جماليات التّعالق النّصي في شعر لونيس أيث منقلات

You might also like

Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 89

‫وزارة ال ّتعليم العالي والبحث العلمي‬

‫‪MINISTÈRE DE L’ENSEIGNEMENT SUPERIEUR ET DE LA RECHERCHE SCIENTIFIQUE‬‬

‫ⵏⴰⵏⵙⵓⵉⴸⴰⵏⵓⴴⴴⵉⵏⵏⵓⴸⴻⵎⵍⴻⵙⵓⵏⴼⵉⵍⵖⴰ‬

‫ⵓⵣⵣⵓⵉⵣⵉⵝⵏⵕⴻⵎⵎⴻⵄⵎⵝⴰⴸⵓⵍⵓⵎⵍⵏⵝⵉⵡⴰⴸⵙⴰⵝ‬

‫‪UNIVERSITÉ MOULOUD MAMMERI DE TIZI-OUZOU‬‬ ‫جامعة مولود معمري ‪ -‬تيزي وزو‬


‫كلية اآلداب واللّغات‬
‫‪FACULTÉ DES LETTRES ET DES LANGUES‬‬ ‫قسم اللّغة العربية وآدابها‬
‫رقم الترتيب‪.............‬‬
‫‪Département de Langue et‬‬
‫الرقم التسلسلي‪...........‬‬
‫‪littératureArabes‬‬

‫مذكرة مق ّدمة الستكمال نيل شهادة الماستر‬


‫الميدان‪ :‬لغة وأدب عربي‬
‫الفرع‪ :‬أدب جزائري‬
‫التخصص‪ :‬أدب جزائري‬

‫عنوان المذكرة‬
‫جماليات التّعالق النّصي في شعر " لونيس أيت منقالت"‬

‫إشراف األستاذة‪:‬‬ ‫إعداد الطالبتين‪:‬‬


‫أ‪ /‬د‪ .‬سامية داودي‬ ‫‪ -‬كريمة زين‬
‫‪ -‬أسيا كردوس‬

‫لجنة المناقشة‪:‬‬

‫ئيسا‪.‬‬
‫أ‪/‬د‪ .‬راوية يحياوي‪ ،‬أستاذة التعليم العالي‪ ،‬جامعة مولود معمري تيزي وزو‪............................‬ر ً‬
‫ومقرًرا‪.‬‬
‫أ‪ /‬د‪ .‬سامية داودي‪ ،‬أستاذة التعليم العالي‪ ،‬جامعة مولود معمري تيزي وزو‪ .................‬مشرفًا ّ‬
‫ممتحنا‪.‬‬
‫ً‬ ‫د‪ .‬بوعالم إقلولي أستاذ التعليم العالي‪ ،‬جامعة مولود معمري تيزي وزو‪..............................‬‬

‫السنة الجامعية‪2019/2018 :‬‬


‫اإلهداء‬
‫إلى أبي وأمي أطال اهلل في عمرهما‬

‫إلى أخوتي وأخواتي‬

‫إلى كل أصدقائي وصديقاتي‬

‫مدني بيد العون‬


‫إلى كل من ّ‬

‫أسيا كردوس‬

‫كريمة زين‬
‫شكر وامتنان‬
‫نتوجه بشكرنا الخالص لألستاذة المشرفة وألعضاء لجنة المناقشة‪.‬‬
‫ّ‬
‫مقدمة‬
‫ّ‬
‫مقدمة‬

‫الشعري المعاصر بميزة االنفتاح على العوالم األخرى وذلك يعود إلى‬
‫يتميز الخطاب ّ‬
‫ّ‬
‫الشعر الجزائري تجارب‬
‫قدرته الكبيرة على احتواء كل جديد بجميع أشكاله وروافده‪ .‬وقد عرف ّ‬
‫الريادة في الخروج عن حدود الكتابة التّقليدية واألخذ بشعرية التّفاعل‬
‫عديدة كان لها فضل ّ‬
‫فني‬
‫الشعر تكمن في خلق كيان ّ‬
‫الشعبية والفلسفة والتّاريخ‪ ...‬فعبقرية ّ‬
‫مع األسطورة واآلداب ّ‬
‫متنوعة ومتنافرة وغريبة عن بعضها البعض‪.‬‬
‫موحد متكامل من مواد ّ‬

‫كل أنواع الخطابات يحاورها ويتفاعل معها‬


‫جاء شعر لونيس أيت منقالت منفتحا على ّ‬
‫الشعر ومختلف المعارف‬
‫وساعيا إلى إلغاء صفة الثّبات‪ ،‬فيعصف بالحدود الجغرافية بين ّ‬
‫الشعري بدأ يفرض وجوده‬
‫الضرب من األداء ّ‬
‫والفنون‪ ،‬وينفلت من قيود الجنس الواحد‪ ،‬وهذا ّ‬
‫الشعرية الجزائرية منذ سنوات‪.‬‬
‫في األعمال ّ‬

‫يستخدم لونيس أيت منقالت التّقنيات التي تستهدف كسر التّصور الواحد للحقيقة مثل‬
‫التعدد الصوتي‪ ،‬وتوالد االحتماالت والتداخل‬
‫الضمائر‪ ،‬وتقنية الحوار‪ ،‬و ّ‬
‫الشعر وتداخل ّ‬
‫تسريد ّ‬
‫مهما في شعر لونيس أيت منقالت على امتداد‬
‫يعد ملمحا ّ‬
‫األجناسي أو التعالق النصي الذي ّ‬
‫وتموجاتها‬
‫فنيات األسطورة وطاقاتها التّعبيرية‪ ،‬ويستخدم األقوال المأثورة ّ‬
‫نصوصه؛ يأخذ من ّ‬
‫اإليقاعية‪ ،‬وينهل من التّاريخ القديم والحديث‪...‬لذلك ارتأينا أن نبحث في جماليات هذا‬
‫الشاعر الجزائري البارز لونيس أيت منقالت‪.‬‬
‫التعالق النصي في شعر ّ‬

‫لمدة تفوق‬
‫فني متكامل اشتغل عليه ّ‬‫تندرج األغنية لدى أيت منقالت ضمن مشروع ّ‬
‫بالذكر من‬
‫ألنه ال يمكن أن نأتي ّ‬
‫السائد‪ ،‬و ّ‬
‫خمسين سنة يهدف إلى تفتيح المدارك بعيدا عن ّ‬
‫فإننا سنكتفي بدراسة‬
‫مذكرة على نماذج كثيرة ظهرت على امتداد سنوات طويلة‪ّ ،‬‬
‫خالل هذه ال ّ‬
‫عدد قليل منها‪" :‬ظلمتني وما أنا بظالم‪"Tesdelmed-iyi- ur dlimeɣ‬و"الضربة ‪Tiyita‬‬
‫" و"أومري‪."Umerri‬‬

‫‪2‬‬
‫مقدمة‬

‫أما عن دوافع اختيارنا لهذا الموضوع (التعالق النصي في شعر لونيس أيت منقالت)‪ ،‬فيمكن‬
‫الشعر األمازيغي‪/‬القبائلي‪ ،‬واعجابنا بأغاني‬
‫تقسيمها إلى دوافع ذاتية تتعلق بميلنا الكبير إلى ّ‬
‫لونيس أيت منقالت‪ ،‬وببراعته في صنع الكالم وخزينه األدبي واطالعه المعرفي ودوافع‬
‫موضوعية (علمية)‪ ،‬تتمثل في عالقة الموضوع بتخصصنا (ألدب الجزائري) وارتباط الطّرح‬
‫النقدي (نظرية التفاعل األجناسي)‪.‬‬
‫بالراهن ّ‬

‫الرئيسة التي انبنى عليها هذا البحث فهي كاآلتي‪:‬‬


‫أما اإلشكالية ّ‬
‫تفرعت من‬
‫ما هي مظاهر اشتغال النص الغائب في شعر لونيس أيت منقالت؟ وقد ّ‬
‫هذه اإلشكالية عدةّ أسئلة‪:‬‬
‫‪ -‬ما مفهوم التعالق النصي؟‬
‫الشاعر في نصوص أغانيه؟‬
‫‪-‬ما هي األشكال التراثية التي استحضرها ّ‬
‫الشعر نصا يحمل هموم اإلنسان والوطن؟‬
‫يشكل التّاريخ و ّ‬
‫‪-‬وكيف ّ‬
‫أهم مالمح التعالق النصي‪ ،‬فقد اعتمدنا على بعض مفاهيم‬
‫منا إلى استقصاء ّ‬
‫وسعيا ّ‬
‫بالضرورة‪ ،‬بالتّحديدات التي ضبطت‬
‫ّ‬ ‫البنيوية السيما تلك المرتبطة بنظرية التناص‪ ،‬وتسلحنا‪،‬‬
‫مصطلحي "التّراث"و"التّاريخ"‪ .‬فقد أصبح مفهوم التعالق النصي أو التفاعل األجناسي من‬
‫النقد المعاصر‪.‬‬
‫المتداولة بقوة وعمق في ّ‬
‫ّ‬ ‫المفاهيم الحاضرة و‬

‫قسمنا بحثنا إلى مدخل وفصلين وخاتمة ومالحق وقائمة للمصادر والمراجع‪ .‬حاولنا‬
‫تحديد الجهاز المفاهيمي في المدخل (التعالق النصي وأشكال التناص)‪ .‬وتناولنا في الفصل‬
‫الشعر واألنواع األدبية األخرى‪ ،‬مبحثين ّأولهما بعنوان‪:‬‬
‫عنوناه ب‪ :‬التّداخل بين ّ‬
‫ّ‬ ‫األول الذي‬
‫ّ‬
‫النص الراهن والنصوص القديمة وركزنا فيه على األسطورة واألقوال المأثورة‪،‬‬
‫ّ‬ ‫الترابطات بين‬
‫عرفنا فيه بالخطبة ثم‬
‫الشعر والخطبة ذات المرجعية الواقعية و ّ‬
‫وثانيهما بعنوان‪ :‬التهجين بين ّ‬
‫درسنا جمالية توظيف خطبة طارق بن زياد‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫مقدمة‬

‫وجاء الفصل الثّاني بعنوان‪ :‬االشتغال النصي على التّاريخ‪ ،‬وتطرقنا فيه إلى مبحثين؛‬
‫األول حول مفهومي التّاريخ والتناص التّاريخي‪ ،‬والمبحث الثّاني حول التّاريخ‬
‫المبحث ّ‬
‫والتّجربة الراهنة في نصوص أيت منقالت وحللنا رمزين تاريخيين طارق بن زياد وأحمد‬
‫النتائج المتوصل إليها من خالل فصلي البحث‬
‫أهم ّ‬
‫أومري‪ .‬واحتوت الخاتمة على ّ‬
‫ومباحثهما‪ .‬وأرفقنا البحث بأربعة مالحق‪ :‬بيوغرافيا الكاتب‪ ،‬ونبذة عن أسطورة أنزار‬
‫المدونة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫بالشخصيتين التّاريخيتين طارق بن زياد وأحمد أومري‪ ،‬وتقديم‬
‫والتّعريف ّ‬

‫أهمها‪ :‬التّراث‬
‫اعتمدنا على مجموعة من المراجع لتحليل إشكالية البحث واثراء عناصره‪ ،‬من ّ‬
‫والحداثة في أشعار لونيس أيت منقالت لمحمد جالوي‪ ،‬ومدخل جامع النص لجيرار جينيت‬
‫الخمليشي‪.‬‬ ‫الشعر العربي الحديث‪-‬لحورية‬
‫والكتابة واألجناس‪ -‬االنفتاح في ّ‬
‫الشكر إلى األستاذة المشرفة‪ ،‬وكل أعضاء لجنة‬
‫نتقدم بجزيل ّ‬
‫وال يفوتنا في األخير أن ّ‬
‫المناقشة‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫مدخل‪:‬‬

‫مفهوم التناص وأنواعه‪.‬‬


‫التناص‪Intertextualité‬‬ ‫‪-1‬مفهوم‬

‫‪-2‬أنواع التناص‬
‫مفهوم التناص وأنواعه‪.‬‬ ‫مدخل‪:‬‬

‫استقطبت ظاهرة التعالق النصي في الشعر الحديث والمعاصر اهتمام الباحثين‪ ،‬وتعني‬
‫كل ما يجعل النص في عالقة مع نصوص أخرى سواء كانت هذه العالقة جزئية أم كلية‬
‫ظاهرة أم ضمنية مما يؤكد التشابك الفني والثّقافي ومنطلقاته المتجذرة في الوعي االجتماعي‬
‫والسياسي‪ ،‬ويعكس رغبة عميقة لدى الشعراء في تعدي حواجز العزلة واالنتماء‪ ،1‬باإلضافة‬
‫إلى الرغبة في إيجاد حالة من التواصل المتفاعل بين الماضي والحاضر وبين القديم‬
‫والحديث‪.‬‬

‫النقدية في ضبط مفهوم التناص‪ ،‬وتحديد الجذور التأصيلية له فهناك‬


‫الدراسات ّ‬
‫اختلفت ّ‬
‫أما البعض اآلخر فخرج من حيز هذه‬
‫من يرى ّأنه مولود غربي وال يمكن أن ينسب لغيره‪ ،‬و ّ‬
‫النقد العربي القديم‪ ،‬رغبة في الكشف عن مفاهيم قريبة‬
‫الفكرة الضيقة‪ ،‬من خالل العودة إلى ّ‬
‫السرقات‪ ،‬ووقع الحافر على الحافر‪ ،‬والحفظ الجيد‬
‫في دالالتها من مفهوم التناص مثل‪ّ :‬‬
‫وتوارد الخواطر‪.2‬‬

‫نجد عددا من المصطلحات النقدية التي ترتبط بتفاعل النصوص مع بعضها كالتداخل‬
‫والتفاعل والتعالق والتضمين والمجاورة واالقتباس والتناص الذي عرف انتشا ار كبي ار في‬
‫األوساط النقدية منذ أن صاغته جوليا كرستيفا ‪ Julia KRISTIVA‬في ‪ ،1969‬وقد ورد هذا‬
‫أهمها‪ :‬المتناصة‪ ،‬والتناصية‪ ،‬والنصوصية‬
‫المصطلح بأسماء أخرى في النقد األدبي من ّ‬
‫والتفاعل النصي والتنصيص‪ ،‬البينصوصية‪ ،‬عبر النصصية‪.‬‬

‫‪ -1‬ينظر‪ :‬علوي الهاشمي‪" ،‬ظاهرة التعالق النصي في الشعر السعودي الحديث"‪ ،‬نقال عن حسين بافقيه‪ ،‬الشعر‬
‫والحياة‪،‬‬ ‫النصوص‬ ‫داخل‬ ‫العالقات‬ ‫خصوصية‬ ‫الهاشمي‪.‬‬ ‫علوي‬ ‫قراءة‬ ‫في‬ ‫الحديث‬ ‫السعودي‬
‫‪http://www.alhayat.com/article/994514‬‬
‫‪-2‬ينظر مليكة فريحي‪ :‬مفهوم التناص‪ :‬المصطلح واإلشكالية‪ ،‬عود الند‪ ،‬مجلة ثقافية فصلية‪ ،‬العدد ‪،2013 ،28‬‬
‫‪https://www.oudnad.net/spip.php?article803‬‬
‫‪6‬‬
‫مفهوم التناص وأنواعه‪.‬‬ ‫مدخل‪:‬‬

‫‪-1‬مفهوم التناص ‪ :Intertextualité‬لم يظهر مصطلح التّناص‪ ،‬في بادئ األمر بشكل‬
‫مباشر ّإنما ظهر بطريقة ضمنية مع الشكالنيين الروس انطالقا من فيكتور شلوفيسكي‪/‬‬
‫يعد أول من أشار إلى التناص في العديد من المواضيع التي‬
‫الذي ّ‬
‫‪ّ Victor CHKLOSKI‬‬
‫أن العمل الفني يدرك في عالقته باألعمال الفنية األخرى وباالستناد‬
‫تناولها‪ .‬إذ صرح م ار ار ّ‬
‫إلى الترابطات التي يتأسس فيما بينها فهذه العالقة التناصية القائمة بين مختلف الفنون‬
‫والعلوم والمعارف يؤمن بها الشكالنيون الروس بصورة قطعية فعلى الرغم من احتفاظ كل‬
‫أن مبدأ تداخل النصوص وظهور أثر بعضهما على بعض‬
‫نص بخصوصيته ومميزاته إال ّ‬
‫يظل أمر قائما وفاعال‪ ،‬ووظف هذه الفكرة الباحث الروسي مخائيل باختين ‪Mikhaïl‬‬
‫ّ‬
‫حولها إلى نظرية حقيقية من خالل دراسته ألعمال دستوفيسكي ‪Fiodor‬‬
‫‪ ،BAKHTINE‬الذي ّ‬
‫‪ DOSTOIEVSKI‬ا ّلروائية عام ‪ ،1929‬حيث وضع مصطلحي الحوارية والبوليفونية‪ ،‬أو‬
‫تعدد األصوات‪ ،‬دون أن يستخدم مصطلح التناص في دراساته‪ ،‬وتعتمد نظريته على التداخل‬
‫القائم بين النصوص‪ ،‬فكل ظاهرة تنبثق من نص ما‪.‬‬

‫أن مصطلح التّناص لم يأخذ مساره ولم يضبط معناه في الّنقد الحديث إال بظهور‬
‫غير ّ‬
‫أعمال الناّقدة الفرنسية بلغارية األصل جوليا كريستيفا من خالل ما نشرته في مجلة " ‪Tel‬‬

‫‪ " quel‬ثم تطورت فكرتها في كتابها " أبحاث من أجل تحليل عالماتي" ‪Recherche pour‬‬

‫بأنه هدم وبناء لنصوص سابقة‬


‫‪ "une sémanalyse‬وتوصلت إلى تقديم تعريف للتّناص ّ‬
‫أن النص األدبي ليس ظاهرة منعزلة عن مجموع الظواهر األخرى‬
‫عليه أو معاصرة له‪ ،‬و ّ‬
‫أن كل نص هو تحويل وادماج لعدد من النصوص‪ ،‬وبناء على تصورات الباحثة‪ ،‬فكل نص‬
‫وّ‬
‫يتشكل من تركيبة فسيفسائية من االستشهادات‪ ،‬فهو امتصاص أو تحويل لنصوص أخرى‪.‬‬
‫ّ‬

‫‪7‬‬
‫مفهوم التناص وأنواعه‪.‬‬ ‫مدخل‪:‬‬

‫ويذكر جيرار جنيت ‪ Gérard GENETTE‬أ ّن النص « طرس‪ Palimpseste‬ومنه‬


‫جمع أطراس وطروس وهو الصحيفة التي محيت ثم كتبت»‪ ،1‬ومنه طرس الكاتب أعاد‬
‫النص الجامع ‪ Architexte‬ولكنه سرعان ما‬
‫الكتابة على المكتوب‪ ،‬كما أطلق على مصطلح ّ‬
‫بأنه «التواجد‬
‫غيره بمصطلح جديد وهو " المتعاليات النصية" ‪ "Transtextualite‬معرفا إياه ّ‬
‫‪2‬‬
‫اللغوي سواء أكان نسبيا أو كامال أو ناقصا لنص في نص آخر»‪.‬‬

‫وهو يعني أخذ من نص سابق‪ ،‬من أجل وضع نص الحق فال وجود لنص نشأ وحده‬
‫بل يأتي من نص قد اعتمد عليه أو هو «كل ما يجعل نصا يتعالق مع نصوص أخرى‬
‫بشكل مباشر أو ضمني»‪3.‬وقد يأخذ الكاتب من النص السابق بشكل صريح مباشر أو بشكل‬
‫ضمني غير مباشر‪.‬‬

‫‪ -1-1‬التناص لغة‪:‬‬

‫ورد في لسان العرب "البن منظور" التّناص بمعنى « نصص النص‪ :‬رفعك الشيء‬
‫نص الحديث بنصه نص‪ :‬رفعه‪ ،‬وكل ما !هر فقد نص‪ ،‬وقال عمرو بن دينار‪ :‬ما رأيت‬
‫رجال أنص للحديث من الزهري‪ ،‬أي أرفعه له وأسند‪ ،‬يقال نص الحديث إلى فالن أي رفعه‬
‫ومن قولهم نصصت المتاع إذ جعلت بعضه على بعض وكل شيء أظهرته ومن قولهم نص‬
‫المتاع نصا‪ ،‬جعل بعضه على بعض وكل شيء أظهرته‪ ،‬فقد نصصته‪ ،‬يقال نصص الرجل‬
‫‪4‬‬
‫غريمه إذا استقصى عليه‪ ...‬يقال هذه الفالة تناص أرض کذا وتواصيها أي يتصل بها»‪.‬‬
‫نالحظ احتواء مادة "التناص" على معنى االتصال‪.‬‬

‫‪ -1‬أحمد السماوي‪ :‬الطريس في القصص‪ ،‬إبراهيم درغوني نموذجا‪ ،‬مطبعة التفسير الفني‪ ،‬تونس‪ ،‬دط‪ ،2002 ،‬ص ‪.14‬‬
‫‪ -2‬جيرار جنيت‪ :‬مدخل جامع النص‪ ،‬تر‪ :‬عبد الرحمن أيوب‪ ،‬دار توبقال‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬ط‪ ،1986 ،2‬ص ‪.97‬‬
‫‪ -3‬سعيد يقطين‪ :‬انفتاح النص الروائي (النص والسياق)‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬ط‪ ،2006 ،3‬ص ‪.97‬‬
‫‪ -4‬ابن منظور‪ :‬لسان العرب‪ ،‬دار إحياء التراث العربي‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪ ،1999 ،3‬ص ‪.192‬‬
‫‪8‬‬
‫مفهوم التناص وأنواعه‪.‬‬ ‫مدخل‪:‬‬

‫‪-2-1‬التناص اصطالحا‪:‬‬

‫النقدية الحديثة ومن بين‬


‫تعددت التعاريف االصطالحية لمفهوم التّناص في الخطابات ّ‬
‫ّ‬
‫وفصلوا في أشكاله نذكر‪ :‬جوليا كريستيفا‪ ،‬مخائيل‬
‫ّ‬ ‫الباحثين الغربيين الذين اهتموا به‬
‫النقاد العرب تأثّروا‬
‫أن ّ‬‫باختين"‪ ،‬تزفيتان تودروف‪ ،Tzvetan TODOROV‬وغيرهم‪ ،‬كما ّ‬
‫بتحديدات هؤالء من مثل ( محمد بنيس‪ ،‬عبد اهلل الغذامي‪ ،‬محمد مفتاح وغيرهم)‪ ،‬وغير‬
‫‪1‬‬
‫ّأنهم لم يضعوا تعريفا موحدا لهذا المصطلح‪.‬‬

‫النص الواحد تقر كريستيفا ّأننا نجد عددا من الملفوظات‬


‫النظر داخل فضاء ّ‬
‫واذا دقّقنا ّ‬
‫التي أخذت من نصوص أخرى تقاطعت معها وتفاعلت‪ ،‬وبهذا التصور استطاعت جوليا‬
‫النص األدبي على عناصر لغوية‬
‫تؤكد انفتاحية ّ‬
‫كريستيفا‪ ،‬أن تقترح رؤية نقدية جديدة ّ‬
‫فالتّناص عندها‪ ،‬يعني‪« :‬التقاطع داخل نص‪ ،‬قول مأخوذ من نصوص أخرى»‪ 2‬وبالتالي فال‬
‫يمكن فهم أي نص دون الرجوع إلى عشرات النصوص التي سبقته‪ ،‬أل ّن وجود نص يفترض‬
‫بالضرورة وجود نص سبقه استلهم منه المعاني أو األلفاظ أو كليهما معا‪.‬‬
‫ّ‬

‫ويشير ميشال ريفاتير‪ Michael RIFFATERRE‬إلى مصطلح التّناص في كتابه "‬


‫إنتاج النص"‪ ،‬حيث أعطاه طابعا تأويليا غدا معه آلية خاصة للقراءة األدبية من مراتب‬
‫بأنه « إدراك القارئ بين نص ونصوص أخرى قد سبقته أو‬
‫عرفه ّ‬
‫التأويل األدبي ولذا ّ‬

‫‪ -1‬ينظر‪ :‬جمال مباركي‪ :‬التّناص وجمالياته في شعر الجزائر المعاصر‪ ،‬إصدارات ربطة اإلبداع الثقافية‪ ،‬دار هومة‪،‬‬
‫الجزائر‪ ،‬دط‪ ،2003 ،‬ص ‪.38‬‬
‫‪ -2‬علي متعب جاسم‪ :‬التّناص أنماطه ووظائفه في شعر محمد رضا التبسي‪ ،‬مجلة واسط للعلوم اإلنسانية‪ ،‬ع‪ ،10‬كلية‬
‫التربية‪ ،‬جامعة ديالي‪ ،‬العراق‪ ،‬ص ‪.34‬‬
‫‪9‬‬
‫مفهوم التناص وأنواعه‪.‬‬ ‫مدخل‪:‬‬

‫النص الموضوع أمامه يتقاطع أم‬


‫أن ّ‬‫أن القارئ المثقّف هو فقط من يدرك ّ‬
‫تعاصره» ‪ .‬بمعنى ّ‬
‫‪1‬‬

‫ال مع نصوص أخرى سابقة أو معاصرة له‪.‬‬

‫النقد أو العلم‬
‫كما يدل التّناص أيضا على «وجود نص أصلي في مجال األدب أو ّ‬
‫النصوص قد مارست تأثي ار مباشرا‪ ،‬أو غير مباشر‬
‫على عالقة بنصوص أخرى‪ ،‬وا ّن هذه ّ‬
‫‪2‬‬
‫على النص األصلي عبر الزمن»‪.‬‬

‫إن التّناص يفصح عن تفاعل قائم بين النصوص اإلبداعية‪ ،‬فالتّواصل هو‬
‫يمكن القول ّ‬
‫أساس الحياة ومصير الكائنات‪.‬‬

‫‪-2‬أنواع التناص‪:‬‬

‫النص األدبي‪:‬‬
‫تعددت أشكال التّناص في ّ‬
‫ّ‬

‫‪ – 1-2‬التناص الديني‪:‬‬

‫يعد التّناص ال ّديني الوسيلة التي يتخذها الكتّاب لتوصيل رسالتهم إلى القارئ‪ ،‬وذلك‬
‫ّ‬
‫عن طريق اقتباس وتضمين نصوص دينية تتناسب مع موضوعهم‪ ،‬ويعني استحضار‬
‫األديب بعض القصص أو اإلشارات القرآنية الدينية في سياقات القضية لتعميق رؤية‬
‫معاصرة يراها في الموضوع الذي يطرحه أو القصة التي يعالجها ويفترض في هذه التناصات‬
‫‪3‬‬
‫وتعمقه وتثريه فنيا وفكريا‪.‬‬
‫النص الجديد ّ‬
‫أن تنسجم مع ّ‬

‫‪ -1‬مخائيل ريفاتير‪ ،‬نقال عن عبد القادر بقشي‪ ،‬التّناص في الخطاب النقدي والبالغي (دراسة نظرية وتطبيقية‪ ،‬إفريقيا‬
‫الشرق‪ ،‬المغرب‪ ،‬دط‪ ،2007 ،‬ص ‪.20‬‬
‫‪ -2‬عبد الحميد محمد‪ :‬األسطورة في بالد الرافدين‪ ،‬الخلق والتكوين‪ ،‬دار عالء الدين‪ ،‬سوريا‪ ،‬ط‪ ،1998 ،1‬ص ‪.33‬‬
‫‪ -3‬ينظر‪ :‬أحمد الزغبي‪ :‬التناص نظريا وتطبيقيا‪ ،‬مؤسسة عمون للنشر والتوزيع‪ ،‬عمان‪ ،‬ط‪ ،2000 ،2‬ص ‪.131‬‬
‫‪10‬‬
‫مفهوم التناص وأنواعه‪.‬‬ ‫مدخل‪:‬‬

‫‪ – 2-2‬التناص األدبي‪:‬‬

‫النصوص األدبية‪ ،‬حيث يستعين األديب باألعمال األخرى؛‬


‫للتناص حضور قوي في ّ‬
‫الدالالت وجعل العبارات أكثر قوة‬
‫الشعبية‪ ،‬بهدف تكثيف ّ‬
‫الشعر والحكمة واألمثال والحكاية ّ‬
‫ّ‬
‫واقناعا‪ « ،‬فقد تتضمن القصيدة تناصات أدبية متنوعة في أجزائها المختلفة بسبب حتمية‬
‫اندماج المقروء الثقافي في ذاكرة الشاعر ثم تسربه إلى عالم القصيدة من خالل اللغة أو‬
‫الصورة أو األسلوب أو الرؤية إلى غير ذلك»‪ 1.‬فتعمل التناصات األدبية على تقوية المعنى‬
‫وايصال الفكرة التي يطرحها المؤلف بدقّة‪.‬‬

‫‪ –3-2‬التناص التاريخي‪:‬‬

‫ويعني التّناص التّاريخي استدعاء النص للنصوص التاريخية المنتقاة من مصادرها‬


‫ف«الشعر مسكون دائما بالتاريخ إذ ال يمكن للشاعر أن يذهب بعيدا عن مالبساته‪ ،‬ألن فيه‬
‫نقاطا مضيئة غيرت الواقع بكل أشكاله‪ ،‬وهذا ما جعله ينتقي من األحداث التاريخية ما يراه‬
‫داال ومناسبا»‪2.‬لكن يختلف التّناص التّاريخي في الهدف والنظرة من شاعر إلى آخر ومن‬
‫مرحلة إلى أخرى‪ ،‬فالشاعر يوظّف شخصيات تاريخية وأحداثا‪ ،‬ولكن ليس بالدقّة‬
‫السلطة وذوي النفوذ ‪.‬‬ ‫كالمؤرخالذي ّ‬
‫يكرس صوت ّ‬

