Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 11

‫المبحث الثاني‪ :‬تسخير الكون ومسؤول ّية اإلنسان‬

‫المسألة األولى‪ :‬الغيب والشهادة‬

‫األول‪ :‬اإلنسان بين الغيب والشهادة‬


‫الدرس ّ‬

‫اإلشكالية‪ :‬الغيب وعالقته بعالم الشهادة من المنظور اإلسالمي‪.‬‬

‫‪ /1‬في تحديد المفاهيم‬


‫ينقسم الوجود في المفهوم اإلسالمي إلى عالمين‪ :‬عالم الغيب وعالم الشهادة قال تعالى‪ :‬ث ّم تردّ ون إلى‬
‫عالم الغيب والشهادة فين ّبئكم بما كنتم تعملون" الجمعة ‪8‬‬
‫عالم الشهادة‬ ‫عالم الغيب‬
‫ما لم يعلم النّاس وال عاينوه‪ ،‬مثل الذات اإللهيّة ما علم ال ّناس وشاهدوا‬
‫أي كل ّ ما كان من الموجودات أمام نظر اإلنسان‬ ‫والعرش والمالئكة والجنّة والنّار‪...‬‬
‫ار" يشاهده (كل ّ ما على وجه األرض من نبات‬ ‫قال تعالى‪":‬ال ُتدْ ٍر ْكه األبصار وهو ُيدْ ِر ُك األ ْب َ‬
‫ص َ‬
‫وحيوان)‬ ‫األنعام‪103‬‬

‫ذو طبيعة معنويّة متعالية عن المادّة ومفارقة هذا العالم المادي المحسوس الذي ينتمي إليه‬
‫للمحسوس‪ ،‬تحكمه مواصفات أخرى مخالفة لما اإلنسان ويتعامل معه بعقله وحواسه وعواطفه‪.‬‬
‫نعرفه في عالم الشهادة‪.‬‬
‫العالن ّية‬
‫َ‬ ‫ظواهر األمور‬ ‫سر‬
‫ال ّ‬ ‫بواطن األمور‬

‫إنّ ثنائ ّية الغيب والشهادة في العقيدة اإلسالم ّية ال تدل ّ على ترسيخ مفهوم االزدواجية أو القطيعة بين‬
‫*العالمين ألنّ العقيدة اإلسالمية عقيدة توحيد ّية باألساس‪ ،‬ولهذا فإنّ عالمي الغيب والشهادة تجمعهما‬
‫وحدة المصدر ألنّ هللا تعالى خالقهما وس ّيدهما والعالم بهما‪.‬‬

‫‪ /2‬الغيب في اإلسالم‬
‫العقائد الغيب ّية من أسس ال ّتدين‪.‬قال تعالى‪ ":‬ألم ذلك الكتاب ال ريب فيه هدى للم ّتقين الذين يؤمنون‬
‫اإليمان بالغيب واجب وجوب‬ ‫الصالة وم ّما رزقناهم ينفقون" البقرة ‪1‬ـ ‪ 2‬ـ ‪3‬‬
‫ّ‬ ‫بالغيب ويقيمون‬
‫الصالة والزكاة‪.‬‬
‫ّ‬

‫‪ /3‬أنواع الغيب‬
‫غيب نسبي (غيب مقيّد ‪ /‬إضاف ّي)‬ ‫غيب مطلق (غيب حقيقي)‬
‫ــ يعلمه بعض الخلق دون بعض ألسباب مختلفة‪.‬‬ ‫ــ ال يعلمه إالّ هللا‬
‫حس ال ّناس جميعا‬ ‫ّ‬ ‫ــ مثاله أن يغيب الشيء عن‬ ‫قال‬ ‫(اختص ‪ /‬انفرد) هللا بعلمه‬
‫ّ‬ ‫ــ استأثر‬
‫ولك ّنه يكون في متناول عقولهم إ ّما بال ّتجربة أو‬ ‫تعالى‪ ":‬وعنده مفاتح الغيب ال يعلمها إالّ هو"‬
‫المقايسة (الحتم ّية) كعلم ما سيقع في المستقبل من‬ ‫األنعام ‪59‬‬

‫الكسوف والخسوف وأوقات شروق الشمس‬ ‫ساعة‪ /‬موعد يوم القيامة‪ /‬ال ّروح‪/‬‬ ‫من أمثلته (ال ّ‬
‫وغروبها‪...‬‬ ‫الموت‪ /‬ال ّرزق‪ )...‬حين سأل جبريل عليه السالم‬
‫يتحول من مجهول إلى‬ ‫ّ‬ ‫أي األمر الذي يمكن أن‬ ‫ساعة"‬‫مح ّمدا عن الساعة قائال‪" :‬فأخبرني عن ال ّ‬
‫معلوم ويخرج من عالم الغيب إلى عالم الشهادة‬ ‫أجاب ال ّرسول صلّى هللا عليه وسلّم "ما المسؤول‬
‫بفضل البحث واالكتشاف كتحديد جنس الجنين‬ ‫عنها بأعلم من السائل" صحيح مسلم ج ‪1‬‬
‫مثال‪...‬‬ ‫أودع هللا ما شاء من غيبه الحقيقي عن طريق‬
‫الوحي إلى من ارتضاه من ال ّرسل‪ .‬قال تعالى‪ ":‬عالم‬
‫الغيب فال يظهر على غيبه أحدا إالّ من ارتضى من‬
‫رسول" الجن ‪26/27‬‬
‫مثاله اإلسراء والمعراج‬

