Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 22

‫من كتاب دين القيمة بين العلمانية واإلتجاهات التكفيرية الجزء الثالث‬

‫حكم الشورى الفريضة الضائعة‬


‫(بيان إجماع اإلمام ابن حجر بأدلة وجوب‬
‫خلع الحكام المتغلبين بغير الشورى)‬

‫مؤلفه‪:‬أبوعبد الرحمن اسامة حجر‬

‫نسخة مزيدة‬

‫‪0‬‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬
‫العقيدة والقضية‬
‫الحمد هلل والصالة والسالم على رسول هللا وعلى اله وصحبه ومن وااله وبعد‪:‬‬
‫لقد أوضحت بحمد هللا فى كتابى دين القيمة بين العلمانية واالتجاهات التكفيرية بالجزء االول‬
‫منه والذى تم اختصاره فى كتاب الحاد العلمانية وبالطريقة العلمية كفر العلمانية بالشرع المنزل‬
‫فى أصل تصورها وماينبثق عنها من الدساتير والقوانين الوضعية التى فى حقيقتها دين آخر غير‬
‫الشرع المنزل بالرغم من إدعائهم غير ذلك الن الدين هو المنهاج الذى تدين له‪،‬فالعلمانية‬
‫التى هى (فصل الدين عن الدولة) إقصاء الرادة االمة التى اختارت شريعة اإلسالم دستو ار‬
‫وقانونا لحياتها كافة يوم ان اختارته دينا الن الدين هو منهاج الحياة ‪،‬فاهلل حكم بقطع يد‬
‫السارق ورجم الزانى المحصن وحرم الربا فهذا هو الحكم الحق والعدل االوحد وماسواه الحيف‬
‫االنقص والجرم المبينبيد أن من يخفون علمانيتهم بشعائراالسالم ينصون على أناحكامهم‬
‫الوضعية المخالفة لحكم هللا انها العدل الواجب إنفاذه أليس هذا تكذيب شرعة االسالم واال فكيف‬
‫يكونون مصدقين بالحكم ونقيضه ؟ فهم فى حقيقتهم اليؤمنون واليسلمون اسالما مطلقا لدين‬
‫االسالم كحاكمية عليا فى الحكم على كل شئ فاالسالم هو المرجعية األوحد التى ينبثق منها‬
‫ويتأسس عليها كل رأى صواب لمعرفة الحق من الباطل والعدل من الظلم ألن هللا قد قضى ان‬
‫مادونه الباطل وأوجب شرعته وجعل مخالفتها وماخالفها ظلما وجرما‪,‬وما أنزل كتبه وارسل رسله‬
‫اال لبيان الحق من الباطل وهم قد اتخذوا ماسواه حاكمية عليا تزن الرأى لمعرفة الحق من الباطل‬
‫العدل من الجور فهذان سبيالن إما االسالم لحكم هللا وحده إبتداء وتصديقه وكافة ما ينبثق عنه‬
‫من حكم أو رأى واما إسالم التصور لمايخالفه من حكم بأنه الحق العدل مايعنى تكذيب حكم هللا‬
‫الذى حكم بان شرعه هو العدل التمام بل وجعل إنفاذه كذلك هو الحق والعدل األوحد وعدم‬
‫تنفيذه هو الباطل ‪ ،‬وهم فى قوانينهم يجعلون العدل الواجب إنفاذ حكمهم المخالف لحكم‬
‫الشرائع الظاهرة المتواترة وبهذا فان الدساتير والقوانين الوضعية التى تحكم بمايخالف حكم هللا‬
‫وتنفذه على انه العدل الواجب مكذبه بشرع هللا فإماأن يكون الحق العدل األوحد هو حكم هللا واما‬
‫حكمهم؟ فواضعوها ‪ -‬ممن يستترون بشعائراالسالم‪ -‬والقاضين بها وكل القائمين عليها فى‬
‫حقيقتهم مكذبون بالشرع المنزل و يستعبدون الناس لغير ربهم باخضاعهم لهذه الدساتير والقوانين‬