‫همشته المؤسسة كثيف الحضور في األدب المعاصر (شعر‬


‫الرسمي الذي ّ‬
‫إن التّاريخ غير ّ‬
‫ّ‬
‫عد بعضها استعراضا‬
‫ورواية وقصة ومسرح)‪ ،‬وهذا أمر ال يبعث على الغرابة فالنصوص اإلبداعية ي ّ‬

‫‪ -1‬ينظر‪ :‬أحمد الزغبي‪ :‬التناص نظريا وتطبيقيا‪ ،‬ص ‪.153‬‬


‫‪ -2‬أحمد قيطون‪ ،‬مساءلة التاريخ في الشعر الجزائري المعاصر‬
‫‪https://revues.univ-ouargla.dz/index.php/numero-19-2013/1391-2013-05-30-11-12-03‬‬
‫‪11‬‬
‫مفهوم التناص وأنواعه‪.‬‬ ‫مدخل‪:‬‬

‫أن‬
‫ثم ّ‬
‫مهم من التّاريخ لم يكتبه المؤرخون‪ّ « ،‬‬
‫بكل مشاكلها وأشخاصها ‪...‬هذا جزء ّ‬
‫ألوجه الحياة ّ‬
‫التّاريخ عبارة عن أحداث وأشخاص وتفسير ورؤية»‪ 1‬لحياة اإلنسان عبر األزمنة المتعاقبة‪.‬‬
‫‪ – 4-2‬التناص األسطوري‪:‬‬

‫الشاعر ألساطير قديمة وتضمينها في نصه‪ ،‬وهو‬


‫ويقصد بالتّناص األسطوري توظيف ّ‬
‫« استحضار الشاعر بعض األساطير القديمة وتوظيفها في سياقات قصيدته لتعميق رؤية‬
‫الرؤية حيث‬
‫تعزز هذه ّ‬
‫الشاعر في القضية التي يطرحها فيستعين بأسطورة ما ّ‬
‫معاصرة يراها ّ‬
‫‪2‬‬
‫يأتي هذا التّناص أو التوظيف أو االستعانة باألسطورة منسجما مع سياق القصيدة»‬
‫عدة من قصائده‪ ،‬حيث يكون هناك ترابط‬
‫الشاعر األساطير القديمة في مواضع ّ‬
‫فيستدعي ّ‬
‫النص الجديد‪.‬‬
‫وانسجام بين األسطورة من شخصيات وأحداث مع ّ‬

‫الشاعر المعاصر بصفة عامة إلى االستفادة من األسطورة رم از وبنية ورؤية‬


‫سعى ّ‬
‫إلكساب القصيدة الجديدة فضاءات رحبة كثيفة بالدرامية والداللة الغامضة واإليحاءات‬
‫النفسي وعلى المستوى اإلقليمي‪.‬‬
‫الذاتي ّ‬
‫المعرفية والفكرية على المستوى ّ‬

‫الرواية العر ّبية‪ -‬المركز الثّقافي العربي‪ ،‬بيروت‪-‬الدار البيضاء‪،‬‬


‫الرواية و ّ‬
‫الرواية وتأويل التّاريخ –نظرية ّ‬
‫‪ -‬فيصل دراج‪ّ :‬‬
‫‪1‬‬

‫ط‪ ،2004 ،1‬ص ‪.132‬‬


‫‪ -2‬المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.117‬‬
‫‪12‬‬
‫الفصل األول‪:‬‬

‫التداخل بين الشعر واألنواع األدبية األخرى‪.‬‬

‫المبحث األول‪ :‬الترابطات بين النص الراهن والنصوص األمازيغية‬


‫القديمة‪.‬‬
‫‪ – 1‬توظيف أسطورة "أنزار" في "ظلمتني وما أنا بظالم" ‪Tesdelmed-iyi-ur‬‬

‫‪." dlimeɣ‬‬
‫‪-2‬استلهام األقوال المأثورة والكثافة اإليحائية‪.‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬التهجين بين الشعر والخطبة ذات المرجعية الواقعية‪.‬‬


‫‪-1‬تعريف الخطبة‪.‬‬
‫‪-2‬جمالية توظيف خطبة طارق بن زياد األمازيغي في" الضربة‪." Tiyita‬‬
‫التداخل بين الشعر واألنواع األدبية األخرى‪.‬‬ ‫الفصل األول‪:‬‬

‫استطاعت القصيدة الجزائرية المعاصرة أن تكسر حواجز الزمان والمكان‪ ،‬وأن تستفيد من‬
‫الشعراء في نصوصهم؛ فالنص عبارة عن فسيفساء‬
‫التعالقات النصانية التي يستحضرها ّ‬
‫حد قول‬
‫تشرب وتحويل لنصوص أخرى على ّ‬
‫نصوص قادمة من سياقات شتى‪ ،‬بل هو ّ‬
‫الشاعر‬
‫ولعل هذا ما نجده في قصائد لونيس أيت منقالت حيث استحضر ّ‬
‫ّ‬ ‫جوليا كرستيفا‪.‬‬
‫الشعبي واألسطورة‪ ،‬والتّاريخ الذي‬
‫من خاللها الموروث األدبي الذي تمثّل في الخطبة والمثل ّ‬
‫النظام االستعماري‬
‫وتمرد شباب منطقة القبائل على ّ‬
‫تمثّل في حدث فتح األندلس بجزئياته‪ّ ،‬‬
‫الربيع األمازيغي‪ .‬وهذا ما سنبرزه في‬
‫في األربعينيات من القرن العشرين‪ ،‬وثورة ‪ ،1954‬و ّ‬
‫الصفحات اآلتية؛ حيث سنحاول البحث عن جماليات هذا التعالق النصي من خالل االرتكاز‬
‫النص المحاكي له‪.‬‬
‫النص األصلي‪ ،‬و ّ‬
‫ّ‬ ‫على ثنائيتي التشاكل والتباين بين‬

‫المبحث األول‪ :‬الترابطات بين النص الراهن والنصوص األمازيغية القديمة‪.‬‬

‫صار التّراث في القصيدة المعاصرة جزءا من رؤية جمالية شاملة‪ ،‬بعد «أن تعامل معه‬
‫الشعراء المعاصرون وفقاً لمنظور إنساني وحضاري‪ ،‬إذ أ ّن كثي ار من الرموز التراثية قادرة‬
‫على االستمرار في نسق الواقع المعاصر‪ ،‬وتغييره بفعل بعدها التّاريخي وداللة هذا البعد‬
‫الناس‬
‫على المستوى اإلنساني واالجتماعي والسياسي» ‪.‬فالمعطيات التراثية تعيش في وجدان ّ‬
‫‪1‬‬

‫وأعماقهم وتعمل على توطيد العالقة بين الماضي والحاضر وتمكين الفرد من طرح أفكاره‬
‫بطريقة غير مباشرة‪.‬‬

‫‪–1‬توظيف أسطورة "أنزار" في "ظلمتني وما أنا بظالم ‪."Tesdelmed-iyi- ur dlimeɣ‬‬


‫المهمة والتي‬
‫ّ‬ ‫النقدية‬
‫النص الشعري الحديث والمعاصر من القضايا ّ‬
‫ّ‬ ‫عد توظيف األسطورة في‬
‫الشعري الجزائري‪ ،‬فال يوجد شاعر تقريبا إال وأدخل‬
‫غطّت مساحة واسعة من المجال ّ‬
‫النص‬
‫ّ‬ ‫تشكل عنص ار رئيسا داخل بنية‬
‫األسطورة إلى أشعاره بشكل أو بآخر‪ ،‬فاألسطورة ّ‬

‫‪ -1‬محمد عبد الرحمن يونس‪ :‬األسطورة في الشعر والفكر‪ 1 ،‬سبتمبر ‪2003‬‬


‫‪https://www.diwanalarab.com/‬‬
‫‪10‬‬
‫التداخل بين الشعر واألنواع األدبية األخرى‪.‬‬ ‫الفصل األول‪:‬‬

‫فإن استخدام األسطورة في الخطابات‬


‫ي على المستويين الداللي والتقني‪ .‬وبالتالي ّ‬
‫الشعر ّ‬
‫الجمالي قبل أن يكون عودة إلى التّراث‪ ،‬فكان‬
‫ّ‬ ‫العر ّبية المعاصرة نوع من التجريب‬ ‫الشعرّية‬
‫ي التّقليدي واالعتماد المكثّف‬
‫الشكل الشعر ّ‬
‫سمات القصيدة المعاصرة انعطافها عن ّ‬ ‫أهم‬
‫من ّ‬
‫على الرموز األسطورّية‪.‬‬

‫‪-1-1‬تعريف األسطورة‪:‬‬
‫وميزه عن باقي الكائنات بالعقل‪ ،‬فكان‬
‫خلق اهلل تعالى اإلنسان وكرمه بخالفة األرض ّ‬
‫بالن سبة له وسيلة للكشف والمعرفة في حدود ما يقع عليه بصره من عناصر‬
‫هذا األخير ّ‬
‫الكون والطبيعة‪ ،‬به يسائل ويتساءل مع من حوله علّه يجد تفسي ار للظواهر الغامضة‬
‫والمواقف المبهمة‪ّ ،‬إنه تفكير ّأولي إلدراك العالم‪ ،‬محدود بعيد عن ما نعرفه اليوم من مناهج‬
‫متط ّورة في البحث العلمي‪.‬‬

‫النفس البشرية في صراعها وجدلها‬


‫إن األسطورة ظاهرة اجتماعية طبيعية نتجت عن ّ‬
‫ّ‬
‫ومحاولة تفهمها للظواهر الكونية‪ ،‬فاإلنسان وجد نفسه بين متناقضات بين وعي والوعي‬
‫أرض وسماء‪ ،‬ويرى جيمس فريزر ‪ James FRAZER‬وهو من أكبر المهتمين بميدان‬
‫أن « األسطورة نشأت علما بدائيا بهدف‬
‫األسطورة والسحر في كتابه " الغصن الذهبي" ّ‬
‫الدارسين‬
‫تفسير الحياة والطبيعة واإلنسان و ّأنها متأخرة عن الطقوس» ‪ ،‬ومنه الكثير من ّ‬
‫‪1‬‬

‫الدينية‪ ،‬و ّأنها إثبات للجانب‬


‫يذهبون إلى اعتبار األسطورة " قوال" مصاحبا للعبادة والطقوس ّ‬
‫الكالمي من الحركة في العبادة قبل أن تصبح هي نفسها حكاية حول هذه الطقوس‪.‬‬

‫ألنها في «اليونانية " ‪ "Mythos‬وفي‬


‫وفي اإلشارة إلى اعتبارها قوال وكالما ذلك ّ‬
‫اإلنجليزية ‪ " Myth‬وعلى ذلك فإن المعنى في اللغتين هو الشيء المنطوق‪ ،‬وهنا نالحظ‬

‫‪ -1‬جيمس فريزر" نقال عن محمد عجينة‪ ،‬موسوعة أساطير العرب عن الجاهلية وداالتها‪ ،‬دار الفرابي‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪ ،1994‬ص ‪.41‬‬
‫‪11‬‬
‫التداخل بين الشعر واألنواع األدبية األخرى‪.‬‬ ‫الفصل األول‪:‬‬

‫القرابة بين هاتين الكلمتين وبين كلمة "‪ "Mouth‬اإلنجليزية التي تعني فم‪ ،‬فمعنى األسطورة‬
‫‪1‬‬
‫إذن هي الكالم المنطوق أو القول»‪.‬‬

‫نشأت األسطورة عن الطقوس‪ ،‬حسب بعض الباحثين‪ ،‬كحكاية ربما لتصون حوادث‬
‫تتحول األسطورة في‬
‫الطقس بحركاته ومعتقداته ولتحقّق له سمة التناقل من جيل إلى جيل‪ ،‬و ّ‬
‫الرد‬
‫مقدسة‪ ،‬ذات مضمون عميق لها سطوتها وتأثيرها‪ ،‬وقدرتها في ّ‬
‫حد ذاتها إلى حكاية ّ‬
‫ّ‬
‫الذي يرى الطبيعة س ار والكون غامضا‪ ،‬ولم تكن األسطورة إال‬
‫على أسئلة اإلنسان البدائي ّ‬
‫محاولة إلشباع رغبة الفضول وفهم الوجود اعتمادا على التّخييل والخرافة‪.‬‬

‫أهمية األسطورة معتبرين ّإياها حتى ولو كانت‬


‫ّ‬ ‫يؤكد علماء األنتروبولوجيا والفالسفة‬
‫ّ‬
‫وفك أسرار‬
‫وشعائر وطقوسا وسحرا‪ ،‬فهي إحدى منجزات اإلنسانية ووسيلة لفهم الحياة ّ‬
‫ا‬ ‫مناسكا‬
‫العالم في غياب التّعليل العلمي والمنطقي‪ ،‬فقد سعت األسطورة لخلق نوع من التوازن في‬
‫ضمير اإلنسان بين عالمين خارجي وداخلي‪ ،‬محسوس وغير محسوس‪ ،‬ولهذا ال يمكن إنكار‬
‫مجرد معرفة وخلق نظام لإلنسان‬
‫للتسلية‪ ،‬بل ّ‬
‫ّ‬ ‫مجرد حكاية‬
‫دورها والتقليل من شأنها واعتبارها ّ‬
‫في مرحلة من مراحل حياته يستطيع من خاللها التأقلم مع محيطه وضمان استق ارره‬
‫االجتماعي‪.‬‬

‫ومنه تبدو األسطورة« بمثابة الدستور االعتقادي الذي يفسر الحاضر ويؤمن المستقبل‪،‬‬
‫وكانت ذات غاي ات عملية تهدف إلى ترسيخ عادات اجتماعية أو تدعيم سلطة عشيرة بذاتها‬
‫أو إقامة نظام اجتماعي بالذات»‪ 2‬وفي هذا القول تأييد لبعض المدارس التي ظهرت منذ‬

‫‪ -1‬فاروق خورشيد‪ :‬أدب األسطورة عن العرب‪ ،‬جذور التفكير وأصالة اإلبداع‪ ،‬سلسلة عالم المعرفة‪ ،‬مطابع السياسة‪،‬‬
‫الكويت‪ ،‬دط‪ ،2002 ،‬ص ‪.22‬‬
‫‪-2‬سيد القمني‪ :‬األسطورة والتراث‪ ،‬المركز المصري لبحوث الحضارة‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪ ،1991 ،03‬ص ‪.29‬‬
‫‪12‬‬
‫التداخل بين الشعر واألنواع األدبية األخرى‪.‬‬ ‫الفصل األول‪:‬‬

‫بأن األسطورة «تنتمي‬


‫القرن ‪ 19‬والهادفة إلى تفسير األسطورة وبيان بواعثها‪ ،‬فتقر بذلك ّ‬
‫‪1‬‬
‫معينة لتدعيم سيطرة عشيرة»‪.‬‬
‫للعالم الواقعي تروى لترسيخ عادات قبلية ّ‬

‫أما سيغموند فرويد ‪ Sigmund FREUD‬في كتابه " تفسير األحالم" بالالشعور الفردي‬
‫أن هناك «تشابها في آلية العمل بين الحلم‬
‫وما فيه من رغبات مكبوتة و ّ‬
‫أن لها دو ار ورقابة‬
‫تعد من إبداعات الخيال إالّ ّ‬
‫النفس ّ‬
‫واألسطورة»‪ .‬فاألسطورة حسب علماء ّ‬
‫‪2‬‬

‫النفسي‬
‫عليه فهي التي تنظمه وتصوغه وفق فكر الجماعة أو العشيرة‪ ،‬ومن مهام المنهج ّ‬
‫محاولته التّقريب بين الحلم باعتباره هو اآلخر من اإلبداعات الخيالية الفردية‪ ،‬وبين األسطورة‬
‫باعتبارها جماعية مشتركة اإلنتاج بين مجموعة من األفراد‪.‬‬

‫النفس دائما نجد تعريفا آخر لتلميذ سيغموند فرويد وضعه كارل‬
‫وفي مجال علم ّ‬
‫غوستاف يونغ ‪ Karl Gustave YUNG‬الذي اهتم باألسطورة ودرسها دراسة فلسفية‬
‫مجرد خيال ووهم؛ هدف يصبو إلى إزالة كل ما يعتري‬
‫باعتبارها نظاما فكريا له هدف وليس ّ‬
‫الوجود من غموض ليزول معه أكبر هاجس وحاجز لإلنسان أالّ وهو القلق والخوف‬
‫فإن يونغ يتفق معه‬
‫واالرتياب‪ ،‬واذا كان فرويد يعيد األسطورة إلى نتاج الالشعور الفردي‪ّ ،‬‬
‫في الالشعور ويختلف معه في الجمعي‪ ،‬حيث يساهم فيها ال شعور الجماعة لتنتعش من‬
‫خالل الفرد فهي تتبع من دوافع نفسية مقلقة تدفع اإلنسان إلى التفكير في الوجود‪ ،3‬فيبني‬
‫التحول والسحر وقيام أبطالها‬
‫ّ‬ ‫قصته األسطورية من شخصيات بطولية يغلب عليها طابع‬
‫بأعمال خارقة يعجز اإلنسان العادي على القيام بها على نحو ما نجده في أساطير عشتار‬
‫وأدونيس وجلجامش‪.‬‬

‫‪ -1‬فراس السواح‪ :‬مغامرة العقل األولى‪ ،‬دراسة في األسطورة‪ ،‬سوريا أرض الرافدين‪ ،‬دار عالء الدين‪ ،‬دمشق‪ ،‬ط‪11‬‬
‫‪ ،1996‬ص ‪.15‬‬
‫‪ -2‬فراس السواح‪ :‬مغامرة العقل األولى‪ ،‬د ارسة في األسطورة‪ ،‬ص‪.16‬‬
‫‪ -3‬مجموعة من الباحثين‪ :‬األسطورة توثيق حضاري‪ ،‬قسم الدراسات والبحوث‪ ،‬جمعية التجديد الثقافية االجتماعية‪ ،‬مملكة‬
‫البحرين‪ ،‬ط‪ ،2005 ،1‬ص ‪.18‬‬
‫‪13‬‬
‫التداخل بين الشعر واألنواع األدبية األخرى‪.‬‬ ‫الفصل األول‪:‬‬

‫وال ينفي يونغ أهميتها إذ يعتبرها وسيلة تعلّم وتعليم في مجتمعها وفي المجتمعات التي‬
‫أن المجتمع الذي‬
‫أن األسطورة تنير جوانب النفس اإلنسانية و ّ‬
‫تلتها والتي سوف تليها إذ يرى « ّ‬
‫‪1‬‬
‫يفقد أساطيره بدائيا كان أم متحض ار يعاني كارثة أخالقية تعادل فقدان اإلنسان لروحه»‪.‬‬
‫أن األسطورة تعكس سعي اإلنسان لفهم الكون والحياة في قوله‬
‫ليخلص أنيس فريحة إلى ّ‬
‫وهكذا تكون األسطورة في نشأتها األولى محاولة لتعليل المبهم وتفسير لظاهرة طبيعية ال‬
‫يعرف لها سبب‪.‬‬

‫تحدث كلو ليفي ستراوس‪ C. Levi STRAUSS‬عن األسطورة على ّأنها «حلول‬
‫يصنعها الخيال لتسوية التناقضات االجتماعية الواقعية»‪2.‬وهنا يكمن االختالف بينهما وبين‬
‫فإن الفلسفة تتخذ من المفاهيم‬
‫الفلسفة فإذا كان معيار األسطورة الخيال والعاطفة والرمز ّ‬
‫بأنها علة الفكر‬
‫الذهنية كأدوات إلقامة محاكمة حول شيء أو حادث‪ ،‬وتتهم األسطورة ّ‬
‫ومجرد ضالل وأوهام هذا مع «الفلسفة العقالنية مع ديكارت ‪DESCARTES‬‬
‫ّ‬ ‫وتأخره‬
‫والوضعية مع أوغست كونت ‪ August KANT‬التي حكمت على المخيلة واعتبرتها سيدة‬
‫الخطأ والضالل هي نفسها التي أنكرت األسطورة معتبرة إياها خياالت وأوهاما باطلة تعود‬
‫الزاوية‬
‫إلى طور سذاجة البشرية»‪ .‬ينظر كلود ليفي ستراوس إلى األسطورة من ّ‬
‫‪3‬‬

‫بالنفس ومشاعرها‪ ،‬والثّاني ما‬


‫األول ما تعلق ّ‬
‫األنتروبولوجية ويفسرها بنظرة عامة‪ ،‬بشقيها ّ‬
‫تجاوز ذلك إلى تفسير الظواهر العسيرة‪.‬‬

‫مفكر فيه تعرض‬


‫بأنها قصة خرافية لها أصل شعبي غير ّ‬
‫وعرفت األسطورة فلسفيا ّ‬
‫ّ‬
‫أن كل من هيجل‬
‫لكائنات غير بشرية وسبغت على أفعالها أو مغامراتها معانى رمزية‪ .‬مع ّ‬
‫‪4‬‬

‫‪ -1‬مجموعة من الباحثين‪ :‬األسطورة توثيق حضاري‪ ،‬ص ‪.19‬‬


‫‪ -2‬محمد شاهين‪ ،‬األدب واألسطورة‪ ،‬المؤسسة العربية للدراسات والنشر‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪ ،1996 ،1‬ص ‪.10‬‬
‫‪ -3‬محمد عجينة‪ :‬موسوعة أساطير العرب عن الجاهلية ودالالتها‪ ،‬دار الفارابي‪ ،‬ط‪ ،1‬بيروت‪ ،1994 ،‬ص ‪.61‬‬
‫‪ -4‬ينظر خالد غريبي‪ :‬في قضايا النص الشعري الحديث‪ ،‬مقاربات نظرية وتحليلية (أدونيس‪ ،‬البياتي‪ ،‬درويش‪ ،‬حجازي‪،‬‬
‫السياب‪ ،‬عبد الصبور)‪ ،‬مكتبة قرطاج للنشر والتوزيع‪ ،‬تونس‪ ،‬ط‪ ،2007 ،1‬ص ‪.201‬‬
‫‪14‬‬
‫التداخل بين الشعر واألنواع األدبية األخرى‪.‬‬ ‫الفصل األول‪:‬‬

‫أن‬
‫‪ HEGEL‬وأرنست كاسير ‪ Ernest KASEASER‬لهما رأي آخر حيث «أكد هيجل ّ‬
‫لألسطورة عالقة داخلية ضرورية مع المهمة األم التي تسعى إليها ظواهر الفكر أما أرنست‬
‫أن األسطورة تقع ضمن دائرة هي دائرة المعرفة النظرية والفن واألخالق‬
‫كاسيرر فقد تنبه إلى ّ‬
‫‪1‬‬
‫أي ضمن نظام " أشكال التعبير الفكرية "»‪.‬‬

‫أن الفالسفة تباينت مواقفهم تجاه األسطورة فبعضهم يذكرها باعتبارها‬


‫من هنا يتضح ّ‬
‫ابنة الخيال‪ ،‬وآخرون يعترفون بكونها معرفة سابقة للفكر وممهدة له وهي‪« :‬فيما قبل حكاية‬
‫ولم تكن حال لإلشكال‪ّ ،‬إنها كانت تروي مجموعة األعمال المنظمة التي كان يقوم بها الملك‬
‫‪2‬‬
‫أو اإلله‪ ،‬تلك األعمال التي كانت الطقوس تحاول أن تشخصها »‪.‬‬

‫السابقين وكلما ذكرت على‬


‫فمفهوم األسطورة ال يكاد يخرج عن األخبار المأثورة عن ّ‬
‫الناس‪ ،‬فهي تاريخ مترجم للحظات واقعية وراصد لحوادث تتعلق‬
‫اللسان إال وارتبطت ببداية ّ‬
‫بالدين الشتمال قصتها على كائنات علوية وآلهة‪ ،‬وهي معرفة في محاولة منها تقديم حقيقة‬
‫الموجودات وما يشتمل عليه الكون‪ ،‬وهي قيم لما يصاحبها من تعبيرات عن السلوك وطرق‬
‫الناس واآللهة باتخاذ طقوس تعارف‬
‫الناس واألشياء‪ ،‬وما بين ّ‬
‫الناس‪ ،‬وما بين ّ‬
‫التعامل ما بين ّ‬
‫عليها أفراد العشيرة‪ ،‬واستمروا في ممارستها حتى ضمنت لنفسها االستم اررية وتوارثتها‬
‫األجيال فغدا معناها‪« :‬ظاهرة تاريخية بمعنى ّأنها نبعت من جدل اإلنسان والعالم المحيط أي‬
‫مر‬
‫من خالل وعيه بتلك العالقة‪ ،‬ومن خالل تآخيه مع الطبيعة أو " أنسته" لها على ّ‬
‫‪3‬‬
‫التّاريخ‪ ،‬وهو ما يفسر لنا ارتباطه بصفة اإلنسان الفاعل والمفكر»‪.‬‬

‫‪ -1‬محمد عجينة‪ :‬موسوعة أساطير العرب عن الجاهلية ودالالتها‪ ،‬ص ‪.51‬‬


‫‪ -2‬عبد السالم عبد العالي‪ :‬الفلسفة الحديثة نصوص مختارة‪ ،‬اختيار وترجمة د‪ .‬محمد سيال‪ ،‬إفريقيا الشرق‪ ،‬المغرب‪،‬‬
‫‪ ،2001‬ص ‪.25‬‬
‫‪ -3‬محمد عجينة‪ :‬موسوعة أساطير العرب عن الجاهلية ودالالتها‪ ،‬ص ‪.33‬‬
‫‪15‬‬
‫التداخل بين الشعر واألنواع األدبية األخرى‪.‬‬ ‫الفصل األول‪:‬‬

‫ولكنها تدخل في‬


‫عدة كلمات تختلف معانيها ّ‬
‫وكلمة أسطورة حقل داللي تنطوي تحته ّ‬
‫منبت هذا الحقل‪ ،‬نذكر منها (تاريخ – ماضي – خيال – مقدس – حدث) وبجمع هذه‬
‫العناصر ينتج تعريف عام لمعنى األسطورة االصطالحي فهي «تروي تاريخا مقدسا‪ ،‬تروي‬
‫‪1‬‬
‫حدثا جرى في الزمن البدائي‪ ،‬الزمن الخالي‪ ،‬وهو زمن البدايات»‪.‬‬

‫تركز على تفسير أحداث الحياة وظواهر الطبيعة‬


‫فمهمة األسطورة إذن أيام نشأتها ّ‬
‫يعبر عن أفكار دينية ونفسية واجتماعية‬
‫ونشوء الكون ونظامه‪ ،‬تحت تأليف جماعي شعبي ّ‬
‫وأنتروبولوجية وصراع أزلي بين الخير والشر‪ ،‬ومحاولة تحديد المصير في هذا العالم‬
‫وتأمله ومحاولة‬
‫تدبره ّ‬
‫الطبيعي واالجتماعي والثّقافي‪ ،‬ليس من منطلق تصويره بل من منطلق ّ‬
‫الخروج بحقيقة أو نتيجة‪ ،‬فهي بحسب بعض التّعاريف «ثمرة الخيال البشري من موقع معين‬
‫‪2‬‬
‫والرامي إلى قيام عمل ما»‪.‬‬

‫األول أو البدائي لم يقف أمام واقعه وعالمه‬


‫بأن اإلنسان ّ‬
‫التعريف نقول ّ‬
‫ومن خالل هذا ّ‬
‫يتحول‬
‫رد فعل بل كان يريد أن ّ‬
‫ومتأمل يتحكم فيه عالمه دون أي مبادرة أو ّ‬
‫ّ‬ ‫مصور‬
‫ّ‬ ‫مجرد‬
‫ّ‬
‫ويحدد موقعه منه‪.‬‬
‫ّ‬ ‫من متحكم فيه إلى حاكم‪ ،‬أن يسير العالم‬

‫إن كل ما ذكرناه سابقا عن األسطورة وما يكتفها من خيال وماض والواقع وخرافة‪ ،‬لم‬
‫ّ‬
‫بالدراسة منقبا عن‬
‫يمنع من بروزها على جميع األصعدة العلمية‪ ،‬فما من علم إال تناولها ّ‬
‫أهميتها في االطالع على فلسفة اإلنسان في الوجود‬
‫ومؤكدا على ّ‬
‫ّ‬ ‫مفاهيمها وكاشفا عن دورها‬
‫ومحاوالته الفكرية األولى‪ ،‬وهي إن كانت قصة خيالية إالّ ّأنها ذات داللة حضارية معينة‬
‫أن نفس األفكار والمشاغل التي كانت تراود اإلنسان البدائي من خلق‬
‫ومعان مبطنة‪ ،‬خاصة و ّ‬

‫‪ -1‬مرسيا إلياد‪ :‬مظاهر األسطورة‪ ،‬تر‪ :‬نهاد خياطة‪ ،‬دار كنعان للدارسات والنشر‪ ،‬دمشق‪ ،‬ط‪ ،1991 ،1‬ص ‪.10‬‬
‫‪ -2‬محمد عجينة‪ :‬موسوعة أساطير العرب عن الجاهلية ودالالتها‪ ،‬ص ‪.68‬‬
‫‪16‬‬
‫التداخل بين الشعر واألنواع األدبية األخرى‪.‬‬ ‫الفصل األول‪:‬‬

‫وتحول وموت وروح ومادة في وجود يتراءى له دون نهاية‪ ،‬هي نفسها التّي طغت على تفكير‬
‫ّ‬
‫اإلنسان الحاضر‪.‬‬

