النظريّات النقد

You might also like

Download as doc, pdf, or txt
Download as doc, pdf, or txt
You are on page 1of 4

‫النظريّات النقديّة ونقد محتوى‬

‫‪:‬وسائل اإلعالم‬

‫يعود تاريخ ظهور األفكار األولى التي قامت عليها النظريات النقدية إلى العشرينات من القرن الماضي وتحديدا عند تأسيس معهد البحث‬
‫االجتماعي في فرانكفورت سنة ‪ .1923‬ومن ثمة فإنه بلغة السنوات تكون أطروحات النظريات النقدية المدافعة عن العقل وقيم العقالنية قد‬
‫‪.‬بلغت تسعة عقود عرفت فيها مراحل من الخفوت والنجاح‬

‫ويُحسب للنظريّات النقدية ذات الجذور الهيجلية في خصوص النظرة إلى العقل ومفهوم الجدلية وأيضا الماركسية المؤسسة لمفهوم الهيمنة‬
‫‪ .‬في عالقته بالثروة‪ ،‬ربط الصلة بين العلوم االجتماعية والفلسفة‬

‫وتشمل النظريات النقديّة اتجاهين تقريبا هما اتجاه مدرسة فرانكفورت‬

‫والنظرية الثقافية النقدية وأيضا اتجاه نظرية االقتصاد السياسي‪ ،‬مع العلم أن الخيط المنظم لهذين )‪(L?547;Ecole de Francfort‬‬
‫‪.‬االتجاهين‪ ،‬ينهل من المنطلقات االجتماعية والفلسفة نفسها ويستند إلى المسوغات األساسية للنظريات النقدية‬

‫من جهة أخرى‪ ،‬لعله من المهم التذكير باهتمام مفكري النظريات النقدية بالتأثيرات السلبية لوسائل اإلعالم ناهيك عن الصلة القوية التي ربما‬
‫تربط بين ما يسميه روبرت ميرتون الوظائف الخفية والمعجم األساسي للنظريات النقدية وخصوصا مفاهيم الثقافة الجماهيرية وتسليع الثقافة‬
‫وخداع الجماهير وغير ذلك مع المفاهيم والمقوالت األساسية في الخطاب الفكري العام لمؤلفات ودراسات أصحاب االتجاهات المنضوية‬
‫تحت مشروع النظريات النقدية‪ .‬وهي صالت وروابط سمحت لنا بافتراض تبني مدرسة فرانكفورت لموقف نقدي إزاء وسائل اإلعالم‬
‫الجماهيرية باعتبار الوظائف التي تؤديها في المجتمع الحديث الجامع بين التصنيع واالستهالك‪ ،‬دون أن يفوتنا في هذا السياق تلك التقاطعات‬
‫‪.‬الموقفية بين هذا الموقف النقدي وما تستبطنه بعض نقاط النظريات االتصالية واإلعالمية المتعلقة بدور حارس البوابة أو القائم باالتصال‬

‫وفي الحقيقة‪ ،‬يبدو لنا أن فهم اإلطار الباراديغمي للنظريات النقدية يتحقق بتحديد أهم المفاهيم ذات المركزية الفكريّة في مشروعها الحامل‬
‫للصفة «النقدية» ذلك أن منطلقات النظريات النقدية‪ ،‬تُيسر للباحث التأصيل الفكري االجتماعي والفلسفي لمواقف أصحاب مدرسة‬
‫‪.‬فرانكفورت من الثقافة السائدة عموما ومن وسائل اإلعالم محتوى وتأثيرات‬

‫‪:‬ضد الوضعيّة واإلنسان ذي البعد الواحد ‪2-1-‬‬

‫يمثل نقد الفكر الوضعي والتجريبي مرتكزا أساسيا من مرتكزات النظريات النقدية التي ترفض تأليه الواقع وحتمية « الكليات» وطمسها‬
‫للفرد ولما هو فردي‪ .‬وهي النقطة األولى المؤسسة لتعارضها مع أهم مسلمات االتجاه الوضعي الذي يشكل بدوره أحد الروافد الرئيسية‬
‫‪.‬للمنظور الوظيفي لوسائل اإلعالم‬

‫ولكن كيف تفهم «النظريات النقدية» النقد وماهي المبادئ المؤطرة لمواقفها والمعجم الثري بالمفاهيم والمقوالت النقدية؟‬