‫‪ /4‬اإلنسان بين الغيب والشهادة‬


‫العلم طريق‬ ‫فطري في اإلنسان‬
‫ّ‬ ‫ال ّتفكير في الغيب من طبيعة اإلنسان‪ .‬ال ّتطلع إلى معرفة الغيب أمر‬
‫مشروع إلدراك الغيب ال ّنسبي‬
‫≠ الكهانة (الشعوذة وال ّتنجيم) طريق غير مشروع وغير ُمجد إلدراك الغيب المطلق‪ ،‬ألنّ ادعاءه‬
‫تنزيه الذات اإللهية عن‬ ‫مشاركة مخلوق للخالق في معرفة الغيب قول بالشرك ( = ال ّتوحيد)‬
‫كل ّ شرك أو مشابهة‪.‬‬
‫ال ّتوحيد دافع‬ ‫الرسول صلى هللا عليه وس ّلم ‪":‬من أتى كاهنا فصدّ قه بما قال فقد كفر بما أنزل على مح ّمد"‬ ‫قال ّ‬
‫لطلب العلم‪.‬‬
‫ــ ك ّلما نما علم اإلنسان نما طلبه للغيب فيستدل ّ باألثر على المؤثر وبما ُيدرك بالحواس (ال ّ‬
‫شهادة)‬
‫على ما ال ُيدرك بالحواس (الغيب)‪ ،‬ومن أمثلته‪ :‬سقوط ال ّتفاحة على األرض دليل على وجود‬
‫الجاذبية (نيوتن)‪ ،‬وال ّنظام الدّ قيق السائد في سائر أنحاء الكون دليل على وجود هللا‪ ،‬االستدالل‬
‫الصدفة والعبثية عن الكون‪.‬‬ ‫على وجود إله خالق واحد مد ّبر حكيم ونفي ّ‬
‫شهادة‪:‬‬‫أ‪ /‬مستويات عالقة اإلنسان بالغيب وال ّ‬
‫ال ّتفريط (‪) -‬‬ ‫الوسطيّة (‪) +‬‬ ‫اإلفراط (‪) -‬‬

‫في‬ ‫إغراق‬ ‫*‬ ‫الغيبيات ــ توازن بين الغيب والشهادة‪.‬‬ ‫في‬ ‫*إغراق‬
‫المحسوسات ‪.‬‬ ‫وحضور سلبي في عالم ــ ترابط الغيب والشهادة ضمن تفاعلية‬
‫*توهّم ال ّتناقض بين‬ ‫مستمرة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ال ّ‬
‫شهادة‪.‬‬
‫الغيب والشهادة‪.‬‬ ‫قال تعالى‪ ":‬وابتغ فيما آتاك هللا الدار اآلخرة‬ ‫*احتقار لعالم الشهادة‪.‬‬
‫*إنكار لعالم الغيب‬ ‫وال تنس نصيبك من الدّ نيا" القصص ‪77‬‬ ‫ّ‬
‫*الزهد‬
‫(اإللحاد)‪.‬‬ ‫وقال ص ّلى هللا عليه وس ّلم ليس بخيركم من‬
‫*قطيعة بين الواقع‬ ‫ترك دنياه آلخرته وال آخرته لدنياه ح ّتى‬
‫والغيب‪..‬‬ ‫يصيب منهما جميعا"‬
‫وجاء في األثر‪" :‬اعمل لدنياك كأ ّنك تعيش‬
‫أبدا‪ ،‬واعمل آلخرتك كأ ّنك تموت غدا"‪.‬‬

‫وعي ال ّزمن األخروي ال يلغي الفعل في ال ّزمن الدّنيوي‪.‬‬


‫ترك الفاعلية في الدّنيا بدعوى االهتمام باآلخرة ليس وعيا لل ّزمن األخروي‬
‫وعي الغيب ليس نفيا لعالم الشهادة في حقيقة اإلسالم‬
‫ب‪ /‬منهج ال ّتعامل مع الغيب والشهادة‬

‫منهج التّعامل مع عالم الشّهادة‬ ‫منهج التّعامل مع عالم الغيب‬


‫ــ مرجعه الوحي والعقل والواقع‬ ‫ــ مرجعه الوحي (القرآن والسنة)‪.‬‬
‫الصالح ‪ ،‬أهّل هللا‬
‫ّ‬ ‫ــ بالعقل والحواس والعلم واإلرادة والعمل‬ ‫ــ ال قدرة لإلنسان على معرفة كنهه (ماهيته)‬
‫اإلنسان لل ّتفاعل مع عالم الشهادة‬ ‫التّسليم‬
‫االستخالف‬

