Professional Documents
Culture Documents
حقوق الإنسان بين الفكر الاسلامي والفكر الغربي
حقوق الإنسان بين الفكر الاسلامي والفكر الغربي
حقوق الإنسان بين الفكر الاسلامي والفكر الغربي
حقوق اإلنسان
بني الفكر اإلسالمي والفكر الغربي
عهد اإلمام ( )ملالك األشرت ( )أمنوذجًا
تأليف
د .إمساعيل طه اجلابري
د .حيدر قاسم َم َطر التميمي
مجيع احلقوق حمفوظة
العتبة احلسينية املقدسة
الطبعة األوىل
1438هـ 2017 -م
تنويه:
إن األفكار واآلراء املذكورة يف هذا الكتاب تعرب عن وجهة نظر كاتبها،
وال تعرب بالرضورة عن وجهة نظر العتبة احلسينية املقدسة
ً
أمنوذجا عهد اإلمام علي ( )ملالك األشرت ()
5
مقدمة املؤسسة
احلمــد هلل عــى مــا أنعــم ولــه الشــكر بــا أهلــم والثنــاء
بــا قــدم مــن عمــوم نعــ ٍم ابتدأهــا وســبوغ آالء أســداها
والصــاة والســام عــى خــر اخللــق أمجعــن حممــد وآلــه
الطاهريــن.
أما بعد:
فــإن مــن أبــرز احلقائــق التــي ارتبطــت بالعــرة النبويــة
هــي حقيقــة املالزمــة بــن النــص القــرآين والنــص النبــوي
ونص��وص األئمةــ املعصومـين (عليه��م الس�لام أمجع�ين).
حقوق اإلنسان بني الفكر اإلسالمي والفكر الغربي
مقدمة
9
أصبحــت فكــرة حقــوق اإلنســان ،والدعــوة إليهــا ،من
األمــور اجلوهريــة يف املجتمعــات املعــارصة .وارتبــط قيــام
مبــادئ حقــوق اإلنســان والدفــاع عنهــا يف العــر احلديث،
ســواء يف املجتمعــات التــي تنتســب إىل اإلســام أو غريهــا،
بالغــرب ،الــذي أصبــح مرجعـ ًا للحقــوق اإلنســانية ،حيــث
أســهم اإلســتعامر الغــريب عــى املســتوى العاملــي يف تأطــر
املكونــة للحقــوق األساســية
النظريــة الغربيــة للمفاهيــم ِّ
ِ
قيمــه ٍ
كثــر مــن الــدول إىل فــرض لإلنســان ،وســعى يف
ِ
ومنظــوره عــى احليــاة ،عــن طريــق القهــر اإلســتعامري،
والســيطرة اإلســتبدادية املاديــة يف كافــة جمــاالت احليــاة.
حقوق اإلنسان بني الفكر اإلسالمي والفكر الغربي
اإلنســان)(((.
وهلــذا ،فإ َّنــه مــن األمهيـ ِـة بمــكان بيــان اإلطــار ا ُملن ِّظــم
للحقــوق الرشعيــة يف النظــام الســيايس اإلســامي ،وإبــراز
القواعــد الفكريــة التــي تُبنــى عليهــا فكــرة احلقوق اإلنســانية
يف الفكــر الغــريب ،وبيــان تناقضهــا مــع التصــور اإلســامي
للحقــوق الرشعيــة لإلنســان ،ومصادرهــا ،ومقاصدهــا،
وتفصيالهتــا ،و ُيــرز اختالفهــا عــن احلقــوق الغربيــة 12
الوضعيــة .كــا يؤكِّــد البحــث َّ
أن قيــام احلقــوق الرشعيــة
ِ
بالعــودة إىل اإلنســانية ،ال يتــم يف املجتمــع اإلســامي إالَّ
جــذور الفكــر اإلســامي ،واســتنباط الترشيعــات املعاجلــة
للحقــوق السياســية واإلجتامعيــة واإلقتصاديــة مــن ِ
الق َيــم
اإلســامية الراســخة الثابتــة.
ِ
هــذه اجلــذور الفكريــة هــو أهــم وأبــرز َّ
ولعــل مــن
ِّ
((( مفتــي ،حممــد أمحــد وســامي صالــح الوكيــل ،حقــوق اإلنســان يف
الفكــر الســيايس الغــريب والــرع اإلســامي ..دراســة مقارنــة( ،القاهــرة،
دار النهضــة اإلســامية1413 ،هـــ1992/م) ،ص.2
ً
أمنوذجا عهد اإلمام علي ( )ملالك األشرت ()
https://en.wikipedia.org/wiki/René_Cassin اإللكــروين:
حقوق اإلنسان بني الفكر اإلسالمي والفكر الغربي
ِ
الدولــة فكــر ًة فلســفية ال حتظــى بتطبيــق عمــي يف ِّ
ظــل
املدينــة اإلغريقيــة ،أو اإلمرباطوريــة الرومانيــة ،فلــم يكــن
ـأي حقــوق،
قــد اعــرف بعــد للفــرد يف احلضــارة الغربيــة بـ ّ
قبــل قيــام الدولــة احلديثــة.
مواثيق احلقوق:
حيظــى ميثــاق احلقــوق الفرنــي مــن معظــم فقهــاء
ِ
باإلشــادة ِ
غــره مــن مواثيــق احلقــوق القانــون مــن دون
أن تاريــخ التوقيــع عليــه هــو حمــل جــدل ،وقــد خلــص معظــم يوليــو ،إالَّ َّ
أن الوثيقــة قــد وقــع عليهــا تقريب ـ ًا بعــد شـ ٍ
ـهر مــن تبنِّيهــا ،يف املؤرخــن إىل َّ
/2أغســطس ،1776/وليــس يف /4يوليــو كــا ا ُملعتقــد الســائد .ملزيـ ٍـد مــن
التفاصيــلُ ،ينظــر املوقــع اإللكــروينhttps://en.wikipedia.org/ :
wiki/United_States_Declaration_of_Independence
((( العمــري ،أمحــد ســويلم ،جمــال الــرأي العــام واإلعــام( ،القاهــرة،
اهليــأة املرصيــة العامــة للكتــاب1957 ،م) ،ص.84
حقوق اإلنسان بني الفكر اإلسالمي والفكر الغربي
أكثــر أمنـ ًا يف أدواتـ ِـه ،ويف محايتـ ِـه فاحلقــوق واحلريــات مدونــة
يف الدســتور الفيــدرايل ،ويف دســاتري الواليــات املتحــدة،
ِ
هــذه الدســاتري جــو (القانــون األعــى) .وهــي ويشــيع يف
حمميــة ال مــن اعتــداء الســلطة التنفيذيــة فحســب ،بــل مــن
اعتــداء الســلطة الترشيعيــة أيضـ ًا ،وهنــاك املحاكــم ا ُملســتقلة
التــي تــؤدي وظيفتهــا لتجعــل ا ُملراقبــة والتنفيــذ حقيقيــن(((.
أن احلــدود والقيــود عــى هـ ِ
ـذه احلقــوق أصبحــت إالَّ َّ 30
واضحــ ًة حتَّــى يف ٍ
بلــد كالواليــات املتحــدة حتــت ضغــط
التوتــرات واألزمــات واخلُطــط البارعــة التــي تعمــل هبــا
Social Movements (((
احلــركات اإلجتامعيــة احلديثــة
ثــم
والــذي يقــوم باألســاس عــى الســعي لبنــاء إمجــاع رشــيد .ومــن ّ
َّ
فــإن هــدف احلركــة اإلجتامعيــة احلديثــة عنــد آالن توريــن هــو حتريــر
الــذات التــي ُتثــل إليــه مفهــوم الفاعــل االجتامعــي ،أي املفهــوم
الــذي جيعــل للعالقــة االجتامعيــة بعــد ًا أصيــ ً
ا يف الفــرد .كــا يؤكِّــد
أن احلركــة اإلجتامعيــة تكــون عــن وعــي األفــراد بذواهتــم توريــن َّ
ـى عــن تشــكل نِقابــة سياســية مــن أجــل الدفــاع عــن مطالبهــم.
يف غنـ ً
يقــول توريــن) :احلركــة االجتامعيــة اجلديــدة :ال تتشــكَّل بالعمــل
الســيايس ِ
والصــدام ،ولكــن بتأثريهــا يف الــرأي العــام (.وال يبــدو َّ
أن
هنــاك تعريف ـ ًا جامع ـ ًا مانع ـ ًا ملفهــوم احلركــة االجتامعيــة ،إذ يتســع حين ـ ًا
حقوق اإلنسان بني الفكر اإلسالمي والفكر الغربي
ِ 32
طياتــه خمتلــف املســارات أو الســرورات االجتامعيــة مهــا ليشــمل يف
ٍ
ســلوك تنوعــت أو تعــددت ،ويضيــق حينــ ًا آخــر؛ إذ ُيشــر فقــط إىل
مجعــي لــه فــرادة متيــزه ،ولــه بنــاء وتنظيــم وقيــادة ،وهيــدف إىل تغيــر
األوضــاع القائمــة ،أو تغيــر بعــض جوانبهــا األساســية عــى األقــل.
