Professional Documents
Culture Documents
ملف جروب مجانين قصيدة النثر عن الشاعر المصري مؤمن سمير
ملف جروب مجانين قصيدة النثر عن الشاعر المصري مؤمن سمير
-أمين عام مؤتمر "المشيد الثقافي الراىن في بني سويف" المنعقد في .ٕٖٓٔ-ٗ-ٕٜ
-سجل الباحث " محمد عبد المريد " رسالة ماجستير في جامعة جنوب الوادي بمصر ،بعنوان
"آليات الخطاب الشعري في قصيدة النثر .مؤمن سمير أنموذجاً".
1
-صدر عن تجربتو كتاب ":بصيرة المتشكك ..نقد أعمال مؤمن سمير الشعرية" تحرير وتقديم /
مرفت محمد يس ،عن الييئة المصرية العامة لمكتابٕٕٓٓ.
-تم تكريمو من العديد من الييئات والمؤسسات منيا :الييئة العامة لقصور الثقافة– الشئون
المعنوية لمقوات المسمحة المصرية– اتحاد ال ُكتَّاب فرع شمال الصعيد– اتحاد ال ُكتَّاب فرع بني
سويف والفيوم -حزب التجمع التقدمي الوحدوي – مؤسسة أسرار األسبوع.
ٕ -ىواء جاف يجرح المالمح .شعر ،الييئة العامة لقصور الثقافة ٕٓٓٓ.
ٖ -غاية النشوة .شعر ،طبعة أولى :الييئة العامة لقصور الثقافة ٕٕٓٓ .طبعة ثانية :مكتبة
األسرة ٖٕٓٓ.
ِ٘ -
السرّيون القدماء .شعر ،الييئة المصرية العامة لمكتاب ٖٕٓٓ.
-ٜبقع الخالص .مونودراما ،الييئة العامة لقصور الثقافة ،بيت ثقافة الفشنٕٓٔٓ.
ٓٔ -إضاءة خافتة وموسيقى .مجموعة مسرحية ،الييئة المصرية العامة لمكتاب.ٕٜٓٓ
ٔٔ -يطل عمى الحواس .شعر .كتاب اليوم .دار أخبار اليومٕٓٔٓ.
2
ٖٔ-أوراد النوستالجيا .مقاالت نقدية .إقميم القاىرة الكبرى الثقافئٕٔٓ.
ٗٔ -رفة شبح في الظييرة .شعر .الييئة المصرية العامة لمكتابٖٕٔٓ.
الغ ْم ِر كالغابة كاألسالف .شعر .الييئة العامة لقصور الثقافة ٖٕٔٓ. ٘ٔ -عالِ ٌ
ق في َ
وحيد يقبعُ في لوحة وكتابات أخرى ،مقاالت ،مطبوعات اتحاد ال ُكتَّاب فرع بني
كائن ٌ
ٌ -ٔٙ
سويف والمنيا .ٕٓٔٙ
-ٔٛصياد السمك الناطق وقصص أخرى لمصغار ،تأليف/مكسيم جوركي .إعداد وترجمة
/مؤمن سمير ،الييئة المصرية العامة لمكتاب.ٕٓٔٙ
ٕٓ -بال خبز وال نبيذ ،شعر ،الييئة المصرية العامة لمكتاب.ٕٓٔٚ
ٖٕ-أناشيد الغيمة المارقة ،الموجة األحدث في قصيدة النثر المصرية ،منشورات مجمة نصوص
من خارج المغة ،المغرب.ٕٜٓٔ
-ٕٚحكاية بني سويف الجميمة ،دراسات شعبية ،إقميم القاىرة الكبرى الثقافيٕٕٓٓ.
فأس و حفرات في المحم (أوكار المعب مع الحياة) ،سيرة ذاتية ،دار النابغة.ٕٕٓٔ،
ٌ -ٕٛ
3
ٖٓ-تدوينات ثقافية ،دار ميتابوك.ٕٕٓٔ،
ٍٖٔ -
ببطء كأنو كبرياء ،شعر ،دار الدراويش ،ألمانيا.ٕٕٕٓ،
ٔ* المسابقة اإلبداعية لو ازرة الشباب والرياضة عام .ٜٜٔٛالمركز األول .فرع المسرحية .
ٕ* المسابقة اإلبداعية لو ازرة الشباب والرياضة عامٕٓٓٓ .المركز الثاني .فرع القصيدة .
ٖ * المسابقة المركزية لييئة قصور الثقافة عام ٜٜٔٛالمركز الثاني .فرع القصيدة .
ٗ* المسابقة المركزية لييئة قصور الثقافة عامٕٕٓٓ المركز الثاني .فرع مسرحية األطفال .
٘*المسابقة المركزية لييئة قصور الثقافة عام ٕٓٔٓ المركز الثالث .فرع ديوان شعر الفصحى.
*ٙجائزة فرع النقد بمسابقة فرع بني سويف الثقافي عام ٕٔٓٓ.
*ٛجائزة سعاد الصباح ،فرع مسرحية الفصل الواحد ،المركز الثاني .عام ٕٕٓٓ .
*ٜجائزة أفضل ديوان شعر فصحى بالنشر اإلقميمي -ىيئة قصور الثقافة عامٕٕٓٓ.
ٓٔ* جائزة مركز رامتان ،فرع القصة القصيرة ،المركز الثاني .عام ٕٗٓٓ.
ٔٔ* جائزة كتاب اليوم ،فرع ديوان شعر الفصحى ،المركز األول .عام ٕٓٔٓ.
ٕٔ* شيادة تقدير عن الوصول لمقائمة القصيرة بمسابقة شباب المبدعين المسرحية – المجمس
األعمى لمثقافة عامٕٔٓٓ.
ٖٔ * شيادة تقدير عن الوصول لمقائمة القصيرة بمسابقة جائزة كتاب اليوم فرع القصة
القصيرة.عامٕٓٔٓ .
ٗٔ * جائزة األديب محمد أبو الخير لمشعر عن ديوان "عالق في الغمر كالغابة كاألسالف" عام
ٕٗٔٓ.
4
٘ٔ*جائزة التأليف المسرحي ،المجمس األعمى لمثقافة ،المركز الثالث .عام ٕٕٓٓ .
أخبار األدب – سطور – المحيط الثقافي – المساء – الجريدة – إضاءة - ٚٚالكرمة – إبداع
– العربي – أدب ونقد – األىالي – الثقافة الجديدة – القاىرة – فنون – عيون – برديات –
الشعر – القدس العربي – الموجز – القبس – نزوي – اليالل – اإلذاعة والتميفزيون -ضاد –
األخبار -األىرام – الدوحة – فواصل – المجمة – أبيض واسود – مسرحنا – الخميج – العرب –
السفير -الدستور -الحياة – الحركة الشعرية – – Rêالشرق األوسط -تراث -المستقبل العراقي
– المصري اليوم – مجمة الجديد -الرأي -رؤى.
ب عن تجربتو :
* َكتَ َ
محمد مستجاب – د .أيمن بكر – وائل النوبي – بييج إسماعيل – محمود الحمواني – يسري
حسان – د .عبد الحكم العالمي – د .عفاف عبد المعطي – د .مجدي أحمد توفيق – عبد
العزيز موافي – محمد األسعد – كريم اليزاع – ميرفت محمد يس – أحمد الشياوي – نور
د .مصطفى الضبع – أحمد عادل اليدى عبد المنعم – شريف عبد اهلل – محمود األزىري –
القضابي – عاطف محمد عبد المجيد – د .أماني فؤاد – د.محمود أحمد عبد اهلل – خالد محمد
الصاوي – زينب الغازي – حاتم مرعي – بياء جاىين – د.أشرف عطية -د.صالح فاروق-
شريف رزق -د.شعيب خمف -ياسمين مجدي -د.محمود الضبع – أحمد عزت مدني – خالد
حسان -د.محمد عزت – عيد عبد الحميم -عمر شيريار -د.أحمد الصغير -ممدوح رزق –
ياسر المحمدي – أسامة بدر – د.محمد السيد إسماعيل – د.أسماء عطا جاد اهلل – د.عبد
الناصر عيسوي – أشرف قاسم – عبد الرحمن تمام – د.ىويدا صالح – د.محمد سمير عبد
السالم – محسن البالسي-أحمد الالوندي –ىبو مصطفى أحمد -جمال القصاص -محمد عيد
إبراىيم – د.حاتم الجوىري -عطية معبد – وليد عالء الدين – د.عصام حسين عبد الرحمن-
أسامة الحداد – د.كمال المييب – د.بياء مزيد – د.عبد الناصر ىالل – محمد محمد
5
مستجاب -أشرف البوالقي – أحمد إسماعيل – أحمد رجب شمتوت -عصام الزىيري -د.حمزة
قناوي – د.عادل ضرغام-د.محمد سميم شوشة-محمد يونس.
أستأنف طريقي
َ و
لمقمعة الكبيرة...
النير يعوقني
و الجميمةُ المأسورةُ
ك عظامي.. رسائميا تُ ِ
شكش ُ
تبتسم
ُ رسالتيا األخيرة كانت غيمةً
ثم تبكي..
و التي ْقبمَيا
طمَّ ٍة من حرير
كانت وردةً بِ َ
ٍ
حكاية ألخرى تنتق ُل من
كنت وحدي
باألمس ُ
6
وكنت خائفاً..
ُ
مينين..
خفاشين َس ْ
ْ اصطدت
ُ و
فركت الج َن ِ
احات ُ َ
ت رمادىما في طبقي
ألقي ُ
و ْ
البيت بالعواء
ُ ...وىكذا امتأل
يطير فوق ِ
النير.. صرت وحشاً َ
ُ و
بذكراىا..
كل حصاد..
َ
------------------------------------------------------
"جزيرةٌ لاريتنا"
خباز يا صديقتي و أحم ُل أرغفةً في قمبي ..عمى ظَ ْيري تحبو سفينةٌ بال عواصف ورأسيأنا ٌ
ساحة بيتِ ُكم
ِ ت كالمجنون في
كبيرةٌ تدخل بين شارعين وال تخرُج إال بفضيحة ..صدقيني يوم َىتَ ْف ُ
كنت أر ِ
يدك أن تقولي إنك وقمت إن ساعي البريد يموت وأن الصغار صاروا يعافون أرغفتيُ ، ُ
ِ
اكتفيت بأن تذكري نيران مخبزي ِّك لمسقَّاء وال َك َّواء وبائع األحالمِ ..