‫‪(Théodore‬أحد مؤسسي مدرسة فرانكفورت إلى جانب تيودور أدورنو )‪ (Max Horkheimer) (1973-1895‬يعد ماكس‪ r‬هوركايمر‬
‫‪».‬وهو من صاغ اسم النظرية النقدية وذلك في كتابه « النظرية التقليدية والنظرية النقدية ‪Adorno) (1969-1903)،‬‬

‫في كتاب له عنوانه «النظرية النقدية» يشرح مبررات إطالق صفة «النقدية» على نظريات مدرسة فرانكفورت )‪ (Alan Haw‬آالن هاو‬
‫والنظرية الثقافية ونظرية االقتصاد السياسي‪ ،‬ويقول إن هذا التوصيف مرّده «الربط بين بعض أفكار هيجل وتشديد كارل ماركس على‬
‫‪.‬طبيعة الوجود المادية»(‪)37‬‬

‫وعالوة على أن النقد كما تمارسه اتجاهات النظريات النقدية هو ذلك النقد الذي يدافع على العقالنية ومكانة العقل وحرية الفرد أيالعقالنية‬
‫ومكانة العقل وحرية الفرد أي النقد الذي يعكس تجسيدا للمبادئ اإلنسانية الكونية التي نادى بها التنوير لذلك فإن هربرت ماركيوز‬
‫‪.‬يشدد على فكرة أن «التقويم النقدي… هو الحقل الفعلي للمعرفة»(‪(Herbert Marcuse) (1979 – 1898) )38‬‬
‫ففي ظل فهم مستندات الموقف الناقد للوضعية والمرتكزات الفكرية لفكرة النقد‪ ،‬نفهم األسس األخرى للنظريات النقدية والمتمثلة في إحياء‬
‫دور التأمل وأهميته وذلك بوصفه عنصرا حيويا من عناصر العقل إضافة إلى مبدأ جدلية العقل والواقع وكلّها تفرعات لفكرة أساسية تتمثل‬
‫في مركزية مفهوم العقل ومحاوالت مدرسة فرانكفورت توسيعه وربطه بمفهوم الحرية‪ ،‬حيث تؤمن النظريات النقدية بقدرة العقل اإلنساني‬
‫ودوره في التحقيق الذاتي من خالل» الوعي الحر للذات بذاتها‪ :‬وح ّده اإلنسان يتمتع بالقدرة على الفهم … إن وجود اإلنسان في حد ذاته‬
‫‪.‬يشكل سيرورة من التحقق الذاتي ومن نحت حياته وتصورها بناء على أفكار العقل»(‪)39‬‬

‫وبالنظر في هذه المرتكزات الفكرية للنظريات النقدية‪ ،‬يبدو واضحا دفاعها عن الفرد وعقله ووعيه الحر وحقه في التحقق الذاتي وهو ما‬
‫نستنتج منه النقد الصريح للفكر الوضعي الذي حسب أعالم المدرسة النقدية ينتج أفرادا من بعد واحد‪ ،‬مع ما يعنيه ذلك من تعطيل للعقل‬
‫وسلب للحرية حيث حتمية «الكلي» وضغط المؤسسات‪ ،‬وهو ما يفرز بدوره ظواهر عبر عنها مفكرو مدرسة فرانكفورت بـ»العقل األداتي»‬
‫و»التشيؤ» و»البعد اآلحادي» وغيرها من األفكار واألوصاف الحاملة لمضمون نقدي يدافع بالخصوص عن المنظومة القيمية للعقالنية‬
‫‪.‬وللحداثة كما بشر بها فالسفة التنوير‬

‫‪:‬نقد الثقافة الجماهيريّة وتسليع الثقافة والهيمنة ‪2-2-‬‬

‫إن نقد النظرية النقدية للمجتمع الصناعي الحديث االستهالكي‪ ،‬حتم آليا نقد وسائل االتصال باعتبارها نظم اجتماعية تساند وظيفيا أهداف‬
‫ومصالح النظم الماسكة بالسلطة والثروة‪ .‬ومن ثمة‪ ،‬فهي وسائل في خدمة األطراف المهيمنة على مجالي السياسة واالقتصاد وناقلة لرموز‬
‫ومعاني القوى ال ُمهيمنة م ّما يدعم انتساب النظريات النقدية في جزء من أطروحاتها إلى المقاربة الماركسية وجدلية السيطرة على الثروة‬
‫‪.‬والسيطرة على المعنى أي جدلية البنى الفوقية والتحتية‬