‫ج‪ /‬تكامل العقل وال ّنقل في إثبات حقيقة الغيب‬


‫السنة) وإ ّما عن طريق األثر (مشاهدة اآلثار‬ ‫العلم الحاصل لنا إ ّما من طريق الخبر ‪ /‬ال ّنقل (القرآن ‪ّ +‬‬
‫الدّ الة عليه)‬
‫وظيفة العقل في عالم الشهادة‪ :‬المالحظة وال ّنظر والقياس لتحقيق اإلبداع‪.‬‬
‫يقول ابن خلدون‪ ":‬العقل ميزان صحيح وأحكامه يقين ّية‪ ،‬ال كذب فيها‪ ،‬غير أ ّنك ال تطمع أن تزن به أمور‬
‫الصفات اإللهية وكل ما وراء طوره ‪ ،‬فإنّ ذلك طمع في ُمحال‪،‬‬ ‫بوة‪ ،‬وحقائق ّ‬ ‫ال ّتوحيد واآلخرة وحقيقة ال ّن ّ‬
‫ومثال ذلك مثال رجل رأى الميزان الذي يوزن به الذهب فطمع أن يزن به الجبال‪ .‬وهذا ال يدل ّ على أنّ‬
‫الميزان في أحكامه غير صادق‪ ،‬ولكن للعقل حدّ ا يقف عنده وال يتعدّ ى طوره‪ ،‬فال يكون له أن يحيط باهلل‬
‫وبصفاته" ابن خلدون المقدمة ص ‪285‬‬
‫الزمن في البحث فيها أل ّنه ال‬
‫وظيفة العقل في عالقته بعالم الغيب ‪ :‬ال ّتفويض وال ّتسليم (عدم إهدار ّ‬
‫الصالح واإلبداع )‪.‬‬
‫الزمن في العمل ّ‬ ‫يعلمها إالّ هللا ‪ +‬ضرورة استغالل ّ‬
‫الساعة؟" فأجابه‬ ‫الساعة‪ ":‬متى ّ‬ ‫عن أنس رضي هللا عنه أنّ رجال سأل ال ّنبي صلى هللا عليه وس ّلم عن ّ‬
‫الرسول صلى هللا عليه وس ّلم‪ ":‬وماذا أعددت لها؟ صحيح البخاري‪ ،‬وقال الرسول صلى هللا عليه‬
‫الصحيح ص ‪5287‬‬ ‫وس ّلم‪":‬تف ّكروا في خلق هللا وال تف ّكروا في هللا" السيوطي الجامع ّ‬
‫تصور ّ‬
‫الذات اإللهية‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫العقل عاجز عن‬
‫إدراك العجز عن اإلدراك إدرا ٌك‪.‬‬

‫شهادة‪ ،‬وإ ّنما هو تأكيد لوجوده وإقرار بالجدل ّية القائمة بينهما‪.‬‬
‫إنّ اإليمان بعالم الغيب ليس نفيا لعالم ال ّ‬
‫المبحث الثاني‪ :‬تسخير الكون ومسؤول ّية اإلنسان‬
‫المسألة األولى‪ :‬الغيب والشهادة‬

‫الدرس الثاني‪ :‬الغيب ومعنى الحياة‬

‫وأي دور يلعبه في حياة اإلنسان نشأة ومسيرة وغاية؟ ‪.‬‬


‫اإلشكالية‪ :‬لماذا الغيب ّ‬

‫‪ /1‬البعد الغيبي في تكوين اإلنسان‬


‫قال تعالى‪ ":‬وإذ قال ر ّبك للمالئكة إ ّني خالق بشرا من طين‪ ،‬فإذا ّ‬
‫سويته ونفخت فيه من ُروحي فقعوا‬
‫ال ّنظرة القرآنية لإلنسان شاملة ومتوازنة‪.‬‬ ‫له ساجدين"‬
‫اإلنســــ ــــان‬
‫(الروح)‬
‫جانب المرئي ّ‬ ‫جانب مرئي (الجسد)‬
‫من روح هللا تعالى‬ ‫من طين (ماء ‪ +‬تراب)‬
‫من عالم الغيب‬ ‫من عالم الشهادة‬

‫ب‪،‬الرحمة‪ ،‬األمانة‪)...‬‬
‫ّ‬ ‫والمعنويات(الحرية‪ ،‬العدل‪ ،‬ال ُح‬ ‫القيم‬ ‫الجسد ومطالبه (األكل ‪،‬الشرب‪ ،‬النّوم‪ ،‬الغرائز‪)..‬‬

‫نجد ال ّتوازن في معالجة الجانب المادي وجانب ما وراء المادّ ة‪.‬‬


‫اإلنسان كائن جسمي ‪ +‬روحي في نفس الوقت وليس جسما وروحا منفصلين‪.‬‬
‫اال ّتصال بين الجسد ّ‬
‫والروح = الحياة والفاعلية‪.‬‬
‫االنفصال بين الجسد والروح = الموت‪.‬‬
‫ــ اإلنسان ال يحقق توازنه بين عنصري تكوينه (جسد ‪ +‬روح) فحسب‪ ،‬بل عليه تحقيق ال ّتوازن بين كل ّ‬
‫عناصر شخصيته وعالقاته‪:‬‬
‫العاطفة‬ ‫العقل‬
‫المكتسب‬ ‫الفطرة‬
‫اإلرادة‬ ‫الشهوة‬
‫المسؤولية‬ ‫الحر ّية‬
‫العمل‬ ‫العلم‬
‫ال ّتطبيق‬ ‫ال ّنظر‬
‫الواجب‬ ‫الحق‬
‫الجماعية‬ ‫الفرد ّية‬
‫السلوك‬ ‫العقيدة‬
‫العمل لآلخرة‬ ‫العمل للدنيا‬
‫الحداثة‬ ‫ال ّتراث‬
‫الباطن‬ ‫الظاهر‬
‫الكون ّية‪/‬‬ ‫الخصوصية‪/‬‬
‫العالم ّية‪.‬‬ ‫الهو ّية‬