‫الوضعية ليصبحوا طواغيت يجب جهادهم جهادا كبي ار حتى يسلموا أمرهم كله ‪-‬ودساتيرهم‬
‫وقوانينهم‪ -‬لحاكمية الشرع المنزل قال تعالى‪ (:‬فالوربك اليؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم‬
‫‪..‬االية‪ )..‬ومثله فى القرءان كثير و اليدخل فى هذا العصاة كأهل الكبائر مثال ألنهم يقرون‬
‫بحكم هللا ظاه ار وباطنا أنه الحق الواجب لكنهم إنما يعصون فى العمل وهم متأثمون اليدعون‬

‫‪1‬‬
‫عدال واجبا لعصيانهم بل يتأثمون منه فهم مسلمون‪،‬فإن استحلوه بأن جعلوا عصيانهم عدال‬
‫صوابا كانوا كفا ار مرتدين باجماع العلماء ‪-‬كاؤلئك الطواغيت الحاكمين لبالد المسلمين‪ -‬لما فيه‬
‫من التكذيب هلل رب العالمين الذى جرم العصيان وجعله بيننا ظلما محرما فمناط الكفر فى هذا‬
‫الباب إضفاء الشرعية على فعل من افعال العباد قد جرمه هللا وحرمه النه حينئذ يكون تكذيب‬
‫لنص شرعى فان كافة احكام الشرع المنزل محلها وموضوعها هو افعال المكلفين المجردة‬
‫كايجاب الزكاة وتحريم الربا والزنا ووجوب قطع يد السارق وغيرها من افعال المكلفين ثم جعل‬
‫سبحانه أمر تنزيل احكامه العامة على واقع الحياة باالمتثال لها فى العمل ووقائع االعيان لذا قلنا‬
‫ان الشخص المعين قد يعصى بالعمل متأثما السالمه لحكم الشرع المنزل فى عالم التصور اق ار ار‬
‫وتسليما وكذلك قد يخطئ القاضى–الذى دستوره وقانونه الشرع المنزل ‪ -‬فى الحكم على‬
‫المعينين أو فى الوقائع المعينة حسب البينة والشهود ويكون ماجو ار على اجتهاده اذا اخطأ كما‬
‫فى الحديث المشهور‪ ،‬بل لواتبع هواه وعصى كمالو تواطأ على تزوير بينة مثال فحكم على‬
‫الشخص المعين فى الواقعة المعينة بما يخالف حكم هللا متأثما فانه حينئذ يكون كأهل الكبائر اذ‬
‫عصى فى واقعة معينة على اشخاص معينين ولم يحكم حكما عاما على فعل من افعال العباد‬
‫المجردة بالتحليل أوالتجريم حيث تكون المخالفة لحكم هللا تكذيبا له ومن ذلك لو لم يتأثم على‬
‫معصيته تلك فادعى العدل الصواب فيها فانه يكون قد استحل ماحرم هللا ودخل فى التكذيب‬
‫والجحود الن هللا قد حكم حكما عاما بان مخالفة حكمه فى نفسها ظلم وجور يجب االقرار به‬
‫وهذا هو المقصود بانه البد لكل من عصى ان يكون متأثما مق ار بظلمه وقبح فسوقه مع عدم‬
‫نقض هذا االقرار بما يضاده كاؤلئك الطواغيت الغاصبين لسلطان المسلمين واال كان مكذبا أو‬
‫جاحدا لحكم هللا مثلهم‪،‬فان قيل كيف يعرف هذا عن المعين ؟ قلنا واذ السبيل لما فى القلوب‬
‫التى الي عرف حقيقتها إال هللا فيحكم عليهم بما ظهر منهم من ذلك قوال أو كتابة إذ الواجب الحكم‬
‫بالظاهر الذى عل يه البينة‪،‬ألنه إذا قال أنا اعتقد ان حكم هللا هو الحق ثم نص فى دستوره أو‬
‫قانونه‪-‬الذى هومعيار العدالة عنده‪ -‬بحكم يخالف حكم هللا المعروف المجمع عليه فى ذات‬
‫المسألة التى أقر بان حكم هللا فيها هو الحق فإنه فى هذه الحالة يكون جاحدا لما قد عرف أنه‬