وثمــة تصنيفــات عديــدة للحــركات االجتامعيــة ،فالبعــض ُيصنفهــا إىل
َّ
ٍ ٍ
حــركات ريفيــة وأخــرى حرضيــة ،أو حــركات قوميــة وأخــرى عامليــة،
وغــر ذلــك مــن التصنيفــات التــي تســتند إىل ُأسـ ٍ
ـس فئويــة أو عرقيــة.
ويــرى كل مــن ريمــون بــودون Raymond Boudonوفرانســوا
بوريكــو َّ François Bourricaud
أن احلــركات االجتامعيــة تتشــكَّل
ِ
هــذه يف الفــرات التــي تُعــاين فيهــا املجتمعــات مــن أزمــة ،وتُســهم
احلــركات يف عمليــة التغيــر وجتــاوز األزمــة .زهــران ،فريــد ،احلــركات
االجتامعيــة اجلديــدة ،ط( ،1القاهــرة ،مركــز القاهــرة لدراســات حقــوق
اإلنســان2007 ،م) ،ص.32-27
ً
أمنوذجا عهد اإلمام علي ( )ملالك األشرت ()
ِ
طبيعــة النصــوص الترشيعيــة(((. فلســفي ال يتــاءم مــع
ٍّ
الثانيــة إىل إمجــاع عــام عــى أن تعمــل األمــم املتحــدة مــا بوســعها ملنــع مثــل
هكــذا مــآيس يف املســتقبل .هــذا اهلــدف ا ُملب ِّكــر أصبــح يمثــل إطــار ًا قانونيـ ًا
ـاكات حقــوق اإلنســان .ملزيـ ٍـد من
الحتــواء وحـ ِّـل الشــكاوى ا ُملتع ِّلقــة بانتهـ ِ
charter/introductory-note/index.html
ً
أمنوذجا عهد اإلمام علي ( )ملالك األشرت ()
أن مفهــوم حقــوق اإلنســان يف وأخــر ًا ،يمكــن القــول َّ
ر مســارين كبرييــن :أوهلــا التجــارب ِ
الغــرب قــد تبلــور ع ـ َ
السياســية الغربيــة ا ُملتمثلــة يف الـ ِ
ـراع ضــدَّ احلكــم ا ُملطلــق
ِ
صالحياتــه الواســعة .واألمثلــة مــن أجــل احلــدِّ مــن
الكــرى الواضحــة هلــذا املســار هــو الــراع الســيايس يف
إنكلــرا مــن أجــل حتديــد صالحيــات الكنيســة صاحبــة
احلكــم الســيايس ا ُملطلــق وانتــزاع بعــض احلقــوق لألفــراد
ِ
وثيقــة املاغنــا كارتــا واجلامعــات كــا ِصيــغ ذلــك يف
،Magna-cartaوكــذا عمليــة حتريــر الواليــات املتحــدة
ـم الثــورة الفرنســية،
األمريكيــة والوثيقــة الصــادرة عنهــا ،ثـ َّ
والثــورة الروســية ...إلــخ.
ِ
هلــذه األفــكار فهــو اجتهــادات أ َّمــا املســار الثــاين
ا ُملفكِّريــن وتنظــرات الفالســفة ابتــدا ًء مــن احلقبــة
ـم احلقبــة احلديثــة يف 42
اإلغريقيــة ،والرومانيــة ،واإلســامية ثـ َّ
الغــرب ،والتــي تعــد فلســفة التنويــر ُمع ِّلمتهــا الرئيســية.
وهـ ِ
ـذه االجتهــادات الفكريــة ،التــي كانــت بمثابــة خمترب
آخــر تبلــورت فيــه حقــوق اإلنســان ،مل تكــن إســهامات
معزولــة عــن ســياق التاريــخ الفعــي .بــل كانــت تفكــر ًا يف
ـذه الرصاعــات والتحــوالت مــن جهــة وإنــار ًة وتوجيه ـ ًاهـ ِ
هلــا مــن جهـ ٍـة ثانيــة .لذلــك ســيكون مــن بــاب التبســيط أن
ـأن حقــوق اإلنســان هــي بنــت التجربــة التارخييــة، نقــول بـ َّ
ـذه هــي التــي و َّلــدت هـ ِ
ـذه األفــكار ،أو عــى العكــس وأن هـ ِ
َّ
أن مفهــوم احلريــة واحلــق هــو الــذي أنتــج هـ ِ
ـذه مــن ذلــكَّ ،
ً
أمنوذجا عهد اإلمام علي ( )ملالك األشرت ()
هـ ِ
ـذه العنــارص الثالثــة (احلريــة ،التعاقــد ،احلــق الطبيعــي)،
حيــث يقــول( :احلــق الــذايت الطبيعــي) الــذي تعــود ال ُكتَّاب
عــى تسـ ِ
ـميته باحلـ ِّـق الطبيعــي (هــو احلريــة التــي يملكهــا كل
إنســان يف أن يســتعمل كــا يشــاء قدراتــه اخلاصــة)(((.
ِ
هــذه الروافــد الثالثــة الكــرى ،التــي تصــب تُشــكِّل
ِ
دائــرة حقــوق اإلنســان ،عائلــ ًة فكريــ ًة واحــدة. ك َّلهــا يف
45 فهــي مجيع ـ ًا تعكــس التحــوالت الكــرى التــي حدثــت يف
التاريــخ احلــي ويف الفكــر ،والتــي أســهمت يف إحــداث
تعديـ ٍ
ـات كــرى عــى أســاس الثقافــة الغربيــة الكالســيكية
ِ
أرضــه ،عندمــا اإلنســان يف احليــاة إذ جعلــه اهلل خليفــ َة يف
بلــغ املالئكــة خلقــ ُه (جــل وعــا) آلدم (عليــه الســام)
ــل ِف األَ ِ َــة إِن ج ِ
ِ ِ ــال رب َ ِ
رض اع ٌ لمالئك ِّ َ ــك ل َ ﴿وإِ ْذ َق َ َ ُّ
قائــاًَ :
َخلِي َفـ ًة﴾((( ،وأ َّكــد القــرآن الكريــم ذلــك يف ســ ِ
ـورة األنعام،
رض﴾(((، ـف األَ ِ ﴿و ُهـ َـو ا َّلـ ِـذي َج َع َل ُكــم َخالَئِـ َ
إذ ورد فـــيهاَ :
ويف موضــ ٍع آخــر يقــول القــرآن الكريــم﴿ :هــو ا َّل ِ
ــذي ُ َ
51 رض َف َمــن َك َفـ َـر َف َعليـ ِـه ُك ْفـ ُـر ُه﴾(((.
ـف ِف األَ ِ َج َع َل ُكــم َخالَئِـ َ
ـف ويف ضـ ِ
ـوء ذلــك فخالفــة اإلنســان يف األرض ترشيـ ٌ
ومتكــن هلــذا اإلنســان ،ومــن أســباب التكريــم والتفضيــل
الر ُسـ َ
ـول َف َقــد ِ
﴿مــن ُيط ـ ِع َّ
رشعيــة ،قــال اهلل (جــل وعــا)َّ :
ـاع اهللَ﴾ ُ .
والسـنَّة النبويــة تابعــة للقــرآن الكريــم وبيــان (((
َأ َطـ َ
لــه ،إ َّمــا تفريــع عــى قواعــد القــرآن أو رشح ل ُك ِّليتــه ،وبسـ ٌ
ـط
ُملجملـ ِـه ،أو وضــع قاعــدة عامــة ُمســتمدة مــن أحــكا ٍم جزئية
أو مــن قواعــد ُك ِّليــة فيــهُ ،
فالس ـنَّة هــي التجســيد والتنزيــل
ِ
حيــاة النــاس ،وتقويمهــا والســنَّة عــى ِ
للق َيــم يف الكتــاب ُ
الســنَّة ِ ِّ
والتجــي املعصــوم للق َيــم يف الواقــع؛ هــي ُ هبــا، 56
العمليــة مــن ُســنن النبــوة ،وهــي وإن كانــت تُش ـكِّل حقبــة
ـأس ـم عــن طريقهــا بنــاء أنمــوذج االقتــداء والتـ ِّ تارخييــة تـ َّ
كل املجــاالت واحلــاالت التــي مـ َّـرت هبــا مســرة النبــوة يف ِّ
ابتــدا ًء مــن قولـ ِـه (جــل وعــا)﴿ :أ ْقـ َـر ْأ﴾ وانتهــا ًء بقولـ ِـه ّ
(عز
ـت َل ُكـ ْـم ِدينَ ُكـ ْـم ﴾((( ،بـ ِّ
ـكل مــا فيهــا؛ وجــل)﴿ :ا ْل َيـ ْـو َم َأك َْم ْلـ ُ
كل مــا تُعــاين األمــة ،ومــا لتكــون الســرة أنمــوذج اقتـ ٍ
ـداء يف ِّ
يعــرض هلــا عــى مســتوى الفــرد واجلامعــة والدولــة ِ
والســلم
الس ـ ْبق
ـب َـإن لدســتور املدينــة املنــورة َق َصـ ُ
ـم فـ َّ
ومــن ثـ ّ
ـكل دســاتري العــامل ،فهــو يعــد أول جتربــة سياســية بالنسـ ِ
ـبة لـ ِّ
ِ
بقيــادة الرســول (صــى اهلل إســامية يف صــدر اإلســام
عليــه وآلــه) ،فقــد كان لــه دور بــارز يف إخــراج املجتمــع
مــن دوامــة الــراع ال َق َبــي إىل رحــاب األخــوة واملح َّبــة
كثــر مــن املبــادئ اإلنســانية ٍ والتســامح ،إذ ركَّــز عــى
الســامية كنُــرة املظلــوم ،ومحايـ ِـة اجلــار ،ورعايـ ِـة احلقــوق
اخلاصــة والعامــة ،وحتريــم اجلريمــة ،والتعــاون يف دفــع
حقوق اإلنسان بني الفكر اإلسالمي والفكر الغربي
الد َّيــات ،وافتــداء األرسى ،ومســاعدة ا َمل ِديــن ،إىل غري ذلك
مــن املبــادئ التــي تُشــعر أبنــاء الوطــن الواحــد بمختلــف
-أنــم أرسة -واحــدة
أجناســهم وأعراقهــم ومعتقداهتــم َّ
ُمك َّلفــة بالدفــاع عــن الوطــن أمــام ِّ
أي اعتــداء يفاجأهــم
مــن اخلــارج .فا ُملســاواة قامــت بينهــم عــى أســاس القيمــة
اإلنســانية املشــركة؛ هــو أن النــاس مجيعــ ًا متســاوون يف
أصــل الكرامــة اإلنســانية ،ويف أصــل التكليف واملســؤولية، 58
وأ َّنــه ليــس هنــاك مجاعــة تفضــل غريهــا بحســب عنرصهــا
اإلنســاين وخلقهــا األول(((.
