Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 36

‫ممف جروب "مجانين قصيدة النثر"‬

‫عن تجربة الشاعر المصري‪ /‬مؤمن سمير‬

‫شر عمى صفحة الجروب عمى ‪Facebook‬‬


‫الذي نُ َ‬

‫يوم الجمعة ‪ 81‬فبراير‪2222‬‬

‫* سيرة ذاتية لمشاعر‪.‬‬

‫* عشر قصائد لمشاعر‪.‬‬

‫* ثالث مااتات نادية عن تجربة الشاعر‪.‬‬

‫أوتاً‪ :‬سيرة ذاتية لمشاعر‪:‬‬

‫االسم‪ :‬مؤمن محمد محمد عمي ‪.‬‬

‫اسم الشيرة و اإلسم األدبي ‪ :‬مؤمن سمير ‪.‬‬

‫تاريخ الميالد‪ٜٔٚ٘/ ٔٔ/ ٔ٘ :‬‬

‫العضويات‪ :‬عضو لجنة ِ‬


‫الشعر بالمجمس األعمى لمثقافة‪-‬عضو اتحاد ُكتَّاب مصر منذ ٕٔٓٓ–‬
‫عضو النقابة العامة لمعاممين بالنيابات ومحاكم مصر ‪.‬‬

‫‪ -‬عضو األمانة العامة لمؤتمر أدباء مصر دورة ‪.ٕٓٔٚ -ٕٓٔٙ‬‬

‫‪ -‬مدير تحرير مجمة " فواصل" األدبية اإلقميميةٕٕٔٓ‪.ٕٖٓٔ-‬‬

‫‪ -‬أمين عام مؤتمر "المشيد الثقافي الراىن في بني سويف" المنعقد في ‪.ٕٖٓٔ-ٗ-ٕٜ‬‬

‫‪ -‬سجل الباحث " محمد عبد المريد " رسالة ماجستير في جامعة جنوب الوادي بمصر‪ ،‬بعنوان‬
‫"آليات الخطاب الشعري في قصيدة النثر‪ .‬مؤمن سمير أنموذجاً"‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬صدر عن تجربتو كتاب ‪":‬بصيرة المتشكك‪ ..‬نقد أعمال مؤمن سمير الشعرية" تحرير وتقديم ‪/‬‬
‫مرفت محمد يس ‪،‬عن الييئة المصرية العامة لمكتابٕٕٓٓ‪.‬‬

‫‪ -‬تم تكريمو من العديد من الييئات والمؤسسات منيا‪ :‬الييئة العامة لقصور الثقافة– الشئون‬
‫المعنوية لمقوات المسمحة المصرية– اتحاد ال ُكتَّاب فرع شمال الصعيد– اتحاد ال ُكتَّاب فرع بني‬
‫سويف والفيوم‪ -‬حزب التجمع التقدمي الوحدوي – مؤسسة أسرار األسبوع‪.‬‬

‫* اإلصدارات وجية اإلصدار والسنة ‪:‬‬

‫ٔ ‪ -‬بور تريو أخير‪ ،‬لكونشرتو العتمة‪ .‬شعر‪ ،‬دار سوبرمان ‪.ٜٜٔٛ‬‬

‫ٕ‪ -‬ىواء جاف يجرح المالمح‪ .‬شعر‪ ،‬الييئة العامة لقصور الثقافة ٕٓٓٓ‪.‬‬

‫ٖ‪ -‬غاية النشوة‪ .‬شعر‪ ،‬طبعة أولى‪ :‬الييئة العامة لقصور الثقافة ٕٕٓٓ‪ .‬طبعة ثانية ‪ :‬مكتبة‬
‫األسرة ٖٕٓٓ‪.‬‬

‫ٗ‪ -‬بيجة االحتضار‪ .‬شعر‪ ،‬الييئة المصرية العامة لمكتاب ٖٕٓٓ‪.‬‬

‫٘‪ِ -‬‬
‫السرّيون القدماء‪ .‬شعر‪ ،‬الييئة المصرية العامة لمكتاب ٖٕٓٓ‪.‬‬

‫‪ -ٙ‬ممر عميان الحروب‪ .‬شعر‪ ،‬الييئة العامة لقصور الثقافة ٕ٘ٓٓ‪.‬‬

‫‪ -ٚ‬تفكيك السعادة‪ .‬شعر‪ ،‬دار ىفن ‪.ٕٜٓٓ‬‬

‫‪ -ٛ‬تأطير اليذيان‪ .‬شعر‪ ،‬دار التالقي لمكتاب‪.ٕٜٓٓ‬‬

‫‪ -ٜ‬بقع الخالص‪ .‬مونودراما‪ ،‬الييئة العامة لقصور الثقافة‪ ،‬بيت ثقافة الفشنٕٓٔٓ‪.‬‬

‫ٓٔ‪ -‬إضاءة خافتة وموسيقى‪ .‬مجموعة مسرحية‪ ،‬الييئة المصرية العامة لمكتاب‪.ٕٜٓٓ‬‬

‫ٔٔ‪ -‬يطل عمى الحواس‪ .‬شعر‪ .‬كتاب اليوم‪ .‬دار أخبار اليومٕٓٔٓ‪.‬‬

‫ٕٔ‪-‬الياتف‪ .‬مسرحية لألطفال‪ .‬الييئة المصرية العامة لمكتابٕٓٔٓ‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫ٖٔ‪-‬أوراد النوستالجيا‪ .‬مقاالت نقدية‪ .‬إقميم القاىرة الكبرى الثقافئٕٔٓ‪.‬‬
‫ٗٔ ‪-‬رفة شبح في الظييرة‪ .‬شعر‪ .‬الييئة المصرية العامة لمكتابٖٕٔٓ‪.‬‬

‫الغ ْم ِر كالغابة كاألسالف‪ .‬شعر‪ .‬الييئة العامة لقصور الثقافة ٖٕٔٓ‪.‬‬ ‫٘ٔ‪ -‬عالِ ٌ‬
‫ق في َ‬

‫وحيد يقبعُ في لوحة وكتابات أخرى‪ ،‬مقاالت‪ ،‬مطبوعات اتحاد ال ُكتَّاب فرع بني‬
‫كائن ٌ‬
‫‪ٌ -ٔٙ‬‬
‫سويف والمنيا ‪.ٕٓٔٙ‬‬

‫‪ -ٔٚ‬إغفاءة الحطَّاب األعمى‪ ،‬شعر‪ ،‬دار روافد ‪.ٕٓٔٙ‬‬

‫‪ -ٔٛ‬صياد السمك الناطق وقصص أخرى لمصغار‪ ،‬تأليف‪/‬مكسيم جوركي ‪.‬إعداد وترجمة‬
‫‪/‬مؤمن سمير‪ ،‬الييئة المصرية العامة لمكتاب‪.ٕٓٔٙ‬‬

‫حيز لإلثم‪ ،‬شعر‪ ،‬دار "بتانة"‪.ٕٓٔٚ‬‬


‫‪ٌ -ٜٔ‬‬

‫ٕٓ‪ -‬بال خبز وال نبيذ‪ ،‬شعر‪ ،‬الييئة المصرية العامة لمكتاب‪.ٕٓٔٚ‬‬

‫ٕٔ‪-‬غذاء السمك‪َ ،‬نص‪ ،‬الذىبية لمنشر والتوزيع ‪.ٕٜٓٔ‬‬

‫ٕٕ‪-‬األصابع البيضاء لمجحيم‪ ،‬قراءات في محبة الشعر‪ ،‬دار ابن رشد‪.ٕٜٓٔ‬‬

‫ٖٕ‪-‬أناشيد الغيمة المارقة‪ ،‬الموجة األحدث في قصيدة النثر المصرية‪ ،‬منشورات مجمة نصوص‬
‫من خارج المغة‪ ،‬المغرب‪.ٕٜٓٔ‬‬

‫ٕٗ‪-‬سمة إيروتيكا تحت نافذتك‪ ،‬شعر‪ ،‬دار أروقة ٕٕٓٓ‪.‬‬

‫ٕ٘‪-‬صانع المربعات‪ ،‬مجموعة مسرحية‪ ،‬الييئة العامة لقصور الثقافة ‪.ٕٕٓٓ،‬‬

‫‪ -ٕٙ‬أصوات تحت األظافر‪ ،‬مختارات شعرية‪ ،‬دار خطوط وظالل‪ ،‬األردنٕٕٓٓ‪.‬‬

‫‪-ٕٚ‬حكاية بني سويف الجميمة‪ ،‬دراسات شعبية‪ ،‬إقميم القاىرة الكبرى الثقافيٕٕٓٓ‪.‬‬

‫فأس و حفرات في المحم (أوكار المعب مع الحياة)‪ ،‬سيرة ذاتية‪ ،‬دار النابغة‪.ٕٕٓٔ،‬‬
‫‪ٌ -ٕٛ‬‬

‫‪-ٕٜ‬أبعد بمد في الخيال‪ ،‬شعر‪ ،‬دار األدىم‪.ٕٕٓٔ،‬‬

‫‪3‬‬
‫ٖٓ‪-‬تدوينات ثقافية‪ ،‬دار ميتابوك‪.ٕٕٓٔ،‬‬

‫ٖٔ‪ٍ -‬‬
‫ببطء كأنو كبرياء‪ ،‬شعر‪ ،‬دار الدراويش‪ ،‬ألمانيا‪.ٕٕٕٓ،‬‬

‫* الجوائز والجية المانحة لمجائزة والسنة ‪:‬‬

‫ٔ* المسابقة اإلبداعية لو ازرة الشباب والرياضة عام‪ .ٜٜٔٛ‬المركز األول‪ .‬فرع المسرحية ‪.‬‬

‫ٕ* المسابقة اإلبداعية لو ازرة الشباب والرياضة عامٕٓٓٓ‪ .‬المركز الثاني‪ .‬فرع القصيدة ‪.‬‬

‫ٖ * المسابقة المركزية لييئة قصور الثقافة عام‪ ٜٜٔٛ‬المركز الثاني‪ .‬فرع القصيدة ‪.‬‬

‫ٗ* المسابقة المركزية لييئة قصور الثقافة عامٕٕٓٓ المركز الثاني‪ .‬فرع مسرحية األطفال ‪.‬‬

‫٘*المسابقة المركزية لييئة قصور الثقافة عام ٕٓٔٓ المركز الثالث‪ .‬فرع ديوان شعر الفصحى‪.‬‬

‫‪ *ٙ‬جائزة فرع النقد بمسابقة فرع بني سويف الثقافي عام ٕٔٓٓ‪.‬‬

‫‪ *ٚ‬جائزة فرع النقد بمسابقة فرع بني سويف الثقافي ٖٕٓٓ‪.‬‬

‫‪ *ٛ‬جائزة سعاد الصباح‪ ،‬فرع مسرحية الفصل الواحد‪ ،‬المركز الثاني‪ .‬عام ٕٕٓٓ ‪.‬‬

‫‪ *ٜ‬جائزة أفضل ديوان شعر فصحى بالنشر اإلقميمي‪ -‬ىيئة قصور الثقافة عامٕٕٓٓ‪.‬‬

‫ٓٔ* جائزة مركز رامتان‪ ،‬فرع القصة القصيرة ‪ ،‬المركز الثاني‪ .‬عام ٕٗٓٓ‪.‬‬

‫ٔٔ* جائزة كتاب اليوم‪ ،‬فرع ديوان شعر الفصحى‪ ،‬المركز األول‪ .‬عام ٕٓٔٓ‪.‬‬

‫ٕٔ* شيادة تقدير عن الوصول لمقائمة القصيرة بمسابقة شباب المبدعين المسرحية – المجمس‬
‫األعمى لمثقافة عامٕٔٓٓ‪.‬‬

‫ٖٔ * شيادة تقدير عن الوصول لمقائمة القصيرة بمسابقة جائزة كتاب اليوم فرع القصة‬
‫القصيرة‪.‬عامٕٓٔٓ ‪.‬‬

‫ٗٔ * جائزة األديب محمد أبو الخير لمشعر عن ديوان "عالق في الغمر كالغابة كاألسالف" عام‬
‫ٕٗٔٓ‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫٘ٔ*جائزة التأليف المسرحي‪ ،‬المجمس األعمى لمثقافة‪ ،‬المركز الثالث‪ .‬عام ٕٕٓٓ ‪.‬‬

‫‪*ٔٙ‬جائزة حممي سالم لمشعر الجديد‪ ،‬المركز الثالث‪.ٕٕٓٔ.‬‬

‫* ُنشرت نصوصو ومقاالتو و ُكتب عن تجربتو في العديد من الدوريات منيا ‪:‬‬

‫أخبار األدب – سطور – المحيط الثقافي – المساء – الجريدة – إضاءة ‪ - ٚٚ‬الكرمة – إبداع‬
‫– العربي – أدب ونقد – األىالي – الثقافة الجديدة – القاىرة – فنون – عيون – برديات –‬
‫الشعر – القدس العربي – الموجز – القبس – نزوي – اليالل – اإلذاعة والتميفزيون ‪ -‬ضاد –‬
‫األخبار‪ -‬األىرام – الدوحة – فواصل – المجمة – أبيض واسود – مسرحنا – الخميج – العرب –‬
‫السفير‪ -‬الدستور‪ -‬الحياة – الحركة الشعرية – ‪ – Rê‬الشرق األوسط‪ -‬تراث‪ -‬المستقبل العراقي‬
‫– المصري اليوم – مجمة الجديد‪ -‬الرأي‪ -‬رؤى‪.‬‬

‫ب عن تجربتو ‪:‬‬
‫* َكتَ َ‬

‫محمد مستجاب – د‪ .‬أيمن بكر – وائل النوبي – بييج إسماعيل – محمود الحمواني – يسري‬
‫حسان – د‪ .‬عبد الحكم العالمي – د‪ .‬عفاف عبد المعطي – د‪ .‬مجدي أحمد توفيق – عبد‬
‫العزيز موافي – محمد األسعد – كريم اليزاع – ميرفت محمد يس – أحمد الشياوي – نور‬
‫د‪ .‬مصطفى الضبع – أحمد عادل‬ ‫اليدى عبد المنعم – شريف عبد اهلل – محمود األزىري –‬
‫القضابي – عاطف محمد عبد المجيد – د‪ .‬أماني فؤاد – د‪.‬محمود أحمد عبد اهلل – خالد محمد‬
‫الصاوي – زينب الغازي – حاتم مرعي – بياء جاىين – د‪.‬أشرف عطية‪ -‬د‪.‬صالح فاروق‪-‬‬
‫شريف رزق‪ -‬د‪.‬شعيب خمف‪ -‬ياسمين مجدي‪ -‬د‪.‬محمود الضبع – أحمد عزت مدني – خالد‬
‫حسان‪ -‬د‪.‬محمد عزت – عيد عبد الحميم‪ -‬عمر شيريار‪ -‬د‪.‬أحمد الصغير‪ -‬ممدوح رزق –‬
‫ياسر المحمدي – أسامة بدر – د‪.‬محمد السيد إسماعيل – د‪.‬أسماء عطا جاد اهلل – د‪.‬عبد‬
‫الناصر عيسوي – أشرف قاسم – عبد الرحمن تمام – د‪.‬ىويدا صالح – د‪.‬محمد سمير عبد‬
‫السالم – محسن البالسي‪-‬أحمد الالوندي –ىبو مصطفى أحمد‪ -‬جمال القصاص‪ -‬محمد عيد‬
‫إبراىيم – د‪.‬حاتم الجوىري‪ -‬عطية معبد – وليد عالء الدين – د‪.‬عصام حسين عبد الرحمن‪-‬‬
‫أسامة الحداد – د‪.‬كمال المييب – د‪.‬بياء مزيد – د‪.‬عبد الناصر ىالل – محمد محمد‬

‫‪5‬‬
‫مستجاب‪ -‬أشرف البوالقي – أحمد إسماعيل – أحمد رجب شمتوت‪ -‬عصام الزىيري‪ -‬د‪.‬حمزة‬
‫قناوي – د‪.‬عادل ضرغام‪-‬د‪.‬محمد سميم شوشة‪-‬محمد يونس‪.‬‬