‫ألنها تحمل جملة من‬


‫وهكذا تبدو األسطورة المعين الذي ال ينضب في كيفية التعامل ّ‬
‫انشغاالت اإلنسان الفكرية‪ ،‬الدينية‪ ،‬األخالقية‪ ،‬السياسية‪ ،‬الثّقافية‪ ،‬والتعاملية‪ ،‬يضاف إليها‬
‫شعائر تجديد الحياة والزمن والجنس وسر الحياة والموت‪ ،‬إذن فهي خليط لكل هذه العناصر‬
‫نتج عن حلم جماعي في مواجهة الحياة الصعبة‪ ،‬والطبيعة الخشنة‪.‬‬

‫يؤكدها علماء االجتماع عندما اعتبروها تاريخا للمجتمع الالشعوري في‬


‫والفكرة ذاتها ّ‬
‫منظومة رمزية تعين الجماعة على التّفكير في «النظام الرمزي الذي يسمح بالتواصل من‬
‫أن اللّغة هي محور األسطورة وهي نظام‬
‫أن البنيوية والسيميائية تريان ّ‬
‫وراء الكلمات» إال ّ‬
‫‪1‬‬

‫تواصل بين الماضي والحاضر وهما ترفضان رفضا تاما فكرة االقتصار على ربط األسطورة‬
‫يعتبرنها رسالة الماضي إلى الحاضر‪ ،‬ورسالة الحاضر إلى المستقبل‬
‫ا‬ ‫بالفكر البدائي‪ ،‬بل‬
‫محدد سواء أكان نفسيا أم طبيعيا أم دينيا أل ّن ذلك‬
‫أيضا ربط نشأتها بعنصر ّ‬
‫وهما ترفضان ً‬
‫الدراسات الكثيرة التّي تناولتها بالخصوص من‬
‫ردا على ّ‬
‫حدا لحياتها‪ ،‬وهذا ربما ً‬
‫قد يجعل ّ‬
‫األول إلى الدين مما جعل األسطورة في رأي الكثيرين‬
‫الناحية الدينية وأرجعت منشأها ّ‬
‫مثيولوجية دينية‪ ،‬أبطالها آلهة هدفها األساس توضيح معتقد ديني أو رواية مغامرات ّاآللهة‬
‫في عوالم مجهولة فغايتها حسب العالم األنثروبولوجي مالينوفسكي‪« MALINOVSKI ،‬‬
‫‪2‬‬
‫إرضاء حاجات دينية عميقة أي ّأنها تعبير ديني اجتماعي»‪.‬‬

‫يؤكد فيه جيمس فريزر‪ James George FRAZER‬مضمونها الديني‬


‫ففي الوقت الذي ّ‬
‫الدين" عندما أشار إليها بطقوس السحر و ّأنها عبادة أو كتابه "‬
‫الشعر و ّ‬
‫سواء في كتابه " ّ‬

‫‪ -1‬محمد عجينة‪ :‬موسوعة أساطير العرب عن الجاهلية ودالالتها‪ ،‬ص ‪.43‬‬


‫‪ -2‬إحسان عباس‪ :‬اتجاهات الشعر العربي المعاصر‪ ،‬سلسلة عالم المعرفة‪ ،‬المجلس الوطني للثقافة والفنون واآلداب‪،‬‬
‫الكويت‪ ،1987 ،‬ص ‪.128‬‬
‫‪17‬‬
‫التداخل بين الشعر واألنواع األدبية األخرى‪.‬‬ ‫الفصل األول‪:‬‬

‫أن‬
‫األول‪ ،‬عن عالقته بالكون‪ ،‬و ّ‬
‫الغض الذهبي" الذي يعتبرها فيه نموذجا ّأوليا عن اإلنسان ّ‬
‫يهم السميائيين‬
‫الذي ّ‬
‫فإن ّ‬
‫الممارسة السحرية والدينية جوهر األسطورة عند الشعوب البدائية‪ّ .‬‬
‫‪1‬‬

‫وعلى رأسهم روالن بارت ‪ Roland BARTHES‬فهو اللّغة والطريقة الكالمية التي يعرض بها‬
‫المضمون وكأن األسطورة من ميزاتها اتساع جوهرها ومحدودية شكلها‪ ،‬وكالمها هذا هو‬
‫ليس أي كالم إذ يجب أن تتوفر في اللّغة شروط خاصة لتصبح أسطورة‪ ،‬ولكن الذي يجب‬
‫‪2‬‬
‫أن« األسطورة نظام تواصل وهي رسالة»‪.‬‬
‫طرحه منذ البداية هو ّ‬

‫الشاعر المعاصر على‬


‫لقد استعان األدباء باألسطورة في أعمالهم اإلبداعية‪ ،‬كما اعتمد ّ‬
‫أن «األسطورة كانت وال تزال تشكل روح الشعر وهاجسه‬
‫األسطورة الشرقية والغربية باعتبار ّ‬
‫الزمن‪ ،3»....‬فهي تمنح النص اإلبداعي وجها آخر‬
‫مر ّ‬‫الشعراء‪ ،‬على ّ‬
‫وتعد ملهمة ّ‬
‫ّ‬ ‫الدائم‬
‫محم ال بكثير من الرموز والبنى والرؤى الجديدة‪ ،‬فكل هذا يكسب القصيدة فضاءات ودالالت‬
‫ّ‬
‫الشاعر والمتلقي « عبر رموز مشتركة‬
‫معرفية وفكرية‪ ،‬كما تساعد على تقريب المسافة بين ّ‬
‫يتمثلها هذا الجمهور حق تمثيل وتنحدر إليه من أحقاب سحيقة يلفها السحر والغموض‬
‫‪4‬‬
‫فيتشكل لديه مرفأ روحاني موصوال باألجداد»‪.‬‬

‫الشاعر المعاصر بصفة عامة في االستفادة من األسطورة رم از وبنية ورؤية‬


‫اجتهد ّ‬
‫الدالالت الغامضة واإليحاءات المعرفية‬
‫إلكساب القصيدة الجديدة فضاءات رحبة كثيفة من ّ‬
‫واألبعاد الفكرية‪.‬‬

‫‪ -1‬محمد بلوحي‪ :‬آليات الخطاب النقدي العربي الحديث في مقاربة الشعر الجاهلي من منشورات اتحاد الكتاب العرب‪،‬‬
‫دمشق‪ ،2004 ،‬ص ‪.125‬‬
‫‪ -2‬خالد غريبي‪ :‬في قضايا النص الشعري الحديث‪ ،‬ص ‪.203‬‬
‫‪ -3‬محمد جالوي‪ :‬التراث والحداثة في أشعار لونيس أيت منقالت‪ ،‬و ازرة الثقافة‪ ،‬المكتبة الوطنية الجزائرية‪ ،‬د‪.‬ت‪ ،‬ص ‪.28‬‬
‫‪ -4‬المرجع نفسه‪ ،‬الصفحة نفسها‪.‬‬
‫‪18‬‬
‫التداخل بين الشعر واألنواع األدبية األخرى‪.‬‬ ‫الفصل األول‪:‬‬

‫‪ -2-1‬أسطورة "أنزار" بين الماضي األسطوري والحاضر الشعري‪.‬‬


‫الشعر القبائلي‪/‬األمازيغي عن‬
‫الشاعر لونيس آيت منقالت بدوره إلى ترقية ّ‬
‫يسعى ّ‬
‫الشعراء على توظيف األساطير غير‬
‫متطورة‪ ،‬إذ عكف كغيره من ّ‬
‫ّ‬ ‫طريق استعمال أدوات فنية‬
‫ّأنه لم يوظفها بشكل مفرط كبقية الموارد الثّقافية التي اعتمد عليها في كتاباته(القصص‬
‫الشعبي واألمثال والعادات والتّقاليد)‪ ،‬وهذا ما أشار إليه محمد جالوي حيث يقول‪ «:‬ولكن‬
‫ّ‬
‫رغم حرص الشاعر في العودة إلى األساطير القديمة فإننا نالحظ أن توظيفه الفني لها لم‬
‫يكن بقدر كثيف إذ ما قورن بتوظيفه لألشكال التعبيرية األخرى من حكاية وخرافة وقول‬
‫‪1‬‬
‫مأثور‪ ،‬هذه التي تسجل حضو ار واسعا في مختلف إنتاجاته وابداعاته»‪.‬‬
‫الشعرية‪ ،‬مما أضفى على‬
‫وقد اتخذها (األساطير) كعنصر فني في تشكيل خطاباته ّ‬
‫يشدد الحرص‬
‫ظل ّ‬‫الشعرية بعدا دالليا ثريا‪ ،‬إذ ّ‬
‫متجددا وأكسب تجربته ّ‬
‫ّ‬ ‫نصه اإلبداعي نبضا‬
‫طاء إنسانيا دائما‪.‬‬
‫على خاصية مادته األسطورية من رموز وايحاءات باعتبارها ع ً‬
‫الشعرية القائمة على تناص تراثي في بعده األسطوري قصيدته‬
‫ولعل من بين نماذجه ّ‬
‫ّ‬
‫"ظلمتنيوما أنا بظالم"(‪ ،)Tesdelmed-iyi-ur dlimeɣ‬فالمعيار الفني في بنية هذه القصيدة‬
‫مكونات النص الغائب أسطورة "أنزار"‪2‬أو "عروس أنزار‪ ،" Tislit n wanzar‬ويذكر‬
‫ينبعث من ّ‬
‫أن مواطن توظيف المادة األسطورية في "ظلمتني" يمكن أن تنحصر في ثالث‬
‫محمد جالوي ّ‬
‫عناصر‪:3‬‬

‫‪ -1‬محمد جالوي‪ :‬التراث والحداثة في أشعار لونيس أيت منقالت‪ ،‬ص ‪.27‬‬
‫‪ -2‬يرد أنزار بشكلين متباينين في األسطورة الجزائرية؛ ففي أسطورة يظهر على ّأنه إله المياه واألمطار‪ ،‬وفي أسطورة أخرى‬
‫أن أنزار هي خطيبة المطر‪ .‬ينظر عبد الرحمان بوزيدة‪ :‬قاموس األساطير الجزائرية‪ ،‬منشورات‪،Crasc‬‬
‫يظهر على ّ‬
‫‪ ،2005‬ص ‪.144 ،134‬‬
‫‪ -3‬محمد جالوي‪ :‬التراث والحداثة في أشعار لونيس أيت منقالت‪ ،‬ص ‪.76‬‬
‫‪19‬‬
‫التداخل بين الشعر واألنواع األدبية األخرى‪.‬‬ ‫الفصل األول‪:‬‬

‫‪ ‬العنصر األول‪ :‬هو األنا المخاطب والهو المخاطب‪:‬‬


‫األول‬
‫نالحظ وجود طرفين متصارعين في األسطورة الجزائرية المسماة "أنزار"‪ :‬الطرف ّ‬
‫هو إله "أنزار" والطرف الثّاني هي "عروس أنزار"‪.‬‬
‫تجسد‬
‫تجسد في شخصية "أنزار"‪ ،‬و"الهو" المعشوق‪ّ :‬‬
‫وهناك 'أنا" و"الهو"‪" :‬أنا" العاشق‪ّ :‬‬
‫رب‬
‫السلطة والنفوذ فهو ّ‬
‫في شخصية "العروس ‪ ،"Tislit n wanzar‬فاإلله العاشق رمز للقوة و ّ‬
‫الرزق والخيرات‪ ،‬ولكن هذه القوةّ تضعف أمام نبضات قلب العاشق حين‬
‫الغيث ومصدر ّ‬
‫التجبر والتعالي‪،‬‬
‫ّ‬ ‫قوة فهي تهزم‬
‫يناجيه جمال الحبيبة ويغريه حسنها الفاتن‪ ،‬فللعروس أيضا ّ‬
‫الحب والجمال‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّإنها‬
‫النسيج‬
‫األول المؤسس لصلب األسطورة توظيفا جوهريا في ّ‬
‫الشاعر العنصر ّ‬
‫وظف ّ‬
‫قوة األنا‬
‫قوتين متجابهتين هما ّ‬
‫الشعري تقوم على ّ‬
‫أن بنية الخطاب ّ‬
‫الفني للقصيدة‪ ،‬حيث ّ‬
‫وقوة الهو المعشوق والمخاطب‪ ،‬فهو يسموب"األنا ‪ "Nekk‬إلى مقام اإلله‬
‫العاشق المخاطب ّ‬
‫قوة البهاء والسحر‪ ،‬فهو يستمد‬
‫"أنزار" إله المياه واألمطار‪ ،‬ويضفي على "الهو‪/‬الهي ‪ّ " Nettat‬‬
‫قوته من شظايا حّبها‪ ،‬إذ به يرتقي إلى أعلى السماء ليصبح غيما يمطر غيثا يرضى به‬
‫ّ‬
‫‪1‬‬
‫طلب الحبيبة وفي ذلك استنساخ واضح أللوهية "أنزار" وشخصيته‪ ،‬إذ يقول‪:‬‬
‫‪nekk – ad uɣalaɣ agu‬‬ ‫أنا سأصبح غيما‬
‫‪sennig- m ad am d - hduɣslam‬‬ ‫ومن العلى أهديك سالما‬
‫‪lehwa – s d – iheggunazar‬‬ ‫أمطاره المنعشة للجذور‬
‫‪d nekk arra tt – id – yaznenfell- as‬‬ ‫بأمري يجود بها السحاب‬
‫الشاعر حبيبته بصور مفعمة بالمالحة والرونق والسكينة معتمدا في ذلك‬
‫كما يرسم ّ‬
‫على عناصر طبيعية‪ ،‬إذ يصفها محاطة بالورود من كل جانب‪ ،‬مع اخضرار األرض من‬

‫‪ -1‬لونيس أيت منقالت‪ :‬الديوان الشعري‪ ،‬جمع وترجمة محمد جالوي‪ ،2007 ،‬قصيدة " أنزار"‪ ،‬ص ‪.97‬‬
‫‪20‬‬
‫التداخل بين الشعر واألنواع األدبية األخرى‪.‬‬ ‫الفصل األول‪:‬‬

‫كل هذا مقابل أن ترضى به زوجا‬


‫مسخرة من أجلها‪ّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫وكل هذه النعم والخيرات‬
‫تحت قدميها‪ّ ،‬‬
‫‪1‬‬
‫وحبيبا‪ ،‬يقول‪:‬‬
‫‪ad d - imɣilwerd ad yufsu‬‬ ‫ينبت الورد يتفتق‬
‫‪ad d- imellel di ssifa – m‬‬ ‫ويشبه جمالك الخالق‬
‫‪lahcic ad am- yuɣal d usu‬‬ ‫العشب يعدو بساطا تحت قدميك‬
‫‪igenni d aƐdilfell – am‬‬ ‫غطاء من فوقك‬
‫ً‬ ‫والسماء تصبح‬
‫وهو في هذا المقطع يستحضر من جديد موقفا أسطوريا يتمثل في "عروس أنزار"‪ ،‬التي‬
‫تمكنت من الفوز برضا اإلله "أنزار" وكذلك بعودة المياه إلى مجاريها واخضرار األرض وازالة‬
‫القحط والجفاف‪.‬‬
‫‪ ‬والعنصر الثاني يكمن في تلك العالقة الجامعة بين العاشق والمعشوق‪:‬‬
‫فالحب والجمال غاية ينشدها‬
‫ّ‬ ‫تقوم العالقة بين "أنزار" والفتاة على مبدأ األخذ والعطاء‪،‬‬
‫أن الخصب واالخضرار يمثل العنصر‬
‫اإلله‪ ،‬فهو يمتلك قدرات خارقة وقوى نافذة‪ ،‬كما ّ‬
‫األساس لضمان االستم اررية لحياة "عروس أنزار"‪ ،‬فلن ينزل الغيث ولن يخضر ال ّزرع ما لم‬
‫بهاء‪.‬‬
‫حبا وعشقا وتمتلئ عيناه حسنا و ً‬
‫يرتوي قلب اإلله ّ‬
‫مكونات أسطورة "أنزار"‪ ،‬بما في ذلك البعد‬
‫اعتمد الشاعر لونيس آيت منقالت على ّ‬
‫حبه لحبيبته وتعطشه الكبير‬
‫ليعبر من خاللها عن ّ‬
‫الشعري ّ‬
‫الحسي لها‪ ،‬في بناء خطابه ّ‬
‫‪2‬‬
‫لالرتواء بفتنتها إذ يقول‪:‬‬
‫‪ad d – tas teslit n wenzar‬‬ ‫عروس أنزار قادمة‬
‫‪ad as-tefk i lwerd l fuda -s‬‬ ‫ستهدى للورد من منديلها األلوان‬
‫‪lebreq d-iwetamlefnar‬‬ ‫البرق يومض كالمصباح‬

‫‪ -1‬لونيس أيت منقالت‪ :‬الديوان الشعري‪ ،‬جمع وترجمة محمد جالوي‪ ،‬ص ‪.97‬‬
‫‪-‬المرجع نفسه‪ ،‬الصفحة نفسها‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪21‬‬
‫التداخل بين الشعر واألنواع األدبية األخرى‪.‬‬ ‫الفصل األول‪:‬‬

‫‪Ad iyi-d ibeggenssfa-s‬‬ ‫فبرز لي جمالها الفتان‬


‫‪lehwa-s d –iheggunazar‬‬ ‫أمطاره المنعشة للجذور‬
‫‪Nekk ara tt-id – gaznznfell- as‬‬ ‫بأمري يجود بها السحاب‬
‫‪A tin mi d – zzinlenwar‬‬ ‫يا جميلة بين الورود‬
‫‪Ad am- ilijaɛessas‬‬ ‫أنا في حماك قائم‬
‫التشاكل الذي تحقّق بين القصيدة واألسطورة‬
‫يتبين لنا ّ‬
‫فبالعودة إلى خلفية األسطورة‪ّ ،‬‬
‫الحب‬
‫ّ‬ ‫المكون لتلك العالقة المشار إليها في جدلية‬
‫ّ‬ ‫يتلخص في مبدأ األخذ والعطاء‬
‫فهو ّ‬
‫والجمال والخصب والنماء في أسطورة "أنزار"‪.‬‬
‫‪ ‬أما العنصر الثالث فيتمثل في بنية القصيدة‪:‬‬

‫أن هرم تسلسل أحداث األسطورة وتالحق مشاهدها‪ ،‬وظّفه لونيس أيت‬
‫نالحظ ّ‬
‫النمو‬
‫منقالت في عملية نسج البنية الكلية للقصيدة‪ ،‬بالكيفية التي تضمن لها البناء التكاملي و ّ‬
‫التصاعدي عن طريق تداعي المعاني وتتابعها‪ .‬ويمكن تقسيم هذا السياق إلى ثالثة أجزاء‬
‫السرد القصصي لكل أحداث األسطورة والمتمثلة تناصيا في‬
‫تشكل خطية وتسلسل ّ‬
‫رئيسة ّ‬
‫هيكلة القصيدة‪:1‬‬

‫الذي يعكس التّناص القائم بين األنا‬


‫‪ -‬الجزء األول‪ :‬يكمن في افتتاحية األسطورة ّ‬
‫يتجسد عنصر‬
‫ّ‬ ‫النص الشعري‬
‫ّ‬ ‫العاشق والهو المعشوق‪ ،‬ففي الفقرة األولى من‬
‫الشاعر حبيبته بما حصل بينهما من هجر وجفاء‪.‬‬
‫التناص بجالء إذ يذكر ّ‬
‫تم عرض تفاصيل العالقة‬
‫شكل هذا الجزء صلب األسطورة‪ ،‬فيه ّ‬
‫‪ -‬الجزء الثاني‪ :‬ي ّ‬
‫القائمة بين اإلله العاشق والفتاة العروس ويظهر بشكل الفت في الفقرة األولى‬
‫المحدد للعالقة الموجودة‬
‫ّ‬ ‫الشاعر المبدأ نفسه‬
‫والثّانية من بنية القصيدة إذ يستحضر ّ‬

‫‪ -1‬محمد جالوي‪ :‬التراث والحداثة في أشعار لونيس أيت منقالت‪ ،‬ص ‪.77‬‬
‫‪22‬‬
‫التداخل بين الشعر واألنواع األدبية األخرى‪.‬‬ ‫الفصل األول‪:‬‬

‫الحب والجمال‪ ،‬فهو‬


‫ّ‬ ‫النماء مقابل‬
‫بين العاشق والمعشوق والمبدأ هو الخصب و ّ‬
‫كل طلبات الحبيبة للفوز بحبهّا‪.‬‬
‫يتخيل نفسه في مقام أقوى‪ ،‬وقوته تحقّق ّ‬
‫ّ‬
‫‪ -‬الجزء الثالث‪ :‬يكمن في نهاية تسلسل أحداث األسطورة والقصيدة‪ ،‬فهي نهاية سعيدة‬
‫النفور والبعاد ويتحقّق الوئام والوصال‪ ،‬ونهاية تعيسة في‬
‫في األسطورة إذ يزول ّ‬
‫الشاعر في تحقيق ما يطمح إليه‪ ،‬حيث‬
‫يحل الفراق والجفاء بعدما يفشل ّ‬
‫القصيدة إذ ّ‬
‫ورد في الفقرة األخيرة من القصيدة عدد من المفردات(أنقشع‪ ،‬الذبول‪ ،‬الوداع‬
‫الشاعر وحبيبته واختفاء كليهما عند‬
‫رحل‪ )...‬التي تحيل إلى عدم الوصال بين ّ‬
‫مجيء موسم الح اررة والجفاف الذي ألحق الذبول(الموت) بالوردة الحبيبة واالنقشاع‬
‫بالشاعر الحبيب‪.‬‬
‫(الزوال) ّ‬

‫تمكن‬
‫المادة التي استلهم منها وهي األسطورة وبذلك ّ‬
‫ّ‬ ‫مقومات‬
‫الشاعر على ّ‬
‫لقد حافظ ّ‬
‫مد العالم األسطوري القديم‪ ،‬وجها جديدا وذلك باعتماده على عنصري الخيال والعاطفة‬
‫من ّ‬
‫‪1‬‬
‫غير ّأنه أنهى نصه بمقطع مبني على أحداث مغايرة‪ ،‬جاء فيه‪:‬‬

‫‪Atan unebdu yebbwḍ-d‬‬ ‫حل القحط والحر‬


‫ها قد ّ‬
‫‪Yebbwḍ-d wass-im d wass-iw‬‬ ‫وبه إلى النهاية نؤول‬
‫‪Nekseg-genni ad iyi-isfeḍ‬‬ ‫أنا من علياء السماء أنقشع‬
‫‪Kem a m-yesreɣ afriwn-im‬‬ ‫وأنت سيلحق بك الذبول‬
‫‪Ğğiɣ-kem ad i t-semḥeḍ‬‬ ‫وداعا ومنك العفو أرجو‬
‫‪Γ asfehm-itdeg iman-im‬‬ ‫وفي مصابك لألمر تعليل‬
‫‪Lemḥibba-w ɣr-m teɣleḍ‬‬ ‫حبي لك أخطأ السبيل‬
‫‪Tusa-d tε eddaurteqqim‬‬ ‫ثم مضىورحل‬
‫حل‪ّ ،‬‬
‫ّ‬

‫‪ -1‬لونيس أيت منقالت‪ :‬الديوان الشعري‪ ،‬جمع وترجمة محمد جالوي‪ ،‬قصيدة " أنزار"‪ ،‬ص ‪.98‬‬
‫‪23‬‬
‫التداخل بين الشعر واألنواع األدبية األخرى‪.‬‬ ‫الفصل األول‪:‬‬

‫تركز أساسها على ما تحتوي‬


‫المكونة لبنية القصيدة ّ‬
‫ّ‬ ‫أن األفكار الجوهرية‬
‫نستنتج مما سبق ّ‬
‫أن‬
‫عليه أسطورة " أنزار" من سياق بنائي وذلك من خالل عرض أحداثها وانتظامها‪ .‬إال ّ‬
‫‪1‬‬
‫الشاعر أحدث أم ار لم نتوقعه خاصة بعد ذكره لـ‪:‬‬
‫ّ‬
‫‪Atin ni d- zzin lenwar‬‬ ‫يا جميلة بين الورود‬
‫‪Ad am- iliɣ aɛessas‬‬ ‫أنا في حماك قائم مهاب‬

‫كنا‬
‫وكل تلك األشياء الجميلة التي ّ‬
‫فلن يكون هناك خصب ونماء واستم اررية وحياة ّ‬
‫الحب في‬
‫ّ‬ ‫بالنسبة لألسطورة بل سيؤول‬
‫ننتظرها على امتداد مقاطع القصيدة كما هو األمر ّ‬
‫الشاعر إلى ما انطلق منه في‬
‫نهاية القصيدة إلى قحط وجفاف وذبول وموت‪ ،‬ويعود ّ‬
‫حبهما‪.‬‬
‫قصيدته أي فراق الحبيبة وفشل ّ‬

‫الداخلية وتصوير حاالته‬


‫استفاد لونيس أيت منقالت من األسطورة لبيان أحاسيسه ّ‬
‫الشعورية‪ ،‬واستعان بجملة من التّراكيب المجازية‪ ،‬كنايات واستعارات‪ ،‬جعلت القصيدة سيال‬
‫ّ‬
‫الرغبة‬
‫النص كداللة على ّ‬
‫ّ‬ ‫يجف من المعاني الخارقة والتّعبيرات الراقية‪ .‬فجاءت األسطورة في‬
‫ّ‬ ‫ال‬
‫الداللة ومن أسر المعنى القائم‬
‫متحررة من نظام ّ‬
‫ّ‬ ‫فالشعر لغة‬
‫في التّجاوز ورفض القوالب الجاهزة « ّ‬
‫النص الغائب‪/‬األسطورة في نسيج البنية ال ّشعرية‬
‫ّ‬ ‫المسبق المرتبط برؤية فكرية»‪ 2.‬فيتغلغل بذلك‬
‫ليصبح جزءا ال يتج أز من كيانها‪.‬‬

‫‪-2‬استلهام األقوال المأثورة والكثافة اإليحائية‪:‬‬

‫إن األقوال المأثورة هي موروث شعبي أصيل‪ ،‬جمع عبر التّاريخ‪ ،‬وهو من الفنون‬
‫ّ‬
‫متعددة‪ ،‬تتحدث خاصة عن قصص شعبية وأمثال ومالمح‬
‫ّ‬ ‫األدبية التّي قيلت في مناسبات‬
‫معين‪ ،‬حيث انتقلت هذه‬
‫وألغاز‪ ،‬كما تتحدث أيضا عن عادات وتقاليد ومعتقدات مجتمع ّ‬

‫‪ -1‬لونيس أيت منقالت‪ :‬الديوان الشعري‪ ،‬جمع وترجمة محمد جالوي‪ ،‬ص ‪.98‬‬
‫‪ -2‬حورية الخمليشي‪ :‬الكتابة واألجناس االنفتاح في ال ّشعر العربي الحديث‪ ،‬دار اآلمان‪ ،‬الرباط‪ ،‬ط ‪ ،2014 ،1‬ص‪.77‬‬
‫‪24‬‬
‫التداخل بين الشعر واألنواع األدبية األخرى‪.‬‬ ‫الفصل األول‪:‬‬

‫دونت‪ ،‬ومن بين هذه األقوال‬


‫األقوال المأثورة من جيل إلى آخر شفاهة إلى أن جمعت و ّ‬
‫األكثر تداوال وانتشا ار نجد المثل والحكمة‪.‬‬

‫‪ – 1-2‬تعريف المثل والحكمة‪.‬‬

‫المثل قول مأثور موجز العبارة أطلقه شخص في ظرف من الظروف ثم شاع على‬
‫الناس وترجمة لحالهم الفكري واالجتماعي والسياسي‪ .‬فقد‬
‫األلسن‪ ،‬فالمثل إذن سجل لوقائع ّ‬
‫ألنه يلخص تجربة عاشتها الجماعة‬
‫بأنه « فكرة وطريقة تفكير في اآلن نفسه‪ ،‬فكرة ّ‬
‫ع ّرف ّ‬
‫ألنه يوضح نظرة الجماعة إلى ما يمر من تجارب وما تؤمن به من‬
‫وطريقة تفكير ّ‬
‫‪1‬‬
‫معتقدات»‪.‬‬

‫فالمثل خالصة لتجربة ونتيجة خبرة‪ ،‬فهو ينطلق عن قصة ويحضر في قصة أخرى‬
‫أن المثل خاضع لتجربة معيشية تنتهي إليه‪ ،‬والذي يستدعي‬
‫تستلزم المعنى وهذا يدل على ّ‬
‫بأنها « نوع من‬
‫وعرف أحمد أمين األمثال الشعبية ّ‬
‫ذكره حدوث قصة مماثلة للقصة األصل‪ّ ،‬‬
‫أنواع األدب يمتاز بإيجاز اللفظ وحسن المعنى ولطف الشبه وجودة الكتابة‪ ،‬وال تخلو منه‬
‫أمة من األمم‪ ،‬ومزية األمثال أنها تنبع من كل الطبقات الشعبية»‪ ،2‬فالمثل يتميز بإيجاز‬
‫مكون من أقل قدر من األلفاظ وأكبر قدر‬
‫اللفظ بحيث يدل قليل الكالم فيه على الكثير فهو ّ‬
‫الداللة وهي كلمات عادة ما تحمل وراءها حدثا صارت به مثال‪.‬‬
‫من ّ‬

