي‪66‬ة‬
‫الفرائض‪ .‬والتقى كذلك بالمحدث الشيخ محمد حياة السندي وأخذ منه إجازة في مروياته من كتب الح‪66‬ديث‬
‫ثم رجع إلى بالده‪ ،‬ولم يكتف بهذا بل سار إلى بالد األحساء في شرق بالد نجد وفيه‪66‬ا العلم‪66‬اء من حنابل‪66‬ة‬
‫خصوص‪6‬ا عن الحنابل‪66‬ة ومنهم محم‪66‬د بن ف‪66‬يروز وعب‪66‬د الوه‪66‬اب بن‬
‫ً‬ ‫وشافعية ومالكية وحنفي‪66‬ة وأخ‪66‬ذ عنهم‬
‫فيروز أخذ عنهم الفقه‪.‬‬
‫وأخذ عن عبد هللا بن عبد اللطيف األحسائي‪.‬‬
‫ولم يكتف بهذا بل ذهب أيضًا إلى الع‪66‬راق – إلى البص‪6‬رة خاص‪66‬ة – وك‪66‬انت آن ذاك آهل‪6‬ة بالعلم‪66‬اء في‬
‫صا الشيخ محمد المجموعي وغيره‪ .‬وكان في كل تنقالت‪66‬ه إذا ظف‪66‬ر‬
‫الحديث والفقه فأخذ عن علمائها خصو ً‬
‫بكتاب من كتب شيخ اإلسالم ابن تيمية ومن كتب تلميذه ابن القيم نس‪66‬خه بقلم‪66‬ه ونسخ كث‪66‬يرًا من الكتب في‬
‫األحساء وفي البصرة فتجمعت لديه مجموعة عظيمة من الكتب‪.‬‬

‫عام ‪1115‬هـ المتوفى رحمه هللا في ع‪6‬ام ‪1206‬هـ‪ ،‬انظ‪6‬ر األعالم لل‪6‬زركلي ‪ ،6/275‬ومعجم الم‪6‬ؤلفين لعم‪6‬ر كحال‪6‬ة ‪ 3/472‬ب‪6‬رقم‬ ‫(‪)1‬‬
‫(‪.)14463‬‬

‫‪1‬‬
‫ص ا من الحنابلة وأهل الحديث‪ ،‬ولكنه بعدما‬
‫ثم إنه هم بالسفر إلى بالد الشام لما فيها من أهل العلم خصو ً‬
‫س‪66‬ار إليه‪66‬ا ش‪ّ 6‬‬
‫ق علي‪66‬ه الطري‪66‬ق وحص‪66‬ل علي‪66‬ه ج‪66‬وع وعطش وك‪66‬اد أن يهل‪66‬ك في الطري‪66‬ق‪ ،‬وأنتم تعلم‪66‬ون‬
‫اإلمكانات في ذلك الوقت وبعد المسافة‪ ..‬فرجع إلى البصرة وعدل عن السفر إلى الشام ثم رج‪66‬ع إلى نج‪66‬د‬
‫بعد ما تسلح بالعلم وبعدما حصل على مجموعة كبير من الكتب إض‪66‬افة إلى الكتب ال‪66‬تي ك‪66‬انت عن‪66‬د أهل‪66‬ه‬
‫وعند أهل بلده ثم اتجه إلى الدعوة واإلصالح ونشر العلم النَّافع ولم يرض بأن يسكت وي‪6‬ترك الن‪66‬اس على‬
‫ما هم عليه بل أراد أن ينتش‪66‬ر علم‪66‬ه وأن ي‪66‬دعو إلى هللا فنظ‪66‬ر في مجتمع‪66‬ه فوج‪66‬د في‪66‬ه من الش‪66‬ر والش‪66‬رك‬
‫األم‪66‬ور الكث‪66‬يرة فأخذت‪66‬ه ال َغ‪66‬يرة على دين هللا والرحم‪66‬ة للمس‪66‬لمين ورأى أن‪66‬ه ال يس‪66‬عه الس‪66‬كوت على ه‪66‬ذا‬
‫الوضع‪.‬‬
‫وكان علماء نجد يعنون بالفقه وهم في العقيدة على عقيدة المتكلمين من أشاعرة وغيرهم ليس لهم عناية‬
‫بعقيدة السّلف كما هو في الشام وفي مصر وغيرها من األقطار وكانت العقي‪66‬دة المنتش‪66‬رة فيه‪66‬ا هي عقي‪66‬دة‬
‫األشاعرة‪ ،‬مع ما عند كثير منهم من اإلخالل بتوحيد األلوهية‪.‬‬
‫وأما عقيدة السلف فق ّل من يع‪66‬نى به‪66‬ا وطغت على الكث‪66‬ير منهم الخراف‪66‬ات والب‪66‬دع والش‪66‬رك في العب‪66‬ادة‬
‫المتمثل بعبادة القبور هذا من النَّاحية العلمية‪.‬‬
‫وأما من النَّاحية السياسية فكانوا متف‪66‬رقين ليس لهم دول‪66‬ة تجمعهم ب‪66‬ل ك‪66‬ل قري‪66‬ة له‪66‬ا أم‪66‬ير مس‪66‬تقل به‪66‬ا‪.‬‬
‫فالعيينة فيها حاكم والدرعية فيها حاكم والرياض فيها حاكم وكل قري‪6‬ة ص‪6‬غيرة فيه‪6‬ا ح‪6‬اكم‪ ،‬وك‪6‬انت بينهم‬
‫حروب وسلب ونهب فيما بينهم وبين القرى والبادية‪.‬‬
‫فمن النّاحية السياسية كانت البالد في قلق وتفرق وفي تناحر وضياع حتى أن أه‪66‬ل البل‪66‬د الواح‪66‬د يقات‪66‬ل‬
‫بعضهم بعضًا‪.‬‬
‫وفي بالد نجد عبادة القبور واالستغاثة باألموات‪ ،‬فقد كانت عندهم قبور لل َّ‬
‫صحابة كقبر زيد بن الخطاب‬
‫رضي هللا عنه الذي استشهد مع جماعة من الص‪66‬حابة في ح‪66‬رب مس‪66‬يلمة الك‪66‬ذاب وك‪66‬انوا يس‪66‬تنجدون به‪66‬ا‬
‫ويستغيثون بها وعلى قبر زيد قبة وكانوا يأتون إليها من بعيد‪ .‬وهي مشهورة عندهم‪.‬‬
‫وعندهم أشجار ونخيل يعتقدون فيها ويتبركون بها بل كانت عندهم النِّحل الباطلة مثل الصوفية ووحدة‬
‫الوجود في الرياض والخرج؛ هكذا كانت حالتهم الدينية والعلماء س‪66‬اكتون عن ه‪66‬ذا الوض‪66‬ع ب‪66‬ل إن بعض‬
‫العلماء يشجعون على هذه الخرافات ويؤيدونها‪ .‬فلما رأى – رحم‪66‬ه هللا – ح‪66‬ال المس‪66‬لمين تح‪66‬رك لل‪66‬دعوة‬
‫إلى هللا عز وج‪66‬ل وق‪66‬ام ي‪66‬دعو إلى هللا وي‪66‬درِّ س التوحي‪66‬د وينك‪66‬ر ه‪66‬ذه الش‪66‬ركيات والخراف‪66‬ات ويق‪66‬رر منهج‬
‫السلف الصالح فتك ّون عنده تالميذ من الدرعية والعيينة ممن أراد هللا له الخير‪.‬‬
‫ثم إنه اتصل بأمير العيينة وعرض عليه الدعوة فقبل منه األمير ووعده بالمناصرة في أول األمر وهدم‬
‫قبة زيد بن الخطاب حيث طلب من األمير هدمها ألنه ال يمكن أن يه‪66‬دمها إال من ل‪6‬ه س‪66‬لطة أم‪6‬ا الف‪6‬رد فال‬
‫يستطيع‪ ،‬ذلك فاستجاب له األمير‪ .‬وجاء إلى الشيخ امرأة اعترفت بالزن‪66‬ا وطلبت من‪66‬ه أن يقيم عليه‪66‬ا الح‪66‬د‬

‫‪2‬‬
‫فردها حتى كررت عليه الطلب مثل ما فعلت الغامدية رض‪6‬ي هللا عنه‪6‬ا في عه‪6‬د الن‪6‬بي ? (‪ ،)1‬فأق‪6‬ام عليه‪6‬ا‬
‫الحد ورجمها‪ .‬فلما بلغ أمير األحساء ه‪6‬دم القب‪6‬ة وأن‪6‬ه رجم الم‪6‬رأة أرس‪6‬ل إلى أم‪6‬ير العيين‪6‬ة وق‪6‬ال‪ :‬إم‪6‬ا أن‬
‫تطرد هذا المطوع(‪ )2‬وإالّ قطعت عنك المساعدة التي أرسلها إليك‪ .‬فجاء األمير إلى الش‪6‬يخ وع‪6‬رض علي‪6‬ه‬
‫األمر وقال أنا ال أقدر أن أقاوم هؤالء فه ّدأه الشيخ ووعده بالخير وأن يتوكل على هللا وأن ال‪66‬رزق بي‪66‬د هللا‬
‫وأن هذه عقيدة التوحيد من قام بها فإن هللا يعينه وينصره‪ .‬لكن األم‪66‬ير أص‪ّ 6‬ر على خ‪6‬روج الش‪66‬يخ من بل‪66‬ده‬
‫فخرج الشيخ من العيينة في وقت القيلولة وذهب إلى الدرعية وكان له فيها تلميذ من خيار التالميذ يقال له‬
‫ابن سويلم فذهب الشيخ من العيينة إلى الدرعية ليس معه إال المروحة اليدوية يهوي بها على وجه‪66‬ه وه‪66‬و‬
‫ق هَّللا َ يَجْ َعل لَّهُ َم ْخ َرجً‪6‬ا ‪َ ،‬ويَرْ ُز ْق‪6‬هُ ِم ْن َحي ُ‬
‫ْث ال يَحْ ت َِس‪6‬بُ }(‪ )3‬ي‪6‬ردد ه‪6‬ذه اآلي‪6‬ة وه‪6‬و‬ ‫يمشي ويقول { َو َمن يَتَّ ِ‬
‫يمشي فلما وصل إلى تلميذه في الدرعية أصاب التلمي‪66‬ذ خ‪66‬وف وقل‪66‬ق من مجيء الش‪66‬يخ ألن‪66‬ه يخش‪66‬ى على‬
‫نفسه وعلى الشيخ من أهل البلد ألنهم متحاذرون من ه‪6‬ذا الش‪6‬يخ‪ ،‬فه‪66‬دأه الش‪6‬يخ وق‪6‬ال‪ :‬ال يخط‪6‬ر في بال‪66‬ك‬
‫شيء أبدًا توكل على هللا جل وعال فهو ينصر من نصره‪.‬‬
‫وفيما هم كذلك علمت زوجة أمير الدرعية وكانت امرأة صالحة فعرضت على زوجها األمير محمد بن‬
‫سعود أن يناص‪6‬ر ه‪6‬ذا الش‪66‬يخ ال‪6‬ذي ج‪66‬اء وأن‪6‬ه نعم‪66‬ة من هللا س‪66‬اقها إلي‪66‬ه فالب‪66‬دار باغتنام‪66‬ه‪ ،‬ف‪66‬أدخلت علي‪6‬ه‬
‫الطمأنينة وحب الدعوة وحب هذا العلم فقال األم‪66‬ير‪ :‬ي‪6‬أتيني‪ ،‬فق‪66‬الت زوجت‪66‬ه ب‪66‬ل اذهب أنت إلي‪66‬ه ألن‪66‬ك إذا‬
‫أرسلت إليه وقلت يأتيني ربما يقول الناس طلبه من أجل أن يبطش به‪ ،‬لكنك إذا ذهبت إليه يكون هذا ع ًزا‬
‫له ولك‪ ..‬فذهب إليه األمير في بيت التلميذ وسلّم عليه وسأله عن قدوم‪66‬ه‪ ...‬فش‪66‬رح ل‪66‬ه الش‪66‬يخ وبيّن ل‪66‬ه أن‪66‬ه‬
‫ليس عنده إال دعوة الرسل صلوات هللا وسالمه عليهم وهي الدعوة إلى كلمة التوحي‪66‬د وهي ال إل‪66‬ه إال هللا‪،‬‬
‫وشرح معناها وبيّن له أنها عقيدة الرسل‪...‬‬
‫فقال األمير‪ :‬أبشر بالنصر والتأييد‪ ،‬وقال له الشيخ‪ :‬وأبشر بالعز والتمكين ألن هذه الكلم‪66‬ة – ال إل‪66‬ه إال‬
‫هللا – من قام بها فإن هللا يم ّكن له‪ .‬فقال له األمير‪ :‬لكني أشترط عليك شرطًا‪ ،‬قال وما هو؟ قال أن تتركني‬
‫وما آخذ من الناس‪ ،‬قال الشيخ لعل هللا يغنيك عن هذا ويفتح لك باب رزق من عنده‪ .‬فتفرقا على هذا وق‪66‬ام‬
‫الشيخ بالدعوة وقام األمير بالمناصرة‪ .‬ثم توافد الطالب على الدرعية وصار للشيخ مكانة فيها‪ ،‬فك‪66‬ان ه‪66‬و‬
‫اإلمام في الصَّالة والمفتي والقاض‪66‬ي‪ ،‬فتك‪66‬ونت إم‪66‬ارة للتوحي‪66‬د في بالد الدرعي‪66‬ة من ذل‪66‬ك ال‪66‬وقت وأرس‪66‬ل‬
‫الشيخ رسائل إلى أهل البلدان والقرى يدعوهم إلى هللا والدخول في عقيدة التوحيد وترك البدع والخرافات‬
‫فمنهم من اس‪66‬تجاب وانض‪66‬م إلى ال‪66‬دعوة ب‪66‬دون جه‪66‬اد وب‪66‬دون قت‪66‬ال ومنهم من مانع‪66‬ه وعان‪66‬ده فقات‪66‬ل جن‪66‬ود‬
‫التوحيد بقيادة األمير محمد بن سعود وري‪66‬ادة الش‪66‬يخ محم‪66‬د بن عب‪66‬د الوه‪66‬اب ق‪66‬اتلوا من عان‪66‬د وع‪66‬ارض‪..‬‬
‫وامتدت الدعوة في بالد نجد وسلّمت له البالد ومن حوله‪66‬ا‪ ،‬ح‪6‬تى أم‪6‬ير العيين‪66‬ة ال‪6‬ذي ك‪6‬ان ل‪6‬ه موق‪6‬ف م‪6‬ع‬
‫الشيخ دخل في والية محمد بن سعود‪ .‬وك‪66‬ذلك دخلت الري‪66‬اض بع‪66‬د قت‪66‬ال ش‪66‬ديد وامت‪66‬دت إلى الخ‪66‬رج وم‪66‬ا‬
‫انظر صحيح اإلمام مسلم ‪ ،1322 6،3/1321‬كتاب الحدود باب من اعترف على نفسه بالزنا‪ ،‬حديث رقم (‪ )22/1695‬من ح‪6‬ديث‬ ‫(‪)1‬‬
‫سليمان بن بريدة عن أبيه رضي هللا عنه‬
‫(‪ )2‬كما يسمونه تصغيرً ا لشأنه‬

‫(‪ )3‬الطالق‪3-2 :‬‬

‫‪3‬‬
‫وراء الخرج وإلى الشمال والجنوب حتى عمت من حدود الشام شماالً إلى حدود اليمن جنوبً‪66‬ا ومن البح‪66‬ر‬
‫األحمر إلى الخليج العربي شرقًا كلها صارت تحت والية الدرعية بادية وحاض‪66‬رة‪ .‬وأف‪66‬اء هللا على الن‪66‬اس‬
‫في الدرعية الخير والرزق والغنى والثروة وقامت بها أسواق تجارية واستنارت بالعلم والقوة ببرك‪66‬ة ه‪66‬ذه‬
‫الدعوة السَّلفية التي هي دعوة الرسل عليهم السَّالم‪.‬‬
‫مؤلفاته*‪:‬‬
‫ألّف الشيخ الكتب وأعظمها كتاب التوحيد الذي هو حق هللا على العبيد‪.‬‬
‫ومن مؤلفاته هذه الرسالة « كشف الشبهات » التي نحن بصدد شرحها – إن شاء هللا تعالى – وهي عبارة‬
‫عن رد الشبهات التي أثيرت حول دعوة التوحيد التي قام بها الشيخ‪.‬‬
‫والمراد بالكشف إزالة الغطاء عن الشيء‪.‬‬
‫والشبهات جم‪6‬ع ش‪6‬بهة وهي األم‪6‬ر المش‪6‬تبه المختل‪6‬ف ال‪6‬ذي ال‬ ‫(‪)1‬‬
‫قال تعالى‪ { :‬فَ َك َش ْفنَا عَنكَ ِغطَا َءكَ }‬
‫يُ ْد َرى هل هو حق أم باطل؟ ومنه قول الرسول ‪ « : ‬إن الحالل بيّن والحرام بيّن وبينهما أمور مش‪66‬تبهات‬
‫ال يعلمها كثير من الناس فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه »(‪.)2‬‬
‫المشتبهات هنا المراد بها األمور التي ال يُ ْد َرى هل هي من الحالل أو من الحرام لسبب تج‪66‬اذب األدل‪66‬ة‬
‫فيها‪ ،‬وال يعلمها إال الخواص من أهل العلم‪ .‬فالشبهات هنا المراد به‪66‬ا األم‪66‬ور المش‪66‬تبهة ال‪66‬تي فيه‪66‬ا تل‪66‬بيس‬
‫وتغطية وتمويه على النَّاس يظنونها حقًا وهي ليست بحق وكشفها هو اإليضاح لبطالنها‪.‬‬
‫والمراد هنا كشف ما كان عند النَّاس من شبهات حول عبادة القبور واالستغاثة بها التي عمت كثيرًا من‬
‫بالد اإلسالم من بع‪66‬د الق‪66‬رون المفض‪66‬لة‪ ،‬حيث ُأدخ‪66‬ل في اإلس‪66‬الم م‪66‬ا ليس من‪66‬ه وذل‪66‬ك عن طري‪66‬ق الش‪66‬يعة‬
‫والمتصوفة فهم الذين تسببوا في نشر هذه الشبهات وهذه الشركيات التي انتشرت في بالد اإلس‪66‬الم بحجج‬
‫واهية‪ ،‬والجهال يظنونها حقًا؛ فيقولون إن هؤالء الموتى عباد صالحون ولهم مكان‪66‬ة عن‪66‬د هللا ونحن أن‪66‬اس‬
‫مذنبون فهم يتوسلون بهم ويجعلونهم وس‪66‬ائط بينهم وبين هللا في غف‪66‬ران ال‪66‬ذنوب ويتقرب‪66‬ون إليهم‪ .‬وبس‪66‬بب‬
‫ذلك تغيرت عقيدة التوحيد عند كثير من النّاس من عهد بعيد بعد المائة الرابعة ومضي الق‪6‬رون المفض‪6‬لة‪،‬‬
‫حتى قيّض هللا لهذه األمة علماء يكشفون هذه الشبهات ومن أبرزهم شيخ اإلسالم أحمد بن تيمية الذي ق‪66‬ام‬
‫ووض‪6‬ح للن‪66‬اس عقي‪66‬دة التوحي‪66‬د وكتب في ذل‪66‬ك الكتب النافع‪66‬ة وبيّن عقي‪66‬دة َّ‬
‫الس‪6‬لف‬ ‫َّ‬ ‫ودحض ه‪66‬ذه الش‪66‬بهات‬
‫الصَّالح وسجلها في كتبه مدع ًما مسائلها باألدلة القاطعة وال‪66‬براهين الس‪66‬اطعة‪ ،‬ودحض ه‪66‬ذه الش‪66‬بهات‪ ،‬ثم‬
‫تاله تالميذه كاإلمام ابن القيم في كتبه واإلمام ابن كثير واإلمام الذهبي واإلمام الم ّزي وجاء بعدهم الحافظ‬
‫ابن رجب الحنبلي رحمه هللا إلى أن وصل األمر للشيخ اإلمام المج‪66‬دد محم‪66‬د بن عب‪66‬د الوه‪66‬اب فتلقى ه‪66‬ذه‬
‫العقيدة بقوة وقام بالدعوة إليها والجهاد في سبيلها حتى اس‪6‬تنارت به‪66‬ا ه‪6‬ذه البالد‪ ،‬وهلل الحم‪66‬د وامت‪66‬دت إلى‬
‫البالد المجاورة في مصر والشام والعراق وحتى في بالد فارس عند أه‪66‬ل الس‪66‬نة وامت‪66‬دت إلى الهن‪66‬د وإلى‬

‫(‪ )1‬ق‪22 :‬‬

‫رواه اإلمام البخاري في صحيحه ‪ ،1/19‬كتاب اإليمان باب فضل من استبرأ لدينه من ح‪6‬ديث النعم‪6‬ان بن بش‪6‬ير رض‪6‬ي هللا تع‪6‬الى‬ ‫(‪)2‬‬
‫عنه‬

‫‪4‬‬
‫المغرب وإلى كثير من البالد وهلل الحمد‪ ،‬فمن أراد هللا له الخير فإنه ت‪66‬أثر به‪66‬ذه ال‪66‬دعوة المبارك‪66‬ة وع‪66‬رف‬
‫أنها دعوة حق فاستجاب لها وأيّ‪66‬دها‪ ،‬وق‪66‬امت الحج‪66‬ة على المعان‪66‬دين وهلل الحم‪66‬د والمن‪66‬ة وزالت عن البالد‬
‫معالم الشرك والوثنية وعوائد الجاهلية‪.‬‬

‫الس‪6‬نَّة‪ :‬أن‬
‫[ قال رحمه هللا‪ :‬بسم هللا الرحمن الرحيم ] ابتدأ الرسالة ببس‪6‬م هللا ال‪6‬رحمن ال‪6‬رحيم وه‪6‬ذه هي ُّ‬
‫تب‪66‬دأ الكتب والرس‪66‬ائل ببس‪66‬م هللا ال‪66‬رحمن ال‪66‬رحيم كم‪66‬ا ابت‪66‬دأ هللا تع‪66‬الى به‪66‬ا في كتاب‪66‬ه ف‪66‬أول م‪66‬ا ت‪66‬رون في‬
‫َّحيم‪ْ ،‬ال َح ْم ُد هّلل ِ َربِّ ْال َعالَ ِمينَ }(‪ )1‬وك‪6‬ذلك قب‪6‬ل ك‪6‬ل س‪6‬ورة « بس‪6‬م‬ ‫المصحف الشريف { ِبس ِْم هللاِ الرَّحْ ِ‬
‫من الر ِ‬
‫هللا الرحمن الرحيم »‪ ،‬والنبي ‪ ‬كان إذا كتب يبدأ كتبه بـ« بسم هللا ال‪66‬رحمن ال‪66‬رحيم »(‪ .)2‬وإذا تح‪66‬دث إلى‬
‫أصحابه يبدأ مجلسه ببسم هللا الرحمن الرحيم‪ .‬والحكمة في البدء ببسم هللا الرحمن الرحيم التبرك بها ألنها‬
‫كلمة مباركة فإذا ذكرت في أول الكتاب أو في أول الرسالة تكون بركة عليه‪ .‬أما الكتب أو الرس‪66‬ائل ال‪66‬تي‬
‫ال تبدأ ببسم هللا الرحمن الرحيم فإنها تكون ناقصة ال خير فيها‪ ،‬ومن ناحية أخرى بسم هللا الرحمن الرحيم‬
‫فيها االستعانة باهلل جل وعال فقوله‪ { :‬بِس ِْم هللاِ ال‪6‬رَّحْ ِ‬
‫من ال‪َّ 6‬ر ِحيم } أي أس‪66‬تعين وأت‪66‬برك ببس‪66‬م هللا ال‪66‬رحمن‬
‫َّحيم}‪ .‬وهللا َعلَم‬ ‫الرحيم‪ .‬فالجار والمجرور متعلق بمحذوف تقديره أستعين وأتبرك بـ{ بِس ِْم هللاِ الرَّحْ ِ‬
‫من الر ِ‬
‫على الذات المقدسة‪ .‬والرحمن الرحيم اسمان كريمان من أسمائه الحسنى يتضمنان الرحمة‪[ .‬اعلم رحم**ك‬
‫هللا] اعلم‪ :‬هذه الكلمة يبدأ بها في التنبيه إلى األمور المهمة فإذا أردت أن تنبه شخصًا على ش‪66‬يء مهم من‬
‫مسائل العلم تقول له‪ :‬اعلم من أجل أن ينتبه‪ .‬واعلم فعل أمر من العلم يع‪66‬ني تلعّم م‪66‬ا ي‪66‬أتي واهتم ب‪66‬ه وأل‪66‬ق‬
‫بالك لما يلقى عليك ولما يكتب لك‪ .‬فهذه كلمة يُؤتى بها ألهمية ما يأتي بعدها قال تعالى‪ { :‬لِتَ ْعلَ ُم‪66‬وا َأ َّن هَّللا َ‬
‫اس‪6‬تَ ْغفِرْ‬ ‫َعلَى ُكلِّ َش ْي ٍء قَ ِدي ٌر َوَأ َّن هَّللا َ قَ ْد َأ َحاطَ بِ ُكلِّ َش ْي ٍء ِع ْل ًما }(‪ )3‬وقال تعالى‪ { :‬فَ‪66‬ا ْعلَ ْم َأنَّهُ ال ِإلَ‪6‬هَ ِإاَّل هَّللا ُ َو ْ‬
‫(‪)5‬‬
‫ب َوَأ َّن هَّللا َ َغفُ‪6‬و ٌر ر ِ‬
‫َّحي ٌم }‬ ‫‪6‬وا َأ َّن هَّللا َ َش‪ِ 6‬دي ُد ْال ِعقَ‪6‬ا ِ‬
‫وق‪6‬ال تع‪6‬الى‪ { :‬ا ْعلَ ُم ْ‬ ‫ت}‬‫(‪)4‬‬
‫لِ َذنبِكَ َولِ ْل ُمْؤ ِمنِينَ َو ْال ُمْؤ ِمنَ‪6‬ا ِ‬
‫غ ْال ُمبِ ُ‬
‫ين }(‪.)6‬‬ ‫وا َأنَّ َما َعلَى َرسُولِنَا ْالبَالَ ُ‬
‫وقال تعالى‪ { :‬فَِإن ت ََولَّ ْيتُ ْم فَا ْعلَ ُم ْ‬
‫فهذه كلمة عظيمة يؤتى بها لالهتمام‪ .‬ثم قال‪ « :‬رحمك هللا » هذا دعاء من الشيخ رحمه هللا لكل من قرأ‬
‫هذه الرسالة‪ ،‬وهذا من باب التّلطّف لطالب العلم وتحسين الكالم له من أجل أن يُقبل على طلب العلم‪.‬‬
‫[ أن التوحيد هو إفراد هللا سبحانه بالعبادة ] أي اعلم هذه المسألة العظيمة واجعلها في ذاكرتك واجعلها‬
‫في اهتمامك دائ ًما وأبدًا وهي « أن التوحيد هو إفراد هللا بالعبادة » وليس هو إفراد هللا بالربوبي‪6‬ة ف‪6‬إن ه‪6‬ذا‬

‫(‪ )1‬الفاتحة‪2-1 :‬‬

‫بعض‪6‬ا أربابً‪6‬ا من دون‬


‫ً‬ ‫انظر صحيح اإلمام البخاري ‪ 4/402‬كتاب الجهاد باب دعاء النبي إلى اإلسالم والنبوة‪ 6‬وأن ال يتخذ بعضهم‬ ‫(‪)2‬‬
‫َر َأن يُْؤ تِيَهُ هَّللا ُ } إلى آخ‪66‬ر اآلي‪66‬ة‪ .‬وفي الفتح ‪ ،6/109‬وانظ‪66‬ر تفاص‪66‬يل ذل‪66‬ك في زاد المع‪66‬اد في ه‪66‬دي خ‪66‬ير‬
‫هللا وقوله تعالى‪َ { :‬ما َكانَ ِلبَش ٍ‬
‫العباد البن القيم ‪ ،696-3/688‬ذكر هديه في مكاتباته إلى الملوك وغيرهم‪.‬‬
‫(‪ )3‬الطالق‪12 :‬‬

‫محمد‪19 :‬‬ ‫(‪)4‬‬

‫(‪ )5‬المائدة‪98 :‬‬

‫(‪ )6‬المائدة‪92 :‬‬

‫‪5‬‬
‫أق َّر به المشركون ولم يكونوا مو ّحدين ألنهم لم يف‪66‬ردوا هللا بالعب‪66‬ادة‪ ،‬ف‪66‬إقرارهم بتوحي‪66‬د الربوبي‪66‬ة ليس ه‪66‬و‬
‫التوحيد المطلوب وإنما توحيد الربوبية دليل على توحيد األلوهية والزم له فمن أقر بتوحيد الربوبية لزمه‬
‫أن يقر بتوحيد األلوهية وهللا تعالى يذكر في القرآن في كثير من اآليات توحيد الربوبي‪66‬ة دليالً على توحي‪66‬د‬
‫األلوهية كم‪66‬ا ق‪6‬ال تع‪66‬الى‪َ { :‬ي‪66‬ا َأيُّهَ‪66‬ا النَّاسُ ا ْعبُ‪6‬د ْ‬
‫ُوا َربَّ ُك ُم الَّ ِذي خَ لَقَ ُك ْم َوالَّ ِذينَ ِمن قَ ْبلِ ُك ْم لَ َعلَّ ُك ْم تَتَّقُ‪66‬ونَ ‪ ،‬الَّ ِذي‬
‫ت ِر ْزقً‪66‬ا لَّ ُك ْم فَالَ تَجْ َعلُ‪ْ 6‬‬
‫‪6‬وا‬ ‫ض فِ َراشا ً َوال َّس َما َء بِنَا ًء َوَأنزَ َل ِمنَ ال َّس َما ِء َما ًء فََأ ْخ َر َج بِ ِه ِمنَ الثَّ َم َرا ِ‬
‫َج َع َل لَ ُك ُم اَألرْ َ‬
‫هّلِل ِ َأندَادًا َوَأنتُ ْم تَ ْعلَ ُمونَ }(‪ )1‬هذا هو توحيد الربوبية وهو دليل توحيد األلوهية‪ ،‬فأقام سبحانه وتعالى الحج‪66‬ة‬
‫عليهم فيما أنكروه من توحيد األلوهية بما اعترفوا به من توحيد الربوبية ليلزمهم بذلك‪.‬‬
‫حيث قال لهم كي‪6‬ف تع‪6‬ترفون أن‪66‬ه ه‪6‬و الخ‪66‬الق ال‪66‬رازق المح‪66‬يي المميت وأن‪66‬ه ال ش‪66‬ريك ل‪66‬ه في ذل‪66‬ك ثم‬
‫تش‪66‬ركون في عبادت‪66‬ه‪ .‬أم‪66‬ا ال‪66‬ذين يقول‪66‬ون إن التوحي‪66‬د ه‪66‬و اإلق‪66‬رار ب‪66‬أن هللا ه‪66‬و الخ‪66‬الق ال‪66‬رازق المح‪66‬يي‬
‫المميت‪ ...‬إلخ فهم غالطون غلطًا فاح ًشا‪ ،‬ولم يأتوا بالتوحيد المطلوب ال‪66‬ذي دعت إليه الرس‪66‬ل‪ .‬وعلى ه‪66‬ذا‬
‫المنهج الباطل أغلب عقائد المتكلمين ال‪6‬تي ت‪66‬درس اآلن في كث‪66‬ير من الم‪66‬دارس اإلس‪66‬المية‪ .‬وقص‪66‬د الش‪66‬يخ‬
‫رحمه هللا بهذا التعريف هو الرد على هؤالء الذين ر ّكزوا على توحيد الربوبية وترك‪66‬وا توحي‪66‬د األلوهي‪66‬ة‪،‬‬
‫فهذه أول شبهة وهي‪ :‬أنهم جعلوا توحيد الربوبية هو التوحيد المطلوب‪ ،‬وأن من أفرد هللا ب‪66‬ه فه‪66‬و المو ّح‪66‬د‬
‫وألّفوا كتبهم فيه وبنوا منهجهم عليه وصرفوا همهم إلى تحقيقه‪.‬‬
‫[ وهو دين الرسل الذي أرسلهم هللا به إلى عباده ] فالرسل كلهم ما طلبوا من النّاس أن يق‪66‬رروا ب‪66‬أن هللا‬
‫هو الخالق الرازق المحيي المميت ألنهم معترفون بهذا وإنما طالبوا األمم بإفراد هللا بالعبادة‪ .‬ق‪66‬ال تع‪66‬الى‪:‬‬
‫ُوا الطَّا ُغوتَ }(‪ )2‬ما قال أن يق‪6‬روا ب‪6‬أن هللا ه‪6‬و ال‪6‬رب‬ ‫{ َولَقَ ْد بَ َع ْثنَا فِي ُك ِّل ُأ َّم ٍة َّرسُوالً َأ ِن ا ْعبُد ْ‬
‫ُوا هَّللا َ َواجْ تَنِب ْ‬
‫‪6‬وا الطَّا ُغوتَ } أي اترك‪66‬وا الش‪66‬رك باهلل ع‪66‬ز وج‪66‬ل في‬
‫ُوا هَّللا َ َواجْ تَنِبُ‪ْ 6‬‬
‫ألنهم مق‪66‬رون به‪66‬ذا ب‪66‬ل ق‪66‬ال‪ { :‬ا ْعبُ ‪6‬د ْ‬
‫األلوهية‪.‬‬
‫ما قال أن‪66‬ه‬ ‫وحي ِإلَ ْي ِه َأنَّهُ ال ِإلَهَ ِإالّ َأنَاْ فَا ْعبُد ِ‬
‫ُون }‬ ‫وقال تعالى‪َ { :‬و َما َأرْ َس ْلنَا ِمن قَ ْبلِكَ ِمن َّرس ٍ‬
‫ُول ِإالّ نُ ِ‬
‫(‪)3‬‬

‫ال رب سواي وال خالق إال أنا‪ ،‬بل قال سبحانه‪َ { :‬أنَّهُ ال ِإلَهَ ِإالّ َأنَاْ } أي ال معبود بحق سواي‪.‬‬
‫هذا الذي بعث به هللا الرسل‪ ،‬ما بعث الرسل لتقرير توحيد الربوبية ألن ه‪66‬ذا موج‪66‬ود لكن‪66‬ه ال يكفي ب‪66‬ل‬
‫بعثهم لتوحيد األلوهية الذي هو إفراد هللا تعالى بالعبادة وهو دين الرسل كلهم من أ َّولهم إلى آخرهم‪.‬‬
‫سالم ] كما قال هللا سبحانه وتعالى‪ِ { :‬إنَّا َأوْ َح ْينَا ِإلَ ْيكَ َك َم‪66‬ا َأوْ َح ْينَ‪66‬ا ِإلَى نُ‪ٍ 6‬‬
‫‪6‬وح َوالنَّبِيِّينَ‬ ‫[ فأ ّولهم نوح عليه ال َّ‬
‫ِمن بَ ْع ِد ِه }(‪ )4‬فدلّت اآلية الكريمة على أن أول الرسل هو نوح عليه الصَّالة والسَّالم‪ ،‬فنوح هو أول رسول‬
‫بعد حدوث الشرك في األرض‪ ،‬وتتابعت بعده الرس‪66‬ل على ه‪66‬ذا المنهج الرب‪66‬اني وآخ‪66‬رهم محم‪66‬د ‪ ‬وه‪66‬و‬
‫خاتمهم وال نبي بعده إلى أن تقوم السَّاعة ق‪66‬ال هللا س‪66‬بحانه وتع‪66‬الى‪َّ { :‬ما َك‪66‬انَ ُم َح َّم ٌد َأبَ‪66‬ا َأ َح‪ٍ 6‬د ِّمن رِّ َج‪ 6‬الِ ُك ْم‬

‫(‪ )1‬البقرة‪22-21 :‬‬

‫(‪ )2‬النحل‪36:‬‬

‫(‪ )3‬األنبياء‪25 6:‬‬

‫(‪ )4‬النساء‪163 :‬‬

‫‪6‬‬
‫فهو آخر الرس‪6‬ل عليهم‬ ‫(‪)2‬‬
‫ُول هَّللا ِ َوخَاتَ َم النَّبِيِّينَ }(‪ )1‬وقال ‪ « : ‬أنا خاتم النبيين ال نبي بعدي »‬
‫َولَ ِكن َّرس َ‬
‫الصّالة والسَّالم وآخر األنبياء ألن كل رسول نبي فال يبعث بعده ال رسول وال ن‪66‬بي فمن اعتق‪66‬د أن‪66‬ه يبعث‬
‫بعده رسول أو نبي فهو كافر قال ‪ « : ‬وسيخرج بعدي كذابون ثالثون كل منهم يدعي أنه نبي وأن‪66‬ا خ‪66‬اتم‬
‫النبيين ال نبي بعدي » فمن لم يعتقد ختم الرسالة بمحمد ‪ ‬وأجاز أن يبعث بع‪66‬ده ن‪66‬بي فه‪66‬و ك‪66‬افر باهلل ع‪66‬ز‬
‫وجل مكذب هلل ولرسوله وإلجماع المسلمين‪.‬‬
‫[ أرسله هللا إلى قومه لما غلوا في الصالحين ] الغلو هو مجاوزة الحد‪ .‬والغلو في الصَّالحين هو اعتقاد‬
‫أنهم ينفعون أو يضرون من دون هللا‪ ،‬وود إلخ ه‪66‬ذه أس‪66‬ماء رج‪66‬ال ص‪66‬الحين من ق‪6‬وم ن‪66‬وح م‪66‬اتوا في ع‪66‬ام‬
‫واحد‪ ،‬فحزن قومهم عليهم حزنًا شديدًا فجاء الشيطان إليهم وقال لهم‪ :‬ص ‪6‬وّروا ص‪66‬ورهم وانص‪66‬بوها على‬
‫مجالسهم من أجل أن تتذكروا أحوالهم فتنشطوا على العبادة؛ جاءهم عن طري‪66‬ق النص‪66‬يحة وه‪66‬و يري‪66‬د لهم‬
‫الهالك فخدعهم بهذه الحيلة واعتبروا هذه وسيلة صحيحة ألنها تن ِّشط على العبادة‪ ،‬فه‪66‬ذا في‪66‬ه التح‪66‬ذير من‬
‫فتنة الصور وفتنة الغلو في الصالحين‪ ،‬وهؤالء نظروا لمصلحة جزئية ولم ينتبهوا لم‪66‬ا ي‪66‬ترتب عليه‪66‬ا من‬
‫المفاسد فاإلنسان ال ينظر إلى المصلحة الجزئية وينسى المضار العظيمة التي تترتب عليها في المس‪66‬تقبل‪.‬‬
‫ثم أهلك قوم نوح بالطوفان فاندرست هذه األصنام إلى أن جاء عهد الطاغية وهو مل‪66‬ك من مل‪66‬وك الع‪66‬رب‬
‫يقال له عمرو بن لحي الخزاعي‪ ،‬وكان له سلطان على الحجاز وكان في أول أمره رجالً ناس ‪ً 6‬كا على دين‬
‫قومه ولكن ذهب إلى الشام للعالج‪ ،‬فوجد أن أهل الشام يعبدون األصنام فدخل في فكره هذا الش‪66‬يء فج‪66‬اء‬
‫إلى أهل الحجاز والجزيرة فدعاهم إلى الشرك وجاء الش‪66‬يطان فأرش‪66‬ده إلى م‪66‬واطن األص‪66‬نام ال‪66‬تي ك‪66‬انت‬
‫تعبد عند قوم نوح والتي سفى(‪ )3‬عليها الرمل بعد الطوفان‪ ،‬فحفرها ونقَّب عنها فاستخرجها ووزعه‪6‬ا على‬
‫أحياء الع‪6‬رب فانتش‪6‬ر الش‪6‬رك من ذل‪6‬ك ال‪6‬وقت‪ .‬وك‪6‬انت ه‪6‬ذه األص‪6‬نام الموروث‪6‬ة عن ق‪6‬وم ن‪6‬وح هي أك‪6‬بر‬
‫األصنام وإال فلهم أصنام كثيرة حتى إنه كان حول الكعبة المشرفة ثالثمائة وستون ص‪66‬ن ًما الالت والع‪66‬زى‬
‫[ وآخ*ر الرس*ل‬ ‫(‪)4‬‬
‫ومناة الثالثة األخرى هي أكبر أص‪6‬نامهم[« و ّد وس*واع ويغ*وث ويع*وق ونس*ر » ]‬
‫صالحين* ] كانت حال العرب الدينية قبل بعث النبي محم‪66‬د ‪ ‬هي‬
‫محمد ‪ ‬وهو الذي كسر صور هؤالء ال َّ‬
‫الوثنية ثم بعث هللا نبيه محم‪6‬دًا ‪ ‬بمل‪66‬ة إب‪66‬راهيم الحنيفي‪66‬ة الس‪66‬محة ودع‪66‬اهم إلى التوحي‪66‬د بمك‪66‬ة وبقي ثالث‬
‫عشرة سنة يدعوهم إلى التوحيد بمك‪66‬ة وبقي ثالث‪6‬ة عش‪6‬رة س‪6‬نة ي‪6‬دعوهم إلى التوحي‪66‬د وينك‪6‬ر عليهم عب‪66‬ادة‬
‫األصنام‪ .‬فاستجاب له من أراد هللا له الهداية من َّ‬
‫الص‪6‬حابة ال‪66‬ذين أس‪66‬لموا مع‪66‬ه في مك‪66‬ة‪ .‬ثم إن هللا أذن لهم‬
‫(‪ )1‬األحزاب‪40 :‬‬

‫(‪ )2‬رواه الترمذي في سننه بهذا اللفظ ‪ )34( 369 ،6/368‬كتاب الفتن (‪ )43‬باب ال تقوم الساعة حتى يخرج كذابون حديث رقم ‪220‬‬
‫من حديث ثوبان رضي هللا عنه‪ .‬وانظر صحيح اإلمام البخاري ‪ ،163 6،4/162‬وصحيح مس‪66‬لم ‪ ،4/1791‬ومس‪66‬ند اإلم‪66‬ام أحم‪66‬د ‪2/398‬‬
‫حديث رقم ‪ ،9157‬وسنن أبي داود ‪ ،4/95‬وسنن الدارمي ‪.1/40‬‬
‫(‪ )3‬سفت الريح التراب تسفيه‪َ :‬ذ َر ْتهُ‪ ،‬أو َح َمل ْته‪ .‬انظر القاموس المحيط ص ‪ 1671‬مادة «سفت»‪.‬‬

‫انظر صحيح اإلمام البخاري ‪ 6/73‬من حديث عبد هللا بن عباس رضي هللا عنه‪ ،‬كتاب التفسير ب‪6‬اب ودًا وس‪6‬واعًا ويغ‪6‬وث ويع‪6‬وق‬ ‫(‪)4‬‬
‫ونسرً ا (إنا أرسلنا) بنحوه‪. 6‬‬