‫‪ /2‬الغيب ورسالة اإلنسان في األرض (االستخالف)‬


‫ــ قال تعالى‪ ":‬وإذ قال ر ّبك للمالئكة إ ّني جاعل في األرض خليفة" البقرة ‪30‬‬
‫أ‪ /‬أركان االستخالف‪:‬‬
‫اإلنسان هو الكائن الوحيد الذي تح ّمل أمانة االستخالف‪ .‬قال تعالى‪ ":‬إ ّنا عرضنا األمانة على السماوات واألرض‬
‫والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها اإلنسان" األحزاب ‪72‬‬
‫رفض السماوات واألرض والجبال لهذه األمانة فيه اعتراف بالعجز وتأكيد لكون اإلنسان مركز الثقل‬
‫في الكون‪.‬‬
‫وتقوم أمانة االستخالف على أركان ثالثة‪:‬‬
‫❖ المستأمن (ال ُمستخلف) = هللا‬
‫❖ المستأمن (المستخلف) = اإلنسان‬
‫❖ المستأمن عليه (ال ُمستخلف فيه) = عمارة األرض ومجانبة اإلفساد فيها‪ .‬قال تعالى‪ ":‬وال تبغ‬
‫الفساد في األرض" القصص ‪77‬‬
‫تقتضي الخالفة مسؤولية المستأمن ف ْه َي عهد (عقد) من المستأمن‬
‫خالفة اإلنسان‪:‬‬
‫● في الدّ نيا = ابتالئية مؤقتة (اختبار‪ /‬امتحان)‬
‫● في اآلخرة = جزائ ّية دائمة (الثواب والعقاب‪ /‬الج ّنة وال ّنار و ُيرمز إليهما باللونين األخضر (الج ّنة)‬
‫ّ‬
‫والزوايا‪ ،‬تذكيرا‬ ‫واألحمر (النار) في ال ّتراث العربي واإلسالمي وفي مقامات األولياء الصالحين‬
‫لل ّناس بضرورة مغالبة الفتن واألهواء واالستعداد الدّ ائم لآلخرة)‪.‬‬
‫ب‪ /‬مؤهالت اإلنسان الخليفة‬

‫مؤهل مفارق‬ ‫مؤهالت ذاتية‬

‫السنة)‬
‫الوحي (القرآن ‪ّ +‬‬ ‫عقل مف ّكر ‪ +‬قوّ ة فاعلة ‪ +‬إرادة حرّ ة‬

‫هبوط اإلنسان إلى األرض ليس عقابا‪ ،‬وإ ّنما هو تكليف وتشريف‪ ،‬تفضيل وتكريم (في الهبوط إلى‬
‫البر والبحر ورزقناهم من ّ‬
‫الطيبات وفضلناهم على كثير‬ ‫األرض ارتقاء)‪ .‬قال تعالى‪ ":‬ولقد ّ‬
‫كرمنا بني آدم وحملناهم في ّ‬
‫م ّمن خلقنا تفضيال" اإلسراء ‪70‬‬
‫ج‪ /‬مسار االستخالف‬
‫قال تعالى‪ ":‬يا أ ّيها اإلنسان إ ّنك كادح إلى ر ّبك كدحا فمالقيه" االنشقاق ‪6‬‬
‫ــ إنّ استخالف اإلنسان حركة إنسانية نحو المطلق ومسار تاريخي ال يتوقف في سعي مستمر نحو‬
‫ال ّتسامي وال ّترقي واإلبداع‪ ،‬عمال باألثر المشهور " لو تع ّلقت ه ّمة المرء بما وراء العرش لناله"‬
‫ــ االستخالف يعني الفعل الحضاري المتواصل في الكون ضمن ما ه ّيأه هللا لإلنسان من قدرات ووعي‪.‬‬
‫د‪ /‬مرتكزات (أسس) خالفة اإلنسان في األرض‬

‫ــ االستخالف أمانة واألمانة مسؤولية والمسؤولية ال تنهض إالّ بالحر ّية‪.‬‬
‫ــ ترتكز خالفة اإلنسان في األرض على ثنائية الحر ّية وااللتزام‪:‬‬
‫االلتزام‬ ‫الحريّة‬

‫بمعنى تق ّيد اإلنسان المستخلف بالمنهج اإللهي‪،‬‬ ‫حريّة مقيّدة تخضع للسنن الكونيّة‪.‬‬
‫وعدم السير وفق هوى ال ّنفس‪.‬‬ ‫حريّة واعية تعني رشد ال ّتصرف‬
‫حريّة مسؤولة تستبطن روح المسؤولية‬

‫السماوات وما في األرض" ال ّنجم ‪31‬‬‫قال تعالى‪ ":‬وهلل ما في ّ‬


‫قال تعالى‪ ":‬وأنفقوا م ّما جعلكم مستخلفين فيه" الحديد ‪7‬‬
‫قال تعالى‪ ":‬وآتوا ح ّقه يوم حصاده" األنعام ‪142‬‬
‫تصرفاته طبق منهج مع ّين (الوحي اإللهي) يعينه‬
‫ّ‬ ‫يوجه‬
‫اإلنسان بوصفه متصرفا ال غير‪ ،‬ال بدّ وأن ّ‬
‫على ال ّتصرف في ما ال يملك‪.‬‬