لكنك أحببتني أكثر من حب ِ
ُ
الناس أبي الذي كان َي ِغش
الكالب وينسى ُُ بالخير كي تزداد ىي اشتعاالً ويأكل المصوص و
يرك و تطيري وأمد أنا يدي وأتناول ظمَّ ِك الجميل
ظ ِ
يدك أن تشيقي وتعطيني َ كنت أر ِ
الدقيقُ ..
تحترق من الموعة..
ُ عروس ٍ
بعيدة تطفو عمى ساحل المحيط ،كأنيا ٍ
مدينة ونيرب إلى
ٌ
7
-----------------------------------------------------
---------------------------------------------------
الجموس عمى ساللم البيوت وساللم الساحات و ساللم المترو ..ثم يممكون فمسفةً ليذا
َ يحبون
طيور تجمدت ،كانت تضحك ثم مرت غيمات و غيمات فوق ٍ أقدام
األمر ..يقولون إن الساللم ُ
رأسيا ،فأخذ وجييا في التجيم حتى التقطَ القَ َد ُر المقطةَ ىكذا ..إذن كان دورىم أن ينظر كل
ك بعمق ،إذ ربما تصحو مظمةٌ من ذاكرة إحدى البيوت احد في قمب اآلخر ثم يضحك ،يضح ُ و ٍ
تحمم بأن تتوالى بال نياية ..أو ربما يفيق وتحوش المطر من غير أن تنجرح كبرياء َ ِ
الد َرجات أو َ َ ُ
تصعد وتيبط،
ُ الحرب و
ُ أسير عندما يتذكر ساقو المقطوعة التي سندوا بيا األحجار ،كي تعدو
ٌ
كأنيا طفمةٌ َن َمت ليا جناحات..
---------------------------------------------------
8
"قُ َب ْيل الفضيحة"
-----------------------------------------------------
9
حفيف وىمس ..لم ال أرسم عمييا قطة
ٌ كذلك
َ نظرت و ليا
ُ وجدت مساحة تزيد في بسطتيا كمماُ
اختار أال يزحف حول عنقي في مخمص في حبي لكل ٍ
حبل وديع، ٌ تضحك لعفاريتيا(أنا
َ تغني أو
َ
ِ
الحرب.. عدت من ِ
الكيف كمما أرسم الوردةَ التي تنتظرني خارج
ُ األحالم) ..من الممكن كذلك أن َ
وجنتييا المجرم ..لكنوُ وىو يرتعش ،قرر أن
ْ كنت أتحرج أن أذوقيا بسبب احمرار و دائماً ما ُ
ٍ
ط ..منذ سنوات و ىذا الغامض يحيره ،وىا قد آن األوان ألن يكشفوُ
قمبوُ ويرشقو عمى الحائ ْ
ُيخرج َ
ويمأل المكان بصدى السؤال :لماذا تربكني يا جاري رغم أني تركت لك ضموعي لترعى وتغني
َّم األصوات ِ
تمطر خارَج أذنيو ،قَس َ
ُ ق عيناً وفتح األخرى وكانت الدنيا
َغمَ َ
لما أ ْ
وقت األصيل؟َّ ..
ٍ
قاطعة كاإلزميل ،ارقَوُ رنينيا فمصقيا في سقف الكيف لتصفو أكثر: ٍ
بجممة التي وراء الكيف
قَسَّميا إلى "شييق األرض وزفير السماء" ..عشنا عمرنا كمو وكالم السماء المتمعثم ىذا ،كمما
ألمر ٍ
سيل مثل ثعمب عجوز ..لكن بالنسبة ٍ مكار كأنوُ ٌ ازرنا ،نرتعب ..و حديث األرض ،طبعاًٌ ،
الشتاء أذنين وىذه ٍ
متعال بال ْ أب
جيد :يقول ببساطة ،ىو دائماً ٌ الصيف مثالً ،فإنو ال يبذل أي ٍ
ُ ُ
وظميا ناشف ،كمما َدلَقت تعميماتيا في العمود الفقري ،تنكسر الجناحات ..أخي اًر ،و أم جافةٌ ِ
ٌ
تحم َس وأخ َذ يربط كل أفكارِه
بالنسبة ليومنا الجميل ىذا ،فإنوُ قد استيقظَ نشيطاً وقوياً ،فيداً واثقاًَّ ،
حبل واحد ..كان سعيداً وىو يضع كل إنجازاتو تحت ِ
فخذه و يفتميا كأنوُ ُم َعمِّ ٌم المتوىجة في ٍ
ُ
بجنون ،ولذراعيا التي ٍ قدام ،لعيونيا الواسعة التي تتمشى داخمو ِ
ماىر ..يريد أن يقدميا ،ىذا الم ُ
ٍ
فوجئ بأقدامو تتقدم
َ تدغدغُ روحو بانسيابية ،و َش ْع ِرىا الذي َ
أليموُ رسمة الوسادة المتكممة ..لكنوُ
ِ
الخوف انتصر عمى السْيل و
َ الظاىر أنوُ ما زال مترددًا ،رغم أنوُ وقف في وجو َ ُ خطوة ثم ترجع..
لم َح ابتسامةً تتنيد
ويفتح األخرى كمما َ
ُ أمام الناس كميم ..يبدو أنوُ ظَ َّل َحِذ اًر بالسميقة ،يغمق عيناً
تكبر وتقو ُل تعال.. ِ
تكبر في ضوء النيرانُ .. وراء باب الكيف ..ابتسامةً ُ
-----------------------------------------------------
اب..
اب و أغمقوا األبو َ
فَتَحوا األبو َ
11
والنور الذي جمبوه من صندوق المالبس القديم
ِ
بروحو المكان.. فينقش
ٍ
بسخاء أكبر.. كنا طرنا وألقينا الدموع
آخر
كنا ربينا َج َناحاً و َ
تياح
كي نحبيم وننسى تنييدةَ االر ِ
وقت سقوطيم..
لوقت الغارِة..
11
لكنيم لحسن الحظ تجاىموا نظاراتنا
ٍ
كقصور تصمح
ُ والكراتين التي
لمدمى و العرائس..
ُ
تطير في المقبرة
ىذه قبمةٌ ُ
الوحش
ُ لينام
ون َ أو أخذوا يغن َ
السأَم..
يموت َ
َ و
12
-------------------------------------------------------
ع بصمَ ٍ
ف يجتاز الشار َ َ
كر
وي ُكر الساللم َّاً
ُ
ِ
وظيورك الدائم في مرآتي.. ِ
اختفائك
و
ِ
وخيانة أبي وعمي صْم ِب جدي
َ
الممَثَّمين
و قبل دقائق من استيالء ُ
عمى بيوتنا
ووشميا بالضباب..
ٍ
معطف عالمةٌ عمى الطائر الذي سيخرج من
ِ
لمسمطانة كمما مرت.. ومازالت دماؤه تبتسم
ِ
النافذة وتعدو عظام رأسي تَِفر من
13
وتكاد تَ ْي ِوي..
ُ فتفزعُ بغمتي فوق الجسر
نصفين
ْ وأقسميم بفأسي
و قل ىذه مممكتي
ووشميم في حكايتنا ِ
ىذه
14
فامكث يا أخي في سجنك وانتظر
ِ
زجاجتو.. ويخطفون العفريت من
وقمب الميدان
وقمب الذكرى..
ات ٍ
ليب لكر ِ
وأنسى كل ما كان
..
------------------------------------------------------
وكنت ذكرى"
ُ كنت حايا ًة
" ُ
كنت
البحر وخنقنيُ .. عمي
قبض َّ ِ
ُ تذكرت يوم َ
ُ جبروت الرمال ،حتى أني وصداً من
كان أنفي ُم َ
ٍ
كفرصة أخيرة أقول فييا ليذا العالم أنا وعيني تحاوالن أن تممحان قم اًر أرشقوُ في ذاكرتي
َّ ِ
أىوي
فوصمت لمقاع وأنا أقول أنا ريشةٌ أنا
ُ اب خانني اسم أساطيري وأوىاميَّ ..
لكن السر َ َّبن ُ
اء حياتي ور ُ
ذئب من غير ٍ
قمر و ينام اآلن لألبد.. ذئب بال مخالبٌ ..
ٌ
15
ساقي في المذبحة
َّ تذكرت يوم قطعوا
ُ الس ْي َر في الضباب ،حتى أني
قدمي ال تستطيعان َ
َّ كانت
وزحفت أللحق صورةَ أمي قبل أن تدوسيا أقداميم القذرة ..و قبل أن أدسيا في
ُ حفت
وكيف ز ُ
تأخرت عمييا فبكيت ألنو ال أقدام لي كي أصعد لمسماء
ُ وجدت أمي تمد يدىا وتقول إنني
ُ دمائي
أنام مع األموات..
عمي وأنا لم أعد ُ
وألنيا لم تعد تربت َّ
وكنت ذكرى..
ُ وكنت حقيقةً
ُ كانت حرباً وكانت عاصفةً
------------------------------------- ----------------
ديس ِ
قريتنا" ِ
"ق ِّ ُ
الصرخات تحت ِ
إبطو ِ ىذا الذي ال ييبط حفرتَوُ إال و عمبةُ
()..
كان األب أسداً محفو اًر عمى الحائط و لما أنجب نظر ِ
بت
قال أنا جبان ..حار ُ وى َّز ر َ
أسوُ و َ لمولد َ
َ َ َ َ ُ
السماء
ُ أرسمَتْ َك
اليوم َ
أحارب من ىنا ،من غرفتي ..و َ
ُ كل مرٍة رغم أني ُ
كنت ت في ِ ألف مرٍة وقُتِْم ُ
لكنك ..يا لألسف ..ستقول في غرفة
وتوضيبوُ ..و َ
َ أعيد أنا خمقَوُ
لي كي تحرق ىذا العالم و ُ
االعتراف "كان أبي جباناً" ..ستقو ُل وأنت تبكي ..إذن فمتتييأ جيداً و لتقفز باسم ِّ
الرب في
تشيخ
َ جناحاك وال
َ ويكبر
ُ صورتي ..كن يا ولدي و شقيقي ،عمى ىيئتي و ِمثالي فتعمو وتنجو
ِ
لمناحية الس ِكينة ..ساعتيا فقطُ ،
أعود بطالً فو َم ْجمَى ىذه َ
الع ُ
طيب صدقني و َ
لحموُ ٌ
أبداً ..األمان ُ
اءهُ ..لكنوُ خدعيا واحترق..