‫‪7‬‬
‫بالهجرة إلى الحبش‪66‬ة ثم إلى المدين‪66‬ة وه‪66‬اجر الن‪66‬بي ‪ ‬إلى المدين‪66‬ة‪ .‬واجتم‪66‬ع حول‪66‬ه المه‪66‬اجرون واألنص‪66‬ار‬
‫وك ّون جيوش التوحيد وصاروا يغ‪66‬زون المش‪66‬ركين‪ ..‬إلى أن ج‪66‬اء في الس‪66‬نة الثامن‪66‬ة من الهج‪66‬رة إلى مك‪66‬ة‬
‫فات ًحا وصارت مكة تحت سلطة الرسول ‪ ‬وعند ذلك كسر هذه األصنام التي حول الكعبة وغسل الص‪66‬ور‬
‫التي في جوف الكعب‪66‬ة‪ ،‬وأرس‪66‬ل إلى األص‪66‬نام ال‪66‬تي ح‪66‬ول مك‪66‬ة (الالت والع‪66‬زى ومن‪66‬اة) من َّ‬
‫الص‪6‬حابة من‬
‫كسرها ومنها صور هؤالء ال َّ‬
‫ص الحين من قوم نوح وانتشر التوحيد واندحر الشرك وهلل الحمد‪.‬‬
‫وهذا معنى قول الشيخ – رحمه هللا – (كسر صور هؤالء الصَّالحين) وذلك يوم فتح مكة وطهّر هللا ب‪6‬ه‬
‫حرمه الشريف من هذه األصنام‪.‬‬
‫وامتد التوحيد من بعثته ‪ ‬وعهد الخلفاء الراشدين وعهد القرون المفض‪66‬لة كله‪66‬ا خاليً‪66‬ا من الش‪66‬رك فلم‪66‬ا‬
‫َ‬
‫والتش ‪6‬يُّع وعن‪66‬د ذل‪66‬ك ح‪66‬دث الش‪66‬رك في األم‪66‬ة بعب‪66‬ادة القب‪66‬ور‬ ‫انتهت الق‪66‬رون المفض‪66‬لة انتش‪66‬ر التص ‪6‬وّف‬
‫واألضرحة وتقديس األولياء والصالحين إلى وقتنا ه‪66‬ذا‪ ،‬وه‪66‬ذا الش‪66‬رك موج‪66‬ود في األم‪66‬ة ولكن يقيّض هللا‬
‫جل وعال من يقيم الحجة على العباد من الدعاة المخلصين‪ ،‬ويهدي هللا على أيديهم من أراد هللا هدايته‪.‬‬
‫وهكذا ينبغي ويجب على طلبة العلم والدعاة أن يهتموا بهذا األمر وأن يجعلوا ال‪66‬دعوة للتوحي‪66‬د وإنك‪66‬ار‬
‫ّ‬
‫والس‪66‬الم‪،‬‬ ‫الشرك ودحض الشبهات من أولويات دعوتم فهذا هو الواجب وهذه دعوة الرسل عليهم الصّالة‬
‫ألن كل أمر يهون دون الشرك‪ ،‬فما دام الشرك موجودًا فكيف تنكر األمور األخرى! الب‪66‬د أن نب‪66‬دأ بإنك‪66‬ار‬
‫الشرك أوالً ونخلّص المسلمين من هذه العقائد الجاهلية ونبيّن لهم بالحجة والبرهان وبالجهاد في سبيل هللا‬
‫إذا أمكن ذلك حتى تعود الحنيفية إلى المسلمين كل بحسب استطاعته ومقدرته في كل مكان وزم‪66‬ان‪ .‬يجب‬
‫بأمور ُأخ‪66‬رى ويب‪66‬ذلوا جه‪66‬ودهم فيه‪66‬ا وال يغط‪66‬وا أعينهم عن‬
‫ٍ‬ ‫على الدعاة أال يغفلوا عن هذا األمر ويهتموا‬
‫واقع الناس الواقعين في الشرك وعبادة األضرحة واس‪66‬تيالء ال ُخراف‪66‬يين وط‪66‬واغيت الص‪66‬وفية على عق‪66‬ول‬
‫الناس‪ .‬هذا أمر ال يجوز السُّكوت عليه وكل دع‪66‬وة ال تتج‪6‬ه للنهي عن‪6‬ه فهي دع‪66‬وة ناقص‪6‬ة أو دع‪66‬وة غ‪66‬ير‬
‫صالحة أو دعوة غير مثمرة‪.‬‬
‫كما إنه يجب أن يعلم أن اإلق‪6‬رار بتوحي‪6‬د الربوبي‪6‬ة ال يكفي وال ينف‪6‬ع إال إذا ك‪6‬ان مع‪6‬ه اإلق‪6‬رار بتوحي‪6‬د‬
‫األلوهية وتحقيقه قوالً وعمالً واعتقادًا‪ّ ،‬‬
‫وأن المشركين الذين بعث إليهم نبينا محمد ‪ ‬كانوا مقرين بتوحي‪66‬د‬
‫الربوبية ولم ينفعهم إقرارهم به لما كانوا جاحدين لتوحيد األلوهية‪.‬‬
‫[ أرسله إلى قوم يتعبدون ويحجون ويتصدقون ويذكرون هللا كثي ًرا‪ .‬ولكنهم يجعلون بعض المخلوقات‬
‫وسائط بينهم وبين هللا‪ .‬يقولون نريد منهم التقرب* إلى هللا‪ .‬ونريد شفاعتهم عنده‪ .‬مثل المالئكة وعيسى‬
‫ومريم وأناس غيرهم من الصالحين‪ ،‬فبعث هللا محمدًا ‪ ‬يجدد لهم دين أبيهم إب**راهيم ويخ**برهم أن ه**ذا‬
‫التقرب* واالعتقاد محض حق هللا ال يصلح منه شيء ال لملك مقرب وال لنبي مرسل فضالً عن غيرهم**ا‪،‬‬
‫وإال فهؤالء المشركون مقرون يشهدون أن هللا هو الخالق الرزاق وحده ال شريك له‪ ،‬وأنه ال ي**رزق إال‬
‫هو وال يح**يي إال ه*و وال يميت إال ه*و وال ي**دبّر األم*ر إال ه*و وأن جمي*ع الس*ماوات* الس**بع ومن فيهن‬
‫واألرضين السبع ومن فيها كلها عبيده وتحت تصرفه وقهره ] أي أن مش‪6‬ركي الع‪6‬رب ال‪6‬ذين بُعث إليهم‬

‫‪8‬‬
‫محمد ‪ ‬يعبدون هللا ولم تنفعهم هذه العب‪66‬ادة لم‪66‬ا ك‪66‬انت مخلوط‪66‬ة بالش‪66‬رك األك‪66‬بر‪ ،‬وال ف‪66‬رق بين أن يك‪66‬ون‬
‫المشرك به مع هللا سبحانه صن ًما أو عبدًا صالحًا أو نبيًا مرسالً أو مل ًكا مقربًا وال أن يكون قصد المش‪66‬رك‬
‫أن معبوده ليس شري ًكا هلل في ملكه بل هو مجرد وسيلة إلى هللا ومقرب إليه‪.‬‬
‫فدل ذلك على أمرين‪:‬‬
‫األول‪ :‬أن اإلقرار بتوحيد الربوبية وحده ال يكفي للدخول في اإلسالم وال يعصم الدم والم‪66‬ال وال ينجّي‬
‫من عذاب هللا‪.‬‬
‫األمر الثاني‪ *:‬أن عبادة هللا إذا دخلها شيء من الشرك أفسدها فال تصح العبادة إال مع اإلخالص‪.‬‬
‫[ فإذا أردت الدليل على أن هؤالء المشركين* الذين قاتلهم رسول هللا ‪ ‬يشهدون هلل هذه الشهادة فاقرأ‬
‫ار َو َمن يُ ْخ* ِر ُج ا ْل َح َّي ِمنَ‬ ‫الس* ْم َع واَأل ْب َ‬
‫ص* َ‬ ‫ض َأ َّمن يَ ْملِ* ُك َّ‬
‫الس* َما ِء َواَأل ْر ِ‬ ‫قوله تعالى‪ { :‬قُ ْل َمن يَ* ْ*ر ُزقُ ُكم ِّمنَ َّ‬
‫س*يَقُولُونَ هَّللا ُ فَقُ* ْل َأفَالَ تَتَّقُ*ونَ }(‪ )1‬وقول*ه‪ { :‬قُ*ل لِّ َم ِن‬ ‫ت َويُ ْخ* ِر ُج ا ْل َميَّتَ ِمنَ ا ْل َح ِّي َو َمن يُ* َدبِّ ُر اَأل ْم َ‬
‫*ر فَ َ‬ ‫ا ْل َميِّ ِ‬
‫الس * ْب ِع َو َر ُّب‬
‫ت َّ‬‫اوا ِ‬ ‫سيَقُولُونَ هَّلِل ِ قُ ْل َأفَالَ تَ َذ َّك ُرونَ ‪ ،‬قُ * ْل َمن َّر ُّب َّ‬
‫الس * َم َ‬ ‫ض َو َمن فِي َها ِإن ُكنتُ ْم تَ ْعلَ ُمونَ ‪َ ،‬‬ ‫اَأل ْر ُ‬
‫سيَقُولُونَ هَّلِل ِ قُ ْل َأفَالَ تَتَّقُونَ }(‪ )2‬وغير ذلك من اآلي**ات ] يق‪6‬ول الش‪6‬يخ رحم‪6‬ه هللا تع‪6‬الى‪:‬‬ ‫يم ‪َ ،‬‬ ‫ش ا ْل َع ِظ ِ‬
‫ا ْل َع ْر ِ‬
‫فإذا طلبت الدليل على أن المشركين مقرُّ ون به‪66‬ذا – يع‪66‬ني بتوحي‪66‬د الربوبي‪66‬ة – وأنهم يش‪66‬ركون في توحي‪66‬د‬
‫األلوهية‪ ،‬إذا أردت الدليل على هذه المسألة العظيمة التي يُعرف بها الحق من الباط‪66‬ل ف‪66‬اقرأ قول‪66‬ه تع‪66‬الى‪:‬‬
‫ي ِمنَ ْال َميِّ ِ‬
‫ت َوي ُْخ‪ِ 6‬ر ُج‬ ‫ْص‪6‬ا َر َو َمن ي ُْخ‪ِ 6‬ر ُج ْال َح َّ‬
‫الس‪ْ 6‬م َع واَألب َ‬
‫ك َّ‬‫ض َأ َّمن يَ ْملِ ُ‬
‫{ قُلْ َمن يَرْ ُزقُ ُكم ِّمنَ ال َّس َما ِء َواَألرْ ِ‬
‫ْال َميَّتَ ِمنَ ْال َح ِّي َو َمن يُ َدبِّ ُر اَأل ْم َر فَ َس‪6‬يَقُولُونَ هَّللا ُ فَقُ‪6‬لْ َأفَالَ تَتَّقُ‪66‬ونَ } فالمش‪6‬ركون يع‪6‬ترفون ب‪6‬أن هللا س‪6‬بحانه‬
‫وتعالى هو الخالق الرازق المتصرف في عباده الذي بيده األمر ال ينكر أحد منهم ه‪66‬ذا ق‪66‬ال تع‪66‬الى‪ { :‬قُ‪66‬لْ‬

‫َمن يَرْ ُزقُ ُكم ِّمنَ ال َّس َما ِء َواَألرْ ِ‬


‫ض } هذا الرزق الذي تأكلون منه وتش‪66‬ربون وتلبس‪66‬ون وتركب‪66‬ون من ال‪66‬ذي‬
‫جاء به هل جاءت به األصنام؟ األصنام جمادات وحجارة‪ ،‬أم األشجار أو األموات أو القب‪66‬ور واألض‪66‬رحة‬
‫ك َّ‬
‫الس‪ْ 6‬م َع‬ ‫كلها ال تأتي ب‪6‬أرزاقكم فهم يع‪6‬ترفون ب‪66‬أن أص‪66‬نامهم ال تخل‪6‬ق وال ت‪6‬رزق ق‪6‬ال تع‪6‬الى‪َ { :‬أ َّمن يَ ْملِ‪ُ 6‬‬
‫ار } السمع الحاسة العظيمة التي تسمع بها األصوات والبصر الذي تبصر به المرئيات هذه العين‬ ‫واَألب َ‬
‫ْص َ‬
‫التي يجعل هللا فيها هذا البصر وهذا النُّور من الذي خلقه فيك؟ هل خلقه أحد غير هللا؟ فهل رأيتم أح ‪6‬دًا من‬
‫الخلق أوجد في أحد السمع إذا سلب منه وهل يستطيع أح‪66‬د أن ي‪66‬رد لألعمى البص‪66‬ر ال‪66‬ذي ذهب عن‪66‬ه؟ ل‪66‬و‬
‫اجتمع أهل األرض كلهم على أن يجعلوا في عينه بص ًرا ما استطاعوا ال األصنام وال األطباء وال الحُذاق‬
‫من العلماء‪ ،‬فالمشركون معترفون بأن أصنامهم ال تعمل أي شيء من ذلك قال تعالى‪ { :‬قُلْ َأ َرَأ ْيتُ ْم ِإ ْن َأ َخ َذ‬
‫ْص‪6‬ا َر ُك ْم َوخَ تَ َم َعلَى قُلُ‪66‬وبِ ُكم َّم ْن ِإلَـهٌ َغ ْي‪ُ 6‬ر هَّللا ِ يَ‪ْ6‬أتِي ُكم بِ‪ِ 6‬ه }(‪ )1‬ال يوج‪66‬د أح‪66‬د يجيب عن ه‪66‬ذا‬
‫هَّللا ُ َس‪ْ 6‬م َع ُك ْم َوَأب َ‬
‫السؤال وال أحد يستطيع غير هللا أن يأتي بالسمع والبصر‪.‬‬

‫(‪ )1‬يونس‪31 :‬‬

‫(‪ )2‬المؤمنون‪87-84 :‬‬

‫(‪ )1‬األنعام‪46 :‬‬

‫‪9‬‬
‫ت َوي ُْخ‪ِ 6‬ر ُج ْال َميَّتَ ِمنَ ْال َح ِّي } ه‪66‬ذا من العج‪66‬ائب يخ‪66‬رج الحي من الميت‬
‫ي ِمنَ ْال َميِّ ِ‬
‫{ َو َمن ي ُْخ‪ِ 6‬ر ُج ْال َح َّ‬
‫يُخرج الزرع من الحبّة ويخرج المؤمن من الكافر { َوي ُْخ ِر ُج ْال َميَّتَ ِمنَ ْال َح ِّي } يخرج الكافر من المؤمن‬
‫ويخرج البيضة من الطائر‪ .‬الذي يقدر على هذا هو هللا سبحانه وتعالى‪َ { :‬و َمن يُ َدبِّ ُر اَأل ْم َر } ه‪66‬ذا عم‪66‬وم‪.‬‬
‫يعني كل األمور من الموت والحياة والمرض والصحة والكف‪66‬ر واإليم‪66‬ان والغ‪66‬نى والفق‪66‬ر واللي‪66‬ل والنه‪66‬ار‬
‫والعز والذل والمل‪66‬ك يعطي ذل‪66‬ك من يش‪66‬اء ويأخ‪66‬ذه ممن يش‪6‬اء ك‪66‬ل م‪66‬ا يج‪66‬ري في ه‪66‬ذا الك‪66‬ون من تقلب‪6‬ات‬
‫وتغيّرات من الذي يوجد هذه التغيرات وهذه التقلبات؟ فسيقولون هللا‪ ،‬فقال هللا لنبيه ‪{: ‬فَقُ‪66‬لْ َأفَالَ تَتَّقُ‪66‬ونَ }‬
‫ما دام أنكم معترفون أن هذه األم‪66‬ور بي‪66‬د هللا وأن أص‪66‬نامكم ال تفع‪66‬ل ش‪66‬يًئا منه‪66‬ا أفال تتق‪66‬ون هللا ع‪66‬ز وج‪66‬ل‬
‫وتوحدون‪66‬ه وتفردون‪66‬ه بالعب‪66‬ادة ألنكم إن لم تتق‪66‬وا هللا ف‪66‬إن هللا يع‪66‬ذبكم ألن‪66‬ه أق‪66‬ام عليكم الحج‪66‬ة وقط‪66‬ع منكم‬
‫ق فَ َم‪66‬ا َذا بَ ْع‪َ 6‬د ْال َح‪ِّ 6‬‬
‫ق ِإالَّ‬ ‫المعذرة فلم يبق إال العذاب ما دمتم عرفتم الحق ولم تعملوا به { فَ َذلِ ُك ُم هّللا ُ َربُّ ُك ُم ْال َح ُّ‬
‫ضالَ ُل فََأنَّى تُصْ َرفُونَ }(‪ )2‬تبين لكم أن العبادة حق هلل تعالى فال معبود بح‪6‬ق إال هللا س‪6‬بحانه وتع‪6‬الى ف‪6‬إن‬
‫ال َّ‬
‫لم تعبدوه فإن هذا ضالل فماذا بعد الحق الذي هو التوحيد وإفراد هللا بالعبادة إال الضالل الذي هو الشرك‪.‬‬
‫صا في أمر التوحيد والعقيدة‪ .‬يقبل الحق إذا تبين له‬
‫فليحذر المسلم من هذا وليقبل الحق إذا تبين له خصو ً‬
‫ويخاف أن يصرف عنه فال يقبله بعد ذل‪66‬ك وقول‪66‬ه تع‪66‬الى‪ { :‬قُ‪66‬ل لِّ َم ِن اَألرْ ضُ َو َمن فِيهَ‪66‬ا ِإن ُكنتُ ْم تَ ْعلَ ُم‪66‬ونَ ‪،‬‬
‫ش ْال َع ِظ ِيم‪َ ،‬س‪6‬يَقُولُونَ هَّلِل ِ قُ‪66‬لْ َأفَالَ‬
‫الس‪6‬ب ِْع َو َربُّ ْال َع‪66‬رْ ِ‬ ‫ت َّ‬ ‫َسيَقُولُونَ هَّلِل ِ قُلْ َأفَالَ تَ‪َ 6‬ذ َّكرُونَ ‪ ،‬قُ‪66‬لْ َمن رَّبُّ َّ‬
‫الس‪َ 6‬ما َوا ِ‬
‫وت ُكلِّ َش ْي ٍء َوه َُو ي ُِج‪ 6‬ي ُر َوال ي َُج‪ 6‬ا ُر َعلَ ْي‪ِ 6‬ه ِإن ُكنتُ ْم تَ ْعلَ ُم‪66‬ونَ ‪َ ،‬س‪6‬يَقُولُونَ هَّلِل ِ قُ‪66‬لْ فَ‪َ6‬أنَّى‬
‫تَتَّقُونَ ‪ ،‬قُلْ َمن بِيَ ِد ِه َملَ ُك ُ‬
‫تُس َْحرُونَ }(‪ )3‬هذه آيات من سورة المؤمنون مثل اآليات التي في سورة يونس التي ساقها المصنِّف ومث‪66‬ل‬
‫غيرها من اآليات التي تقرر أن المشركين يعترفون هلل بربوبيته ولكنهم يعارضون في توحيد األلوهية‪.‬‬
‫قال تعالى‪ { :‬قُل لِّ َم ِن اَألرْ ضُ َو َمن ِفيهَا ِإن ُكنتُ ْم تَ ْعلَ ُمونَ ‪َ 6،‬سيَقُولُونَ هَّلِل ِ } م‪66‬ادامت األرض ومن فيه‪66‬ا هلل‬
‫كيف تعبدون األصنام التي ال تملك شيًئا وتعبدون القبور الميتة التي ال حياة في أصحابها؟‬
‫{ َأفَالَ تَ َذ َّكرُونَ } أفال تذكرون أن الذي يملك األرض ومن فيها هو المستحق للعبادة دون هذه األصنام‬
‫التي تعبدونها‪.‬‬
‫وهذا إقامة للحجة عليهم بما يعترفون به على ما جحدوه فهم يعترفون بتوحيد الربوبية ويجحدون توحيد‬
‫األلوهية‪.‬‬
‫مقرون بهذا‪ ،‬ولم يدخلهم في التوحيد الذي دعاهم إليه رسول هللا ‪ ‬وع**رفت أنت‬
‫[ فإذا تحققت أنهم ُّ‬
‫التوحيد الذي جحدوه هو توحيد العبادة الذي يسميه المشركون في زمانن *ا* االعتق**اد ] أي إذا ع‪66‬رفت أن‬
‫المشركين مقرون بتوحيد الربوبية وأن الذي جحدوه هو توحي‪66‬د األلوهي‪66‬ة وهم يقول‪66‬ون إن هللا ه‪66‬و الخ‪66‬الق‬
‫الرازق المحيي المميت لكن إذا قيل لهم قولوا ال إله إال هللا قالوا‪َ { :‬أ َج َع َل اآللِهَةَ ِإلَهًا َوا ِحدًا ِإ َّن هَ ‪َ 6‬ذا لَ َش ‪ْ 6‬ي ٌء‬

‫(‪ )2‬يونس‪32 :‬‬

‫(‪ )3‬المؤمنون‪89-84 :‬‬

‫‪10‬‬
‫ع َُجابٌ }(‪ )1‬أي إذا قيل لهم اعبدوا هللا وال تشركوا ب‪6‬ه ش‪6‬يًئا ق‪6‬الوا كم‪6‬ا ق‪6‬ال ق‪6‬وم ن‪6‬وح من قب‪6‬ل‪ { :‬ال تَ‪َ 6‬ذر َُّن‬
‫ق َونَ ْسرًا }(‪.)2‬‬ ‫آلِهَتَ ُك ْم َوال تَ َذر َُّن َو ًّدا َوال س َُواعًا َوال يَ ُغ َ‬
‫وث َويَعُو َ‬
‫كذلك هؤالء المشركون كان الجدال الذي بينهم وبين الرسول ‪ ‬هو في عب‪66‬ادة هللا وح‪66‬ده ال ش‪66‬ريك ل‪66‬ه‪،‬‬
‫فالرسول ‪ ‬يقول لهم قولوا ال إله إال هللا تفلحوا وهم يقولون‪َ { :‬أ َج َع َل اآللِهَةَ ِإلَهًا َو ِ‬
‫احدًا }(‪.)3‬‬
‫ويقولون هذا دين آبائنا وأجدادنا حتى إن أبا طالب عند الوفاة لما طلب منه الرسول ‪ ‬أن يقول‪ « :‬ال إله‬
‫‪ 6،‬وملة عبد المطلب عب‪6‬ادة األص‪6‬نام‪ .‬ه‪6‬ذا ه‪6‬و‬ ‫(‪)4‬‬
‫إال هللا » أبى أن يقولها‪ .‬وقال‪ :‬هو على ملة عبد المطلب‬
‫محل النزاع بين الرسل وبين األمم فالرسل يقولون لألمم اعبدوا هللا وال تشركوا به ش‪66‬يًئا ولكن المش‪66‬ركين‬
‫أبوا إال البقاء على عبادة األصنام‪ ،‬فالخصومة بين الرسل وبين األمم هي في توحيد األلوهي‪66‬ة‪ .‬أم‪66‬ا توحي‪66‬د‬
‫الربوبية فهو محل إجماع عند الجميع لم يخالفوا فيه وإنم‪66‬ا خ‪66‬الفوا في توحي‪66‬د األلوهي‪66‬ة فه‪66‬و مح‪66‬ل ال‪66‬نزاع‬
‫وهو الذي شرع من أجله الجهاد في سبيل هللا يقول الرسول ‪ « : ‬أمرت أن أقات‪66‬ل الن‪66‬اس ح‪66‬تى يقول‪66‬وا ال‬
‫إله إال هللا »(‪.)5‬‬
‫فل‪66‬و ك‪66‬ان الرس‪66‬ول ‪ ‬يطلب منهم اإلق‪66‬رار بتوحي‪66‬د الربوبي‪66‬ة م‪66‬ا ص‪66‬ار بينهم خص‪66‬ومة وال ن‪66‬زاع ألنهم‬
‫معترفون به‪ [ .‬كما كانوا يدعون هللا سبحانه ليالً ونها ًرا ] وه‪66‬ذا أم‪66‬ر ث‪66‬ان من ش‪66‬أن المش‪66‬ركين كم‪66‬ا أنهم‬
‫أيض‪6‬ا يعب‪66‬دون هللا فيدعون‪66‬ه ويحج‪66‬ون إلى ال‪66‬بيت ويعتم‪66‬رون ويتص‪66‬دقون‬
‫يع‪66‬ترفون بتوحي‪66‬د الربوبي‪66‬ة فهم ً‬
‫ويعبدون هللا بأنواع من العبادة لكنهم يخلطونها بالشرك بحيث يعبدون هللا ويعبدون غيره‪ ،‬وه‪66‬ذا ال ينفعهم‬
‫شيًئ ا ألن الشرك يبطل عبادتهم فالعبادة ال تنفع إال مع اإلخالص ولهذا يقول جل وعال‪َ { :‬وا ْعبُد ْ‬
‫ُوا هَّللا َ َوالَ‬
‫وا بِ ِه َش ْيًئا }(‪ )6‬وقال سبحانه وتعالى‪ { :‬فَ َمن َكانَ يَرْ ُج‪66‬و لِقَ‪66‬ا َء َربِّ ِه فَ ْليَ ْع َم‪6‬لْ َع َماًل َ‬
‫ص‪6‬الِحًا َوال ي ُْش‪ِ 6‬ر ْك‬ ‫تُ ْش ِر ُك ْ‬
‫بِ ِعبَا َد ِة َربِّ ِه َأ َحدًا }(‪ .)7‬ما اقتصر على قوله فليعمل عمالً صالحًا‪.‬‬
‫بل البد أن يتجنب الشرك فإذا كان لم يتجنب الشرك ولو كان يعمل أعماالً كثيرة فإنها تبطل وال تنفع‪.‬‬
‫فالمشركون كان عندهم عبادات هلل عز وجل وهي من بقايا دين إبراهيم الخليل عليه السَّالم‪ ،‬فك‪6‬انوا في‬
‫البداية على دين إبراهيم ولكن لما جاء عمرو بن لحي الخزاعي غيّر دينهم وأدخل فيه الش‪66‬رك‪ ،‬لكن بقيت‬
‫صا إذا وقعوا في الش‪66‬دة ف‪66‬إنهم يخلص‪66‬ون‬
‫بقايا من دين إبراهيم عندهم وهم مشركون فهم يدعون هللا خصو ً‬
‫(‪ )1‬ص~‪5:‬‬

‫(‪ )2‬نوح‪23 :‬‬

‫(‪ )3‬ص~‪5:‬‬

‫رواه البخاري في صحيحه ‪ 6/17،18‬من حديث المسيب بن حزن رضي هللا عنه كتاب التفسير (س‪6‬ورة القص‪6‬ص)‪ ،‬وانظ‪6‬ر الفتح‬ ‫(‪)4‬‬
‫‪.3/222 ،6-8/5‬‬
‫(‪ )5‬رواه البخاري في صحيحه ‪ ،141-9/140‬كتاب االعتصام باب االقتداء بسنن رسول هللا ‪ ... ‬من حديث أبي هريرة رضي هللا عنه‬
‫وفي رواية‪ « :‬إلى أن يشهدوا أن ال إله إال هللا » صحيح البخاري ‪ 12 6 ،1/11‬كتاب اإليمان باب فإن تابوا وأقاموا الصالة وآت‪66‬وا الزك‪66‬اة‬
‫فخلّوا سبيلهم‪.‬‬
‫(‪ )6‬النساء‪36 :‬‬

‫(‪ )7‬الكهف‪110 :‬‬

‫‪11‬‬
‫الدعاء هلل عز وجل ويتركون دع‪66‬اء األص‪66‬نام ألنه‪66‬ا ال تنف‪66‬ع في ه‪66‬ذا الموق‪66‬ف وال تنج‪66‬دهم في وقت الش‪66‬دة‬
‫ض ‪َّ 6‬ل َمن تَ ‪ْ 6‬د ُعونَ ِإالَّ ِإيَّاهُ فَلَ َّما نَجَّا ُك ْم ِإلَى ْالبَ ‪ِّ 6‬ر‬
‫ض ‪6‬رُّ فِي ْالبَحْ ‪ِ 6‬ر َ‬
‫عليهم به‪66‬ذا فق‪66‬ال س‪66‬بحانه‪َ { :‬وِإ َذا َم َّس ‪ُ 6‬ك ُم ْال ُّ‬
‫ص‪6‬ينَ لَ‪6‬هُ ال‪ِّ 6‬دينَ‬ ‫َأ ْع َرضْ تُ ْم َو َكانَ اِإل ْن َسانُ َكفُورًا }(‪ )1‬وقال تعالى‪َ { :‬وِإ َذا غ َِشيَهُم َّموْ ٌج َك ُّ‬
‫الظلَ ِل َدعَ‪ُ 6‬وا هَّللا َ ُم ْخلِ ِ‬
‫ار َكفُ ٍ‬
‫ور }(‪.)2‬‬ ‫فَلَ َّما نَجَّاهُ ْم ِإلَى ْالبَرِّ فَ ِم ْنهُم ُّم ْقت ِ‬
‫َص ٌد َو َما يَجْ َح ُد بِآيَاتِنَا ِإالّ ُكلُّ خَ تَّ ٍ‬
‫فالعبادات إذا خالطها شرك تكون باطلة‪ .‬فالذين ي‪َّ 6‬دعون اإلس‪66‬الم اآلن ويص‪66‬لّون ويص‪66‬ومون ويح ّج‪66‬ون‬
‫ولكنهم يَ ‪ْ 6‬دعُون الحس‪66‬ين والب‪66‬دوي وعب‪66‬د الق‪66‬ادر الجيالني ه‪66‬ؤالء مث‪66‬ل المش‪66‬ركين األولين؛ فالمش‪66‬ركون‬
‫يتعبدون هلل عز وجل ولكنهم يدعون الالت والعزى ومناة الثالثة األخ‪66‬رى وال يقول‪66‬ون إن ه‪6‬ذه أرب‪66‬اب ب‪66‬ل‬
‫يقولون هذه تقربنا إلى هللا زلفى نري‪6‬د منه‪6‬ا ال‪6‬زلفى عن‪6‬د هللا والتق‪6‬رب إلى هللا‪ ،‬فهي وس‪6‬ائط وش‪6‬فعاء بينن‪6‬ا‬
‫وبين هللا‪ .‬وهؤالء يقولون الحسن والحسين وعبد القادر والب‪66‬دوي إنم‪66‬ا هم ش‪66‬فعاء لن‪66‬ا عن‪66‬د هللا وال يقول‪66‬ون‬
‫إنهم يخلقون ويرزق‪6‬ون ويتص‪6‬رفون في ش‪6‬يء من األم‪6‬ور وإنم‪6‬ا ه‪6‬ذا هلل ع‪6‬ز وج‪6‬ل‪ ،‬إنم‪6‬ا ه‪6‬ؤالء وس‪6‬ائط‬
‫وشفعاء‪ .‬ويقول بعض الناس هؤالء مسلمون فنقول ولماذا ال يكون كفار قريش مسلمين أيضًا؟!‪.‬‬
‫وهذا القائل ليس عنده فهم للتوحيد وال بصيرة ألنه ما فهم التوحي‪6‬د‪ .‬وال‪6‬واجب على اإلنس‪6‬ان أن يع‪6‬رف‬
‫هذا األمر ألنه مهم جدًا وهذه هي الثقافة الص‪66‬حيحة‪ .‬ليس‪66‬ت الثقاف‪66‬ة أن تع‪66‬رف أح‪66‬وال الع‪66‬الم والحكوم‪66‬ات‬
‫والسياسات‪ ،‬هذه ثقافة ال تنفع وال تضر‪ .‬الثقافة التي تنفع هي معرفة التوحيد الصحيح ومعرفة م‪66‬ا يض‪66‬اده‬
‫من الشرك أو ينقصه من البدع والمحدثات‪ ،‬هذه هي الثقافة الصحيحة وهذا هو المطلوب من المس‪66‬لم ومن‬
‫طالب العلم أن يعرف التوحيد وأن يدعو إليه هذا هو المطلوب‪ .‬ماذا ينفع العلم الكثير من غير تحقيق ومن‬
‫غير بصيرة؟ ال ينفع شيًئا وال يفيد صاحبه شيًئا إذا لم يكن مبنيًا على تحقي‪66‬ق وتوحي‪66‬د وعب‪66‬ادة هلل ومعرف‪66‬ة‬
‫للحق من الباطل فإنه ال ينفع صاحبه إذا كان مجرد اطالع أو مجرد ثقافة عامة‪.‬‬
‫ص*الحا مث*ل‬
‫ً‬ ‫[ ثم منهم من يدعو المالئكة ألجل صالحهم وقربهم من هللا ليشفعوا له‪ ،‬أو ي*دعو رجالً‬
‫الالت أو نبيًا* مثل عيسى ] هؤالء المشركون متفرقون في عباداتهم منهم من يعبد المالئكة ومنهم من يعبد‬
‫عيسى بن مريم ومنهم من يعبد ال َّ‬
‫صالحين‪ .‬هذا دين المشركين وه‪66‬و الواقع في كث‪66‬ير من الع‪66‬الم اإلس‪66‬المي‬
‫اليوم مع األسف يعب‪6‬دون هللا ويح ّج‪66‬ون ويص‪6‬ومون ويص‪66‬لّون لكنهم واقع‪66‬ون في الش‪6‬رك األك‪6‬بر فيعب‪6‬دون‬
‫األموات ويذبحون لهم ويستغيثون بهم وقد يعتذر لهم بعض من ال بصيرة عنده بالتوحيد‪.‬‬
‫فيق‪66‬ول‪ :‬ه‪6‬ؤالء مع‪66‬ذورون وال يعتق‪66‬دون في األم‪66‬وات أنهم يخلق‪66‬ون ويرزق‪66‬ون وإنم‪66‬ا اتخ‪66‬ذوهم وس‪66‬ائط‬
‫وشفعاء‪ ،‬فإن استحيى قال‪ :‬هؤالء مخطئون وربم‪66‬ا يق‪66‬ول‪ :‬ه‪66‬ؤالء مجته‪66‬دون والمجته‪66‬د م‪66‬أجور أو يق‪66‬ول‪:‬‬
‫هؤالء جهال‪ ،‬وكيف يكونون جهاالً والقرآن يتلى عليهم واألحاديث تس‪66‬مع وكالم أه‪66‬ل العلم ي‪66‬تردد عليهم‪،‬‬
‫بل هؤالء معاندون ألنهم قد قامت عليهم الح ّجة فلم يقبلوها‪ .‬وهناك من يقول إن اإلنسان مهما فعل ومهم‪66‬ا‬
‫قال ال يحكم عليه بالكفر وال بالشرك حتى يعلم ما في قلبه‪ ،‬ويا سبحان هللا هل نحن نعلم م‪66‬ا في القل‪66‬وب أو‬
‫هللا الذي يعلم م‪66‬ا في القل‪66‬وب؟ نحن نحكم على الظ‪66‬واهر أم‪66‬ا الب‪66‬واطن فال يعلمه‪66‬ا إال هللا س‪66‬بحانه وتع‪66‬الى‪،‬‬

‫(‪ )1‬اإلسراء‪67 :‬‬

‫(‪ )2‬لقمان‪32 :‬‬

‫‪12‬‬
‫فالذي يعمل بالشرك يحكم عليه أنه مشرك ويعامل معامل‪66‬ة المش‪66‬ركين ح‪66‬تى يت‪66‬وب إلى هللا تع‪66‬الى ويل‪66‬تزم‬
‫بعقيدة التوحيد‪ .‬كما أن الذي يعمل بالتوحيد وينطق بالشهادتين يعامل معاملة المسلمين ما لم يظهر منه م‪66‬ا‬
‫يناقض ذلك فنعامل كالً حسب ما يظهر منه‪.‬‬
‫[ وعرفت أن رسول هللا ‪ ‬قاتلهم على هذا الشرك‪ *،‬ودع*اهم إلى إخالص العب*ادة هلل وح*ده‪ ،‬كم*ا ق*ال‬
‫سا ِج َد هَّلِل ِ فَال تَ ْدعُوا َم َع هَّللا ِ َأ َحدًا }(‪ ] )1‬أي وعرفت أن تَ َعبُّدهُم هلل مع الشرك به لم ينفعهم‬
‫تعالى‪َ { :‬وَأنَّ ا ْل َم َ‬
‫ألن الرسول ‪ ‬لم يقبله منهم بل دعاهم إلى إفراد هللا بالعبادة وترك عبادة ما سواه‪ .‬وهذه اآلية تمن‪66‬ع عب‪66‬ادة‬
‫المالئكة وتمنع عبادة الرسل وتمنع عبادة الصالحين ففيها إبطال عبادة غ‪66‬ير هللا ع‪66‬ز وج‪66‬ل كائنً‪66‬أ من ك‪66‬ان‬
‫ولو كان أصحابها ال يعتقدون فيهم أنهم يخلقون ويرزقون‪.‬‬
‫وإنم‪6‬ا يقول‪6‬ون إن ه‪6‬ؤالء ص‪6‬الحون فيتخ‪6‬ذونهم وس‪6‬ائط بينهم وبين هللا وش‪6‬فعاء لهم عن‪6‬د هللا ع‪َّ 6‬ز وج‪َّ 6‬ل‬
‫يقربونهم إلى هللا زلفى كما قال تعالى‪َ { :‬ويَ ْعبُ ُدونَ ِمن دُو ِن هَّللا ِ َما الَ يَضُرُّ هُ ْم َوالَ يَنفَ ُعهُ ْم َويَقُولُ‪66‬ونَ هَـُؤال ِء‬
‫ُشفَ َعاُؤ نَا ِعن َد هَّللا ِ }(‪ )2‬وفي زماننا الحاضر يقولون هؤالء وسائل نتوس‪6‬ل بهم إلى هللا ع‪6‬ز وج‪6‬ل وه‪6‬ذا كل‪6‬ه‬
‫دين الجاهلية وهو باطل‪ .‬ألنّه عبادة لغير هللا عز وجل‪.‬‬
‫س*ت َِجيبُونَ لَ ُهم بِ َ‬
‫ش* ْي ٍء }(‪ ])3‬ل‪6‬ه دع‪6‬وة‬ ‫[ وكما قال تعالى‪ { *:‬لَهُ َدع َْوةُ ا ْل َح* ِّ‬
‫ق َوالَّ ِذينَ يَ* ْدعُونَ ِمن دُونِ* ِه الَ يَ ْ‬
‫الحق أي العبادة الصحيحة كما قال تعالى‪َ { :‬أال هَّلِل ِ الدِّينُ ْالخَ‪ 6‬الِصُ }(‪ )4‬وهللا ج‪6‬ل وعال ال يقب‪66‬ل إال دع‪66‬وة‬
‫الحق يعني الدين الخالص‪ ،‬أما الذي يعبد هللا ويعبد معه غيره فهذه دعوة شرك ال يقبلها هللا‪.‬‬
‫وقوله‪َ { :‬والَّ ِذينَ يَ ْد ُعونَ ِمن دُونِ ِه } عام في كل من دعي من دونه سواء من المالئكة أو من الرسل أو‬
‫من الصالحين أو من األصنام أو من أي شيء وقوله‪ { :‬الَ يَ ْس‪6‬ت َِجيبُونَ لَهُم بِ َش‪ْ 6‬ي ٍء } أي ال يس‪66‬تجيبون لمن‬
‫دعاهم بشيء ألنهم عاجزون ال يقدرون على شيء‪.‬‬
‫( فائدة في بيان معنى الرب واإلله )‬
‫هللا جل وعال في القرآن ذكر الرب في مواضع‪ ،‬وذكر اإلله في مواضع‪ .‬خذ مثالً سورة الن‪66‬اس‪ ،‬يق‪66‬ول‬
‫فم‪6‬ا الف‪6‬رق‬ ‫اس‪ِ ،‬إلَ‪ِ 6‬ه النَّ ِ‬
‫اس }‬ ‫‪6‬ك النَّ ِ‬ ‫سبحانه وتعالى‪ :‬بسم هللا الرحمن الرحيم { قُلْ َأعُو ُذ بِ‪َ 6‬ربِّ النَّ ِ‬
‫اس‪َ ،‬ملِ ِ‬
‫(‪)5‬‬

‫بين رب الناس وإله الناس؟ ه‪6‬ل هم‪66‬ا بمع‪66‬نى واح‪6‬د؟ إ ًذا يك‪66‬ون الكالم مك‪66‬ررًا أو أنهم‪66‬ا بمعن‪66‬يين فالب‪66‬د من‬
‫ت َّ‬
‫الس‪6‬ب ِْع َو َربُّ‬ ‫معرفة الفرق بينهم‪6‬ا‪ ،‬وكث‪66‬يرًا م‪6‬ا ي‪6‬أتي ذك‪6‬ر ال‪6‬رب كقول‪66‬ه تع‪6‬الى‪ { :‬قُ‪6‬لْ َمن رَّبُّ َّ‬
‫الس‪َ 6‬ما َوا ِ‬
‫ش ْال َع ِظ ِيم‪َ ،‬سيَقُولُونَ هَّلِل ِ }(‪ .)6‬فتكرر لفظ الرب وتكرر لفظ اإلله فما مع‪66‬نى ك‪66‬ل منهم‪66‬ا؟ ف‪6‬الرب معن‪6‬اه‬
‫ْال َعرْ ِ‬

‫(‪ )1‬الجن‪18 :‬‬

‫(‪ )2‬يونس‪18 :‬‬

‫(‪ )3‬الرعد‪14 :‬‬

‫(‪ )4‬الزمر‪3 :‬‬

‫(‪ )5‬الناس‪3-1 :‬‬

‫(‪ )6‬المؤمنون‪87-86 :‬‬

‫‪13‬‬
‫المربي لخلقه بنعمه ومغذيهم برزقه تربية جسمية باألرزاق والطعام‪ ،‬وتربية قلبية روحية ب‪66‬الوحي والعلم‬
‫النَّافع وإرسال الرسل‪.‬‬
‫ومن معاني الرب أنه المالك للسماوات واألرض فرب الشي مالكه والمتصرف فيه‪ ،‬ومن معاني الرب‬
‫المصلح الذي يصلح األشياء ويدفع عنه‪66‬ا م‪66‬ا يفس‪66‬دها‪ ،‬فاهلل س‪6‬بحانه وتع‪66‬الى ه‪66‬و ال‪66‬ذي يص‪66‬لح ه‪6‬ذا الك‪66‬ون‬
‫وينظمه على مقتضى إرادته وحكمته سبحانه وتعالى‪ .‬أما اإلله فمعناه المعبود من أله يأله بمعنى عبد يُعبَد‬
‫فإله معناه معبود وليس معناه الرب وإنما معناه المعبود واإللهية هي العبادة والوله هو الحب ألنه س‪66‬بحانه‬
‫وتعالى يحبه عباده المؤمنون ويخافونه ويرجونه ويتقرب‪66‬ون إلي‪66‬ه‪ .‬ه‪66‬ذا ه‪66‬و مع‪66‬نى اإلل‪66‬ه فت‪66‬بين الف‪66‬رق بين‬
‫معنى الرب ومعنى اإلله وأنهما ليسا بمعنى واحد ومن قال إنهما بمعنى واحد فقد غلط‪ ،‬والعلم‪66‬اء يقول‪66‬ون‬
‫إذا ذكرا جميعًا صار الرب له معنى واإلله له معنى‪ 6،‬وإذا ذكر واحد دخل في‪66‬ه مع‪66‬نى ال‪66‬رب أم‪66‬ا إذا ذك‪66‬را‬
‫جميعًا مثل ما في سورة الناس فإنه يكون للرب معنى ولإلله معنى آخر كما في لف‪66‬ظ الفق‪66‬ير والمس‪66‬كين إذا‬
‫ص‪6‬ار للفق‪6‬ير مع‪6‬نى وللمس‪6‬كين‬ ‫‪6‬را ِء َو ْال َم َس‪6‬ا ِك ِ‬
‫ين }‬ ‫ات لِ ْلفُقَ َ‬ ‫ذكرا جميعًا كما في قوله تعالى‪ِ { :‬إنَّ َما ال َّ‬
‫ص َدقَ ُ‬
‫(‪)1‬‬

