Professional Documents
Culture Documents
النظريّات النقد
النظريّات النقد
النظريّات النقد
:وسائل اإلعالم
يعود تاريخ ظهور األفكار األولى التي قامت عليها النظريات النقدية إلى العشرينات من القرن الماضي وتحديدا عند تأسيس معهد البحث
االجتماعي في فرانكفورت سنة .1923ومن ثمة فإنه بلغة السنوات تكون أطروحات النظريات النقدية المدافعة عن العقل وقيم العقالنية قد
.بلغت تسعة عقود عرفت فيها مراحل من الخفوت والنجاح
ويُحسب للنظريّات النقدية ذات الجذور الهيجلية في خصوص النظرة إلى العقل ومفهوم الجدلية وأيضا الماركسية المؤسسة لمفهوم الهيمنة
.في عالقته بالثروة ،ربط الصلة بين العلوم االجتماعية والفلسفة
والنظرية الثقافية النقدية وأيضا اتجاه نظرية االقتصاد السياسي ،مع العلم أن الخيط المنظم لهذين )(L?547;Ecole de Francfort
.االتجاهين ،ينهل من المنطلقات االجتماعية والفلسفة نفسها ويستند إلى المسوغات األساسية للنظريات النقدية
من جهة أخرى ،لعله من المهم التذكير باهتمام مفكري النظريات النقدية بالتأثيرات السلبية لوسائل اإلعالم ناهيك عن الصلة القوية التي ربما
تربط بين ما يسميه روبرت ميرتون الوظائف الخفية والمعجم األساسي للنظريات النقدية وخصوصا مفاهيم الثقافة الجماهيرية وتسليع الثقافة
وخداع الجماهير وغير ذلك مع المفاهيم والمقوالت األساسية في الخطاب الفكري العام لمؤلفات ودراسات أصحاب االتجاهات المنضوية
تحت مشروع النظريات النقدية .وهي صالت وروابط سمحت لنا بافتراض تبني مدرسة فرانكفورت لموقف نقدي إزاء وسائل اإلعالم
الجماهيرية باعتبار الوظائف التي تؤديها في المجتمع الحديث الجامع بين التصنيع واالستهالك ،دون أن يفوتنا في هذا السياق تلك التقاطعات
.الموقفية بين هذا الموقف النقدي وما تستبطنه بعض نقاط النظريات االتصالية واإلعالمية المتعلقة بدور حارس البوابة أو القائم باالتصال
وفي الحقيقة ،يبدو لنا أن فهم اإلطار الباراديغمي للنظريات النقدية يتحقق بتحديد أهم المفاهيم ذات المركزية الفكريّة في مشروعها الحامل
للصفة «النقدية» ذلك أن منطلقات النظريات النقدية ،تُيسر للباحث التأصيل الفكري االجتماعي والفلسفي لمواقف أصحاب مدرسة
.فرانكفورت من الثقافة السائدة عموما ومن وسائل اإلعالم محتوى وتأثيرات
يمثل نقد الفكر الوضعي والتجريبي مرتكزا أساسيا من مرتكزات النظريات النقدية التي ترفض تأليه الواقع وحتمية « الكليات» وطمسها
للفرد ولما هو فردي .وهي النقطة األولى المؤسسة لتعارضها مع أهم مسلمات االتجاه الوضعي الذي يشكل بدوره أحد الروافد الرئيسية
.للمنظور الوظيفي لوسائل اإلعالم
ولكن كيف تفهم «النظريات النقدية» النقد وماهي المبادئ المؤطرة لمواقفها والمعجم الثري بالمفاهيم والمقوالت النقدية؟
(Théodoreأحد مؤسسي مدرسة فرانكفورت إلى جانب تيودور أدورنو ) (Max Horkheimer) (1973-1895يعد ماكس rهوركايمر
».وهو من صاغ اسم النظرية النقدية وذلك في كتابه « النظرية التقليدية والنظرية النقدية Adorno) (1969-1903)،
في كتاب له عنوانه «النظرية النقدية» يشرح مبررات إطالق صفة «النقدية» على نظريات مدرسة فرانكفورت ) (Alan Hawآالن هاو
والنظرية الثقافية ونظرية االقتصاد السياسي ،ويقول إن هذا التوصيف مرّده «الربط بين بعض أفكار هيجل وتشديد كارل ماركس على
.طبيعة الوجود المادية»()37
وعالوة على أن النقد كما تمارسه اتجاهات النظريات النقدية هو ذلك النقد الذي يدافع على العقالنية ومكانة العقل وحرية الفرد أيالعقالنية