الشياطين كميا ور َ
ُ ص َع َد و
بَ ..م ْن َ
فاز و َك َس َ
ويقولون َ
َ كميا
()..
16
احتي ِك ،وردةً خشنةً تتيادى و ال تَ ُ
غرق إال في األريج ..أما في ىذه البحيرِةُ ،
كنت يا حبيبتي في ر ْ
ت عيني مرةً المنا ..أغمَ ْق ُ
لتسرق َس َ
َ كالبوُ كل ٍ
فجر فكان يرس ُل َ ابين والقَتَمَةَ ،
كالمر َ
الغادر ُ
ُ الطوفان،
ُ
ألطير عمى يشة و َش ِ
عرك أنت ،تفردين ذراع ِك ألرقص كالر ِ و مرةً حتى رأيتُ ِك قويةً ،ومتوىجةً كما ِ
َ َ َ
ٍ
كطفمة وأنا فرحت ِ
أنت ِ تيذب العواصف.. ِ
الغابات و تحرس ِ
القمعة، وعيون ِك في أعمى
َ َميَل
ُ ُ
اللي ..ثملممالئكة وع َّمدتِنِي ليصفو الماء ،فوقَعت مني ِظ ِ
ِ الباب ِ
وفتحت لكن ِك ِ
وقفت فرحتَّ ،
ُ
ُ َ َ َ َ َ
ليس صوتِ ِك :أين ألوانِ ِك األولى ،أيتيا الصورةُ ٍ ِ ِ
نظرت في ُعمقي ،نظرت طويالً ..وسألت بصوت َ
ِ
ِ
التقطت التي تيتز وتيتز ..ك َش ْفتِني إذن أيتيا الساحرةُ ..ر ِ
أيت لحمي عارياً وممفوفاً بمحم أبي و
سيف داود المحارب
َ التقطت
ُ ٍ
خاطفة، ٍ
لحظة تعش ..لكني فيالحبل من تحت عظامي وىو ير ُ َ
الص َك ،فاخمعني من وب َّش َرَ .. قيامة قمبي تَ َد َّخ َل قمب ِك ِ
الص ِّد ُ ِ أقتنص ِكَ .. َعمَّني
لست َخ َ قال ُ يق َ ُ وقبل ُ
وش َّدتِ ِيم ،و ُ
قمت أنا ق ِبحْبمي واحتضنتُنِي ،بعزم العمالي ِ لففت نفسي َ عينيك وِى ْبني لنفسيُ ..
َ
قمت أنا َخالصي..
صخرتي و ُ
------------------------------------------------------
بامم/د.عادل ضرغام
يفتح ديوان (حيز لإلثم) لمشاعر مؤمن سمير بابا واسعا لمتفكير والتأويل بداية من
عنوانو ،ومرو ار بتناصاتو العديدة من العيد القديم والجديد والتراث المصري والقبطي القديم،
وانتياء بمغتو الشعرية التي ال تحتاج فقط لتفكيك داللتيا ،وانما تحتاج أيضا إلى وعي ممتد
بتاريخ وداللة المفردات ،فالمفردة المغوية كائن حي يسري عمييا ما يسري عمى جميع الكائنات،
ومسيا ،فيي في لحظة قد تفقد معنى أو يخفت الشعور بو ،ولكنيا
نتيجة لالستخدامات البشرية ّ
17
في لحظات أخرى والرتباطات حضارية شديدة الخصوصية تكتسب معاني أخرى ودالالت ذات
قيمة.
شعرية مؤمن سمير في ىذا الديوان ىي شعرية اإلمساك بالعابر والمحظي والمتحمل
والمتبقي من الحياة عمى وجوىنا وأجسادنا وداخمنا ،أو من تحممنا أو انتقالنا وامتدادنا في الفراغ
متمبسين بالتوحد بكيانات نظن أنيا تشبينا ،وليا قدرة عمى الفاعمية ،والثبات عمى النسق حتى لو
كان خارجا عن المجموع .ىي شعرية المحاولة لتثبيت طبقة من المشاعر واألحاسيس واإلبقاء
عمييا مستمرة حتى بعد انقضائيا وانتياء الحالة المصنوعة من الخيال ،ومن ثم تتجمى بعد
انقضائيا بفعل الذاكرة ،كأنيا فعل من أفعال الصحو واالنتباه ،بعد توحد جزئي بعالم خاص .ىي
المقرر الجاىز ،ىي محاولة
شعرية الجدل الدائم والمستمر بين الرضوخ واالستنامة لألعراف و ّ
اجتراح دائمة ،لتصفية العقمية العربية من شوائبيا ،تدين ثباتيا وارتباطيا بالتنميط داخل أطر
وقوالب ثابتة ،تجعميا بعيدة عن التجديد ونفض ريشيا البالي.
يؤسس الديوان لرحمة جزئية من خالل الخيال وااللتحام بمنطقاتو ،يقارب بيا الواقع
المتشظي من موقع المتعالي ،ولكن بعد انتياء الرحمة تتبقى لمذات بقايا تظل موجودة تسيم في
صناعة واقع مؤرق ،ومن ثم تحاول دائما الفكاك الستعادة وتييئة تشكيميا لالنفالت من واقع
يمم شتات جزئياتو.
مزر ،ال يستطيع في وضعو الطبيعي والواقعي أن ّ
تتجمى الرحمة بوصفيا رحمة فنية في األساس خروجا من مأزق المغة المتكمسة
والمتشابية ،حيث يشعر القارئ في كثير من قصائد النثر بالمشابية والتكرار ،فإذا وصل الشاعر
في لحظة ما وشعر بالوصول إلى أفق مسدود ،فعميو أن يجبر نفسو بالبحث عن نوافذ جديدة
إلبداعو .وىي وفق ذلك التصور -أي الرحمة -ليست رحمة حياتية أو وجودية بالتحديد العممي،
وانما ىي رحمة فنية تحاول التعاظم عمى حالة الموات والتشابو والتكرار ،لتأسيس كوى جديدة
لإلبداع.
وتتأسس مالمح الرحمة عمى مفيوم خاص لمشعر ،فالشعر لم يعد تعبي ار مباشرا ،ولم يعد
تجربة معيشة ،وانما أصبح حالة معرفية وجودية تشكل من خالليا كيانات متعارضة ومتباينة،
ووجيات نظر متناقضة تشكل مجالين مختمفين يقنع األول منيما بالمتاح والمقرر والنمطي،
18
ويتعاظم األخير عمى ىذا الرضا والخنوع .فالديوان يؤسس مرتكزاتو عمى اإليمان بقيمة التفرد
وقيمة الفردية ،والخروج عمى المجموع اآلسن في ثباتو ،لتأسيس مغايرة وتأكيد حضور ىذه
المغايرة ،فاالرتباط بالمجموع في ظل ىذا الفيم يجعل صاحبو مكبال ،ويجعمو واقفا عند حدود
معينة في اجتراح مناح جديدة.
من بداية خطاب الممحقات الخاص بالديوان تتأسس الفكرة المعرفية من خالل االرتحال
واالرتباط واالنغماس في ىذا السياق ،واستعذاب جحيمو انطالقا من اإلطار المعرفي الخاص
بالديوان .فالممحقات أو التصدير الذي أثبتو الشاعر والمأخوذ من الشاعرة آن سكستون يؤدي دو ار
ليس فقط في اإلشارة إلى المنحى الفكري ،وانما أيضا يشارك في تأسيس وتوجيو عممية التمقي،
حيث تتضاءل من خاللو الصعوبة ،ويتحمل أفق اإلبيام ،وتتولد مشروعية لمفيم والتأويل .فحين
يق أر المتمقي قول الشاعرة أن سكستون(ولسوف ألتيمك ببطء مع القبالت /رغم أن القاتل الذي
فر) سيتوجو فعل القراءة إلى منحى دال ينطمق من النقصان أو الغياب ،فالديوان في
فيك /قد ّ
مجممو في ظل ىذا الفيم محاولة إبداعية لمقاومة الغياب ،ومقاربة اليطول النازل من حواف
الذاكرة ،ومناوشة ومراقبة الصعود من الذات لاللتحام بفضاء الغائب األنثوي ،بوصفو يشكل-أي
ىذا االلتحام -صيغة من صيغ الوجود الكامل ،وما عداه ليس سوى تشظ ،وتتحول تبعا لذلك
تراتبية األشياء ،بحيث يتحول ىذا الوجود الجزئي المصنوع من الخيال إلى وجود كمي مييمن،
وتتحول الحياة إلى جزء يتضاءل االىتمام بو .فالفاعل في التصدير غير موجود واقعا آنيا ،ألنو
فر ،)...ولكن يتم تشكيمو خياال ،فتغدو الفاعمية -والحال
عمى حد تعبير النص الشعري (قد ّ
تمك -لمخيال ،ويقل االنتباه لمحياة في الوجود العادي المشابو لمبشر.
ىنا في إطار النص الشعري وممحقاتو تتشكل استراتيجية خاصة في مثل ىذه التجارب،
وىي استراتيجية ترتبط بطبيعتيا من الخروج من نسق إلى نسق ،ومن سياق إلى سياق ،وتتساوق
مع فاعمية التذكر وحضورىا بوصفيا حضو ار لنمط متعال ،حيث تشكل الذات من خالل التحاميا
وجودا يتعاظم عمى محدودية الزمن ،ويتعاظم عمى المكان وثباتو ،حيث يكفل ليا ىذا االلتحام
وعيا بالقدرة عمى معاينة السابق ،واالمتداد في الزمن لمراقبة السابقين في وجودىم السابق أثناء
حركتيم وحديثيم.
19
وفي سياق فعل التذكر بعد انتياء الرحمة الخيالية تتشكل مالمح ىذا الحنين لمتوحد
السابق واالندماج وااللتحام القائم عمى الخيال بقدرتو غير المحدودة في تجميع العوالم وفق
لحظات زمنية متباعدة ،فيغدو الجدار أو المرآة أداة من أدوات النفاذ بوصفيما مساحة من
مساحات األعراف بين عالمين :عالم ساكن آسن ،وعالم قائم عمى السير والحركة المجابية ضد
التيار .تتشكل مالمح الحنين بداية من خطاب الممحقات في نص آن سكستون حتى مع العظام
والجمود التي تتذكر بالرغم من الموت حياتيا السابقة وحرمانيا السابق ،تتجمع وىي مربوطة
وممقاة في الحاوية بفعل التذكر والحنين في محاولة عمى التعاظم عمى وجودىا الساكن لكي تنفخ
الروح فييا والقدرة عمى الفعل.