‫ثانياً‪ :‬عشر قصائد لمشاعر‪:‬‬

‫" رسائ ُل الضف ُة األخرى"‬

‫أقفز فوق النير‬


‫أود أن َ‬

‫أل ُْم ِس َك بالضفة األخرى‬

‫أستأنف طريقي‬
‫َ‬ ‫و‬

‫لمقمعة الكبيرة‪...‬‬

‫النير يعوقني‬

‫و الجميمةُ المأسورةُ‬

‫ك عظامي‪..‬‬ ‫رسائميا تُ ِ‬
‫شكش ُ‬

‫تبتسم‬
‫ُ‬ ‫رسالتيا األخيرة كانت غيمةً‬

‫ثم تبكي‪..‬‬

‫و التي ْقبمَيا‬

‫طمَّ ٍة من حرير‬
‫كانت وردةً بِ َ‬

‫ٍ‬
‫حكاية ألخرى‬ ‫تنتق ُل من‬

‫وتترك أريجاً خافتاً‬

‫وصفي اًر حزيناً‪..‬‬

‫كنت وحدي‬
‫باألمس ُ‬

‫‪6‬‬
‫وكنت خائفاً‪..‬‬
‫ُ‬

‫بحثت عن صورة أمي ألصير جريئاً‬


‫ُ‬

‫مينين‪..‬‬
‫خفاشين َس ْ‬
‫ْ‬ ‫اصطدت‬
‫ُ‬ ‫و‬

‫فركت الج َن ِ‬
‫احات‬ ‫ُ َ‬

‫ت رمادىما في طبقي‬
‫ألقي ُ‬
‫و ْ‬

‫البيت بالعواء‬
‫ُ‬ ‫‪...‬وىكذا امتأل‬

‫يطير فوق ِ‬
‫النير‪..‬‬ ‫صرت وحشاً َ‬
‫ُ‬ ‫و‬

‫يطوي الضفة األخرى في ِ‬


‫جيبو‬

‫يصطحب الجميمة التي تراهُ جميالً‬


‫ُ‬ ‫و‬

‫ين مدينتنا الصغيرةُ‬


‫والتي تتز ُ‬

‫بذكراىا‪..‬‬

‫كل حصاد‪..‬‬
‫َ‬

‫‪------------------------------------------------------‬‬

‫"جزيرةٌ لاريتنا"‬

‫خباز يا صديقتي و أحم ُل أرغفةً في قمبي‪ ..‬عمى ظَ ْيري تحبو سفينةٌ بال عواصف ورأسي‬‫أنا ٌ‬
‫ساحة بيتِ ُكم‬
‫ِ‬ ‫ت كالمجنون في‬
‫كبيرةٌ تدخل بين شارعين وال تخرُج إال بفضيحة‪ ..‬صدقيني يوم َىتَ ْف ُ‬
‫كنت أر ِ‬
‫يدك أن تقولي إنك‬ ‫وقمت إن ساعي البريد يموت وأن الصغار صاروا يعافون أرغفتي‪ُ ،‬‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫اكتفيت بأن تذكري نيران مخبزي‬ ‫ِّك لمسقَّاء وال َك َّواء وبائع األحالم‪ِ ..‬‬
‫لكنك‬ ‫أحببتني أكثر من حب ِ‬
‫ُ‬
‫الناس أبي الذي كان َي ِغش‬
‫الكالب وينسى ُ‬‫ُ‬ ‫بالخير كي تزداد ىي اشتعاالً ويأكل المصوص و‬
‫يرك و تطيري وأمد أنا يدي وأتناول ظمَّ ِك الجميل‬
‫ظ ِ‬
‫يدك أن تشيقي وتعطيني َ‬ ‫كنت أر ِ‬
‫الدقيق‪ُ ..‬‬
‫تحترق من الموعة‪..‬‬
‫ُ‬ ‫عروس‬ ‫ٍ‬
‫بعيدة تطفو عمى ساحل المحيط‪ ،‬كأنيا‬ ‫ٍ‬
‫مدينة‬ ‫ونيرب إلى‬
‫ٌ‬
‫‪7‬‬
‫‪-----------------------------------------------------‬‬

‫"يمف بعيون زائغة"‬

‫آلخرِه وتُ ِّ‬


‫سمي اهللَ ثم‬ ‫مخمبين ثم تشدهُ ِ‬
‫ْ‬ ‫فيعين كأنيما‬
‫بإصبعييا الر ْ‬
‫ْ‬ ‫تقبض عمى لساني‬
‫ُ‬ ‫كانت أمي‬
‫جمعت‬
‫ُ‬ ‫عمي من وسط السوق أمام الناس جميعاً كمما‬
‫تقبض َّ‬
‫ُ‬ ‫تقطعوُ بسكيِّن مطبخيا الحبيب‪..‬‬
‫فتتثاءب‬ ‫ٍ‬
‫حكايات تجعميم يسيرون لحد وقوع الصبح عمى رؤوسنا‬ ‫األوالد في الحقل وألَّ ُ‬
‫فت‬
‫ُ‬
‫ٍ‬
‫أحيان‬ ‫كنت في‬ ‫ٍ‬
‫بصوت ييز البمدة كميا ثم تطير معنا لنسرق أكواز الذرة‪ ..‬كما أنني ُ‬ ‫العفاريت‬
‫أتسمل وأخفي في قميص بطل حكاياتي الطيب‪ ،‬نظرةً من نظرات أبي الغامضة‪ ،‬المعمقة عمى‬
‫رأس السرير‪ ..‬كان الفراغ الذي تركوُ لساني في فمي مازال يمف بعيون زائغة في انتظار أن‬
‫تعش وأراقب كفي وىي تتضاءل‬ ‫وكنت أنا تحت الغطاء أر ُ‬
‫ُ‬ ‫يظير أو ُل المسان ثم ينمو رويداً رويداً‬
‫تفضح ِفراشي‪ ..‬عندما ماتت أمي توقف لساني عن النمو‬ ‫ُ‬ ‫تيرب من مسح الدموِع التي قد‬ ‫َ‬ ‫كي‬
‫يد قميالً‪،‬‬ ‫صغير‪ ،‬كأنو حجم ٍ‬
‫طفل أو يز ُ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫بحجم‬ ‫صرت تمثاالً‬
‫ُ‬ ‫أخرس أو مجنوناً‪..‬‬ ‫لكني لم أصر‬
‫َ‬
‫كالم ممون يمأل‬ ‫ِِ‬
‫يحشو حوائط دكانو بحكايات أىل البمدة وأكاذيبيم‪ ،‬ثم يبتسم بغرور كأنوُ ٌ‬
‫وييميم بال فم‪..‬‬ ‫يجوس حتى اآلن‪..‬‬ ‫طائشة أصابتو‪ ،‬لما كان‬‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫طمقات‬ ‫السماء‪ ..‬ولوال أن‬
‫ُ‬ ‫ُ‬

‫‪---------------------------------------------------‬‬

‫األحجار في صندوقها كي تا تموت"‬


‫ُ‬ ‫"تحكي‬

‫الجموس عمى ساللم البيوت وساللم الساحات و ساللم المترو‪ ..‬ثم يممكون فمسفةً ليذا‬
‫َ‬ ‫يحبون‬
‫طيور تجمدت‪ ،‬كانت تضحك ثم مرت غيمات و غيمات فوق‬ ‫ٍ‬ ‫أقدام‬
‫األمر‪ ..‬يقولون إن الساللم ُ‬
‫رأسيا‪ ،‬فأخذ وجييا في التجيم حتى التقطَ القَ َد ُر المقطةَ ىكذا‪ ..‬إذن كان دورىم أن ينظر كل‬
‫ك بعمق‪ ،‬إذ ربما تصحو مظمةٌ من ذاكرة إحدى البيوت‬ ‫احد في قمب اآلخر ثم يضحك‪ ،‬يضح ُ‬ ‫و ٍ‬

‫تحمم بأن تتوالى بال نياية‪ ..‬أو ربما يفيق‬ ‫وتحوش المطر من غير أن تنجرح كبرياء َ ِ‬
‫الد َرجات أو َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫تصعد وتيبط‪،‬‬
‫ُ‬ ‫الحرب و‬
‫ُ‬ ‫أسير عندما يتذكر ساقو المقطوعة التي سندوا بيا األحجار‪ ،‬كي تعدو‬
‫ٌ‬
‫كأنيا طفمةٌ َن َمت ليا جناحات‪..‬‬

‫‪---------------------------------------------------‬‬

‫‪8‬‬
‫"قُ َب ْيل الفضيحة"‬

‫عجوز‪ ،‬يسحبيا ُع َّكازىا الذي ىو في المساء حبيبيا وفي‬


‫ْ‬ ‫بجوار ظاللنا‪ ،‬كانت تتمشى شحاذةٌ‬
‫أطير معيا من النافذة‪..‬‬
‫حممت أني ُ‬‫ُ‬ ‫صحوت اليوم مستثا اًر بعد أن‬
‫ُ‬ ‫عيونيا المتقدة‪..‬‬
‫الصباح ُ‬
‫ِ‬
‫وبالط الغرفة و نظارتي‪ ..‬أخبرتُيا‬ ‫وخائف من أطفالي‬
‫ٌ‬ ‫انتظرتُيا و قمت ليا إني حزين يا أمنا‬
‫ِ‬
‫العودة و كيف تغيم عيوني كمما‬ ‫ونسيت جسدي جوار النافذة التي في حافمة‬
‫ُ‬ ‫ت فجأةً‬
‫كيف سافَ ْر ُ‬
‫قمت كثي اًر وحكيت وغنيت‬
‫فكرت في شيقة أبي رغم أن الذي قتمَوُ رُبوُ بينما كنا غائبين‪ُ ..‬‬
‫كاذب مثل ىذه الدنيا‪ ..‬أنت‬
‫ٌ‬ ‫والشحاذة تسمعُ و تضحك و تبكي و تُ َحمِّق‪ ..‬قالت أنت جمي ٌل ألنك‬
‫اء دافئٌ‪ ..‬ىل تعمم أن يدي اليمنى تأخذ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫شبح وألنك في ىذه الميمة الباردة ىو ٌ‬
‫يب أيضاً‪ ،‬ألنك ٌ‬
‫قر ٌ‬
‫نقودكم وتطبخيا في ِقدري الضخم فتتمشى في عظامي روائحكم وأسراركم‪ ..‬و أن فمي ال يأكل‬
‫وال يشرب منذ سنوات‪ ،‬وعيوني ال ترى سواكم وال تتنفس أنفي إال من رئاتكم الغامقة‪ ..‬حتى مرت‬
‫األزمان كميا عمى دخولي تحت جمودكم ورقودي و ممَّتنا المعبة في النياية‪ ..‬إذن ال بد و أن‬
‫تفكروا من اآلن‪ ،‬في اليوم الذي سأختفي فيو من ىذا الشارع وأظير في شارع بعيد‪ ..‬ساعتيا‬
‫ستحسون بوطأة الصقيع وتفيمون سر أحضان زوجاتكم المميئة بالديدان‪ ..‬ستعدو من أمام أعينكم‬
‫كل األذرع التي ارتعشت في الصور والرؤوس التي اقتربت من البحر لتميو فالتقطيا ِ‬
‫السر‪ ..‬حتى‬
‫سييرب وىو يمأل بظيره الضخم جدران الحكاية‪ ..‬كمما‬
‫ُ‬ ‫الغول الذي كان حبالً رفيعاً وىو صغير‪،‬‬
‫تنسون‪ ..‬تضيئون‪..‬‬
‫َ‬ ‫تذكرونني أختفي‪ ..‬ويوم‬

‫‪-----------------------------------------------------‬‬

‫حالك اليوم‪ ..‬أيها البدائي الشايق؟"‬


‫َ‬ ‫كيف‬
‫" َ‬

‫الدور اليوم عمى ِجْمِد ِه ليتقمص دور المعمِّم‪ِ ،‬‬


‫يحق ُن طاقةً سحريةً في الخاليا لتمزق نفسيا‬ ‫َُ‬ ‫َ‬ ‫كان َ ْ ُ‬
‫ِ‬
‫تسقيو عمى َميَ ٍل‪ :‬كيف أن نظرة عينييا أخطر من َخ ْمشات النمر‬ ‫وىي تبتسم ثم تحضنوُ و‬
‫ِ‬
‫الكيف و ذكرى‬ ‫وتدور في‬ ‫األرقط‪ ..‬في نفس الوقت‪ ،‬كانت رغبتيا تعصف بيا‪ ،‬تجعميا تمف‬
‫ُ‬
‫ٍ‬
‫جميمة تقو ُل تعال‪ ..‬ىذا‬ ‫ٍ‬
‫ابتسامة‬ ‫المبؤة الجريحة تتبعيا ِ‬
‫كظمِّيا‪ ،‬فقط كي تُ َعمِّميا أنو ال مفر من‬
‫كزت األسنان عمى‬ ‫طيب وسي ٌل ويشبو المطاط‪ ،‬يتَّسعُ مع التنيدات َّ‬
‫الحرى و يضيق كمما َّ‬ ‫الكيف ٌ‬
‫ُ‬
‫خمف ظيري بسرعة‪،‬‬
‫عت صوتاً و التفت َ‬ ‫لكن الثابت أنني كمما ِ‬
‫سم ُ‬ ‫نفسيا وطارت المعنات‪َّ ..‬‬

‫‪9‬‬
‫حفيف وىمس‪ ..‬لم ال أرسم عمييا قطة‬
‫ٌ‬ ‫كذلك‬
‫َ‬ ‫نظرت و ليا‬
‫ُ‬ ‫وجدت مساحة تزيد في بسطتيا كمما‬‫ُ‬
‫اختار أال يزحف حول عنقي في‬ ‫مخمص في حبي لكل ٍ‬
‫حبل وديع‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫تضحك لعفاريتيا(أنا‬
‫َ‬ ‫تغني أو‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫الحرب‪..‬‬ ‫عدت من‬ ‫ِ‬
‫الكيف كمما‬ ‫أرسم الوردةَ التي تنتظرني خارج‬
‫ُ‬ ‫األحالم)‪ ..‬من الممكن كذلك أن َ‬
‫وجنتييا المجرم‪ ..‬لكنوُ وىو يرتعش‪ ،‬قرر أن‬
‫ْ‬ ‫كنت أتحرج أن أذوقيا بسبب احمرار‬ ‫و دائماً ما ُ‬
‫ٍ‬
‫ط‪ ..‬منذ سنوات و ىذا الغامض يحيره‪ ،‬وىا قد آن األوان ألن يكشفوُ‬
‫قمبوُ ويرشقو عمى الحائ ْ‬
‫ُيخرج َ‬
‫ويمأل المكان بصدى السؤال‪ :‬لماذا تربكني يا جاري رغم أني تركت لك ضموعي لترعى وتغني‬
‫َّم األصوات‬ ‫ِ‬
‫تمطر خارَج أذنيو‪ ،‬قَس َ‬
‫ُ‬ ‫ق عيناً وفتح األخرى وكانت الدنيا‬
‫َغمَ َ‬
‫لما أ ْ‬
‫وقت األصيل؟‪َّ ..‬‬
‫ٍ‬
‫قاطعة كاإلزميل‪ ،‬ارقَوُ رنينيا فمصقيا في سقف الكيف لتصفو أكثر‪:‬‬ ‫ٍ‬
‫بجممة‬ ‫التي وراء الكيف‬
‫قَسَّميا إلى "شييق األرض وزفير السماء"‪ ..‬عشنا عمرنا كمو وكالم السماء المتمعثم ىذا‪ ،‬كمما‬
‫ألمر ٍ‬
‫سيل مثل‬ ‫ثعمب عجوز‪ ..‬لكن بالنسبة ٍ‬ ‫مكار كأنوُ ٌ‬ ‫ازرنا‪ ،‬نرتعب‪ ..‬و حديث األرض‪ ،‬طبعاً‪ٌ ،‬‬
‫الشتاء‬ ‫أذنين وىذه‬ ‫ٍ‬
‫متعال بال ْ‬ ‫أب‬
‫جيد‪ :‬يقول ببساطة‪ ،‬ىو دائماً ٌ‬ ‫الصيف مثالً‪ ،‬فإنو ال يبذل أي ٍ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫وظميا ناشف‪ ،‬كمما َدلَقت تعميماتيا في العمود الفقري‪ ،‬تنكسر الجناحات‪ ..‬أخي اًر‪ ،‬و‬ ‫أم جافةٌ ِ‬
‫ٌ‬
‫تحم َس وأخ َذ يربط كل أفكارِه‬
‫بالنسبة ليومنا الجميل ىذا‪ ،‬فإنوُ قد استيقظَ نشيطاً وقوياً‪ ،‬فيداً واثقاً‪َّ ،‬‬
‫حبل واحد‪ ..‬كان سعيداً وىو يضع كل إنجازاتو تحت ِ‬
‫فخذه و يفتميا كأنوُ ُم َعمِّ ٌم‬ ‫المتوىجة في ٍ‬
‫ُ‬
‫بجنون‪ ،‬ولذراعيا التي‬ ‫ٍ‬ ‫قدام‪ ،‬لعيونيا الواسعة التي تتمشى داخمو‬ ‫ِ‬
‫ماىر‪ ..‬يريد أن يقدميا‪ ،‬ىذا الم ُ‬
‫ٍ‬
‫فوجئ بأقدامو تتقدم‬
‫َ‬ ‫تدغدغُ روحو بانسيابية‪ ،‬و َش ْع ِرىا الذي َ‬
‫أليموُ رسمة الوسادة المتكممة‪ ..‬لكنوُ‬
‫ِ‬
‫الخوف‬ ‫انتصر عمى‬ ‫السْيل و‬
‫َ‬ ‫الظاىر أنوُ ما زال مترددًا‪ ،‬رغم أنوُ وقف في وجو َ‬ ‫ُ‬ ‫خطوة ثم ترجع‪..‬‬
‫لم َح ابتسامةً تتنيد‬
‫ويفتح األخرى كمما َ‬
‫ُ‬ ‫أمام الناس كميم‪ ..‬يبدو أنوُ ظَ َّل َحِذ اًر بالسميقة‪ ،‬يغمق عيناً‬
‫تكبر وتقو ُل تعال‪..‬‬ ‫ِ‬
‫تكبر في ضوء النيران‪ُ ..‬‬ ‫وراء باب الكيف‪ ..‬ابتسامةً ُ‬