‫معنى‪ ،‬فالفقير هو الذي ال يجد شيًئا وأما المسكين فهو الذي يجد بعض الكفاية فالمس‪66‬كين أحس‪66‬ن ح‪66‬االً من‬
‫الفقير‪ .‬ومث‪6‬ل لف‪6‬ظ اإلس‪6‬الم واإليم‪6‬ان إذا ذك‪6‬ر اإلس‪6‬الم واإليم‪6‬ان ص‪6‬ار اإلس‪6‬الم معن‪6‬اه األعم‪6‬ال الظ‪6‬اهرة‬
‫واإليمان معناه األعمال الباطنة كما في حديث جبريل‪ :‬قال أخبرني عن اإلسالم قال‪ » :‬اإلس‪66‬الم أن تش‪66‬هد‬
‫أن ال إل‪66‬ه إال هللا وأن محم‪6‬دًا رس‪66‬ول هللا وتقيم الص‪66‬الة وت‪66‬ؤتي الزك‪66‬اة وتص‪66‬وم رمض‪66‬ان وتحج ال‪66‬بيت إن‬
‫استطعت إليه سبيالً »‪ .‬فسّره باألركان الظاهرة‪ .‬قال أخبرني عن اإليمان قال‪ » :‬أن ت‪66‬ؤمن باهلل ومالئكت‪66‬ه‬
‫‪ 6.‬فسّره باألعمال الباطن‪6‬ة وه‪6‬و إيم‪6‬ان القلب‪.‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫وكتبه ورسله واليوم اآلخر وتؤمن بالقدر خيره وشره »‬
‫هذا إذا ذكرا جمي ًع ا صار لكل واحد معنى وإذا ذكر أحدهما وحده دخل فيه اآلخر‪ .‬ومن هنا نعرف الف‪66‬رق‬
‫ضا بين توحيد الربوبية وتوحي‪66‬د األلوهي‪66‬ة فتوحي‪66‬د الربوبي‪66‬ة ه‪66‬و اإلق‪66‬رار ب‪66‬أن هللا ه‪66‬و الخ‪66‬الق وال‪66‬رازق‬
‫أي ً‬
‫المحيي المميت أي االعتراف بأفعال هللا سبحانه وتعالى؛ وتوحيد األلوهية معناه إف‪66‬راد هللا بأعم‪66‬ال العب‪66‬اد‬
‫التي يتقربون بها إليه مم‪66‬ا ش‪66‬رع‪ .‬ه‪66‬ذا مع‪66‬نى توحي‪66‬د األلوهي‪66‬ة فهن‪66‬اك ف‪66‬رق بين توحي‪66‬د الربوبي‪66‬ة وتوحي‪66‬د‬
‫األلوهية وما دمنا قد عرفنا معنى توحيد الربوبية وتوحيد األلوهي‪66‬ة ن‪66‬أتي إلى حال‪66‬ة المش‪66‬ركين ال‪66‬ذين بعث‬
‫إليهم رسول هللا ‪ ‬فإنهم كانوا مقرّين بالنّوع األول الذي هو توحي الربوبي‪66‬ة ولم ي‪66‬دخلهم في اإلس‪66‬الم‪ ،‬ب‪66‬ل‬
‫اعتبرهم الرس‪66‬ول ‪ ‬كف‪66‬ارًا مش‪66‬ركين وق‪66‬اتلهم وهم يق‪66‬رون بتوحي‪66‬د الربوبي‪66‬ة‪ ،‬فهم أق‪66‬روا بتوحي‪66‬د الربوبي‪66‬ة‬
‫وجحدوا توحيد األلوهي‪66‬ة لم‪66‬ا طلب منهم أن يف‪66‬ردوا هللا بالعب‪66‬ادة وي‪66‬تركوا عب‪66‬ادة األص‪66‬نام ق‪66‬الوا‪َ { :‬أ َج َع‪َ 6‬ل‬
‫ألنه قال لهم قولوا ال إله إال هللا فهم فهموا مع‪6‬نى ال إل‪6‬ه إال هللا‬ ‫(‪)3‬‬
‫احدًا ِإ َّن هَ َذا لَ َش ْي ٌء ع َُجابٌ }‬
‫اآللِهَةَ ِإلَهًا َو ِ‬
‫وه‪66‬و أن‪66‬ه ال يعب‪66‬د إال هللا وح‪66‬ده ال ش‪66‬ريك ل‪66‬ه وهم لهم أص‪66‬نام ولهم معب‪66‬ودات كث‪66‬يرة ال يري‪66‬دون تركه‪66‬ا‬

‫(‪ )1‬التوبة‪60 :‬‬

‫(‪ )2‬رواه اإلمام مسلم في صحيحه ‪ )1( 38-1/36‬كتاب األيمان (‪ )1‬باب بيان اإليمان واإلسالم واإلحسان ووجوب اإليمان بإثبات‪ 6‬قدر‬
‫هللا سبحانه وتعالى وبيان الدليل على التبري ممن ال يؤمن بالقدر وإغالظ القول معه من حديث عمر بن الخطاب رضي هللا تعالى عنه ‪.‬‬
‫(‪ )3‬ص‪5:‬‬

‫‪14‬‬
‫واالقتصار على عبادة هللا وهذا ال يرضيهم ولذلك أنكروا وقالوا‪َ { :‬أ َج َع َل اآللِهَ‪6‬ةَ ِإلَهً‪66‬ا َو ِ‬
‫اح‪ 6‬دًا } طلب من‪66‬ا‬
‫أن نعبد هللا وحده ونترك عبادة الالت والعزى ومناة وهبل وغيرها من األصنام هذا شيء ال يعقل عن‪66‬دهم‬
‫{ َما َس ِم ْعنَا بِهَ َذا فِي ْال ِملَّ ِة ِ‬
‫اآلخ َر ِة }(‪ )1‬مل‪6‬ة آب‪6‬ائهم فه‪6‬ذا احتج‪6‬اج بم‪6‬ا علي‪6‬ه آب‪6‬اؤهم؛ الحج‪6‬ة الملعون‪6‬ة ال‪6‬تي‬
‫احتجت بها األمم من قبل إذا دعوا إلى عبادة هللا‪ .‬حتى فرعون يقول‪ { :‬فَ َم‪6‬ا بَ‪6‬ا ُل ْالقُ‪6‬رُو ِن اُألولَى }(‪ )2‬فهم‬
‫ل ّم ا فهموا معنى ال إله إال هللا استغربوا هذا واستنكروه وتواصوا برفضه وفي اآلية األخرى يقول س‪66‬بحانه‬
‫يل لَهُ ْم ال ِإلَهَ ِإالّ هَّللا ُ يَ ْستَ ْكبِرُونَ ‪َ ،‬ويَقُولُونَ َأِئنَّا لَت ِ‬
‫َار ُكوا آلِهَتِنَا لِ َشا ِع ٍر َّمجْ نُو ٍن }(‪.)3‬‬ ‫فيهم‪ِ { :‬إنَّهُ ْم َكانُوا ِإ َذا قِ َ‬
‫وهذا يبين معنى ال إله إال هللا تما ًما ويوضحه ويقطع الجدال‪ ،‬فإن فيه ردًا على من غلط في معنى ال إله‬
‫إال هللا‪ .‬فعلماء الكالم في مق‪6‬رراتهم وعقائ‪66‬دهم يقول‪66‬ون ال إل‪66‬ه إال هللا معناه‪66‬ا ال خ‪6‬الق وال رازق وال ق‪66‬ادر‬
‫على االختراع إال هللا هذا معنى اإلله عندهم‪.‬‬
‫يقول شيخ اإلسالم ابن تيمية رحمه هللا تعالى‪ « :‬والحاذق منهم من يقول‪ :‬اإلله هو القادر على االختراع‬
‫وهذا غلط وجهل كبير باللغة وبالشرع المطه‪66‬ر إذ مع‪66‬نى اإلل‪66‬ه المعب‪66‬ود ال‪66‬ذي تأله‪66‬ه القل‪66‬وب وتخض‪66‬ع ل‪66‬ه‬
‫وتتقرب إليه »(‪ )4‬فهم لم يفهموا مع‪6‬نى اإلل‪6‬ه ول‪6‬ذلك يقول‪6‬ون ال إل‪6‬ه إال هللا ويك‪6‬ثرون‪ ،‬ولهم أوراد في اللي‪6‬ل‬
‫والنهار يرددونها ومع هذا يعبدون القبور واألضرحة ويستغيثون بغير هللا عز وجل‪ .‬فلم يفهم‪66‬وا مع‪66‬نى ال‬
‫إله إال هللا وأنها تطلب منهم ترك عبادة القب‪6‬ور واألض‪6‬رحة وعب‪6‬ادة م‪6‬ا س‪6‬وى هللا من األص‪6‬نام واألش‪6‬جار‬
‫واألحجار فإذا قالوها لزمهم ترك عبادة األوثان‪ ،‬أما هؤالء فقالوها وعبدوا غير هللا‪ ،‬فاألولون أحذق منهم‬
‫ولهذا يقول الشيخ‪ :‬ال خير في رجل جهّا ُل المشركين أعل ُم منه بمعنى ال إله إال هللا‪.‬‬
‫[ وتحققت أن رسول هللا ‪ ‬إنما قاتلهم ليكون الدعاء كله هلل والنذر كله هلل والذبح كله هلل واالستغاثة‬
‫كلها هلل وجميع أنواع العبادة كلها هلل ] أي ال يك‪66‬ون بعض ذل‪66‬ك هلل وبعض‪66‬ه للب‪66‬دوي وبعض‪66‬ه هلل وبعض‪66‬ه‬
‫للحسين‪ ،‬البد أن يكون الدعاء كله هلل والذبح كله هلل والنذر كله هلل وسائر العبادات كلها هلل وهذا ه‪66‬و ال‪66‬دين‬
‫الصحيح‪ ،‬أما أن تكون العبادة مشتركة بين هللا وبين القبور واألض‪66‬رحة واألولي‪66‬اء والص‪66‬الحين فه‪66‬ذا ليس‬
‫هو التوحيد بل هذا هو دين المشركين وإن كان صاحبه يعترف بتوحي‪66‬د الربوبي‪66‬ة ويص‪66‬وم ويص‪66‬لي ويحج‬
‫ويعتمر إلى غير ذلك‪.‬‬
‫[ وعرفت أن إقرارهم بتوحيد الربوبية* لم يدخلهم في اإلسالم ] أي لما كان إقرارهم بتوحيد الربوبي‪66‬ة‬
‫الذي ذكره هللا عنهم وسجله عليهم لم يدخلهم في اإلسالم‪ ،‬د ّل على أن التوحي‪66‬د المطل‪66‬وب ليس ه‪66‬و توحي‪66‬د‬
‫الربوبية وإنما هو توحيد األلوهية وهو الفارق بين المسلم والكافر أما توحيد الربوبية فكل مقر ب‪66‬ه المس‪66‬لم‬
‫والكافر وهو ال ينفع وحده‪.‬‬

‫(‪ )1‬ص~‪7:‬‬

‫(‪ )2‬طه‪51 :‬‬

‫(‪ )3‬الصافات‪36-35 :‬‬

‫(‪ )4‬انظر معنى‪ 6‬كالمه في التدمرية ص‪ ،186 ،185‬تحقيق محمد بن عودة السعوي وفي مجموع الفتاوي ‪. 13/203‬‬

‫‪15‬‬
‫[ وأن قصدهم المالئكة واألولياء* يري*دون ش*فاعتهم والتق*رب إلى هللا ب*ذلك ه*و ال*ذي أح*ل دم*اءهم‬
‫وأموالهم ] أي أنهم لم يقولوا إن المالئكة واألنبياء واألولياء الذين يعب‪66‬دونهم يخلق‪66‬ون ويرزق‪66‬ون ويحي‪66‬ون‬
‫ويميتون ما قالوا هذا وإنما اتخذوهم شفعاء ووسائط بينهم وبين هللا كم‪66‬ا ق‪66‬ال تع‪66‬الى‪َ { :‬ويَ ْعبُ‪ُ 6‬دونَ ِمن دُو ِن‬
‫هَّللا ِ َما الَ يَضُرُّ هُ ْم َوالَ يَنفَ ُعهُ ْم َويَقُولُونَ هَـُؤال ِء ُشفَ َعاُؤ نَا ِعن َد هَّللا ِ }(‪ )1‬ما أرادوا منهم إال الشفاعة وزعموا أن‬
‫هذا تعظيم هلل يقولون‪ :‬هللا عظيم ما يمكن أن نصل إليه بدعائنا لكن نتخذ من يوصل إليه حاجاتنا من عباده‬
‫الصالحين‪ ،‬من المالئكة والرسل والصالحين فقاسوا هللا على ملوك ال‪66‬دنيا ال‪66‬ذين يتوس‪66‬ط عن‪66‬دهم أص‪66‬حاب‬
‫الحاجات بالمقربين عندهم‪ ،‬فهم لم يعتقدوا فيهم أنهم يخلقون ويرزقون كما يق‪66‬ول الجه‪66‬ال‪ :‬إن الش‪66‬رك ه‪66‬و‬
‫اعتقاد أن أحدًا يخلق مع هللا أو يرزق مع هللا‪ ،‬هذا ما قاله أحد من عقالء بني آدم‪ ،‬وإنم‪66‬ا قص‪66‬دهم الش‪66‬فاعة‬
‫وفي اآلية األخرى‪َ { :‬ما نَ ْعبُ ُدهُ ْم ِإالّ لِيُقَرِّ بُونَا ِإلَى هَّللا ِ ُز ْلفَى }(‪ )2‬يقول‪6‬ون نحن عب‪6‬اد ض‪6‬عفاء وهللا ج‪6‬ل وعال‬
‫شأنه عظيم وال نتوصل إليه فهؤالء يقربونا إلى هللا زلفى‪ ،‬شبّهوا هللا بملوك الدنيا هذا هو أصل الكفر فدل‬
‫على أنهم لم يعتقدوا فيهم الشرك في الربوبية وإنما اعتقدوا فيهم الشرك في األلوهية فإذا س‪66‬ألت أي واح‪66‬د‬
‫اآلن يذبح للقبور أو ينذر لها ما الذي حملك على هذا؟ فإنهم يقولون كلهم بلسان واحد‪ :‬وهللا ما اعتقدنا أنهم‬
‫يخلقون ويرزقون وأنهم يملكون ش‪66‬يًئا من الس‪66‬ماوات واألرض إنم‪66‬ا اعتق‪66‬دنا أنهم وس‪66‬ائط ألنهم ص‪66‬الحون‬
‫يوصلون إلى هللا حاجاتنا ويبلغونه حاجاتنا هذا قصدنا‪ .‬ومع هذا سماهم هللا مشركين وأم‪66‬ر نبي‪66‬ه بجه‪66‬ادهم‬
‫ْث َو َج‪ 6‬دتُّ ُموهُ ْم َو ُخ‪ُ 6‬ذوهُ ْم َواحْ ُ‬
‫ص‪6‬رُوهُ ْم‬ ‫وا ْال ُم ْش‪ِ 6‬ر ِكينَ َحي ُ‬ ‫انس‪6‬لَخَ اَأل ْش‪6‬هُ ُر ْالحُ‪ُ 6‬ر ُم فَ‪6‬ا ْقتُلُ ْ‬
‫كما قال تعالى‪ { :‬فَ‪ِ6‬إ َذا َ‬
‫َّحي ٌم }(‪ )3‬م‪6‬ع‬ ‫صالَةَ َوآتَ ُو ْا ال َّز َك‪6‬اةَ فَ َخلُّ ْ‬
‫وا َس‪6‬بِيلَهُ ْم ِإ َّن هَّللا َ َغفُ‪6‬و ٌر ر ِ‬ ‫وا ال َّ‬‫ُوا َوَأقَا ُم ْ‬
‫ص ٍد فَِإن تَاب ْ‬ ‫َوا ْق ُعد ْ‬
‫ُوا لَهُ ْم ُك َّل َمرْ َ‬
‫أنهم يقولون ال نعتقد أنهم يخلقون ويرزقون ويدبِّرون مع هللا وإنما قصدنا اتخاذهم وسائط فنحن ن‪66‬ذبح لهم‬
‫ونن‪66‬ذر لهم ونتوس‪66‬ل بهم ألن هللا ال يص‪66‬ل إلي‪66‬ه ش‪66‬يء من أمورن‪66‬ا إال بواس‪66‬طتهم‪ ،‬فهم يوص‪66‬لونه إلى هللا‬
‫ويكونون وسائط يقربوننا إلى هللا زلفى وشفعاء عند هللا‪ ،‬هذه شبهتهم قدي ًما وهذه شبهة عباد القب‪66‬ور الي‪66‬وم‪.‬‬
‫ت قُلُوبُهُ ْم } فتشابهت أقوالهم وأفعالهم‪.‬‬
‫{ تَ َشابَهَ ْ‬
‫[ عرفت حينئ ٍذ التوحيد الذي دعت إليه الرسل وأبى عن اإلقرار به المشركون ] أي إذا فهمت ما سبق‬
‫من اآليات البينات التي تدل على أن المشركين األولين لم يشركوا في الربوبية وإنما أشركوا في األلوهي‪66‬ة‬
‫فاتخذوا اآللهة من دون هللا لتقربهم إلى هللا عز وجل وتشفع لهم عنده‪ .‬إذا تبين لك هذا‪ .‬عرفت أن التوحي‪66‬د‬
‫الذي دعت إليه الرسل وجح‪66‬ده المش‪66‬ركون ه‪66‬و توحي‪66‬د األلوهي‪66‬ة ال توحي‪66‬د الربوبي‪66‬ة وأن اإلق‪66‬رار بتوحي‪66‬د‬
‫الربوبية وحده ال يكفي وال يدخل من أق ّر به في اإلسالم‪.‬‬
‫ومعرفة ذلك أمر مهم جدًا إذ به يعرف التوحيد والشرك واإلسالم والكفر‪ .‬والجهل ب‪6‬ذلك ض‪6‬رره عظيم‬
‫وخطره كبير ألن اإلنسان قد يخرج من اإلسالم وهو ال يدري‪.‬‬

‫(‪ )1‬يونس‪18:‬‬

‫(‪ )2‬الزمر‪3:‬‬

‫(‪ )3‬التوبة‪5 :‬‬

‫‪16‬‬
‫[ وهذا التوحيد هو معنى قوله‪ :‬ال إله إال هللا ] أي معنى ال إل‪66‬ه إال هللا ه‪66‬و توحي‪66‬د األلوهي‪66‬ة ال توحي‪66‬د‬
‫الربوبية ألنه لو كان معناها توحيد الربوبية لما قال الرسول ‪ ‬للمشركين قولوا ال إله إال هللا ألنهم يقول‪66‬ون‬
‫إن هللا هو الخالق الرازق المحيي المميت وإن‪66‬ه حينئ ٍذ يطلب منهم م‪66‬ا ه‪66‬و تحص‪6‬يل حاص‪6‬ل ويق‪6‬اتلهم على‬
‫شيء يعترفون به ويقرون به؛ وهذا القول باطل‪.‬‬
‫[ فإن اإلله عندهم هو الذي يقصد ألجل هذه األمور سواء كان مل ًكا أو نبيًا* أو وليًا أو شجرة أو ق**ب ًرا‬
‫أو جنيًا ] هذا تعليل لما سبق في تقرير معنى ال إله إال هللا وأن‪66‬ه توحي‪66‬د األلوهي‪66‬ة ألن اإلل‪66‬ه عن‪66‬د مش‪66‬ركي‬
‫العرب هو الذي يقصد لقضاء الحاجات وتفريج الكربات وإغاثة اللهفان وليس اإلله عندهم هو الذي يخلق‬
‫ويرزق ويدبر ليس هذا هو اإلله عندهم فالشرك عندهم لم يق‪6‬ع في توحي‪66‬د الربوبي‪6‬ة وإنم‪66‬ا وق‪6‬ع في توحي‪66‬د‬
‫اإللهية‪.‬‬
‫[ لم يريدوا أنّ اإلله هو الخالق الرازق المدبَّر‪ ،‬فإنهم يعلمون أن ذلك هلل وحده‪ ،‬كما قدمت ل**ك وإنم**ا‬
‫يعنون باإلله ما يعني المشركون في زماننا* بلف**ظ «الس**يد» ] أي ليس اإلل‪66‬ه عن‪66‬د المش‪66‬ركين األولين ه‪66‬و‬
‫الخالق ال‪66‬رازق الم‪66‬دبر ألن ه‪66‬ذا مع‪66‬نى ال‪66‬رب‪ ،‬وف‪66‬رق بين مع‪66‬نى ال‪66‬رب ومع‪66‬نى اإلل‪66‬ه وف‪66‬رق بين توحي‪66‬د‬
‫الربوبية وتوحيد األلوهية‪ ،‬وإنما يعنون باإلله ما يعني المشركون في زماننا أي زمان المؤلف بلفظ الس‪66‬يد‬
‫وإلى اآلن يسمون هؤالء الذي ي ّدعون صالحهم ويتقرب‪66‬ون إليهم يس‪ّ 6‬مونهم الس‪66‬ادة كالس‪66‬يد الب‪66‬دوي والس‪66‬يد‬
‫الرفاعي والسيد التيجاني‪ ،‬إلى غير ذلك يعتقدون أن هؤالء السادة لهم منزلة عند هللا ت‪66‬ؤهلهم أن يتوس‪66‬طوا‬
‫لهم عند هللا وتؤهلهم أن يُدعوا من دون هللا ويذبح وينذر لهم ويط‪66‬اف بقب‪66‬ورهم ويت‪66‬برك به‪66‬ا‪ .‬فالمش‪66‬ركون‬
‫األولون يسمون هذه األشياء آلهة والمشركون المتأخرون يسمون ه‪66‬ذه األش‪66‬ياء وس‪66‬ائط ووس‪66‬ائل وش‪66‬فعاء‬
‫واألسماء ال تغيّر الحقائق فهي آلهة‪.‬‬
‫[ فأتاهم النبي* ‪ ‬يدعوهم إلى كلمة التوحي*د وهي‪ :‬ال إل*ه إال هللا‪ ،‬والم*راد من ه*ذه الكلم*ة معناه**ا ال‬
‫مجرد لفظه**ا ] أي أن الن‪6‬بي ‪ ‬دع‪6‬ا المش‪6‬ركين إلى تحقي‪6‬ق مع‪6‬نى‪ :‬ال إل‪6‬ه إال هللا ال‪6‬تي هي كلم‪6‬ة التوحي‪6‬د‪،‬‬
‫ومعناها‪ :‬ال معبود بحق إال هللا وهو الذي بعث هللا به رس‪66‬وله إلى المش‪66‬ركين ولم يبعث‪66‬ه إليهم ي‪66‬دعوهم إلى‬
‫توحيد الربوبية ألنهم مق ّرون به وهو ال يكفي‪ ،‬ألنه قاتلهم وهم يق‪66‬رون ب‪66‬ه‪ ،‬ومن ق‪66‬ال إن‪66‬ه يكفي فإن‪66‬ه يل‪66‬زم‬
‫عليه تغليط الرسول ‪ ‬وأنه قاتل أناسًا مسلمين يعترفون بال إله إال هللا إذا فس‪66‬رناها بتوحي‪66‬د الربوبي‪66‬ة وه‪66‬و‬
‫اإلقرار بالخالق الرازق القادر على االختراع‪ .‬ومع األسف هذا التفسير الخاطئ لال إله إال هللا موج‪66‬ود في‬
‫كتب العقائد التي ألّفها علماء الكالم وعلماء المنطق من المعتزل‪66‬ة واألش‪66‬اعرة وال‪66‬تي ت‪66‬درّس في كث‪66‬ير من‬
‫المعاه‪66‬د اإلس‪66‬المية اآلن‪ .‬وعقائ‪66‬دهم مبني‪66‬ة على ه‪66‬ذا ال‪66‬رأي وأن اإلل‪66‬ه معن‪66‬اه الق‪66‬ادر على االخ‪66‬تراع فمن‬
‫اعترف أن هللا هو الخالق الرازق يعتبر موحدًا وأما من اعتقد أن أح‪6‬دًا يخل‪66‬ق أو ي‪66‬رزق م‪66‬ع هللا فه‪66‬ذا ه‪66‬و‬
‫المشرك عندهم مع أن الشرك إنما وقع في توحيد األلوهية ولم يقع في هذا وليس هذا ه‪6‬و مع‪66‬نى ال إل‪6‬ه إال‬
‫هللا‪.‬‬
‫وإنما معناها‪ :‬ال معبود بحق إال هللا فمن قال‪ :‬ال إله إال هللا وجب علي‪66‬ه أن يُف‪66‬رد هللا بالعب‪66‬ادة وأن ي‪66‬ترك‬
‫عبادة ما سواه‪ ،‬فإن المقصود من هذه الكلم‪66‬ة معناه‪66‬ا والعم‪66‬ل بمقتض‪66‬اها ال مج‪66‬رد النط‪66‬ق به‪66‬ا دون عم‪66‬ل‬

‫‪17‬‬
‫بمعناها ومقتضاها‪ ،‬فمن قالها وهو يعبد غ‪6‬ير هللا لم يكن ع‪6‬امالً بمقتض‪6‬اها وه‪6‬و ت‪6‬رك الش‪6‬رك‪ ،‬وال ينفع‪6‬ه‬
‫مجرد النطق بها ألنه قد ناقض فعله قوله‪ ،‬والمشركون األولون لما سمعوا هذه الكلمة عرفوا معناها وأن‪66‬ه‬
‫ليس المقصود التلفظ بها فقط ولذلك قالوا‪َ { :‬أ َج َع َل اآللِهَةَ ِإلَهًا َوا ِحدًا ِإ َّن هَ َذا لَ َش ْي ٌء ع َُجابٌ }(‪.)1‬‬
‫وفي وقتنا هذا وجد من يفسّر ال إله إال هللا بأن معناها هو إفراد هللا بالحاكمية وهذا غلط‪ .‬ألن الحاكمي‪66‬ة‬
‫جزء من معنى ال إله إال هللا وليست هي األصل لمعنى هذه الكلمة العظيمة‪ ،‬بل معناها ال معب‪66‬ود بح‪66‬ق إال‬
‫هللا بجميع أنواع العبادات ويدخل فيها الحاكمي‪66‬ة ول‪66‬و اقتص‪66‬ر الن‪66‬اس على الحاكمي‪66‬ة فق‪66‬اموا به‪66‬ا دون بقي‪66‬ة‬
‫أنواع العبادة لم يكونوا مسلمين‪ ،‬وله‪66‬ذا تج‪66‬د أص‪66‬حاب ه‪66‬ذه الفك‪66‬رة ال ينه‪66‬ون عن الش‪66‬رك وال يهتم‪66‬ون ب‪66‬ه‬
‫ويسمونه الشرك الساذج‪ ،‬وإنما الشرك عندهم الشرك في الحاكمية فقط وهو ما يسمونه الشرك السياس‪66‬ي‪،‬‬
‫فلذلك يركزون عليه دون غيره‪ ،‬ويفسرون الشرك بأنه طاعة الحكام الظلمة‪.‬‬
‫[ والكفار الجهال يعلمون أن مراد النبي ‪ ‬بهذه الكلمة هو إفراد هللا تعالى* بالتعلق والكفر بما يعبد من‬
‫دون هللا والبراءة منه فإنه لما قال لهم‪ :‬قولوا‪ :‬ال إل**ه إال هللا ق*الوا‪َ { :‬أ َج َع* َل اآللِ َه*ةَ ِإلَ ًه*ا َو ِ‬
‫اح* دًا ِإنَّ هَ* َذا‬
‫لَش َْي ٌء ع َُج ٌ‬
‫اب } ] أي الكفار يعرفون مع‪6‬نى ال إل‪6‬ه إال هللا وله‪6‬ذا لم‪6‬ا ق‪6‬ال لهم ‪ ‬قول‪6‬وا ال إل‪6‬ه إال هللا ق‪6‬الوا‪:‬‬

‫ولما قال لهم قولوا ال إله إال هللا قالوا‪َ { :‬أِئنَّا لَت ِ‬
‫َار ُكوا آلِهَتِنَا لِ َشا ِع ٍر َّمجْ نُو ٍن‪،‬‬ ‫{ َأ َج َع َل اآللِهَةَ ِإلَهًا َو ِ‬
‫احدًا }‬
‫(‪)2‬‬

‫ُل‪6‬ز ُمهم‬
‫فهم فهم‪6‬وا مع‪6‬نى ال إل‪6‬ه إال هللا وأب‪6‬وا أن يع‪6‬ترفوا ب‪6‬ه ألن‪6‬ه ي ِ‬
‫(‪)3‬‬
‫ق ْال ُمرْ َس‪6‬لِينَ }‬
‫ص‪َّ 6‬د َ‬ ‫بَلْ َجا َء بِ ْال َح ِّ‬
‫ق َو َ‬
‫بترك عبادة األصنام وهم ال يريدون هذا‪ ،‬وإنما يريدون البقاء على عبادة األصنام‪ .‬ولم يجرؤوا أن يقول‪66‬وا‬
‫تناقض‪6‬ا وهم ي‪6‬أنفون من التن‪6‬اقض‪ ،‬في حين أن كث‪6‬يرًا‬
‫ً‬ ‫ال إله إال هللا ويبقوا على عبادة األصنام ألن في هذا‬
‫من المنتمين إلى اإلس‪66‬الم الي‪66‬وم ال ي‪66‬أنفون من ه‪66‬ذا التن‪66‬اقض فهم يقول‪66‬ون ال إل‪66‬ه إال هللا بحروفه‪66‬ا ولكنهم‬
‫يخالفونها ويعبدون غير هللا من القبور واألضرحة والصالحين بل واألشجار واألحجار وغير ذلك‪ .‬فهم ال‬
‫يفهمون معنى ال إله إال هللا‪.‬‬
‫فال يكفي التلفظ بال إله إال هللا دون علم بمعناها وعمل بمقتضاها‪.‬‬
‫بل البد من العلم بمعناها أ ّوالً ثم العمل بمقتضاها ألنه ال يمكن أن يعمل بمقتضاها وه‪66‬و يجه‪66‬ل معناه‪66‬ا‬
‫فبدأ بالعلم قب‪6‬ل‬ ‫(‪)4‬‬
‫ولهذا يقول جل وعال‪ { :‬فَا ْعلَ ْم َأنَّهُ ال ِإلَهَ ِإاَّل هَّللا ُ َوا ْستَ ْغفِرْ ِل َذنبِكَ َولِ ْل ُمْؤ ِمنِينَ َو ْال ُمْؤ ِمنَا ِ‬
‫ت}‬
‫القول والعمل‪ ،‬فالذي يجهل معنى ال إله إال هللا ال يمكن أن يعمل بمقتضاها على الوجه الصحيح‪.‬‬
‫[ فإذا عرفت أن ج ّهال الكفار* يعرفون ذلك فالعجب م ّمن يدّعي اإلسالم وهو ال يع**رف من تفس**ير ه**ذه‬
‫الكلمة ما عرفه جهال الكفرة‪ .‬ب**ل يظن أن ذل**ك ه**و التلف**ظ بحروفه**ا من غ**ير اعتق**اد القلب لش**يء من‬
‫المعاني ] هذا من أعجب العجب أن جه‪66‬ال الكف‪66‬ار والمش‪66‬ركين في عه‪66‬د الن‪66‬بي ‪ ‬يعرف‪66‬ون أن مع‪66‬نى ه‪66‬ذه‬
‫الكلمة هو إخالص العبادة هلل وترك عبادة غيره فلذلك امتنعوا عن النطق به‪66‬ا تحاش ‪6‬يًا ل‪66‬ترك عب‪66‬ادة آلهتهم‬

‫(‪ )1‬ص~‪5:‬‬

‫(‪ )2‬ص~‪5:‬‬

‫(‪ )3‬الصافات‪37-36 :‬‬

‫(‪ )4‬محمد‪19 :‬‬

‫‪18‬‬
‫وتعصبًا لباطلهم؛ ومن يدعي اإلسالم اليوم ال يفهم أن معنى هذه الكلمة هو ترك عبادة القبور واألض‪66‬رحة‬
‫وإخالص العبادة هلل‪ ،‬فلذلك ص‪66‬ار يقوله‪66‬ا وه‪66‬و مقيم على ش‪66‬ركه ال ي‪66‬أنف التن‪66‬اقض والجم‪66‬ع بين الض‪66‬دين‬
‫فصار جهال الكفار أعلم منه بمعنى ال إله إال هللا‪ ،‬وال حول وال ق‪66‬وة إال باهلل العظيم‪ .‬وص‪66‬ار ه‪66‬ذا الم‪66‬دعي‬
‫لإلسالم يظن أن المراد بهذه الكلمة هو النطق بحروفها من غير اعتقاد لمعناه‪66‬ا فص‪66‬ار ي‪66‬ردد معه‪66‬ا دع‪66‬اء‬
‫الموتى والمقبورين ليالً ونها ًر‪.‬‬
‫[ والحاذق منهم يظن أن معناها ال يخلق وال يرزق وال يدبر األمر إال هللا ] كما ذكر ذلك شيخ اإلسالم‬
‫ابن تيمية في الرس‪6‬الة التدمري‪6‬ة وغيره‪6‬ا (‪ )1‬عن علم‪6‬اء الكالم أن اإلل‪6‬ه عن‪6‬دهم ه‪6‬و الق‪6‬ادر على االخ‪6‬تراع‬
‫يعني هو الذي يقدر على الخلق والرزق واإلحياء واإلماتة ويبنون عقائدهم على هذا ويفس‪66‬رون ال إل‪66‬ه إال‬
‫هللا بهذا المعنى ويجعلون التوحيد هو اإلقرار بتوحيد الربوبية وهذا غلط عظيم‪.‬‬
‫فإذا كان هذا حال العالم منهم فكيف بالجاهل؟ وما هذا إال من قلة االهتمام بدعوة التوحيد وتقلي‪66‬د اآلب‪66‬اء‬
‫واألجداد واالكتفاء من اإلسالم بمجرد االنتساب ألغراض وأهداف دنيوي‪66‬ة هللا أعلم به‪66‬ا‪ .‬من غ‪66‬ير تع‪6‬رّف‬
‫على الدين الحقيقي الذي أساسه التوحيد الخالص‪.‬‬
‫[ فال خير في رجل ُجهَّا ُل الكفار أعلم منه بمعنى ال إله إال هللا ] ال خ‪6‬ير في رج‪6‬ل ي‪6‬دعي اإلس‪6‬الم ب‪6‬ل‬
‫يدعي أنه من أهل العلم وال يفهم معنى ال إله إال هللا وقد فهمها كفار قريش وعرفوا معناها‪.‬‬
‫إن األمر خطير‪ ،‬والعار شنيع‪ ،‬والواجب على المسلمين أن ينتبهوا لدينهم ويتأملوا دعوة نبيهم ويفقه‪66‬وا‬
‫دينهم فقهًا صحي ًحا ويقيموه على أساس س‪6‬ليم من عقي‪66‬دة التوحي‪66‬د وال‪66‬براءة من الش‪6‬رك وأهل‪6‬ه‪ ،‬وال يكتف‪66‬وا‬
‫بمجرد التسمي واالنتساب إليه مع البقاء على الرسوم والع‪6‬ادات المخالف‪6‬ة ل‪6‬ه‪ ،‬وتردي‪6‬د عب‪6‬ارات جوف‪6‬اء ال‬
‫تسمن وال تغني من جوع‪.‬‬
‫[ إذا عرفت ما قلت لك معرفة قلب ] أي إذا عرفت ما ذكرت لك من الفرق بين توحيد الربوبية وتوحيد‬
‫األلوهية وعرفت أن المشركين أق‪66‬روا ب‪66‬األول وجح‪66‬دوا الث‪66‬اني فلم ي‪66‬دخلهم في اإلس‪66‬الم وقُتِلُ‪66‬وا واس‪6‬تُ ِحلَّت‬
‫دماؤهم وأموالهم‪ ،‬إذا عرفت هذه األمور معرفة قلب ال معرفة لسان فقط كأن يحفظ اإلنس‪66‬ان ه‪66‬ذا المع‪66‬نى‬
‫ويُؤديه في االمتحان وينجح فيه ولم يتفقّه في‪66‬ه في قلب‪66‬ه ويفهم‪66‬ه تما ًم‪66‬ا فه‪66‬ذا ال يكفي‪ .‬ف‪66‬العلم ه‪66‬و علم القلب‬
‫وعلم البصيرة ال علم اللسان فقط‪.‬‬
‫[ وعرفت الشرك باهلل الذي قال هللا فيه‪ِ { :‬إنَّ هَّللا َ الَ يَ ْغفِ ُر َأن يُش َْركَ بِ ِه َويَ ْغفِ ُر َما دُونَ َذلِكَ لِ َمن يَشَاء‬
‫] أي الشرك في العبادة ال الشرك الذي هو اعتقاد أن أحدًا يخلق وي‪6‬رزق وي‪6‬دبر م‪6‬ع هللا ب‪6‬ل الش‪6‬رك‬ ‫(‪)2‬‬
‫}‬
‫الذي ّ‬
‫حذر هللا منه هو اعتقاد أن أحدًا يستحق العبادة أو شيًئا من العبادة مع هللا‪.‬‬
‫فالشرك هو دعوة غير هللا معه أو صرف شيء من أنواع العبادة لغير هللا‪ ،‬هذا هو الشرك الذي حرم‪66‬ه‬
‫هللا وحرم على صاحبه الجنة وأخبر أن مأواه النار‪ .‬وهو الشرك الذي يحبط جميع األعم‪66‬ال وه‪66‬و الش‪66‬رك‬

‫(‪ )1‬انظر التدمرية ص‪ 185‬تحقيق‪ 6‬الدكتور محمد بن عودة السعوي‪ ،‬ومجموع‪ 6‬الفتاوى ‪13/203‬‬

‫(‪ )2‬النساء‪48 :‬‬

‫‪19‬‬
‫في األلوهية وليس الشرك في الربوبية‪ ،‬وهذا تنبيه من الشيخ رحمه هللا إلى أنه كما تجب معرف‪66‬ة التوحي‪66‬د‬
‫تجب معرفة الشرك‪.‬‬
‫[ وعرفت دين هللا الذي أرسل به الرسل من أ َّولهم إلى آخرهم‪ ،‬الذي ال يقبل هللا من أحد دينًا سواه ]‬
‫دين الرسل هو اإلسالم وهو االستسالم هلل بالتوحيد واالنقياد له بالطاعة والخلوص من الشرك وأهل‪66‬ه ه‪66‬ذا‬
‫هو دين الرسل وهذا هو اإلسالم‪ .‬وأما االنتس‪66‬اب إلى اإلس‪66‬الم في الظ‪66‬اهر دون الب‪66‬اطن أو االنتس‪66‬اب إلي‪66‬ه‬
‫بالتسمي فقط دون التزام ألحكامه‪ ،‬أو االنتس‪66‬اب إلي‪6‬ه م‪66‬ع ارتك‪66‬اب م‪66‬ا يناقض‪66‬ه من الش‪66‬رك والوثني‪66‬ات‪ ،‬أو‬
‫االنتساب إليه مع الجهل بحقيقته‪ ،‬أو االنتساب إلي‪66‬ه دون م‪66‬واالة ألوليائ‪66‬ه ومع‪66‬اداة ألعدائ‪66‬ه فليس ه‪66‬ذا ه‪66‬و‬
‫اإلسالم الذي جاءت به رسل هللا‪ .‬وإنما هو إسالم اصطالحي مصطنع ال يغ‪66‬ني وال ينف‪6‬ع عن‪66‬د هللا س‪6‬بحانه‬
‫وتعالى‪ ،‬وليس هو دين الرسل‪.‬‬
‫[ وعرفت ما أصبح غالب النّاس فيه من الجهل بهذا ] وهو الجهل بالتوحيد والجهل بالشرك‪ .‬هذا هو‬
‫الذي أوقع كثي ًرا من الناس في الضالل وهو أنهم يجهلون التوحيد الص‪66‬حيح ويجهل‪66‬ون الش‪66‬رك ويفس‪66‬رون‬
‫كالً منهما بغير تفسيره الصحيح‪ ،‬هذا هو الذي أوقع كث‪66‬يرًا من الن‪66‬اس في الغل‪66‬ط والكف‪66‬ر والش‪66‬رك والب‪66‬دع‬
‫والمحدثات إلى غير ذلك‪ ،‬وذلك بسبب عدم معرفة ما أمر هللا به من توحي‪66‬ده وطاعت‪66‬ه‪ ،‬وم‪66‬ا نهى عن‪66‬ه من‬
‫اإلشراك به ومعصيته فالعوام ال يتعلم‪66‬ون‪ 6،‬وغ‪66‬الب العلم‪66‬اء مكب‪66‬ون على علم الكالم والمنط‪66‬ق ال‪66‬ذي بن‪66‬وا‬
‫عليه عقيدتهم وهو ال يحق حقًا وال يبطل باطالً بل هو كما قال بعض العلماء‪ ( :‬ال ينفع العلم به وال يض‪66‬ر‬
‫الجهل به)(‪.)1‬‬
‫ض* ِل هَّللا ِ َوبِ َر ْح َمتِ* ِه فَبِ* َذلِكَ‬
‫[ أفادك فائدتين‪ :‬األولى‪ :‬الفرح بفضل هللا ورحمته كما قال تعالى‪ { :‬قُ* ْل بِفَ ْ‬
‫ضا الخوف العظيم ] أي العلم بهذه الحقائق يفيدك فائدتين‪:‬‬ ‫فَ ْليَ ْف َر ُحوْ*ا ه َُو َخ ْي ٌر ِّم َّما يَ ْج َم ُعونَ }(‪ )2‬وأفادك أي ً‬
‫الفائدة األولى‪ :‬أنك تفرح بفضل هللا حيث َم َّن عليك بمعرفة الحق من الباطل فإنها نعمة عظيمة‪ ،‬حُر َم‬
‫ك فَ ْليَ ْف َر ُح‪ْ 6‬‬
‫‪6‬وا هُ‪َ 6‬‬
‫‪6‬و خَ ْي‪ٌ 6‬ر ِّم َّما يَجْ َم ُع‪66‬ونَ }‬ ‫ض‪ِ 6‬ل هَّللا ِ َوبِ َرحْ َمتِ‪ِ 6‬ه فَبِ‪َ 6‬ذلِ َ‬
‫منها الكثير من الخلق‪ ،‬قال تعالى‪ { :‬قُ‪6‬لْ بِفَ ْ‬
‫وفضل هللا هو اإلسالم‪ ،‬ورحمته هي القرآن { فَ ْليَ ْف َرح ْ‬
‫ُوا } فرح شكر واع‪66‬تراف بالنعم‪66‬ة‪ .‬والف‪66‬رح بفض‪66‬ل‬
‫هللا مشروع ألنه شكر هلل سبحانه وتعالى على نعمة التوحيد ومعرفة الشرك وهذه نعمة إذا ُوفّقت له‪66‬ا فإن‪66‬ه‬
‫قد جمع لك الخير كله الفرح بالنعمة مشروع‪ ،‬أما الفرح المنهي عن‪66‬ه فه‪66‬و الف‪6‬رح بال‪6‬دنيا كم‪66‬ا ق‪66‬ال تع‪66‬الى‪:‬‬
‫ف‪6‬الفرح بال‪6‬دنيا و ُحطَامه‪6‬ا م‪6‬ذموم أم‪6‬ا‬ ‫(‪)3‬‬
‫ع}‬ ‫ُوا ِب ْال َحيَا ِة ال ُّد ْنيَا َو َما ْال َحيَ‪6‬اةُ ال‪ُّ 6‬د ْنيَا فِي ِ‬
‫اآلخ‪َ 6‬ر ِة ِإالَّ َمتَ‪6‬ا ٌ‬ ‫{ َوفَ ِرح ْ‬
‫الفرح بالدين والفرح بالعلم النافع فهذا مشروع ألن هللا أمر به‪.‬‬