‫العدل األتم وهذا هو تكذيب الجحود بشرع هللا ألنه أنكر مكذبا بظاهره ماقد علم قلبه أنه الحق‬
‫قال تعالى‪ (:‬فإنهم اليكذبونك ولكن الظالمين بايات هللا يجحدون) واحكامه من اياته وجحدها‬
‫يكون بانكارهم لها بالظاهر مع اقرار باطنهم بأنها الحق إذ يستحيل عقال أن يجحد القلب ماقد‬
‫علم أنه الحق وانما االنكار حينئذ يكون بالظاهر الغير وقد سمى هللا هذا جحودا وكف ار قال‬
‫تعالى‪(:‬ومايجحد باياتنا إال الكافرون) وهذا كفرعون واله وابليس وسائر الذين عرفوا الحق ثم كذبوه‬
‫ولم يسلموا له‪،‬ويكون ذلك ولو فى حكم واحد قال تعالى‪(:‬افتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون‬
‫ببعض‪ )..‬لذا فاليكفى أصال أن ينص فى الدستور على أن الشريعة هى المصدر الرئيسى‬
‫‪2‬‬
‫للتشريع ألنه يعنى أن هناك مصدر أو مصادر أخرى تشرع للناس من دون هللا ولكن البد النص‬
‫على أن الشريعة اإلسالمية هى المصدر األوحد أو األعلى أو األساس بحيث تكون الشريعة‬
‫االسالمية هى التى لها السيادة المطلقة فتلغى ناسخة كل حكم آخر يخالفها وعليه فالعرف‬
‫مصدر للتشريع بناء على هذا األساس والشرع المنزل مهيمن عليه‪،‬ولكل هذه البراهين فقد أورد‬
‫اإلجماع عدد من العلماء على أن الدساتير والقوانين الوضعية ولو بمخالفة حكم واحد مجمع‬
‫عليه كفر بالشريعة االسالمية وت ِ‬
‫خرج من االسالم البتة منهم ابن عبدالبر عن اسحق ابن راهوية‬
‫فى التمهيد(‪ )222\4‬وكذا بالصارم المسلول البن تيمية ‪،‬وابن كثير فى البداية والنهاية‬
‫(‪ )331\31‬وغيرهم‪ .‬قال شيخنا ابوعبدالرحمن ايهاب الخواضى رحمه هللا‪:‬فان قيل النحكم عليه‬
‫بالكفر حتى يقول انا اعتقد بقلبى ان حكم هللا ليس هو الحق قلنا هذا باطل النه يلزم‪-‬على‬
‫مذهبكم‪ -‬ان النحكم عليه ايضا بالكفر ألن هذا أيضا قول منه ليس هو عين باطنه‪-‬الذى‬
‫السبيل اليه‪ -‬حتى يقول لنا انا اعتقد هذه الجملة ايضا وهكذا للجملة التالية ممايلزم منه التسلسل‬
‫الالمتناهى وابطال االحكام جملة‪،‬فما الفرق بين ماظهرمنه من الكفر تكذيبا أو جحودا ‪ -‬بمانص‬
‫عليه فى الدساتير والقوانين الوضعية المخالفة لشرعة هللا ‪ -‬وبين أن يكفر بقوله انا اعتقد‬
‫ذلك‪،‬وللزم ان النكفرمن يسبون الدين ويقتلون االنبياء ويقاتلون اهل االسالم ويوالون اهل االوثان‬
‫حتى يقولوا نحن نعتقد ذلك وهذه عقيدة الجهم وصحبه كما أوضحه ابن تيمية فى الفتاوى بكتاب‬
‫االيمان‪،‬واصل المسألة ماهى الجهة العليا التى تحتكم اليها ابتداء فى معرفة الحق من الباطل‪-‬‬
‫فيمايلى الحكم على افعال العباد‪-‬واالستسالم لها بالخضوع المطلق فى عالم التصور والمجمل‪-‬‬
‫بالنية‪ -‬فى عالم الجوارح؟ فان كانت الشريعة االسالمية كان دينك االسالم وان كان غيرها فهو‬
‫دينك قال تعالى‪ (:‬افرأيت من اتخذ الهه هواه‪ )..‬انه الخضوع المطلق ابتداء للهوى فى عالم‬