‫ومن الظواهر التي نقدتها اتجاهات النظريات النقدية‪ ،‬ما يتوافق إلى حد كبير مع مجال وسائل االتصال وتحديدا وسائل اإلعالم الجماهيرية‬
‫ونعني بذلك مسائل الثقافة الجماهيرية المعبر عنها أيضا بالصناعة الثقافية وأيضا ظاهرة الهيمنة وما ينتج عنها من تأثيرات سلبية تساهم في‬
‫‪.‬تشييئ الجمهور وجعله متلقيا سلبيا يفتقد إلى التفاعل النقدي‬

‫‪:‬أ‪ -‬ثقافة جماهيرية أم ثقافة أرباب السوق؟‬

‫إن « وسائل االتصال هي تقنيات فقط وإن كيفية استخدام هذه التقنيات تح ّددها السوق»(‪ .)40‬ففي هذا )‪(Francis Balle‬يقول فرانسيس بال‬
‫السياق يمكن تنزيل موقف النظريّات النقديّة القائل بأن مفهوم الثقافة الجماهيرية أو الشعبية‪ ،‬ينطوي على مخادعة وأن هذه الثقافة الموصوفة‬
‫بالجماهيرية ال عالقة لها بحاجيات الجماهير وبمشاغلهم فهي ثقافة ال تعبر عنهم وال تمثلهم وإنما هي ثقافة تلبي حاجة المنتجين وأصحاب‬
‫المصانع إلى االستهالك الوافر والربح السريع أي أنها الثقافة المواتية لثقافة السوق‪ .‬فالثقافة الجماهيرية من المنظور النقدي هي ثمرة طبيعية‬
‫لتعطيل العقل باعتباره مدخال سمح بنشر الثقافة الجماهيرية التي من خصائصها «التنميط واالبتذال وتغليب التسلية والدعاية وقهر العناصر‬
‫االيجابية في الثقافة الشعبية كي تساير المطلوب والشائع»(‪ .)41‬كما تعتبر مدرسة فرانكفورت أن فكرة صناعة الثقافة التي قدمها‪ r‬ألول مرة‬
‫ماركس هوركايم وأدونو في مقالهما المشترك «صناعة الثقافة‪ :‬التنوير كخداع جماهيري»‪ ،‬هي انعكاس للواقع االحتكاري الذي يركز على‬
‫برامج التسلية واإلعالنات مما يؤدي الىنوع من الثقافة يعرف تداخال وتشابكا بين الثقافة والتسلية والدعاية يطلق عليه تمويها الثقافة‬
‫‪.‬الجماهيرية وذلك بسبب «ظاهرة التطابق»(‪ )42‬التي تصيب معظم أفراد الجمهور‬

‫وإذا ما تعمقنا قليال في صورة الجماهير ومالمحها حسب مدلوالت مفهوم الثقافة الجماهيرية‪ ،‬فإننا نعثر على خيط رفيع يذكرنا بتلك الصورة‬
‫عن الجماهير‪ »:‬إن عجز الجماهير عن التفكير المتعقل يحرمها من كل روح نقدية )‪ (Gustave leBon‬السلبية التي رسمها غوستاف لوبون‬
‫أي من كل قدرة على التمييز بين الحقيقة والخطأ وبالتالي من تشكيل حكم دقيق على األمور… ومن وجهة النظر هذه نالحظ أن األفراد الذين‬
‫‪.‬ال يرتفعون فوق مستوى الجماهير هم عديدون»(‪)43‬‬

