Professional Documents
Culture Documents
Thinker 1066
Thinker 1066
Thinker 1066
بقلم /الشيخ
صالح بن فوزان بن عبد هللا الفوزان
-حفظه هللا -
بسم هللا الرحمن الرحيم
المقدمة
الحمد هلل رب العالمين وصلى هللا وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .أما بعد:
فهذه رسالة كشف الشبهات لإلمام المجدد الشيخ محمد بن عبد الوهاب – رحمه هللا تعالى .-
وقبل أن ندخل في موضوع الرسالة نتكلم عن المؤلِّف والتعريف به من أجل أن يكون عند ط66الب العلم
معرفة بهذا المؤلف وطريقت6ه في دعوت6ه ألن ه6ذا من األم66ور المهم6ة في معرف6ة األئم6ة وال6دعاة إلى هللا
ومعرفة نشأتهم ودعوتهم من أجل أن يسير طالب العلم على نهجهم ويقتبسوا من سيرتهم ويقتدوا بهم.
فهو الشيخ اإلمام المجدِّد شيخ اإلسالم محمد بن عب66د الوه66اب بن س66ليمان بن علي بن مش66رف التميمي
وهي قرية في شمال الرياض ،وكانت محل أسرته. ()1
النَّجدي ولد رحمه هللا في بلدة العيينة
نشأ في بيت علم فأبوه كان القاضي في البلد وج66ده الش66يخ س66ليمان ك66ان ه66و المف66تي والمرج66ع للعلم66اء
وأعمامه كلهم علماء.
فنشأ في بيت علم .ودرس على يد أبيه عبد الوهاب وعلى أعمامه منذ صغره فق66د حف66ظ الق66رآن الك66ريم
قبل أن يبلغ سن العاشرة فاشتغل في طلب العلم وحفظ القرآن على أبيه .وقرأ كتب التفسير والحديث ح66تى
ب6رع في العلم وه6و ص6غير وأعجب أب66وه والعلم66اء من حول6ه بذكائ66ه ونبوغ6ه وك66ان ين6اقش في المس66ائل
العلمية حتى أنهم استفادوا من مناقشته فاعترفوا له بالفضل ثم إنه لم يكتف به66ذا الق66در من العلم وإن ك66ان
فيه الخير إال أن العلم ال يشبع منه.
فرحل لطلب العلم وترك أهله ووطنه وسافر إلى الحج وبعد الحج ذهب إلى المدينة والتقى بعلمائها في
المسجد النّبوي خصو ً
صا الشيخ عبد هللا بن إبراهيم بن سيف وكان إما ًما في الفقه وأص66وله وه66و من أه66ل
نجد من أهل المجمعة في سدير وكذلك ابنه إبراهيم بن عبد هللا مؤل66ف كت66اب الع66ذب الف66ائض ش66رح ألفي66ة
الفرائض .والتقى كذلك بالمحدث الشيخ محمد حياة السندي وأخذ منه إجازة في مروياته من كتب الح66ديث
ثم رجع إلى بالده ،ولم يكتف بهذا بل سار إلى بالد األحساء في شرق بالد نجد وفيه66ا العلم66اء من حنابل66ة
خصوص6ا عن الحنابل66ة ومنهم محم66د بن ف66يروز وعب66د الوه66اب بن
ً وشافعية ومالكية وحنفي66ة وأخ66ذ عنهم
فيروز أخذ عنهم الفقه.
وأخذ عن عبد هللا بن عبد اللطيف األحسائي.
ولم يكتف بهذا بل ذهب أيضًا إلى الع66راق – إلى البص6رة خاص66ة – وك66انت آن ذاك آهل6ة بالعلم66اء في
صا الشيخ محمد المجموعي وغيره .وكان في كل تنقالت66ه إذا ظف66ر
الحديث والفقه فأخذ عن علمائها خصو ً
بكتاب من كتب شيخ اإلسالم ابن تيمية ومن كتب تلميذه ابن القيم نس66خه بقلم66ه ونسخ كث66يرًا من الكتب في
األحساء وفي البصرة فتجمعت لديه مجموعة عظيمة من الكتب.
عام 1115هـ المتوفى رحمه هللا في ع6ام 1206هـ ،انظ6ر األعالم لل6زركلي ،6/275ومعجم الم6ؤلفين لعم6ر كحال6ة 3/472ب6رقم ()1
(.)14463
1
ص ا من الحنابلة وأهل الحديث ،ولكنه بعدما
ثم إنه هم بالسفر إلى بالد الشام لما فيها من أهل العلم خصو ً
س66ار إليه66ا شّ 6
ق علي66ه الطري66ق وحص66ل علي66ه ج66وع وعطش وك66اد أن يهل66ك في الطري66ق ،وأنتم تعلم66ون
اإلمكانات في ذلك الوقت وبعد المسافة ..فرجع إلى البصرة وعدل عن السفر إلى الشام ثم رج66ع إلى نج66د
بعد ما تسلح بالعلم وبعدما حصل على مجموعة كبير من الكتب إض66افة إلى الكتب ال66تي ك66انت عن66د أهل66ه
وعند أهل بلده ثم اتجه إلى الدعوة واإلصالح ونشر العلم النَّافع ولم يرض بأن يسكت وي6ترك الن66اس على
ما هم عليه بل أراد أن ينتش66ر علم66ه وأن ي66دعو إلى هللا فنظ66ر في مجتمع66ه فوج66د في66ه من الش66ر والش66رك
األم66ور الكث66يرة فأخذت66ه ال َغ66يرة على دين هللا والرحم66ة للمس66لمين ورأى أن66ه ال يس66عه الس66كوت على ه66ذا
الوضع.
وكان علماء نجد يعنون بالفقه وهم في العقيدة على عقيدة المتكلمين من أشاعرة وغيرهم ليس لهم عناية
بعقيدة السّلف كما هو في الشام وفي مصر وغيرها من األقطار وكانت العقي66دة المنتش66رة فيه66ا هي عقي66دة
األشاعرة ،مع ما عند كثير منهم من اإلخالل بتوحيد األلوهية.
وأما عقيدة السلف فق ّل من يع66نى به66ا وطغت على الكث66ير منهم الخراف66ات والب66دع والش66رك في العب66ادة
المتمثل بعبادة القبور هذا من النَّاحية العلمية.
وأما من النَّاحية السياسية فكانوا متف66رقين ليس لهم دول66ة تجمعهم ب66ل ك66ل قري66ة له66ا أم66ير مس66تقل به66ا.
فالعيينة فيها حاكم والدرعية فيها حاكم والرياض فيها حاكم وكل قري6ة ص6غيرة فيه6ا ح6اكم ،وك6انت بينهم
حروب وسلب ونهب فيما بينهم وبين القرى والبادية.
فمن النّاحية السياسية كانت البالد في قلق وتفرق وفي تناحر وضياع حتى أن أه66ل البل66د الواح66د يقات66ل
بعضهم بعضًا.
وفي بالد نجد عبادة القبور واالستغاثة باألموات ،فقد كانت عندهم قبور لل َّ
صحابة كقبر زيد بن الخطاب
رضي هللا عنه الذي استشهد مع جماعة من الص66حابة في ح66رب مس66يلمة الك66ذاب وك66انوا يس66تنجدون به66ا
ويستغيثون بها وعلى قبر زيد قبة وكانوا يأتون إليها من بعيد .وهي مشهورة عندهم.
وعندهم أشجار ونخيل يعتقدون فيها ويتبركون بها بل كانت عندهم النِّحل الباطلة مثل الصوفية ووحدة
الوجود في الرياض والخرج؛ هكذا كانت حالتهم الدينية والعلماء س66اكتون عن ه66ذا الوض66ع ب66ل إن بعض
العلماء يشجعون على هذه الخرافات ويؤيدونها .فلما رأى – رحم66ه هللا – ح66ال المس66لمين تح66رك لل66دعوة
إلى هللا عز وج66ل وق66ام ي66دعو إلى هللا وي66درِّ س التوحي66د وينك66ر ه66ذه الش66ركيات والخراف66ات ويق66رر منهج
السلف الصالح فتك ّون عنده تالميذ من الدرعية والعيينة ممن أراد هللا له الخير.
ثم إنه اتصل بأمير العيينة وعرض عليه الدعوة فقبل منه األمير ووعده بالمناصرة في أول األمر وهدم
قبة زيد بن الخطاب حيث طلب من األمير هدمها ألنه ال يمكن أن يه66دمها إال من ل6ه س66لطة أم6ا الف6رد فال
يستطيع ،ذلك فاستجاب له األمير .وجاء إلى الشيخ امرأة اعترفت بالزن66ا وطلبت من66ه أن يقيم عليه66ا الح66د
2
فردها حتى كررت عليه الطلب مثل ما فعلت الغامدية رض6ي هللا عنه6ا في عه6د الن6بي ? ( ،)1فأق6ام عليه6ا
الحد ورجمها .فلما بلغ أمير األحساء ه6دم القب6ة وأن6ه رجم الم6رأة أرس6ل إلى أم6ير العيين6ة وق6ال :إم6ا أن
تطرد هذا المطوع( )2وإالّ قطعت عنك المساعدة التي أرسلها إليك .فجاء األمير إلى الش6يخ وع6رض علي6ه
األمر وقال أنا ال أقدر أن أقاوم هؤالء فه ّدأه الشيخ ووعده بالخير وأن يتوكل على هللا وأن ال66رزق بي66د هللا
وأن هذه عقيدة التوحيد من قام بها فإن هللا يعينه وينصره .لكن األم66ير أصّ 6ر على خ6روج الش66يخ من بل66ده
فخرج الشيخ من العيينة في وقت القيلولة وذهب إلى الدرعية وكان له فيها تلميذ من خيار التالميذ يقال له
ابن سويلم فذهب الشيخ من العيينة إلى الدرعية ليس معه إال المروحة اليدوية يهوي بها على وجه66ه وه66و
ق هَّللا َ يَجْ َعل لَّهُ َم ْخ َرجً6ا َ ،ويَرْ ُز ْق6هُ ِم ْن َحي ُ
ْث ال يَحْ ت َِس6بُ }( )3ي6ردد ه6ذه اآلي6ة وه6و يمشي ويقول { َو َمن يَتَّ ِ
يمشي فلما وصل إلى تلميذه في الدرعية أصاب التلمي66ذ خ66وف وقل66ق من مجيء الش66يخ ألن66ه يخش66ى على
نفسه وعلى الشيخ من أهل البلد ألنهم متحاذرون من ه6ذا الش6يخ ،فه66دأه الش6يخ وق6ال :ال يخط6ر في بال66ك
شيء أبدًا توكل على هللا جل وعال فهو ينصر من نصره.
وفيما هم كذلك علمت زوجة أمير الدرعية وكانت امرأة صالحة فعرضت على زوجها األمير محمد بن
سعود أن يناص6ر ه6ذا الش66يخ ال6ذي ج66اء وأن6ه نعم66ة من هللا س66اقها إلي66ه فالب66دار باغتنام66ه ،ف66أدخلت علي6ه
الطمأنينة وحب الدعوة وحب هذا العلم فقال األم66ير :ي6أتيني ،فق66الت زوجت66ه ب66ل اذهب أنت إلي66ه ألن66ك إذا
أرسلت إليه وقلت يأتيني ربما يقول الناس طلبه من أجل أن يبطش به ،لكنك إذا ذهبت إليه يكون هذا ع ًزا
له ولك ..فذهب إليه األمير في بيت التلميذ وسلّم عليه وسأله عن قدوم66ه ...فش66رح ل66ه الش66يخ وبيّن ل66ه أن66ه
ليس عنده إال دعوة الرسل صلوات هللا وسالمه عليهم وهي الدعوة إلى كلمة التوحي66د وهي ال إل66ه إال هللا،
وشرح معناها وبيّن له أنها عقيدة الرسل...
فقال األمير :أبشر بالنصر والتأييد ،وقال له الشيخ :وأبشر بالعز والتمكين ألن هذه الكلم66ة – ال إل66ه إال
هللا – من قام بها فإن هللا يم ّكن له .فقال له األمير :لكني أشترط عليك شرطًا ،قال وما هو؟ قال أن تتركني
وما آخذ من الناس ،قال الشيخ لعل هللا يغنيك عن هذا ويفتح لك باب رزق من عنده .فتفرقا على هذا وق66ام
الشيخ بالدعوة وقام األمير بالمناصرة .ثم توافد الطالب على الدرعية وصار للشيخ مكانة فيها ،فك66ان ه66و
اإلمام في الصَّالة والمفتي والقاض66ي ،فتك66ونت إم66ارة للتوحي66د في بالد الدرعي66ة من ذل66ك ال66وقت وأرس66ل
الشيخ رسائل إلى أهل البلدان والقرى يدعوهم إلى هللا والدخول في عقيدة التوحيد وترك البدع والخرافات
فمنهم من اس66تجاب وانض66م إلى ال66دعوة ب66دون جه66اد وب66دون قت66ال ومنهم من مانع66ه وعان66ده فقات66ل جن66ود
التوحيد بقيادة األمير محمد بن سعود وري66ادة الش66يخ محم66د بن عب66د الوه66اب ق66اتلوا من عان66د وع66ارض..
وامتدت الدعوة في بالد نجد وسلّمت له البالد ومن حوله66ا ،ح6تى أم6ير العيين66ة ال6ذي ك6ان ل6ه موق6ف م6ع
الشيخ دخل في والية محمد بن سعود .وك66ذلك دخلت الري66اض بع66د قت66ال ش66ديد وامت66دت إلى الخ66رج وم66ا
انظر صحيح اإلمام مسلم ،1322 6،3/1321كتاب الحدود باب من اعترف على نفسه بالزنا ،حديث رقم ( )22/1695من ح6ديث ()1
سليمان بن بريدة عن أبيه رضي هللا عنه
( )2كما يسمونه تصغيرً ا لشأنه
3
وراء الخرج وإلى الشمال والجنوب حتى عمت من حدود الشام شماالً إلى حدود اليمن جنوبً66ا ومن البح66ر
األحمر إلى الخليج العربي شرقًا كلها صارت تحت والية الدرعية بادية وحاض66رة .وأف66اء هللا على الن66اس
في الدرعية الخير والرزق والغنى والثروة وقامت بها أسواق تجارية واستنارت بالعلم والقوة ببرك66ة ه66ذه
الدعوة السَّلفية التي هي دعوة الرسل عليهم السَّالم.
مؤلفاته*:
ألّف الشيخ الكتب وأعظمها كتاب التوحيد الذي هو حق هللا على العبيد.
ومن مؤلفاته هذه الرسالة « كشف الشبهات » التي نحن بصدد شرحها – إن شاء هللا تعالى – وهي عبارة
عن رد الشبهات التي أثيرت حول دعوة التوحيد التي قام بها الشيخ.
والمراد بالكشف إزالة الغطاء عن الشيء.
والشبهات جم6ع ش6بهة وهي األم6ر المش6تبه المختل6ف ال6ذي ال ()1
قال تعالى { :فَ َك َش ْفنَا عَنكَ ِغطَا َءكَ }
يُ ْد َرى هل هو حق أم باطل؟ ومنه قول الرسول « : إن الحالل بيّن والحرام بيّن وبينهما أمور مش66تبهات
ال يعلمها كثير من الناس فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه »(.)2
المشتبهات هنا المراد بها األمور التي ال يُ ْد َرى هل هي من الحالل أو من الحرام لسبب تج66اذب األدل66ة
فيها ،وال يعلمها إال الخواص من أهل العلم .فالشبهات هنا المراد به66ا األم66ور المش66تبهة ال66تي فيه66ا تل66بيس
وتغطية وتمويه على النَّاس يظنونها حقًا وهي ليست بحق وكشفها هو اإليضاح لبطالنها.
والمراد هنا كشف ما كان عند النَّاس من شبهات حول عبادة القبور واالستغاثة بها التي عمت كثيرًا من
بالد اإلسالم من بع66د الق66رون المفض66لة ،حيث ُأدخ66ل في اإلس66الم م66ا ليس من66ه وذل66ك عن طري66ق الش66يعة
والمتصوفة فهم الذين تسببوا في نشر هذه الشبهات وهذه الشركيات التي انتشرت في بالد اإلس66الم بحجج
واهية ،والجهال يظنونها حقًا؛ فيقولون إن هؤالء الموتى عباد صالحون ولهم مكان66ة عن66د هللا ونحن أن66اس
مذنبون فهم يتوسلون بهم ويجعلونهم وس66ائط بينهم وبين هللا في غف66ران ال66ذنوب ويتقرب66ون إليهم .وبس66بب
ذلك تغيرت عقيدة التوحيد عند كثير من النّاس من عهد بعيد بعد المائة الرابعة ومضي الق6رون المفض6لة،
حتى قيّض هللا لهذه األمة علماء يكشفون هذه الشبهات ومن أبرزهم شيخ اإلسالم أحمد بن تيمية الذي ق66ام
ووض6ح للن66اس عقي66دة التوحي66د وكتب في ذل66ك الكتب النافع66ة وبيّن عقي66دة َّ
الس6لف َّ ودحض ه66ذه الش66بهات
الصَّالح وسجلها في كتبه مدع ًما مسائلها باألدلة القاطعة وال66براهين الس66اطعة ،ودحض ه66ذه الش66بهات ،ثم
تاله تالميذه كاإلمام ابن القيم في كتبه واإلمام ابن كثير واإلمام الذهبي واإلمام الم ّزي وجاء بعدهم الحافظ
ابن رجب الحنبلي رحمه هللا إلى أن وصل األمر للشيخ اإلمام المج66دد محم66د بن عب66د الوه66اب فتلقى ه66ذه
العقيدة بقوة وقام بالدعوة إليها والجهاد في سبيلها حتى اس6تنارت به66ا ه6ذه البالد ،وهلل الحم66د وامت66دت إلى
البالد المجاورة في مصر والشام والعراق وحتى في بالد فارس عند أه66ل الس66نة وامت66دت إلى الهن66د وإلى
رواه اإلمام البخاري في صحيحه ،1/19كتاب اإليمان باب فضل من استبرأ لدينه من ح6ديث النعم6ان بن بش6ير رض6ي هللا تع6الى ()2
عنه
4
المغرب وإلى كثير من البالد وهلل الحمد ،فمن أراد هللا له الخير فإنه ت66أثر به66ذه ال66دعوة المبارك66ة وع66رف
أنها دعوة حق فاستجاب لها وأيّ66دها ،وق66امت الحج66ة على المعان66دين وهلل الحم66د والمن66ة وزالت عن البالد
معالم الشرك والوثنية وعوائد الجاهلية.
الس6نَّة :أن
[ قال رحمه هللا :بسم هللا الرحمن الرحيم ] ابتدأ الرسالة ببس6م هللا ال6رحمن ال6رحيم وه6ذه هي ُّ
تب66دأ الكتب والرس66ائل ببس66م هللا ال66رحمن ال66رحيم كم66ا ابت66دأ هللا تع66الى به66ا في كتاب66ه ف66أول م66ا ت66رون في
َّحيمْ ،ال َح ْم ُد هّلل ِ َربِّ ْال َعالَ ِمينَ }( )1وك6ذلك قب6ل ك6ل س6ورة « بس6م المصحف الشريف { ِبس ِْم هللاِ الرَّحْ ِ
من الر ِ
هللا الرحمن الرحيم » ،والنبي كان إذا كتب يبدأ كتبه بـ« بسم هللا ال66رحمن ال66رحيم »( .)2وإذا تح66دث إلى
أصحابه يبدأ مجلسه ببسم هللا الرحمن الرحيم .والحكمة في البدء ببسم هللا الرحمن الرحيم التبرك بها ألنها
كلمة مباركة فإذا ذكرت في أول الكتاب أو في أول الرسالة تكون بركة عليه .أما الكتب أو الرس66ائل ال66تي
ال تبدأ ببسم هللا الرحمن الرحيم فإنها تكون ناقصة ال خير فيها ،ومن ناحية أخرى بسم هللا الرحمن الرحيم
فيها االستعانة باهلل جل وعال فقوله { :بِس ِْم هللاِ ال6رَّحْ ِ
من الَّ 6ر ِحيم } أي أس66تعين وأت66برك ببس66م هللا ال66رحمن
َّحيم} .وهللا َعلَم الرحيم .فالجار والمجرور متعلق بمحذوف تقديره أستعين وأتبرك بـ{ بِس ِْم هللاِ الرَّحْ ِ
من الر ِ
على الذات المقدسة .والرحمن الرحيم اسمان كريمان من أسمائه الحسنى يتضمنان الرحمة[ .اعلم رحم**ك
هللا] اعلم :هذه الكلمة يبدأ بها في التنبيه إلى األمور المهمة فإذا أردت أن تنبه شخصًا على ش66يء مهم من
مسائل العلم تقول له :اعلم من أجل أن ينتبه .واعلم فعل أمر من العلم يع66ني تلعّم م66ا ي66أتي واهتم ب66ه وأل66ق
بالك لما يلقى عليك ولما يكتب لك .فهذه كلمة يُؤتى بها ألهمية ما يأتي بعدها قال تعالى { :لِتَ ْعلَ ُم66وا َأ َّن هَّللا َ
اس6تَ ْغفِرْ َعلَى ُكلِّ َش ْي ٍء قَ ِدي ٌر َوَأ َّن هَّللا َ قَ ْد َأ َحاطَ بِ ُكلِّ َش ْي ٍء ِع ْل ًما }( )3وقال تعالى { :فَ66ا ْعلَ ْم َأنَّهُ ال ِإلَ6هَ ِإاَّل هَّللا ُ َو ْ
()5
ب َوَأ َّن هَّللا َ َغفُ6و ٌر ر ِ
َّحي ٌم } 6وا َأ َّن هَّللا َ َشِ 6دي ُد ْال ِعقَ6ا ِ
وق6ال تع6الى { :ا ْعلَ ُم ْ ت}()4
لِ َذنبِكَ َولِ ْل ُمْؤ ِمنِينَ َو ْال ُمْؤ ِمنَ6ا ِ
غ ْال ُمبِ ُ
ين }(.)6 وا َأنَّ َما َعلَى َرسُولِنَا ْالبَالَ ُ
وقال تعالى { :فَِإن ت ََولَّ ْيتُ ْم فَا ْعلَ ُم ْ
فهذه كلمة عظيمة يؤتى بها لالهتمام .ثم قال « :رحمك هللا » هذا دعاء من الشيخ رحمه هللا لكل من قرأ
هذه الرسالة ،وهذا من باب التّلطّف لطالب العلم وتحسين الكالم له من أجل أن يُقبل على طلب العلم.
[ أن التوحيد هو إفراد هللا سبحانه بالعبادة ] أي اعلم هذه المسألة العظيمة واجعلها في ذاكرتك واجعلها
في اهتمامك دائ ًما وأبدًا وهي « أن التوحيد هو إفراد هللا بالعبادة » وليس هو إفراد هللا بالربوبي6ة ف6إن ه6ذا
5
أق َّر به المشركون ولم يكونوا مو ّحدين ألنهم لم يف66ردوا هللا بالعب66ادة ،ف66إقرارهم بتوحي66د الربوبي66ة ليس ه66و
التوحيد المطلوب وإنما توحيد الربوبية دليل على توحيد األلوهية والزم له فمن أقر بتوحيد الربوبية لزمه
أن يقر بتوحيد األلوهية وهللا تعالى يذكر في القرآن في كثير من اآليات توحيد الربوبي66ة دليالً على توحي66د
األلوهية كم66ا ق6ال تع66الىَ { :ي66ا َأيُّهَ66ا النَّاسُ ا ْعبُ6د ْ
ُوا َربَّ ُك ُم الَّ ِذي خَ لَقَ ُك ْم َوالَّ ِذينَ ِمن قَ ْبلِ ُك ْم لَ َعلَّ ُك ْم تَتَّقُ66ونَ ،الَّ ِذي
ت ِر ْزقً66ا لَّ ُك ْم فَالَ تَجْ َعلُْ 6
6وا ض فِ َراشا ً َوال َّس َما َء بِنَا ًء َوَأنزَ َل ِمنَ ال َّس َما ِء َما ًء فََأ ْخ َر َج بِ ِه ِمنَ الثَّ َم َرا ِ
َج َع َل لَ ُك ُم اَألرْ َ
هّلِل ِ َأندَادًا َوَأنتُ ْم تَ ْعلَ ُمونَ }( )1هذا هو توحيد الربوبية وهو دليل توحيد األلوهية ،فأقام سبحانه وتعالى الحج66ة
عليهم فيما أنكروه من توحيد األلوهية بما اعترفوا به من توحيد الربوبية ليلزمهم بذلك.
حيث قال لهم كي6ف تع6ترفون أن66ه ه6و الخ66الق ال66رازق المح66يي المميت وأن66ه ال ش66ريك ل66ه في ذل66ك ثم
تش66ركون في عبادت66ه .أم66ا ال66ذين يقول66ون إن التوحي66د ه66و اإلق66رار ب66أن هللا ه66و الخ66الق ال66رازق المح66يي
المميت ...إلخ فهم غالطون غلطًا فاح ًشا ،ولم يأتوا بالتوحيد المطلوب ال66ذي دعت إليه الرس66ل .وعلى ه66ذا
المنهج الباطل أغلب عقائد المتكلمين ال6تي ت66درس اآلن في كث66ير من الم66دارس اإلس66المية .وقص66د الش66يخ
رحمه هللا بهذا التعريف هو الرد على هؤالء الذين ر ّكزوا على توحيد الربوبية وترك66وا توحي66د األلوهي66ة،
فهذه أول شبهة وهي :أنهم جعلوا توحيد الربوبية هو التوحيد المطلوب ،وأن من أفرد هللا ب66ه فه66و المو ّح66د
وألّفوا كتبهم فيه وبنوا منهجهم عليه وصرفوا همهم إلى تحقيقه.
[ وهو دين الرسل الذي أرسلهم هللا به إلى عباده ] فالرسل كلهم ما طلبوا من النّاس أن يق66رروا ب66أن هللا
هو الخالق الرازق المحيي المميت ألنهم معترفون بهذا وإنما طالبوا األمم بإفراد هللا بالعبادة .ق66ال تع66الى:
ُوا الطَّا ُغوتَ }( )2ما قال أن يق6روا ب6أن هللا ه6و ال6رب { َولَقَ ْد بَ َع ْثنَا فِي ُك ِّل ُأ َّم ٍة َّرسُوالً َأ ِن ا ْعبُد ْ
ُوا هَّللا َ َواجْ تَنِب ْ
6وا الطَّا ُغوتَ } أي اترك66وا الش66رك باهلل ع66ز وج66ل في
ُوا هَّللا َ َواجْ تَنِبُْ 6
ألنهم مق66رون به66ذا ب66ل ق66ال { :ا ْعبُ 6د ْ
األلوهية.
ما قال أن66ه وحي ِإلَ ْي ِه َأنَّهُ ال ِإلَهَ ِإالّ َأنَاْ فَا ْعبُد ِ
ُون } وقال تعالىَ { :و َما َأرْ َس ْلنَا ِمن قَ ْبلِكَ ِمن َّرس ٍ
ُول ِإالّ نُ ِ
()3
ال رب سواي وال خالق إال أنا ،بل قال سبحانهَ { :أنَّهُ ال ِإلَهَ ِإالّ َأنَاْ } أي ال معبود بحق سواي.
هذا الذي بعث به هللا الرسل ،ما بعث الرسل لتقرير توحيد الربوبية ألن ه66ذا موج66ود لكن66ه ال يكفي ب66ل
بعثهم لتوحيد األلوهية الذي هو إفراد هللا تعالى بالعبادة وهو دين الرسل كلهم من أ َّولهم إلى آخرهم.
سالم ] كما قال هللا سبحانه وتعالىِ { :إنَّا َأوْ َح ْينَا ِإلَ ْيكَ َك َم66ا َأوْ َح ْينَ66ا ِإلَى نٍُ 6
6وح َوالنَّبِيِّينَ [ فأ ّولهم نوح عليه ال َّ
ِمن بَ ْع ِد ِه }( )4فدلّت اآلية الكريمة على أن أول الرسل هو نوح عليه الصَّالة والسَّالم ،فنوح هو أول رسول
بعد حدوث الشرك في األرض ،وتتابعت بعده الرس66ل على ه66ذا المنهج الرب66اني وآخ66رهم محم66د وه66و
خاتمهم وال نبي بعده إلى أن تقوم السَّاعة ق66ال هللا س66بحانه وتع66الىَّ { :ما َك66انَ ُم َح َّم ٌد َأبَ66ا َأ َحٍ 6د ِّمن رِّ َج 6الِ ُك ْم
( )2النحل36:
6
فهو آخر الرس6ل عليهم ()2
ُول هَّللا ِ َوخَاتَ َم النَّبِيِّينَ }( )1وقال « : أنا خاتم النبيين ال نبي بعدي »
َولَ ِكن َّرس َ
الصّالة والسَّالم وآخر األنبياء ألن كل رسول نبي فال يبعث بعده ال رسول وال ن66بي فمن اعتق66د أن66ه يبعث
بعده رسول أو نبي فهو كافر قال « : وسيخرج بعدي كذابون ثالثون كل منهم يدعي أنه نبي وأن66ا خ66اتم
النبيين ال نبي بعدي » فمن لم يعتقد ختم الرسالة بمحمد وأجاز أن يبعث بع66ده ن66بي فه66و ك66افر باهلل ع66ز
وجل مكذب هلل ولرسوله وإلجماع المسلمين.
[ أرسله هللا إلى قومه لما غلوا في الصالحين ] الغلو هو مجاوزة الحد .والغلو في الصَّالحين هو اعتقاد
أنهم ينفعون أو يضرون من دون هللا ،وود إلخ ه66ذه أس66ماء رج66ال ص66الحين من ق6وم ن66وح م66اتوا في ع66ام
واحد ،فحزن قومهم عليهم حزنًا شديدًا فجاء الشيطان إليهم وقال لهم :ص 6وّروا ص66ورهم وانص66بوها على
مجالسهم من أجل أن تتذكروا أحوالهم فتنشطوا على العبادة؛ جاءهم عن طري66ق النص66يحة وه66و يري66د لهم
الهالك فخدعهم بهذه الحيلة واعتبروا هذه وسيلة صحيحة ألنها تن ِّشط على العبادة ،فه66ذا في66ه التح66ذير من
فتنة الصور وفتنة الغلو في الصالحين ،وهؤالء نظروا لمصلحة جزئية ولم ينتبهوا لم66ا ي66ترتب عليه66ا من
المفاسد فاإلنسان ال ينظر إلى المصلحة الجزئية وينسى المضار العظيمة التي تترتب عليها في المس66تقبل.
ثم أهلك قوم نوح بالطوفان فاندرست هذه األصنام إلى أن جاء عهد الطاغية وهو مل66ك من مل66وك الع66رب
يقال له عمرو بن لحي الخزاعي ،وكان له سلطان على الحجاز وكان في أول أمره رجالً ناس ً 6كا على دين
قومه ولكن ذهب إلى الشام للعالج ،فوجد أن أهل الشام يعبدون األصنام فدخل في فكره هذا الش66يء فج66اء
إلى أهل الحجاز والجزيرة فدعاهم إلى الشرك وجاء الش66يطان فأرش66ده إلى م66واطن األص66نام ال66تي ك66انت
تعبد عند قوم نوح والتي سفى( )3عليها الرمل بعد الطوفان ،فحفرها ونقَّب عنها فاستخرجها ووزعه6ا على
أحياء الع6رب فانتش6ر الش6رك من ذل6ك ال6وقت .وك6انت ه6ذه األص6نام الموروث6ة عن ق6وم ن6وح هي أك6بر
األصنام وإال فلهم أصنام كثيرة حتى إنه كان حول الكعبة المشرفة ثالثمائة وستون ص66ن ًما الالت والع66زى
[ وآخ*ر الرس*ل ()4
ومناة الثالثة األخرى هي أكبر أص6نامهم[« و ّد وس*واع ويغ*وث ويع*وق ونس*ر » ]
صالحين* ] كانت حال العرب الدينية قبل بعث النبي محم66د هي
محمد وهو الذي كسر صور هؤالء ال َّ
الوثنية ثم بعث هللا نبيه محم6دًا بمل66ة إب66راهيم الحنيفي66ة الس66محة ودع66اهم إلى التوحي66د بمك66ة وبقي ثالث
عشرة سنة يدعوهم إلى التوحيد بمك66ة وبقي ثالث6ة عش6رة س6نة ي6دعوهم إلى التوحي66د وينك6ر عليهم عب66ادة
األصنام .فاستجاب له من أراد هللا له الهداية من َّ
الص6حابة ال66ذين أس66لموا مع66ه في مك66ة .ثم إن هللا أذن لهم
( )1األحزاب40 :
( )2رواه الترمذي في سننه بهذا اللفظ )34( 369 ،6/368كتاب الفتن ( )43باب ال تقوم الساعة حتى يخرج كذابون حديث رقم 220
من حديث ثوبان رضي هللا عنه .وانظر صحيح اإلمام البخاري ،163 6،4/162وصحيح مس66لم ،4/1791ومس66ند اإلم66ام أحم66د 2/398
حديث رقم ،9157وسنن أبي داود ،4/95وسنن الدارمي .1/40
( )3سفت الريح التراب تسفيهَ :ذ َر ْتهُ ،أو َح َمل ْته .انظر القاموس المحيط ص 1671مادة «سفت».