ومكانة العقل وحرية الفرد أي النقد الذي يعكس تجسيدا للمبادئ اإلنسانية الكونية التي نادى بها التنوير لذلك فإن هربرت ماركيوز
.يشدد على فكرة أن «التقويم النقدي… هو الحقل الفعلي للمعرفة»((Herbert Marcuse) (1979 – 1898) )38
ففي ظل فهم مستندات الموقف الناقد للوضعية والمرتكزات الفكرية لفكرة النقد ،نفهم األسس األخرى للنظريات النقدية والمتمثلة في إحياء
دور التأمل وأهميته وذلك بوصفه عنصرا حيويا من عناصر العقل إضافة إلى مبدأ جدلية العقل والواقع وكلّها تفرعات لفكرة أساسية تتمثل
في مركزية مفهوم العقل ومحاوالت مدرسة فرانكفورت توسيعه وربطه بمفهوم الحرية ،حيث تؤمن النظريات النقدية بقدرة العقل اإلنساني
ودوره في التحقيق الذاتي من خالل» الوعي الحر للذات بذاتها :وح ّده اإلنسان يتمتع بالقدرة على الفهم … إن وجود اإلنسان في حد ذاته
.يشكل سيرورة من التحقق الذاتي ومن نحت حياته وتصورها بناء على أفكار العقل»()39
وبالنظر في هذه المرتكزات الفكرية للنظريات النقدية ،يبدو واضحا دفاعها عن الفرد وعقله ووعيه الحر وحقه في التحقق الذاتي وهو ما
نستنتج منه النقد الصريح للفكر الوضعي الذي حسب أعالم المدرسة النقدية ينتج أفرادا من بعد واحد ،مع ما يعنيه ذلك من تعطيل للعقل
وسلب للحرية حيث حتمية «الكلي» وضغط المؤسسات ،وهو ما يفرز بدوره ظواهر عبر عنها مفكرو مدرسة فرانكفورت بـ»العقل األداتي»
و»التشيؤ» و»البعد اآلحادي» وغيرها من األفكار واألوصاف الحاملة لمضمون نقدي يدافع بالخصوص عن المنظومة القيمية للعقالنية
.وللحداثة كما بشر بها فالسفة التنوير
إن نقد النظرية النقدية للمجتمع الصناعي الحديث االستهالكي ،حتم آليا نقد وسائل االتصال باعتبارها نظم اجتماعية تساند وظيفيا أهداف
ومصالح النظم الماسكة بالسلطة والثروة .ومن ثمة ،فهي وسائل في خدمة األطراف المهيمنة على مجالي السياسة واالقتصاد وناقلة لرموز
ومعاني القوى ال ُمهيمنة م ّما يدعم انتساب النظريات النقدية في جزء من أطروحاتها إلى المقاربة الماركسية وجدلية السيطرة على الثروة
.والسيطرة على المعنى أي جدلية البنى الفوقية والتحتية
ومن الظواهر التي نقدتها اتجاهات النظريات النقدية ،ما يتوافق إلى حد كبير مع مجال وسائل االتصال وتحديدا وسائل اإلعالم الجماهيرية
ونعني بذلك مسائل الثقافة الجماهيرية المعبر عنها أيضا بالصناعة الثقافية وأيضا ظاهرة الهيمنة وما ينتج عنها من تأثيرات سلبية تساهم في
.تشييئ الجمهور وجعله متلقيا سلبيا يفتقد إلى التفاعل النقدي
إن « وسائل االتصال هي تقنيات فقط وإن كيفية استخدام هذه التقنيات تح ّددها السوق»( .)40ففي هذا )(Francis Balleيقول فرانسيس بال
السياق يمكن تنزيل موقف النظريّات النقديّة القائل بأن مفهوم الثقافة الجماهيرية أو الشعبية ،ينطوي على مخادعة وأن هذه الثقافة الموصوفة
بالجماهيرية ال عالقة لها بحاجيات الجماهير وبمشاغلهم فهي ثقافة ال تعبر عنهم وال تمثلهم وإنما هي ثقافة تلبي حاجة المنتجين وأصحاب
المصانع إلى االستهالك الوافر والربح السريع أي أنها الثقافة المواتية لثقافة السوق .فالثقافة الجماهيرية من المنظور النقدي هي ثمرة طبيعية
لتعطيل العقل باعتباره مدخال سمح بنشر الثقافة الجماهيرية التي من خصائصها «التنميط واالبتذال وتغليب التسلية والدعاية وقهر العناصر
االيجابية في الثقافة الشعبية كي تساير المطلوب والشائع»( .)41كما تعتبر مدرسة فرانكفورت أن فكرة صناعة الثقافة التي قدمها rألول مرة