‫والفائدة الثانية* ‪ :‬أنك إذا عرفت التوحيد الصحيح وعرفت الشرك القبيح فإن ذلك يُفيدك الخوف أن تقع‬
‫فيما وقع فيه كثير من الن‪66‬اس بالمخالف‪66‬ة له‪66‬ذا األص‪66‬ل والوق‪66‬وع في الش‪66‬رك وأنت ال ت‪66‬دري فال ت‪66‬أمن على‬

‫(‪ )1‬انظر كتاب‪ 6‬الرد على المنطقيين لشيخ اإلسالم ابن تيمية ص‪( 3‬بنحوه‪.)6‬‬

‫(‪ )2‬يونس‪58 :‬‬

‫(‪ )3‬الرعد‪26 :‬‬

‫‪20‬‬
‫نفسك من الفتن‪66‬ة فال تغ‪66‬تر بعمل‪66‬ك أو بفهم‪66‬ك‪ ،‬ولكن ق‪66‬ل ال ح‪66‬ول وال ق‪66‬وة إال باهلل واس‪66‬أل هللا الثب‪66‬ات‪ ،‬ف‪66‬إن‬
‫ي َأن نَّ ْعبُ‪َ 6‬د‬
‫إبراهيم الخليل الذي أعطاه هللا من العلم واليقين ما لم يعط غ‪66‬يره إال نبيً‪66‬ا يق‪66‬ول‪َ { :‬واجْ نُ ْبنِي َوبَنِ َّ‬
‫اس }(‪ )1‬فإبراهيم لم يأمن على نفسه الفتن‪6‬ة م‪6‬ع علم‪6‬ه ويقين‪6‬ه وه‪6‬و‬ ‫اَألصْ نَا َم‪َ ،‬ربِّ ِإنَّه َُّن َأضْ لَ ْلنَ َكثِيرًا ِّمنَ النَّ ِ‬
‫الذي كسَّر األصنام بيده وألقي في النار بسبب ذلك‪ ،‬ومع هذا يخاف على نفسه من الفتنة‪ ،‬فال تغتر بعلم‪66‬ك‬
‫وتأمن على نفسك من الفتنة ولكن كن دائ ًما على حذر من الفتنة بأن ال تز ّل بك القدم وتغ‪66‬تر بش‪66‬يء يك‪66‬ون‬
‫سببًا لهالكك وضاللك‪ ،‬ف‪66‬إن بعض المغ‪66‬رورين الي‪66‬وم يق‪66‬ول إن الن‪66‬اس تج‪66‬اوزوا مرحل‪66‬ة الجه‪66‬ل والبدائي‪66‬ة‬
‫وصاروا مثقفين واعين ال يتصور أن يع‪66‬ودوا للوثني‪66‬ة‪ ،‬أو نح‪ً 6‬وا من ه‪66‬ذا الكالم الف‪66‬ارغ‪ ،‬ولم يفطن لعب‪66‬ادة‬
‫األضرحة التي تنتشر في كثير من البالد اإلسالمية ولم ينظر فيما وصل إلي‪6‬ه كث‪6‬ير من الن‪6‬اس من الجه‪66‬ل‬
‫بالتوحيد‪.‬‬
‫[ فإنك إذا عرفت أن اإلنسان يكفر بكلمة يخرجها من لسانه وقد يقولها وهو جاهل فال يعذر بالجهل ]‬
‫قد يقول اإلنسان كلمة من الكفر تُحبط عمله كله كالرجل الذي قال‪ « :‬وهللا ال يغفر هللا لفالن‪ ،‬فقال هللا ج‪6‬ل‬
‫كلمة واح‪6‬دة تج‪6‬رأ‬ ‫(‪)2‬‬
‫وعال‪ :‬من ذا الذي يتألى علي أن ال أغفر لفالن‪ .‬إني قد غفرت له وأحبطت عملك »‬
‫فيها على هللا وأراد أن يمنع هللا أن يغفر لهذا المذنب‪ ،‬فاهلل جل وعال أحبط عمله وغضب عليه‪ .‬واإلنس‪66‬ان‬
‫قد يتكلم بمثل هذه الكلمة ونحوها فيخرج من دين اإلسالم‪ ،‬فالذين مع النبي ‪ ‬لما قالوا ما رأينا مثل قرائنا‬
‫هؤالء أرغب بطونًا وأكذب ألسنًا وأجبن عند اللق‪66‬اء يزعم‪66‬ون أنهم قالوه‪66‬ا من ب‪6‬اب الم‪66‬دح ويقطع‪66‬ون به‪66‬ا‬
‫الطريق ب‪66‬زعمهم ق‪66‬ال هللا فيهم‪ { :‬قُ‪66‬لْ َأبِاهَّلل ِ َوآيَاتِ‪ِ 6‬ه َو َر ُس‪6‬ولِ ِه ُكنتُ ْم ت َْس‪6‬تَه ِْزُؤ ونَ ‪ ،‬الَ تَ ْعتَ‪ِ 6‬ذر ْ‬
‫ُوا قَ‪ْ 6‬د َكفَ‪66‬رْ تُم بَ ْع‪َ 6‬د‬
‫دل على أنهم مؤمنون في األول فلما قالوا هذه الكلمة كفروا والعياذ باهلل مع أنهم يقولونها من‬ ‫(‪)3‬‬
‫ِإي َمانِ ُك ْم }‬
‫باب المزح واللعب‪.‬‬
‫[ وقد يقولها وهو يظن أنها تقربه إلى هللا تعالى كما كان يظن المشركون ] أي يقول كلمة الكفر وهو‬
‫{ هَـُؤ ال ِء‬ ‫(‪)4‬‬
‫يظن أنه‪66‬ا تقرب‪66‬ه إلى مث‪66‬ل م‪66‬ا يق‪66‬ول المش‪66‬ركون‪َ { :‬م‪66‬ا نَ ْعبُ‪ُ 6‬دهُ ْم ِإالّ لِيُقَرِّ بُونَ‪66‬ا ِإلَى هَّللا ِ ُز ْلفَى }‬
‫ُشفَ َعاُؤ نَا ِعن َد هَّللا ِ }(‪.)5‬‬
‫اج َعل لَّنَا‬
‫قص عن قوم موسى مع صالحهم وعلمهم‪ ،‬أنهم أتوه قائلين‪ْ { *:‬‬
‫َّ‬ ‫صا إن ألهمك هللا ما‬
‫[ خصو ً‬
‫فحينئ ٍذ يعظم حرصك وخوفك على ما يخلّصك* من ه*ذا وأمثال*ه ] ق‪6‬وم موس‪6‬ى هم‬ ‫(‪)6‬‬
‫ِإلَـ ًها َك َما لَ ُه ْم آلِ َهةٌ }‬
‫بنو إسرائيل الذين آمنوا بموسى خرجوا مع‪66‬ه من مصر حيث أم‪66‬ره هللا أن يخ‪66‬رج بهم ف‪66‬راراً من فرع‪66‬ون‬

‫(‪ )1‬إبراهيم‪36-35 :‬‬

‫(‪ )2‬رواه اإلمام مسلم في صحيحه ‪ 4/2023‬كتاب (‪ )45‬البر والصلة واآلداب (‪ )39‬باب النهي عن تقنيط‪ 6‬اإلنسان من رحمة هللا تعالى‬
‫حديث رقم ‪ .)2621(– 137‬من حديث جندب رضي هللا عنه‪.‬‬
‫(‪ )3‬التوبة‪ 6، 66-65 :‬انظر جامع البيان في تفسير القرآن البن جرير الطبري ‪ 20-10/19‬وتفسير القرآن العظيم البن كثير‪-2/351 6‬‬
‫‪ ،352‬وأسباب النزول للواحدي ‪.188-187‬‬
‫(‪ )4‬الزمر‪3 :‬‬

‫(‪ )5‬يونس‪18:‬‬

‫(‪ )6‬األعراف‪138:‬‬

‫‪21‬‬
‫فخفي عليهم هذا األمر مع أنهم علماء وفيهم صالح وتقوى وخرجوا مع موسى مقاطعين لفرعون وقوم‪66‬ه‬
‫فلما أتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم أرادوا تقليدهم في ذلك وطلبوا من موس‪66‬ى فق‪66‬الوا‪ { :‬اجْ َع‪66‬ل لَّنَ‪66‬ا‬
‫ِإلَـهًا َك َما لَهُ ْم آلِهَةٌ }(‪ )1‬فأنكر عليهم موسى هذه المقالة وأخبرهم أن عمل هؤالء القوم شرك باهلل ع‪6‬ز وج‪6‬ل‬
‫فانظر كيف خفي عليهم هذا األمر مما يدل على خطورة الجهل بالتوحيد وعدم معرفة حقيق‪66‬ة الش‪66‬رك مم‪66‬ا‬
‫يسبب أن اإلنسان قد يقول الكلمة التي تقتضي الكفر والخروج من الدين وه‪66‬و ال ي‪66‬دري‪ .‬وال يخلص‪66‬ك من‬
‫هذا وأمثاله إال العلم الن‪66‬افع ال‪66‬ذي ب‪66‬ه تع‪66‬رف التوحي‪66‬د من الش‪66‬رك‪ ،‬وتح‪66‬ذر ب‪66‬ه من الق‪66‬ول أو الفع‪66‬ل الل‪66‬ذين‬
‫يوقعانك في الشرك من حيث ال تدري‪ .‬وهذا يدل على بطالن ق‪66‬ول من يق‪66‬ول‪ :‬إن من ق‪66‬ال كلم‪66‬ة الكف‪66‬ر أو‬
‫عمل الكفر ال يكفر حتى يعتقد بقلبه ما يقول ويفعل‪ .‬ومن يقول‪ :‬إن الجاهل يعذر مطلقًا ول‪66‬و ك‪66‬ان بإمكان‪66‬ه‬
‫أن يسأل ويتعلم‪ ،‬وهي مقالة ظهرت ممن ينتسبون إلى العلم والحديث في هذا الزمان‪.‬‬
‫[ واعلم أن هللا تعالى بحكمته لم يبعث نبيًا بهذا التوحيد إال جعل له أعداء كم**ا ق**ال تع**الى‪َ { :‬و َك* َذلِ َك‬
‫*و ِل ُغ* ُرو ًرا }(‪ )2‬وق*د‬ ‫ض ُز ْخ* ُرفَ ا ْلقَ ْ‬
‫ض* ُه ْم ِإلَى بَ ْع ٍ‬ ‫س َوا ْل ِجنِّ يُ ِ‬
‫*وحي بَ ْع ُ‬ ‫اطينَ اِإل ن ِ‬ ‫َج َع ْلنَا لِ ُك ِّل نِبِ ٍّي َع ُد ًّوا َ‬
‫شيَ ِ‬
‫ت فَ ِر ُح* وا‬ ‫يكون ألعداء التوحيد علوم كثيرة وكتب وحجج كما قال تعالى‪ { :‬فَلَ َّما َج* ا َء ْت ُه ْم ُر ُ‬
‫س*لُ ُهم بِا ْلبَيِّنَ**ا ِ‬
‫] حكمة هللا تعالى في هذا تتلخص في أمرين‪:‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫بِ َما ِعن َدهُم ِّمنَ ا ْل ِع ْل ِم }‬
‫ث نبيًا من أنبيائه إال جعل له أعداء من المشركين كما في اآلية التي ذكرها‬ ‫األمر األول‪ :‬أنه ما بَ َع َ‬
‫َص‪6‬يرًا }(‪ )4‬وهلل‬ ‫المؤلف وكما في اآلية‪َ { :‬و َك َذلِكَ َج َع ْلنَا لِ ُك ِّل نَبِ ٍّي َع ُد ًّوا ِّمنَ ْال ُمجْ ِر ِمينَ َو َكفَى بِ َربِّ َ‬
‫ك هَا ِديًا َون ِ‬
‫في ذلك الحكم‪6‬ة من أج‪6‬ل أن يت‪6‬بين الص‪6‬ادق من الك‪6‬اذب‪ ،‬ويت‪6‬بين المطي‪6‬ع من العاص‪6‬ي‪ .‬إذا بعث األنبي‪6‬اء‬
‫يدعون إلى الهدى صار هناك دعاة للضالل من أجل أن يمتحن الناس أيهم يتب‪6‬ع األنبي‪6‬اء وأيهم يتب‪6‬ع دع‪6‬اة‬
‫الضالل‪ ،‬ولوال ذلك لكان الناس كلهم يتبعون األنبي‪6‬اء ول‪6‬و في الظ‪6‬اهر وال يتم‪6‬يز الص‪6‬ادق في اتِّباع‪6‬ه من‬
‫المنافق ألن األنبياء يتّبعهم المؤمن الصادق ويتبعهم المنافق الكاذب‪ ،‬والذي يميز هذا من هذا ه‪66‬و االبتالء‬
‫واالمتح‪66‬ان‪ ،‬فالش‪6‬دائد هي ال‪6‬تي ت‪6‬بيّن الص‪6‬ادقين من المن‪66‬افقين فاهلل جع‪66‬ل أع‪66‬دا ًء لألنبي‪6‬اء لحكم‪66‬ة من أج‪66‬ل‬
‫ه‪666‬ذه هي‬ ‫(‪)5‬‬
‫ْض‪666‬هُ َعلَ َى بَع ٍ‬
‫ْض }‬ ‫‪666‬ل ْالخَ بِ َ‬
‫يث بَع َ‬ ‫يث ِمنَ الطَّيِّ ِ‬
‫ب َويَجْ َع َ‬ ‫االبتالء واالمتح‪666‬ان { لِيَ ِم‪666‬يزَ هَّللا ُ ْالخَ بِ َ‬
‫الحكمة بأن هللا جعل لكل نبي عد ًوا شياطين اإلنس والجن‪ ،‬والشيطان هو الم‪6‬ارد العاص‪66‬ي فك‪6‬ل من تم‪6‬رد‬
‫عن طاعة هللا فإنه شيطان سواء كان من الجن أو من اإلنس‪ ،‬حتى الدواب المتم‪66‬ردة تس‪66‬مى ش‪66‬يطانًا وه‪66‬و‬
‫من شاط الشيء إذا اشتد أو من شطن إذا ابتعد‪ ،‬فالشيطان يك‪66‬ون من ع‪66‬الم الجن ويك‪66‬ون من ع‪66‬الم اإلنس‪،‬‬
‫الزخرف في األصل الذهب وزخرف القول‬ ‫(‪)6‬‬
‫ْض ُز ْخرُفَ ْالقَوْ ِل }‬
‫ضهُ ْم ِإلَى بَع ٍ‬
‫ُوحي بَ ْع ُ‬
‫وقوله تعالى‪ { :‬ي ِ‬

‫(‪ )1‬األعراف‪138:‬‬

‫(‪ )2‬األنعام‪112:‬‬

‫(‪ )3‬غافر‪83:‬‬

‫(‪ )4‬الفرقان‪31:‬‬

‫(‪ )5‬األنفال‪37:‬‬

‫(‪ )6‬األنعام‪112:‬‬

‫‪22‬‬
‫هو القول المموّه المز ّور‪ ،‬ألجل أن يغر الناس‪ .‬ف‪66‬القول المزخ‪66‬رف ه‪66‬و الباط‪66‬ل المغلّ‪66‬ف بش‪66‬يء من الح‪66‬ق‬
‫وهذا من أعظم الفتنة ألن الباطل لو كان مكشوفًا م‪66‬ا قبل‪66‬ه أح‪66‬د لكن إذا ُغطي بش‪66‬يء من الح‪66‬ق فإن‪66‬ه يقبل‪66‬ه‬
‫كثير من الناس وينخدعون بهذه الزخرفة‪ ،‬فهو باطل في صورة الح‪66‬ق‪َ { ،‬ولَ‪66‬وْ َش‪6‬ا َء َربُّكَ َم‪66‬ا فَ َعلُ‪66‬وهُ } هللا‬
‫قادر على منعهم من ذلك لكنه شاء أن يفعلوه من أجل االبتالء واالمتحان‪ .‬وإذا كان هذا مع األنبياء فكي‪66‬ف‬
‫بغيرهم من الدعاة إلى هللا وعلماء التوحيد فأتباع األنبياء أيضًا يكون لهم أع‪66‬داء من دع‪66‬اة الباط‪66‬ل في ك‪66‬ل‬
‫زمان وفي كل مكان‪ .‬هذا مستمر في الخلق وج‪6‬ود دع‪6‬اة الح‪ّ 6‬‬
‫ق وإلى ج‪6‬انبهم دع‪66‬اة الباط‪6‬ل في ك‪66‬ل زم‪6‬ان‬
‫ومكان‪.‬‬
‫األمر الثاني* ‪ :‬وهو العجيب أن دعاة الباطل يكون عندهم علوم وعندهم كتب وعندهم حجج يجادلون بها‬
‫يع‪6‬ني الكف‪6‬ار { بِ ْالبَيِّنَ‪6‬ا ِ‬
‫ت } الحق‪6‬ائق البيّن‪6‬ة والعلم‬ ‫(‪)1‬‬
‫ُس‪6‬لُهُم }‬
‫أهل الحق كما قال تع‪6‬الى‪ { :‬فَلَ َّما َج‪ 6‬ا َء ْتهُ ْم ر ُ‬
‫النافع { فَ ِرحُوا ِب َما ِعن َدهُم ِّمنَ ْال ِع ْل ِم } الذي توارثوه عن أجدادهم وآبائهم والذي هو عبارة عن كتبهم وعن‬
‫حججهم ال‪66‬تي توارثوه‪66‬ا‪ ،‬وه‪66‬ذا واق‪6‬ع اآلن‪ ،‬فكم في الس‪66‬احة من كتب أه‪66‬ل الباط‪66‬ل ككتب الجهمي‪66‬ة‪ ،‬وكتب‬
‫المعتزلة‪ ،‬وكتب األشاعرة‪ ،‬وكتب الشيعة كم في الساحة من كتب ه‪66‬ؤالء! وعن‪66‬دهم حجج مركب‪66‬ة ومزيف‪66‬ة‬
‫تغر اإلنسان الذي ليس عنده تمكن من العلم فعلم الكالم وعلم المنطق اعتمدوه وجعلوه ه‪66‬و العلم الص‪66‬حيح‬
‫الذي يفيد اليقين‪.‬‬
‫[ إذا عرفت ذلك وعرفت أن الطريق إلى هللا تعالى* البد له من أعداء قاعدين عليه أهل فصاحة وعلم‬
‫سالحا تقاتل به هؤالء الشياطين الذين قال إمامهم‬
‫ً‬ ‫وحجج‪ ،‬فالواجب عليك أن تعلم من دين هللا ما يصير‬
‫س*تَقِي َم * ثُ َّم آلتِيَنَّ ُهم ِّمن بَ ْي ِن َأ ْي* ِدي ِه ْم َو ِمنْ َخ ْلفِ ِه ْم‬ ‫ومق**دمهم لرب**ك ع**ز وج**ل‪َ { :‬أل ْق ُع*دَنَّ لَ ُه ْم ِ‬
‫ص* َراطَكَ ا ْل ُم ْ‬
‫ين }(‪ ] )2‬أم‪6‬ا أدل‪6‬ة الق‪6‬رآن والس‪6‬نة فهي حجج ظني‪6‬ة‬ ‫ش*ا ِك ِر َ*‬ ‫ش* َمآِئلِ ِه ْم َوالَ ت َِج* ُد َأ ْكثَ َ‬
‫*ر ُه ْم َ‬ ‫َوعَنْ َأ ْي َمانِ ِه ْم َوعَن َ‬
‫بزعمهم ال تفيد اليقين وهذا من تمام الفتنة والتزييف على الناس‪ .‬ألن الواقع الصحيح ه‪6‬و العكس وه‪66‬و أن‬
‫أدلة القرآن تفيد اليقين‪ ،‬وأدلة المنطق والجدل تفيد الشك والحيرة واالض‪66‬طراب‪ .‬كم‪66‬ا أق‪66‬ر ب‪66‬ذلك ك‪66‬براؤهم‬
‫عند الموت أو عند توبتهم ورجوعهم عن علم الكالم‪.‬‬
‫إذا كان هؤالء عندهم فصاحة وعندهم حجج وعندهم كتب فال يليق بك أن تقابلهم وأنت أعزل بل يجب‬
‫عليك أن تتعلم من كت‪66‬اب هللا ومن س‪6‬نة رس‪6‬ول هللا ‪ ‬م‪6‬ا تبط‪6‬ل ب‪6‬ه حجج ه‪6‬ؤالء ال‪6‬ذين ق‪6‬ال إبليس إم‪6‬امهم‬
‫ص َراطَكَ ْال ُم ْستَقِي َم } أي الطريق الموص‪66‬ل إلي‪66‬ك‬ ‫ومقدمهم لربك عز وجل‪َ { :‬أل ْق ُعد ََّن لَهُ ْم } أي لبني آدم { ِ‬
‫{ ثُ َّم آلتِيَنَّهُم ِّمن بَي ِْن َأ ْي ِدي ِه ْم َو ِم ْن خَ ْلفِ ِه ْم َوع َْن َأ ْي َم‪6‬انِ ِه ْم َوعَن َش‪َ 6‬مآِئلِ ِه ْم َوالَ ت َِج‪ُ 6‬د َأ ْكثَ‪َ 6‬رهُ ْم َش‪6‬ا ِك ِرينَ }(‪ .)3‬تعه‪6‬د‬
‫الخ‪66‬بيث أن‪66‬ه س‪66‬يحاول إض‪66‬الل ب‪66‬ني آدم وك‪66‬ذلك أتباع‪66‬ه من ش‪66‬ياطين اإلنس من أص‪66‬حاب الكتب الض‪66‬الة‬
‫واألفكار المنحرفة يقومون بعمل إبليس في إضالل الناس‪.‬‬

‫(‪ )1‬غافر‪83:‬‬

‫(‪ )2‬األعراف‪17-16:‬‬

‫(‪ )3‬األعراف‪17:‬‬

‫‪23‬‬
‫الش* ْيطَ ِ*‬
‫ان َك**انَ‬ ‫[ ولكن إذا أقبلت* على هللا وأصغيت إلى حججه وبيّناته فال تخف وال تح**زن { ِإنَّ َك ْي* َد َّ‬
‫ض‪ِ 6‬عيفًا } فهم‬ ‫ان َك‪6‬انَ َ‬ ‫ط ِ‬ ‫ان ِإ َّن َكيْ‪َ 6‬د َّ‬
‫الش‪ْ 6‬ي َ‬ ‫ط ِ‬‫وا َأوْ لِيَا َء ال َّش ْي َ‬
‫ض ِعيفًا }(‪ ] )1‬كما قال هللا سبحانه وتعالى‪ { :‬فَقَاتِلُ ْ‬
‫َ‬
‫مهما كان عندهم من الق‪66‬وة الكالمي‪66‬ة والج‪66‬دال والبراع‪66‬ة في المنط‪66‬ق والفص‪66‬احة إال أنهم ليس‪66‬وا على ح‪66‬ق‬
‫وأنت على حق ما دمت متمس ًكا بالكتاب والس‪6‬نة وفهمت الكت‪6‬اب والس‪6‬نة ف‪6‬اطمئن ف‪6‬إنهم لن يض‪6‬روك أب‪6‬دًا‬
‫لكن هذا يحتاج إلى الرجوع إلى الكتاب والس‪6‬نة فإن‪6‬ك ب‪6‬ذلك ال تخ‪6‬اف‬ ‫(‪)2‬‬
‫ض ِعيفًا }‬ ‫{ ِإ َّن َك ْي َد ال َّش ْيطَ ِ‬
‫ان َكانَ َ‬
‫مهما كان معهم من الحجج والكتب ألنها سراب كما قال الشاعر‪:‬‬
‫(‪)3‬‬
‫حقًا؛ وكل منها كاسر مكسور‬ ‫حجج تهافت كالزجاج تخالها‬

‫فالسراب يزول كذلك هذه الحجج إذا طلعت عليها شمس القرآن وبينات القرآن زال هذا الض‪66‬باب ال‪66‬ذي‬
‫ق َولَ ُك ُم ْال َويْ‪ُ 66‬ل ِم َّما‬ ‫ق َعلَى ْالبَ ِ‬
‫اط ِل فَيَ ْد َم ُغهُ فَِإ َذا ه َُو َزا ِه ٌ‬ ‫معهم وهذه سنة هللا سبحانه وتعالى‪ { :‬بَلْ نَ ْق ِذفُ بِ ْال َح ِّ‬
‫ب }(‪ )5‬قذائف الحق تدمر الباطل مهما كان‪.‬‬ ‫ق َعالّ ُم ْال ُغيُو ِ‬ ‫َصفُونَ }(‪ { .)4‬قُلْ ِإ َّن َربِّي يَ ْق ِذفُ بِ ْال َح ِّ‬
‫ت ِ‬
‫الموح* دين يغلب ألفً**ا من علم**اء ه**ؤالء المش**ركين‪ *،‬ق**ال تع**الى* ‪ { :‬وَِإنَّ ُجن * َدنَا لَ ُه ُم‬
‫ّ‬ ‫[ والع**امي من‬
‫ون }(‪ ] )6‬هذا من العجائب أن العامي غير المتعلم من الموح‪6‬دين يغلب ألفً‪6‬ا من علم‪6‬اء المش‪6‬ركين‪،‬‬ ‫ا ْل َغالِبُ َ*‬
‫ذلك ألن العامي عنده الفطرة السليمة التي لم تتلوث بالشكوك واألوهام وقواع‪66‬د المنط‪66‬ق وعلم الكالم‪ .‬أم‪66‬ا‬
‫العالم المشرك فليس عنده فطرة سليمة وال علم صحيح وص‪66‬احب الفط‪66‬رة الس‪66‬ليمة يتغلب على ال‪66‬ذي ليس‬
‫عنده فطرة وال علم ألن علمه جهل‪ .‬إ ًذا فالناس ثالثة أقسام‪:‬‬
‫القسم األول‪ :‬من عنده علم صحيح وفطرة سليمة وهذا أعلى الطبقات وهذا هو الذي أقبل على ربه‬
‫وأصغى إلى حججه وبيّناته فصار عنده علم صحيح وفطرة سليمة‪.‬‬
‫القسم الثاني‪ :‬من ليس عنده علم لكن عنده فطرة سليمة وهو العامي من الموحدين‪.‬‬
‫القسم الثالث‪ :‬من ليس عنده فطرة سليمة وال علم صحيح وإنما عنده سراب ال حقيقة له‪ ،‬فهذا يُهزم أمام‬
‫العامي فكيف أمام العالم الذي عنده علم صحيح وفط‪66‬رة س‪66‬ليمة؟ فه‪66‬ذا مم‪66‬ا ي‪66‬دلك على أن تعلّم العلم الن‪66‬افع‬
‫يكون سال ًحا للمؤمن أمام أعداء هللا ورسوله‪.‬‬

‫(‪ )1‬النساء‪76:‬‬

‫(‪ )2‬النساء‪76:‬‬

‫ذكر ذلك شيخ اإلسالم ابن تيمية عن اإلمام الخطابي في مجموع‪ 6‬الفتاوى ‪. 4/82‬‬ ‫(‪)3‬‬

‫(‪ )4‬األنبياء‪186:‬‬

‫(‪ )5‬سبأ‪48 :‬‬

‫(‪ )6‬الصافات‪173:‬‬

‫‪24‬‬
‫[ فجند هللا هم الغالبون* بالحجة* واللسان* كما هم الغالبون بالسيف والس**نان ] ق‪66‬ال تع‪66‬الى‪َ { :‬وِإ َّن جُن‪َ 6‬دنَا‬
‫لَهُ ُم ْالغَالِبُونَ }(‪ )1‬أضاف الجند إليه سبحانه وتعالى‪ ،‬وجند هللا هم المؤمن‪66‬ون‪ ،‬يق‪66‬ال لهم جن‪66‬د هللا ويق‪66‬ال لهم‬
‫حزب هللا كما في قوله تعالى‪ { :‬ال تَ ِج ُد قَوْ ًما يُْؤ ِمنُونَ بِاهَّلل ِ َو ْاليَوْ ِم ِ‬
‫اآلخ ِر ي َُوا ُّدونَ َم ْن َحا َّد هَّللا َ } إلى قوله‪{ :‬‬
‫ُأوْ لَِئكَ ِح ْزبُ هَّللا ِ َأال ِإ َّن ِح ْز َ‬
‫ب هَّللا ِ هُ ُم ْال ُم ْفلِحُونَ }(‪.)2‬‬
‫فهم حزب هللا وجند هللا‪ ،‬والجند جمع جندي وهو المقاتل والمدافع عن دين هللا أضافهم إلى نفسه تشريفًا‬
‫لهم‪ ،‬وجعل لهم الغلبة بالحجة والسالح‪.‬‬
‫جند هللا هم الغالبون بالحجة واللسان يعني بالعلم والمعرفة ومجادلة أه‪6‬ل الباط‪6‬ل‪ ،‬فم‪66‬ا تقاب‪6‬ل أه‪6‬ل ح‪6‬ق‬
‫وأهل باطل في خصومة إال تغلب أهل الحق على أهل الباطل في الخص‪66‬ومات والمن‪66‬اظرات دائ ًم‪66‬ا وأب‪6‬دًا‪.‬‬
‫فهم الغالبون بالحج‪66‬ة م‪66‬ع المبطلين كم‪66‬ا أنهم الغ‪66‬البون بالس‪66‬يف والس‪66‬نان في المع‪66‬ارك‪ ،‬إذا تقاب‪66‬ل الجن‪66‬دان‬
‫المسلمون والكفار فإنه ينتصر المسلمون على الكفار إذا توفرت شروط النص‪66‬ر فيهم ب‪66‬أن توكل‪66‬وا على هللا‬
‫واعتصموا باهلل وأطاعوا هللا ورسوله‪ ،‬فإن حصل فيهم خلل لحقت بهم الهزيم‪66‬ة كم‪66‬ا حص‪66‬ل للص‪66‬حابة في‬
‫وقعة أحد لما عصوا أمر الرسول ‪ ‬ونزلوا من الجبل الذي قال لهم ال تنزلوا منه سواء انتصرنا أو هُزمنا‬
‫فلما خالفوا ونزلوا من الجبل حلت الهزيمة بالمسلمين(‪.)3‬‬
‫[ وإنما الخوف على الموحد الذي يسلك الطريق وليس معه سالح ] هذا هو الواقع فالموحد الذي يسلك‬
‫الطريق ويواجه الكفار ويقول أنا أدعو إلى هللا وليس عن‪66‬ده علم ل‪66‬و يق‪66‬ف أمام‪66‬ه واح‪66‬د من ع‪66‬وامهم ويلقي‬
‫عليه شبهة ما استطاع الجواب‪ .‬فهذا مما يُوجب على طلبة العلم وعلى الدعاة إلى هللا خصوصًا أن يتفقهوا‬
‫في دين هللا وأن يتعلم‪66‬وا حجج هللا وبراهين‪66‬ه وأن يطّلع‪66‬وا على م‪66‬ا عن‪66‬د الخص‪66‬وم والكف‪66‬ار والمن‪66‬افقين من‬
‫الباطل من أجل أن يدحضوه ويكونوا على معرفة به‪ .‬والنبي ‪ ‬لما أرسل معا ًذا إلى اليمن ق‪66‬ال ل‪66‬ه‪ « :‬إن‪66‬ك‬
‫من أجل أن يستعد ألن الذين أمامه أهل كت‪66‬اب وأه‪66‬ل علم وعن‪66‬دهم حجج‬ ‫(‪)4‬‬
‫تأتي قو ًما من أهل الكتاب »‬
‫وعندهم شبهات وعن‪66‬دهم تل‪6‬بيس‪ ،‬فال ب‪66‬د أن يك‪66‬ون مع‪66‬اذ رض‪66‬ي هللا عن‪6‬ه على اس‪66‬تعداد من أج‪66‬ل أن يق‪66‬وم‬
‫بالدعوة ويرد الباطل ثم قال له‪ « :‬فليكن أول ما تدعوهم إليه ش‪66‬هادة أن ال إل‪66‬ه إال هللا وأن محم‪6‬دًا رس‪66‬ول‬
‫صا وعلى الدعاة إلى هللا بص‪66‬فة أخص‬
‫هللا » فهذا مما يؤكد على الموحدين عمو ًما وعلى طلبة العلم خصو ً‬
‫أن يتعلموا ما يدفعون به الباطل وينصرون ب‪6‬ه الح‪6‬ق وإال ف‪6‬إنهم س‪66‬ينهزمون أم‪66‬ام أي ش‪6‬بهة تع‪6‬رض لهم‪.‬‬
‫والمشكلة إذا عجز الداعية إلى هللا أن يُجيب على شبه الملبس أمام الناس أو أجابه بجه‪66‬ل‪ ،‬وه‪66‬ذا أش‪66‬د‪ .‬وال‬
‫يتعارض هذا مع ق‪66‬ول الش‪66‬يخ‪ « :‬والع‪66‬امي من الموح‪66‬دين يغلب ألفً‪66‬ا من علم‪66‬اء المش‪66‬ركين » ألن الع‪66‬امي‬
‫الموحد وإن كان كذلك فعليه الخوف من شرهم وأخ‪66‬ذ الح‪66‬ذر منهم بتعلم العلم الن‪66‬افع‪ .‬وق‪66‬د استش‪66‬كل بعض‬

‫(‪ )1‬الصافات‪173:‬‬

‫(‪ )2‬المجادلة‪22:‬‬

‫انظر صحيح اإلمام البخاري ‪ 48/26‬كتاب الجهاد والسير باب ما يك‪66‬ره من التن‪66‬ازع واالختالف في الح‪66‬رب وعقوب‪66‬ة من عص‪66‬ى‬ ‫(‪)3‬‬
‫وا َوت َْذه َ‬
‫َب ِري ُح ُك ْم } وقال قتادة الريح الحرب من حديث البراء بن عازب رضي هللا عنه‪.‬‬ ‫ُوا فَتَ ْف َشلُ ْ‬
‫إمامه وقال تعالى‪َ { :‬والَ تَنَازَ ع ْ‬

‫(‪ )4‬رواه اإلمام البخاري في صحيحه ‪ 2/125‬كتاب الزكاة باب ال تؤخذ كرائم أموال الناس من حديث ابن عباس رضي هللا تعالى عنه‪.‬‬

‫‪25‬‬
‫اإلخوان هذه العبارة‪ .‬وهي قول الشيخ‪( :‬والعامي من الموح‪66‬دين يغلب ألفً‪66‬ا من علم‪66‬اء ه‪66‬ؤالء المش‪66‬ركين)‬
‫مع قوله‪( :‬وإنما الخوف على الموحد الذي يسلك الطريق وليس معه سالح) والجواب عن هذا اإلشكال أن‬
‫الشيخ رحمه هللا يقصد أن العامي عنده فطرة سليمة يستنكر بها الباطل‪ ،‬أما علماء الضالل ففطرهم فاسدة‬
‫وحججهم واهية فالعامي يغلبهم بالفطرة السليمة من حيث الجملة ال من حيث التفاصيل‪.‬‬
‫فالعامي الموحد أحسن حاالً من علماء الكالم والمنطق فكتاب هللا ما ترك شيًئا نحتاج إليه من أمور ديننا‬
‫إال وبيّنه لنا لكن يحتاج منا إلى تفقه وتعلم ولو كان عندك سالح ولكن ال تعرف تشغيله فإنه ال ي‪66‬دفع عن‪66‬ك‬
‫العدو وكذلك القرآن ال ينفع إذا كان مهجو ًرا وكان اإلقبال على غيره من العلوم‪.‬‬
‫ين }(‪. )1‬‬ ‫[ وقد منَّ هللا تعالى علينا* بكتاب* الذي جعله { تِ ْبيَانًا* لِّ ُك ِّل ش َْي ٍء َو ُهدًى َو َر ْح َمةً َوبُش َْرى لِ ْل ُم ْ‬
‫سلِ ِم َ*‬
‫فال يأتي صاحب باطل بحجة إال وفي القرآن* ما ينقضها* ويبيّن بطالنها‪ .‬كما قال تع**الى‪َ { :‬وال يَْأتُونَ* َك‬
‫ق َوَأ ْح َ‬
‫سنَ تَ ْف ِ‬
‫سي ًرا* }(‪ .)2‬قال بعض المفسرين‪ :‬هذا اآلية عامة في كل حج ٍة يأتي بها‬ ‫بِ َمثَ ٍل ِإالّ ِجْئنَاكَ بِا ْل َح ِّ‬
‫أهل الباطل إلى يوم القيامة ] هذه قاعدة معروفة ألن هللا جل وعال يقول عن القرآن‪ { :‬تِ ْبيَانًا لِّ ُك ِّل َش ْي ٍء }‬
‫ق َوَأحْ َسنَ تَ ْف ِسي ًرا } فال يوجد شبهة في الدنيا أو باطل في ال‪66‬دنيا‬‫ويقول‪َ { :‬وال يَْأتُونَكَ ِب َمثَ ٍل ِإاَّل ِجْئنَاكَ بِ ْال َح ِّ‬
‫يُدلي به كافر أو ُم لحد إال وفي القرآن ما يرد عليه لكن ال يتبين هذا إال بمعرفة القرآن والتفقه فيه ودراسته‬
‫حق الدراسة حتى يعرف ما فيه من الكنوز وما فيه من السالح وما فيه من الذخيرة التي نقاوم بها أعداءنا‬
‫فنقبل على كتاب هللا حفظًا وتفه ًما وتالوة وتدبرًا وعمالً حتى نكون مسلحين بهذا السالح‪ .‬أما مجرد وجود‬
‫الق‪6‬رآن عن‪66‬دنا من غ‪66‬ير أن نعت‪6‬ني ب‪66‬ه وندرس‪6‬ه فال يكفي‪ ،‬وأه‪66‬ل الكت‪6‬اب ض‪66‬لوا وكف‪66‬روا وعن‪66‬دهم الت‪66‬وراة‬
‫واإلنجيل لما تركوا تعلمهما والعمل بهما‪.‬‬
‫لكن البد من دراسة القرآن على ضوء السنة النبوية وتفسير السلف الص‪6‬الح‪ ،‬ال على ض‪6‬وء الدراس‪6‬ات‬
‫المعاصرة المبنية على التخرص والجهل أو ما يسمونه باإلعجاز العلمي‪.‬‬
‫فليس هذا خاصًا بالرسول ‪ ‬وأهل زمانه مع القرآن بل هذا عام لكل أمته إلى أن تقوم الساعة لكن يحتاج‬
‫إلى عناية بالقرآن ودراسة للقرآن كما ينبغي‪ 6،‬ألن فيه بيان الحق والرد على أهل الباطل‪.‬‬
‫[ وأنا أذكر لك أشياء مما ذكر هللا في كتابه جوابًا لكالم احتج به المشركون في زماننا علينا ] لما ذكر‬
‫لك هذه القاعدة العظيمة وهو أنه ال يأتي مبطل بشبهته إال وفي القرآن ما ي‪66‬بين بطالنه‪66‬ا وأن ذل‪66‬ك مس‪66‬تمر‬
‫إلى يوم القيامة‪ ،‬دخل في التمثيل من الواقع الذي جرى للشيخ رحمه هللا في وقته م‪66‬ع خص‪66‬ومه‪ .‬ومن هن‪66‬ا‬
‫إلى آخر الكتاب كله كشف شبهات يعترضون بها على الش‪66‬يخ وه‪66‬و يُجيبهم عنه‪66‬ا من كت‪66‬اب هللا ومن س‪66‬نة‬
‫رسوله ‪ . ‬وي‪6‬دحض حججهم وب‪6‬ذلك نص‪6‬ره هللا عليهم وأبط‪6‬ل كي‪6‬دهم‪ [ .‬فنق**ول‪ :‬ج*واب أه*ل الباط**ل من‬
‫صل‪ .‬أما المجمل ] المجمل ه‪66‬و القاع‪66‬دة العام‪66‬ة في ج‪66‬واب أه‪66‬ل الباط‪66‬ل على اختالف‬
‫طريقين مجمل ومف ّ‬
‫أص‪66‬نافهم‪ ،‬وفي أي زم‪66‬ان ومك‪66‬ان‪ .‬والمفص‪66‬ل ه‪66‬و ال‪66‬رد على ك‪66‬ل ش‪66‬بهة على ح‪66‬دة ف‪66‬إذا ع‪66‬رفت المجم‪66‬ل‬
‫والمفصل في رد الشبهات صار عندك سالح لمنازلة المشركين والمبطلين‪ [ .‬فهو األم**ر العظيم والفائ**دة‬