‫‪ /3‬االستخالف والعبادة‬
‫قال تعالى‪ ":‬وما خلقت الجنّ واإلنس إالّ ليعبدون" الذاريات ‪59‬‬
‫هي غاية الخلق‪ ،‬لكن ليست العبادة بمفهومها الشعائري الضيق (ركوع‪ ،‬سجود‪ ،‬طواف‪ )...‬فقط‪،‬‬ ‫العبادة ّ‬
‫وإ ّنما هي إضافة إلى ذلك‪ ،‬العبادة بمفهومها الشامل (عمل صالح‪ ،‬خير‪ ،‬دراسة‪ ،‬إبداع‪ ،‬عدل‪ ،‬إيثار‪،‬‬
‫مصلحة‪ )...‬بما فيها من تحقيق إلرادة هللا في األرض (االمتثال ألوامر هللا تعالى واجتناب نواهيه)‪ .‬فالمعنى‬
‫مجرد شعائر موقوتة بأوقات مع ّينة (أوقات الصالة‪ ،‬أشهر‬ ‫ّ‬ ‫تتحول من‬
‫ّ‬ ‫هي أن‬‫الحقيقي للعبادة في اإلسالم ّ‬
‫الحج‪ ،‬شهر رمضان‪ )...‬وفي أمكان محدّ دة ال يعرف اإلنسان ر ّبه إالّ فيها (المسجد ‪ ،‬الجامع‪ ،‬البقاع‬
‫المقدّ سة‪ )...‬إلى كونها أنماط سلوكية وقيم أخالق ّية تصاحب اإلنسان في كل ّ وقت فتصير عبادة مالزمة‬
‫لإلنسان في كل ّ لحظات حياته‪.‬‬
‫قال تعالى‪ ":‬إنّ الصالة تنهى عن الفحشاء والمنكر" العنكبوت‪45‬‬
‫الصالة جسر بين عالمين (جانب مادي مشاهد من ركوع وسجود وتالوة‪( + )...‬جانب روحي غيبي من‬
‫خشوع واطمئنان‪)...‬‬
‫الصالة = صلة بين اإلنسان وهللا (في محراب المسجد) ‪ +‬صلة اإلنسان بالطبيعة (في عالقة اإلنسان‬ ‫ّ‬
‫بالكون‪ :‬العلم والبحث وال ّتأمل في حركة الكون) ‪ +‬صلة اإلنسان بذاته (تج ّنب االنتحار وال ّتهلكة ‪ + )...‬صلة‬
‫الرحم ـ ال ّتكافل االجتماعي‪.)...‬‬
‫بر الوالدين ـ صلة ّ‬ ‫اإلنسان بأخيه اإلنسان (في عالقة اإلنسان بالمجتمع‪ّ :‬‬

‫‪ /4‬المعاد (أي اليوم اآلخر) وفاعلية اإلنسان‪:‬‬


‫ــ المعاد من كبريات حقائق الكون‪.‬‬
‫ــ إنّ اإليمان بالمعاد ُيشعر اإلنسان أ ّنه لم ُيخلق عبثا‪ .‬قال تعالى‪ ":‬أفحسبتم أ ّنما خلقناكم عبثا وأ ّنكم إلينا ال‬
‫ُترجعون" المؤمنون ‪.115‬‬
‫ــ إنّ اإليمان باليوم اآلخر (المعاد) يبعث في نفس المؤمن الشعور بالمسؤولية فينعكس ذلك على مستوى‬
‫سلوكه فيقبل على العمل الصالح‪ .‬قال تعالى‪ ":‬ث ّم ُتردّ ون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون" الجمعة‬
‫شرا يره" الزلزلة ‪7‬ــ‪. 8‬‬
‫ذرة ّ‬
‫ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ّ‬
‫‪ ،8‬وقال تعالى‪ ":‬فمن يعمل مثقال ّ‬
‫ــ من نتائج اإليمان بالمعاد أيضا تحقيق طمأنينة اإلنسان فتجعل الدّ نيا في نظره دار عمل صالح‪ .‬قال تعالى‪":‬‬
‫من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيي ّنه حياة ط ّيبة ولنجزي ّنهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون" النحل ‪97‬‬
‫يحرك ضمير اإلنسان ويح ّثه على ّ‬
‫السعي واالستقامة‪.‬‬ ‫اإليمان بالمعاد (الغيب) ّ‬

‫اإلنسان فاعل في عالم الشهادة ُمغالب للفتن واألهواء‪ ،‬مستعدّ للحساب في عالم الغيب‪.‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬تسخير الكون ومسؤول ّية اإلنسان‬
‫المسألة الثانية‪ :‬اإلنسان ووعي ّ‬
‫الزمن‬