إن مــا ُيم ِّيــز حقــوق اإلنســان يف اإلســام هــو َّأنــا َّ
ألن اإلســام طاملــا ينطلــق بوجـ ٍـه ليســت حقوق ـ ًا ُمطلقــة؛ َّ
عــام مــن واجبـ ِ
ـات األفــراد ،فإ َّنــه يضــع منــذ البدايــة حــدود ًا
حلقــوق اإلنســان((( ،إنَّــا حــدود احلــال واحلــرام ،وحــدود
الفقــه الــذي ُيراعــي تبــدل األزمــان واألماكــن واملصالــح
فــا حريــة ُمطلقــة لإلنســان؛ بــل حريــة مقيــدة بمصالــح
ِ
ـخصية اإلنســان املميــزة عــن ســائر املخلوقــات
النــاس ،وبشـ 60
مــن حيــث العقــل والضمــر والشــعور ،وال ملكيــة مفتوحة
للفــرد يف مواجهـ ِـة اآلخريــن مــن بنــي جمتمعـ ِـه ،بــل ضوابــط
حيددهــا التكافــل االجتامعــي بــن النــاس ،وال اســتئثار
باملــوارد والثــروات عــى حســاب الشــعوب ،وإالَّ نقــع يف
ٍ
واســتغالل بشــع حلقــوق اإلنســان يف ٍ
إمربياليــة متامديــة
مناطــق حمــددة مــن العــامل(((.
كــا َّ
أن حــرص اإلســام عــى تأكيــد املســاواة وهــدم
أهــم العوامــل التــي جعلــت
ِّ احلواجــز كا ّفــةكان مــن
العبيــد واملقهوريــن واملظلومــن هيرعــون إليــه .وقــد كان
هــذا التأكيــد مــع ســلوك املســلمني دافع ـ ًا للمف ِّكــر اهلنــدي
(دهــاال)-1875( Maneckji Nusserwanji Dhalla
)1956إىل القــولَّ :
(إن ديــن ُم َّمــد [(صــى اهلل عليــه
61 وآلــه)] وحــده بــن أديــان العــامل هــو الــذي ظـ َّـل متحــرر ًا
مــن احلاجــز اللــوين ...إنَّــه يفتــح ذراعيــه عــى وســعها
بمعتنقيــه أيـ ًا كانــوا زنوجـ ًا أو منبوذيــن ،وهــو يمنــح
ترحيبـ ًا ُ
اجلميــع حقوقهــم وميزاهتــم دون حتفــظ ،وحيتضنهــم يف
نطــاق املجتمــع مثلام حيتضنهــم يف نطاق العقيدة ،واإلســام
يســتبعد َّ
كل حواجــز املولــد واللــون ،ويقبــل شـتَّى معتنقيــه
ضمــن مجاعــة املســلمني عــى أســاس املســاواة االجتامعيــة
التامة)(((.
كذلــك َّ
فــإن غريــزة حــب الــذات التــي أودعهــا اهلل
كل إنســان ،هــي التــي تدفعــه(جــل وعــا) يف أعــاق نفــس ِّ
إىل الدفــاع عــن حقوقـ ِـه ومحايــة مصاحلـ ِـه ،واألوامــر الدينيــة
يف هــذا املجــال هــي مــن نــوع األوامــر اإلرشــادية التــي
الصعــابتســاعد اإلنســان عــى خت ِّطــي العقبــات وحتمــل ِ
ّ
التــي تعــرض الدفــاع عــن احلقــوق .فالقــرآن الكريــم
ُيشــجع مــن انت ُِهــك يش ٌء مــن حقوقـ ِـه أن جيهــر باالعــراض 62
وإعــان ظالمتـ ِـه ،ويف ذلــك يقــول اهلل (جــل وعــا)﴿ :الَ
ـول إالَّ مـ ِ ِ ِ ِ
ـم﴾((( .ومــن ـن َال َقـ ِ َ ْ
ـن ُظلـ َ ـب اهللُ َا َْل ْهـ َـر بِ ُ
الســوء مـ َ ُيـ ُّ
ِ
مصاحلــه ِ
حلقوقــه والدفــاع عــن ســعى وحتــرك لالنتصــار
املرشوعــة ،فإ َّنــه قــد مــارس ح َّقــه الطبيعــي وال لــوم عليــه
وال مؤاخــذة ،وذلــك أل َّنــه أنطلــق ممــا هــو مســتقر يف قناعتـ ِـه
﴿و َلـ ِ
ـن ِ
وعقيدتــه ووجدانــه ،ويف ذلــك يقــول (عـ ّـز وجــل)َ :
ِ ٍ (((
يل﴾ .ثـ َّ
ـم يهــم ِّمــن َس ـب لمـ ِـه َف ُأو َلئـ َ
ـك َمــا َع َل ِ ان َتــر بعــدَ ُظ ِ
َ َ َْ
ِ
لبعــده ال َع َقــدي ال إن الدفــاع عــن حقــوق اإلنســان وفقــ ًا
َّ
يقــف عنــد حــدود املصالــح ا ُملرتبطــة بــذات الشــخص ،بــل
أي حـ ٍّـق إنســاين ُينتهــك ،ح َّتــى
يعنــي حتمــل املســؤولية جتــاه ِّ
َّ
أن اهلل (جــل وعــا) ُيــرض املؤمنــن عــى القتــال نُــر ًة
﴿و َمــا (عــز وجــل)َ : ّ للمســتضعفني ،ويف ذلــك يقــول ُ
ــن الر َج ِ ِ ِ ــون ِف َســبِ ِ ِ
ــال ني م َ ِّ يل اهللِ َوا ُمل ْســت َْض َعف َ َلكُــم الَ ُت َقات ُل َ
63 ـن َهـ ِـذ ِه ِ
خر ْجنَــا مـ ْـون َر َّبنَــا َأ ِ
ـن َي ُقو ُلـ َ الولــدَ ِ ِ
ان ا َّلذيـ َ ـاء َو ِ ِوالنِّسـ ِ
َ
ـك َولِ َّي ـ ًا ِواج َعــلاج َعــل َّلنَــا ِمــن َّلدُ نـ َ ال َقريـ ِـة ال َّظـ ِ
ـالِ َأه ُل َهــا َو ْ َ
ـك ن َِصــر ًا﴾(((. َّلنَــا ِمــن َّلدُ نـ َ
ثــمَّ ،
فــإن حقــوق اإلنســان ال يمكــن أن يتقــرر ومــن ّ
هلــا ال ُبعــد ال َع َقــدي مــا مل تكــن مســتقرة يف وجــدان النــاس
ويف ضامئرهــم ،وذلــك بــا ُيشــكِّل عقيــدة يف فؤادهــم 64
وتوجــه فكرهــم وتنظريهــم وتفعيلهــمَّ ،
وإن ذلــك حيتــاج
إىل جانبــن :أحدمهــا إجيــايب يتمثــل يف تعزيــز ثقافــة حقــوق
اإلنســان والدفــاع عنهــا باســتامتة ،وجانــب ســلبي يتمثــل يف
ردع كل مــن ال يلتــزم باحــرام وحفــظ مكانتهــا وقدســيتها.
ٍ
مــكان وزمــان وهــي شعــت للنــاس كا َّفــة ،ويف ِّ
كل ُ ِّ
الرشيعــة اخلامتــة..