‫‪-----------------------------------------------------‬‬

‫الحج لماابر العائمة"‬


‫" َ‬

‫اب‪..‬‬
‫اب و أغمقوا األبو َ‬
‫فَتَحوا األبو َ‬

‫باقةُ الورد التي حمموىا كل ىذه المسافة‬

‫كانت ثقيمةً و فَ َّجةً في الصورة‬

‫‪11‬‬
‫والنور الذي جمبوه من صندوق المالبس القديم‬

‫لم يكن مخمصاً‬

‫ِ‬
‫بروحو المكان‪..‬‬ ‫فينقش‬

‫أقداميم بال روح‬

‫وظالليم بال َو َى ْج وال رائحة‪..‬‬

‫قالوا لو كانت عظامنا أقوى‬

‫ٍ‬
‫بسخاء أكبر‪..‬‬ ‫كنا طرنا وألقينا الدموع‬

‫آخر‬
‫كنا ربينا َج َناحاً و َ‬

‫كي َييُ َّشا عنا الذباب واألمطار و الذكريات‪..‬‬

‫كنا متنا بقوٍة واعتداد‪..‬‬

‫لماذا ال يصمت الموتى كي ننام‪..‬‬

‫لماذا ال يعيدون ما سمبوه منا‬

‫تياح‬
‫كي نحبيم وننسى تنييدةَ االر ِ‬

‫وقت سقوطيم‪..‬‬

‫أخذوا ىواء َنا وأقالم ِ‬


‫الح ْب ِر النادرِة‬ ‫َ‬

‫الح َّرى في الجارات والعابرات‪..‬‬


‫وأحالمنا َ‬

‫أخذوا كالب الصيد‬

‫وأقماع السكر التي كانت تخفييا أمياتنا‬

‫لوقت الغارِة‪..‬‬

‫‪11‬‬
‫لكنيم لحسن الحظ تجاىموا نظاراتنا‬

‫والعيون المخفية فييا‪..‬‬

‫وتعمدوا نسيان الشرايين‬

‫ٍ‬
‫كقصور‬ ‫تصمح‬
‫ُ‬ ‫والكراتين التي‬

‫لمدمى و العرائس‪..‬‬
‫ُ‬

‫تطير في المقبرة‬
‫ىذه قبمةٌ ُ‬

‫ستمتصق بمحم َم ْن ىذه المرة‪..‬‬

‫لمحية َكثَّ ٍة يوم العيد‬


‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫ىذه ُخطبةٌ‬

‫ستركب عمى جسد َم ْن ِم َن المرتعشين يا تُرى‪..‬‬

‫إنيا دببةٌ تجو ُل وسطنا كي تجمب الثموج‬

‫وتقنع الصيادين باألسماك التي ممَّت من ِ‬


‫البرد‪..‬‬ ‫َ‬

‫دخ َل فجأةً لما لم يجد مكاناً‬


‫شييق َ‬
‫ٌ‬ ‫إنوُ‬

‫في زحام الشارع‪..‬‬

‫ماذا تريد أييا األخرق‬

‫المكان ىنا ال َيحتَ ِم ُل ضيفاً جديداً‬

‫يضيق أكثر كمما َش َرْد َنا‪..‬‬


‫ُ‬ ‫ثم أنو‬

‫حارب الميتون أمجادىم‬


‫َ‬ ‫أكثر مما لو‬

‫الوحش‬
‫ُ‬ ‫لينام‬
‫ون َ‬ ‫أو أخذوا يغن َ‬

‫السأَم‪..‬‬
‫يموت َ‬
‫َ‬ ‫و‬

‫‪12‬‬
‫‪-------------------------------------------------------‬‬

‫حاص َر فجوات الحكاية"‬


‫َ‬ ‫الضباب الذي‬
‫ُ‬ ‫"‬

‫في نفس الساعة من كل ٍ‬


‫يوم‬

‫ع بصمَ ٍ‬
‫ف‬ ‫يجتاز الشار َ َ‬

‫كر‬
‫وي ُكر الساللم َّاً‬
‫ُ‬

‫وييجم عمى باب غرفتي الصداع‪..‬‬

‫في نفس ساعة حرق مكتبة بغداد‬

‫ِ‬
‫وظيورك الدائم في مرآتي‪..‬‬ ‫ِ‬
‫اختفائك‬
‫و‬

‫ِ‬
‫وخيانة أبي وعمي‬ ‫صْم ِب جدي‬
‫َ‬

‫الممَثَّمين‬
‫و قبل دقائق من استيالء ُ‬

‫عمى بيوتنا‬

‫ووشميا بالضباب‪..‬‬

‫الصداعُ إشارةٌ حاقدةٌ من الطابق األعمى‪..‬‬

‫من السماء التي تخاف الحكايات‬

‫المعدي كأنوُ الطاعون‪..‬‬


‫و انتشارىا ُ‬

‫ٍ‬
‫معطف‬ ‫عالمةٌ عمى الطائر الذي سيخرج من‬

‫رجموه في الساحة الكبيرة‬

‫ِ‬
‫لمسمطانة كمما مرت‪..‬‬ ‫ومازالت دماؤه تبتسم‬

‫ِ‬
‫النافذة وتعدو‬ ‫عظام رأسي تَِفر من‬

‫‪13‬‬
‫وتكاد تَ ْي ِوي‪..‬‬
‫ُ‬ ‫فتفزعُ بغمتي فوق الجسر‬

‫لكني سأصل إلييم ميما جرى‬

‫نصفين‬
‫ْ‬ ‫وأقسميم بفأسي‬

‫ىؤالء الذين وضعوا يدىم عمى أرضي‬

‫وقالوا كانت بحيرة لمفرعون قديماً‪..‬‬

‫الع َالم اىدأ‬


‫َّع نقودنا في َ‬
‫يقو ُل أخي الذي ضي َ‬

‫واحفر حفرة في الصورة‬

‫و قل ىذه مممكتي‬

‫وىذه قناتي التي تشق الطين كالثعبان‬

‫العجوز‪ ،‬خيا ُل المآتة‪ ،‬يعمم كل شيء‪..‬‬


‫ُ‬ ‫و‬

‫ُي َذ ِّكرني القاسي بأن عيوني غادرت ىي األخرى‬

‫و قمبي تفتت قطعاً‬

‫اعي مدفونان منذ زمن‪..‬‬


‫و ذر َّ‬

‫الصداعُ شارةُ الناس‬

‫ووشميم في حكايتنا ِ‬
‫ىذه‬

‫وقَ َد ُرىم الذي يبتيل لمطيور‬

‫بأن تتكفل بغذائيم‬

‫و األسماك بأن تُ َسمٍّييم كل مساء‬

‫السْي ُل ويأخذنا ونرتاح‪..‬‬


‫حتى يسقط َ‬

‫‪14‬‬
‫فامكث يا أخي في سجنك وانتظر‬

‫راقبيم و ىم يفتحون الكنز‬

‫ِ‬
‫زجاجتو‪..‬‬ ‫ويخطفون العفريت من‬

‫وقل بقوة نبي اهلل سميمان‬

‫ُح ِّو ُل الدقات التي تسعى في قمب الر ِ‬


‫أس‬ ‫أَ‬

‫وقمب الميدان‬

‫وقمب الذكرى‪..‬‬

‫ات ٍ‬
‫ليب‬ ‫لكر ِ‬

‫وأنسى كل ما كان‬

‫‪..‬‬

‫‪------------------------------------------------------‬‬

‫وكنت ذكرى"‬
‫ُ‬ ‫كنت حايا ًة‬
‫" ُ‬

‫كنت‬
‫البحر وخنقني‪ُ ..‬‬ ‫عمي‬
‫قبض َّ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫تذكرت يوم َ‬
‫ُ‬ ‫جبروت الرمال‪ ،‬حتى أني‬ ‫وصداً من‬
‫كان أنفي ُم َ‬
‫ٍ‬
‫كفرصة أخيرة أقول فييا ليذا العالم أنا‬ ‫وعيني تحاوالن أن تممحان قم اًر أرشقوُ في ذاكرتي‬
‫َّ‬ ‫ِ‬
‫أىوي‬
‫فوصمت لمقاع وأنا أقول أنا ريشةٌ أنا‬
‫ُ‬ ‫اب خانني‬ ‫اسم أساطيري وأوىامي‪َّ ..‬‬
‫لكن السر َ‬ ‫َّبن ُ‬
‫اء حياتي ور ُ‬
‫ذئب من غير ٍ‬
‫قمر و ينام اآلن لألبد‪..‬‬ ‫ذئب بال مخالب‪ٌ ..‬‬
‫ٌ‬

‫الع َمى وكان حظوُ مجرماً‬


‫قام َر َ‬
‫تذكرت يوم َ‬
‫ُ‬ ‫عيني ال تبصران في العاصفة‪ ،‬حتى أني‬
‫َّ‬ ‫كانت‬
‫يعود‬
‫عل الكون ُ‬ ‫أنطح الحائط اآلخر َّ‬
‫أقوم كالمجنون و ُ‬
‫أركض فأصطدم بالحائط و ُ‬
‫ُ‬ ‫كنت‬
‫فاختارني‪ُ ..‬‬
‫قدمي‪ ..‬كان داخمي موزعاً بين حبو الصادق لمظالم وبين ر ِ‬
‫عبو الصادق من‬ ‫َّ‬ ‫شظايا تحت‬
‫يذوق الفرق بين الميل‬
‫ُ‬ ‫أشباح ِو‪ ..‬في نياية الطريق ربطوني في السيارة من الخمف وقالوا دعوه‬
‫ِ‬
‫والنيار َّ‬
‫عل روحوُ تَ ْع َمى ونفسوُ تستكين‪..‬‬

‫‪15‬‬
‫ساقي في المذبحة‬
‫َّ‬ ‫تذكرت يوم قطعوا‬
‫ُ‬ ‫الس ْي َر في الضباب‪ ،‬حتى أني‬
‫قدمي ال تستطيعان َ‬
‫َّ‬ ‫كانت‬
‫وزحفت أللحق صورةَ أمي قبل أن تدوسيا أقداميم القذرة‪ ..‬و قبل أن أدسيا في‬
‫ُ‬ ‫حفت‬
‫وكيف ز ُ‬
‫تأخرت عمييا فبكيت ألنو ال أقدام لي كي أصعد لمسماء‬
‫ُ‬ ‫وجدت أمي تمد يدىا وتقول إنني‬
‫ُ‬ ‫دمائي‬
‫أنام مع األموات‪..‬‬
‫عمي وأنا لم أعد ُ‬
‫وألنيا لم تعد تربت َّ‬

‫يمزق ويراوغُ كي‬


‫ُ‬ ‫الخنجر وأخذ‬
‫ُ‬ ‫تذكرت يوم دخمني‬
‫ُ‬ ‫تعشت‪ ،‬حتى أني‬ ‫كان بطني متقمصاً بعد أن ار ُ‬
‫ع ٍ‬
‫وحفر فأيقن‬ ‫عج‪ ،‬ينبض بذكر ٍ‬
‫يات وشوار َ‬ ‫يمتقط قبمتيا من أحشائي‪ ..‬كان لحمي ميترئاً لكنوُ مز ٌ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫عينيو‬ ‫مسكين حقاً و ميمتو كمما َى ِرَم تصير عسيرةً حقاً‪ ..‬كان ال يتمكن من إغماض‬
‫ٌ‬ ‫الموت أنوُ‬
‫ُ‬
‫ٍ‬
‫بأحالم تحفظُ ح اررتوُ وشبابو‪..‬‬ ‫وبالتالي ال يحتمي‬

‫وكنت ذكرى‪..‬‬
‫ُ‬ ‫وكنت حقيقةً‬
‫ُ‬ ‫كانت حرباً وكانت عاصفةً‬

‫‪------------------------------------- ----------------‬‬

‫ديس ِ‬
‫قريتنا"‬ ‫ِ‬
‫"ق ِّ ُ‬

‫الصرخات تحت ِ‬
‫إبطو‬ ‫ِ‬ ‫ىذا الذي ال ييبط حفرتَوُ إال و عمبةُ‬

‫عمموُ أبونا‪..‬‬ ‫ِ‬


‫وسطو‪ ،‬تماماً كما َّ‬ ‫الخ ِ‬
‫الص مجدو ٌل حول‬ ‫و حب ُل َ‬

‫(‪)..‬‬

‫كان األب أسداً محفو اًر عمى الحائط و لما أنجب نظر ِ‬
‫بت‬
‫قال أنا جبان‪ ..‬حار ُ‬ ‫وى َّز ر َ‬
‫أسوُ و َ‬ ‫لمولد َ‬
‫َ َ َ َ‬ ‫ُ‬
‫السماء‬
‫ُ‬ ‫أرسمَتْ َك‬
‫اليوم َ‬
‫أحارب من ىنا‪ ،‬من غرفتي‪ ..‬و َ‬
‫ُ‬ ‫كل مرٍة رغم أني ُ‬
‫كنت‬ ‫ت في ِ‬ ‫ألف مرٍة وقُتِْم ُ‬
‫لكنك‪ ..‬يا لألسف‪ ..‬ستقول في غرفة‬
‫وتوضيبوُ‪ ..‬و َ‬
‫َ‬ ‫أعيد أنا خمقَوُ‬
‫لي كي تحرق ىذا العالم و ُ‬
‫االعتراف "كان أبي جباناً"‪ ..‬ستقو ُل وأنت تبكي‪ ..‬إذن فمتتييأ جيداً و لتقفز باسم ِّ‬
‫الرب في‬
‫تشيخ‬
‫َ‬ ‫جناحاك وال‬
‫َ‬ ‫ويكبر‬
‫ُ‬ ‫صورتي‪ ..‬كن يا ولدي و شقيقي‪ ،‬عمى ىيئتي و ِمثالي فتعمو وتنجو‬
‫ِ‬
‫لمناحية‬ ‫الس ِكينة‪ ..‬ساعتيا فقط‪ُ ،‬‬
‫أعود بطالً‬ ‫فو َم ْجمَى ىذه َ‬
‫الع ُ‬
‫طيب صدقني و َ‬
‫لحموُ ٌ‬
‫أبداً‪ ..‬األمان ُ‬
‫اءهُ‪ ..‬لكنوُ خدعيا واحترق‪..‬‬
‫الشياطين كميا ور َ‬
‫ُ‬ ‫ص َع َد و‬
‫ب‪َ ..‬م ْن َ‬
‫فاز و َك َس َ‬
‫ويقولون َ‬
‫َ‬ ‫كميا‬