‫‪ -1‬طالل حرب‪ :‬أولية النص نظرات في النقد والقصة واألسطورة واألدب الشعبي‪ ،‬المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر‪ ،‬ط‬
‫‪ ،1‬بيروت‪ ،1999 ،‬ص‪.142‬‬
‫‪ -2‬أحمد أمين نقال عن نبيلة إبراهيم‪ :‬أشكال التعبير في األدب الشعبي‪ ،‬دار الغريب للطباعة والنشر‪ ،‬ط‪ ،3‬ص ‪.174‬‬
‫‪25‬‬
‫التداخل بين الشعر واألنواع األدبية األخرى‪.‬‬ ‫الفصل األول‪:‬‬

‫وقسم الباحثون المثل إلى أقسام «وهو من حيث المضمون ثالثة أنواع‪ :‬نوع فيه إشارة‬
‫إلى حادثة معينة‪ ،‬ونوع فيه إشارة إلى نموذج من النماذج‪ ،‬ونوع هو بالحكمة أشبه ومن حيث‬
‫الشكل نوعان شعري ونثري»‪ 1.‬ويشتركان في سمة اإليجاز‪.‬‬

‫تعد الحكمة فن من الفنون األدبية يبحث في حقائق األشياء‪ ،‬ويقوم على الفهم والفطنة‬
‫و ّ‬
‫وتدبر‬
‫واصابة القول‪ ،‬والحكمة خالصة تجارب الحياة وافراز للحوادث والنوازل وثمرة تفكير ّ‬
‫األمور وتكون ذات مضمون عميق‪ ،‬وينطق بها شخص عارف أو عالم‪ ،‬فهي «خالصة‬
‫‪2‬‬
‫النصح واإلرشاد»‪.‬‬
‫لتجارب اإلنسان المتكررة يستخلصها الحكيم بغية ّ‬

‫ترد الحكمة في كالم بليغ وموجز مستخلصة من تجربة إنسانية‪ ،‬وقد تأتي في« عبارة‬
‫موجزة أو في بيت شعر أو شطر من قصيدة»‪،3‬وتعبر عن المعرفة التي يكتسبها اإلنسان من‬
‫مر بها‪ ،‬وتهدف غالبا إلى توجيه سلوك الفرد‪.‬‬
‫خالل التجارب والخبرات التي ي ّ‬

‫وسعت نصوص أيت منقالت من أشكال مرجعياتها في استفادتها من التّراث الشفوي وتتجلى‬
‫ّ‬
‫تمد الصورة الشعرية رصيدا كثيفا وثريا‬
‫في األسطورة األقوال المأثورة‪ ،‬المثل والحكمة‪ ،‬بحيث ّ‬
‫من المعاني تغوص في عمق الذاكرة للمجتمع القبائلي‪/‬الجزائري‪.‬‬

‫‪ – 2-2‬طرق استدعاء األقوال المأثورة في نصوص أيت منقالت‪:‬‬

‫الشاعر لألقوال المأثورة بطريقة مباشرة حينا وغير مباشرة حينا آخر‪:‬‬
‫جاء توظيف ّ‬

‫أ – طريقة التضمين المباشر‪ :‬وتنقسم بدورها إلى قسمين‪:‬‬

‫الشاعر األقوال المأثورة بطريقة مباشرة‪ ،‬وذلك بإسناد القول إلى‬


‫يضمن ّ‬
‫ّ‬ ‫أولهما‪ :‬هو أن‬
‫السابقين لغاية إحداث الوقع المؤثر في ذهنية المتلقي‪ ،‬ومن هذه االفتتاحات المسندة‬
‫األجداد‪ّ /‬‬

‫‪ -1‬محمد عزام‪ ،‬المصطلح النقدي في التراث األدبي العربي‪ ،‬دار الشروق العربي‪ ،‬بيروت‪ ،2010 ،‬ص ‪.303‬‬
‫‪ -2‬أبو الفصل أحمد بن محمد اليسابودي‪ :‬أمثال وحكم‪ ،‬الجزائر‪ ،‬دط‪ ،‬ص ‪.03‬‬
‫‪ -3‬المرجع نفسه‪ ،‬الصفحة نفسها‪.‬‬
‫‪26‬‬
‫التداخل بين الشعر واألنواع األدبية األخرى‪.‬‬ ‫الفصل األول‪:‬‬

‫األولون " ‪ "Akken qqaren imezwura‬أو ما يشابهها من‬


‫إلى األسالف نذكر‪ :‬كما يقول ّ‬
‫مقوالت مشتقة من هذا المعنى اإلسنادي مثل‪ :‬األولون قالوا في المثل" ‪imezwra qqan – d‬‬

‫‪ ،" lemtel‬قالوا قديما "‪"nnand imneza‬وغيرها من العبارات‪ ،‬وسنعطي مثالين مما ورد في‬
‫منا وجهته"‪:1"kul yiwen lgiha ɣer imal‬‬
‫نصوص أغانيه‪ ،‬يقول في " لكل ّ‬

‫‪zik –niiakka id – qqaren‬‬ ‫فكما جاء في القول السائر‬


‫‪azruyegrarben‬‬ ‫الحجر المتدحرج الدائر‬
‫‪muhal ad yejmaƐlehcic‬‬ ‫ال يجمع الحشيش في تدحرجه‬
‫الشعري – ‪zik –niiakka id‬‬
‫نالحظ حضو ار واضحا للقول المأثور في هذا المقطع ّ‬
‫الشاعر فكرته بما يتضمنه القول من تجربة حياتية‪ ،‬وشبه حاله بعد‬
‫يدعم ّ‬
‫‪ ،qqaren‬وهنا ّ‬
‫حبه‪ ،‬بحال ذلك الحجر المتدحرج الذي أزيح من مكانه‪ ،‬وانتهى به المطاف إلىاإلحساس‬
‫فشل ّ‬
‫بالوحشة والوحدة واالغتراب‪.‬‬

‫والمثال الثّاني وجدناه في قصيدة فلسفية رائعة عنوانها "الخوف ‪ "Lxuf‬أين وظّف‬
‫الشاعر القول المأثور "المخاوف مصدرها اآلمان" مسبوقا بعبارة "قالوا في الماضي" على‬
‫ّ‬
‫‪2‬‬
‫النحو اآلتي‪:‬‬
‫ّ‬

‫‪Ah..nnan-tdizzman‬‬ ‫آه‪..‬قالوا في الماضي‬

‫‪Lxuf yekka-d si laman‬‬ ‫الخوف وليد اآلمان‬

‫يعبر عن فتور العالقة بين أبناء الوطن الواحد‪ ،‬وقلة ثقتهم ببعضهم البعض‬
‫وهو ما ّ‬
‫الشعب وتشتيتهم‪.‬‬
‫بفعل السلطة التي تستمد قّوتها من تفرقة أفراد ّ‬

‫منا وجهته"‪.103 ،‬‬


‫‪ -‬لونيس أيت منقالت‪ :‬الديوان الشعري‪ ،‬جمع وترجمة محمد جالوي‪ ،‬قصيدة " لكل ّ‬
‫‪1‬‬

‫‪ -2‬المرجع نفسه‪ ،‬قصيدة " الخوف"‪ ،‬ص ‪.161‬‬


‫‪27‬‬
‫التداخل بين الشعر واألنواع األدبية األخرى‪.‬‬ ‫الفصل األول‪:‬‬

‫الشاعر إلى األجداد تأكيدا على صواب‬


‫ويمكن اإلشارة أيضا إلى قولين آخرين أسندهما ّ‬
‫األول في نص أغنية " كالنا بعيدين ‪ :"tbad ḍḍbaɣ‬تقول‬
‫طرحهما وعمق معانيهما؛ ورد ّ‬
‫الناس ال يبكي الرجل مهما عانى‪ Nnan medden kra yaɣen aregaz ur yettru‬وورد‬
‫ّ‬
‫الثّاني في نص أغنية"الشقي ‪ :" Amcum‬قالوا في الضيق يظهر الرفيق ‪Nnan di ttiq-‬‬
‫‪yettban werfiq.‬‬

‫وثانيهما‪ :‬يكون بذكر المثل في سياق الكالم دون إيراد االفتتاحية اإلسنادية السابقة‬
‫الذكر أو دون إشارة إلى األسالف كما في قصيدتي "وكلت أمري‪"Wekkleɣ rebbi‬‬
‫ّ‬
‫المتسول‪"AƐettar‬؛ فقد وظّف قول "هيئوا المبيت قبل المنام ‪"Heggan usu qbel naddam‬‬
‫و ّ‬
‫في القصيدة األولى بطريقة مباشرة‪ ،‬واألمر نفسه يتكرر في القصيدة الثّانية حيث جاء‪:1‬‬

‫‪Lemḥibba -nsen d asawen‬‬ ‫وشر‬


‫ّ‬ ‫حبهم تعب‬
‫ّ‬
‫‪tamusni-nsen d ɣilif‬‬ ‫ومصاحبتهم غبن وأحزان‬

‫ترد فيه على‬


‫وفي هذه الصورة استغالل واضح لقول امرأة قبائلية من جبال جرجرة ّ‬
‫ضيوفها الذين طلبوا منها ذبح جدي إكراما لهم‪:2‬‬

‫‪Tamusni-nsen d ɣilif‬‬ ‫مصاحبتهم غبن وأحزان‬


‫‪lemḥibba -nsen d asawen‬‬ ‫وشر‬
‫ومحبتهم تعب ّ‬

‫ويضرب هذا المثل في مواقف الطمع والجشع والشره والنهم‪.‬‬

‫‪ -1‬لونيس أيت منقالت‪ :‬الديوان الشعري‪ ،‬جمع وترجمة محمد جالوي‪ ،‬قصيدة العطار‪ ،‬ص ‪.201‬‬
‫‪ -2‬محمد جالوي‪ ،‬التراث والحداثة في أشاعر لونيس أيت منقالت"‪ ،‬ص ‪.175‬‬
‫‪28‬‬
‫التداخل بين الشعر واألنواع األدبية األخرى‪.‬‬ ‫الفصل األول‪:‬‬

‫ب – طريقة االقتباس‪:‬‬

‫الشاعر القول المأثور دون التقيد ببنيتها األصلية على نحو ما صاغه‬
‫قد يوظف ّ‬
‫لونيس أيت منقالت في نص "فنان ‪ ،"Afennan‬الذي يصف فيه وضع أبناء وطنه الذين‬
‫‪1‬‬
‫تشققوا وتمزقوا بعدما كانوا متحدين ومتضامنين‪:‬‬

‫‪hman skud mlalen‬‬ ‫وبدفء اللقاء تنعم‬


‫‪yekcem‬‬ ‫‪wuccen‬‬ ‫‪di‬‬ ‫‪ttnasfa‬‬ ‫تربع‬ ‫وسطه‬ ‫الذئب‬ ‫واذا‬
‫‪mkul yiwen anda yerra‬‬ ‫فشتت القطيع واندفع‬
‫‪ur ksan ur d - uɣalen‬‬ ‫فصار الرعي واإلقبال عدما‬

‫وهنا نلمس تشابها في الفكرة بين القصيدة وبعض األقوال المأثورة المتداولة في األوساط‬
‫الشعبية القبائلية‪" :‬إذا تشتت القطيع فللذئب منه نصيب ‪Matfraq taqdiƐt ucen ad yawi‬‬
‫ّ‬
‫‪ "taɣat‬أو "تربع الذئب وسط القطيع ‪ "Ikcem wecce nɣer wulli‬أو "كالذئب المشتت للقطيع‬
‫الشاعر أن يرسم صورة حية لحال أبناء وطنه وما‬
‫‪ "Am uccen iferq entajlibt‬واستطاع ّ‬
‫تصدع وتشتت وخالف بفعل سياسة التفرقة التي انتهجتها السلطة الجزائرية‬
‫ّ‬ ‫أصابهم من‬
‫لضمان استم ارريتها‪.‬‬

‫لقد حرص لونيس أيت منقالت منذ بواكير إنتاجاته اإلبداعية على استحضار األمثال‬
‫شكلها بعناصر شعرية وبتوليفات سير– ذاتية واجتماعية مختلفة تقاطع فيها الشعري‬
‫والحكم و ّ‬
‫مع ثقافة مجتمعية وتراث شعبي األصول واالمتدادات‪ ،‬وكانت الغاية اإلشارة إلى عناصر‬
‫الشعبية إلى‬
‫التّاريخ واالنتماء التي تحملها هذه الثّقافة‪ ،‬فانتقلت هذه العالمات والعناصر ّ‬
‫المتخيلة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫الشعرية وحقّقت اإلضافة الجمالية للبناءات‬
‫اإلعالن عن نفسها في متون النصوص ّ‬
‫الدور الذي قام به في تشكيل‬
‫الشعبي‪ ،‬والوعي ب ّ‬
‫النفسية لإلبداع الثّقافي ّ‬
‫فالتفطن للوظيفة التّاريخية و ّ‬

‫‪ -1‬لونيس أيت منقالت‪ :‬الديوان الشعري‪ ،‬جمع وترجمة محمد جالوي‪ ،‬قصيدة " افنان"‪ ،‬ص ‪.300‬‬
‫‪29‬‬
‫التداخل بين الشعر واألنواع األدبية األخرى‪.‬‬ ‫الفصل األول‪:‬‬

‫الشعر إلى ضرورة‬


‫وجه ّ‬
‫الذات التّاريخية والمجتمعية‪ّ ،‬‬
‫النسيج المجتمعي المشترك وضمان استم اررية ّ‬
‫ّ‬
‫سجالته النصية‪.‬‬
‫الشعبي واالستفادة من أنماطه في ّ‬
‫الحفاظ على حضور األثر ّ‬

‫المبحث الثاني‪ :‬التهجين بين الشعر والخطبة ذات المرجعية الواقعية‪.‬‬

‫بدأت األجناس تتالقح فيما بينها مع بدايات القرن العشرين‪ ،‬حيث عرف الجنس األدبي‬
‫رحبا للتّفاعل‬
‫مجاال ً‬
‫ً‬ ‫الشعرية‬
‫ظاهرة االنفتاح عن كثب واتساع دائرة اإلبداع لتغدو النصوص ّ‬
‫والتّمازج والتواصل‪.‬‬

‫الشعر تنحصر‬
‫أصبحت قضية تداخل األجناس األدبية ظاهرة منتشرة فلم تعد شعرية ّ‬
‫النفس عالمة شعريته وداللة تجديده ومنه‬
‫في التزامه بالوزن والقافية بل أصبح التأثير في ّ‬
‫الشاعر حق االقتراض من النثر بعض التقنيات ممثّلة في عناصر سردية إضافة إلى‬
‫مارس ّ‬
‫الرسالة والسيرة‪...‬‬
‫توظيف بعض خصائص الخطابة والوصية و ّ‬

‫الشعري‬
‫يؤدي التعالق النصي مع األدب العربي القديم دو ار هاما في تشكيل النص ّ‬
‫أمر يثري المضمون‬
‫المعاصر‪ ،‬وذلك لما يرتبط به من مواقف وأخبار‪ ،‬فقد أصبح توظيفه ا‬
‫الشعري ويكشف الكثير من المعاني التي يصعب الحديث عنها بطريقة مباشرة‪.‬‬
‫ّ‬
‫الشاعر للنص األدبي العربي القديم‪-‬الخطبة مثال‪ -‬ال يعني ّأنه ينقلها نقال‬
‫إن استدعاء ّ‬
‫تاما‪ ،‬واّنما يستخدمه « استخداما فنيا إيحائيا وتوظيفه رمزيا لحمل األبعاد المعاصرة للرؤية‬
‫الشعرية بحيث يسقط على معطيات التراث مالمح معاناته الخاصة‪ ،‬فتصبح هذه المعطيات‬
‫تراثية معاصرة »‪1‬ومثل هذا التعامل مع التّراث‪ ،‬من شأنه أن يمنحه بعدا جديدا يتجاوز‬
‫عصره‪ ،‬كما يمنحه قدرة على التواصل ومواكبة العصر الراهن‪.‬‬

‫‪ -‬ابن الشجري‪ :‬مختارات ابن الشجري‪ ،‬تح‪ :‬محمود حسن زناتي‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪ ،1980 ،2‬ص‪.35‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪30‬‬
‫التداخل بين الشعر واألنواع األدبية األخرى‪.‬‬ ‫الفصل األول‪:‬‬

‫‪-1‬تعريف الخطبة‪:‬‬

‫جمعا من‬
‫الخطبة هي قطعة من الكالم توجه إلى جمهور الناس‪ ،‬كالم يخاطب به المتكلم ً‬
‫فن مخاطبة الجمهور ومحاولة إقناعه والقدرة على التّأثير‬
‫الناس إلعالمهم واقناعهم ‪ ،‬أو هي ّ‬
‫‪1‬‬

‫وصنفت على ّأنها أحد أكثر الفنون العالمية تأثي اًر‬


‫ّ‬ ‫فيه‪ ،‬وهي تعتبر من أنواع الفنون القديمة‪،‬‬
‫الناس واتساعاً وانتشا اًر‪.‬‬
‫في ّ‬

‫تمكنه من إقناع الجمهور‪ ،‬ونص الخطبة‬


‫تشترط الخطبة وجود خطيب ذي قدرة لغوية وثقافية ّ‬
‫تجنب النصوص الطويلة حتى ال يشعر المستمع بالملل‪ ،‬وجمهور يستقبل الكالم‪.‬‬
‫ويستحسن ّ‬
‫الشهيرة في األدب الجزائري خطبة طارق بن زياد فاتح بالد األندلس في القرن‬
‫ومن الخطب ّ‬
‫الثّامن(‪711‬م) في عهد الخالفة األموية‪.‬‬

‫‪-2‬جمالية توظيف خطبة طارق بن زياد األمازيغي في" ‪."Tiyita‬‬


‫الشاعر لونيس آيت منقالت قصيدته المعنونة "الضربة‪"Tiyita‬عام ‪ ،1989‬حيث‬
‫نظم ّ‬
‫السلطة وسكان منطقة‬
‫نسج خيوطها بإبرة القضية األمازيغية التي أحدثت صراعا حادا بين ّ‬
‫القبائل (ذوو األصل األمازيغي) سنة ‪ ،1980‬والتي تعود جذورها إلى ‪ - 1949‬األزمة‬
‫الشعراء‪ ،‬خاصة الذين يحتلون الريادة في نظم القصائد السياسية‬
‫البربرية ‪ -‬مما أدى ببعض ّ‬
‫الدفاع عن الثّقافة األمازيغية‬
‫الشاعران لوناس معطوب ولونيس آيت منقالت‪ ،‬بتبني قضية ّ‬
‫ّ‬
‫في أشعارهم من مثل "ثورة أرملة ‪" "Tiɣri n taggalt‬نكون غالبا ‪ "Nezga‬لمعطوب و"الفرار‬
‫‪"Tarewla‬و"كان يا ما كان ‪ "Amacahu‬أليت منقالت‪.‬‬
‫فإن قصيدة "الضربة‬
‫يعتمد أيت منقالت على أسلوب فلسفي إيحائي غير مباشر‪ ،‬وعليه ّ‬
‫الهوية األمازيغية التي كانت حبيسة األدراج في رفوف‬
‫ّ‬ ‫‪ "Tiyita‬تحمل في ثنايا أسطرها تيمة‬
‫تاريخ الجزائر لعقود من الزمن‪ ،‬فعنوان هذه القصيدة كفيل باستنطاق فحواها فكلمة الضربة‬

‫‪ -‬معجم علم المعاني الجامع‪https://www.almaany.com › dict › ar-ar › ،‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪31‬‬
‫التداخل بين الشعر واألنواع األدبية األخرى‪.‬‬ ‫الفصل األول‪:‬‬

‫تعبر عن موقف السلط ات المتعاقبة في الجزائر من االنتماء األمازيغي لغة وثقافة‬


‫)‪ّ )Tiyita‬‬
‫وهوية‪ ،‬بتغييبه عن التّاريخ الجزائري‪ ،‬وعدم االعتراف به ومحاربة المتمسكين به‪.‬‬
‫ّ‬
‫الشاعر في بداية القصيدة هؤالء الذين تنكروا ألصل الجزائر‪ ،‬سماهم بالعارفين‬
‫يخاطب ّ‬
‫‪1‬‬
‫(النبهاء)‪ ،‬حيث خاطبهم بعبارة تلميحية وسؤال إنكاري‪:‬‬
‫‪Melt-aɣ a widen yessnen‬‬ ‫أيها النبهاء قولوا لنا‬
‫‪ma ilaq as nebnu ɣef rrmel‬‬ ‫هل يصح البناء على الرمل‬
‫أن اللّغة األمازيغية محفوظة في لسان كل قبائلي أصيل‪ ،‬كما يدعو إلى ضرورة‬
‫ويؤكد ّ‬
‫الحفاظ عليها‪ ،‬وتداولها من جيل إلى جيل من أجل بناء أصل )‪ )Lasel‬متين‪:‬‬
‫‪Tameslayt deg yilsawen‬‬ ‫لغتنا المحفوظة‬
‫‪Ma ilaq ad tt-neggadaɣ-terwel‬‬ ‫هل يصح أن ندعها للزوال‬
‫‪Ad d yal win ara d -ilalen‬‬ ‫األجيال القادمة ستجد‬
‫‪Ssehin akken ad ikemmel‬‬ ‫أساسا متينا لكي تواصل‬
‫‪Achal yettdul n lebni n lasel‬‬ ‫فلسنا من سيتم إحياءها‬
‫‪Macci d nekkni aratt- ifaken‬‬ ‫ألن بناء األصل قد يطول‬
‫أما في المقطع الثّاني والثّالث فتحدث عن الخطر الذي كان يهدد اللّغة األمازيغية من‬
‫فترة دخول عقبة بن نافع أي دخول اإلسالم إلى شمال إفريقيا عامة والجزائر خاصة‪ ،‬إلى‬
‫بهويتهم‪ ،‬ووقفوا وقفة رجل واحد للدفاع عن ما‬
‫أن تبلور الوعي لدى سكان شمال إفريقيا ّ‬
‫‪2‬‬
‫الربيع األمازيغي)‪:‬‬
‫يخصهم‪ ،‬وذلك في ‪ 20‬أفريل من سنة ‪( 1980‬أحداث ّ‬
‫‪Kulwa d asghar i as -d-yerna‬‬ ‫كل واحد أحضر خشبة‬
‫‪I3awen - ittyiss ad d-teflali‬‬ ‫وضمها بغية اشتعالها‬

‫‪ -1‬لونيس أيت منقالت‪ :‬الديوان الشعري‪ ،‬جمع وترجمة محمد جالوي‪ ،‬قصيدة " الضربة"‪ ،‬ص ‪.212‬‬
‫‪ -2‬المرجع نفسه‪ ،‬الصفحة نفسها‪.‬‬
‫‪32‬‬
‫التداخل بين الشعر واألنواع األدبية األخرى‪.‬‬ ‫الفصل األول‪:‬‬

‫‪Isɣaren –nni ad genlaffa‬‬ ‫الحطب تكوم كإبالة‬


‫‪Ajajih deg igenni ad yali‬‬ ‫والى السماء بلغ لهيبها‬
‫الرغم من‬
‫الشاعر في المقطع األخير من القصيدة إلى الصمود والمقاومة‪ ،‬وعلى ّ‬
‫يدعو ّ‬
‫الذات والدفاع عن األمازيغية‪،‬‬
‫الرحلة‪ ،‬رحلة إثبات ّ‬
‫السلطة ومشقة ّ‬
‫صعوبة المواجهة وعنف ّ‬
‫الشاعر عبارات منتقاة من خطبة رائعة مفعمة‬
‫التردد والتراجع‪ ،‬وهنا ذكر ّ‬
‫للصمت و ّ‬
‫فال مجال ّ‬
‫بروح المواجهة والصمود قالها طارق بن زياد أثناء فتحه لألندلس بعد أن أحرق األجفان‬
‫والسفن التي حملتهم إلى جبال مسمى باسمه (جبل طارق) قطعا ألملهم في الرجوع والفرار‪،‬‬
‫‪2‬‬
‫وتحفيز لهم على المواجهة والثّبات‪ ،1‬يقول لونيس أيت منقالت‪:‬‬
‫ا‬
‫‪Deffir i lebher selleɣ‬‬ ‫موج البحر يالحقني‬
‫‪Zdat a3daw yessuqes‬‬ ‫والعدو أمامي في أهب‬
‫‪A tariq ad ak -n- siwlaɣ‬‬ ‫أناديك يا طارق‬
‫‪Lbabur ideg ara rewleɣ‬‬ ‫أن تسارع إلى حرق السفينة‬
‫‪Zwir c3el deg -s times‬‬ ‫التي تغريني بالفرار‬
‫تتطابق العبارتان ‪ Deffir i lebher selleɣ‬و‪ Zdat a3daw yessuqes‬مع ما جاء في‬
‫افتتاحية الخطبة « ّأيها الناس‪ ،‬أين المفر؟ البحر من ورائكم‪ ،‬والعدو أمامكم»‪ ،‬فيقول طارق‬
‫مفر أمامكم من لقاء‬
‫المفر؟" استفهام غير حقيقي بمعنى النفي واالنكار‪ ،‬أي ال ّ‬
‫بن زياد ‪" :‬أين ّ‬
‫الشاعر بحاجة إلى بأس طارق واصراره على المواجهة مهما حدث‪ ،‬فيستنجد‬
‫العدو‪ .‬وكذلك ّ‬

‫‪ -‬وصل طارق بن زياد بجيشه إلى األندلس وخاض حربا شهيرة مع لزريق انتهت بدخول اإلسالم ونشوء دولة استمرت‬ ‫‪1‬‬

‫‪ 8‬قرون لكن بعض المؤرخين يش ّككون في قائل الخطبة وكذلك ما يتعلق بحرق طارق لسفنه‪ ،‬فلم ترد حادثة حرق السفن إال‬
‫األول كتاب االكتفاء البن الكردبوس‪ ،‬والثّاني‪ :‬كتاب نزهة المشتاق للشريف اإلدريسى‪ ،‬والثالث‪ :‬كتاب‬
‫في ثالثة مراجع ّ‬
‫الروض المعطار للحميرى‪= = .‬ينظرأحمد إبراهيم الشريف‪ :‬العدو أمامكم‪ ..‬والبحر خلفكم"‪ ..‬حقيقة خطبة طارق بن زياد‬
‫وحرقه للسفن ‪https://www.youm7.com/story/2017/4/27‬‬

‫‪ -2 -2‬لونيس أيت منقالت‪ :‬الديوان الشعري‪ ،‬جمع وترجمة محمد جالوي‪ ،‬قصيدة" الضربة"‪ ،‬ص ‪.214‬‬
‫‪33‬‬
‫التداخل بين الشعر واألنواع األدبية األخرى‪.‬‬ ‫الفصل األول‪:‬‬

‫به ويطلب منه حرق الباخرة حتى ال تغريه بحمله بعيدا عن الصراع إلى ب ّر اآلمان‪ ،‬فالموقف‬
‫هو موقف إقدام وجسارة وليس موقف ضعف وخوف‪.‬‬

‫أن طارق بن زياد انتصر في المعركة التي‬


‫ويذكر ابن الكردبوس في كتاب "االكتفاء" ّ‬
‫خاضها الحتالل هذا الجبل الذي سمى باسمه‪ ،‬يقول في اختصار شديد‪" :‬ثم رحل طارق إلى‬
‫قرطبة بعد أن أحرق المراكب وقال ألصحابه‪ :‬قاتلوا أو موتوا"‪ .‬فيما يقول اإلدريسي في شيء‬
‫من التفصيل "إنما سمى بجبل طارق ألنه طارق بن عبد اهلل بن ونمو الزناتى‪ ،‬لما جاز بمن‬
‫معه من البربر وتحصنوا بهذا الجبل‪ ،‬أحس فى نفسه أن العرب ال تثق به‪ ،‬فأراد أن يزيح‬
‫‪1‬‬
‫ذلك عنه‪ ،‬فأمر بإحراق المراكب التي جاوز بها فتب أر بذلك عما اتهم به‪.‬‬

‫بالهوية األمازيغية‬
‫ّ‬ ‫تندرج أغنية "الضربة ‪ "Tiyita‬ضمن أغاني النضال من أجل االعتراف‬
‫ظل سيطرة القمع‬
‫الشاعر بأبعاد قضية توظيف التّراث الجزائري في ّ‬
‫لذلك يبدو جليا وعي ّ‬
‫بالسخط على الوضع في الجزائر‪ ،‬ومنه ضرورة استحضار رموز المقاومة في‬
‫والشعور ّ‬
‫فالشعر لدى أيت منقالت بناء فني لنشدان القيم اإلنسانية كالحرية والكرامة‬
‫التّاريخ واألدب‪ّ ،‬‬
‫فنية وتشكيالت بالغية‬
‫والعدل والتسامح والمروءة‪ ،‬ووسيلة لترقية الذوق الجمالي بلغة ّ‬
‫المكرس‪.‬‬
‫ّ‬ ‫الرغبة في تجاوز‬
‫وتداخالت نصية تنم عن ّ‬

‫ينظر أحمد إبراهيم الشريف‪ :‬العدو أمامكم‪ ..‬والبحر خلفكم"‪ ..‬حقيقة خطبة طارق بن زياد وحرقه للسفن‬ ‫‪-‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪https://www.youm7.com/story/2017/4/27‬‬

‫‪34‬‬
‫الفصل الثاني‪:‬‬
‫االشتغال التناصي على التاريخ‬

‫المبحث األول‪ :‬التاريخ والتناص التاريخي عالقة توافق أو تصادم‪.‬‬

‫‪-1‬مفهوم التاريخ‪.‬‬

‫‪-2‬مفهوم التناص التاريخي‪.‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬التاريخ والتجربة الراهنة في نصوص أيت منقالت‪.‬‬