ٍ
مقــاالت عــن حقــوق اإلنســان يف اإلســام، وأدونيــس،
لكــن َّ
كل ذلــك (باســتثناء كتابــات عبــد اهلل النعيــم) إ َّمــا
ظـ َّـل متفرق ـ ًا غــر متبلــور ،وغــر نافــذ إىل أســاس األزمــة
ا يف َف ِ
لــك يف الترشيــع اإلســامي نفســه ،وإ َّمــا دار أصــ ً
ِ
هــذه ِ
الثقافــة الغربيــة .إىل جانــب ِ
دراســة املفاهيــم يف
املقــاالت والدراســات كتــب عــدد مــن ا ُملفكِّريــن ،الذيــن
مل يتمتــع أغلبهــم بمناهــج البحــث الفلســفي ،أو مل يكونــوا 70
أكاديميــنُ ،مصنَّفــات كثــرة حتــاول بحــث قضيــة حقــوق
اإلنســان يف اإلســام ،وانتهــوا إىل َّ
أن اإلســام قــد ســبق
املواثيــق الدوليــة يف إقــرار حقــوق اإلنســان ،دون بحــث
املفاهيــم نفســها ،وال نظريــة احلــق ،وكموقـ ٍ
ـف دفاعــي ضــدَّ
اهلجــوم العلــاين والغــريب عــى املعســكر األصــويل ،مثــل:
ُم َّمــد أبــو زهــرة ( ،)1974-1898وحممــد ِعــارة ،وزكريا
الــري ،وعــي عبــد الواحــد وايف ( ،)1991-1901وفــرج
حممــود حســن أبو ليــى ،وحممــد الغــزايل (،)1996-1917
وأمحــد الرشــيدي ،وغريهــم.
ً
أمنوذجا عهد اإلمام علي ( )ملالك األشرت ()
71
املبحث الثالث
ـات بينـ ٍ
ـات ن َّظمــت شــؤون األفــراد القــرآن الكريــم مــن آيـ ٍ
ِ
وهــذه باإلحســان إليهــم والتعايــش الســلمي معهــم(((.
أهــم مرتكــزات احلريــة الفكريــة
ِّ بــا شــك واحــدة مــن
التــي أوجدهــا اإلســام وســار عليهــا املجتمــع اإلســامي
ِ
عــره األول عــر النبــوة(((. والســ َّيام يف
رابعــ ًا :قولــه (جــل وعــا)َ ﴿ :ق َال فِرعو ُن آمنتُــم بِ ِ
ــه ْ َْ َ
ـم إِ َّن َٰهـ َـذا َل ْكـ ٌـر َّمك َْر ُتُــو ُه ِف ا َْل ِدينَـ ِـة لِتُخْ ِر ُجــوا
َق ْبـ َـل َأ ْن آ َذ َن َل ُكـ ْ
ـون﴾((( .وقــد وردت هـ ِ
ـذه اآليــة ف َت ْع َل ُمـ َ ِمن َْهــا َأ ْه َل َهــا َف َسـ ْـو َ 80
بصيغــة النقــد لفعــل فرعــون ،دا ّلــة عــى أنَّــه قــد صــادر ِ
حياهتــم وإرادهتــم التــي كان يــرى َّأنــا لــه وحــده ،يف حــن
َّ
أن القــرآن الكريــم يريــد لإلنســان أن يكــون صاحــب رأي
ٍ
حــر غــر مســلوب اإلرادة يف التفكــر والتدبــر والعمــل،
فاخلالــق يــرى َّ
أن مــن حـ ِّـق الفــرد تبنِّــي اآلراء التــي يؤمــن
أن ليــس مــن حـ ِّـق أتباعـ ِـه
هبــا ،يف حــن كان فرعــون يــرى َّ
تبنِّــي اآلراء لوحدهــم ،بــل ال بــدَّ هلــم مــن أن يســتمعوا إىل
ِ
ذاتــه مصــادرة ِ
بوصفــه احلاكــم ،وهــذا بحــدِّ الــرأي منــه
للــرأي الــذي مل يرتضـ ِـه الديــن اإلســامي.
81 جســد اإلمــام عــي بــن أيب طالــب (عليــه الســام)
وقــد َّ
موضــوع حريــة الــرأي واحــرام آراء الرعيــة ،رغــم كونـ ِـه
حاك ـ ًا وذا ســلطة ،بقولـ ِـهِّ :
(إن ألعلــم بــا يصلــح أمركــم،
ولكــن هيهــات أن أفعــل ذلك بفســاد نفيس)((( .وهــذا يعني
أن اإلمــام (عليــه الســام) لــو اســتعمل هــذا األســلوب مــع َّ
رعيتـ ِـه ،فقــد يكــون فيــه إصــاح أمــر حكومتـ ِـه ،ولكــن بــا
شــك ســيكون عــى حســاب قيمـ ِـه ومبادئـ ِـه ودينـ ِـه(((.
((( ابــن أيب احلديــد ،عــز الديــن عبــد احلميــد بــن هبــة اهلل
(ت656هـــ1258/م) ،رشح هنــج البالغــة( ،القاهــرة ،دار إحيــاء الكتــب
العربيــة ،د.ت ،).ج ،2ص.102
((( املالكي ،حقوق اإلنسان ،ص.251
حقوق اإلنسان بني الفكر اإلسالمي والفكر الغربي
((( عــن وثيقــة املدينــة والدراســات التــي ُقدمــت حوهلــاُ ،ينظــر :مركــز
دراســات الكوفــة ،وثيقــة املدينــة( ،األعــال الكاملــة ألبحــاث املؤمتــر
العلمــي الســنوي األول ملركــز دراســات الكوفــة ،شــباط2012/م)،
مؤسســة النــراس للطباعــة والنــر والتوزيــع2012 ،م3 ،ج.
النجــفَّ ،
((( احلاكــم النيســابوري ،أبــو عبــد اهلل م ُ َّمــد بــن عبــد اهلل
(ت405هـــ1014/م) ،ا ُملســتدرك عــى الصحيحــن( ،بــروت ،دار
ً
أمنوذجا عهد اإلمام علي ( )ملالك األشرت ()
إنســان ًا ،بعيــد ًا عــن لونـ ِـه وجنسـ ِـه وقوميتـ ِـه وطائفتـ ِـه ،إذ مل
يضــع النبــي الكريــم (صــى اهلل عليــه وآلــه) إالَّ ضابطــة
واحــدة للتفريــق بينهــم ،وهــو التقــوى ،أي اإللتــزام
ِ
واجباتــه ِ
مبادئــه وأداء باإلســام الصحيــح ،وتطبيــق
واجتنــاب نواهيــه.
أن النبــي (صــى اهلل عليــه وآلــه) قــد كــا ال خيفــى َّ 84
ـم الواجبــات، ٍ
ســاوى بــن الرجــل واملــرأة يف واحــدة مــن أهـ ِّ
وهــي احلصــول عــى العلــم وطلبـ ِـه ،بقولـ ِـه( :طلــب ِ
العلــم ُ
ـف (صــى كل مســل ٍم ومســلمة)((( .فلــم يكتـ ِ فريض ـ ٌة عــى ِّ
اهلل عليــه وآلــه) بتوجيــه طلــب العلــم بــل رفــع مــن أمهيتـ ِـه
حلســن
كــا تُعــد رســالة احلقــوق لإلمــام عــي بــن ا ُ
زيــن العابديــن (عليهــم الســام) وثيقــة مهمــة ُعنيــت
((( للمزيــد عــن عهــد اإلمــام ملالــك األشــرُ ،ينظــر :ســوادي ،فليــح،
عهــد اخلليفــة اإلمــام عــي بــن أيب طالــب (عليــه الســام) لواليـ ِـه عــى مــر
مالــك األشــر( ،النجــف األرشف ،العتبــة العلويــة2010 ،م).
حقوق اإلنسان بني الفكر اإلسالمي والفكر الغربي
ٍ
بشــكل عــام وليــس املســلم فحســب، بحقــوق اإلنســان
تضمنــت مخســون حق ـ ًا ،شــملت حيــاة اإلنســان وكل فقــد َّ
ِ ِ ِ
مــا يتع َّلــق بحريتــه وعقيدتــه وفكــره وتعليمــه ،كــا َّ
تضمنــت
بعــض احلقــوق ُأســس العالقــة داخــل املجتمــع ،إذ ر َّكــزت
عــى حقــوق الوالــد عــى الولــد ،والزوجــة عــى الــزوج،
وا ُملع ِّلــم عــى ا ُملتع ِّلــم ..وغريهــا(((.
ٍ
ملزيــد مــن التفاصيــل حــول رســالة احلقــوق ورشحهــاُ ،ينظــر: (((
القبانجــي ،حســن الســيد عــي ،رشح رســالة احلقــوق ،ط( ،3قــم ،مطبعــة
إســاعيليان1416 ،هـــ1996/م) ،ج.3-2
(2) Sandoz, Ellis, The Roots of Liberty, London: Liberty
Fund Inc.; Liberty Fund Ed edition, p.81.
ً
أمنوذجا عهد اإلمام علي ( )ملالك األشرت ()
ِ
ملقاتلتــه متــرد الــوايل عــى اخلليفــة ،وحتشــيده اجليــوش
واغتصــاب احلكــم منــه ،ذلــك احلكــم الــذي تس ـ َّلمه وفق ـ ًا
ِ
بأكملــه ذلــك هــو قــر يف خــال العهــد الراشــديملبــدأ ُأ َّ
مبــدأ أو قاعــدة الشــورى.