حضور األب في نصي خطاب الممحقات ،في النص األول(والميمة جمودنا ،عظامنا/والتي
ظمت تعيش بعد وفاة آبائنا) ،وفي النص الثاني(يا حبيبة ومرعبة ،وتيبطين في رداء األب ،يوم
تميو األرواح ألجمو ،وتصطخب الشياطين) حضور لو ما يبرره دالليا ومعرفيا خاصة في محاولة
النص تشكيل قسيمين :قسيم لمخير ،وقسيم لمشر ،ومحاولة إعادة النظر والتقييم لقسيم الشر،
ولسموك صاحبو بوصفو دفاعا عن خيار ودفاعا عن حرية يؤسس ليا النص الشعري .فوجود
األب في نص سكستون الذي لم تتم اإلشارة إليو في الفيرس ،ووجوده في نص الممحق الثاني
الموجود في فيرس المحتويات تحت عنوان ( )....يكشف عن ارتيانات معرفية ،وتقابالت
وتباينات من جانب أول ،ومن جانب آخر يشير إلى التغييب واالستعصاء عمى التسمية أو
التأطير داخل نسق دال كاشف ،ولكن ىذا التغييب يصبح حضو ار كامال ،حيث يشكل المنحى
الذي تتحرك في إطاره قصائد الديوان ممتحمة بأساطير ال تخمو من تمدد وديمومة.
في النص الثاني من خطاب الممحقات يتشكل دفق خطاب المذكر إلى اآلخر األنثوي،
تند عن الطبيعي والنمطي ،ومن ثم تتحدد مالمح
حيث يتجمى ىذا األنثوي في إطار صورة ّ
الخطاب من األدنى إلى األعمى( التحيات لك يا من لم تيل لحد المحظة ،وانتظرتك بعد أن أيقنت
أنو من الضروري لظمّي أن تدوسي عميو ،ويتألم )..فيي ممتحمة بالمتعالي واألبوي في ظل
اختيارىا وتأسيس وجودىا عمى الجانب اآلخر ضد ما ىو سائد لدى المجموع ومقرر ،فيي
الشر وتنحاز إليو.
تحتفى كما تجمى من نصوص الديوان بإلو ّ
21
تبدو الذات الساردة في خطابيا االبتيالي ،وكأنيا تحاول تأسيس وجود جديد لالشتباك
وااللتحام انطالقا من لحظة تجل ووجود سابقين ،فالنصوص الشعرية في مثل ىذه المحاوالت
اإلبداعية المعرفية ترتبط ارتباطا وثيقا بالذاكرة ،ألن رجوع الذاكرة معادل عودة لمحياة ،واالرتكان
إلييا ،فالذات الساردة من خالل إرسال(التحيات ،والبركات واألشواق) وكأنيا فعل من أفعال
التذكير بما كان واالستجداء تميّد لحضور األنثى بعالميا غير المادي ،فتيبط بحضورىا الشبيو
بالمقدس ذي الفاعمية ،الستيالد العذوبة في االقتراب من االشتعال والجحيم.
التمييد لمحضور ال يقف عند حدود نصي الممحقات ،وانما يمتد – ربما لتأسيس الجانب
المعرفي وإلدخال المتمقي في إطاره -إلى النصوص األولى مثل (منحدر الغابة) و(عند الكيف).
ففي النص األول ىناك إشارات دالة لتذكر التوجو السابق الذي يسعى إليو مجددا ،فالبداية(ىل
مر بو وعاشو ليال مع
تذكرين؟) تشير إلى فعل التوحد السابق ،وفعل استعادة الحفل الذي ّ
الحضور األنثوي الخاص والشبح الذي يتوجو الجميع إليو طمبا لرضاه ألن لو قدرة فاعمة ،يقول
نمف وندور لنحيكيم من أفضل عجين في الساللة /شفناىم رأي العين،
الشاعر(ىؤالء الذين كم ّ
الكينة األوائل وىم يغدون في الغابات ،كمما وقع القمر في البحيرة ،وبان رعبو يغنون من قموبيم
أخف)
وأرديتيم ،ويقولون تحررنا الميمة من النور السميك ،وصرنا ّ
فالشاعر في االقتباس السابق يرتد إلى لحظات سابقة في لحظة توحده ووجوده مع
يوزع
الساحرة التي يصنعيا خياال ،ومع الكينة األوائل ،فحتى المعسكر المقابل لمنسق المستقر ّ
إلى مراتب ودرجات ،وىي عمى الترتيب(شيطاني -مشعوذ وساحرة -كاىن أعمى وكاىنة عمياء-
ماجوس وماجا) ،ويشير النص الشعري إلى لحظة زمنية يمح عمييا الديوان كثي ار في نصوص
الديوان ،لإلشارة إلى التحول واالنسالخ من سياق لمدخول في سياق جديد ،وذلك فيقولو (كمما وقع
مر السنين واألزمنة ىناك اعتقاد أن لمقمر عالقة بحاالت التبدل
القمر في البحيرة) ،فعمى ّ
والتحول في الشخصية ،وأن لو تأثي ار عمى السموك البشري ،وىو سكن الشياطين حين يكون
معتما ،وحين يكون بدرا ،وقد أشار البعض إلى أن اإلنسان مثل الذئب يتحمس لمقمر ،ويناجيو
ويصرخ ،ومن ىنا نشأت األسطورة التي تقول أن بعض األشخاص يتحولون إلى ذئاب عند
اكتمال القمر ،ووجدت خرافات وقصص بين القمر والتحوالت التي تصيب بعض البشر.
21
تتأسس الداللة ىنا لإلشارة إلى لحظة التحول من النسق المستقر المنطقي المحدود
بالحواس واليقين إلى النسق المباين عمى الجانب اآلخر ،فكأن ىذه المحظة الزمنية ىي بداية
التحول ،يؤيد ذلك أن كممة جنون – lunacyوفي جانب من جوانبيا مجانبة المنطق الطبيعي
لألشياء -ترجع جذورىا إلى أصل يوناني بمعنى القمر ،واشتقت منيا آلية القمر اليونانية (لونا)
التي كانت تستقل مركبتيا الفضية كل ليمة ،وتعبر الفضاء لمظممة .ويكشف عن ذلك حالة
الشعور بالتحرر والخفة ،والخروج من أسر التكبيل وارتياناتو المحدودة وكميا أشياء يجسدىا
كبل البريق أقدامنا منذ الصغر ،فمم نعد نممس الطيور /وأحبتنا الدببة،
النص في نياية االقتباس( ّ
ونحن من داخمنا /نخاف).
تبدو النصوص الثالثة األولى(التصدير الثاني -ومنحدر الغابة -وعند الكيف) وكأنيا
غنائية تعزيمية لالستحضار والظيور ،حتى تيل الساحرة من سحب الغياب ،من خالل اإلشارات
الدالة والكاشفة عنيا ،فالوصول إلى ىذا العالم الدخول إليو ال يتم بشكل بسيط ولكن يحتاج إلى
غيبت بفعل الركون إلى
رقى وتعاويذ تقدميا الذات ،وتستعيد معيا حيويتيا ووجودىا وحريتيا التي ّ
العادة والسير في الطريق المستقرة والمميدة ،ومن ثم نجدىا في النصوص بفعل ىذا االلتحام
والتداخل تتعاظم عمى محدودية الزمن المعيش ،وعمى فضاء اإلقامة المحدد ،من خالل القدرة
عمى إدراك السابق بتمظيراتو العديدة.
تتعدد مرتكزات مؤمن سمير في ديوانو (حيز لإلثم) ،منيا ما يعود إلى األساطير الدينية
ّ
في المسيحية والييودية واإلسالم ،ولكن المرتكز األساسي الذي يشكل بنية الديوان يتمثل في
أسطورة الساحرة الشريرة ،ففي ىذا الديوان يعود إلى ساحرات السبت ،والى حكاياتيا األسطورية
التي ظمت فترة طويمة مدار اىتمام ،وكتبت عنيا دراسات عديدة ،وقام الفنانون بعمل لوحات
ترتبط بيذه األسطورة ،مثل لوحة التيس العظيم لمفنان فرانسيسكو دي غويا.
ولكن سؤال الجدوى من الناحية الفنية يظل حاضرا ،وربما يصبح السؤال األىم ،لماذا
العودة في ىذا السياق الحضاري إلى مثل ىذه األساطير؟ لماذا اإلصرار عمى تصوير موكب
أرواح أنثوية ،يقاد غالبا من قبل امرأة خارقة ،باإلضافة إلى صياد طيفي يعتبر شيطانا أو
22
ممعونا ،وينضم إلييم موكب من البشر األموات يتحولون لمتكفير عن خطاياىم؟ ولماذا تجمت في
ىذا الديوان وفي نصوصو الشعرية مطاردة الساحرات كما كان يحدث في أوربا في القرنين
الخامس عشر والسادس عشر؟
تأويل ىذا الحضور ارتباطا بسياقو الحضاري يعود في األساس إلى أن الكتابة الشعرية
لدى مؤمن سمير ولدى كثيرين من مجايميو وسابقيو تحولت من نسقيا التعبيري إلى نسقيا
المعرفي الوجودي ،بحيث تغدو الكتابة الشعرية حالة من حاالت التأمل العميق لموجود اإلنساني
في تمبسو بمحظة حضارية ،لموصول إلى العمل الحاكمة ليذا الوجود ،العمل الثابتة المستمرة عمى
الدوام ،وكأن ىذا الفارق الزمني بين السياقين العربي واألوربي فارق في درجة التحضر ،ودرجة
الوعي بالذات ،وفي مواجية األسئمة الكبرى داخل سياقيا الممتد ،فارق في استمرار الكيفية التي
نصنع من خالليا أصنامنا ،فارق في استمرار طبيعة النظرة تجاه الكائن األكثر ىشاشة وتأث ار
الممثل في المرأة .وفي ذلك داللة عمى أن عالمنا العربي ال يزال مكبال بيذه الرؤية الثابتة التي
تؤمن بالقوة العميا ،ىذه الرؤية التي تجعل ارتباطو بالتطور وبالحداثة واقفا عند حدود معينة.
