Download as doc, pdf, or txt
Download as doc, pdf, or txt
You are on page 1of 3

‫"النبي المجهول"‬

‫أبو القاسم الشابي‬

‫الجذوع بفأسي!‬
‫ِ‬ ‫فأهوي على‬ ‫كنت حطَّاباً‬
‫الشعب! ليتني ُ‬
‫ُ‬ ‫ْأيها‬
‫رمساً بر ٍم ِ‬
‫س!‬ ‫ُّ‬ ‫كالسي ِ‬
‫القبور‪ْ :‬‬
‫َ‬ ‫تهد‬ ‫ت‬
‫ول‪ ،‬إذا ما سالَ ْ‬ ‫ّ‬ ‫كنت‬
‫ليتَني ُ‬
‫الربيع ِم ْن ِّ‬
‫كل ْقنس‬ ‫ورود َّ‬
‫ُ‬ ‫كالرياح‪ ،‬فأطوي‬
‫ّ‬ ‫كنت‬
‫ليتَني ُ‬
‫الخريف بقرسي!‬
‫ُ‬ ‫كل ما َأ ْذَب َل‬ ‫ُأغ ِّشي‬
‫كنت كال ّشتاء‪َ ،‬‬
‫ليتني ُ‬
‫إليك ثَْورة َ نفسي!‬
‫فُألقي َ‬ ‫ِ‬
‫العواصف‪ ،‬يا شعبي‬ ‫قوة َ‬‫ليت لي َّ‬
‫َ‬
‫فأدعوك للحياة ِ بنبسي!‬
‫َ‬ ‫َّت‬ ‫ِ‬
‫األعاصير! إن ضج ْ‬ ‫ليت لي قوة َ‬
‫ِ‬
‫برمس‪!..‬‬ ‫حي‪ ،‬يقضي الحياة‬
‫أنت ٌّ‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫األعاصير‪ !..‬لكن‬ ‫ليت لي قوة َ‬
‫وتقضي الدهور في ليل َمْلس‪...‬‬ ‫روح َغبِيَّة ٌ‪ ،‬تكره ّ‬
‫النور‪،‬‬ ‫أنت ٌ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫وجس‪...‬‬ ‫مس‬‫حواليك دون ّ‬
‫َ‬ ‫طافت‬
‫ْ‬ ‫الحقائق إن‬
‫َ‬ ‫ك‬
‫أنت ال تدر ُ‬
‫َ‬
‫وأترعتُها بخمرة ِ نفسي‪...‬‬ ‫ت أكوابي‬ ‫ص َّم ْخ ُ‬
‫في صباح الحياة ِ َ‬
‫شعب كأسي!‬
‫ُ‬ ‫ست يا‬
‫ود َ‬
‫رحيقي‪ُ ،‬‬ ‫ت‬‫إليك‪ ،‬فأهر ْق َ‬
‫قد ْمتُها َ‬
‫ثَُّم َ‬
‫وحسي‬
‫ّ‬ ‫وكفكفت من شعوري‬
‫ُ‬ ‫ُّ‬
‫أسكت آالمي‪،‬‬ ‫فتألَّمت‪ ،..‬ثًَّم‬
‫أي ِإ ْن ِ‬
‫س‪...‬‬ ‫باقة ً‪ْ ،‬لم َي َمسَّها ُّ‬ ‫ِ‬
‫أزاهير قلبي‬ ‫ت من‬‫َّد ُ‬
‫ثُم َنض ْ‬
‫ِ‬
‫دوس‬ ‫أي‬
‫ودستَها َّ‬‫ورودي‪ُ ،‬‬ ‫ت‬ ‫إليك‪ ،‬فَ َّ‬
‫مز ْق َ‬ ‫قد ْمتُها َ‬
‫ثم ّ‬
‫جت رأسي‬
‫تو َ‬ ‫وبشوك ِ‬
‫الجبال َّ‬ ‫الح ْز ِن ثوباً‬ ‫ِ‬
‫ْ‬ ‫ألب ْستَني م َن ُ‬
‫ثم َ‬
‫ألقضي الحياة َ‪ ،‬وحدي‪ ،‬بيأسي‬ ‫ِ‬
‫الغاب‪ ،‬يا َش ْعبي‬ ‫ذاهب إلى‬
‫ٌ‬ ‫إنني‬
‫أدفن بؤسي‬
‫في صميم الغابات ُ‬ ‫الغاب‪ ،‬علَّي‬
‫ِ‬ ‫ذاهب إلى‬
‫ٌ‬ ‫إنني‬
‫بأه ِل لخمرتي ول َكأسي‬
‫ْ‬ ‫استطعت‪ ،‬فما أنت‬
‫ُ‬ ‫ك ما‬
‫ثَُّم ْأن َسا َ‬
‫وُأفضي لها بأشواق َن ْفسي‬ ‫سوف أتلو على الطُّيور أناشيدي‪،‬‬
‫ظة ُ ِح ِّس‬ ‫الن ِ‬
‫فوس َي ْق َ‬ ‫مجد ُّ‬
‫أن َ‬‫ّ‬ ‫فَ ْهي تدري معنى الحياة ‪ ،‬وتدري‬
‫وُألقي إلى الوجود بيأسي‬ ‫ثم أ ْقضي هناك‪ ،‬في ظلمة الليل‪،‬‬
‫تَ ُخطُّ السُّيو ُل ُحفرة َ رمسي‬ ‫الناضر‪ ،‬الحلو‪،‬‬‫َّن ْوَبر‪َّ ،‬‬
‫ت الصَ‬ ‫ثم تَ ْح َ‬
‫سيم فوقي بهمس‬
‫الن ُ‬‫ويشدو َّ‬ ‫الطيور تلغو على ْقب ِري‬
‫ُ‬ ‫ظ ُّل‬
‫وت َ‬
‫وت َ ُّ‬
‫أمسي‬‫ضارة ْ‬ ‫كما ُك َّن في َغ َ‬ ‫حوالي‪،‬‬
‫َّ‬ ‫تمشي‬‫ظل الفصو ُل ْ‬
‫س‪!..‬‬ ‫العب بالتُّ ِ‬
‫راب واللي ُل ُم ْغ ِ‬ ‫ٌ‬ ‫صغير‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫أنت طف ٌل‬
‫عب! َ‬ ‫ّأيها ال ّش ُ‬
‫ذات ِ‬
‫بأس‬ ‫فكرة ٌ‪ ،‬عبقريَّة ٌ‪ُ ،‬‬ ‫نسسها‬
‫قوة ٌ‪ ،‬لم تَ ْ‬ ‫أنت في ال َك ْو ِن َّ‬
‫َ‬
‫العصور‪ِ ،‬م ْن أمس ِ‬
‫أمس‪..‬‬ ‫ات ُ‬ ‫ظُلُ َم ُ‬ ‫أنت في ال َك ْو ِن قوة ٌ‪،‬كبَّلتْها‬
‫َ‬
‫في حس ِ‬
‫اسيَّتي‪ ،‬ورقَّة ِ نفسي‬ ‫الشقي من كان مثلي‬
‫ُّ‬ ‫والشقي‬
‫ُّ‬
‫ََ‬
‫رحيق الحياة ِ في خير ِ‬
‫كأس‬ ‫َ‬ ‫اس‬ ‫شاعر‪ ،‬ناو َل َّ‬
‫الن َ‬ ‫ٌ‬ ‫هكذا قال‬