‫الدرس الثالث‪ :‬الزمن في القرآن‬

‫هي مستويات حضور ّ‬


‫الزمن في القرآن؟ ‪.‬‬ ‫الفكرة المركز ّية‪ :‬ما ّ‬

‫‪ /1‬مفهوم ّ‬
‫الزمن‬
‫الزمان في الفكر العربي القديم يشوبه الكثير من الغموض واالضطراب‪ ،‬ور ّبما نجم هذا األمر‬ ‫إنّ مفهوم ّ‬
‫وتفرعها‪.‬‬
‫ّ‬ ‫من تعدّ د المصطلحات الدّ الة على ّ‬
‫الزمان‬
‫والزمان اسم لقليل الوقت وكثيره‪ ،‬وأزمن الشيء طال عليه الزمن‪ ،‬وأزمن بالمكان أقام به‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫"الزمن‬
‫زمانا"ابن منظور‪ ،‬لسان العرب (ج ‪ ،13‬ص ‪. )199‬‬
‫الزمن ‪ :‬الوقت‪ ،‬العصر‪ ،‬الحين‪ ،‬الدّ هر‪ ،‬المدّ ة‪،‬‬‫جمعه أزمان وأزمنة وأزمن‪ .‬ومن األلفاظ المع ّبرة عن ّ‬
‫اليوم‪ ...‬قال تعالى‪ ":‬هل أتى على اإلنسان حين من الدّ هر لم يكن شيئا مذكورا" اإلنسان‪1‬‬
‫الزمان إلى ثالثة أقسام‪ :‬ماض قد انقضى وحاضر يتح ّقق ومستقبل لم يتح ّقق بع ُد‬ ‫يقسموا ّ‬‫اعتاد ال ّناس أن ّ‬
‫فهو ما يزال يفتقر إلى الوجود‪:‬‬
‫● الماضي يستند إلى ملكة ال ّتذكر وال ّنظر وال ّتحقيق‪ /‬االعتبار = أخذ العبرة ‪ /‬الدّ رس‪ .‬يقول ابن‬
‫خلدون‪ ":‬ال ّتاريخ في ظاهره ال يزيد عن اإلخبار وفي باطنه نظر وتحقيق" المقدّ مة‪.‬‬
‫● الحاضر يرتكز على َملكة االنتباه والفعل الحضاري‪.‬‬
‫● المستقبل يقوم على األمل واالستشراف وال ّتوقع واالستباق‪.‬‬
‫يقسم الزمن إلى قسمين‪ :‬زمن دنيوي وزمن أخروي‪:‬‬ ‫ومن ال ّناس من ّ‬
‫● زمن دنيوي مآله الفناء (له بداية ونهاية)‬
‫● زمن أخروي أبدي (ال نهاية له)‪.‬‬
‫الزمان في القرآن‬‫‪ /2‬فكرة ّ‬
‫أ‪ /‬حضور ّ‬
‫الزمن في القرآن‪:‬‬
‫الزمن في القرآن الفت‪ ،‬وقد وردت فكرة الزمان في القرآن الكريم على مستويين‪:‬‬ ‫حضور ّ‬
‫هو المستوى ال ّنظري الفلسفي‪.‬‬ ‫هو المستوى االصطالحي والثاني ّ‬ ‫األول ّ‬
‫ّ‬
‫الزمان‪ ،‬فلم يرد بال ّنص وإ ّنما وردت ألفاظ دا ّلة عليه كالدّ هر‪،‬‬
‫يخص مصطلح ّ‬ ‫ّ‬ ‫األول ففيما‬
‫*أ ّما المستوى ّ‬
‫والسرمد‪ ،‬واألبد‪،‬وال ُخلد‪ ،‬والوقت‪ ،‬والعصر‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫والحين‪ ،‬واآلن‪ ،‬والمدّ ة‪ ،‬واليوم‪ ،‬واألجل‪ ،‬واألمد‪،‬‬
‫والفجر‪،‬والضحى‪ ،‬والليل‪،‬وال ّنهار‪...‬‬
‫قال تعالى‪ ":‬مالك يوم الدّ ين" الفاتحة ‪ /‬وقال تعالى‪ ":‬إنّ الصالة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا" ال ّنساء ‪103‬‬
‫وقال تعالى‪ ":‬وآتوا ح ّقه يوم حصاده" األنعام ‪142‬‬
‫والحج" البقرة ‪189‬‬ ‫ّ‬ ‫وقال تعالى‪ ":‬يسألونك عن األه ّلة قل هي مواقيت لل ّناس‬
‫وقال تعالى‪ ":‬وقالوا ما هي إالّ حياتنا الدّ نيا نموت ونحيا وما ُيهلكنا إالّ الدّ هر وما لهم بذلك من علم إن هم إالّ يظنون"‬
‫الجاثية ‪24‬‬
‫في اآلية إشارة إلى طائفة "الدّ هريين" الذين جمعوا بين إنكار الخالق وإنكار البعث ويوم القيامة‪.‬‬
‫هو الذي يرى أنّ العالم موجود أزال وأبدا‪ ،‬ال صانع له‪.‬‬
‫هري ّ‬
‫ّ‬ ‫الدّ هرية‪ :‬الدّ‬
‫وقال تعالى‪:‬قل أرأيتم أن جعل هللا عليكم ال ّنهار سرمدا إلى يوم القيامة من إله غير هللا يأتيكم بليل تسكنون فيه أفال‬
‫ُتبصرون"القصص‪72‬‬
‫السرمد‪ :‬بمعنى ّ‬
‫الزمان الدّ ائم الذي ال ينقطع‪،‬أو ما ال ّأول له وال آخر‪.‬‬ ‫ّ‬
‫ال ُخلد‪ :‬بمعنى دوام البقاء‬
‫السماوات واألرض وما بينهما في ستة أ ّيام ث ّم استوى على العرش"الفرقان ‪59‬‬
‫وقال تعالى‪:‬إنّ ر ّبكم هللا الذي خلق ّ‬
‫السجدة ‪5‬‬
‫السماء إلى األرض ث ّم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة م ّما تعدّ ون" ّ‬
‫وقال تعالى‪ ":‬يد ّبر األمر من ّ‬
‫* وفي المستوى الثاني(النظري الفلسفي) نشير إلى بعض األفكار األساسية في مشكلة الزمان‪ ،‬وال ّتي‬
‫وجهت تفكير الفالسفة المسلمين وجهة قرآن ّية‪:‬‬ ‫نرى أ ّنها ّ‬
‫الزمان إلى زمان مطلق وزمان طبيعي‬ ‫⮚ تقسيم ّ‬
‫والصفات ــ مسألة خلق القرآن‪)...‬‬
‫ّ‬ ‫⮚ مشكلة القِدَ م والحدوث (مسألة الذات‬
‫ب ــ داللة حضور ّ‬
‫الزمن‪:‬‬