‫(‪)..‬‬

‫‪16‬‬
‫احتي ِك‪ ،‬وردةً خشنةً تتيادى و ال تَ ُ‬
‫غرق إال في األريج‪ ..‬أما‬ ‫في ىذه البحيرِة‪ُ ،‬‬
‫كنت يا حبيبتي في ر ْ‬
‫ت عيني مرةً‬ ‫المنا‪ ..‬أغمَ ْق ُ‬
‫لتسرق َس َ‬
‫َ‬ ‫كالبوُ كل ٍ‬
‫فجر‬ ‫فكان يرس ُل َ‬ ‫ابين والقَتَمَة‪َ ،‬‬
‫كالمر َ‬
‫الغادر ُ‬
‫ُ‬ ‫الطوفان‪،‬‬
‫ُ‬
‫ألطير عمى‬ ‫يشة و َش ِ‬
‫عرك‬ ‫أنت‪ ،‬تفردين ذراع ِك ألرقص كالر ِ‬ ‫و مرةً حتى رأيتُ ِك قويةً‪ ،‬ومتوىجةً كما ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ٍ‬
‫كطفمة وأنا‬ ‫فرحت ِ‬
‫أنت‬ ‫ِ‬ ‫تيذب العواصف‪..‬‬ ‫ِ‬
‫الغابات و‬ ‫تحرس‬ ‫ِ‬
‫القمعة‪،‬‬ ‫وعيون ِك في أعمى‬
‫َ‬ ‫َميَل‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫اللي‪ ..‬ثم‬‫لممالئكة وع َّمدتِنِي ليصفو الماء‪ ،‬فوقَعت مني ِظ ِ‬
‫ِ‬ ‫الباب‬ ‫ِ‬
‫وفتحت‬ ‫لكن ِك ِ‬
‫وقفت‬ ‫فرحت‪َّ ،‬‬
‫ُ‬
‫ُ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ليس صوتِ ِك‪ :‬أين ألوانِ ِك األولى‪ ،‬أيتيا الصورةُ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫نظرت في ُعمقي‪ ،‬نظرت طويالً‪ ..‬وسألت بصوت َ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫التقطت‬ ‫التي تيتز وتيتز‪ ..‬ك َش ْفتِني إذن أيتيا الساحرةُ‪ ..‬ر ِ‬
‫أيت لحمي عارياً وممفوفاً بمحم أبي و‬
‫سيف داود المحارب‬
‫َ‬ ‫التقطت‬
‫ُ‬ ‫ٍ‬
‫خاطفة‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫لحظة‬ ‫تعش‪ ..‬لكني في‬‫الحبل من تحت عظامي وىو ير ُ‬ ‫َ‬
‫الص َك‪ ،‬فاخمعني من‬ ‫وب َّش َر‪َ ..‬‬ ‫قيامة قمبي تَ َد َّخ َل قمب ِك ِ‬
‫الص ِّد ُ‬ ‫ِ‬ ‫أقتنص ِك‪َ ..‬‬ ‫َعمَّني‬
‫لست َخ َ‬ ‫قال ُ‬ ‫يق َ‬ ‫ُ‬ ‫وقبل‬ ‫ُ‬
‫وش َّدتِ ِيم‪ ،‬و ُ‬
‫قمت أنا‬ ‫ق ِ‬‫بحْبمي واحتضنتُنِي‪ ،‬بعزم العمالي ِ‬ ‫لففت نفسي َ‬ ‫عينيك وِى ْبني لنفسي‪ُ ..‬‬
‫َ‬
‫قمت أنا َخالصي‪..‬‬
‫صخرتي و ُ‬

‫‪------------------------------------------------------‬‬

‫ثالثاً‪ :‬ثالث مااتات نادية عن تجربة الشاعر‪:‬‬

‫حيز لإلثم" مجموعة الشاعر المصري مؤمن سمير‪:‬‬


‫" ٌ‬

‫الساحرة الشريرة ودتاتات المغايرة والمعرفة‬

‫بامم‪/‬د‪.‬عادل ضرغام‬

‫جريدة "الادس العربي" يوم‪22‬نوفمبر‪2222‬‬

‫يفتح ديوان (حيز لإلثم) لمشاعر مؤمن سمير بابا واسعا لمتفكير والتأويل بداية من‬
‫عنوانو‪ ،‬ومرو ار بتناصاتو العديدة من العيد القديم والجديد والتراث المصري والقبطي القديم‪،‬‬
‫وانتياء بمغتو الشعرية التي ال تحتاج فقط لتفكيك داللتيا‪ ،‬وانما تحتاج أيضا إلى وعي ممتد‬
‫بتاريخ وداللة المفردات‪ ،‬فالمفردة المغوية كائن حي يسري عمييا ما يسري عمى جميع الكائنات‪،‬‬
‫ومسيا‪ ،‬فيي في لحظة قد تفقد معنى أو يخفت الشعور بو‪ ،‬ولكنيا‬
‫نتيجة لالستخدامات البشرية ّ‬

‫‪17‬‬
‫في لحظات أخرى والرتباطات حضارية شديدة الخصوصية تكتسب معاني أخرى ودالالت ذات‬
‫قيمة‪.‬‬

‫شعرية مؤمن سمير في ىذا الديوان ىي شعرية اإلمساك بالعابر والمحظي والمتحمل‬
‫والمتبقي من الحياة عمى وجوىنا وأجسادنا وداخمنا‪ ،‬أو من تحممنا أو انتقالنا وامتدادنا في الفراغ‬
‫متمبسين بالتوحد بكيانات نظن أنيا تشبينا‪ ،‬وليا قدرة عمى الفاعمية‪ ،‬والثبات عمى النسق حتى لو‬
‫كان خارجا عن المجموع‪ .‬ىي شعرية المحاولة لتثبيت طبقة من المشاعر واألحاسيس واإلبقاء‬
‫عمييا مستمرة حتى بعد انقضائيا وانتياء الحالة المصنوعة من الخيال‪ ،‬ومن ثم تتجمى بعد‬
‫انقضائيا بفعل الذاكرة‪ ،‬كأنيا فعل من أفعال الصحو واالنتباه‪ ،‬بعد توحد جزئي بعالم خاص‪ .‬ىي‬
‫المقرر الجاىز‪ ،‬ىي محاولة‬
‫شعرية الجدل الدائم والمستمر بين الرضوخ واالستنامة لألعراف و ّ‬
‫اجتراح دائمة‪ ،‬لتصفية العقمية العربية من شوائبيا‪ ،‬تدين ثباتيا وارتباطيا بالتنميط داخل أطر‬
‫وقوالب ثابتة‪ ،‬تجعميا بعيدة عن التجديد ونفض ريشيا البالي‪.‬‬

‫يؤسس الديوان لرحمة جزئية من خالل الخيال وااللتحام بمنطقاتو‪ ،‬يقارب بيا الواقع‬
‫المتشظي من موقع المتعالي‪ ،‬ولكن بعد انتياء الرحمة تتبقى لمذات بقايا تظل موجودة تسيم في‬
‫صناعة واقع مؤرق‪ ،‬ومن ثم تحاول دائما الفكاك الستعادة وتييئة تشكيميا لالنفالت من واقع‬
‫يمم شتات جزئياتو‪.‬‬
‫مزر‪ ،‬ال يستطيع في وضعو الطبيعي والواقعي أن ّ‬

‫تتجمى الرحمة بوصفيا رحمة فنية في األساس خروجا من مأزق المغة المتكمسة‬
‫والمتشابية‪ ،‬حيث يشعر القارئ في كثير من قصائد النثر بالمشابية والتكرار‪ ،‬فإذا وصل الشاعر‬
‫في لحظة ما وشعر بالوصول إلى أفق مسدود‪ ،‬فعميو أن يجبر نفسو بالبحث عن نوافذ جديدة‬
‫إلبداعو‪ .‬وىي وفق ذلك التصور‪ -‬أي الرحمة‪ -‬ليست رحمة حياتية أو وجودية بالتحديد العممي‪،‬‬
‫وانما ىي رحمة فنية تحاول التعاظم عمى حالة الموات والتشابو والتكرار‪ ،‬لتأسيس كوى جديدة‬
‫لإلبداع‪.‬‬

‫وتتأسس مالمح الرحمة عمى مفيوم خاص لمشعر‪ ،‬فالشعر لم يعد تعبي ار مباشرا‪ ،‬ولم يعد‬
‫تجربة معيشة‪ ،‬وانما أصبح حالة معرفية وجودية تشكل من خالليا كيانات متعارضة ومتباينة‪،‬‬
‫ووجيات نظر متناقضة تشكل مجالين مختمفين يقنع األول منيما بالمتاح والمقرر والنمطي‪،‬‬

‫‪18‬‬
‫ويتعاظم األخير عمى ىذا الرضا والخنوع‪ .‬فالديوان يؤسس مرتكزاتو عمى اإليمان بقيمة التفرد‬
‫وقيمة الفردية‪ ،‬والخروج عمى المجموع اآلسن في ثباتو‪ ،‬لتأسيس مغايرة وتأكيد حضور ىذه‬
‫المغايرة‪ ،‬فاالرتباط بالمجموع في ظل ىذا الفيم يجعل صاحبو مكبال‪ ،‬ويجعمو واقفا عند حدود‬
‫معينة في اجتراح مناح جديدة‪.‬‬

‫خطاب الممحقات ومقاومة الغياب والحنين‬

‫من بداية خطاب الممحقات الخاص بالديوان تتأسس الفكرة المعرفية من خالل االرتحال‬
‫واالرتباط واالنغماس في ىذا السياق‪ ،‬واستعذاب جحيمو انطالقا من اإلطار المعرفي الخاص‬
‫بالديوان‪ .‬فالممحقات أو التصدير الذي أثبتو الشاعر والمأخوذ من الشاعرة آن سكستون يؤدي دو ار‬
‫ليس فقط في اإلشارة إلى المنحى الفكري‪ ،‬وانما أيضا يشارك في تأسيس وتوجيو عممية التمقي‪،‬‬
‫حيث تتضاءل من خاللو الصعوبة‪ ،‬ويتحمل أفق اإلبيام‪ ،‬وتتولد مشروعية لمفيم والتأويل‪ .‬فحين‬
‫يق أر المتمقي قول الشاعرة أن سكستون(ولسوف ألتيمك ببطء مع القبالت‪ /‬رغم أن القاتل الذي‬
‫فر) سيتوجو فعل القراءة إلى منحى دال ينطمق من النقصان أو الغياب‪ ،‬فالديوان في‬
‫فيك‪ /‬قد ّ‬
‫مجممو في ظل ىذا الفيم محاولة إبداعية لمقاومة الغياب‪ ،‬ومقاربة اليطول النازل من حواف‬
‫الذاكرة‪ ،‬ومناوشة ومراقبة الصعود من الذات لاللتحام بفضاء الغائب األنثوي‪ ،‬بوصفو يشكل‪-‬أي‬
‫ىذا االلتحام‪ -‬صيغة من صيغ الوجود الكامل‪ ،‬وما عداه ليس سوى تشظ‪ ،‬وتتحول تبعا لذلك‬
‫تراتبية األشياء‪ ،‬بحيث يتحول ىذا الوجود الجزئي المصنوع من الخيال إلى وجود كمي مييمن‪،‬‬
‫وتتحول الحياة إلى جزء يتضاءل االىتمام بو‪ .‬فالفاعل في التصدير غير موجود واقعا آنيا‪ ،‬ألنو‬
‫فر‪ ،)...‬ولكن يتم تشكيمو خياال‪ ،‬فتغدو الفاعمية‪ -‬والحال‬
‫عمى حد تعبير النص الشعري (قد ّ‬
‫تمك‪ -‬لمخيال‪ ،‬ويقل االنتباه لمحياة في الوجود العادي المشابو لمبشر‪.‬‬

‫ىنا في إطار النص الشعري وممحقاتو تتشكل استراتيجية خاصة في مثل ىذه التجارب‪،‬‬
‫وىي استراتيجية ترتبط بطبيعتيا من الخروج من نسق إلى نسق‪ ،‬ومن سياق إلى سياق‪ ،‬وتتساوق‬
‫مع فاعمية التذكر وحضورىا بوصفيا حضو ار لنمط متعال‪ ،‬حيث تشكل الذات من خالل التحاميا‬
‫وجودا يتعاظم عمى محدودية الزمن‪ ،‬ويتعاظم عمى المكان وثباتو‪ ،‬حيث يكفل ليا ىذا االلتحام‬
‫وعيا بالقدرة عمى معاينة السابق‪ ،‬واالمتداد في الزمن لمراقبة السابقين في وجودىم السابق أثناء‬
‫حركتيم وحديثيم‪.‬‬

‫‪19‬‬
‫وفي سياق فعل التذكر بعد انتياء الرحمة الخيالية تتشكل مالمح ىذا الحنين لمتوحد‬
‫السابق واالندماج وااللتحام القائم عمى الخيال بقدرتو غير المحدودة في تجميع العوالم وفق‬
‫لحظات زمنية متباعدة‪ ،‬فيغدو الجدار أو المرآة أداة من أدوات النفاذ بوصفيما مساحة من‬
‫مساحات األعراف بين عالمين‪ :‬عالم ساكن آسن‪ ،‬وعالم قائم عمى السير والحركة المجابية ضد‬
‫التيار‪ .‬تتشكل مالمح الحنين بداية من خطاب الممحقات في نص آن سكستون حتى مع العظام‬
‫والجمود التي تتذكر بالرغم من الموت حياتيا السابقة وحرمانيا السابق‪ ،‬تتجمع وىي مربوطة‬
‫وممقاة في الحاوية بفعل التذكر والحنين في محاولة عمى التعاظم عمى وجودىا الساكن لكي تنفخ‬
‫الروح فييا والقدرة عمى الفعل‪.‬‬

‫حضور األب في نصي خطاب الممحقات‪ ،‬في النص األول(والميمة جمودنا‪ ،‬عظامنا‪/‬والتي‬
‫ظمت تعيش بعد وفاة آبائنا)‪ ،‬وفي النص الثاني(يا حبيبة ومرعبة‪ ،‬وتيبطين في رداء األب‪ ،‬يوم‬
‫تميو األرواح ألجمو‪ ،‬وتصطخب الشياطين) حضور لو ما يبرره دالليا ومعرفيا خاصة في محاولة‬
‫النص تشكيل قسيمين‪ :‬قسيم لمخير‪ ،‬وقسيم لمشر‪ ،‬ومحاولة إعادة النظر والتقييم لقسيم الشر‪،‬‬
‫ولسموك صاحبو بوصفو دفاعا عن خيار ودفاعا عن حرية يؤسس ليا النص الشعري‪ .‬فوجود‬
‫األب في نص سكستون الذي لم تتم اإلشارة إليو في الفيرس‪ ،‬ووجوده في نص الممحق الثاني‬
‫الموجود في فيرس المحتويات تحت عنوان (‪ )....‬يكشف عن ارتيانات معرفية‪ ،‬وتقابالت‬
‫وتباينات من جانب أول‪ ،‬ومن جانب آخر يشير إلى التغييب واالستعصاء عمى التسمية أو‬
‫التأطير داخل نسق دال كاشف‪ ،‬ولكن ىذا التغييب يصبح حضو ار كامال‪ ،‬حيث يشكل المنحى‬
‫الذي تتحرك في إطاره قصائد الديوان ممتحمة بأساطير ال تخمو من تمدد وديمومة‪.‬‬