طبقـ ٍـة مــن الــرواة ورجــال الديــن ،مــن الذيــن أغــدق عليهــم
العطايــا لتدويــن الروايــات التــي حتــط مــن مكانــة اخلليفــة
(عــي بــن أيب طالــب عليــه الســام) وتُق ِّلــل مــن شـ ِ
ـأنه ،حتَّى
بلــغ بـ ِـه األمــر إىل أن أمــر بسـ ِّب ِه عــى املنابــر ويف أوقــات ِّ
كل
أذان ،وبــذا اســتغل معاويــة هــؤالء الــرواة يف ســبيل إجيــاد
تربيــر دينــي لســلطان بنــي أميــة ،وكذلــك لكبــح اجلامهــر
عــن القيــام بالثــورة بــراد ٍع داخــي وهــو الديــن نفســه(((. 90
ونتيج ـ ًة لسياســة حتطيــم اإلطــار الدينــي ،التــي اتبعهــا
معاويــة ُيعاونــه فيهــا طائفــة مــن رواة األحاديــث املكذوبــة،
وســلبت إرادة النــاس يف التعبــر عـ َّـا
فقــد ك ُِّممــت األفــواهُ ،
يعتقــدون ،األمــر الــذي جعــل أغلــب النــاس يعتقــدون
وخــارج عــن
ٌ ٌ
عمــل حمظــور أن الثــورة عــى األمويــن
الديــن ،وقــد أدى ذلــك اإلعتقــاد إىل خــروج النــاس مــع
األمويــن يف قتــال كل مــن يعارضهــم أو يثــور ضدهــم،
((( العــذاري ،حممــد عبــد الرضــا ،واقعــة فــخ ســنة 169هـــ ..أســباهبا
ونتائجهــا ،رســالة ماجســتري غــر منشــورة ،ك ِّليــة الرتبيــة ،اجلامعــة
املســتنرصية2009 ،م ،ص.15
ً
أمنوذجا عهد اإلمام علي ( )ملالك األشرت ()
ٍ
لظــروف معينــة ِ
هــذه العلــوم ُيفيــدُ وال ُيــيء .وختضــع
مــن الزمــان واملــكان هلــا األثــر األول يف تكوينهــا عــى هــذا
النحــو أو ذاك(((.
((( هــو :أبــو احلســن م ُ َّمــد بــن احلســن بــن موســى الــريض العلــوي
حقوق اإلنسان بني الفكر اإلسالمي والفكر الغربي
أن لـ ٍّ
ـكل الســام)((( ،ولــو أنَّــم أمعنــوا النظــر جيــد ًا لعرفــوا َّ
أن هنــاك مــن الوثائــق التارخييــة ا ُملعتمــد عليهــا مــا عــى َّ
105 لــو رجــع إليهــا ا ُملتتبــع الزداد إيامن ـ ًا ويقين ـ ًا بصحــة النِســبة
وثبوهتــا بشـ ٍ
ـكل ال يقبــل اجلــدل واالرتيــاب ،وهــذا مــا َنَــد
إىل مجعـ ِـه واإلملــام بـ ِـه أهــل التنقيــب والتدقيــق(((ُ ،مبطلــن
((( ُينظــر :مغنيــة ،حممــد جــواد ،يف ظــال هنــج البالغــة ..حماولــة لفه ـ ٍم
جديــد ،حتقيــق :ســامي الغريــري ،ط( ،1قــم ،دار الكتــاب اإلســامي،
حلســيني ،مصادر هنج
1425هـــ2005/م)6 ،ج؛ اخلطيــب ،عبــد الزهراء ا ُ
البالغــة وأســانيده ،ط( ،3بــروت ،دار األضــواء1405 ،هـــ1985/م)؛
حلســينيُ ،مسـنَد هنــج البالغــة ،ط( ،1قــم ،مكتبــة
اجلــايل ،حممــد حســن ا ُ
العالَّمــة املجلــي1431 ،هـــ)3 ،ج؛ اجلبــوري ،حيــدر كاظــم ،مصــادر
الدراســة عــن هنــج البالغــة( ،النجــف األرشف ،العتبــة العلويــة املقدســة،
2013م).
حقوق اإلنسان بني الفكر اإلسالمي والفكر الغربي
وإن عليـ ِـه لنــور ًا ،فــا ال حقيقــة لـ ُه ،وال نــور عليـ ِـه
حقيقــةَّ ،
((( نعمــة ،عبــد اهلل ،مصــادر هنــج البالغــة( ،بــروت ،مطابــع دار اهلــدى،
1392هـ1972/م) ،ص ص.35-28
ً
أمنوذجا عهد اإلمام علي ( )ملالك األشرت ()
ِ
دحض وقــد اجتهــد علــاء الشــيعة عــى مــدى قــرون يف
وتــم
َّ صحــة كتــاب (هنــج البالغــة)؛ املوجهــة إىل َّ
التهــم َّ
ختصيــص َقــدْ ٍر عظيــم مــن العمــل ا ُملســتنري خــال العقــود
األخــرة مــن أجــل إثبــات ،أوالًَّ ،
أن املــادة ا ُمل ِّ
كونــة للنص ال
يمكــن أن تكــون مــن فعــل الــريض (إذ َّ
أن الغالبيــة العظمــى
107 منهــا موجــودة يف مصــادر ســبقته زمنيــ ًا) وثانيــ ًا ،أننــا
ٍ
سلســلة موثوقــة ر ِ
نســتطيع تتَّبــع معظــم مــادة النــص ،عــ َ
مــن الــرواة ،إىل اإلمــام (عليــه الســام) نفســه حتَّــى ولــو
مل تصــل مجيــع األقــوال إىل أعــى مكانــة يف ســ َّلم صحيــح
احلديــث ،أي كوهنــا متواتــرة (بمعنــى َّأنــا أحاديــث مرويــة
ر سالســل عديــدة تتكــون مــن رواة موثوقــن ،ال يمكــن ِ
عـ َ
الشــك فيهــم بصـ ٍ
ـورة خطــرة).
ودل عليهــا القــرآن ومــا مــن كلمـ ٍـة يف هنــج البالغــة إالَّ َّ
بالتفصيــل ،أو اإلمجــال مــع ِ
العلــم بـ َّ
ـأن كالم اهلل قــد تفـ َّـرد
بخصائــص كثــرة ال ُيشــاركه فيهــا كالم البــر أ َّيــ ًا كان
(عــز
ّ وهــذه احلقيقــة ُيدركهــا ك ُُّل مــن قــرأ قولــه ِ قائلــه،
ـب َأو َأل َقــى ـك َل ِذكـ َـرى َل ِــن ك َ
َان َل ـ ُه َق ْلـ ٌ وجــل)﴿ :إِ َّن ِف َذلِـ َ
ــو َش ِ
ــهيدٌ ﴾(((. ــم َع َو ُه َ
الس ْ
َّ
ِ
زمنــه وقبلــه ،وأن يدققهــا مــن املصــادر التــي كانــت يف
تدقيقـ ًا صادقـ ًا ،بــا ُأويت مــن أمانـ ٍـة وعدالــة ،وأصالـ ٍـة أدبيــة
ولغويــة .وقــد رتَّبــه ترتيبـ ًا مبدئيـ ًا ،فجعــل اخلُطــب أوالً ثـ َّ
ـم
الكُتــب والرســائل ثــم ِ
احلكَــم. َّ
((( هـ ِ
ـذه إشــارة إىل عــار بــن يــارس (رضــوان اهلل عليــه) الــذي ُقتــل عــى
أيــدي قــوات معاويــة يف ص ِّفــن .وشـكَّل مقتــل عــار صفعـ ًة معنويــة كبــرة
116
جليــش معاويــة ،إذا مــا تذكرنــا نبــوءة النبــي َّ
بــأن الفئــة الباغيــة ســتقتل
عــار ًاُ .ينظــر :القشــري ،أبــو احلســن مســلم بــن احلجــاج النيســابوري
(ت261هـــ875/م) ،صحيــح مســلم ،حتقيــق :نظــر حممــد الفاريــايب ،ط،1
(الريــاض ،دار طيبــة1427 ،هـــ2006/م) ،حديــث رقــم ( ،)2916م،2
أن رســول اهلل ص .1333ذكــر مســلم عــن أ ِّم ســلمة (رضــوان اهلل عليهــا) َّ
الف َئـ ُة الب ِ
اغ َي ُة). ـك ِ
(صــى اهلل عليــه وآلــه وســلم) قــال لعــار بــن يــارس( :تَق ُت ُلـ َ
َ
((( الطــري ،أبــو جعفــر م ُ َّمــد بــن جريــر (ت310هـــ922/م) ،تاريــخ
الرســل وامللــوك ،حتقيــق :حممــد أبــو الفضــل إبراهيــم ،ط( ،2القاهــرة ،دار
املعــارف ،د.ت ،).ج ،5ص.96
((( ابــن أيب احلديــد ،عــز الديــن عبــد احلميــد بــن هبــة اهلل املعتــزيل
(ت656هـــ1258/م) ،رشح هنــج البالغــة ،حتقيــق :حممــد أبــو الفضــل
إبراهيــم ،ط( ،2القاهــرة ،دار إحياء الكتب العربيــة1385 ،هـ1965/م)،
ج ،6ص.77
ً
أمنوذجا عهد اإلمام علي ( )ملالك األشرت ()
((( اآلمــدي ،أبــو الفتــح ناصــح الديــن عبــد الواحــد بــن م ُ َّمــد بــن عبــد
الواحــد التميمــي (ت ق6هـــ12/م)ُ ،غــرر ِ
احل َكــم و ُد َرر الك َِلــم ،حتقيــق: َ
مؤسســة األعلمــي للمطبوعــات، حســن األعلمــي ،ط( ،1بــروتَّ ،
1422هـــ2002/م) ،ص.120
حقوق اإلنسان بني الفكر اإلسالمي والفكر الغربي
بـ ِـه اإلنســان هــو أن ُيوصــل احلقــوق إىل أهلهــا ،يقــول أمــر
املؤمنــن (عليــه الســام)( :أفضــل اجلـ ِ
ـود إيصــال احلقــوق ُ
إىل أهلهــا)(((.