‫المفهوم‬ ‫داللة حضور ّ‬


‫الزمن‬
‫يختص هللا بعلمه وتقديره‪،‬‬
‫ّ‬ ‫زمن ُمطلق‪ ،‬ال تاريخي‪،‬‬ ‫األزل‪ /‬األجل‪ /‬األبد‪ /‬الخلد‪/‬‬ ‫في عالم الغيب‬
‫البشري عن اإلحاطة به‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ويعجز العقل‬ ‫السرمد‪...‬‬ ‫ّ‬
‫نسبي‪ ،‬يقدر العقل على اإلحاطة به‪.‬‬
‫ّ‬ ‫طبيعي‬
‫ّ‬ ‫زمن‬ ‫الحين‪ /‬الوقت‪ /‬اآلن‪ /‬العصر‪/‬‬ ‫في عالم الشهادة‬
‫المدّ ة‪...‬‬
‫اليوم في عالم الشهادة = ‪ 24‬ساعة‪ ،‬وهي مدّ ة‬ ‫الساعة ــ اليوم‪...‬‬ ‫ّ‬ ‫في عالمي الغيب‬
‫تختلف عن اليوم في عالم الغيب‪ .‬قال تعالى‪ ":‬وإنّ‬ ‫والشهادة (مشترك)‬
‫يوما عند ر ّبك كألف سنة م ّما تعدّ ون" الحج ‪47‬‬
‫ج‪ /‬القسم ّ‬
‫بالزمان في القرآن‬
‫بالصبر" العصر‬
‫ّ‬ ‫سر إالّ الذين آمنوا وعملوا ّ‬
‫الصالحات وتواصوا بالحقّ وتواصوا‬ ‫قال تعالى‪ ":‬والعصر إنّ اإلنسان لفي ُخ ٍ‬
‫‪1‬ــ‪3‬‬
‫أقسم هللا بالعصر قصد ال ّتنبيه إلى أهم ّية الوقت ووجوب استغالله في الخير ا ّتقاء الخسران‪.‬‬
‫شفع والوتر"‪ ...‬قال تعالى‪":‬‬‫عشر وال ّ‬
‫ٍ‬ ‫قال تعالى‪ ":‬والضحى وال ّليل إذا سجى" ‪ /‬قال تعالى‪ ":‬والفجر وليال‬
‫والشمس وضحاها‪"...‬‬
‫القسم يحيلنا إلى تب ّين أهم ّية الزمن وقيمته‪.‬‬
‫الزمان من جملة أصول ال ّنعم فلذلك أقسم به هللا‪.‬‬ ‫ّ‬
‫بالزمن ليلفت نظر اإلنسان إلى أهم ّيته وأسراره وا ّتصال حلقاته من ماض وحاضر‬ ‫أقسم القرآن ّ‬
‫وليوجهه الغتنامه للقيام بمه ّمته الوجود ّية (االستخالف) قبل فوات األوان‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ومستقبل‪،‬‬
‫بالزمن‬‫‪ /3‬أهم ّية وعي اإلنسان ّ‬
‫الزمان يح ُك ُمه؟‬
‫الزمان‪ ،‬فهل يعني ذلك أنّ ّ‬‫بالضرورة لحتم ّية ّ‬‫ّ‬ ‫ــ اإلنسان خاضع‬
‫الطبيعة؟‬‫الزمان إلى غلبة حقيق ّية على ّ‬
‫يتحول خضوع المؤمن لحتم ّية ّ‬ ‫ّ‬ ‫ــ كيف‬
‫ــ من أمضى يومه في غير منفعة للدّ ين أو الدّ نيا‪ ،‬فقد أضاع ذلك اليوم‪ .‬يقول علي بن أبي طالب رضي هللا‬
‫يؤسسه أو علم يقتبسه فقد أضاع ذلك‬ ‫حق يقضيه أو فرض يؤدّ يه أو مجد ّ‬ ‫عنه‪ ":‬من أمضى يومه في غير ّ‬
‫من أجل ذلك كان العمل عبادة وواجبا‪.‬‬ ‫اليوم"‬
‫قال تعالى‪ ":‬وما خلقتُ الجنّ واإلنس إالّ ليعبدون" الذاريات ‪56‬‬
‫ــ الذي يقطع وقته في ال ّتعطل وال ّتبطل وال ّتواكل والفساد أو اإلضرار بال ّناس واقع في الحرام ومسؤول عن‬
‫الوقت الذي قطعه دون فائدة له في دينه وال دنياه‪.‬‬
‫الزمن‪ ،‬تضييعه في غير منفعة للدّ نيا أو اآلخرة‪.‬‬ ‫ــ من مظاهر إهدار ّ‬
‫للزمن قيمته الحقيق ّية‪ ،‬وأوصانا بقضائه في العلم‬ ‫الزمن خروج عن أمر هللا تعالى الذي أعطى ّ‬ ‫ــ في إهدار ّ‬
‫الصالح لنا ولغيرنا‪ ،‬وعدم تضييعه إالّ بقدر الضرورة من أكل أو شرب أو نوم أو استراحة‪...‬‬ ‫ال ّنافع والعمل ّ‬
‫يتعذر معه االشتغال‪.‬‬ ‫وغيره م ّما يحتاج إليه‪ ،‬أو أللم أو مرض ّ‬
‫الصحة والفراغ" رواه ال ّترمذي‬ ‫قال رسول هللا ص ّلى هللا عليه وس ّلم‪ :‬نعمتان مغبون فيهما كثير من ال ّناس‪ّ :‬‬