انظر صحيح اإلمام البخاري 6/73من حديث عبد هللا بن عباس رضي هللا عنه ،كتاب التفسير ب6اب ودًا وس6واعًا ويغ6وث ويع6وق ()4
ونسرً ا (إنا أرسلنا) بنحوه. 6
7
بالهجرة إلى الحبش66ة ثم إلى المدين66ة وه66اجر الن66بي إلى المدين66ة .واجتم66ع حول66ه المه66اجرون واألنص66ار
وك ّون جيوش التوحيد وصاروا يغ66زون المش66ركين ..إلى أن ج66اء في الس66نة الثامن66ة من الهج66رة إلى مك66ة
فات ًحا وصارت مكة تحت سلطة الرسول وعند ذلك كسر هذه األصنام التي حول الكعبة وغسل الص66ور
التي في جوف الكعب66ة ،وأرس66ل إلى األص66نام ال66تي ح66ول مك66ة (الالت والع66زى ومن66اة) من َّ
الص6حابة من
كسرها ومنها صور هؤالء ال َّ
ص الحين من قوم نوح وانتشر التوحيد واندحر الشرك وهلل الحمد.
وهذا معنى قول الشيخ – رحمه هللا – (كسر صور هؤالء الصَّالحين) وذلك يوم فتح مكة وطهّر هللا ب6ه
حرمه الشريف من هذه األصنام.
وامتد التوحيد من بعثته وعهد الخلفاء الراشدين وعهد القرون المفض66لة كله66ا خاليً66ا من الش66رك فلم66ا
َ
والتش 6يُّع وعن66د ذل66ك ح66دث الش66رك في األم66ة بعب66ادة القب66ور انتهت الق66رون المفض66لة انتش66ر التص 6وّف
واألضرحة وتقديس األولياء والصالحين إلى وقتنا ه66ذا ،وه66ذا الش66رك موج66ود في األم66ة ولكن يقيّض هللا
جل وعال من يقيم الحجة على العباد من الدعاة المخلصين ،ويهدي هللا على أيديهم من أراد هللا هدايته.
وهكذا ينبغي ويجب على طلبة العلم والدعاة أن يهتموا بهذا األمر وأن يجعلوا ال66دعوة للتوحي66د وإنك66ار
ّ
والس66الم، الشرك ودحض الشبهات من أولويات دعوتم فهذا هو الواجب وهذه دعوة الرسل عليهم الصّالة
ألن كل أمر يهون دون الشرك ،فما دام الشرك موجودًا فكيف تنكر األمور األخرى! الب66د أن نب66دأ بإنك66ار
الشرك أوالً ونخلّص المسلمين من هذه العقائد الجاهلية ونبيّن لهم بالحجة والبرهان وبالجهاد في سبيل هللا
إذا أمكن ذلك حتى تعود الحنيفية إلى المسلمين كل بحسب استطاعته ومقدرته في كل مكان وزم66ان .يجب
بأمور ُأخ66رى ويب66ذلوا جه66ودهم فيه66ا وال يغط66وا أعينهم عن
ٍ على الدعاة أال يغفلوا عن هذا األمر ويهتموا
واقع الناس الواقعين في الشرك وعبادة األضرحة واس66تيالء ال ُخراف66يين وط66واغيت الص66وفية على عق66ول
الناس .هذا أمر ال يجوز السُّكوت عليه وكل دع66وة ال تتج6ه للنهي عن6ه فهي دع66وة ناقص6ة أو دع66وة غ66ير
صالحة أو دعوة غير مثمرة.
كما إنه يجب أن يعلم أن اإلق6رار بتوحي6د الربوبي6ة ال يكفي وال ينف6ع إال إذا ك6ان مع6ه اإلق6رار بتوحي6د
األلوهية وتحقيقه قوالً وعمالً واعتقادًاّ ،
وأن المشركين الذين بعث إليهم نبينا محمد كانوا مقرين بتوحي66د
الربوبية ولم ينفعهم إقرارهم به لما كانوا جاحدين لتوحيد األلوهية.
[ أرسله إلى قوم يتعبدون ويحجون ويتصدقون ويذكرون هللا كثي ًرا .ولكنهم يجعلون بعض المخلوقات
وسائط بينهم وبين هللا .يقولون نريد منهم التقرب* إلى هللا .ونريد شفاعتهم عنده .مثل المالئكة وعيسى
ومريم وأناس غيرهم من الصالحين ،فبعث هللا محمدًا يجدد لهم دين أبيهم إب**راهيم ويخ**برهم أن ه**ذا
التقرب* واالعتقاد محض حق هللا ال يصلح منه شيء ال لملك مقرب وال لنبي مرسل فضالً عن غيرهم**ا،
وإال فهؤالء المشركون مقرون يشهدون أن هللا هو الخالق الرزاق وحده ال شريك له ،وأنه ال ي**رزق إال
هو وال يح**يي إال ه*و وال يميت إال ه*و وال ي**دبّر األم*ر إال ه*و وأن جمي*ع الس*ماوات* الس**بع ومن فيهن
واألرضين السبع ومن فيها كلها عبيده وتحت تصرفه وقهره ] أي أن مش6ركي الع6رب ال6ذين بُعث إليهم
8
محمد يعبدون هللا ولم تنفعهم هذه العب66ادة لم66ا ك66انت مخلوط66ة بالش66رك األك66بر ،وال ف66رق بين أن يك66ون
المشرك به مع هللا سبحانه صن ًما أو عبدًا صالحًا أو نبيًا مرسالً أو مل ًكا مقربًا وال أن يكون قصد المش66رك
أن معبوده ليس شري ًكا هلل في ملكه بل هو مجرد وسيلة إلى هللا ومقرب إليه.
فدل ذلك على أمرين:
األول :أن اإلقرار بتوحيد الربوبية وحده ال يكفي للدخول في اإلسالم وال يعصم الدم والم66ال وال ينجّي
من عذاب هللا.
األمر الثاني *:أن عبادة هللا إذا دخلها شيء من الشرك أفسدها فال تصح العبادة إال مع اإلخالص.
[ فإذا أردت الدليل على أن هؤالء المشركين* الذين قاتلهم رسول هللا يشهدون هلل هذه الشهادة فاقرأ
ار َو َمن يُ ْخ* ِر ُج ا ْل َح َّي ِمنَ الس* ْم َع واَأل ْب َ
ص* َ ض َأ َّمن يَ ْملِ* ُك َّ
الس* َما ِء َواَأل ْر ِ قوله تعالى { :قُ ْل َمن يَ* ْ*ر ُزقُ ُكم ِّمنَ َّ
س*يَقُولُونَ هَّللا ُ فَقُ* ْل َأفَالَ تَتَّقُ*ونَ }( )1وقول*ه { :قُ*ل لِّ َم ِن ت َويُ ْخ* ِر ُج ا ْل َميَّتَ ِمنَ ا ْل َح ِّي َو َمن يُ* َدبِّ ُر اَأل ْم َ
*ر فَ َ ا ْل َميِّ ِ
الس * ْب ِع َو َر ُّب
ت َّاوا ِ سيَقُولُونَ هَّلِل ِ قُ ْل َأفَالَ تَ َذ َّك ُرونَ ،قُ * ْل َمن َّر ُّب َّ
الس * َم َ ض َو َمن فِي َها ِإن ُكنتُ ْم تَ ْعلَ ُمونَ َ ، اَأل ْر ُ
سيَقُولُونَ هَّلِل ِ قُ ْل َأفَالَ تَتَّقُونَ }( )2وغير ذلك من اآلي**ات ] يق6ول الش6يخ رحم6ه هللا تع6الى: يم َ ، ش ا ْل َع ِظ ِ
ا ْل َع ْر ِ
فإذا طلبت الدليل على أن المشركين مقرُّ ون به66ذا – يع66ني بتوحي66د الربوبي66ة – وأنهم يش66ركون في توحي66د
األلوهية ،إذا أردت الدليل على هذه المسألة العظيمة التي يُعرف بها الحق من الباط66ل ف66اقرأ قول66ه تع66الى:
ي ِمنَ ْال َميِّ ِ
ت َوي ُْخِ 6ر ُج ْص6ا َر َو َمن ي ُْخِ 6ر ُج ْال َح َّ
السْ 6م َع واَألب َ
ك َّض َأ َّمن يَ ْملِ ُ
{ قُلْ َمن يَرْ ُزقُ ُكم ِّمنَ ال َّس َما ِء َواَألرْ ِ
ْال َميَّتَ ِمنَ ْال َح ِّي َو َمن يُ َدبِّ ُر اَأل ْم َر فَ َس6يَقُولُونَ هَّللا ُ فَقُ6لْ َأفَالَ تَتَّقُ66ونَ } فالمش6ركون يع6ترفون ب6أن هللا س6بحانه
وتعالى هو الخالق الرازق المتصرف في عباده الذي بيده األمر ال ينكر أحد منهم ه66ذا ق66ال تع66الى { :قُ66لْ
9
ت َوي ُْخِ 6ر ُج ْال َميَّتَ ِمنَ ْال َح ِّي } ه66ذا من العج66ائب يخ66رج الحي من الميت
ي ِمنَ ْال َميِّ ِ
{ َو َمن ي ُْخِ 6ر ُج ْال َح َّ
يُخرج الزرع من الحبّة ويخرج المؤمن من الكافر { َوي ُْخ ِر ُج ْال َميَّتَ ِمنَ ْال َح ِّي } يخرج الكافر من المؤمن
ويخرج البيضة من الطائر .الذي يقدر على هذا هو هللا سبحانه وتعالىَ { :و َمن يُ َدبِّ ُر اَأل ْم َر } ه66ذا عم66وم.
يعني كل األمور من الموت والحياة والمرض والصحة والكف66ر واإليم66ان والغ66نى والفق66ر واللي66ل والنه66ار
والعز والذل والمل66ك يعطي ذل66ك من يش66اء ويأخ66ذه ممن يش6اء ك66ل م66ا يج66ري في ه66ذا الك66ون من تقلب6ات
وتغيّرات من الذي يوجد هذه التغيرات وهذه التقلبات؟ فسيقولون هللا ،فقال هللا لنبيه {: فَقُ66لْ َأفَالَ تَتَّقُ66ونَ }
ما دام أنكم معترفون أن هذه األم66ور بي66د هللا وأن أص66نامكم ال تفع66ل ش66يًئا منه66ا أفال تتق66ون هللا ع66ز وج66ل
وتوحدون66ه وتفردون66ه بالعب66ادة ألنكم إن لم تتق66وا هللا ف66إن هللا يع66ذبكم ألن66ه أق66ام عليكم الحج66ة وقط66ع منكم
ق فَ َم66ا َذا بَ ْعَ 6د ْال َحِّ 6
ق ِإالَّ المعذرة فلم يبق إال العذاب ما دمتم عرفتم الحق ولم تعملوا به { فَ َذلِ ُك ُم هّللا ُ َربُّ ُك ُم ْال َح ُّ
ضالَ ُل فََأنَّى تُصْ َرفُونَ }( )2تبين لكم أن العبادة حق هلل تعالى فال معبود بح6ق إال هللا س6بحانه وتع6الى ف6إن
ال َّ
لم تعبدوه فإن هذا ضالل فماذا بعد الحق الذي هو التوحيد وإفراد هللا بالعبادة إال الضالل الذي هو الشرك.
صا في أمر التوحيد والعقيدة .يقبل الحق إذا تبين له
فليحذر المسلم من هذا وليقبل الحق إذا تبين له خصو ً
ويخاف أن يصرف عنه فال يقبله بعد ذل66ك وقول66ه تع66الى { :قُ66ل لِّ َم ِن اَألرْ ضُ َو َمن فِيهَ66ا ِإن ُكنتُ ْم تَ ْعلَ ُم66ونَ ،
ش ْال َع ِظ ِيمَ ،س6يَقُولُونَ هَّلِل ِ قُ66لْ َأفَالَ
الس6ب ِْع َو َربُّ ْال َع66رْ ِ ت َّ َسيَقُولُونَ هَّلِل ِ قُلْ َأفَالَ تََ 6ذ َّكرُونَ ،قُ66لْ َمن رَّبُّ َّ
السَ 6ما َوا ِ
وت ُكلِّ َش ْي ٍء َوه َُو ي ُِج 6ي ُر َوال ي َُج 6ا ُر َعلَ ْيِ 6ه ِإن ُكنتُ ْم تَ ْعلَ ُم66ونَ َ ،س6يَقُولُونَ هَّلِل ِ قُ66لْ فََ6أنَّى
تَتَّقُونَ ،قُلْ َمن بِيَ ِد ِه َملَ ُك ُ
تُس َْحرُونَ }( )3هذه آيات من سورة المؤمنون مثل اآليات التي في سورة يونس التي ساقها المصنِّف ومث66ل
غيرها من اآليات التي تقرر أن المشركين يعترفون هلل بربوبيته ولكنهم يعارضون في توحيد األلوهية.
قال تعالى { :قُل لِّ َم ِن اَألرْ ضُ َو َمن ِفيهَا ِإن ُكنتُ ْم تَ ْعلَ ُمونَ َ 6،سيَقُولُونَ هَّلِل ِ } م66ادامت األرض ومن فيه66ا هلل
كيف تعبدون األصنام التي ال تملك شيًئا وتعبدون القبور الميتة التي ال حياة في أصحابها؟
{ َأفَالَ تَ َذ َّكرُونَ } أفال تذكرون أن الذي يملك األرض ومن فيها هو المستحق للعبادة دون هذه األصنام
التي تعبدونها.
وهذا إقامة للحجة عليهم بما يعترفون به على ما جحدوه فهم يعترفون بتوحيد الربوبية ويجحدون توحيد
األلوهية.
مقرون بهذا ،ولم يدخلهم في التوحيد الذي دعاهم إليه رسول هللا وع**رفت أنت
[ فإذا تحققت أنهم ُّ
التوحيد الذي جحدوه هو توحيد العبادة الذي يسميه المشركون في زمانن *ا* االعتق**اد ] أي إذا ع66رفت أن
المشركين مقرون بتوحيد الربوبية وأن الذي جحدوه هو توحي66د األلوهي66ة وهم يقول66ون إن هللا ه66و الخ66الق
الرازق المحيي المميت لكن إذا قيل لهم قولوا ال إله إال هللا قالواَ { :أ َج َع َل اآللِهَةَ ِإلَهًا َوا ِحدًا ِإ َّن هَ َ 6ذا لَ َش ْ 6ي ٌء
10
ع َُجابٌ }( )1أي إذا قيل لهم اعبدوا هللا وال تشركوا ب6ه ش6يًئا ق6الوا كم6ا ق6ال ق6وم ن6وح من قب6ل { :ال تََ 6ذر َُّن
ق َونَ ْسرًا }(.)2 آلِهَتَ ُك ْم َوال تَ َذر َُّن َو ًّدا َوال س َُواعًا َوال يَ ُغ َ
وث َويَعُو َ
كذلك هؤالء المشركون كان الجدال الذي بينهم وبين الرسول هو في عب66ادة هللا وح66ده ال ش66ريك ل66ه،
فالرسول يقول لهم قولوا ال إله إال هللا تفلحوا وهم يقولونَ { :أ َج َع َل اآللِهَةَ ِإلَهًا َو ِ
احدًا }(.)3
ويقولون هذا دين آبائنا وأجدادنا حتى إن أبا طالب عند الوفاة لما طلب منه الرسول أن يقول « :ال إله
6،وملة عبد المطلب عب6ادة األص6نام .ه6ذا ه6و ()4
إال هللا » أبى أن يقولها .وقال :هو على ملة عبد المطلب
محل النزاع بين الرسل وبين األمم فالرسل يقولون لألمم اعبدوا هللا وال تشركوا به ش66يًئا ولكن المش66ركين
أبوا إال البقاء على عبادة األصنام ،فالخصومة بين الرسل وبين األمم هي في توحيد األلوهي66ة .أم66ا توحي66د
الربوبية فهو محل إجماع عند الجميع لم يخالفوا فيه وإنم66ا خ66الفوا في توحي66د األلوهي66ة فه66و مح66ل ال66نزاع
وهو الذي شرع من أجله الجهاد في سبيل هللا يقول الرسول « : أمرت أن أقات66ل الن66اس ح66تى يقول66وا ال
إله إال هللا »(.)5
فل66و ك66ان الرس66ول يطلب منهم اإلق66رار بتوحي66د الربوبي66ة م66ا ص66ار بينهم خص66ومة وال ن66زاع ألنهم
معترفون به [ .كما كانوا يدعون هللا سبحانه ليالً ونها ًرا ] وه66ذا أم66ر ث66ان من ش66أن المش66ركين كم66ا أنهم
أيض6ا يعب66دون هللا فيدعون66ه ويحج66ون إلى ال66بيت ويعتم66رون ويتص66دقون
يع66ترفون بتوحي66د الربوبي66ة فهم ً
ويعبدون هللا بأنواع من العبادة لكنهم يخلطونها بالشرك بحيث يعبدون هللا ويعبدون غيره ،وه66ذا ال ينفعهم
شيًئ ا ألن الشرك يبطل عبادتهم فالعبادة ال تنفع إال مع اإلخالص ولهذا يقول جل وعالَ { :وا ْعبُد ْ
ُوا هَّللا َ َوالَ
وا بِ ِه َش ْيًئا }( )6وقال سبحانه وتعالى { :فَ َمن َكانَ يَرْ ُج66و لِقَ66ا َء َربِّ ِه فَ ْليَ ْع َم6لْ َع َماًل َ
ص6الِحًا َوال ي ُْشِ 6ر ْك تُ ْش ِر ُك ْ
بِ ِعبَا َد ِة َربِّ ِه َأ َحدًا }( .)7ما اقتصر على قوله فليعمل عمالً صالحًا.
بل البد أن يتجنب الشرك فإذا كان لم يتجنب الشرك ولو كان يعمل أعماالً كثيرة فإنها تبطل وال تنفع.
فالمشركون كان عندهم عبادات هلل عز وجل وهي من بقايا دين إبراهيم الخليل عليه السَّالم ،فك6انوا في
البداية على دين إبراهيم ولكن لما جاء عمرو بن لحي الخزاعي غيّر دينهم وأدخل فيه الش66رك ،لكن بقيت
صا إذا وقعوا في الش66دة ف66إنهم يخلص66ون
بقايا من دين إبراهيم عندهم وهم مشركون فهم يدعون هللا خصو ً
( )1ص~5:
( )3ص~5:
رواه البخاري في صحيحه 6/17،18من حديث المسيب بن حزن رضي هللا عنه كتاب التفسير (س6ورة القص6ص) ،وانظ6ر الفتح ()4
.3/222 ،6-8/5
( )5رواه البخاري في صحيحه ،141-9/140كتاب االعتصام باب االقتداء بسنن رسول هللا ... من حديث أبي هريرة رضي هللا عنه
وفي رواية « :إلى أن يشهدوا أن ال إله إال هللا » صحيح البخاري 12 6 ،1/11كتاب اإليمان باب فإن تابوا وأقاموا الصالة وآت66وا الزك66اة
فخلّوا سبيلهم.
( )6النساء36 :
11
الدعاء هلل عز وجل ويتركون دع66اء األص66نام ألنه66ا ال تنف66ع في ه66ذا الموق66ف وال تنج66دهم في وقت الش66دة
ض َّ 6ل َمن تَ ْ 6د ُعونَ ِإالَّ ِإيَّاهُ فَلَ َّما نَجَّا ُك ْم ِإلَى ْالبَ ِّ 6ر
ض 6رُّ فِي ْالبَحْ ِ 6ر َ
عليهم به66ذا فق66ال س66بحانهَ { :وِإ َذا َم َّس ُ 6ك ُم ْال ُّ
ص6ينَ لَ6هُ الِّ 6دينَ َأ ْع َرضْ تُ ْم َو َكانَ اِإل ْن َسانُ َكفُورًا }( )1وقال تعالىَ { :وِإ َذا غ َِشيَهُم َّموْ ٌج َك ُّ
الظلَ ِل َدعَُ 6وا هَّللا َ ُم ْخلِ ِ
ار َكفُ ٍ
ور }(.)2 فَلَ َّما نَجَّاهُ ْم ِإلَى ْالبَرِّ فَ ِم ْنهُم ُّم ْقت ِ
َص ٌد َو َما يَجْ َح ُد بِآيَاتِنَا ِإالّ ُكلُّ خَ تَّ ٍ
فالعبادات إذا خالطها شرك تكون باطلة .فالذين يَّ 6دعون اإلس66الم اآلن ويص66لّون ويص66ومون ويح ّج66ون
ولكنهم يَ ْ 6دعُون الحس66ين والب66دوي وعب66د الق66ادر الجيالني ه66ؤالء مث66ل المش66ركين األولين؛ فالمش66ركون
يتعبدون هلل عز وجل ولكنهم يدعون الالت والعزى ومناة الثالثة األخ66رى وال يقول66ون إن ه6ذه أرب66اب ب66ل
يقولون هذه تقربنا إلى هللا زلفى نري6د منه6ا ال6زلفى عن6د هللا والتق6رب إلى هللا ،فهي وس6ائط وش6فعاء بينن6ا
وبين هللا .وهؤالء يقولون الحسن والحسين وعبد القادر والب66دوي إنم66ا هم ش66فعاء لن66ا عن66د هللا وال يقول66ون
إنهم يخلقون ويرزق6ون ويتص6رفون في ش6يء من األم6ور وإنم6ا ه6ذا هلل ع6ز وج6ل ،إنم6ا ه6ؤالء وس6ائط
وشفعاء .ويقول بعض الناس هؤالء مسلمون فنقول ولماذا ال يكون كفار قريش مسلمين أيضًا؟!.
وهذا القائل ليس عنده فهم للتوحيد وال بصيرة ألنه ما فهم التوحي6د .وال6واجب على اإلنس6ان أن يع6رف
هذا األمر ألنه مهم جدًا وهذه هي الثقافة الص66حيحة .ليس66ت الثقاف66ة أن تع66رف أح66وال الع66الم والحكوم66ات
والسياسات ،هذه ثقافة ال تنفع وال تضر .الثقافة التي تنفع هي معرفة التوحيد الصحيح ومعرفة م66ا يض66اده
من الشرك أو ينقصه من البدع والمحدثات ،هذه هي الثقافة الصحيحة وهذا هو المطلوب من المس66لم ومن
طالب العلم أن يعرف التوحيد وأن يدعو إليه هذا هو المطلوب .ماذا ينفع العلم الكثير من غير تحقيق ومن
غير بصيرة؟ ال ينفع شيًئا وال يفيد صاحبه شيًئا إذا لم يكن مبنيًا على تحقي66ق وتوحي66د وعب66ادة هلل ومعرف66ة
للحق من الباطل فإنه ال ينفع صاحبه إذا كان مجرد اطالع أو مجرد ثقافة عامة.
ص*الحا مث*ل
ً [ ثم منهم من يدعو المالئكة ألجل صالحهم وقربهم من هللا ليشفعوا له ،أو ي*دعو رجالً
الالت أو نبيًا* مثل عيسى ] هؤالء المشركون متفرقون في عباداتهم منهم من يعبد المالئكة ومنهم من يعبد
عيسى بن مريم ومنهم من يعبد ال َّ
صالحين .هذا دين المشركين وه66و الواقع في كث66ير من الع66الم اإلس66المي
اليوم مع األسف يعب6دون هللا ويح ّج66ون ويص6ومون ويص66لّون لكنهم واقع66ون في الش6رك األك6بر فيعب6دون
األموات ويذبحون لهم ويستغيثون بهم وقد يعتذر لهم بعض من ال بصيرة عنده بالتوحيد.
فيق66ول :ه6ؤالء مع66ذورون وال يعتق66دون في األم66وات أنهم يخلق66ون ويرزق66ون وإنم66ا اتخ66ذوهم وس66ائط
وشفعاء ،فإن استحيى قال :هؤالء مخطئون وربم66ا يق66ول :ه66ؤالء مجته66دون والمجته66د م66أجور أو يق66ول:
هؤالء جهال ،وكيف يكونون جهاالً والقرآن يتلى عليهم واألحاديث تس66مع وكالم أه66ل العلم ي66تردد عليهم،
بل هؤالء معاندون ألنهم قد قامت عليهم الح ّجة فلم يقبلوها .وهناك من يقول إن اإلنسان مهما فعل ومهم66ا
قال ال يحكم عليه بالكفر وال بالشرك حتى يعلم ما في قلبه ،ويا سبحان هللا هل نحن نعلم م66ا في القل66وب أو
هللا الذي يعلم م66ا في القل66وب؟ نحن نحكم على الظ66واهر أم66ا الب66واطن فال يعلمه66ا إال هللا س66بحانه وتع66الى،
12
فالذي يعمل بالشرك يحكم عليه أنه مشرك ويعامل معامل66ة المش66ركين ح66تى يت66وب إلى هللا تع66الى ويل66تزم
بعقيدة التوحيد .كما أن الذي يعمل بالتوحيد وينطق بالشهادتين يعامل معاملة المسلمين ما لم يظهر منه م66ا
يناقض ذلك فنعامل كالً حسب ما يظهر منه.
[ وعرفت أن رسول هللا قاتلهم على هذا الشرك *،ودع*اهم إلى إخالص العب*ادة هلل وح*ده ،كم*ا ق*ال
سا ِج َد هَّلِل ِ فَال تَ ْدعُوا َم َع هَّللا ِ َأ َحدًا }( ] )1أي وعرفت أن تَ َعبُّدهُم هلل مع الشرك به لم ينفعهم
تعالىَ { :وَأنَّ ا ْل َم َ
ألن الرسول لم يقبله منهم بل دعاهم إلى إفراد هللا بالعبادة وترك عبادة ما سواه .وهذه اآلية تمن66ع عب66ادة
المالئكة وتمنع عبادة الرسل وتمنع عبادة الصالحين ففيها إبطال عبادة غ66ير هللا ع66ز وج66ل كائنً66أ من ك66ان
ولو كان أصحابها ال يعتقدون فيهم أنهم يخلقون ويرزقون.
وإنم6ا يقول6ون إن ه6ؤالء ص6الحون فيتخ6ذونهم وس6ائط بينهم وبين هللا وش6فعاء لهم عن6د هللا عَّ 6ز وجَّ 6ل
يقربونهم إلى هللا زلفى كما قال تعالىَ { :ويَ ْعبُ ُدونَ ِمن دُو ِن هَّللا ِ َما الَ يَضُرُّ هُ ْم َوالَ يَنفَ ُعهُ ْم َويَقُولُ66ونَ هَـُؤال ِء
ُشفَ َعاُؤ نَا ِعن َد هَّللا ِ }( )2وفي زماننا الحاضر يقولون هؤالء وسائل نتوس6ل بهم إلى هللا ع6ز وج6ل وه6ذا كل6ه
دين الجاهلية وهو باطل .ألنّه عبادة لغير هللا عز وجل.
س*ت َِجيبُونَ لَ ُهم بِ َ
ش* ْي ٍء }( ])3ل6ه دع6وة [ وكما قال تعالى { *:لَهُ َدع َْوةُ ا ْل َح* ِّ
ق َوالَّ ِذينَ يَ* ْدعُونَ ِمن دُونِ* ِه الَ يَ ْ
الحق أي العبادة الصحيحة كما قال تعالىَ { :أال هَّلِل ِ الدِّينُ ْالخَ 6الِصُ }( )4وهللا ج6ل وعال ال يقب66ل إال دع66وة
الحق يعني الدين الخالص ،أما الذي يعبد هللا ويعبد معه غيره فهذه دعوة شرك ال يقبلها هللا.
وقولهَ { :والَّ ِذينَ يَ ْد ُعونَ ِمن دُونِ ِه } عام في كل من دعي من دونه سواء من المالئكة أو من الرسل أو
من الصالحين أو من األصنام أو من أي شيء وقوله { :الَ يَ ْس6ت َِجيبُونَ لَهُم بِ َشْ 6ي ٍء } أي ال يس66تجيبون لمن
دعاهم بشيء ألنهم عاجزون ال يقدرون على شيء.
( فائدة في بيان معنى الرب واإلله )
هللا جل وعال في القرآن ذكر الرب في مواضع ،وذكر اإلله في مواضع .خذ مثالً سورة الن66اس ،يق66ول
فم6ا الف6رق اسِ ،إلَِ 6ه النَّ ِ
اس } 6ك النَّ ِ سبحانه وتعالى :بسم هللا الرحمن الرحيم { قُلْ َأعُو ُذ بَِ 6ربِّ النَّ ِ
اسَ ،ملِ ِ
()5
بين رب الناس وإله الناس؟ ه6ل هم66ا بمع66نى واح6د؟ إ ًذا يك66ون الكالم مك66ررًا أو أنهم66ا بمعن66يين فالب66د من
ت َّ
الس6ب ِْع َو َربُّ معرفة الفرق بينهم6ا ،وكث66يرًا م6ا ي6أتي ذك6ر ال6رب كقول66ه تع6الى { :قُ6لْ َمن رَّبُّ َّ
السَ 6ما َوا ِ
ش ْال َع ِظ ِيمَ ،سيَقُولُونَ هَّلِل ِ }( .)6فتكرر لفظ الرب وتكرر لفظ اإلله فما مع66نى ك66ل منهم66ا؟ ف6الرب معن6اه
ْال َعرْ ِ
13
المربي لخلقه بنعمه ومغذيهم برزقه تربية جسمية باألرزاق والطعام ،وتربية قلبية روحية ب66الوحي والعلم
النَّافع وإرسال الرسل.