‫في حين أن أعالم النظريات النقدية يرون أن قدرة العقل هي األصل في األشياء وعكس ذلك ينضوي ضمن ثقافة الهيمنة وتأثيراتها السلبية‪.‬‬
‫وفي هذه النقطة تكشف مدرسة فرانكفورت عن جزئية مهمة‪ r‬في مقاربة مفهوم صناعة الثقافة وهي أن هذه الثقافة « تقوم على إيديولوجيا‬
‫‪.‬أكثر من الثقافات السابقة» (‪)44‬‬
‫إن تطبيق أبعاد مفهوم صناعة الثقافة على المحتوى التي تقدمه وسائل اإلعالم الجماهيرية‪ ،‬يجد صدى ال بأس به حيث من الصعب التقليل من‬
‫ظاهرة حمى التسابق بين القنوات واإلذاعات على تقديم برامج التسلية والترفيه وإقحام آلية الجوائز الستقطاب أكثر ما يكمن من الجماهير‬
‫وهي برامج وإن من المنظور الوظيفي تخفف من رتابة الحياة اليومية‪ ،‬فإن التركيز المفرط عليها وجعلها في صدارة محتوى الفضائيات‬
‫واإلذاعات قد كرس قيم الربح السريع وثقافة االعتماد على الحظ إضافة إلى هيمنة المادة اإلعالنية وتأثيرها بسبب تكرار بثها وتالعبها‬
‫على توجيه السلوك االقتصادي لألفراد ففي هذا المعنى يتنزل مفهوم تسليع )‪(Pierre Bourdieu)(45‬بالعقول حسب تعبير بيار بورديو‬
‫الثقافة لتيودور أدورنو الذي يرى أنه مع ظهور الرأسمالية أصبحت منتجات الصناعة الثقافية «كلها سلعة والربح هو كل شيء»(‪،)46‬‬
‫‪ (G.‬وهكذا نفهم الترابط بين الثقافة الجماهيرية وصناعة الثقافة وما يعبران عنه من فرض لمفهوم التشيؤ الذي صاغه جورج لوكاش‬
‫‪.‬مع ما يفيده من ضرب لقيمة العقل التي يقوم عليها نقد النظريات النقدية )‪Lukas‬‬

‫ذلك أنه وفق هذه المنطلقات‪ ،‬تتمظهر صناعة الثقافة في إنعاش وسائل اإلعالم الجماهيرية للجوانب الغرائزية في اإلنسان أكثر من الجانب‬
‫‪.‬العقلي والعقالني والنقدي فيه‬

‫ومن اليسير مالحظة انحياز وسائل اإلعالم الجماهيرية إلى مفهوم الثقافة الجماهيرية وانخراطها في أكذوبة «الجمهور عايز كده» التي هي‬
‫في األصل انعكاس لثقافة نمط الصناعة السائد والمهيمن في المجتمعات‪ r‬الصناعية االستهالكية ونسبت خطأ للجماهير‪ .‬من اليسر مالحظة‬
‫االنحياز واالنخراط‪ ،‬عندما نقيس المساحة‪ r‬المخصصة لما يسمى في النظريات النقدية» الثقافة المضادة» التي تعبر عنها حسب تقديرنا‬
‫البرامج التي تخاطب الفكر والتي تعتمد ما يعبر عنه أدونور «صدق المحتوى»‪ .‬بل إنه اليوم وبعد سنوات من انهيار االتحاد السوفياتي‬
‫ونهاية مرحلة التجاذب االيديولوجي وسيطرة القوة الرأسمالية على العالم من خالل العولمة‪ ،‬فإن بديل « الثقافة المضادة» الذي دافعت عنه‬
‫مدرسة فرانكفورت بات يشهد تضييقات متزايدة على المضامين الداللية والرمزية لمفاهيم « الخصوصية الثقافية» و»االستثناء الثقافي»‪،‬‬
‫وهو ما يعني أن وسائل اإلعالم الجماهيرية اليوم أصبحت أكثر توظيفا من ذي قبل لفرض التنميط والتطابق الجماهيري والتشيؤ الذي ينتج‬
‫‪.‬عقال أداتيا ال عقال حرا وناقدا‬

‫‪»:‬ب‪ -‬الرموز ال ُمهيمنة و» التالعب بالعقول‬

‫من الوجوه البارزة التي )‪ Stuart Hall‬حظيت مسألة الهيمنة في دراسات النظرية النقدية بمساحة مهمة‪ r‬من النقد‪ .‬ولعل ستيوارت هول‬
‫قاربت وسائل االتصال واإلعالم مقاربة تقوم على نقد ظاهرة الهيمنة‪ .‬وتتلخص مقاربة هول النقاط التالية‪ -:‬محتوى وسائل اإلعالم يروج‬
‫‪.‬لمصالح الطبقة المسيطرة على المجتمع‬

‫‪.‬بحكم انحياز وسائل اإلعالم إلى الجماعات المهيمنة‪ ،‬فهي تنتج رسائل إعالمية غير متوازنة وضعيفة المصداقية –‬

‫يوظف محتوى وسائل االتصال واإلعالم الرموز والمعاني التي تخدم أفكار ومصالح الفئات المهيمنة ويتم إنتاجها بطريقة تضمن التأثير –‬
‫‪.‬على الجمهور (‪)47‬‬