‫‪ -1‬طارق بن زياد رمز الثبات‪.‬‬

‫‪-2‬أحمد أومري رمز المقاومة‪.‬‬


‫االشتغال التناصي على التاريخ‪.‬‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬

‫الشعرية الحديثة هو طريقة تعاملها مع التّاريخ بمختلف‬


‫يميز التّجربة ّ‬
‫إن أهم ما ّ‬
‫ّ‬
‫أبعاده(شخصيات‪ ،‬أحداث‪ ،‬مواقف)هذه الطريقة التي تختلف شكال ومضمونا عن سابقاتها‬
‫فإن شعراء‬
‫فإذا كان رواد مدرسة اإلحياء قد تعاملوا مع التّاريخ بطريقة تسجيلية أفقية آلية‪ّ ،‬‬
‫الحداثة اتبعوا مذهبا عموديا‪ ،‬فعالقتهم بالتّاريخ أو التّراث« عالقة استيعاب وتفهم وادراك واع‬
‫‪1‬‬
‫للمعنى اإلنساني والتاريخي للتراث‪ ،‬وليست بحال من األحوال عالقة تأثر صرف»‪.‬‬

‫يعد التّاريخ« مصد ار للتجارب البشرية‪ ،‬استمد منه كثير من األدباء موضوعات‬
‫ّ‬
‫إلبداعاتهم…واألديب إنما يختار من التجربة التي تصلح للتعبير عن مشكلة إنسانية أو‬
‫الشاعر بذهنه‬
‫اجتماعية تشغله أو تشغل عصره أو تشغل اإلنسان في ذاته»‪ .‬وقد ينصرف ّ‬
‫‪2‬‬

‫وأدواته إلى استظهار المضمر واستنطاق المسكوت عنه والكشف عن المناطق المعتمة في‬
‫التّاريخ‪.‬‬

‫المبحث األول‪ :‬التاريخ والتناص التاريخي عالقة توافق أو تصادم‪.‬‬

‫‪-1‬مفهوم التاريخ‪:‬‬

‫أ – لغة‪ :‬التاريخ في اللغة العربية مأخوذ من أرخ‪ ،‬علما أن كلمة تاريخ لم ترد في‬
‫القرآن الكريم وأغلب الظن أن المصطلح فارسي األصل‪،‬‬

‫تقول العرب‪ :‬أرخ المكان بمعنى حن واشتاق إليه‪،‬‬

‫حدد وقته‪،‬‬
‫أرخ الكتاب بمعنى ّ‬

‫‪-1‬عز الدين إسماعيل‪ :‬الشعر العربي المعاصر‪ :‬قضاياه وظواهره الفنية والمعنوية‪ ،‬ص ‪ ،28‬نقال عن سعيد بكور‪ :‬توظيف‬
‫التراث في شعر أمل دنقل‪،‬‬
‫‪https://www.alukah.net/literature_language/0/38445/#ixzz60BKYNvHr2012/02/15‬‬
‫‪-2‬محمد مندور‪ :‬األدب وفنونه ‪ ،‬نقال عن عبد المجيد عبد العزيز‪ ،‬التجربة الشعرية عند المتوكل طه‪ ،‬شركة نهضة مصر‬
‫للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬ط‪ ،2006 ،5‬ص‪.105‬‬
‫‪36‬‬
‫االشتغال التناصي على التاريخ‪.‬‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫أرخ الحادث فصل وقته وزمانه‪.‬‬

‫واألرخ هو ولد البقرة الوحشية‪ ...‬وقد قيل ‪ :‬إن األرخ من البقر مشتق من ذلك لحنينه‬
‫‪2‬‬
‫إلى مكانه ومأواه‪.‬‬

‫أما التّاريخ ‪ histoire‬في اللغات األجنبية فمأخوذ من الكلمة اليونانية ‪historia iotopia‬‬

‫والتي تحيل على البحث ‪ ،recherche‬التحري‪ ،‬البيان‪ ،‬االستقصاء‪.‬‬

‫نتبي ن أنّ التاريخ لغة هو العلم الذي يبحث في حياة األمم والمجتمعات‪ 3.‬لكن‬
‫وهكذا ّ‬
‫الناس وأحاسيسهم ويومياتهم وشواغلهم‪.‬‬
‫الشعر‪ ،‬يهتم بمشاعر ّ‬
‫الرواية و ّ‬
‫األدب‪ّ ،‬‬

‫ب –اصطالحا‪:‬‬

‫لم يكن لكلمة "تاريخ" في الماضي معنى واحد «فقد دلت عند سقراط ‪ Socrate‬على‬
‫مجرد «ركام من الوثائق مقابل عمل تفسيري»‪ 5‬بل‬
‫معرفة» ‪ ،‬وعند أرسطو‪ Aristote‬على ّ‬
‫‪4‬‬

‫عد التاريخ أحيانا من العلوم العلمية في مقابل العلوم النظرية‪ ،‬واذا رجعنا إلى تصنيف‬
‫ّ‬
‫فرانسيس بيكون ‪ Francis BACON‬للعلوم نجده قد حصرها في ثالثة حسب قوانا المدركة‬
‫هي‪ « :‬التاريخ وهو علم الذاكرة‪ ،‬الشعر وهو علم المخيلة‪ ،‬الفلسفة‪ ،‬وهي علم العقل‪ ،‬هذه‬

‫‪ -1‬ينظر‪ :‬إبراهيم مصطفى وآخرون‪ :‬المعجم الوسيط‪ ،‬ج‪ ،1‬المكتبة اإلسالمية‪ ،‬تركيا‪ ،‬ط‪ ،1972 ،2‬ص ‪.13‬‬
‫‪ -2‬ينظر‪ :‬ابن منظور‪ :‬لسان العرب‪ ،‬المجلد السابع‪ ،‬دار صادر‪ ،‬بيروت‪ ،‬ص‪.410‬‬
‫‪ -3‬عبد المنعم الحفني‪ :‬المعجم الشامل لمصطلحات الفلسفية‪ ،‬المجلد ‪ ،2‬تر‪ :‬خليل أحمد خليل‪ ،‬منشورات عويدات بيروت‬
‫ط‪ ،2001 ،2‬ص ‪.558‬‬
‫‪ -4‬جميل صليبا‪ :‬المعجم الفلسفي (ألفاظ العربية والفرنسية واإلنجليزية والالتينية)‪ ،‬ج‪ ،2‬الشركة العالمية للكتاب‪ ،‬لبنان‬
‫‪ ،1994‬ص ‪.228‬‬
‫‪ -5‬أندري الالند‪ :‬موسوعة الالند الفلسفية‪ ،‬المجلد ‪ ،2‬تر‪ :‬حليل أحمد خليل‪ ،‬منشورات عويدات‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪ ،2001 2‬ص‬
‫‪.558‬‬

‫‪37‬‬
‫االشتغال التناصي على التاريخ‪.‬‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬

‫أن‬
‫العلوم هي عبارة عن مراحل متتالية ومتتابعة يجتازها العقل في تكوين العلوم» ‪ ،‬وذكر ّ‬
‫‪1‬‬

‫الشعر هو تنظيم‪ ،‬والفلسفة هي العملية العقلية التركيبية‪ ،‬ففي‬


‫التّاريخ هو تجميع العلوم و ّ‬
‫الشعر ثم الفلسفة إلى الذاكرة‪ ،‬علما أن التاريخ‬
‫نطاق التفكير في علم الطبيعة يأتي التاريخ ثم ّ‬
‫ألن موضوع التاريخ الواقعي وموضوع الشعر الوهمي وآلته الخيال‪ ،‬كما‬
‫الشعر ّ‬
‫يتعارض مع ّ‬
‫‪2‬‬
‫ألن موضوعه الجزئي وموضوعها الكلي‪ ،‬آلته الخيال وآلتها العقل‪.‬‬
‫يتعارض مع الفلسفة ّ‬

‫لقد عرف ابن خلدون التّاريخ على ّأنه‪« :‬خبر عن االجتماع اإلنساني الذي هو عمران‬
‫العالم وما يعرض لطبيعة ذلك العمران من األحوال‪ ،‬مثل التوحش والتأنس والعصبيات‬
‫وأصناف التغلبات للبشر بعضهم على بعض وما ينشأ عن ذلك من الملك والدول ومراتبها‬
‫وما ينحله البشر بأعمالهم ومساعيهم من الكسب والمعاش والعلوم والصنائع سائر ما يحدث‬
‫‪3‬‬
‫في ذلك العمران بطبيعة من األحوال»‪.‬‬

‫فحقيقة التّاريخ عند ابن خلدون ّأنه خبر واخبار عن الكائن البشري في صيغته‬
‫وتغيرات‬
‫االجتماعية والعمرانية وما يط أر على هذه البنية االجتماعية والعمرانية من تحوّالت ّ‬
‫فالتّاريخ عند ابن خلدون هو اإلنسان بصفته جماعة ليس كما كان عند بيكون بصفته فردا‪.‬‬

‫يمر بها كائن ما يصدق‬


‫أن التّاريخ جملة من األحوال واألحداث التي ّ‬
‫نستنتج مما سبق ّ‬
‫هذا على مختلف الظواهر سواء طبيعية أو إنسانية‪ ،‬فالتأريخ هو تسجيل هذه األحوال أو هو‬
‫«معرفة األحوال المتحققة بالتتالي في الماضي بواسطة أي موضوع معرفي‪ :‬شعب جنس‬
‫‪4‬‬
‫علم‪ ،‬لغة‪.»...‬‬

‫‪ -1‬بيكون نقال عن أمل مبروك‪ ،‬الفلسفة الحديثة‪ ،‬الدار المصرية السعودية للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬القاهرة‪ ،2006 ،‬ص‬
‫‪.137‬‬
‫‪ -2‬ينظر‪ :‬أمل مبروك‪ ،‬الفلسفة الحديثة‪ ،‬ص ‪.137‬‬
‫‪ -3‬ابن خلدون‪ :‬المقدمة‪ ،‬دار الفكر للطباعة والنشر‪ ،‬بيروت‪ ،‬دط‪ ،2004 ،‬ص ‪.47‬‬
‫‪ -4‬أندري الالند‪ :‬موسوعة الالند الفلسفية‪ ،‬ص ‪.560‬‬
‫‪38‬‬
‫االشتغال التناصي على التاريخ‪.‬‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬

‫تشكل فكرة الماضي واتصالها بالتاريخ والذاكرة والسرد تساؤل أساس لدى بول‬
‫ريكور‪ ،Paul RICOEUR‬فإذا رجعنا إلى معنى التّاريخ عنده نجده يستفهم متأسفا ما معنى‬
‫كائن مضى وانقضى؟ وما معنى الماضي والتاريخ؟‪ 1‬يجيبنا ريكور عن هذه التساؤالت من‬
‫خالل مفهومه للحدث التّاريخي والذي من بين خاصياته إلى جانب واقعيته‪ ،‬ارتباطه من‬
‫الناحية المفهومية بما يحدثه أو يتأثر به اإلنسان وباعتبار الكائن الحي هو موضوع التّاريخ‬
‫ألن‬
‫الذين عاشوا في الماضي‪ّ ،‬‬
‫بأنه المعرفة بأفعال البشر ّ‬
‫يعرف ّ‬
‫األساس‪ ،‬الذي عادة ما ّ‬
‫الشعور باختالفه عن‬
‫يتم عبر ّ‬
‫فإن التّواصل معه ومحاولة فهمه ّ‬
‫الماضي قبلة المؤرخ‪ّ ،‬‬
‫الحاضر ويترتب عن هذا ثالث فرضيات‪:2‬‬

‫‪ – 1‬الحدث التّاريخي ال يتكرر وهو ما يجعله مناقض لكونية القانون‪.‬‬


‫‪ – 2‬ال يمكن التكهن به‪.‬‬
‫أن كل أنموذج يؤتي به لوصف الماضي هو مبدئيا مغاير‬
‫‪ – 3‬غيرية الماضي تفترض ّ‬
‫له‪.‬‬
‫وتحدد طبيعته من مثل عدم‬
‫ّ‬ ‫بمحددات تضبط معناه‬
‫ّ‬ ‫تم إقران التّاريخ‬
‫وهكذا إذن ّ‬
‫التكرار(الـتّاريخ ال يعيد نفسه) وعدم التنبؤ به‪.‬‬

‫‪-2‬مفهوم التناص التاريخي‪:‬‬

‫يمتد الزمن عبر التّاريخ وتتعاقب األجيال على هذه األرض‪ ،‬فتظهر الصراعات‬
‫ّ‬
‫وتتعدد دوافعها‪ ،‬فلكل أمة تاريخ‪ ،‬ولكل شعب رقعة مكانية يحيا عليها كارها أو‬
‫ّ‬ ‫اإلنسانية‪،‬‬

‫‪ -1‬ينظر‪ :‬بول ريكور‪ ،‬أنتظر النهضة‪ ،‬تر‪ :‬هاشم صالح‪ ،‬ضمن مجلة الفكر العربي المعاصر‪ ،‬مركز الفكر العربي‬
‫المعاصر‪ ،‬مركز اإلنماء القومي‪ ،‬بيروت‪ ،‬ع‪ ،1999 ،65 /64‬ص ‪.50‬‬
‫‪ -2‬دليلة الطريطر‪ :‬مقومات السيرة الذاتية في األدب العربي الحديث (بحث في المرجعيات)‪ ،‬مركز النشر والتوزيع‪ ،‬بيروت‪،‬‬
‫‪ ،2008‬ص ‪.197 ،196‬‬
‫‪39‬‬
‫االشتغال التناصي على التاريخ‪.‬‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬

‫المبدع‪/‬الشاعر بصفته فردا‬


‫ّ‬ ‫النفس اإلنسانية وخارجها‪ ،‬و‬
‫راغبا‪ ،‬أما الصراعات فتنمو داخل ّ‬
‫من جماعة يعيش تلك الصراعات‪ ،‬ثم تنشأ في نفسه طاقة مكبوتة‪ ،‬يسعى إلى تفريقها‬
‫لتلتقي كل صورة بمثيلتها‪ ،‬وتتداخل تلك الصور‪ ،‬وتتماهى مع بعضها البعض وتنصهر‬
‫محملة بأبعاد واقعية ونفسية وخيالية‪ ،‬ومثقلة بمعاني‬
‫ّ‬ ‫لتتشكل من جديد في قالبها اللّغوي‬
‫ّ‬
‫طريفة‪ ،‬فيتّحد الماضي بالحاضر والقريب بالبعيد والواقعي بالمتخيل‪ ،‬فيهمن التّاريخ على‬
‫الصور‪ ،‬ومن هنا ينشأ التناص التّاريخي بمختلف تفاصيله‪.‬‬
‫بعض تلك ّ‬

‫النوع من التناص في «تداخل نصوص تاريخية مختارة ومنتقاة مع النص‬


‫يتمثّل هذا ّ‬
‫األصلي»‪ 1‬والشاعر في توظيفه للشخصيات التاريخية واألحداث فهو ليس ملزم بالجانب‬
‫الدقة في األحداث التّاريخية كالمؤرخ وانما يخضع التاريخ لذائقتيه وأحاسيسه‬
‫الموضوعي و ّ‬
‫ومن ثم يمتزج ما هو ذاتي بما هو موضوعي‪ ،‬وما هو خيالي بما هو حقيقي‪.‬‬

‫الشاعر إلى التّاريخ ينتج تمازجا ويخلق تداخال بين الحركة الزمانية حيث‬
‫ولجوء ّ‬
‫ينسكب الماضي بكل إثارته وتراكماته وتحفزاته وأحداثه على الحاضر أو اللحظة الحاضرة‪،‬‬
‫وكأن هذا االستلهام يمثل صورة‬
‫ّ‬ ‫فيما يشبه تواكبا تاريخيا يومئ الحاضر فيه إلى الماضي‪،‬‬
‫احتجاجية على اللحظة التي تعادلها في الموقف اللحظة الفائرة في سراديب الماضي‪ 2.‬وقد‬
‫يسد ثغراته ويستنطق صمته بمواد رؤيته‬
‫نصه على فجوات التّاريخ‪ ،‬فيحاول أن ّ‬
‫الشاعر ّ‬
‫يبني ّ‬
‫الخاصة وقراءته العميقة‪.‬‬

‫محددة‪ ،‬ال بد أن تقود‬


‫ص التّاريخي غالبا من أحداث ترتبط بأزمنة وأمكنة ّ‬
‫يتكون الن ّ‬
‫ّ‬
‫أهميتها‪ ،‬وتجلي أي عنصر من العناصر‬
‫ّ‬ ‫مسيرتها عناصر إنسانية ومن هنا تكتسب‬

‫‪ -1‬د‪ .‬أحمد الزغبي‪ :‬التناص نظريا وتطبيقيا‪ ،‬ص ‪.29‬‬


‫‪ -2‬ينظر رجاء عبد‪ :‬لغة الشعر‪ ،‬قراءة في الشعر العربي المعاصر‪ ،‬منشأ المعارف‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،‬ص ‪.201‬‬
‫‪40‬‬
‫االشتغال التناصي على التاريخ‪.‬‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬

‫النص التّاريخي داخله ويستدعي‬


‫يعبر عن وجود ّ‬
‫التّاريخية المذكورة في أي نص شعري‪ّ ،‬‬
‫مفهوم التناص التاريخي‪.‬‬

‫تعمق النص‬
‫المهمة‪ ،‬التي ّ‬
‫ّ‬ ‫فيعد إذن التناص التاريخي أنموذجا ثريا من نماذج التناص‬
‫ّ‬
‫وتغنيه على المستويين التيماتي والتقني‪ ،‬فهو عبارة عن إدراج ألحداث تاريخية أو شخصيات‬
‫تاريخية في النص لما لها من تأثير يرتبط بالحال المعاصر بطريقة ما داخل اإلنتاج الجديد‪.‬‬

‫للشاعر أن يذهب بعيدا عن‬


‫عدة‪ ،‬إذ ال يمكن ّ‬
‫الشعر بأشكال ّ‬
‫يتسرب التّاريخ إلى ّ‬
‫ّ‬
‫مكوناته وهذا ما جعله ينتقي من األحداث‬
‫مالبساته‪ ،‬ألن فيه نقاطا مضيئة غيرت الواقع بكل ّ‬
‫التّاريخية ما يراه داال « فليس الماضي كل ما مضى‪ ،‬الماضي نقطة مضيئة في ساحة معتمة‬
‫شاسعة وأن ترتبط كمبدع بالماضي هو أن تبحث عن هذه النقطة المضيئة»‪ 1‬التي تجعلك‬
‫تبحر في عالم اإلبداع واالبتكار باقتدار كبير‪.‬‬

‫بالنسبة لل ّشاعر المادة الخام‪ ،‬والمصدر األساس لنصوصه لما‬


‫ومنه يش ّكل التّاريخ ّ‬
‫يحتويه من مواقف وأحداث ووضعيات متشابهة‪ ،‬فإذا رجعنا إلى ال ّشاعر العربي القديم وجدناه‬
‫يقدس هذا الفعل أو هذا الكالم ال ّشعري لما يحويه من تأريخ لمراحل حياته‪ ،‬لذا غدت المقولة‬
‫ّ‬
‫يسجل ال ّشاعر أمجاد قبيلته‪ ،‬وفيه يفتخر ويصور عادتها‬
‫الشهيرة‪ ،‬ال ّشعر ديوان العرب ففيه ّ‬
‫وتقاليدها ومعتقداتها‪ ،‬لذا يش ّكل ال ّشعر والتّاريخ ثنائيتين متالزمتين ال يمكن ألحدهما أن‬
‫‪2‬‬
‫يتخلى عن اآلخر‪.‬‬

‫يحمل التّاريخ في طياته نماذج من شخصيات كان لها أث ار بار از في تغيير المواقف في‬
‫شتى الميادين الحياتية‪ ،‬لذا التف ال ّشعراء المعاصرون حول هذه النماذج لتكون صلة وصل‬

‫‪ -1‬أدونيس‪ :‬الثابت والمتحول (بحث في االبداع واالتباع عند العرب) دار الساقي‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪ ،1994 ،7‬ص‬
‫‪.313‬‬
‫‪-2‬ينظر أحمد قيطون‪ ،‬مساءلة التاريخ في الشعر الجزائري المعاصر‬
‫‪https://revues.univ-ouargla.dz/index.php/numero-19-2013/1391-2013-05-30-11-12-03‬‬
‫‪41‬‬
‫االشتغال التناصي على التاريخ‪.‬‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬

‫بين ماضيهم وحاضرهم من خالل استكناه تجارب الماضي وتوظيفها توظيفا فنيا يخدم‬
‫تجاربهم المعاصرة «فالشاعر يختار من شخصيات التاريخ ما يوافق طبيعة األفكار والقضايا‬
‫‪1‬‬
‫والهموم التي يريد أن ينقلها إلى المتلقي»‪.‬‬

‫فليس كل التّاريخ صالحا لتوظيفه في اإلبداعات المعاصرة فقد يشتمل على أحداث‬
‫متشابهة ألحداث العصر لذا فاالنتقائية هي خاصية أساس من خصائص تعامل ال ّشاعر مع‬
‫التّاريخ‪« :‬هذا التاريخ يبقى بعيدا عن أن يكون رم از فنيا‪ ،‬ما لم يستطيع الشاعر شحن هذا‬
‫الّتاريخ بمشاعر تثير في الذهن تجارب راهنة وما لم يستطع الشاعر ربطه بالحاضر‬
‫مهم في عملية التّواصل بين ال ّشاعر والتّاريخ‬
‫وبالتجربة المعاصرة»‪ .‬فللتجربة الشعورية دور ّ‬
‫‪2‬‬

‫مجرد إشارات عابرة في النص الشعري‪ ،‬ال تؤدي‬


‫وبين ال ّشاعر والمتلقي واال كان االستدعاء ّ‬
‫غرضها في صناعة المبنى والمعنى على حد السواء‪.‬‬

‫الشاعر المحدث من المصادر التّاريخية ما يقنع به النص المعاصر بقناعات‬


‫يستمد ّ‬
‫الشاعر مع التّاريخ بمظاهره‬
‫توحي إلى وشائج العالقة بين الحاضر والماضي‪ .‬لذا يتعامل ّ‬
‫الشخصية المنتقاة من‬
‫يؤكد الباحثون‪ ،‬كما يتعامل مع معجم اللّغة فيحاول أن يمأل ّ‬
‫المتعددة‪ّ ،‬‬
‫وتعمق رؤيته‪.3‬‬
‫السجالت بدالالت معاصرة تخدم طرحه ّ‬

‫الداللتين‪ :‬األولى والمتمثلة في‬


‫فإنه يبقى على ّ‬
‫الشاعر فيما هو يختلق رم از تاريخيا ّ‬
‫إن ّ‬‫ّ‬
‫الشخصية أو هذه الحادثة في الماضي‪ ،‬كما هي دون‬
‫الحقيقة التّاريخية التي تحملها هذه ّ‬
‫إضافة أو حذف أو تغيير‪ ،‬أوهي المعنى الظاهر والبسيط للقارئ العادي‪ ،‬أو بعبارة أخرى‬
‫مجردة من سياقها النصي أما الثّانية فهي المعاني الجديدة أو الخلق‬
‫الشخصية التّاريخية ّ‬
‫ّ‬

‫‪ -1‬علي عشرى زايد‪ :‬استدعاء الشخصيات التراثية‪ ،‬دار الفكر العربي‪ ،‬القاهرة‪ ،1997 ،‬ص‪.120‬‬
‫‪ -2‬ينظر‪ :‬غسان غنيم‪ :‬الرمز في الشعر الفلسطيني الحديث والمعاصر نقال عن أحمد قيطون‪ ،‬مساءلة التاريخ في الشعر‬
‫الجزائري المعاصر‪.‬‬
‫‪ -3‬ينظر‪ :‬أحمد قيطون‪ ،‬مساءلة التاريخ في الشعر الجزائري المعاصر‬
‫‪42‬‬
‫االشتغال التناصي على التاريخ‪.‬‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬

‫الشاعر من خالله أن يربط الحاضر بالماضي الستشراف المستقبل وان‬


‫الجديد والذي يحاول ّ‬
‫كانت هذه الرؤية خاصة برؤية كل شاعر لل ّرموز التّراثية من خالل هذا التوظيف الفني أو«‬
‫حد التنافر أو‬
‫ربما تناظرت الداللتان – القديمة والحديثة – في السياق الشعري الجديد إلى ّ‬
‫التعارض والتعاكس فيكشف الرمز التاريخي عن غايات بعيدة‪ ،‬ويعبر عن تجربة إنسانية‬
‫واسعة‪ ،‬حاضرة وأزلية‪ ،‬بحسب طاقة الشاعر التعبيرية وقدرته البيانية على صهر رموز‬
‫‪1‬‬
‫ضمن سياق التجربة الكلية ألمته»‪.‬‬

‫الرمز‪ ،‬وفقدانه يؤدي إلى فقدان رمزية‬


‫إن السياق هو خاصية رئيسة من خصائص ّ‬
‫ّ‬
‫الشيء الموظّف سواء أكان دينا أم تاريخا أم أدبا أم تصوفا‪ « ،‬فالمعول األساس في استعمال‬
‫التاريخ رمزا‪ ،‬هو قدرة الشاعر على شحن هذا الرمز بما يخدم التجربة الراهنة وتلوين هذه‬
‫مجرد ذكر ألسماء‬
‫التجربة بالمشاعر التي يريد الشاعر أن يبلغها للمتلقي » وال يكون التّاريخ ّ‬
‫‪2‬‬

‫ولوقائع فقط تهدف إلى التّذكير بماض ما من زاوية ما‪.‬‬

‫الشعرية في استنجادها بالتّاريخ كرمز كبير موقوف‬


‫أن نجاح العملية ّ‬
‫يرى الباحثون ّ‬
‫الشعرية‪ ،‬التي بها يحيل التّاريخ بشكله القديم إلى واقع‬
‫الشاعر في لغته ّ‬
‫على مدى تحكم ّ‬
‫ولبه‬
‫فالشاعر أمام نصين متنافرين الخطاب التّاريخي الذي أساسه الواقع ّ‬
‫معاصر وجديد‪ّ ،‬‬
‫الشعري الذي أساسه العواطف واالنفعاالت‬
‫الموضوعية ووسيلته االحتكام للعقل‪ ،‬والخطاب ّ‬
‫الشخصيات التّراثية داخل بنية قصيدته‬
‫الشاعر إحدى ّ‬
‫الخاصة؛ فعندما يوظف ّ‬
‫ّ‬ ‫والرؤى‬
‫فإنه في حقيقة‬
‫الحديثة محاوال التوفيق بينها وبين واقعه المعاصر الذي يريد التّعبير عنه ّ‬
‫األمر يحاول التّوفيق بين نوعين مختلفين من الخطاب " الخطاب التاريخي" و" الخطاب‬
‫الشعري"‪.‬‬

‫‪ -1‬عثمان حشالف‪ :‬الرمز والداللة في الشعر المعرب العربي المعاصر ‪ ،1987 – 1962‬أطروحة مقدمة لنيل شهادة‬
‫الدكتوراه‪ ،‬الجزائر‪ ،1992 ،‬ص ‪.65‬‬
‫‪ -2‬أحمد مجاهد‪ :‬أشكال التناص الشعري‪ ،‬الهئية المصرية‪ ،‬مصر‪ ،‬ط‪ ،2006 ،1‬ص ‪.359‬‬
‫‪43‬‬
‫االشتغال التناصي على التاريخ‪.‬‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬

‫الشخصيات واألحداث التّاريخية رمو از وأقنعة‬


‫الشعراء أن يتخذوا من ّ‬
‫وهكذا إذن يحاول ّ‬
‫يتسترون خلفها هم ومن حولهم من البشر‪ ،‬محاولين رصد يومياتهم وتجاربهم في مالمستها‬
‫للماضي بعبقه‪ ،‬لكن بنكهة مغايرة ورؤية محكومة بالوضع المزري لإلنسان المعاصر الذي‬
‫النزاعات والحروب القاسية‪.‬‬
‫تطبعه الصراعات و ّ‬

‫المبحث الثاني‪ :‬التاريخ والتجربة الراهنة في نصوص أيت منقالت‪.‬‬

‫تعامل لونيس أيت منقالت مع التّاريخ اإلنساني بصفة عامة‪ ،‬والتّاريخ الجزائري بصفة‬
‫خاصة‪ ،‬نظ ار لوعيه بدور التّاريخ في استخالص العبر وتجديد الشعور باالنتماء من جهة‪،‬‬
‫ومن جهة أخرى إقامة جسور معرفية بين الماضي والحاضر وتقوية عالقة الفرد بأرضه‪.‬‬
‫الشاعر وتجلى فيها التّاريخي قصيدته "الضربة ‪"Tiyita‬‬
‫الشعرية التي نظمها ّ‬
‫ومن القصائد ّ‬
‫التي استدعى فيها‪ ،‬مثلما رأينا سالفا‪ ،‬طارق بن زياد اسما وقوال وفعال وقصيدته المعنونة‬
‫يعد رم از من رموز‬
‫باسم المناضل الجزائري الملقّب بأسد جرجرة "أومري ‪ "Umerri‬الذي ّ‬
‫وتمرد على مؤسساته في‬
‫ضد االستعمار الفرنسي وتحرير البالد؛ فقد قاوم المستعمر ّ‬
‫الكفاح ّ‬
‫وقت مبكر‪.‬‬