‫واستخفُّوا به‪ ،‬وقالوا بيأس‪:‬‬ ‫ومروا ِغضابا‬


‫عنها‪ُّ ،‬‬
‫فأشاحوا ْ‬
‫ُ‬
‫بمس‬
‫فيا بؤسهُ‪ ،‬أصيب ّ‬ ‫اد في ملعب ِ‬
‫الج ّن‬ ‫أضاع الر ّش ُ‬
‫َ‬ ‫"قد‬
‫المتَ َحسِّي‬ ‫العواصف في ِ‬
‫وي ْمشي في نشوة ِ ُ‬
‫َ‬ ‫الليل‬ ‫َ‬ ‫خاطب‬
‫َ‬ ‫طالما‬
‫األرواح ِمن ِّ‬
‫كل ِج ْنس»‬ ‫َ‬ ‫ونادى‬ ‫ِ‬
‫الغاب‬ ‫الظالم إلى‬ ‫رافق‬
‫َ‬ ‫طالما‬
‫َ‬
‫بج ِ‬
‫رس»‬ ‫الرياح َ‬
‫وغنى مع ِّ‬
‫ّ‬ ‫الشياطين في الوادي‪،‬‬
‫َ‬ ‫ث‬ ‫طالما َّ‬
‫حد َ‬
‫شمس‬
‫ْ‬ ‫كل مطلع‬ ‫الشياطين‪َّ ،‬‬
‫ُ‬ ‫السحر‬
‫َ‬ ‫ساحر‪ ،‬تعلِّ ُمه‬
‫ٌ‬ ‫إنه‬
‫بيث منبعُ ِر ْج ِ‬
‫س»‬ ‫الخ َ‬
‫إن َ‬ ‫ِ‬
‫الهيكل‬ ‫الخبيث عن‬
‫َ‬ ‫الكافر‬ ‫ِ‬
‫فابعدوا‬
‫ّ‬ ‫َ‬
‫نح ِ‬
‫س‬ ‫روح شريِّرة ٌ‪ ،‬ذات ْ‬‫فهو ٌ‬ ‫«أطردوه‪ ،‬وال تُصيخوا إليه‬
‫الغبي بتَ ْع ِ‬
‫س‬ ‫ِّ‬ ‫عاش في شعبه‬
‫َ‬ ‫فيلسوف‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫شاعر‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫َه َكذا قَال‬
‫س‬‫بخ ِ‬
‫سوم ْ‬
‫شعوره َ‬
‫َ‬ ‫فساموا‬
‫ُ‬ ‫روحه‪ ،‬وأغانيها‬ ‫َج ِه َل ُ‬
‫الناس َ‬
‫بمس‬
‫اب ِّ‬ ‫ص ٌ‬ ‫ِ‬ ‫فَ ْهو في م ِ‬
‫َو ْه َو في شعبه ُم َ‬ ‫نبي‬
‫ذهب الحياة ِ ٌّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫شعر وقُ ْد ِ‬
‫س‬ ‫َلي ْحيا حياة ٍ‬ ‫ِ‬
‫الغاب‪،‬‬ ‫ثم َسار إلى‬
‫هكذا قال‪ّ ،‬‬
‫س‬ ‫الذي ال ُي ِظلُّه ُّ‬
‫أي بُْؤ ِ‬ ‫وبعيداً‪ ،‬هناك‪ ،..‬في معبد الغاب‬
‫بحر ِ‬
‫س‬ ‫حرساً ْ‬
‫ي ْقضي الحياة َ‪ْ :‬‬ ‫والز ِ‬
‫يتون‬ ‫ِ‬
‫الحلو‪ّ ،‬‬ ‫في ظالل الص ِ‬
‫َّنوبر‬