‫(‪ )1‬النحل‪89:‬‬

‫(‪ )2‬الفرقان‪33:‬‬

‫‪26‬‬
‫ب‬‫*اب ِم ْن*هُ آيَ**اتٌ ُّم ْح َك َم**اتٌ هُنَّ ُأ ُّم ا ْل ِكتَ**ا ِ‬ ‫ي َأن َز َل َعلَ ْي* َ*ك ا ْل ِكتَ* َ*‬
‫الكبيرة لمن عقلها وذلك قوله تعالى‪ { :‬ه َُو الَّ ِذ َ‬
‫َوُأ َخ ُر ُمتَشَابِ َهاتٌ فََأ َّما الَّ ِذينَ في قُلُوبِ ِه ْم زَ ْي ٌغ فَيَتَّبِ ُعونَ َما تَشَابَهَ ِم ْنهُ ا ْبتِ َغاء* ا ْلفِ ْتنَ ِة َوا ْبتِ َغا َء تَْأ ِويلِ ِه َو َم**ا يَ ْعلَ ُم‬
‫تَْأ ِويلَهُ ِإالَّ هَّللا ُ }(‪ ] )1‬هذا هو الرد المجمل على الشبهات قال تعالى‪ { :‬هُ َو الَّ ِذ َ‬
‫ي َأنزَ َل َعلَ ْيكَ ْال ِكت َ‬
‫َاب } يعني‬
‫ب } المحكم هو الذي ال يحتاج في بيانه إلى غيره‪.‬‬ ‫ات ه َُّن ُأ ُّم ْال ِكتَا ِ‬ ‫القرآن { ِم ْنهُ آيَ ٌ‬
‫ات ُّمحْ َك َم ٌ‬
‫ات } يعني بيّنات واضحات في معانيها ال تحتاج إلى غيرها‬ ‫فالقرآن منه آيات على هذا الشكل { ُّمحْ َك َم ٌ‬
‫ب } أم الشيء هو األصل الذي يرجع إليه فاآليات المحكم‪66‬ات هن األص‪66‬ل ال‪66‬ذي يرج‪66‬ع إليه‬ ‫{ ه َُّن ُأ ُّم ْال ِكتَا ِ‬
‫{ َوُأخَ ُر ُمتَ َشابِهَ ٌ‬
‫ات } المتشابه هو ال‪6‬ذي يحت‪66‬اج لبي‪6‬ان معاني‪6‬ه إلى غ‪66‬يره ف‪6‬يرد إلى المحكم‪ ،‬ومن المتش‪66‬ابه‬
‫المحتمل لمعاني متعددة ويحتاج إلى غيره في بيان المراد من‪66‬ه‪ ،‬ومن‪66‬ه المطل‪66‬ق ومن‪66‬ه المنس‪66‬وخ‪ .‬وق‪66‬د ذك‪66‬ر‬
‫تعالى موقف الناس من هذين القس‪66‬مين المحكم والمتش‪66‬ابه فق‪66‬ال‪ { :‬فََأ َّما الَّ ِذينَ في قُلُ‪66‬وبِ ِه ْم زَ ْي‪ٌ 6‬غ فَيَتَّبِ ُع‪66‬ونَ َما‬
‫تَ َشابَهَ ِم ْنهُ } يأخذون اآليات غير الواضحة أو اآليات المحتمل‪66‬ة ويس‪6‬تدلون به‪6‬ا على م‪66‬ا يري‪6‬دون م‪66‬ع أنه‪6‬ا‬
‫ص ا فيما يقولون لكن هم يريدون التلبيس على الناس يقولون نحن استدللنا بالقرآن فيأخذون‬
‫محتملة ليست ن ً‬
‫اآليات التي ال يتضح معناها بنفسها أو اآليات المحتملة لعدة معان فيستدلون بها على ما يريدون { ا ْبتِ َغ‪66‬اء‬
‫ْالفِ ْتنَ ِة } أي التشكيك والتضليل أو { ا ْبتِغَا َء تَْأ ِويلِ ِه } التأويل يطلق على معنيين كما ق‪66‬ال ش‪66‬يخ اإلس‪66‬الم ابن‬
‫تيمية رحمه هللا في رسالته التدمرية(‪. )2‬‬
‫المعنى األول‪ :‬أن المراد به التفسير وهذا هو المعروف عند المتقدمين‪ .‬ولذلك تجد ابن جرير الطبري‬
‫في تفسيره يقول‪ :‬القول في تأويل قوله تعالى أي في تفسيره فإن كان هذا ه‪66‬و المقص‪66‬ود في اآلي‪66‬ة‪َ { :‬و َم‪66‬ا‬
‫يَ ْعلَ ُم تَْأ ِويلَ‪6‬هُ ِإالَّ هَّللا ُ } فإن‪66‬ه يعط‪6‬ف الراس‪66‬خون في العلم على لف‪66‬ظ الجالل‪66‬ة هك‪66‬ذا { َو َم‪66‬ا يَ ْعلَ ُم تَْأ ِويلَ‪6‬هُ ِإالَّ هَّللا ُ‬
‫َّاس ُخونَ فِي ْال ِع ْل ِم } يعني والراسخون في العلم يعلم‪66‬ون تأويل‪66‬ه وه‪66‬و التفس‪66‬ير وذل‪66‬ك ب‪66‬ر ّده إلى المحكم‬ ‫َوالر ِ‬
‫الذي يبيّن المراد منه‪.‬‬
‫فتفسير القرآن على هذا الوجه ال يعلمه إال هللا وأهل العلم المختصون وأ َّما العوام والجهّال فال يعلم‪66‬ون‬
‫تفسيره‪ ،‬وأهل الزيغ يأخذون المتشابه وال يردونه إلى المحكم ويقطعون بعض القرآن عن بعض فيأخذون‬
‫بعض اآليات ويتركون البعض اآلخر‪.‬‬
‫أما المعنى الثاني‪ :‬للتأويل فهو الحقيقة التي يؤول إليها الشيء‪ .‬وما يصير إليه في المستقبل‪ ،‬مثل حقائق‬
‫ما في الجنة من أعناب ونخيل وفواكه ولبن وخمر وعسل وأشياء ال يعلم حقائقها إال هللا س‪66‬بحانه وتع‪66‬الى‪،‬‬
‫ألنها من علم الغيب‪ ،‬وكذلك كيفية أسماء هللا وصفاته ال يعلمها إال هللا س‪66‬بحانه وتع‪66‬الى فالتأوي‪66‬ل على ه‪66‬ذا‬
‫المعنى ما يؤول إليه الشيء في المستقبل فإذا أريد ه‪66‬ذا المع‪66‬نى تَ َعيّنَ الوق‪66‬فُ في اآلي‪66‬ة على لف‪66‬ظ الجالل‪66‬ة‪.‬‬
‫ألنه ال يعلم تأويله على هذا الوجه إال هو سبحانه‪.‬‬

‫(‪ )1‬آل عمران‪7:‬‬

‫(‪ )2‬التدمرية ص‪ ،809‬وما بعدها‪ :‬تحقيق الدكتور محمد بن عودة السعوي‪. .‬‬

‫‪27‬‬
‫[ وقد صح عن رسول هللا ‪ ، ‬أنه قال‪« :‬إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه من**ه‪ ،‬فأولئ**ك ال**ذين س* َّمى‬
‫هللا‪ ،‬فاحذروهم»](‪ )1‬صح عن النبي ‪ ‬في الحديث الذي رواه البخاري ومس‪66‬لم أن‪66‬ه ق‪66‬ال‪» :‬إذا رأيتم ال‪66‬ذين‬
‫يتبعون ما تشابه منه« أي من القرآن والسنة ويأخذون بالنصوص المجملة ويتركون النص‪66‬وص المفص‪66‬لة‬
‫« فأولئك ال‪66‬ذين س‪66‬مى هللا » في ه‪66‬ذه اآلي‪66‬ة‪ { :‬فََأ َّما الَّ ِذينَ في قُلُ‪66‬وبِ ِه ْم َزيْ‪ٌ 66‬غ فَيَتَّبِعُ‪66‬ونَ َم‪66‬ا ت ََش‪66‬ابَهَ ِم ْن‪66‬هُ }‬
‫« فاحذروهم » أي احذروا أصحاب هذه الطريقة ال يُلبسوا عليكم أمر دينكم فه‪66‬ذا في‪6‬ه التح‪6‬ذير من علم‪6‬اء‬
‫‪6‬ر هَّللا ُ بِ‪ِ 6‬ه َأن ي َ‬
‫ُوص ‪َ 6‬ل‬ ‫الضالل ومن المبتدعة لئال يلبسوا علينا أمر ديننا فهؤالء من الذين { َويَ ْقطَعُونَ َمآ َأ َم‪َ 6‬‬
‫َويُ ْف ِس ُدونَ ِفي اَألرْ ِ‬
‫ض }(‪.)2‬‬
‫أو‬ ‫(‪)3‬‬
‫[ مثال ذلك‪ :‬إذا قال لك بعض المشركين‪َ { :‬أال ِإنَّ َأ ْولِيَا َ*ء هَّللا ِ الَ َخ ْوفٌ َعلَ ْي ِه ْم َوالَ ُه ْم يَ ْح َزنُونَ }‬
‫إن الشفاعة حق‪ ،‬وأن األنبياء لهم جاه عند هللا‪ ،‬أو ذكر كال ًما للنبي ‪ ‬يس**تدل ب**ه على ش**يء من باطل*ه*‬
‫وأنت ال تفهم معنى الكالم الذي ذك**ره فجاوب**ه بقول**ك‪ :‬إن هللا ذك**ر في كتاب**ه أن ال**ذين في قل**وبهم زي**غ‬
‫يتركون المحكم ويتّبعون المتشابه‪ ،‬وما ذكرته لك من أن هللا تعالى ذكر أن المشركين يق* ّرون بالربوبي*ة‬
‫شفَ َعاُؤ نَا ِعن َد هَّللا ِ } (‪ )4‬هذا أمر‬
‫وأن كفرهم بتعلقهم على المالئكة واألنبياء واألولياء مع قولهم‪ { :‬هَـُؤال ِء ُ‬
‫محكم بيّن‪ ،‬ال يقدر أحد أن يغيّر معناه‪ ،‬وما ذكرت لي أيها المشرك* في القرآن* أو كالم الن**بي ‪ ‬ال أع*رف‬
‫معناه ولكن أقطع أن كالم هللا ال يتناقض‪ *،‬وأن كالم الن**بي ‪ ‬ال يخ**الف كالم هللا ع**ز وج**ل‪ ،‬وه**ذا ج**واب‬
‫سديد ولكن ال يفهمه إال من وفقه هللا فال تستهن به فإنه كما قال تع**الى‪َ { *:‬و َم**ا يُلَقَّا َه*ا* ِإالّ الَّ ِذينَ َ‬
‫ص*بَ ُروا‬
‫يم }(‪ ] )5‬أي إذا قال ل‪66‬ك واح‪66‬د من علم‪66‬اء المش‪66‬ركين ال‪66‬ذين يتعلق‪66‬ون باألولي‪66‬اء‬ ‫َو َما يُلَقَّاهَا ِإالّ ُذو َح* ٍّ‬
‫ظ ع َِظ ٍ‬
‫ويطلبون منهم المدد ويستغيثون بهم كم‪66‬ا ه‪66‬و الح‪66‬ال والواق‪66‬ع اآلن عن‪66‬د عبَّاد القب‪66‬ور ويقول‪66‬ون إن هللا ج‪66‬ل‬
‫وعال يقول‪َ { :‬أال ِإ َّن َأوْ لِيَا َء هَّللا ِ الَ خَ وْ ٌ‬
‫ف َعلَ ْي ِه ْم َوالَ هُ ْم يَحْ زَ نُونَ } ‪.‬‬
‫وهؤالء أولياء والنبي ‪ ‬أخبر أن الصالحين يشفعون وأن األولياء يشفعون والرسل يشفعون فالجواب أن‬
‫الشفاعة حق ال شك في ذلك‪ ،‬ولكنها كما ذكر هللا البد لها من شرطين‪:‬‬
‫‪ ‬اإلذن للشافع أن يشفع‪.‬‬
‫‪ ‬وأن يكون المشفوع فيه من أهل التوحيد‪.‬‬

‫(‪ )1‬رواه اإلمام البخاري في صحيحه ‪ 166 ،5/165‬كتاب التفسير (سورة آل عمران) باب منه آيات محكمات ‪ .‬ورواه اإلمام مسلم في‬
‫صحيحه ‪ 4/2053‬كتاب العلم باب (‪ )1‬النهي عن اتباع متشابه الق‪66‬رآن‪ ،‬والتح‪6‬ذير من متبعي‪66‬ه‪ ،‬والنهي عن االختالف في الق‪6‬رآن‪ ،‬ح‪6‬ديث‬
‫رقم (‪ )2665‬من حديث عائشة رضي هللا عنها‪.‬‬
‫(‪ )2‬البقرة‪27:‬‬

‫(‪ )3‬يونس‪62:‬‬

‫(‪ )4‬يونس‪18:‬‬

‫(‪ )5‬فصلت‪35:‬‬

‫‪28‬‬
‫وال ش‪66‬ك أن هللا س‪66‬بحانه وع‪66‬د األولي‪66‬اء أنهم ال خ‪66‬وف عليهم وال هم يحزن‪66‬ون‪ ،‬لكن من األولي‪66‬اء؟ ه‪66‬ل‬
‫األولياء طائفة مخصوصة من الن‪66‬اس عليهم عم‪66‬ائم ولب‪66‬اس خ‪66‬اص؟ أو األولي‪66‬اء ال‪66‬ذين ب‪66‬ني على قب‪66‬ورهم‬
‫وا َو َكانُ ْ‬
‫وا يَتَّقُونَ }(‪.)1‬‬ ‫قباب؟ ليس كذلك‪ .‬ألن هللا سبحانه بيّنهم بعد هذه اآلية مباشرة حيث قال‪ { :‬الَّ ِذينَ آ َمنُ ْ‬
‫فكل مؤمن تقي فهو ولي هلل ليست الوالية خاصة بطائفة معينة أو أشخاص معيّنين لهم لباس خاص ولهم‬
‫سمات خاصة أو على قبورهم قباب وزخرف‪66‬ات؛ األولي‪66‬اء ك‪66‬ل م‪66‬ؤمن تقي فإن‪66‬ه ولي هللا بنص ه‪66‬ذه اآلي‪66‬ة‪.‬‬
‫والوالية تختلف باختالف اإليمان والتقوى‪ ،‬منهم من هو ولي كامل الوالي‪66‬ة ومنهم من ه‪66‬و ولي دون ذل‪66‬ك‬
‫بحسب إيمانه وبحسب تقواه فليست الوالية خاصة بما تزعمون من هؤالء األشخاص أو هؤالء المقبورين‬
‫فقد يكون الولي غير معروف‬ ‫(‪)2‬‬
‫والنبي ‪ ‬يقول‪ « :‬رُبَّ أشعث مدفوع باألبواب لو اقسم على هللا ألبرّه »‬
‫وال له مكانة عند الناس‪.‬‬
‫هذا من ناحية ومن الناحية الثانية لو ثبت أنه ولي هلل عز وجل فإن هذا ال يعطيه شيًئا من الربوبي‪66‬ة وال‬
‫شيًئا من حق هللا‪ ،‬ألنه عبد هللا محتاج إلى ربه عز وجل وال يملك من األمر شيًئا ال يخلق وال يرزق فليس‬
‫المعنى أنه إذا كان وليًا أننا نتعلق به وننزل حاجاتنا به ونستغيث به ونطلب من‪66‬ه ألن هللا ق‪66‬ال‪ِ { :‬إ َّن هَّللا َ الَ‬
‫(‪)4‬‬ ‫ُوا هَّللا َ َوالَ تُ ْش ِر ُك ْ‬
‫وا بِ ِه َش ْيًئا }‬ ‫وقال تعالى‪َ { :‬وا ْعبُد ْ‬ ‫(‪)3‬‬
‫يَ ْغفِ ُر َأن يُ ْش َركَ ِب ِه َويَ ْغفِ ُر َما ُدونَ َذلِ َ‬
‫ك لِ َمن يَ َشاء }‬
‫ال من األولياء وال غيرهم فاهلل ال يرضى بهذا سبحانه وتعالى فليس معنى قوله تعالى‪َ { :‬أال ِإ َّن َأوْ لِيَ‪66‬ا َء هَّللا ِ‬
‫أنهم يملك‪66‬ون ش‪66‬يًئا من الربوبي‪66‬ة وأنهم ينفع‪66‬ون ويض‪66‬رون وأنهم‬ ‫(‪)5‬‬
‫ف َعلَ ْي ِه ْم َوالَ هُ ْم يَحْ َزنُ‪66‬ونَ }‬
‫الَ خَ‪66‬وْ ٌ‬
‫يعطون الشفاعة وأنهم وأنهم‪ ..‬كما يزعم القبوريون‪ .‬فمن تعلق باألولياء وطلب منهم الشفاعة وهم أم‪66‬وات‬
‫أو طلب منهم اإلغاث‪66‬ة وهم أم‪66‬وات أو طلب منهم قض‪66‬اء الحاج‪66‬ات وهم في قب‪66‬ورهم فإن‪6‬ه مث‪66‬ل المش‪66‬ركين‬
‫ُون هَّللا ِ َم‪66‬ا الَ يَ ُ‬
‫ض‪6‬رُّ هُ ْم َوالَ َينفَ ُعهُ ْم َويَقُولُ‪66‬ونَ هَـُؤال ِء ُش‪6‬فَ َعاُؤ نَا‬ ‫األولين الذين قال هللا فيهم‪َ { :‬ويَ ْعبُ‪ُ 6‬دونَ ِمن د ِ‬
‫ِعن َد هَّللا ِ }(‪ )6‬هم يقولون نحن ال نعتقد أنهم يخلقون ويرزقون وإنما من أجل أن نجعلهم وس‪66‬ائط بينن‪66‬ا وبين‬
‫هللا ألنهم أولياء ونحن مقصرون ونحن مذنبون فهؤالء بصالحهم وجاههم ومكانتهم عن‪66‬د هللا يش‪66‬فعون لن‪66‬ا‬
‫وهللا رد عليهم فقال‪:‬‬
‫{ ُسب َْحانَهُ َوتَ َعالَى َع َّما يُ ْش ِر ُكونَ } فس ّمى هذا شر ًكا وقال في آية أخرى‪َ { :‬أال هَّلِل ِ الدِّينُ ْال َخالِصُ َوالَّ ِذينَ‬
‫اتَّخَ ُذوا ِمن دُونِ ِه َأوْ لِيَا َء َما نَ ْعبُ‪ُ 6‬دهُ ْم ِإاَّل لِيُقَرِّ بُونَ‪6‬ا ِإلَى هَّللا ِ ُز ْلفَى }(‪ )7‬يري‪6‬دون الوس‪6‬اطة فقط عن‪6‬د هللا س‪6‬بحانه‬
‫وتعالى‪ ،‬وإال فإنهم معترفون أن هللا هو الخالق الرازق المحيي المميت فيع‪66‬ترفون بتوحي‪66‬د الربوبي‪66‬ة تما ًم‪66‬ا‬
‫(‪ )1‬يونس‪63:‬‬

‫(‪ )2‬رواه اإلمام مسلم في صحيحه (‪ )4/2024‬كتاب البر والصلة واآلداب باب فضل الضعفاء والخاملين‪ .‬حديث رقم ( ‪)2622( )138‬‬
‫من حديث أبي هريرة رضي هللا عنه‪. .‬‬
‫(‪ )3‬النساء‪48:‬‬

‫(‪ )4‬النساء‪36:‬‬

‫(‪ )5‬يونس‪62:‬‬

‫(‪ )6‬يونس‪18:‬‬

‫(‪ )7‬الزمر‪3:‬‬

‫‪29‬‬
‫كما ذكر هللا عنهم‪ ،‬وإنما قص‪66‬دوا بفعلهم ه‪66‬ذا وس‪66‬اطة ه‪66‬ؤالء الص‪66‬الحين عن‪66‬د هللا فن‪66‬ذروا لهم وذبح‪66‬وا لهم‬
‫واستغاثوا بهم‪ :‬يا سيدي اشفع لي عند هللا‪ ،‬افعل كذا‪ ،‬هذا الذي يقولونه عن‪66‬د القب‪66‬ور ه‪66‬ل ه‪66‬ذا يختل‪66‬ف عم‪66‬ا‬
‫حكم‬ ‫(‪)1‬‬
‫قاله المشركون من قبل‪ ،‬الذين رد عليهم جل وعال بقوله‪ِ { :‬إ َّن هَّللا َ ال يَ ْه ِدي َم ْن هُ َو َك‪66‬ا ِذبٌ َكفَّا ٌر }‬
‫عليهم بالكذب وحكم عليهم بالكفر فعملهم هذا كف‪66‬ر وك‪66‬ذب‪ .‬وفي س‪66‬ورة ي‪66‬ونس ن‪ّ 6‬زه نفس‪66‬ه عن ذل‪66‬ك فق‪66‬ال‪:‬‬
‫{ ُسب َْحانَهُ َوتَ َعالَى َع َّما يُ ْش ِر ُكونَ }‬
‫سماه شر ًكا‪.‬‬ ‫(‪)2‬‬

‫فاألولياء عباد صالحون لهم قدرهم ونحترمهم ونحبهم ونقتدي بهم في األعم‪66‬ال الص‪66‬الحة لكن ليس لهم‬
‫شركة مع هللا سبحانه وتعالى إنما هم مثلنا محتاجون إلى هللا عز وجل فقراء إلى هللا ع‪66‬ز وج‪66‬ل { يَ‪66‬ا َأيُّهَ‪66‬ا‬
‫كل الخلق فقراء إلى هللا عز وج‪66‬ل بم‪66‬ا‬ ‫(‪)3‬‬
‫النَّاسُ َأنتُ ُم ْالفُقَ َرا ُء ِإلَى هَّللا ِ } هذا عام { َوهَّللا ُ ه َُو ْال َغنِ ُّي ْال َح ِمي ُد }‬
‫فيهم األنبياء والرسل‪ ،‬بما فيهم المالئكة عليهم السالم كلهم فقراء إلى هللا سبحانه وتعالى‪ ،‬فه‪66‬ذا مم‪66‬ا يزي‪66‬ل‬
‫اللّبس ألن هؤالء يأخذون بعض القرآن ويستدلون به ويتركون البعض اآلخر؛ يأخ‪66‬ذون اآلي‪66‬ة ال‪66‬تي تم‪66‬دح‬
‫األولياء وتثني عليهم ويتركون اآلي‪6‬ة األخ‪6‬رى ال‪6‬تي ت‪6‬بين أنهم ال يُعبَ‪6‬دُون من دون هللا ع‪6‬ز وج‪6‬ل َّ‬
‫وأن َمن‬
‫طلب منهم شيًئا وهم أموات فإنه مشرك كافر‪ ،‬يتركون هذه اآليات‪ ،‬فهذا من الزيغ الذي ذكره هللا س‪66‬بحانه‬
‫وتعالى‪ .‬فلتكن عندك هذه القاعدة أن اإلنسان مهما بلغ من ال ّ‬
‫صالح والكرامة والمنزلة عند هللا فإنه ليس له‬
‫من الربوبية شيء وإنه ال يُدعى مع هللا وإنه ال يكون له شيء من العبادة وهو ال يرض‪6‬ى ب‪6‬ذلك‪ .‬فاألولي‪6‬اء‬
‫وال ّ‬
‫صالحون على الحقيقة ال يرضون بذلك وينهون عن‪66‬ه أش‪66‬د النهي إنم‪66‬ا يرض‪66‬ى ب‪66‬ذلك الط‪66‬واغيت ال‪66‬ذين‬
‫يدعون الناس إلى عبادة أنفسهم‪ .‬أما أولياء هللا فحاشاهم من ه‪66‬ذا ال يرض‪66‬ون ب‪66‬ه وإنم‪66‬ا يرض‪66‬ى ب‪66‬ه أولي‪66‬اء‬
‫الشيطان هذا معنى قول الشيخ رحمه هللا‪.‬‬
‫( لكن أقط‪66‬ع أن كالم هللا ال يتن‪66‬اقض‪ ،‬وأن كالم الرس‪66‬ول ‪ ‬ال يخ‪66‬الف كالم هللا) فيجب رد النص‪66‬وص‬
‫بعضها إلى بعض وتفسير بعضها ببعض حتى يتضح المطلوب وهذا كم‪66‬ا ق‪66‬ال الش‪66‬يخ ج‪66‬واب س‪66‬ديد تجب‬
‫العناية به ألنه مبني على كتاب هللا فمن وفّق له فهو ذو حظ عظيم‪.‬‬
‫صل‪ :‬فإن أعداء هللا لهم اعتراضات كثيرة على دين الرسل‪ ،‬يص*دّون به**ا الن**اس‬
‫[ وأما الجواب المف ّ‬
‫عنه‪ :‬منها قولهم‪ :‬نحن ال نشرك باهلل‪ *،‬بل نشهد أنه ال يخلق وال يرزق وال ينفع وال يض**ر إال هللا وح**ده‬
‫ال شريك ل**ه‪ ،‬وأن محم*دًا ‪ ‬ال يمل**ك لنفس**ه نف ًع**ا وال ض* ًرا‪ ،‬فض*الً عن عب*د الق**ادر أو غ*يره‪ ،‬ولكن أن**ا‬
‫مذنب‪ ،‬والصالحون* لهم جاه عند هللا وأطلب من هللا بهم‪ .‬فجاوبه بما تقدم وهو أن ال**ذين ق**اتلهم رس**ول‬
‫والش*فاعة‪ *،‬واق**رأ عليهم‬
‫ّ‬ ‫هللا ‪ ‬مق ّرون بما ذكرت‪ ،‬ومق ّرون أن أوثانهم ال تدبّر شيًئا وإنم**ا أرادوا الج**اه‬
‫ضحه‪ .‬فإن قال‪ :‬هذه اآليات* نزلت* فيمن يعبد األصنام‪ *،‬كي**ف تجعل**ون الص**الحين‬
‫ما ذكر هللا في كتابه وو ّ‬
‫مثل األصنام* أم تجعلون األنبياء* أصنا ًما؟ فجاوبه بما تق**دم‪ ،‬فإن**ه إذا أق**ر أن الكف**ار* يش**هدون بالربوبي**ة‬
‫كلها هلل‪ ،‬وأنهم ما أرادوا ممن قص**دوا إال الش**فاعة‪ ،‬ولكن إذا أراد أن يف**رق بين فعلهم وفعل**ه بم**ا ذك**ر‬

‫(‪ )1‬الزمر‪3:‬‬

‫(‪ )2‬يونس‪18:‬‬

‫(‪ )3‬فاطر‪15:‬‬

‫‪30‬‬
‫فاذكر ل*ه أن الكف*ار منهم من ي*دعو األص*نام‪ ،‬ومنهم من ي*دعو األولي*اء ال*ذين ق*ال هللا فيهم‪ُ { :‬أولَـِئ َك‬
‫ب }(‪ )1‬اآلية‪ ،‬ويدعون عيسى بن م**ريم وأم**ه وق**د ق**ال‬ ‫سيلَةَ َأيُّ ُه ْم َأ ْق َر ُ‬
‫الَّ ِذينَ يَ ْدعُونَ يَ ْبتَ ُغونَ ِإلَى َربِّ ِه ُم ا ْل َو ِ‬
‫ص*دِّيقَةٌ َكانَ**ا يَ*ْأ ُكالَ ِن الطَّ َع**ا َم‬ ‫س* ُل َوُأ ُّمهُ ِ‬ ‫سو ٌل قَ ْد َخلَتْ ِمن قَ ْبلِ* ِه ُّ‬
‫الر ُ‬ ‫يح ابْنُ َم ْريَ َم ِإالَّ َر ُ‬
‫س ُ‬‫هللا تعالى‪َّ { :‬ما ا ْل َم ِ‬
‫ت ثُ َّم انظُ ْر َأنَّى يُْؤ فَ ُكونَ ‪ ،‬قُ ْل َأتَ ْعبُدُونَ ِمن دُو ِن هَّللا ِ َما الَ يَ ْملِ ُ*ك لَ ُك ْم َ‬
‫ض * ًّرا َوالَ نَ ْف ًع**ا‬ ‫انظُ ْر َكيْفَ نُبَيِّ ُ*ن لَ ُه ُم اآليَا ِ‬
‫ش ُر ُه ْم َج ِمي ًعا ثُ َّم يَقُو ُل لِ ْل َمالِئ َك ِة َأهَُؤال ِء ِإيَّا ُك ْم‬ ‫س ِمي ُع ا ْل َعلِي ُم } واذكر له قوله تعالى‪َ :‬‬
‫{ويَ ْو َم يَ ْح ُ‬ ‫(‪)2‬‬
‫َوهَّللا ُ ه َُو ال َّ‬
‫(‪)3‬‬
‫س* ْب َحانَ َك َأنتَ َولِيُّنَ**ا ِمن دُونِ ِهم بَ* ْل َك**انُوا يَ ْعبُ*دُونَ ا ْل ِجنَّ َأ ْكثَ* ُرهُم بِ ِهم ُّمْؤ ِمنُ**ونَ }‬
‫َك**انُوا يَ ْعبُ*دُونَ ‪ ،‬قَ**الُوا ُ‬
‫س ات َِّخ* ُذونِي َوُأ ِّم َي ِإلَـ َه ْي ِن ِمن‬‫*ريَ َم َأَأنتَ قُلتَ لِلنَّا ِ‬‫يس*ى ابْنَ َم* ْ‬ ‫وقوله سبحانه وتعالى‪ { *:‬وَِإ ْذ قَ**ا َل هَّللا ُ يَ**ا ِع َ‬
‫س*ي‬‫ق ِإن ُكنتُ قُ ْلتُهُ فَقَ* ْد َعلِ ْمتَ*هُ تَ ْعلَ ُم َم**ا فِي نَ ْف ِ‬
‫س لِي بِ َح ٍّ‬ ‫س ْب َحانَ َ*ك َما يَ ُكونُ لِي َأنْ َأقُو َل َما لَ ْي َ‬
‫دُو ِن هَّللا ِ قَا َل ُ‬
‫فق**ل ل**ه‪ :‬أع**رفت أن هللا كفَّ َر من قص**د األص**نام وكفَّر‬ ‫(‪)4‬‬
‫س َك ِإنَّكَ َأنتَ َعالَّ ُم ا ْل ُغيُ**و ِ‬
‫ب}‬ ‫َوالَ َأ ْعلَ ُم َما فِي نَ ْف ِ‬
‫صالحين‪ *،‬وقاتلهم رسول هللا ‪ ‬ف**إن ق*ال الكف**ار يري*دون منهم‪ ،‬وأن*ا أش*هد أن هللا ه*و‬
‫ضا من قصد ال ّ‬
‫أي ً‬
‫صالحون ليس لهم من األمر شيء‪ ،‬ولكن أقصدهم أرج**و من هللا‬
‫النافع الضار المدبر‪ ،‬ال أريد إال منه وال ّ‬
‫شفاعتهم فالجواب‪ :‬أن هذا قول الكفار* سوا ًء بسواء واقرأ عليه قوله تعالى‪َ { *:‬والَّ ِذينَ ات ََّخ ُذوا ِمن دُونِ * ِه‬
‫َأ ْولِيَا َء َما نَ ْعبُ ُد ُه ْم ِإالّ لِيُقَ ِّربُونَا* ِإلَى هَّللا ِ ُز ْلفَى }(‪ )5‬وقوله تعالى‪َ *{:‬ويَقُولُ**ونَ هَـُؤال ِء ُ‬
‫ش*فَ َعاُؤ نَا ِعن* َد هَّللا ِ }(‪.)6‬‬
‫وض*حها في كتاب*ه‪ *،‬وفهمته*ا فه ًم*ا‬
‫واعلم أن هذه الشبه الثالث* هي أكبر م*ا عن*دهم ف*إذا ع*رفت أن هللا ّ‬
‫جيدًا فما بعدها أيسر منها ] ذكر الشيخ رحمه هللا في هذا المقطع ثالث شبهات للمشركين هي من أهم م‪66‬ا‬
‫عندهم‪ ،‬فإذا عرفت اإلجابة الصحيحة عنها فما بعدها من الشبهات أيسر منها‪:‬‬
‫الشبهة األولى‪ :‬أنهم يقولون نحن نشهد أن ال إله إال هللا وأن محمدًا رسول هللا ‪ ‬ونعلم أنه ال ينفع وال‬
‫يضر إال هللا سبحانه وتعالى وأن النبي ‪ ‬ال يملك نفعًا وال ضرًا فض‪6‬الً عن عب‪6‬د الق‪6‬ادر يع‪6‬ني عب‪66‬د الق‪66‬ادر‬
‫الجيالني‪ ،‬لكن هؤالء لهم جاه عند هللا فنطلب من هللا بهم يع‪66‬ني نجعلهم وس‪66‬ائط بينن‪66‬ا وبين هللا لم‪66‬ا لهم من‬
‫الفضل‪.‬‬
‫فالجواب سهل جدًا من كتاب هللا بأن تقول إن المشركين مع أصنامهم ما كانوا يعتقدون فيها أنه‪6‬ا تخل‪6‬ق‬
‫وترزق وتنفع وتضر وإنما اتخذوها وسائط بينهم وبين هللا وهذا واض‪66‬ح في قول‪66‬ه تع‪66‬الى‪َ { :‬ويَ ْعبُ‪ُ 6‬دونَ ِمن‬
‫ض‪66‬رُّ هُ ْم َوالَ يَنفَ ُعهُ ْم َويَقُولُ‪66‬ونَ هَـُؤال ِء ُش‪66‬فَ َعاُؤ نَا ِعن‪َ 66‬د هَّللا ِ قُ‪66‬لْ َأتُنَبُِّئونَ هَّللا َ بِ َم‪66‬ا الَ يَ ْعلَ ُم فِي‬
‫دُو ِن هَّللا ِ َم‪66‬ا الَ يَ ُ‬
‫ت َوالَ فِي اَألرْ ِ‬
‫ض ُسب َْحانَهُ َوتَ َعالَى َع َّما يُ ْش ِر ُكونَ }‪.‬‬ ‫ال َّس َم َ‬
‫اوا ِ‬

‫(‪ )1‬اإلسراء‪57:‬‬

‫(‪ )2‬المائدة‪76-75 :‬‬

‫(‪ )3‬سبأ‪41-40 :‬‬

‫(‪ )4‬المائدة‪116 :‬‬

‫(‪ )5‬الزمر‪3:‬‬

‫(‪ )6‬يونس‪18:‬‬

‫‪31‬‬
‫ن ّزه نفسه عن فعلهم وسماه شر ًكا مع أنهم يقولون هؤالء شفعاؤنا عند هللا ويعتقدون أنهم ال ينفع‪66‬ون وال‬
‫يضرون وإنما قصدهم التعلق بالج‪66‬اه فق‪66‬ط‪ .‬فاآلي‪66‬ات ت‪66‬دل على أن المش‪66‬ركين مع‪66‬ترفون بأن‪66‬ه ال يخل‪66‬ق وال‬
‫يرزق وال يدبر األمر إال هللا سبحانه وتعالى وأن أصنامهم ومعبوداتهم ال تخل‪66‬ق وال ت‪66‬رزق وال ت‪66‬دبر م‪66‬ع‬
‫هللا وإنما اتخذوها وسائط‪ .‬وال فرق بينكم وبينهم‪.‬‬
‫وإذا كنت مذنبًا فلماذا ال تستغفر هللا وتطلب من هللا ‪ ،‬وهللا جل وعال أمرك باالستغفار ووع‪66‬دك بالتوب‪66‬ة‬
‫وأن يقبل منك ويغف‪66‬ر ذنوب‪66‬ك ولم يق‪66‬ل إذا أذنبت ف‪66‬اذهب إلى ق‪66‬بر ال‪66‬ولي الفالني أو العب‪66‬د الص‪66‬الح الفالني‬
‫وتوسل به واجعله واسطة بيني وبينك‪.‬‬
‫ضا‪ :‬هؤالء إذا كان لهم جاه عند هللا ف‪66‬إن ج‪66‬اههم لهم وص‪66‬الحهم لهم وأنت ليس ل‪66‬ك إال عمل‪66‬ك‬ ‫وتقول أي ً‬
‫ك ُأ َّمةٌ‬
‫وصالح الصالحين لهم وجاههم عند هللا لهم ما عالقتك بعمل فالن وصالح فالن كل ل‪66‬ه عمل‪66‬ه { تِ ْل‪َ 6‬‬
‫ت َولَ ُكم َّما َك َس‪ْ 6‬بتُ ْم َوالَ تُ ْس‪َ6‬ألُونَ َع َّما َك‪66‬انُوا يَ ْع َملُ‪66‬ونَ }‬
‫{ َوال تُجْ‪َ 6‬زوْ نَ ِإالّ َم‪66‬ا ُكنتُ ْم‬ ‫(‪)1‬‬ ‫ت لَهَ‪66‬ا َم‪66‬ا َك َس‪6‬بَ ْ‬
‫قَ ْد خَ لَ ْ‬
‫تَ ْع َملُونَ }(‪ )2‬فجاههم وصالحهم لهم وال ينفعك إذا كنت م‪66‬ذنبًا ح‪6‬تى وال‪6‬دك أق‪6‬رب الن‪6‬اس إلي‪66‬ك وول‪66‬دك ال‬
‫س َش ‪ْ 6‬يًئا َواَأل ْم‪ُ 6‬ر يَوْ َمِئ ٍذ هَّلِل ِ }(‪ُ { ،)3‬ك‪66‬لُّ‬
‫ك نَ ْفسٌ لِّنَ ْف ٍ‬
‫يستطيع ولو كان من أصلح الناس أن ينفعك { يَوْ َم ال تَ ْملِ ُ‬
‫از عَن َوالِ‪ِ 6‬د ِه‬ ‫اخ َش‪6‬وْ ا يَوْ ًم‪66‬ا الّ يَجْ‪ِ 6‬زي َوالِ‪ٌ 6‬د عَن َولَ‪ِ 6‬د ِه َوال َموْ لُ‪66‬و ٌد هُ‪َ 6‬‬
‫‪6‬و َج‪ٍ 6‬‬ ‫ت َر ِهينَ‪6‬ةٌ }(‪َ { .)4‬و ْ‬ ‫نَ ْف ٍ‬
‫س بِ َم‪66‬ا َك َس‪6‬بَ ْ‬
‫َش ْيًئا }(‪َ { .)5‬يوْ َم يَفِرُّ ْال َمرْ ُء ِم ْن َأ ِخي ِه‪َ ،‬وُأ ِّم ِه َوَأبِي ِه‪َ ،‬و َ‬
‫صا ِحبَتِ ِه َوبَنِي ِه }(‪.)6‬‬
‫ُون هَّللا ِ َما الَ يَضُرُّ هُ ْم َوالَ يَنفَ ُعهُ ْم َويَقُولُونَ‬ ‫الشبهة الثانية‪ :‬إذا قرأت عليه قوله تعالى‪َ { :‬ويَ ْعبُ ُدونَ ِمن د ِ‬
‫هَـُؤال ِء ُشفَ َعاُؤ نَا ِعن َد هَّللا ِ }(‪ )7‬وقوله تعالى‪َ { :‬والَّ ِذينَ اتَّخَ ُذوا ِمن دُونِ ِه َأوْ لِيَا َء َما نَ ْعبُ ُدهُ ْم ِإالّ لِيُقَرِّ بُونَا ِإلَى هَّللا ِ‬
‫وبيّنت له أن المشركين ما أرادوا ممن عب‪66‬دوهم إال الش‪66‬فاعة وق‪66‬ال ل‪66‬ك ه‪66‬ذه اآلي‪66‬ات ن‪66‬زلت في‬ ‫(‪)8‬‬
‫ُز ْلفَى }‬
‫الذين يعبدون األصنام وأن‪6‬ا لس‪6‬ت أعب‪6‬د األص‪6‬نام وإنم‪6‬ا أتوس‪6‬ل إلي‪6‬ه بالص‪6‬الحين فكي‪6‬ف تجع‪6‬ل الص‪6‬الحين‬
‫أصنا ًما؟‬
‫والجواب عن هذا واضح جدًا وه‪66‬و أن هللا ذك‪66‬ر أن المش‪66‬ركين منهم من يعب‪66‬د األص‪66‬نام ومنهم من يعب‪66‬د‬
‫األولي‪66‬اء والص‪66‬الحين وس ‪ّ 6‬وى هللا بينهم في الحكم ولم يف‪6‬رّق بينهم وأنت ف‪6‬رّقت بينهم‪ ،‬في ظن‪66‬ك أن عب‪66‬ادة‬
‫األصنام ال تج‪66‬وز وأن عب‪66‬ادة الص‪66‬الحين تج‪66‬وز إذا ك‪66‬انت بقص‪66‬د التوس‪66‬ط‪ ،‬وال‪66‬دليل على ه‪6‬ذا أن هللا ذك‪66‬ر‬
‫أنواعًا من المشركين فمنهم من يعبد الص‪66‬الحين ق‪66‬ال تع‪66‬الى ‪َ { :‬ويَ‪66‬وْ َم يَحْ ُش‪ُ 6‬رهُ ْم َج ِمي ًع‪66‬ا ثُ َّم يَقُ‪66‬و ُل لِ ْل َمالِئ َك‪ِ 6‬ة‬
‫َأهَ‪ُ66‬ؤال ِء ِإيَّا ُك ْم َك‪66‬انُوا يَ ْعبُ ‪ُ 6‬دونَ ‪ ،‬قَ‪66‬الُوا ُس ‪6‬ب َْحانَكَ َأنتَ َولِيُّنَ‪66‬ا ِمن دُونِ ِهم بَ‪66‬لْ َك‪66‬انُوا َي ْعبُ ‪ُ 6‬دونَ ْال ِج َّن َأ ْكثَ ‪ُ 6‬رهُم بِ ِهم‬
‫(‪ )1‬البقرة‪134:‬‬

‫(‪ )2‬يس‪54:‬‬

‫(‪ )3‬االنفطار‪19:‬‬

‫(‪ )4‬المدثر‪38:‬‬

‫(‪ )5‬لقمان‪33:‬‬

‫(‪ )6‬عبس‪36-34:‬‬

‫(‪ )7‬يونس‪18:‬‬

‫(‪ )8‬الزمر‪3:‬‬

‫‪32‬‬
‫في يوم القيامة هللا جل وعال يسأل المالئكة وهو أعلم سبحانه وتعالى لكن ألجل إبطال حج‪66‬ة‬ ‫(‪)9‬‬
‫ُّمْؤ ِمنُونَ }‬
‫هؤالء { َأهَُؤال ِء ِإيَّا ُك ْم َكانُوا يَ ْعبُ ُدونَ } فدل على أن منهم من يعب‪66‬د المالئك‪66‬ة لكن المالئك‪66‬ة تت‪66‬برأ منهم ي‪66‬وم‬
‫القيامة وتقول نحن ما أمرناهم بذلك وال رضينا ب‪66‬ذلك { ُس‪6‬ب َْحانَكَ َأنتَ َولِيُّنَ‪66‬ا ِمن دُونِ ِهم بَ‪66‬لْ َك‪66‬انُوا يَ ْعبُ‪ُ 6‬دونَ‬
‫ْال ِج َّن } يعني الشياطين هي التي أمرتهم بعب‪66‬ادة المالئك‪6‬ة ألن المالئك‪66‬ة ال ت‪66‬أمر إال بعب‪6‬ادة هللا { َو َمن يَقُ‪6‬لْ‬
‫فدل على أن منهم من يعبد المالئك‪66‬ة‪،‬‬ ‫ِم ْنهُ ْم ِإنِّي ِإلَهٌ ِّمن دُونِ ِه فَ َذلِكَ نَجْ ِزي ِه َجهَنَّ َم َك َذلِكَ نَجْ ِزي الظَّالِ ِمينَ }‬
‫(‪)1‬‬

