Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 56

‫جامعة الإخوة منوري‪ -‬قس نطينة ‪1‬‬

‫لكية احلقوق و العلوم الإدارية‬

‫قسم العلوم الإدارية‬

‫حمارضات يف‬
‫املنامجنت العمويم‬
‫حمارضات ألقيت عىل طلبة س نة اثهية ماسرت علوم اإدارية‬

‫من اعداد ادلكتورة‪:‬‬


‫شيبويت راضية‬

‫السنة الجامعية ‪0202-0202‬‬


‫مقدمة‬

‫تحتل اإلدارة العمومي ة مكانة هامة في الدولة ‪ ،‬و تزداد أهميتها في العصر الحديث و ذلك بالنظر للدور الذي‬

‫أن الواقع أثبت أنها يمكن أن تكون أيضا سببا للتخلف في شتى‬
‫تلعبه في تحقيق التنمية و التطور في المجتمع ‪ ،‬مع ّ‬

‫المجاالت ‪،‬إذ لم يتم ترقيتها و تطويرها ‪،‬فاإلدارة مرآة المجتمع عاكسة للتطورات الحاصلة فيه‪،‬لذلك ال يمكن أن تبقى‬

‫نصوصها جامدة بمعزل عن تطور المعطيات الحديثة ‪،‬ففعاليتها ترتبط ارتباطا وثيقا بتطور تشريعاتها ‪،‬وبدون تشريعات‬

‫متطورة ال يمكن لها أن تفرض هيمنتها و أن تقود عجلة التنمية ‪ ،‬فال يمكن بناء دولة قوية دون إدارة متطورة‪.‬‬

‫عمليا معظم الدول عانت إداراتها من مساوئ البيروقراطية نتيجة تفشي أمراض عديدة كالرشوة و الفساد و المحسوبية‬

‫‪...‬إلخ و التي تزداد خطورة و حدة و اتساعا بفضل عوامل عديدة‪.‬‬

‫و بالنظر للتطورات الهائلة و السريعة التي عرفها ال عالم قي شتى المجاالت (التكنولوجية و العلمية و االقتصادية‬

‫واالجتماعية و السياسية )اضطرت معظم الدول إلعادة النظر في مبادئ و نظم تسيير إداراتها لمواكبة هذه التطورات‬

‫مستندة لما توصل إليه المفكرين و الباحثون في مجال التحديث و التنظيم اإلداري من خالل النظريات و البحوث‬

‫العلمية الكثيرة و التي أثبتت نجاعتها و فعاليتها في الميدان‪.‬‬

‫و عليه يعد مفهوم المناجمنت العمومي أحد أبرز المفاهيم( وليد الفكر والثقافة األمريكية ) التي عرفها مجال التسيير‬

‫اإلداري و الذي ظهر في القطاع الخا ص (إدارة األعمال) ليمتد بعدها (و بعد إثبات فعاليته) لإلدارة العمومية والقطاع‬

‫العام ‪،‬و هذا ما أثبتته تجارب الدول الغربية حيث أعطى نتائج قيمة يشهد عليها رضا المواطن على نوعية الخدمات‬

‫المقدمة‪ ،‬بذلك أصبح المناجمنت العمومي مادة علمية استحقت البحث و التنظير‪ ،‬استطاع لفت انتباه الباحثين‬

‫و األكاديميين من العلوم االقتصادية و علوم التسيير و القانون و حتى العلوم السياسية باعتباره أحد مرتكزات الحكم‬

‫الراشد‪.‬‬

‫وللعلم ‪ ،‬يعتبر األمريكي فريدريك ونسلو تايلور و من بعده الفرنسي هنري فايول رواد المناجمنت الكالسيكي اللذان‬

‫و‬ ‫أـسسا لمفهوم اإلدارة العلمية كمنطلق لمفهوم المناجمنت ( فاإلدارة علم حقيقي يقوم على قواعد و مبادئ محددة)‪.‬‬

‫بالنظر لتراجع أداء القطاع العام و اإلدارة العمومية في جميع دول العالم بفعل انحصار وتقليص دور الدولة استنادا‬

‫‪1‬‬
‫على مفاهيم الليبرالية و النيو ليبرالية ‪ ،‬ظهر المناجمنت العمومي‪ 1‬كبراديغم(نموذج) جديد يقوم على نقل أسس و‬

‫مبادئ المناجمنت الخاص نحو ا إلدارة العامة والقطاع العام بعد تكييفها مع متطلبات هذه األخيرة و ذلك لزيادة الفاعلية‬

‫والكفاءة‪ ،‬غير أن هذا النقل لم يكن مستساغا لدى عديد الباحثين ال سيما الفرنسيين الذين وجدوا صعوبة في تطبيق‬

‫بحد‬
‫مبادئ اإلدارة الخاصة الن ذلك يؤدي ‪-‬حسب بعضهم ‪ -‬للمساس بامتيازات السلطة العامة و بفكرة المرفق العام ّ‬

‫ذاته ‪،‬أي خوصصة المرفق العام‪،‬غير أن تطور الفكر اإلداري انتهى بقبول الفكرة بالعمل على تأقلم هذه الوسائل و‬

‫اآلليات الجديدة التي جاء بها المناجمنت مع خصائص اإل دارة العامة ‪ ،‬وبتحقيق نتائج ايجابية على ارض الواقع‬

‫استدعى األمر إعادة النظر في مبادئ المرفق العام التقليدية‪.‬‬

‫غير أن تطور الفكر التسييري لم يتوقف عند حد المناجمنت‪ ،‬فبفعل تطورات عديدة في العالم في شتى المجاالت‬

‫لخصتها فكرة العولمة تطور المناجمنت العمومي للمناجمنت العمومي الحديث‪. 2‬‬

‫ظهر هذا الفكر الجديد بداية سنوات ‪ l999‬و انتشر في جميع أنحاء العالم و استلزم تطبيقه إعادة هيكلة تنظيمية‬

‫و تشريعية و فكرية لإلدارة العامة في معظم دول العالم و التي سميت باإلصال اإلداري‪.‬‬

‫من جهتها اإلدارة العامة في الجزائر باعتبارها أداة أساسية لتنفيذ سياسة الدولة والتي طغت عليها اإليديولوجية‬ ‫‪3‬‬

‫التسييرية التقليدية و المرتكزة أساسا على مفهوم المصلحة العامة كهدف نهائي للتسيير(يعني كل تدخالتها تهدف‬

‫لتجسيد مفهوم المصلحة العامة) عانت من مخلفات البيروقراطية و مشاكل عديدة ذات أبعاد سياسية‬

‫‪،‬قانونية‪،‬اجتماعية‪،‬على غرار دول العالم الثالث عموما و الدول العربية خصوصا ‪،‬مما أفقدها شرعيتها ‪ .‬رغم المحاوالت‬

‫في مسعى للوصول لنموذج تسييري خاص الذي أثبت فشله‪ ،‬بذلك يظهر المناجمنت العمومي‬ ‫العديدة لإلصال‬

‫عالجا فعاال لتحسين األداء و ترقية الخدمة العمومية و تمهيدا لتبني مفهوم المناجمنت العمومي الحديث (‪.)NPM‬‬

‫‪-1‬ال يمكن تعريف المناجمنت بالتسيير بل هو فن التسيير أو التسيير الناجح و اإليجابي ‪،‬أما التسيير فقد يكون ايجابيا و قد يكون رديئا وسلبيا‪.‬‬
‫‪-2‬‬
‫الفرق بينما هو أن المناجمنت العمومي يقوم على تصحيح و زيادة أداء اإلدارة العمومية باقتباس مبادئ المناجمنت الخاص مع اإلبقاء‬

‫على التنظيم الويبيري لإلدارة‪،‬أما المناجمنت العمومي الحديث ‪ NPM‬فإنه يقوم على هدم كل مبادئ هذا التنظيم و استبدالها بأسس و‬

‫مبادئ إدارة األعمال‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫و هذا ما يدعونا للتساؤل عن مفهوم ‪،‬أسس و مبادئ و خصوصيات و أصول علم المناجمنت العمومي و أهم تطبيقاته‬
‫في العالم ‪، ،‬وتطور هذا المفهوم لما يسمى المناجمنت العمومي الحديث ‪ ،‬وموقف اإلدارة العمومية الجزائرية من هذه‬
‫التطورات و االنتقال لنموذج جديد للتسيير ‪ .‬نحاول اإلجابة بالتحليل على هذه التساؤالت من خالل هذه الدروس‪.‬‬

‫وذلك وفق خطة عمل بالشكل التالي‪:‬‬

‫المحور األول‪ :‬ماهية المناجمنت العمومي‬

‫المبحث األول‪ :‬اإلطار المفاهيمي‬

‫المطلب األول‪:‬مفهوم الخدمة العمومية‬

‫المطلب الثاني‪:‬مفهوم اإلدارة‬

‫المطلب الثالث‪:‬مفهوم المنظمات العمومية‬

‫المبحث الثاني‪:‬مفهوم المناجمنت العمومي‬

‫المطلب األول‪:‬تعريفه و أصوله العلمية‪،‬و مبادئه‬

‫المطلب الثاني‪:‬وسائل نشاط المناجمنت العمومي‬

‫المحور الثاني‪:‬مقاربة المناجمنت العمومي الحديث‬

‫المبحث األول‪:‬اإلصال اإلداري كمدخل للمناجمنت العمومي الحديث‬

‫المطلب األول‪:‬ماهية اإلصال اإلداري‬

‫المطلب الثاني ‪:‬تطبيقات اإلصال اإلداري في العالم‬

‫المبحث الثاني‪:‬وسائل المناجمنت العمومي الحديث‬

‫المطلب األول‪:‬االتصال‬

‫المطلب الثاني ‪ :‬التسيير المالي‬

‫المطلب الثالث‪:‬تسيير الموارد البشرية‬

‫‪3‬‬
‫أهداف الدرس‬

‫تمكين الطالب من الوقوف على حقيقة بعض مفاهيم التسيير االداري التقليدية و الحديثة ‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫‪ -‬و التعرف على رسالة المنظمات العمومية و ما يميزها عن المنظمات الخاصة ‪،‬و مفهوم الخدمة العمومية‬

‫و تطوراته‪.‬‬

‫وكذا التعرف على المناجمنت العمومي و عالقته بالعلوم األخرى ‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫‪ -‬التعرف بشكل مفصل على األطراف الفاعلة في المناجمنت العمومي و أهدافه و وسائله ‪.‬‬

‫‪ -‬دراسة مختلف مراحل التحديث ألساليب التسيير الحالية و الوسائل المستعملة فيها حفاظا على أهمية ومرودية‬

‫القطاع العام ‪،‬من خالل التعرف على مراحل تطور الفكر اإلداري لغاية نظرية المناجمنت العمومي الحديث‬

‫مرو ار باإلصال اإلداري و الحكم الراشد" الحوكمة"‪.‬‬

‫مالحظة هامة‪ :‬إذا كان التسيير اإلداري يرتكز على العلوم اإلدارية والقانونية بشكل أساسي‪ ،‬فإن العلوم االقتصادية‬

‫وعلوم التسيير تشكل مرجعيات أساسية للمناجمنت العمومي ‪،‬لذلك فهذا الدرس يستند لمعظم النظريات والدراسات‬

‫االقتصادية و التسييرية الضرورية ‪.‬‬

‫المحور األول ‪:‬ماهية المناجمنت العمومي‬

‫يقوم المناجمنت العمومي على نقل أسس ومبادئ إدارة األعمال نحو القطاع العام واإلدارة العمومية في مسعى‬

‫لزيادة الفعالية ‪ ،‬مع تكييفها مع مقتضيات هذا القطاع ‪،‬و هو ما يستدعي البحث في عدة مفاهيم ذات الصلة‪.‬‬

‫المبحث األول ‪ :‬اإلطار المفاهيمي‬

‫يرتبط مفهوم المناجمنت العمومي بعدة مفاهيم أساسية في مجال التسيير اإلداري ‪،‬و التي عرفت تحوالت بفعل هذا‬

‫المفهوم و المتمثلة في مفهوم الخدمة العمومية و مفهوم المنظمات العمومية و مفهوم اإلدارة العمومية بحد ذاتها ‪.‬‬

‫وهو ما يستدعي التطرق لها قبل تحديد مفهوم المناجمنت العمومي في ّ‬


‫حد ذاته‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫المطلب األول‪ :‬مفهوم الخدمة العمومية‬

‫لطالما ارتبط مفهوم الخدمة العمومية بوجود الدولة كسلطة ذات سيادة في إطار ممارستها لوظيفتها إلشباع‬

‫الحاجات العامة ل لمجتمع ‪ ،‬من خالل تقديم الخدمات العمومية خاصة األساسية منها‪.‬‬

‫و في سبيل البحث عن رفاهية المجتمع و تحقيق التنمية اتسع تدخل الدولة لمختلف المجاالت و األنشطة في‬

‫محاولة لخلق المناخ المالئم لتحسين الحياة اليومية للمواطن و رفاهيته ‪،1‬مما جعل مفهوم الخدمة العمومية مرتبط‬

‫بالنظام السياسي و االقتصادي و االجتماعي للدول‪.‬‬

‫وعليه يستدعي الحال دراسة مفهوم الخدمة العمومية كمفهوم متعدد األبعاد(اجتماعية و اقتصادية و قانونية) مع‬

‫التركيز على البعد القانوني(الفرع األول) ثم التعرف علة مختلف أنواع الخدمة العمومية(الفرع الثاني) لنفصل أخي ار‬

‫قي المبادئ التي يرتكز عليها هذا المفهوم(الفرع الثالث)‪.‬‬

‫الفرع األول ‪ :‬تعريف الخدمة العمومية‬

‫يتسم مصطلح الخدمة العمومية بالمرونة التي تجعله يحتمل أكثر من معنى ن لدلك تعدد تعاريف الخدمة العمومية‬

‫بالنظر إلى تعدد أبعادها و بالتركيز على البعد القانوني ‪،‬عرفت الخدمة العمومية على أنها ‪ ":‬نشاط ينفذ مباشرة من‬

‫‪2‬‬
‫قبل الدولة(سواء كان محليا أو وطنيا)و تحت رقابتها و يهدف لخدمة المصلحة العامة‪".‬‬

‫كما عرفت على أنها ‪ ":‬جميع أنواع الخدمات التي من غير الممكن استغاللها إال في إطار جماعي تتوفر بشكل‬

‫إجباري وفق قاعدة المساواة التي ينص عليها القانون و يكون من الضروري استغاللها بمعزل عن قواعد السوق ‪،‬‬

‫‪3‬‬
‫تتحمل الدولة مسؤولية توفيرها و القيام بها من حيث أداءها و مراقبتها‪".‬‬

‫‪////////////////////////////////-2‬‬
‫جدير بالذكر أن مفهوم الخدمة العامة ظهر بداية في الو م ا في قطاع االتصاالت مجال الهاتف ‪،‬و كان أول من استعمل العبارة رئيس‬
‫الشركة األمريكية للهاتف و التلغراف تيودور فايول (الموسوعة االلكترونية)‪.‬كما يطلق عليها مصطلح "الخدمة المدنية" في المفهوم الضيق‬
‫للخدمة العمومية‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- J.////////////////////////‬‬

‫‪5‬‬
‫و عرفت أيضا أنها كل وظيفة يكون أداؤها مضمونا و مضبوطا و مراقبا من طرف الحاكمين‪،‬ألن تأدية هذه‬

‫الوظيفة تعد أم ار ضروريا لتحقيق تنمية الترابط االجتماعي‪ ،‬وهي من طبيعة ال تجعلها تتحقق كاملة إال بفضل‬

‫تدخل قوة الحاكمين‪.1‬‬

‫أما من حيث البعد االجتماعي فانه يركز على عنصر المجانية و التضامن خدمة للمجتمع و التركيز على قيم‬

‫المساواة في تعريفه للخدمة العمومية ‪.‬‬

‫في حين المقاربة االقتصادية للمفهوم ‪ :‬فرغم التأكيد على وجود هذا المفهوم ضمن أدبيات النظريات االقتصادي إال‬

‫أن اختالف التوجهات الفكرية طبعت هذا المفهوم بالنظر إلى أن البعض يدعو لتدخل الدولة في النشاط االقتصادي‬

‫وهناك من يدعم قانون العرض و الطلب و المنافسة‪.‬‬

‫من جهته االتحاد األوروبي تطرق لمفهوم الخدمة العمومية بشكل مكثف و اعتبرها مفهوما ديناميكيا و مرنا ‪،‬يسهر‬

‫على إمكانية اتخاذ التزامات المنفعة العامة بعين االعتبار و التطور السياسي و االجتماعي و االقتصادي و‬

‫التكنولوجي‪ ،‬كما يسمح بالتكيف المنتظم لهذه االلتزامات مع تطور احتياجات المواطن‪...‬لذلك يمكن إعادة تعريفه‬

‫‪2‬‬
‫باستمرار لتكييفه مع المحيط االجتماعي و االقتصادي و التكنولوجي"‪.‬‬

‫المشرع الجزائري من جانبه لم يتطرق عموما لتعريف الخدمة العمومية ‪،‬بل لطرق تحسينها( وهو ما سنأتي عليه‬

‫الحقا‪.‬‬

‫غير أن بعض القوانين الحديثة المنظمة لبعض القطاعات قدمت تعاريف محددة‪ ،‬و مثاله القانون المحدد للقواعد‬

‫العامة المتعلقة بالبريد و االتصاالت االلكترونية(‪،) l8-04‬حيث جاء في مادته ‪ l0‬فقرة ‪ l6‬و‪ ": l7‬خدمة‬

‫االتصاالت االلكترونية للجمهور هي كل خدمة تتمثل كليا أو أساسا في تزويد الجمهور باالتصاالت االلكترونية و‬

‫كذا الخدمات التي تستعمل قدرات شبكات االتصاالت االلكترونية و التي تنص زيادة على خدمة االتصاالت‬

‫االلكترونية القاعدية وظائف المعالجة و التخزين"‪.3‬‬

‫‪1‬‬

‫‪6‬‬
‫و بالتمعن في هذه التعريفات نستخلص أن الخدمة العمومية جاءت لسد حاجة ضرورية عامة‪،‬و هو ما استدعى‬

‫‪1‬‬
‫إنشا ء مرافق عمومية متنوعة‪،‬و أن الدافع األساسي لوجود الخدمة العمومية هو تحقيق المصلحة العامة‪.‬‬

‫الفرع الثاني ‪:‬أنواع الخدمات العمومية ‪،‬و أسسها‬

‫تظم الخدمة العمومية مجموعة كبيرة و غير متجانسة من الخدمات الجماعية المنظمة من طرف الدولة (الفقرة‬

‫األولى) كما تقوم على مبادئ عديدة( الفقرة الثانية)‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬أنواع الخدمات العمومية ‪:‬تصنف الخدمة العمومية تصنيفات عديدة بحسب الزاوية التي ينظر إليها‪.‬‬

‫*فمن حيث نوع الخدمة هناك‪ :‬الخدمات اإلدارية (كخدمة الوثائق اإلدارية بالبلديات ‪،‬و خدمات اجتماعية و ثقافية‬

‫كالتمدرس اإلجباري ‪،‬و خدمات صحية كالتلقيح‪...‬و خدمات مرتبطة بسيادة الدولة كالعدالة واألمن ‪...‬‬

‫و خدمات ذات طبيعة اقتصادية كالنقل ‪،‬التزود بالمياه ‪،‬الكهرباء و الغاز‪.‬‬

‫*أما من حيث تحمل تكلفة الخدمة ( للتذكير فالخدمة العمومية ال تعني المجانية دائما)فهناك ثالثة أنواع‪:‬‬

‫أ‪ /‬خدمة بدون مقابل (مجانية) ال تسعى الدولة لتحقيق الربح في مثل هذه المشاريع(لكن ال يعني أنها خاسرة فاألمر‬

‫يحسب بالنظر لتوازن اإليرادات و النفقات)‪.‬‬

‫وعليه فهذا النوع من الخدم ات تتجمل تكلفته الخزينة العمومية و مثال ذلك األمن ‪،‬اإلنارة العمومية‪،‬التلقيح‪)...‬‬

‫ب‪ /‬خدمة بمقا بل ‪ :‬وينطبق ذلك على الخدمات ذات الطبيعة االقتصادية لذلك فالتكلفة تدفع على عاتق المستفيد‪-‬‬

‫المستهلك‪.2‬‬

‫ج‪/‬خدمة مدعمة ‪:‬تكلفة الخدمة تكون مشتركة بين المستفيد و الدولة بنسبة تحددها القوانين و التنظيمات مثل النقل‬