ماركس هوركايم وأدونو في مقالهما المشترك «صناعة الثقافة :التنوير كخداع جماهيري» ،هي انعكاس للواقع االحتكاري الذي يركز على
برامج التسلية واإلعالنات مما يؤدي الىنوع من الثقافة يعرف تداخال وتشابكا بين الثقافة والتسلية والدعاية يطلق عليه تمويها الثقافة
.الجماهيرية وذلك بسبب «ظاهرة التطابق»( )42التي تصيب معظم أفراد الجمهور
وإذا ما تعمقنا قليال في صورة الجماهير ومالمحها حسب مدلوالت مفهوم الثقافة الجماهيرية ،فإننا نعثر على خيط رفيع يذكرنا بتلك الصورة
عن الجماهير »:إن عجز الجماهير عن التفكير المتعقل يحرمها من كل روح نقدية ) (Gustave leBonالسلبية التي رسمها غوستاف لوبون
أي من كل قدرة على التمييز بين الحقيقة والخطأ وبالتالي من تشكيل حكم دقيق على األمور… ومن وجهة النظر هذه نالحظ أن األفراد الذين
.ال يرتفعون فوق مستوى الجماهير هم عديدون»()43
في حين أن أعالم النظريات النقدية يرون أن قدرة العقل هي األصل في األشياء وعكس ذلك ينضوي ضمن ثقافة الهيمنة وتأثيراتها السلبية.
وفي هذه النقطة تكشف مدرسة فرانكفورت عن جزئية مهمة rفي مقاربة مفهوم صناعة الثقافة وهي أن هذه الثقافة « تقوم على إيديولوجيا
.أكثر من الثقافات السابقة» ()44
إن تطبيق أبعاد مفهوم صناعة الثقافة على المحتوى التي تقدمه وسائل اإلعالم الجماهيرية ،يجد صدى ال بأس به حيث من الصعب التقليل من
ظاهرة حمى التسابق بين القنوات واإلذاعات على تقديم برامج التسلية والترفيه وإقحام آلية الجوائز الستقطاب أكثر ما يكمن من الجماهير
وهي برامج وإن من المنظور الوظيفي تخفف من رتابة الحياة اليومية ،فإن التركيز المفرط عليها وجعلها في صدارة محتوى الفضائيات
واإلذاعات قد كرس قيم الربح السريع وثقافة االعتماد على الحظ إضافة إلى هيمنة المادة اإلعالنية وتأثيرها بسبب تكرار بثها وتالعبها
على توجيه السلوك االقتصادي لألفراد ففي هذا المعنى يتنزل مفهوم تسليع )(Pierre Bourdieu)(45بالعقول حسب تعبير بيار بورديو
الثقافة لتيودور أدورنو الذي يرى أنه مع ظهور الرأسمالية أصبحت منتجات الصناعة الثقافية «كلها سلعة والربح هو كل شيء»(،)46
(G.وهكذا نفهم الترابط بين الثقافة الجماهيرية وصناعة الثقافة وما يعبران عنه من فرض لمفهوم التشيؤ الذي صاغه جورج لوكاش
.مع ما يفيده من ضرب لقيمة العقل التي يقوم عليها نقد النظريات النقدية )Lukas
ذلك أنه وفق هذه المنطلقات ،تتمظهر صناعة الثقافة في إنعاش وسائل اإلعالم الجماهيرية للجوانب الغرائزية في اإلنسان أكثر من الجانب
.العقلي والعقالني والنقدي فيه
ومن اليسير مالحظة انحياز وسائل اإلعالم الجماهيرية إلى مفهوم الثقافة الجماهيرية وانخراطها في أكذوبة «الجمهور عايز كده» التي هي
في األصل انعكاس لثقافة نمط الصناعة السائد والمهيمن في المجتمعات rالصناعية االستهالكية ونسبت خطأ للجماهير .من اليسر مالحظة
االنحياز واالنخراط ،عندما نقيس المساحة rالمخصصة لما يسمى في النظريات النقدية» الثقافة المضادة» التي تعبر عنها حسب تقديرنا
البرامج التي تخاطب الفكر والتي تعتمد ما يعبر عنه أدونور «صدق المحتوى» .بل إنه اليوم وبعد سنوات من انهيار االتحاد السوفياتي
ونهاية مرحلة التجاذب االيديولوجي وسيطرة القوة الرأسمالية على العالم من خالل العولمة ،فإن بديل « الثقافة المضادة» الذي دافعت عنه
مدرسة فرانكفورت بات يشهد تضييقات متزايدة على المضامين الداللية والرمزية لمفاهيم « الخصوصية الثقافية» و»االستثناء الثقافي»،