‫والمالئكة أصلح الصالحين‪ ،‬كما قال تعالى فيهم‪ { :‬ال يَ ْسبِقُونَهُ بِ ْالقَوْ ِل َوهُم بَِأ ْم ِر ِه يَ ْع َملُ‪66‬ونَ }(‪ )2‬ومنهم من‬
‫يعبد األنبياء والصالحين كالمسيح ابن مريم وأمه‪.‬‬
‫وإذا بطل التوسل بالمالئكة واألنبياء ودعاؤهم من دون هللا بطل التوسل بغيرهم من الصالحين ودعاؤهم‬
‫من دون هللا كما قال تعالى‪َ { :‬أال هَّلِل ِ الدِّينُ ْالخَ الِصُ َوالَّ ِذينَ اتَّخَ ُذوا ِمن دُونِ ِه َأوْ لِيَا َء َم‪66‬ا نَ ْعبُ‪ُ 6‬دهُ ْم ِإالّ لِيُقَرِّ بُونَ‪66‬ا‬
‫ُ‪666‬و َك‪666‬ا ِذبٌ َكفَّا ٌر }(‪ )3‬ألن‬ ‫ِإلَى هَّللا ِ ُز ْلفَى ِإ َّن هَّللا َ يَحْ ُك ُم بَ ْينَهُ ْم فِي َم‪666‬ا هُ ْم فِي‪ِ 666‬ه يَ ْختَلِفُ‪666‬ونَ ِإ َّن هَّللا َ ال يَهْ‪ِ 666‬دي َم ْن ه َ‬
‫الواجب إخالص العبادة هلل عز وجل بجميع أنواعها من الدعاء والذبح والنذر وغير ذلك‪.‬‬
‫فمن ذبح لغير هللا ودعا غير هللا كان مشر ًكا خارجًا من الدين‪.‬‬
‫الشبهة الثالثة‪ :‬إذا سلّم بأن الدعاء لغير هللا شرك ولكنه قال أنا ال أدعو النبي ‪ ‬وال غيره وهذا الذي‬
‫أفعله ليس دعا ًء وإنما هو طلب لش‪66‬فاعة الن‪66‬بي ‪ ‬وه‪66‬ل تنك‪66‬ر ش‪66‬فاعة الن‪66‬بي ‪ ‬فإن‪66‬ك حينئ ٍذ ت‪66‬دخل مع‪66‬ه في‬
‫خصومة أخرى وشبهة أخرى وهي أنه سمى دعاء النبي ‪ ‬واالستغاثة ب‪6‬ه طلبً‪6‬ا للش‪66‬فاعة ولم يُس‪ّ 6‬مه دع‪6‬ا ًء‬
‫ويقول إن النبي ‪ُ ‬أعطي الشفاعة فأنا أطلب منه الشفاعة التي أعطيها‪.‬‬
‫فتقول له أنا ال أنكر الشفاعة وأقر أن شفاعة النبي ‪ ‬حق وأنه شافع مشفّع أنا ال أنكر هذا ولكن الشفاعة‬
‫ال تطلب من النبي ‪ ‬وهو ميت وإنما تطلب من هللا ألن الشفاعة ملك هلل عز وجل‪ ،‬قال هللا تعالى‪ { :‬قُل هَّلِّل ِ‬
‫فجميع أنواع الشفاعة ملك هلل وما دامت مل ًك‪66‬ا هلل فإنه‪66‬ا ال‬ ‫ت َواَألرْ ِ‬
‫ض}‬ ‫ال َّشفَا َعةُ َج ِميعًا لَّهُ ُم ْل ُ‬
‫ك ال َّس َما َوا ِ‬
‫(‪)4‬‬

‫تطلب إال ممن يملكها وهو هللا سبحانه وتعالى‪ ،‬والنبي ‪ ‬ال يملك الشفاعة وال أحد يملك الش‪66‬فاعة إال ب‪66‬إذن‬
‫ضا الشفاعة ال تنفع كل أح‪66‬د وإنم‪66‬ا تنف‪66‬ع أه‪6‬ل التوحي‪66‬د وأنت لس‪6‬ت من‬
‫هللا وإنما هي ملك هلل عز وجل‪ .‬وأي ً‬
‫أهل التوحيد ألنك تدعو غير هللا فالشفاعة لها شرطان‪:‬‬
‫الشرط األول‪ :‬أن تطلب من هللا سبحانه وتعالى وال تطلب من غيره‪.‬‬
‫الشرط الثاني‪ :‬أن يكون المشفوع فيه من أهل التوحيد ال من أهل الشرك والكفر‪ .‬والدليل على الشرط‬
‫وهو ال يرضى إال عن أهل التوحيد ودليل الشرط‬ ‫(‪)5‬‬
‫الثاني قوله تعالى‪َ { :‬وال يَ ْشفَعُونَ ِإالّ ِل َم ِن ارْ ت َ‬
‫َضى }‬
‫(‪ )9‬سبأ‪41-40:‬‬

‫(‪ )1‬األنبياء‪296:‬‬

‫(‪ )2‬األنبياء‪276:‬‬

‫(‪ )3‬الزمر‪3:‬‬

‫(‪ )4‬الزمر‪44:‬‬

‫(‪ )5‬األنبياء‪286:‬‬

‫‪33‬‬
‫األول قوله ‪َ { :‬من َذا الَّ ِذي يَ ْشفَ ُع ِع ْن َدهُ ِإالَّ بِِإ ْذنِ ِه } ال المالئك‪66‬ة وال الرس‪66‬ل وال األولي‪66‬اء وال الص‪66‬الحون ال‬
‫ت الَ تُ ْغنِي َشفَا َعتُهُ ْم َش‪6‬يْئا ً إالَّ ِمن بَعْ‪ِ 6‬د َأن‬ ‫أحد يشفع عند هللا إال بعد أن يأذن هللا‪َ { :‬و َكم ِّمن َّملَ ٍ‬
‫ك فِي ال َّس َم َ‬
‫اوا ِ‬
‫يَْأ َذنَ هَّللا ُ لِ َمن يَ َشا ُء َويَرْ َ‬
‫ضى }(‪.)1‬‬
‫فال تطلب الشفاعة من المخلوق الميت‪ ،‬وإنما تطلب الشفاعة من هللا فتقول اللهم شفّع ف ّي نبيك‪ ،‬ال تطلبها‬
‫من األموات‪ .‬وهذا الذي تقول إنه طلب للشفاعة ه‪66‬و ال‪66‬ذي كفَّر هللا ب‪66‬ه المش‪66‬ركين‪ ،‬ف‪66‬إن المش‪66‬ركين حينم‪66‬ا‬
‫لجؤوا إلى األولياء والصالحين وإلى المالئكة وإلى األنبياء يطلب‪66‬ون منهم الش‪66‬فاعة كفّ‪66‬رهم هللا ب‪66‬ذلك فق‪66‬ال‬
‫ُون هَّللا ِ َما الَ يَضُرُّ هُ ْم َوالَ يَنفَ ُعهُ ْم َويَقُولُونَ هَـُؤال ِء ُش ‪6‬فَ َعاُؤ نَا ِعن ‪َ 6‬د هَّللا ِ قُ‪66‬لْ َأتُنَبُِّئونَ هَّللا َ‬
‫تعالى‪َ { :‬ويَ ْعبُ ُدونَ ِمن د ِ‬
‫ض ُسب َْحانَهُ َوتَ َعالَى َع َّما يُ ْش ِر ُكونَ }(‪ )2‬فهذا الذي تقوله هو الذي كفّ‪66‬ر‬ ‫ت َوالَ فِي اَألرْ ِ‬ ‫بِ َما الَ يَ ْعلَ ُم فِي ال َّس َما َوا ِ‬
‫هللا به المشركين وهو عبادة األولياء والصالحين طلبًا لشفاعتهم‪.‬‬
‫[ فإن قال‪ :‬أنا ال أعبد إال هللا‪ ،‬وهذا االلتجاء إليهم ودعاؤهم ليس بعب**ادة ] يعني إذا ك‪66‬ان يع‪66‬ترف أن‬
‫العبادة حق هلل عز وجل وأنه ال يجوز عبادة غير هللا ولكنه يقول االلتجاء ليس من العبادة فهو جائز‪.‬‬
‫فإنك تقول له‪ :‬االلتجاء إلى هللا عبادة وااللتجاء إلى غير هللا فيما ال يقدر عليه إال هللا شرك ألن من التجأ‬
‫إلى غير هللا في الشدائد فقد أشرك مع هللا فيما ال يقدر عليه إال هللا سبحانه وتع‪66‬الى‪ ،‬ألن‪66‬ه ه‪66‬و ال‪66‬ذي يُجيب‬
‫المضطر إذا دعاه ويكشف السوء وهو الملجأ سبحانه ولذا لجأ إليه النبي ‪ ‬حيث يقول‪« :‬ال ملجأ وال منجا‬
‫وقوله تعالى ‪َ { :‬وه َُو يُ ِجي ُر َوال ي َُجا ُر َعلَ ْي ِه }(‪.)5‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫يرنِي ِمنَ هَّللا ِ َأ َح ٌد }‬
‫{ قُلْ ِإنِّي لَن ي ُِج َ‬ ‫(‪)3‬‬
‫منك إال إليك»‬
‫[ فقل له‪ :‬أنت تقر أن هللا افترض عليك إخالص العبادة هلل وهو حقه عليك‪ ،‬فإنه ال يعرف العبادة وال‬
‫ض ُّرعًا َو ُخ ْفيَةً ِإنَّهُ الَ يُ ِح ُّب ا ْل ُم ْعتَ ِدينَ }(‪.)6‬‬
‫أنواعها فبيّنها له بقولك‪ *:‬قال هللا تعالى‪ { *:‬ا ْدعُو ْا َربَّ ُك ْم تَ َ‬
‫فإذا أعلمته بهذا فقل له‪ :‬هل علمت أن هذا عبادة هلل؟ فال بد أن يقول‪ :‬نعم‪ .‬والدعاء مخ العبادة‪ :‬فق**ل‬
‫له‪ :‬إذا أقررت أنه عبادة ودعوت هللا ليالً ونها ًرا خوفًا وطم ًعا‪ ،‬ثم دعوت في تل**ك الحاج**ة نبيً*ا* أو غ**يره‬
‫هل أشركت في عبادة هللا غيره؟ فال بد أن يقول نعم ] أي تسأله عن معنى العبادة وما الفرق بينهم‪66‬ا وبين‬
‫االلتجاء‪.‬‬
‫وقل له‪ :‬هل العبادة واجبة أو مستحبة؟ فال بد أن يعترف أن العبادة أمر واجب وحتم على العب‪66‬اد وأنه‪66‬ا‬
‫حق هللا على العباد‪ ،‬فإذا اعترف بهذا فقل له‪ :‬فسّر لي العبادة ما معناها وبيّن لي ما أنواعها‪ ،‬ما دمت أن‪66‬ك‬
‫اعترفت أن العبادة هلل وأنها واجبة على العبد فإنه يجب عليك أن تعرف معناه‪66‬ا وأن تع‪66‬رف أنواعه‪66‬ا وإال‬
‫فكيف يُوجب هللا عليك شيًئا وأنت تجهله وال تعرفه‪ ،‬فإنه ال يعرف العبادة وال يعرف أنواعه‪66‬ا‪ ،‬وه‪66‬ذه آف‪66‬ة‬
‫(‪ )1‬النجم‪26:‬‬

‫(‪ )2‬يونس‪18:‬‬

‫(‪ )3‬رواه اإلمام البخاري في صحيحه ‪ 7/147‬كتاب الدعوات باب النوم على الشق األيمن من حديث البراء بن عازب رضي هللا تعالى‬
‫عنه‪.‬‬
‫(‪ )4‬الجن‪22:‬‬

‫(‪ )5‬المؤمنون‪88:‬‬

‫(‪ )6‬األعراف‪55:‬‬

‫‪34‬‬
‫الجهل‪ ،‬ومن هنا يتعين على العباد أن يتعلموا ما أوجب هللا عليهم وما فرض‪6‬ه هللا عليهم ح‪6‬تى ي‪6‬ؤدوه على‬
‫وجهه الصحيح ويتجنبوا ما يُخل ب‪6‬ه وم‪66‬ا يبطل‪66‬ه‪ ،‬أم‪6‬ا أن تعب‪6‬د هللا على جه‪6‬ل ف‪6‬إن ه‪6‬ذه طريق‪6‬ة النص‪6‬ارى‬
‫الص ‪َ 6‬راطَ‬
‫الضالين يعبدون هللا على جهل وضالل وهللا أمرك أن تسأله أن يُجنبك طريقهم فتقول‪ { :‬اه ِدنَـا ِّ‬
‫فالض‪66‬الون هم ال‪66‬ذين‬ ‫الض‪66‬الِّينَ }‬
‫ب َعلَي ِه ْم َوالَ َّ‬
‫غض‪66‬و ِ‬ ‫ص‪َ 66‬راطَ الَّ ِذينَ َأن َعمتَ َعلَي ِه ْم غ ِ‬
‫َ‪66‬ير ال َم ُ‬ ‫ال ُمس‪66‬تَقِي َم‪ِ ،‬‬
‫(‪)1‬‬

‫يعبدون هللا على غير علم وعلى غير معرفة بالعبادة وإنما يعبدون هللا بالعادات والتقاليد وما وج‪66‬دوا علي‪66‬ه‬
‫آباءهم وأجدادهم دون أن يرجعوا إلى ما ج‪66‬اءت ب‪66‬ه الرس‪66‬ل ون‪66‬زلت ب‪66‬ه الكتب وه‪66‬ذا ه‪66‬و س‪66‬بب الض‪66‬الل‪.‬‬
‫وااللتجاء هو طلب الحماي‪66‬ة من أمر مخ‪ّ 6‬وف ال يدفع‪66‬ه إال هللا‪ .‬فه‪66‬و ن‪66‬وع من أن‪66‬واع العب‪66‬ادة‪ ،‬وهللا س‪66‬بحانه‬
‫يجير وال يجار علي‪6‬ه ويعي‪6‬ذ من اس‪66‬تعاذ ب‪6‬ه‪ ،‬فمن التج‪66‬أ إلى ميت فق‪6‬د عب‪6‬ده من دون هللا وك‪66‬ذلك من أعظم‬
‫َض‪6‬رُّ عًا َو ُخ ْفيَ‪6‬ةً ِإنَّهُ الَ يُ ِحبُّ ْال ُم ْعتَ‪ِ 6‬دينَ }(‪ )2‬وأنت‬ ‫أنواع العبادة الدعاء حيث قال هللا تع‪6‬الى‪ { :‬ا ْدع ْ‬
‫ُ‪6‬وا َربَّ ُك ْم ت َ‬
‫بالتجائك إلى غير هللا قد دعوت غير هللا وهذا شرك‪.‬‬
‫وأطعت هللا ونحرت له‪ ،‬هل هذا عبادة؟ فال بد‬ ‫(‪)3‬‬
‫[ فإذا عملت بقول هللا تعالى‪ { :‬فَ َ‬
‫ص ِّل لِ َربِّ َ*ك َوا ْن َح ْر }‬
‫أن يقول‪ :‬نعم‪ ،‬فقل له‪ :‬فإذا نحرت لمخلوق‪ ،‬نبي أو جني أو غيرهما‪ *،‬هل أشركت في ه**ذه العب**ادة غ**ير‬
‫هللا؟ فال بد أن يقر ويقول‪ :‬نعم ] أي ال بد إذا تل‪66‬وت علي‪66‬ه اآلي‪66‬ات واألح‪6‬اديث ب‪6‬أن ال‪6‬دعاء عب‪66‬ادة الب‪66‬د أن‬
‫يعترف فتقول له لو دعوت هللا في الليل والنهار لكنك في بعض األحيان تدعو غير هللا هل تكون مش‪66‬ر ًكا؟‬
‫فال بد أن يعترف ويقول إنه مشرك ألنه دعا غير هللا ومن دعا غير هللا فهو مشرك‪.‬‬
‫وإذا كان من دعا غير هللا ولو مرة واحدة في العمر يكون مش‪66‬ر ًكا م‪66‬ع أن‪66‬ه ي‪66‬دعو هللا في اللي‪66‬ل والنه‪66‬ار‬
‫فكيف بالذي يلهج دائ ًم ا بذلك ويقول يا حسين‪ ،‬يا بدوي‪ ،‬يا عبد القادر‪ ،‬يا فالن فيصدر منه الشرك كثيرًا‪.‬‬
‫فإذا كان من ذبح لغير هللا أو صلى لغير هللا يكون مشر ًكا فكيف بمن يلجأ إلى غير هللا في كشف الشدائد‬
‫أال يكون مشر ًكا؟ بلى ألن الباب واحد وأنواع العبادة كلها بابه‪6‬ا واح‪6‬د ال يج‪66‬وز أن يخلص هلل في بعض‪6‬ها‬
‫ويشرك باهلل في البعض اآلخر‪.‬‬
‫والص*الحين والالت*‬
‫ّ‬ ‫ضا‪ *:‬المشركون الذين نزل فيهم الق**رآن ه**ل ك**انوا يعب**دون المالئك**ة‬
‫[ وقل له أي ً‬
‫وغير ذلك؟ فال بد أن يق*ول‪ :‬نعم فق*ل ل*ه‪ :‬وه*ل ك*انت عب*ادتهم إي*اهم إال في ال*دعاء وال*ذبح وااللتج**اء‬
‫ونح**و ذل**ك‪ .‬وإال فهم مق**رون أنهم عبي**ده وتحت قه**ره وأن هللا ه**و ال**ذي ي**دبّر األم**ر ولكن دع**وهم‬
‫والتجؤوا إليهم للجاه والشفاعة* وهذا ظاهر جدًا ] أي أن المشركين األولين م‪66‬ا ك‪66‬ان ش‪66‬ركهم إال في ه‪66‬ذه‬
‫األمور وقد نزل القرآن في اإلنكار عليهم واألمر بقتالهم وإباحة أموالهم ودمائهم‪ .‬م‪66‬ا ك‪66‬انوا م‪66‬ع أص‪66‬نامهم‬
‫يعتقدون أنها تخلق وترزق وتحيي وتميت وما ك‪66‬انوا ي‪66‬دعونها إال من أج‪66‬ل الش‪66‬فاعة‪ ،‬فك‪66‬ذلك عبَّاد القب‪66‬ور‬
‫الي‪66‬وم ي‪66‬دعون األض‪66‬رحة واألولي‪66‬اء والص‪66‬الحين وال يعتق‪66‬دون فيهم أنهم يخلق‪66‬ون ويرزق‪66‬ون وأنهم خلق‪66‬وا‬

‫(‪ )1‬الفاتحة‪7-6:‬‬

‫(‪ )2‬األعراف‪55:‬‬

‫(‪ )3‬الكوثر‪2:‬‬

‫‪35‬‬
‫السماوات واألرض وإنما اتخذوهم لقضاء الحاجات والتوسل بهم إلى هللا ليشفعوا لهم ويقربوهم إليه زلفى‬
‫وااللتجاء إليهم في كشف الكرب والشدائد‪.‬‬
‫[ فإن قال‪ :‬أتنكر شفاعة رسول هللا ‪ ‬وتبرأ منه**ا‪ .‬فق**ل ال أنكره**ا وال أت**برأ منه**ا‪ .‬ب**ل ه*و ‪َّ ‬‬
‫الش*افع‬
‫(‪)1‬‬
‫الش*فَا َعةُ َج ِمي ًع*ا }‬
‫والمشفّع وأرجو شفاعته‪ *،‬ولكن الشفاعة* كلها هلل تع*الى كم*ا ق*ال تع*الى‪ { :‬قُ*ل هَّلِّل ِ َّ‬
‫ش*فَ ُع ِع ْن* َدهُ ِإالَّ بِِإ ْذنِ* ِه }(‪ )2‬وال يش*فع الن**بي ‪ ‬في‬
‫وال تكون إال بعد إذن هللا كما قال تعالى‪َ { :‬من َذا الَّ ِذي يَ ْ‬
‫وهو سبحانه ال يرض**ى‬ ‫(‪)3‬‬
‫ضى }‬ ‫شفَ ُعونَ ِإالّ لِ َم ِن ْ‬
‫ارتَ َ‬ ‫أحد إال بعد أن يأذن هللا فيه‪ ،‬كما قال تعالى‪َ { *:‬وال يَ ْ‬
‫فإذا كانت الشفاعة* كله**ا هلل‬ ‫(‪)4‬‬
‫سالَ ِم ِدينًا فَلَن يُ ْقبَ َل ِم ْنهُ }‬
‫إال التوحيد‪ ،‬كما قال تعالى‪َ { *:‬و َمن يَ ْبت َِغ َغ ْي َر اِإل ْ‬
‫وال تكون إال من بعد إذنه‪ ،‬وال يشفع النبي ‪ ‬وال غيره في أحد حتى يأذن هللا فيه‪ ،‬وال ي**أذن هللا إال أله**ل‬
‫التوحيد تبيّن لك أن الشفاعة* كله*ا هلل وأطلبه*ا من*ه ف*أقول‪ :‬الله َّم ال تحرم*ني ش*فاعته* الله َّم ش*فّعه ف ّي‪،‬‬
‫وأمثال هذا ] شفاعة النبي ‪ ‬ال ينكرها إال أهل الباطل‪ ،‬والفرق الض‪66‬الة ك‪66‬الخوارج والمعتزل‪66‬ة‪ ،‬أم‪66‬ا أه‪66‬ل‬
‫السنة والجماعة فإن من أصول عقيدتهم اإلقرار بشفاعة النبي ‪ ‬وشفاعة األولي‪66‬اء والص‪66‬الحين‪ ،‬ولكنه‪66‬ا ال‬
‫تطلب منهم وهم أموات وإنما تطلب من هللا ألن أحدًا ال يشفع عن‪66‬د هللا إال من بع‪66‬د إذن‪66‬ه‪ ،‬وال ب‪66‬د أن يك‪66‬ون‬
‫المشفوع فيه ممن يرضى هللا عنه من أهل التوحيد‪ ،‬والنبي ‪ ‬وهو أعظم الشفعاء يوم القيام‪66‬ة‪ ،‬إذا تق‪66‬دم ل‪66‬ه‬
‫أهل المحشر وطلبوا منه أن يشفع لهم عند هللا في فصل القضاء بينهم‪ ،‬فإنه ال يشفع ابتداء‪ ،‬وإنم‪66‬ا يس‪66‬تأذن‬
‫ربه ويطلب منه أن يأذن له بالشفاعة فيخ ّر ساجدًا بين يدي ربه ويدعوه ويتضرع إليه ويستمر ح‪66‬تى يق‪66‬ال‬
‫له‪ :‬يا محمد ارفع رأسك وسلْ تعطه واشفع تشفّع (‪ )5‬ولكن كيف تطلب الشفاعة؟‪.‬‬
‫الشفاعة تطلب من هللا وال تطلب من المخلوق فتق‪66‬ول‪ :‬اللهم ال تحرم‪66‬ني ش‪66‬فاعة نبي‪66‬ك‪ ،‬اللهم ش‪6‬فّعه ف ّي‪.‬‬
‫وأمثال هذا‪ .‬والنبي ‪ ‬بعد موته ال يطلب منه ش‪66‬يء ال ش‪66‬فاعة وال غيره‪66‬ا ألن طلب األش‪66‬ياء من األم‪66‬وات‬
‫شرك أكبر‪.‬‬
‫[ فإن قال‪ :‬النبي* ‪ ‬أعطي الشفاعة* وأنا أطلبه مما أعطاه هللا تعالى‪ .‬فالجواب‪ :‬أن هللا أعطاه الشفاعة‬
‫فإذا كنت تدعو هللا أن يشفّع نبيّ**ه في**ك فأطع**ه‬ ‫(‪)6‬‬
‫ونهاك عن هذا فقال تعالى‪ { :‬فَال تَ ْدعُوا َم َع هَّللا ِ َأ َحدًا }‬
‫وأيض*ا‪ *،‬ف**إن الش**فاعة* أعطيه**ا غ**ير الن**بي* ‪ ‬فص*ح أن المالئك**ة‬
‫ً‬ ‫في قوله‪ { :‬فَال تَ ْدعُوا َم َع هَّللا ِ َأ َح* دًا }‪،‬‬

‫(‪ )1‬الزمر‪44:‬‬

‫(‪ )2‬البقرة‪255:‬‬

‫(‪ )3‬األنبياء‪286:‬‬

‫(‪ )4‬آل عمران‪85:‬‬

‫انظر صحيح البخاري ‪ 106 6،4/105‬كتاب أحاديث األنبياء باب قول هللا تع‪66‬الى‪ِ { :‬إنَّا َأرْ َس‪ْ 6‬لنَا نُوحً‪ 6‬ا ِإلَى قَوْ ِم‪ِ 6‬ه } ‪ ،‬وانظ‪66‬ر مس‪66‬لم‬ ‫(‪)5‬‬
‫‪ 186-1/184‬كتاب اإليمان من حديث أبي هريرة رضي هللا عنه باب أدنى أهل الجنة منزلة فيها كالهم‪66‬ا من ح‪66‬ديث أبي هري‪66‬رة رض‪66‬ي‬
‫هللا عنه‪.‬‬
‫(‪ )6‬الجن‪18:‬‬

‫‪36‬‬
‫يشفعون‪ ،‬واألفراط(‪ )7‬يشفعون واألولياء يش**فعون أتق**ول‪ :‬إن هللا أعط**اهم الش**فاعة* وأطلبه**ا منهم ف**إن‬
‫قلت ه**ذا رجعت إلى عب**ادة الص**الحين* ال**تي ذكره**ا هللا في كتاب**ه‪ .‬وإن قلت ال بط**ل قول**ك‪ :‬أعط**اه هللا‬
‫الشفاعة وأنا أطلبه مما أعطاه هللا ] أي ليس من الزم إعطاء النبي ‪ ‬وغيره الش‪66‬فاعة ج‪66‬واز طلبه‪66‬ا منهم‬
‫وهم أموات بدليل أن هللا سبحانه وتعالى نفي أن يشفع أحد عنده إال بإذنه ورض‪66‬اه عن المش‪66‬فوع في‪66‬ه وألن‬
‫طلب الشفاعة من األموات شرك وهللا قد حرم الشرك وأحبط عمل صاحبه وحرم علي‪66‬ه الجن‪66‬ة‪ ،‬وق‪6‬د أنك‪6‬ر‬
‫سبحانه على الذين يدعون غ‪66‬يره ويقول‪66‬ون ه‪66‬ؤالء ش‪66‬فعاؤنا عن‪66‬د هللا ون‪ّ 6‬زه نفس‪66‬ه عن ذل‪66‬ك وس‪66‬ماه ش‪66‬ر ًكا‪.‬‬
‫وأيضًا إعطاء هللا الشفاعة ليس خاصًا بالنبي ‪ ‬فه‪66‬ل ك‪66‬ل من أعطي الش‪66‬فاعة تطلب من‪66‬ه من دون هللا كم‪66‬ا‬
‫كان المشركون األولون يفعلون ذلك‪ { ،‬يَقُولُونَ هَـُؤال ِء ُشفَ َعاُؤ نَا ِعن َد هَّللا ِ }(‪.)1‬‬
‫صالحين ليس بش**رك‪ .‬فق**ل ل**ه‪ :‬إذا‬
‫[ فإن قال‪ :‬أنا ال أشرك باهلل شيًئا حاشا وكال ولكن االلتجاء* إلى ال ّ‬
‫وتقر أن هللا ال يغفره‪ ،‬فم**ا ه**ذا األم**ر ال**ذي حرم**ه‬
‫ُّ‬ ‫كنت تقر أن هللا ح ّرم الشرك أعظم من تحريم الزنى‪*،‬‬
‫هللا وذكر أنه ال يغفره‪ ،‬فإنه ال يدري فقل له‪ :‬كيف تبرئ نفسك من الش**رك وأنت ال تعرف**ه؟ كي**ف يح**رم‬
‫هللا عليك هذا ويذكر أنه ال يغفره وال تسأل عنه وال تعرفه؟ أتظن أن هللا يح ّرمه وال يبيّنه* لنا؟* ف**إن ق**ال‪:‬‬
‫الشرك عبادة األصنام ونحن ال نعبد األصنام فقل له‪ :‬م**ا مع**نى عب**ادة األص**نام؟* أتظن أنهم يعتق**دون أن‬
‫تلك األخشاب* واألحجار تخلق وترزق وتدبّر أمر من دعاها؟ فهذا ّ‬
‫يكذبه القرآن‪ *،‬وإن قال‪ :‬ه*و من قص*د‬
‫خشبةً أو حج ًرا أو بنية على قب ٍر أو غيره يدعون ذل**ك وي**ذبحون ل**ه يقول**ون‪ :‬إن**ه يقربن*ا* إلى هللا زلفى‬
‫ويدفع هللا عنا ببركته ويعطينا ببركته فقل صدقت وهذا هو فعلكم عند األحجار واألبنية التي على القبور‬
‫وغيرها فهذا أقر أن فعلهم هذا هو عبادة األصنام* فهو المطلوب‪.‬‬
‫ضا‪ *:‬قولك‪( :‬الشرك* عبادة األصنام)* هل مرادك أن الشرك مخصوص به**ذا‪ ،‬وأن االعتم**اد‬
‫ويقال له أي ً‬
‫الص*الحين ودع**ا َءهم ال ي**دخل في ذل**ك؟ فه*ذا ي*ردّه م*ا ذك*ر هللا في كتاب**ه من كف*ر من تعل*ق على‬
‫على ّ‬
‫الص *الحين فه**ذا‬
‫صالحين‪ ،‬فال بد أن يقر لك أن من أشرك في عبادة هللا أحدًا من ّ‬
‫المالئكة أو عيسى أو ال ّ‬
‫هو الشرك المذكور في القرآن* وهذا هو المطلوب‪.‬‬
‫وسر المسألة أنه إذا قال‪ :‬أنا ال أشرك باهلل فقل له‪ :‬وما الشرك باهلل‪ ،‬فسره لي؟ فإن ق*ال‪ :‬ه*و عب*ادة‬
‫األصنام فقل وما معنى عبادة األصنام فسرها لي‪ :‬فإن قال‪ :‬أنا ال أعب**د إال هللا فق**ل‪ :‬م**ا مع**نى عب**ادة هللا‬
‫سرها بما بيّنه القرآن* فهو المطلوب‪ ،‬وإن لم يعرفه فكيف يدَّعي شيًئا* وهو ال يعرفه؟‬
‫فسرها لي؟ فإن ف ّ‬
‫وإن فسر ذلك بغير معناه‪ ،‬بيّنت* له اآليات* الواضحات* في معنى الشرك* باهلل وعبادة األوثان وأنه الذي‬
‫يفعلونه في هذا الزمان* بعينه‪ *،‬وأن عبادة هللا وحده ال شريك له هي التي ينكرون علينا* ويص**يحون في**ه‬
‫] يبيّن الشيخ رحمه‬ ‫(‪)2‬‬
‫اب }‬ ‫كما صاح إخوانهم حيث قالوا‪َ { :‬أ َج َع َل اآللِ َهةَ ِإلَ ًها َو ِ‬
‫احدًا ِإنَّ َه َذا لَش َْي ٌء ع َُج ٌ‬
‫هللا أن الشرك ليس مقصو ًر ا على عبادة األصنام ألن المشركين األولين منهم من يعبد المالئكة والمالئك‪66‬ة‬

‫(‪ )7‬األفراط‪ :‬هم األوالد الصغار الذين ماتوا قبل آبائهم‪ .‬انظر لسان العرب ‪ 7/366‬مادة «فرط»‪.‬‬

‫(‪ )1‬يونس‪18:‬‬

‫(‪ )2‬ص‪5:‬‬

‫‪37‬‬
‫أصلح الصالحين كما قال تعالى‪ { :‬بَلْ ِعبَا ٌد ُّم ْك َر ُمونَ ‪ ،‬ال يَ ْسبِقُونَهُ بِ ْالقَوْ ِل َوهُم بَِأ ْم ِر ِه يَ ْع َملُ‪66‬ونَ ‪ ،‬يَ ْعلَ ُم َم‪66‬ا بَ ْينَ‬
‫ضى َوهُم ِّم ْن خَ ْشيَتِ ِه ُم ْشفِقُونَ ‪َ ،‬و َمن يَقُ‪6‬لْ ِم ْنهُ ْم ِإنِّي ِإلَ‪6‬هٌ ِّمن دُونِ‪ِ 6‬ه‬ ‫َأ ْي ِدي ِه ْم َو َما خَ ْلفَهُ ْم َوال يَ ْشفَعُونَ ِإالّ لِ َم ِن ارْ تَ َ‬
‫ك نَجْ ِزي ِه َجهَنَّ َم َك َذلِكَ نَجْ ِزي الظَّالِ ِمينَ }(‪.)1‬‬
‫فَ َذلِ َ‬
‫ومنهم من يعبد الصالحين وذلك في قوله تعالى‪ُ { :‬أولَـِئكَ الَّ ِذينَ َي ْد ُعونَ يَ ْبتَ ُغ‪66‬ونَ ِإلَى َربِّ ِه ُم ْال َو ِس ‪6‬يلَةَ َأيُّهُ ْم‬
‫َأ ْق َربُ َويَرْ جُونَ َرحْ َمتَهُ َويَخَ افُونَ َع َذابَهُ }(‪ )2‬قيل إنها نزلت فيمن يعبد عزيرًا والمس‪66‬يح من األنبي‪66‬اء‪ .‬وقي‪66‬ل‬
‫نزلت في قوم كانوا يعبدون الجن فأسلم الجن‪ ،‬ولم يعلم من يعبدهم من اإلنس أنهم أسلموا‪.‬‬
‫والمقصود من ذلك أن هللا ذكر أن المشركين األولين منهم من يعبد األصنام واألشجار واألحجار ومنهم‬
‫من يعبد األنبياء والصالحين‪ ،‬وس ّو ى بينهم في الحكم وحكم عليهم بالكفر والشرك‪ .‬وأنت أيها المشبه تري‪66‬د‬
‫أن تفرق بين من عبد األصنام ومن عبد الصالحين فتف‪66‬رق بين م‪66‬ا جم‪66‬ع هللا وه‪66‬ذا من المح‪66‬ا ّدة هلل س‪66‬بحانه‬
‫وتعالى‪ .‬هذا وجه رد هذه الشبهة حيث تبيّن أن‪6‬ه ال ف‪6‬رق بين ش‪6‬رك األوّلين وش‪66‬رك ه‪6‬ؤالء ال‪6‬ذين ي‪َّ 6‬دعون‬
‫اإلسالم وهم يعبدون القبور واألولياء والصالحين ألنهم ال يعرفون أن هذا شرك وهذه نتيجة الجهل بعقيدة‬
‫التوحيد الصحيحة والجهل بما يضادها من الشرك فإن من ال يعرف الشرك يقع في‪66‬ه وه‪66‬و ال ي‪66‬دري‪ .‬ومن‬
‫هنا تتضح ضرورة العناية بدراسة العقيدة الصحيحة وما يضادها‪.‬‬
‫[ فإذا عرفت أن هذا الذي يسميه المشركون في زماننا االعتق*اد ه*و الش*رك ال*ذي ن*زل في*ه الق*رآن‬
‫وقاتل رسول هللا ‪ ‬الناس عليه فاعلم أن شرك األولين أخف من شرك أهل زماننا* ب**أمرين‪ *:‬أح**دهما‪ :‬أن‬
‫الش *دَّة‬
‫األولين ال يش**ركون وال ي**دعون المالئك**ة واألولي**اء واألوث**ان م**ع هللا إال في الرخ**اء وأم**ا في ّ‬
‫ض َّل َمن تَ ْدعُونَ ِإالَّ ِإيَّاهُ فَلَ َّما نَ َّجا ُك ْم ِإلَى‬ ‫ض ُّر فِي ا ْلبَ ْح ِ*ر َ‬ ‫فيخلصون هلل الدين كما قال تعالى‪ { *:‬وَِإ َذا َم َّ‬
‫س ُك ُم ا ْل ُّ‬
‫الس *ا َعةُ َأ َغ ْي* َ‬
‫*ر‬ ‫اب هَّللا ِ َأ ْو َأتَ ْت ُك ُم َّ‬
‫ان َكفُو ًرا }(‪ )3‬وقوله‪ { :‬قُ ْل َأ َرَأ ْيتَ ُكم ِإنْ َأتَا ُك ْم َع َذ ُ‬ ‫س ُ*‬ ‫ا ْلبَ ِّر َأع َْر ْ‬
‫ضتُ ْم َو َكانَ اِإل ْن َ‬
‫(‪)4‬‬
‫ُش * ِر ُكونَ }‬‫س ْونَ َم**ا ت ْ‬ ‫صا ِدقِينَ * بَ ْل ِإيَّاهُ تَ ْدعُونَ فَيَ ْك ِ‬
‫شفُ َما تَ ْدعُونَ ِإلَ ْي ِه ِإنْ شَا َء َوتَن َ‬ ‫هَّللا ِ تَ ْدعُونَ ِإن ُكنتُ ْم َ‬
‫ظلَ ِل َد َع* ُوا‬ ‫ض ٌّر َدعَا َربَّهُ ُمنِيبًا ِإلَ ْي ِه }(‪ )5‬وقوله‪ { :‬وَِإ َذا َغ ِ‬
‫شيَ ُهم َّم ْو ٌج َكال ُّ‬ ‫ان ُ‬ ‫س َ*‬ ‫وقال تعالى‪ { :‬وَِإ َذا َم َّ‬
‫س اِإل ن َ‬
‫هَّللا َ ُم ْخلِ ِ‬
‫صينَ لَهُ ال*دِّينَ }(‪ ].)6‬يق‪66‬ول الش‪66‬يخ رحم‪66‬ه هللا‪ :‬إذا ع‪66‬رفت مم‪66‬ا س‪66‬بق أن‪66‬ه ال ف‪6‬رق بين ش‪6‬رك أه‪66‬ل‬
‫الجاهلية الذي نزل فيه القرآن والذي قاتل رسول هللا ‪ ‬وأص‪6‬حابه وش‪6‬رك ه‪6‬ؤالء المنتس‪6‬بين إلى اإلس‪6‬الم‬
‫من عبَّاد القبور وأصحاب الطرق الصوفية المنحرفة ونح‪66‬وهم ال ف‪66‬رق بين ش‪66‬رك ه‪66‬ؤالء وه‪66‬ؤالء إال في‬
‫االسم حيث يسمونه االعتقاد فقط‪ ،‬فاعلم أن شرك هؤالء المتأخرين المنتسبين إلى اإلسالم أشد وأغل‪66‬ظ من‬
‫شرك المتقدمين من أهل الجاهلية من وجهين‪:‬‬

‫(‪ )1‬األنبياء‪29-26:6‬‬

‫(‪ )2‬اإلسراء‪57:‬‬

‫(‪ )3‬اإلسراء‪67:‬‬

‫(‪ )4‬األنعام‪41-40:‬‬

‫(‪ )5‬الزمر‪8:‬‬

‫(‪ )6‬لقمان‪32:‬‬

‫‪38‬‬
‫األول‪ :‬أن ش‪66‬رك األولين إنم‪66‬ا يحص‪66‬ل في ح‪66‬ال الرخ‪66‬اء وأم‪66‬ا في ح‪66‬ال الش‪66‬دة ف‪66‬إنهم ي‪66‬تركون الش‪66‬رك‬
‫ويخلصون الدعاء هلل لعلمهم أنه ال ينجي من الش‪6‬دائد إال هللا س‪6‬بحانه‪ ،‬كم‪6‬ا ذك‪6‬ر هللا عنهم في اآلي‪6‬ات ال‪6‬تي‬
‫ساقها الشيخ وغيرها؛ وأما هؤالء المشركون المنتسبون إلى اإلسالم فشركهم دائم في الرخ‪66‬اء والش‪66‬دة ب‪66‬ل‬
‫إن شركهم في الشدة يزيد على شركهم في الرخاء ‪ ،‬بحيث إذا وقع‪66‬وا في خط‪6‬ر وش‪66‬دة‪ ،‬ارتفعت أص‪6‬واتهم‬
‫بالشرك ودعاء غير هللا‪.‬‬
‫هذا هو الوجه األول من وجوه الفرق بين المشركين األولين ومشركي زماننا‪.‬‬
‫والوجه الثاني‪ :‬سيأتي‪.‬‬
‫[ فمن فهم هذه المسألة* التي وضحها هللا في كتابه وهي أن المشركين* الذي قاتلهم رسول هللا يدعون‬
‫هللا تع**الى* وي**دعون غ**يره في الرخ**اء* وأم**ا في الض**ر والش**دة فال ي**دعون إال هللا وح**ده ال ش**ريك ل**ه‪،‬‬
‫وينسون ساداتهم تبيّن* له الف**رق بين ش**رك أه**ل زمانن**ا وش**رك األولين* ولكن‪ ،‬أين من يفهم قلب**ه ه**ذه‬
‫ً‬
‫راسخا؟!* وهللا المستعان* ] يقول رحمه هللا ‪ :‬إنه ال يدرك الف‪66‬رق بين ش‪66‬رك األولين وش‪66‬رك‬ ‫المسألة فه ًما‬
‫المتأخرين في أن شرك المتأخرين أغلظ وأشد‪ ،‬إال من فهم اآليات القرآنية التي توضح ذلك ومن لم يدرك‬
‫الفرق فإنه راجع لسوء فهمه‪.‬‬
‫سا* مق ّربين* عند هللا إما أنبياء* وإما أولياء‪ *،‬وإما مالئكة‪،‬‬
‫[ واألمر الثاني* أن األولين* يدعون مع هللا أنا ً‬
‫أناس*ا من أفس**ق‬
‫ً‬ ‫أو يدعون أشجا ًرا أو أحجا ًرا مطيع**ة هلل ليس*ت* عاص**ية وأه*ل زمانن*ا* ي**دعون م**ع هللا‬
‫الناس‪ *،‬والذين يدعونهم هم الذين يحكمون عنهم الفجور من الزنا والسرقة وترك الصالة وغ**ير ذل**ك ]‬
‫الوجه الثاني‪ :‬من أوجه الفرق أن المشركين األولين يدعون أناسًا فيهم صالح وتقرب إلى هللا من المالئكة‬
‫واألنبياء والصالحين أو يدعون أشجا ًرا أو أحجا ًرا ليست عاصية هلل‪ .‬وأما المشركون المتأخرون فيدعون‬
‫فجرة الخلق وأشدهم كفرًا وفسقًا ممن يزعمون لهم الكرامات وسقوط التكاليف عنهم من مالحدة الصوفية‬
‫ال‪66‬ذين يس‪66‬تحلون المحرم‪66‬ات وي‪66‬تركون الواجب‪66‬ات كالب‪66‬دوي والحالج وابن ع‪66‬ربي وأض‪66‬رابهم من أئم‪66‬ة‬
‫المالحدة‪ ،‬فيعبدونهم وهم يشاهدونهم يفعلون الفواحش ويتركون الفرائض ويزعمون أن ه‪6‬ذا من ك‪6‬رامتهم‬
‫وفضلهم حيث سقطت عنهم التكاليف‪.‬‬
‫صالح أو الذي ال يعصي مثل الخشب* والحجر أهون ممن يعتقد فيمن يُشاهد فسقه‬
‫[ والذي يعتقد في ال ّ‬
‫وفساده ويشهد به ] هذه نتيجة المقارنة بين شرك األولين وشرك المتأخرين المنتسبين إلى اإلس‪6‬الم وهي‬
‫أن الش‪66‬رك بعب‪66‬ادة الص‪66‬الحين والمخلوق‪66‬ات ال‪66‬تي ال تعص‪66‬ي أخ‪66‬ف من الش‪66‬رك بعب‪66‬ادة الفج‪66‬رة والمالح‪66‬دة‬
‫والعصاة ألن ذلك يدل على ت‪66‬زكيتهم وم‪66‬وافقتهم على كف‪66‬رهم وفج‪66‬ورهم واعتب‪66‬اره ص‪66‬الحًا وكرام‪66‬ة وأي‬
‫محادة هلل أشد من هذه المحادة نسأل هللا العافية‪.‬‬
‫[ إذا تحقَّقت أن الذين قاتلهم رسول هللا ‪ ‬أص*ح عق*والً وأخ*ف ش*ر ًكا من ه*ؤالء‪ ،‬ف**اعلم أن له*ؤالء‬
‫ش*بهة يوردونه**ا على م**ا ذكرن**ا وهي من أعظم ش*بههم فأص**غ س*معك لجوابه*ا وهي أنهم يقول**ون إن‬
‫ّ‬
‫ويكذبون القرآن‬ ‫ّ‬
‫ويكذبون الرسول ‪ ‬وينكرون البعث‬ ‫الذين نزل فيهم القرآن* ال يشهدون أن ال إله إال هللا‬