‫في النص الثاني من خطاب الممحقات يتشكل دفق خطاب المذكر إلى اآلخر األنثوي‪،‬‬
‫تند عن الطبيعي والنمطي‪ ،‬ومن ثم تتحدد مالمح‬
‫حيث يتجمى ىذا األنثوي في إطار صورة ّ‬
‫الخطاب من األدنى إلى األعمى( التحيات لك يا من لم تيل لحد المحظة‪ ،‬وانتظرتك بعد أن أيقنت‬
‫أنو من الضروري لظمّي أن تدوسي عميو‪ ،‬ويتألم‪ )..‬فيي ممتحمة بالمتعالي واألبوي في ظل‬
‫اختيارىا وتأسيس وجودىا عمى الجانب اآلخر ضد ما ىو سائد لدى المجموع ومقرر‪ ،‬فيي‬
‫الشر وتنحاز إليو‪.‬‬
‫تحتفى كما تجمى من نصوص الديوان بإلو ّ‬

‫‪21‬‬
‫تبدو الذات الساردة في خطابيا االبتيالي‪ ،‬وكأنيا تحاول تأسيس وجود جديد لالشتباك‬
‫وااللتحام انطالقا من لحظة تجل ووجود سابقين‪ ،‬فالنصوص الشعرية في مثل ىذه المحاوالت‬
‫اإلبداعية المعرفية ترتبط ارتباطا وثيقا بالذاكرة‪ ،‬ألن رجوع الذاكرة معادل عودة لمحياة‪ ،‬واالرتكان‬
‫إلييا‪ ،‬فالذات الساردة من خالل إرسال(التحيات‪ ،‬والبركات واألشواق) وكأنيا فعل من أفعال‬
‫التذكير بما كان واالستجداء تميّد لحضور األنثى بعالميا غير المادي‪ ،‬فتيبط بحضورىا الشبيو‬
‫بالمقدس ذي الفاعمية‪ ،‬الستيالد العذوبة في االقتراب من االشتعال والجحيم‪.‬‬

‫التمييد لمحضور ال يقف عند حدود نصي الممحقات‪ ،‬وانما يمتد – ربما لتأسيس الجانب‬
‫المعرفي وإلدخال المتمقي في إطاره‪ -‬إلى النصوص األولى مثل (منحدر الغابة) و(عند الكيف)‪.‬‬
‫ففي النص األول ىناك إشارات دالة لتذكر التوجو السابق الذي يسعى إليو مجددا‪ ،‬فالبداية(ىل‬
‫مر بو وعاشو ليال مع‬
‫تذكرين؟) تشير إلى فعل التوحد السابق‪ ،‬وفعل استعادة الحفل الذي ّ‬
‫الحضور األنثوي الخاص والشبح الذي يتوجو الجميع إليو طمبا لرضاه ألن لو قدرة فاعمة‪ ،‬يقول‬
‫نمف وندور لنحيكيم من أفضل عجين في الساللة‪ /‬شفناىم رأي العين‪،‬‬
‫الشاعر(ىؤالء الذين كم ّ‬
‫الكينة األوائل وىم يغدون في الغابات‪ ،‬كمما وقع القمر في البحيرة‪ ،‬وبان رعبو يغنون من قموبيم‬
‫أخف)‬
‫وأرديتيم‪ ،‬ويقولون تحررنا الميمة من النور السميك‪ ،‬وصرنا ّ‬

‫فالشاعر في االقتباس السابق يرتد إلى لحظات سابقة في لحظة توحده ووجوده مع‬
‫يوزع‬
‫الساحرة التي يصنعيا خياال‪ ،‬ومع الكينة األوائل‪ ،‬فحتى المعسكر المقابل لمنسق المستقر ّ‬
‫إلى مراتب ودرجات‪ ،‬وىي عمى الترتيب(شيطاني‪ -‬مشعوذ وساحرة‪ -‬كاىن أعمى وكاىنة عمياء‪-‬‬
‫ماجوس وماجا)‪ ،‬ويشير النص الشعري إلى لحظة زمنية يمح عمييا الديوان كثي ار في نصوص‬
‫الديوان‪ ،‬لإلشارة إلى التحول واالنسالخ من سياق لمدخول في سياق جديد‪ ،‬وذلك فيقولو (كمما وقع‬
‫مر السنين واألزمنة ىناك اعتقاد أن لمقمر عالقة بحاالت التبدل‬
‫القمر في البحيرة)‪ ،‬فعمى ّ‬
‫والتحول في الشخصية‪ ،‬وأن لو تأثي ار عمى السموك البشري‪ ،‬وىو سكن الشياطين حين يكون‬
‫معتما‪ ،‬وحين يكون بدرا‪ ،‬وقد أشار البعض إلى أن اإلنسان مثل الذئب يتحمس لمقمر‪ ،‬ويناجيو‬
‫ويصرخ‪ ،‬ومن ىنا نشأت األسطورة التي تقول أن بعض األشخاص يتحولون إلى ذئاب عند‬
‫اكتمال القمر‪ ،‬ووجدت خرافات وقصص بين القمر والتحوالت التي تصيب بعض البشر‪.‬‬

‫‪21‬‬
‫تتأسس الداللة ىنا لإلشارة إلى لحظة التحول من النسق المستقر المنطقي المحدود‬
‫بالحواس واليقين إلى النسق المباين عمى الجانب اآلخر‪ ،‬فكأن ىذه المحظة الزمنية ىي بداية‬
‫التحول‪ ،‬يؤيد ذلك أن كممة جنون ‪ – lunacy‬وفي جانب من جوانبيا مجانبة المنطق الطبيعي‬
‫لألشياء‪ -‬ترجع جذورىا إلى أصل يوناني بمعنى القمر‪ ،‬واشتقت منيا آلية القمر اليونانية (لونا)‬
‫التي كانت تستقل مركبتيا الفضية كل ليمة‪ ،‬وتعبر الفضاء لمظممة‪ .‬ويكشف عن ذلك حالة‬
‫الشعور بالتحرر والخفة‪ ،‬والخروج من أسر التكبيل وارتياناتو المحدودة وكميا أشياء يجسدىا‬
‫كبل البريق أقدامنا منذ الصغر‪ ،‬فمم نعد نممس الطيور‪ /‬وأحبتنا الدببة‪،‬‬
‫النص في نياية االقتباس( ّ‬
‫ونحن من داخمنا‪ /‬نخاف)‪.‬‬

‫تبدو النصوص الثالثة األولى(التصدير الثاني‪ -‬ومنحدر الغابة‪ -‬وعند الكيف) وكأنيا‬
‫غنائية تعزيمية لالستحضار والظيور‪ ،‬حتى تيل الساحرة من سحب الغياب‪ ،‬من خالل اإلشارات‬
‫الدالة والكاشفة عنيا‪ ،‬فالوصول إلى ىذا العالم الدخول إليو ال يتم بشكل بسيط ولكن يحتاج إلى‬
‫غيبت بفعل الركون إلى‬
‫رقى وتعاويذ تقدميا الذات‪ ،‬وتستعيد معيا حيويتيا ووجودىا وحريتيا التي ّ‬
‫العادة والسير في الطريق المستقرة والمميدة‪ ،‬ومن ثم نجدىا في النصوص بفعل ىذا االلتحام‬
‫والتداخل تتعاظم عمى محدودية الزمن المعيش‪ ،‬وعمى فضاء اإلقامة المحدد‪ ،‬من خالل القدرة‬
‫عمى إدراك السابق بتمظيراتو العديدة‪.‬‬

‫الساحرة‪ :‬ثنائية القداسة واإلثم‬

‫تتعدد مرتكزات مؤمن سمير في ديوانو (حيز لإلثم)‪ ،‬منيا ما يعود إلى األساطير الدينية‬
‫ّ‬
‫في المسيحية والييودية واإلسالم‪ ،‬ولكن المرتكز األساسي الذي يشكل بنية الديوان يتمثل في‬
‫أسطورة الساحرة الشريرة‪ ،‬ففي ىذا الديوان يعود إلى ساحرات السبت‪ ،‬والى حكاياتيا األسطورية‬
‫التي ظمت فترة طويمة مدار اىتمام‪ ،‬وكتبت عنيا دراسات عديدة‪ ،‬وقام الفنانون بعمل لوحات‬
‫ترتبط بيذه األسطورة‪ ،‬مثل لوحة التيس العظيم لمفنان فرانسيسكو دي غويا‪.‬‬

‫ولكن سؤال الجدوى من الناحية الفنية يظل حاضرا‪ ،‬وربما يصبح السؤال األىم‪ ،‬لماذا‬
‫العودة في ىذا السياق الحضاري إلى مثل ىذه األساطير؟ لماذا اإلصرار عمى تصوير موكب‬
‫أرواح أنثوية‪ ،‬يقاد غالبا من قبل امرأة خارقة‪ ،‬باإلضافة إلى صياد طيفي يعتبر شيطانا أو‬

‫‪22‬‬
‫ممعونا‪ ،‬وينضم إلييم موكب من البشر األموات يتحولون لمتكفير عن خطاياىم؟ ولماذا تجمت في‬
‫ىذا الديوان وفي نصوصو الشعرية مطاردة الساحرات كما كان يحدث في أوربا في القرنين‬
‫الخامس عشر والسادس عشر؟‬

‫تأويل ىذا الحضور ارتباطا بسياقو الحضاري يعود في األساس إلى أن الكتابة الشعرية‬
‫لدى مؤمن سمير ولدى كثيرين من مجايميو وسابقيو تحولت من نسقيا التعبيري إلى نسقيا‬
‫المعرفي الوجودي‪ ،‬بحيث تغدو الكتابة الشعرية حالة من حاالت التأمل العميق لموجود اإلنساني‬
‫في تمبسو بمحظة حضارية‪ ،‬لموصول إلى العمل الحاكمة ليذا الوجود‪ ،‬العمل الثابتة المستمرة عمى‬
‫الدوام‪ ،‬وكأن ىذا الفارق الزمني بين السياقين العربي واألوربي فارق في درجة التحضر‪ ،‬ودرجة‬
‫الوعي بالذات‪ ،‬وفي مواجية األسئمة الكبرى داخل سياقيا الممتد‪ ،‬فارق في استمرار الكيفية التي‬
‫نصنع من خالليا أصنامنا‪ ،‬فارق في استمرار طبيعة النظرة تجاه الكائن األكثر ىشاشة وتأث ار‬
‫الممثل في المرأة‪ .‬وفي ذلك داللة عمى أن عالمنا العربي ال يزال مكبال بيذه الرؤية الثابتة التي‬
‫تؤمن بالقوة العميا‪ ،‬ىذه الرؤية التي تجعل ارتباطو بالتطور وبالحداثة واقفا عند حدود معينة‪.‬‬

‫إن فكرة تقدير الشيطان ترجع بأصوليا إلى بعض الفرق المسيحية‪ ،‬فيناك فرق كثيرة‬
‫تقدس الشيطان‪ ،‬وبالرغم من اختالف أنماطيا فيي ترتين إلى عقيدة واحدة‪ ،‬وعقيدتيم تقديس‬
‫الشيطان‪ ،‬حيث يرون فيو المتمرد والثائر‪ ،‬ونصير العبيد‪ .‬القارئ ليذا الديوان أمام شعرية تولد‬
‫النقيض من النقيض‪ ،‬وتتضافر في إطارىا المقابالت والتباينات‪ ،‬فاإلبداع الشعري في ىذا الديوان‬
‫يأتي وكأنو عصيان تام لمثوابت يخمخميا‪ ،‬ثورة عمى النظام الميادن لمكون وتراتبو‪ ،‬ىناك إصرار‬
‫لمخروج عمى المجموع‪ ،‬وعمى معتقداتو وقيمو‪ ،‬حتى لو كان في ذلك الخروج تحد متعمد لممقرر‪،‬‬
‫وتثبيت في صف اآلبقين المخالفين والخارجين عن التنميط الجاىز والمعيود‪ ،‬فصورة الساحرة‬
‫تأتي محفوفة بالقداسة بالرغم من ارتباطيا بالشيطان‪ ،‬وكأنيا تمثل المسيح في كونيا فداء لشريحة‬
‫الخارجين مؤمنة بأىمية ذلك النسق في زلزلة اليقين لموصول إلى معنى فمسفي لمفعل‪.‬‬

‫ففي قصيدة (إشارات صعود الساحرة) يبدأ مؤمن سمير من لحظة العقاب الذي كان يقع‬
‫عمى الساحرات حين يتم اإلمساك بين‪ ،‬وتتوزع طرق العقاب إلى التعذيب وربط أيديين وأرجمين‪،‬‬
‫وقضم األظافر‪ ،‬ووضعين عمى كرسي مصنوع من الحديد والمسامير الحادة‪ ،‬فالنص من خالل‬
‫بدايتو (إيمي إيمي لما شبقتني) يشير إلى طبيعة النظرة ودرجة الوعي الحادة التي يجب أن تكون‬

‫‪23‬‬
‫يبرر‬
‫حاضرة‪ ،‬فالنص الشعري يحدث تماىيا بينيا وبين المسيح‪ .‬ويكمل النص مرتكزاتو‪ -‬وكأنو ّ‬
‫ىذا الترابط‪ -‬من خالل صوت الساحرة التي تأتي ساردة فعمية لمنص وىي عمى المقصمة مجمية‬
‫وجية نظرىا مدافعة عن نفسيا‪ ،‬وتدفع ارتباطيا بالشيطان( وحق أبينا كمنا لست ساحرة‪،‬‬
‫والشيطان ال يموح بين يدي‪ ،‬وال يندىكم من تحت مالبسي المبمولة‪ ،‬ولكن عيونيم المجنونة‬
‫تشوف ما ال يرى)‪.‬‬

‫سوف يكشف النص الشعري عن جزئيات وثيقة الصمة بيذا المنحى‪ ،‬مما يبرر مشروعية‬
‫التوجو النقدي في مقاربة الديوان‪ ،‬فنرى من خالل إنكارىا اإلشارة إلى الشق الذي يشقو إبميس‬
‫بمنجمو(عالمة الشيطان بجسدىا كما تقول األسطورة)‪ ،‬باإلضافة إلى فكرة الجحيم‪ ،‬ففي الفكر‬
‫الغنوصي يتجمى العالم ‪ -‬بوصفو عالم الشرور‪ -‬عمى أنو جحيم‪ ،‬واإلشارة إلى الحيات والجيف‬
‫والخرائب‪ ،‬وابن عرس والجرذان والحيوانات الميمية التي تظير في الطريق إلى الحفل الذي يقام‬
‫تمح في مالمح ىذه‬
‫في الغابات أو في األماكن الجبمية‪ ،‬كما يشير النص إلى فكرة ميمة وأساسية ّ‬
‫األسطورة(إغواء الرجال وخاصة المتزوجين منيم) في قول النص عمى لسانيا من خالل المقارنة‬
‫والحسد والمغايرة‪ ،‬لدفع التيمة حين تتحدث عن زوجة البطل المسرود عنو الذي تم اختياره ليكون‬
‫رفيقا في الرحمة‪ ،‬حيث يسمييا النص ابنة العم في قولو( لم أالعب طيف حبيبيا‪ ،‬وال فكر لساني‪،‬‬
‫مسو لياثي فطار من المدخنة)‪.‬‬
‫فقط ّ‬

‫إن نفي كل ىذه الجزئيات عمى النحو السابق يؤدي في النياية إلى إثباتيا‪ ،‬فالنص‬
‫الشعري‪ -‬نظ ار لطبيعتو الخاصة‪ -‬يؤسس حجاجو الجدلي عمى توجيو وجية نظر الرافضين‬
‫لمسموك إلى الوعي بالحالة وبالسياق الذي تمر بو ىذه الساحرة‪ ،‬فالنص الشعري من خالل‬
‫اإلشارات الدالة عمى الوعي والمعرفة وبالرغم من وجود النفي‪ ،‬ال يميد إلسدال النفي‪ ،‬وكأنو‬
‫العنصر الوحيد‪ ،‬وانما يؤسس لوجية نظر يجب أن تكون واعية بالسياق والحالة من جميع‬
‫وجوىيا‪ ،‬ومن ثم تصل إلى تبرير أو توجيو لمفعل ليما نوع من المشروعية‪.‬‬

