‫)نظرية القطاعات – الحلقات المركزية – المدينة متعددة النويات(‬

‫في مطلع القرن العشرين كثر االهتمام بدراسة المدينة من جوانب عديدة‪ ،‬اقتصادية‪-‬اجتماعية‪،‬‬
‫وإدارية اتجهت نحو التفصيل والتحليل باالعتماد على الوسائل التقنية الحديثة‪ .‬برز في هذا‬
‫أحد رواد تخطيط المدينة وإقليمها )‪ (1931-1854P.Geddes‬المجال باتريك قيديس‬
‫مستفيضاً‪ ،‬في تفسير العالقات بين العناصر المكونة‪ ،‬للكتلة الحضرية فاتحا ً سبل البحث‪ ،‬عن‬
‫المتطلبات الثالث باستعمال جدوله الشهير "المكان‪-‬العمل‪-‬الناس" كما ورد في كتابه "مدن في‬
‫مر ِّكزاً على تخطيط المدينة ضمن إقليمها‪ ،‬وكان ‪" (cities in evolution) 1915،‬تطور‬
‫طبّقت على تخطيط مدينة لندن (‪ .)1‬بدأت الدراسات التفصيلية باالنتشار في‬ ‫لتعاليمه هذه أن ُ‬
‫مدن أوروبا على وجه التحديد في الفترة بين الحربين العالميتين‪ ،‬فكانت مساهمات الرواد‬
‫األوائل من العلماء األوربيين واألمريكيين‪ ،‬في هذا اإلطار وضع العالم األلماني والتر‬
‫قواعد تحكم أحجام المدن وتسلسلها الهرمي وتباعدها‪ ،‬انصب )‪ (W.Christaller‬كريستالر‬
‫اهتمام كريستالرعلى مكونات الوسط الحضري وعالقته بما حوله‪ ،‬مبلوراً ذلك في واحد ٍة من‬
‫)‪ (theory of central places‬أشهر نظريات البنية المكانية‪ ،‬نظرية األماكن المركزية‬
‫مقدما ً وشارحا ً ال ّنظرية في كتابه الشهير األماكن المركزية (‪1933‬‬