ومن معاني الرب أنه المالك للسماوات واألرض فرب الشي مالكه والمتصرف فيه ،ومن معاني الرب
المصلح الذي يصلح األشياء ويدفع عنه66ا م66ا يفس66دها ،فاهلل س6بحانه وتع66الى ه66و ال66ذي يص66لح ه6ذا الك66ون
وينظمه على مقتضى إرادته وحكمته سبحانه وتعالى .أما اإلله فمعناه المعبود من أله يأله بمعنى عبد يُعبَد
فإله معناه معبود وليس معناه الرب وإنما معناه المعبود واإللهية هي العبادة والوله هو الحب ألنه س66بحانه
وتعالى يحبه عباده المؤمنون ويخافونه ويرجونه ويتقرب66ون إلي66ه .ه66ذا ه66و مع66نى اإلل66ه فت66بين الف66رق بين
معنى الرب ومعنى اإلله وأنهما ليسا بمعنى واحد ومن قال إنهما بمعنى واحد فقد غلط ،والعلم66اء يقول66ون
إذا ذكرا جميعًا صار الرب له معنى واإلله له معنى 6،وإذا ذكر واحد دخل في66ه مع66نى ال66رب أم66ا إذا ذك66را
جميعًا مثل ما في سورة الناس فإنه يكون للرب معنى ولإلله معنى آخر كما في لف66ظ الفق66ير والمس66كين إذا
ص6ار للفق6ير مع6نى وللمس6كين 6را ِء َو ْال َم َس6ا ِك ِ
ين } ات لِ ْلفُقَ َ ذكرا جميعًا كما في قوله تعالىِ { :إنَّ َما ال َّ
ص َدقَ ُ
()1
معنى ،فالفقير هو الذي ال يجد شيًئا وأما المسكين فهو الذي يجد بعض الكفاية فالمس66كين أحس66ن ح66االً من
الفقير .ومث6ل لف6ظ اإلس6الم واإليم6ان إذا ذك6ر اإلس6الم واإليم6ان ص6ار اإلس6الم معن6اه األعم6ال الظ6اهرة
واإليمان معناه األعمال الباطنة كما في حديث جبريل :قال أخبرني عن اإلسالم قال » :اإلس66الم أن تش66هد
أن ال إل66ه إال هللا وأن محم6دًا رس66ول هللا وتقيم الص66الة وت66ؤتي الزك66اة وتص66وم رمض66ان وتحج ال66بيت إن
استطعت إليه سبيالً » .فسّره باألركان الظاهرة .قال أخبرني عن اإليمان قال » :أن ت66ؤمن باهلل ومالئكت66ه
6.فسّره باألعمال الباطن6ة وه6و إيم6ان القلب. ()2
وكتبه ورسله واليوم اآلخر وتؤمن بالقدر خيره وشره »
هذا إذا ذكرا جمي ًع ا صار لكل واحد معنى وإذا ذكر أحدهما وحده دخل فيه اآلخر .ومن هنا نعرف الف66رق
ضا بين توحيد الربوبية وتوحي66د األلوهي66ة فتوحي66د الربوبي66ة ه66و اإلق66رار ب66أن هللا ه66و الخ66الق وال66رازق
أي ً
المحيي المميت أي االعتراف بأفعال هللا سبحانه وتعالى؛ وتوحيد األلوهية معناه إف66راد هللا بأعم66ال العب66اد
التي يتقربون بها إليه مم66ا ش66رع .ه66ذا مع66نى توحي66د األلوهي66ة فهن66اك ف66رق بين توحي66د الربوبي66ة وتوحي66د
األلوهية وما دمنا قد عرفنا معنى توحيد الربوبية وتوحيد األلوهي66ة ن66أتي إلى حال66ة المش66ركين ال66ذين بعث
إليهم رسول هللا فإنهم كانوا مقرّين بالنّوع األول الذي هو توحي الربوبي66ة ولم ي66دخلهم في اإلس66الم ،ب66ل
اعتبرهم الرس66ول كف66ارًا مش66ركين وق66اتلهم وهم يق66رون بتوحي66د الربوبي66ة ،فهم أق66روا بتوحي66د الربوبي66ة
وجحدوا توحيد األلوهي66ة لم66ا طلب منهم أن يف66ردوا هللا بالعب66ادة وي66تركوا عب66ادة األص66نام ق66الواَ { :أ َج َعَ 6ل
ألنه قال لهم قولوا ال إله إال هللا فهم فهموا مع6نى ال إل6ه إال هللا ()3
احدًا ِإ َّن هَ َذا لَ َش ْي ٌء ع َُجابٌ }
اآللِهَةَ ِإلَهًا َو ِ
وه66و أن66ه ال يعب66د إال هللا وح66ده ال ش66ريك ل66ه وهم لهم أص66نام ولهم معب66ودات كث66يرة ال يري66دون تركه66ا
( )2رواه اإلمام مسلم في صحيحه )1( 38-1/36كتاب األيمان ( )1باب بيان اإليمان واإلسالم واإلحسان ووجوب اإليمان بإثبات 6قدر
هللا سبحانه وتعالى وبيان الدليل على التبري ممن ال يؤمن بالقدر وإغالظ القول معه من حديث عمر بن الخطاب رضي هللا تعالى عنه .
( )3ص5:
14
واالقتصار على عبادة هللا وهذا ال يرضيهم ولذلك أنكروا وقالواَ { :أ َج َع َل اآللِهَ6ةَ ِإلَهً66ا َو ِ
اح 6دًا } طلب من66ا
أن نعبد هللا وحده ونترك عبادة الالت والعزى ومناة وهبل وغيرها من األصنام هذا شيء ال يعقل عن66دهم
{ َما َس ِم ْعنَا بِهَ َذا فِي ْال ِملَّ ِة ِ
اآلخ َر ِة }( )1مل6ة آب6ائهم فه6ذا احتج6اج بم6ا علي6ه آب6اؤهم؛ الحج6ة الملعون6ة ال6تي
احتجت بها األمم من قبل إذا دعوا إلى عبادة هللا .حتى فرعون يقول { :فَ َم6ا بَ6ا ُل ْالقُ6رُو ِن اُألولَى }( )2فهم
ل ّم ا فهموا معنى ال إله إال هللا استغربوا هذا واستنكروه وتواصوا برفضه وفي اآلية األخرى يقول س66بحانه
يل لَهُ ْم ال ِإلَهَ ِإالّ هَّللا ُ يَ ْستَ ْكبِرُونَ َ ،ويَقُولُونَ َأِئنَّا لَت ِ
َار ُكوا آلِهَتِنَا لِ َشا ِع ٍر َّمجْ نُو ٍن }(.)3 فيهمِ { :إنَّهُ ْم َكانُوا ِإ َذا قِ َ
وهذا يبين معنى ال إله إال هللا تما ًما ويوضحه ويقطع الجدال ،فإن فيه ردًا على من غلط في معنى ال إله
إال هللا .فعلماء الكالم في مق6رراتهم وعقائ66دهم يقول66ون ال إل66ه إال هللا معناه66ا ال خ6الق وال رازق وال ق66ادر
على االختراع إال هللا هذا معنى اإلله عندهم.
يقول شيخ اإلسالم ابن تيمية رحمه هللا تعالى « :والحاذق منهم من يقول :اإلله هو القادر على االختراع
وهذا غلط وجهل كبير باللغة وبالشرع المطه66ر إذ مع66نى اإلل66ه المعب66ود ال66ذي تأله66ه القل66وب وتخض66ع ل66ه
وتتقرب إليه »( )4فهم لم يفهموا مع6نى اإلل6ه ول6ذلك يقول6ون ال إل6ه إال هللا ويك6ثرون ،ولهم أوراد في اللي6ل
والنهار يرددونها ومع هذا يعبدون القبور واألضرحة ويستغيثون بغير هللا عز وجل .فلم يفهم66وا مع66نى ال
إله إال هللا وأنها تطلب منهم ترك عبادة القب6ور واألض6رحة وعب6ادة م6ا س6وى هللا من األص6نام واألش6جار
واألحجار فإذا قالوها لزمهم ترك عبادة األوثان ،أما هؤالء فقالوها وعبدوا غير هللا ،فاألولون أحذق منهم
ولهذا يقول الشيخ :ال خير في رجل جهّا ُل المشركين أعل ُم منه بمعنى ال إله إال هللا.
[ وتحققت أن رسول هللا إنما قاتلهم ليكون الدعاء كله هلل والنذر كله هلل والذبح كله هلل واالستغاثة
كلها هلل وجميع أنواع العبادة كلها هلل ] أي ال يك66ون بعض ذل66ك هلل وبعض66ه للب66دوي وبعض66ه هلل وبعض66ه
للحسين ،البد أن يكون الدعاء كله هلل والذبح كله هلل والنذر كله هلل وسائر العبادات كلها هلل وهذا ه66و ال66دين
الصحيح ،أما أن تكون العبادة مشتركة بين هللا وبين القبور واألض66رحة واألولي66اء والص66الحين فه66ذا ليس
هو التوحيد بل هذا هو دين المشركين وإن كان صاحبه يعترف بتوحي66د الربوبي66ة ويص66وم ويص66لي ويحج
ويعتمر إلى غير ذلك.
[ وعرفت أن إقرارهم بتوحيد الربوبية* لم يدخلهم في اإلسالم ] أي لما كان إقرارهم بتوحيد الربوبي66ة
الذي ذكره هللا عنهم وسجله عليهم لم يدخلهم في اإلسالم ،د ّل على أن التوحي66د المطل66وب ليس ه66و توحي66د
الربوبية وإنما هو توحيد األلوهية وهو الفارق بين المسلم والكافر أما توحيد الربوبية فكل مقر ب66ه المس66لم
والكافر وهو ال ينفع وحده.
( )1ص~7:
( )4انظر معنى 6كالمه في التدمرية ص ،186 ،185تحقيق محمد بن عودة السعوي وفي مجموع الفتاوي . 13/203
15
[ وأن قصدهم المالئكة واألولياء* يري*دون ش*فاعتهم والتق*رب إلى هللا ب*ذلك ه*و ال*ذي أح*ل دم*اءهم
وأموالهم ] أي أنهم لم يقولوا إن المالئكة واألنبياء واألولياء الذين يعب66دونهم يخلق66ون ويرزق66ون ويحي66ون
ويميتون ما قالوا هذا وإنما اتخذوهم شفعاء ووسائط بينهم وبين هللا كم66ا ق66ال تع66الىَ { :ويَ ْعبُُ 6دونَ ِمن دُو ِن
هَّللا ِ َما الَ يَضُرُّ هُ ْم َوالَ يَنفَ ُعهُ ْم َويَقُولُونَ هَـُؤال ِء ُشفَ َعاُؤ نَا ِعن َد هَّللا ِ }( )1ما أرادوا منهم إال الشفاعة وزعموا أن
هذا تعظيم هلل يقولون :هللا عظيم ما يمكن أن نصل إليه بدعائنا لكن نتخذ من يوصل إليه حاجاتنا من عباده
الصالحين ،من المالئكة والرسل والصالحين فقاسوا هللا على ملوك ال66دنيا ال66ذين يتوس66ط عن66دهم أص66حاب
الحاجات بالمقربين عندهم ،فهم لم يعتقدوا فيهم أنهم يخلقون ويرزقون كما يق66ول الجه66ال :إن الش66رك ه66و
اعتقاد أن أحدًا يخلق مع هللا أو يرزق مع هللا ،هذا ما قاله أحد من عقالء بني آدم ،وإنم66ا قص66دهم الش66فاعة
وفي اآلية األخرىَ { :ما نَ ْعبُ ُدهُ ْم ِإالّ لِيُقَرِّ بُونَا ِإلَى هَّللا ِ ُز ْلفَى }( )2يقول6ون نحن عب6اد ض6عفاء وهللا ج6ل وعال
شأنه عظيم وال نتوصل إليه فهؤالء يقربونا إلى هللا زلفى ،شبّهوا هللا بملوك الدنيا هذا هو أصل الكفر فدل
على أنهم لم يعتقدوا فيهم الشرك في الربوبية وإنما اعتقدوا فيهم الشرك في األلوهية فإذا س66ألت أي واح66د
اآلن يذبح للقبور أو ينذر لها ما الذي حملك على هذا؟ فإنهم يقولون كلهم بلسان واحد :وهللا ما اعتقدنا أنهم
يخلقون ويرزقون وأنهم يملكون ش66يًئا من الس66ماوات واألرض إنم66ا اعتق66دنا أنهم وس66ائط ألنهم ص66الحون
يوصلون إلى هللا حاجاتنا ويبلغونه حاجاتنا هذا قصدنا .ومع هذا سماهم هللا مشركين وأم66ر نبي66ه بجه66ادهم
ْث َو َج 6دتُّ ُموهُ ْم َو ُخُ 6ذوهُ ْم َواحْ ُ
ص6رُوهُ ْم وا ْال ُم ْشِ 6ر ِكينَ َحي ُ انس6لَخَ اَأل ْش6هُ ُر ْالحُُ 6ر ُم فَ6ا ْقتُلُ ْ
كما قال تعالى { :فَِ6إ َذا َ
َّحي ٌم }( )3م6ع صالَةَ َوآتَ ُو ْا ال َّز َك6اةَ فَ َخلُّ ْ
وا َس6بِيلَهُ ْم ِإ َّن هَّللا َ َغفُ6و ٌر ر ِ وا ال َُّوا َوَأقَا ُم ْ
ص ٍد فَِإن تَاب ْ َوا ْق ُعد ْ
ُوا لَهُ ْم ُك َّل َمرْ َ
أنهم يقولون ال نعتقد أنهم يخلقون ويرزقون ويدبِّرون مع هللا وإنما قصدنا اتخاذهم وسائط فنحن ن66ذبح لهم
ونن66ذر لهم ونتوس66ل بهم ألن هللا ال يص66ل إلي66ه ش66يء من أمورن66ا إال بواس66طتهم ،فهم يوص66لونه إلى هللا
ويكونون وسائط يقربوننا إلى هللا زلفى وشفعاء عند هللا ،هذه شبهتهم قدي ًما وهذه شبهة عباد القب66ور الي66وم.
ت قُلُوبُهُ ْم } فتشابهت أقوالهم وأفعالهم.
{ تَ َشابَهَ ْ
[ عرفت حينئ ٍذ التوحيد الذي دعت إليه الرسل وأبى عن اإلقرار به المشركون ] أي إذا فهمت ما سبق
من اآليات البينات التي تدل على أن المشركين األولين لم يشركوا في الربوبية وإنما أشركوا في األلوهي66ة
فاتخذوا اآللهة من دون هللا لتقربهم إلى هللا عز وجل وتشفع لهم عنده .إذا تبين لك هذا .عرفت أن التوحي66د
الذي دعت إليه الرسل وجح66ده المش66ركون ه66و توحي66د األلوهي66ة ال توحي66د الربوبي66ة وأن اإلق66رار بتوحي66د
الربوبية وحده ال يكفي وال يدخل من أق ّر به في اإلسالم.
ومعرفة ذلك أمر مهم جدًا إذ به يعرف التوحيد والشرك واإلسالم والكفر .والجهل ب6ذلك ض6رره عظيم
وخطره كبير ألن اإلنسان قد يخرج من اإلسالم وهو ال يدري.
( )1يونس18:
( )2الزمر3:
16
[ وهذا التوحيد هو معنى قوله :ال إله إال هللا ] أي معنى ال إل66ه إال هللا ه66و توحي66د األلوهي66ة ال توحي66د
الربوبية ألنه لو كان معناها توحيد الربوبية لما قال الرسول للمشركين قولوا ال إله إال هللا ألنهم يقول66ون
إن هللا هو الخالق الرازق المحيي المميت وإن66ه حينئ ٍذ يطلب منهم م66ا ه66و تحص6يل حاص6ل ويق6اتلهم على
شيء يعترفون به ويقرون به؛ وهذا القول باطل.
[ فإن اإلله عندهم هو الذي يقصد ألجل هذه األمور سواء كان مل ًكا أو نبيًا* أو وليًا أو شجرة أو ق**ب ًرا
أو جنيًا ] هذا تعليل لما سبق في تقرير معنى ال إله إال هللا وأن66ه توحي66د األلوهي66ة ألن اإلل66ه عن66د مش66ركي
العرب هو الذي يقصد لقضاء الحاجات وتفريج الكربات وإغاثة اللهفان وليس اإلله عندهم هو الذي يخلق
ويرزق ويدبر ليس هذا هو اإلله عندهم فالشرك عندهم لم يق6ع في توحي66د الربوبي6ة وإنم66ا وق6ع في توحي66د
اإللهية.
[ لم يريدوا أنّ اإلله هو الخالق الرازق المدبَّر ،فإنهم يعلمون أن ذلك هلل وحده ،كما قدمت ل**ك وإنم**ا
يعنون باإلله ما يعني المشركون في زماننا* بلف**ظ «الس**يد» ] أي ليس اإلل66ه عن66د المش66ركين األولين ه66و
الخالق ال66رازق الم66دبر ألن ه66ذا مع66نى ال66رب ،وف66رق بين مع66نى ال66رب ومع66نى اإلل66ه وف66رق بين توحي66د
الربوبية وتوحيد األلوهية ،وإنما يعنون باإلله ما يعني المشركون في زماننا أي زمان المؤلف بلفظ الس66يد
وإلى اآلن يسمون هؤالء الذي ي ّدعون صالحهم ويتقرب66ون إليهم يسّ 6مونهم الس66ادة كالس66يد الب66دوي والس66يد
الرفاعي والسيد التيجاني ،إلى غير ذلك يعتقدون أن هؤالء السادة لهم منزلة عند هللا ت66ؤهلهم أن يتوس66طوا
لهم عند هللا وتؤهلهم أن يُدعوا من دون هللا ويذبح وينذر لهم ويط66اف بقب66ورهم ويت66برك به66ا .فالمش66ركون
األولون يسمون هذه األشياء آلهة والمشركون المتأخرون يسمون ه66ذه األش66ياء وس66ائط ووس66ائل وش66فعاء
واألسماء ال تغيّر الحقائق فهي آلهة.
[ فأتاهم النبي* يدعوهم إلى كلمة التوحي*د وهي :ال إل*ه إال هللا ،والم*راد من ه*ذه الكلم*ة معناه**ا ال
مجرد لفظه**ا ] أي أن الن6بي دع6ا المش6ركين إلى تحقي6ق مع6نى :ال إل6ه إال هللا ال6تي هي كلم6ة التوحي6د،
ومعناها :ال معبود بحق إال هللا وهو الذي بعث هللا به رس66وله إلى المش66ركين ولم يبعث66ه إليهم ي66دعوهم إلى
توحيد الربوبية ألنهم مق ّرون به وهو ال يكفي ،ألنه قاتلهم وهم يق66رون ب66ه ،ومن ق66ال إن66ه يكفي فإن66ه يل66زم
عليه تغليط الرسول وأنه قاتل أناسًا مسلمين يعترفون بال إله إال هللا إذا فس66رناها بتوحي66د الربوبي66ة وه66و
اإلقرار بالخالق الرازق القادر على االختراع .ومع األسف هذا التفسير الخاطئ لال إله إال هللا موج66ود في
كتب العقائد التي ألّفها علماء الكالم وعلماء المنطق من المعتزل66ة واألش66اعرة وال66تي ت66درّس في كث66ير من
المعاه66د اإلس66المية اآلن .وعقائ66دهم مبني66ة على ه66ذا ال66رأي وأن اإلل66ه معن66اه الق66ادر على االخ66تراع فمن
اعترف أن هللا هو الخالق الرازق يعتبر موحدًا وأما من اعتقد أن أح6دًا يخل66ق أو ي66رزق م66ع هللا فه66ذا ه66و
المشرك عندهم مع أن الشرك إنما وقع في توحيد األلوهية ولم يقع في هذا وليس هذا ه6و مع66نى ال إل6ه إال
هللا.
وإنما معناها :ال معبود بحق إال هللا فمن قال :ال إله إال هللا وجب علي66ه أن يُف66رد هللا بالعب66ادة وأن ي66ترك
عبادة ما سواه ،فإن المقصود من هذه الكلم66ة معناه66ا والعم66ل بمقتض66اها ال مج66رد النط66ق به66ا دون عم66ل
17
بمعناها ومقتضاها ،فمن قالها وهو يعبد غ6ير هللا لم يكن ع6امالً بمقتض6اها وه6و ت6رك الش6رك ،وال ينفع6ه
مجرد النطق بها ألنه قد ناقض فعله قوله ،والمشركون األولون لما سمعوا هذه الكلمة عرفوا معناها وأن66ه
ليس المقصود التلفظ بها فقط ولذلك قالواَ { :أ َج َع َل اآللِهَةَ ِإلَهًا َوا ِحدًا ِإ َّن هَ َذا لَ َش ْي ٌء ع َُجابٌ }(.)1
وفي وقتنا هذا وجد من يفسّر ال إله إال هللا بأن معناها هو إفراد هللا بالحاكمية وهذا غلط .ألن الحاكمي66ة
جزء من معنى ال إله إال هللا وليست هي األصل لمعنى هذه الكلمة العظيمة ،بل معناها ال معب66ود بح66ق إال
هللا بجميع أنواع العبادات ويدخل فيها الحاكمي66ة ول66و اقتص66ر الن66اس على الحاكمي66ة فق66اموا به66ا دون بقي66ة
أنواع العبادة لم يكونوا مسلمين ،وله66ذا تج66د أص66حاب ه66ذه الفك66رة ال ينه66ون عن الش66رك وال يهتم66ون ب66ه
ويسمونه الشرك الساذج ،وإنما الشرك عندهم الشرك في الحاكمية فقط وهو ما يسمونه الشرك السياس66ي،
فلذلك يركزون عليه دون غيره ،ويفسرون الشرك بأنه طاعة الحكام الظلمة.
[ والكفار الجهال يعلمون أن مراد النبي بهذه الكلمة هو إفراد هللا تعالى* بالتعلق والكفر بما يعبد من
دون هللا والبراءة منه فإنه لما قال لهم :قولوا :ال إل**ه إال هللا ق*الواَ { :أ َج َع* َل اآللِ َه*ةَ ِإلَ ًه*ا َو ِ
اح* دًا ِإنَّ هَ* َذا
لَش َْي ٌء ع َُج ٌ
اب } ] أي الكفار يعرفون مع6نى ال إل6ه إال هللا وله6ذا لم6ا ق6ال لهم قول6وا ال إل6ه إال هللا ق6الوا:
ولما قال لهم قولوا ال إله إال هللا قالواَ { :أِئنَّا لَت ِ
َار ُكوا آلِهَتِنَا لِ َشا ِع ٍر َّمجْ نُو ٍن، { َأ َج َع َل اآللِهَةَ ِإلَهًا َو ِ
احدًا }
()2
ُل6ز ُمهم
فهم فهم6وا مع6نى ال إل6ه إال هللا وأب6وا أن يع6ترفوا ب6ه ألن6ه ي ِ
()3
ق ْال ُمرْ َس6لِينَ }
صَّ 6د َ بَلْ َجا َء بِ ْال َح ِّ
ق َو َ
بترك عبادة األصنام وهم ال يريدون هذا ،وإنما يريدون البقاء على عبادة األصنام .ولم يجرؤوا أن يقول66وا
تناقض6ا وهم ي6أنفون من التن6اقض ،في حين أن كث6يرًا
ً ال إله إال هللا ويبقوا على عبادة األصنام ألن في هذا
من المنتمين إلى اإلس66الم الي66وم ال ي66أنفون من ه66ذا التن66اقض فهم يقول66ون ال إل66ه إال هللا بحروفه66ا ولكنهم
يخالفونها ويعبدون غير هللا من القبور واألضرحة والصالحين بل واألشجار واألحجار وغير ذلك .فهم ال
يفهمون معنى ال إله إال هللا.
فال يكفي التلفظ بال إله إال هللا دون علم بمعناها وعمل بمقتضاها.
بل البد من العلم بمعناها أ ّوالً ثم العمل بمقتضاها ألنه ال يمكن أن يعمل بمقتضاها وه66و يجه66ل معناه66ا
فبدأ بالعلم قب6ل ()4
ولهذا يقول جل وعال { :فَا ْعلَ ْم َأنَّهُ ال ِإلَهَ ِإاَّل هَّللا ُ َوا ْستَ ْغفِرْ ِل َذنبِكَ َولِ ْل ُمْؤ ِمنِينَ َو ْال ُمْؤ ِمنَا ِ
ت}
القول والعمل ،فالذي يجهل معنى ال إله إال هللا ال يمكن أن يعمل بمقتضاها على الوجه الصحيح.
[ فإذا عرفت أن ج ّهال الكفار* يعرفون ذلك فالعجب م ّمن يدّعي اإلسالم وهو ال يع**رف من تفس**ير ه**ذه
الكلمة ما عرفه جهال الكفرة .ب**ل يظن أن ذل**ك ه**و التلف**ظ بحروفه**ا من غ**ير اعتق**اد القلب لش**يء من
المعاني ] هذا من أعجب العجب أن جه66ال الكف66ار والمش66ركين في عه66د الن66بي يعرف66ون أن مع66نى ه66ذه
الكلمة هو إخالص العبادة هلل وترك عبادة غيره فلذلك امتنعوا عن النطق به66ا تحاش 6يًا ل66ترك عب66ادة آلهتهم
( )1ص~5:
( )2ص~5:
18
وتعصبًا لباطلهم؛ ومن يدعي اإلسالم اليوم ال يفهم أن معنى هذه الكلمة هو ترك عبادة القبور واألض66رحة
وإخالص العبادة هلل ،فلذلك ص66ار يقوله66ا وه66و مقيم على ش66ركه ال ي66أنف التن66اقض والجم66ع بين الض66دين
فصار جهال الكفار أعلم منه بمعنى ال إله إال هللا ،وال حول وال ق66وة إال باهلل العظيم .وص66ار ه66ذا الم66دعي
لإلسالم يظن أن المراد بهذه الكلمة هو النطق بحروفها من غير اعتقاد لمعناه66ا فص66ار ي66ردد معه66ا دع66اء
الموتى والمقبورين ليالً ونها ًر.
[ والحاذق منهم يظن أن معناها ال يخلق وال يرزق وال يدبر األمر إال هللا ] كما ذكر ذلك شيخ اإلسالم
ابن تيمية في الرس6الة التدمري6ة وغيره6ا ( )1عن علم6اء الكالم أن اإلل6ه عن6دهم ه6و الق6ادر على االخ6تراع
يعني هو الذي يقدر على الخلق والرزق واإلحياء واإلماتة ويبنون عقائدهم على هذا ويفس66رون ال إل66ه إال
هللا بهذا المعنى ويجعلون التوحيد هو اإلقرار بتوحيد الربوبية وهذا غلط عظيم.
فإذا كان هذا حال العالم منهم فكيف بالجاهل؟ وما هذا إال من قلة االهتمام بدعوة التوحيد وتقلي66د اآلب66اء
واألجداد واالكتفاء من اإلسالم بمجرد االنتساب ألغراض وأهداف دنيوي66ة هللا أعلم به66ا .من غ66ير تع6رّف
على الدين الحقيقي الذي أساسه التوحيد الخالص.
[ فال خير في رجل ُجهَّا ُل الكفار أعلم منه بمعنى ال إله إال هللا ] ال خ6ير في رج6ل ي6دعي اإلس6الم ب6ل
يدعي أنه من أهل العلم وال يفهم معنى ال إله إال هللا وقد فهمها كفار قريش وعرفوا معناها.
إن األمر خطير ،والعار شنيع ،والواجب على المسلمين أن ينتبهوا لدينهم ويتأملوا دعوة نبيهم ويفقه66وا
دينهم فقهًا صحي ًحا ويقيموه على أساس س6ليم من عقي66دة التوحي66د وال66براءة من الش6رك وأهل6ه ،وال يكتف66وا
بمجرد التسمي واالنتساب إليه مع البقاء على الرسوم والع6ادات المخالف6ة ل6ه ،وتردي6د عب6ارات جوف6اء ال
تسمن وال تغني من جوع.
[ إذا عرفت ما قلت لك معرفة قلب ] أي إذا عرفت ما ذكرت لك من الفرق بين توحيد الربوبية وتوحيد
األلوهية وعرفت أن المشركين أق66روا ب66األول وجح66دوا الث66اني فلم ي66دخلهم في اإلس66الم وقُتِلُ66وا واس6تُ ِحلَّت
دماؤهم وأموالهم ،إذا عرفت هذه األمور معرفة قلب ال معرفة لسان فقط كأن يحفظ اإلنس66ان ه66ذا المع66نى
ويُؤديه في االمتحان وينجح فيه ولم يتفقّه في66ه في قلب66ه ويفهم66ه تما ًم66ا فه66ذا ال يكفي .ف66العلم ه66و علم القلب
وعلم البصيرة ال علم اللسان فقط.
[ وعرفت الشرك باهلل الذي قال هللا فيهِ { :إنَّ هَّللا َ الَ يَ ْغفِ ُر َأن يُش َْركَ بِ ِه َويَ ْغفِ ُر َما دُونَ َذلِكَ لِ َمن يَشَاء
] أي الشرك في العبادة ال الشرك الذي هو اعتقاد أن أحدًا يخلق وي6رزق وي6دبر م6ع هللا ب6ل الش6رك ()2
}
الذي ّ
حذر هللا منه هو اعتقاد أن أحدًا يستحق العبادة أو شيًئا من العبادة مع هللا.
فالشرك هو دعوة غير هللا معه أو صرف شيء من أنواع العبادة لغير هللا ،هذا هو الشرك الذي حرم66ه
هللا وحرم على صاحبه الجنة وأخبر أن مأواه النار .وهو الشرك الذي يحبط جميع األعم66ال وه66و الش66رك
( )1انظر التدمرية ص 185تحقيق 6الدكتور محمد بن عودة السعوي ،ومجموع 6الفتاوى 13/203
19
في األلوهية وليس الشرك في الربوبية ،وهذا تنبيه من الشيخ رحمه هللا إلى أنه كما تجب معرف66ة التوحي66د
تجب معرفة الشرك.
[ وعرفت دين هللا الذي أرسل به الرسل من أ َّولهم إلى آخرهم ،الذي ال يقبل هللا من أحد دينًا سواه ]
دين الرسل هو اإلسالم وهو االستسالم هلل بالتوحيد واالنقياد له بالطاعة والخلوص من الشرك وأهل66ه ه66ذا
هو دين الرسل وهذا هو اإلسالم .وأما االنتس66اب إلى اإلس66الم في الظ66اهر دون الب66اطن أو االنتس66اب إلي66ه
بالتسمي فقط دون التزام ألحكامه ،أو االنتس66اب إلي6ه م66ع ارتك66اب م66ا يناقض66ه من الش66رك والوثني66ات ،أو
االنتساب إليه مع الجهل بحقيقته ،أو االنتساب إلي66ه دون م66واالة ألوليائ66ه ومع66اداة ألعدائ66ه فليس ه66ذا ه66و
اإلسالم الذي جاءت به رسل هللا .وإنما هو إسالم اصطالحي مصطنع ال يغ66ني وال ينف6ع عن66د هللا س6بحانه
وتعالى ،وليس هو دين الرسل.
[ وعرفت ما أصبح غالب النّاس فيه من الجهل بهذا ] وهو الجهل بالتوحيد والجهل بالشرك .هذا هو
الذي أوقع كثي ًرا من الناس في الضالل وهو أنهم يجهلون التوحيد الص66حيح ويجهل66ون الش66رك ويفس66رون
كالً منهما بغير تفسيره الصحيح ،هذا هو الذي أوقع كث66يرًا من الن66اس في الغل66ط والكف66ر والش66رك والب66دع
والمحدثات إلى غير ذلك ،وذلك بسبب عدم معرفة ما أمر هللا به من توحي66ده وطاعت66ه ،وم66ا نهى عن66ه من
اإلشراك به ومعصيته فالعوام ال يتعلم66ون 6،وغ66الب العلم66اء مكب66ون على علم الكالم والمنط66ق ال66ذي بن66وا
عليه عقيدتهم وهو ال يحق حقًا وال يبطل باطالً بل هو كما قال بعض العلماء ( :ال ينفع العلم به وال يض66ر
الجهل به)(.)1
ض* ِل هَّللا ِ َوبِ َر ْح َمتِ* ِه فَبِ* َذلِكَ
[ أفادك فائدتين :األولى :الفرح بفضل هللا ورحمته كما قال تعالى { :قُ* ْل بِفَ ْ
ضا الخوف العظيم ] أي العلم بهذه الحقائق يفيدك فائدتين: فَ ْليَ ْف َر ُحوْ*ا ه َُو َخ ْي ٌر ِّم َّما يَ ْج َم ُعونَ }( )2وأفادك أي ً
الفائدة األولى :أنك تفرح بفضل هللا حيث َم َّن عليك بمعرفة الحق من الباطل فإنها نعمة عظيمة ،حُر َم
ك فَ ْليَ ْف َر ُحْ 6
6وا هَُ 6
6و خَ ْيٌ 6ر ِّم َّما يَجْ َم ُع66ونَ } ضِ 6ل هَّللا ِ َوبِ َرحْ َمتِِ 6ه فَبَِ 6ذلِ َ
منها الكثير من الخلق ،قال تعالى { :قُ6لْ بِفَ ْ
وفضل هللا هو اإلسالم ،ورحمته هي القرآن { فَ ْليَ ْف َرح ْ
ُوا } فرح شكر واع66تراف بالنعم66ة .والف66رح بفض66ل
هللا مشروع ألنه شكر هلل سبحانه وتعالى على نعمة التوحيد ومعرفة الشرك وهذه نعمة إذا ُوفّقت له66ا فإن66ه
قد جمع لك الخير كله الفرح بالنعمة مشروع ،أما الفرح المنهي عن66ه فه66و الف6رح بال6دنيا كم66ا ق66ال تع66الى:
ف6الفرح بال6دنيا و ُحطَامه6ا م6ذموم أم6ا ()3
ع} ُوا ِب ْال َحيَا ِة ال ُّد ْنيَا َو َما ْال َحيَ6اةُ الُّ 6د ْنيَا فِي ِ
اآلخَ 6ر ِة ِإالَّ َمتَ6ا ٌ { َوفَ ِرح ْ
الفرح بالدين والفرح بالعلم النافع فهذا مشروع ألن هللا أمر به.