‫تتأسس ىذه المشروعية بداية من خالل فعل التماىي بين الساحرة عمى المقصمة‬
‫والمسيح‪ ،‬وكأنيا تشكل فداء‪ ،‬فيتولد النقيض من النقيض‪ ،‬شريطة أن يتأسس وعي جديد يكون‬
‫قاد ار عمى القبول بمشروعية دخول الساحرة دائرة المقدس‪ ،‬وليذا يأتي صوت الساحرة في النياية‬
‫مشي ار إلى االنتساب إلى ىذا التوجو‪ ،‬ولكنو يقدم مبرراتو في ذلك السياق استجابة لحاجة‬

‫‪24‬‬
‫حضارية‪ ،‬ترتبط بوضعيا وسياقيا العام‪ ،‬ومحاولة إيجاد حيز لموجود والفاعمية بعيدا عن الساكن‬
‫والمقرر( رغم أني أكره الشيطان من كل قمبي‪ ،‬بقرونو النارية والذيل المجدول‪ ...‬أظافره‬
‫أرف مرتعشة‪ ،‬وأنا أقدره‪ ،‬ىو الوحيد الذي أحبني حتى النياية)‪.‬‬
‫القذرة(‪ )...‬إال أنني ّ‬

‫الساحرة في ىذا النص في وجو من وجوىيا ترتبط بفكرة المعرفة أو الوصول لجوىر‬
‫األشياء‪ ،‬ومن ثم تقابل‪ -‬مثميا مثل أي معرفة مغايرة لمسائد‪ -‬بالرفض والمقاومة والمواجية‪،‬‬
‫فالرمز المعقود بين المرأة والساحرة ال يؤخذ عمى إطالقو من جميع جوانبو‪ ،‬وانما يمكن أن يتوقف‬
‫عند حدود فكرة المعرفة أو الوصول إلى المعنى الفمسفي لمقاربة األشياء‪ ،‬وذلك يفضي بالضرورة‬
‫إلى رؤية الشيء ونقيضو في الوقت ذاتو‪ ،‬فتغدو القداسة موجودة في حواف التيتك‪ ،‬والعكس‬
‫كذلك ربما يكون صحيحا‪ .‬وتتجمى النصوص في ىذا الديوان بوصفيا رحمة لموصول والتأمل في‬
‫جوىر األشياء واعادة مقاربتيا وفق غاية كبرى‪ ،‬تكشف عن االزدواجية المستمرة‪ .‬النصوص‬
‫تحاول تعرية ىذه االزدواجية والكشف عنيا‪ ،‬وذلك في سبيل تبرير ىذا االنتماء وىذا التمسك‬
‫بالمنبوذ والمرفوض‪ ،‬يتجمى ذلك من خالل الدفقة األخيرة في النص قبل الموت المنتظر( وداعا‬
‫عمي أكثر من ردعك لألنبياء والكذبة والمرابين‬
‫يا ىذه الحياة التي لم تشربني كمي‪ ،‬وكنت قاسية ّ‬
‫واألوبئة‪ ..‬لن تكون النار بردا وسالما لكنيا قد تطيرني‪ ..‬منكم‪ /‬وتجموني لمريح‪ /..‬إيمي إيمي لما‬
‫شبقتني)‪.‬‬

‫االقتباس السابق كاشف عن االزدواجية‪ ،‬ويدين الثبات‪ ،‬فالساحرة ىنا في نصوص‬


‫الديوان طريق الحركة الدائمة الكاشفة عن التغيير المستمر‪ .‬إن نظرة فاحصة إلى القصائد العديدة‬
‫التي تكشف محاوالت التداخل وااللتحام بين الذات الساردة والساحرة تسير إلى براح الحركة‪،‬‬
‫والخفة واالنعتاق من التكبيل السابق‪ ،‬نظ ار لطبيعة العالم وانفتاح جزئياتو المادية وتالحميا‪ ،‬يدرك‬
‫ويحس‪ .‬فالساحرة في نص (مديح الضآلة) حين يقول‬
‫ّ‬ ‫القارئ أن الحائط لو مسام ويتكمم ويشعر‬
‫( تفوت جنبنا‪ ،‬وتزداد ىي اتساعا‪ ،‬حتى صدقت أنيا بالونة غير منظورة‪ ،‬واقتربت كثي ار من‬
‫مماألة الخفة‪ ،‬ألطير جوارىا‪ ،‬وأصير أجمل) تتحول إلى كيان فاعل مؤطر دافق بالحركة‪ ،‬يؤسس‬
‫وجوده من قدرتو عمى ّلم شمل الكائنات والموجودات والماديات في نسق سحري يرتبط بالحركة‬
‫والمحبة‪ .‬وتثبت نصوص أخرى ليا وجودا غير منظور‪ ،‬وثقال في الحضور كما في قولو(عندنا‬
‫أسر لي بضيقو من كثافتيا)‪.‬‬
‫أسفل العمارة كمب قديم يزوم كمما تذكرتيا‪ ،‬وسقف الجيران ّ‬

‫‪25‬‬
‫إن وجود ىذين الكيانين‪ :‬الساحرة والذات الشاعرة‪ ،‬الكيان الفاعل لتمام ارتباطو بالمقدس‬
‫وتقديسو في إطاره‪ ،‬والكيان الساعي لالرتباط وااللتحام يكشف عن تكوين خاص لمذات الساردة‪،‬‬
‫يتم وفق منطق خاص ال يخمو من تنميط ارتباطا بالتراث المؤسس واألساطير‪ ،‬وبتشكيل الشاعر‬
‫في الشعرية العربية عمى امتداد تاريخيا‪ ،‬ففي نص (أنا حبيب حبيبات أصدقائي) تتفاعل آليات‬
‫الكتابة لتشكيل كيان خاص ال يخمو من خصوصية من خالل التظميل السميك لبعض الكممات‪،‬‬
‫وىي عمى الترتيب( النذل‪ -‬المخيف‪ -‬الحزين‪-‬الصياد‪ -‬الوحيد‪ -‬القناص‪ -‬المجرم)‪ ،‬وذلك لتضع‬
‫ىذه الكممات موضع التبئير الخاص دالليا‪ ،‬وتشده إلى سمات في سياقو التكويني الخاص‬
‫بالشاعر‪ ،‬فالخط الكتابي السميك ليس حمية‪ ،‬بل ىو طريق لالنتباه‪ ،‬ويشكل في إطار ىذا‬
‫التصور مرتكزات داللية لمكيان الخاص‪.‬‬

‫في تصويره لمذات الشاعرة التي تمثل قسيما مشاركا لمساحرة في تكوين الجانب المعرفي‬
‫لمديوان‪ ،‬نجد النصوص الشعرية تقدم تشكيال خاصا لمسارد الفعمي أو السارد المشارك‪ ،‬وتتوزع‬
‫ويمم شتاتيا وجزئياتيا المبعثرة‬
‫ىذه الصورة في نصوص عديدة‪ ،‬وعمى القارئ أن يتوقف عندىا‪ّ ،‬‬
‫الخافتة‪ .‬أول شيء من مالمح ىذه الصورة يقابمنا في نص بعنوان(أصوات تحت األظافر)‪،‬‬
‫فالصورة المقدمة ال تخمو من غرابة‪ ،‬ومن تجييز وتشكيل خاصين لمسير في تمك الطريق‪ ،‬ألنيا‬
‫طريق الوعي المغاير والمقاربة المختمفة لجزئيات العالم‪.‬‬

‫يمكن لمقارئ أن يممح تشابيا بين صورة الساحرة التي قدمنا جانبا منيا في االقتباس‬
‫السابق‪ ،‬وصورة السارد المقدمة في ىذا النص‪ ،‬فحين يقول النص الشعري(فاتت عمى أبي تعويذة‬
‫العائمة فشاركو الشيطان في أمي‪ ،‬ىكذا طمعت ابن ٍ‬
‫جن‪ ،‬رأسي كبير‪ ،‬ويسري في عروقي دم‬
‫بعثت ظمي تزوم‪ ،‬وتناجي السقف الذي خبت فيو إشراقيا)‬
‫ُ‬ ‫أسود‪ ،...‬الجدة يقينا كانت تعمم‪ ،‬كمما‬
‫سوف يدرك المتمقي أن ىناك بناء متعمدا لنسق التشابو والتماثالت‪ ،‬وأن ىناك كيانا معرفيا تشكمو‬
‫رموز متشابية في التوجو‪ ،‬ولكنيا مختمفة في التراتب داخل ىذا اإلطار الكبير‪.‬‬

‫‪--------------------------------------------------‬‬

‫‪26‬‬
‫مؤمن سمير يواجه بؤس العالم بالسخرية العبثية‬

‫"أبعد بمد في الخيال" ديوان المفارقات الشعرية والكوابيس‬

‫بامم‪/‬د‪.‬محمد السيد إسماعيل‬

‫موقع جريدة "إندبندنت عربية" األربعاء ‪ 22‬سبتمبر‪2222‬‬

‫يمثل الشاعر مؤمن سمير ظاىرة شعرية‪ ،‬من حيث غ ازرة إنتاجو اإلبداعي والتنظيري‪ ،‬فعمى الرغم‬
‫من أنو لم يبمغ الخمسين بعد – من مواليد ٘‪ -ٜٔٚ‬أصدر ‪ ٔٚ‬ديواناً وأربع مسرحيات‪ ،‬إضافة‬
‫إلى ثمانية كتب نثرية‪ .‬لكن ىذه الغ ازرة الالفتة لم تؤثر بالسمب في المستوى الفني إلبداعاتو‬
‫الشعرية التي كان آخرىا ديوان "أبعد بمد في الخيال"‪ ،‬الذي فاز مخطوطو بجائزة الشاعر المصري‬
‫حممي سالم في دورتيا الثانية‪ ،‬قبل أن يصدر عن دار "األدىم" في القاىرة‪ .‬وعنوان ىذا الديوان‬
‫عد وسيمتو لموصول إلى أبعد "بمد"‪ ،‬بما ال تتيحو سبل الواقع‪.‬‬
‫يوحي بحضور تيمة "الخيال" الذي ُي ّ‬
‫وىو ما يوحي بو عنوانا القسمين المذين يتكون منيما الديوان‪" :‬طائرة ورقية تفر من سرير‬
‫تفر" و"تتنفس" إلى تمك الطائرة‬
‫متحرك"‪ ،‬و"طائرة ورقية تتنفس تحت الرمال"‪ .‬إن إسناد الفعمين " ّ‬
‫الورقية يقترب بيا من أن تكون معادالً موضوعياً يشير إلى الشاعر نفسو في محاولتو الفرار من‬
‫العجز ومقاومتو الموت بتنفسو تحت الرمال‪ .‬الشاعر إذاً شخص خيالي متعمق باألمل ومؤمن بو‪،‬‬
‫وان كان يراه في بعض األحيان مرضاً يخفي عنو قسوة الواقع‪.‬‬

‫قسوة الواقع‬

‫يقول في قصيدة "رعشات" إن الحبيبة "تظن أن القسوة مثمما ترعى في األسفل تحمق في األعمى"‪،‬‬
‫وىو ظن يقترب من الرؤية الحقيقية لمواقع الذي يعمن الشاعر عجزه إزاءه بقولو‪" :‬لكن ماذا أفعل‬
‫في نفسي وأنا خيالي ‪ /‬واألمل يسري في أوصالي كأنو مرض"‪ .‬بل إنو بفعل اليأس يعمن زىده‬
‫في ما يجتذب اآلخرين‪" ...‬ال أطماع عندي ‪ /‬ال أحب أن أضيف حصوناً ‪ /‬وال أراضي وال سبايا‬
‫مثمكم ‪ /‬فقط شجرة ‪ /‬ودعاء ُي ِ‬
‫نزل المطر والسكينة"‪.‬‬

‫وعمى الرغم من تحول الخيال إلى مالذ من قسوة الواقع‪ ،‬فإن الشاعر يراه خياالً عاج اًز ال يستطيع‬
‫إسعاده‪" :‬طوبى لو ىذا الخيال حقاً ‪ /‬لكنني لمحق وحيد ‪ /‬وخيالي طول الوقت عاجز عن إسعادي‬

‫‪27‬‬
‫‪ /‬طول الوقت"‪ .‬ومن الواضح اعتماد الشاعر ظاىرة التكرار لتأكيد ىذا المعنى الذي يشيع عمى‬
‫مدار الديوان‪ ،‬وأحياناً يتحول الرسم إلى مرادف لمخيال وبديل لو في مواجية الواقع‪ .‬يقول تحت‬
‫عنوان "حياة"‪ ،‬ولنالحظ صيغة التنكير التي تدل عمى التيوين‪" :‬الحظَ أن ساقيو تجرحيما ِف َخاخ‬
‫طالعة نازلة ‪ /‬فرسم حياة حقيقية ‪ /‬لمدة يوم كامل"‪.‬‬

‫إنو يستعين بالرسم في تصوير حياة حقيقية في مقابل حياتو البائسة بفخاخيا الطالعة النازلة‪ .‬ىذا‬
‫الصراع الدرامي الدائم بين الخيال العاجز والحقيقة البائسة يستدعي تيمة الكوابيس والفزع‬
‫والتييؤات غير المنطقية‪ ،‬حين يحدق الشاعر في الظالم فترات طويمة حتى ييل‪ ،‬كما يقول فى‬
‫قصيدة "البياء"‪" :‬الوحش الجديد ‪ /‬المختمف في كل يوم ‪ /‬والذي كان مبدعاً يغير ألعابو وأرديتو‬
‫بما يكفي لرعبي ومحاصرتي ‪ /‬فأغمق بوابات خيالي ‪ /‬وأحبس الصرخات حتى أسقط في‬
‫الدوامة"‪.‬‬

‫مصباح ِ‬
‫الشعر‬

‫يصارع الشاعر ىنا وحشاً ال يستقر عمى حال‪ ،‬متغمباً عمى الخيال الذي يغمق بواباتو‪ .‬وكما واجو‬
‫الشاعر واقعو بخيالو العاجز البسيط‪ ،‬فإنو يواجو ىذا الظالم المحيط بمصباح صغير‪ ،‬في قصيدة‬
‫"الرائي"‪ ،‬وىي أولى قصائد الديوان‪" :‬في جيبي دائماً مصباح صغير ‪ /‬لطيف وبريء ‪ /‬ال يصحو‬
‫إال في الميل ‪ /‬أخرج وأدندن بمقطع مجرب ‪ /‬وأسمط الضوء القاسي فأرى المدينة عارية"‪.‬‬

‫ىذا المصباح الصغير الذي يحرص الشاعر عمى أن يكون في جيبو دائماً‪ ،‬كأنو ِ‬
‫الشعر الذي‬
‫يالزمو‪ ،‬ىو الذي يضيء في ساعات الظالم ويصحو في الميل عمى غير المعتاد‪ ،‬ويكشف‬
‫بضوئو القاسي عري المدينة‪ .‬إن حياة الشاعر أشبو بالممر الطويل – أو الدىميز – الذي ال يزيل‬
‫عتمتو سوى ىذا النور األصيل الذي يصفو بالبياء‪...‬‬

‫ىذا الممر الطويل الذي يشيد كوابيسو المفزعة حين يرى مثالً أنو كان في الكابوس األخير‪،‬‬
‫"مربوطاً وأليث من العطش والعرق يعمي عيني"‪ .‬وىي حالة تستدعي الحذر والخوف الدائمين‪،‬‬
‫ِ‬
‫فالشعر حذر وال يحب األجساد إال من بعيد‪ ،‬فاألمان "يكمن في الحذر والرداء الثقيل الحامي ‪/‬‬
‫الذي يكون مثل األخ ىو الخوف"‪ .‬تمك الكوابيس التي ال تنتيي تدفع الشاعر إلى التعمق بالموت‬
‫والفرح بو‪ ،‬كأن يقول في "أفرح في الموتى"‪ ..." :‬والعجيب أن السعادة حدثتني لما ىبط الطائر‬