َن َظــر اإلمــام عــي بــن أيب طالــب (عليــه الســام) إىل
الوجــود نظــر ًة ال يتع َّطــل فيهــا حــدٌّ مــن حــدود العقــل
والقلــب واجلســد .وال يطغــى فيهــا تأ ُّم ُ
ــل اإلنســان يف
ِ
كامالتــه .عــى النظــر يف حقــوق واالندمــاج يف الكــون 118
ُ
اإلنســان ا ُملرتبــط بــاألرض ارتبــاط عيـ ٍ
ـش وبقــاء .أو عــى
النظــر يف حقــوق اجلامعــة املتعاونــة املتكافلــة يف سـ ِ
ـبيل البقــاء
مقومــات .فهــو إ َّمــا دعــا إىل اإلعجــاب
ومــا يقتضيــه مــن ِّ
بروعـ ِـة الوجــود وعجائــب اخللــق ،دعــا يف احلــن ذاتـ ِـه إىل
توجيــه األفــراد واجلامعــات توجيهـ ًا صحيحـ ًا يســر هبــم يف
طريــق التعــاون االقتصــادي والتكا ُفــل املــادي الــذي يضمن
هلــم الوصــول إىل اخلــر األكــر :إىل املحافظــة عــى كرامـ ِـة
ٍ
وعاطفــة تتحــرك، ٍ
فكــر يعمــل، اإلنســان ا ُملركَّــب مــن
وجسـ ٍـد لــه عليــك حـ ٌّـق ولــك بـ ِـه املعنــى املــادي مــن معــاين
وجــودك .وهــو إ َّمــا ســعى يف تطهــر الضمــر وتقديــس
الشــوق وســاحة الوجــدان ،راح يف الوقــت نفسـ ِـه يســعى
يف تنظيــم جمتمــ ٍع عــادل لــه قوانــن وضع َّيــة هــي بمثابــة
األســاس مــن البنــاء(((.
ٍ
ســس أنطولوجيــة ،Ontologyأي وفقــ ًاتصورنــاه عــى ُأ
للطبيعــة األساســية للحقيقــة .والتــرف برمحــة يتطابــق مــع
العــدل ليــس بمعنــى وضــع األمــور يف مواضعهــا فحســب
(إذ علينــا أن نمــدَّ الرمحــة إىل حيثــا كانــت احلاجــة إليهــا)
بــل تتــاءم مــع العــدل مــن جهـ ِـة كوهنــا تتوافــق مــع طبيعــة
األشــياء احلقيقيــة ،أي مــع الطبــع املطبــوع للحــق .وهلــذا
كل سـ ٍ
ـورة مــن ســور القــرآن (مــا الســبب نجــد عــى رأس ِّ 120
عــدا واحــدة) اســم اهلل متبوعـ ًا بعبــاريت (الرمحــن الرحيــم).
ـارة أخــرى ،ال تنبــع القــدرة عــى التــرف برمحــة مــن بعبـ ٍ
مشــاعر شــخصية إىل هــذا احلــد كــا لــو كانــت صــادرة عــن
ارتبـ ٍ
ـاط مطبــوع بطبيعــة احلقيقــة اإلهليــة نفســها؛ أي تلــك
محتِــي
﴿و َر َ
احلقيقــة األســمى التــي يقــول عنهــا القــرآنَ :
َو ِســ َعت ك َُّل َش ٍء﴾((( ؛ أو تلــك احلقيقــة التــي يقــول
محــ َة﴾(((؛ أو تلــك ــى َن ْف ِس ِ
ــه َا َّلر َ ُــم َع َ فيهــاَ ﴿ :كت َ
َــب َر ُّبك ْ
(ســبِقت رمحتــي
التــي يتقــرر فيهــا طب ُعهــا اجلوهــري بمبــدأ َ
غضبــي)((( .ويعثــر املــرء أيض ـ ًا عــى أقــوال عديــدة لإلمــام
عــي (عليــه الســام) بخصــوص رضورة إظهــار الرمحــة:
ُرحــم)(((؛
َرحــم ت َ
(توزيــع الرمحــة يســتنزل الرمحــة)(((؛ (كــا ت َ
ٍ
المــرئ يرجــو رمحــ َة َمــ ْن هــو أعــى منــه ،وال (أعجــب
ُ
يرحــم َم ـ ْن هــو أدنــى من ـ ُه)(((.
121 وفيــا يتع َّلــق بموضــوع الرمحــة أيضــ ًا ،تعــد الفقــرة
التاليــة مــن عهــد اإلمــام (عــي الســام) ملالــك األشــر
ا رائعــ ًا َّ
ألنــا تضــع رضورة (رضــوان اهلل عليــه) عمــ ً
ٍ
ســياق عاملــي ،كــا َّإنــا أحــد أكثــر الرمحــة والشــفقة يف
التعابــر أمهيـ ًة لإلمــام (عليــه الســام) حــول وحــدة اجلنــس
البــري ومســاواة مجيــع بنــي البــرَّ .إنــا تقــف بــارز ًة
كوســيلة تصحيــح ِّ
لــكل أشــكال التحامــل والتخصيــص
والتمييــز الطائفــي ،التــي قــد تُط ِّبــق العــدل أو الرمحــة
عــى أعضــاء (جمموعة)الفــرد فقــط ،مهــا كان تعريفهــا
ـك الر ْ َ ِ ِ ِ ِ
ـم ح ـ َة ل َّلرع َّيــة َوا َْل َح َّب ـ َة َلُـ ْ (و َأ ْشــع ْر َق ْل َبـ َ َّ أو حتديدهــاَ : 122
ِ ــم َســ ُبع ًا َض ِ
ــم اريــ ًا َت ْغتَن ُ ــمَ ،وال َتكُونَــ َّن َع َل ْي ِه ْ ــف ِبِ ْ َوال ُّل ْط َ
ـر ِ ـك ِف الدِّ يـ ِ ِ ـان إِ َّمــا َأ ٌخ َلـ َ َأ ْك َلهــمَ ،فإِنــم ِصنْ َفـ ِ
ـنَ ،وإ َّمــا نَظـ ٌ ُ ْ َّ ُ ْ
ــم ا ْل ِع َل ُــل الز َل ُــل َو َت ْع ِ ِ ــك ِف ْ
الَ ْل ِ َل َ
ــر ُض َل ُ ُ ــم َّــقَ ،ي ْف ُــر ُط من ُْه ُ
ـم ِمـ ْن َع ْفـ ِـو َك ِ ـم ِف ا ْل َع ْمـ ِـد َو ْ
الَ َطــإِ َف َأ ْعط ِهـ ْ
ِ
َو ُي ْؤ َتــى َعـ َـى َأ ْيدهيِـ ْ
ـك اللَُّ ِم ـ ْن ـب َو َتـ ْـر َض َأ ْن ُي ْعطِ َيـ َ ـك ِم ْثـ ِ ِ ِ
ـل ا َّلــذي ُتـ ُّ َو َص ْف ِحـ َ
ـك ـك َف ْو َقـ َ ـم َو َو ِال األَ ْمـ ِـر َع َل ْيـ َ ـك َف ْو َق ُهـ ْ َع ْفـ ِـو ِه َو َص ْف ِحـ ِـه َفإِ َّنـ َ
ِ
ــم َوا ْبتَــا ََك اك َأ ْم َر ُه ْاســ َت ْك َف َ ــو َق َمــ ْن َوالَّ َكَ ،و َقــد ْ َواللَُّ َف ْ
ــم)(((. ِ ِب ْ
ـك الر ْ َ ِ ِ ِ
ـم) .وهكــذاـف ِبِـ ْ
ـم َوال ُّل ْطـ َ
حـ َة ل َّلرع َّيــة َوا َْل َح َّبـ َة َلُـ ْ َق ْل َبـ َ َّ
أســس اإلمــام (عليــه الســام) حلقــوق اإلنســان عــى ُمرك ٍ
َّب َّ
مــن ثالثـ ِـة ُأســس:
ٍ
ملزيــد مــن التفاصيــل حــول موضــوع الرمحــة يف اإلســامُ ،ينظــر: (((
أعــال املؤمتــر الــدويل حــول )الرمحــة يف اإلســام( ،الــذي أقامتــه جامعــة
امللــك ســعود ،ك ِّليــة الرتبيــة ،قســم الدراســات اإلســامية ،الريــاض،
1430هـــُ 13 ،م َّلــد.
ً
أمنوذجا عهد اإلمام علي ( )ملالك األشرت ()
ِ
كظروفــه األمــور اعتقــد هبــا ،ولــو عــاش غــره ظروفــ ًا
العتقــد بــا اعتقــده ،فينبغــي أن تُقــدَّ ر ظروفــه انطالق ـ ًا مــن
الرمحــة لــه كإنســان ،طبعـ ًا مــا مل يكــن خطــر ًا عــى البرشيــة،
ـاب آخــر.