والفائدة الثانية* :أنك إذا عرفت التوحيد الصحيح وعرفت الشرك القبيح فإن ذلك يُفيدك الخوف أن تقع
فيما وقع فيه كثير من الن66اس بالمخالف66ة له66ذا األص66ل والوق66وع في الش66رك وأنت ال ت66دري فال ت66أمن على
( )1انظر كتاب 6الرد على المنطقيين لشيخ اإلسالم ابن تيمية ص( 3بنحوه.)6
20
نفسك من الفتن66ة فال تغ66تر بعمل66ك أو بفهم66ك ،ولكن ق66ل ال ح66ول وال ق66وة إال باهلل واس66أل هللا الثب66ات ،ف66إن
ي َأن نَّ ْعبَُ 6د
إبراهيم الخليل الذي أعطاه هللا من العلم واليقين ما لم يعط غ66يره إال نبيً66ا يق66ولَ { :واجْ نُ ْبنِي َوبَنِ َّ
اس }( )1فإبراهيم لم يأمن على نفسه الفتن6ة م6ع علم6ه ويقين6ه وه6و اَألصْ نَا َمَ ،ربِّ ِإنَّه َُّن َأضْ لَ ْلنَ َكثِيرًا ِّمنَ النَّ ِ
الذي كسَّر األصنام بيده وألقي في النار بسبب ذلك ،ومع هذا يخاف على نفسه من الفتنة ،فال تغتر بعلم66ك
وتأمن على نفسك من الفتنة ولكن كن دائ ًما على حذر من الفتنة بأن ال تز ّل بك القدم وتغ66تر بش66يء يك66ون
سببًا لهالكك وضاللك ،ف66إن بعض المغ66رورين الي66وم يق66ول إن الن66اس تج66اوزوا مرحل66ة الجه66ل والبدائي66ة
وصاروا مثقفين واعين ال يتصور أن يع66ودوا للوثني66ة ،أو نحً 6وا من ه66ذا الكالم الف66ارغ ،ولم يفطن لعب66ادة
األضرحة التي تنتشر في كثير من البالد اإلسالمية ولم ينظر فيما وصل إلي6ه كث6ير من الن6اس من الجه66ل
بالتوحيد.
[ فإنك إذا عرفت أن اإلنسان يكفر بكلمة يخرجها من لسانه وقد يقولها وهو جاهل فال يعذر بالجهل ]
قد يقول اإلنسان كلمة من الكفر تُحبط عمله كله كالرجل الذي قال « :وهللا ال يغفر هللا لفالن ،فقال هللا ج6ل
كلمة واح6دة تج6رأ ()2
وعال :من ذا الذي يتألى علي أن ال أغفر لفالن .إني قد غفرت له وأحبطت عملك »
فيها على هللا وأراد أن يمنع هللا أن يغفر لهذا المذنب ،فاهلل جل وعال أحبط عمله وغضب عليه .واإلنس66ان
قد يتكلم بمثل هذه الكلمة ونحوها فيخرج من دين اإلسالم ،فالذين مع النبي لما قالوا ما رأينا مثل قرائنا
هؤالء أرغب بطونًا وأكذب ألسنًا وأجبن عند اللق66اء يزعم66ون أنهم قالوه66ا من ب6اب الم66دح ويقطع66ون به66ا
الطريق ب66زعمهم ق66ال هللا فيهم { :قُ66لْ َأبِاهَّلل ِ َوآيَاتِِ 6ه َو َر ُس6ولِ ِه ُكنتُ ْم ت َْس6تَه ِْزُؤ ونَ ،الَ تَ ْعتَِ 6ذر ْ
ُوا قَْ 6د َكفَ66رْ تُم بَ ْعَ 6د
دل على أنهم مؤمنون في األول فلما قالوا هذه الكلمة كفروا والعياذ باهلل مع أنهم يقولونها من ()3
ِإي َمانِ ُك ْم }
باب المزح واللعب.
[ وقد يقولها وهو يظن أنها تقربه إلى هللا تعالى كما كان يظن المشركون ] أي يقول كلمة الكفر وهو
{ هَـُؤ ال ِء ()4
يظن أنه66ا تقرب66ه إلى مث66ل م66ا يق66ول المش66ركونَ { :م66ا نَ ْعبُُ 6دهُ ْم ِإالّ لِيُقَرِّ بُونَ66ا ِإلَى هَّللا ِ ُز ْلفَى }
ُشفَ َعاُؤ نَا ِعن َد هَّللا ِ }(.)5
اج َعل لَّنَا
قص عن قوم موسى مع صالحهم وعلمهم ،أنهم أتوه قائلينْ { *:
َّ صا إن ألهمك هللا ما
[ خصو ً
فحينئ ٍذ يعظم حرصك وخوفك على ما يخلّصك* من ه*ذا وأمثال*ه ] ق6وم موس6ى هم ()6
ِإلَـ ًها َك َما لَ ُه ْم آلِ َهةٌ }
بنو إسرائيل الذين آمنوا بموسى خرجوا مع66ه من مصر حيث أم66ره هللا أن يخ66رج بهم ف66راراً من فرع66ون
( )2رواه اإلمام مسلم في صحيحه 4/2023كتاب ( )45البر والصلة واآلداب ( )39باب النهي عن تقنيط 6اإلنسان من رحمة هللا تعالى
حديث رقم .)2621(– 137من حديث جندب رضي هللا عنه.
( )3التوبة 6، 66-65 :انظر جامع البيان في تفسير القرآن البن جرير الطبري 20-10/19وتفسير القرآن العظيم البن كثير-2/351 6
،352وأسباب النزول للواحدي .188-187
( )4الزمر3 :
( )5يونس18:
( )6األعراف138:
21
فخفي عليهم هذا األمر مع أنهم علماء وفيهم صالح وتقوى وخرجوا مع موسى مقاطعين لفرعون وقوم66ه
فلما أتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم أرادوا تقليدهم في ذلك وطلبوا من موس66ى فق66الوا { :اجْ َع66ل لَّنَ66ا
ِإلَـهًا َك َما لَهُ ْم آلِهَةٌ }( )1فأنكر عليهم موسى هذه المقالة وأخبرهم أن عمل هؤالء القوم شرك باهلل ع6ز وج6ل
فانظر كيف خفي عليهم هذا األمر مما يدل على خطورة الجهل بالتوحيد وعدم معرفة حقيق66ة الش66رك مم66ا
يسبب أن اإلنسان قد يقول الكلمة التي تقتضي الكفر والخروج من الدين وه66و ال ي66دري .وال يخلص66ك من
هذا وأمثاله إال العلم الن66افع ال66ذي ب66ه تع66رف التوحي66د من الش66رك ،وتح66ذر ب66ه من الق66ول أو الفع66ل الل66ذين
يوقعانك في الشرك من حيث ال تدري .وهذا يدل على بطالن ق66ول من يق66ول :إن من ق66ال كلم66ة الكف66ر أو
عمل الكفر ال يكفر حتى يعتقد بقلبه ما يقول ويفعل .ومن يقول :إن الجاهل يعذر مطلقًا ول66و ك66ان بإمكان66ه
أن يسأل ويتعلم ،وهي مقالة ظهرت ممن ينتسبون إلى العلم والحديث في هذا الزمان.
[ واعلم أن هللا تعالى بحكمته لم يبعث نبيًا بهذا التوحيد إال جعل له أعداء كم**ا ق**ال تع**الىَ { :و َك* َذلِ َك
*و ِل ُغ* ُرو ًرا }( )2وق*د ض ُز ْخ* ُرفَ ا ْلقَ ْ
ض* ُه ْم ِإلَى بَ ْع ٍ س َوا ْل ِجنِّ يُ ِ
*وحي بَ ْع ُ اطينَ اِإل ن ِ َج َع ْلنَا لِ ُك ِّل نِبِ ٍّي َع ُد ًّوا َ
شيَ ِ
ت فَ ِر ُح* وا يكون ألعداء التوحيد علوم كثيرة وكتب وحجج كما قال تعالى { :فَلَ َّما َج* ا َء ْت ُه ْم ُر ُ
س*لُ ُهم بِا ْلبَيِّنَ**ا ِ
] حكمة هللا تعالى في هذا تتلخص في أمرين: ()3
بِ َما ِعن َدهُم ِّمنَ ا ْل ِع ْل ِم }
ث نبيًا من أنبيائه إال جعل له أعداء من المشركين كما في اآلية التي ذكرها األمر األول :أنه ما بَ َع َ
َص6يرًا }( )4وهلل المؤلف وكما في اآليةَ { :و َك َذلِكَ َج َع ْلنَا لِ ُك ِّل نَبِ ٍّي َع ُد ًّوا ِّمنَ ْال ُمجْ ِر ِمينَ َو َكفَى بِ َربِّ َ
ك هَا ِديًا َون ِ
في ذلك الحكم6ة من أج6ل أن يت6بين الص6ادق من الك6اذب ،ويت6بين المطي6ع من العاص6ي .إذا بعث األنبي6اء
يدعون إلى الهدى صار هناك دعاة للضالل من أجل أن يمتحن الناس أيهم يتب6ع األنبي6اء وأيهم يتب6ع دع6اة
الضالل ،ولوال ذلك لكان الناس كلهم يتبعون األنبي6اء ول6و في الظ6اهر وال يتم6يز الص6ادق في اتِّباع6ه من
المنافق ألن األنبياء يتّبعهم المؤمن الصادق ويتبعهم المنافق الكاذب ،والذي يميز هذا من هذا ه66و االبتالء
واالمتح66ان ،فالش6دائد هي ال6تي ت6بيّن الص6ادقين من المن66افقين فاهلل جع66ل أع66دا ًء لألنبي6اء لحكم66ة من أج66ل
ه666ذه هي ()5
ْض666هُ َعلَ َى بَع ٍ
ْض } 666ل ْالخَ بِ َ
يث بَع َ يث ِمنَ الطَّيِّ ِ
ب َويَجْ َع َ االبتالء واالمتح666ان { لِيَ ِم666يزَ هَّللا ُ ْالخَ بِ َ
الحكمة بأن هللا جعل لكل نبي عد ًوا شياطين اإلنس والجن ،والشيطان هو الم6ارد العاص66ي فك6ل من تم6رد
عن طاعة هللا فإنه شيطان سواء كان من الجن أو من اإلنس ،حتى الدواب المتم66ردة تس66مى ش66يطانًا وه66و
من شاط الشيء إذا اشتد أو من شطن إذا ابتعد ،فالشيطان يك66ون من ع66الم الجن ويك66ون من ع66الم اإلنس،
الزخرف في األصل الذهب وزخرف القول ()6
ْض ُز ْخرُفَ ْالقَوْ ِل }
ضهُ ْم ِإلَى بَع ٍ
ُوحي بَ ْع ُ
وقوله تعالى { :ي ِ
( )1األعراف138:
( )2األنعام112:
( )3غافر83:
( )4الفرقان31:
( )5األنفال37:
( )6األنعام112:
22
هو القول المموّه المز ّور ،ألجل أن يغر الناس .ف66القول المزخ66رف ه66و الباط66ل المغلّ66ف بش66يء من الح66ق
وهذا من أعظم الفتنة ألن الباطل لو كان مكشوفًا م66ا قبل66ه أح66د لكن إذا ُغطي بش66يء من الح66ق فإن66ه يقبل66ه
كثير من الناس وينخدعون بهذه الزخرفة ،فهو باطل في صورة الح66قَ { ،ولَ66وْ َش6ا َء َربُّكَ َم66ا فَ َعلُ66وهُ } هللا
قادر على منعهم من ذلك لكنه شاء أن يفعلوه من أجل االبتالء واالمتحان .وإذا كان هذا مع األنبياء فكي66ف
بغيرهم من الدعاة إلى هللا وعلماء التوحيد فأتباع األنبياء أيضًا يكون لهم أع66داء من دع66اة الباط66ل في ك66ل
زمان وفي كل مكان .هذا مستمر في الخلق وج6ود دع6اة الحّ 6
ق وإلى ج6انبهم دع66اة الباط6ل في ك66ل زم6ان
ومكان.
األمر الثاني* :وهو العجيب أن دعاة الباطل يكون عندهم علوم وعندهم كتب وعندهم حجج يجادلون بها
يع6ني الكف6ار { بِ ْالبَيِّنَ6ا ِ
ت } الحق6ائق البيّن6ة والعلم ()1
ُس6لُهُم }
أهل الحق كما قال تع6الى { :فَلَ َّما َج 6ا َء ْتهُ ْم ر ُ
النافع { فَ ِرحُوا ِب َما ِعن َدهُم ِّمنَ ْال ِع ْل ِم } الذي توارثوه عن أجدادهم وآبائهم والذي هو عبارة عن كتبهم وعن
حججهم ال66تي توارثوه66ا ،وه66ذا واق6ع اآلن ،فكم في الس66احة من كتب أه66ل الباط66ل ككتب الجهمي66ة ،وكتب
المعتزلة ،وكتب األشاعرة ،وكتب الشيعة كم في الساحة من كتب ه66ؤالء! وعن66دهم حجج مركب66ة ومزيف66ة
تغر اإلنسان الذي ليس عنده تمكن من العلم فعلم الكالم وعلم المنطق اعتمدوه وجعلوه ه66و العلم الص66حيح
الذي يفيد اليقين.
[ إذا عرفت ذلك وعرفت أن الطريق إلى هللا تعالى* البد له من أعداء قاعدين عليه أهل فصاحة وعلم
سالحا تقاتل به هؤالء الشياطين الذين قال إمامهم
ً وحجج ،فالواجب عليك أن تعلم من دين هللا ما يصير
س*تَقِي َم * ثُ َّم آلتِيَنَّ ُهم ِّمن بَ ْي ِن َأ ْي* ِدي ِه ْم َو ِمنْ َخ ْلفِ ِه ْم ومق**دمهم لرب**ك ع**ز وج**لَ { :أل ْق ُع*دَنَّ لَ ُه ْم ِ
ص* َراطَكَ ا ْل ُم ْ
ين }( ] )2أم6ا أدل6ة الق6رآن والس6نة فهي حجج ظني6ة ش*ا ِك ِر َ* ش* َمآِئلِ ِه ْم َوالَ ت َِج* ُد َأ ْكثَ َ
*ر ُه ْم َ َوعَنْ َأ ْي َمانِ ِه ْم َوعَن َ
بزعمهم ال تفيد اليقين وهذا من تمام الفتنة والتزييف على الناس .ألن الواقع الصحيح ه6و العكس وه66و أن
أدلة القرآن تفيد اليقين ،وأدلة المنطق والجدل تفيد الشك والحيرة واالض66طراب .كم66ا أق66ر ب66ذلك ك66براؤهم
عند الموت أو عند توبتهم ورجوعهم عن علم الكالم.
إذا كان هؤالء عندهم فصاحة وعندهم حجج وعندهم كتب فال يليق بك أن تقابلهم وأنت أعزل بل يجب
عليك أن تتعلم من كت66اب هللا ومن س6نة رس6ول هللا م6ا تبط6ل ب6ه حجج ه6ؤالء ال6ذين ق6ال إبليس إم6امهم
ص َراطَكَ ْال ُم ْستَقِي َم } أي الطريق الموص66ل إلي66ك ومقدمهم لربك عز وجلَ { :أل ْق ُعد ََّن لَهُ ْم } أي لبني آدم { ِ
{ ثُ َّم آلتِيَنَّهُم ِّمن بَي ِْن َأ ْي ِدي ِه ْم َو ِم ْن خَ ْلفِ ِه ْم َوع َْن َأ ْي َم6انِ ِه ْم َوعَن َشَ 6مآِئلِ ِه ْم َوالَ ت َِجُ 6د َأ ْكثََ 6رهُ ْم َش6ا ِك ِرينَ }( .)3تعه6د
الخ66بيث أن66ه س66يحاول إض66الل ب66ني آدم وك66ذلك أتباع66ه من ش66ياطين اإلنس من أص66حاب الكتب الض66الة
واألفكار المنحرفة يقومون بعمل إبليس في إضالل الناس.
( )1غافر83:
( )2األعراف17-16:
( )3األعراف17:
23
الش* ْيطَ ِ*
ان َك**انَ [ ولكن إذا أقبلت* على هللا وأصغيت إلى حججه وبيّناته فال تخف وال تح**زن { ِإنَّ َك ْي* َد َّ
ضِ 6عيفًا } فهم ان َك6انَ َ ط ِ ان ِإ َّن َكيَْ 6د َّ
الشْ 6ي َ ط ِوا َأوْ لِيَا َء ال َّش ْي َ
ض ِعيفًا }( ] )1كما قال هللا سبحانه وتعالى { :فَقَاتِلُ ْ
َ
مهما كان عندهم من الق66وة الكالمي66ة والج66دال والبراع66ة في المنط66ق والفص66احة إال أنهم ليس66وا على ح66ق
وأنت على حق ما دمت متمس ًكا بالكتاب والس6نة وفهمت الكت6اب والس6نة ف6اطمئن ف6إنهم لن يض6روك أب6دًا
لكن هذا يحتاج إلى الرجوع إلى الكتاب والس6نة فإن6ك ب6ذلك ال تخ6اف ()2
ض ِعيفًا } { ِإ َّن َك ْي َد ال َّش ْيطَ ِ
ان َكانَ َ
مهما كان معهم من الحجج والكتب ألنها سراب كما قال الشاعر:
()3
حقًا؛ وكل منها كاسر مكسور حجج تهافت كالزجاج تخالها
فالسراب يزول كذلك هذه الحجج إذا طلعت عليها شمس القرآن وبينات القرآن زال هذا الض66باب ال66ذي
ق َولَ ُك ُم ْال َويُْ 66ل ِم َّما ق َعلَى ْالبَ ِ
اط ِل فَيَ ْد َم ُغهُ فَِإ َذا ه َُو َزا ِه ٌ معهم وهذه سنة هللا سبحانه وتعالى { :بَلْ نَ ْق ِذفُ بِ ْال َح ِّ
ب }( )5قذائف الحق تدمر الباطل مهما كان. ق َعالّ ُم ْال ُغيُو ِ َصفُونَ }( { .)4قُلْ ِإ َّن َربِّي يَ ْق ِذفُ بِ ْال َح ِّ
ت ِ
الموح* دين يغلب ألفً**ا من علم**اء ه**ؤالء المش**ركين *،ق**ال تع**الى* { :وَِإنَّ ُجن * َدنَا لَ ُه ُم
ّ [ والع**امي من
ون }( ] )6هذا من العجائب أن العامي غير المتعلم من الموح6دين يغلب ألفً6ا من علم6اء المش6ركين، ا ْل َغالِبُ َ*
ذلك ألن العامي عنده الفطرة السليمة التي لم تتلوث بالشكوك واألوهام وقواع66د المنط66ق وعلم الكالم .أم66ا
العالم المشرك فليس عنده فطرة سليمة وال علم صحيح وص66احب الفط66رة الس66ليمة يتغلب على ال66ذي ليس
عنده فطرة وال علم ألن علمه جهل .إ ًذا فالناس ثالثة أقسام:
القسم األول :من عنده علم صحيح وفطرة سليمة وهذا أعلى الطبقات وهذا هو الذي أقبل على ربه
وأصغى إلى حججه وبيّناته فصار عنده علم صحيح وفطرة سليمة.
القسم الثاني :من ليس عنده علم لكن عنده فطرة سليمة وهو العامي من الموحدين.
القسم الثالث :من ليس عنده فطرة سليمة وال علم صحيح وإنما عنده سراب ال حقيقة له ،فهذا يُهزم أمام
العامي فكيف أمام العالم الذي عنده علم صحيح وفط66رة س66ليمة؟ فه66ذا مم66ا ي66دلك على أن تعلّم العلم الن66افع
يكون سال ًحا للمؤمن أمام أعداء هللا ورسوله.
( )1النساء76:
( )2النساء76:
ذكر ذلك شيخ اإلسالم ابن تيمية عن اإلمام الخطابي في مجموع 6الفتاوى . 4/82 ()3
( )4األنبياء186:
( )6الصافات173:
24
[ فجند هللا هم الغالبون* بالحجة* واللسان* كما هم الغالبون بالسيف والس**نان ] ق66ال تع66الىَ { :وِإ َّن جُنَ 6دنَا
لَهُ ُم ْالغَالِبُونَ }( )1أضاف الجند إليه سبحانه وتعالى ،وجند هللا هم المؤمن66ون ،يق66ال لهم جن66د هللا ويق66ال لهم
حزب هللا كما في قوله تعالى { :ال تَ ِج ُد قَوْ ًما يُْؤ ِمنُونَ بِاهَّلل ِ َو ْاليَوْ ِم ِ
اآلخ ِر ي َُوا ُّدونَ َم ْن َحا َّد هَّللا َ } إلى قوله{ :
ُأوْ لَِئكَ ِح ْزبُ هَّللا ِ َأال ِإ َّن ِح ْز َ
ب هَّللا ِ هُ ُم ْال ُم ْفلِحُونَ }(.)2
فهم حزب هللا وجند هللا ،والجند جمع جندي وهو المقاتل والمدافع عن دين هللا أضافهم إلى نفسه تشريفًا
لهم ،وجعل لهم الغلبة بالحجة والسالح.
جند هللا هم الغالبون بالحجة واللسان يعني بالعلم والمعرفة ومجادلة أه6ل الباط6ل ،فم66ا تقاب6ل أه6ل ح6ق
وأهل باطل في خصومة إال تغلب أهل الحق على أهل الباطل في الخص66ومات والمن66اظرات دائ ًم66ا وأب6دًا.
فهم الغالبون بالحج66ة م66ع المبطلين كم66ا أنهم الغ66البون بالس66يف والس66نان في المع66ارك ،إذا تقاب66ل الجن66دان
المسلمون والكفار فإنه ينتصر المسلمون على الكفار إذا توفرت شروط النص66ر فيهم ب66أن توكل66وا على هللا
واعتصموا باهلل وأطاعوا هللا ورسوله ،فإن حصل فيهم خلل لحقت بهم الهزيم66ة كم66ا حص66ل للص66حابة في
وقعة أحد لما عصوا أمر الرسول ونزلوا من الجبل الذي قال لهم ال تنزلوا منه سواء انتصرنا أو هُزمنا
فلما خالفوا ونزلوا من الجبل حلت الهزيمة بالمسلمين(.)3
[ وإنما الخوف على الموحد الذي يسلك الطريق وليس معه سالح ] هذا هو الواقع فالموحد الذي يسلك
الطريق ويواجه الكفار ويقول أنا أدعو إلى هللا وليس عن66ده علم ل66و يق66ف أمام66ه واح66د من ع66وامهم ويلقي
عليه شبهة ما استطاع الجواب .فهذا مما يُوجب على طلبة العلم وعلى الدعاة إلى هللا خصوصًا أن يتفقهوا
في دين هللا وأن يتعلم66وا حجج هللا وبراهين66ه وأن يطّلع66وا على م66ا عن66د الخص66وم والكف66ار والمن66افقين من
الباطل من أجل أن يدحضوه ويكونوا على معرفة به .والنبي لما أرسل معا ًذا إلى اليمن ق66ال ل66ه « :إن66ك
من أجل أن يستعد ألن الذين أمامه أهل كت66اب وأه66ل علم وعن66دهم حجج ()4
تأتي قو ًما من أهل الكتاب »
وعندهم شبهات وعن66دهم تل6بيس ،فال ب66د أن يك66ون مع66اذ رض66ي هللا عن6ه على اس66تعداد من أج66ل أن يق66وم
بالدعوة ويرد الباطل ثم قال له « :فليكن أول ما تدعوهم إليه ش66هادة أن ال إل66ه إال هللا وأن محم6دًا رس66ول
صا وعلى الدعاة إلى هللا بص66فة أخص
هللا » فهذا مما يؤكد على الموحدين عمو ًما وعلى طلبة العلم خصو ً
أن يتعلموا ما يدفعون به الباطل وينصرون ب6ه الح6ق وإال ف6إنهم س66ينهزمون أم66ام أي ش6بهة تع6رض لهم.
والمشكلة إذا عجز الداعية إلى هللا أن يُجيب على شبه الملبس أمام الناس أو أجابه بجه66ل ،وه66ذا أش66د .وال
يتعارض هذا مع ق66ول الش66يخ « :والع66امي من الموح66دين يغلب ألفً66ا من علم66اء المش66ركين » ألن الع66امي
الموحد وإن كان كذلك فعليه الخوف من شرهم وأخ66ذ الح66ذر منهم بتعلم العلم الن66افع .وق66د استش66كل بعض
( )1الصافات173:
( )2المجادلة22:
انظر صحيح اإلمام البخاري 48/26كتاب الجهاد والسير باب ما يك66ره من التن66ازع واالختالف في الح66رب وعقوب66ة من عص66ى ()3
وا َوت َْذه َ
َب ِري ُح ُك ْم } وقال قتادة الريح الحرب من حديث البراء بن عازب رضي هللا عنه. ُوا فَتَ ْف َشلُ ْ
إمامه وقال تعالىَ { :والَ تَنَازَ ع ْ
( )4رواه اإلمام البخاري في صحيحه 2/125كتاب الزكاة باب ال تؤخذ كرائم أموال الناس من حديث ابن عباس رضي هللا تعالى عنه.
25
اإلخوان هذه العبارة .وهي قول الشيخ( :والعامي من الموح66دين يغلب ألفً66ا من علم66اء ه66ؤالء المش66ركين)
مع قوله( :وإنما الخوف على الموحد الذي يسلك الطريق وليس معه سالح) والجواب عن هذا اإلشكال أن
الشيخ رحمه هللا يقصد أن العامي عنده فطرة سليمة يستنكر بها الباطل ،أما علماء الضالل ففطرهم فاسدة
وحججهم واهية فالعامي يغلبهم بالفطرة السليمة من حيث الجملة ال من حيث التفاصيل.
فالعامي الموحد أحسن حاالً من علماء الكالم والمنطق فكتاب هللا ما ترك شيًئا نحتاج إليه من أمور ديننا
إال وبيّنه لنا لكن يحتاج منا إلى تفقه وتعلم ولو كان عندك سالح ولكن ال تعرف تشغيله فإنه ال ي66دفع عن66ك
العدو وكذلك القرآن ال ينفع إذا كان مهجو ًرا وكان اإلقبال على غيره من العلوم.
ين }(. )1 [ وقد منَّ هللا تعالى علينا* بكتاب* الذي جعله { تِ ْبيَانًا* لِّ ُك ِّل ش َْي ٍء َو ُهدًى َو َر ْح َمةً َوبُش َْرى لِ ْل ُم ْ
سلِ ِم َ*
فال يأتي صاحب باطل بحجة إال وفي القرآن* ما ينقضها* ويبيّن بطالنها .كما قال تع**الىَ { :وال يَْأتُونَ* َك
ق َوَأ ْح َ
سنَ تَ ْف ِ
سي ًرا* }( .)2قال بعض المفسرين :هذا اآلية عامة في كل حج ٍة يأتي بها بِ َمثَ ٍل ِإالّ ِجْئنَاكَ بِا ْل َح ِّ
أهل الباطل إلى يوم القيامة ] هذه قاعدة معروفة ألن هللا جل وعال يقول عن القرآن { :تِ ْبيَانًا لِّ ُك ِّل َش ْي ٍء }
ق َوَأحْ َسنَ تَ ْف ِسي ًرا } فال يوجد شبهة في الدنيا أو باطل في ال66دنياويقولَ { :وال يَْأتُونَكَ ِب َمثَ ٍل ِإاَّل ِجْئنَاكَ بِ ْال َح ِّ
يُدلي به كافر أو ُم لحد إال وفي القرآن ما يرد عليه لكن ال يتبين هذا إال بمعرفة القرآن والتفقه فيه ودراسته
حق الدراسة حتى يعرف ما فيه من الكنوز وما فيه من السالح وما فيه من الذخيرة التي نقاوم بها أعداءنا
فنقبل على كتاب هللا حفظًا وتفه ًما وتالوة وتدبرًا وعمالً حتى نكون مسلحين بهذا السالح .أما مجرد وجود
الق6رآن عن66دنا من غ66ير أن نعت6ني ب66ه وندرس6ه فال يكفي ،وأه66ل الكت6اب ض66لوا وكف66روا وعن66دهم الت66وراة
واإلنجيل لما تركوا تعلمهما والعمل بهما.
لكن البد من دراسة القرآن على ضوء السنة النبوية وتفسير السلف الص6الح ،ال على ض6وء الدراس6ات
المعاصرة المبنية على التخرص والجهل أو ما يسمونه باإلعجاز العلمي.
فليس هذا خاصًا بالرسول وأهل زمانه مع القرآن بل هذا عام لكل أمته إلى أن تقوم الساعة لكن يحتاج
إلى عناية بالقرآن ودراسة للقرآن كما ينبغي 6،ألن فيه بيان الحق والرد على أهل الباطل.
[ وأنا أذكر لك أشياء مما ذكر هللا في كتابه جوابًا لكالم احتج به المشركون في زماننا علينا ] لما ذكر
لك هذه القاعدة العظيمة وهو أنه ال يأتي مبطل بشبهته إال وفي القرآن ما ي66بين بطالنه66ا وأن ذل66ك مس66تمر
إلى يوم القيامة ،دخل في التمثيل من الواقع الذي جرى للشيخ رحمه هللا في وقته م66ع خص66ومه .ومن هن66ا
إلى آخر الكتاب كله كشف شبهات يعترضون بها على الش66يخ وه66و يُجيبهم عنه66ا من كت66اب هللا ومن س66نة
رسوله . وي6دحض حججهم وب6ذلك نص6ره هللا عليهم وأبط6ل كي6دهم [ .فنق**ول :ج*واب أه*ل الباط**ل من
صل .أما المجمل ] المجمل ه66و القاع66دة العام66ة في ج66واب أه66ل الباط66ل على اختالف
طريقين مجمل ومف ّ
أص66نافهم ،وفي أي زم66ان ومك66ان .والمفص66ل ه66و ال66رد على ك66ل ش66بهة على ح66دة ف66إذا ع66رفت المجم66ل
والمفصل في رد الشبهات صار عندك سالح لمنازلة المشركين والمبطلين [ .فهو األم**ر العظيم والفائ**دة
( )1النحل89:
( )2الفرقان33:
26
ب*اب ِم ْن*هُ آيَ**اتٌ ُّم ْح َك َم**اتٌ هُنَّ ُأ ُّم ا ْل ِكتَ**ا ِ ي َأن َز َل َعلَ ْي* َ*ك ا ْل ِكتَ* َ*
الكبيرة لمن عقلها وذلك قوله تعالى { :ه َُو الَّ ِذ َ
َوُأ َخ ُر ُمتَشَابِ َهاتٌ فََأ َّما الَّ ِذينَ في قُلُوبِ ِه ْم زَ ْي ٌغ فَيَتَّبِ ُعونَ َما تَشَابَهَ ِم ْنهُ ا ْبتِ َغاء* ا ْلفِ ْتنَ ِة َوا ْبتِ َغا َء تَْأ ِويلِ ِه َو َم**ا يَ ْعلَ ُم
تَْأ ِويلَهُ ِإالَّ هَّللا ُ }( ] )1هذا هو الرد المجمل على الشبهات قال تعالى { :هُ َو الَّ ِذ َ
ي َأنزَ َل َعلَ ْيكَ ْال ِكت َ
َاب } يعني
ب } المحكم هو الذي ال يحتاج في بيانه إلى غيره. ات ه َُّن ُأ ُّم ْال ِكتَا ِ القرآن { ِم ْنهُ آيَ ٌ
ات ُّمحْ َك َم ٌ
ات } يعني بيّنات واضحات في معانيها ال تحتاج إلى غيرها فالقرآن منه آيات على هذا الشكل { ُّمحْ َك َم ٌ
ب } أم الشيء هو األصل الذي يرجع إليه فاآليات المحكم66ات هن األص66ل ال66ذي يرج66ع إليه { ه َُّن ُأ ُّم ْال ِكتَا ِ
{ َوُأخَ ُر ُمتَ َشابِهَ ٌ
ات } المتشابه هو ال6ذي يحت66اج لبي6ان معاني6ه إلى غ66يره ف6يرد إلى المحكم ،ومن المتش66ابه
المحتمل لمعاني متعددة ويحتاج إلى غيره في بيان المراد من66ه ،ومن66ه المطل66ق ومن66ه المنس66وخ .وق66د ذك66ر
تعالى موقف الناس من هذين القس66مين المحكم والمتش66ابه فق66ال { :فََأ َّما الَّ ِذينَ في قُلُ66وبِ ِه ْم زَ ْيٌ 6غ فَيَتَّبِ ُع66ونَ َما
تَ َشابَهَ ِم ْنهُ } يأخذون اآليات غير الواضحة أو اآليات المحتمل66ة ويس6تدلون به6ا على م66ا يري6دون م66ع أنه6ا
ص ا فيما يقولون لكن هم يريدون التلبيس على الناس يقولون نحن استدللنا بالقرآن فيأخذون
محتملة ليست ن ً
اآليات التي ال يتضح معناها بنفسها أو اآليات المحتملة لعدة معان فيستدلون بها على ما يريدون { ا ْبتِ َغ66اء
ْالفِ ْتنَ ِة } أي التشكيك والتضليل أو { ا ْبتِغَا َء تَْأ ِويلِ ِه } التأويل يطلق على معنيين كما ق66ال ش66يخ اإلس66الم ابن
تيمية رحمه هللا في رسالته التدمرية(. )2
المعنى األول :أن المراد به التفسير وهذا هو المعروف عند المتقدمين .ولذلك تجد ابن جرير الطبري
في تفسيره يقول :القول في تأويل قوله تعالى أي في تفسيره فإن كان هذا ه66و المقص66ود في اآلي66ةَ { :و َم66ا
يَ ْعلَ ُم تَْأ ِويلَ6هُ ِإالَّ هَّللا ُ } فإن66ه يعط6ف الراس66خون في العلم على لف66ظ الجالل66ة هك66ذا { َو َم66ا يَ ْعلَ ُم تَْأ ِويلَ6هُ ِإالَّ هَّللا ُ
َّاس ُخونَ فِي ْال ِع ْل ِم } يعني والراسخون في العلم يعلم66ون تأويل66ه وه66و التفس66ير وذل66ك ب66ر ّده إلى المحكم َوالر ِ
الذي يبيّن المراد منه.