‫العمومي بما فيه النقل الجماعي ‪،‬السكن‪،‬السلع واسعة االستهالك‪...‬‬

‫*من زاوية أخرى يذهب االقتصاديون‪ -‬و بالتركيز على مفهوم التسويق‪ -‬إلى تصنيف الخدمة العمومية إلى ‪:‬‬

‫‪ -‬خدمات تحتاج للتسويق و هي عموما الخدمات ذات الطبيعة االقتصادية ‪.‬و خدمات ال تحتاج للتسويق و هي‬

‫‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫‪7‬‬
‫باقي أنواع الخدمات األخرى‪.1‬‬

‫قصارى القول و مهم ا تنوعت الخدمات العمومية فهي تبقى تشترك في كونها نشاطا غير ملموس ‪ ،‬وهي أهم ميزة‬

‫تميزها عن السلع‪ ،‬لذلك فهي أقل ترويجا ‪ ،‬وكذلك ال يمكن تملكها فتقديم الخدمة ال يعني نقل ملكيتها للمستفيد أو‬

‫التصرف فيها ‪،‬و ذلك على عكس السلع بالنسبة للمستهلك‪.2‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬أسس الخدمة العمومية‬

‫إن قيام المرافق العامة بمهامها في تسيير نشاطات الخدمة العمومية يستند لمجموعة من المبادئ التي تحكمه األمر‬

‫الذي ساعد على تحقيق الخدمة لألهداف التي تسعى إليها و أهمها تحقيق المصلحة العامة‪ .‬و أهم هذه المبادئ‪:‬‬

‫أ‪ /‬مبدأ المساواة‬

‫يعتبر مبدأ المساواة مبدأ قانونيا قارا‪،‬بل أضحى من حقوق اإلنسان أقرته الدساتير المتعاقبة قي الجزائر ‪،‬و ما مبدأ‬

‫المساواة في االنتفاع بالخدمات إال امتداد و تطبيقا له ‪ ،‬ومعناه أن تقدم الخدمة لجميع المرتفقين على قدم المساواة‬

‫حد‬
‫ما دامت في مراكز قانونية و ظروف مماثلة و هو ما يضمن تحييد اإلدارة و تحييد الخدمة العمومية في ّ‬
‫‪3‬‬

‫العمومية‪،‬فإن تقديمها ينبغي أن يكون متاحا‬


‫ّ‬ ‫ذاتها‪.‬فإذا كان تحقيق المصلحة العامة هو الباعث األول لتقديم الخدمة‬

‫للجميع دون تمييز و بالكيفيات و اإلجراءات نفسها ‪.4‬‬

‫ب‪/‬مبدأ االستمرارية‬

‫وهو المبدأ الذي يشكل قاعدة هامة لكثير من نظريات القانون اإلداري كالوظيفة العامة ‪،‬الق اررات اإلدارية و العقود‬

‫اإلدارية‪...‬إلخ‪ ،‬و معناه أن تقدم الخدمة بشكل مستمر و دون توقف أو انقطاع لتلبية حاجات ذات منفعة عمومية‬

‫ضرورية لحياة المجموعة الوطنية‪،‬فاالنقطاع أو التوقف في الخدمة ينجر عنه عواقب و أضرار تقيم مسؤولية‬

‫المرفق‪ ،‬لذلك يقال أن االستم اررية في تقديم الخدمة هي من رو المرفق العام‪ .5‬و اعتبرها القضاء اإلداري الفرنسي‬

‫من النظام العام‪ ،‬يجب ضمانها في حالة تفويض المرفق العام‪،‬و هو مكرس بصفة مباشرة أو غير مباشرة بمقتضى‬

‫‪8‬‬
‫أحكام تشريعية و تنظيمية ‪،‬وهذا ما أقره محافظ الحكومة الفرنسي ‪ Tradieu‬في قرار مجلس الدولة المؤرخ قي ‪7‬‬

‫‪1‬‬
‫أوت ‪، l907‬حيث لخص قائال ‪':‬إن مبدأ االستم اررية هو سبب وجود المرفق العام'‬

‫ج‪/‬معيار التكيف و التطور‪:‬و يعني قابلية الخدمة العمومية للتغير و التطور و التكيف مع التطور المستمر‬

‫لالحتياجات المواطن كما وكيفا‪ ،‬وأن تتماشى الخدمة المرفقية مع التغيرات االقتصادية و االجتماعية و التقنية و‬

‫التكنولوجية المتسارعة و تطور الطلب االجتماعي ‪ ،‬و إال يقع انفصال بين الخدمة المقدمة و االحتياجات العامة‬

‫التي تسعى إلى تغطيتها‪ ،‬وبهذا جاء المرسوم ‪ 2 l3l-88‬من خالل المادة ‪ 6‬منه التي جاء فيها‪ ":‬تسهر اإلدارة دوما‬

‫على تكييف مهامها و هياكلها مع احتياجات المواطن و يجب أن تضع تحت تصرف المواطن خدمة جيدة"" ‪.‬‬

‫أما المادة ‪ 3/2l‬فقد نصت "‪...‬و يجب عليها ‪...‬أن تطور أي إجراء ضروري لتتالءم دوما مع التقنيات الحديثة في‬

‫التنظيم والتسيير"‪.‬‬

‫وهي المساعي التي من أجلها بادر السيد رئيس الجمهورية إلنشاء المرصد الوطني للمرفق العام بموجب المرسوم‬

‫‪3‬‬
‫الرئاسي( ‪.) l6-93‬‬

‫لذلك يقر االتحاد األوربي على أن مفهوم الخدمة يمكن إعادة صياغة تعريفه باستمرار التكيف مع المحيط‬

‫‪4‬‬
‫االجتماعي و االقتصادي و التكنولوجي‪. ..‬‬

‫د‪/‬مبدأ المجانية "النسبية"‬

‫لطالما ارتبط نظريا مفهوم المجانية بالخدمة العمومية بالنظر الحتكارها من طرف الدولة لتحقيق المنفعة العامة ‪،‬‬

‫غير أن التطور الحاصل في انفاقات الدولة و تدخلها الموسع لضمان تلبية الطلب االجتماعي و الحاجات العامة و‬

‫هي ضمان الرفاهية جعل من مبدأ مجانية الخدمة غير عملي ‪ ،‬لذلك فالثابت أن المجانية يمكن أن تكون نسبية ال‬

‫مطلقة ‪،‬بمعنى تختلف بحسب نوع الخدمة المقدمة‪ ،‬وقد سبق لنا التوضيح في أنواع الخدمات تبيان ‪:‬الخدمات‬

‫المجانية و المدعمة و غير المدعمة و التي تختلف بحسب نوع الخدمة و طبيعة المرفق الذي يسهر على تقديمها ‪،‬‬

‫‪ -2‬المؤرخ في ‪ 4‬جويلية ‪ l988‬الجريدة الرسمية رقم ‪ 27‬المنظم لعالقات اإلدارة و المواطن ‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫فعادة ما تكون ما تكون خدمات المرافق الصناعية و التجارية بمقابل ألنها تخضع لمبدأ الربح و الخسارة ‪ ،‬على أن‬

‫يكون المقابل معقوال‪.‬‬

‫أما المرافق ذات الطبيعة اإلدارية فخدماتها عادة ما تكون مقابل رسوم أو إتاوات رمزية تحدد الدولة قيمتها و‬

‫تحيينها كلما أرادت ‪ ،‬ومثال ذلك رسم التطهير‪ 1‬و الذي يدفعه المواطن للبلدية مقابل رقع القمامات المنزلية ‪.‬‬

‫ه‪ /‬مبدأ الشمولية و التضامن‬

‫و يقصد بالشمولية أن تشمل الخدمة كل المواطنين و أن تغطي كل احتياجاتهم بنفس الجودة ‪،‬لذلك يشترط قوانين‬

‫االتحاد األوروبي التغطية اإلقليمية الكاملة للخدمة بثمن معقول‪.‬‬

‫و قد جاء في القانون رقم ‪ 94-l8‬المتعلق بالبريد و االتصاالت االلكترونية في مفهوم الخدمة الشاملة لالتصاالت‬

‫االلكترونية المادة ‪/l0‬ف ‪ :l7‬مجموع الحد األدنى من الخدمات بما فيها خدمة أو عدة خدمات ذات قيمة مضافة‬

‫تحدد عن طريق التنظيم ذات نوعية معينة و متوفرة لجميع السكان على مستوى التراب الوطني بأسعار متاحة‪.‬‬

‫أما التضامن ‪ ،‬فتوفير الخدمة بحد ذاتها تعبير عن وجود تضامن اجتماعي في المجتمع تتولى الدولة تجسيده في‬

‫مساعيها لمحاربة الفقر و الحرمان مما يحفز الشعور بالمواطنة و تقليص الفوارق بين المواطنين بسبب الدخل أو‬

‫اإلعاقة‪...‬‬

‫و‪/‬االحتكار الطبيعي‬

‫لطالما ارتبطت الخدمة العمومية بوجود الدولة و تطور وظائفها ‪،‬لذلك فقد احتكرت المرافق العمومية نشاطات‬

‫أن التطور الحاصل و تشعب وظائف الدولة أثر على نوعية هذه الخدمات وهو ما استدعى‬
‫الخدمة العمومية ‪،‬غير ّ‬

‫تدخل الخواص لتقديم بعض الخدمات بتفويض من الدولة ‪،‬و ذلك من خالل تبني مبدأ المنافسة المضبوطة'‬

‫‪،' régulé‬التي أصبحت من متطلبات الخدمة ‪ ،‬ما عدا تلك المتعلقة بالسيادة الوطنية ‪ ،‬وبهذا يقتصر دور الدولة‬

‫على تطبيق سياسة الضبط حفاظا على خصوصيات الخدمة العمومية ‪.‬‬

‫ي‪/‬الفعالية في تقديم الخدمة‬

‫‪10‬‬
‫مع مالحظة التطورات الحاصلة و تطور الطلب االجتماعي و مستوى المعيشة ‪،‬لم يعد يقتصر األمر على‬

‫الخدمة بل يشترط الفعالية في الخدمة و نوعيتها‪ ،‬ال سيما بعدما أصبحت الخدمة العمومية حقال خصبا للمنافسة ‪.‬‬

‫ن‪/‬الرقابة العامة‬

‫يخضع تقديم نشاطات الخدمة العمومية لرقابة متعددة سواء قي شكل وصاية (من قبل أجهزة الدولة) أو من قبل‬

‫المجتمع المدني باعتباره مرتفقا و مستفيدا ‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬مفهوم اإلدارة‬

‫تعد اإلدارة حجر األساس لبناء أي مجتمع و تقدمه‪ ،‬ويتمثل هدفها في االستخدام األمثل للموارد المتوفرة و‬

‫المتاحة سواء كانت مادية أم بشرية ‪ ،‬ضمن مفاهيم الكفاءة و الفعالية ‪ ،‬فاإلدارة الناجحة تسعى دائما لتجنب‬

‫اإلسراف و الفوضى و االضطراب‪.1‬‬

‫بذلك تبقى اإلدارة عنص ار فعاال في نجا المؤسسات و الدول و تحقيق االستقرار و النمو مرهون بها‪ ،‬فهي التي‬

‫تمكن من التوزيع األمثل للموارد و التوفيق بينها و تسييرها التسيير الفعال بما يخدم األهداف التنظيمية و أهداف‬

‫األفراد و المجتمع‪.‬‬

‫الفرع األول ‪ :‬أهم التعريفات‬

‫تباينت التعريفات بشأن اإلدارة ‪،‬ويرجع ذلك الختالف وجهات نظر المفكرين و المنظرين لهذا العلم‪ ،‬باإلضافة‬

‫الختالف العصور التي تم فيها تقديم هذه التعريفات ‪.‬‬

‫ففي القديم البعيد عرفت اإلدارة كمهنة ‪:‬أي نشاط قديم قدم وجود اإلنسان نفسه تعنى بتنظيم الجهود الجماعية‬

‫‪2‬‬
‫لالستفادة من الموارد المتاحة لتحقيق أهداف محددة ‪.‬‬

‫أما في العصر الحديث فقد تم تقنين هذا المفهوم كعلم مع األخذ بعين االعتبار التطورات الحاصلة في الفكر‬

‫اإلداري و تطور التكنولوجيا المستخدمة‪.‬‬

‫‪ -2‬مثال الحضارة السومرية (‪ 0555‬ق م) اهتمت بحفظ السجالت والوثائق ‪،‬و هي أحد عناصر النظام اإلداري السليم الذي تهتم به اإلدارة‬
‫المعاصرة ‪،‬أما الحضارة المصرية القديمة (‪ 0555- 0555‬ق م )في مجال البناء ‪،‬فاألهرامات شاهدة على دقة التخطيط و التنظيم و الرقابة‬
‫‪،‬وهي الوظائف اإلدارية األساسية‪،‬باإلضافة للحضارة الصينية( ‪ 055‬ق م ) في مجال العسكر‪.‬راجع ‪:‬‬
‫‪11‬‬
‫فقبل القرن ال‪ 29‬لم يظهر ما يسمى علم اإلدارة ‪ ،‬وارتبط ظهوره بالثورة الصناعية و ما صاحبها من تحول للعمل‬

‫من يدوي إلى ميكانيكي و اتساع األسواق بازدياد حجم االستثمارات‪...‬الخ‪.‬‬

‫وقد ارتبط ظهور علم اإلدارة في مجال المشروعات الخاصة بالمهندس الفرنسي هنري فايول (‪ )l9l6‬الذي أضحى‬

‫رائدا لعلم اإلدارة كعلم له قواعده و أصوله‪.‬‬

‫وبهذا الصدد يقول فايول ‪":‬يجب على اإلدارة أن تستفيد من قواعد التسيير الخاص "لذا عليها أن تخضع لنفس‬

‫القواعد التي تخص القطاع الخاص "‪ ،‬فبالنسبة إليه كل المشروعات تطر نفس اإلشكاالت و بالتالي تحتاج لنفس‬

‫‪1‬‬
‫الحلول‪.‬‬

‫هذه األفكار طبقت في الو ‪.‬م ‪.‬أ مونها تتميز بنظام ال يميز بين التسيير العام و التسيير الخاص‪ ،‬و المؤسسات‬

‫العامة و المؤسسات الخاصة تخضع لنفس القانون‪.‬‬

‫من جهته أبو اإلدارة العلمية "تايلور عرفها في كتابه "مبادئ اإلدارة العلمية "على أنها‪ :‬المعرفة الدقيقة لما تريد من‬

‫رجال اإلدارة أن يقوموا به ‪،‬ثم تتأكد من أنهم يقوموا بالعمل على أحسن طريقة و بأقل تكلفة"‪.2‬‬

‫و عرفها أستاذ اإلدارة بيتر دراكر‪:‬أن اإلدارة عنصر متعدد الوظائف فهو يدير العمل و المديرين و العمال على‬

‫السواء‪.‬‬

‫باإلضافة لدراسات فايول و جيلبرت ‪ Gilberth‬و آخرون‪.‬و إذا ما أردنا تبسيط المفهوم فيمكن القول أن اإلدارة هي‬

‫علم استخدام كافة الموارد المتاحة لتعظيم الفائدة و تحقيق قيمة تنافسية عالية (محليا ووطنيا) من خالل خطة زمنية‬

‫لتحقيق أهداف عامة‪.‬‬

‫أو يمكن القول أيضا أن اإلدارة هي مجموعة من األعمال والنشاطات و القواعد التي تهدف للحصول على الغايات‬

‫و األهداف المطلوبة و المخطط لها من العمل و الجهد الجماعي للقوى العاملة ضمن الوظائف التي تضمن تحقيق‬

‫األهداف و التي تلبي رغبة اإلدارة في اإلنتاجية الفعالة‪.3‬‬

‫الفرع الثاني‪:‬أهمية اإلدارة‬

‫‪12‬‬
‫من المؤكد أن لإلدارة أهمية كبيرة للمؤسسات باختالف أنواعها و أحجامها و هذا لما تضمنه من تسيير حسن‬

‫للموارد و استشراف للمستقبل ‪ ،‬وتظهر أهميتها للعوامل التالية ‪:‬‬

‫‪ ‬الزيادة المتنامي ة لعدد السكان و ما يقابلها من شح في الموارد الطبيعية استلزم ضرورة البحث عن أفضل الطرق‬

‫إلدارة و استخدام تلك الموارد و التخطيط لها و إدارتها إدارة علمية" و حير مثال على ذلك اإلدارة اليابانية يرمز‬

‫لها بحرف ‪ J‬فاليابان دولة فقيرة باإلمكانيات الذاتية و الموارد سواء من حيث الثروات الطبيعية أو المساحة‬

‫الزراعية‪ ،‬إذ تستورد ما يقارب‪ %99‬من مداخيل اإلنتاج فيها ‪،‬و مع ذلك تعد أرقى الدول من حيث الكفاءة‬

‫اإلنتاجية و مستوى التقدم االقتصادي و االجتماعي‪.‬‬

‫‪ ‬اتساع حجم المنظمات ‪ les organisations‬و ضرورة استخدام أعداد متزايدة من القوى العاملة مما أظهر‬

‫‪1‬‬
‫حاجة ملحة إلدارة علمية تستطيع التعامل مع إف ارزات هذا التزايد‪.‬‬

‫‪ ‬شدة التنافس المحلي و الدولي‪ :‬فضرورة تطور و زيادة اإلنتاج خلق ديناميكية في السوق المحلي ترتكز على‬

‫قواعد المنافسة لسد حاجات ملحة تحددها السوق ‪،‬لذلك أضحى من الضروري تقديم د ارسات تسويقية‬

‫اقتصادية تقوم بها إدارات متخصصة قادرة على مواجهة هذه التحديات و مؤهلة إلجراء دراسات و أبحاث‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫‪ ‬التطور التقني و التكنولوجي الذي أصبح ميزة هذا العصر و آثاره الواضحة على العملية اإلدارية‪.‬‬

‫الفرع الثالث‪ :‬اإلدارة كعلم‬

‫ثار جدل حول ما إذا ك انت اإلدارة علما يقوم على أسس و نظريات علمية ‪،‬أم فن يستند للخبرة و 'الشطارة' و ال‬

‫أن العلم هو معرفة منظمة يتم الوصول إليها بأساليب علمية مثل المالحظة و التجريب و‬
‫يحتاج أن يدرس‪ .‬فإذا علمنا ّ‬

‫االستقصاء ‪،‬كما أن العلم يفرز قوانين و نظريات و مفاهيم ‪.‬‬

‫إذا ربطنا مفهوم اإلدارة بمفهوم العلم فنالحظ أن هناك نظريات و مفاهيم إدارية ثبتت صحتها بالتطبيق العملي‪،‬كما‬

‫ظهرت نتائج مؤكدة تثبت العالقة االيجابية بين االلتزام بهذه النظريات و بين زيادة اإلنتاج الذي هو هدف كل‬

‫النظريات‪،‬إذن فاإلدارة علم ‪،‬و الدارس لعلم اإلدارة كالدارس ألي علم آخر من العلوم‪.‬‬

‫‪.‬‬
‫‪13‬‬
‫غير أن هذا القول ال ينفي من جهة أخرى استناد علم اإلدارة على الجانب الشخصي حيث تتحكم عوامل عديدة فيه‬

‫مثل الخبرة و التجريب ‪،‬و ذلك ألن اإلدارة علم إنساني‪ 1.‬لنخلص للقول أن اإلدارة علم و فن في آن واحد‪.‬‬

‫الفرع الرابع ‪:‬مقومات اإلدارة العامة‬

‫تقوم اإلدارة على التفاعل بين عدة أسس و مقومات‪،‬وهي ‪:‬‬

‫أ‪ /‬األساس القانوني‪ :‬ويشمل القانون بمعناه الواسع من نصوص تشريعية و تنظيمية أو عرفية الذي يحدد حقوق اإلدارة‬

‫و التزاماتها‪.‬‬

‫ب‪/‬األساس التنظيمي ‪:‬و يتمثل في الهيكل التنظيمي السليم الذي تقوم عليه‪،‬وذلك على أسس علمية تراعى فيها قاعدة‬

‫التخصيص و تقسيم المهام و المسؤوليات في شكل هرمي تزيد فيه السلطة والمسؤولية كلما ارتفعت نحو القمة اإلدارية‪.‬‬

‫و المفروض يجب مراعاة المرونة في هذا التنظيم و القابلية للتطور‪،‬و تحديد االختصاصات و عدم التضارب و‬