وهو ما يعني أن وسائل اإلعالم الجماهيرية اليوم أصبحت أكثر توظيفا من ذي قبل لفرض التنميط والتطابق الجماهيري والتشيؤ الذي ينتج
.عقال أداتيا ال عقال حرا وناقدا
من الوجوه البارزة التي ) Stuart Hallحظيت مسألة الهيمنة في دراسات النظرية النقدية بمساحة مهمة rمن النقد .ولعل ستيوارت هول
قاربت وسائل االتصال واإلعالم مقاربة تقوم على نقد ظاهرة الهيمنة .وتتلخص مقاربة هول النقاط التالية -:محتوى وسائل اإلعالم يروج
.لمصالح الطبقة المسيطرة على المجتمع
.بحكم انحياز وسائل اإلعالم إلى الجماعات المهيمنة ،فهي تنتج رسائل إعالمية غير متوازنة وضعيفة المصداقية –
يوظف محتوى وسائل االتصال واإلعالم الرموز والمعاني التي تخدم أفكار ومصالح الفئات المهيمنة ويتم إنتاجها بطريقة تضمن التأثير –
.على الجمهور ()47
واستنادا إلى هذه التقويمات التي أشار إليها ستيوارت هول ،فإن وسائل اإلعالم تعمل من خالل المحتوى الذي تقدمه إلى دعم مراكز القوى
سواء في السياسة أو في االقتصاد ،وخطورة الهيمنة في هذا السياق تكمن في مجموعة التأثيرات السلبية على الرأي العام وخصوصا على
تشكيل األفكار والمشاعر والمواقف والسلوك ،باعتبار الدور الترميزي لوسائل اإلعالم التي هي في إحدى وجوهها نصوص حاملة لألفكار
المهيمنة وداعمة لها وفق آليات لغوية ومشهدية وتركيبة موغلة في التأثير .ولقد عبّر فرنسيس بال عن ظاهرة االتصال والتأثير بوضوح
عندما بيّن أن وسائل االتصال وتحديدا وسائل اإلعالم « لم تعد فقط تبادال للحوار أو إقامة له بل التأثير على الغير بالتحديد ليبيعه شيئا ما
،لطبع فكرة معينة في ذهنه أو إلعطاء صورة تدفع إلى التعاطف مع رجل سياسي أو مؤسسة معينة»()48
ولعل الدعاية من األمثلة القوية التي شكلّت محور دراسات عديدة منذ الحرب العالمية األولى ،والتي تؤكد ظاهرة هيمنة السلطة السياسية على
يذهب إلى ما هو أقوى من الهيمنة عندما يعتبر أن الدعاية السياسية تقوم ) (Serge Thakhotineوسائل اإلعالم .بل إن سارج تشاخوتين
جاعال الدعاية) تقوم الدعاية هنا ) ( le schéma de Pavlovباغتصاب الجماهير!( )49حيث يستند الروسي تشاخوتين إلى تجربة بافلوف
بدور الجرس في تجربة بافلوف في ارتباط شرطي بعملية التفكير وتحديد االستجابة عند اإلنسان .كما أن نعوم تشومسكي في تناوله
لإلنجازات المذهلة للدعاية أو في وصفه « الدعاية الديمقراطية المرعبة»( ،)50إنما يكشف التأثير االيديولوجي للبرامج الدعائية ودورها
الفعال في تغيير الرأي وفيما سماه هندسة العقل وفرض القبول فاضحا تبعية النظم اإلعالمية للسلطة السياسية في الواليات المتحدة األمريكية
في عملية ترويض األغلبية()51
رغم فك االرتباط ظاهريا بين وسائل اإلعالم والدولة .وتبقى الدعاية السياسية ،كأخطر )..في حرب الخليج ثم في الحرب على اإلرهاب (
آليات الهيمنة فاعلة خصوصا في المشاهد االتصالية التي تكون فيها التعددية والديمقراطية السياسية ضعيفة ،فالغالب rعلى وسائل اإلعالم
الجماهيرية للبلدان العربية ،التركيز على وجهة النظر الرسمية للنخبة السياسية الحاكمة .وليس عفويا أن يكون الموقف الرسمي كلمة الختام
.في البرامج السياسية
وإذا كانت الدعاية مثاال على هيمنة السلطة السياسية على وسائل اإلعالم ،فإن االتجاه الثاني في النظريات النقدية يلح على أن المؤسسات
اإلعالمية هي في المقام األول مؤسسات rاقتصادية والمهيمنون على اقتصاد وسائل اإلعالم هم ميكانيكيا المهيمنون ثقافيا والمتحكمون في