‫‪39‬‬
‫ويجعلونه سح ًرا ونحن نش*هد أن ال إل*ه إال هللا وأن محم*دًا رس*ول هللا ونص*دق الق*رآن ون*ؤمن ب*البعث‬
‫ونصلي ونصوم فكيف تجعلوننا* مثل أولئك؟‬
‫فالجواب أن ال خالف بين العلماء* كلهم أن الرجل إذا ص*دّق رس*ول هللا ‪ ‬في ش**يء ّ‬
‫وكذب**ه في ش*يء‬
‫فإنه كافر لم يدخل في اإلس*الم وك*ذلك إذا آمن ببعض الق*رآن* وجح*د بعض*ه‪ ،‬كمن أق* ّر بالتّوحي*د وجح*د‬
‫وجوب الصالة أو أق ّر بالتوحيد والصالة وجحد وجوب الزكاة أو أق ّر بهذا كله وجحد الصوم أو أق ّر به**ذا‬
‫كله وجحد الحج ولم**ا لم ينق**د أن**اس في زمن الن**بي ‪ ‬للحج أن**زل هللا في حقهم‪َ { :‬وهَّلِل ِ َعلَى النَّا ِ*‬
‫س ِح ُّج‬
‫سبِيالً َو َمن َكفَ َر فَِإنَّ هللا َغنِ ٌّي ع َِن ا ْل َعالَ ِمينَ }(‪.)1‬‬
‫ستَطَا َع ِإلَ ْي ِه َ‬ ‫ا ْلبَ ْي ِ*‬
‫ت َم ِن ا ْ‬
‫ومن أقر بهذا كله وجحد البعث كفر باإلجماع* وحل دمه وماله كما قال تعالى‪ِ { :‬إنَّ الَّ ِذينَ يَ ْكفُ ُرونَ بِاهَّلل ِ‬
‫ض َويُ ِري *دُونَ َأن يَتَّ ِخ* ُذو ْا‬ ‫ض َونَ ْكفُ * ُر بِبَ ْع ٍ‬ ‫سلِ ِه َويُ ِريدُونَ َأن يُفَ ِّرقُو ْا بَيْنَ هَّللا ِ َو ُر ُ‬
‫سلِ ِه َويقُولُونَ نُ**ْؤ ِمنُ بِبَ ْع ٍ‬ ‫َو ُر ُ‬
‫سبِيالً‪ُ *،‬أ ْولَـِئ َك ُه ُم ا ْل َكافِ ُرونَ َحقًّا }(‪.)2‬‬‫بَيْنَ َذلِ َك َ‬
‫فإذا كان هللا قد صرح في كتابه أن من آمن ببعض وكف**ر ببعض فه**و الك**افر حقً**ا زالت ه**ذه الش**بهة‬
‫وهذه هي التي ذكرها بعض أهل األحساء في كتابه الذي أرسله إلينا‪.‬‬
‫ضا‪ *:‬إذا كنت تق ّر أن من صدّق الرسول ‪ ‬في كل شيء وجحد وجوب ال ّ‬
‫صالة فهو كافر حالل‬ ‫ويقال أي ً‬
‫الدم والمال باإلجماع‪ *،‬وكذلك إذا أق ّر بكل شيء إال البعث‪ *،‬وكذلك لو جحد وجوب صوم رمضان* وص**دَّق‬
‫بالباقي* وهنا ال تختلف المذاهب فيه وقد نطق به القرآن كما قدمنا‪ .‬فمعلوم أن التوحيد هو أعظم فريضة‬
‫جاء بها النبي ‪ ‬وهو أعظم من الصالة والزكاة والصوم والحج‪ .‬فكيف إذا جحد اإلنس**ان* ش**يًئا* من ه**ذه‬
‫األمور؟ كفر ولو عم*ل بك*ل م*ا ج*اء ب*ه الرس*ول ‪ ، ‬وإذا جح*د التوحي*د ال*ذي ه*و دين الرس*ل كلهم ال‬
‫يكفر؟! سبحانه* هللا ما أعجب هذا الجهل!‬
‫ضا‪ :‬هؤالء أصحاب رسول هللا ‪ ‬قاتلوا بني حنيفة وقد أسلموا مع النبي* ‪ ‬وهم يشهدون أن ال‬
‫ويقال أي ً‬
‫ّ‬
‫ويؤذنون ويصلّون فإن قال إنهم يقولون إن مسليمة نبي قلن**ا ه**ذا ه**و‬ ‫إله إال هللا وأن محمدًا رسول هللا‬
‫المطلوب‪ .‬إذا كان من رفع رجالً إلى رتبة النبي* ‪ ‬كفر وحل ماله ودمه ولم تنفعه الشهادتان* وال الص**الة‬
‫فكيف بمن رفع شمسان أو يوسف أو صحابيًا أو نبيًا إلى رتبة جبار السماوات* واألرض س**بحان هللا م**ا‬
‫أعظم شأنه‪َ { :‬ك َذلِكَ يَ ْطبَ ُع هَّللا ُ َعلَ َى قُلُو ِ‬
‫ب ا ْل َكافِ ِر َ*‬
‫ين }(‪.)3‬‬
‫ضا‪ *:‬ال**ذين ح* ّرقهم علي بن أبي ط**الب رض*ي هللا عن**ه بالنَّار كلهم ي*دّعون اإلس**الم وهم من‬
‫ويقال أي ً‬
‫أصحاب علي رضي هللا عنه وتعلموا العلم من الصحابة ولكن اعتقدوا في علي مثل االعتقاد في يوس*ف‬
‫وشمس**ان وأمثالهم**ا‪ ،‬فكي**ف أجم**ع الص**حابة على قتلهم وكف**رهم؟ أتظن**ون أن الص**حابة يكفّ**رون‬
‫المسلمين؟* أتظنون أن االعتقاد في تاج وأمثاله ال يضر واالعتقاد في علي بن أبي طالب يكفّر؟‬

‫(‪ )1‬آل عمران‪97:‬‬

‫(‪ )2‬النساء‪151-150 :‬‬

‫(‪ )3‬الروم‪59 :‬‬

‫‪40‬‬
‫ضا‪ :‬بنو عبيد القداح الذين ملكوا المغرب ومصر في زمان بني العباس كلهم يش**هدون أن ال‬
‫ويقال أي ً‬
‫إله إال هللا وأن محمدًا رسول هللا ويدّعون اإلس**الم ويص**لون الجمع**ة والجماع**ة‪ ،‬فلم**ا أظه**روا مخالف**ة‬
‫الشريعة في أشياء دون ما نحن فيه أجمع العلماء على كفرهم وقت**الهم وأن بالدهم بالد ح**رب وغ**زاهم‬
‫المسلمون حتى استنقذوا ما بأيديهم من بلدان المسلمين‪.‬‬
‫ضا‪ *:‬إذا كان األولون لم يكفروا إال أنهم جمعوا بين الشرك وتكذيب الرسول ‪ ‬والقرآن وإنكار‬
‫ويقال أي ً‬
‫البعث وغير ذلك فما معنى الباب* الذي ذكره العلماء* في كل مذهب (باب حكم المرتد) وهو المس**لم يكف**ر‬
‫بعد إسالمه ثم ذكروا أنواعًا كثيرة‪ ،‬كل نوع منها يكفّر ويحل دم الرج**ل ومال**ه ح**تى إنهم ذك**روا أش**ياء‬
‫يسيرة عند من فعلها مثل كلمة يذكرها بلسانه* دون قلبه أو يذكرها على وجه المزح واللعب‪.‬‬
‫ضا‪ *:‬الذين قال هللا فيهم ‪ { :‬يَ ْحلِفُونَ بِاهَّلل ِ َما قَالُو ْا َولَقَ ْد قَالُو ْا َكلِ َمةَ ا ْل ُك ْف ِر َو َكفَ ُرو ْا بَ ْع َد ِإ ْ‬
‫سالَ ِم ِه ْم‬ ‫ويقال أي ً‬
‫}(‪.)1‬‬
‫أما سمعت هللا كفّرهم بكلمة مع كونهم في زمن رسول هللا ‪ ‬ويجاهدون معهم ويصلّون معه ويز ّكون‬
‫ويو ِّحدون‪.‬‬
‫ويحجون َ‬
‫ّ‬
‫س*ولِ ِه‬ ‫ب قُ* ْل َأبِاهَّلل ِ َوآيَاتِ* ِه َو َر ُ‬ ‫سَأ ْلتَ ُه ْم لَيَقُولُنَّ ِإنَّ َما ُكنَّا نَ ُخ* ُ‬
‫وض َونَ ْل َع ُ‬ ‫وكذلك الذين قال هللا فيهم‪َ { :‬ولَِئن َ‬
‫*ذ ْب طَآِئفَ*ةً بِ*َأنَّ ُه ْم َك**انُو ْا‬‫ستَ ْه ِزُؤ ونَ ‪ ،‬الَ تَ ْعتَ ِذ ُرو ْا قَ ْد َكفَ ْرتُم بَ ْع* َد ِإي َم*انِ ُك ْم ِإن نَّعْ*فُ عَن طَآِئفَ* ٍة ِّمن ُك ْم نُ َع ِّ‬
‫ُكنتُ ْم تَ ْ‬
‫فهؤالء الذي ص ّرح هللا أنهم كفروا بعد إيمانهم وهم مع رسول هللا ‪ ‬في غزوة تبوك قالوا‬ ‫(‪)2‬‬
‫ُم ْج ِر ِمينَ }‬
‫كلمة ذكروا أنهم قالوها على وجه المزح(‪ ، )3‬فتأمل هذه الشبهة هي قولهم تكفّرون من المسلمين أنا ً‬
‫سا*‬
‫يشهدون أن ال إله إال هللا ويصلون ويصومون ثم تأمل جوابها فإن**ه من أنف**ع م**ا في ه**ذه األوراق ] م‪66‬ا‬
‫زال الشيخ رحمه هللا يواصل الرد على ش‪66‬بهات المش‪6‬بهين في مس‪6‬ألة الش‪6‬رك والتوحي‪6‬د‪ ،‬ف‪6‬انتهى إلى ه‪6‬ذه‬
‫الش‪6‬بهة العظيم‪6‬ة ال‪6‬تي هي من أعظم ش‪6‬بههم وأخطره‪6‬ا أال وهي ق‪6‬ولهم إن من ش‪6‬هد أن ال إل‪6‬ه إال هللا وأن‬
‫محمدًا رسول هللا وصلى وصام وحج وأدى األعمال‪ ،‬فإنه ال يكفر ولو فعل ما فع‪66‬ل من أن‪66‬واع ال‪66‬ردة‪ .‬أم‪66‬ا‬
‫الذين نزل فيهم القرآن وهم المشركون األولون فإنهم ليسوا مثل هؤالء فهم لم يشهدوا أن ال إله إال هللا وأن‬
‫محمدًا رسول هللا ولم يدخلوا في اإلسالم فهم ال يؤمنون باهلل وال بالرس‪6‬ول وال باإلس‪6‬الم وال ب‪6‬القرآن‪ ،‬أم‪6‬ا‬
‫هؤالء فأظهروا اإليم‪66‬ان ب‪66‬البعث ويص‪66‬لون ويص‪66‬ومون ويحج‪66‬ون ويزك‪66‬ون وي‪66‬ذكرون هللا كث‪66‬يرًا‪ .‬فالش‪66‬يخ‬
‫رحمه هللا عند هذه الشبهة خاصة قال‪ :‬أصغ سمعك لجوابها فإنها من أعظم شبههم‪.‬‬
‫ثم ر َّد الشيخ على هذه الشبهة من سبعة وجوه مهمة‪:‬‬
‫الوجه األول‪:‬‬
‫أنه من آمن ببعض األحكام الشرعية وكفر ببعضها اآلخر فهو كافر بالجميع‪ .‬وه‪66‬ؤالء أنك‪66‬روا التوحي‪66‬د‬
‫الذي جاءت به الرسل وهو إفراد هللا بالعبادة فهؤالء لم يفردوا هللا بالعب‪66‬ادة وإنم‪66‬ا أش‪66‬ركوا مع‪66‬ه غ‪66‬يره من‬

‫(‪ )1‬التوبة‪74 :‬‬

‫(‪ )2‬التوبة‪66-65 :‬‬

‫(‪ )3‬تقدم العزو إليها‬

‫‪41‬‬
‫األولي‪66‬اء والص‪66‬الحين فاإلس‪66‬الم ال يقب‪66‬ل التجزئ‪66‬ة وال التفرق‪66‬ة وأعظم اإلس‪66‬الم التوحي‪66‬د وه‪66‬و دع‪66‬وة جمي‪66‬ع‬
‫الرسل‪ ،‬وهؤالء جحدوا أعظم شيء وهو توحيد العبادة وقالوا ال بأس أن ينذر اإلنسان لفالن وي‪66‬ذبح لفالن‬
‫ألنه ولي والول ّي ينفع ويضر مما هو مثل فعل المشركين األولين‪.‬‬
‫الوجه الثاني‪:‬‬
‫ذكر الشيخ رحمه هللا وقائع في التاريخ اإلسالمي تدل على أن العلم‪6‬اء في ك‪6‬ل زم‪6‬ان يكفّ‪6‬رون من آمن‬
‫ببعض وكف‪66‬ر ببعض‪ .‬منه‪66‬ا أن الص‪66‬حابة ومن بع‪66‬دهم ق‪66‬اتلوا ال‪66‬ذين يتظ‪66‬اهرون بالش‪66‬هادتين ويص‪66‬لون‬
‫ويصومون ويحجون لكن لما فعلوا شيًئا من الشرك أو جحدوا ش‪66‬يًئا من ال‪66‬دين ق‪66‬اتلوهم واس‪66‬تحلّوا دم‪66‬اءهم‬
‫وأموالهم وذلك كما يلي‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬بنو حنيفة اعتقدوا أن مسيلمة رسول هللا والذين جحدوا وجوب الزكاة بعد وفاة النبي ‪. ‬‬
‫وثانيًا‪ :‬في عهد علي رضي هللا عنه كفّروا الغالة الذين قالوا إن عليًا هو هللا مع أنهم يشهدون أن ال إله‬
‫إال هللا وأن محمدًا رسول هللا ويص‪6‬لون ويص‪6‬ومون وهم في جن‪66‬د علي رض‪6‬ي هللا عن‪6‬ه‪ ،‬لكن لم‪66‬ا أظه‪6‬روا‬
‫الغلو ح َّرقهم علي رضي هللا عنه مع أنهم يشهدون أن ال إله إال هللا ولكنه حرَّقهم لما اعتقدوا أن شخصًا له‬
‫حق في األلوهية كفّرهم وحرقهم بالنار‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬في عهد العباسيين ظهرت فرقة العبيديين‪ ،‬وهم طائفة الشيعة اإلسماعيلية ألنهم ينتسبون إلى‬
‫إسماعيل بن محمد بن جعفر‪ ،‬ولذلك س‪66‬موا باإلس‪66‬ماعيلية وس‪66‬موا الفاطمي‪66‬ة ألنهم يزعم‪66‬ون أنهم من ذري‪66‬ة‬
‫فاطمة ولذلك يقال لهم الفاطميون‪ ،‬وفي الحقيقة أنهم من اليهود أظهروا اإلسالم ولكن ظه‪66‬ر منهم كفري‪66‬ات‬
‫وفي النهاية ادعى حكامهم األلوهية مثل الحاكم العبيدي‪.‬‬
‫فالصحابة قاتلوا بني حنيفة وهم يشهدون أن ال إله إال هللا وأن محمدًا رس‪66‬ول هللا ويص‪66‬ومون ويحج‪66‬ون‬
‫لكن لما ادعوا أن مسيلمة نبي كفّروهم ألن من اعتقد في شخص بعد محمد ‪ ‬أن‪66‬ه ن‪66‬بي فق‪66‬د كف‪66‬ر وإن ك‪66‬ان‬
‫يصلي ويصوم ولذلك حكم المسلمون اليوم بكفر القاديانية الذين يدعون نبوة أحمد القادياني‪ .‬ف‪66‬إذا ك‪66‬ان من‬
‫رفع رجالً إلى مرتبة النبي كفر فكيف ال يكفر من رفع رجالً إلى مرتبة رب العالمين وصرف ل‪66‬ه أنوا ًع‪66‬ا‬
‫من العبادة كالذبح والنذر والدعاء واالستغاثة وغير ذلك؟ وقول الشيخ كم‪66‬ا رف‪66‬ع تا ًج‪66‬ا وشمس‪66‬ان ويوس‪66‬ف‬
‫ناس في زمانه غال فيهم الناس بحجة أنهم أولياء ولهم ش‪66‬عوذات وخ‪66‬وارق وهم على طريق‪66‬ة الحالج وابن‬
‫عربي‪.‬‬
‫الوجه الثالث‪:‬‬
‫أن العلماء رحمهم هللا عقدوا بابًا في كتب الفقه سموه باب الردة وذكروا في‪6‬ه ن‪6‬واقض اإلس‪6‬الم وذك‪6‬روا‬
‫أشياء قد تكون صغيرة في أعين الناس ولكن حكموا أن من فعلها أو اعتقدها يكفر مع أنه يص‪66‬لي ويص‪66‬وم‬
‫ويعبد هللا‪ ،‬ولم يحصروا حصول الردة فيما ذكرتم‪.‬‬

‫‪42‬‬
‫الوجه الرابع‪:‬‬
‫أن هللا حكم بكفر أناس لقولهم كلمة تكلموا بها أبطلت إسالمهم وإيمانهم كما قال تعالى‪ { :‬يَحْ لِفُونَ بِاهَّلل ِ َما‬
‫ُوا بَ ْع َد ِإ ْس‪6‬الَ ِم ِه ْم }(‪ )1‬فكفّ‪66‬رهم بكلم‪66‬ة م‪66‬ع ك‪66‬ونهم م‪66‬ع رس‪66‬ول هللا يص‪66‬لّون‬
‫وا َكلِ َمةَ ْال ُك ْف ِر َو َكفَر ْ‬
‫وا َولَقَ ْد قَالُ ْ‬
‫قَالُ ْ‬
‫ويجاهدون‪.‬‬

‫(‪ )1‬التوبة‪74:‬‬

‫‪43‬‬
‫الوجه الخامس‪:‬‬
‫أن هللا كفّر أناسًا بسبب كالم قالواه على وجه المزاح واللعب وأنزل في ش‪6‬أنهم‪َ { :‬ولَِئن َس‪َ6‬أ ْلتَهُ ْم لَيَقُ‪66‬ولُ َّن‬
‫(‪)1‬‬ ‫ِإنَّ َما ُكنَّا نَ ُخوضُ َون َْل َعبُ قُلْ َأبِاهَّلل ِ َوآيَاتِ ِه َو َرسُولِ ِه ُكنتُ ْم ت َْس‪6‬تَه ِْزُؤ ونَ ‪ ،‬الَ تَ ْعتَ‪ِ 6‬ذر ْ‬
‫ُوا قَ‪ْ 6‬د َكفَ‪6‬رْ تُم بَعْ‪َ 6‬د ِإي َم‪6‬انِ ُك ْم }‬
‫مع أنهم يصلّون وقد غزوا مع الرسول ‪ ‬في غزوة تبوك لكن لما قالوا هذه الكلمة كفروا بع‪66‬د إيم‪66‬انهم ولم‬
‫ينفعهم أنهم يصلّون ويصومون ويجاهدون‪.‬‬
‫فهذه الوجوه فيها إبطال هذه الشبهة وفي الحقيقة أنها من أعظم الشبه ولكن جوابها واضح وهلل الحمد‪.‬‬
‫الوجه السادس‪:‬‬
‫ّ‬
‫ويك‪6‬ذبون الرس‪6‬ول ‪ ‬وينك‪6‬رون البعث‬ ‫إن قولهم إن الذين نزل فيهم القرآن ال يش‪6‬هدون أن ال إل‪6‬ه إال هللا‬
‫ويكذبون الق‪66‬رآن ويجعلون‪6‬ه س‪6‬حرًا ونحن نش‪66‬هد أن ال إل‪66‬ه إال هللا وأن محم‪6‬دًا رس‪66‬ول هللا ونص‪6‬دق الق‪6‬رآن‬
‫ونؤمن بالبعث ونصلي ونصوم فكيف تجعلوننا مثل أولئك‪.‬‬
‫يجاب عنه أن الرجل إذا صدق هللا في شيء وكذبه في ش‪66‬يء فه‪66‬و ك‪66‬افر مرت‪66‬د عن اإلس‪66‬الم‪ ،‬كمن آمن‬
‫ببعض القرآن وجحد بعضه وكمن أقر بالتوحيد والصالة وجح‪66‬د وج‪66‬وب الزك‪66‬اة أو أق‪66‬ر به‪66‬ذا كل‪66‬ه وجح‪66‬د‬
‫الصوم أو أقر بهذا كله وجحد الحج‪ ،‬وإن كان يشهد أن ال إله إال هللا وأن محمدًا رسول هللا‪.‬‬
‫سابع‪:‬‬
‫الوجه ال ّ‬
‫أن َمن جحد وجوب الحج كفر وإن كان يشهد أن ال إله إال هللا وأن محمدًا رس‪66‬ول هللا ويص‪66‬لي ويص‪66‬وم‬
‫اس لَلَّ ِذي بِبَ َّكةَ ُمبَا َر ًكا َوهُ ‪6‬دًى لِّ ْل َع‪66‬الَ ِمينَ } إلى قول‪66‬ه‪َ { :‬وهَّلِل ِ َعلَى النَّ ِ‬
‫اس‬ ‫ض َع لِلنَّ ِ‬ ‫قال تعالى‪ِ { :‬إ َّن َأ َّو َل بَ ْي ٍ‬
‫ت ُو ِ‬
‫طا َع ِإلَ ْي ِه َسبِيالً َو َمن َكفَ َر فَِإ َّن هللا َغنِ ٌّي ع َِن ْال َعالَ ِمينَ }(‪ )2‬فدلت اآليات على أن من جح‪66‬د‬ ‫ت َم ِن ا ْستَ َ‬ ‫ِحجُّ ْالبَ ْي ِ‬
‫وجوب الحج كفر وإن كان يشهد أن ال إله إال هللا فكيف بمن جحد التوحيد وأجاز عبادة القبور‪.‬‬
‫ضا* ما حكى هللا تع*الى عن ب**ني إس*رائيل م*ع علمهم وص**الحهم أنهم ق*الوا‬
‫[ ومن الدليل على ذلك أي ً‬
‫فحل*ف‬ ‫(‪)3‬‬
‫اج َعل لَّنَا ِإلَـ ًها َك َما لَ ُه ْم آلِ َهةٌ } وقول أناس من الصحابة « اجعل لن*ا ذات أن*واط »‬
‫لموسى‪ْ { :‬‬
‫اج َعل لَّنَا ِإلَـ ًها }‪ ،‬ولكن للمش**ركين* ش**بهة يُ**دلُون به**ا‬
‫النبي ‪ ‬أن هذا مثل قول بني إسرائيل لموسى‪ْ { :‬‬
‫«‬ ‫عند هذه القصة وهي أنهم يقولون ‪ :‬إن بني إسرائيل لم يكفروا بذلك وكذلك الذين قالوا للنبي ‪: ‬‬
‫اجعل لنا ذات أنواط » لم يكفروا‪.‬‬
‫فالجواب أن تقول‪ :‬إن بني إسرائيل لم يفعلوا وكذلك الذين سألوا النبي* ‪ ‬لم يفعلوا‪ .‬وال خالف أن بني‬
‫إسرائيل لو فعلوا ذلك لكفروا‪ .‬وكذلك ال خالف أن الذين نهاهم النبي ‪ ‬لو لم يطيعوه واتخذوا ذات أنواط‬
‫بعد نهيه لكفروا وهذا هو المطلوب ] أي من األدلة على أن من ارتكب ناقضًا من نواقض اإلس‪66‬الم يكف‪66‬ر‬

‫(‪ )1‬التوبة‪66-65 :‬‬

‫(‪ )2‬آل عمران‪97-96 :‬‬

‫رواه الترمذي في سننه ‪ 334-6/343‬كتاب الفتن باب ما جاء لتركبن سنن من كان قبلكم حديث رقم (‪ )2181‬ورواه اإلم‪66‬ام أحم‪66‬د‬ ‫(‪)3‬‬
‫في مسنده ‪ 5/218‬حديث رقم (‪ )21952-21950-21947‬بألفاظ متقاربة‪ ،‬وانظر البداية والنهاية البن كثير‪ 4/325 6‬كلهم من حديث أبي‬
‫واقد الليثي رضي هللا عنه‬

‫‪44‬‬
‫ولو كان يشهد أن ال إله إال هللا ويصلي ويصوم إلى غير ذلك من األعمال‪ ،‬ما قصّه هللا عن ب‪66‬ني إس‪66‬رائيل‬
‫حين طلبوا من موسى أن يجعل لهم إلهًا كآلهة المشركين‪ ،‬وقصة الذين طلبوا من النبي محمد ‪ ‬أن يجع‪66‬ل‬
‫لهم ذات أنواط‪ ،‬وأن النبيين الكريمين أنك‪66‬را ذل‪66‬ك واعت‪66‬براه ش‪66‬ر ًكا يخ‪66‬رجهم من المل‪66‬ة ل‪66‬و فعل‪66‬وه م‪66‬ع أنهم‬
‫اعتراض‪6‬ا على ه‪66‬ذا االس‪66‬تدالل وه‪66‬و أن ب‪66‬ني‬
‫ً‬ ‫يؤمنون بالنبيين الكريمين ويجاهدون معهما‪ ،‬ثم أورد الشيخ‬
‫إسرائيل الذين طلبوا من موسى أن يجعل لهم إلهًا لم يكفروا‪ ،‬وك‪66‬ذلك ال‪66‬ذين طلب‪66‬وا من محم‪66‬د ‪ ‬أن يجع‪66‬ل‬
‫لهم ذات أنواط لم يكفروا‪ ،‬وأجاب عن هذا االعتراض بأن الفريقين لم ينفذا م‪66‬ا ق‪6‬اال ول‪6‬و فعال لكف‪6‬را ولكن‬
‫لما نهيا عن ذلك وبيّن لهما أنه كفر تجنبوه وانتهوا عنه‪ .‬ومح‪6‬ل الش‪6‬اهد من القص‪6‬تين أن من فع‪6‬ل الش‪6‬رك‬
‫كفر وإن كان يشهد أن ال إله إال هللا ويؤمن باألنبياء ويعمل األعمال الصالحة‪.‬‬
‫[ ولكن هذه القصة تفيد أن المسلم بل العالم قد يقع في أن**واع من الش**رك ال ي**دري به**ا فتفي**د التعلم‬
‫ضا‬
‫والتحرز ومعرفة أن قول الجهال‪ :‬التوحيد فهمناه‪ ،‬أن هذا من أكبر الجهل ومكايد الشيطان‪ *،‬وتفيد أي ً‬
‫أن المسلم المجتهد إذا تكلم بكالم كفر وهو ال يدري فنبّه على ذل**ك وت**اب من س**اعته فإن**ه ال يكف**ر كم**ا‬
‫ضا* أن لو لم يكفّر فإنه يغلّظ عليه الكالم تغليظً**ا ش**ديدًا‬
‫فعل بنو إسرائيل والذين سألوا النبي* ‪ ، ‬وتفيد أي ً‬
‫كما فعل رسول هللا ‪ ] ‬هذه القصة فيها فوائد‪ :‬األولى الحذر من الش‪66‬رك وأن‪66‬ه ق‪66‬د ي‪66‬دب إلى المس‪66‬لمين عن‬
‫طريق التقليد والتشبه بالكفار (اجعل لنا إلهًا كما لهم آلهة) (اجعل لنا ذات أنواط كم‪66‬ا لهم ذات أن‪66‬واط) ففي‬
‫ذل‪66‬ك التح‪66‬ذير من مج‪66‬اراة الكف‪66‬ار والتح‪66‬ذير من الفتن ال‪66‬تي تنجم عن ذل‪66‬ك‪ .‬ومن ذل‪66‬ك عب‪66‬ادة القب‪66‬ور ال‪66‬تي‬
‫أحدثوها وفتنوا بها وصاروا يدعون الناس إليها‪ .‬والخليل عليه الصَّالة والسالم ال‪66‬ذي كس‪66‬ر األص‪66‬نام بي‪66‬ده‬
‫ض ‪6‬لَ ْلنَ‬
‫ي َأن نَّ ْعبُ َد اَألصْ نَا َم ‪َ 35‬ربِّ ِإنَّه َُّن َأ ْ‬
‫وأوذي وألقي في النار بسبب إنكار الشرك يقول‪َ { :‬واجْ نُ ْبنِي َوبَنِ َّ‬
‫اس }(‪ )1‬خاف على نفسه علي‪66‬ه الص‪66‬الة والس‪66‬الم من الفتن‪66‬ة وخ‪66‬اف على ذريت‪66‬ه من الفتن‪66‬ة إ ًذا‬ ‫َكثِيرًا ِّمنَ النَّ ِ‬
‫كيف يقول جاهل‪ :‬إن التوحيد يمكن تعلمه في خمس دقائق والمهم عنده البحث في أم‪66‬ور السياس‪66‬ة والكالم‬
‫في الحكام وفقه الواقع كما يقولون‪ ،‬ومعناه رصد الوقائع الدولية وتحليالتها واالنش‪66‬غال به‪66‬ا عن التفق‪66‬ه في‬
‫الدين‪.‬‬
‫ومنهم من ينتقد مقررات التوحي‪66‬د في الم‪66‬دارس والمعاه‪66‬د والكلي‪66‬ات ويق‪66‬ول‪ :‬ال داعي له‪66‬ذه الكثاف‪66‬ة في‬
‫مق‪666‬ررات التوحي‪666‬د‪ ،‬الن‪666‬اس مس‪666‬لمون وأوالد فط‪666‬رة وبإمك‪666‬ان الطالب أن يتعلم‪666‬وا التوحي‪666‬د من البيئة‬
‫االجتماعية‪ ..‬إلخ هذيانهم الفارغ‪ ..‬ولو س‪66‬ألت واح‪6‬دًا من ه‪66‬ؤالء عن أبس‪66‬ط مس‪66‬ألة في التوحي‪66‬د م‪66‬ا أجاب‪66‬ك‬
‫بجواب صحيح‪ .‬أعني الذين يقولون هذه المقالة‪.‬‬
‫والفائدة الثانية ‪ :‬وهي فائدة عظيمة أن من نطق بكلمة الكفر عن جهل وهو ال يدري ثم نبّه وتاب من‬
‫ساعته فإنه ال يكفر بدليل قصة بني إسرائيل مع موسى عليه السالم وبعض الصّحابة م‪66‬ع الن‪66‬بي ‪ ‬فه‪66‬و ال‬
‫يكفر بذلك لكن بهذين الشرطين‪:‬‬
‫الشرط األول‪ :‬أن يكون قال هذا الكالم عن جهل ولم يتعمد‪.‬‬
‫الشرط الثاني‪ :‬أن يتوب من ساعته ويترك هذا الشيء إذا تبيّن له أنه كفر‪.‬‬
‫(‪ )1‬إبراهيم‪36-35 :‬‬

‫‪45‬‬
‫فهذا ال يضره الكالم الذي قاله وهذا جواب عن شبهتهم التي سبقت وهي أنهم يقولون إن بني إسرائيل لم‬
‫يكفروا وأصحاب محمد ‪ ‬لم يكفروا بهذه الكلمة‪ .‬نقول لهم إنهم لم يكف‪66‬روا ألنهم قالوه‪66‬ا عن جه‪66‬ل ونبه‪66‬وا‬
‫وتركوها وتابوا إلى هللا عز وجل‪ ،‬أما أنتم فتنبّهون بالليل والنهار وتصرون على دعاء القبور والصالحين‬
‫وال تصغون أسماعكم لما يقال لكم تكبرًا وعنادًا‪.‬‬
‫والفائدة الثالثة‪ :‬تفيد هذه القصة أن من لم يكفر بكلمة الكفر إذا قالها جهالً فإنه ال يتساهل معه بل يغلَّظ‬
‫عليه في اإلنكار كما غلّظ موسى عليه السالم على قومه وكما غلظ محمد ‪ ‬على أصحابه الذين قالوا ه‪66‬ذه‬
‫المقالة من باب الزجر والتحذير الجتناب ذلك والحذر منه‪.‬‬
‫[ ولهم شبهة أخرى يقولون إن النبي ‪ ‬أنكر على أسامة قت**ل من ق**ال ال إل**ه إال هللا وق**ال‪ « :‬أقتلت**ه‬
‫(‪)2‬‬
‫وك**ذلك قول**ه ‪« :‬أم**رت أن أقات**ل الن**اس ح**تى يقول**وا ال إل**ه إال هللا»‬ ‫(‪)1‬‬
‫بع**دما ق**ال ال إل**ه إال هللا»‬
‫وأحاديث أخر في الكف عمن قالها‪.‬‬
‫ومراد هؤالء الجهلة أن من قالها ال يكفر وال يقتل ولو فعل ما فعل‪.‬‬
‫فيقال لهؤالء المشركين الج ّهال‪ :‬معلوم أن رسول هللا ‪ ‬قاتل اليهود وسباهم وهم يقولون ال إله إال هللا‬
‫وأن أصحاب* النبي* ‪ ‬قاتلوا بني حنيفة وهم يش**هدون أن ال إل*ه إال هللا وأن محم*دًا رس*ول هللا ويص*لّون‬
‫*رون أن من أنك**ر البعث‬
‫ويدّعون اإلسالم‪ ،‬وكذلك الذين ح* َّرقهم علي بن أبي ط**الب* وه**ؤالء الجهل**ة مق* ُّ‬
‫كفّر وقتل ولو قال ال إله إال هللا وأن من جحد شيًئا* من أركان اإلسالم كفّ**ر وقت**ل ول**و ق**ال ال إل**ه إال هللا‪.‬‬
‫فكيف ال تنفعه إذا جحد شيًئا من الفروع وتنفعه إذا جحد التوحي**د ال**ذي ه**و أص**ل دين الرس**ل وراس**ه؟‬
‫ولكن أعداء هللا ما فهموا معنى األحاديث‪.‬‬
‫فأما حديث أسامة فإنه قتل رجالً ادّعى اإلسالم بسبب أنه ظن أنه ما ادّعاه إال خوفًا على دمه ومال**ه‪*،‬‬
‫والرجل إذا أظهر اإلسالم وجب الكف عنه حتى يتبين* منه ما يخالفه ذلك وأن**زل هللا في ذل**ك‪ { :‬يَ**ا َأيُّ َه**ا‬
‫يل هَّللا ِ فَتَبَيَّنُو ْا }(‪.)3‬‬ ‫الَّ ِذينَ آ َمنُو ْا ِإ َذا َ‬
‫ض َر ْبتُ ْم ِفي َ‬
‫سبِ ِ‬
‫أي فتثبّتوا فاآلية تدل على أنه يجب الكف عنه والتثبت‪ .‬فإن تبين منه بعد ذلك ما يخالف اإلسالم قتل‬
‫لقوله‪( :‬فتبيّنوا)* ولو كان ال يقتل إذا قالها لم يكن للتثبت معنى‪.‬‬
‫وكذلك الحديث اآلخر وأمثاله معناه ما ذكرناه‪ :‬أن من أظهر اإلسالم والتوحيد وجب الكف عنه إال إن‬
‫تبين منه ما يناقض ذلك‪ .‬والدليل على هذا أن رسول هللا ‪ ‬الذي قال ‪ « :‬أقتلته بعدما قال ال إل**ه إال هللا‬

‫رواه اإلمام البخاري في صحيحه ‪ 5/88‬كتاب المغازي باب بعث النبي ‪ ‬أسامة بن زيد إلى الحرقات من جهينه من حديث أس‪66‬امة‬ ‫(‪)1‬‬
‫بن زيد رضي هللا عنهما‪. .‬‬
‫رواه اإلمام البخاري في صحيحه ‪ 141-8/140‬كتاب االعتصام باب االقتداء بسنن رسول هللا ‪ ... ‬من حديث أبي هري‪6‬رة رض‪6‬ي‬ ‫(‪)2‬‬
‫هللا تعالى عنه‪. .‬‬
‫(‪ )3‬النساء‪94:‬‬

‫‪46‬‬
‫وقال‪« :‬أمرت أن أقاتل الناس* حتى يقولوا ال إل**ه إال هللا»(‪ )2‬ه**و ال**ذي ق**ال في الخ**وارج ‪ « :‬أينم*ا*‬ ‫(‪)1‬‬
‫»‬
‫مع كونهم من أكثر الناس* عبادة وتهليالً حتى إن‬ ‫(‪)3‬‬
‫لقيتموهم فاقتلوهم‪ .‬لئن أدركتهم ألقتلنّهم قتل عاد»‬
‫الص**حابة يحقّ**رون أنفس**هم عن**دهم‪ .‬وهم تعلم**وا العلم من الص**حابة فلم تنفعهم ال إل**ه إال هللا وال ك**ثرة‬
‫العب*ادة وال ادع*اء اإلس*الم لم*ا ظه*ر منهم مخالف*ة الش*ريعة‪ .‬ك*ذلك م*ا ذكرن*اه من قت*ال اليه*ود وقت*ال‬
‫الصحابة* بني حنيفة‪ *،‬وكذلك أراد ‪ ‬أن يغزو بني المصطلق* ل َّما أخبره رجل أنهم منعوا الزكاة حتى أن**زل‬
‫ق بِنَبٍَأ فَتَبَيَّنُوا َأن تُ ِ‬
‫صيبُوا* قَ ْو ًما بِ َج َهالَ ٍة فَت ْ‬
‫ُص*بِ ُحوا َعلَى َم**ا‬ ‫هللا تعالى‪ { :‬يَا َأيُّ َها الَّ ِذينَ آ َمنُوا ِإن َجا َء ُك ْم فَ ِ‬
‫اس ٌ‬
‫‪ *،‬فك**ل ه**ذا ي**دل على أن م**راد الن**بي ‪ ‬في األح**اديث م**ا‬ ‫(‪)5‬‬
‫وكان الرجل كاذبًا عليهم‬ ‫(‪)4‬‬
‫فَ َع ْلتُ ْم نَا ِد ِمينَ }‬
‫ذكرناه ] هذه شبهة من ُشبه المش‪66‬ركين عب‪66‬اد القب‪66‬ور ال‪66‬ذين ي‪ّ 6‬دعون اإلس‪66‬الم ويزعم‪66‬ون أن عب‪66‬ادة القب‪66‬ور‬
‫واالستغاثة باألموات ودعاء الغائبين لتفريج الكربات‪ ،‬أن هذه أمور ال تضر وال تخرج من اإلسالم ما دام‬
‫صاحبها يقول ال إله إال هللا بدليل أن النبي ‪ ‬أنكر على أسامة بن زيد رضي هللا عنهم‪66‬ا لم‪66‬ا قت‪66‬ل رجالً من‬
‫المشركين أظهر اإلسالم وقال ال إله إال هللا فقتله أسامة بعد ذلك ظانًا أنه إنما قالها ليسلم من القت‪66‬ل‪ ،‬ف‪66‬أنكر‬
‫عليه النبي ‪ ، ‬فاستدلوا بهذه القص‪66‬ة على أن من ق‪6‬ال ال إل‪6‬ه إال هللا فه‪66‬و مس‪66‬لم ول‪66‬و فع‪66‬ل م‪66‬ا يناقض‪66‬ها من‬
‫ضا بقول النبي ‪« : ‬أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا ال إله إال هللا‬
‫أنواع الشرك األكبر وكذلك استدلوا أي ً‬
‫فإذا قالوها عصموا منّي دماءهم وأموالهم إال بحقها وحسابهم على هللا عز وجل»(‪ )6‬ق‪66‬الوا فه‪66‬ذا دلي‪66‬ل على‬
‫أن من تلفظ بهذه الكلمة ال يقتل ولو فعل ما فع‪66‬ل من أن‪66‬واع الش‪66‬رك في العب‪66‬ادة م‪66‬ع األم‪66‬وات واألض‪66‬رحة‬
‫وصرف العبادات لغ‪66‬ير هللا م‪66‬ا دام أن‪66‬ه يق‪66‬ول ال إل‪66‬ه إال هللا‪ .‬ه‪66‬ذا حاص‪66‬ل ش‪66‬بهتهم وهي ش‪66‬بهة خط‪66‬يرة إذا‬
‫سمعها الجاهل ربما تروج عليه ال سيما أنهم طلوها بطالء خ‪66‬ادع وه‪66‬و االس‪66‬تدالل باألح‪66‬اديث الص‪66‬حيحة‬
‫لكن في غير موضعها‪ .‬وقد أجاب الشيخ رحمه هللا عن هذه الشبهة بستة أجوبة مجملها‪:‬‬
‫الجواب األول‪ :‬أن النبي ‪ ‬قاتل أناسًا يقولون ال إله إال هللا‪ ،‬فقاتل اليهود وهم يقولون ال إله إال هللا وقاتل‬
‫الصحابة بني حنيفة وهم يقولون ال إله إال هللا لما ظهر منهم ما ينافي ه‪66‬ذه الكلم‪66‬ة‪ ،‬ولم تنفعهم ه‪66‬ذه الكلم‪66‬ة‬
‫ولم تكن مانعة من قتلهم‪.‬‬
‫والجواب الثاني‪ :‬في بيان تناقض هؤالء ألنهم يقولون من أنكر الصالة أو الزكاة والحج أو أنكر البعث‬
‫والنشور يكفر عندهم‪ ،‬وأما من أنكر التوحيد فإنه ال يكفر عندهم‪.‬‬
‫(‪ )1‬تقدم تخريجه‬