‫التصور‪،‬والتوجه المجمل‪-‬ابتداء‪ -‬بالنية لالنقياد له فى عالم الجوارح وماسواه انما يكون بالتبع‬
‫فاذن الهك هواك الغير‪،‬هذا هو مفهوم الدين والعبادة عندنا والذى البد ان يكون هلل وحده‪،‬ولهذا‬
‫ففرق بين التدرج في التشريع بالتقنين وبين التدرج في التطبيق (إنفاذاً) فال تدرج في التشريع البتة‬
‫إذ لو ت ِرك شرع هللا _ الغير منسوخ _ في أمر ما فيعني إحالل شرع آخر محله في ذلك األمر‬
‫لتلك المرحلة وهذا هو الكفر باهلل فال تدرج وال مرحلية في التشريع ألن الدين قد اكتمل وكلفنا هللا‬
‫اإليمان به جملة واإلسالم له كله واال كان بعض الدين لغير هللا وهذا هو الشرك والكفر المذكور‬
‫آنفا عن أؤلئك الطواغيت فليس ألحد أن يقوم مقام رب العالمين فى التشريع ‪ ،‬نعم إن التدرج‬
‫المطلوب هو التدرج في التنفيذ بفقه االستطاعة واختيار البدائل المشروعة المتناسبة وكل‬
‫مرحلة‪.‬ولى رد شافى التفصيل بالجزء األول والثالث من كتابى دين القيمة ومختصره إلحاد‬
‫العلمانية فى إبطال شبهات المفتونين بالتمكن بالسلطة من بعض من ينتسبون لالسالم والتى‬

‫‪3‬‬
‫يرومون بها مجاراة الضغوط االستعمارية ليستمروا فى الحكم بشئ من الشرائع العلمانية وهذه ردة‬
‫الزمة والحول والقوة إال باهلل‪.‬راجع ذلك تفصيال بكتبى المذكورة‪.‬‬
‫وال تستشكلوا وجود بعض صور االسالم من العلمانيين الحاكمين فإنه قد توجد بعض شعائر‬
‫االسالم فى الكفار اثباتا للوجود ونفيا للعدم مع الحكم بعدم صحتها شرعا قال تعالى‪ (:‬ومايؤمن‬
‫اكثرهم باهلل اال وهم مشركون) فهؤالء الكفار يوجد منهم فعل االيمان لكنهم ينقضونه بكفرهم‬
‫وبشركهم كهؤالء العلمانيين قال تعالى‪-:‬على قراءة ابن عامر احد السبعة‪ (-‬والتشرك فى حكمه‬
‫احدا) –بالتاء ‪ -‬ألن ابتغاء غيره يعنى تكذيبه كما قال تعالى‪ (:‬واعبدوا هللا والتشركوا به شيئا)‬
‫ومنه شرك اإلتباع الذى نحن بصدده كشرك القباب واألضرحة سواء‪،‬فإياكم من أدعياء السلفية‬
‫وغيرهم من االحزاب السياسية الذين اصبحوا غطاء للعلمانية والردة المخببة‪.‬‬
‫القضية الكبرى‪:‬لئن كان االتفاق على وجوب الخروج على الحكام المرتدين لتبديلهم الشرع المنزل‬
‫بالدساتير والقوانين الوضعية فإن بعض المتأخرين ممن ينتسبون للسلفية – غفلة أوتقليدا لعلماء‬
‫السلطان وفقهاء الملك العضود ‪ -‬يمنع من الخروج على الحكام المتغلبين على السلطة بغير‬
‫شورى المسلمين كما يمنع الخروج على أئمة الجور ماداموا لم يستبدلوا الشرع المنزل بالدساتير‬
‫والقوانين الوضعية وان كان بعضهم يمنعه مطلقا من بعض غالة السلفية عكوفا تحت عروش‬
‫الملوك‪..‬واعلم أن منهجنا هو توحيد االتباع فى هذا البحث فالحجة إال فى قال هللا قال رسوله‬
‫بفهم علم أصول الفقه ألن السلف من الصحابة رضوان هللا عليهم جميعا ومن بعدهم من العلماء‬
‫قد اختلفوا كثي ار فى الفقهيات وحتى فى بعض أمهات من قضاياها كما اختلفوا فى المسالك‬