‫‪28‬‬
‫وحدق شامتاً وقال‪ :‬مات"‪ .‬والتعمق بالموت وانتظاره ليسا فقط بمثابة خالص من ىذا الواقع‪ ،‬بل‬
‫ّ‬
‫ألن الموت ىو المرآة التي نكتشف بيا حقيقتنا‪ ،‬أو ىو بتعبير الشاعر‪" ،‬أوضح وأقسى جبل تقف‬
‫أمامو ‪ /‬ال يجدي التمثيل والتشخيص في ىذا المقام أبداً"‪ .‬أما "الحب" بوصفو تشبثاً بالحياة‪ ،‬فإن‬
‫الشاعر‪ ،‬وىذا أمر متوقع‪ ،‬ال يستطيع احتمالو وال يفيمو وال يستوعبو وال يقدر عمى تعاطيو ألنو‬
‫البراق الخادع‪ .‬يقول في "شالل غابات‬
‫فوق طاقتو‪ .‬إنو يحذر ىذا الحب ويراه شبيياً بالشرك ّ‬
‫ونبيذ"‪" :‬كان راقداً بحذر المذعور من بريق الشرك"‪.‬‬

‫صيغة التجريد‬

‫ومن الواضح أن الشاعر يتكمم عن نفسو بصيغة التجريد حين يستبدل ضمير الغائب بضمير‬
‫المتكمم‪ .‬وأحياناً تتم صيغة التجريد من خالل استبدال ضمير المخاطب بضمير المتكمم‪ ،‬كما في‬
‫قولو "ضحكوا عميك عندما أقنعوك بأن لكل اسم نصيباً من صاحبو"‪ .‬غير أن لمشاعر تفسي اًر‬
‫آخر ليذه االستبداالت حين يرى أن كل الضمائر "عدم"‪ :‬الغائب والمخاطب والمتكمم‪ .‬ففي صيغة‬
‫مونولوجية يستخدم ضمير المتكمم‪ .‬يقول تحت عنوان "ال ِيمة العالية"‪" :‬سأختار ماذا؟ ستختار؟ فخ‬
‫آخر‪ /‬ال أبداً بل سأكون مجرد أخيكم الطيب ‪ /‬ال أحد أو سراب أو شبح أو ىو أو أنا أو ذلك‬
‫البعيد أو الذي ىنا ‪ /‬أو ما تشاؤون من عالمات تشير إلى أنو ال تصح اإلشارة؛ ألن المذكور‬
‫عدم"‪.‬‬

‫ىذه العدمية تؤدي إلى تفعيل آلية التحوالت التي تصل إلى الخيال السريالي‪ ،‬حين يتحول األب‬
‫إلى وحش يمتيم الشاعر‪" ...‬انتظرتك يا أبي ‪ /‬منذ أن صعدت وأنا بردان ‪ /‬أوقن أنك الوحش‬
‫الجميل الذي سيمتيمني بعد النفَس القادم"‪ .‬وفي قصيدة "بزاوية صاخبة"‪ ،‬يصعد "المقعد" إلى‬
‫السماء ويصير صق اًر كما يبدو فى قولو " المقعد يصعد لمسماء ‪ /‬ليصير صق اًر ‪ /‬يحوم قرب‬
‫الفجر"‪ .‬بل إن التحول يطال الشاعر نفسو حين يصحو ذات يوم فيجد َشعر جسده كمو قد صار‬
‫أبيض‪ .‬وىو ما يشير إلى تيمة اإلنسان والزمن حين يحس الشاعر بأنو صار عجو اًز أسرع من‬
‫المفترض‪ ،‬فانحنى ظيره وضعف بصره مع أنو كان "شاباً" باألمس‪ .‬لكنيا آلية التحوالت المشار‬
‫حولتو من طور الشباب إلى طور الكيولة وىو المعنى نفسو الذي يعبر عنو في‬
‫إلييا والتي َّ‬
‫قصيدة "أنقاض"‪" ...‬كل يوم يتضاءل حجمي ويقل ضجيج جثماني"‪.‬‬

‫‪29‬‬
‫االستدعاء بالتماثل‬

‫حتى إن الشاعر يتمنى أن يكون لو شبيو فيرتاح من نفسو؛ " َمن لي بشبيو فأرتاح مني"؛ في‬
‫استدعاء خفي لقصة المسيح عميو السالم‪ .‬وىو ما يمكن أن نسميو االستدعاء بالتماثل فى مقابل‬
‫االستدعاء بالمخالفة في قولو – مثالً‪" -‬سوداء من غير سوء"‪ ،‬و"عمياء من غير سوء"‪ .‬عمى أن‬
‫ىناك ظاىرة أخرى يمكن أن نطمق عمييا "القصيدة التي تتأمل نفسيا"‪ ،‬فحين يقول مثالً‪" :‬الذراع‬
‫ممتوية تحت التشاؤم"‪ ،‬يعمق عمى ىذا المجاز بقولو‪" :‬ياه عمى المجاز الجبار المتساقط مني ‪/‬‬
‫مقعرة ومتكمسة وتشبو الجدران السميكة التي تضغط بال جيد عمى الروح‬
‫إنيا حقاً جممة َّ‬
‫والذاكرة‪ ...‬جممة بنت ستين كمب"‪.‬‬

‫واستخدام العامية يمجأ إليو الشاعر أحياناً‪ ،‬ربما ألنو أدق تعبي اًر عن المعنى الذي يريده‪ .‬وىذا ما‬
‫نجده أيضاً في قولو‪" :‬إن َمن يعيش مثمي عالةً عمى اآلخرين ‪ /‬ليس من حقو أن يعترض أو‬

‫يطرح أفكاره ‪ /‬ىم صواب دائماً في احتماالتيم ويقينياتيم ‪ /‬وكتَّر خيرىم عمى كل حال"‪ .‬وامتداداً‬
‫لمكوابيس والفزع والحذر المشار إلييا‪ ،‬يتحدث الشاعر عن القير بوصفو مالزماً لما سبق‪...‬‬
‫"القير يجعل اإلنسان بين خيارين ‪ /‬إما أن يستسمم فيكون سمك خطواتو بسيطاً‪ ،‬واما أن يستسمم‬
‫أيضاً لكن استسالمو يمبس شكالً آخر"‪.‬‬

‫تعددت صوره وأشكالو‪ .‬إن استسالم الشاعر ليذا‬


‫إن االستسالم ىو النتيجة المنتظرة دائماً‪ ،‬وان ّ‬
‫الصبار الذي يتحمل شظف الحياة‬
‫ّ‬ ‫القير الذي ال يقوى عمى مواجيتو جعمو يقارن بينو وبين نبات‬
‫في األماكن القاحمة‪ .‬وىكذا تتعدد التيمات واألساليب والتقنيات داخل ىذا الديوان البديع‪.‬‬

‫‪------------------------------------------------------‬‬

‫ِ‬
‫نافذتك‪"..‬‬ ‫سمَّ ُة إيروتيكا تحت‬
‫"َ‬

‫شعرية السباحة في المغة وغابات الجسد‬

‫بامم‪/‬د‪.‬محمد سميم شوشة‬

‫جريدة "أخبار األدب" ‪88‬إبريل‪2228‬‬

‫‪31‬‬
‫المجموعة الشعرية األحدث لمشاعر المصري مؤمن سمير الصادرة مؤخ ار ٕٕٓٓ عن مؤسسة‬
‫"أروقة" لمنشر بالقاىرة ىي في تقديرنا واحدة من المجموعات الشعرية التي تعكس صوتا شعريا‬
‫خاصا وتجسد في تقديرنا حاال مختمفة في الشعر المعاصر من حيث القدرة عمى إنتاج الشعرية‬
‫من االشتغال عمى المقاربة الرمزية لمذة الحسية لمجسد‪ .‬الحقيقة أن ىذه الحال الشعرية ليا‬
‫جذورىا وروافدىا الثرية في الشعر العربي القديم‪ ،‬فالحسية قديمة ولكننا في عصور الضعف‬
‫وغياب الثقة وغمبة التطرف وبالتالي تراجعت الشعرية العربية عن ارتياد ىذه المنافذ والمسالك‬
‫المكي القديم عمر بن أبي ربيعة ولدى أبي نواس‬
‫الشعرية‪ .‬النزعة الحسية حاضرة لدى الشاعر َ‬
‫الشاعر العباسي األكثر ذيوعا ولدى ابن الرومي وأبي حكيمة الكاتب الذي أنتج الشعر وفكاىتو‬
‫ولماحيتو وظُرفو وما ينتج من حال البيجة عبر تحويل العالقة الجنسية إلى لغة الحرب والمعارك‬
‫العسكرية‪ ،‬وغيرىا الكثير من النماذج القديمة التي كانت ابنة عصور القوة والثقة في الذات‬
‫والعمل عمى مقاربة المذة الحسية بمزج شعري ولغوي يمثل متعة ذىنية وروحية أكثر من فكرة‬
‫اإلثارة الجنسية واالنحالل التي اختزلنا فييا ىذه الصورة من الفن في العصور الحالية‪.‬‬

‫مؤمن سمير يستشعر تمك الطاقة الشعرية الكبيرة الكامنة في مقاربة الجسد ولذتو الحسية وينفذ‬
‫إلى ما تتوىج بو العالقة الجسدية من القمق والشد والجذب والقرب وااللتحام وغيرىا من المشاعر‬
‫التي تراىا الذىنية الشاعرة وفق نسق رمزي تحويمي يجعل الحركات والتفاصيل من الغوص‬
‫واالرتحال واإلقبال واإلحجام وغيرىا أفعاال مقدسة أو أسطورية أو يعود بيا إلى لحظات الخمق‬
‫األولى‪ ،‬لحظات االرتداد إلى البدائية الكامنة في أصل اإلنسان‪ ،‬والحقيقة أنيا أحيانا تصبح حاال‬
‫وحشية وليست بدائية فقط‪ ،‬حيث يرتد إلى لحظات العطش والحنين المتجذر في الذات اإلنسانية‬
‫الراغبة في العودة إلى الرحم‪ ،‬وترى دراسات نفسية عديدة أن العالقة الجنسية ىي شكل من‬
‫أشكال الرغبة في العودة إلى الرحم واالختباء في الكيف أو الطبيعة والغابة التي خرج اإلنسان‬
‫منيا بالوالدة‪ .‬وبحسب ميرسيا إلياد و كاميمي باليا وغيرىما من دارسي األساطير نجد أن ىناك‬
‫اتفاقا في تحميل العالقة الجنسية عمى أنيا ارتداد إلى الرحم أو األم أو الطبيعة والتحصن بيم مرة‬
‫أخرى‪ ،‬ومن اندفاع تمك الحال تأتي الوحشية وما في العالقة من التحام قد يبدو قاتال‪.‬‬

‫في ىذه العالقة الغامضة شبو الحممية الكاسرة والمحطمة لقوانين اإلدراك يتجول مؤمن سمير في‬
‫مجاىميا لمبحث عن رحابات الشعرية المتوارية من جنون اإلدراك الحسي وجموحو ويستشعر أنيا‬

‫‪31‬‬
‫مازالت بيئة خصبة لمقول والبحث عن الجديد من المشاعر ونقاط التقاء الوجداني بالمادي‬
‫الخالص في توالدات شبو انفجارية تتفجر معيا المغة الشعرية ذاتيا بشكل مفاجئ‪ ،‬كما تتفجر‬
‫الصور الشعرية بما قد يبدو مذىال ويشكل مفاجأة ليس فقط لممتمقي ولكن لمذات الشاعرة نفسيا‬
‫التي تمضي مع الحال الشعرية في نوع من االندفاع غير المحسوب أو غير المعروف نيايتو‬
‫أو خاتمتو بشكل واضح‪ .‬فال تدرك الذات الشاعرة نفسيا ما ستصل إليو بشكل كامل بل تبدو في‬
‫رحمة من االستكشاف والتقدم في مجاىل النفس وخفاياىا عبر العالقة الجسدية بالغريب منيا أو‬
‫المعتاد‪ ،‬بالمألوف والشاذ أو غير ذلك مما ال حدود لو من األفعال‪ ،‬بالرحمة والقسوة والسادية‬
‫والعطف واالنسحاق وغيرىا الكثير والكثير مما يرصد الشاعر ويذكر ويطرز وينسج قصيدتو منو‬
‫بما يشبو الالوعي فكأن القصيدة تغزل نفسيا بنفسيا عبر أحداث تبدو متالحمة بشكل حتمي‪،‬‬
‫فكل فعل أو لمسة أو حدث يستتبع حركة أو جنونا أو نظرة أو لمسة مغايرة أو اقتحاما‪ ،‬وىكذا‬
‫إلخ‪ ،‬في حال من االندفاع الذي يشبو سقوط صخرة من قمة جبل وال يممك أحد إيقافيا‪.‬‬

‫تزيل القصيدة الحدود الفاصمة بين الرجل والمرأة‪ ،‬بين الذكر واألنثي‪ ،‬وتجعل ما ليا لو وما لو‬
‫ليا‪ ،‬وكأنو ىي وكأنيا ىو‪ ،‬في نوع من االنزياح المغوي وانزياحات ضمير الممكية الذي تنسب لو‬
‫األعضاء واألفعال والحواس لتكتمل حال السيولة واالندماج بين الذاتين فال نعرف ىل ىو يرتد‬
‫إلييا أم ىي ترتد إليو أو تستعيد بو شيئا ليا مفقودا وتائيا عنيا منذ بدء الخميقة‪ ،‬وىو ما يمثل‬
‫تحقيقا لممعنى األسطوري المتداول في العقيدة الفيدية عند الينود عن انقسام األرواح قبل الخمق‬
‫والميالد‪ ،‬وىو كذلك ما أشار إليو ابن حزم في كتابو (طوق الحمامة) وبحثو عن تفسيرات لمحب‪.‬‬
‫وبإحساس عال تمف مقاربة مؤمن سمير ليذه المذة الجسدية بحال من الذوبان والعشق الصوفيين‬
‫عبر حال من التالشي واالنمحاء في الحبيبة أو المعشوقة التي تصبح في كثير من األحيان‬
‫نموذجا فوقيا أو إلييا أو رم از لو ولمطبيعة األم‪ ،‬ويقارب الظالل النفسية الالزمة لتمك المشاعر‬
‫من التالشي وما ينتج عنيا من التوزع والرغبات المتناقضة بين المزيد من االندماج وبين الرغبة‬
‫في الفرار واليرب‪.‬‬

‫يقول في إحدى لوحات القصيدة األولى (ناسوتي في الىوتِك)‪ :‬قمت في الصبح وكانت ذراعك‬
‫تطل من رأسي‪ ،‬وساقك تمف بالدا وتعود تقص‪ ..‬عيونك بكسميا تتفتح وتقولين أتوق أن أنغمق‬
‫ِّدتك كيال تقضم كبدك تمحس دمك‬ ‫ات والمقص مفتوح عمى ِس َّك ِ‬
‫تو‪ ،‬فمترحم سي َ‬ ‫المحظةَ‪ ..‬سنو ٌ‬

‫‪32‬‬
‫ِ‬
‫الغابة‬ ‫تدوسك في المرآة‪ ..‬أُغمق عيني وأبتي ُل‪ ..‬مسامي امتألت بالشييق وبالياربين من نز ِ‬
‫يف‬ ‫َ‬
‫أذني‪ ..‬أطفو‬
‫العذب المالح حتى َّ‬ ‫الندى‪ ..‬يغرقني ماؤك‬ ‫ِ‬
‫تحتك حتى تشم َّ‬ ‫واألمطار التي تشف‬
‫ُ‬
‫يغيب‪ِ ..‬شدوني ِّ‬
‫مني‪ ..‬أوح َشتْني الربةُ وأنا فييا‪ ..‬تستحضرين األمومة عندما‬ ‫ُ‬ ‫وأغطس‪َ ..‬نفَسي‬
‫ِ‬
‫عضوك حامال‬ ‫ِ‬
‫ثعبانك‪ ..‬أتعمق بو وأصعد‪ ..‬أليث بردان يا أم‪ ..‬أرتعد فيأتي األب من‬ ‫ين‬‫ِّ‬
‫تُ َدل َ‬
‫ذئاب‪ /‬وتموح أسطورة‪.‬‬
‫صميبو ويربت عمى عظمي‪ ..‬يق أر عمى رأسي فأغفو‪ /‬وعمى مروجي ترعى ٌ‬
‫الديوان صٕٔ‪.‬‬