.محتوى وسائل اإلعالم
ولقد بينت عديد الدراسات rالتي اعتمدت منهجية تحليل مضمون وسائل اإلعالم العالقة بين المحتوى ورأس المال والتأثير الجماهيري .لذلك
فإن كلتا الهيمنتين ينتج عنهما هيمنة رمزية وثقافية .فوسائل اإلعالم الجماهيري ،نظم تتميز بقوة التأثير وسرعته بشكل يجعل عملية بناء
للمعنى لدى الجمهور تمر وجوبا من خالل وسائل اإلعالم( )52وهو ما أثبته نظرية الغرس الثقافي وال ّدراسات الميدانية الكثيرة التي قام بها
وزمالؤه حيث خلصت أبحاثهم إلى قوة التلفزيون وتأثيره في السلوك االجتماعي وأيضا ربطت – هذه )(G.Gerbnerجورج جربنر
األبحاث -بين كثافة التعرض لوسائل اإلعالم والتلفزيون بصفة خاصة واكتساب المعاني والمعتقدات واألفكار والصور الرمزية حول الواقع
…وهيمنة الصور التلفزيونية على سلوك األفراد( .)53وال تفوتنا في سياق تناول الهيمنة الرمزية للتلفزيون وتأثيراتها االجتماعية على
السلوك التذكير بالكم الهائل من الدراسات الميدانية التي أجريت حول العالقة السببية القائمة الذات بين مشاهدة لقطات العنف واكتساب سلوك
.العنف لدى األطفال والشباب()54
كما أن تأثير القنوات الدينية على السلوك الديني للشباب اليوم في المجتمعات العربية من الفرضيات القوية التي تدعم مشروعية تبنيها،التزايد
السريع الوتيرة لعدد القنوات الدينية من جهة وأيضا تحول مشاهدة هذه القنوات إلى ممارسة ثقافية أساسية لدى فئة الشباب بشكل خاص،
.وتجمع كل هذه األمثلة على تأكيد تأثير وسائل االتصال الجماهيرية
إن نظريات التأثير االيديولوجي والثقافي الرمزي التي مه ّدت لها ظاهرة صناعة الثقافة المنتجة للجمهور السلبي هي ذات جذور
.سوسيولوجية نقديّة ،وربما يساعد متغير تراجع نسب األمية اليوم في إعادة في تنسيب ظاهرة التأثير وتنسيب النقد داخل مدرسة فرانكفورت
ذلك أن ارتفاع معدل التم ّدرس وما رافقه ولو بشكل متفاوت من تنام للتفكير النقدي ،يفترضان مراجعة التأثير وتدقيقها من خالل ربطها
موضوعيا بالمتغيرات وذلك ألهمية دور المتغيرات االجتماعية في تحديد السلوك والمواقف .ولتدعيم فكرة ضرورة الربط بين تأثير محتوى
وسائل اإلعالم والمتغيرات االجتماعية ،نشير إلى بعض نتائج ال ّدراسات الميدانيّة لنظريّة االعتماد على وسائل اإلعالم ومنها أن غير
المتعلمين يقضون وقتا أطول في تعرضهم لوسائل اإلعالم وأيضا تعرض أصحاب الدخل المنخفض أكثر من المستويات االقتصادية األخرى
.لوسائل األعالم
(Lindividualisme méthodologique ) ،كما أن تنزيل توصيف مدرسة فرانكفورت الجمهور بالسلبية في ضوء الفردانيّة المنهجية
سيقودنا إلى نقد فكرة الجمهور والمشيّأ والسلبي التي تتقاطع مع المبادئ العامة للسوسيولوجيا الكليانية التي ترى سلوك الفرد نتاجا «
لضغوطات البنى االجتماعية»( .)55فالفرد بالنسبة إلى رايمون بودون
يتمتع باالستقاللية وليس صحيحا كونه رهين حتمية المؤسسات rاالجتماعية »:إذا نظرت إلى الواقع البشري يكون )(Raymond Boudon
.من السهل أن ترى وجود العديد من الحاالت غير المحتومة»()56
إن الجمهور كوحدة رئيسة في النسق الفرعي لوسائل اإلعالم ،تتميز بالتركيب والتعقيد من الصعب التعامل معه أي الجمهور -وكأنه عنصر
صلب ومغلق ومتجانس .لذلك فإن إطالق صفة السلبية على الجمهور يعد توصيفا يفتقد إلى الدقة والعقالنية والنسبية ويتجاهل البناء الرمزي
.للفرد .فالجمهور يتفاعل مع محتوى وسائل اإلعالم سلبا أو إيجابا أكثر مما يتأثر بها