‫وضو المسؤولية ‪.‬‬

‫ج‪/‬األساس البشري‪ :‬وهو عنصر هام جدا لقيام اإلدارة العلمية الصحيحة على أساس الخبرة و الكفاءة ال المحسوبية‬

‫و‪،....‬لذلك البد من وضع سياسية دقيقة للموارد البشرية‪.‬‬

‫د‪ /‬األساس المالي ‪:‬فاإلعتمادات المالية ضرورية ألي مشروع و تسييره وتجهيزه‪ ،‬لذلك البد أن يكون التمويل وفق‬

‫‪2‬‬
‫إجراءات مرنة تسهل حركة القادة اإلداريين في تنفيذ المشروعات‪.‬‬

‫المطلب الثالث‪:‬المنظمات العمومية‬

‫يرتبط مفهوم الخدمة العمومية بمفهوم المنظمات العمومية باعتبار األولى غاية أساسية قي إطار بلوغ الهدف األساسي‬

‫إال وهو تحقيق المصلحة العمومية ‪.‬‬

‫و بتحديد مفهوم المنظمات العمومية نتمكن من التعرف على مجال تطبيق مفهوم المناجمنت العمومي ‪.‬‬

‫لذلك سنحاول التطرق ألهم المفاهيم التي وردت بشأن المنظمات العمومية (الفرع األول) ثم التطرق الستكمال بناء هذا‬

‫‪.‬‬
‫‪ -‬هناك ميزانيات متعددة لضمان التمويل إلى جانب الميزانية العامة ‪،‬فهناك الميزانية المستقلة ‪،‬و الميزانية الملحقة‪،‬كما يمكن اعتماد ما‬
‫‪2‬‬

‫يسمى حسابات الخزينة الخاصة‪.‬‬


‫‪14‬‬
‫المفهوم ‪ ،‬لخصائص هذه المنظمات السيما بالنظر لمنظمات االعمال (الفرع الثاني) ثم نستعرض أهم التصنيفات التي‬

‫غرفتها المنظمات العمومية‪(.‬الفرع الثالث)‪.‬‬

‫الفرع األول‪ :‬تعريف المنظمة العمومية‬

‫بحسب المعيار العضوي فالمنظمة العمومية هي كل هيئة أو جهاز يقوم بإنتاج أو توفير خدمة عمومية بغرض إشباع‬

‫حاجات عامة من حاجات المجتمع ‪،‬على أن تكون ملكيتها للدولة كليا أو جزئيا‪ .‬أما بحسب المعيار الموضوعي فهي‬

‫كل مشروع يعجز أو يحجم األفراد أو القطاع الخاص عموما عن القيام به إما لضخامة موارده أو إمكانيته أو لقلة أو‬

‫انعدام الربح المتوقع تحقيقه في اآلجال القصيرة ‪.1‬‬

‫وهناك من يرى بأن المنظمة العمومية هي كل هيئة تقوم بأداء خدمة عامة تنشئها الدولة تحقيقا للصالح العام ‪ ،‬وهي‬

‫خاضعة لسلطتها اإلدارية التي تحدد نظامها و تمويلها ‪ ،‬وتأخذ هذه المنظمة أشكال عديدة( إدارية ‪،‬مهنية –اقتصادية‬

‫‪2‬‬
‫‪...‬الخ‪.‬‬

‫و للتدقيق يمكننا استيضا مفهوم المنظمة العمومية بالنظر إلى مفهوم منظمة األعمال كمفهوم نقيض لها ‪.‬‬

‫فمنظمة األعمال تعرف على أنها وحدة اقتصادية تضم أكثر من شخص و تستخدم موارد(عناصر اإلنتاج) لتحولها إلى‬

‫مشروع عن طريق قيامها بأنشطة مختلفة بهدف إشباع حاجات و رغبات أبناء المجتمع مقابل ربح يؤمن استم ارريتها و‬

‫تطورها‪.‬‬

‫و بالتالي فمنظمة األعمال هي مركز إشباع لحاجات شريحة معينة من أفراد المجتمع وفق معايير معينة‪ ،‬و تعد قوة‬

‫اقتصادية إلى جانب كونها قوة بشرية (تجمع بشري) وهي تأخذ أشكاال متعددة مثل شركات األشخاص بأنواعها ‪،‬و‬

‫شركات األموال‪. 3‬‬

‫‪.‬‬

‫‪15‬‬
‫ومن هذا التعريف يتضح الفرق الواسع بين منظمات االعمال و المنظمات العمومية من عدة جوانب أهمها‪ :‬الهدف‬

‫أو الغاية لكل نوع من هذه المنظمات ‪ ،‬والوسائل و التمويل و ملكية المشروع‪...‬الخ ‪.‬و هذه النقاط نتعرض لها الحقا‬

‫بالتفصيل في المبحث الثاني‪.‬‬

‫الفرع الثاني ‪ :‬خصائص المنظمات العمومية‬

‫من المعلوم أن انتشار المنظمات العمومية و توسعها عرف ازدها ار في ظل األنظمة االشتراكية التي اعتمدت عليها بكل‬

‫أساسي لتحقيق التنمية االجتماعية و االقتصادية ‪،‬غير أن انهيار األنظمة االشتراكية لم ينه المنظمات العمومية ‪،‬بل‬

‫بقيت محافظة على كيانها في كثير من الدول حتى الرأسمالية‪ ،‬و توسعت و أخذت أشكاال و أدوا ار جديدة ‪ 1‬تجعل منها‬

‫أداة هامة في البناء االقتصادي و االجتماعي للمجتمع ‪،‬و أداة للحفاظ على التوازنات األساسية و تنفيذ السياسات‬

‫العامة‪ .‬ومن أهم هذه الخصائص(و التي أسهب في شرحها الباحثان) ‪( Verrier et VIRATO‬نذكر‪:‬‬

‫‪ ‬تتبع غايات خارجية ‪ :‬إذا كانت منظمات االعمال تتبع بشكل ذاتي أهداف و غايات داخلية تخدم وجودها‬

‫وبقاءها وتطورها ‪ ،‬فإن المنظمات العمومية تبقى خاضعة لتحقيق أهداف خارجية محددة و مفروضة بالقانون‬

‫( كالدفاع و األمن الوطنيين‪ ،‬التعليم‪،‬الصحة ‪،‬التضامن االجتماعي‪ )..‬فالبلدية مثال ال يمكنها التخلي عن هذه‬

‫المهام ‪،‬كما ال يمكن للمستشفى أن يغير إستراتجيته الصحية بإستراتيجية الفندقة كما هو الحال في القطاع‬

‫الخاص ‪.2‬‬

‫فإستراتيجية اإلدارات هي مقيدة بالتحديد الخارجي ألهداف المصلحة العامة‪ ،‬و في سبيل تحقيق ذلك فهي تملك‬

‫وسائل إكراه على من حولها بواسطة القوانين ‪،‬الضبط‪،‬الضرائب‪ ،....‬وهي مؤمنة بديمومة مهامها ‪le pérennité‬‬

‫‪3‬‬
‫‪،‬لذلك فهي غير معرضة لخطر فنائها‪.‬‬

‫‪ ‬غياب مرودية رأس المال ‪:‬فالمنظمات العمومية غير خاضعة لمفهوم المردودية المالية في تدخالتها‪،‬فالقيمة‬

‫المضافة لرأس المال المستثمر ليس معيا ار لتحليل المشاريع المنجزة ‪،‬فمعظم اإلدارات العمومية هي في حالة‬

‫‪1‬‬

‫‪16‬‬
‫إفالس و عجز مالي (البلديات مثال)‪،‬لذلك فإن نشاط المنظمات العمومية ال يقدر بسعر السوق و مثال ذلك‬

‫‪1‬‬
‫بناء المستشفيات و المدارس‪...‬الخ‬

‫‪ ‬انعدام المنافسة في ممارسة نشاطها‪ :‬و ذلك بفعل القوانين و النصوص التنظيمية التي تستبعد المبادرة‬

‫الخاصة في مثل هذه النشاطات ‪،‬األمر الذي ينفي من االحتكار أو شبه االحتكار على هذه النشاطات ينتج‬

‫عنه حسب المنظرين استفحال للبيروقراطية السلبية في المنظمات العمومية و يجعل من الصعب تكيف النشاط‬

‫اإلداري مع معطيات البيئة التي يتم فيها‪.‬‬

‫‪ ‬تعقد و عدم تجانس المهام الموكلة للمنظمات العمومية‪ :‬فمثال البلدية تسير عدة مهام (النفايات ‪،‬التهيئة‬

‫العمرانية ‪،‬الثقافة ‪،‬األمن‪،‬السكن‪)...‬باإلضافة لتنظيم سلمي يطبع هذه المنظمات ‪.‬مثاله تنظيم الوظيف العمومي‬

‫يعرف تعقيدات كثيرة في السلم الهرمي و الرتب وهو ما يخلف ميوال نحو انقطاع لالستراتيجيات‬

‫( ‪.( verticalisation des problèmes et cloisement des stratégies‬‬

‫‪ ‬خضوع العمل اإلداري للسياسة‪ :‬فاألعمال التي تقوم بها اإلدارة تخضع للق اررات السياسية‪ ،‬ويظهر ذلك جليا في‬

‫فترات االنتخابات ‪،‬حيث تستغل المنظمات لتحقيق قيمة مضافة ‪،‬األمر الذي يقضي على عنصر المبادرة‬

‫لديها‪.‬‬

‫‪ ‬صعوبة قياس أداء المنظمات العمومية ‪،‬حيث يصعب إقامة موازنة بين ما تم التخطيط له و ما تم انجازه من‬

‫‪2‬‬
‫أهداف ليتم التعرف على مواطن الخلل و إعمال الرقابة‪.‬‬

‫الفرع الثالث‪:‬تصنيفات المنظمات العمومية‬

‫يختلف تصنيف المنظمات العمومية بحسب الزاوية التي تتم من خاللها الدراسة مع األخذ بعين االعتبار نشاط‬

‫المنظمة و طريقة تمويلها و طريقة تنظيمها‪ ،‬لكن مهما تباينت التصنيفات فإنها تلتقي في نقطتين أساسيتين‪:‬‬

‫‪ /l‬طبيعة ملكية هذه المنظمات و التي تعود كليا أو جزئيا للدولة ‪.‬‬

‫‪/2‬من حيث الهدف‪،‬حيث يبقى هدفها األساسي هو تقديم خدمة عامة‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪-idem .‬‬

‫‪17‬‬
‫و أبسط تصنيف قانوني ذلك الذي أقامه الفقه الفرنسي ‪،‬حيث يميز بين المنظمات العمومية بحسب نشاطها‪،‬فنجد‬

‫– المنظمات ذات الطبيعة اإلدارية ‪les administrations‬‬ ‫هناك ‪:‬‬

‫‪ -‬المؤسسات العمومية ‪ :les entreprises‬وتنقسم إلى ‪:‬‬

‫*مرافق عمومية ذات طابع تجاري و صناعي ‪.‬‬

‫*الشركات المختلطة‪.‬‬

‫و الفرق بين النوعين أن اإلدارة ال تبيع منتجاتها ‪،‬أما الثانية فتبيع منتجاتها الن المؤسسات العمومية سلعية‬

‫‪ 1،Marchandes‬بينما اإلدارات غير سلعية الن منتجاتها ذات منفعة عامة ال تقدر بسعر السوق ‪ ،‬بل تقدم مجانا‬

‫أو بسعر رمزي‪ ،‬كما هو الحال لبعض الخدمات العمومية( الصحة‪،‬التعليم‪،‬السكن‪ ، )....‬وهو ما ال تقدمه المؤسسة‬

‫العمومية ‪ .‬كل ذلك مع األخذ بعين االعتبار نشاط المؤسسة و مصادر تمويلها و طريقة تنظيمها‪.‬‬

‫و عمليا يتسع مفهوم المنظمات العمومية ليشمل كال من اإلدارات المركزية و الالمركزية‪ ،‬والهيئات االستشارية و‬

‫المؤسسات العمومية ومؤسسات االقتصاد المختلط وكل هيئة تابعة للدولة تعمل على إعداد و تقديم الخدمات و‬

‫السلع للمواطنين‪ ،‬وتعود ملكية هذه المنظمات للدولة‬

‫المبحث الثاني ‪ :‬مفهوم المناجمنت العمومي‬

‫يعتبر التسيير وظيفة أساسية في كل مستوى من مستويات المنظمات (العامة أو الخاصة ) يستعمل بمضمون‬

‫مختلف حسب الدول ‪،‬و يتضمن فكرة الرقابة و القيادة غالبا ‪،‬و أحيانا المتابعة المالية ‪.‬‬

‫والتسيير العموم ي له خصوصيات ترتبط بطبيعة المنظمات العمومية و ما لها من مهام وأدوار مشتقة من مهام‬

‫الدولة يسري على إدارات القطاع العام ‪،‬أو ما يسمى باإلدارة العمومية‪.‬‬

‫و مصطلح التسيير العمومي هو مرادف لمصطلح انجليزي ‪ public management‬مما يجعل مصطلح التسيير‬

‫و المناجمنت مرتبطان نوعا ما ‪ .‬هذا وقد اختلف الدارسون و الباحثون في إعطاء تعريف موحد و دقيق (المطلب‬

‫‪.‬‬
‫‪18‬‬
‫األول ) بعد تحديد أصوله ومميزاته(المطلب الثاني)‪ ،‬المصطلحين تسيير و مناجمنت يستعمل في أيامنا كثي ار لكن‬

‫ليس دائما بشكل منسجم ألن هذين المفهومين متقاربين عمليا ‪،‬لكن يبقى تحديد مفهومهما ليس باألمر السهل‪.‬‬

‫المطلب األول ‪ :‬تعريف المناجمنت العمومي و أصوله‬

‫الفرع األول‪:‬تعريفه‬

‫لمصطلح المناجمنت عدة مرادفات "اإل دارة العمومية "'التسيير العمومي' و إدارة الخدمة العمومية'‪ .‬ففي كثير من‬

‫الكتابات في هذا المجال يستعمل مصطلح اإلدارة بمعنى ‪ management‬كداللة على إدارة االعمال و اإلدارة‬

‫العمومية ‪.‬كما يستعمل مصطلح إدارة مرادف لكلمة ‪ administration‬باللغة الفرنسية أو لكلمة ‪management‬‬

‫و الذي يرى البعض أن أصله من الفرنسية القديمة و التي تعني فن القيادة و التوجيه والتحكم‪ . 1‬و باالنجليزية ‪to‬‬

‫وجه وتحكم و مصطلح التسيير العمومي باالنجليزية (‪ )public management‬و يرمز له ب‬


‫‪ manage‬و يعني ّ‬

‫‪ ( public management )PM‬ظهر ببعده الحالي في النصف الثاني من القرن ‪ l9‬مع أستاذ علم السياسة‬

‫‪ ) l9l3‬هذا‬ ‫و القانون الدستوري األمريكي ‪( thomas woodow nilson‬الذي أصبح رئيسا للو‪.‬م‪.‬أ سنة‬

‫يعرف فيه التسيير العمومي بأنه ‪ ':‬الغاية أو الهدف‬


‫األخير نشر بحثا بتاريخ ‪ l 887‬بعنوان 'دراسة اإلدارة العامة' ‪ّ ،‬‬

‫العملي للحكومة موضوعه إنجاز المشروعات العامة بأكبر قدر ممكن من الفعالية تماشيا مع رغبات األفراد و‬

‫حاجاتهم‪ ،‬و عن طريق اإلدارة العام ة توفر الحكومات حاجات المجتمع التي يعجز النشاط الفردي عن الوفاء بها"‪.2‬‬

‫األستاذ ‪ Gelinien‬يرى كذلك أن التسيير العمومي هو تنفيذ السياسة العامة للدولة عن طريق اإلدارات العمومية‬

‫أما االستاذ ‪ MC-NaMaRa‬فعرفه ‪:‬التسيير هو الوسيلة التي يتم من خاللها التنظيم العقالني لكل التغيرات‬

‫االجتماعية و االقتصادية و التكنولوجية و السياسية ‪ ،‬حيث يتم نشر هذا التنظيم في المجتمع من خالل إدارة‬

‫المنظمات العمومية"‪. 3‬‬

‫أما األستاذ ‪PG-Pergeron‬فيرى أنه ‪":‬العملية التي بواسطتها نخطط‪،‬ننظم ‪،‬ندير و نراقب موارد المنظمة‬

‫للوصول إلى أهداف معينة"و هو طريقة عقالنية يتم بواسطتها التنسيق بين الموارد البشرية و المادية والمالية نحو‬

‫‪.‬‬
‫‪19‬‬
‫تحقيق أهداف معينة ‪،‬هذه الطريقة تترجم في عملية تتضمن تخطيط ‪ ،‬تنظيم ‪،‬إدارة و رقابة النشاطات بطريقة تؤدي‬

‫إلى مردود أفضل‪.1‬‬

‫من جهته الكاتب و الباحث الفرنسي الشهير جاك شوفاليي‪ J- Chevallier‬يعرفه من خالل أهدافه ‪:‬أن‬

‫المناجمنت العمومي يهدف أساسا لتحسين نوعية و جودة الخدمة عن طريق استخدام تقنيات جديدة في التسيير عن‬

‫طريق التقليل من صالبة التنظيم و تليين نظام االتصال مع البيئة الخارجية‪.2‬‬

‫أما األستاذ فوزي حبيش فقد عرفه بدوره على أنه‪':‬مجموع نشاطات و أعمال منظمة تقوم بأدائها قوى بشرية تعينها‬

‫السلطات الرسمية العامة نو توفر لها اإلمكانيات المالية الالزمة بهدف تنفيذ الخطط الموضوعة لها‪،‬و بالتالي تحقيق‬

‫األهداف العامة المرسومة لها بأكثر كفاية إنتاجية ‪،‬و أقصر وفت و أفل تكلفة '‪.3‬‬

‫و لما كان المناجمنت العمومي يحمل في طياته تجديدا ألساليب التسيير التقليدية ‪ ،‬فقد ارتبط مفهومه عند العديد‬

‫من الباحثين االنجلوسكسونيين بإعادة تكييف لوسائل التسيير مع أساليب و امتيازات اإلدارة ‪ ،‬فكما يوجد مناجمنت‬

‫صناعي و مناجمنت سياحي ‪،‬فال بد من وجود مناجمنت اإلدارة العمومية ‪،‬و مثال ذلك االعتماد على مفاهيم‬

‫كالتخزين (كما هو الحال في المجال العسكري للدولة)و التسويق في المرافق العمومية (خاصة مرفق المياه)‬

‫و المحاسبة التحليلية في المرافق المحلية‪.‬‬

‫و في هذا السياق عرفته الباحث ‪ abessol B-Lucie‬بأنه ‪":‬استيراد لتقنيات من القطاع الخاص نحو التسيير‬

‫‪4‬‬
‫العمومي ‪...‬و االنتقال به من عملية تجميع للموارد إلى عملية استغالل للموارد‪.‬‬

‫بهذا المعنى فالمناجمنت العمومي أدى إلعادة تعريف اإلدارة العمومية و لمفهوم البيروقراطية ‪.‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬مميزات المناجمنت العمومي و أهدافه‬

‫مجال اهتمام المناجمنت هو البحث عن إجابة لسؤال أو أكثر بسيط في ظاهره ‪،‬معقد من حيث التطبيق العملي‪:‬‬

‫‪ -‬كيف نقود وننظم عمل جماعي فعال و ذو كفاءة ؟‬

‫‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫‪20‬‬
‫‪ -‬كيف نجد الحلول لتسيير شراكة متعددة األطراف للوصول ألفضل النتائج و أقل التكاليف؟‬

‫‪ -‬كيفية تحديد افصل توازن بين الموارد و الوسائل المتاحة ؟‬

‫‪ -‬بأية طريقة نستجيب لحاجيات المواطن و مستخدمي المرافق العمومية ؟‬

‫اإلجابة عن هاته التساؤالت هو في الحقيقة في صلب اهتمام علم المناجمنت العمومي ‪ ،‬لذلك فهو يتميز ببعض‬

‫المميزات‪:‬‬

‫* فهو يضمن وجود الدولة في وظيفة التسيير على مستوى المؤسسات و اإلدارات العمومية‪ ، 1‬ومختلف النشاطات‬

‫االجتماعية و الثقافية و التربوية السيما و أن المنظرين و المحللين( االقتصاديين و القانونيين و السياسيين) أكدوا‬

‫على ضرورة حضور الدولة في مثل هذه المهام العمومية تحت تسميات عديدة ( الدولة الضابطة‪،‬الرحيمة‬