‫السلطانية حتى حمل بعضهم السيف على بعضهم فنسبة اإلجماع إليهم مجازفة فى الدين إذ‬
‫تفرقوا فى البالد بسبب الغزو فمن إدعى إجماعهم لزمه اوال أن يضرب أكباد اإلبل تطوافا فى‬
‫مشارق االرض ومغاربها ليستقصى آراءهم فيمازعم أنه إجماعهم وهو محال وقوعه ‪،‬نعم نتبع‬
‫سنتهم فيما تحصل لنا بالعلم الضرورى اتفاقهم عليه وهو عمليا وفعليا ينحصر فى العقيدة‬
‫وأصول االيمان وامهات قضايا فى الفقه وهو كاف جدا إلطار وحدة تجمعنا نتعدد تحته طرائق‬
‫لالجتهاد الفقهى‪ .‬لذا كان منهجى فى كل ماكتبت أن حلحلت الخالف وتحقيق المسائل ليس بقال‬
‫فالن وقال فالن من العلماء االجالء كما يفعل كثير من المعاصرين ألن غيرهم من العلماء أيضا‬
‫قال وقال بخالفهم وانما بنقل اآلى والسنة الصحيحه وفق علم أصول الفقه إلتزاما بتوحيد اإلتباع‪.‬‬
‫أخرج البخاري وغيره أن النبي صلى هللا عليه وسلم قال‪ ( :‬اسمعوا وأطيعوا وان أستعمل عليكم‬
‫عبد حبشي كأن رأسه زنيمة ) وأمر بطاعتهم ( وان ضرب ظهرك ونهك مالك) ونهي النبى‬
‫(ص) عن قتال األئمة (إال أن تروا منهم كف اًر بواحاً عندكم فيه من هللا برهان) وفي اآلخر( ما‬
‫أقاموا فيكم الصالة ) فيحتج البعض بهذه األحاديث على عدم الخروج على أئمة الجور أو‬
‫المتغلبين على الحكم بالقوة الباطشة ماداموا ملتزمين بالشرع المنزل دستو ار وقانونا‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫أوال‪ :‬هذه االحاديث ليست فى الغاصب للسلطة قه ار وتزوي ار ألنا نقول أوال اثبتوا إمامته وواليته‬
‫الشرعية لكى تنطبق عليه أحاديث وجوب الطاعة لإلمام ألن المتغلب الغاصب للسلطة ليس واليا‬
‫شرعيا إنما هو غاصب للسلطة كمن سرق ماال فهل هو مالكه؟ حتى تجب فيه الزكاة مثال فضال‬
‫عن حماية ماسرقه ليظل بحوزته واليرد لصاحبه؟ إن هللا طيب اليقبل إال طيبا‪.‬ومن استشهد‬
‫بقوله تعالى ( تؤتى الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء) لِيسوغ باالية ملك الغاصبين ألمر‬
‫المسلمين فهو كمن قال إن هللا قد شاء للسارق أن يتمكن مماغصبه فهو لهوهذا اليقول به أحد‬
‫فال يحتجن أحد بالمشيئة القدرية اإللهية على تسويغ معصيته وهى قاعدة راسخة بإتفاق‬
‫العقالء‪.‬ثم إعلم أن النبي صلى هللا عليه وسلم ال يأمر بترك ما هو غير شرعي أن يقوم فضالً‬
‫عن أن يحكم ويتحكم بكل ما هو قائم ومن هنا يتضح الفرق بين أئمة الجور الذين وصلوا للحكم‬
‫بطريق غير شرعي وبين ذلك العبد الحبشى الواجب الطاعة إن وصل إلى الحكم بطريق شرعي‬
‫وهو إما باستعمال وتأمير من اإلمام الشرعي له علينا بوالية فهذا في الوالية الصغرى أو إذ اختاره‬
‫الناس انتخاباً ح اًر وان كان هذا عادة ال يحدث لعبد حبشي فالمقصود السمع والطاعة لمن تأمر‬
‫بطريق شرعي فيكون قوله ( وان كان عبداً حبشياً) خرج مخرج المبالغة ألن العبد ال إمارة له‬
‫على نفسه فضالً أن يكون أمي اًر على غيره فهو تأكيد على السمع والطاعة لكل أمير تأمر بطريق‬