‫الذي تلت أعماله وأكملت ما )‪ (A. Losch1943‬بين التجانس عند كريستالر والتنوع لدى لوش‬
‫قد بدأه كريستالر‪ ،‬فإن األماكن المركزية ما هي إال مركز التجمع في المدن الكبرى‪ ،‬التي تؤدي‬
‫خدمات لسكان إقليم وظيفي أوسع من المدينة الكبيرة‪ Q.‬إن الفرضيات التي قامت عليها نظرية‬
‫األماكن المركزية‪ ،‬كتوفر السطح المنبسط‪ ،‬والتساوي في توزيع السكان والثروات‪ Q،‬ال يمكن‬
‫توافرها في المكان والزمان‪ ،‬كما أن نمو التجمعات العمرانية الكبرى‪ ،‬وهيمنتها وضمها‬
‫للمراكز الحضرية األصغر‪ ،‬ينفي طابع التسلسل الهرمي كما تفترض النظرية في أداء‬
‫الوظائف والخدمات‪ .‬رغم االنتقادات التي وجهت إلى نظرية األماكن المركزية‪ ،‬فقد تم‬
‫في )‪ (Dickinsen.r.e.‬استعمالها كنموذج لتحليل األوساط الحضرية‪ ،‬من طرف ديكنسن‬
‫تصميم تجمّع من )‪ (E.Howard‬المدن الواقعة جنوب شرق إنجلترا‪ ،‬كما اقترح إبنزر هوارد‬
 ‫مدن الحدائق‪ ،‬في مدينة مركزية واحدة وستة مدن تابعة‪ ،‬تبعد عن بعضها بمسافات متساوية‪،‬‬
‫تتوزع على رؤوس الشكل السداسي المنتظم‪ ،‬وتتصل بشبكة من الطرق‪ ،‬ولكل منها حدودها‬ ‫ّ‬
‫اإلدارية ومرافقها‪ ،‬يضم هذا التجمع الحضري ‪ 250000‬نسمة‪ ،‬وأشار هوارد بأنّ بناء ‪250‬‬
‫مجمعا ً من هذا النوع‪ ،‬يمكنها أن تستقبل سكان إنجلترا وويلز حتى عام ‪ .)1(2000‬استلهاما ً‬
‫ترتيب المراكز العمرانية ‪ (Smails.A.E.) 1944‬من نظرية األماكن المركزية‪ ،‬حاول سميلز‬
‫في إنجلترا وويلز كذلك‪ ،‬باالعتماد على معيار خدمات القطاع الثالث‪ ،‬حيث تم ّكن من تقسيم‬
‫هذه المراكز إلى مدن رئيسية ومدن متوسطة ومدن صغيرة‪ .‬لع ّل فهم نظرية كريستالر يُم ّكن‬
‫عرفت بريطانيا أيضا ً>‪<p>.</p‬من التوزيع الفعال للخدمات التي توفرها المدينة االلكترونية‬
‫دراسات عديدة هامة‪ ،‬انتقلت من الوصف إلى التحليل والتفصيل‪ Q،‬تفوّ ق في هذا الميدان لويس‬
‫عندما تطرّ ق إلى تركيب المدينة ووظائفها‪ ،‬وكان للمدرسة )‪ (1938 L.Mumford‬ممفورد‬
‫الفرنسية دورها في دراسة المدينة‪ ،‬والتنظيم العمراني بالمدن الكبرى‪ ،‬من خالل مساهمات‬
‫وغيرهم‪ ،‬كما كان للمدرسة األمريكية )‪ (Jean Labasse‬جان الباس ‪ (Blanchard)،‬بالنشر‬
‫شأوها في دراسة المدينة وتركيبها الوظيفي‪ ،‬وبرز في هذا المجال مدرسة شيكاغو االجتماعية‪-‬‬
‫الذي وضع نموذج الدوائر ‪ (A. Burgess) 1920‬الجغرافية‪ ،‬وكان من روادها ارنست برجس‬
‫طوِّ ر هذا النموذج ‪ ،‬من طرف‬ ‫موضّحا ً أنّ المدينة تنمو انطالقا ً من المركز نحو األطراف‪ُ ،‬‬
‫بنموذج القطاعات‪ ،‬الذي يبين أن نمو المدينة يتم‪ ،‬في شكل )‪ (1939H. Hoyt‬هومر هويت‬
‫قطاعات انطالقا ً من المركز‪ ،‬ونظراً للتعقيدات المستمرة للبنية الحضرية‪ ،‬تبنىّ كل من هاريس‬
‫حول تركيب المدينة‪ ،‬من )‪ (Mckenzie‬أفكار ماكينزي )‪ (Harris and Ullman‬وأولمان‬
‫خالل نموذج النويّات المتعددة(‪ ،1945)2‬كان من شأن هذا الجهد النظري مواصلة العمل‪ ،‬من‬
‫أجل تطوير نماذج تخطيط مجالي‪ ،‬تأخذ في االعتبار نمو المدينة خالل الفترات المتعاقبة‪ .‬لقد‬
‫أوضحت هذه األعمال أنّ تخطيط المدن‪ ،‬ينبغي أن يعتمد على بعد الرؤية والنظرة الشاملة في‬
‫طرح البدائل والسياسات‪ ،‬وفقا ً لعامل الزمان وعبقرية المكان على حد تعبير جمال حمدان‪،‬‬
‫فالتخطيط الحديث هو عملية دينيامية متغيرة تحتاج إلى متابعة دائمة‪ ،‬تستند إلى االستعمال‬
‫‪.‬الجيد لوسائل التقانة الحديثة‬

‫تبرز ثالث نظريات عالمية لشرح هيكل استخدام أراضي إقليم المدينة الذي يتحكم في‬
‫أسعار األرض و تصنيفها و‬
 ‫‪ :‬يلقي ضوءا على تاريخ نمو المدينة و تكوينها وهي على النحو التالي‬

‫أوال‪ :‬نظرية الحلقات المركزية‬

‫هذه النظرية حيث يتكون إقليم المدينة من عدة حلقات عددها خمسة يكون لها مركز واحد‬
‫‪:‬ويكون لكل منطقة مسمى كالتالي‬

‫منطقة قلب المدينة ‪ :‬و هي النواة التي تشمل المتاجر و المكاتب و البنوك و دور ‪1-‬‬
‫السينما و المسرح ‪ Q....‬و تتواجد كل تلك النشاطات في مكان مركزي من المدينة يسمى‬
‫بالمنطقة المركزية لألعمال و قد تتشعب من هذه المنطقة منطقة أخرى تجارية مالصقة و‬
‫بجانب ذلك قد تمتد من هذه المنطقة قطاعات صناعية إلى جانب خطوط المواصالت الرئيسية‬

‫منطقة االنتقال ‪ :‬و تتميز بتعدد و تغير طبيعة استعماالت األرض و بذلك يبدأ في هذه ‪2-‬‬
‫المنطقة ظهور المناطق السكنية ذات المستويات المختلفة مثل الجيوب المعزولة من المساكن‬
‫العريقة و العمارات السكنية ذات الدخل المتوسط و المنخفض و المناطق الهابطة المستوى‬
‫‪ .‬بالقرب من المناطق الصناعية‬