فهــذا لــه حسـ ٌ
((( الفخــر الــرازي ،أبــو عبــد اهلل م ُ َّمــد بــن عمــر بــن احلســن الطربســتاين
ال َقـ َـريش (ت604هـــ1208/م) ،تفســر الفخــر الــرازي ا ُملشــتهر بالتفســر
الكبــر ومفاتيح الغيــب ،ط( ،1بريوت ،دار الفكــر1401 ،هـ1981/م)،
ج ،9ص.66
حقوق اإلنسان بني الفكر اإلسالمي والفكر الغربي
الرفــق ،يقــول النبــي ألن اإلســام ديــن ِ التل ُّطــف هبــمَّ ،
ُــون ِف
فــق الَ َيك ُ
الر َ (إن ِ
الكريــم (صــى اهلل عليــه وآلــه)َّ :
نــز ُع ِمــن َش ٍء إال َشــا َن ُه)(((. ٍ
َشء إال َزانَــ ُهَ ،والَ ُي َ
ِ
ناحيــة اإلنســانية(((. هلــم ،إذ ال فــرق بينــه وبينهــم مــن
ٍ
نقطــة يف ويصــل اإلمــام (عليــه الســام) اآلن إىل
الرســالة( ،ال َعهــد)ُ ،يريــد مــن مالِــك (رضــوان اهلل عليه) أن
يوليهــا اهتاممـ ًا خاصـ ًا .إ َّنــه يبــدأ الفقــرة((( بعبـ ٍ
ـارة تعجبيــة، ُ
(مؤسســة البحــوث
َّ ((( املالكــي ،فاضــل ،حقــوق اإلنســان ،ط،1
والدراســات اإلســامية /دار الفكــر1432 ،هـــ) ،موســوعة املحــارضات
127
اإلســامية ،ص ص.18-15
ِ
هبــذه الفقــرة ،مــا نصــه مــن كتــاب اإلمــام (عليــه الســام) ((( نقصــد
السـ ْف َل ِمـ َن ا َّل ِذيـ َن ِ
ملالــك األشــر (رضــوان اهلل عليــه)) :اللََّ اللََّ ِف ال َّط َب َقــة ُّ
ِ
الز ْمنَــىَ ،فــإِ َّن ـل ا ْل ُب ْؤ َســى َو َّ ـن َو َأ ْهـ َِاجـ َ ني َوا ُْل ْحت ِ ـاك ِال ِحي َل ـ َة َلــم ِم ـن ا َْلسـ ِ
ُ ْ َ َ
ــظ لَِّ مــا اســتَح َف َظ َك ِمــن ح ِّق ِ ــر ًا .واح َف ِ ِ ِ ِ ِ
ــه ْ َ َ ْ ْ ِف َهــذه ال َّط َب َقــة َقانعــ ًا َو ُم ْع َ ّ َ ْ
ــو ِاف ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ــل َل ِ ِ
ــم ق ْســ ًا مــ ْن َب ْيــت َمالــك َوق ْســ ًا مــ ْن َغــاَّت َص َ اج َع ْ ُ ْ ــمَ ،و ْ ف ِيه ْ
أل ْد َنــىَ .وك ٌُّل َقـ ِـد ـم ِم ْثـ َـل ا َّلـ ِـذي لِ َ ِ
ـى من ُْهـ ْ اإل ْسـ َـا ِم ِف ك ُِّل َب َلـ ٍـدَ ،فــإِ َّن لِ َ
أل ْقـ َ ِ
ــذر بِت َْض ِي ِ ــرَ ،فإِن َ ــر ِع َ
ــك يع َ َّــك ال ُت ْع َ ُ ــم َب َط ٌ يت َح َّقــ ُه َوال َي ْشــ َغ َلن ََّك َعن ُْه ْ اس ُ ْ ْ
ِ ِ ِ ِ ِ ِ
ــمَ ،وال ت َُص ِّع ْــر ــك َعن ُْه ْ ه َ ص َ َّ ــم َفــا ت ُْشــخ ْ ــر ا ُْله َّ ــك ا ْلكَث َ التَّافــ َه إل ْحكَام َ
ـك ِمنْهــم ِمـن َت ْقت ِ ِ
ـونَح ُمـ ُه ا ْل ُع ُيـ ُ ـور َمـ ْن ال َيصـ ُـل إِ َل ْيـ َ ُ ْ َّ ْ ـمَ ،و َت َف َّقــدْ ُأ ُمـ َ َخــدَّ َك َلُـ ْ
اضــعِ، الَ ْشــ َي ِة َوالت ََّو ُ ــل ْ َــك ِمــ ْن َأ ْه ِ ــك ثِ َقت َ ــر ْغ ألُو َل ِئ َ ــالَ ،ف َف ِّالر َج ُ ــر ُه ِّ
ِ
َو َ ْتق ُ
اإل ْعـ َـذ ِار إِ َل اللَِّ َيـ ْـو َم َت ْل َقــا ُهَ ،فــإِ َّن ِ ـع إِ َل ْيـ َ
ـم بِ ِ ـم ا ْع َمـ ْـل ف ِيهـ ْ ـمُ ،ثـ َّ ور ُهـ ْـك ُأ ُم َ َف ْل َ ْي َفـ ْ
ـمَ ،وك ٌُّل َف َأ ْعـ ِـذ ْر ِ ِ ِ الر ِع َّيـ ِـة َأ ْحـ َـو ُج إِ َل ِ الء ِم ـ ْن َبـ ْ ِ هــؤ ِ
اإلن َْصــاف م ـ ْن َغ ْ ِيهـ ْ ـن َّ َ ُ
حقوق اإلنسان بني الفكر اإلسالمي والفكر الغربي
مســاعدهتم ،وأن ُيعـ ِّـن هلــم أحــدَ ثِقاتـ ِـه مــن أهـ ِ
ـل اخلَشــية
ثــم ُيضيــف الكلــات والتواضــع لريفــع إليــه أمورهــمَّ .
ــق ُك ُّلــ ُه َث ِق ٌ
يــل، يــل َو ْ َ
ال ُّ الة َث ِق ٌ
ــى ا ْلــو ِ
ُ ــك َع َ (و َذلِ َ احلاســمةَ :
ـروا َأ ْن ُف َسـ ُـه ْم ِ
ي ِّف ُفـ ُه اللَُّ َعـ َـى َأ ْقـ َـوا ٍم َط َل ُبــوا ا ْل َعاق َبـ َة َف َصـ َّ ُ
َو َقــدْ ُ َ
ِ ِ ِ ِ
ـم) .ولعـ َّـل هــذا مــن أقــوى َو َوث ُقــوا بِصــدْ ق َم ْو ُعــود اللَِّ َلُـ ْ
مصاديــق رعايــة اإلمــام (عليــه الســام) حلقــوق اإلنســان،
129 أي إنســان ،يف ظـ ِّـل إدارة دولتـ ِـه وسياســتها الــذي أوضــح َّ
جانب ـ ًا منهــا عهــده إىل مالِــك األشــر (رضــوان اهلل عليــه).
ـم
( )1842-1910وجــون ديــوي ،)1859-1952( John Deweyثـ َّ
جلــدد الذيــن اســتأنفوا تراثهــم الفكــري ،مــن مثــل :ريتشــارد
الفالســفة ا ُ
روريت )1931-2007( Richard McKay Rortyوهيــاري پوتنــام
.)1926-2016( Hilary Whitehall Putnam
Pratt, James Bissett, What is Pragmatism?, New York:
The MacMillan Company, 1909, Pp.1-47.
حقوق اإلنسان بني الفكر اإلسالمي والفكر الغربي
ِ
هــذه الصفــة التــي نــادى هبــا وحــاول بياهنــا اإلهليــة(((.
وإيضاحهــا عــي بــن أيب طالــب (عليــه الســام) خــال
عهــده لواليــه عــى مــر مالِــك بــن األشــر النُخعــي
ِ
ـف اإلمــام (عليــه الســام) أن يقــوم هــو بنفسـ ِـه ومل يكتـ ِ
لــه ومــن يو ِّل ِ
يــه عــى بالعــدل ،وإنَّــا كان يؤكِّــد عــى عم ِ
ُ َّ
البلــدان واألمصــار .حيــث قــال (عليــه الســام) يف عهـ ِ
ـده
ـب األ ُمـ ِ ِ
ـور (و ْل َي ُكـ ْن َأ َحـ َّ
ملالــك األشــر (رضــوان اهلل عليــه)َ :
ــقَ ،و َأ َع ُّم َهــا ِف ا ْل َعــدْ ِلَ ،و َأ ْ َ
ج ُع َهــا ــك َأ ْو َســ ُط َها ِف ْ َ
ال ِّ إِ َل ْي َ
الر ِع َّيـ ِـة) .ومــن عهـ ٍـد لــه (عليــه الســام) إىل ُم َّمــد لـ ِـر َض َّ
ِ
ــف َف ُه َ
ــو وإن َي ْع ُ ــمْ ، ــذ ْب َفأنتُــم أظ َل ُ ُور ِةَ ،ف ْ
ــإن ُي َع ِّ َوا َملســت َ
ـاب ل ـ ُه (عليــه الســام) إىل األســود بــن أكـ َـر ُم)((( .ومــن كتـ ٍ
ِ َقطِي َبـ َة
ـف ال إ َذا اخ َت َلـ َ ـإن الـ َـو ِ َ صاحــب ُحلـ َـوان( :أ َّمــا َبعــدُ َفـ َّ
((( عبده ،م ُ َّمد ،رشح هنج البالغة ،ج ،1ص ص.37-36
ً
أمنوذجا عهد اإلمام علي ( )ملالك األشرت ()
املصادر
1ابــن أيب احلديــد ،عــز الديــن عبــد احلميــد بــن هبــة اهلل .1
(ت656هـــ1258/م) ،رشح هنــج البالغــة( ،القاهــرة ،دار إحيــاء
الكتــب العربيــة ،د.ت.).