‫شرعي وهو على نحو ما في قوله تعالى‪ (:‬قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين ‪ )..‬وليس‬
‫للرحمن ولد بالطبع والمراد تأكيد العبودية هلل‪.‬على انا نقول انه يجب حمل المطلق على المقيد‬
‫ههنا كما تقرر فى علم االصول اذا اتحد مخرج الحديث فتحمل روايات الحديث االخرى ‪-‬إن‬
‫صحت ‪ -‬الواردة باالطالق على الرواية االخرى المقيدة بلفظ صحيح البخارى ( ولو استعمل‬
‫عمل‪ ) ..‬ليكون محل وجوب الطاعة الوالية‬‫عليكم عبد حبشى) فتقيد بهذه الرواية ( ولو است ِ‬
‫الصغرى الن اإلستعمال يكون من الم ِ‬
‫ستعمل وهو االمام االعظم لمن دونه فيستعمله على اى‬
‫والية اخرى من الواليات الصغرى وليس المقصود أن يكون إمامايدل عليه أنكم التجوزون امامة‬
‫غير القرشى فضال عن العبدالحبشى فبطلت بهذا التقريرشرعية إمارة المتغلب وبقى أن الشرعية‬
‫لحاكم إال بالشورى على ما أمرهللا ( وشاورهم في األمر ) وقوله ( وأمرهم شورى بينهم ) فهذه‬
‫هى خاصية شأن المسلمين العام بنص القرءان واال فهو ليس من أمر المسلمين المقبول عندهللا ‪،‬‬
‫حتى سمى هللا سورة باكملها الشورى ‪،‬فمن أتى غاصبا للسلطان العام دون حكم الشورى الحر‬
‫فهو على غير أمر المسلمين العام ألن هللا وصف أمر المسلمين العام الذى ارتضاه لهم بأنه‬
‫شورى بينهم فإذا الصحة المامته شرعا ألنها ليست من أمر المسلمين العام الذى ارتضاه هللا لهم‬
‫لفقدها الشورى‪،‬وهكذا يتم الجمع بين االدلة كلها وليس أخذ بعضها وترك االخر؛ ثم كيف بمن‬
‫أتى على غير الشورى أن يقيمها كما أمر هللا سواء أكانت الزمة معلمة فقط أو الزمة ملزمة فإنه‬
‫ما من حاكم يتغلب قه اروتزوي ار يرد األمر إلى نفسه في شأن المسلمين العام إال وهو مأخوذ في‬

‫‪5‬‬
‫طريق مؤداه الظلم الفاشي في غياب الرقابة الراشدة إذا أخطأ ؛ وان تحري العدل وأسبابه ِ‬
‫لجُّد‬
‫منقوص إن لم يكن منكوس ـفي غياب الحيدة مع االنفراد بالحكم ‪،‬ويشتد األم ارذا كان فى القضايا‬
‫المصيرية لالمة التى تضغط بخصوصها دول االستكبار العالمى فماهو بمب أر إذ قد يلحظ‬
‫مصلحته وبقائه‪ -‬ولو بغير شعور منه‪ -‬وهو يتخذ القرار منفردا وقد حدث هذا كثي ار فى عصور‬
‫المسلمين فأضاعوا البالد والعباد والديانة دهو ارالى الكفار لقاء بقائهم فى السلطة كما هو‬
‫اليوم؛واقرؤا التاريخ من وثائقه حديثه وقديمه‪..‬ولهذا المكان الدعاء العدل مع عدم الشورى‬
‫فاليمكن الجمع بين العدل واالستبداد فهما نقيضان‪،‬نعم لكل قاعدة شواذ – والشاذ الحكم له‪-‬‬
‫فقد يوجد بعض من عدل وهم رجل أو رجالن فى سائر تاريخ المسلمين لذا سارت باحاجى‬
‫عدلهم الركبان كأنها النوادر التى التتكرر ومع هذا فمن وصل منهم للخالفة بغير شورى‬
‫المسلمين فهو غاصب لحق ليس له وهذه حقيقة مجردة‪،‬وبهذا التقرير يبطل قول بعضهم بجواز‬