فتفسير القرآن على هذا الوجه ال يعلمه إال هللا وأهل العلم المختصون وأ َّما العوام والجهّال فال يعلم66ون
تفسيره ،وأهل الزيغ يأخذون المتشابه وال يردونه إلى المحكم ويقطعون بعض القرآن عن بعض فيأخذون
بعض اآليات ويتركون البعض اآلخر.
أما المعنى الثاني :للتأويل فهو الحقيقة التي يؤول إليها الشيء .وما يصير إليه في المستقبل ،مثل حقائق
ما في الجنة من أعناب ونخيل وفواكه ولبن وخمر وعسل وأشياء ال يعلم حقائقها إال هللا س66بحانه وتع66الى،
ألنها من علم الغيب ،وكذلك كيفية أسماء هللا وصفاته ال يعلمها إال هللا س66بحانه وتع66الى فالتأوي66ل على ه66ذا
المعنى ما يؤول إليه الشيء في المستقبل فإذا أريد ه66ذا المع66نى تَ َعيّنَ الوق66فُ في اآلي66ة على لف66ظ الجالل66ة.
ألنه ال يعلم تأويله على هذا الوجه إال هو سبحانه.
( )2التدمرية ص ،809وما بعدها :تحقيق الدكتور محمد بن عودة السعوي. .
27
[ وقد صح عن رسول هللا ، أنه قال« :إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه من**ه ،فأولئ**ك ال**ذين س* َّمى
هللا ،فاحذروهم»]( )1صح عن النبي في الحديث الذي رواه البخاري ومس66لم أن66ه ق66ال» :إذا رأيتم ال66ذين
يتبعون ما تشابه منه« أي من القرآن والسنة ويأخذون بالنصوص المجملة ويتركون النص66وص المفص66لة
« فأولئك ال66ذين س66مى هللا » في ه66ذه اآلي66ة { :فََأ َّما الَّ ِذينَ في قُلُ66وبِ ِه ْم َزيٌْ 66غ فَيَتَّبِعُ66ونَ َم66ا ت ََش66ابَهَ ِم ْن66هُ }
« فاحذروهم » أي احذروا أصحاب هذه الطريقة ال يُلبسوا عليكم أمر دينكم فه66ذا في6ه التح6ذير من علم6اء
6ر هَّللا ُ بِِ 6ه َأن ي َ
ُوص َ 6ل الضالل ومن المبتدعة لئال يلبسوا علينا أمر ديننا فهؤالء من الذين { َويَ ْقطَعُونَ َمآ َأ َمَ 6
َويُ ْف ِس ُدونَ ِفي اَألرْ ِ
ض }(.)2
أو ()3
[ مثال ذلك :إذا قال لك بعض المشركينَ { :أال ِإنَّ َأ ْولِيَا َ*ء هَّللا ِ الَ َخ ْوفٌ َعلَ ْي ِه ْم َوالَ ُه ْم يَ ْح َزنُونَ }
إن الشفاعة حق ،وأن األنبياء لهم جاه عند هللا ،أو ذكر كال ًما للنبي يس**تدل ب**ه على ش**يء من باطل*ه*
وأنت ال تفهم معنى الكالم الذي ذك**ره فجاوب**ه بقول**ك :إن هللا ذك**ر في كتاب**ه أن ال**ذين في قل**وبهم زي**غ
يتركون المحكم ويتّبعون المتشابه ،وما ذكرته لك من أن هللا تعالى ذكر أن المشركين يق* ّرون بالربوبي*ة
شفَ َعاُؤ نَا ِعن َد هَّللا ِ } ( )4هذا أمر
وأن كفرهم بتعلقهم على المالئكة واألنبياء واألولياء مع قولهم { :هَـُؤال ِء ُ
محكم بيّن ،ال يقدر أحد أن يغيّر معناه ،وما ذكرت لي أيها المشرك* في القرآن* أو كالم الن**بي ال أع*رف
معناه ولكن أقطع أن كالم هللا ال يتناقض *،وأن كالم الن**بي ال يخ**الف كالم هللا ع**ز وج**ل ،وه**ذا ج**واب
سديد ولكن ال يفهمه إال من وفقه هللا فال تستهن به فإنه كما قال تع**الىَ { *:و َم**ا يُلَقَّا َه*ا* ِإالّ الَّ ِذينَ َ
ص*بَ ُروا
يم }( ] )5أي إذا قال ل66ك واح66د من علم66اء المش66ركين ال66ذين يتعلق66ون باألولي66اء َو َما يُلَقَّاهَا ِإالّ ُذو َح* ٍّ
ظ ع َِظ ٍ
ويطلبون منهم المدد ويستغيثون بهم كم66ا ه66و الح66ال والواق66ع اآلن عن66د عبَّاد القب66ور ويقول66ون إن هللا ج66ل
وعال يقولَ { :أال ِإ َّن َأوْ لِيَا َء هَّللا ِ الَ خَ وْ ٌ
ف َعلَ ْي ِه ْم َوالَ هُ ْم يَحْ زَ نُونَ } .
وهؤالء أولياء والنبي أخبر أن الصالحين يشفعون وأن األولياء يشفعون والرسل يشفعون فالجواب أن
الشفاعة حق ال شك في ذلك ،ولكنها كما ذكر هللا البد لها من شرطين:
اإلذن للشافع أن يشفع.
وأن يكون المشفوع فيه من أهل التوحيد.
( )1رواه اإلمام البخاري في صحيحه 166 ،5/165كتاب التفسير (سورة آل عمران) باب منه آيات محكمات .ورواه اإلمام مسلم في
صحيحه 4/2053كتاب العلم باب ( )1النهي عن اتباع متشابه الق66رآن ،والتح6ذير من متبعي66ه ،والنهي عن االختالف في الق6رآن ،ح6ديث
رقم ( )2665من حديث عائشة رضي هللا عنها.
( )2البقرة27:
( )3يونس62:
( )4يونس18:
( )5فصلت35:
28
وال ش66ك أن هللا س66بحانه وع66د األولي66اء أنهم ال خ66وف عليهم وال هم يحزن66ون ،لكن من األولي66اء؟ ه66ل
األولياء طائفة مخصوصة من الن66اس عليهم عم66ائم ولب66اس خ66اص؟ أو األولي66اء ال66ذين ب66ني على قب66ورهم
وا َو َكانُ ْ
وا يَتَّقُونَ }(.)1 قباب؟ ليس كذلك .ألن هللا سبحانه بيّنهم بعد هذه اآلية مباشرة حيث قال { :الَّ ِذينَ آ َمنُ ْ
فكل مؤمن تقي فهو ولي هلل ليست الوالية خاصة بطائفة معينة أو أشخاص معيّنين لهم لباس خاص ولهم
سمات خاصة أو على قبورهم قباب وزخرف66ات؛ األولي66اء ك66ل م66ؤمن تقي فإن66ه ولي هللا بنص ه66ذه اآلي66ة.
والوالية تختلف باختالف اإليمان والتقوى ،منهم من هو ولي كامل الوالي66ة ومنهم من ه66و ولي دون ذل66ك
بحسب إيمانه وبحسب تقواه فليست الوالية خاصة بما تزعمون من هؤالء األشخاص أو هؤالء المقبورين
فقد يكون الولي غير معروف ()2
والنبي يقول « :رُبَّ أشعث مدفوع باألبواب لو اقسم على هللا ألبرّه »
وال له مكانة عند الناس.
هذا من ناحية ومن الناحية الثانية لو ثبت أنه ولي هلل عز وجل فإن هذا ال يعطيه شيًئا من الربوبي66ة وال
شيًئا من حق هللا ،ألنه عبد هللا محتاج إلى ربه عز وجل وال يملك من األمر شيًئا ال يخلق وال يرزق فليس
المعنى أنه إذا كان وليًا أننا نتعلق به وننزل حاجاتنا به ونستغيث به ونطلب من66ه ألن هللا ق66الِ { :إ َّن هَّللا َ الَ
()4 ُوا هَّللا َ َوالَ تُ ْش ِر ُك ْ
وا بِ ِه َش ْيًئا } وقال تعالىَ { :وا ْعبُد ْ ()3
يَ ْغفِ ُر َأن يُ ْش َركَ ِب ِه َويَ ْغفِ ُر َما ُدونَ َذلِ َ
ك لِ َمن يَ َشاء }
ال من األولياء وال غيرهم فاهلل ال يرضى بهذا سبحانه وتعالى فليس معنى قوله تعالىَ { :أال ِإ َّن َأوْ لِيَ66ا َء هَّللا ِ
أنهم يملك66ون ش66يًئا من الربوبي66ة وأنهم ينفع66ون ويض66رون وأنهم ()5
ف َعلَ ْي ِه ْم َوالَ هُ ْم يَحْ َزنُ66ونَ }
الَ خَ66وْ ٌ
يعطون الشفاعة وأنهم وأنهم ..كما يزعم القبوريون .فمن تعلق باألولياء وطلب منهم الشفاعة وهم أم66وات
أو طلب منهم اإلغاث66ة وهم أم66وات أو طلب منهم قض66اء الحاج66ات وهم في قب66ورهم فإن6ه مث66ل المش66ركين
ُون هَّللا ِ َم66ا الَ يَ ُ
ض6رُّ هُ ْم َوالَ َينفَ ُعهُ ْم َويَقُولُ66ونَ هَـُؤال ِء ُش6فَ َعاُؤ نَا األولين الذين قال هللا فيهمَ { :ويَ ْعبُُ 6دونَ ِمن د ِ
ِعن َد هَّللا ِ }( )6هم يقولون نحن ال نعتقد أنهم يخلقون ويرزقون وإنما من أجل أن نجعلهم وس66ائط بينن66ا وبين
هللا ألنهم أولياء ونحن مقصرون ونحن مذنبون فهؤالء بصالحهم وجاههم ومكانتهم عن66د هللا يش66فعون لن66ا
وهللا رد عليهم فقال:
{ ُسب َْحانَهُ َوتَ َعالَى َع َّما يُ ْش ِر ُكونَ } فس ّمى هذا شر ًكا وقال في آية أخرىَ { :أال هَّلِل ِ الدِّينُ ْال َخالِصُ َوالَّ ِذينَ
اتَّخَ ُذوا ِمن دُونِ ِه َأوْ لِيَا َء َما نَ ْعبُُ 6دهُ ْم ِإاَّل لِيُقَرِّ بُونَ6ا ِإلَى هَّللا ِ ُز ْلفَى }( )7يري6دون الوس6اطة فقط عن6د هللا س6بحانه
وتعالى ،وإال فإنهم معترفون أن هللا هو الخالق الرازق المحيي المميت فيع66ترفون بتوحي66د الربوبي66ة تما ًم66ا
( )1يونس63:
( )2رواه اإلمام مسلم في صحيحه ( )4/2024كتاب البر والصلة واآلداب باب فضل الضعفاء والخاملين .حديث رقم ( )2622( )138
من حديث أبي هريرة رضي هللا عنه. .
( )3النساء48:
( )4النساء36:
( )5يونس62:
( )6يونس18:
( )7الزمر3:
29
كما ذكر هللا عنهم ،وإنما قص66دوا بفعلهم ه66ذا وس66اطة ه66ؤالء الص66الحين عن66د هللا فن66ذروا لهم وذبح66وا لهم
واستغاثوا بهم :يا سيدي اشفع لي عند هللا ،افعل كذا ،هذا الذي يقولونه عن66د القب66ور ه66ل ه66ذا يختل66ف عم66ا
حكم ()1
قاله المشركون من قبل ،الذين رد عليهم جل وعال بقولهِ { :إ َّن هَّللا َ ال يَ ْه ِدي َم ْن هُ َو َك66ا ِذبٌ َكفَّا ٌر }
عليهم بالكذب وحكم عليهم بالكفر فعملهم هذا كف66ر وك66ذب .وفي س66ورة ي66ونس نّ 6زه نفس66ه عن ذل66ك فق66ال:
{ ُسب َْحانَهُ َوتَ َعالَى َع َّما يُ ْش ِر ُكونَ }
سماه شر ًكا. ()2
فاألولياء عباد صالحون لهم قدرهم ونحترمهم ونحبهم ونقتدي بهم في األعم66ال الص66الحة لكن ليس لهم
شركة مع هللا سبحانه وتعالى إنما هم مثلنا محتاجون إلى هللا عز وجل فقراء إلى هللا ع66ز وج66ل { يَ66ا َأيُّهَ66ا
كل الخلق فقراء إلى هللا عز وج66ل بم66ا ()3
النَّاسُ َأنتُ ُم ْالفُقَ َرا ُء ِإلَى هَّللا ِ } هذا عام { َوهَّللا ُ ه َُو ْال َغنِ ُّي ْال َح ِمي ُد }
فيهم األنبياء والرسل ،بما فيهم المالئكة عليهم السالم كلهم فقراء إلى هللا سبحانه وتعالى ،فه66ذا مم66ا يزي66ل
اللّبس ألن هؤالء يأخذون بعض القرآن ويستدلون به ويتركون البعض اآلخر؛ يأخ66ذون اآلي66ة ال66تي تم66دح
األولياء وتثني عليهم ويتركون اآلي6ة األخ6رى ال6تي ت6بين أنهم ال يُعبَ6دُون من دون هللا ع6ز وج6ل َّ
وأن َمن
طلب منهم شيًئا وهم أموات فإنه مشرك كافر ،يتركون هذه اآليات ،فهذا من الزيغ الذي ذكره هللا س66بحانه
وتعالى .فلتكن عندك هذه القاعدة أن اإلنسان مهما بلغ من ال ّ
صالح والكرامة والمنزلة عند هللا فإنه ليس له
من الربوبية شيء وإنه ال يُدعى مع هللا وإنه ال يكون له شيء من العبادة وهو ال يرض6ى ب6ذلك .فاألولي6اء
وال ّ
صالحون على الحقيقة ال يرضون بذلك وينهون عن66ه أش66د النهي إنم66ا يرض66ى ب66ذلك الط66واغيت ال66ذين
يدعون الناس إلى عبادة أنفسهم .أما أولياء هللا فحاشاهم من ه66ذا ال يرض66ون ب66ه وإنم66ا يرض66ى ب66ه أولي66اء
الشيطان هذا معنى قول الشيخ رحمه هللا.
( لكن أقط66ع أن كالم هللا ال يتن66اقض ،وأن كالم الرس66ول ال يخ66الف كالم هللا) فيجب رد النص66وص
بعضها إلى بعض وتفسير بعضها ببعض حتى يتضح المطلوب وهذا كم66ا ق66ال الش66يخ ج66واب س66ديد تجب
العناية به ألنه مبني على كتاب هللا فمن وفّق له فهو ذو حظ عظيم.
صل :فإن أعداء هللا لهم اعتراضات كثيرة على دين الرسل ،يص*دّون به**ا الن**اس
[ وأما الجواب المف ّ
عنه :منها قولهم :نحن ال نشرك باهلل *،بل نشهد أنه ال يخلق وال يرزق وال ينفع وال يض**ر إال هللا وح**ده
ال شريك ل**ه ،وأن محم*دًا ال يمل**ك لنفس**ه نف ًع**ا وال ض* ًرا ،فض*الً عن عب*د الق**ادر أو غ*يره ،ولكن أن**ا
مذنب ،والصالحون* لهم جاه عند هللا وأطلب من هللا بهم .فجاوبه بما تقدم وهو أن ال**ذين ق**اتلهم رس**ول
والش*فاعة *،واق**رأ عليهم
ّ هللا مق ّرون بما ذكرت ،ومق ّرون أن أوثانهم ال تدبّر شيًئا وإنم**ا أرادوا الج**اه
ضحه .فإن قال :هذه اآليات* نزلت* فيمن يعبد األصنام *،كي**ف تجعل**ون الص**الحين
ما ذكر هللا في كتابه وو ّ
مثل األصنام* أم تجعلون األنبياء* أصنا ًما؟ فجاوبه بما تق**دم ،فإن**ه إذا أق**ر أن الكف**ار* يش**هدون بالربوبي**ة
كلها هلل ،وأنهم ما أرادوا ممن قص**دوا إال الش**فاعة ،ولكن إذا أراد أن يف**رق بين فعلهم وفعل**ه بم**ا ذك**ر
( )1الزمر3:
( )2يونس18:
( )3فاطر15:
30
فاذكر ل*ه أن الكف*ار منهم من ي*دعو األص*نام ،ومنهم من ي*دعو األولي*اء ال*ذين ق*ال هللا فيهمُ { :أولَـِئ َك
ب }( )1اآلية ،ويدعون عيسى بن م**ريم وأم**ه وق**د ق**ال سيلَةَ َأيُّ ُه ْم َأ ْق َر ُ
الَّ ِذينَ يَ ْدعُونَ يَ ْبتَ ُغونَ ِإلَى َربِّ ِه ُم ا ْل َو ِ
ص*دِّيقَةٌ َكانَ**ا يَ*ْأ ُكالَ ِن الطَّ َع**ا َم س* ُل َوُأ ُّمهُ ِ سو ٌل قَ ْد َخلَتْ ِمن قَ ْبلِ* ِه ُّ
الر ُ يح ابْنُ َم ْريَ َم ِإالَّ َر ُ
س ُهللا تعالىَّ { :ما ا ْل َم ِ
ت ثُ َّم انظُ ْر َأنَّى يُْؤ فَ ُكونَ ،قُ ْل َأتَ ْعبُدُونَ ِمن دُو ِن هَّللا ِ َما الَ يَ ْملِ ُ*ك لَ ُك ْم َ
ض * ًّرا َوالَ نَ ْف ًع**ا انظُ ْر َكيْفَ نُبَيِّ ُ*ن لَ ُه ُم اآليَا ِ
ش ُر ُه ْم َج ِمي ًعا ثُ َّم يَقُو ُل لِ ْل َمالِئ َك ِة َأهَُؤال ِء ِإيَّا ُك ْم س ِمي ُع ا ْل َعلِي ُم } واذكر له قوله تعالىَ :
{ويَ ْو َم يَ ْح ُ ()2
َوهَّللا ُ ه َُو ال َّ
()3
س* ْب َحانَ َك َأنتَ َولِيُّنَ**ا ِمن دُونِ ِهم بَ* ْل َك**انُوا يَ ْعبُ*دُونَ ا ْل ِجنَّ َأ ْكثَ* ُرهُم بِ ِهم ُّمْؤ ِمنُ**ونَ }
َك**انُوا يَ ْعبُ*دُونَ ،قَ**الُوا ُ
س ات َِّخ* ُذونِي َوُأ ِّم َي ِإلَـ َه ْي ِن ِمن*ريَ َم َأَأنتَ قُلتَ لِلنَّا ِيس*ى ابْنَ َم* ْ وقوله سبحانه وتعالى { *:وَِإ ْذ قَ**ا َل هَّللا ُ يَ**ا ِع َ
س*يق ِإن ُكنتُ قُ ْلتُهُ فَقَ* ْد َعلِ ْمتَ*هُ تَ ْعلَ ُم َم**ا فِي نَ ْف ِ
س لِي بِ َح ٍّ س ْب َحانَ َ*ك َما يَ ُكونُ لِي َأنْ َأقُو َل َما لَ ْي َ
دُو ِن هَّللا ِ قَا َل ُ
فق**ل ل**ه :أع**رفت أن هللا كفَّ َر من قص**د األص**نام وكفَّر ()4
س َك ِإنَّكَ َأنتَ َعالَّ ُم ا ْل ُغيُ**و ِ
ب} َوالَ َأ ْعلَ ُم َما فِي نَ ْف ِ
صالحين *،وقاتلهم رسول هللا ف**إن ق*ال الكف**ار يري*دون منهم ،وأن*ا أش*هد أن هللا ه*و
ضا من قصد ال ّ
أي ً
صالحون ليس لهم من األمر شيء ،ولكن أقصدهم أرج**و من هللا
النافع الضار المدبر ،ال أريد إال منه وال ّ
شفاعتهم فالجواب :أن هذا قول الكفار* سوا ًء بسواء واقرأ عليه قوله تعالىَ { *:والَّ ِذينَ ات ََّخ ُذوا ِمن دُونِ * ِه
َأ ْولِيَا َء َما نَ ْعبُ ُد ُه ْم ِإالّ لِيُقَ ِّربُونَا* ِإلَى هَّللا ِ ُز ْلفَى }( )5وقوله تعالىَ *{:ويَقُولُ**ونَ هَـُؤال ِء ُ
ش*فَ َعاُؤ نَا ِعن* َد هَّللا ِ }(.)6
وض*حها في كتاب*ه *،وفهمته*ا فه ًم*ا
واعلم أن هذه الشبه الثالث* هي أكبر م*ا عن*دهم ف*إذا ع*رفت أن هللا ّ
جيدًا فما بعدها أيسر منها ] ذكر الشيخ رحمه هللا في هذا المقطع ثالث شبهات للمشركين هي من أهم م66ا
عندهم ،فإذا عرفت اإلجابة الصحيحة عنها فما بعدها من الشبهات أيسر منها:
الشبهة األولى :أنهم يقولون نحن نشهد أن ال إله إال هللا وأن محمدًا رسول هللا ونعلم أنه ال ينفع وال
يضر إال هللا سبحانه وتعالى وأن النبي ال يملك نفعًا وال ضرًا فض6الً عن عب6د الق6ادر يع6ني عب66د الق66ادر
الجيالني ،لكن هؤالء لهم جاه عند هللا فنطلب من هللا بهم يع66ني نجعلهم وس66ائط بينن66ا وبين هللا لم66ا لهم من
الفضل.
فالجواب سهل جدًا من كتاب هللا بأن تقول إن المشركين مع أصنامهم ما كانوا يعتقدون فيها أنه6ا تخل6ق
وترزق وتنفع وتضر وإنما اتخذوها وسائط بينهم وبين هللا وهذا واض66ح في قول66ه تع66الىَ { :ويَ ْعبُُ 6دونَ ِمن
ض66رُّ هُ ْم َوالَ يَنفَ ُعهُ ْم َويَقُولُ66ونَ هَـُؤال ِء ُش66فَ َعاُؤ نَا ِعنَ 66د هَّللا ِ قُ66لْ َأتُنَبُِّئونَ هَّللا َ بِ َم66ا الَ يَ ْعلَ ُم فِي
دُو ِن هَّللا ِ َم66ا الَ يَ ُ
ت َوالَ فِي اَألرْ ِ
ض ُسب َْحانَهُ َوتَ َعالَى َع َّما يُ ْش ِر ُكونَ }. ال َّس َم َ
اوا ِ
( )1اإلسراء57:
( )5الزمر3:
( )6يونس18:
31
ن ّزه نفسه عن فعلهم وسماه شر ًكا مع أنهم يقولون هؤالء شفعاؤنا عند هللا ويعتقدون أنهم ال ينفع66ون وال
يضرون وإنما قصدهم التعلق بالج66اه فق66ط .فاآلي66ات ت66دل على أن المش66ركين مع66ترفون بأن66ه ال يخل66ق وال
يرزق وال يدبر األمر إال هللا سبحانه وتعالى وأن أصنامهم ومعبوداتهم ال تخل66ق وال ت66رزق وال ت66دبر م66ع
هللا وإنما اتخذوها وسائط .وال فرق بينكم وبينهم.
وإذا كنت مذنبًا فلماذا ال تستغفر هللا وتطلب من هللا ،وهللا جل وعال أمرك باالستغفار ووع66دك بالتوب66ة
وأن يقبل منك ويغف66ر ذنوب66ك ولم يق66ل إذا أذنبت ف66اذهب إلى ق66بر ال66ولي الفالني أو العب66د الص66الح الفالني
وتوسل به واجعله واسطة بيني وبينك.
ضا :هؤالء إذا كان لهم جاه عند هللا ف66إن ج66اههم لهم وص66الحهم لهم وأنت ليس ل66ك إال عمل66ك وتقول أي ً
ك ُأ َّمةٌ
وصالح الصالحين لهم وجاههم عند هللا لهم ما عالقتك بعمل فالن وصالح فالن كل ل66ه عمل66ه { تِ ْلَ 6
ت َولَ ُكم َّما َك َسْ 6بتُ ْم َوالَ تُ ْسَ6ألُونَ َع َّما َك66انُوا يَ ْع َملُ66ونَ }
{ َوال تُجَْ 6زوْ نَ ِإالّ َم66ا ُكنتُ ْم ()1 ت لَهَ66ا َم66ا َك َس6بَ ْ
قَ ْد خَ لَ ْ
تَ ْع َملُونَ }( )2فجاههم وصالحهم لهم وال ينفعك إذا كنت م66ذنبًا ح6تى وال6دك أق6رب الن6اس إلي66ك وول66دك ال
س َش ْ 6يًئا َواَأل ْمُ 6ر يَوْ َمِئ ٍذ هَّلِل ِ }(ُ { ،)3ك66لُّ
ك نَ ْفسٌ لِّنَ ْف ٍ
يستطيع ولو كان من أصلح الناس أن ينفعك { يَوْ َم ال تَ ْملِ ُ
از عَن َوالِِ 6د ِه اخ َش6وْ ا يَوْ ًم66ا الّ يَجِْ 6زي َوالٌِ 6د عَن َولَِ 6د ِه َوال َموْ لُ66و ٌد هَُ 6
6و َجٍ 6 ت َر ِهينَ6ةٌ }(َ { .)4و ْ نَ ْف ٍ
س بِ َم66ا َك َس6بَ ْ
َش ْيًئا }(َ { .)5يوْ َم يَفِرُّ ْال َمرْ ُء ِم ْن َأ ِخي ِهَ ،وُأ ِّم ِه َوَأبِي ِهَ ،و َ
صا ِحبَتِ ِه َوبَنِي ِه }(.)6
ُون هَّللا ِ َما الَ يَضُرُّ هُ ْم َوالَ يَنفَ ُعهُ ْم َويَقُولُونَ الشبهة الثانية :إذا قرأت عليه قوله تعالىَ { :ويَ ْعبُ ُدونَ ِمن د ِ
هَـُؤال ِء ُشفَ َعاُؤ نَا ِعن َد هَّللا ِ }( )7وقوله تعالىَ { :والَّ ِذينَ اتَّخَ ُذوا ِمن دُونِ ِه َأوْ لِيَا َء َما نَ ْعبُ ُدهُ ْم ِإالّ لِيُقَرِّ بُونَا ِإلَى هَّللا ِ
وبيّنت له أن المشركين ما أرادوا ممن عب66دوهم إال الش66فاعة وق66ال ل66ك ه66ذه اآلي66ات ن66زلت في ()8
ُز ْلفَى }
الذين يعبدون األصنام وأن6ا لس6ت أعب6د األص6نام وإنم6ا أتوس6ل إلي6ه بالص6الحين فكي6ف تجع6ل الص6الحين
أصنا ًما؟
والجواب عن هذا واضح جدًا وه66و أن هللا ذك66ر أن المش66ركين منهم من يعب66د األص66نام ومنهم من يعب66د
األولي66اء والص66الحين وس ّ 6وى هللا بينهم في الحكم ولم يف6رّق بينهم وأنت ف6رّقت بينهم ،في ظن66ك أن عب66ادة
األصنام ال تج66وز وأن عب66ادة الص66الحين تج66وز إذا ك66انت بقص66د التوس66ط ،وال66دليل على ه6ذا أن هللا ذك66ر
أنواعًا من المشركين فمنهم من يعبد الص66الحين ق66ال تع66الى َ { :ويَ66وْ َم يَحْ ُشُ 6رهُ ْم َج ِمي ًع66ا ثُ َّم يَقُ66و ُل لِ ْل َمالِئ َكِ 6ة
َأهَُ66ؤال ِء ِإيَّا ُك ْم َك66انُوا يَ ْعبُ ُ 6دونَ ،قَ66الُوا ُس 6ب َْحانَكَ َأنتَ َولِيُّنَ66ا ِمن دُونِ ِهم بَ66لْ َك66انُوا َي ْعبُ ُ 6دونَ ْال ِج َّن َأ ْكثَ ُ 6رهُم بِ ِهم
( )1البقرة134:
( )2يس54:
( )3االنفطار19:
( )4المدثر38:
( )5لقمان33:
( )6عبس36-34:
( )7يونس18:
( )8الزمر3:
32
في يوم القيامة هللا جل وعال يسأل المالئكة وهو أعلم سبحانه وتعالى لكن ألجل إبطال حج66ة ()9
ُّمْؤ ِمنُونَ }
هؤالء { َأهَُؤال ِء ِإيَّا ُك ْم َكانُوا يَ ْعبُ ُدونَ } فدل على أن منهم من يعب66د المالئك66ة لكن المالئك66ة تت66برأ منهم ي66وم
القيامة وتقول نحن ما أمرناهم بذلك وال رضينا ب66ذلك { ُس6ب َْحانَكَ َأنتَ َولِيُّنَ66ا ِمن دُونِ ِهم بَ66لْ َك66انُوا يَ ْعبُُ 6دونَ
ْال ِج َّن } يعني الشياطين هي التي أمرتهم بعب66ادة المالئك6ة ألن المالئك66ة ال ت66أمر إال بعب6ادة هللا { َو َمن يَقُ6لْ
فدل على أن منهم من يعبد المالئك66ة، ِم ْنهُ ْم ِإنِّي ِإلَهٌ ِّمن دُونِ ِه فَ َذلِكَ نَجْ ِزي ِه َجهَنَّ َم َك َذلِكَ نَجْ ِزي الظَّالِ ِمينَ }
()1
والمالئكة أصلح الصالحين ،كما قال تعالى فيهم { :ال يَ ْسبِقُونَهُ بِ ْالقَوْ ِل َوهُم بَِأ ْم ِر ِه يَ ْع َملُ66ونَ }( )2ومنهم من
يعبد األنبياء والصالحين كالمسيح ابن مريم وأمه.
وإذا بطل التوسل بالمالئكة واألنبياء ودعاؤهم من دون هللا بطل التوسل بغيرهم من الصالحين ودعاؤهم
من دون هللا كما قال تعالىَ { :أال هَّلِل ِ الدِّينُ ْالخَ الِصُ َوالَّ ِذينَ اتَّخَ ُذوا ِمن دُونِ ِه َأوْ لِيَا َء َم66ا نَ ْعبُُ 6دهُ ْم ِإالّ لِيُقَرِّ بُونَ66ا
ُ666و َك666ا ِذبٌ َكفَّا ٌر }( )3ألن ِإلَى هَّللا ِ ُز ْلفَى ِإ َّن هَّللا َ يَحْ ُك ُم بَ ْينَهُ ْم فِي َم666ا هُ ْم فِيِ 666ه يَ ْختَلِفُ666ونَ ِإ َّن هَّللا َ ال يَهِْ 666دي َم ْن ه َ
الواجب إخالص العبادة هلل عز وجل بجميع أنواعها من الدعاء والذبح والنذر وغير ذلك.
فمن ذبح لغير هللا ودعا غير هللا كان مشر ًكا خارجًا من الدين.