‫(‪ )2‬تقدم تخريجه‬

‫(‪ )3‬رواه أبوداود في سننه ‪ 344 6،4/343‬كتاب السنة باب في قتال الخوارج حديث رقم ‪ 4767-4764‬من حديث أبي سعيد الخدري‬
‫وعلي بن أبي طالب‪ ،‬ورواه النسائي في سننه ‪ 121-7/117‬كت‪6‬اب (‪ )37‬تح‪6‬ريم ال‪6‬دين ب‪6‬اب (‪ )26‬من ش‪6‬هر س‪6‬يفه ثم وض‪6‬عه في الن‪6‬اس‬
‫حديث رقم (‪ ) 4103 6،4102 6،4101‬من حديث أبي سعيد الخدري وعلي بن أبي طالب وأبي برزة رضي هللا تعالى عنهم‪ ،‬وانظر مسند‬
‫اإلمام أحمد ‪ 1/404‬حديث رقم (‪ )3831‬من حديث عبد هللا بن مسعود بنحوه‪.‬‬
‫(‪ )4‬الحجرات‪6:‬‬

‫(‪ )5‬انظر تفسير‪ 6‬ابن كثير ‪211-4/210‬‬

‫(‪ )6‬تقدم‬

‫‪47‬‬
‫والجواب الثالث‪ :‬أن معنى حديث أسامة بن زيد ليس كما فهموا أن من قال ال إله إال هللا يكون مسل ًما‬
‫ولو فعل الشرك والكفر‪ .‬وإنما معناه أن من قال ال إله إال هللا وجب الكف عنه حتى يظهر من‪66‬ه م‪66‬ا يخ‪66‬الف‬
‫مدلول هذه الكلمة من كفر أو شرك‪.‬‬
‫ق بِنَبٍَأ فَتَبَيَّنُوا }(‪.)1‬‬ ‫والجواب الرابع‪ :‬أن هللا سبحانه وتعالى قال‪ِ { :‬إن َجا َء ُك ْم فَ ِ‬
‫اس ٌ‬
‫فأمر سبحانه وتعالى بالتبيّن يعني التثبّت بشأن من قال ال إله إال هللا فما فائدة التثبّت إذا كان ال يقت‪66‬ل إذا‬
‫قالها‪.‬‬
‫والجواب الخامس‪ :‬أن النبي ‪ ‬أمر بقتل الخوارج وهم من أشد الناس عبادةً وخوفًا من هللا وورعًا‪ ،‬بل‬
‫هم تتلمذوا على الصحابة ومع هذا أمر بقتلهم لما فعلوا أشياء تتنافى مع اإلسالم وهم يقولون ال إل‪66‬ه إال هللا‬
‫وهم أشد الناس عبادة وصالة وتالوة للقرآن‪.‬‬
‫والجواب السادس‪ :‬قصة بني المصطلق وهم قبيلة دخلوا في اإلسالم وأرسل إليهم النبي ‪ ‬المصدق‬
‫لجباية الزكاة ولكنه لم يذهب إليهم بل رجع إلى النبي ‪ ‬وقال إنهم منعوا الزكاة فهَ َّم النبي ‪ ‬بغزوهم فأنزل‬
‫ص‪6‬بِحُوا َعلَى َم‪6‬ا فَ َع ْلتُ ْم‬ ‫ق بِنَبَ‪ٍ6‬أ فَتَبَيَّنُ‪6‬وا َأن تُ ِ‬
‫ص‪6‬يبُوا قَوْ ًم‪6‬ا بِ َجهَالَ‪ٍ 6‬ة فَتُ ْ‬ ‫هللا‪ { :‬يَا َأيُّهَا الَّ ِذينَ آ َمنُوا ِإن َج‪ 6‬ا َء ُك ْم فَ ِ‬
‫اس‪ٌ 6‬‬
‫نَا ِد ِمينَ }(‪.)2‬‬
‫فالنبي ‪ ‬ه ّم بغزوهم وقتالهم وهم يقولون ال إله إال هللا لماذا؟ لم‪66‬ا بلغ‪66‬ه أنهم منع‪66‬وا الزك‪66‬اة فمن‪66‬ع الزك‪66‬اة‬
‫يتنافى مع قول ال إله إال هللا هذا ملخص أجوبة الشيخ رحمه هللا عن هذه الشبهة الخطيرة‪.‬‬
‫[ ولهم شبهة أخرى وهي ما ذكر النبي ‪ ‬أن الناس يوم القيامة* يستغيثون بآدم‪ ،‬ثم بنوح ثم بإبراهيم‬
‫ثم بموسى ثم بعيسى فكلهم يعتذر حتى ينتهوا إلى رسول هللا ‪ ، ‬قالوا فهذا يدل على أن االستغاثة* بغ**ير‬
‫هللا ليست شر ًكا‪.‬‬
‫فالجواب أن نقول‪ :‬سبحان* من طبع على قلوب أعدائه‪ ،‬فإن االستغاثة* ب**المخلوق فيم**ا يق**در علي**ه ال‬
‫اس*تَ َغاثَهُ* الَّ ِذي ِمن ِ‬
‫ش *ي َعتِ ِه َعلَى الَّ ِذي ِمنْ َع* ُد ِّو ِه }(‪ )3‬وكم**ا يس**تغيث*‬ ‫ننكرها كما قال في قصة موسى‪ { :‬فَ ْ‬
‫اإلنسان بأص*حابه في الح**رب وغيره**ا من األش**ياء ال**تي يق**در عليه*ا* المخل**وق ونحن أنكرن**ا اس*تغاثة*‬
‫العبادة التي يفعلونها عند قبور األولياء أو في غيبتهم في األشياء التي ال يقدر عليها* إال هللا‪.‬‬
‫إذا ثبت ذلك‪ ،‬فاالستغاثة باألنبياء يوم القيامة يراد منها أن يدعوا هللا أن يحاسب الناس* حتى يستريح‬
‫أهل الجنة من ك**رب الموق*ف‪ ،‬وه*ذا ج*ائز* في ال**دنيا واآلخ**رة أن ت*أتي عن*د رج**ل ص**الح حي يجالس*ك*‬
‫ويسمع كالمك وتقول له‪ :‬ادع هللا لي‪ ،‬كما كان أصحاب* رسول هللا ‪ ‬يسألونه* ذل**ك في حيات**ه‪ *،‬وأم**ا بع**د‬
‫سلف على من قصد دع**اء هللا عن**د ق**بره‪ ،‬فكي**ف‬
‫موته فحاشا وكال أنهم سألوه ذلك عند قبره‪ ،‬بل أنكر ال َّ‬
‫بدعائ**ه نفس**ه ] ه‪66‬ذه ش‪66‬بهة أخ‪66‬رى من ش‪66‬بههم وهي أنهم يقول‪66‬ون إن‪66‬ه ثبت في الح‪66‬ديث الص‪66‬حيح ح‪66‬ديث‬

‫(‪ )1‬الحجرات‪6:‬‬

‫(‪ )2‬الحجرات‪6:‬‬

‫(‪ )3‬القصص‪15:‬‬

‫‪48‬‬
‫الشفاعة العظمى(‪ ، )1‬أن الناس يوم القيامة إذا طال عليهم الوقوف والقيام على أقدامهم خمس‪66‬ين أل‪66‬ف س‪66‬نة‬
‫والش‪66‬مس ق‪66‬د دنت منهم ف‪66‬الخالئق كلهم مجموع‪66‬ون من أولهم إلى آخ‪66‬رهم في زح‪66‬ام ش‪66‬ديد والش‪66‬مس على‬
‫رؤوسهم قريبة منهم وهم واقفون على أقدامهم‪ ،‬فعندما يحصل لهم هذا الكرب يتذاكرون الش‪66‬فاعة عن‪66‬د هللا‬
‫عز وجل فيرون أن األنبياء هم أول الذين يشفعون عند هللا فيأتون إلى آدم يطلب‪66‬ون من‪66‬ه أن يش‪66‬فع عن‪66‬د هللا‬
‫لهم ليريحهم من الموقف فيعتذر عليه الصَّالة والسَّالم بسبب ما حصل منه من الخطيئة مع أن‪66‬ه ت‪66‬اب منه‪66‬ا‬
‫وتاب هللا عليه ولكن يستحي من هللا عز وجل‪ ،‬ثم يأتون إلى نوح أ َّول الرسل فيعتذر‪ ،‬ثم يأتون إلى موسى‬
‫فيطلبون منه فيعتذر‪ ،‬ثم يأتون إلى عيسى عليه السّالم آخر أنبياء بني إسرائيل فيعتذر ألن الموقف موق‪66‬ف‬
‫عظيم أمام هللا سبحانه وتعالى‪ ،‬ثم يأتون إلى محمد ‪ ‬فيقول ‪ :‬أنا لها أنا لها‪ ،‬ثم يأتي ويسجد بين يدي ربه‬
‫ويحم ُد هللا ويثني عليه ويدعوه ويستمر ساجدًا بين يدي ربه حتى يقال له يا محمد ارفع رأسك وسل تعط‪66‬ه‬
‫‪،‬ألنه ال أحد يشفّع عند هللا إال بإذنه والرسول ما ذهب إلى هللا وشفع ابتدا ًء ب‪66‬ل اس‪66‬تأذن من‬ ‫(‪)2‬‬
‫واشفع تشفّع‬
‫ربه وسجد بين يديه حتى أذن له وهذا كقوله تعالى‪َ { :‬من َذا الَّ ِذي يَ ْشفَ ُع ِع ْن َدهُ ِإالَّ بِِإ ْذنِ‪ِ 6‬ه }(‪ )3‬فيطلب من هللا‬
‫أن يفصل بين عباده ويريحهم من الموق‪66‬ف فيس‪66‬تجيب هللا ش‪66‬فاعة محم‪66‬د ‪ ‬وه‪66‬ذه تس‪66‬مى الش‪66‬فاعة العظمى‬
‫بمع‪66‬نى أن‪66‬ه يحم‪6‬دُه علي‪66‬ه‬ ‫(‪)4‬‬
‫َس‪6‬ى َأن يَ ْب َعثَ‪66‬كَ َربُّكَ َمقَا ًم‪66‬ا َّمحْ ُم‪66‬ودًا }‬
‫والمقام المحمود وهي قوله تعالى‪ { :‬ع َ‬
‫األولون واآلخرون‪ .‬قال القبوريون فهذا فيه جواز االستغاثة باألنبياء واألولياء والص‪66‬الحين وأنتم تقول‪66‬ون‬
‫ال يستغاث إال باهلل وقالوا فهذا يدل على أن طلب الشفاعة من الرسول ‪ ‬جائز حيًا وميتًا وكذلك غيره‪.‬‬
‫والجواب عن ه‪66‬ذا كم‪66‬ا يق‪66‬ول الش‪66‬يخ إن ه‪66‬ذا طلب من إنس‪66‬ان حي ق‪66‬ادر على ال‪66‬دعاء وعلى االس‪66‬تئذان‬
‫اس‪6‬تَغَاثَهُ‬
‫بالشفاعة والطلب من اإلنسان في حال حياته وقدرته ليس من الممنوع كما في قص‪66‬ة موس‪66‬ى‪ { :‬فَ ْ‬
‫الَّ ِذي ِمن ِشي َعتِ ِه َعلَى الَّ ِذي ِم ْن َع ُد ِّو ِه }(‪.)5‬‬
‫وكما يستغيث اإلنسان بإخوانه في الحرب وغيرها‪.‬‬
‫فهذا فيه دليل على أن االستغاثة بالحي فيما يقدر عليه جائزة والذي يقع من األمم يوم القيامة هو استغاثة‬
‫بالحي وطلب الدعاء منه فيجوز أن تذهب إلى إنسان حي ق‪66‬ادر يس‪66‬مع كالم‪66‬ك وتق‪66‬ول ي‪66‬ا فالن ادع هللا لي‬
‫بكذا وكذا‪ ،‬والصحابة كانوا يعملون ه‪6‬ذا م‪6‬ع الن‪6‬بي ‪ ‬في حيات‪6‬ه وليس ه‪6‬ذا من الش‪6‬رك‪ ،‬إنم‪6‬ا ال‪6‬ذي يك‪6‬ون‬
‫شر ًك ا وأنكرناه هو االستغاثة بالميت وهذا ال عالقة له بحديث الشفاعة ألنكم تس‪6‬تغيثون ب‪6‬أموات وتطلب‪6‬ون‬
‫الشفاعة منهم‪ ،‬واألموات ال يقدرون على شيء فال يجوز أن يذهب إلى قبر يس‪66‬تنجد ب‪66‬ه وي‪66‬دعوه أو يطلب‬

‫(‪ )1‬سيأتي‬

‫ي } من ح‪6‬ديث أنس بن مال‪6‬ك‬ ‫رواه اإلمام البخاري في صحيحه ‪ 173-8/172‬كتاب التوحيد باب قول هللا تعالى‪ِ { :‬ل َم‪6‬ا خَ لَ ْق ُ‬
‫ت بِيَ‪َ 6‬د َّ‬ ‫(‪)2‬‬
‫رضي هللا تعالى عنه‪.‬‬
‫(‪ )3‬البقرة‪255:‬‬

‫(‪ )4‬اإلسراء‪79:‬‬

‫(‪ )5‬القصص‪15:‬‬

‫‪49‬‬
‫منه الدعاء أو الشفاعة أو غير ذلك ففيه فرق بين عم‪66‬ل ه‪6‬ؤالء المش‪66‬ركين وبين م‪66‬ا في الح‪66‬ديث الص‪66‬حيح‬
‫وفي قصة موسى عليه الصّالة والسّالم فبهذا التفصيل زالت هذه الشبهة والحمد هلل‪.‬‬
‫سالم لما ألقي في النّار* اعترض له جبريل في الهواء‬
‫[ ولهم شبهة أخرى وهي قصة إبراهيم عليه ال ّ‬
‫فقالوا‪ :‬فلو كانت االستغاثة بجبريل شر ًكا لم يعرض**ها‬ ‫(‪)1‬‬
‫فقال له ألك حاجة؟ فقال إبراهيم‪ *:‬أما إليك* فال‬
‫على إبراهيم‪.‬‬
‫فالجواب‪ :‬أن هذا من جنس الهيئة األولى فإن جبريل عرض عليه أن ينفعه بأمر يقدر عليه فإنه كم**ا‬
‫فل*و أذن هللا ل**ه أن يأخ*ذ ن**ار إب**راهيم وم*ا حوله**ا من األرض‬ ‫ش* ِدي ُد ا ْلقُ َ‬
‫*وى }‬ ‫قال هللا تع**الى في**ه‪َ { :‬‬
‫(‪)2‬‬

‫والجبال ويلقيها في المشرق أو المغرب لفعل‪ ،‬ولو أمره أن يضع إب**راهيم علي**ه الس**الم في مك**ان بعي**د‬
‫محتاج* ا‬
‫ً‬ ‫عنهم لفعل‪ ،‬ولو أمره أن يرفعه إلى السماء لفعل‪ .‬وه**ذا كرج**ل غ**ني ل**ه م**ال كث**ير ي**رى رجالً‬
‫فيعرض عليه* أن يقرضه أو أن يهبه شيًئا يقضي به حاجته فيأبى ذلك الرجل المحت**اج أن يأخ*ذ ويص**بر‬
‫حتى يأتيه هللا برزق ال منّة فيه ألحد‪ ،‬فأين هذا من استغاثة العبادة والشرك لو كانوا يفقهون؟] هذه آخر‬
‫الشبهات التي ذكره‪66‬ا الش‪6‬يخ في ه‪6‬ذه الرس‪66‬الة العظيم‪66‬ة فأج‪66‬اب عنه‪66‬ا بج‪66‬واب س‪66‬ديد موفّ‪6‬ق وهي أن عبَّاد‬
‫القبور الذين يطلبون المدد من األموات ويستغيثون بهم يقولون إن هذه االستغاثة ليست شر ًكا وذلك ب‪66‬دليل‬
‫قصة جبريل عليه السالم مع إبراهيم عليه السالم حينما ألقي في النار ف‪66‬إن جبري‪66‬ل ج‪66‬اء إلى إب‪66‬راهيم كم‪66‬ا‬
‫فقال جبريل إلبراهيم عليه السالم‪ :‬هل لك من حاجة يع‪66‬رض علي‪66‬ه المس‪66‬اعدة إلنق‪66‬اذه‪ ،‬وجبري‪66‬ل‬ ‫(‪)3‬‬
‫يروى‬
‫عليه السالم ال شك ذو قوة عظيمة‪ .‬وعنده قدرة على إنقاذ إبراهيم‪ .‬وقد وصفه هللا ع‪66‬ز وج‪66‬ل فق‪66‬ال‪ِ { :‬ذي‬
‫وفي اآلية األخرى { ُذو ِم َّر ٍة } يعني ق‪66‬وة‪ ،‬فع‪6‬رض جبري‪66‬ل على إب‪6‬راهيم‬ ‫ين }‬ ‫قُ َّو ٍة ِعن َد ِذي ْال َعرْ ِ‬
‫ش َم ِك ٍ‬
‫(‪)4‬‬

‫أن يساعده في إخراجه من هذه الشدة‪ ،‬فل ّما كان إبراهيم عظيم الثق‪6‬ة باهلل ع‪6‬ز وج‪6‬ل ق‪6‬ال ل‪6‬ه‪ :‬أم‪6‬ا إلي‪66‬ك فال‬
‫وأما إلى هللا فنعم‪ .‬فإبراهيم عليه السالم لم يرد أن يطلب من مخلوق أن ينق‪66‬ذه من ه‪6‬ذه الش‪66‬دة وإنم‪66‬ا توج‪66‬ه‬
‫إلى ربه كما صح في الحديث أنه ق‪6‬ال‪ « :‬حس‪6‬بنا هللا ونعم الوكي‪6‬ل»(‪ )5‬فه‪66‬ذا من ب‪6‬اب التوك‪66‬ل على هللا ع‪6‬ز‬
‫وجل وتفويض األمر إليه وهذه صفة أكمل الخلق إيمانً‪6‬ا حيث إن إب‪6‬راهيم رفض مس‪66‬اعدة المخل‪66‬وق وقب‪66‬ل‬
‫مساعدة الخالق‪ ،‬ألن مساعدة المخلوق فيها منّة وحاجة إلى المخلوق ومساعدة الخ‪66‬الق س‪66‬بحانه وتع‪66‬الى ال‬
‫منّة فيها لغير هللا‪ ،‬وهي فضل من هللا سبحانه وتعالى‪ ،‬وجبريل عرض على إبراهيم شيًئا يقدر علي‪66‬ه وه‪66‬و‬
‫ع‪66‬رض من حي حاض‪66‬ر ق‪66‬ادر كم‪66‬ا يع‪66‬رض الغ‪66‬ني على الفق‪66‬ير مس‪66‬اعدته بالم‪66‬ال‪ ،‬وليس ه‪66‬ذا من جنس‬
‫االستغاثة باألموات أو الغائبين الذين يستغيث بهم القبوري‪66‬ون‪ ،‬ف‪66‬إن األم‪66‬وات ال يس‪66‬تغاث بهم وال يق‪66‬درون‬
‫على ما طلب منهم وال يسمعون دعاء من دعاهم كما قال تعالى‪ { :‬قُ ِل ا ْدعُ‪66‬وا الَّ ِذينَ زَ َع ْمتُم ِّمن دُو ِن هَّللا ِ ال‬
‫(‪ )1‬ذكر هذا األثر ابن كثير عن بعض السلف كما في البداية والنهاية ‪ 1/146‬في قصة إبراهيم خليل الرحمن‬

‫(‪ )2‬النجم‪5:‬‬

‫(‪ )3‬وفي ثبوته نظر‬

‫(‪ )4‬التكوير‪20 :‬‬

‫(‪ )5‬رواه اإلمام البخاري في صحيحه ‪ 5/172‬كتاب تفسير القرآن باب « إن الناس قد جمعوا لكم‪ ..‬اآلية » من حديث ابن عباس رضي‬
‫هللا تعالى عنه‪.‬‬

‫‪50‬‬
‫ك َو َما لَهُ ِم ْنهُم ِّمن ظَ ِه ٍ‬
‫ير‪َ ،‬وال تَنفَ ُع‬ ‫ض َو َما لَهُ ْم فِي ِه َما ِمن ِشرْ ٍ‬ ‫ت َوال فِي اَألرْ ِ‬ ‫ال َذ َّر ٍة فِي ال َّس َم َ‬
‫اوا ِ‬ ‫يَ ْملِ ُكونَ ِم ْثقَ َ‬
‫ال َّشفَا َعةُ ِعن َدهُ ِإالّ لِ َم ْن َأ ِذنَ لَ‪6‬هُ }(‪ )1‬وق‪66‬ال تع‪66‬الى ‪َ { :‬ذلِ ُك ُم هَّللا ُ َربُّ ُك ْم لَ‪6‬هُ ْال ُم ْل‪ُ 6‬‬
‫ك َوالَّ ِذينَ تَ‪ْ 6‬د ُعونَ ِمن دُونِ‪ِ 6‬ه َم‪66‬ا‬
‫ير‪ِ ،‬إن تَ ْدعُوهُ ْم ال يَ ْس َمعُوا ُدعَا َء ُك ْم َولَوْ َس ِمعُوا َما ا ْست ََجابُوا لَ ُك ْم }(‪.)2‬‬ ‫يَ ْملِ ُكونَ ِمن قِ ْ‬
‫ط ِم ٍ‬
‫[ ولنختم الكالم إن شاء هللا تعالى* بمسألة عظيمة مهمة جدًا تفهم مما تقدم ولكن نفرد لها الكالم لعظم‬
‫شأنها ولكثرة الغلط فيها فنقول‪ :‬ال خالف أن التوحيد البد أن يكون بالقلب واللسان* والعم**ل‪ ،‬ف**إن اخت**ل‬
‫شيء من هذا لم يكن الرجل مسل ًما فإن عرف التوحيد ولم يعم**ل ب**ه فهو ك**افر معان**د كفرع**ون وإبليس‬
‫وأمثالهما‪ ،‬وهذا يغلط فيه كثير من الناس‪ ،‬يقولون هذا حق ونحن نفهم ه*ذا ونش*هد أن*ه الح*ق ولكن ال‬
‫نقدر أن نفعله وال يج**وز عن**د أه**ل بل**دنا إال من وافقهم‪ ،‬وغ**ير ذل**ك من األع**ذار ولم ي**در المس**كين أن‬
‫ت هَّللا ِ‬
‫اش*تَ َر ْو ْا بِآيَ**ا ِ*‬
‫غالب* أئمة الكفر يعرفون الحق ولم يتركوه إال لشيء من األعذار كم**ا ق**ال تع**الى‪ْ { :‬‬
‫ثَ َمنًا قَلِيالً }(‪ )3‬وغير ذلك من اآليات* كقوله‪ { :‬يَ ْع ِرفُونَهُ َك َما يَ ْع ِرفُونَ َأ ْبنَا َء ُه ْم }(‪.)4‬‬
‫فإن عمل بالتوحي**د عمالً ظ**اه ًرا وه**و ال يفهم**ه وال يعتق**ده بقلب**ه فه**و من**افق وه**و ش**ر من الك**افر‬
‫الخالص‪ِ { *:‬إنَّ ا ْل ُمنَافِقِينَ فِي الد َّْر ِك اَأل ْ‬
‫سفَ ِل ِمنَ النَّا ِر }(‪.)5‬‬
‫وهذه المسألة مسألة كبيرة طويلة تبيّن لك إذا تأملتها* في ألسنة النّاس‪ ،‬ترى من يعرف الحق ويترك‬
‫العمل به لخوف نقص دُنيا أو جاه أو مداراة وترى من يعمل به ظ**اه ًرا ال باطنً**ا ف**إذا س**ألته* ع ّم**ا يعتق**د‬
‫بقلبه فإذا هو ال يعرفه ] ختم الشيخ رحمه هللا هذه الرسالة بمسألة عظيمة مهمة يجب تفهمها وتعقُّلها ألنه‬
‫إذا فهمها اإلنسان فإنه يدرك أخطاء الناس في العقيدة‪ .‬وهذه المسألة هي‪ :‬أن التوحيد يكون بالقول والعم‪66‬ل‬
‫واالعتقاد‪ ،‬البد من هذه األمور الثالثة فإذا اجتمعت هذه األمور الثالثة ص‪66‬ار اإلنس‪66‬ان موح ‪6‬دًا مؤمنً‪66‬ا باهلل‬
‫ورسوله وإذا اختل واح ٌد منها لم يكن مؤمنً‪6‬ا وال موح‪6‬دًا‪ .‬وهم في ه‪6‬ذا أص‪6‬ناف‪ :‬الص‪6‬نف األول من يعتق‪6‬د‬
‫التوحيد بقلبه ويعرف أنه ال إله إال هللا وأن عبادة ما سواه باطلة ولكنه ال يعم‪66‬ل ب‪66‬ه بجوارح‪66‬ه وال يق‪66‬رُّ ب‪66‬ه‬
‫بلسانه لطمع دنيوي فهذا كافر مثل فرعون ف‪66‬إن فرع‪66‬ون ك‪66‬ان معترفً‪66‬ا بالتوحي‪66‬د في قلب‪66‬ه وأن م‪66‬ا ج‪66‬اء ب‪66‬ه‬
‫موسى هو الحق ولكنه ترك العمل به وتظاهر بخالفه وجحده تكبرًا وعنادًا كما قال تعالى‪َ { :‬و َج َحدُوا بِهَا‬
‫َوا ْستَ ْيقَنَ ْتهَا َأنفُ ُسهُ ْم ظُ ْل ًما َو ُعلُ ًّوا فَانظُرْ َك ْيفَ َكانَ عَاقِبَةُ ْال ُم ْف ِس ِدينَ }(‪.)1‬‬
‫صآِئ َر }‬ ‫ت َواَألرْ ِ‬
‫ض بَ َ‬ ‫وقال موسى عليه السّالم لفرعون‪ 6{:‬لَقَ ْد َعلِ ْمتَ َما َأن َز َل هَـُؤال ِء ِإالَّ َربُّ ال َّس َم َ‬
‫اوا ِ‬
‫(‪)2‬‬

‫لقد علمت أي عرفت بقلبك ما أنزل هذه اآليات التي جئتك بها إال رب السماوات واألرض بص‪66‬ائر للن‪66‬اس‬
‫فهذا دليل على أن فرعون كان مستيقنًا بقلبه ص ْد ق ما جاء به موسى عليه السالم وإنما جحد ذلك وتظاهر‬
‫(‪ )1‬سبأ‪23-22 :‬‬

‫(‪ )2‬فاطر‪14-13 :‬‬

‫(‪ )3‬التوبة‪9:‬‬

‫(‪ )4‬البقرة‪146:‬‬

‫(‪ )5‬النساء‪145:‬‬

‫(‪ )1‬النمل‪14:‬‬

‫(‪ )2‬اإلسراء‪102:‬‬

‫‪51‬‬
‫ك الَّ ِذي يَقُولُ‪66‬ونَ فَ‪ِ6‬إنَّهُ ْم الَ يُ َك‪ِّ 6‬ذبُونَ َ‬
‫ك َولَ ِك َّن‬ ‫بجحده كحال كفار قريش الذين قال هللا فيهم‪ { :‬قَ ْد نَ ْعلَ ُم ِإنَّهُ لَيَحْ ُزنُ‪َ 6‬‬
‫ت هَّللا ِ يَجْ َح‪ُ 66‬دونَ }(‪ )3‬دلت اآلي‪66‬ة على أن كف‪66‬ار ق‪66‬ريش يص‪66‬دقون بالرس‪66‬ول بقل‪66‬وبهم ولكن‬ ‫الظَّالِ ِمينَ بِآيَ‪66‬ا ِ‬
‫يجح‪66‬دون ذل‪66‬ك بظ‪66‬واهرهم وألس‪66‬نتهم وكم‪66‬ا ق‪66‬ال هللا س‪66‬بحانه وتع‪66‬الى في اليه‪66‬ود‪ { :‬الَّ ِذينَ آتَ ْينَ‪66‬اهُ ُم ْال ِكتَ‪َ 6‬‬
‫‪6‬اب‬
‫ْرفُونَ َأ ْبنَ‪66‬ا َءهُ ْم }(‪ )4‬يعرف‪66‬ون ه‪6‬ذا بقل‪66‬وبهم ويتظ‪66‬اهرون بالكتم‪66‬ان والجح‪66‬ود م‪66‬ع تيقنهم في‬ ‫ْرفُونَهُ َك َما يَع ِ‬
‫يَع ِ‬
‫قلوبهم ب‪66‬أن محم‪6‬دًا رس‪66‬ول هللا‪ ،‬وأن‪66‬ه ج‪66‬اء ب‪66‬الحق من عن‪66‬د هللا ع‪66‬ز وج‪66‬ل ولكن منعهم الك‪66‬بر والحس‪66‬د من‬
‫اتباعه‪ ،‬واعتقادهم بقلوبهم ال ينفعهم فهم كفار مخلّدون في النار‪ .‬وكث‪66‬ير من عبَّاد القب‪66‬ور الي‪66‬وم على ه‪66‬ذا‪،‬‬
‫يقولون‪ :‬نعرف أن الذي تقولون ه‪6‬و التوحي‪6‬د ولكن م‪6‬ا نق‪6‬در أن نخ‪6‬الف أه‪6‬ل بل‪6‬دنا ألن أه‪6‬ل بل‪6‬دنا عن‪6‬دهم‬
‫أضرحة واستغاثة باألموات وال نقدر أن نخالفهم ألجل أن نعيش معهم وال نق‪66‬در على مجابه‪66‬ة الن‪66‬اس فهم‬
‫يوافقون الكفار والمشركين على عقائدهم‪ ،‬إما أن يفعلوا مث‪66‬ل فعلهم وهم يعتق‪66‬دون بطالن ذل‪66‬ك وإم‪66‬ا أن ال‬
‫ينكروا عليهم وال يبيّنوا الحق بل ربم‪66‬ا ي‪66‬دافعون عنهم‪ ،‬وه‪66‬ذا ه‪66‬و واقعهم اآلن‪ .‬ويقول‪66‬ون لمن دع‪66‬اهم إلى‬
‫الحق هذا الرجل خارجي وهذا الرجل جاء بمذهب خامس‪ ،‬وهم يعتقدون أن م‪66‬ا ج‪66‬اء ب‪66‬ه ه‪66‬و م‪66‬ا ج‪66‬اء ب‪66‬ه‬
‫الرسول ‪ ‬وهو مقتضى الكتاب والسنة‪ ،‬يعرفون هذا وإنما حملهم الحسد أوالكبر أو الطمع في أمور الدنيا‬
‫ألنهم يظنون أنهم إذا وافقوا على هذا الح‪6‬ق وقبل‪6‬وه سيخس‪6‬رون رئاس‪6‬تهم ويخس‪6‬رون أم‪6‬والهم ويخس‪6‬رون‬
‫جاههم عند الناس‪ .‬والصنف الثاني من وافق في الظاهر ونطق بالتوحيد وقال هذا هو الصحيح وه‪66‬ذا ه‪66‬و‬
‫الحق وصلى وصام وصار مع المسلمين لكن في قلب‪66‬ه ال يعتق‪66‬د ه‪66‬ذا ويعتق‪66‬د أن ه‪66‬ذا خراف‪66‬ات وأن‪66‬ه تقالي‪66‬د‬
‫بالية‪ ،‬فهو لم يعمل به ولم يتكلم به إيمانًا وإنما عمل به وتكلم به نفاقًا كحالة المن‪66‬افقين ال‪6‬ذين هم في ال‪66‬درك‬
‫ك ْال ُمنَافِقُونَ قَالُوا ن َْش ‪6‬هَ ُد ِإنَّ َ‬
‫ك لَ َر ُس ‪6‬و ُل‬ ‫األسفل من النار ألنهم يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم‪ِ { :‬إ َذا َجا َء َ‬
‫هَّللا ِ َوهَّللا ُ يَ ْعلَ ُم ِإنَّكَ لَ َرسُولُهُ َوهَّللا ُ يَ ْشهَ ُد ِإ َّن ْال ُمنَافِقِينَ لَ َكا ِذبُونَ ‪ ،‬اتَّخَ ُذوا َأ ْي َمانَهُ ْم ُجنَّةً }(‪.)5‬‬
‫فالناس مع التوحيد ثالثة أقسام‪:‬‬
‫القسم األول‪ :‬من يعرفه ويؤمن به باطنًا ويجحده ظاهرًا وينكره‪.‬‬
‫القسم الثاني‪ :‬من يتكلم به ويعمل به ظاه ًرا وينكره ويكفر به باطنًا‪ .‬وهم المنافقون‪.‬‬
‫القسم الثالث‪ :‬من يعتقده باطنًا ويعمل به ظاهرًا وباطنًا‪ .‬والقسمان األوالن كافران خاسران والقسم‬
‫الثالث مؤمن مفلح‪.‬‬
‫[ ولكن علي**ك بفهم آي**تين من كت**اب هللا أوالهم**ا م**ا تق**دم من قوله ‪ { :‬الَ تَ ْعتَ* ِذ ُرو ْا قَ* ْد َكفَ* ْ*رتُم بَ ْع* َد‬
‫ف**إذا تحققت أن بعض الص*حابة ال**ذين غ**زوا ال*روم م**ع رس**ول هللا ‪ ‬كف*روا بس*بب* كلم**ة‬ ‫(‪)1‬‬
‫ِإي َم*انِ ُك ْم }‬
‫قالوها على وجه اللعب والمزح‪ ،‬تبيّن لك أن الذي يتكلم بالكفر أو يعمل به خوفً**ا من نقص م**ال أو ج**اه‬
‫*ر بِاهَّلل ِ ِمن بَ ْع* ِد‬
‫أو مداراة ألحد‪ ،‬أعظم ممن تكلم بكلمة يمزح به**ا‪ .‬واآلي**ة الثاني*ة* قول**ه تع**الى‪َ { *:‬من َكفَ* َ‬

‫(‪ )3‬األنعام‪33:‬‬

‫(‪ )4‬البقرة‪146:‬‬

‫(‪ )5‬المنافقون‪2-1 :‬‬

‫(‪ )1‬التوبة‪66:‬‬

‫‪52‬‬
‫فلم يعذر هللا من هؤالء إال من أكره مع كون قلبه مطمئنًا‬ ‫إي َمانِ ِه ِإالَّ َمنْ ُأ ْك ِرهَ َوقَ ْلبُهُ ُم ْط َمِئنٌّ بِاِإل ي َم ِ‬
‫ان }‬
‫(‪)2‬‬

‫باإليمان‪ .‬وأما غير هذا فقد كفر بع**د إيمان**ه س**واء فعل**ه خوفً**ا أو م**داراة أو مش**حة بوطن**ه أو أهل**ه أو‬
‫عشيرته أو ماله‪ ،‬أو فعله على وجه المزح أو لغير ذلك من األغراض؛ إال المكره‪ .‬واآلية ت**دل على ه**ذا‬
‫من جهتين األولى من قوله‪ِ { :‬إالَّ َمنْ ُأ ْك ِرهَ } فلم يس**تثن هللا إال المك**ره ومعل**وم أن اإلنس**ان ال يك**ره إال‬
‫على العمل أو الكالم وأما عقيدة القلب فال يكره أحد عليها‪.‬‬
‫فص ّرح أن هذا الكفر والعذاب‬ ‫(‪)3‬‬
‫والثانية* قوله تعالى‪َ { *:‬ذلِكَ بَِأنَّ ُه ُم ا ْ‬
‫ست ََحبُّو ْا ا ْل َحيَاةَ* ا ْل ُّد ْنيَا َعلَى اآل ِخ َر ِة }‬
‫لم يكن بسبب االعتقاد أو الجهل أو البغض للدين أو محبة الكف**ر‪ ،‬وإنم**ا س**ببه أن ل**ه في ذل**ك حظً**ا من‬
‫حظوظ الدنيا* فآثره على الدين‪ ،‬وهللا سبحانه* وتعالى أعلم والحمد هلل رب العالمين وصلى هللا على محمد‬
‫وآله وصحبه أجمعين ] نعم إذا عرفت هذه القاعدة وهي معرفة ما يحصل به اإليمان الصحيح فإن‪66‬ه يجب‬
‫أن تع‪6‬رف م‪6‬ا يض‪6‬ادها من األق‪6‬وال واألفع‪6‬ال ومن ذل‪6‬ك الكالم ال‪6‬ذي يتكلم ب‪6‬ه اإلنس‪6‬ان وه‪6‬و من ن‪6‬واقض‬
‫اإلسالم لكنه يمزح به فإنه يكفر ولو كان ليس ج‪6‬ادًا في كالم‪6‬ه‪ ،‬فال‪6‬دين ليس في‪66‬ه م‪6‬زح وال‪6‬دليل على ذل‪66‬ك‬
‫قصة هؤالء النفر الذين خرجوا مع رسول هللا ‪ ‬في غزوة تبوك لغزو الروم لما بلغ الرس‪66‬ول ‪ ‬أن ال‪66‬روم‬
‫يجمعون على غزو المس‪66‬لمين‪ ،‬ف‪66‬النبي ‪ ‬ب‪66‬ادر في وقت الح‪66‬ر وش‪66‬دة القي‪66‬ظ والص‪66‬يف ووقت طيب الثم‪66‬ار‬
‫ناس ‪6‬ا من ال‪66‬ذين خرج‪66‬وا م‪66‬ع الرس‪66‬ول ‪ ‬جلس‪66‬وا في مجلس‬
‫والمس‪66‬افة بعي‪66‬دة من المدين‪66‬ة إلى تب‪66‬وك‪ .‬وإن ً‬
‫يمزحون قال واحد منهم ما رأينا مثل قرائن‪66‬ا ه‪66‬ؤالء أرغب بطونً‪66‬ا وال أك‪66‬ذب ألس‪66‬نة وال أجبن عن‪66‬د اللق‪66‬اء‬
‫يعنون رسول هللا ‪ ‬وأصحابه‪ .‬وكان في المجلس غالم من األنصار فأنكر عليهم وقال كذبت ولكنّك منافق‬
‫ألخبرن رسول هللا‪ ،‬فل ّما ذهب هذا الفتى ليخبر الرسول ‪ ‬وجد الوحي قد سبقه ونزل على الرسول ‪ ‬قوله‬
‫تعالى‪َ { :‬ولَِئن َسَأ ْلتَهُ ْم لَيَقُولُ َّن ِإنَّ َما ُكنَّا نَ ُخوضُ َون َْل َعبُ قُلْ َأبِاهَّلل ِ َوآيَاتِ ِه َو َرسُولِ ِه ُكنتُ ْم تَ ْستَه ِْزُؤ ونَ ‪ ،‬الَ تَ ْعتَ ِذر ْ‬
‫ُوا‬
‫فجاء هؤالء إلى الرسول ‪ ‬يعتذرون ويقولون يا رسول هللا ما قصدنا إال المزح‬ ‫(‪)4‬‬
‫قَ ْد َكفَرْ تُم بَ ْع َد ِإي َمانِ ُك ْم }‬
‫ف‪66‬إذا ك‪66‬ان‬ ‫(‪)1‬‬
‫حديث الركب نقط‪66‬ع ب‪66‬ه عنّ‪66‬ا الطري‪66‬ق وال يزي‪66‬د الرس‪66‬ول ‪ ‬على تالوة اآلي‪66‬ة وال يلتفت إليهم‬
‫هؤالء كفروا باهلل وارتدوا وقد كانوا مسلمين من قبل بسبب كلمة قالوه‪6‬ا على وج‪6‬ه الم‪6‬زح واللعب فكي‪6‬ف‬
‫بمن يقول كالم الكفر ال من باب المزح وإنما من باب المحافظة على ماله وعلى جاهه وعلى مكانته وهذا‬
‫شر من المازح ألنه اشترى الحياة الدنيا باآلخرة؟ فالحاصل أن الذي يتكلم بكلمة الكفر ال يخل‪66‬و من خمس‬
‫حاالت‪:‬‬
‫الحالة األولى‪ :‬أن يكون معتقدًا ذلك بقلبه فهذا ال شك في كفره‪.‬‬

‫(‪ )2‬النحل‪106:‬‬

‫(‪ )3‬النحل‪107:‬‬

‫(‪ )4‬التوبة‪66-65 :‬‬

‫(‪ )1‬تقدم العزو إليها‬

‫‪53‬‬
‫الحالة الثانية‪ :‬أن ال يكون معتقدًا ذلك بقلبه ولم يكره على ذلك ولكن فعله من أجل طمع الدنيا أو مداراة‬
‫ُّوا ْال َحيَاةَ ْال ُّد ْنيَا َعلَى ِ‬
‫اآلخ َر ِة }(‪.)2‬‬ ‫الناس وموافقتهم فهذا كافر بنص اآلية { َذلِكَ بَِأنَّهُ ُم ا ْستَ َحب ْ‬
‫الحالة الثالثة‪ :‬من فعل الكفر والشرك موافقة ألهله وهو ال يحبه وال يعتقده بقلبه وإنما فعله شحًا ببلده‬
‫أو ماله أو عشيرته‪.‬‬
‫الحالة الرابعة‪ :‬أن يفعل ذلك مازحًا والعبًا كما حصل من النفر المذكورين‪ .‬وهذا يكون كافرًا بنص‬
‫اآلية الكريمة‪.‬‬
‫الحالة الخامسة‪ :‬أن يقول ذلك مكرهًا ال مختارًا وقلبه مطمئن باإليمان فهذا مرخص له في ذلك دفعًا‬
‫لإلكراه‪ ،‬وأما األحوال األربع الماضية فإن صاحبها يكفر كما ص‪66‬رحت ب‪66‬ه اآلي‪66‬ات وفي ه‪66‬ذا رد على من‬
‫يقول إن اإلنسان ال يحكم عليه بالكفر ولو قال كلمة الكفر أو فعل أفعال الكفر حتى يُعلم م‪66‬ا في قلب‪66‬ه وه‪66‬ذا‬
‫قول باطل مخالف للنصوص وهو قول المرجئة الضُّ الَّل‪.‬‬
‫وذكر الشيخ رحمه هللا قاعدة عظيمة في اإلكراه الذي يعذر به والذي ال يعذر به حيث قال‪( :‬ومعلوم أن‬
‫اإلنسان ال يكره إال على العمل أو الكالم‪ ،‬وأما عقي‪66‬دة القلب فال يك‪6‬ره أح‪66‬د عليه‪66‬ا) وص‪66‬لى هللا وس‪6‬لم على‬
‫نبينا محمد وآله وصحبه‪.‬‬

‫انتهى في ‪15/11/1418‬هـ‬
‫بقلم‪ /‬صالح بن فوزان بن عبد هللا الفوزان‪.‬‬

‫(‪ )2‬النحل‪107:‬‬

‫‪54‬‬

You might also like