‫للزمان داللة حضار ّية‪ ،‬فعمر اإلنسان يحدّ د بنوع العمل الذي أدّ اه‪ ،‬فالقيمة بال ّنتائج‬ ‫ــ إنّ الدّ اللة اإلنسان ّية ّ‬
‫ال ّتي تتركها األحداث (األفعال واإلنجازات البشر ّية الخالدة) قال ص ّلى هللا عليه وس ّلم‪ ":‬إذا مات ابن آدم‬
‫انقطع عمله إالّ من ثالث‪ :‬صدقة جارية‪ ،‬أو علم ُينتفع به‪ ،‬أو ولد صالح يدعو له" رواه مسلم‪.‬‬
‫الزمن إلصالح العمل فهو ُمخل ّ باألمانة‬ ‫مستمر بين اآلجال واألعمال‪ ،‬فمن ل ْم يستغل ّ‬ ‫ّ‬ ‫ــ اإلنسان في صراع‬
‫ال ّتي ك ّلف بها (عمارة األرض ومجانبة اإلفساد فيها)‬
‫والسيادة على األرض‪.‬‬‫ّ‬ ‫ضرورة استثمار الوقت في تحقيق العبود ّية هلل‬
‫والزمن‪ ،‬واستثمارها‬ ‫ّ‬ ‫مدعو إلى ال ّنظر وال ّتأمل وال ّتفكر وفهم وكشف أسراره وأسرار الكون‬ ‫ّ‬ ‫ــ اإلنسان‬
‫الطبيعة وال ّتحرر منها‪ :‬قال تعالى‪ ":‬قل سيروا في األرض فانظروا كيف بدأ الخلق"‬ ‫لصالحه قصد السيطرة على ّ‬
‫بالسير في األرض وليس عليها يشير إلى البحث في ّ‬
‫الطبقات الجيولوج ّية لألرض‬ ‫ّ‬ ‫في ال ّتعبير القرآني‬ ‫العنكبوت ‪20‬‬
‫لل ّتعرف على نشأتها‪ ،‬وفي ذلك دعوة صريحة لإلنسان للبحث عن نشأة الكون وبداية الخلق‪.‬‬
‫توصل إليه اإلنسان من نتائج علم ّية تؤ ّكد فاعليته في الكون وتتوافق مع‬
‫ّ‬ ‫من مظاهر تح ّقق ذلك ما‬
‫منهج القرآن في استعماله االستدالل‪ .‬من ذلك إثبات عمر األرض وعمر الحياة عليها كدليل على وجود‬
‫هو هللا‬
‫الخالق فإن كان للكون بداية ونهاية فهو مخلوق حادث‪ ،‬ال بدّ له من خالق‪ ،‬ال بدّ له من ُمحدث ّ‬
‫تعالى‪.‬‬
‫للزمن يجعل منه باعثا لألمل والثقة والوعي في اإلنسان ليصبح مسؤوال عن صنع مصيره‪ ،‬فمثلما يغ ّير‬ ‫ــ المفهوم اإلسالمي ّ‬
‫هللا الليل بال ّنهار يمكن لإلنسان (بالعمل واألخذ باألسباب) أن يغ ّير الكفر باإليمان‪ ،‬الجهل بالعلم‪ ،‬ال ّتأخر بال ّتقدم‪ ،‬المرض‬
‫بالقوة‪ ،‬االستسالم‬
‫ّ‬ ‫بالشفاء‪ ،‬الفشل بال ّنجاح‪ ،‬الخطأ بالصواب‪ ،‬الضالل بالهداية‪ ،‬ال ّتواكل والبطالة بال ّتوكل والعمل‪ ،‬الضعف‬
‫واالنهزام ّية بالكدّ والجد ‪ ...‬واليأس باألمل‪.‬‬
‫السماوات واألرض واختالف الليل وال ّنهار آليات ألولي األلباب" آل عمران ‪ ، 190‬وقال تعالى‪":‬‬ ‫قال تعالى‪ ":‬إنّ في خلق ّ‬
‫ُي ّقلب هللا ال ّليل وال ّنهار إنّ في ذلك لعبرة ألولي األبصار" ال ّنور ‪44‬‬
‫مستمرة ال تتو ّقف يصنعها اإلنسان انطالقا من رغبته الفطر ّية في ال ّتغيير‪ .‬لقوله‬
‫ّ‬ ‫يؤ ّكد القرآن الكريم أنّ الحياة في حركة‬
‫تعالى‪ ":‬إنّ هللا ال ُيغ ّير ما بقوم ح ّتى ُيغ ّيروا ما بأنفسهم" ّ‬
‫الرعد ‪11‬‬

‫الزمن يربط المخلوق بالخالق‪ ،‬يربط ال ّنسبي بال ُمطلق‪ ،‬يربط ال ّ‬


‫شهادة بالغيب م ّما ُيعطي لحياة اإلنسان معنى‬ ‫ّ‬
‫وغاية‪.‬‬
‫الزمن يحدّ د طبيعة الحركة اإلنسان ّية‪ ،‬والوعي به يجعل لهذه الحركة قيمة حضار ّية‪.‬‬ ‫ّ‬

You might also like