الشبهة الثالثة :إذا سلّم بأن الدعاء لغير هللا شرك ولكنه قال أنا ال أدعو النبي وال غيره وهذا الذي
أفعله ليس دعا ًء وإنما هو طلب لش66فاعة الن66بي وه66ل تنك66ر ش66فاعة الن66بي فإن66ك حينئ ٍذ ت66دخل مع66ه في
خصومة أخرى وشبهة أخرى وهي أنه سمى دعاء النبي واالستغاثة ب6ه طلبً6ا للش66فاعة ولم يُسّ 6مه دع6ا ًء
ويقول إن النبي ُ أعطي الشفاعة فأنا أطلب منه الشفاعة التي أعطيها.
فتقول له أنا ال أنكر الشفاعة وأقر أن شفاعة النبي حق وأنه شافع مشفّع أنا ال أنكر هذا ولكن الشفاعة
ال تطلب من النبي وهو ميت وإنما تطلب من هللا ألن الشفاعة ملك هلل عز وجل ،قال هللا تعالى { :قُل هَّلِّل ِ
فجميع أنواع الشفاعة ملك هلل وما دامت مل ًك66ا هلل فإنه66ا ال ت َواَألرْ ِ
ض} ال َّشفَا َعةُ َج ِميعًا لَّهُ ُم ْل ُ
ك ال َّس َما َوا ِ
()4
تطلب إال ممن يملكها وهو هللا سبحانه وتعالى ،والنبي ال يملك الشفاعة وال أحد يملك الش66فاعة إال ب66إذن
ضا الشفاعة ال تنفع كل أح66د وإنم66ا تنف66ع أه6ل التوحي66د وأنت لس6ت من
هللا وإنما هي ملك هلل عز وجل .وأي ً
أهل التوحيد ألنك تدعو غير هللا فالشفاعة لها شرطان:
الشرط األول :أن تطلب من هللا سبحانه وتعالى وال تطلب من غيره.
الشرط الثاني :أن يكون المشفوع فيه من أهل التوحيد ال من أهل الشرك والكفر .والدليل على الشرط
وهو ال يرضى إال عن أهل التوحيد ودليل الشرط ()5
الثاني قوله تعالىَ { :وال يَ ْشفَعُونَ ِإالّ ِل َم ِن ارْ ت َ
َضى }
( )9سبأ41-40:
( )1األنبياء296:
( )2األنبياء276:
( )3الزمر3:
( )4الزمر44:
( )5األنبياء286:
33
األول قوله َ { :من َذا الَّ ِذي يَ ْشفَ ُع ِع ْن َدهُ ِإالَّ بِِإ ْذنِ ِه } ال المالئك66ة وال الرس66ل وال األولي66اء وال الص66الحون ال
ت الَ تُ ْغنِي َشفَا َعتُهُ ْم َش6يْئا ً إالَّ ِمن بَعِْ 6د َأن أحد يشفع عند هللا إال بعد أن يأذن هللاَ { :و َكم ِّمن َّملَ ٍ
ك فِي ال َّس َم َ
اوا ِ
يَْأ َذنَ هَّللا ُ لِ َمن يَ َشا ُء َويَرْ َ
ضى }(.)1
فال تطلب الشفاعة من المخلوق الميت ،وإنما تطلب الشفاعة من هللا فتقول اللهم شفّع ف ّي نبيك ،ال تطلبها
من األموات .وهذا الذي تقول إنه طلب للشفاعة ه66و ال66ذي كفَّر هللا ب66ه المش66ركين ،ف66إن المش66ركين حينم66ا
لجؤوا إلى األولياء والصالحين وإلى المالئكة وإلى األنبياء يطلب66ون منهم الش66فاعة كفّ66رهم هللا ب66ذلك فق66ال
ُون هَّللا ِ َما الَ يَضُرُّ هُ ْم َوالَ يَنفَ ُعهُ ْم َويَقُولُونَ هَـُؤال ِء ُش 6فَ َعاُؤ نَا ِعن َ 6د هَّللا ِ قُ66لْ َأتُنَبُِّئونَ هَّللا َ
تعالىَ { :ويَ ْعبُ ُدونَ ِمن د ِ
ض ُسب َْحانَهُ َوتَ َعالَى َع َّما يُ ْش ِر ُكونَ }( )2فهذا الذي تقوله هو الذي كفّ66ر ت َوالَ فِي اَألرْ ِ بِ َما الَ يَ ْعلَ ُم فِي ال َّس َما َوا ِ
هللا به المشركين وهو عبادة األولياء والصالحين طلبًا لشفاعتهم.
[ فإن قال :أنا ال أعبد إال هللا ،وهذا االلتجاء إليهم ودعاؤهم ليس بعب**ادة ] يعني إذا ك66ان يع66ترف أن
العبادة حق هلل عز وجل وأنه ال يجوز عبادة غير هللا ولكنه يقول االلتجاء ليس من العبادة فهو جائز.
فإنك تقول له :االلتجاء إلى هللا عبادة وااللتجاء إلى غير هللا فيما ال يقدر عليه إال هللا شرك ألن من التجأ
إلى غير هللا في الشدائد فقد أشرك مع هللا فيما ال يقدر عليه إال هللا سبحانه وتع66الى ،ألن66ه ه66و ال66ذي يُجيب
المضطر إذا دعاه ويكشف السوء وهو الملجأ سبحانه ولذا لجأ إليه النبي حيث يقول« :ال ملجأ وال منجا
وقوله تعالى َ { :وه َُو يُ ِجي ُر َوال ي َُجا ُر َعلَ ْي ِه }(.)5 ()4
يرنِي ِمنَ هَّللا ِ َأ َح ٌد }
{ قُلْ ِإنِّي لَن ي ُِج َ ()3
منك إال إليك»
[ فقل له :أنت تقر أن هللا افترض عليك إخالص العبادة هلل وهو حقه عليك ،فإنه ال يعرف العبادة وال
ض ُّرعًا َو ُخ ْفيَةً ِإنَّهُ الَ يُ ِح ُّب ا ْل ُم ْعتَ ِدينَ }(.)6
أنواعها فبيّنها له بقولك *:قال هللا تعالى { *:ا ْدعُو ْا َربَّ ُك ْم تَ َ
فإذا أعلمته بهذا فقل له :هل علمت أن هذا عبادة هلل؟ فال بد أن يقول :نعم .والدعاء مخ العبادة :فق**ل
له :إذا أقررت أنه عبادة ودعوت هللا ليالً ونها ًرا خوفًا وطم ًعا ،ثم دعوت في تل**ك الحاج**ة نبيً*ا* أو غ**يره
هل أشركت في عبادة هللا غيره؟ فال بد أن يقول نعم ] أي تسأله عن معنى العبادة وما الفرق بينهم66ا وبين
االلتجاء.
وقل له :هل العبادة واجبة أو مستحبة؟ فال بد أن يعترف أن العبادة أمر واجب وحتم على العب66اد وأنه66ا
حق هللا على العباد ،فإذا اعترف بهذا فقل له :فسّر لي العبادة ما معناها وبيّن لي ما أنواعها ،ما دمت أن66ك
اعترفت أن العبادة هلل وأنها واجبة على العبد فإنه يجب عليك أن تعرف معناه66ا وأن تع66رف أنواعه66ا وإال
فكيف يُوجب هللا عليك شيًئا وأنت تجهله وال تعرفه ،فإنه ال يعرف العبادة وال يعرف أنواعه66ا ،وه66ذه آف66ة
( )1النجم26:
( )2يونس18:
( )3رواه اإلمام البخاري في صحيحه 7/147كتاب الدعوات باب النوم على الشق األيمن من حديث البراء بن عازب رضي هللا تعالى
عنه.
( )4الجن22:
( )5المؤمنون88:
( )6األعراف55:
34
الجهل ،ومن هنا يتعين على العباد أن يتعلموا ما أوجب هللا عليهم وما فرض6ه هللا عليهم ح6تى ي6ؤدوه على
وجهه الصحيح ويتجنبوا ما يُخل ب6ه وم66ا يبطل66ه ،أم6ا أن تعب6د هللا على جه6ل ف6إن ه6ذه طريق6ة النص6ارى
الص َ 6راطَ
الضالين يعبدون هللا على جهل وضالل وهللا أمرك أن تسأله أن يُجنبك طريقهم فتقول { :اه ِدنَـا ِّ
فالض66الون هم ال66ذين الض66الِّينَ }
ب َعلَي ِه ْم َوالَ َّ
غض66و ِ صَ 66راطَ الَّ ِذينَ َأن َعمتَ َعلَي ِه ْم غ ِ
َ66ير ال َم ُ ال ُمس66تَقِي َمِ ،
()1
يعبدون هللا على غير علم وعلى غير معرفة بالعبادة وإنما يعبدون هللا بالعادات والتقاليد وما وج66دوا علي66ه
آباءهم وأجدادهم دون أن يرجعوا إلى ما ج66اءت ب66ه الرس66ل ون66زلت ب66ه الكتب وه66ذا ه66و س66بب الض66الل.
وااللتجاء هو طلب الحماي66ة من أمر مخّ 6وف ال يدفع66ه إال هللا .فه66و ن66وع من أن66واع العب66ادة ،وهللا س66بحانه
يجير وال يجار علي6ه ويعي6ذ من اس66تعاذ ب6ه ،فمن التج66أ إلى ميت فق6د عب6ده من دون هللا وك66ذلك من أعظم
َض6رُّ عًا َو ُخ ْفيَ6ةً ِإنَّهُ الَ يُ ِحبُّ ْال ُم ْعتَِ 6دينَ }( )2وأنت أنواع العبادة الدعاء حيث قال هللا تع6الى { :ا ْدع ْ
ُ6وا َربَّ ُك ْم ت َ
بالتجائك إلى غير هللا قد دعوت غير هللا وهذا شرك.
وأطعت هللا ونحرت له ،هل هذا عبادة؟ فال بد ()3
[ فإذا عملت بقول هللا تعالى { :فَ َ
ص ِّل لِ َربِّ َ*ك َوا ْن َح ْر }
أن يقول :نعم ،فقل له :فإذا نحرت لمخلوق ،نبي أو جني أو غيرهما *،هل أشركت في ه**ذه العب**ادة غ**ير
هللا؟ فال بد أن يقر ويقول :نعم ] أي ال بد إذا تل66وت علي66ه اآلي66ات واألح6اديث ب6أن ال6دعاء عب66ادة الب66د أن
يعترف فتقول له لو دعوت هللا في الليل والنهار لكنك في بعض األحيان تدعو غير هللا هل تكون مش66ر ًكا؟
فال بد أن يعترف ويقول إنه مشرك ألنه دعا غير هللا ومن دعا غير هللا فهو مشرك.
وإذا كان من دعا غير هللا ولو مرة واحدة في العمر يكون مش66ر ًكا م66ع أن66ه ي66دعو هللا في اللي66ل والنه66ار
فكيف بالذي يلهج دائ ًم ا بذلك ويقول يا حسين ،يا بدوي ،يا عبد القادر ،يا فالن فيصدر منه الشرك كثيرًا.
فإذا كان من ذبح لغير هللا أو صلى لغير هللا يكون مشر ًكا فكيف بمن يلجأ إلى غير هللا في كشف الشدائد
أال يكون مشر ًكا؟ بلى ألن الباب واحد وأنواع العبادة كلها بابه6ا واح6د ال يج66وز أن يخلص هلل في بعض6ها
ويشرك باهلل في البعض اآلخر.
والص*الحين والالت*
ّ ضا *:المشركون الذين نزل فيهم الق**رآن ه**ل ك**انوا يعب**دون المالئك**ة
[ وقل له أي ً
وغير ذلك؟ فال بد أن يق*ول :نعم فق*ل ل*ه :وه*ل ك*انت عب*ادتهم إي*اهم إال في ال*دعاء وال*ذبح وااللتج**اء
ونح**و ذل**ك .وإال فهم مق**رون أنهم عبي**ده وتحت قه**ره وأن هللا ه**و ال**ذي ي**دبّر األم**ر ولكن دع**وهم
والتجؤوا إليهم للجاه والشفاعة* وهذا ظاهر جدًا ] أي أن المشركين األولين م66ا ك66ان ش66ركهم إال في ه66ذه
األمور وقد نزل القرآن في اإلنكار عليهم واألمر بقتالهم وإباحة أموالهم ودمائهم .م66ا ك66انوا م66ع أص66نامهم
يعتقدون أنها تخلق وترزق وتحيي وتميت وما ك66انوا ي66دعونها إال من أج66ل الش66فاعة ،فك66ذلك عبَّاد القب66ور
الي66وم ي66دعون األض66رحة واألولي66اء والص66الحين وال يعتق66دون فيهم أنهم يخلق66ون ويرزق66ون وأنهم خلق66وا
( )1الفاتحة7-6:
( )2األعراف55:
( )3الكوثر2:
35
السماوات واألرض وإنما اتخذوهم لقضاء الحاجات والتوسل بهم إلى هللا ليشفعوا لهم ويقربوهم إليه زلفى
وااللتجاء إليهم في كشف الكرب والشدائد.
[ فإن قال :أتنكر شفاعة رسول هللا وتبرأ منه**ا .فق**ل ال أنكره**ا وال أت**برأ منه**ا .ب**ل ه*و َّ
الش*افع
()1
الش*فَا َعةُ َج ِمي ًع*ا }
والمشفّع وأرجو شفاعته *،ولكن الشفاعة* كلها هلل تع*الى كم*ا ق*ال تع*الى { :قُ*ل هَّلِّل ِ َّ
ش*فَ ُع ِع ْن* َدهُ ِإالَّ بِِإ ْذنِ* ِه }( )2وال يش*فع الن**بي في
وال تكون إال بعد إذن هللا كما قال تعالىَ { :من َذا الَّ ِذي يَ ْ
وهو سبحانه ال يرض**ى ()3
ضى } شفَ ُعونَ ِإالّ لِ َم ِن ْ
ارتَ َ أحد إال بعد أن يأذن هللا فيه ،كما قال تعالىَ { *:وال يَ ْ
فإذا كانت الشفاعة* كله**ا هلل ()4
سالَ ِم ِدينًا فَلَن يُ ْقبَ َل ِم ْنهُ }
إال التوحيد ،كما قال تعالىَ { *:و َمن يَ ْبت َِغ َغ ْي َر اِإل ْ
وال تكون إال من بعد إذنه ،وال يشفع النبي وال غيره في أحد حتى يأذن هللا فيه ،وال ي**أذن هللا إال أله**ل
التوحيد تبيّن لك أن الشفاعة* كله*ا هلل وأطلبه*ا من*ه ف*أقول :الله َّم ال تحرم*ني ش*فاعته* الله َّم ش*فّعه ف ّي،
وأمثال هذا ] شفاعة النبي ال ينكرها إال أهل الباطل ،والفرق الض66الة ك66الخوارج والمعتزل66ة ،أم66ا أه66ل
السنة والجماعة فإن من أصول عقيدتهم اإلقرار بشفاعة النبي وشفاعة األولي66اء والص66الحين ،ولكنه66ا ال
تطلب منهم وهم أموات وإنما تطلب من هللا ألن أحدًا ال يشفع عن66د هللا إال من بع66د إذن66ه ،وال ب66د أن يك66ون
المشفوع فيه ممن يرضى هللا عنه من أهل التوحيد ،والنبي وهو أعظم الشفعاء يوم القيام66ة ،إذا تق66دم ل66ه
أهل المحشر وطلبوا منه أن يشفع لهم عند هللا في فصل القضاء بينهم ،فإنه ال يشفع ابتداء ،وإنم66ا يس66تأذن
ربه ويطلب منه أن يأذن له بالشفاعة فيخ ّر ساجدًا بين يدي ربه ويدعوه ويتضرع إليه ويستمر ح66تى يق66ال
له :يا محمد ارفع رأسك وسلْ تعطه واشفع تشفّع ( )5ولكن كيف تطلب الشفاعة؟.
الشفاعة تطلب من هللا وال تطلب من المخلوق فتق66ول :اللهم ال تحرم66ني ش66فاعة نبي66ك ،اللهم ش6فّعه ف ّي.
وأمثال هذا .والنبي بعد موته ال يطلب منه ش66يء ال ش66فاعة وال غيره66ا ألن طلب األش66ياء من األم66وات
شرك أكبر.
[ فإن قال :النبي* أعطي الشفاعة* وأنا أطلبه مما أعطاه هللا تعالى .فالجواب :أن هللا أعطاه الشفاعة
فإذا كنت تدعو هللا أن يشفّع نبيّ**ه في**ك فأطع**ه ()6
ونهاك عن هذا فقال تعالى { :فَال تَ ْدعُوا َم َع هَّللا ِ َأ َحدًا }
وأيض*ا *،ف**إن الش**فاعة* أعطيه**ا غ**ير الن**بي* فص*ح أن المالئك**ة
ً في قوله { :فَال تَ ْدعُوا َم َع هَّللا ِ َأ َح* دًا }،
( )1الزمر44:
( )2البقرة255:
( )3األنبياء286:
انظر صحيح البخاري 106 6،4/105كتاب أحاديث األنبياء باب قول هللا تع66الىِ { :إنَّا َأرْ َسْ 6لنَا نُوحً 6ا ِإلَى قَوْ ِمِ 6ه } ،وانظ66ر مس66لم ()5
186-1/184كتاب اإليمان من حديث أبي هريرة رضي هللا عنه باب أدنى أهل الجنة منزلة فيها كالهم66ا من ح66ديث أبي هري66رة رض66ي
هللا عنه.
( )6الجن18:
36
يشفعون ،واألفراط( )7يشفعون واألولياء يش**فعون أتق**ول :إن هللا أعط**اهم الش**فاعة* وأطلبه**ا منهم ف**إن
قلت ه**ذا رجعت إلى عب**ادة الص**الحين* ال**تي ذكره**ا هللا في كتاب**ه .وإن قلت ال بط**ل قول**ك :أعط**اه هللا
الشفاعة وأنا أطلبه مما أعطاه هللا ] أي ليس من الزم إعطاء النبي وغيره الش66فاعة ج66واز طلبه66ا منهم
وهم أموات بدليل أن هللا سبحانه وتعالى نفي أن يشفع أحد عنده إال بإذنه ورض66اه عن المش66فوع في66ه وألن
طلب الشفاعة من األموات شرك وهللا قد حرم الشرك وأحبط عمل صاحبه وحرم علي66ه الجن66ة ،وق6د أنك6ر
سبحانه على الذين يدعون غ66يره ويقول66ون ه66ؤالء ش66فعاؤنا عن66د هللا ونّ 6زه نفس66ه عن ذل66ك وس66ماه ش66ر ًكا.
وأيضًا إعطاء هللا الشفاعة ليس خاصًا بالنبي فه66ل ك66ل من أعطي الش66فاعة تطلب من66ه من دون هللا كم66ا
كان المشركون األولون يفعلون ذلك { ،يَقُولُونَ هَـُؤال ِء ُشفَ َعاُؤ نَا ِعن َد هَّللا ِ }(.)1
صالحين ليس بش**رك .فق**ل ل**ه :إذا
[ فإن قال :أنا ال أشرك باهلل شيًئا حاشا وكال ولكن االلتجاء* إلى ال ّ
وتقر أن هللا ال يغفره ،فم**ا ه**ذا األم**ر ال**ذي حرم**ه
ُّ كنت تقر أن هللا ح ّرم الشرك أعظم من تحريم الزنى*،
هللا وذكر أنه ال يغفره ،فإنه ال يدري فقل له :كيف تبرئ نفسك من الش**رك وأنت ال تعرف**ه؟ كي**ف يح**رم
هللا عليك هذا ويذكر أنه ال يغفره وال تسأل عنه وال تعرفه؟ أتظن أن هللا يح ّرمه وال يبيّنه* لنا؟* ف**إن ق**ال:
الشرك عبادة األصنام ونحن ال نعبد األصنام فقل له :م**ا مع**نى عب**ادة األص**نام؟* أتظن أنهم يعتق**دون أن
تلك األخشاب* واألحجار تخلق وترزق وتدبّر أمر من دعاها؟ فهذا ّ
يكذبه القرآن *،وإن قال :ه*و من قص*د
خشبةً أو حج ًرا أو بنية على قب ٍر أو غيره يدعون ذل**ك وي**ذبحون ل**ه يقول**ون :إن**ه يقربن*ا* إلى هللا زلفى
ويدفع هللا عنا ببركته ويعطينا ببركته فقل صدقت وهذا هو فعلكم عند األحجار واألبنية التي على القبور
وغيرها فهذا أقر أن فعلهم هذا هو عبادة األصنام* فهو المطلوب.
ضا *:قولك( :الشرك* عبادة األصنام)* هل مرادك أن الشرك مخصوص به**ذا ،وأن االعتم**اد
ويقال له أي ً
الص*الحين ودع**ا َءهم ال ي**دخل في ذل**ك؟ فه*ذا ي*ردّه م*ا ذك*ر هللا في كتاب**ه من كف*ر من تعل*ق على
على ّ
الص *الحين فه**ذا
صالحين ،فال بد أن يقر لك أن من أشرك في عبادة هللا أحدًا من ّ
المالئكة أو عيسى أو ال ّ
هو الشرك المذكور في القرآن* وهذا هو المطلوب.
وسر المسألة أنه إذا قال :أنا ال أشرك باهلل فقل له :وما الشرك باهلل ،فسره لي؟ فإن ق*ال :ه*و عب*ادة
األصنام فقل وما معنى عبادة األصنام فسرها لي :فإن قال :أنا ال أعب**د إال هللا فق**ل :م**ا مع**نى عب**ادة هللا
سرها بما بيّنه القرآن* فهو المطلوب ،وإن لم يعرفه فكيف يدَّعي شيًئا* وهو ال يعرفه؟
فسرها لي؟ فإن ف ّ
وإن فسر ذلك بغير معناه ،بيّنت* له اآليات* الواضحات* في معنى الشرك* باهلل وعبادة األوثان وأنه الذي
يفعلونه في هذا الزمان* بعينه *،وأن عبادة هللا وحده ال شريك له هي التي ينكرون علينا* ويص**يحون في**ه
] يبيّن الشيخ رحمه ()2
اب } كما صاح إخوانهم حيث قالواَ { :أ َج َع َل اآللِ َهةَ ِإلَ ًها َو ِ
احدًا ِإنَّ َه َذا لَش َْي ٌء ع َُج ٌ
هللا أن الشرك ليس مقصو ًر ا على عبادة األصنام ألن المشركين األولين منهم من يعبد المالئكة والمالئك66ة
( )7األفراط :هم األوالد الصغار الذين ماتوا قبل آبائهم .انظر لسان العرب 7/366مادة «فرط».
( )1يونس18:
( )2ص5:
37
أصلح الصالحين كما قال تعالى { :بَلْ ِعبَا ٌد ُّم ْك َر ُمونَ ،ال يَ ْسبِقُونَهُ بِ ْالقَوْ ِل َوهُم بَِأ ْم ِر ِه يَ ْع َملُ66ونَ ،يَ ْعلَ ُم َم66ا بَ ْينَ
ضى َوهُم ِّم ْن خَ ْشيَتِ ِه ُم ْشفِقُونَ َ ،و َمن يَقُ6لْ ِم ْنهُ ْم ِإنِّي ِإلَ6هٌ ِّمن دُونِِ 6ه َأ ْي ِدي ِه ْم َو َما خَ ْلفَهُ ْم َوال يَ ْشفَعُونَ ِإالّ لِ َم ِن ارْ تَ َ
ك نَجْ ِزي ِه َجهَنَّ َم َك َذلِكَ نَجْ ِزي الظَّالِ ِمينَ }(.)1
فَ َذلِ َ
ومنهم من يعبد الصالحين وذلك في قوله تعالىُ { :أولَـِئكَ الَّ ِذينَ َي ْد ُعونَ يَ ْبتَ ُغ66ونَ ِإلَى َربِّ ِه ُم ْال َو ِس 6يلَةَ َأيُّهُ ْم
َأ ْق َربُ َويَرْ جُونَ َرحْ َمتَهُ َويَخَ افُونَ َع َذابَهُ }( )2قيل إنها نزلت فيمن يعبد عزيرًا والمس66يح من األنبي66اء .وقي66ل
نزلت في قوم كانوا يعبدون الجن فأسلم الجن ،ولم يعلم من يعبدهم من اإلنس أنهم أسلموا.
والمقصود من ذلك أن هللا ذكر أن المشركين األولين منهم من يعبد األصنام واألشجار واألحجار ومنهم
من يعبد األنبياء والصالحين ،وس ّو ى بينهم في الحكم وحكم عليهم بالكفر والشرك .وأنت أيها المشبه تري66د
أن تفرق بين من عبد األصنام ومن عبد الصالحين فتف66رق بين م66ا جم66ع هللا وه66ذا من المح66ا ّدة هلل س66بحانه
وتعالى .هذا وجه رد هذه الشبهة حيث تبيّن أن6ه ال ف6رق بين ش6رك األوّلين وش66رك ه6ؤالء ال6ذين يَّ 6دعون
اإلسالم وهم يعبدون القبور واألولياء والصالحين ألنهم ال يعرفون أن هذا شرك وهذه نتيجة الجهل بعقيدة
التوحيد الصحيحة والجهل بما يضادها من الشرك فإن من ال يعرف الشرك يقع في66ه وه66و ال ي66دري .ومن
هنا تتضح ضرورة العناية بدراسة العقيدة الصحيحة وما يضادها.
[ فإذا عرفت أن هذا الذي يسميه المشركون في زماننا االعتق*اد ه*و الش*رك ال*ذي ن*زل في*ه الق*رآن
وقاتل رسول هللا الناس عليه فاعلم أن شرك األولين أخف من شرك أهل زماننا* ب**أمرين *:أح**دهما :أن
الش *دَّة
األولين ال يش**ركون وال ي**دعون المالئك**ة واألولي**اء واألوث**ان م**ع هللا إال في الرخ**اء وأم**ا في ّ
ض َّل َمن تَ ْدعُونَ ِإالَّ ِإيَّاهُ فَلَ َّما نَ َّجا ُك ْم ِإلَى ض ُّر فِي ا ْلبَ ْح ِ*ر َ فيخلصون هلل الدين كما قال تعالى { *:وَِإ َذا َم َّ
س ُك ُم ا ْل ُّ
الس *ا َعةُ َأ َغ ْي* َ
*ر اب هَّللا ِ َأ ْو َأتَ ْت ُك ُم َّ
ان َكفُو ًرا }( )3وقوله { :قُ ْل َأ َرَأ ْيتَ ُكم ِإنْ َأتَا ُك ْم َع َذ ُ س ُ* ا ْلبَ ِّر َأع َْر ْ
ضتُ ْم َو َكانَ اِإل ْن َ
()4
ُش * ِر ُكونَ }س ْونَ َم**ا ت ْ صا ِدقِينَ * بَ ْل ِإيَّاهُ تَ ْدعُونَ فَيَ ْك ِ
شفُ َما تَ ْدعُونَ ِإلَ ْي ِه ِإنْ شَا َء َوتَن َ هَّللا ِ تَ ْدعُونَ ِإن ُكنتُ ْم َ
ظلَ ِل َد َع* ُوا ض ٌّر َدعَا َربَّهُ ُمنِيبًا ِإلَ ْي ِه }( )5وقوله { :وَِإ َذا َغ ِ
شيَ ُهم َّم ْو ٌج َكال ُّ ان ُ س َ* وقال تعالى { :وَِإ َذا َم َّ
س اِإل ن َ
هَّللا َ ُم ْخلِ ِ
صينَ لَهُ ال*دِّينَ }( ].)6يق66ول الش66يخ رحم66ه هللا :إذا ع66رفت مم66ا س66بق أن66ه ال ف6رق بين ش6رك أه66ل
الجاهلية الذي نزل فيه القرآن والذي قاتل رسول هللا وأص6حابه وش6رك ه6ؤالء المنتس6بين إلى اإلس6الم
من عبَّاد القبور وأصحاب الطرق الصوفية المنحرفة ونح66وهم ال ف66رق بين ش66رك ه66ؤالء وه66ؤالء إال في
االسم حيث يسمونه االعتقاد فقط ،فاعلم أن شرك هؤالء المتأخرين المنتسبين إلى اإلسالم أشد وأغل66ظ من
شرك المتقدمين من أهل الجاهلية من وجهين:
( )1األنبياء29-26:6
( )2اإلسراء57:
( )3اإلسراء67:
( )4األنعام41-40:
( )5الزمر8:
( )6لقمان32:
38
األول :أن ش66رك األولين إنم66ا يحص66ل في ح66ال الرخ66اء وأم66ا في ح66ال الش66دة ف66إنهم ي66تركون الش66رك
ويخلصون الدعاء هلل لعلمهم أنه ال ينجي من الش6دائد إال هللا س6بحانه ،كم6ا ذك6ر هللا عنهم في اآلي6ات ال6تي
ساقها الشيخ وغيرها؛ وأما هؤالء المشركون المنتسبون إلى اإلسالم فشركهم دائم في الرخ66اء والش66دة ب66ل
إن شركهم في الشدة يزيد على شركهم في الرخاء ،بحيث إذا وقع66وا في خط6ر وش66دة ،ارتفعت أص6واتهم
بالشرك ودعاء غير هللا.
هذا هو الوجه األول من وجوه الفرق بين المشركين األولين ومشركي زماننا.
والوجه الثاني :سيأتي.
[ فمن فهم هذه المسألة* التي وضحها هللا في كتابه وهي أن المشركين* الذي قاتلهم رسول هللا يدعون
هللا تع**الى* وي**دعون غ**يره في الرخ**اء* وأم**ا في الض**ر والش**دة فال ي**دعون إال هللا وح**ده ال ش**ريك ل**ه،
وينسون ساداتهم تبيّن* له الف**رق بين ش**رك أه**ل زمانن**ا وش**رك األولين* ولكن ،أين من يفهم قلب**ه ه**ذه
ً
راسخا؟!* وهللا المستعان* ] يقول رحمه هللا :إنه ال يدرك الف66رق بين ش66رك األولين وش66رك المسألة فه ًما
المتأخرين في أن شرك المتأخرين أغلظ وأشد ،إال من فهم اآليات القرآنية التي توضح ذلك ومن لم يدرك
الفرق فإنه راجع لسوء فهمه.
سا* مق ّربين* عند هللا إما أنبياء* وإما أولياء *،وإما مالئكة،
[ واألمر الثاني* أن األولين* يدعون مع هللا أنا ً
أناس*ا من أفس**ق
ً أو يدعون أشجا ًرا أو أحجا ًرا مطيع**ة هلل ليس*ت* عاص**ية وأه*ل زمانن*ا* ي**دعون م**ع هللا
الناس *،والذين يدعونهم هم الذين يحكمون عنهم الفجور من الزنا والسرقة وترك الصالة وغ**ير ذل**ك ]
الوجه الثاني :من أوجه الفرق أن المشركين األولين يدعون أناسًا فيهم صالح وتقرب إلى هللا من المالئكة
واألنبياء والصالحين أو يدعون أشجا ًرا أو أحجا ًرا ليست عاصية هلل .وأما المشركون المتأخرون فيدعون
فجرة الخلق وأشدهم كفرًا وفسقًا ممن يزعمون لهم الكرامات وسقوط التكاليف عنهم من مالحدة الصوفية
ال66ذين يس66تحلون المحرم66ات وي66تركون الواجب66ات كالب66دوي والحالج وابن ع66ربي وأض66رابهم من أئم66ة
المالحدة ،فيعبدونهم وهم يشاهدونهم يفعلون الفواحش ويتركون الفرائض ويزعمون أن ه6ذا من ك6رامتهم
وفضلهم حيث سقطت عنهم التكاليف.
صالح أو الذي ال يعصي مثل الخشب* والحجر أهون ممن يعتقد فيمن يُشاهد فسقه
[ والذي يعتقد في ال ّ
وفساده ويشهد به ] هذه نتيجة المقارنة بين شرك األولين وشرك المتأخرين المنتسبين إلى اإلس6الم وهي
أن الش66رك بعب66ادة الص66الحين والمخلوق66ات ال66تي ال تعص66ي أخ66ف من الش66رك بعب66ادة الفج66رة والمالح66دة
والعصاة ألن ذلك يدل على ت66زكيتهم وم66وافقتهم على كف66رهم وفج66ورهم واعتب66اره ص66الحًا وكرام66ة وأي
محادة هلل أشد من هذه المحادة نسأل هللا العافية.