‫واستنادا إلى هذه التقويمات التي أشار إليها ستيوارت هول‪ ،‬فإن وسائل اإلعالم تعمل من خالل المحتوى الذي تقدمه إلى دعم مراكز القوى‬
‫سواء في السياسة أو في االقتصاد‪ ،‬وخطورة الهيمنة في هذا السياق تكمن في مجموعة التأثيرات السلبية على الرأي العام وخصوصا على‬
‫تشكيل األفكار والمشاعر والمواقف والسلوك‪ ،‬باعتبار الدور الترميزي لوسائل اإلعالم التي هي في إحدى وجوهها نصوص حاملة لألفكار‬
‫المهيمنة وداعمة لها وفق آليات لغوية ومشهدية وتركيبة موغلة في التأثير‪ .‬ولقد عبّر فرنسيس بال عن ظاهرة االتصال والتأثير بوضوح‬
‫عندما بيّن أن وسائل االتصال وتحديدا وسائل اإلعالم « لم تعد فقط تبادال للحوار أو إقامة له بل التأثير على الغير بالتحديد ليبيعه شيئا ما‬
‫‪،‬لطبع فكرة معينة في ذهنه أو إلعطاء صورة تدفع إلى التعاطف مع رجل سياسي أو مؤسسة معينة»(‪)48‬‬

‫ولعل الدعاية من األمثلة القوية التي شكلّت محور دراسات عديدة منذ الحرب العالمية األولى‪ ،‬والتي تؤكد ظاهرة هيمنة السلطة السياسية على‬
‫يذهب إلى ما هو أقوى من الهيمنة عندما يعتبر أن الدعاية السياسية تقوم )‪ (Serge Thakhotine‬وسائل اإلعالم‪ .‬بل إن سارج تشاخوتين‬
‫جاعال الدعاية) تقوم الدعاية هنا )‪ ( le schéma de Pavlov‬باغتصاب الجماهير!(‪ )49‬حيث يستند الروسي تشاخوتين إلى تجربة بافلوف‬
‫بدور الجرس في تجربة بافلوف في ارتباط شرطي بعملية التفكير وتحديد االستجابة عند اإلنسان‪ .‬كما أن نعوم تشومسكي في تناوله‬
‫لإلنجازات المذهلة للدعاية أو في وصفه « الدعاية الديمقراطية المرعبة»(‪ ،)50‬إنما يكشف التأثير االيديولوجي للبرامج الدعائية ودورها‬
‫الفعال في تغيير الرأي وفيما سماه هندسة العقل وفرض القبول فاضحا تبعية النظم اإلعالمية للسلطة السياسية في الواليات المتحدة األمريكية‬
‫في عملية ترويض األغلبية(‪)51‬‬

‫رغم فك االرتباط ظاهريا بين وسائل اإلعالم والدولة‪ .‬وتبقى الدعاية السياسية‪ ،‬كأخطر )‪..‬في حرب الخليج ثم في الحرب على اإلرهاب (‬
‫آليات الهيمنة فاعلة خصوصا في المشاهد االتصالية التي تكون فيها التعددية والديمقراطية السياسية ضعيفة ‪ ،‬فالغالب‪ r‬على وسائل اإلعالم‬
‫الجماهيرية للبلدان العربية‪ ،‬التركيز على وجهة النظر الرسمية للنخبة السياسية الحاكمة‪ .‬وليس عفويا أن يكون الموقف الرسمي كلمة الختام‬
‫‪.‬في البرامج السياسية‬

‫وإذا كانت الدعاية مثاال على هيمنة السلطة السياسية على وسائل اإلعالم‪ ،‬فإن االتجاه الثاني في النظريات النقدية يلح على أن المؤسسات‬
‫اإلعالمية هي في المقام األول مؤسسات‪ r‬اقتصادية والمهيمنون على اقتصاد وسائل اإلعالم هم ميكانيكيا المهيمنون ثقافيا والمتحكمون في‬
‫‪.‬محتوى وسائل اإلعالم‬