إن فكرة تقدير الشيطان ترجع بأصوليا إلى بعض الفرق المسيحية ،فيناك فرق كثيرة
تقدس الشيطان ،وبالرغم من اختالف أنماطيا فيي ترتين إلى عقيدة واحدة ،وعقيدتيم تقديس
الشيطان ،حيث يرون فيو المتمرد والثائر ،ونصير العبيد .القارئ ليذا الديوان أمام شعرية تولد
النقيض من النقيض ،وتتضافر في إطارىا المقابالت والتباينات ،فاإلبداع الشعري في ىذا الديوان
يأتي وكأنو عصيان تام لمثوابت يخمخميا ،ثورة عمى النظام الميادن لمكون وتراتبو ،ىناك إصرار
لمخروج عمى المجموع ،وعمى معتقداتو وقيمو ،حتى لو كان في ذلك الخروج تحد متعمد لممقرر،
وتثبيت في صف اآلبقين المخالفين والخارجين عن التنميط الجاىز والمعيود ،فصورة الساحرة
تأتي محفوفة بالقداسة بالرغم من ارتباطيا بالشيطان ،وكأنيا تمثل المسيح في كونيا فداء لشريحة
الخارجين مؤمنة بأىمية ذلك النسق في زلزلة اليقين لموصول إلى معنى فمسفي لمفعل.
ففي قصيدة (إشارات صعود الساحرة) يبدأ مؤمن سمير من لحظة العقاب الذي كان يقع
عمى الساحرات حين يتم اإلمساك بين ،وتتوزع طرق العقاب إلى التعذيب وربط أيديين وأرجمين،
وقضم األظافر ،ووضعين عمى كرسي مصنوع من الحديد والمسامير الحادة ،فالنص من خالل
بدايتو (إيمي إيمي لما شبقتني) يشير إلى طبيعة النظرة ودرجة الوعي الحادة التي يجب أن تكون
23
يبرر
حاضرة ،فالنص الشعري يحدث تماىيا بينيا وبين المسيح .ويكمل النص مرتكزاتو -وكأنو ّ
ىذا الترابط -من خالل صوت الساحرة التي تأتي ساردة فعمية لمنص وىي عمى المقصمة مجمية
وجية نظرىا مدافعة عن نفسيا ،وتدفع ارتباطيا بالشيطان( وحق أبينا كمنا لست ساحرة،
والشيطان ال يموح بين يدي ،وال يندىكم من تحت مالبسي المبمولة ،ولكن عيونيم المجنونة
تشوف ما ال يرى).
سوف يكشف النص الشعري عن جزئيات وثيقة الصمة بيذا المنحى ،مما يبرر مشروعية
التوجو النقدي في مقاربة الديوان ،فنرى من خالل إنكارىا اإلشارة إلى الشق الذي يشقو إبميس
بمنجمو(عالمة الشيطان بجسدىا كما تقول األسطورة) ،باإلضافة إلى فكرة الجحيم ،ففي الفكر
الغنوصي يتجمى العالم -بوصفو عالم الشرور -عمى أنو جحيم ،واإلشارة إلى الحيات والجيف
والخرائب ،وابن عرس والجرذان والحيوانات الميمية التي تظير في الطريق إلى الحفل الذي يقام
تمح في مالمح ىذه
في الغابات أو في األماكن الجبمية ،كما يشير النص إلى فكرة ميمة وأساسية ّ
األسطورة(إغواء الرجال وخاصة المتزوجين منيم) في قول النص عمى لسانيا من خالل المقارنة
والحسد والمغايرة ،لدفع التيمة حين تتحدث عن زوجة البطل المسرود عنو الذي تم اختياره ليكون
رفيقا في الرحمة ،حيث يسمييا النص ابنة العم في قولو( لم أالعب طيف حبيبيا ،وال فكر لساني،
مسو لياثي فطار من المدخنة).
فقط ّ
إن نفي كل ىذه الجزئيات عمى النحو السابق يؤدي في النياية إلى إثباتيا ،فالنص
الشعري -نظ ار لطبيعتو الخاصة -يؤسس حجاجو الجدلي عمى توجيو وجية نظر الرافضين
لمسموك إلى الوعي بالحالة وبالسياق الذي تمر بو ىذه الساحرة ،فالنص الشعري من خالل
اإلشارات الدالة عمى الوعي والمعرفة وبالرغم من وجود النفي ،ال يميد إلسدال النفي ،وكأنو
العنصر الوحيد ،وانما يؤسس لوجية نظر يجب أن تكون واعية بالسياق والحالة من جميع
وجوىيا ،ومن ثم تصل إلى تبرير أو توجيو لمفعل ليما نوع من المشروعية.
تتأسس ىذه المشروعية بداية من خالل فعل التماىي بين الساحرة عمى المقصمة
والمسيح ،وكأنيا تشكل فداء ،فيتولد النقيض من النقيض ،شريطة أن يتأسس وعي جديد يكون
قاد ار عمى القبول بمشروعية دخول الساحرة دائرة المقدس ،وليذا يأتي صوت الساحرة في النياية
مشي ار إلى االنتساب إلى ىذا التوجو ،ولكنو يقدم مبرراتو في ذلك السياق استجابة لحاجة
24
حضارية ،ترتبط بوضعيا وسياقيا العام ،ومحاولة إيجاد حيز لموجود والفاعمية بعيدا عن الساكن
والمقرر( رغم أني أكره الشيطان من كل قمبي ،بقرونو النارية والذيل المجدول ...أظافره
أرف مرتعشة ،وأنا أقدره ،ىو الوحيد الذي أحبني حتى النياية).
القذرة( )...إال أنني ّ
الساحرة في ىذا النص في وجو من وجوىيا ترتبط بفكرة المعرفة أو الوصول لجوىر
األشياء ،ومن ثم تقابل -مثميا مثل أي معرفة مغايرة لمسائد -بالرفض والمقاومة والمواجية،
فالرمز المعقود بين المرأة والساحرة ال يؤخذ عمى إطالقو من جميع جوانبو ،وانما يمكن أن يتوقف
عند حدود فكرة المعرفة أو الوصول إلى المعنى الفمسفي لمقاربة األشياء ،وذلك يفضي بالضرورة
إلى رؤية الشيء ونقيضو في الوقت ذاتو ،فتغدو القداسة موجودة في حواف التيتك ،والعكس
كذلك ربما يكون صحيحا .وتتجمى النصوص في ىذا الديوان بوصفيا رحمة لموصول والتأمل في
جوىر األشياء واعادة مقاربتيا وفق غاية كبرى ،تكشف عن االزدواجية المستمرة .النصوص
تحاول تعرية ىذه االزدواجية والكشف عنيا ،وذلك في سبيل تبرير ىذا االنتماء وىذا التمسك
بالمنبوذ والمرفوض ،يتجمى ذلك من خالل الدفقة األخيرة في النص قبل الموت المنتظر( وداعا
عمي أكثر من ردعك لألنبياء والكذبة والمرابين
يا ىذه الحياة التي لم تشربني كمي ،وكنت قاسية ّ
واألوبئة ..لن تكون النار بردا وسالما لكنيا قد تطيرني ..منكم /وتجموني لمريح /..إيمي إيمي لما
شبقتني).
25
إن وجود ىذين الكيانين :الساحرة والذات الشاعرة ،الكيان الفاعل لتمام ارتباطو بالمقدس
وتقديسو في إطاره ،والكيان الساعي لالرتباط وااللتحام يكشف عن تكوين خاص لمذات الساردة،
يتم وفق منطق خاص ال يخمو من تنميط ارتباطا بالتراث المؤسس واألساطير ،وبتشكيل الشاعر
في الشعرية العربية عمى امتداد تاريخيا ،ففي نص (أنا حبيب حبيبات أصدقائي) تتفاعل آليات
الكتابة لتشكيل كيان خاص ال يخمو من خصوصية من خالل التظميل السميك لبعض الكممات،
وىي عمى الترتيب( النذل -المخيف -الحزين-الصياد -الوحيد -القناص -المجرم) ،وذلك لتضع
ىذه الكممات موضع التبئير الخاص دالليا ،وتشده إلى سمات في سياقو التكويني الخاص
بالشاعر ،فالخط الكتابي السميك ليس حمية ،بل ىو طريق لالنتباه ،ويشكل في إطار ىذا
التصور مرتكزات داللية لمكيان الخاص.
في تصويره لمذات الشاعرة التي تمثل قسيما مشاركا لمساحرة في تكوين الجانب المعرفي
لمديوان ،نجد النصوص الشعرية تقدم تشكيال خاصا لمسارد الفعمي أو السارد المشارك ،وتتوزع
ويمم شتاتيا وجزئياتيا المبعثرة
ىذه الصورة في نصوص عديدة ،وعمى القارئ أن يتوقف عندىاّ ،
الخافتة .أول شيء من مالمح ىذه الصورة يقابمنا في نص بعنوان(أصوات تحت األظافر)،
فالصورة المقدمة ال تخمو من غرابة ،ومن تجييز وتشكيل خاصين لمسير في تمك الطريق ،ألنيا
طريق الوعي المغاير والمقاربة المختمفة لجزئيات العالم.
يمكن لمقارئ أن يممح تشابيا بين صورة الساحرة التي قدمنا جانبا منيا في االقتباس
السابق ،وصورة السارد المقدمة في ىذا النص ،فحين يقول النص الشعري(فاتت عمى أبي تعويذة
العائمة فشاركو الشيطان في أمي ،ىكذا طمعت ابن ٍ
جن ،رأسي كبير ،ويسري في عروقي دم
بعثت ظمي تزوم ،وتناجي السقف الذي خبت فيو إشراقيا)
ُ أسود ،...الجدة يقينا كانت تعمم ،كمما
سوف يدرك المتمقي أن ىناك بناء متعمدا لنسق التشابو والتماثالت ،وأن ىناك كيانا معرفيا تشكمو
رموز متشابية في التوجو ،ولكنيا مختمفة في التراتب داخل ىذا اإلطار الكبير.