[ إذا تحقَّقت أن الذين قاتلهم رسول هللا أص*ح عق*والً وأخ*ف ش*ر ًكا من ه*ؤالء ،ف**اعلم أن له*ؤالء
ش*بهة يوردونه**ا على م**ا ذكرن**ا وهي من أعظم ش*بههم فأص**غ س*معك لجوابه*ا وهي أنهم يقول**ون إن
ّ
ويكذبون القرآن ّ
ويكذبون الرسول وينكرون البعث الذين نزل فيهم القرآن* ال يشهدون أن ال إله إال هللا
39
ويجعلونه سح ًرا ونحن نش*هد أن ال إل*ه إال هللا وأن محم*دًا رس*ول هللا ونص*دق الق*رآن ون*ؤمن ب*البعث
ونصلي ونصوم فكيف تجعلوننا* مثل أولئك؟
فالجواب أن ال خالف بين العلماء* كلهم أن الرجل إذا ص*دّق رس*ول هللا في ش**يء ّ
وكذب**ه في ش*يء
فإنه كافر لم يدخل في اإلس*الم وك*ذلك إذا آمن ببعض الق*رآن* وجح*د بعض*ه ،كمن أق* ّر بالتّوحي*د وجح*د
وجوب الصالة أو أق ّر بالتوحيد والصالة وجحد وجوب الزكاة أو أق ّر بهذا كله وجحد الصوم أو أق ّر به**ذا
كله وجحد الحج ولم**ا لم ينق**د أن**اس في زمن الن**بي للحج أن**زل هللا في حقهمَ { :وهَّلِل ِ َعلَى النَّا ِ*
س ِح ُّج
سبِيالً َو َمن َكفَ َر فَِإنَّ هللا َغنِ ٌّي ع َِن ا ْل َعالَ ِمينَ }(.)1
ستَطَا َع ِإلَ ْي ِه َ ا ْلبَ ْي ِ*
ت َم ِن ا ْ
ومن أقر بهذا كله وجحد البعث كفر باإلجماع* وحل دمه وماله كما قال تعالىِ { :إنَّ الَّ ِذينَ يَ ْكفُ ُرونَ بِاهَّلل ِ
ض َويُ ِري *دُونَ َأن يَتَّ ِخ* ُذو ْا ض َونَ ْكفُ * ُر بِبَ ْع ٍ سلِ ِه َويُ ِريدُونَ َأن يُفَ ِّرقُو ْا بَيْنَ هَّللا ِ َو ُر ُ
سلِ ِه َويقُولُونَ نُ**ْؤ ِمنُ بِبَ ْع ٍ َو ُر ُ
سبِيالًُ *،أ ْولَـِئ َك ُه ُم ا ْل َكافِ ُرونَ َحقًّا }(.)2بَيْنَ َذلِ َك َ
فإذا كان هللا قد صرح في كتابه أن من آمن ببعض وكف**ر ببعض فه**و الك**افر حقً**ا زالت ه**ذه الش**بهة
وهذه هي التي ذكرها بعض أهل األحساء في كتابه الذي أرسله إلينا.
ضا *:إذا كنت تق ّر أن من صدّق الرسول في كل شيء وجحد وجوب ال ّ
صالة فهو كافر حالل ويقال أي ً
الدم والمال باإلجماع *،وكذلك إذا أق ّر بكل شيء إال البعث *،وكذلك لو جحد وجوب صوم رمضان* وص**دَّق
بالباقي* وهنا ال تختلف المذاهب فيه وقد نطق به القرآن كما قدمنا .فمعلوم أن التوحيد هو أعظم فريضة
جاء بها النبي وهو أعظم من الصالة والزكاة والصوم والحج .فكيف إذا جحد اإلنس**ان* ش**يًئا* من ه**ذه
األمور؟ كفر ولو عم*ل بك*ل م*ا ج*اء ب*ه الرس*ول ، وإذا جح*د التوحي*د ال*ذي ه*و دين الرس*ل كلهم ال
يكفر؟! سبحانه* هللا ما أعجب هذا الجهل!
ضا :هؤالء أصحاب رسول هللا قاتلوا بني حنيفة وقد أسلموا مع النبي* وهم يشهدون أن ال
ويقال أي ً
ّ
ويؤذنون ويصلّون فإن قال إنهم يقولون إن مسليمة نبي قلن**ا ه**ذا ه**و إله إال هللا وأن محمدًا رسول هللا
المطلوب .إذا كان من رفع رجالً إلى رتبة النبي* كفر وحل ماله ودمه ولم تنفعه الشهادتان* وال الص**الة
فكيف بمن رفع شمسان أو يوسف أو صحابيًا أو نبيًا إلى رتبة جبار السماوات* واألرض س**بحان هللا م**ا
أعظم شأنهَ { :ك َذلِكَ يَ ْطبَ ُع هَّللا ُ َعلَ َى قُلُو ِ
ب ا ْل َكافِ ِر َ*
ين }(.)3
ضا *:ال**ذين ح* ّرقهم علي بن أبي ط**الب رض*ي هللا عن**ه بالنَّار كلهم ي*دّعون اإلس**الم وهم من
ويقال أي ً
أصحاب علي رضي هللا عنه وتعلموا العلم من الصحابة ولكن اعتقدوا في علي مثل االعتقاد في يوس*ف
وشمس**ان وأمثالهم**ا ،فكي**ف أجم**ع الص**حابة على قتلهم وكف**رهم؟ أتظن**ون أن الص**حابة يكفّ**رون
المسلمين؟* أتظنون أن االعتقاد في تاج وأمثاله ال يضر واالعتقاد في علي بن أبي طالب يكفّر؟
40
ضا :بنو عبيد القداح الذين ملكوا المغرب ومصر في زمان بني العباس كلهم يش**هدون أن ال
ويقال أي ً
إله إال هللا وأن محمدًا رسول هللا ويدّعون اإلس**الم ويص**لون الجمع**ة والجماع**ة ،فلم**ا أظه**روا مخالف**ة
الشريعة في أشياء دون ما نحن فيه أجمع العلماء على كفرهم وقت**الهم وأن بالدهم بالد ح**رب وغ**زاهم
المسلمون حتى استنقذوا ما بأيديهم من بلدان المسلمين.
ضا *:إذا كان األولون لم يكفروا إال أنهم جمعوا بين الشرك وتكذيب الرسول والقرآن وإنكار
ويقال أي ً
البعث وغير ذلك فما معنى الباب* الذي ذكره العلماء* في كل مذهب (باب حكم المرتد) وهو المس**لم يكف**ر
بعد إسالمه ثم ذكروا أنواعًا كثيرة ،كل نوع منها يكفّر ويحل دم الرج**ل ومال**ه ح**تى إنهم ذك**روا أش**ياء
يسيرة عند من فعلها مثل كلمة يذكرها بلسانه* دون قلبه أو يذكرها على وجه المزح واللعب.
ضا *:الذين قال هللا فيهم { :يَ ْحلِفُونَ بِاهَّلل ِ َما قَالُو ْا َولَقَ ْد قَالُو ْا َكلِ َمةَ ا ْل ُك ْف ِر َو َكفَ ُرو ْا بَ ْع َد ِإ ْ
سالَ ِم ِه ْم ويقال أي ً
}(.)1
أما سمعت هللا كفّرهم بكلمة مع كونهم في زمن رسول هللا ويجاهدون معهم ويصلّون معه ويز ّكون
ويو ِّحدون.
ويحجون َ
ّ
س*ولِ ِه ب قُ* ْل َأبِاهَّلل ِ َوآيَاتِ* ِه َو َر ُ سَأ ْلتَ ُه ْم لَيَقُولُنَّ ِإنَّ َما ُكنَّا نَ ُخ* ُ
وض َونَ ْل َع ُ وكذلك الذين قال هللا فيهمَ { :ولَِئن َ
*ذ ْب طَآِئفَ*ةً بِ*َأنَّ ُه ْم َك**انُو ْاستَ ْه ِزُؤ ونَ ،الَ تَ ْعتَ ِذ ُرو ْا قَ ْد َكفَ ْرتُم بَ ْع* َد ِإي َم*انِ ُك ْم ِإن نَّعْ*فُ عَن طَآِئفَ* ٍة ِّمن ُك ْم نُ َع ِّ
ُكنتُ ْم تَ ْ
فهؤالء الذي ص ّرح هللا أنهم كفروا بعد إيمانهم وهم مع رسول هللا في غزوة تبوك قالوا ()2
ُم ْج ِر ِمينَ }
كلمة ذكروا أنهم قالوها على وجه المزح( ، )3فتأمل هذه الشبهة هي قولهم تكفّرون من المسلمين أنا ً
سا*
يشهدون أن ال إله إال هللا ويصلون ويصومون ثم تأمل جوابها فإن**ه من أنف**ع م**ا في ه**ذه األوراق ] م66ا
زال الشيخ رحمه هللا يواصل الرد على ش66بهات المش6بهين في مس6ألة الش6رك والتوحي6د ،ف6انتهى إلى ه6ذه
الش6بهة العظيم6ة ال6تي هي من أعظم ش6بههم وأخطره6ا أال وهي ق6ولهم إن من ش6هد أن ال إل6ه إال هللا وأن
محمدًا رسول هللا وصلى وصام وحج وأدى األعمال ،فإنه ال يكفر ولو فعل ما فع66ل من أن66واع ال66ردة .أم66ا
الذين نزل فيهم القرآن وهم المشركون األولون فإنهم ليسوا مثل هؤالء فهم لم يشهدوا أن ال إله إال هللا وأن
محمدًا رسول هللا ولم يدخلوا في اإلسالم فهم ال يؤمنون باهلل وال بالرس6ول وال باإلس6الم وال ب6القرآن ،أم6ا
هؤالء فأظهروا اإليم66ان ب66البعث ويص66لون ويص66ومون ويحج66ون ويزك66ون وي66ذكرون هللا كث66يرًا .فالش66يخ
رحمه هللا عند هذه الشبهة خاصة قال :أصغ سمعك لجوابها فإنها من أعظم شبههم.
ثم ر َّد الشيخ على هذه الشبهة من سبعة وجوه مهمة:
الوجه األول:
أنه من آمن ببعض األحكام الشرعية وكفر ببعضها اآلخر فهو كافر بالجميع .وه66ؤالء أنك66روا التوحي66د
الذي جاءت به الرسل وهو إفراد هللا بالعبادة فهؤالء لم يفردوا هللا بالعب66ادة وإنم66ا أش66ركوا مع66ه غ66يره من
41
األولي66اء والص66الحين فاإلس66الم ال يقب66ل التجزئ66ة وال التفرق66ة وأعظم اإلس66الم التوحي66د وه66و دع66وة جمي66ع
الرسل ،وهؤالء جحدوا أعظم شيء وهو توحيد العبادة وقالوا ال بأس أن ينذر اإلنسان لفالن وي66ذبح لفالن
ألنه ولي والول ّي ينفع ويضر مما هو مثل فعل المشركين األولين.
الوجه الثاني:
ذكر الشيخ رحمه هللا وقائع في التاريخ اإلسالمي تدل على أن العلم6اء في ك6ل زم6ان يكفّ6رون من آمن
ببعض وكف66ر ببعض .منه66ا أن الص66حابة ومن بع66دهم ق66اتلوا ال66ذين يتظ66اهرون بالش66هادتين ويص66لون
ويصومون ويحجون لكن لما فعلوا شيًئا من الشرك أو جحدوا ش66يًئا من ال66دين ق66اتلوهم واس66تحلّوا دم66اءهم
وأموالهم وذلك كما يلي:
أوالً :بنو حنيفة اعتقدوا أن مسيلمة رسول هللا والذين جحدوا وجوب الزكاة بعد وفاة النبي .
وثانيًا :في عهد علي رضي هللا عنه كفّروا الغالة الذين قالوا إن عليًا هو هللا مع أنهم يشهدون أن ال إله
إال هللا وأن محمدًا رسول هللا ويص6لون ويص6ومون وهم في جن66د علي رض6ي هللا عن6ه ،لكن لم66ا أظه6روا
الغلو ح َّرقهم علي رضي هللا عنه مع أنهم يشهدون أن ال إله إال هللا ولكنه حرَّقهم لما اعتقدوا أن شخصًا له
حق في األلوهية كفّرهم وحرقهم بالنار.
ثالثًا :في عهد العباسيين ظهرت فرقة العبيديين ،وهم طائفة الشيعة اإلسماعيلية ألنهم ينتسبون إلى
إسماعيل بن محمد بن جعفر ،ولذلك س66موا باإلس66ماعيلية وس66موا الفاطمي66ة ألنهم يزعم66ون أنهم من ذري66ة
فاطمة ولذلك يقال لهم الفاطميون ،وفي الحقيقة أنهم من اليهود أظهروا اإلسالم ولكن ظه66ر منهم كفري66ات
وفي النهاية ادعى حكامهم األلوهية مثل الحاكم العبيدي.
فالصحابة قاتلوا بني حنيفة وهم يشهدون أن ال إله إال هللا وأن محمدًا رس66ول هللا ويص66ومون ويحج66ون
لكن لما ادعوا أن مسيلمة نبي كفّروهم ألن من اعتقد في شخص بعد محمد أن66ه ن66بي فق66د كف66ر وإن ك66ان
يصلي ويصوم ولذلك حكم المسلمون اليوم بكفر القاديانية الذين يدعون نبوة أحمد القادياني .ف66إذا ك66ان من
رفع رجالً إلى مرتبة النبي كفر فكيف ال يكفر من رفع رجالً إلى مرتبة رب العالمين وصرف ل66ه أنوا ًع66ا
من العبادة كالذبح والنذر والدعاء واالستغاثة وغير ذلك؟ وقول الشيخ كم66ا رف66ع تا ًج66ا وشمس66ان ويوس66ف
ناس في زمانه غال فيهم الناس بحجة أنهم أولياء ولهم ش66عوذات وخ66وارق وهم على طريق66ة الحالج وابن
عربي.
الوجه الثالث:
أن العلماء رحمهم هللا عقدوا بابًا في كتب الفقه سموه باب الردة وذكروا في6ه ن6واقض اإلس6الم وذك6روا
أشياء قد تكون صغيرة في أعين الناس ولكن حكموا أن من فعلها أو اعتقدها يكفر مع أنه يص66لي ويص66وم
ويعبد هللا ،ولم يحصروا حصول الردة فيما ذكرتم.
42
الوجه الرابع:
أن هللا حكم بكفر أناس لقولهم كلمة تكلموا بها أبطلت إسالمهم وإيمانهم كما قال تعالى { :يَحْ لِفُونَ بِاهَّلل ِ َما
ُوا بَ ْع َد ِإ ْس6الَ ِم ِه ْم }( )1فكفّ66رهم بكلم66ة م66ع ك66ونهم م66ع رس66ول هللا يص66لّون
وا َكلِ َمةَ ْال ُك ْف ِر َو َكفَر ْ
وا َولَقَ ْد قَالُ ْ
قَالُ ْ
ويجاهدون.
( )1التوبة74:
43
الوجه الخامس:
أن هللا كفّر أناسًا بسبب كالم قالواه على وجه المزاح واللعب وأنزل في ش6أنهمَ { :ولَِئن َسَ6أ ْلتَهُ ْم لَيَقُ66ولُ َّن
()1 ِإنَّ َما ُكنَّا نَ ُخوضُ َون َْل َعبُ قُلْ َأبِاهَّلل ِ َوآيَاتِ ِه َو َرسُولِ ِه ُكنتُ ْم ت َْس6تَه ِْزُؤ ونَ ،الَ تَ ْعتَِ 6ذر ْ
ُوا قَْ 6د َكفَ6رْ تُم بَعَْ 6د ِإي َم6انِ ُك ْم }
مع أنهم يصلّون وقد غزوا مع الرسول في غزوة تبوك لكن لما قالوا هذه الكلمة كفروا بع66د إيم66انهم ولم
ينفعهم أنهم يصلّون ويصومون ويجاهدون.
فهذه الوجوه فيها إبطال هذه الشبهة وفي الحقيقة أنها من أعظم الشبه ولكن جوابها واضح وهلل الحمد.
الوجه السادس:
ّ
ويك6ذبون الرس6ول وينك6رون البعث إن قولهم إن الذين نزل فيهم القرآن ال يش6هدون أن ال إل6ه إال هللا
ويكذبون الق66رآن ويجعلون6ه س6حرًا ونحن نش66هد أن ال إل66ه إال هللا وأن محم6دًا رس66ول هللا ونص6دق الق6رآن
ونؤمن بالبعث ونصلي ونصوم فكيف تجعلوننا مثل أولئك.
يجاب عنه أن الرجل إذا صدق هللا في شيء وكذبه في ش66يء فه66و ك66افر مرت66د عن اإلس66الم ،كمن آمن
ببعض القرآن وجحد بعضه وكمن أقر بالتوحيد والصالة وجح66د وج66وب الزك66اة أو أق66ر به66ذا كل66ه وجح66د
الصوم أو أقر بهذا كله وجحد الحج ،وإن كان يشهد أن ال إله إال هللا وأن محمدًا رسول هللا.
سابع:
الوجه ال ّ
أن َمن جحد وجوب الحج كفر وإن كان يشهد أن ال إله إال هللا وأن محمدًا رس66ول هللا ويص66لي ويص66وم
اس لَلَّ ِذي بِبَ َّكةَ ُمبَا َر ًكا َوهُ 6دًى لِّ ْل َع66الَ ِمينَ } إلى قول66هَ { :وهَّلِل ِ َعلَى النَّ ِ
اس ض َع لِلنَّ ِ قال تعالىِ { :إ َّن َأ َّو َل بَ ْي ٍ
ت ُو ِ
طا َع ِإلَ ْي ِه َسبِيالً َو َمن َكفَ َر فَِإ َّن هللا َغنِ ٌّي ع َِن ْال َعالَ ِمينَ }( )2فدلت اآليات على أن من جح66د ت َم ِن ا ْستَ َ ِحجُّ ْالبَ ْي ِ
وجوب الحج كفر وإن كان يشهد أن ال إله إال هللا فكيف بمن جحد التوحيد وأجاز عبادة القبور.
ضا* ما حكى هللا تع*الى عن ب**ني إس*رائيل م*ع علمهم وص**الحهم أنهم ق*الوا
[ ومن الدليل على ذلك أي ً
فحل*ف ()3
اج َعل لَّنَا ِإلَـ ًها َك َما لَ ُه ْم آلِ َهةٌ } وقول أناس من الصحابة « اجعل لن*ا ذات أن*واط »
لموسىْ { :
اج َعل لَّنَا ِإلَـ ًها } ،ولكن للمش**ركين* ش**بهة يُ**دلُون به**ا
النبي أن هذا مثل قول بني إسرائيل لموسىْ { :
« عند هذه القصة وهي أنهم يقولون :إن بني إسرائيل لم يكفروا بذلك وكذلك الذين قالوا للنبي :
اجعل لنا ذات أنواط » لم يكفروا.
فالجواب أن تقول :إن بني إسرائيل لم يفعلوا وكذلك الذين سألوا النبي* لم يفعلوا .وال خالف أن بني
إسرائيل لو فعلوا ذلك لكفروا .وكذلك ال خالف أن الذين نهاهم النبي لو لم يطيعوه واتخذوا ذات أنواط
بعد نهيه لكفروا وهذا هو المطلوب ] أي من األدلة على أن من ارتكب ناقضًا من نواقض اإلس66الم يكف66ر
رواه الترمذي في سننه 334-6/343كتاب الفتن باب ما جاء لتركبن سنن من كان قبلكم حديث رقم ( )2181ورواه اإلم66ام أحم66د ()3
في مسنده 5/218حديث رقم ( )21952-21950-21947بألفاظ متقاربة ،وانظر البداية والنهاية البن كثير 4/325 6كلهم من حديث أبي
واقد الليثي رضي هللا عنه
44
ولو كان يشهد أن ال إله إال هللا ويصلي ويصوم إلى غير ذلك من األعمال ،ما قصّه هللا عن ب66ني إس66رائيل
حين طلبوا من موسى أن يجعل لهم إلهًا كآلهة المشركين ،وقصة الذين طلبوا من النبي محمد أن يجع66ل
لهم ذات أنواط ،وأن النبيين الكريمين أنك66را ذل66ك واعت66براه ش66ر ًكا يخ66رجهم من المل66ة ل66و فعل66وه م66ع أنهم
اعتراض6ا على ه66ذا االس66تدالل وه66و أن ب66ني
ً يؤمنون بالنبيين الكريمين ويجاهدون معهما ،ثم أورد الشيخ
إسرائيل الذين طلبوا من موسى أن يجعل لهم إلهًا لم يكفروا ،وك66ذلك ال66ذين طلب66وا من محم66د أن يجع66ل
لهم ذات أنواط لم يكفروا ،وأجاب عن هذا االعتراض بأن الفريقين لم ينفذا م66ا ق6اال ول6و فعال لكف6را ولكن
لما نهيا عن ذلك وبيّن لهما أنه كفر تجنبوه وانتهوا عنه .ومح6ل الش6اهد من القص6تين أن من فع6ل الش6رك
كفر وإن كان يشهد أن ال إله إال هللا ويؤمن باألنبياء ويعمل األعمال الصالحة.
[ ولكن هذه القصة تفيد أن المسلم بل العالم قد يقع في أن**واع من الش**رك ال ي**دري به**ا فتفي**د التعلم
ضا
والتحرز ومعرفة أن قول الجهال :التوحيد فهمناه ،أن هذا من أكبر الجهل ومكايد الشيطان *،وتفيد أي ً
أن المسلم المجتهد إذا تكلم بكالم كفر وهو ال يدري فنبّه على ذل**ك وت**اب من س**اعته فإن**ه ال يكف**ر كم**ا
ضا* أن لو لم يكفّر فإنه يغلّظ عليه الكالم تغليظً**ا ش**ديدًا
فعل بنو إسرائيل والذين سألوا النبي* ، وتفيد أي ً
كما فعل رسول هللا ] هذه القصة فيها فوائد :األولى الحذر من الش66رك وأن66ه ق66د ي66دب إلى المس66لمين عن
طريق التقليد والتشبه بالكفار (اجعل لنا إلهًا كما لهم آلهة) (اجعل لنا ذات أنواط كم66ا لهم ذات أن66واط) ففي
ذل66ك التح66ذير من مج66اراة الكف66ار والتح66ذير من الفتن ال66تي تنجم عن ذل66ك .ومن ذل66ك عب66ادة القب66ور ال66تي
أحدثوها وفتنوا بها وصاروا يدعون الناس إليها .والخليل عليه الصَّالة والسالم ال66ذي كس66ر األص66نام بي66ده
ض 6لَ ْلنَ
ي َأن نَّ ْعبُ َد اَألصْ نَا َم َ 35ربِّ ِإنَّه َُّن َأ ْ
وأوذي وألقي في النار بسبب إنكار الشرك يقولَ { :واجْ نُ ْبنِي َوبَنِ َّ
اس }( )1خاف على نفسه علي66ه الص66الة والس66الم من الفتن66ة وخ66اف على ذريت66ه من الفتن66ة إ ًذا َكثِيرًا ِّمنَ النَّ ِ
كيف يقول جاهل :إن التوحيد يمكن تعلمه في خمس دقائق والمهم عنده البحث في أم66ور السياس66ة والكالم
في الحكام وفقه الواقع كما يقولون ،ومعناه رصد الوقائع الدولية وتحليالتها واالنش66غال به66ا عن التفق66ه في
الدين.
ومنهم من ينتقد مقررات التوحي66د في الم66دارس والمعاه66د والكلي66ات ويق66ول :ال داعي له66ذه الكثاف66ة في
مق666ررات التوحي666د ،الن666اس مس666لمون وأوالد فط666رة وبإمك666ان الطالب أن يتعلم666وا التوحي666د من البيئة
االجتماعية ..إلخ هذيانهم الفارغ ..ولو س66ألت واح6دًا من ه66ؤالء عن أبس66ط مس66ألة في التوحي66د م66ا أجاب66ك
بجواب صحيح .أعني الذين يقولون هذه المقالة.
والفائدة الثانية :وهي فائدة عظيمة أن من نطق بكلمة الكفر عن جهل وهو ال يدري ثم نبّه وتاب من
ساعته فإنه ال يكفر بدليل قصة بني إسرائيل مع موسى عليه السالم وبعض الصّحابة م66ع الن66بي فه66و ال
يكفر بذلك لكن بهذين الشرطين:
الشرط األول :أن يكون قال هذا الكالم عن جهل ولم يتعمد.
الشرط الثاني :أن يتوب من ساعته ويترك هذا الشيء إذا تبيّن له أنه كفر.
( )1إبراهيم36-35 :
45
فهذا ال يضره الكالم الذي قاله وهذا جواب عن شبهتهم التي سبقت وهي أنهم يقولون إن بني إسرائيل لم
يكفروا وأصحاب محمد لم يكفروا بهذه الكلمة .نقول لهم إنهم لم يكف66روا ألنهم قالوه66ا عن جه66ل ونبه66وا
وتركوها وتابوا إلى هللا عز وجل ،أما أنتم فتنبّهون بالليل والنهار وتصرون على دعاء القبور والصالحين
وال تصغون أسماعكم لما يقال لكم تكبرًا وعنادًا.
والفائدة الثالثة :تفيد هذه القصة أن من لم يكفر بكلمة الكفر إذا قالها جهالً فإنه ال يتساهل معه بل يغلَّظ
عليه في اإلنكار كما غلّظ موسى عليه السالم على قومه وكما غلظ محمد على أصحابه الذين قالوا ه66ذه
المقالة من باب الزجر والتحذير الجتناب ذلك والحذر منه.
[ ولهم شبهة أخرى يقولون إن النبي أنكر على أسامة قت**ل من ق**ال ال إل**ه إال هللا وق**ال « :أقتلت**ه
()2
وك**ذلك قول**ه « :أم**رت أن أقات**ل الن**اس ح**تى يقول**وا ال إل**ه إال هللا» ()1
بع**دما ق**ال ال إل**ه إال هللا»
وأحاديث أخر في الكف عمن قالها.
ومراد هؤالء الجهلة أن من قالها ال يكفر وال يقتل ولو فعل ما فعل.
فيقال لهؤالء المشركين الج ّهال :معلوم أن رسول هللا قاتل اليهود وسباهم وهم يقولون ال إله إال هللا
وأن أصحاب* النبي* قاتلوا بني حنيفة وهم يش**هدون أن ال إل*ه إال هللا وأن محم*دًا رس*ول هللا ويص*لّون
*رون أن من أنك**ر البعث
ويدّعون اإلسالم ،وكذلك الذين ح* َّرقهم علي بن أبي ط**الب* وه**ؤالء الجهل**ة مق* ُّ
كفّر وقتل ولو قال ال إله إال هللا وأن من جحد شيًئا* من أركان اإلسالم كفّ**ر وقت**ل ول**و ق**ال ال إل**ه إال هللا.
فكيف ال تنفعه إذا جحد شيًئا من الفروع وتنفعه إذا جحد التوحي**د ال**ذي ه**و أص**ل دين الرس**ل وراس**ه؟
ولكن أعداء هللا ما فهموا معنى األحاديث.
فأما حديث أسامة فإنه قتل رجالً ادّعى اإلسالم بسبب أنه ظن أنه ما ادّعاه إال خوفًا على دمه ومال**ه*،
والرجل إذا أظهر اإلسالم وجب الكف عنه حتى يتبين* منه ما يخالفه ذلك وأن**زل هللا في ذل**ك { :يَ**ا َأيُّ َه**ا
يل هَّللا ِ فَتَبَيَّنُو ْا }(.)3 الَّ ِذينَ آ َمنُو ْا ِإ َذا َ
ض َر ْبتُ ْم ِفي َ
سبِ ِ
أي فتثبّتوا فاآلية تدل على أنه يجب الكف عنه والتثبت .فإن تبين منه بعد ذلك ما يخالف اإلسالم قتل
لقوله( :فتبيّنوا)* ولو كان ال يقتل إذا قالها لم يكن للتثبت معنى.
وكذلك الحديث اآلخر وأمثاله معناه ما ذكرناه :أن من أظهر اإلسالم والتوحيد وجب الكف عنه إال إن
تبين منه ما يناقض ذلك .والدليل على هذا أن رسول هللا الذي قال « :أقتلته بعدما قال ال إل**ه إال هللا
رواه اإلمام البخاري في صحيحه 5/88كتاب المغازي باب بعث النبي أسامة بن زيد إلى الحرقات من جهينه من حديث أس66امة ()1
بن زيد رضي هللا عنهما. .
رواه اإلمام البخاري في صحيحه 141-8/140كتاب االعتصام باب االقتداء بسنن رسول هللا ... من حديث أبي هري6رة رض6ي ()2
هللا تعالى عنه. .
( )3النساء94:
46
وقال« :أمرت أن أقاتل الناس* حتى يقولوا ال إل**ه إال هللا»( )2ه**و ال**ذي ق**ال في الخ**وارج « :أينم*ا* ()1
»
مع كونهم من أكثر الناس* عبادة وتهليالً حتى إن ()3
لقيتموهم فاقتلوهم .لئن أدركتهم ألقتلنّهم قتل عاد»
الص**حابة يحقّ**رون أنفس**هم عن**دهم .وهم تعلم**وا العلم من الص**حابة فلم تنفعهم ال إل**ه إال هللا وال ك**ثرة
العب*ادة وال ادع*اء اإلس*الم لم*ا ظه*ر منهم مخالف*ة الش*ريعة .ك*ذلك م*ا ذكرن*اه من قت*ال اليه*ود وقت*ال
الصحابة* بني حنيفة *،وكذلك أراد أن يغزو بني المصطلق* ل َّما أخبره رجل أنهم منعوا الزكاة حتى أن**زل
ق بِنَبٍَأ فَتَبَيَّنُوا َأن تُ ِ
صيبُوا* قَ ْو ًما بِ َج َهالَ ٍة فَت ْ
ُص*بِ ُحوا َعلَى َم**ا هللا تعالى { :يَا َأيُّ َها الَّ ِذينَ آ َمنُوا ِإن َجا َء ُك ْم فَ ِ
اس ٌ
*،فك**ل ه**ذا ي**دل على أن م**راد الن**بي في األح**اديث م**ا ()5
وكان الرجل كاذبًا عليهم ()4
فَ َع ْلتُ ْم نَا ِد ِمينَ }
ذكرناه ] هذه شبهة من ُشبه المش66ركين عب66اد القب66ور ال66ذين يّ 6دعون اإلس66الم ويزعم66ون أن عب66ادة القب66ور
واالستغاثة باألموات ودعاء الغائبين لتفريج الكربات ،أن هذه أمور ال تضر وال تخرج من اإلسالم ما دام
صاحبها يقول ال إله إال هللا بدليل أن النبي أنكر على أسامة بن زيد رضي هللا عنهم66ا لم66ا قت66ل رجالً من
المشركين أظهر اإلسالم وقال ال إله إال هللا فقتله أسامة بعد ذلك ظانًا أنه إنما قالها ليسلم من القت66ل ،ف66أنكر
عليه النبي ، فاستدلوا بهذه القص66ة على أن من ق6ال ال إل6ه إال هللا فه66و مس66لم ول66و فع66ل م66ا يناقض66ها من
ضا بقول النبي « : أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا ال إله إال هللا
أنواع الشرك األكبر وكذلك استدلوا أي ً
فإذا قالوها عصموا منّي دماءهم وأموالهم إال بحقها وحسابهم على هللا عز وجل»( )6ق66الوا فه66ذا دلي66ل على
أن من تلفظ بهذه الكلمة ال يقتل ولو فعل ما فع66ل من أن66واع الش66رك في العب66ادة م66ع األم66وات واألض66رحة
وصرف العبادات لغ66ير هللا م66ا دام أن66ه يق66ول ال إل66ه إال هللا .ه66ذا حاص66ل ش66بهتهم وهي ش66بهة خط66يرة إذا
سمعها الجاهل ربما تروج عليه ال سيما أنهم طلوها بطالء خ66ادع وه66و االس66تدالل باألح66اديث الص66حيحة
لكن في غير موضعها .وقد أجاب الشيخ رحمه هللا عن هذه الشبهة بستة أجوبة مجملها:
الجواب األول :أن النبي قاتل أناسًا يقولون ال إله إال هللا ،فقاتل اليهود وهم يقولون ال إله إال هللا وقاتل
الصحابة بني حنيفة وهم يقولون ال إله إال هللا لما ظهر منهم ما ينافي ه66ذه الكلم66ة ،ولم تنفعهم ه66ذه الكلم66ة
ولم تكن مانعة من قتلهم.