‫‪،‬المساهمة ‪ ،‬المقاولة‪..‬الخ) ال سيما بعد األزمات االقتصادية التي عرفها العالم ‪ ،‬وهو ما يضفي على وظيفة‬

‫المناجمنت العمومي الطابع السلطوي‪ .‬الذي يعكس سلطة الدولة و يجسد برامجها السياسية ميدانيا‪.‬‬

‫وفي هذا السياق فهو يهدف لتحقيق جملة من األهداف ‪:‬‬

‫‪ -‬يؤكد على الهوية الجماعية باسم الدولة و رموزها (اللغة‪،‬الذاكرة الجماعية ‪ ،‬الثقافة ‪...‬الخ)‬

‫‪ -‬يثمن الحريات الفردية و الجماعية و يقر مبدأ التضامن و المساواة و يهدف لتحسين المستوى المعيشي‬

‫‪ -‬يعمل على تحسين سير وعمل المؤسسات و الهيئات العمومية و تنمية السياسات العمومية و تسيير المالية‬

‫العمومية من خالل ترشيد اإلنفاق العمومي و تخفيف تواجد الدولة إال فيما هو ضروري ‪ ،‬وترقية ثقافة النتائج ‪،‬‬

‫وهو ما يؤدي لمعرفة جيدة برغبات و حاجات المواطن بصفته فاعال عموميا‪ ،‬والبحث عن رضاه‪ ،‬وهذا ما‬

‫تسيير تأمليا أي قبل رسم األهداف يجب التفكير أوال في كيفية تحقيقها ومدى تقبلها‬
‫ا‬ ‫يجعل من المناجمنت ‪-‬‬

‫من طرف المواطن‪.‬‬

‫* المناجمنت العمومي هو علم يطبق ضمن بيئة تتميز بالتعقيد و تعدد الفاعلين و الهيئات ‪،‬كما أنه يتماشى مع‬

‫إطار تشريعي و تنظيمي جد كثيف( الدستور‪ -‬القوانين المسيرة للدولة و مؤسساتها‪ -‬قوانين المالية‪...‬الخ ) وإن‬

‫‪21‬‬
‫كانت المقاربة الجديدة للمناجمنت العمومي الجديد تتجه لتقترب شيئا فشيئا من وساءل تسيير المؤسسات (المنشآت‬

‫) الخاصة بهدف ترقية الفعالية و المردودية في سبيل تلبية رغبات المرفق العام أو الحاجات االجتماعية ‪.1‬‬

‫* أنه تسيير تشاركي من خالل تسيير الموارد البشرية و مشاركة العاملين في اتخاذ الق اررات‪.‬‬

‫* أنه تسيير عالقات ‪ :‬انطالقا من أن اإلدارة العمومية تقدم خدمات عالئقية مرتبطة بالثقة ‪ ،‬األمر الذي يوحي بان‬

‫هدف التسيير العمومي هو تسيير عالقة ثقة مع المستخدمين بخصوص الخدمات المقدمة‪.2‬‬

‫الفرع الثالث‪:‬عالقة المناجمنت العمومي بالعلوم المجاورة‬

‫يعد المناجمنت العمومي علم جديد يتصل بعديد القطاعات االقتصادية و اإلدارية و السياسية ‪ ،‬وتتسع أهميته‬

‫لتمس مجاالت أخرى اجتماعية ن وثقافية ‪،‬وإنسانية‪...‬الخ‪ ،‬و إن كان يرتكز على ثالث مجاالت أساسية للبحث‬

‫و هي ‪ :‬القانون و االقتصاد و علوم التسيير‪ .‬لذلك فالشخص الممارس للمناجمنت العمومي عليه اإللمام بهذه‬

‫العلوم ذات الصلة ‪.‬‬

‫و باعتباره أحد فروع العلوم االجتماعية ذو طبيعة إنسانية‪ ،‬فهو على صلة بعديد العلوم االجتماعية أهمها‬

‫االقتصاد والسياسة و القانون والمحاسبة و علم الحاسوب‪...‬الخ‪.‬‬

‫أوال ‪ :‬عالقته بعلم االقتصاد‪ :‬يهدف علم االقتصاد إلى استغالل الموارد االقتصادية سواء أكانت مادية أم بشرية‬

‫بأقصى درجة من الكفاية إلشباع الحاجات اإلنسانية‪،‬و يلتقي هذا الهدف مع هدف علم المناجمنت العمومي‬

‫و المتمثل في تنسيق الموارد و الجهود لتحقيق أفضل استغالل اقتصادي لهذه الموارد‪.‬‬

‫‪ /2‬عالقته بعلم السياسة ‪:‬العلوم السياسية تعنى بفكرة السلطة و بوضع السياسات العامة للدولة ‪،3‬و تبحث في‬

‫شكل الحكم ‪ ،‬أما اإلدارة فمهمتها تنفيذ سياسة الدولة العامة التي يرسمها السياسيون بوسائلهم و إجراءاتهم الخاصة‬

‫وهي مهمة فنية ‪ ،‬فالعالقة هي عالقة تحديد هدف و تنفيذه ‪ ،4‬و قد ظل علم اإلدارة في نظر الكثيرين و لوقت‬

‫‪1‬‬
‫‪- ibid‬‬
‫‪.‬‬
‫‪ -‬السياسة العامة للدولة هي األهداف التي تقرر الحكومة تنفيذها في مختلف مجاالت النشاط التي تتدخل فيها الدولة‪،‬و تتنوع األهداف التي‬‫‪3‬‬

‫تعمل اإلدارة على تحقيقها ‪.‬و تظهر السيا سة العامة للدولة إما في صورة قرارات فردية (كقرار متعلق بتنظيم أحد المرافق العامة) و إما في‬
‫صورة قواعد قانونية أي نصوص عامة و مجردة سواء صدرت من البرلمان أو السلطة التنفيذية‪.‬‬

‫‪22‬‬
‫قريب أحد فروع علم السياسة لما بين العلمين من صلة قوية‪ ،‬فالحدود الفاصلة بين العلمين تنطوي على قدر من‬

‫‪1‬‬
‫المرونة‪.‬‬

‫‪ /3‬علم المحاسبة‪ :‬يقال انه بدون نظام محاسبي حيد ال يوجد نظام إداري جيد‪ ،‬هذه المقولة صحيحة بالنظر إلى‬

‫أن علم المحاسبة يهتم بتسجيل نشاط المؤسسة و األفراد في شكل أرقام و ميزانيات ‪ ،‬وهو ما يعطي نظرة صادقة‬

‫و واقعية لألوضاع المالية للمؤسسة‪ ،‬األمر الذي يسمح بتقييم نشاطها سواء أكانت في القطاع الخاص أو القطاع‬

‫العام‪ .2‬فالمحاسبة إذن تعطي لرجل اإلدارة نظرة صادقة حول تكاليف أي مشروع و كيفية تقليص النفقات‪ ،‬لذلك‬

‫فاإلداري ملزم باإللمام بهذا العلم‪.‬‬

‫‪/4‬علم الحاسوب ‪ :‬أصبح علم الحاسوب من متطلبات اإلدارة الحديثة‪ ،‬فهو يعد أداة هامة لحفظ البيانات‬

‫و معالجتها و مقارنتها و هو ما يسهل العمل اإلداري من خالل زيادة سرعة االتصاالت كما هو الحال في البريد‬

‫االلكتروني و معالجة األوراق المالية و الشيكات‪ ،‬ورواتب الموظفين و يسهل عملية اتخاذ القرار اإلداري و يسهل‬

‫في تقديم الخدمة بأقل تكلفة و أسرع وقت‪ ،‬ويتفادى األخطاء التي يقع فيها العمل البشري ‪ ،‬وهذا ما لمسناه عند‬

‫إدماج تكنولوجيات اإلعالم و االتصال في العمل اإلداري و تطبيق ما سمي باإلدارة االلكترونية ‪ ،‬والمدن الذكية‬

‫و الحكومات الذكية‪..‬الخ‪.‬‬

‫وفي ذات السياق يرتبط هذا المجال ارتباطا وثيقا بإدماج اللغات الحية ‪.‬لذلك فالقائد اإلداري في العصر الحديث‬

‫أمام تحديات هذه المتطلبات الجديدة للعمل اإلداري‪.‬‬

‫‪ /5‬عالقته بعلم اإلحصاء ‪ :‬يساعد علم اإلحصاء اإلداريين في وضع الخطط المستقبلية و تحليل النشاطات السابقة‬

‫ووضع التنبؤات الالزمة و كل العوامل المؤثرة على الق اررات و النشاط اإلداري بشكل عام‪.‬‬

‫‪.‬‬
‫‪23‬‬
‫‪/6‬عالقته بالقانون‪ :‬إن إلمام رجل اإلدارة بعلم القانون أمر ضروري للغاية‪ ،‬الن المناجمنت العمومي لم و ال‬

‫يتطور خارج أطر القانون ‪ ،‬فهو يطبق من خالل نفس النظام القانوني الذي يساهم في تطوير القواعد المطبقة على‬

‫فإن الخضوع للقانون يوفر عامل إضافي للفعالية و االلتزام بالعقالنية القانونية‪.1‬‬
‫التسيير العمومي ‪ ،‬من جهة أخرى ّ‬

‫‪ /7‬عالقته بعلم النفس ‪ :‬يبحث علم النفس في النفس البشرية و سلوكياتها و يحاول التنبؤ بهذه السلوكيات‬

‫و ضبطها لما فيه خير للفرد و المجتمع ‪،‬و لما كان العنصر البشري أداة اإلدارة لتحقيق أهدافها ‪،‬فكان البد على‬

‫رجل اإلدارة اإللمام بأبجديات علم النفس في محاولة لفهم شخصيات موظفيه و دوافعهم و حاجاتهم‪ ،‬و بالتالي‬

‫العمل على تحفيزهم ‪.‬من جهة أخرى فإن المواطن سواء كان بصفته كمرتفق أو مستهلك فإن فهم ميوالته و رأيه في‬

‫الخدمة المقدمة يساعد بدون شك في توجيه سياسة المنظمة لتحسين أداءها‪. 2‬‬

‫الفرع الرابع ‪ :‬الفرق بين المناجمنت العمومي و إدارة األعمال(المناجمنت الخاص)‬

‫يؤكد بعض الدارسين لعلم المناجمنت العمومي أن مبادئ اإلدارة السليمة تكون موحدة في كل المجاالت السيما‬

‫في العصر الحديث حيث الحدود و الفوارق بين اإلدارة العامة وإدارة األعمال تكاد تتالشى‪ ،‬إال أن الغالب أن هناك‬

‫فوارق واضحة بين كال النوعين ‪،‬وإن كان بعضها أضحى نسبيا‪.‬‬

‫*أوجه التشابه ‪ :‬تقترب إدارة األعمال من المناجمنت العمومي في نواحي محددة أهمها ‪:‬‬

‫‪ -‬اتساع اإلجراءات و تقسيم العمل اإلداري الذي يتم من خالل عدة وظائف إدارية(التخطيط‪ -‬التنظيم –التوجيه‪-‬‬

‫االتصال‪-‬الرقابة) و التي نجدها في كال نوعي اإلدارة‪.‬‬

‫‪ -‬مبدأ ضرورة اقتران السلطة بالمسؤولية ‪ ،‬فال سلطة بدون مسؤولية ‪ ،‬وال مسؤولية دون سلطة‪.‬‬

‫‪ -‬ضرورة رسم أهداف و العمل على تحقيقها بأقل تكلفة و اقصر وقت و أفضل نوعية‪.‬‬

‫*أوجه االختالف ‪:‬وهي عديدة نذكر أهمها بإيجاز‪:‬‬

‫‪ -l‬يمارس المناجمنت العمومي ضمن بيئة تتميز بكثافة النصوص القانونية والتنظيمية‪،‬ألنه يهدف أساسا لتنفيذ‬

‫السياسات العامة في مختلف المجاالت ‪ ،‬أما إدارة األعمال فتحكمها ق اررات مجالس اإلدارة التي تتبعها‬

‫‪.‬‬

‫‪24‬‬
‫و بالتعليمات التي يصدرها المديرون‪،‬ل ذلك فهي تتمتع بمرونة و حرية أكبر في مزاولة نشاطها رغم تقيدها بنظام‬

‫التراخيص القانونية التي تمنحها السلطة العامة المخولة بذلك ‪.‬‬

‫‪ -2‬من حيث الهدف ‪ :‬يهدف المناجمنت العمومي لتحقيق المصلحة العامة عن طريق تقديم خدمات عامة ال‬

‫تهدف بالدرجة األساسية للربح في إطار السياسة العامة للدولة ‪ ،‬أما إدارة األعمال فهي ترمي أساسا لتحقيق‬

‫الربح حتى و إن كانت في بعض األحيان تقوم بأنشطة تخدم المجتمع بشكل عام‪.‬‬

‫و يترتب على هذا االختالف نتائج هامة ذكرها األستاذ ماجد راغب الحلو في مؤلفه" علم اإلدارة العامة"‪ ،‬ونحاول‬

‫إيجازها‪ :‬أ‪ -‬غياب دافع الربح في اإلدارة العامة يستلزم البحث عن معيار آخر غير الربح لقياس مدى نجا اإلدارة‬

‫العامة‪،‬بخالف القطاع الخاص ‪ ،‬أين تعتبر األربا المحققة مقياسا لدرجة النجا (األرقام تتحدث عن نفسها) ‪،‬‬

‫و عليه كان لزاما أن تخضع اإلدارة العامة الختبارات عديدة لقياس الكفاءة للتأكد من مدى كفاءة رجال اإلدارة و‬

‫بقياس مدى رضا الجمهور عن الخدمات و هو أمر نسبي‪.‬‬

‫ب‪ -‬كذلك يترتب على غياب هدف الربحية في اإلدارة العامة خضوعها و تبعيتها للسلطة السياسية‪ ،‬و هو ما كان‬

‫له التأثير البالغ على العمل اإلداري و يؤدي على انحراف اإلدارة عن أصول علم اإلدارة المعمول بها ‪ ،‬وهو ما‬

‫تخالف إدارة األعمال كما وضحها فايول و تايلور‪.1‬‬

‫‪ - 3‬تعمل إدارة األعمال في جو المنافسة و هو ما يجعلها أكثر كفاءة‪ ،‬بينما يعمل المناجمنت العمومي في ظروف‬

‫احتكارية‪،‬مما يضفي عليها بعض الجمود و عدم مواكبة التطور و التغير السريع للمجتمع و يشعرها باألمان ألن‬

‫بقاءها مضمون‪.2‬‬

‫‪ 4-‬يتحمل قطاع إدارة األعمال درجة أكبر من المخاطرة المالية ‪،‬فالمؤسسة الخاصة معرضة في كل وقت للربح‬

‫و الخسارة ‪،‬بينما اإلدارة العامة تتمتع بأريحية في هذا الشأن ‪ ،‬ألن مواردها مؤمنة و ال توجد احتمالية الخسارة‬

‫و الربحية في حساباتها‪،‬الن الخزينة العمومية تكفل لألجهزة الحكومية مواردها‪ .‬رغم أن هذا األمر يعرف تحوال‬

‫كبي ار في ظل تراجع دور الدولة في الوقت الحالي‪.‬‬

‫‪25‬‬
‫كانت هذه أهم الفوارق بين إدارة األعمال و المناجمنت العمومي‪،‬غير أن التطورات المتسارعة للمجتمع و لوظيفة‬

‫الدولة أثرت و قلصت من هذه الفوارق حتى بالنسبة لتلك التي كانت تعد جوهرية كاختالف األهداف و درجة‬

‫المنافسة في السوق‪ .‬و درجة المخاطرة المالية ‪،‬فقد ثبت من تحليل الواقع أن اإلدارة العامة أصبحت ملزمة بتحقيق‬

‫الربح أو على األقل تجنب الخسارة في ميزانيتها و البحث عن موارد مالية جديدة لتفادي ذلك(كالجماعات المحلية‬

‫مثال) و مؤسسات النقل‪،‬و غير ذلك من المشاريع التي تعمل على أسس شبه تجارية‪.‬‬

‫أما بالنسبة لمسألة االحتكار و المنافسة ‪،‬فهناك مؤسسات خاصة تحتكر العمل في قطاعات معينة ألسباب تقدرها‬

‫الحكومات‪،‬و هي بذلك تقترب من اإلدارة العمومية ‪،‬في حين تتخلى الحكومات عن احتكار العديد من القطاعات في‬

‫إطار سياسة ضبط اإلنفاق العمومي و إتباع سياسة الخوصصة‪.‬‬

‫المطلب الثاني ‪ :‬وسائل نشاط المناجمنت العمومي‬

‫تقوم اإلدارة العامة بمهام متنوعة و معقدة بدءا بتنفيذ القوانين و الق اررات اإلدارية (وهي الوظيفة األساسية‬

‫لها)وصوال لتنظيم و إدارة المرافق العامة ‪ ،‬وذلك تنفيذا لنص دستوري أو تشريعي أو الئحي ‪،‬باإلضافة لمساعدة‬

‫الحكومة في وضع السياسة العامة للدولة‪.‬‬

‫ممارسة هذه المهام تعتمد على ما تتوفر عليه اإلدارة من موارد مادية و بشرية ‪،‬و عملية استغالل هذه الموارد‬

‫و التنسيق بينها هي موضوع نشاط التسيير العمومي ‪،‬و الذي يستند إلى مجموعة من الوظائف هي في الحقيقة‬

‫تشكل أدوات للعملية التسييرية‪ ،‬وتتمثل قيما يلي‪:‬التخطيط‪ -‬التنظيم –القيادة اإلدارية‪ -‬التنسيق‪ -‬الرقابة والعالقات‬

‫العامة‪.‬‬

‫الفرع األول‪ :‬التخطيط‬

‫التخطيط هو عملية تتصل بالمستقبل و التنبؤ به من خالل وضع برامج بهدف تحقيق أهداف معينة خالل مدة‬

‫زمنية محددة عن طريق حصر اإلمكانيات المتاحة وتكريسها لوضع هذه األهداف موضع التنفيذ ‪،‬فالتخطيط ليس‬

‫التخمين أو التمني ‪،‬بل هو عملية علمية مدروسة ‪ .‬و لعملية التخطيط أهمية قصوى خاصة في العصر الحديث‬

‫‪26‬‬
‫فتعقد مهام الدولة لم يعد يتماشى و منطق الصدفة دون خطط ‪ ،‬ألن العملية التسييرية ال تقوم على عادات‬

‫و تقاليد مليئة باألخطاء و العيوب ‪.‬و عليه للتخطيط مزايا عديدة أهمها ‪:‬‬

‫‪ -‬إمكانية مواجهة متغيرات المستقبل بطريقة علمية مدروسة ‪.‬‬

‫‪ -‬االقتصاد في الجهد و النفقة‪.‬‬

‫‪ -‬إمكانية تحقيق األهداف الكبيرة التي يستغرق انجازها وقتا طويال ‪ ،‬وكلما كانت البيئة مستقرة كان التخطيط‬

‫سهل التنبؤ بالمستقبل‬

‫رسالة المنظمة‬

‫التوجيهات‬ ‫أهداف المنظمة‬

‫خطة إستراتيجية‬ ‫أهداف إستراتيجية‬

‫خطط تكتيكية‬ ‫أهداف تكتيكية‬

‫الخطط التنفيذية‬ ‫أهداف تنفيذية‬

‫هذا الجدول يوضح أن خطط المنظمة تتماشى مع األهداف التي ترسمها و المراد تحقيقها على مستوى كل إدارة ‪.‬‬

‫و عليه فالخطط أنواع حسبه ‪:‬خطط استراتيجيه ‪،‬تكتيكية ‪،‬تنفيذية‪.1‬وهناك تقسيم آخر للخطط حسب الفترة الزمنية‬

‫التي تغطيها فنجد هنا ‪:‬‬

‫* خطط طويلة المدى ‪ :‬تغطي فترات بعيدة تزيد عن ‪ 90‬سنوات ‪.‬‬

‫* التخطيط متوسط المدى‪ :‬حيث تعتبر الخطط التكتيكية مثاال عن التخطيط متوسط المدى ‪ ،‬والذي قد يمتد ل‪93‬‬

‫سنوات ‪.‬‬

‫* التخطيط قصير المدى‪ :‬يمتد من شهور إلى سنة ‪،‬و يتناول في العادة آلية تنفيذ األمور اإلجرائية وفقا للخطط‬