‫ىنا ثمة عدد من المالحظات الميمة‪ ،‬فاألنثى ىنا منثور أعضاؤىا في كل مكان‪ ،‬متباعدة وثمة‬
‫مسافات قصية بينيا‪ ،‬منيا ما يكون بداخل ال َذ َكر أي في ذاكرتو ووجدانو ومنيا ما يكون خارجو‬
‫وال يمكن السيطرة عميو‪ ،‬فال َذ َكر أصغر وأعجز من أن يحتوييا بأكمميا‪ ،‬فاألنثى ىي األصل وىي‬
‫الطبيعة كميا‪ ،‬ولذلك فإن ذراعيا تطل من رأسو‪ ،‬أي بداخمو أو مازالت تمح عمى عقمو وذاكرتو‬
‫من األمس‪ ،‬وىنا ثمة زمن مبتور وغائب ىو الزمن السابق‪ ،‬أي الميل أو المساء‪ ،‬ألن الزمن‬
‫اآلني ىو الصباح بحسب زمن تمك الموحة (قمت في الصبح)‪ .‬والواضح كذلك أن ثمة تنوعا في‬
‫أزمنة االلتحام الجسدي ليغطي كل الوقت ومراحمو‪ ،‬فالزمن الحاضر‪ /‬الصبح‪ ،‬يستحضر الزمن‬
‫الغائب وىو الميل أو المساء‪ ،‬غير أن الموحة الجسدية الحاصمة في الصبح تعني شيئا مختمفا عن‬
‫تمك التي تقع في المساء‪ ،‬فإن كانت المسائية قد تأتي لمراحة واالستكانة‪ ،‬فإن الصباحية أو التي‬
‫وقعت في الصبح جاءت لإلنتاج أو اقترنت بالوالدة واألمومة وانتيت بدورة الزمن وانجاب (االبن‬
‫ِ‬
‫عضوك)‪،‬‬ ‫األب) الذي يحمل صميبو كما يأتي في آخر الموحة حين يقول (أرتعد فيأتي األب من‬
‫فاالبن أب كذلك وىو الذي يمنح الحماية والدفء بعد ذلك حين يشيخ والده ويكبر‪ .‬ولذلك قال‬
‫(حامال صميبو ويربت عمى عظمي‪ ..‬يق أر عمى رأسي فأغفو) فيذا المولود يصبح في الصورة‬
‫التالية عبر اختزال صريح لمزمن ىو األب الذي يمنح التربيت في إشارة إلى كل أشكال التدعيم‬
‫والمساندة والعطاء ويق أر عمى رأس أبيو ليغفو‪ ،‬ربما لينتيي أو يموت ىنا في دورة كاممة لمخمق‪.‬‬

‫أن جعل العالقة الجسدية الطاغية بقوة لذتيا الحسية في‬


‫فمن جماليات ىذا النص وادىاشو ىو ْ‬
‫أول الموحة‪ ،‬جزءا من بنية كاممة ودورة حياتية مكتممة تصور دورة الخمق من الميالد والموت‬
‫والمذة التي بينيما‪ .‬ومن القيم الداللية نحصل عمى بعض األفكار الخاطفة التي ىي في األصل‬
‫أفكار مركزية أو كمية مما يمثل أفكا ار وجودية ضاغطة مثل فكرة الزوجة التي في األساس أم‪،‬‬

‫‪33‬‬
‫والمقصود ىنا فكرة األنوثة نفسيا‪ ،‬ألنيا ىي األصل كما في أغمب األساطير القديمة‪ ،‬فالمرأة ىي‬
‫األرض والطبيعة وىي التي تنبت فييا البذور والحبوب‪ ،‬بينما الذكر ىو المطر أو الماء الذي‬
‫يتسبب في اإلنبات ليس أكثر‪.‬‬

‫في ىذا النص جماليات عديدة بعيدا عن القيم الداللية واألفكار الكبرى التي تندمج في حركة‬
‫الصورة الجنسية وتمك الموحة المتحركة المرسومة التي عبرت من نافذة العالقة الجسدية إلى دورة‬
‫الخمق كميا وأشارت إلى العالقة الجدلية بين األنوثة والذكورة وكافة ىذه األفكار الميمة‪ ،‬فمن‬
‫جماليات البنية الشكمية‪ ،‬السرد وقفزاتو الواسعة في الزمن حيث يحتاج المتمقي لدرجة من‬
‫المشاركة واليقظة في الربط بين ىذه الوحدات واألحداث الموزعة عبر الزمن الممتد‪ ،‬من لحظات‬
‫الشوق والغزل أو العطش والرغبة ولغة التيديد المذيذ الخفيف من األنثى ‪ ،‬وطمبيا بأن يطمبيا ىو‬
‫في مشيد أقرب لمتداولي التي تمارس فيو األنثى عمى َذ َكرىا قد ار من الدلع وىي تعرف قدرىا‬
‫ومكانتيا العظمى لديو‪ ،‬حين تقول لو (فمترحم سيدتك كيال تقضم كبدك)‪ ،‬ثم المرحمة التالية التي‬
‫يحدث فييا االندماج والتوسل وأنو يرغب في الفرار من ذاتو فال فرق بينيا وبينو ‪،‬في دليل عمى‬
‫توحد الجسدين واكتماليما ببعض‪ ،‬ثم المرحمة األخرى التي تفرض فكرة األمومة ظالليا ولكنيا‬
‫ترتبط بحركة مكشوفة في لغتيا الجنسية تجعل المشيد أثقل حضو ار في ذىن المتمقي‪ ،‬عمى أن‬
‫الرمزية ال تنفصل عن لغة النص في أي مرحمة ولكنيا تتفاوت وترتبط بمستوى المتمقي وادراكو‬
‫ِ‬
‫ثعبانك) فإن القارئ اليقظ‬ ‫ين‬‫ِّ‬
‫في األساس‪ ،‬فحين يقول الشاعر ( تستحضرين األمومة عندما تُ َدل َ‬
‫فقط ىو الذي سيدرك ذاك الربط بين األمومة وادخال العضو الذي صار ثعبانا يعود لجحره أو‬
‫سكنو‪ ،‬عمى أن كاف الخطاب ىنا التي تصبح مضافا إليو وتجعل الثعبان منسوبا إلى األنثى ىي‬
‫عالمة في غاية المركزية واألىمية في موقعيا الشعري وربما يكون الشعر كمو نابعا منيا‪ ،‬لكونيا‬
‫جعمت ىذا العضو الذي ىو بجسد الذكر إنما ينسب لألنثى‪ ،‬فكأنو شيء ضائع ومفقود منيا‬
‫وحان الوقت ليعود ألصمو‪ ،‬وبعدىا يكون الميالد وتحدث المقابمة بين الدخول والخروج بين‬
‫العضوين‪ ،‬فبعدما يدخل الثعبان يخرج األب في عممية لموالدة‪ ،‬وتأتي المرحمة األخيرة خاتمة‬
‫بانورامية تقفز خارج حدود الشخصي إلى اإلطار الكوني والتكراري الدائري في العالقة بين‬
‫الخمق‪ ،‬فاألب يتوه واالبن يرعاه وينتيي أو يموت‪ ،‬ليكون كذلك في النص وعمى مسافات متقاربة‬
‫منو ثمة ميالد وموت‪ ،‬وبعدىا تأتي ذئاب وترعى عمى مروج ذاك األب الميت‪ ،‬بما يعني دورة‬

‫‪34‬‬
‫جديدة لمحياة بِ َشِّرىا واستالب ما ترك وراءه من المروج أو نتاج العمل والحب والجنس وكافة‬
‫أنشطة الحياة وكل ما يرتبط بحبيا‪ ،‬فبالجنس يستدل النص عمى محبة الحياة المنتجة أو الخالقة‬
‫لممروج‪ ،‬وينتيي النص ب (تموح أسطورة) في دليل عمى قصة جديدة آتية في الطريق أو ربما‬
‫إشارة إلى فكرة تدوين التاريخ أو كتابة الحكايات في لوحة الوجود‪ .‬فاألسطورة إما لكونيا مجرد‬
‫قصة تتبعيا قصة أو إشارة لفكرة التدوين‪ ،‬وىو الفعل اآلخر الذي يتسم بالدائرية أو التكرار‪،‬‬
‫فتدوين مرحمة يأتي بعده آخر وىكذا إلى ما النياية‪.‬‬

‫من جماليات نصوص ىذه المجموعة الشعرية ‪،‬اإليقاع الذي يتشكل عند مؤمن سمير عبر‬
‫مسارات خاصة ترتبط بالجممة واألصوات والداللة وكافة مستويات البناء المغوي لمنص‪ ،‬فعمى‬
‫سبيل المثال نجد أن شكال ما في عالقة األفعال المضارعة مع بعضيا داخل الجممة ينتج إيقاعا‬
‫داخميا فريدا عمى نحو ما نرى في قولو في االقتباس السابق (أطفو وأغطس‪َ ..‬نفَسي يغيب)‬
‫فالجممتان الشعريتان ىنا مركبتان من كممتين‪ ،‬الفعل المضارع يشكل ٘‪ %ٚ‬أي ثالثة أفعال‬
‫مضارعة في مقابل كممة ( َنفَسي) التي تتشكل من اسمين‪ ،‬لكنيا تحسب كممة واحدة‪ .‬عمى أن‬
‫ثمة ارتباطا سببيا بين الجممتين من حيث المعنى يجعل تتابعيما في الزمن حتميا بما يعني أن‬
‫الم ْستَِوي‪ ،‬أي أن نشعر أن الفعل المضارع‬
‫حسن التقسيم وغمبة الفعل المضارع بسمتو التنغيمي ُ‬
‫ىنا لو نغمة مستوية تتوازى مع فكرة استمرار الفعل المضارع في الزمن‪ ،‬فكما يقول النحويون إن‬
‫الفعل المضارع يدل عمى االستمرار‪ ،‬فأطفو وأغطس فعالن مستمران إما بالتكرار أو بامتدادىما‬
‫في الزمن‪ ،‬أي أن الفعل الواحد يستمر ويمتد لوقت طويل دون تكرار‪ ،‬وكذلك الفعل المضارع في‬
‫الجممة الثانية ( َنفَسي يغيب) فكأنو يغيب بامتداد قد يصل إلى الموت أو التالشي الكامل والنيائي‬
‫شكل إيقاعا خاصا ربما يكون‬‫في أنثاه‪ ،‬الميم أن التنغيم وحسن التقسيم وغمبة الفعل المضارع َّ‬

‫إيقاع الحركة في المشيد أو جزءا منو‪ ،‬وىذا مظير جمالي ربما يكون ناد ار حيث يحدث تطابق‬
‫بين إيقاع العممية الجنسية وحركتيا مع إيقاع لغة النص الشعري ونغماتو وامتداده في الزمن‪.‬‬

‫تتشكل الشعرية في النص من التضاد وأدواره الوظيفية ومن أنساق بنائية خاصة بالمغة وتشكالتيا‬
‫عمى نحو ما نجد في أبنية الجمل الشعرية كما أشرنا إلى الفعل المضارع أو التنوع في التنغيم ما‬
‫بين النغمات الثالث؛ الصاعدة واليابطة والمستوية‪ .‬نجد التضاد عمى سبيل المثال ىو نفسو يأتي‬
‫بتنويعات وبصور غير مباشرة أو بالنمط المغوي التقميدي‪ ،‬الكممة وضدىا‪ ،‬بل يأتي عبر المعنى‬

‫‪35‬‬
‫أحيانا‪ ،‬مثل (عيونك بكسميا تتفتح وتقولين أتوق أن أنغمق المحظةَ) فينا َي ْنتُ ُج عن كسل العيون‬
‫تفتح أي حركة تنبثق عن الالحركة‪ ،‬أو ذلك االمتزاج والتداخل بين الكسل والتفتح‪ ،‬ثم مقابل‬
‫ٌ‬
‫انغالق العيون التي لم يكن ىناك نص صريح عمى انغالقيا بل ينتج المعنى من (تتفتح) وىو‬
‫فعل مرحمي متنام وتدريجي أي ال يكتمل إال بعد وقت‪ ،‬بما يعني أنو دال عمى االنغالق وعمى ما‬
‫قبمو ولو بشكل جزئي‪ .‬ثم التضاد بين توقيا إلى االنغالق المحظةَ‪ ،‬أي أن يتركيا في ذلك الوقت‪.‬‬
‫و ىي كميا متناسبة مع لوحة الرفض المذيذ أو التمنع التي مارستيا معو بعد ذلك في أمرىا لو في‬
‫كبدك تمحس دمك تدوسك في المرآة)‪ .‬والتضاد كذلك‬
‫َ‬ ‫قولو عمى لسانيا (اترك سيدتك كيال تقضم‬
‫في أكثر من نموذج مثل( األمطار‪ -‬تنشف‪ /‬شدوني مني‪ْ /‬أو َح َشتْنِي وأنا فييا‪ /‬ماؤك العذب‬
‫المالح‪ /‬تدلين ثعبانك‪ ،‬يأتي األب من عضوك)‪.‬‬

‫نجد األنثى حاضرة في نصوص مؤمن سمير بشكل تبدو فيو منثورة األعضاء وموزعة عمى‬
‫أركان الوجود بنوع من التمدد وكأنيا ىي كل الوجود‪ ،‬ىي الغابة الكبرى التي ال نياية ليا‪ .‬في‬
‫الموحة السابقة التي زمن حدوثيا في الصبح نجد أن ذراعيا كانت في رأسو وساقيا تمف بالدا‬
‫وتعود تقص‪ ،‬في حال من التباعد أو التوزع الواضح في المسافات‪ ،‬ونالحظ ىنا أن األعضاء‬
‫نفسيا متنوعة بين الثابت والمتحرك‪ .‬أو ما يمبث في المكان وما يبادر بالحركة ويتجول ويبدو‬
‫مستقال عن ىذه األنثى أو الشخصية المركزية المقابمة لمذكر الذي يبدو بخالفيا مؤط ار بحدود‪.‬‬
‫ِ‬
‫وساقك تمف‬ ‫وفي الموحة التالية ليا التي يكون زمنيا المساء‪ ،‬نجده يقول ( ِ‬
‫بطنك تحت رأسي‬
‫وتدور وتتعمد أال تحكي)‪ ،‬فالساق ىنا عمى عيدىا القديم كما في الموحة السابقة‪ ،‬تمف وتدور‪،‬‬
‫ولكنيا تختمف فقط بأنيا تخمت عن رغبتيا في الحكي‪ ،‬فإذا كانت في األولى قد عادت من البالد‬
‫وقصت فيي ىذه المرة تتعمد أال تحكي‪ ،‬ليكون التقابل ىنا ىذه المرة متجاو از حدود المشيد الواحد‬
‫ويربط بين مشيدين مختمفين في الوقت بين الصبح والمساء‪ ،‬ليشكل النص الشعري التنويعات‬
‫النفسية ليذه األنثى واختالف أحواليا مع الوقت‪.‬‬

‫ثمة إحساس خاص بالزمن في تمك النصوص الشعرية يعكس إطا ار حركيا لموجود متنوعا بين‬
‫الوحدات الزمنية المختمفة من الصبح لممساء ‪،‬لأليام والفصول والساعات وكافة التنويعات الوقتية‬
‫التي تجعل حركات العالقة الجسدية بين الذكر واألنثى مؤطرة بكل حركة الوجود واختالفيا‪.‬‬

‫‪36‬‬

You might also like