--------------------------------------------------
26
مؤمن سمير يواجه بؤس العالم بالسخرية العبثية
يمثل الشاعر مؤمن سمير ظاىرة شعرية ،من حيث غ ازرة إنتاجو اإلبداعي والتنظيري ،فعمى الرغم
من أنو لم يبمغ الخمسين بعد – من مواليد ٘ -ٜٔٚأصدر ٔٚديواناً وأربع مسرحيات ،إضافة
إلى ثمانية كتب نثرية .لكن ىذه الغ ازرة الالفتة لم تؤثر بالسمب في المستوى الفني إلبداعاتو
الشعرية التي كان آخرىا ديوان "أبعد بمد في الخيال" ،الذي فاز مخطوطو بجائزة الشاعر المصري
حممي سالم في دورتيا الثانية ،قبل أن يصدر عن دار "األدىم" في القاىرة .وعنوان ىذا الديوان
عد وسيمتو لموصول إلى أبعد "بمد" ،بما ال تتيحو سبل الواقع.
يوحي بحضور تيمة "الخيال" الذي ُي ّ
وىو ما يوحي بو عنوانا القسمين المذين يتكون منيما الديوان" :طائرة ورقية تفر من سرير
تفر" و"تتنفس" إلى تمك الطائرة
متحرك" ،و"طائرة ورقية تتنفس تحت الرمال" .إن إسناد الفعمين " ّ
الورقية يقترب بيا من أن تكون معادالً موضوعياً يشير إلى الشاعر نفسو في محاولتو الفرار من
العجز ومقاومتو الموت بتنفسو تحت الرمال .الشاعر إذاً شخص خيالي متعمق باألمل ومؤمن بو،
وان كان يراه في بعض األحيان مرضاً يخفي عنو قسوة الواقع.
قسوة الواقع
يقول في قصيدة "رعشات" إن الحبيبة "تظن أن القسوة مثمما ترعى في األسفل تحمق في األعمى"،
وىو ظن يقترب من الرؤية الحقيقية لمواقع الذي يعمن الشاعر عجزه إزاءه بقولو" :لكن ماذا أفعل
في نفسي وأنا خيالي /واألمل يسري في أوصالي كأنو مرض" .بل إنو بفعل اليأس يعمن زىده
في ما يجتذب اآلخرين" ...ال أطماع عندي /ال أحب أن أضيف حصوناً /وال أراضي وال سبايا
مثمكم /فقط شجرة /ودعاء ُي ِ
نزل المطر والسكينة".
وعمى الرغم من تحول الخيال إلى مالذ من قسوة الواقع ،فإن الشاعر يراه خياالً عاج اًز ال يستطيع
إسعاده" :طوبى لو ىذا الخيال حقاً /لكنني لمحق وحيد /وخيالي طول الوقت عاجز عن إسعادي
27
/طول الوقت" .ومن الواضح اعتماد الشاعر ظاىرة التكرار لتأكيد ىذا المعنى الذي يشيع عمى
مدار الديوان ،وأحياناً يتحول الرسم إلى مرادف لمخيال وبديل لو في مواجية الواقع .يقول تحت
عنوان "حياة" ،ولنالحظ صيغة التنكير التي تدل عمى التيوين" :الحظَ أن ساقيو تجرحيما ِف َخاخ
طالعة نازلة /فرسم حياة حقيقية /لمدة يوم كامل".
إنو يستعين بالرسم في تصوير حياة حقيقية في مقابل حياتو البائسة بفخاخيا الطالعة النازلة .ىذا
الصراع الدرامي الدائم بين الخيال العاجز والحقيقة البائسة يستدعي تيمة الكوابيس والفزع
والتييؤات غير المنطقية ،حين يحدق الشاعر في الظالم فترات طويمة حتى ييل ،كما يقول فى
قصيدة "البياء"" :الوحش الجديد /المختمف في كل يوم /والذي كان مبدعاً يغير ألعابو وأرديتو
بما يكفي لرعبي ومحاصرتي /فأغمق بوابات خيالي /وأحبس الصرخات حتى أسقط في
الدوامة".
مصباح ِ
الشعر
يصارع الشاعر ىنا وحشاً ال يستقر عمى حال ،متغمباً عمى الخيال الذي يغمق بواباتو .وكما واجو
الشاعر واقعو بخيالو العاجز البسيط ،فإنو يواجو ىذا الظالم المحيط بمصباح صغير ،في قصيدة
"الرائي" ،وىي أولى قصائد الديوان" :في جيبي دائماً مصباح صغير /لطيف وبريء /ال يصحو
إال في الميل /أخرج وأدندن بمقطع مجرب /وأسمط الضوء القاسي فأرى المدينة عارية".
ىذا المصباح الصغير الذي يحرص الشاعر عمى أن يكون في جيبو دائماً ،كأنو ِ
الشعر الذي
يالزمو ،ىو الذي يضيء في ساعات الظالم ويصحو في الميل عمى غير المعتاد ،ويكشف
بضوئو القاسي عري المدينة .إن حياة الشاعر أشبو بالممر الطويل – أو الدىميز – الذي ال يزيل
عتمتو سوى ىذا النور األصيل الذي يصفو بالبياء...
ىذا الممر الطويل الذي يشيد كوابيسو المفزعة حين يرى مثالً أنو كان في الكابوس األخير،
"مربوطاً وأليث من العطش والعرق يعمي عيني" .وىي حالة تستدعي الحذر والخوف الدائمين،
ِ
فالشعر حذر وال يحب األجساد إال من بعيد ،فاألمان "يكمن في الحذر والرداء الثقيل الحامي /
الذي يكون مثل األخ ىو الخوف" .تمك الكوابيس التي ال تنتيي تدفع الشاعر إلى التعمق بالموت
والفرح بو ،كأن يقول في "أفرح في الموتى" ..." :والعجيب أن السعادة حدثتني لما ىبط الطائر
28
وحدق شامتاً وقال :مات" .والتعمق بالموت وانتظاره ليسا فقط بمثابة خالص من ىذا الواقع ،بل
ّ
ألن الموت ىو المرآة التي نكتشف بيا حقيقتنا ،أو ىو بتعبير الشاعر" ،أوضح وأقسى جبل تقف
أمامو /ال يجدي التمثيل والتشخيص في ىذا المقام أبداً" .أما "الحب" بوصفو تشبثاً بالحياة ،فإن
الشاعر ،وىذا أمر متوقع ،ال يستطيع احتمالو وال يفيمو وال يستوعبو وال يقدر عمى تعاطيو ألنو
البراق الخادع .يقول في "شالل غابات
فوق طاقتو .إنو يحذر ىذا الحب ويراه شبيياً بالشرك ّ
ونبيذ"" :كان راقداً بحذر المذعور من بريق الشرك".
صيغة التجريد
ومن الواضح أن الشاعر يتكمم عن نفسو بصيغة التجريد حين يستبدل ضمير الغائب بضمير
المتكمم .وأحياناً تتم صيغة التجريد من خالل استبدال ضمير المخاطب بضمير المتكمم ،كما في
قولو "ضحكوا عميك عندما أقنعوك بأن لكل اسم نصيباً من صاحبو" .غير أن لمشاعر تفسي اًر
آخر ليذه االستبداالت حين يرى أن كل الضمائر "عدم" :الغائب والمخاطب والمتكمم .ففي صيغة
مونولوجية يستخدم ضمير المتكمم .يقول تحت عنوان "ال ِيمة العالية"" :سأختار ماذا؟ ستختار؟ فخ
آخر /ال أبداً بل سأكون مجرد أخيكم الطيب /ال أحد أو سراب أو شبح أو ىو أو أنا أو ذلك
البعيد أو الذي ىنا /أو ما تشاؤون من عالمات تشير إلى أنو ال تصح اإلشارة؛ ألن المذكور
عدم".
ىذه العدمية تؤدي إلى تفعيل آلية التحوالت التي تصل إلى الخيال السريالي ،حين يتحول األب
إلى وحش يمتيم الشاعر" ...انتظرتك يا أبي /منذ أن صعدت وأنا بردان /أوقن أنك الوحش
الجميل الذي سيمتيمني بعد النفَس القادم" .وفي قصيدة "بزاوية صاخبة" ،يصعد "المقعد" إلى
السماء ويصير صق اًر كما يبدو فى قولو " المقعد يصعد لمسماء /ليصير صق اًر /يحوم قرب
الفجر" .بل إن التحول يطال الشاعر نفسو حين يصحو ذات يوم فيجد َشعر جسده كمو قد صار
أبيض .وىو ما يشير إلى تيمة اإلنسان والزمن حين يحس الشاعر بأنو صار عجو اًز أسرع من
المفترض ،فانحنى ظيره وضعف بصره مع أنو كان "شاباً" باألمس .لكنيا آلية التحوالت المشار
حولتو من طور الشباب إلى طور الكيولة وىو المعنى نفسو الذي يعبر عنو في
إلييا والتي َّ
قصيدة "أنقاض"" ...كل يوم يتضاءل حجمي ويقل ضجيج جثماني".
29
االستدعاء بالتماثل
حتى إن الشاعر يتمنى أن يكون لو شبيو فيرتاح من نفسو؛ " َمن لي بشبيو فأرتاح مني"؛ في
استدعاء خفي لقصة المسيح عميو السالم .وىو ما يمكن أن نسميو االستدعاء بالتماثل فى مقابل
االستدعاء بالمخالفة في قولو – مثالً" -سوداء من غير سوء" ،و"عمياء من غير سوء" .عمى أن
ىناك ظاىرة أخرى يمكن أن نطمق عمييا "القصيدة التي تتأمل نفسيا" ،فحين يقول مثالً" :الذراع
ممتوية تحت التشاؤم" ،يعمق عمى ىذا المجاز بقولو" :ياه عمى المجاز الجبار المتساقط مني /
مقعرة ومتكمسة وتشبو الجدران السميكة التي تضغط بال جيد عمى الروح
إنيا حقاً جممة َّ
والذاكرة ...جممة بنت ستين كمب".
واستخدام العامية يمجأ إليو الشاعر أحياناً ،ربما ألنو أدق تعبي اًر عن المعنى الذي يريده .وىذا ما
نجده أيضاً في قولو" :إن َمن يعيش مثمي عالةً عمى اآلخرين /ليس من حقو أن يعترض أو
يطرح أفكاره /ىم صواب دائماً في احتماالتيم ويقينياتيم /وكتَّر خيرىم عمى كل حال" .وامتداداً
لمكوابيس والفزع والحذر المشار إلييا ،يتحدث الشاعر عن القير بوصفو مالزماً لما سبق...