2ابــن حجــر العســقالين ،أمحــد بــن عــي (ت852هـــ1448/م) ،فتــح .2 144
حل َمــد،
البــاري بــرح صحيــح البخــاري ،حتقيــق :عبــد القــادر شــيبة ا َ
ط( ،1الريــاض1421 ،هـ2001/م)
3أبــو الفــرج األصفهــاين ،عــي بــن احلســن بــن ُم َّمــد .3
(ت356هـــ967/م) ،مقاتــل الطالبيــن ،حتقيــق :أمحــد صقــر،
(طهــران ،منشــورات ذي القربــى1425 ،هـــ2004/م)
4أب��و عليـ�ه ،عب��د الفتـ�اح حسـ�ن ،تاريــخ األمريكيتــن والتكويــن .4
الســيايس للواليــات املتحــدة األمريكيــة( ،الرياــض ،دار املريـ�خ
للنـشر1407 ،هـــ1987/م).
5أع�مال املؤمت��ر ال��دويل حوــل )الرمحـ�ة يف اإلســام( ،الــذي أقامتـ�ه .5
جامع��ة املل��ك س��عود ،ك ِّلي��ة الرتبي��ة ،قس��م الدراس��ات اإلسـلامية،
الريـ�اض1430 ،هـــُ 13 ،م َّلــد
6البخــاري ،أبــو عبــد اهلل ُم َّمــد بــن إســاعيل (ت256هـــ870/م)، .6
األدب املفــرد ،حتقيــق :حممــد فــؤاد عبــد الباقــي ،ط( ،3بــروت ،دار
ً
أمنوذجا عهد اإلمام علي ( )ملالك األشرت ()
املســتنرصية2009 ،م
4242عطيــة ،نعيــم ،القانــون والقيــم اإلجتامعيــة ..دراســة يف الفلســفة
القانونيــة( ،القاهــرة ،اهليــأة املرصيــة العامــة للتأليــف والنــر،
1971م).
4343عفــراوي ،أيــاد دخيــل ،سياســة املجتمــع عنــد اإلمــام عــي (عليــه
الســام) ،رســالة ماجســتري غــر منشــورة ،اجلامعــة املســتنرصية،
ك ِّليــة الرتبيــة األساســية1437 ،هـــ2015/م
4444عكلــة ،مثــال حســن ،الثــورات العلويــة الشــعبية يف العــراق وأثرهــا
149 يف نشــوء الفــرق اإلســامية حتَّــى عــام 334هـــ ،رســالة ماجســتري
غــر منشــورة ،ك ِّليــة الرتبيــة ،اجلامعــة املســتنرصية2010 ،م
4545العمــري ،أمحــد ســويلم ،جمــال الــرأي العــام واإلعــام( ،القاهــرة،
اهليــأة املرصيــة العامــة للكتــاب1957 ،م).
4646الغــزايل ،حممــد ،حقــوق اإلنســان بــن تعاليم اإلســام وإعــان األمم
املتحــدة ،ط( ،4القاهــرة ،هنضــة مــر للطباعــة والنــر والتوزيــع،
2005م).
4747الفخــر الــرازي ،أبــو عبــد اهلل ُم َّمــد بــن عمــر بــن احلســن الطربســتاين
ــريش (ت604هـــ1208/م) ،تفســر الفخــر الــرازي ا ُملشــتهر ال َق َ
بالتفســر الكبــر ومفاتيــح الغيــب ،ط( ،1بــروت ،دار الفكــر،
1401هـــ1981/م)
4848القبانجــي ،حســن الســيد عــي ،رشح رســالة احلقــوق ،ط( ،3قــم،
مطبعــة إســاعيليان1416 ،هـــ1996/م).
4949القش�يري ،أب��و احلس�ين مس��لم ب��ن احلج��اج النيسـ�ابوري
حقوق اإلنسان بني الفكر اإلسالمي والفكر الغربي
( ت 2 6 1هـــ 8 7 5 /م )
5050كارتــر ،جوندولــن وجــون هــرز ،نظــام احلكــم والسياســة يف القــرن
العرشيــن ،ترمجــة :ماهــر نســيم( ،القاهــرة ،دار الكرنــك للنــر
والطبــع والتوزيــع1962 ،م).
تعريــف بروحانيــة اإلمــام
ٌ 5151كاظمــي ،رضــا شــاه ،العــدل والذكــر..
عــي ،ط( ،1بــروت ،دار الســاقي ومعهــد الدراســات اإلســاعيلية،
2009م)
مؤسســة البحــوث 5252املالكــي ،فاضــل ،حقــوق اإلنســان( ،طهــرانَّ ،
والدراســات اإلســامية2012 ،م). 150
5353متــويل ،عبــد احلميــد ،احلريــات العامــة ..نظــرات يف تطوراهتــا
وضامناهتــا ومســتقبلها( ،اإلســكندرية ،منشــأة املعــارف1975 ،م).
5454املجلــيُ ،م َّمــد باقــر (ت1111هـــ1698/م) ،بحــار األنــوار،
مؤسســة الوفــاء ،د.ت.). حتقيــق :عبــد القــادر عطــا( ،بــروتَّ ،
5555مــدين ،الســيد حممــد ،مســؤولية الدولــة عــن أعامهلــا ا ُملرشعــة..
القوانــن واللوائــح يف القانــون املــري ..دراســة مقارنــة ،أطروحــة
دكتــوراه غــر منشــورة ،القاهــرة ،جامعــة فــؤاد األول ،ك ِّليــة احلقــوق،
1953م.
5656مركــز دراســات الكوفــة ،وثيقــة املدينــة( ،األعــال الكاملــة
ألبحــاث املؤمتــر العلمــي الســنوي األول ملركــز دراســات الكوفــة،
مؤسســة النــراس للطباعــة والنــر شــباط2012/م) ،النجــفَّ ،
والتوزيــع2012 ،م.
5757معجــم القامــوس املحيــط ،حتقي��ق :خلي��ل مأم��ون ش��يحا ،ط،4
ً
أمنوذجا عهد اإلمام علي ( )ملالك األشرت ()
6060املقــرم ،عبــد الــرزاق املوســوي ،زيــد الشــهيد بــن عــي بــن احلُســن بن
151 عــي بــن أيب طالــب( ،قــم ،مطبعة رشيعــت1427 ،هـــ2006/م).
6161املنيــاوي ،أمحــد ،مجهوريــة أفالطــون ..املدينــة الفاضلــة كــا تصورهــا
فيلســوف الفالســفة ،ط( ،1دمشــق ،دار الكتــاب العــريب2010 ،م)
6262نعمــة ،عبــد اهلل ،مصــادر هنــج البالغــة( ،بــروت ،مطابــع دار اهلــدى،
1392هـ1972/م)
6363هانيامك��ي ،ي��ويس إم ،األمــم املتحــدة ..مقدمــة قصــرة جــد ًا ،ترمج��ة:
مؤسسـ�ة هن�دـاوي للتعليـ�م حمم��د فتح��ي خ�ضر ،ط( ،1القاهرــةَّ ،
والثقافـ�ة2013 ،م).
6464هوب��ز ،تومـ�اس ،اللفياثــان ..األصــول الطبيعيــة والسياســية لســلطة
الدولــة ،ترمجـ�ة :ديانـ�ا حبيـ�ب حــرب وبــرى صعــب ،مراجعـ�ة
وتقدي��م :رض��وان الس��يد ،ط( ،1أبـ�و ظبــي ،هيــأة أبـ�و ظبـ�ي للثقافـ�ة
والـتراث (كلم��ة)1432 ،هـــ2011/م).
6565وفيــات األعيــان وأنبــاء أبنــاء الزمــان ،حتقي��ق :إحس��ان عبـ�اس،
حقوق اإلنسان بني الفكر اإلسالمي والفكر الغربي
املصادر األجنبية
احملتويات
مقدمة املؤسسة5......................................................
مقدمة9...............................................................
املبحث األول :حقوق اإلنسان يف الفكر الغريب15.......................
153
مواثيق احلقوق23.... .................................................:
إعالنات احلقوق الدولية35.. .........................................:
املبحث الثاين :حقوق اإلنسان يف الفكر والرشيعة اإلسالمية47..........
حقوق اإلنسان يف الفكر اإلسالمي املعارص66.... .....................:
املبحث الثالث :دراسة مقارنة بني الفكرين الغريب واإلسالمي73.... ....
املبحث الرابع :اإلمام عيل (عليه السالم) وحقوق اإلنسان97.... .......
ال َغة ..بني ِص َّحة االنتساب وأمهية املضمون103................
هنج ال َب َ
ُ
حقوق اإلنسان يف ِ
عهد أمري املؤمنني ( )ملالك األشرت (113...)