‫‪ -1‬طارق بن زياد رمز الثبات‪.‬‬

‫دور‬
‫الشخصيات الّتي أدت ًا‬
‫أن لونيس أيت مقالت لم يستأثر ذكر أسماء ّ‬
‫المالحظ ّ‬
‫إيجابيا في التّاريخ القديم للجزائر‪ ،‬أو تلك الّتي قاومت االستعمار الفرنسي منذ أن وطأت‬
‫تصدت لثقافة العنف واإلقصاء بخرطوشة حبر كما دأب‬
‫ّ‬ ‫أقدامه أرض الجزائر‪ ،‬أو تلك التي‬
‫الشعراء‪ ،‬ومن بين األسماء النادرة التي وظّفها في نصوصه طارق بن زياد‬
‫على ذلك بعض ّ‬
‫تم فتح األندلس على يده؟ ولماذا لم يخاطب‬
‫الشكوك‪ :‬هل ّ‬
‫الذي تحوم حوله وحول خطبته ّ‬
‫األم باعتبار حداثة عهده بالعربية ّأوال وأصوله البربرية ثانيا؟ وكيف يتأتى له‬
‫جنوده بلغته ّ‬
‫إحراق السفن‪ ،‬وهي خطة حربية فيها مجازفة ومخاطرة ؟‬

‫‪44‬‬
‫االشتغال التناصي على التاريخ‪.‬‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬

‫الشاعر؟ وكيف يمكن أن يجعل من الرمز التّاريخي أداة فعالة تخدم‬


‫لكن أي طريق سلك ّ‬
‫الشخصية وأحداثها التّاريخية‬
‫الشعري؟ وكيف تمكن من تحقيق التّوازن بين تجربته و ّ‬
‫غرضه ّ‬
‫مهم؟‬
‫على ال ّرغم من وجود فاصل زمني ومكاني ّ‬

‫النص ال ّشعري‪ ،‬وتتمثل هذه األشكال‬


‫ّ‬ ‫الشخصية التّاريخية في‬
‫ثمة ثالثة أشكال لظهور ّ‬
‫الشخصية‬
‫في‪ :‬االستدعاء بالفعل واالستدعاء بالقول واالستدعاء باالسم أي ذكر اسم ّ‬
‫التّاريخية في النص ال ّشعري‪ ،‬وقد اعتمدها لونيس أيت منقالت واستنفذ طاقتها في نص‬
‫ألول "طارق"‬
‫أغنية "الضربة ‪ "Tiyita‬الذي أسقط فيه شخصية طارق بن زياد وصرح باسمه ا ّ‬
‫وذكر مقطعا متداوال من خطبته «أين المفر؟ البحر من ورائكم‪ ،‬والعدو أمامكم»‪ ،‬فلم يهتم ال‬
‫هوية فاتح األندلس عربي أم بربري؟ وال بصحة أو عدم‬
‫بتساؤالت المؤرخين والباحثين حول ّ‬
‫صحة نسبة الخطبة لطارق بن زياد؟‬

‫يخية التي تقنع بها من زمنها لزمنه لتحقيق‬


‫الشخصية التار ّ‬
‫كان سحب أيت منقالت لهذه ّ‬
‫(الشخصية) عن أفكاره ومعتقداته‬
‫عبر من خاللها ّ‬
‫غرضين في آن‪ :‬جمالي وداللي حيث ّ‬
‫وبنى معها سياقاً شعرياً يقوم «على تجربة رؤيا داخلية ينفتح فيها الشاعر على حركة تفاعل‬
‫‪1‬‬
‫تستمر باستمرار القصيدة مع أنا مغاير أو أكثر»‪.‬‬

‫الشاعر أن يستشهد بقول شهير لطارق بن زياد "البحر من ورائكم والعدو أمامكم"‬
‫ارتأى ّ‬
‫ويسنده إلى ضمير المتكلّم المفرد كي يضعنا منذ البداية أمام أمرين‪ّ :‬أولهما يكمن في‬
‫إعجابه بهذا القائد الذي عرف كيف يستنهض الهمم في ظرف تاريخي حاسم‪ ،‬وثانيهما يكمن‬
‫أن ضمير المتكلّم‬
‫بأن الوضع الحالي يستدعي االعتبار من تجارب األجداد‪ ،‬علما ّ‬
‫في إدراكه ّ‬
‫الذات وأبرعها في تعرية طواياها ويجعل المتلقي‬
‫أقدر الضمائر على التّعبير عن خفايا ّ‬

‫‪ -1‬أدونيس‪ ،‬الثابت والمتحول‪ ،‬ص‪.313‬‬


‫‪45‬‬
‫االشتغال التناصي على التاريخ‪.‬‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬

‫أن المؤلّف فعال هو المتكلّم الذي ينهض‬


‫يلتصق بالعمل ال ّشعري‪ ،‬ويتعلّق به أكثر متوهما ّ‬
‫النص‪ ،‬فهو يضفي حميمية على الخطاب يقول أيت منقالت‪:1‬‬
‫ّ‬ ‫عليه‬

‫‪Deffir i lebher selleɣ‬‬ ‫موج البحر يالحقني‬


‫‪Zdat a3daw yessuqes‬‬ ‫والعدو أمامي في أهب‬
‫وينتقل بعد ذلك إلى اإلعالن عن اسم صاحب هذا القول الصالح لكل زمان ومكان عند‬
‫تستعد لحمله على متنها‬
‫ّ‬ ‫طلب اإلقدام والثّبات وعدم التّراجع‪ ،‬فيطلب منه حرق الباخرة التي‬
‫في حالة قنوطه مما آلت إليه األوضاع في الجزائر وعدم رضاه وتشاؤمه يقول‪:2‬‬

‫‪A tariq ad ak -n- siwlaɣ‬‬ ‫أناديك يا طارق‬


‫‪Lbabur I deg ara rewleɣ‬‬ ‫أن تسارع إلى حرق السفينة‬
‫‪Zwir c3el deg -s times‬‬ ‫التي تغريني بالفرار‬
‫ويؤكد ّأنه لن يترك الخوف يستحوذ‬
‫ّ‬ ‫نصه هذا‪،3‬‬
‫الذاتية في ّ‬
‫الشاعر من تجربته ّ‬
‫ينطلق ّ‬
‫يمكن األعداء من السيطرة عليه‪ ،‬وكلما انتابه الخوف أو استهدفه األعداء‬
‫على نفسه ولن ّ‬
‫إلخماد شعلة المقاومة فيه بصفته مناضال من أجل إرساء أسس الديمقراطية والحفاظ على‬
‫الهوية فسيتنجد بطارق بن زياد(‪)A tariq ad ak -n- siwlaɣ‬‬
‫ّ‬ ‫الدفاع عن‬
‫الثّقافة األمازيغية و ّ‬
‫ليبث فيه روح اإلصرار والثّبات‪.‬‬

‫‪ -1‬لونيس أيت منقالت‪ :‬الديوان الشعري‪ ،‬جمع وترجمة محمد جالوي‪ ،‬قصيدة" الضربة"‪ ،‬ص ‪.214‬‬
‫‪ -2‬المرجع نفسه‪ ،‬الصفحة نفسها‪.‬‬
‫‪ -3‬اعتقل لونيس أيت منقالت عام ‪ 1985‬بتهمة التآمر لقلب نظام الحكم وامتالكه ترسانة من األسلحة‪ ،‬وقد شنت‬
‫بأنهم يحيكون مؤامرة‬
‫ضد السياسيين والحقوقيين والفنانين الذين ال يسايرون خطابها واتهمتهم ّ‬
‫السلطة وقتئذ حملة كبيرة ّ‬
‫‪http://www.atlas-‬‬ ‫إلسقاطها‪ .‬ينظر هكذا حدث شهادة الصحفي ناصر الدين عن اعتقاالت نهاية الثمانينات‪،‬‬
‫‪times.com/en/op-ed/1742-2019-07-08-14-42-22‬‬

‫‪46‬‬
‫االشتغال التناصي على التاريخ‪.‬‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬

‫شكلت المسألة األمازيغية محو ار جوهريا في إبداعات لونيس أيت منقالت «باعتبارها‬
‫ّ‬
‫السلطة الجزائرية في نهج سياسة‬
‫قضية وجود» ‪ ،‬من جانب ومن جانب آخر بسبب استمرار ّ‬
‫‪1‬‬

‫الدفاع عن‬
‫الشاعر جهدا من أجل ّ‬
‫يدخر ّ‬
‫اإلقصاء واصرارها على تجاهل األمازيغية‪ ،‬ولم ّ‬
‫‪2‬‬
‫الثّقافة الجزائرية األصيلة‪ ،‬يقول في نص "الضربة"‪:‬‬

‫‪D leqrun mačči d kra‬‬ ‫جهود قرون تضافرت‬


‫‪I tt-ɛussen amer ad texsi‬‬ ‫حتى ال تنطفئ الشعلة‬
‫‪Alarmi d- tebbeḍ ass-a‬‬ ‫إلى أن وصلت إلينا‬
‫‪Tergit gar-aneɣi d-teɣli‬‬ ‫وحلّت بيننا‬
‫أهمية تدوين الثّقافة األمازيغية‪ ،‬بعد أن وصلت إلينا في شكل تراث شفوي‪،‬‬
‫ثم يشير إلى ّ‬
‫ّ‬
‫السلطة في طريق المناضلين من‬
‫تعددت العراقيل التي تضعها ّ‬
‫والعمل على تطويرها مهما ّ‬
‫أن نص األغنية‬
‫أجل االعتراف بالثّقافة األمازيغية (االعتقال‪ ،‬التعذيب‪ ،‬القتل‪ ،‬القمع) علما ّ‬
‫ألّفه لونيس أيت منقالت في الثمانينيات من القرن العشرين بعد األحداث التي عرفتها منطقة‬
‫تيزي وزو في ‪ 20‬أفريل ‪ 1980‬وحملة االعتقاالت التي شنتها السلطة على أبنائها‪.‬‬

‫‪-2‬أحمد أومري رمز المقاومة‪.‬‬

‫الدولة‬
‫مغيبا في التّاريخ الرسمي فلم تعترف به ّ‬
‫ظل ّ‬‫أن أحمد أومري ّ‬
‫ال يخفى على أحد ّ‬
‫رد االعتبار‬
‫الرغم من انخراطه الكلي في عملية ّ‬
‫الجزائرية المستقلة ولم تضع له اعتبا ار على ّ‬
‫ضد أطماع المعمرين وعمالئهم‪.‬‬
‫للمجتمع الجزائري ومساعدة المعوزين والفقراء والوقوف ّ‬

‫‪ -1‬محمد أرزقي فراد‪ :‬لونيس أيت منقالت الحكيم أحداذ بوال‪ ،‬األمل للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬ط‪ ،2‬تيزي وزو ‪،2017‬‬
‫ص‪.60‬‬
‫‪ -2‬لونيس أيت منقالت‪ :‬الديوان الشعري‪ ،‬جمع وترجمة محمد جالوي‪ ،‬قصيدة" الضربة‪ ،‬ص ‪.214‬‬
‫‪47‬‬
‫االشتغال التناصي على التاريخ‪.‬‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬

‫أن أغاني لونيس أيت منقالت تحتفي بالخطابات الهامشية التي ظلّت‬
‫يرى الباحثون ّ‬
‫إن التّاريخ‬
‫مدة طويلة‪ ،‬ونستعير عبارة فيصل دراج ونقول‪ّ :‬‬
‫في حكم المسكوت عنه والمقموع ّ‬
‫تكرس صوت من ال صوت لهم (المقموعين‬
‫الرواية ّ‬
‫يكرس صوت السلطة واألغنية مثل ّ‬
‫ّ‬
‫النسيان وتتبقى منه آثار متفرقة‬
‫المهمشين) ذلك الصوت الذي يسقط في ّ‬
‫‪1‬‬
‫والمضطهدين و ّ‬
‫يبحث عنها الفنان دون كلل‪ ،‬وينسجها في أغانيه‪.‬‬
‫لمتمرد على االستعمار‬
‫ّ‬ ‫تتشكل عتبة عنوان نص أغنية "أومري ‪"Umarri‬من اسم ولقب‬
‫ّ‬
‫الفرنسي قبل اندالع حرب التّحرير‪ ،‬ولم يسبق أن التقينا بأسماء علم (كأسماء قادة الثّورة) في‬
‫برد االعتبار لهؤالء المناضلين المجهولين أو‬
‫نصوص أيت منقالت‪ ،‬لقد كان مهتما ّ‬
‫المقصيين الذين لم تسجل الذاكرة التّاريخية أسماءهم ولم يعرفهم أحد إلى هذا اليوم‪ ،‬الفكرة‬
‫‪2‬‬
‫نص أغنية "المجاهد ‪ Amjahed‬يقول فيها‪:‬‬
‫ذاتها التي عمل على إجالئها في ّ‬

‫‪Ẓriɣyelli-is n udrar‬‬ ‫رأيت قروية‬


‫‪Leɛqel-iwiḥar‬‬ ‫فحار عقلي‬

‫‪Uffiɣtt-id tegguni aẓru‬‬ ‫وجدتها على صخرة‬


‫‪Am tidi iɛemren tuddar‬‬ ‫بمثيالتها غصت القرية‬

‫‪Ur tettunebdar‬‬ ‫إنها منسية هناك‪...‬‬


‫‪teṭṭf mmi-is tettru‬‬ ‫مسكت ابنها والدموع تفيض من مقلتيها‬

‫يهمش تاريخ المستضعفين ويوغل في‬ ‫أن "المؤرخ يقول قوال سلطويا "نافعا" وال يتقصى "الصحيح‪ّ ،‬‬ ‫‪ -‬يرى فيصل دراج ّ‬
‫‪1‬‬

‫الروائي العربي بتصحيح ما جاء به المؤرخ وبذكر ما امتنع عن‬


‫التهميش إلى تخوم التزوير واعدام الحقيقة(‪ )...‬ولهذا يقوم ّ‬
‫الرواية العر ّبية‪ -‬المركز الثّقافي العربي‪ ،‬بيروت‪-‬الدار البيضاء‪،‬‬
‫الرواية و ّ‬
‫الرواية وتأويل التّاريخ –نظرية ّ‬
‫قوله" فيصل دراج‪ّ :‬‬
‫ط‪ ،2004 ،1‬ص ‪ .7-6‬المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.369‬‬
‫‪ -2‬لونيس أيت منقالت‪ :‬الديوان الشعري‪ ،‬جمع وترجمة محمد جالوي‪ ،‬قصيدة" المجاهد"‪ ،‬ص ‪.143‬‬
‫‪48‬‬
‫االشتغال التناصي على التاريخ‪.‬‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬

‫‪Argaz-is yemmu yuzzar‬‬ ‫مات زوجها الذي كان سباقا إلى الرصاص‬
‫‪Ɣer ṛṛṣaṣ yuzzel n nekwa-as yuwitt waḍu‬‬ ‫فنثرت الرياح هويته‬
‫سقط زوج (رجل عادي) "بنت الجبل"(امرأة عادية) في ميدان الكفاح وهو ال يحمل‬
‫وثيقة تثبت اسمه فبقي مجهوال‪ ،‬كذلك الجندي الفرنسي المجهول الذي توفي في الحرب‬
‫العالمية الثّانية)‪ (le soldat inconnu‬ونق أر على شاهد قبره "هنا يوجد أحد الجنود الفرنسيين‬
‫الذين ماتوا من أجل بالدهم ‪."1918 - 1914 -‬‬
‫تتحول إلى بطولة‬
‫أن البطولة عندما ال ترتبط بأشخاص فهي ّ‬
‫وتجدر اإلشارة إلى ّ‬
‫إنسانية تتجاوز الزمان والمكان‪ ،‬وتلغي الحواجز والفواصل‪ ،‬وتجول في فضاء ال محدود‪ .‬فما‬
‫الشاعر أكثر هو تصوير المواقف اإلنسانية وأفعال اإلقصاء واآلفاق الضيقة وكلّها في األخير‬
‫يهم ّ‬
‫ّ‬
‫النظر‪.‬‬
‫تشكل منعطفات تاريخية تربك الفكر وتقلق ّ‬
‫ّ‬
‫يعمد‬ ‫نص "المجاهد ‪Amjahed‬‬
‫وحين يخرق كاتب الكلمات المعطى الذي سجلناه في ّ‬
‫إلى ذكر اسم مناضل غفل عنه التّاريخ الرسمي الجزائري هو والمئات من أمثاله وهو ما‬
‫ذهب إليه محمد أرزقي فراد حين قال‪« :‬جعلت الرمزية شاعرنا يتجاوز في أغانيه ذكر‬
‫مرك از على األفكار المستلهمة من حياة البشر‪ ،‬لذلك جاءت أغانيه خلوا من‬
‫األشخاص‪ّ ،‬‬
‫األسماء‪ ،‬وهو ما يعتبر أم ار إيجابيا جعلها عابرة للزمن والمكان وللتشخيص‪ ،‬تسافر فيها‬
‫‪1‬‬
‫هواجس اإلنسان في المعمورة قاطبة»‪.‬‬
‫ونستحضر في السياق نفسه ما كتبه بعض الكتّاب الجزائريين حول هؤالء الذين عاشوا‬
‫النظام االستعماري في وقت مبكر أي قبل اندالع‬
‫التمرد على ّ‬
‫التنكر والمطاردة و ّ‬
‫التشرد و ّ‬
‫ّ‬ ‫حياة‬
‫حرب التّحرير(‪ ،)1954‬ويشير مولود معمري إلى العشرات من الثّائرين المسكوت عنهم في‬
‫ضد االستعمار الفرنسي بشكل عفوي دون تخطيط محكم أو‬
‫التّاريخ الجزائري الذين انتفضوا ّ‬
‫الشعر والغناء‪.‬‬
‫الذاكرة الجماعية اليوم بأسمائهم في ّ‬
‫تنظيم مسبق‪ ،‬وتحتفظ ّ‬

‫‪ -1‬محمد أرزقي فراد‪ :‬لونيس أيت منقالت الحكيم‪-‬أحداذ بوال‪ -‬ص‪.13‬‬


‫‪49‬‬
‫االشتغال التناصي على التاريخ‪.‬‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬

‫الشخصية التي تمثّل دعاة الكفاح‬


‫ولعل واعلي في رواية الهضبة المنسية (‪ )1952‬هي ّ‬
‫ّ‬
‫إن‬
‫السارد ّ‬
‫المسلّح قبل ثورة ‪ 1954‬إذ ّأنه رفض التّجنيد اإلجباري‪ ،‬والتحق بالجبال‪ ،‬يقول ّ‬
‫واعلي التحق بالجبل وانضم إلى بعض المختصين الذين‪ ،‬وألسباب مختلفة‪ ،‬يعيشون هناك‬
‫منذ وقت طويل‪.1".‬‬
‫وورد حديث حول الملتحي)‪ (Bu-tamart‬الذي "غادر الثّانوية" ووهب حياته لقضية‬
‫التمرد‬
‫ّ‬ ‫أن قائمة أسماء الجماعة التي أعلنت‬
‫ؤكد يوسف أليوي ّ‬
‫سوف يطول شرحها" ‪ .‬وي ّ‬
‫‪2‬‬

‫مبكر طويلة‪ :‬أحمد أومري‪ ،‬بوزيد أحداد‪ ،‬أمزيان أزيكيو‪ ،‬محند‬


‫على المستعمر منذ وقت ّ‬
‫أياليو‪ ...‬وقد أطلق عليهم اسم "أبناء األعراش" والتحق بهم‪ ،‬بعد الحرب العالمية الثّانية‪،‬‬
‫‪3‬‬
‫فجروا ثورة ‪.1954‬‬
‫الشباب الذين ّ‬
‫الكثير من ّ‬
‫نص "أومري‪"Umarri‬الماضي وينتهي إلى عبر تتأمل طبيعة إنسانية أو جوهر‬
‫يستنطق ّ‬
‫‪4‬‬
‫عصي على الثّبات « يستقيم زمنا في انتظار انحناء ال هروب منه»‪.‬‬
‫ّ‬ ‫إنساني‬

‫الرواية‪ :‬كيف يمكن للحياة أن تصير جوهرية؟‬


‫سأل جورج لوكاش في كتابه نظرية ّ‬
‫وذكر الجواب في صفحات الحقة‪ :‬حين يق أر اإلنسان العادي في كتاب الحياة نفسه بوضوح‪.5‬‬
‫‪6‬‬
‫يقول أيت منقالت‪:‬‬
‫‪Ula-d win i t-yennɣan‬‬ ‫حتى قاتله‬
‫‪Ur yebni fell-as‬‬ ‫لم يكن له في الحسبان‬

‫‪1‬‬
‫‪- Mouloud Mammeri, La colline oubliée, El dar el othmania, M’sila p81.‬‬
‫‪- ,La colline oubliée pp99-100.‬‬
‫‪2‬‬

‫‪3‬‬
‫‪-Youcef ALLIOUI, Les arches tribus berbères de Kabylie, L’Harmattan Edition, France‬‬
‫‪2006, p 128.‬‬
‫الرواية العر ّبية‪-‬ص ‪.9‬‬
‫الرواية و ّ‬
‫الرواية وتأويل التّاريخ –نظرية ّ‬
‫‪-‬فيصل دراج‪ّ :‬‬
‫‪4‬‬

‫الرواية‪ ،‬ترجمة الحسين سحبان‪ ،‬منشورات التّل‪ ،‬ط‪ ،1‬الرباط‪.1988 ،‬‬


‫‪ -‬ينظر جورج لوكاش‪ :‬نظرية ّ‬
‫‪5‬‬

‫‪ -6‬لونيس أيت منقالت‪ :‬الديوان الشعري‪ ،‬جمع وترجمة محمد جالوي‪ ،‬قصيدة " أحمد أمري" ‪ ،‬ص ‪.202‬‬
‫‪50‬‬
‫االشتغال التناصي على التاريخ‪.‬‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬

‫‪yenneɣ-at s laman‬‬ ‫طعنه مؤتمنه‬


‫‪Tegra-d lmeɛna-as‬‬ ‫وفي الفعل عبرة للعيان‬
‫‪Aqbayli ur d-iban‬‬ ‫كلما برز القبائلي‬
‫‪Ad t-inneɣ uqbayli‬‬ ‫يتلقى من أخيه الطعنة‬
‫‪Aḥmed Umeṛṛi‬‬ ‫أحمذ أومري‬
‫‪Iɣab am yitri‬‬ ‫آفل مثل النجمة‪.‬‬
‫الظل بحاجة إلى استقصاء وبحث وتنقيب‪.‬‬
‫ّ‬ ‫فما تزال هناك أشياء كثيرة في‬
‫الناس إليه‪،‬‬
‫الشاعر في هذه األبيات عن قاتل أحمد أومري الذي كان من أعز ّ‬
‫تحدث ّ‬
‫ّ‬
‫التقرب من المستعمر والحصول على بعض االمتيازات‪ ،‬ولم يكن هدف‬
‫يود ّ‬ ‫قاتله صديق كان ّ‬
‫الشاعر فضح العائلة أو المساس من كرامتها وانما ألخذ العبرة مما حصل وااللتزام بالحذر‬
‫ّ‬
‫أن الحفاظ على كرسي الحكم قد‬
‫السلطة ودسائسها‪ ،‬وعلّمنا التّاريخ ّ‬
‫والحيطة من أالعيب ّ‬
‫ضد معارضيه‪.‬‬
‫القوة ّ‬
‫يؤدي باإلنسان إلى مزالق خطيرة كنقض مبادئه واستخدام ّ‬
‫األول والثّاني‬
‫أن الشاعر يكرر في آخر المقطع ّ‬
‫فالشيء المالحظ في هذه القصيدة ّ‬
‫يؤكدان دور أحمد أومري في النضال من أجل استقالل الجزائر ومكانته في قلوب‬
‫بيتين ّ‬
‫كل مقاطع‬
‫أهمية االتحاد والتضامن وااللتئام على ّ‬
‫ّ‬ ‫سكان منطقة القبائل‪ ،‬وتوزعت فكرة‬
‫النحو اآلتي‪:‬‬
‫األول والثّاني على ّ‬
‫النص‪ ،‬وللتّمثيل جئنا باألسطر األخيرة من المقطعين ّ‬
‫ّ‬
‫‪1‬‬
‫المقطع األول‪:‬‬
‫‪Aqbayli ur d-yettban‬‬ ‫وكلما برز قبائلي‬
‫‪ad t ineɣ uqbayli‬‬ ‫يتلقى من أخيه الطعنة‬
‫‪hmed umerri‬‬ ‫أحمذ أومري‬
‫‪iɣab amyitri‬‬ ‫آفل مثل النجمة‪.‬‬

‫‪ -1‬لونيس أيت منقالت‪ :‬الديوان الشعري‪ ،‬جمع وترجمة محمد جالوي‪ ،‬قصيدة " أحمد أمري" ‪ ،‬ص ‪.202‬‬
‫‪51‬‬
‫االشتغال التناصي على التاريخ‪.‬‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫المقطع الثاني‪:‬‬
‫‪ur tḥemmlem ara‬‬ ‫تحبون‬
‫ال ّ‬
‫‪awal n tdukli‬‬ ‫كلمة الوحدة‬
‫‪ḥmed umerri‬‬ ‫أحمذ أومري‬
‫‪iɣab amyetri‬‬ ‫آفل مثل النجمة‪.‬‬
‫الشاعر أحمد أومري بالنجم الذي غاب عن األعين في غفلة من ذويه فالنجم‬
‫شبه ّ‬
‫ّ‬
‫يظ هر في الليل ويهتدي به البشر في الظلمة الحالكة‪ ،‬كما له صفة االختفاء فجأة دون سابق‬
‫إنذار‪ ،‬وهذا ما حدث ألحمذ أومري الذي قتل غدرا‪ ،‬بعدما قاوم المستعمر بكل ما أوتي من‬
‫تشرد وتنقل وعدم‬
‫مد يد العون للمحتاج‪ ،‬وفي سبيل ذلك عاش حياة ّ‬
‫قوة‪ ،‬ولم يتوان لحظة في ّ‬
‫استقرار‪.‬‬

‫فعلى ا ّلرغم من انخراط أحمد أومري في قضية وطنه وتآزره مع فقراء منطقته ومقاومته‬
‫الرغم من نضج وعيه وعمق إدراكه للحقائق‬
‫لالستعمار الفرنسي والمتواطئين معه‪ ،‬وعلى ّ‬
‫المرتبطة بالمرحلة التّاريخية فقد مات غد ار وهو في أو ّج المواجهة والحماس والعطاء‪ ،‬وكان‬
‫اغتياله نتيجة نفور بعض األفراد من الوحدة والتآلف والتعاون‪ ،‬والجري وراء المصالح‬
‫الشخصية والمآرب الخاصة‪.‬‬
‫ّ‬

‫يخي في شعره منعكساً لثقافته وارتداداً طبيعياً لزمن يرى‬


‫يعد استخدام أيت منقالت للرمز التار ّ‬
‫ّ‬
‫في شخوصه القدرة على حمل عبء اندفاعه وحماسته وتجربة نضاله وثباته المبنية على‬
‫وتقدس صانعيه بل يختار رمو ًاز‬
‫وتعدد أمجاده ّ‬
‫أفكاره التي ال تقف عند الماضي وتستكين له ّ‬
‫يخي بين طياتها‬
‫صالحةً للتّعبير عن هواجسه وانشغاالته وتطلعاته‪ ،‬حاملةً الحدث التّار ّ‬

‫‪ -1‬لونيس أيت منقالت‪ :‬الديوان الشعري‪ ،‬جمع وترجمة محمد جالوي‪ ،‬قصيدة " أحمد أمري" ‪ ،‬ص ‪.202‬‬
‫‪52‬‬
‫االشتغال التناصي على التاريخ‪.‬‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬

‫ي نحو رمزه (طارق) في قصيدة "الضربة ‪ " Tiyita‬و(أحمد أومري)‬


‫الشعر ّ‬
‫ليوظّفها في السياق ّ‬
‫في قصيدة "أومري ‪."Umerri‬‬

‫الدفاع عن األمازيغية قضايا رئيسة في‬


‫وتظل قضايا الديمقراطية وحرية التّعبير و ّ‬
‫التجند‬
‫ّ‬ ‫نصوص أغاني لونيس أيت منقالت التي تدعو تلميحا ثم تصريحا إلى ضرورة‬
‫الهوية األمازيغية من جهة‪ ،‬ومن جهة أخرى تعرية النظام الحاكم‬
‫ّ‬ ‫لمكافحة محاوالت طمس‬
‫جدا‪.‬‬
‫الذي أودى بالجزائر إلى وضع صعب ّ‬

‫‪53‬‬
‫خاتمة‬
‫خاتمة‬

‫متميزة‪ ،‬ترتقي بذوق‬


‫فنية ذات خصوصية ّ‬
‫نصوص أغاني لونيس أيت منقالت تعبيرات ّ‬
‫الشاعر على إقامة عالقات حوارية مع‬
‫وفنيا‪ ،‬فقد حرصت ّ‬
‫المستمع فكريا ونفسيا ومعرفيا ّ‬
‫عدد من الفنون واألجناس مما جعل النص يتغذى تخييليا من ثقافات ومعارف وتقنيات‬
‫عديدة‪:‬‬

‫الشعري لدى لونيس أيت منقالت ممارسة لغوية وتخييلية وثقافية‬


‫األغنية‪/‬النص ّ‬
‫ّ‬ ‫‪-‬‬
‫تكشف المسكوت عنه وتحتفي بأصوات المقموعين‪ ،‬فتطل عبر التّأمل على فجوات التّاريخ‬
‫ومتاهات الزمن‪ ،‬لتخرج في ثوب أنيق يتداخل فيه اإلظهار واإلخفاء‪ ،‬التّعرية والتّورية‪،‬‬
‫المباشرة واالستعارة‪.‬‬
‫‪-‬تتنافذ األجناس األدبية وغير األدبية‪ ،‬المكتوبة والشفوية‪ ،‬في قصائد لونيس أيت‬
‫النصوص إلى تحف أجناسية‪ ،‬فقد وظفت التّاريخ واحتضنت‬
‫ّ‬ ‫حول‬
‫منقالت في تناغم جميل ّ‬
‫ومقوماتها‪ ،‬وهذا التّعايش األجناسي في‬
‫ّ‬ ‫الشعبية‪ ،‬مثلما احتضنت أجواء األسطورة‬
‫األمثال ّ‬
‫العمل األدبي الواحد دليل على بطالن فكرة الحدود الصارمة بين األجناس‪.‬‬