‫ولقد بينت عديد الدراسات‪ r‬التي اعتمدت منهجية تحليل مضمون وسائل اإلعالم العالقة بين المحتوى ورأس المال والتأثير الجماهيري‪ .‬لذلك‬
‫فإن كلتا الهيمنتين ينتج عنهما هيمنة رمزية وثقافية‪ .‬فوسائل اإلعالم الجماهيري‪ ،‬نظم تتميز بقوة التأثير وسرعته بشكل يجعل عملية بناء‬
‫للمعنى لدى الجمهور تمر وجوبا من خالل وسائل اإلعالم(‪ )52‬وهو ما أثبته نظرية الغرس الثقافي وال ّدراسات الميدانية الكثيرة التي قام بها‬
‫وزمالؤه حيث خلصت أبحاثهم إلى قوة التلفزيون وتأثيره في السلوك االجتماعي وأيضا ربطت – هذه )‪(G.Gerbner‬جورج جربنر‬
‫األبحاث‪ -‬بين كثافة التعرض لوسائل اإلعالم والتلفزيون بصفة خاصة واكتساب المعاني والمعتقدات واألفكار والصور الرمزية حول الواقع‬
‫…وهيمنة الصور التلفزيونية على سلوك األفراد(‪ .)53‬وال تفوتنا في سياق تناول الهيمنة الرمزية للتلفزيون وتأثيراتها االجتماعية على‬
‫السلوك التذكير بالكم الهائل من الدراسات الميدانية التي أجريت حول العالقة السببية القائمة الذات بين مشاهدة لقطات العنف واكتساب سلوك‬
‫‪.‬العنف لدى األطفال والشباب(‪)54‬‬

‫كما أن تأثير القنوات الدينية على السلوك الديني للشباب اليوم في المجتمعات العربية من الفرضيات القوية التي تدعم مشروعية تبنيها‪،‬التزايد‬
‫السريع الوتيرة لعدد القنوات الدينية من جهة وأيضا تحول مشاهدة هذه القنوات إلى ممارسة ثقافية أساسية لدى فئة الشباب بشكل خاص‪،‬‬
‫‪.‬وتجمع كل هذه األمثلة على تأكيد تأثير وسائل االتصال الجماهيرية‬

‫إن نظريات التأثير االيديولوجي والثقافي الرمزي التي مه ّدت لها ظاهرة صناعة الثقافة المنتجة للجمهور السلبي هي ذات جذور‬
‫‪.‬سوسيولوجية نقديّة‪ ،‬وربما يساعد متغير تراجع نسب األمية اليوم في إعادة في تنسيب ظاهرة التأثير وتنسيب النقد داخل مدرسة فرانكفورت‬

‫ذلك أن ارتفاع معدل التم ّدرس وما رافقه ولو بشكل متفاوت من تنام للتفكير النقدي ‪ ،‬يفترضان مراجعة التأثير وتدقيقها من خالل ربطها‬
‫موضوعيا بالمتغيرات وذلك ألهمية دور المتغيرات االجتماعية في تحديد السلوك والمواقف‪ .‬ولتدعيم فكرة ضرورة الربط بين تأثير محتوى‬
‫وسائل اإلعالم والمتغيرات االجتماعية‪ ،‬نشير إلى بعض نتائج ال ّدراسات الميدانيّة لنظريّة االعتماد على وسائل اإلعالم ومنها أن غير‬
‫المتعلمين يقضون وقتا أطول في تعرضهم لوسائل اإلعالم وأيضا تعرض أصحاب الدخل المنخفض أكثر من المستويات االقتصادية األخرى‬
‫‪.‬لوسائل األعالم‬

‫‪ (Lindividualisme méthodologique ) ،‬كما أن تنزيل توصيف مدرسة فرانكفورت الجمهور بالسلبية في ضوء الفردانيّة المنهجية‬
‫سيقودنا إلى نقد فكرة الجمهور والمشيّأ والسلبي التي تتقاطع مع المبادئ العامة للسوسيولوجيا الكليانية التي ترى سلوك الفرد نتاجا «‬
‫لضغوطات البنى االجتماعية»(‪ .)55‬فالفرد بالنسبة إلى رايمون بودون‬

‫يتمتع باالستقاللية وليس صحيحا كونه رهين حتمية المؤسسات‪ r‬االجتماعية ‪ »:‬إذا نظرت إلى الواقع البشري يكون )‪(Raymond Boudon‬‬
‫‪.‬من السهل أن ترى وجود العديد من الحاالت غير المحتومة»(‪)56‬‬

‫إن الجمهور كوحدة رئيسة في النسق الفرعي لوسائل اإلعالم ‪،‬تتميز بالتركيب والتعقيد من الصعب التعامل معه أي الجمهور‪ -‬وكأنه عنصر‬
‫صلب ومغلق ومتجانس ‪.‬لذلك فإن إطالق صفة السلبية على الجمهور يعد توصيفا يفتقد إلى الدقة والعقالنية والنسبية ويتجاهل البناء الرمزي‬
‫‪.‬للفرد ‪ .‬فالجمهور يتفاعل مع محتوى وسائل اإلعالم سلبا أو إيجابا أكثر مما يتأثر بها‬

You might also like