‫‪1‬‬
‫متوسطة و طويلة المدى‪ ،‬و هناك أنواع أخرى للتخطيط‪.‬‬

‫‪ -1‬مثال عن التخطيط االستراتيجي هو أن تخطط الحكومة(اإلدارة العليا) لخلق اقتصاد قوي يعتمد على الموارد المحلية و يتحرر من التبعية‬
‫للريع البترولي‪ .‬أما التخطيط التكتيكي فهو يهتم بتنفيذ الخطط اإلستراتيجية للحكومة على مستوى الوزارات أي اإلدارة الوسطى ‪،‬و أما‬
‫التخطيط التنفيذي فيركز على التخطيط لالحتياجات الالزمة النجاز مهام المدراء في اإلدارات الدنيا ‪.‬‬
‫‪27‬‬
‫مع ذلك و حتى تنجح عملية التخطيط البد من مراعاة عوامل عديدة ‪،‬و تجنب معوقاتها‪.‬‬

‫أوال‪:‬عوامل نجاح التخطيط‪ :‬حتى تأتي عملية التخطيط ثمارها ال بد من مراعاة عدة عوامل أهمها‪:‬‬

‫‪ /l‬دقة تحديد األهداف ‪:‬فال تعرض و تناقض بين األهداف ‪.‬‬

‫‪ /2‬حصر اإلمكانيات الحقيقية و نقصد بها اإلمكانيات المادية و البشرية فال يمكن وضع خطط تفوق اإلمكانيات‬

‫المتاحة‪ ،‬وبالتالي ال تبقى الخطط مجرد كلمات تكتب بعيد عن الواقع(و هذا ما نجده في العديد من الدول‬

‫المتخلفة)‪.‬‬

‫‪ /3‬تحديد مدة تنفيذ الخطة‪ :‬ال بد من تحديد الوقت الالزم لتنفيذ الخطة ‪،‬فااللتزام بالوقت يعد من أهم عناصر التخطيط‬

‫‪/4‬مرونة التخطيط‪ :‬أن يتماشى مع المتغيرات غير المتوقعة و التي قد تحدث أثناء تطبيق الخطة‪.‬‬

‫‪/0‬أن توضع الخطط بشكل تشاركي ‪ :‬فال بد من مشاركة كل األطراف المعنية بالخطة و تنفيذها‪.‬‬

‫‪/ 6‬متابع تنفيذ الخطة‪ :‬فال بد من المتابعة الدائمة لمعرفة مدى تطابق بين النتائج المحققة و النتائج المأمولة في الخطة‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬معوقات التخطيط ‪:‬تعترض عملية التخطيط جملة من العراقيل تظهر آثارها عمليا فتحول دون الوصول‬

‫للوصول للنتيجة المرجوة من العملية التسيرية‪ ،‬ويمكن حصرها في العوامل التالية ‪:‬‬

‫‪ /1‬اختيار أهداف غير مناسبة أو غير واقعية‪ ،‬دون النظر لإلمكانيات المتاحة لتحقيق األهداف ‪.‬‬

‫‪/2‬اختيار نظم تحفيز غير مناسبة‪.‬‬

‫‪/3‬التغيرات البيئية المتسارعة ‪ :‬فتسارع التغيرات في المجاالت التكنولوجية و التشريعية‪...‬يؤثر ال محالة على كفاءة‬

‫عملية التخطيط ‪.‬‬

‫‪ /4‬مقاومة عملية التخطيط من طرف بعض المديرين‪ ،‬ألن التخطيط و تحديد األهداف يشكل أساسا للرقابة على ما‬

‫يتحقق من هذه األهداف‪ ،‬و بالتالي يقيم مسؤولية المديرين المعنيين‪،‬لذلك يثير التخطيط مقاومة لديهم‪.‬‬

‫‪ /0‬عدم توفر الموارد و اإلمكانيات الالزمة للتخطيط‪.‬‬

‫الفرع الثاني ‪ :‬التنظيم‬

‫‪.‬‬
‫‪28‬‬
‫الفقرة األولى ‪:‬مفهومه و أهميته‬

‫يعد التنظيم أهم موضوعات اإلدارة ‪،‬حتى أن بعض الباحثين يطلقون على اإلدارة تسمية 'علم التنظيم'‬

‫و التنظيم ليس غاية في حد ذاته بل وسيلة لتنفيذ أعمال محددة سلقا‪ ،‬و عرفه بعض المفكرين في علم اإلدارة‬

‫بأنه‪':‬عملية دمج الموارد البشرية و المادية من حالل هيكل رسمي يبين المهام و السلطات ‪.1‬‬

‫ويعرفه األستاذ سليمان الطماوي أنه‪:‬الشكل الذي تفرغ فيه جهود جماعية لتحقيق غرض مرسوم"‪ .‬كما يعرفه آخرون انه‬

‫‪ :‬اإلطار الذي يمكن من خالله إدارة العمليات اإلدارية‪. 2‬من هنا يمكن استخال ص أهمية عملية التنظيم ‪،‬فبدونه تبقى‬

‫الخطط مجرد تمنيات ‪ ،‬ألنه ‪:‬‬

‫‪ -‬يسهل عملية تحديد األدوار و تقسيم المهام ‪،‬حيث يتضح لكل موظف العمل المطلوب منه‪ ،‬وهذا ما يمنع‬

‫التضارب في الجهود ‪.‬‬

‫من جهة أخرى فهو يوضح العالقات المختلفة بين العاملين في التنظيم‪،‬بحيث يعرف كل موظف تبعيته‬ ‫‪-‬‬

‫اإلدارية‪.‬‬

‫الفقرة الثانية ‪ :‬خصائص التنظيم الجيد‬

‫التنظيم ليس عملية سهلة بالنظر على المساءل التي يتناولها و اإلشكاالت التي يجب أن يتخذ موقفا منها ‪،‬لذلك‬

‫فإن التنظيم الجيد يتسم بعدة خصائص أهمها ‪:‬‬

‫‪ /l‬مبدأ وحدة الهدف ‪ :‬فال بد أن تشترك أجزاء التنظيم في تحقيق هدف عام‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫‪ /2‬ممارسة درجة من التفويض للسلطة لتسهيل أداء األعمال و متشاركة معظم العاملين في اتخاذ الق اررات‪.‬‬

‫‪/3‬وحدة األوامر ‪ :‬فالمرؤوس ال يتلقى األوامر إال من رئيس واحد ‪،‬ألن وجود أكثر من رئيس قد يؤدي للتعارض‪.‬‬

‫‪/4‬التسلسل الرئاسي ‪.‬‬

‫‪ /0‬توازن السلطة و المسؤولية‪ ،‬فال يمكن تكليف شخص بمسؤولية دون إعطاءه السلطة الالزمة للقيام بهذه‬

‫المسؤولية‪،‬كما أن السلطة تفوض و المسؤولية ال تفوض‪،‬فيبقى المفوض مسئوال عن أعمال المفوض إليه‪.‬‬

‫‪.‬‬

‫‪29‬‬
‫الفرع الثالث ‪:‬القيادة اإلدارية‬

‫الفقرة األولى ‪:‬تعريفها‬

‫تعد وظيفة القيادة من أهم الوظائف اإلدارية ‪،‬ألن القائد اإلداري هو الذي يتولى كافة وظائف اإلدارة من تخطيط‬

‫و تنظيم و تنسيق و رقابة إدارية ‪،‬أي أن عملية القيادة تستغرق عملية اإلدارة كلها ‪،‬لذلك فدور القيادة أساسي في‬

‫القررات اإلستراتيجية و التي تدفع بها نحو التنمية المستدامة‪.‬‬


‫تسيير المؤسسات و اإلدارات العمومية ‪،‬و اتخاذ ا‬

‫لذلك فإن حاجة اإلدارة إلى قيادة حكيمة و كفأه ال تعادلها حاجة أخرى‪.‬‬

‫*القيادة والسلطة‬

‫يختل ف مفهوم القيادة عن مفهوم السلطة‪ ،‬فالسلطة يستمدها صاحبها من قدرته القانونية التي يخولها إياه مركزه‬

‫القانوني و الوظيفي والمتمثل بحق إصدار األوامر و التعليمات و واجب المرؤوسين االمتثال لتلك األوامر تحت‬

‫طائلة توقيع العقوبات‪ ،‬وبذلك فدافع المرؤوسين ليس القناعة بصحة أو قوة األسباب التي وجدت تلك التعليمات‬

‫‪،‬بل تجنب العقوبات‪.1‬‬

‫أما القيادة فتعني قدرة تأثير القائد على مرؤوسيه‪ ،‬وقبولهم لقيادته طواعية دون إلزام قانوني و ذلك العترافهم بدوره‬

‫في تحقيق األهداف و كونه يعبر عن آمالهم و طموحاتهم‪.‬‬

‫الفقرة الثانية ‪ :‬نظريات القيادة‬

‫تعددت النظريات في تفسير ماهية القيادة و طرق اكتسابها يمكننا التطرق ألهمها باختصار‪.‬‬

‫أ‪ /‬نظريات السمات الشخصية ‪:‬تقوم هذه النظرية على فرضية أن هناك مجموعة من الصفات و الخصائص التي‬

‫تفسر القدرات القيادية عند البعض ‪ ،‬و التي تسمى " بالشخص العظيم "و تتراو هذه الصفات بين مظاهر جسمية‬

‫فيزيولوجية (كالشكل ‪،‬نبرة الصوت ‪،‬الحجم‪ ،‬الوسامة ‪ ...‬الخ) و صفات نفسية (كالحماس ‪،‬الثقة بالنفس ‪،‬امتالك‬

‫‪.‬‬
‫‪30‬‬
‫المبادرة ‪،‬النضج االجتماعي‪...‬الخ) وصفات أخرى ذهنية (كالذكاء‪ ،‬والقدرة على التفكير و التحليل و حتى الشجاعة‬

‫و اإلبداع)‪.‬‬

‫هذه النظرية تستند على فكرة أن القائد يولد و ال يصنع و أن القيادة موهبة ‪،‬وهذا يعني أن اإلدارة تنتظر مجيء‬

‫القائد "العظيم"‪ ،1‬وال يكون لها أي دور في خلق و تطوير القادة عن طري التدريب‪.‬‬

‫و بالتالي فهي نظرية غير واقعية‪،‬ألن الواقع أثبت وجود قادة أكفاء و ال يتسمون بهذه الصفات ن وهو ما يفتح‬

‫المجال للنظرية السلوكية‪.‬‬

‫‪ /2‬النظرية السلوكية ‪ :‬ينطلق أصحاب هذه النظرية في تفسير القيادة من أهمية التدريب في خلق قادة قادرين على‬

‫التفاعل مع المرؤوسين و إثارة الدافعية لديهم نحو بذل جهد إضافي‪.‬‬

‫وقد الق ت هذه النظرية قبوال واسعا لدى الباحثين االمريكين الذين عملوا على تطويرها لتفسير ظاهرة القيادة‪.‬‬

‫‪ /3‬النظرية الموقفية‪ :‬و ترى أن القيادة هي محصلة مجموعة من المواقف التي يتواجد فيها الفرد ‪ ،‬وترى أن أي‬

‫فرد مهما كان عاديا يمكنه أن يصبح قائدا إذا ما كان في موقف يوصف بأنه أزمة تستدعي الحل و استطاع أن‬

‫يقدم حلوال عملية مقبولة و تعامل بايجابية مع الموقف ‪ ،‬فالقائد ال يجب أن يكون استثنائيا ‪،‬بل إنسانا عاديا ا‬
‫قادر‬

‫على اغتنام المواقف بشكل ايجابي‪.‬‬

‫هذه النظرية تهمل أيضا عنصر التدريب في خلق القادة وترتكز على العفوية فقط‪.‬‬

‫الفقرة الثالثة‪ :‬أنواع القيادة اإلدارية‬

‫تتنوع القيادة اإلدارية إلى أنواع متعددة حسب وجهة النظر التي تتخذ كأساس للتقسيم ‪ ،‬أهمها مدى مشاركة العاملين‬

‫في اتخاذ الق اررات‪ ،‬وعليه تنقسم القيادة إلى ‪ :‬قيادة فردية تسلطية‪ ،‬وقيادة ديمقراطية‬

‫أ‪ /‬القيادة الفردية التسلطية‬

‫و هنا يعتبر الفرد مركز اتخاذ القرار فيستأثر بها دون االهتمام بآراء مرؤوسيه الذين يعتبرهم كأحد عناصر‬

‫اإلنتاج‪ ،‬لذلك فهو يخضعهم لرقابة صارمة و توجي ه دقيق باالعتماد على األوامر الصارمة معتمدا على التخويف‬

‫و الحوافز السلبية التي تعد سالحا أساسية للسيطرة‪.‬‬

‫‪.‬‬
‫‪31‬‬
‫و لهذا النوع من القيادة مساوئ عديدة‪1‬صعبت من تطبيقها في العصر الحاضر‪.‬‬

‫ب‪/‬القيادة الديمقراطية‬

‫وتقوم على أساس إشراك المعنيين من العاملين في صنع القرار بعد دراسة و مناقشة و تبادل وجهات النظر ‪،‬فالقائد‬

‫يستشير المرؤوسين و يشركهم في اتخاذ القرار ‪.‬و تتم القيادة من خالل الترغيب ال الترهيب أو التخويف ‪ ،‬و ال‬

‫الحتكار سلطة إصدار القرار‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬مهام القائد اإلداري‬

‫للقائد اإلداري مهام عديدة و متعددة نجملها في النقاط التالية‪:‬‬

‫‪/ l‬توجيه وتحديد و وصف المهام المنوطة بكل مصلحة من مصالح المؤسسة أو اإلدارة العمومية حسب النصوص‬

‫التنظيمية و القانونية السارية المفعول‪.‬‬

‫‪ / 2‬العمل على تحديد األهداف الواجب الوصول إليها ‪،‬و إشراك مختلف األطراف الفاعلة في ذلك( المجتمع‬

‫و المواطن‪ ،‬المؤسسة‪ ،‬والموظف)‪.‬‬

‫‪/3‬تجسيد االستراتيجيات و األهداف إلى مهام و أنشطة قابلة للتنفيذ على المدى القصير و تقييمها و تحيينها حتى‬

‫تكون قابلة للقياس بصفة ملموسة و متكيفة مع التغيرات الخارجية ‪.‬‬

‫‪/4‬تقديم الخدمة العمومية طبقا لمبدأ الشفافية ‪.‬‬

‫‪ /5‬التدخل السريع و الفعال في حالة تضارب المصالح و تنازعها ووضع حد لها ‪.‬‬

‫‪ / 6‬وضع نظام إعالمي واضح سهل عمل المراقبة الدورية ‪.‬‬

‫‪ / 7‬تحفيز الموظفين و التعامل معهم بطريقة ديمقراطية من خالل ‪:‬‬

‫‪ ‬تفويض الصالحيات و المسؤوليات ‪.‬‬

‫‪ ‬اإلعالم الدائم لألعوان‪.‬‬

‫‪ ‬احترام األوضاع الشخصية لموظفين‪.‬‬

‫‪32‬‬
‫الفرع الرابع‪ :‬التنسيق‬

‫تعريفه‪ :‬وهو الجهد الذي يرمي إلى تعاون مختلف أجزاء اإلدارة و عدم تضاربها في سبيل تحقيق الهدف‬

‫المشترك‪،‬فأعمال اإلدارة – وكما هو معلوم‪ -‬متنوعة و متباينة و مترابطة و متشابكة يؤثر بعضها في بعض و كلما‬

‫اتسع مجال اإلدارة و زادت أقسامها تعقدت األمور و تطلب حسن سيرها مزيدا من التنسيق و زيادة وساءل االتصال‬

‫و االنسجام بين عناصرها‪. 1‬‬

‫أو هو ممارسة نوع من القيادة على المرؤوسين و اإلشراف عليهم و االتصال بهم و تحفيزهم على بذل جهود‪،‬و‬

‫‪2‬‬
‫تنسيق جهودهم الجماعية لتحقيق أهداف محددة من خالل اتخاذ الق اررات المناسبة‪.‬‬

‫ومن هنا تظهر أهمية التنسيق لمنع التضارب قي شتى أعمال اإلدارة ال سيما في الدولة الحديثة التي تعرف زيادة‬

‫معتبرة أو تضخما في أجهزتها اإلدارية و كثرة الموظفين‪.‬‬

‫و يساعد على سهولة عملية التنسيق تحديد مهام الوظائف اإلدارية بدقة و بيان عالقاتها ببعض‪ ،‬و هو ما يربط‬

‫مهمة التنظيم العلمي السليم بمهمة التنسيق التي تهدف بدورها لتوجيه النشاط اإلداري على اختالف صوره و التي‬

‫ترمي لتحقيق هدف مشترك ‪،‬وهي مهمة أساسية و مستمرة للقائد اإلداري و جزء ال يتج أز من مقتضيات اإلدارة‪.‬‬

‫الفقرة الثانية ‪ :‬وسائل التنسيق‬

‫تتم عملية التنسيق من خالل اللجوء لعدة وسائل أهمها ‪:‬‬

‫‪- l-‬نظام االتصال و المعلومات ‪ :‬من خاللها يمكن للرؤساء و المشرفين ممارسة وظيفة التوجيه و التنسيق‬

‫بشكل فعال يخدم األهداف ‪،‬فاالتصاالت حيوية لإلدارة و يترتب على تعثرها شلل لإلدارة و اختاللها و ضعف‬

‫اإلنتاج و تبديد الموارد ‪.‬‬

‫يسهل دور القائد اإلداري في التنسيق و التوجيه‬


‫‪ – 2 -‬نظام الدافعية و التحفيز ‪ :‬فالرضا الوظيفي للمرؤوسين ّ‬

‫‪ /3‬نظام التوظيف و التعيين إلثراء العنصر البشري ‪ ،‬ألن عملية التنسيق تصادف مرحلة التنفيذ أي تنفيذ الموظفين‬

‫للعمليات المبرمجة‪.‬‬

‫‪33‬‬
‫‪ /4‬القيادة و التفويض ‪ :‬فعملية التنسيق تتطلب من الرئيس اإلداري أن يتمتع بقدرة على التأثير في المرؤوسين بشكل‬

‫يجعلهم يتصرفون وفقا للخطط المرسومة فيما يحقق األهداف المشتركة ‪.‬‬

‫ة أما تفويض السلطة خاصة للمستويات التي تقوم بأداء العمل يساهم في الرضا التقني ‪،‬فليس من المعقول أن تكلف‬

‫أفراد بأعمال معينة دون أن تعطيهم السلطة الالزمة لذلك‪.‬‬

‫‪/0‬التكوين و نقل التكنولوجيا ‪ :‬فال شك أن التكوين المستمر و نقل التكنولوجيا لألعمال اإلدارية يساهم في تنفيذ مختلف‬

‫نشاطات اإلدارة بيسر و اقل تكلفة في اقل وقت ‪.‬‬

‫الفرع الخامس‪:‬الرقابة و التقييم‬

‫تعتبر الرقابة بمثابة صمام أمان يضمن و يحمي العملية اإلدارية من االنحرافات حتى تستمر المنظمة في مسارها‬

‫الصحيح ‪،‬لذلك يشبهه البعض بنظام البوصلة أو الرادار الذي يحدد اتجاه السير‪.‬‬

‫و المقصود بالرقابة في عمل اإلدارة تقدير انجازات العاملين لبيان مدى تحقيقها ألهدافها و أسباب النجا و الفشل‬

‫المتصل بها للتعامل معها و تحديد مسؤولية كل ذي سلطة بهدف الوصول باإلدارة إلى كفاءة اكبر‪. 1‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬أهداف الرقابة‬

‫إن البحث عن النجا الفعلي لإلدارة في انجاز مهامها وتحسين أداءها متوقف على تفعيل وظيفة الرقابة على أداءها‬

‫بخالف االعتقاد السائد بأن أهداف الرقابة تنحصر في الكشف عن األخطاء تمهيدا لمعاقبة المسؤولين عنها‪ ،‬فإن الرقابة‬

‫تهدف إلى رفع الكفاءة اإلدارية و تحقيق الصالح العام من خالل ‪:‬‬

‫تقييم األهداف ومدى تحقيقها‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫‪ -‬الكشف عن األخطاء و اإلشكاالت التي تواجهها اإلدارة و وضع الحلول المناسبة ‪.‬‬

‫‪ -‬تقليص النفقات غير الضرورية و عقلنة التكاليف ‪.‬‬

‫‪ -‬التأكد من احترام القواعد القانونية السارية و مدى فعاليتها في تحقيق األهداف المرجوة‪.‬‬