‫‪-‬تستضيف قصيدة "ظلمتني وما أنا بظالم "أسطورة أنزار وتستثمر تقنياتها وخاصياتها‬
‫فتكسبها أبعادا داللية وجمالية‪ ،‬وتسمها بسمات المغايرة حيث أضفى التناص األسطوري على‬
‫الشعر‬
‫الساحرة الخارقة‪ .‬فقد اقترب ّ‬
‫الداللية الالفتة‪ ،‬وهذه األجواء ّ‬
‫نص ال ّشعري هذه الكثافة ّ‬
‫ال ّ‬
‫الجمالية ومعانيها العميقة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫اإلبداعية ومساراتها‬
‫ّ‬ ‫من األسطورة‪ ،‬واستفاد من طاقاتها‬

‫ركز نص "الضربة ‪"Tiyita‬على الذاكرة والتّاريخ من خالل توظيفه لشخصية طارق بن‬
‫‪ّ -‬‬
‫زياد وخ طبته الشهيرة‪ ،‬فالموقف الحاضر يستدعي االستلهام من عبر الماضي وأحداثه‬
‫وشخصياته‪.‬‬

‫‪55‬‬
‫خاتمة‬

‫هوية مأزومة تعود إلى الماضي وترنو إل‬


‫‪-‬نص األغنية المنقالتية بحث نوعي في ّ‬
‫السلطة زمن ثابت‪ ،‬وفي‬
‫المستقبل‪ ،‬إعادة قول للتّاريخ السلطوي المكتوب‪ .‬ففي أرشيف ّ‬
‫متعددة تسخر من الثّبات‪.‬‬
‫أرشيف كلمات أغاني أيت منقالت أزمنة ّ‬
‫تحوالت‬
‫‪-‬وضع لونيس أيت منقالت في خطابه نبرة مزدوجة‪ :‬نبرة نقدية فاحصة تدرك ّ‬
‫تغيرات المكان واإلنسان‪...‬‬
‫األزمنة وتق أر الواقع‪ ....‬ونبرة تساؤلية تتأمل ّ‬
‫الذات ‪ -‬ذات الكاتب‬
‫كرد فعل لتهميش ّ‬
‫وبهذا تكون القصيدة‪/‬األغنية فعالً من أفعال المقاومة ّ‬
‫الذوات االجتماعية األخرى معاً‪-‬‬
‫وّ‬

‫‪56‬‬
‫مالحق‬
‫مالحق‬

‫ملحق رقم ‪ :01‬بيوغرافيا الشاعر لونيس أيت منقالت‪.‬‬

‫تتميز‬
‫يعد لونيس أيت منقالت من أشهر أعالم األغنية القبائلية األمازيغية المعاصرة‪ّ ،‬‬
‫ّ‬
‫الرمز‪ .‬كما تطرح أيضا المشاكل االجتماعية‬
‫أشعاره وأغانيه بالطابع الفلسفي واستخدام ّ‬
‫الهوية‪ ،‬وتارة أخرى تكون ذات‬
‫ّ‬ ‫الدفاع عن‬
‫والسياسية أحيانا باإلضافة إلى استعمال الحكم و ّ‬
‫طابع عاطفي راقي‪ ،‬وعلى العموم تتميز كلمات أغاني أيت منقالت بالطابع اإلنساني وتعكس‬
‫عمق ثقافته وسعة اطالعه ونضج وعيه‪.‬‬

‫أ –نشأته‪:‬‬

‫ولد الفنان أيت منقالت عبد النبي‪ ،‬المكنى بـ " لونيس"‪ ،‬سنة ‪ 1950‬في قرية إغيل‬
‫نواماس بوالية تيزي وزو‪ ،‬و«لقب ب " لونيس" إرضاء لرغبة الجدة‪ ،‬التي اختارت هذا االسم‬
‫بعد أن تراءى لها في المنام ليظل االسم الرسمي " عبد النبي" مجهوال من طرف الجميع‬
‫‪1‬‬
‫حتى على ذويه من األهل واألقارب‪ ،‬ليتم اكتشافه عند تشكيل ملف الدخول المدرسي»‪.‬‬

‫ترعرع الشاعر بين أحضان أسرة ميسورة الحال عانت الكثير من ويالت االستعمار‬
‫«وعند اندالع هذه الثورة‪ ،‬كان لونيس يومها طفال صغي ار في الرابعة من عمره ليبلغ الثانية‬
‫عشر مع عيد االستقالل »‪ 2.‬وهذا يعني ّأنه عايش الثّورة معايشة الطفل الناقم على‬
‫المستعمر الظالم‪ ،‬والمساند ألبناء أمته‪ ،‬وكان لتلك األجواء المشحونة بالمأساة والمعبأة‬
‫باألحزان دور أساس في إذكاء الحس ال ّشعري في ذاته في فترة مبكرة من عمره لينتج بذلك‬
‫الداللة واإلنسانية‪.‬‬
‫أشعا ار في قمة الجمال و ّ‬

‫‪ -1‬محمد جالوي‪ :‬الصورة الشعرية عند لونيس أيت منقالت‪ ،‬رسالة مقدمة لنيل شهادة الماجستير‪ ،‬جامعة مولود معمري‬
‫تيزي وزو‪ ،1997 ،‬ص ‪.10‬‬
‫‪ -2‬المرجع نفسه‪ ،‬الصفحة نفسها‪.‬‬
‫‪58‬‬
‫مالحق‬

‫الدراسة إال بعد بلوغه الحادي عشر من عمره‬


‫لم يلتحق الشاعر أيت منقالت بمقعد ّ‬
‫نظ ار للظروف االستعمارية القاسية التي عاشها ك ّل الجزائريين حيث غادر سنة ‪ 1962‬إغيل‬
‫تم هذه‬
‫بماس متّجها إلى مدينة الجزائر رفقة إخوانه‪ ،‬وهناك دخل المدرسة االبتدائية‪ ،‬ولم أ ّ‬
‫الدراسية‪ ،‬انتقل إلى المعهد التكنولوجي لمدة ثالث سنوات أين تعلم حرفة النقش على‬ ‫الفترة ّ‬
‫‪1‬‬
‫الخشب‪.‬‬

‫ب – مشواره الفني‪:‬‬

‫بدأ الشاعر أيت منقالت حياته الفنية في سنة ‪ ،1966‬وشارك في بداية ‪ 1967‬في‬
‫حصة فنية إذاعية «كان يقدمها الفنان الراحل شريف خدام‪ ،‬والتي كانت تستضيف المواهب‬
‫الفنية ضمن الفنانين الشباب الذين يألفون ويغنون باللّغة األمازيغية»‪ 2.‬وكان عمره ال يتجاوز‬
‫سبعة عشر عاما‪،‬و« أسس رفقة جماعة من الشباب الذين أنتجتهم هذه الحصة‪ ،‬مجموعة‬
‫أن هذه‬
‫غنائية أطلقوا عليها " إمازيغن" ذات أهداف فنية‪ ،‬وسياسية‪ ،‬وايديولوجية‪ ،‬إالّ ّ‬
‫المجموعة لم تدم طويال‪ ،‬إذ زالت بفعل الفراق الذي ح ّل بين أعضائها‪ ،‬حيث غادر أيت‬
‫‪3‬‬
‫منقالت العاصمة في اتجاه " إغيل بماس"‪ ،‬ومنه إلى الخدمة العسكرية التي دامت سنتين»‪.‬‬

‫بعد عودته من الخدمة الوطنية واصل مسيرته الفنية حيث غنى في مرحلة الشباب ما‬
‫ثم يدخل هذا الفنان مرحلة ثانية وذلك في فترة‬
‫عن حاالت الغرام والرومانسية والغزل‪ّ ،‬‬
‫الثمانينات‪« ،‬حيث عمل على كتابة أغاني ملتزمة تحمل رسائل عقائدية وسياسية وفلسفية‬

‫النشر والتوزيع‪ ،‬ط‪ ،2‬تيزي وزو‪،2017 ،‬‬


‫‪-‬ينظر محمد أوزقي فراد‪ :‬لونيس أيتم نقالت أحداذ أبوال‪ ،‬األمل للطباعة و ّ‬
‫‪1‬‬

‫ص‪.25‬‬
‫‪ -2‬فيلم فيديو‪ :‬الفنان الجزائري لونيس أيت منقالت أقطاب الغناء الجزائري‪2015/05/02 ،France 24 ،‬‬
‫‪http :f24.my/youtubeAR‬‬
‫‪ -3‬محمد جالوي‪ :‬الصورة الشعرية عند لونيس أيت منقالت‪ ،‬ص ‪..11-10‬‬
‫‪59‬‬
‫مالحق‬

‫الناس‪ ،‬وتساؤالتهم‪ ،‬وأيضا بوقائع ومطالب المجتمع األمازيغي الذي كان يناضل‬
‫تتعلق بحياة ّ‬
‫‪1‬‬
‫من أجل االعتراف بهويته ولغته وثقافته في الجزائر»‪.‬‬

‫لقد أصبح هذا الفنان ذا شعبية كبيرة في الجزائر وخاصة لدى األمازيغ لكونه يدافع‬
‫الهوية األمازيغية وحقوق اإلنسان‪ ،‬ولم تقتصر شهرته على الجزائر فقط‪ ،‬وانما اكتسحت‬
‫ّ‬ ‫على‬
‫أوساط المهاجرين فقال عنه كاتب ياسين « ّإنه الوحيد القادر على حشد الجماهير في‬
‫‪2‬‬
‫الجزائر وخارجها»‪.‬‬

‫عدة الشعر‬
‫تتوزع على موضوعات ّ‬
‫ألف لونيس أيت منقالت كما هائال من النصوص ّ‬
‫ّ‬
‫العاطفي ‪ ،Tamedyazt n tayri‬ال ّشعر السياسي ‪ ،Tamedyazt n tesrit‬ال ّشعر‬
‫التأملي ‪ ،Tamedyazt n weskud‬ال ّشعر االجتماعي ‪.Tamedyazt n temetti‬‬

‫ملحق رقم ‪ :02‬نبذة عن أسطورة أنزار‪.‬‬

‫طقس االستسقاء " أنزار ‪ "ANZAR‬يعتبر الماء مادة الحياة‪ ،‬فهو األساس في الكون ال‬
‫يمكن االستغناء عنه‪ ،‬فحياة اإلنسان والحيوان والنبات متوقفة عليه ومرتبطة به أشد ارتباط‬
‫الحية القوة على االستمرار والبقاء‪ ،‬ونظ ار ألهميته خصصت له‬
‫فهو يمنح جميع الكائنات ّ‬
‫األمم المتحدة األمريكية يوما عالميا (‪ 22‬مارس من كل سنة) تقوم بتذكير بأهميته وضرورة‬
‫الحفاظ عليه‪.‬‬

‫الناس يبذلون ما في وسعهم من أجل‬


‫أثار الماء اهتمام اإلنسان منذ القدم حيث كان ّ‬
‫أن نزول األمطار من القوى الغيبية العليا لهذا كانوا يمارسون‬
‫الحصول عليه‪ ،‬وقد اعتبروا ّ‬
‫مجموعة من الشعائر‪ ،‬ويقدمون مختلف القربان‪ ،‬فهذه الطقوس عرفت في جميع المجتمعات‬
‫والحضارات العالمية‪.‬‬

‫‪ -1‬محمد جالوي‪ :‬الصورة الشعرية عند لونيس أيت منقالت‪ ،‬ص ‪.11‬‬
‫‪ -2‬فيلم فيديو‪ :‬الفنان الجزائري لونيس أيت منقالت أقطاب الغناء الجزائري‪http :f24.my/youtubeAR ،-France 24‬‬
‫‪60‬‬
‫مالحق‬

‫عرفت شمال إفريقيا كغيرها من الحضارات‪ ،‬األساطير ومن بين هذه الدول نجد الجزائر‬
‫بالتّحديد منطقة القبائل التي عرفتها بشكل واسع منذ القدم‪ ،‬ومن بينها أسطورة االستسقاء‬
‫يعبر من خاللها‬
‫“أسطورة أنزار"‪ ،‬وهي تندرج ضمن األساطير الكونية أو الطقوسية التي ّ‬
‫األول فعل تساقط األمطار‬
‫فسر اإلنسان ّ‬ ‫اإلنسان عن تصوره للظواهر الطبيعية‪ ،‬حيث ّ‬
‫بالرجوع إلى قوى خارقة‪ ،‬فبعد اإلنسان إله المطر‪ ،‬الملقّب " أنزار‪."Anzar‬‬
‫ّ‬
‫أحب فتاة خارقة الجمال ‪Agur deg genni nettet‬‬
‫أن إله "أنزار" ّ‬
‫تروي األسطورة ّ‬
‫بحبه يرتعد‬
‫تعود على رؤيتها وهي تستحم‪ ،‬وكلّما حاول التحدث معها واالعتراف ّ‬
‫‪ّ ،lqaεa di‬‬
‫قرر أن يخبرها من يكون‪ ،‬وان رفضت السماع واستمرت على درب‬ ‫من الخوف‪ .‬وذات يوم ّ‬
‫فإنه سيقطع الماء عنها‪ ،‬خاطب أنزار الفتاة قائال‪( 1‬ترجمة‪ :‬محمد جالوي)‪:‬‬
‫عنادها‪ّ ،‬‬

‫‪Aqli gezmej – d i genwan‬‬ ‫ها أنا اخترقت السماوات‪.‬‬


‫‪Ayiwen ggetran‬‬ ‫ّأيها النجم األوحد‪.‬‬
‫‪Ff-iyi aqjjud i m- fkan‬‬ ‫أنعمني ببهائك وضيائه‪.‬‬
‫‪Nej am kksej aman‬‬ ‫واال قطعت عنك المياه‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫ردت عليه الفتاة‪:‬‬
‫ّ‬
‫‪txilek ay agellid n waman‬‬ ‫فضلك بإله األمطار‪.‬‬
‫‪A bu t3essabt lmarjan‬‬ ‫صاحب التاج المرجاني‪.‬‬
‫‪Nekk i kecc iwemi gi- d fkan‬‬ ‫أنا لك الغير هداني‪.‬‬
‫‪me3na uggaej imennan‬‬ ‫لكن الخوف من قول الغواني‪.‬‬

‫‪-Henri Genevois, Un rite d’obtention de la pluie la fiancée d’Anzar, Alger, 1978, p 393,‬‬
‫‪1‬‬

‫‪401.‬‬

‫‪- Idem, p 393.‬‬


‫‪2‬‬

‫‪61‬‬
‫مالحق‬

‫ألنها ال تكن له‬


‫أن الفتاة المسكينة انتابها الهلع والخوف والحيرة‪ّ ،‬‬
‫ففي هذه األبيات نفهم ّ‬
‫الحب‪ ،‬فالشفقة على أهل القرية من الجفاف دفعها ّلرد عليه بتلك الطريقة‪.‬‬
‫ّ‬

‫الرد اشتد غضب إله األمطار‪ ،‬فأدار خاتمه فجمدت الوديان‪ ،‬وتوقفت المياه‬
‫بعد هذا ّ‬
‫عن السيالن‪ ،‬فما أن جفت المياه تحت قدمي الفتاة حتى أدركت قدرة اإلله أنزار‪ ،‬فأزاحت‬
‫عن جسدها ثوبها الحريري‪ ،‬لتظهر في الصورة التي يرضى بها اإلله العاشق‪ ،‬صاحب‬
‫الحب والغيث والرزق‪ ،‬ليغفر لها ويعيد المياه لقريتها‪.‬‬
‫ّ‬ ‫الخير‪ ،‬إله‬

‫قالت له متوسلة ومتضرعة‪:1‬‬

‫‪Ay anzar, ay ayanzar‬‬ ‫أنزار‪ ،‬أنزار‪.‬‬


‫‪Ay Ajeggig uzajar‬‬ ‫أيها الورد الساحلي‪.‬‬
‫‪Asif anas – d l3inser‬‬ ‫أعد للوادي المنابع‪.‬‬
‫‪Ruh ad rred ttar‬‬ ‫ولك علي الفوز واالنتصار‪.‬‬
‫ملحق رقم ‪ :03‬التعريف بالشخصيتين التاريخيتين طارق بن زياد وأحمذ أومري‪.‬‬

‫‪-‬طارق بن زياد فاتح األندلس‪:‬‬

‫هو قائد عسكري‪ ،‬فتح األندلس(اسبانيا) في عهد الخليفة األموي الوليد بن عبد الملك‬
‫عام ‪ 91‬ه‪ ،‬تحت إمارة موسى بن نصير أمير إفريقيا والمغرب العربي أنذاك‪.‬‬

‫أ – مولد طارق بن زياد‪:‬‬

‫ولد طارق بن زياد في منطقة خنشلة الجزائرّية‪ ،‬وذلك في عام ‪670‬م (‪ 50‬ه)‪ ،‬وهو‬
‫فإن أصول طارق بن زياد غير عربية‪ ،‬وعائلته ذات أصول‬ ‫ابن لقبيلة نفرة البربرية‪ ،‬وبالتالي ّ‬
‫بربرية سكنت في بالد المغرب العربي‪ ،‬ونشأ" طارق بن زياد نشأة إسالمية‪ ،‬وتعلم القراءة‬
‫والكتابة‪ ،‬وحفظ عددا من سور القرآن الكريم‪ ،‬كما حفظ عدد من األحاديث النبوية الشريفة‪.‬‬

‫‪- Henri Genevois, Un rite d’obtention de la pluie la fiancée d’Anzar, p400.‬‬


‫‪2‬‬

‫‪62‬‬
‫مالحق‬

‫ب – فاتح األندلس‪:‬‬
‫يعتبر القائد طارق بن زياد فاتح بالد األندلس‪ ،‬في أيام شهر رمضان‪ ،‬ويشار إلى‬
‫أن هذا‬
‫حدث فتح األندلس كأعظم فتح من الفتوحات في التاريخ اإلسالمي‪ ،‬ويجدر بالذكر ّ‬
‫القائد العسكري قاد ّأول الجيوش اإلسالمية إلى شبه جزيرة أيبيريا‪ ،‬وقاد انتصا ار ممي از في‬
‫معركة "وادي لكه" وعلى يديه فتحت األندلس‪ ،‬وبذلك فهو أشهر القادة العسكريين المسلمين‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫أن جبل طارق بن زياد في إسبانيا يحمل اسم هذا القائد‪.‬‬
‫حتى ّ‬
‫ج – وفاته‪:‬‬
‫تذكر المصادر التّاريخية أنّ وفاة طارق بن زياد كانت في عام ‪ 102‬ه‪ ،‬وقد انقطعت‬
‫أخباره بعد عودته إلى الشام مع موسى بن نصير‪ ،‬واختلفت أقوال المؤرخين حول وفاته‪،‬‬
‫تم تأويله هو عدم وجود أي عمل له بعد تواجده في الشام‪.‬‬
‫ولكن ما ّ‬
‫د‪ -‬خطبته الشهيرة في فتح األندلس‪:‬‬

‫خطب طارق بن زياد‪ « :‬أيها الناس‪ ،‬أين المفر؟ البحر من ورائكم‪ ،‬والعدو أمامكم‬
‫وليس لكم والله إال الصدق والصبر‪ .‬واعلموا أنكم في هذه الجزيرة أضيع من األيتام في مأدبة‬
‫عدوكم بجيشه وأسلحته‪ ،‬وأقواته موفورة‪ ،‬وأنتم ال وزر لكم إال سيوفكم وال‬
‫اللئام‪ ،‬وقد استقبلكم ّ‬
‫أقوات إال ما تستخلصونه من أيدي عدوكم‪ ،‬وان امتدت بكم األيام على افتقاركم ولم تنجزوا‬
‫لكم أم اًر ذهبت ريحكم‪ ،‬وتع ّوضت القلوب من رعبها منكم الجراءة عليكم‪ ،‬فادفعوا عن أنفسكم‬
‫خذالن هذه العاقبة من أمركم بمناجزة هذا الطاغية‪ .».‬وذكرت بعض الكتب نصا آخر‬
‫للخطبة‪:2‬‬

‫‪-1‬من هو طارق بن زياد ‪https : //mawdoo3.com‬‬


‫‪ -2‬عيسى سلمان درويش المعموري‪ :‬خطبة طارق بن زياد‪2017/10/ 14‬‬
‫‪http://www.uobabylon.edu.iq/uobColeges/lecture.aspx?fid=19&depid=1&lcid=67409‬‬

‫‪63‬‬
‫مالحق‬

‫المفر؟ البحر من ورائكم والعدو أمامكم وليس لكم واهلل إال الصدق والصبر‪.‬‬
‫الناس‪ :‬أين ّ‬ ‫«أيها ّ‬
‫واعلموا أنكم في هذه الجزيرة أضيع من األيتام في مأدبة اللئام‪ .‬وقد استقبلكم عدوكم بجيشه‪،‬‬
‫وأسلحته وأقواته موفورة‪ .‬وأنتم ال وزر لكم إال سيوفكم‪ ،‬وال أقوات إال ما تستخلصونه من أيدي‬
‫عدوكم‪ .‬وان امتدت بكم األيام على افتقاركم ولم تنجزوا لكم أمرا‪ ،‬ذهبت ريحكم وتعوضت‬
‫القلوب من رعبها منكما لجراءة عليكم‪ .‬فادفعوا عن أنفسكم خذالن هذه العاقبة من أمركم‬
‫بمناجزة هذا الطاغية‪ ،‬فقد ألقت به إليكم مدينته الحصينة‪ .‬وان انتهاز الفرصة فيه لممكن إن‬
‫سمحتم لنفسكم بالموت واني لم أحذركم أم ار أنا عنه بنجوة‪ ،‬وال حملتكم على خطة أرخص‬
‫متاع فيها النفوس (من غير أن) أبدأ بنفسي‪ .‬واعلموا أنكم إن صبرتم على األشق قليال‬
‫استمتعتم باألرفه األلذ طويال‪ ،‬فال ترغبوا بأنفسكم عن نفسي فما حظكم فيه بأوفى من حظي‪.‬‬
‫وقد بلغتكم ما أنشأت هذه الجزيرة من الحور الحسان‪ ،‬من بنات اليونان‪ ،‬الرافالت في الدر‬
‫والمرجان ‪،‬والحلل المنسوجة بالعقيان ‪،‬المقصورات في قصور الملوك ذوي التيجان‪ .‬وقد‬
‫انتخبكم الوليد بن عبدا لملك أمير المؤمنين من األبطال عربانا‪ ،‬ورضيكم لملوك هذه الجزيرة‬
‫أصها ار وأختانا‪ .‬ثقة منه بارتياحكم للطعان‪ ،‬واستماحكم بمجالدة األبطال والفرسان‪ ،‬ليكون‬
‫حظه منكم ثواب اهلل على إعالء كلمته واظهار دينه بهذه الجزيرة وليكون مغنمها خالصة لكم‬
‫من دونه ومن دون المؤمنين سواكم‪ .‬واهلل تعالى ولي إنجادكم على ما يكون لكم ذك ار في‬
‫الدارين‪ .‬واعلموا أني أول مجيب إلى ما دعوتكم إليه وأن يعند ملتقى الجمعين حامل بنفسي‬
‫على طاغية القوم "لذريق" فقاتله إن شاء اهلل تعالى فاحملوا معي فان هلكت بعده فقد كفيتكم‬
‫أمره ولم يعوزكم بطل عاقل تسندون أموركم إليه وان هلكت قبل وصولي إليه فاخلفوني في‬
‫عزيمتي هذه واحملوا بأنفسكم عليه واكتفوا لهم من فتح هذه الجزيرة بقتله فإنهم بعده‬
‫يخذلون»‪.‬‬

‫‪-‬قصة البطل أحمد أومري‪ :‬كان أحمد بلعيدي أو بلعيد الملقّب أحمد أومري سليل‬
‫العائلة التي فقدت سبعة رجال خالل مقاومة عرش بوادو عند الغزو الفرنسي لمنطقة القبائل‬
‫مدة سبع سنوات مع قلّة اإلمكانيات والفقر‪ ،‬كما بات‬
‫عام ‪ ،1849‬فقد قاوم هذا العرش ّ‬

‫‪64‬‬
‫مالحق‬

‫المحرمة دوليا وانسانيا كسياسة األرض‬


‫ّ‬ ‫أن فرنسا استعملت األساليب‬
‫معروفا تاريخيا ّ‬
‫المحروقة‪.‬‬

‫كتب العقيد روبن في مجلة " اإلفريقي" في موضوع غزو منطقة القبائل ّأنه على‬
‫الرغم من إقالة القرى الرئيسية واخماد الثورات فيها في عام ‪ ،1856‬ظلّت قرية "بني بوادو"‬
‫ّ‬
‫صامدة مستعصية على عسكر فرنسا إلى عام ‪.1857‬‬

‫ولد أحمد أمري وهو أسطورة البطولة وال ّشجاعة الجزائرّية في منطقة القبائل بالخصوص‬
‫السلطة‬
‫وتمرد على ّ‬‫تشرد ّ‬
‫بوالية تيزي وزو‪ ،‬في "أيت بوادو" جنوب تيزي وزو سنة ‪ّ .1911‬‬
‫الفرنسية واتخذ الجبال ملجأ له وسمى نفسه أحمد أمري‪ ،‬وأسس كتيبة منظمة مقاومة للظلم‬
‫وكانت بمثابة شعلة جديدة أوقدت الثّوار في كل مناطق القبائل‪ .‬كان شديد الولع بالحرية‬
‫واالستقالل فسكن قلوب الفقراء والمظلومين المحرومين وسعى إلى االنتقام لهم وأخذ أموال‬
‫المعمرين الفرنسيين بالقوة وتوزيعها عليهم‪.‬‬

‫كان يقف دائما بجانب الجزائري المقهور من طرف القياد والحركة العاملين لصالح‬
‫السلطة الفرنسية‪ ،‬وكان ال ينفذ العملية الجهادية لوحده بل يقسم كتيبته إلى قسمين‪ ،‬فالفرقة‬
‫ّ‬
‫األولى تهاجم والثانية تحمي وتحاصر‪ ،‬وكان المنفذ الفعلي لإلعدامات وبفضل حنكته لم‬
‫يقدر عليه عسكر فرنسا‪.‬‬

‫أن كريم بلقاسم انضم إلى جيشه فكان‬


‫ذكر بعض الذين عايشوا المناضل أحمد أومري ّ‬
‫حوله كريم بلقاسم إلى‬
‫ينشط تحت راية أحمد أومري ولما استشهد تاركا وراءه تنظيما مدربا ّ‬
‫جهاز للمنظمة السرّية المسلّحة ‪ OS‬التّابع لحزب ال ّشعب ‪ PPA‬في ‪ 16‬فيفري ‪.1947‬‬

‫ويذكر اإلبراهيمي ّأنه بعد تحقيق كبير ومعمق وصل إلى أنه كانت هناك اتصاالت‬
‫الديمقراطية" وكان زعيمها‬
‫وتنسيقات مع القيادة العامة "‪ MILD‬حركة انتصار الحريات ّ‬
‫مصالي الحاج وجماعة أومري بوساطة كريم بلقاسم الذي كان فعاال في الحزب وكان على‬

‫‪65‬‬
‫مالحق‬

‫قدر أن يرحل في‬


‫النشاط المسلّح‪ ،‬ولكن اهلل ّ‬
‫وشك االنضمام إلى العمل السياسي بالموازاة مع ّ‬
‫يوم تأسيس المنظمة السرّية المسلّحة وما يصدق هذه األطروحة انضمام كل رجاله فيها‪.‬‬

‫لما كان شابا رفض أومري أن يجند في القوات الفرنسية التي تخوض الحرب العالمية‬
‫مرة ثم صعد إلى الجبل أين أصبح يقاوم‬ ‫مرتين وكان يهرب ك ّل ّ‬
‫الثّانية وسجن على إثرها ّ‬
‫االستعمار الفرنسي بطريقته الخاصة عن طريق سرقة األغنياء المعمرين وتقديمها للفقراء‬
‫وكان يثأر للضعفاء الذين كان بعض القياد يظلمهم ويسلب منهم األراضي واألموال‪ ،‬فكان‬
‫الرعب في قلوب‬
‫يعاقب كل من يتطاول على أبناء الشعب في تلك المنطقة حتى زرع ّ‬
‫الفرنسيين‪.‬‬

‫لم يكن أحمد أومري لوحده فكان لديه مجموعة من الخارجين عن القانون يجوبون‬
‫ضد العدو‪ ...‬وأصبح أحمد أومري معروفا في المنطقة‬
‫الغابات والجبال لتنفيذ مخططاتهم ّ‬
‫ورم از للشجاعة والنخوة‪ ...‬حتى جاء يوم ‪ 16‬فيفري ‪ 1947‬أين قتل من طرف أحد أصدقائه‬
‫سعيد أواسل الذي كان موكال من طرف أحد القادة بقرية "أعزوزن" في يوم ‪ 16‬فيفري‬
‫‪1‬‬
‫‪.1947‬‬