"القير يجعل اإلنسان بين خيارين /إما أن يستسمم فيكون سمك خطواتو بسيطاً ،واما أن يستسمم
أيضاً لكن استسالمو يمبس شكالً آخر".
------------------------------------------------------
ِ
نافذتك".. سمَّ ُة إيروتيكا تحت
"َ
31
المجموعة الشعرية األحدث لمشاعر المصري مؤمن سمير الصادرة مؤخ ار ٕٕٓٓ عن مؤسسة
"أروقة" لمنشر بالقاىرة ىي في تقديرنا واحدة من المجموعات الشعرية التي تعكس صوتا شعريا
خاصا وتجسد في تقديرنا حاال مختمفة في الشعر المعاصر من حيث القدرة عمى إنتاج الشعرية
من االشتغال عمى المقاربة الرمزية لمذة الحسية لمجسد .الحقيقة أن ىذه الحال الشعرية ليا
جذورىا وروافدىا الثرية في الشعر العربي القديم ،فالحسية قديمة ولكننا في عصور الضعف
وغياب الثقة وغمبة التطرف وبالتالي تراجعت الشعرية العربية عن ارتياد ىذه المنافذ والمسالك
المكي القديم عمر بن أبي ربيعة ولدى أبي نواس
الشعرية .النزعة الحسية حاضرة لدى الشاعر َ
الشاعر العباسي األكثر ذيوعا ولدى ابن الرومي وأبي حكيمة الكاتب الذي أنتج الشعر وفكاىتو
ولماحيتو وظُرفو وما ينتج من حال البيجة عبر تحويل العالقة الجنسية إلى لغة الحرب والمعارك
العسكرية ،وغيرىا الكثير من النماذج القديمة التي كانت ابنة عصور القوة والثقة في الذات
والعمل عمى مقاربة المذة الحسية بمزج شعري ولغوي يمثل متعة ذىنية وروحية أكثر من فكرة
اإلثارة الجنسية واالنحالل التي اختزلنا فييا ىذه الصورة من الفن في العصور الحالية.
مؤمن سمير يستشعر تمك الطاقة الشعرية الكبيرة الكامنة في مقاربة الجسد ولذتو الحسية وينفذ
إلى ما تتوىج بو العالقة الجسدية من القمق والشد والجذب والقرب وااللتحام وغيرىا من المشاعر
التي تراىا الذىنية الشاعرة وفق نسق رمزي تحويمي يجعل الحركات والتفاصيل من الغوص
واالرتحال واإلقبال واإلحجام وغيرىا أفعاال مقدسة أو أسطورية أو يعود بيا إلى لحظات الخمق
األولى ،لحظات االرتداد إلى البدائية الكامنة في أصل اإلنسان ،والحقيقة أنيا أحيانا تصبح حاال
وحشية وليست بدائية فقط ،حيث يرتد إلى لحظات العطش والحنين المتجذر في الذات اإلنسانية
الراغبة في العودة إلى الرحم ،وترى دراسات نفسية عديدة أن العالقة الجنسية ىي شكل من
أشكال الرغبة في العودة إلى الرحم واالختباء في الكيف أو الطبيعة والغابة التي خرج اإلنسان
منيا بالوالدة .وبحسب ميرسيا إلياد و كاميمي باليا وغيرىما من دارسي األساطير نجد أن ىناك
اتفاقا في تحميل العالقة الجنسية عمى أنيا ارتداد إلى الرحم أو األم أو الطبيعة والتحصن بيم مرة
أخرى ،ومن اندفاع تمك الحال تأتي الوحشية وما في العالقة من التحام قد يبدو قاتال.
في ىذه العالقة الغامضة شبو الحممية الكاسرة والمحطمة لقوانين اإلدراك يتجول مؤمن سمير في
مجاىميا لمبحث عن رحابات الشعرية المتوارية من جنون اإلدراك الحسي وجموحو ويستشعر أنيا
31
مازالت بيئة خصبة لمقول والبحث عن الجديد من المشاعر ونقاط التقاء الوجداني بالمادي
الخالص في توالدات شبو انفجارية تتفجر معيا المغة الشعرية ذاتيا بشكل مفاجئ ،كما تتفجر
الصور الشعرية بما قد يبدو مذىال ويشكل مفاجأة ليس فقط لممتمقي ولكن لمذات الشاعرة نفسيا
التي تمضي مع الحال الشعرية في نوع من االندفاع غير المحسوب أو غير المعروف نيايتو
أو خاتمتو بشكل واضح .فال تدرك الذات الشاعرة نفسيا ما ستصل إليو بشكل كامل بل تبدو في
رحمة من االستكشاف والتقدم في مجاىل النفس وخفاياىا عبر العالقة الجسدية بالغريب منيا أو
المعتاد ،بالمألوف والشاذ أو غير ذلك مما ال حدود لو من األفعال ،بالرحمة والقسوة والسادية
والعطف واالنسحاق وغيرىا الكثير والكثير مما يرصد الشاعر ويذكر ويطرز وينسج قصيدتو منو
بما يشبو الالوعي فكأن القصيدة تغزل نفسيا بنفسيا عبر أحداث تبدو متالحمة بشكل حتمي،
فكل فعل أو لمسة أو حدث يستتبع حركة أو جنونا أو نظرة أو لمسة مغايرة أو اقتحاما ،وىكذا
إلخ ،في حال من االندفاع الذي يشبو سقوط صخرة من قمة جبل وال يممك أحد إيقافيا.
تزيل القصيدة الحدود الفاصمة بين الرجل والمرأة ،بين الذكر واألنثي ،وتجعل ما ليا لو وما لو
ليا ،وكأنو ىي وكأنيا ىو ،في نوع من االنزياح المغوي وانزياحات ضمير الممكية الذي تنسب لو
األعضاء واألفعال والحواس لتكتمل حال السيولة واالندماج بين الذاتين فال نعرف ىل ىو يرتد
إلييا أم ىي ترتد إليو أو تستعيد بو شيئا ليا مفقودا وتائيا عنيا منذ بدء الخميقة ،وىو ما يمثل
تحقيقا لممعنى األسطوري المتداول في العقيدة الفيدية عند الينود عن انقسام األرواح قبل الخمق
والميالد ،وىو كذلك ما أشار إليو ابن حزم في كتابو (طوق الحمامة) وبحثو عن تفسيرات لمحب.
وبإحساس عال تمف مقاربة مؤمن سمير ليذه المذة الجسدية بحال من الذوبان والعشق الصوفيين
عبر حال من التالشي واالنمحاء في الحبيبة أو المعشوقة التي تصبح في كثير من األحيان
نموذجا فوقيا أو إلييا أو رم از لو ولمطبيعة األم ،ويقارب الظالل النفسية الالزمة لتمك المشاعر
من التالشي وما ينتج عنيا من التوزع والرغبات المتناقضة بين المزيد من االندماج وبين الرغبة
في الفرار واليرب.
يقول في إحدى لوحات القصيدة األولى (ناسوتي في الىوتِك) :قمت في الصبح وكانت ذراعك
تطل من رأسي ،وساقك تمف بالدا وتعود تقص ..عيونك بكسميا تتفتح وتقولين أتوق أن أنغمق
ِّدتك كيال تقضم كبدك تمحس دمك ات والمقص مفتوح عمى ِس َّك ِ
تو ،فمترحم سي َ المحظةَ ..سنو ٌ
32
ِ
الغابة تدوسك في المرآة ..أُغمق عيني وأبتي ُل ..مسامي امتألت بالشييق وبالياربين من نز ِ
يف َ
أذني ..أطفو
العذب المالح حتى َّ الندى ..يغرقني ماؤك ِ
تحتك حتى تشم َّ واألمطار التي تشف
ُ
يغيبِ ..شدوني ِّ
مني ..أوح َشتْني الربةُ وأنا فييا ..تستحضرين األمومة عندما ُ وأغطسَ ..نفَسي
ِ
عضوك حامال ِ
ثعبانك ..أتعمق بو وأصعد ..أليث بردان يا أم ..أرتعد فيأتي األب من ينِّ
تُ َدل َ
ذئاب /وتموح أسطورة.
صميبو ويربت عمى عظمي ..يق أر عمى رأسي فأغفو /وعمى مروجي ترعى ٌ
الديوان صٕٔ.
ىنا ثمة عدد من المالحظات الميمة ،فاألنثى ىنا منثور أعضاؤىا في كل مكان ،متباعدة وثمة
مسافات قصية بينيا ،منيا ما يكون بداخل ال َذ َكر أي في ذاكرتو ووجدانو ومنيا ما يكون خارجو
وال يمكن السيطرة عميو ،فال َذ َكر أصغر وأعجز من أن يحتوييا بأكمميا ،فاألنثى ىي األصل وىي
الطبيعة كميا ،ولذلك فإن ذراعيا تطل من رأسو ،أي بداخمو أو مازالت تمح عمى عقمو وذاكرتو
من األمس ،وىنا ثمة زمن مبتور وغائب ىو الزمن السابق ،أي الميل أو المساء ،ألن الزمن
اآلني ىو الصباح بحسب زمن تمك الموحة (قمت في الصبح) .والواضح كذلك أن ثمة تنوعا في
أزمنة االلتحام الجسدي ليغطي كل الوقت ومراحمو ،فالزمن الحاضر /الصبح ،يستحضر الزمن
الغائب وىو الميل أو المساء ،غير أن الموحة الجسدية الحاصمة في الصبح تعني شيئا مختمفا عن
تمك التي تقع في المساء ،فإن كانت المسائية قد تأتي لمراحة واالستكانة ،فإن الصباحية أو التي
وقعت في الصبح جاءت لإلنتاج أو اقترنت بالوالدة واألمومة وانتيت بدورة الزمن وانجاب (االبن
ِ
عضوك)، األب) الذي يحمل صميبو كما يأتي في آخر الموحة حين يقول (أرتعد فيأتي األب من
فاالبن أب كذلك وىو الذي يمنح الحماية والدفء بعد ذلك حين يشيخ والده ويكبر .ولذلك قال
(حامال صميبو ويربت عمى عظمي ..يق أر عمى رأسي فأغفو) فيذا المولود يصبح في الصورة
التالية عبر اختزال صريح لمزمن ىو األب الذي يمنح التربيت في إشارة إلى كل أشكال التدعيم
والمساندة والعطاء ويق أر عمى رأس أبيو ليغفو ،ربما لينتيي أو يموت ىنا في دورة كاممة لمخمق.