‫منطقة مساكن العمال ‪ :‬و تتميز هذه المناطق بالمساكن الشعبية ذات الدخل المنخفض ‪3-‬‬

‫منطقة المساكن األفضل ‪ :‬و تظهر عادة في هذه المنطقة مساكن تسكنها الطبقات متوسطة ‪4-‬‬
‫الدخل‬

‫منطقة الضواحي البعيدة ‪ :‬و تتميز هذه المنطقة بوجودها على امتداد خطوط المواصالت ‪5-‬‬
‫‪ .‬الرئيسية مع وجود مساكن كثيرة تسكنها الطبقات ذات الدخل المتوسط و العالي‬
 ‫‪...‬ثانيا ‪:‬نظرية القطاعات‬
‫هذه النظرية حيث يتكون إقليم المدينة من خمسة قطاعات يكون لها مركز واحد و يكون لكل‬
‫‪ :‬قطاع مسمى خاص به كالتالي‬

‫المنطقة المركزية لألعمال التجارية ‪ :‬و تشمل المكاتب و المتاجر و البنوك و الفنادق و ‪1-‬‬
‫السينما و المسارح و غير ذلك من األعمال التي تسعى إلى التواجد في مكان مركزي من‬
‫‪ .‬المدينة‬

‫منطقة تجارة الجملة و الصناعات الخفيفة ‪ :‬و تشمل مصانع المالبس و الطباعة و الحرف ‪2-‬‬
‫‪ .....‬الخفيفة‬

‫منطقة مساكن ذوي الدخل المنخفض ‪ :‬و تشمل العمارات السكنية ذات الدخل المنخفض ‪3-‬‬
‫و المساكن الشعبية و مساكن العمال التي عادة ما تجاور منطقة تجارة الجملة و الصناعات‬
‫‪ .‬الخفيفة‬

‫منطقة مساكن العمال ذوي الدخل المتوسط ‪ :‬حيث يسكن هذه المنطقة عادة الطبقات ‪4-‬‬
‫‪ .‬المتوسطة الدخل‬

‫منطقة مساكن ذوي الدخل المرتفع ‪ :‬و تتميز هذه المنطقة بالمساكن الفاخرة ذات الطابع ‪5-‬‬
‫‪ .‬الخاص‬
 ‫المتعددة )‬ ‫‪:‬ثالثا ‪:‬نظرية المراكز المتعددة (النوايا‬

‫‪:‬هذه النظرية حيث يتكون إقليم المدينة من تسعة مراكز لكل منها مسمى كالتالي‬

‫‪ ....‬المنطقة المركزية لألعمال التجارية ‪ :‬و تشمل المكاتب و المتاجر و البنوك و الفنادق ‪1-‬‬

‫‪ .‬منطقة تجارة الجملة و الصناعات الخفيفة ‪ :‬و تشمل المصانع و الحرف الخفيفة ‪2-‬‬

‫‪ .‬منطقة مساكن ذوي الدخل المنخفض ‪ :‬و تشمل المساكن الشعبية و المتاجر الخاصة بها ‪3-‬‬

‫منطقة مساكن العال ذوي الدخل المتوسط ‪ :‬و تشمل إسكان الدخل المتوسط في هذه ‪4-‬‬
‫‪ .‬المساكن مع وجود المتاجر الخاصة بها‬

‫‪ .‬منطقة مساكن ذوي الدخل المرتفع ‪ :‬و تشمل المساكن الفاخرة ذات الطابع الخاص ‪5-‬‬

‫منطقة الصناعات الثقيلة ‪ :‬و تشمل المصانع الثقيلة المختلفة مثل مصانع السبائك و الفحم و ‪6-‬‬
‫‪ ....‬الحديد و الصلب‬

‫منطقة األعمال و التجارة خارج المدينة ‪ :‬و تشمل مركز أخر للتجارة و األعمال بجانب‪7-‬‬
‫‪ .‬الموجود بمركز المدينة‬
 ‫منطقة مساكن الضواحي ‪ :‬وتشمل المساكن ذات الطابع الخاص بسعة أراضيها نظرا ‪8-‬‬
‫‪ .‬النخفاض أسعار األرض في هذه المنطقة بالنسبة لسعرها في وسط المدينة‬

‫منطقة صناعات الضواحي ‪ :‬و تشمل مركز أخر للصناعات يتمركز في الضواحي نتيجة ‪9-‬‬
‫سعر األرض المناسب و األنشطة المختلفة‬