‫ملحق رقم ‪ :04‬تقديم المدونة‪.‬‬

‫تقديم المدونة‪:‬‬

‫ظلمتني‪T-ssḍelemḍ-iyi /‬‬
‫‪Tessḍelemḍ- iyi ur ḍelmeɣ‬‬ ‫ظلمتني وما أنا بظالم‪.‬‬
‫‪Γas ḍelmeɣ mebla lebɣi-w‬‬ ‫وان ظلمت فمن غير قصد‪.‬‬

‫‪ -1‬ينظر‪:‬‬
‫‪https://www.echoroukonline.com‬‬
‫‪postshttps://m.facebook.com‬‬
‫‪https://armpoli.yoo7.com/t16409‬‬

‫‪66‬‬
‫مالحق‬

Semḥ-iyi akken d am-semḥeɣ ‫سامحني كما سامحتك‬


A tin εzizen fell-i .‫يا ذات شأن في فؤادي‬
Lemḥibba-nneɣ tettwaqqed ‫حبنا قد تلظى‬
Di lkanun tegr i wurɣu ‫وأضحى وقودا في الموقد‬
S yesɣaṛen tettwassed ‫ك بالحطب‬
ّ ‫وقد د‬
Akken yiwen ur tt-isnusu ‫لكي تستعصي ناره على اإلطفاء‬
D ddexxwan deg-genni a d-yebded ‫دخانه صعودا يتعالى‬
Times-is a d-teğği ɣed ‫نيرانه تخلف رامادا‬
Iɣed-nni a t-yedde mwaḍu ‫والرماد تنقله الرياح باعتالء‬
Iɣed-nni a yeddem waḍu ‫ذاك الرماد المحمول‬
A ten-izrε zdat wexxam ‫تزرعه الرياح قرب المنزل‬
A d-imɣi lward ad yefsu ‫ينبت الورد ويتفتق‬
Ad imettel di ssifa-m ‫ويشبه جمالك الخالق‬
Nek a d-uɣaleɣ d agu ‫أنا سأصبح غيما‬
Sennig-im a m-dehduɣ sslam ‫ومن العلى أهديك سالما‬
Leḥcic a m-yuɣal d usu ‫العشب يغدو بساطا تحت قدميك‬
Igenni d aεdilfell-am ‫والسماء تصبح كساء من فوقك‬
A d-tasteslit b-bwenẓar ‫عروس أنزار قادمة‬
A s-tefki lwerd lfuḍas .‫ستهدي للورد من منديلها األلوان‬
Lebraq a d-iwwetam lefnar ‫البرق يرمض كالمصباح‬
A d-ibeggens sifa-s ‫فيبرز لي جمالها الفتان‬
Lehwa-s d-iḥeggun aẓar ‫أمطاره المنعشة للجذور‬
D nek a t-id-yaznenfell-as ‫بأمري يجود بها السحاب‬

67
‫مالحق‬

A tin m’i d-zzinlenwaṛ ‫يا جميلة بين والرود‬


Ad am-iliɣ d aεessas ‫أنا في حماك قائم مهاب‬
yebbwḍ-d unebd Atan ‫الحر‬
ّ ‫ها قد حل القحط و‬
Yebbwḍ-d wass-im d wass-iw ‫وبه إلى النهاية نؤول‬
Nekseg-genni ad iyi-isfeḍ ‫أنا من علياء السماء انقشع‬
Kem a m-yesreɣafriwn-im ‫وأنت سيلحق بك الذبول‬
Ğğiɣ-kem ad i t-semḥeḍ ‫وداعا ومنك العفو أرجو‬
Γasfehm-itdeg iman-im ‫وفي مصابك لألمر تعليل‬
Lemḥibba-w ɣr-m teɣleḍ ‫حبي لك أخطأ السبيل‬
Tusa-d tεeddaurteqqim .‫ ثم عليه الرحيل‬،‫حل‬
Tiyita /‫الضريبة‬
Melt-aɣ a widen yessnen ‫أيها النبهاء قولوا لنا‬
Ma ilaq adnebnu ɣef ṛṛmel ‫هل يصح البناء على الرمل‬
Tameslayt des yilsawen ‫لعتنا المحفوظة باللسان‬
Ma ilaq ad tt-neǧǧ ada ɣ- terwel ‫هل يصح أن ندعها للزوال‬
Ad d –yaf win ara d-ilalen ‫األجيال القادمة ستجد‬
ṣṣeḥ iwakken ad ikemmel ‫أساسا مينا لكي تواصل‬
mačči d nekkni ara tt-ifaken ‫فلسنا من سيتم إحياءها‬
acḥal yettḍul lebni n laṣel ‫ألن بناء األصل قد يطول‬
D leqrun mačči d kra ‫قرون كثيرة وعديدة‬
I tt-ɛussen amer ad texsi ‫ترقبت إنطفاءها‬
Alarmi d- tebbeḍ ass-a ‫قومتها وبلغت حد اليوم‬
Tergit gar-aneɣi d-teɣli ‫وسقطت مجمرة بيننا‬
68
‫مالحق‬

Kulwa d asɣari as-d-yerna ‫كل واحد أحضر خشبة‬


Iɛawen-ittyiss ad d – teflali ‫وضمها بغية اشتغالها‬
Is ɣaren –nni ad gen taffa ‫الحطب تكوم كإبالة‬
Ajajiḥ deg igenni ad yali ‫والى السماء بلغ لهيبها‬
Anwa ara ibeddlen tikli-s ‫من ذا الذي يغير سيرته‬

Alam ma ibeddel lasel ‫اللهم إن حاد عن أصله‬


Anwa ara yettun isem-is ‫من ذال الذي ينسى اسمه‬
S lebɣi-s ad t-yeɣḍel ‫ويرغب في اسقاطه‬
Ma yeqbel ad t-yewwet ufus-is ‫إن رضي بصفعة من يده‬
Ad ihudd d dunit-is ‫وقبل بخراب حياته‬
Ɣas aẓekka deg-s yenṭel ‫فعليه أن يدفن في القبر‬
Anwa ara yessenzen atmaten-is ‫من ذا الذي يبيع بيته‬
Axxam-is d warraw-is ‫أوالده واخوته‬
Meyyezet kan sɛut leɛqel ‫تعلقوا وتدبروا في األمر‬
Sɛeddit-tt di lmizan ‫أخضعوا قولي للميزان‬
Weznet, steqsit, ṛǧut ‫زينوه واسألوا ثم انتظروا‬
S imir tinim-d ayen illan ‫بعدها أدلوا بما كان‬
Ma yella ixṛeb-as ṣṣut ‫أحقا قد تلف صوته‬
Ras akka ifadden-is ɛyan ‫بالرغم من هزالة جهده‬
Yettḥaz-it-id wayen niḍran ‫يتأثر بأحداث قومه‬
ẓretul-is mazal yemmut ‫واعلموا أن دقات قلبه نابضة‬
yeẓra d ac ii t-iḥuzan ‫يدرك ما به من ضرر‬

69
‫مالحق‬

a wi ur nefhim mmekti-d kan ‫يا من لم يفهم تذكر‬


taqsit n wezduz di teylut "‫قصة " المدق في القربة‬
acḥal n widak yecnan ‫كم من الذين ألفوا الغناء‬
kulwa amek issexdem aqerru-s ‫لكل طريقته في التأليف‬
yak d lɛibad ay llan ‫إنهم من طينة البشر‬
kulwa da izad da ixuṣ ‫كل واحد متفوق وضعيف‬
a wid yeṭṭfen imegran ‫يا أصحاب المناجل في اليد‬
ras tegzemem ǧǧet iẓuran ‫إن قطعتم أبقوا على الجذور‬
mulac katned memdrus ‫واال فندكم سيغدو من غير حد‬
ttmektit-d d sliman "‫تذكروا " سليمان‬
acaqur d ṭtejrai as-yennan ‫للقطاعة قال الشجرة‬
ẓriɣansi d- tuɣedafus .‫أعلم من أين جاءتك يدك‬
ras ma yella ad aggadeɣ ‫رغم أني قد أضاف‬
mi d-tellassebba ad tt-nekkes ‫اتجاوز خوفي بقطع السبب‬
s mkul lǧiha ttewteɣ ‫حصاري من كل جنب يطاف‬
Ayen ufiɣ ad wteɣ yiss ‫أقاوم جادا بال عطب‬
Muqleɣ s anida ara rreɣ .‫بحثت عن بر نجاتي‬
Deffir I lebḥer selleɣ ‫موج البحر يالحقني‬
Zdat aɛadaw yessuqes ‫والعدو أمامي في أهب‬
A tariq ad ak-n – siwleɣ ‫يا طارق أستجيدك أين القرار‬
Lbabur ideg ara rewlaɣ ‫قاربي أن نويت عليه الفرار‬
Zwir cɛel deg-s times .‫أسرع وأجعله مادة للهب‬

70
‫مالحق‬

Aḥmed umerri / ‫أحمد أومري‬


Ula d win t- inɣan ‫حتى قاتله‬
Ur yebni fell-as ‫لم يكن له في الحسبان‬
Yenɣa-t s laman ‫طعنه مؤتمنه‬
Teggra-d lmeɛna-s ‫وفي الفعل عبرة للعيان‬
Aqbayli ad d-iban ‫كلما برز القبائلي‬
Ad t-neɣ uqbayli ‫يتلقى من أخيه الطعنة‬
Hmed umerri ‫أحمد أومري‬
Iɣab am yettri .‫آفل مثل النجمة‬
Mkul wa yenna ‫كل واحد قد قال‬
D neki iẓewren ‫أنما الشاطر بينكم‬
Kra xedmen ɛecṛa ‫ما قد ينجزه عشرة‬
Ad t-yexdem yiwen ‫سينجزه واحد‬
Ur teḥmilem ara ‫إنكم تمقتون‬
Awal n tdukli ‫كلمة والوحدة‬
Hmed umerri ‫أحمد أمري‬
Iɣab am yettri ‫آفل مثل النجمة‬
Ur ttaggad leḥṛuṛ ‫ال تخف من األحرار‬
D lbatelur t-ssnen ‫فإنهم للظلم يمقتون‬
Ur qebblen zzuṛ ‫لن يرضوا بالباطل‬
Miara k-id-qesden ‫إذا ما قصدوك‬
Netta ggadleɛṛuṛ ‫ّإنما الخوف من السفهاء‬

71
‫مالحق‬

‫‪Ur nesɛi ifadden‬‬ ‫ال ّذين هم للرجولة فاقدون‬


‫‪Ma zaggden lehduṛ‬‬ ‫إن تشدقوا بالكالم‬
‫‪A larmi tteklen‬‬ ‫فعلى دعم الغير متكلمون‬
‫‪Ayen ɣef itteklen‬‬ ‫ما يشكل محمور عمهم‬
‫‪Ur as – tezmireḍ ara‬‬ ‫لن تقدر عليه وال تقوى‬
‫‪Ayen iss ileɛben‬‬ ‫وما يشكل محور لعبتهم‬
‫‪Ur t-tessineḍ ara‬‬ ‫ال تعرف ما له من خبايا‬
‫‪Taqaɛet ixxamen‬‬ ‫الساحات والمساكن‬
‫‪Iqjan d iqerra‬‬ ‫الكالب الرؤوس‬
‫‪Xemsin mi ara mmten‬‬ ‫عندما يموت منهم خمسون‬
‫‪Ad d ɛiwden meyya‬‬ ‫يعوضوهم بالمئة‬

‫‪72‬‬
‫قائمة المصادر والمراجع‬
‫قائمة المصادر والمراجع‪.‬‬

‫المراجع العربية والمترجمة‪:‬‬

‫ابن الشجري‪ :‬مختارات ابن الشجري‪ ،‬تح‪ :‬محمود حسن زناتي‪ ،‬دار الكتب العلمية‬ ‫‪.1‬‬
‫بيروت‪ ،‬ط‪.1980 ،2‬‬
‫ابن خلدون‪ :‬المقدمة‪ ،‬دار الفكر للطباعة والنشر‪ ،‬بيروت‪.2004 ،‬‬ ‫‪.2‬‬
‫أبو الفصل أحمد بن محمد اليسابودي‪ :‬أمثال وحكم‪ ،‬دط‪ ،‬الجزائر‪.‬‬ ‫‪.3‬‬
‫إحسان عباس‪ :‬اتجاهات الشعر العربي المعاصر‪ ،‬سلسلة عالم المعرفة‪ ،‬المجلس‬ ‫‪.4‬‬
‫الوطني للثقافة والفنون واآلداب‪ ،‬الكويت‪.1987 ،‬‬
‫أحمد الزغبي‪ :‬التناص نظريا وتطبيقيا‪ ،‬مؤسسة عمون للنشر والتوزيع‪ ،‬عمان‪ ،‬ط‪2‬‬ ‫‪.5‬‬
‫‪.2000‬‬
‫أحمد السماوي‪ :‬الطريس في القصص‪ ،‬إبراهيم درغوني نموذجا‪ ،‬مطبعة التفسير‬ ‫‪.6‬‬
‫الفني دط‪ ،‬صفاقس‪ ،‬تونس‪.2002 ،‬‬
‫أحمد مجاهد‪ :‬أشكال التناص الشعري‪ ،‬الهئية المصرية‪ ،‬مصر‪ ،‬ط‪.2006 ،1‬‬ ‫‪.7‬‬
‫أدونيس‪ :‬الثابت والمتحول (بحث في االبداع واالتباع عند العرب) دار الساقي‪،‬‬ ‫‪.8‬‬
‫بيروت لبنان‪ ،‬ط‪.1994 ،7‬‬
‫أمل مبروك‪ ،‬الفلسفة الحديثة‪ ،‬الدار المصرية السعودية للطباعة والنشر والتوزيع‪،‬‬ ‫‪.9‬‬
‫القاهرة ‪.2006‬‬
‫‪ .10‬جمال مباركي‪ :‬التّناص وجمالياته في شعر الجزائر المعاصر‪ ،‬إصدارات ربطة‬
‫اإلبداع الثقافية‪ ،‬دار هومة‪ ،‬الجزائر‪ ،‬دط‪.2003 ،‬‬
‫الرواية‪ ،‬ترجمة الحسين سحبان‪ ،‬منشورات التّل‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪ .11‬جورج لوكاش‪ :‬نظرية ّ‬
‫الرباط‪.1988 ،‬‬
‫‪ .12‬جيرار جنيت‪ :‬مدخل جامع النص‪ ،‬تر‪ :‬عبد الرحمن أيوب‪ ،‬دار توبقال‪ ،‬الدار‬
‫البيضاء ط‪.1986 ،2‬‬
‫‪74‬‬
‫قائمة المصادر والمراجع‪.‬‬

‫الشعر العربي الحديث‪ ،‬دار‬


‫‪ .13‬حورية الخمليشي‪ :‬الكتابة واألجناس االنفتاح في ّ‬
‫اآلمان‪ ،‬ط ‪ 1‬الرباط ‪.2014 ،‬‬
‫‪ .14‬خالد غريبي‪ :‬في قضايا النص الشعري الحديث‪ ،‬مقاربات نظرية وتحليلية (أدونيس‬
‫البياتي‪ ،‬درويش‪ ،‬حجازي‪ ،‬السياب‪ ،‬عبد الصبور)‪ ،‬مكتبة قرطاج للنشر والتوزيع‪ ،‬تونس‬
‫ط‪.2007 ،1‬‬
‫‪ .15‬دليلة الطريطر‪ :‬مقومات السيرة الذاتية في األدب العربي الحديث (بحث في‬
‫المرجعيات) مركز النشر والتوزيع‪ ،‬بيروت‪.2008 ،‬‬
‫‪ .16‬رجاء عبد‪ :‬لغة الشعر‪ ،‬قراءة في الشعر العربي المعاصر‪ ،‬منشأ المعارف‪،‬‬
‫اإلسكندرية‪.‬‬
‫‪ .17‬سعيد يقطين‪ :‬انفتاح النص الروائي (النص والسياق)‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬ط‪،3‬‬
‫‪.2006‬‬
‫‪ .18‬سيد القمني‪ :‬األسطورة والتراث‪ ،‬المركز المصري لبحوث الحضارة‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪03‬‬
‫‪.1991‬‬
‫‪ .19‬طالل حرب‪ :‬أولية النص نظرات في النقد والقصة واألسطورة واألدب الشعبي‪،‬‬
‫المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر‪ ،‬ط ‪ ،1‬بيروت‪.‬‬
‫‪ .20‬عبد الحميد محمد‪ :‬األسطورة في بالد الرافدين‪ ،‬الخلق والتكوين‪ ،‬دار عالء الدين‪،‬‬
‫سوريا ط‪.1998 ،1‬‬
‫‪ .21‬عبد الرحمان بوزيدة‪ :‬قاموس األساطير الجزائرية‪ ،‬منشورات ‪.2005 ،Crasc‬‬
‫‪ .22‬عبد السالم عبد العالي‪ :‬الفلسفة الحديثة نصوص مختارة‪ ،‬اختيار وترجمة د‪ .‬محمد‬
‫سيال إفريقيا الشرق‪ ،‬المغرب‪.2001 ،‬‬
‫‪ .23‬عبد القادر بقشي‪ ،‬التّناص في الخطاب النقدي والبالغي (دراسة نظرية وتطبيقية‪،‬‬
‫إفريقيا الشرق‪ ،‬المغرب‪ ،‬دط‪.2007 ،‬‬

‫‪75‬‬
‫قائمة المصادر والمراجع‪.‬‬

‫‪ .24‬عثمان حشالف‪ :‬الرمز والداللة في الشعر المعرب العربي المعاصر ‪– 1962‬‬


‫‪ 1987‬أطروحة مقدمة لنيل شهادة الدكتوراه‪ ،‬الجزائر‪.1992 ،‬‬
‫‪ .25‬علي عشرى زايد‪ :‬استدعاء الشخصيات التراثية‪ ،‬دار الفكر العربي‪ ،‬القاهرة‪،‬‬
‫‪.1997‬‬
‫‪ .26‬فاروق خورشيد‪ :‬أديب األسطورة عن العرب‪ ،‬جذور التفكير وأصالة اإلبداع‪ ،‬سلسلة‬
‫عالم المعرفة‪ ،‬مطابع السياسة‪ ،‬الكويت‪ ،‬دط‪.2002 ،‬‬
‫‪ .27‬فراس السواح‪ :‬مغامرة العقل األولى‪ ،‬دراسة في األسطورة‪ ،‬سوريا أرض الرافدين‪،‬‬
‫دار عالء الدين‪ ،‬دمشق‪ ،‬ط‪.1996 ،11‬‬
‫الرواية العر ّبية‪ -‬المركز‬
‫الرواية و ّ‬
‫الرواية وتأويل التّاريخ –نظرية ّ‬
‫‪ .28‬فيصل دراج‪ّ :‬‬
‫الثّقافي العربي‪ ،‬بيروت‪-‬الدار البيضاء‪ ،‬ط‪.2004 ،1‬‬
‫‪ .29‬مجموعة من الباحثين‪ :‬األسطورة توثيق حضاري‪ ،‬قسم الدراسات والبحوث‪ ،‬جمعية‬
‫التجديد الثقافية االجتماعية‪ ،‬مملكة البحرين‪ ،‬ط‪.2005 ،1‬‬
‫‪ .30‬محمد أرزقي فراد‪ :‬لونيس أيت منقالت الحكيم أحداذ بوال‪ ،‬األمل للطباعة والنشر‬
‫والتوزيع‪ ،‬ط‪ ،2‬تيزي وزو ‪.2017‬‬
‫‪ .31‬محمد بلوحي‪ :‬آليات الخطاب النقدي العربي الحديث في مقاربة الشعر الجاهلي‬
‫من منشورات اتحاد الكتاب العرب‪ ،‬دمشق‪.2004 ،‬‬
‫‪ .32‬محمد جالوي‪ :‬التراث والحداثة في أشعار لونيس أيت منقالت‪ ،‬و ازرة الثقافة‪،‬‬
‫المكتبة الوطنية الجزائرية‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪ .33‬محمد شاهين‪ ،‬األدب واألسطورة‪ ،‬المؤسسة العربية للدراسات والنشر‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪1‬‬
‫‪.1996‬‬
‫‪ .34‬محمد عجينة‪ ،‬موسوعة أساطير العرب عن الجاهلية وداالتها‪ ،‬دار الفرابي‪،‬‬
‫بيروت‪ ،‬ط‪.1994 1‬‬

‫‪76‬‬
‫قائمة المصادر والمراجع‪.‬‬

‫‪ .35‬محمد عزام‪ ،‬المصطلح النقدي في التراث األدبي العربي‪ ،‬دار الشروق العربي‪،‬‬
‫بيروت ‪.2010‬‬
‫‪ .36‬محمد مندور‪ :‬األدب وفنونه‪ ،‬نقال عن عبد المجيد عبد العزيز‪ ،‬التجربة الشعرية‬
‫عند المتوكل طه‪ ،‬شركة نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬ط‪.2006 ،5‬‬
‫‪ .37‬مرسيا إلي اد‪ :‬مظاهر األسطورة‪ ،‬تر‪ :‬نهاد خياطة‪ ،‬دار كنعان للدارسات والنشر‪،‬‬
‫دمشق ط‪.1991 ،1‬‬
‫‪ .38‬نبيلة إبراهيم‪ :‬أشكال التعبير في األدب الشعبي‪ ،‬دار الغريب للطباعة والنشر‪،‬‬
‫ط‪. 3‬‬
‫المراجع المكتوبة باللغة الفرنسية‪:‬‬
‫‪1. Mouloud Mammeri, La colline oubliée, El dar el othmania, M’sila.‬‬
‫‪2. Youcef ALLIOUI, Les arches tribus berbères de Kabylie, L’Harmattan‬‬
‫‪Edition, France 2006.‬‬

‫المعاجم‪:‬‬
‫‪ .1‬إبراهيم مصطفى وآخرون‪ :‬المعجم الوسيط‪ ،‬ج‪ ،1‬المكتبة اإلسالمية‪ ،‬تركيا‪ ،‬ط‪،2‬‬
‫‪.1972‬‬
‫‪ .2‬ابن منظور‪ :‬لسان العرب‪ ،‬دار إحياء التراث العربي‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪.1999 ،3‬‬
‫‪ .3‬أندري الالند‪ :‬موسوعة الالند الفلسفية‪ ،‬المجلد ‪ ،2‬تر‪ :‬حليل أحمد خليل‪ ،‬منشورات‬
‫عويدات‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪.2001 ،2‬‬
‫‪ .4‬عبد المنعم الحفني‪ :‬المعجم الشامل لمصطلحات الفلسفية‪ ،‬المجلد ‪ ،2‬تر‪ :‬خليل أحمد‬
‫خليل‪ ،‬منشورات عويدات‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪.2001 ،2‬‬
‫‪ .5‬المعجم الفلسفي (ألفاظ العربية والفرنسية واإلنجليزية والالتينية)‪ ،‬ج‪ ،2‬الشركة العالمية‬
‫للكتاب‪ ،‬لبنان‪.1994 ،‬‬

‫‪77‬‬
‫قائمة المصادر والمراجع‪.‬‬

‫المجالت‪:‬‬
‫‪ .1‬بول ريكور‪ ،‬أنتظر النهضة‪ ،‬تر‪ :‬هاشم صالح‪ ،‬ضمن مجلة الفكر العربي المعاصر‬
‫مركز الفكر العربي المعاصر‪ ،‬مركز اإلنماء القومي‪ ،‬بيروت‪ ،‬ع‪.1999 ،65 /64‬‬
‫‪ .2‬علي متعب جاسم‪ :‬التّناص أنماطه‪ ،‬ووظائفه في شعر محمد رضا التبسي‪ ،‬مجلة‬
‫واسط للعلوم اإلنسانية‪ ،‬ع‪ ،10‬كلية التربية‪ ،‬جامعة ديالي‪.‬‬
‫المواقع اإللكترونية‪:‬‬
‫حسين بافقيه‪ ،‬الشعر السعودي الحديث في قراءة علوي الهاشمي ‪ .‬خصوصية‬ ‫‪.1‬‬

‫العالقات داخل النصوص والحياة‪http://www.alhayat.com/article/994514 ،‬‬

‫نهاية‬ ‫اعتقاالت‬ ‫عن‬ ‫الدين‬ ‫ناصر‬ ‫الصحفي‬ ‫شهادة‬ ‫حدث‬ ‫‪ .2‬هكذا‬


‫الثمانينات‪http://www.atlas-times.com/en/op-ed/1742-2019-07-08-14-42-22،‬‬

‫‪ .3‬مليكة فريحي‪ :‬مفهوم التناص‪ :‬المصطلح واإلشكالية‪ ،‬عود الند‪ ،‬مجلة ثقافية فصلية‪،‬‬
‫العدد ‪https://www.oudnad.net/spip.php?article803 2013 ،28‬‬

‫‪ .4‬أحمد قيطون‪ ،‬مساءلة التاريخ في الشعر الجزائري المعاصر‬


‫‪https://revues.univ-ouargla.dz/index.php/numero-19-2013/1391-2013- .5‬‬
‫‪05-30-11-12-03‬‬

‫‪ .6‬محمد عبدالرحمن يونس‪ :‬األسطورة في الشعر والفكر‪ 1 ،‬سبتمبر ‪2003‬‬


‫‪https://www.diwanalarab.com/ .7‬‬
‫‪ .8‬معجم علم المعاني الجامع‪https://www.almaany.com › dict › ar-ar ،‬‬

‫‪ .9‬ينظر‪ :‬أحمد إبراهيم الشريف‪ :‬العدو أمامكم‪ ..‬والبحر خلفكم"‪ ..‬حقيقة خطبة طارق بن‬
‫زياد وحرقه للسفن ‪https://www.youm7.com/story/2017/4/27‬‬

‫‪.10‬عز الدين إسماعيل‪ :‬الشعر العربي المعاصر‪ :‬قضاياه وظواهره الفنية والمعنوية‪ ،‬ص‬
‫‪ ،28‬نقال عن سعيد بكور‪ :‬توظيف التراث في شعر أمل د نقل‪2012/02/15 ،‬‬
‫‪https://www.alukah.net/literature_language/0/38445/#ixzz60BKYNvHr .11‬‬

‫‪78‬‬
‫فهرس الموضوعات‬
‫فهرس الموضوعات‬

‫اإلهداء‬
‫كلمة شكر‬
‫مقدمة ‪1.................................................................................‬‬
‫مدخل‪ :‬مفهوم التناص وأنواعه‪5........................................................ .‬‬
‫‪-1‬مفهوم التناص‪7......................................................................‬‬
‫‪-2‬أنواع التناص ‪10 .....................................................................‬‬
‫الفصل األول‪ :‬التداخل بين الشعر واألنواع األدبية األخرى‪9.............................. .‬‬
‫المبحث األول‪ :‬الترابطات بين النص الراهن والنصوص األمازيغية القديمة ‪10 .............‬‬
‫‪–1‬توظيف أسطورة "أنزار" في "ظلمتني وما أنا بظالم ‪Tesdelmed-iyi- ur dlimeɣ‬‬
‫"‪10 .................................................................................. .‬‬
‫‪-1-1‬تعريف األسطورة ‪11 .........................................................‬‬
‫‪ -2-1‬أسطورة "أنزار" بين الماضي األسطوري والحاضر ال ّشعري‪19 .................‬‬
‫‪-2‬استلهام األقوال المأثورة والكثافة اإليحائية ‪24 .........................................‬‬
‫‪ – 1-2‬تعريف المثل والحكمة ‪25 ..................................................‬‬
‫‪ – 2-2‬طرق استدعاء األقوال المأثورة في نصوص أيت منقالت ‪26 .................‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬التهجين بين الشعر والخطبة ذات المرجعية الواقعية ‪30 ..................‬‬
‫‪-1‬تعريف الخطبة ‪31 ..................................................................‬‬
‫‪-2‬جمالية توظيف خطبة طارق بن زياد األمازيغي في" ‪31 ..................... "Tiyita‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬االشتغال التناصي على التاريخ ‪35 ........................................‬‬
‫المبحث األول‪ :‬التاريخ والتناص التاريخي عالقة توافق أو تصادم ‪36 .....................‬‬
‫‪-1‬مفهوم التّاريخ ‪36 ...................................................................‬‬
‫‪-2‬مفهوم التناص التّاريخي ‪39 .........................................................‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬التاريخ والتجربة الراهنة في نصوص أيت منقالت ‪44 .....................‬‬

‫‪80‬‬
‫فهرس الموضوعات‬

‫‪ -1‬طارق بن زياد رمز الثّبات ‪44 ......................................................‬‬


‫‪-2‬أحمد أومري رمز المقاومة ‪47 .......................................................‬‬
‫خاتمة ‪54 ................................................................................‬‬
‫مالحق ‪57 ...............................................................................‬‬
‫قائمة المصادر والمراجع ‪73 ..............................................................‬‬
‫فهرس الموضوعات ‪79 ..................................................................‬‬

‫‪81‬‬
‫ملخص البحث‪:‬‬
‫النصي في شعر لونيس أيت منقالت" ظاهرة‬
‫ّ‬ ‫تناولنا في بحثنا الموسوم بـ "جماليات التعالق‬
‫مهما في شعر لونيس أيتم نقالت" على امتداد نصوصه؛‬
‫التّداخل األجناسي التي تعد ملمحا ّ‬
‫يأخذ من فنيات األسطورة وطاقاتها التعبيرية‪ ،‬ويستخدم األقوال المأثورة وتموجاتها اإليقاعية‪،‬‬
‫وينهل من التاريخ القديم والحديث‪ ...‬وهذا الضرب من األداء ال ّشعري يعصف بالحدود‬
‫الجغرافية بين ال ّشعر ومختلف المعارف والفنون‪ ،‬وينفلت من قيود الجنس الواحد‪.‬‬

You might also like