33
والمقصود ىنا فكرة األنوثة نفسيا ،ألنيا ىي األصل كما في أغمب األساطير القديمة ،فالمرأة ىي
األرض والطبيعة وىي التي تنبت فييا البذور والحبوب ،بينما الذكر ىو المطر أو الماء الذي
يتسبب في اإلنبات ليس أكثر.
في ىذا النص جماليات عديدة بعيدا عن القيم الداللية واألفكار الكبرى التي تندمج في حركة
الصورة الجنسية وتمك الموحة المتحركة المرسومة التي عبرت من نافذة العالقة الجسدية إلى دورة
الخمق كميا وأشارت إلى العالقة الجدلية بين األنوثة والذكورة وكافة ىذه األفكار الميمة ،فمن
جماليات البنية الشكمية ،السرد وقفزاتو الواسعة في الزمن حيث يحتاج المتمقي لدرجة من
المشاركة واليقظة في الربط بين ىذه الوحدات واألحداث الموزعة عبر الزمن الممتد ،من لحظات
الشوق والغزل أو العطش والرغبة ولغة التيديد المذيذ الخفيف من األنثى ،وطمبيا بأن يطمبيا ىو
في مشيد أقرب لمتداولي التي تمارس فيو األنثى عمى َذ َكرىا قد ار من الدلع وىي تعرف قدرىا
ومكانتيا العظمى لديو ،حين تقول لو (فمترحم سيدتك كيال تقضم كبدك) ،ثم المرحمة التالية التي
يحدث فييا االندماج والتوسل وأنو يرغب في الفرار من ذاتو فال فرق بينيا وبينو ،في دليل عمى
توحد الجسدين واكتماليما ببعض ،ثم المرحمة األخرى التي تفرض فكرة األمومة ظالليا ولكنيا
ترتبط بحركة مكشوفة في لغتيا الجنسية تجعل المشيد أثقل حضو ار في ذىن المتمقي ،عمى أن
الرمزية ال تنفصل عن لغة النص في أي مرحمة ولكنيا تتفاوت وترتبط بمستوى المتمقي وادراكو
ِ
ثعبانك) فإن القارئ اليقظ ينِّ
في األساس ،فحين يقول الشاعر ( تستحضرين األمومة عندما تُ َدل َ
فقط ىو الذي سيدرك ذاك الربط بين األمومة وادخال العضو الذي صار ثعبانا يعود لجحره أو
سكنو ،عمى أن كاف الخطاب ىنا التي تصبح مضافا إليو وتجعل الثعبان منسوبا إلى األنثى ىي
عالمة في غاية المركزية واألىمية في موقعيا الشعري وربما يكون الشعر كمو نابعا منيا ،لكونيا
جعمت ىذا العضو الذي ىو بجسد الذكر إنما ينسب لألنثى ،فكأنو شيء ضائع ومفقود منيا
وحان الوقت ليعود ألصمو ،وبعدىا يكون الميالد وتحدث المقابمة بين الدخول والخروج بين
العضوين ،فبعدما يدخل الثعبان يخرج األب في عممية لموالدة ،وتأتي المرحمة األخيرة خاتمة
بانورامية تقفز خارج حدود الشخصي إلى اإلطار الكوني والتكراري الدائري في العالقة بين
الخمق ،فاألب يتوه واالبن يرعاه وينتيي أو يموت ،ليكون كذلك في النص وعمى مسافات متقاربة
منو ثمة ميالد وموت ،وبعدىا تأتي ذئاب وترعى عمى مروج ذاك األب الميت ،بما يعني دورة
34
جديدة لمحياة بِ َشِّرىا واستالب ما ترك وراءه من المروج أو نتاج العمل والحب والجنس وكافة
أنشطة الحياة وكل ما يرتبط بحبيا ،فبالجنس يستدل النص عمى محبة الحياة المنتجة أو الخالقة
لممروج ،وينتيي النص ب (تموح أسطورة) في دليل عمى قصة جديدة آتية في الطريق أو ربما
إشارة إلى فكرة تدوين التاريخ أو كتابة الحكايات في لوحة الوجود .فاألسطورة إما لكونيا مجرد
قصة تتبعيا قصة أو إشارة لفكرة التدوين ،وىو الفعل اآلخر الذي يتسم بالدائرية أو التكرار،
فتدوين مرحمة يأتي بعده آخر وىكذا إلى ما النياية.
من جماليات نصوص ىذه المجموعة الشعرية ،اإليقاع الذي يتشكل عند مؤمن سمير عبر
مسارات خاصة ترتبط بالجممة واألصوات والداللة وكافة مستويات البناء المغوي لمنص ،فعمى
سبيل المثال نجد أن شكال ما في عالقة األفعال المضارعة مع بعضيا داخل الجممة ينتج إيقاعا
داخميا فريدا عمى نحو ما نرى في قولو في االقتباس السابق (أطفو وأغطسَ ..نفَسي يغيب)
فالجممتان الشعريتان ىنا مركبتان من كممتين ،الفعل المضارع يشكل ٘ %ٚأي ثالثة أفعال
مضارعة في مقابل كممة ( َنفَسي) التي تتشكل من اسمين ،لكنيا تحسب كممة واحدة .عمى أن
ثمة ارتباطا سببيا بين الجممتين من حيث المعنى يجعل تتابعيما في الزمن حتميا بما يعني أن
الم ْستَِوي ،أي أن نشعر أن الفعل المضارع
حسن التقسيم وغمبة الفعل المضارع بسمتو التنغيمي ُ
ىنا لو نغمة مستوية تتوازى مع فكرة استمرار الفعل المضارع في الزمن ،فكما يقول النحويون إن
الفعل المضارع يدل عمى االستمرار ،فأطفو وأغطس فعالن مستمران إما بالتكرار أو بامتدادىما
في الزمن ،أي أن الفعل الواحد يستمر ويمتد لوقت طويل دون تكرار ،وكذلك الفعل المضارع في
الجممة الثانية ( َنفَسي يغيب) فكأنو يغيب بامتداد قد يصل إلى الموت أو التالشي الكامل والنيائي
شكل إيقاعا خاصا ربما يكونفي أنثاه ،الميم أن التنغيم وحسن التقسيم وغمبة الفعل المضارع َّ
إيقاع الحركة في المشيد أو جزءا منو ،وىذا مظير جمالي ربما يكون ناد ار حيث يحدث تطابق
بين إيقاع العممية الجنسية وحركتيا مع إيقاع لغة النص الشعري ونغماتو وامتداده في الزمن.
تتشكل الشعرية في النص من التضاد وأدواره الوظيفية ومن أنساق بنائية خاصة بالمغة وتشكالتيا
عمى نحو ما نجد في أبنية الجمل الشعرية كما أشرنا إلى الفعل المضارع أو التنوع في التنغيم ما
بين النغمات الثالث؛ الصاعدة واليابطة والمستوية .نجد التضاد عمى سبيل المثال ىو نفسو يأتي
بتنويعات وبصور غير مباشرة أو بالنمط المغوي التقميدي ،الكممة وضدىا ،بل يأتي عبر المعنى
35
أحيانا ،مثل (عيونك بكسميا تتفتح وتقولين أتوق أن أنغمق المحظةَ) فينا َي ْنتُ ُج عن كسل العيون
تفتح أي حركة تنبثق عن الالحركة ،أو ذلك االمتزاج والتداخل بين الكسل والتفتح ،ثم مقابل
ٌ
انغالق العيون التي لم يكن ىناك نص صريح عمى انغالقيا بل ينتج المعنى من (تتفتح) وىو
فعل مرحمي متنام وتدريجي أي ال يكتمل إال بعد وقت ،بما يعني أنو دال عمى االنغالق وعمى ما
قبمو ولو بشكل جزئي .ثم التضاد بين توقيا إلى االنغالق المحظةَ ،أي أن يتركيا في ذلك الوقت.
و ىي كميا متناسبة مع لوحة الرفض المذيذ أو التمنع التي مارستيا معو بعد ذلك في أمرىا لو في
كبدك تمحس دمك تدوسك في المرآة) .والتضاد كذلك
َ قولو عمى لسانيا (اترك سيدتك كيال تقضم
في أكثر من نموذج مثل( األمطار -تنشف /شدوني منيْ /أو َح َشتْنِي وأنا فييا /ماؤك العذب
المالح /تدلين ثعبانك ،يأتي األب من عضوك).
نجد األنثى حاضرة في نصوص مؤمن سمير بشكل تبدو فيو منثورة األعضاء وموزعة عمى
أركان الوجود بنوع من التمدد وكأنيا ىي كل الوجود ،ىي الغابة الكبرى التي ال نياية ليا .في
الموحة السابقة التي زمن حدوثيا في الصبح نجد أن ذراعيا كانت في رأسو وساقيا تمف بالدا
وتعود تقص ،في حال من التباعد أو التوزع الواضح في المسافات ،ونالحظ ىنا أن األعضاء
نفسيا متنوعة بين الثابت والمتحرك .أو ما يمبث في المكان وما يبادر بالحركة ويتجول ويبدو
مستقال عن ىذه األنثى أو الشخصية المركزية المقابمة لمذكر الذي يبدو بخالفيا مؤط ار بحدود.
ِ
وساقك تمف وفي الموحة التالية ليا التي يكون زمنيا المساء ،نجده يقول ( ِ
بطنك تحت رأسي
وتدور وتتعمد أال تحكي) ،فالساق ىنا عمى عيدىا القديم كما في الموحة السابقة ،تمف وتدور،
ولكنيا تختمف فقط بأنيا تخمت عن رغبتيا في الحكي ،فإذا كانت في األولى قد عادت من البالد
وقصت فيي ىذه المرة تتعمد أال تحكي ،ليكون التقابل ىنا ىذه المرة متجاو از حدود المشيد الواحد
ويربط بين مشيدين مختمفين في الوقت بين الصبح والمساء ،ليشكل النص الشعري التنويعات
النفسية ليذه األنثى واختالف أحواليا مع الوقت.
ثمة إحساس خاص بالزمن في تمك النصوص الشعرية يعكس إطا ار حركيا لموجود متنوعا بين
الوحدات الزمنية المختمفة من الصبح لممساء ،لأليام والفصول والساعات وكافة التنويعات الوقتية
التي تجعل حركات العالقة الجسدية بين الذكر واألنثى مؤطرة بكل حركة الوجود واختالفيا.
36