والجواب الثاني :في بيان تناقض هؤالء ألنهم يقولون من أنكر الصالة أو الزكاة والحج أو أنكر البعث
والنشور يكفر عندهم ،وأما من أنكر التوحيد فإنه ال يكفر عندهم.
( )1تقدم تخريجه
( )3رواه أبوداود في سننه 344 6،4/343كتاب السنة باب في قتال الخوارج حديث رقم 4767-4764من حديث أبي سعيد الخدري
وعلي بن أبي طالب ،ورواه النسائي في سننه 121-7/117كت6اب ( )37تح6ريم ال6دين ب6اب ( )26من ش6هر س6يفه ثم وض6عه في الن6اس
حديث رقم ( ) 4103 6،4102 6،4101من حديث أبي سعيد الخدري وعلي بن أبي طالب وأبي برزة رضي هللا تعالى عنهم ،وانظر مسند
اإلمام أحمد 1/404حديث رقم ( )3831من حديث عبد هللا بن مسعود بنحوه.
( )4الحجرات6:
( )6تقدم
47
والجواب الثالث :أن معنى حديث أسامة بن زيد ليس كما فهموا أن من قال ال إله إال هللا يكون مسل ًما
ولو فعل الشرك والكفر .وإنما معناه أن من قال ال إله إال هللا وجب الكف عنه حتى يظهر من66ه م66ا يخ66الف
مدلول هذه الكلمة من كفر أو شرك.
ق بِنَبٍَأ فَتَبَيَّنُوا }(.)1 والجواب الرابع :أن هللا سبحانه وتعالى قالِ { :إن َجا َء ُك ْم فَ ِ
اس ٌ
فأمر سبحانه وتعالى بالتبيّن يعني التثبّت بشأن من قال ال إله إال هللا فما فائدة التثبّت إذا كان ال يقت66ل إذا
قالها.
والجواب الخامس :أن النبي أمر بقتل الخوارج وهم من أشد الناس عبادةً وخوفًا من هللا وورعًا ،بل
هم تتلمذوا على الصحابة ومع هذا أمر بقتلهم لما فعلوا أشياء تتنافى مع اإلسالم وهم يقولون ال إل66ه إال هللا
وهم أشد الناس عبادة وصالة وتالوة للقرآن.
والجواب السادس :قصة بني المصطلق وهم قبيلة دخلوا في اإلسالم وأرسل إليهم النبي المصدق
لجباية الزكاة ولكنه لم يذهب إليهم بل رجع إلى النبي وقال إنهم منعوا الزكاة فهَ َّم النبي بغزوهم فأنزل
ص6بِحُوا َعلَى َم6ا فَ َع ْلتُ ْم ق بِنَبٍَ6أ فَتَبَيَّنُ6وا َأن تُ ِ
ص6يبُوا قَوْ ًم6ا بِ َجهَالٍَ 6ة فَتُ ْ هللا { :يَا َأيُّهَا الَّ ِذينَ آ َمنُوا ِإن َج 6ا َء ُك ْم فَ ِ
اسٌ 6
نَا ِد ِمينَ }(.)2
فالنبي ه ّم بغزوهم وقتالهم وهم يقولون ال إله إال هللا لماذا؟ لم66ا بلغ66ه أنهم منع66وا الزك66اة فمن66ع الزك66اة
يتنافى مع قول ال إله إال هللا هذا ملخص أجوبة الشيخ رحمه هللا عن هذه الشبهة الخطيرة.
[ ولهم شبهة أخرى وهي ما ذكر النبي أن الناس يوم القيامة* يستغيثون بآدم ،ثم بنوح ثم بإبراهيم
ثم بموسى ثم بعيسى فكلهم يعتذر حتى ينتهوا إلى رسول هللا ، قالوا فهذا يدل على أن االستغاثة* بغ**ير
هللا ليست شر ًكا.
فالجواب أن نقول :سبحان* من طبع على قلوب أعدائه ،فإن االستغاثة* ب**المخلوق فيم**ا يق**در علي**ه ال
اس*تَ َغاثَهُ* الَّ ِذي ِمن ِ
ش *ي َعتِ ِه َعلَى الَّ ِذي ِمنْ َع* ُد ِّو ِه }( )3وكم**ا يس**تغيث* ننكرها كما قال في قصة موسى { :فَ ْ
اإلنسان بأص*حابه في الح**رب وغيره**ا من األش**ياء ال**تي يق**در عليه*ا* المخل**وق ونحن أنكرن**ا اس*تغاثة*
العبادة التي يفعلونها عند قبور األولياء أو في غيبتهم في األشياء التي ال يقدر عليها* إال هللا.
إذا ثبت ذلك ،فاالستغاثة باألنبياء يوم القيامة يراد منها أن يدعوا هللا أن يحاسب الناس* حتى يستريح
أهل الجنة من ك**رب الموق*ف ،وه*ذا ج*ائز* في ال**دنيا واآلخ**رة أن ت*أتي عن*د رج**ل ص**الح حي يجالس*ك*
ويسمع كالمك وتقول له :ادع هللا لي ،كما كان أصحاب* رسول هللا يسألونه* ذل**ك في حيات**ه *،وأم**ا بع**د
سلف على من قصد دع**اء هللا عن**د ق**بره ،فكي**ف
موته فحاشا وكال أنهم سألوه ذلك عند قبره ،بل أنكر ال َّ
بدعائ**ه نفس**ه ] ه66ذه ش66بهة أخ66رى من ش66بههم وهي أنهم يقول66ون إن66ه ثبت في الح66ديث الص66حيح ح66ديث
( )1الحجرات6:
( )2الحجرات6:
( )3القصص15:
48
الشفاعة العظمى( ، )1أن الناس يوم القيامة إذا طال عليهم الوقوف والقيام على أقدامهم خمس66ين أل66ف س66نة
والش66مس ق66د دنت منهم ف66الخالئق كلهم مجموع66ون من أولهم إلى آخ66رهم في زح66ام ش66ديد والش66مس على
رؤوسهم قريبة منهم وهم واقفون على أقدامهم ،فعندما يحصل لهم هذا الكرب يتذاكرون الش66فاعة عن66د هللا
عز وجل فيرون أن األنبياء هم أول الذين يشفعون عند هللا فيأتون إلى آدم يطلب66ون من66ه أن يش66فع عن66د هللا
لهم ليريحهم من الموقف فيعتذر عليه الصَّالة والسَّالم بسبب ما حصل منه من الخطيئة مع أن66ه ت66اب منه66ا
وتاب هللا عليه ولكن يستحي من هللا عز وجل ،ثم يأتون إلى نوح أ َّول الرسل فيعتذر ،ثم يأتون إلى موسى
فيطلبون منه فيعتذر ،ثم يأتون إلى عيسى عليه السّالم آخر أنبياء بني إسرائيل فيعتذر ألن الموقف موق66ف
عظيم أمام هللا سبحانه وتعالى ،ثم يأتون إلى محمد فيقول :أنا لها أنا لها ،ثم يأتي ويسجد بين يدي ربه
ويحم ُد هللا ويثني عليه ويدعوه ويستمر ساجدًا بين يدي ربه حتى يقال له يا محمد ارفع رأسك وسل تعط66ه
،ألنه ال أحد يشفّع عند هللا إال بإذنه والرسول ما ذهب إلى هللا وشفع ابتدا ًء ب66ل اس66تأذن من ()2
واشفع تشفّع
ربه وسجد بين يديه حتى أذن له وهذا كقوله تعالىَ { :من َذا الَّ ِذي يَ ْشفَ ُع ِع ْن َدهُ ِإالَّ بِِإ ْذنِِ 6ه }( )3فيطلب من هللا
أن يفصل بين عباده ويريحهم من الموق66ف فيس66تجيب هللا ش66فاعة محم66د وه66ذه تس66مى الش66فاعة العظمى
بمع66نى أن66ه يحم6دُه علي66ه ()4
َس6ى َأن يَ ْب َعثَ66كَ َربُّكَ َمقَا ًم66ا َّمحْ ُم66ودًا }
والمقام المحمود وهي قوله تعالى { :ع َ
األولون واآلخرون .قال القبوريون فهذا فيه جواز االستغاثة باألنبياء واألولياء والص66الحين وأنتم تقول66ون
ال يستغاث إال باهلل وقالوا فهذا يدل على أن طلب الشفاعة من الرسول جائز حيًا وميتًا وكذلك غيره.
والجواب عن ه66ذا كم66ا يق66ول الش66يخ إن ه66ذا طلب من إنس66ان حي ق66ادر على ال66دعاء وعلى االس66تئذان
اس6تَغَاثَهُ
بالشفاعة والطلب من اإلنسان في حال حياته وقدرته ليس من الممنوع كما في قص66ة موس66ى { :فَ ْ
الَّ ِذي ِمن ِشي َعتِ ِه َعلَى الَّ ِذي ِم ْن َع ُد ِّو ِه }(.)5
وكما يستغيث اإلنسان بإخوانه في الحرب وغيرها.
فهذا فيه دليل على أن االستغاثة بالحي فيما يقدر عليه جائزة والذي يقع من األمم يوم القيامة هو استغاثة
بالحي وطلب الدعاء منه فيجوز أن تذهب إلى إنسان حي ق66ادر يس66مع كالم66ك وتق66ول ي66ا فالن ادع هللا لي
بكذا وكذا ،والصحابة كانوا يعملون ه6ذا م6ع الن6بي في حيات6ه وليس ه6ذا من الش6رك ،إنم6ا ال6ذي يك6ون
شر ًك ا وأنكرناه هو االستغاثة بالميت وهذا ال عالقة له بحديث الشفاعة ألنكم تس6تغيثون ب6أموات وتطلب6ون
الشفاعة منهم ،واألموات ال يقدرون على شيء فال يجوز أن يذهب إلى قبر يس66تنجد ب66ه وي66دعوه أو يطلب
( )1سيأتي
ي } من ح6ديث أنس بن مال6ك رواه اإلمام البخاري في صحيحه 173-8/172كتاب التوحيد باب قول هللا تعالىِ { :ل َم6ا خَ لَ ْق ُ
ت بِيََ 6د َّ ()2
رضي هللا تعالى عنه.
( )3البقرة255:
( )4اإلسراء79:
( )5القصص15:
49
منه الدعاء أو الشفاعة أو غير ذلك ففيه فرق بين عم66ل ه6ؤالء المش66ركين وبين م66ا في الح66ديث الص66حيح
وفي قصة موسى عليه الصّالة والسّالم فبهذا التفصيل زالت هذه الشبهة والحمد هلل.
سالم لما ألقي في النّار* اعترض له جبريل في الهواء
[ ولهم شبهة أخرى وهي قصة إبراهيم عليه ال ّ
فقالوا :فلو كانت االستغاثة بجبريل شر ًكا لم يعرض**ها ()1
فقال له ألك حاجة؟ فقال إبراهيم *:أما إليك* فال
على إبراهيم.
فالجواب :أن هذا من جنس الهيئة األولى فإن جبريل عرض عليه أن ينفعه بأمر يقدر عليه فإنه كم**ا
فل*و أذن هللا ل**ه أن يأخ*ذ ن**ار إب**راهيم وم*ا حوله**ا من األرض ش* ِدي ُد ا ْلقُ َ
*وى } قال هللا تع**الى في**هَ { :
()2
والجبال ويلقيها في المشرق أو المغرب لفعل ،ولو أمره أن يضع إب**راهيم علي**ه الس**الم في مك**ان بعي**د
محتاج* ا
ً عنهم لفعل ،ولو أمره أن يرفعه إلى السماء لفعل .وه**ذا كرج**ل غ**ني ل**ه م**ال كث**ير ي**رى رجالً
فيعرض عليه* أن يقرضه أو أن يهبه شيًئا يقضي به حاجته فيأبى ذلك الرجل المحت**اج أن يأخ*ذ ويص**بر
حتى يأتيه هللا برزق ال منّة فيه ألحد ،فأين هذا من استغاثة العبادة والشرك لو كانوا يفقهون؟] هذه آخر
الشبهات التي ذكره66ا الش6يخ في ه6ذه الرس66الة العظيم66ة فأج66اب عنه66ا بج66واب س66ديد موفّ6ق وهي أن عبَّاد
القبور الذين يطلبون المدد من األموات ويستغيثون بهم يقولون إن هذه االستغاثة ليست شر ًكا وذلك ب66دليل
قصة جبريل عليه السالم مع إبراهيم عليه السالم حينما ألقي في النار ف66إن جبري66ل ج66اء إلى إب66راهيم كم66ا
فقال جبريل إلبراهيم عليه السالم :هل لك من حاجة يع66رض علي66ه المس66اعدة إلنق66اذه ،وجبري66ل ()3
يروى
عليه السالم ال شك ذو قوة عظيمة .وعنده قدرة على إنقاذ إبراهيم .وقد وصفه هللا ع66ز وج66ل فق66الِ { :ذي
وفي اآلية األخرى { ُذو ِم َّر ٍة } يعني ق66وة ،فع6رض جبري66ل على إب6راهيم ين } قُ َّو ٍة ِعن َد ِذي ْال َعرْ ِ
ش َم ِك ٍ
()4
أن يساعده في إخراجه من هذه الشدة ،فل ّما كان إبراهيم عظيم الثق6ة باهلل ع6ز وج6ل ق6ال ل6ه :أم6ا إلي66ك فال
وأما إلى هللا فنعم .فإبراهيم عليه السالم لم يرد أن يطلب من مخلوق أن ينق66ذه من ه6ذه الش66دة وإنم66ا توج66ه
إلى ربه كما صح في الحديث أنه ق6ال « :حس6بنا هللا ونعم الوكي6ل»( )5فه66ذا من ب6اب التوك66ل على هللا ع6ز
وجل وتفويض األمر إليه وهذه صفة أكمل الخلق إيمانً6ا حيث إن إب6راهيم رفض مس66اعدة المخل66وق وقب66ل
مساعدة الخالق ،ألن مساعدة المخلوق فيها منّة وحاجة إلى المخلوق ومساعدة الخ66الق س66بحانه وتع66الى ال
منّة فيها لغير هللا ،وهي فضل من هللا سبحانه وتعالى ،وجبريل عرض على إبراهيم شيًئا يقدر علي66ه وه66و
ع66رض من حي حاض66ر ق66ادر كم66ا يع66رض الغ66ني على الفق66ير مس66اعدته بالم66ال ،وليس ه66ذا من جنس
االستغاثة باألموات أو الغائبين الذين يستغيث بهم القبوري66ون ،ف66إن األم66وات ال يس66تغاث بهم وال يق66درون
على ما طلب منهم وال يسمعون دعاء من دعاهم كما قال تعالى { :قُ ِل ا ْدعُ66وا الَّ ِذينَ زَ َع ْمتُم ِّمن دُو ِن هَّللا ِ ال
( )1ذكر هذا األثر ابن كثير عن بعض السلف كما في البداية والنهاية 1/146في قصة إبراهيم خليل الرحمن
( )2النجم5:
( )5رواه اإلمام البخاري في صحيحه 5/172كتاب تفسير القرآن باب « إن الناس قد جمعوا لكم ..اآلية » من حديث ابن عباس رضي
هللا تعالى عنه.
50
ك َو َما لَهُ ِم ْنهُم ِّمن ظَ ِه ٍ
يرَ ،وال تَنفَ ُع ض َو َما لَهُ ْم فِي ِه َما ِمن ِشرْ ٍ ت َوال فِي اَألرْ ِ ال َذ َّر ٍة فِي ال َّس َم َ
اوا ِ يَ ْملِ ُكونَ ِم ْثقَ َ
ال َّشفَا َعةُ ِعن َدهُ ِإالّ لِ َم ْن َأ ِذنَ لَ6هُ }( )1وق66ال تع66الى َ { :ذلِ ُك ُم هَّللا ُ َربُّ ُك ْم لَ6هُ ْال ُم ْلُ 6
ك َوالَّ ِذينَ تَْ 6د ُعونَ ِمن دُونِِ 6ه َم66ا
يرِ ،إن تَ ْدعُوهُ ْم ال يَ ْس َمعُوا ُدعَا َء ُك ْم َولَوْ َس ِمعُوا َما ا ْست ََجابُوا لَ ُك ْم }(.)2 يَ ْملِ ُكونَ ِمن قِ ْ
ط ِم ٍ
[ ولنختم الكالم إن شاء هللا تعالى* بمسألة عظيمة مهمة جدًا تفهم مما تقدم ولكن نفرد لها الكالم لعظم
شأنها ولكثرة الغلط فيها فنقول :ال خالف أن التوحيد البد أن يكون بالقلب واللسان* والعم**ل ،ف**إن اخت**ل
شيء من هذا لم يكن الرجل مسل ًما فإن عرف التوحيد ولم يعم**ل ب**ه فهو ك**افر معان**د كفرع**ون وإبليس
وأمثالهما ،وهذا يغلط فيه كثير من الناس ،يقولون هذا حق ونحن نفهم ه*ذا ونش*هد أن*ه الح*ق ولكن ال
نقدر أن نفعله وال يج**وز عن**د أه**ل بل**دنا إال من وافقهم ،وغ**ير ذل**ك من األع**ذار ولم ي**در المس**كين أن
ت هَّللا ِ
اش*تَ َر ْو ْا بِآيَ**ا ِ*
غالب* أئمة الكفر يعرفون الحق ولم يتركوه إال لشيء من األعذار كم**ا ق**ال تع**الىْ { :
ثَ َمنًا قَلِيالً }( )3وغير ذلك من اآليات* كقوله { :يَ ْع ِرفُونَهُ َك َما يَ ْع ِرفُونَ َأ ْبنَا َء ُه ْم }(.)4
فإن عمل بالتوحي**د عمالً ظ**اه ًرا وه**و ال يفهم**ه وال يعتق**ده بقلب**ه فه**و من**افق وه**و ش**ر من الك**افر
الخالصِ { *:إنَّ ا ْل ُمنَافِقِينَ فِي الد َّْر ِك اَأل ْ
سفَ ِل ِمنَ النَّا ِر }(.)5
وهذه المسألة مسألة كبيرة طويلة تبيّن لك إذا تأملتها* في ألسنة النّاس ،ترى من يعرف الحق ويترك
العمل به لخوف نقص دُنيا أو جاه أو مداراة وترى من يعمل به ظ**اه ًرا ال باطنً**ا ف**إذا س**ألته* ع ّم**ا يعتق**د
بقلبه فإذا هو ال يعرفه ] ختم الشيخ رحمه هللا هذه الرسالة بمسألة عظيمة مهمة يجب تفهمها وتعقُّلها ألنه
إذا فهمها اإلنسان فإنه يدرك أخطاء الناس في العقيدة .وهذه المسألة هي :أن التوحيد يكون بالقول والعم66ل
واالعتقاد ،البد من هذه األمور الثالثة فإذا اجتمعت هذه األمور الثالثة ص66ار اإلنس66ان موح 6دًا مؤمنً66ا باهلل
ورسوله وإذا اختل واح ٌد منها لم يكن مؤمنً6ا وال موح6دًا .وهم في ه6ذا أص6ناف :الص6نف األول من يعتق6د
التوحيد بقلبه ويعرف أنه ال إله إال هللا وأن عبادة ما سواه باطلة ولكنه ال يعم66ل ب66ه بجوارح66ه وال يق66رُّ ب66ه
بلسانه لطمع دنيوي فهذا كافر مثل فرعون ف66إن فرع66ون ك66ان معترفً66ا بالتوحي66د في قلب66ه وأن م66ا ج66اء ب66ه
موسى هو الحق ولكنه ترك العمل به وتظاهر بخالفه وجحده تكبرًا وعنادًا كما قال تعالىَ { :و َج َحدُوا بِهَا
َوا ْستَ ْيقَنَ ْتهَا َأنفُ ُسهُ ْم ظُ ْل ًما َو ُعلُ ًّوا فَانظُرْ َك ْيفَ َكانَ عَاقِبَةُ ْال ُم ْف ِس ِدينَ }(.)1
صآِئ َر } ت َواَألرْ ِ
ض بَ َ وقال موسى عليه السّالم لفرعون 6{:لَقَ ْد َعلِ ْمتَ َما َأن َز َل هَـُؤال ِء ِإالَّ َربُّ ال َّس َم َ
اوا ِ
()2
لقد علمت أي عرفت بقلبك ما أنزل هذه اآليات التي جئتك بها إال رب السماوات واألرض بص66ائر للن66اس
فهذا دليل على أن فرعون كان مستيقنًا بقلبه ص ْد ق ما جاء به موسى عليه السالم وإنما جحد ذلك وتظاهر
( )1سبأ23-22 :
( )3التوبة9:
( )4البقرة146:
( )5النساء145:
( )1النمل14:
( )2اإلسراء102:
51
ك الَّ ِذي يَقُولُ66ونَ فَِ6إنَّهُ ْم الَ يُ َكِّ 6ذبُونَ َ
ك َولَ ِك َّن بجحده كحال كفار قريش الذين قال هللا فيهم { :قَ ْد نَ ْعلَ ُم ِإنَّهُ لَيَحْ ُزنَُ 6
ت هَّللا ِ يَجْ َحُ 66دونَ }( )3دلت اآلي66ة على أن كف66ار ق66ريش يص66دقون بالرس66ول بقل66وبهم ولكن الظَّالِ ِمينَ بِآيَ66ا ِ
يجح66دون ذل66ك بظ66واهرهم وألس66نتهم وكم66ا ق66ال هللا س66بحانه وتع66الى في اليه66ود { :الَّ ِذينَ آتَ ْينَ66اهُ ُم ْال ِكتََ 6
6اب
ْرفُونَ َأ ْبنَ66ا َءهُ ْم }( )4يعرف66ون ه6ذا بقل66وبهم ويتظ66اهرون بالكتم66ان والجح66ود م66ع تيقنهم في ْرفُونَهُ َك َما يَع ِ
يَع ِ
قلوبهم ب66أن محم6دًا رس66ول هللا ،وأن66ه ج66اء ب66الحق من عن66د هللا ع66ز وج66ل ولكن منعهم الك66بر والحس66د من
اتباعه ،واعتقادهم بقلوبهم ال ينفعهم فهم كفار مخلّدون في النار .وكث66ير من عبَّاد القب66ور الي66وم على ه66ذا،
يقولون :نعرف أن الذي تقولون ه6و التوحي6د ولكن م6ا نق6در أن نخ6الف أه6ل بل6دنا ألن أه6ل بل6دنا عن6دهم
أضرحة واستغاثة باألموات وال نقدر أن نخالفهم ألجل أن نعيش معهم وال نق66در على مجابه66ة الن66اس فهم
يوافقون الكفار والمشركين على عقائدهم ،إما أن يفعلوا مث66ل فعلهم وهم يعتق66دون بطالن ذل66ك وإم66ا أن ال
ينكروا عليهم وال يبيّنوا الحق بل ربم66ا ي66دافعون عنهم ،وه66ذا ه66و واقعهم اآلن .ويقول66ون لمن دع66اهم إلى
الحق هذا الرجل خارجي وهذا الرجل جاء بمذهب خامس ،وهم يعتقدون أن م66ا ج66اء ب66ه ه66و م66ا ج66اء ب66ه
الرسول وهو مقتضى الكتاب والسنة ،يعرفون هذا وإنما حملهم الحسد أوالكبر أو الطمع في أمور الدنيا
ألنهم يظنون أنهم إذا وافقوا على هذا الح6ق وقبل6وه سيخس6رون رئاس6تهم ويخس6رون أم6والهم ويخس6رون
جاههم عند الناس .والصنف الثاني من وافق في الظاهر ونطق بالتوحيد وقال هذا هو الصحيح وه66ذا ه66و
الحق وصلى وصام وصار مع المسلمين لكن في قلب66ه ال يعتق66د ه66ذا ويعتق66د أن ه66ذا خراف66ات وأن66ه تقالي66د
بالية ،فهو لم يعمل به ولم يتكلم به إيمانًا وإنما عمل به وتكلم به نفاقًا كحالة المن66افقين ال6ذين هم في ال66درك
ك ْال ُمنَافِقُونَ قَالُوا ن َْش 6هَ ُد ِإنَّ َ
ك لَ َر ُس 6و ُل األسفل من النار ألنهم يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهمِ { :إ َذا َجا َء َ
هَّللا ِ َوهَّللا ُ يَ ْعلَ ُم ِإنَّكَ لَ َرسُولُهُ َوهَّللا ُ يَ ْشهَ ُد ِإ َّن ْال ُمنَافِقِينَ لَ َكا ِذبُونَ ،اتَّخَ ُذوا َأ ْي َمانَهُ ْم ُجنَّةً }(.)5
فالناس مع التوحيد ثالثة أقسام:
القسم األول :من يعرفه ويؤمن به باطنًا ويجحده ظاهرًا وينكره.
القسم الثاني :من يتكلم به ويعمل به ظاه ًرا وينكره ويكفر به باطنًا .وهم المنافقون.
القسم الثالث :من يعتقده باطنًا ويعمل به ظاهرًا وباطنًا .والقسمان األوالن كافران خاسران والقسم
الثالث مؤمن مفلح.
[ ولكن علي**ك بفهم آي**تين من كت**اب هللا أوالهم**ا م**ا تق**دم من قوله { :الَ تَ ْعتَ* ِذ ُرو ْا قَ* ْد َكفَ* ْ*رتُم بَ ْع* َد
ف**إذا تحققت أن بعض الص*حابة ال**ذين غ**زوا ال*روم م**ع رس**ول هللا كف*روا بس*بب* كلم**ة ()1
ِإي َم*انِ ُك ْم }
قالوها على وجه اللعب والمزح ،تبيّن لك أن الذي يتكلم بالكفر أو يعمل به خوفً**ا من نقص م**ال أو ج**اه
*ر بِاهَّلل ِ ِمن بَ ْع* ِد
أو مداراة ألحد ،أعظم ممن تكلم بكلمة يمزح به**ا .واآلي**ة الثاني*ة* قول**ه تع**الىَ { *:من َكفَ* َ
( )3األنعام33:
( )4البقرة146:
( )1التوبة66:
52
فلم يعذر هللا من هؤالء إال من أكره مع كون قلبه مطمئنًا إي َمانِ ِه ِإالَّ َمنْ ُأ ْك ِرهَ َوقَ ْلبُهُ ُم ْط َمِئنٌّ بِاِإل ي َم ِ
ان }
()2
باإليمان .وأما غير هذا فقد كفر بع**د إيمان**ه س**واء فعل**ه خوفً**ا أو م**داراة أو مش**حة بوطن**ه أو أهل**ه أو
عشيرته أو ماله ،أو فعله على وجه المزح أو لغير ذلك من األغراض؛ إال المكره .واآلية ت**دل على ه**ذا
من جهتين األولى من قولهِ { :إالَّ َمنْ ُأ ْك ِرهَ } فلم يس**تثن هللا إال المك**ره ومعل**وم أن اإلنس**ان ال يك**ره إال
على العمل أو الكالم وأما عقيدة القلب فال يكره أحد عليها.
فص ّرح أن هذا الكفر والعذاب ()3
والثانية* قوله تعالىَ { *:ذلِكَ بَِأنَّ ُه ُم ا ْ
ست ََحبُّو ْا ا ْل َحيَاةَ* ا ْل ُّد ْنيَا َعلَى اآل ِخ َر ِة }
لم يكن بسبب االعتقاد أو الجهل أو البغض للدين أو محبة الكف**ر ،وإنم**ا س**ببه أن ل**ه في ذل**ك حظً**ا من
حظوظ الدنيا* فآثره على الدين ،وهللا سبحانه* وتعالى أعلم والحمد هلل رب العالمين وصلى هللا على محمد
وآله وصحبه أجمعين ] نعم إذا عرفت هذه القاعدة وهي معرفة ما يحصل به اإليمان الصحيح فإن66ه يجب
أن تع6رف م6ا يض6ادها من األق6وال واألفع6ال ومن ذل6ك الكالم ال6ذي يتكلم ب6ه اإلنس6ان وه6و من ن6واقض
اإلسالم لكنه يمزح به فإنه يكفر ولو كان ليس ج6ادًا في كالم6ه ،فال6دين ليس في66ه م6زح وال6دليل على ذل66ك
قصة هؤالء النفر الذين خرجوا مع رسول هللا في غزوة تبوك لغزو الروم لما بلغ الرس66ول أن ال66روم
يجمعون على غزو المس66لمين ،ف66النبي ب66ادر في وقت الح66ر وش66دة القي66ظ والص66يف ووقت طيب الثم66ار
ناس 6ا من ال66ذين خرج66وا م66ع الرس66ول جلس66وا في مجلس
والمس66افة بعي66دة من المدين66ة إلى تب66وك .وإن ً
يمزحون قال واحد منهم ما رأينا مثل قرائن66ا ه66ؤالء أرغب بطونً66ا وال أك66ذب ألس66نة وال أجبن عن66د اللق66اء
يعنون رسول هللا وأصحابه .وكان في المجلس غالم من األنصار فأنكر عليهم وقال كذبت ولكنّك منافق
ألخبرن رسول هللا ،فل ّما ذهب هذا الفتى ليخبر الرسول وجد الوحي قد سبقه ونزل على الرسول قوله
تعالىَ { :ولَِئن َسَأ ْلتَهُ ْم لَيَقُولُ َّن ِإنَّ َما ُكنَّا نَ ُخوضُ َون َْل َعبُ قُلْ َأبِاهَّلل ِ َوآيَاتِ ِه َو َرسُولِ ِه ُكنتُ ْم تَ ْستَه ِْزُؤ ونَ ،الَ تَ ْعتَ ِذر ْ
ُوا
فجاء هؤالء إلى الرسول يعتذرون ويقولون يا رسول هللا ما قصدنا إال المزح ()4
قَ ْد َكفَرْ تُم بَ ْع َد ِإي َمانِ ُك ْم }
ف66إذا ك66ان ()1
حديث الركب نقط66ع ب66ه عنّ66ا الطري66ق وال يزي66د الرس66ول على تالوة اآلي66ة وال يلتفت إليهم
هؤالء كفروا باهلل وارتدوا وقد كانوا مسلمين من قبل بسبب كلمة قالوه6ا على وج6ه الم6زح واللعب فكي6ف
بمن يقول كالم الكفر ال من باب المزح وإنما من باب المحافظة على ماله وعلى جاهه وعلى مكانته وهذا
شر من المازح ألنه اشترى الحياة الدنيا باآلخرة؟ فالحاصل أن الذي يتكلم بكلمة الكفر ال يخل66و من خمس
حاالت:
الحالة األولى :أن يكون معتقدًا ذلك بقلبه فهذا ال شك في كفره.
( )2النحل106:
( )3النحل107:
53
الحالة الثانية :أن ال يكون معتقدًا ذلك بقلبه ولم يكره على ذلك ولكن فعله من أجل طمع الدنيا أو مداراة
ُّوا ْال َحيَاةَ ْال ُّد ْنيَا َعلَى ِ
اآلخ َر ِة }(.)2 الناس وموافقتهم فهذا كافر بنص اآلية { َذلِكَ بَِأنَّهُ ُم ا ْستَ َحب ْ
الحالة الثالثة :من فعل الكفر والشرك موافقة ألهله وهو ال يحبه وال يعتقده بقلبه وإنما فعله شحًا ببلده
أو ماله أو عشيرته.
الحالة الرابعة :أن يفعل ذلك مازحًا والعبًا كما حصل من النفر المذكورين .وهذا يكون كافرًا بنص
اآلية الكريمة.
الحالة الخامسة :أن يقول ذلك مكرهًا ال مختارًا وقلبه مطمئن باإليمان فهذا مرخص له في ذلك دفعًا
لإلكراه ،وأما األحوال األربع الماضية فإن صاحبها يكفر كما ص66رحت ب66ه اآلي66ات وفي ه66ذا رد على من
يقول إن اإلنسان ال يحكم عليه بالكفر ولو قال كلمة الكفر أو فعل أفعال الكفر حتى يُعلم م66ا في قلب66ه وه66ذا
قول باطل مخالف للنصوص وهو قول المرجئة الضُّ الَّل.
وذكر الشيخ رحمه هللا قاعدة عظيمة في اإلكراه الذي يعذر به والذي ال يعذر به حيث قال( :ومعلوم أن
اإلنسان ال يكره إال على العمل أو الكالم ،وأما عقي66دة القلب فال يك6ره أح66د عليه66ا) وص66لى هللا وس6لم على
نبينا محمد وآله وصحبه.
انتهى في 15/11/1418هـ
بقلم /صالح بن فوزان بن عبد هللا الفوزان.
( )2النحل107:
54