‫ويمشي في نشوة ِ المنحسِّي‬


‫ْ‬ ‫في الصَّباح الجميل‪ ،‬يشدو مع الطّير‪،‬‬

‫كل ِ‬
‫فنس‬ ‫من ِّ‬‫الربيع ْ‬ ‫نايه‪ ،‬حواْليه ُّ‬
‫ورود ّ‬
‫ُ‬ ‫تهتز‬ ‫نافخاً َ‬
‫س‬‫الد ُم ْق ِ‬
‫مثل ُّ‬
‫منكبيه َ‬
‫على ْ‬ ‫يح‬
‫الر ُ‬
‫تداعبه ّ‬
‫َش ْع ُره ُم ْر َس ٌل‪ُ -‬‬
‫ِ‬
‫جنس‬ ‫وح‪ِ ،‬م ْن ُك ِّل‬ ‫وتلغو في َّ‬
‫الد ِ‬ ‫راب تشدو حواليه‬‫ِّ‬ ‫ُّ‬
‫يور الط ُ‬
‫والط ُ‬
‫ائر المتحسِّي‬ ‫يرنو للطَّ ِ‬ ‫وترا عند األصيل‪ ،‬لدى الجدول‪،‬‬
‫الممسي‬ ‫إلى س ْدفَة الظَّ ِ‬
‫الم‬ ‫يغني بين الص ِ‬
‫َّنوبر‪ ،‬أو يرنو‬ ‫أو ِّ‬
‫ّ‬ ‫ُ‬
‫ظلمات الوجو ِد في األرض تُغسي‬
‫ُ‬ ‫وأمست‬
‫ْ‬ ‫الظالم‪،‬‬
‫ُ‬ ‫فإذا أ ْقَب َل‬
‫خشوع و َه ْم ِ‬
‫س‬ ‫الكون في‬ ‫َي ْسأ ُل‬ ‫كان في كوخه الجميل‪ ،‬مقيماً‬
‫ٍ َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫الوجود‪ ،‬أيَّان ُيرسي؟‬ ‫ِ‬
‫وصميم‬ ‫أين َم َداهُ؟‬ ‫ِّ‬
‫مصب الحياة ِ‪َ ،‬‬ ‫عن‬
‫شيد الطُّ ِ‬
‫يور‪ ،‬حين تمسِّي‬ ‫ون ِ‬‫َ‬ ‫كل ٍ‬
‫واد‬ ‫رود في ِّ‬
‫وأريج الو ِ‬
‫ِ ُ‬
‫و ُر ُس ِ‬
‫وم الحياة ِ من أمس ِ‬
‫أمس‬ ‫الرياح‪ ،‬في ِّ‬
‫كل فَ ٍّج‬ ‫ِ‬
‫وهزيم ِّ‬
‫َ‬
‫كون الفَضا‪ ،‬وأيَّان تُ ْمسي؟؟‬
‫ُس ُ‬ ‫وأغاني الرعاة ِ أين ُيواريها‬
‫بحر ِ‬
‫س‬ ‫رساً ْ‬ ‫َحلَقات السنين‪َ :‬ح ْ‬ ‫وي ْفني‬ ‫ص ِر ُ‬
‫ف الحياة َ‪ُ ،‬‬ ‫هكذا َي ْ‬
‫ضحي بين الطيور ُوتْ ْمسي!‬ ‫تُ ْ‬ ‫ِ‬
‫الغاب‬ ‫يا لها من معيشة ٍ في صميم‬
‫س!‬ ‫بخ ْب ٍث ِ‬
‫ور ْج ِ‬ ‫نفوس الورى ُ‬
‫ُ‬ ‫يا لها ِم ْن معيشة ٍ‪ ،‬لم تُ َدّن ْسهَا‬
‫ذات قُ ِ‬
‫دس‬ ‫حياة ٌ غريبة ٌ‪ُ ،‬‬ ‫هي في الكون‬ ‫يا لها من معيشة ٍ‪َ ،‬‬

You might also like