‫‪34‬‬
‫الفقرة الثالثة‪ :‬أنواع الرقابة‬

‫يمكن أن تظهر عدة أنواع للرقابة ‪:‬‬

‫فهناك ‪-:‬الرقابة الداخلية‪ :‬وهي التي تمارسها السلطة اإلدارية بنفسها على أجهزتها كرقابة السلطة المركزية على‬

‫األجهزة الالمركزية‪.‬‬

‫‪ -‬الرقابة الخارجية ‪ :‬وهي التي تفرض على اإلدارة من الخارج ‪،‬أي من سلطة أخرى غير إدارية كالرقابة الشعبية‬

‫و السياسية و القضائية‪.‬‬

‫‪ -‬و هناك أيضا الرقابة السابقة ‪ :‬أي سابقة عن إصدار التصرف ‪.‬‬

‫‪ -‬و الرقابة الالحقة ‪ :‬الحقة على التصرف‪.‬‬

‫‪ -‬الرقابة المتزامنة ‪:‬أي تتزامن والتصرف‪.‬‬

‫الفرع السادس‪ :‬تقييم وسائل التسيير‬

‫كثر الحديث في السنوات األخيرة عن ضرورة تقييم أداء المنظمات العمومية ‪ ،‬ومحاولة قياس أداءها من خالل‬

‫تقييم وساءل تسييرها ‪،‬و قد عرفت هذه الوسائل عيوبا عديدة خاصة في دول العالم العربي‪.‬‬

‫‪ ‬من حيث التخطيط ‪ :‬فقد اثبت الواقع غياب التخطيط في العديد من المجاالت التي تعاني وجود رؤية مستقبلية‬

‫و غياب تحديد واضح لألهداف و اإلمكانيات ‪،‬هذا من جهة ‪ ،‬و من جهة أخرى و إن وجد التخطيط فهو غير‬

‫فعال أو غير كفء ‪ ،‬فالخطط الموضوعة عادة ما تتسم بعدم الدقة التي تسمح بتحقيق األهداف المرسومة‬
‫ّ‬

‫أو أن تكون األهداف طموحة جدا لدرجة تفوق اإلمكانيات المادية والبشرية المتوفرة‪.‬‬

‫‪ ‬أما من حيث التنظيم ‪:‬إذا كان التنظيم أداة هامة لتنظيم و توزيع العمل في اإلدارة ‪،‬فإنه لم يسلم من الخلل من‬

‫حيث طرق العمل و إجراءاته المعقدة ‪ ،‬وعدم الدقة في توزيع االختصاص ‪ ،‬و حتى العنصر البشري انتشر‬

‫بينهم الرشوة و االختالس و الفساد على حساب أداء الواجب‪.‬‬

‫‪ ‬أما التنسيق ‪ :‬فاإلدارة تعاني من نقص التنسيق ‪،‬من حيث ضعف االتصال بين مختلف األجهزة اإلدارية‪ ،‬مما‬

‫يؤدي إلى خلق نوع من التضارب و تبديد الجهود و األموال ‪،‬ويقدم األستاذ ماجد راغب الحلو عن ذلك مثاال ‪:‬‬

‫‪35‬‬
‫شركة المياه تقوم بحفر الطريق لمد تجهيزاته بعدما تم ترصيص الطريق و تعبيده من طرف شركة الكهرباء التي‬

‫بدورها حفرته لوضع األسالك ‪،‬لتأتي بعدها شبكة االتصاالت السلكية لتعيد الكرة مرة أخرى‪ .‬فكان من الممكن‬

‫التنسيق بين هذه الجهود وتفادي ضياع الجهود و الوقت و المال و منع االضطراب لحركة المرور و تعطيل‬

‫مصالح الجمهور‪.‬‬

‫‪ ‬و أما القيادة اإلدارية ‪ :‬فتعاني اإلدارات في غالب األحيان من غياب عامل القيادة الكفأة التي تكون قدوة لباقي‬

‫العاملين‪ ،‬فعالة و قادرة على رسم توجهات و خطط عمل واضحة تمكن المنظمات العمومية من تحقيق أهداف‬

‫السياسية العامة في أفضل صورة ممكنة‪.‬‬

‫‪ ‬و أما الرقابة ‪ :‬فالحاجة ماسة للرقابة رغم غياب معايير موضوعية لقياس أداء العاملين في اإلدارة العمومية مما‬

‫فتح المجال أمام االعتبارات الشخصية و األهداف الخاصة في تقدير األعمال و النتائج‪ ،‬وهو األمر الذي كان‬

‫سببا في ضعف أداء القطاع العام بشكل عام‪.‬‬

‫الفرع السابع‪ :‬عيوب التسيير العمومي‬

‫الشك أن اإل دارة التقليدية ارتبطت بالطابع البيروقراطي ‪،‬الذي عانى من العديد من األخطاء و العيوب‬

‫التي كانت سببا مباش ار في ضعف أداء القطاع العام ‪ ،‬ويمكن حصرها و تصنيفها بالشكل اآلتي‪:‬‬

‫‪ -‬إجراءات قديمة يغلب عليها الروتين و البطء الشديد األمر الذي تسبب في ظهور و انتشار الرشوة و ضياع‬

‫المال العام و المحسوبية ‪.‬‬

‫‪ -‬تقديس أساليب العمل دون إعادة النظر فيها و تطويرها ‪.‬‬

‫‪ -‬التركيز على اإلجراءات و المعاقبة على مخالفتها و انعدام معيار النتائج (فالعبرة باحترام القواعد ال بتحقيق‬

‫النتائج)‪.‬‬

‫‪ -‬ضعف االتصال و التعامل مع الناس ‪.‬‬

‫‪ -‬وضع حلول جاهز معدة مسبقا ال ترتبط بالواقع و ال بالبيئة المحيطة بها‪.‬‬

‫‪ -‬مقاومة التغيير على المستوى البيروقراطي ‪.‬‬

‫‪36‬‬
‫‪ -‬وهناك عيوب أخرى ترتبط بالتنظيم تتمثل أساسا في ‪-:‬ضعف العالقات العامة‬

‫‪ -‬غياب قيادات إدارية فعالة و كفأه تلتزم بالتغيير‬

‫‪ -‬ضعف الرقابة و عدم فعاليتها مما أدى إلى عدم متابعة و قياس اآلثار و النتائج‬

‫‪ -‬عدم توفر المعلومات عند اتخاذ الق اررات ‪.‬‬

‫‪ -‬غياب معايير موضوعية لقياس المردودية في اإلدارة العامة‪.‬‬

‫‪ -‬إغفال المشاركة الجماهيرية‪.‬‬

‫‪ -‬تضخم الوظائف في أجهزة الدولة و زيادة عدد الموظفين‪.‬‬

‫‪ -‬غموض األهداف و الرؤى المستقبلية‬

‫‪ -‬أما العيوب المرتبطة بالموارد البشرية‬

‫‪ -‬عدم ربط األجور باإلنتاج و الجهود ‪.‬‬

‫‪ -‬نقص التدريب المؤهل لنقص المدربين المؤهلين‪.‬‬

‫‪ -‬الوصول للمناصب اإلدارية ال يكون بناء على الكفاءة ‪.‬‬

‫‪ -‬ضعف أنظمة الحوافز‪.‬‬

‫‪ -‬عدم االستفادة من الطاقات القديمة‪.‬‬

‫المحور الثاني ‪ :‬المناجمنت العمومي الحديث‬

‫على ضوء االنتقادات و العيوب و المشاكل التي عرفتها اإلدارة العمومية في ظل التسيير البيروقراطي و الذي‬

‫كان من نتائجه إضعاف أداء القطاع العمومي خاصة المنظمات العمومية اإلدارية و التي أضحت نموذجا لسوء‬

‫التسيير و ضعف الفعالية و الرقابة و غياب النتائج ‪،‬ظهر المناجمنت العمومي الحديث ‪ NPM‬كتصور جديد‬

‫لكيفية تسيير هذه المنظمات من أجل عصرتنها و الرفع من مستوى أداءها و بالتالي زيادة فعاليتها‪،‬محاكيا قواعد‬

‫تسيير القطاع االقتصادي الخاص و فق آليات السوق ‪.‬‬

‫‪37‬‬
‫إن البحث عن الفعالية في قلب الجهاز اإلداري استدعت من الدول إجراء إصالحات إدارية فرضتها مجموعة من‬

‫العوامل‪.‬‬

‫المبحث األول ‪:‬اإلصالح اإلداري كمدخل للمناجمنت العمومي الحديث ‪.‬‬

‫يعد اإلصال اإلداري عملية ديناميكية مستمرة في الزمن تمليها تغيرات الحياة ‪،‬تعنى بها جميع أنواع المنظمات‬

‫العمومية و منها اإلدارية‪ ،‬لذلك البد من التطرق لماهية اإلصال كإستراتيجية أساسية لتفعيل المناجمنت العمومي‬

‫الحديث(المطلب األول)ثم نتطرق ألهم التجارب الدولية في هذا المجال بما فيها التجربة الجزائرية(المطلب الثاني)‪.‬‬

‫المطلب األول ‪ :‬ماهية اإلصالح اإلداري‬

‫اإلصال اإلداري فكرة شاملة لجميع القطاعات و كافة مستويات اإلدارة العمومية ‪،‬وهو إستراتيجية تتبناها القيادة‬

‫السياسية كعملية قيادية قبل أن تنتقل إلى عناصر التنفيذ ‪،‬وهو بذلك يختلف عن جملة اإلجراءات المؤقتة و‬

‫التعديالت البسيطة التي ال تمس جوهر اإلشكال اإلداري‪.‬‬

‫وبذلك يرى أنصاره أن عملية اإلصال الشامل ال تقبل أسلوب التدرج أو عملية الترميم الجزئية للجهاز اإلداري‬

‫على إعداد البرامج والخطط التنموية و تنفيذها بكفاءة عالية و تراجع اإلنتاجية و انخفاض معدالت النمو و تدني‬

‫مستوى المعيشة لألفراد‪...‬الخ‪ ، 1‬و هو بذلك يخالف عن مفهوم التنمية اإلدارية و التطوير‪.‬‬

‫و أهم تعاريف اإلصال أنه‪ ':‬عملية تكيف دائمة و مستمرة للبنى اإلدارية و مهامها مع مهام الدولة وهو مواكبة‬

‫دائمة لرو التجديد و التحديث التي يتطلبها النظام السياسي غير المتحجر و بالتالي المجتمع الديناميكي سواء‬

‫كانت إصالحات شاملة أم جزئيا‪،‬فهو عملية تطهير اإلدارة من مشاكلها و إيجاد الحلول المناسبة و المالئمة مع‬

‫رو التحديث و التطور العلمي و التكنولوجي بهدف إشباع حاجات المواطنين بأكبر قدر من الكفاءة' ‪.2‬‬

‫الفرع األول ‪ :‬أهداف اإلصالح اإلداري‬

‫يسعى اإلصال اإلداري لتحقيق جملة من األهداف يمكن حصر أهمها فيما يلي ‪:‬‬

‫‪38‬‬
‫‪ /l‬توسيع مفهوم الالمركزية اإلدارية ‪،‬و االبتعاد عن مركزية اتخاذ القرار ‪ ،‬والعمل على توسيع تقنية التفويض لدى‬

‫القيادات اإلدارية ‪.‬‬

‫‪ /2‬تبني قيم العمل الجماعي و تعزيز اإلبداع و التطور لدى العنصر البشري لتحديث اإلدارة ‪.‬‬

‫‪/3‬تبني توجه" اإلدارة اإلستراتيجية " في مختلف مجاالت العمل و ذلك من خالل تنمية قدرات منظمات الجهاز‬

‫اإلداري على التعامل مع المتغيرات الداخلية والخارجية‪.‬‬

‫‪/4‬زيادة االعتماد و العمل بالتقنيات الحديثة لإلعالم و االتصال تمهيدا لبناء مشاريع اإلدارة و الحكومة االلكترونية‪.‬‬

‫‪ /0‬تجسيد مبدأ الشفافية في عمل الجهاز اإلداري‪.‬‬

‫‪/6‬االقتراب من المواطن أكثر و إعادة رسم عالقة جديدة من خالل تحسين الخدمة العمومية وتطويرها‪.‬‬

‫‪/7‬اعتماد أسلوب المشاركة في عملية التطوير و التغيير (داخل الجهاز اإلداري من خالل تفعيل العنصر البشري)‬

‫و لتحقيق هذه األهداف يضع الباحثون في هذا الشأن جملة من المبادئ و المحاور إلستراتيجية اإلصال اإلداري‪.‬‬

‫الفرع الثاني ‪:‬مبادئ و محاور اإلصالح اإلداري‪.‬‬

‫حتى يمكن لعجلة اإلصال اإلداري أن تمضي قدما ال بد أن تركز على جملة من المبادئ أهمها ‪:‬‬

‫‪ -‬تفعيل مبدأ الرقابة المستمرة داخل الجهاز اإلداري‪.‬‬

‫‪ -‬تفعيل مبدأ الثواب و العقاب في حياة الموظف و ربط حوافز الموظف بسلوكياته و اداءه في العمل‪.‬‬

‫‪ -‬مراجعة أجور موظفي الجهاز اإلداري لتحسين معيشتهم و مدهم بالقدرة على العطاء الفعال في وظائفهم‪.‬‬

‫‪ -‬مكافحة الفساد و البيروقراطية ‪.‬‬

‫‪ -‬تأهيل الجهاز اإلداري لوضع الخطط المستقبلية و استشراف آفاقه القريبة و البعيدة‪.‬‬

‫‪ -‬تقوية نظام االتصاالت و نشر المعلومات بشفافية ‪.‬‬

‫‪ -‬محاربة اإلسراف المالي و المبالغة في تقدير النفقات من جانب الجهاز اإلداري‪.‬‬

‫‪ -‬تحديد الجهاز المسئول عن اإلصال اإلداري ‪،‬و هي تعتبر أهم مبدأ‪.‬‬

‫‪39‬‬
‫الفرع الثالث‪ :‬دوافع اإلصالح اإلداري‬

‫هناك عوامل عديدة دفعت بالدول للقيام بإصالحات في أنظمتها اإلدارية ‪،‬ويمكن تلخيص هذه العوامل فيما يلي ‪:‬‬

‫‪ -‬انتشار األفكار النيوليبرالية الداعية لتقليص دور الدولة و حجم تدخالتها و اإلبقاء على الدور التقليدي ‪،‬ألن‬

‫‪.‬‬ ‫‪1‬‬
‫السوق هو المسيطر الوحيد في هذه اإليديولوجية‬

‫و هو األمر الذي امتد أثره لإلدارة العمومية ‪ ،‬التي عرفت تضخما و نقصا في طرق التسيير التقليدية التي لم تعد‬

‫ذات فعالية كافية‪،‬األمر الذي أدى لتراجع شرعية الدولة و مصداقيتها‪،‬و هو ما استلزم اعتماد تقنيات المنظمات‬

‫الخاصة في التسيير التي تتسم بالمرونة و الفعالية‪.‬‬

‫‪ -‬تداعيات العولمة‪:‬ساهمت العولمة في انتشار و سيادة ايديولوجة المنظمات الخاصة ال سيما بعد النجا الذي‬

‫حققته في مجال إدارة األعمال ‪،‬في المقابل تراجع مردود المنظمات العمومية اإلدارية خاصة ‪،‬األمر الذي دفع‬

‫‪2‬‬
‫بالدول للتفكير في ضرورة إصال األجهزة اإلدارية العمومية‪.‬‬

‫‪ -‬زيادة مردودية اإلدارة العمومية ‪:‬و ذلك من خالل تحسين الخدمة العمومية و عصرنة اإلدارة من خالل إدراج‬

‫مفاهيم الفعالية و الكفاءة و الجودة ضمن أبجديات التسيير العمومي و اقتصاد الوقت والجهد و المال‪.‬و هو ما‬

‫ساهمت فيه التكنولوجيا الحديثة لالتصال و اإلعالم من خالل تبني مفهوم اإلدارة االلكترونية التي ساهمت في‬

‫تحسين صورة اإلدارة العمومية تجاه المواطن‪.‬‬

‫‪ -‬فقدان شرعية التنظيم البيروقراطي‪ :‬بالنظر للعوامل السابقة عرف التنظيم اإلداري البيروقراطي كما تصوره‬

‫ماكس ويبر صعوبات جمة لم يتم وضعها في الحسبان‪،‬أفقدت اإلدارة البيروقراطية شرعيتها من خالل انغالقها‬

‫و انفصالها عن التطورات المحيطة بها مما أدى النفصالها عن طموحات المواطنين وخلق فراغ كبير بين‬

‫اإلدارة والمواطن‪ ،‬و هو ما يعرف بأزمة الشرعية‪،‬من جهة أخرى يرى الباحثون أن كثرة النصوص و القانونية‬

‫والتنظيمية التي تحكم قواعد العمل و تعقد اإلجراءات و توحيدها في كل اإلدارات العمومية و إهمال العنصر‬

‫‪3‬‬
‫البشري في أخذ المبادرة لم تعد صالحة مع متطلبات الحداثة‪.‬‬

‫‪40‬‬
‫المطلب الثاني ‪:‬تطبيقات اإلصالح اإلداري في العالم‬

‫شملت عملية اإلصال اإلداري العديد من الدول المتطورة بغية عصرنة اإلدارة العمومية و االرتقاء بمفهوم‬

‫الخدمة العمومية ‪،‬و أهم ما ميز هذه اإلصالحات أنها كانت شاملة للعديد من المستويات و القطاعات المخالفة رغم‬

‫اختالف ايديلوجية و فلسفة كل دولة في تفعيل هذه اإلستراتيجية اإلصالحية ‪.‬لذلك نتطرق ألهم التجارب‬

‫اإلصالحية في العالم‪،‬مركزين على أهم الخطوط األساسية للعملية اإلصالحية في كل دولة ‪،‬ثم نتطرق للتجربة‬

‫الجزائرية ‪.‬‬

‫الفرع األول ‪ :‬التجارب األجنبية‬

‫و نتطرق فيها ألهم ما جاءت به هذه اإلصالحات‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬اإلصالح اإلداري في بريطانيا‬

‫كما هو معلوم فقد عرفت بريطانيا إصالحات عميقة في إدارتها العمومية ارتبط باعتالء السيدة مارغريت تاتشر‬

‫سدة الحكم في بريطانيا سنة ‪ l979‬و التي كان تركيزها حول إعادة صياغة مفهوم الخدمة المدنية و إعادة هيكلة‬

‫القطاع العام و الذي عرف س ياسات تسييرية جديدة بعيدا عن مفهوم التسيير البيروقراطي ‪،‬األمر الذي استدعى‬

‫تغيير كلي في الهياكل اإلدارية (إنشاء الوكاالت المستقلة) ‪،‬و صيغ التوظيف التي حل محلها نظام التعاقد‪،‬‬

‫خوصصة المرافق العمومية الصناعية ‪...‬الخ‪.1‬‬

‫و لهذا الغرض انشئت لجنة خاصة لالهتمام بتفعيل المصالح اإلدارية البريطانية ‪2‬و التي أكدت في أشغالها على‬

‫ضرورة إصدار ميثاق المواطنين و هو وثيقة تصدرها الحكومة يكون الهدف منها رفع مستوى الخدمات المقدمة‬

‫للمواطن استنادا لفلسفة اإلدارة بالنتائج لتعزيز كفاءة القطاع العام‪. 3‬‬

‫بذلك أضحت التجربة البريطانية في اإلصال اإلداري تجربة أصيلة و رائدة يقتدى بها ‪.‬‬

‫الفقرة الثانية ‪:‬اإلصالح اإلداري في فرنسا‬

‫‪ -2‬أعدت تقريرا مفصال شهير سمي ‪ - the next steps‬المراحل القادمة‪.‬‬


‫‪. -3‬تلته مواثيق أخرى في قطاعات عديدة‪:‬الصحة‪-‬التعليم ‪.‬‬
‫‪41‬‬
‫تعتبر سنة ‪ l982‬بالنسبة لفرنسا مصيرية حيث عرفت إصالحات إدارية واسعة بداية بإصدار قانون الالمركزية‬

‫اإلقليمية في ذات السنة و الذي عرف تعزيز لمفهوم الالمركزية من خالل تحويل لبعض صالحيات اإلدارة المركزية إلى‬

‫اإلدارة المحلية ‪ ،‬األمر الذي استدعى إصدار مجموعة من القوانين المرتبطة به و التي تسمح بتفعيله على غرار قانون‬

‫تحويل الكفاءات و قانون الوظيف العمومي سنة ‪ l983‬و قانون حق المواطن في عالقته باإلدارة ‪.‬‬

‫هذه القوانين كان الهدف منها عصرنة اإلدارة الفرنسية من خالل تبني عدة مبادئ أهمها االنتقال من االهتمام‬

‫باإلجراءات إلى التركيز على األهداف و النتائج و تبني مفهوم الق اررات المشتركة بدل الق اررات األحادية الصادرة من‬

‫قمة النموذج الهرمي‪،‬و بالتالي فهي تهدم أهم ركائز التسيير البيروقراطي‪.‬‬

‫و على غرار بريطانيا بادرت الدولة الفرنسية بإنشاء لجنة سميت "فعالية الدولة" برئيسها ‪François de Closts‬‬

‫خلصت أعمالها بانجاز تقرير يسمى "رهان المسؤولية"‪ ،‬وكخالصة أقرت اللجنة بان العصرنة تحول شامل متعدد‬

‫األبعاد يشكل امتدادا لجملة اإلصالحات التي بادرتها الدولة سنة‪ l 982‬تتمحور أساسا حول تجديد مفهوم الخدمة‬

‫العمومية (وضع ميثاق الخدمة العمومية )و خلق مراكز عديدة للقرار و المسؤولية‪،‬تطوير العالقة مع المواطن‬

‫بصفته زبون شريك في العملية التسييرية وتنظيم الخدمة العمومية‪. 1‬‬

‫و تم تجسيد أكثر لهذه األهداف بمجيء حكومة أالن جوبي في ‪ l 990‬التي وضعت أهداف ذات مستوى أعلى‬

‫أهمها‪:‬‬

‫‪ -‬توضيح مهام الدولة و تحديد مجال الخدمات العمومية ‪.‬‬

‫‪-‬التركيز أكثر على احتياجات و تطلعات المواطنين‪.‬‬

‫‪-‬تغيير الدولة المركزية (إعادة اختراع الدولة)‪.‬‬

‫‪-‬تفويض المسؤوليات و عصرنة آليات التسيير العمومية ‪.‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬اإلصالح اإلداري في الجزائر‬

‫من المعلوم أن اإلدارة العمومية في الجزائر سواء من حيث هيكلها التنظيمي أو الثقافة المناجيريالية المساندة كانت‬

‫وال تزال مستوحاة من النموذج الموروث من االستعمار الفرنسي و المستوحى من الدول المهيمنة أو ما يعبر عنه‬

‫‪42‬‬
‫(‪ )jacobin –omnipresent-réglien‬يضاف لها الخيارات السياسية و االقتصادية التي تبنتها الجزائر غداة‬

‫االستقالل ‪ ،‬والتي كانت تستند لفكرة أساسية هي أن الدولة فاعل أساسي في الشأن االقتصادي و باقي الشؤون‬

‫العامة نو باعتبار اإلدارة العمومية أداة في يدها لتنفيذ سياساتها‪ ،‬األمر الذي خلق تزاوج بين تصور الدولة و تصور‬

‫اإلدارة العمومية ‪،‬مما نتج عنه إدارة شديدة التمركز تخدم وحدة الدولة رغم المناداة بالالمركزية ‪.‬‬

‫أما من الناحية التسييرية فالنموذج البيروقراطي القائم على الهيكل الهرمي و ضرورة االلتزام بالقواعد و اإلجراءات‬

‫على حساب النتائج ‪،‬وضعف الرقابة و غياب المبادرة و المشاركة في اتخاذ الق اررات ‪،‬كانت ثقافة تسييرية سائدة‪.‬‬

‫غير أن التحوالت و التطورات الحاصلة على المستويين الداخلي و الخارجي أعادت رسم العالقات دولة‪/‬اقتصاد و‬

‫دولة ‪/‬مجتمع و إدارة ‪/‬مواطن‪.‬‬

‫فعلى المستوى الداخلي سجلت الجزائر عدة تطورات وضعت الدولة أمام تحديات اجتماعية (انفتا المجتمع)‬

‫اقتصادية (التحوالت االقتصادية السوق و االندماج في االقتصاد العالمي)‪...‬‬

‫أما على المستوى الخارجي فتحديات العولمة رسمت توجهات جديدة للعالقات الدولية‪ .‬فكل هذه المتغيرات أثرت‬

‫على وظيفة الدولة و بالتالي وضعت أجهزتها و منها اإلدارة العمومية في إشكالية الشرعية‪ .‬األمر الذي استدعى‬

‫المبادرة بإصالحات على عدة مستويات كانت أوال اإلصالحات االقتصادية و السياسية ‪،‬ليبقى اإلصال اإلداري‬

‫متعث ار مما جعل منه حجرة عثرة في وجه اإلصالحات االقتصادية خاصة و السياسية ‪،‬السيما إذا علمنا أن‬

‫اإلصالحات التي بادرت بها الدولة ‪l989‬كانت قد وضعت أعباء و التزامات جديدة على اإلدارة العمومية لم تستطع‬

‫وفاءها‪ ،‬مما أثر على عالقتها بالمواطن نتيجة تردي الخدمة العمومية و جمود المرفق العام الخاضع لمنطق‬

‫االحتكار العمومي‪ .‬هذه الحقائق شككت في شرعية العمل و مصداقية أجهزة الدولة و مدى فعاليتها ‪،‬مما استدعى‬

‫األمر التعجيل بإصال إداري لدفع عجلة اإلصالحات في البالد‪.1‬‬

‫‪43‬‬
‫فشهدت سنة‪ 12999‬إنشاء لجنة إصال هياكل و مهام الدولة (بعد تخطي أزمة اإلرهاب و عودة األمن‬

‫واالستقرار السياسي للبالد)التي نصبت شهر نوفمبر من سنة ‪ 2999‬إنشاء رئيس الجمهورية تظم ‪ 79‬عصوا كلهم‬

‫موظفون سامون ومسئولون لمؤسسات كبرى ‪،‬جامعيين منتخبين‪،‬كلهم مارسوا و لسنوات عديدة وظائف ومسؤوليات‬

‫هامة في القطاع‪ .‬وقد كانت لها مهام محددة و حرية كبيرة إلعداد و صياغة التقرير و التوصيات الالزمة‪.2‬‬

‫أنهت اللجنة عملها بتقرير هام و كبير مس مختلف مجاالت اإلدارة العمومية (من مرافق عمومية ‪،‬موارد بشرية‬

‫عاملة لدى الدولة و الجماعات المحلية‪)...‬كما حدد الفلسفة العامة لإلصال و أهدافه‪،‬و التركيز على التشخيص‬

‫الذي تم تقديمه‪.‬‬

‫أهم أهداف اإلصال تمحورت حول النقاط التالية‪:‬‬

‫‪ ‬دولة تكون في خدمة المجتمع و المواطن (من خالل توطيد العالقة دولة ‪/‬مجتمع)‪.‬‬

‫‪ ‬دولة قوي حديثة و فعالة (من خالل تبني نموذج جديد للتسيير القطاع العام‪،‬يضمن دوام و استم اررية النشاط‬

‫العمومي‪،‬و انسجام العمل الحكومي و تنمية السياسيات العمومية من خالل إعادة توزيع المهام و المسؤوليات‬

‫بين مختلف الهياكل اإلدارية من خالل تقنية التفويض و تجسيد فعلي لالمركزية ‪،‬حيث تكون الدولة اإلقليمية‬

‫(الجماعات المحلية ) كشريك للدولة المركزية‪.‬‬

‫‪ ‬باإلضافة لتبني سياسات جديدة للموارد البشرية تقوم على تنميتها و تقليل اإلنفاق الحكومي‪.‬‬

‫‪ ‬التركيز على اإلدارة بالنتائج (المناجمنت العمومي الحديث) ‪.‬‬

‫‪ ‬العمل بقاعدة التعاقد و الشراكة عام ‪/‬خاص‬

‫‪ ‬توسيع مساحة االستشارة للشركاء (االجتماعيين و االقتصاديين)للدولة و المجتمع المدني‪.‬‬

‫‪ -1‬سبقت هذه المبادرة محاوالت لإلصالح اإلداري السيما في مرحلة النقاش حول الميثاق الوطني لسنة ‪ l 679‬الذي أظهر عدم رضا‬
‫المواطن عن اإلدارة‪ ،‬فكلفت الرئاسة لجنة وزارية إلجراء تحقيق حول البيروقراطية ‪.‬بعدها وفي سنة ‪ l 689‬أنشئت لجنة وطنية لإلصالح‬
‫اإلداري ثم المحافظة للصالح و التجديد اإلداري في ‪، l 680‬ليتم حل المحافظة و توزيع مهامها على مختلف الوزارات في ‪ l 687‬و في‬
‫نفس السنة قدمت وزارة الداخلية ملفا تحت عنوان " البيروقراطية مظاهر و رهانات " و على أساسه اتخذت الحكومة عدة نصوص أهمها‪:‬‬
‫‪ -‬المرسوم‪ l9l - 88‬المؤرخ في ‪( l 688-57-50‬ج ر رقم ‪ ) 07‬ينظم العالقات بين اإلدارة و المواطن‪– .‬قرار وزارة الداخلية المؤرخ في‬
‫‪( l 688-56-50‬ج ر‪ ) 96‬ينظم العالقة بين اإلدارة المحلية و المواطن‪ .‬رغم ذلك بقي المواطن غير راض على أداء اإلدارة و الخدمات‬
‫التي تقدمها و هو ما تجل عند مناقشة مشروع الوئام المدني سنة ‪ l 666‬و ظهر مصطلح اإلرها اإلداري‪ .‬لكن قبل ذلك نذكر إنشاء هيئة‬
‫وسيطة بين اإلدارة والمواطن وهي 'وسيط الجمهورية' و دورها في محاربة البيروقراطية‪ ،‬ليتم إلغاؤها فيما بعد‪.‬‬

‫‪-‬‬
‫‪44‬‬
‫‪ ‬الحوار و دمقرطة عملية اتخاذ القرار في تحضير و تطبيق السياسة العامة‪.‬‬

‫هذه األهداف سعت الدولة لتجسيدها من خالل تبني تشريعات هامة أهمها ‪ -:‬قانون الوظيف العمومي‬

‫‪ -‬المرصد الوطني للمرفق العام ‪ -‬تجديد قوانين العمل‬

‫‪ -‬التنازل عن بعض صالحيات اإلدارة المركزية للجماعات المحلية (كالتنازل عن صالحية منح العقار الصناعي‬

‫و منح السكنات للوالة)‪.‬‬

‫‪ -‬تجديد وتحيين قانون الصفقات العمومية و تفويضات المرفق العام‬

‫‪ -‬مراجعة تشريعات الضرائب و قوانين مكافحة الفساد‪.‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬مقاربة المناجمنت العمومي الحديث‬

‫رسمت اإلصالحات اإلدارية في مختلف دول العالم أهدافا إستراتيجية عديدة للنهوض بالقطاع العام و تحديث‬

‫طرق تسييره و رفع مردوديته و زيادة كفاءته‪ ،‬ولتحقيق هذه األهداف اقتر المنظرون في االقتصاد و العلوم اإلدارية‬

‫و السياسيون اللجوء لمقاربة المناجمنت العمومي الحديث في القطاع العمومي اإلداري كأسلوب جديد لتسيير‬

‫المنظمات العمومية ‪،‬و الذي يرتكز بشكل أساسي على نقل أدوات و وسائل تسيير القطاع الخاص على القطاع‬

‫العمومي ‪.‬لذلك سنتطرق لماهية المناجمنت العمومي الحديث (المطلب األول) ثم لوسائله مع اإلشارة كلما سنحت‬

‫الفرصة لما هو مطبق في اإلدارة الجزائرية (المطلب الثاني)‪.‬‬

‫المطلب األول ‪ :‬ماهية المناجمنت العمومي الحديث‬

‫التسيير العمومي الحديث أو ما يرمز له ب‪) new public management( NPM‬كتصور جديد لكيفية إدارة‬

‫المنظمات العمومية اإلدارية عرف عدة تعاريف فقهية (الفرع األول) و التي رغم اختالفها تشترك في تحديد أهدافه‬

‫ومبادئه (الفرع الثاني) األمر الذي وّلد تقارب و تفاعل مع مفاهيم جديدة أخرى(الفرع الثالث) ‪.‬‬

‫الفرع األول‪ :‬تعريف المناجمنت العمومي الحديث و أصوله العلمية‬

‫الفقرة األولى‪:‬تعريفه‬

‫‪45‬‬
‫هناك تعاريف متعددة تختلف من حيث الزاوية التي ينظر بها إليه‪ ،‬لكنها تتفق من حيث التركيز على عناصر‬

‫و أهداف التسيير الحديث كما تصوره أول مرة المفكر كريستوفر هود (في دراسة أجراها في‪.1 )l99l‬‬

‫و أهم التعاريف أنه "مجموعة عناصر جديدة في تسيير اإلدارات العمومية و التي تفرض عليها أن تتخلى عن‬

‫المنطق و البعد القانوني و تصبح تخضع لمنطق اقتصادي من خالل إدراج مفهوم األداء الناجح و الجودة' ‪ .2‬لذلك‬

‫يقول ‪ G.Pollit‬أن الكلمات الدالة على التسيير العمومي الجديد هي ‪:‬ميكانيزمات السوق‪-‬الالمركزية‪-‬تحسين‬

‫النوعية والجودة‪ -‬و تسيير الحكومة كمؤسسة‪.‬‬

‫من جهة أخرى عرفته لجنة اإلدارة العامة التابعة لمنظمة التعاون االقتصادي و التنمية ‪ OCDE‬بأنه‪":‬نموذج جديد‬

‫يقوم على نشر ثقافة تحسين األداء في القطاع العام و تقليل المركزية‪.3 "...‬‬

‫كم عرفه آخرون أنه‪ :‬تصور جديد لكيفية إدارة المنظمات العمومية اإلدارية يقوم على نقل قواعد تسيير المنظمات‬

‫االقتصادية الخاصة و آليات السوق من أجل عصرنة هذه المنظمات و الرفع من مستوى أداءها ‪،‬و بالتالي زيادة‬

‫فعاليتها مما يقتضي تعيين واضح لألهداف ‪ ،‬مع األخذ بعين االعتبار التأثير الذي تمارسه البيئة على هذه‬

‫المنظمات باعتبارها نظاما مفتوحا ‪...‬الخ ‪.4‬‬

‫أهم ما يمكن مالحظته من خالل هذه التعاريف أنها تعاريف غير قانونية أي أن مفهوم المناجمنت العمومي الجديد‬

‫ليس مادة قانونية ‪،‬فقد يغلب عليه الطابع االقتصادي أو التسييري أو اإلداري حسب اتجاه صاحب التعريف ‪،‬وهذا‬

‫بخالف مفهوم التسيير القديم الذي يستمد مبادئه من العلوم القانونية و اإلدارية ‪.‬‬

‫و عليه نستنتج أن سبب ظهور ‪ NPM‬هو االختالالت و النقائص التي عرفها التنظيم البيروقراطي‪ ،‬وإخفاقه في‬

‫إيجاد حلول حقيقية ألبرز عيوبه و التي لم يتنبأ بها 'ويبر' أو أبقاها في الظل‪.5‬‬

‫‪ -1‬كريستوفر هود )‪ ) Christopher crooper Hood‬ولد سنة ‪ l 607‬و هو بروفيسور في جامعة اكسفورد و رئيسا لبرنا مج البحث‬
‫للخدمات العامة (‪) 20l0 - 0550‬أهم كتاباته ‪:‬حدود اإلدارة سنة‪. l679‬‬
‫‪ -‬أدوات الحكومة‪l 689‬‬
‫أدوات الحكومة في عصر المعلماتية‪. 0557‬‬
‫‪ -‬فن اإلدارة أو الدولة‬
‫و مقاالت عديدة و كتب أخر في مجال اإلدارة العامة و الخدمة العمومية و إصالحها ‪.‬‬

‫‪.‬‬

‫‪46‬‬
‫الفقرة الثانية ‪:‬األصول النظرية لمقاربة التسيير العمومي الحديث‬

‫يرتكز المناجمنت العمومي الحديث على أسس نظرية تعود أصولها لتيارين أساسين ‪ :‬األول اقتصادي و سمي ب‬

‫االقتصاد المؤسساتي الجديد‪ ،‬والثاني في علم التسيير ممثال في التسييرية أو المناجيريالية ‪managerialism‬‬

‫فاالقتصاديون ركزوا على المنطق االقتصادي في عمليات الحكومة ‪K‬في حين أدمج المسيرون تقنيات الخبرة‬

‫المهنية التسييرية للقطاع الخاص على القطاع العام‪.‬‬

‫و عليه ظهرت عدة نظريات لإلصال على أساس هذين االتجاهين‪ ،‬و كان ذلك بين سنوات ‪ l969‬أهمها نظريتي‬

‫الخيار العمومي ‪،‬و نظرية الوكالة‪.‬‬

‫و عموما يرى االقتصاديون أن النموذج التقليدي و البيروقراطي لم يحدث توازنا هيكليا سواء من حيث الكفاءة‬

‫و الفعالية و الحوافز التي توجد في السوق‪ ،‬ويرجع ذلك لتدخالت الحكومة غير المجدية و التي شكلت مع الوقت‬

‫عقبة قيدت نمو و حرية االقتصاد ‪،‬لذلك دعوا للتخلص من تدخل الحكومة و االستناد لآلليات السوق لتحسين‬

‫الكفاءة‪.‬‬

‫أما التسييرية فترى أن تطبيقات و مبادئ تسيير القطاع الخاص كفيلة بحل إشكاالت و عيوب البيروقراطية التي‬

‫تطبع القطاع العام ‪ ،‬وبالتالي البد من تبني المفاهيم التسييرية للقطاع الخاص في القطاع العام‪.‬‬

‫وكما قال أحد المفكرين البد أن تسير الحكومة كما تسير المؤسسة ألن ذلك من شأنه تغيير ثقافة و قيم و مهارات‬

‫المديرين(المسيرين)‪.‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬مقومات المناجمنت العمومي الحديث‬

‫من خالل التعاريف السابقة يمكن استخالص أهم مقومات التسيير العمومي الحديث كاآلتي‪:‬‬

‫‪ ‬من حيث طبيعة البيئة التي تنشط فيها المنظمات العمومية ‪ :‬فقد سبقت اإلشارة إلى أن اإلدارة التقليدية تنشط‬

‫في بيئة تتميز باحتكار عمومي للخدمة العمومية و للوسائل و الموارد‪ ،‬ومحاطة بكثرة القوانين و التنظيمات‬

‫و التعليمات‪ ،‬األمر الذي كان مركز انتقاد لطالبي الخدمات العامة‪،‬ألنها لم تستطع مواكب التطورات‬

‫‪47‬‬
‫و مسايرتها و بذال من خلق إدارة ديناميكية ظهرت إدارة عمومية تتسم بالجمود و التقوقع ‪،‬و عليه أضحى‬

‫االستناد لقواعد السوق و إضفاء الطابع التجاري على الخدمة أكثر من ضرورة‪.‬‬

‫‪ ‬من حيث الوسائل‪ :‬جاء ‪ NPM‬إلحداث قطيعة مع أدوات التسيير التقليدية و الحد من االعتماد الحصري على‬

‫البيروقراطية و تقليصها في تقديم الخدمات و استبدالها بآليات (ذات طبيعة اقتصادية)أكثر نجاعة ترتكز أساسا‬

‫على االعتماد المتزايد للقطاع الخاص و المؤسسات غير الحكومية )‪ ) NGOS‬كآلية بديلة لتقديم الخدمة من‬

‫خالل التعاقد الخارجي و االستعانة بالمصادر و اإلمكانيات الخاصة و التأكيد على إقامة شراكة بين القطاع‬

‫العام و القطاع الخاص و المنافسة و االعتماد على قوى السوق‪ ،‬وخلق بيئة مناسبة لنمو المشاريع الخاصة‬

‫(المؤسسات الصغيرة والمتوسطة) ‪.‬و من جهة أخرى (من الناحية اإلدارية)استبدال للبنى التقليدية و التسلسل‬

‫الهرمي و المركزي بأنظمة و هياكل ال مركزية(أو عدم التركيز)و تحديد المسؤوليات و استبعاد للبواعث‬

‫السياسية ‪ ،‬وتقديم الخدمة للمواطن(عن طريق التفويض'اترك المسير يسير')و إحكام الرقابة و تفعيل‬

‫الحوافز‪...‬الخ و استخدام تكنولوجيات الحديثة‪ ،‬وهو ما عبر عنه الباحثان كالرك و نيومان‪( l997‬في كتابهما‬

‫‪ ': )the managerial status‬ما بعد البيروقراطية'‪. 1‬‬

‫‪ ‬من حيث األهداف ‪ :‬يقوم التسيير التقليدي على مفاهيم محددة كالمركزية – التسلسل‪-‬التخطيط –المسؤولية‪-‬‬

‫حول المهام إلى أهداف في‬


‫القواعد و اإلجراءات‪...‬الخ أما التسيير الحديث فقد حمل معه مفاهيم جديدة حيث ّ‬

‫حد ذاتها ‪ ،‬والمعنى البد من إعادة ضبط مهام اإلدارة العمومية ‪،‬و تحديدها بدقة لتصبح أهدافا‪،‬و من أهدافه‪:‬‬

‫تحسين األداء‪ ،‬الفعالية‪ ،‬الفاعلية ‪،‬تغيير مركز االهتمام‪،‬ترشيد استعمال الموارد العمومية و التقشف في النفقات‬

‫العمومية اإلنتاجية‪،‬المساءلة ‪ ،‬الشفافية وهي كلها مستوحاة من المناجمنت الخاص‪ ،‬وهو ما يسمى 'بإعادة‬

‫اختراع الحكومة' أو ' إعادة صياغة الدولة'‪ .‬كما عبر عنه البعض‪.‬لذلك فإن مساءلة اإلدارة العمومية سوف‬

‫يكون بناء على النتائج و رضا المواطن ال على أساس مدى احترام القواعد و اإلجراءات‪ .2‬وهو ما يوضحه‬

‫الجدول التالي (المصدر‪) anne ammar et Ludovic-op cit :‬‬

‫‪2‬‬
‫‪-voir.‬‬
‫‪48‬‬
‫اإلدارة الحديثة‬ ‫اإلدارة العامة التقليدية‬ ‫العناصر‬

‫الوصول للزبائن و تحقيق رضا‬ ‫احترام القواعد و التنظيمات‬ ‫األهداف‬

‫المواطن‬

‫واضحة وموزعة‬ ‫معقدة‬ ‫تقسيم المسؤوليات‬

‫استقاللية المسير‬ ‫مقسمة على أساس التخصص‬ ‫تنفيذ المهام‬

‫التعاقد‬ ‫على أساس المسابقات‬ ‫التوظيف‬

‫على أساس الجدارة و الكفاءة و القدرة‬ ‫على أساس األقدمية‬ ‫االرتقاء في سلم الوظيفة‬

‫على تحمل المسؤوليات‬

‫تركز على النتائج‬ ‫تركز على الوسائل‬ ‫نوع الميزانية‬

‫الفرع الثالث‪ :‬المناجمنت الحديث و بعض المفاهيم‬

‫يثير المناجمنت العمومي الحديث مفاهيم ذات صلة أهمها الحكم الراشد و الشراكة مع القطاع الخاص‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪:‬المناجمنت العمومي الحديث و مفهوم الحكم الراشد‬

‫ساهمت مقاربة التسيير العمومي الحديث بلورة و بروز مفهوم جديد و هو الحكم الراشد ‪،‬فما العالقة بينها؟‬

‫هناك عدة اتجاهات فكرية لتعريف الحكم الراشد مثال ‪:‬تعريف البنك الدولي ‪:‬فهو أسلوب ممارسة الحكم في إدارة‬

‫الموارد االقتصادية و االجتماعية للدولة من أجل التنمية"‪.1‬‬

‫و عرفه كوفمان (باحث وخبير لدى البنك الدولي) على انه ‪:‬الحكم الراشد يتضمن القواعد و العمليات و الممارسات‬

‫التي تمارس من خاللها السلطة في بلد ما معتمدة في ذلك على التسيير الحسن للمؤسسات و اختيار السياسات و‬

‫‪2‬‬
‫تنسيقها من أجل تقديم خدمات جيدة و فعالة‪".‬‬

‫‪49‬‬
‫و عرفه برنامج األمم المتحدة اإلنمائي ‪ UNDP‬بأنه‪ :‬ممارسة السلطة االقتصادية و اإلدارية إلدارة شؤون الدولة‬

‫في كل المستويات من خالل آ ليات و عمليات و مؤسسات يستطيع من خاللها األفراد و الجماعات التعبير عن‬

‫‪1‬‬
‫مصالحهم و ممارسة حقوقهم القانونية و الوفاء بالتزاماتهم و تسوية خالفاتهم" ‪.‬‬

‫يتضح من هذه التعاريف أن الحكم الراشد هو مقاربة تعكس تحوال في إدارة شؤون الدولة من شكلها التقليدي إلى‬

‫إ دارة متكيفة و متجاوبة و متطلبات مواطنيها و تستخدم كل الوسائل الالزمة للوصول لهذه األهداف بشفافية‬

‫و مسؤولية أمام المواطنين‪.‬‬

‫لذلك يرى الباحثون أن اعتماد مقاربة الحكم الراشد و تطبيق مبادئه من شأنه تهيئة اإلطار العام المساعد على‬

‫تفعيل تطبيق إستراتيجية التسيير العمومي الحديث‪.‬‬

‫الفقرة الثانية ‪ :‬الشراكة بين القطاع العام و الخاص أحد مرتكزات ‪NPM‬‬

‫الشراكة بين القطاع العام والخاص (‪2)PPP‬هي نوع من أنواع التعاقدات التي تتم بين قطاعات الدولة مع القطاع‬

‫الخاص لتنفيذ مشروعات ضخمة تحتاج على تمويل كبير (مثل مشروعات البنية التحتية) وقد عرف هذا المجال‬

‫تطو ار ملحوظا كان نتاج إرساء مبادئ التسيير العمومي الحديث الذي ظهر أواخر القرن العشرين ‪،‬باإلضافة‬

‫لضغوطات العولمة التي فرضت إجراء توازنات جديدة تستند أساسا لتقليص دور الدولة من الناحية االقتصادية‬

‫و االجتماعية و البحث عن الفعالية في تقديم الخدمة العمومية بجودة وكفاءة ‪،‬في ظل نقص الموارد و شح‬

‫الميزانيات ‪ .‬األمر الذي فرض اللجوء بداية للخوصصة كحل أو كأداة تسمح بتفعيل القطاع الخاص ‪،‬غير أن هذه‬

‫األخيرة أنتجت مشاكل أكثر ‪،‬فكان اللجوء للشراكة بين القطاعين العام والخاص (في شكل عقود مختلفة كعقد‬

‫االمتياز ‪،‬عقد البوت ‪)... BOT‬في مجاالت عديدة (الصحة –اإلسكان –التعليم –البنية التحتية –و الخدمات‬

‫االجتماعية)‪ 3‬هي الحل األمثل إذا ما توافرت شروط معينة حددها القانون( كضرورة إضفاء رقابة الدولة الدائمة‬

‫وتحمل المخاطر)‪.‬‬

‫‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- public private partenership‬‬
‫‪ -3‬ظهر هذا النوع من األعمال في تسعينات القرن ال‪، 05‬و ظهر في العديد من الدول مثل بريطانيا و الهند وروسيا و كندا وروسيا و‬
‫استراليا نو يزداد الطلب في الوقت الحالي على هذ ا النوع من األعمال نظرا لعدم كفاية االستثمارات الحكومية في الدول ‪،‬و الطلب المتزايد‬
‫على مشاريع البنية التحتية األساسية نظرا لزيادة السكان‪.‬‬
‫‪50‬‬
‫هذا وقد وردت تعريفات عديدة لهذا األسلوب من التعاقد ‪:‬‬

‫‪ ‬فقد عرفه صندوق النقد ا لدولي بأنها ‪ ":‬الترتيبات التي يقوم فيها القطاع الخاص بتقديم أصول و خدمات تتعلق‬

‫بالبنية التحتية ‪،‬جرت العادة أن تقدمها الحكومة ‪،‬وقد تنشأ هذه الشراكة من خالل عقود االمتياز ‪،‬التأجير‬

‫التشغيل‪. 1‬‬

‫‪ ‬و عرفته المفوضية األوربية للشراكة بين القطاعين العام والخاص في الكتاب األخضر الصادر في ‪ 39‬نيسان‬

‫‪ 2994‬بأنها ‪":‬شكل من أشكال التعاون بين السلطات العامة و عالم الشركات و الني تهدف لتحقيق تمويل‬

‫‪2‬‬
‫إنشاء –تجديد –إدارة و صيانة بنية أساسية أو تأثيث مرفق‪.‬‬

‫عرف الشراكة بين القطاعين على أنها‪ :‬أشكال من‬


‫‪ ‬أما منظمة األمم المتحدة للتنمية الصناعية (يونيدو) فقد ّ‬

‫التعاون من خاللها يتولى الشريكان (العام والخاص) معا الملكية و المسؤولية‪ ،‬وغالبا ما تكون الشراكة في‬

‫قطاعات البنية األساسية والمرافق العامة‪.3‬‬

‫‪ ‬من جهتها الوحدة المركزية للشراكة مع القطاع الخاص بو ازرة المالية المصرية ترى أن الشراكة مع القطاع‬

‫الخاص تعد بمثابة عالقة طويلة األجل بين الجهات اإلدارية بالدولة و القطاع الخاص تهدف إلى قيام القطاع‬

‫بتقديم خدمات أو بتنفيذ مشروعات كانت أجهزة الدولة منوطة بتنفيذها ‪ ،‬دون اإلخالل بدور الحكومة في‬

‫النهوض بالخدمات و المشروعات العامة و تقديم الخدمة‪.4‬‬

‫‪ ‬في حين يرى بعض األكاديميين أن ‪ PPP‬هو عقد إداري يعهد بمقتضاه أحد أشخاص القطاع العام على احد‬

‫أشخاص القطاع الخاص القيام بتمويل االستثمار المتعلق باألعمال و التجهيزات الضرورية للمرفق العام و‬

‫إدارتها و صيانتها طوال مدة العقد المحدد مقابل مبالغ مالية تلتزم اإلدارة المتعاقدة بدفعها إليه بشكل مج أز‬

‫‪5‬‬
‫طوال فترة التعاقد‪.‬‬

‫‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫‪51‬‬
‫‪ ‬فيما يخص الدولة الجزائرية سعت إلرساء هذا األسلوب لتقديم الخدمة من خالل ميثاق الشراكة بين القطاع‬

‫العام والخاص بحضور الطرف االجتماعي و هو المركزية النقابية‪.‬‬

‫‪ ‬أما من حيث الصيغة القانونية فالشراكة تتم من خالل عقود من القانون العام بتسميات مختلفة كعقد االمتياز –‬

‫التأجير تضمنها قانون الصفقات العمومية‪ ،‬باإلضافة لمؤسسات االقتصاد المختلط (الشراكة في رأس المال)‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬وسائل المناجمنت العمومي الحديث‬

‫يعتمد التسيير العمومي الحديث على عدة وسائل أهمها ‪:‬االتصال ‪،‬التسيير المالي‪،‬إدارة الموارد البشرية‪.‬‬

‫الفرع األول‪:‬االتصال‬

‫و يعد أحد أهم وسائل ‪ NPM‬و قد عرفه التسيير البيروقراطي لكنه لم يتم تفعيله و إعطاءه األهمية الالزمة في‬

‫ممارسات اإلدارة العمومية‪ .‬فاالتصال في أي منظمة عمومية يمثل همزة الوصل بين اإلدارة العليا و موظفيها في كافة‬

‫مستويات الهيكل التنظيمي و هو ما يعرف باالتصال الداخلي‪،‬من جهة أخرى تزداد أهميته في عالقة المنظمة بالمواطن‬

‫و هو ما يعرف باالتصال الخارجي‪.‬‬

‫لالتصال أنواع – كما هو معروف (في مقياس اإلدارة العامة) – فهناك االتصاالت العمودية و األفقية‪،‬و االتصاالت‬

‫الموثقة وغير الموثقة‪،‬و االتصاالت الرسمية و غير الرسمية‪. 1‬و المالحظ أن تفعيل االتصال له أهمية قصوى في‬

‫تحسين الخدمة العمومية و رضا المواطن عن الخدمة‪،‬و قد كانت أبرز عيوب اإلدارة العمومية في الج ازئر هو غياب‬

‫أو نقص في آلية االتصال ‪ ،‬لذلك فإن كل مبادرات اإلصال اإلداري ركزت على هذه التقنية بالنظر ألهميتها في اتخاذ‬

‫الق اررات المناسبة و تحسين األداء‪ ،‬األمر الذي من شانه إعطاء نتائج ملموسة و سريعة السيما بعد إدماج‬

‫التكنولوجيات الحديثة التي ساهمت في تطوير هذه اآللية و إعطاء نظرة جديدة ( للمستخدم‪-‬المرتفق) الذي أصبح ينظر‬

‫إليه كزبون يجب إرضاؤه و هو ما يعني إدخال مفهوم التسويق في األجهزة اإلدارية العمومية‪، 2‬لذلك ظهر هذا‬

‫‪ -1‬تطرق له الطلبة في موضوع وظائف اإلدارة العمومية –ماستر ‪. l‬‬


‫‪ -2‬التسويق أو ماركتينغ(‪ )marketing‬كلمة باالنجليزية نشأت ألول مرة في الو م ا في بداية القرن ال‪، 05‬و أدخلت فيما بعد إل أوربا بعد‬
‫نهاية الحر العالمية الثانية ‪،‬بالفرنسية (‪ ) commercialisation‬و تعني التسويق و هذا بعد االزدهار االقتصادي الذي عرفه العالم الغربي‬
‫‪52‬‬
‫المصطلح الذي ال يختلف عن التسويق في المؤسسات الخاصة‪،‬غير أن اإلدارة العمومية تسوق خدمات عمومية تكون‬

‫من خاللها ملزمة بتحسين تعاملها مع المواطن و تزويده بالمعلومات و التقرب منه لمعرفة حاجياته و طموحاته‪،‬بل‬

‫و إشراكه في عملية اتخاذ القرار‪.1‬‬

‫في الوقت الراهن تعرف عملية التسويق العمومي ازدها ار ملموسا في المرافق العمومية ذات الطابع الصناعي و‬

‫التجاري (الهاتف‪-‬الكهرباء‪ -‬المياه‪ )...‬و هو ما لم تبلغه في المرافق اإلدارية (اإلدارة العمومية )بالنظر لخصوصية‬

‫الخدمة العمومية المقدمة(كالعدالة و األمن والضمان االجتماعي‪. )...‬‬

‫الفرع الثاني ‪:‬التسيير المالي‬

‫يرتكز المناجمنت العمومي الحديث في جانبه المالي على عدة مبادئ ترتكز أساسا على خفض التكاليف و النفقات‬

‫العمومية ‪ ،‬وتغ طية الميزانيات (تجنب العجز المالي) و السعي لتحقيق أكبر قدر من الشفافية المالية في المعامالت و‬

‫توزيع الموارد ‪،‬الفصل بين المشتري و الموفر ‪ ،‬الالمركزية في التسيير ‪،‬استحداث إدارة األداء و إدخال آليات السوق‬

‫للقطاع العام ‪.‬‬

‫و من جهة أخرى‪ ،‬و نظ ار الرتفاع حجم نفقاتها العمومية‪،‬اعتمدت الحكومات و بدواعي اإلصال العتماد أسلوب‬

‫المحاسبة التحليلية و إدماجه في القطاع العام اإلداري بعد النجا الذي حققته في القطاع االقتصادي (منذ سنوات‬

‫الثمانينات)و ذلك بهدف التحكم في النفقات العمومية و ترشيدها‪ 2‬و تحديد المسؤوليات بالنظر لكونها تعتمد –و بخالف‬

‫المحاسبة العمومية التقليدية‪ -‬على الرقابة على عناصر التكاليف و توفير المعلومات و البيانات التفصيلية التي تسمح‬

‫باتخاذ القرار المناسب األمر الذي يساعد و بشكل فعال في إعداد الميزانية ‪.‬‬

‫و ازدياد االستهالك و كثرة المنافسة ‪.‬و يعرف على أنه ‪:‬مجموع التقنيات أوالنشاطات التي تهدف إلى ترقية المنتوجات أو الخدمات بما‬
‫يتوافق مع احتياجات المستفيدين ‪.‬‬
‫التسويق العمومي عملية معقدة بالمقارنة مع الماركتينغ الخاص بسبب صعوبة إحصاء و جمع المعلومات لتحديد احتياجات المستفيدين من‬
‫الخدمة ‪.‬و أهم التقنيات المس تعملة في التسويق هي ‪:‬صبر اآلراء ‪،‬االحتجاجات ‪،‬شكاوي المواطنين المستفيدين من الخدمة( شفوية أو كتابية)‬
‫في سجل االحتجاجات ‪،‬قائمة األسئلة(‪ ( questionnaire‬المقدم من طرف اإلدارة‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫‪-s‬‬
‫‪ -2‬بالفرنسية يطلق عليه ‪ )rationalisation des choix budgét aires ( RCB‬و باالنجليزية ‪Planning Progaming (PPBS‬‬
‫‪Budgeting‬‬
‫‪53‬‬
‫هذا وتعتبر المحاسبة التحليلية إحدى إف ارزات التطور االقتصادي خصوصا بعد فشل المحاسبة العامة غي توفير‬

‫المعلومات الكافية لتحليل نشاط المؤسسة‪ ،‬فهي تسمح بحماية المؤسسة من الخسائر بسبب االستخدام غير الرشيد‬

‫لمواردها و مراقبة التسيير ‪،‬كما تهدف لتحليل االنحرافات و تحديد المسؤوليات‪.1‬‬

‫الفرع الثالث‪ :‬إدارة الموارد البشرية‬

‫تعتبر الموارد البشرية ركيزة كل إصال إداري باعتبار العنصر البشري أهم عوامل اإلنتاج ‪،‬و هو المتحكم في نجا‬

‫تسيير الموارد المادية و المالية ألي جهاز إداري ‪،‬وبالتالي تحقيق األهداف المسطرة ‪.‬و على هذا األساس أولى‬

‫المناجمنت العمومي الحديث اهتماما كبي ار بإدارة الموارد البشرية من خالل نقل أدوات تسييرها و تنميتها من القطاع‬

‫الخاص إلى القطاع العام في بحثه عن الفعالية و األداء و تشجيع العمل الجماعي و التي يوفرها العنصر البشري‬

‫الكفء و المؤهل باألعداد و النوعية الالزمة‪ ،‬السيما في ظل التحوالت و التحديات الداخلية و الخارجية(كاشتداد‬

‫‪.‬‬ ‫‪2‬‬
‫المنافسة و تسارع وتيرة التكنولوجيا‪)...‬‬

‫و أهم أدوات ‪ NPM‬لتنمية الموارد البشرية ‪،‬نذكر ما يلي‪:‬‬

‫* اعتماد معايير جديدة للتوظيف تقوم عل أساس الكفاءة و ليس مبدأ المساواة‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫* االعتماد على مبدأ التعاقد ال التوظيف مدى الحياة ‪.‬‬

‫*االعتماد على أ سس جديدة لتقييم األداء و تحديد األجر و المكافآت على أساس الكفاءة و المردودية و التحفيز‪.4‬‬

‫* التسيير التوقعي للموارد البشرية العمومية من خالل وضع خطط سنوية للتسيير على مستوى مختلف المؤسسات‬

‫و اإلدارات العمومية ‪،5‬في إطار تسيير تقديري لتعدادات الوظيفة العمومية ‪ ،‬وتشمل هذه المخططات مختلف عمليات‬

‫‪ -1‬لمزيد من التفصيل راجع ‪:‬دروس في المحاسبة التحليلية على موقع‬

‫‪ -5‬راجع مثال ‪:‬المرسومين التنفيذيين‪ l 09 -60‬و ‪ 60 -69‬اللذان يبينان أن تسيير الموارد البشرية في الوظيفة العمومية غايته إبراز تسيير‬
‫توقعي للوظائف و تحسين مؤهالت الموظفين من خالل المخططات السنوية و المخططات القطاعية السنوية أو متعددة السنوات للتكوين و‬
‫تحسين المستوى و تجديد المعلومات لفائدة الموظفين ‪.‬‬
‫‪54‬‬
‫تسيير الموارد البشرية بعنوان السنة المالية المعنية السيما ما تعلق بالتوظيف ‪،‬الترقية ‪،‬الحركات الدورية للموظفين‬

‫اإلحالة عل التقاعد ‪...‬‬

‫‪55‬‬

You might also like