‫امامة الحاكم العادل من غير شورى المسلمين على أن نفس توليه بغير الشورى اغتصاب لحق‬
‫ليس له فهو ظالم غاصب للشأن العام كله وليس امام عادل وعاقبته للظلم الفاشى والبد‪..‬كيف‬
‫وقد اخرج االمام مسلم والبخارى مرفوعا الى النبى (ص) قوله‪-‬بالمعنى‪: -‬ان من اغتصب شب ار‬
‫من ارض بغير حق طوقه هللا بسبعة ارضيين يوم القيامة) وفى لفظ البخارى (من ظلم من‬
‫االرض شيئا طوقه من سبع ارضين) فكيف بمن اغتصب أمر المسلمين كلهم وكله فى نفس‬
‫الوقت‪.‬وغني عن القول أن الحاكم ال تنعقد له الطاعة إال بالبيعة من عامة المسلمين أي الغالبية‬
‫كيف والبيعة ما هي إال عقد بين الحاكم والمحكوم وشرط أي عقد وركنه الذي ال يصح إال به هو‬
‫الرضا بين الطرفين (أي طرفي العقد) ولهذا أفتى األئمة كاإلمام مالك بعدم شرعية بيعة المكره‬
‫على البيعة‪..‬ذلك ان السلطة للناس يبايعون بها من يختارون قال تعالى‪(:‬لقد ارسلنا رسلنا‬
‫بالبينات وانزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط‪)..‬وقال تعالى‪ ..( :‬أن أقيموا الدين وال‬
‫تتفرقوا فيه‪ )..‬فاهلل جعل اقامة القسط واقامة الدين تكليفا‪-‬فرضا‪-‬على الناس فهم من يملكون‬
‫هذا التكليف ومن ثم هم من يوكلون به من يختارون‪،‬ويكون اختيارهم على مااختار اغلبهم النه‬
‫يصح ان يطلق عليه انه حكمهم وشوراهم فى لغة العرب التى عليها القرءان وهو اطالق الحكم‬
‫على الشئ تغليبا‪،‬ولالختيار الحر أدوات تتجدد بحسب كل عصر على ماساد عرفا مرضيا بينهم‬
‫وسيلة أنزه لتبلغ االختيار الحر بإطار حاكمية الشرع المنزل غاية‪..‬كما عرف باالتفاق حديثا أن‬
‫صندوق االقتراع الحر نتيجة قاطعة فى التعرف على خيار االغلبية‪..‬واذ يطلق االسم على‬
‫االغلب عند العرب ‪-‬وهو معروف بكتب النحو‪ -‬فيصح ان يقال على اختيار االغلبية الحر انه‬
‫أمر المسلمين‪..‬وباالدلة السابقة تعلم بطالن قول من قال نعم ان الواجب هو اقامة الشورى لكن‬
‫نتيجتها معلمة غير ملزمةألن حكم الشورى ليس هو مشاورة الرأى فحسب لداللة كلمة حكم‬
‫المضافة وحكم‪ :‬أى قضى وأمر والتى تعنى اإللزام ههنا لكون الحكم في الشأن العام يتناول‬

‫‪6‬‬
‫السلطة العامة على األموال والدماء واألعراض والحقوق لذا فحكم الشورى إنما هو رد الحق فى‬
‫األمر األعظم الذ ى يطال شعاب الحياة كافة لسلطان الشعب المسلم من أكف الغاصبين إبتداء ‪،‬‬
‫فمن قال أنها الزمة فرضا لكن نتيجتها معلمة وليست ملزمة فإنه اليقصد بذلك إختيار ولى األمر‬
‫إبتداء ‪ ،‬إن هذه المقولة المكان لها فى باب اختيار االمام قطعا‪،‬فمن الذى يختار االمام؟ واذا‬
‫اختارته الشورى فهل اليلزمنا تنصيبه؟ وما فائدتها حينئذ ؟ هذا اليقول به أحد فى هذا الباب‬
‫أعنى اختيار االمام‪..‬فأمر المسلمين الذى هو أمرهم كلهم ‪،‬أوعليه يجتمعون و عليه يتفرقون فإن‬
‫الشورى فيه واجبه بنص االيات التى فرضتها ألن االصل فى األمر الوجوب حتى يأتى نص‬
‫يصرفنا لالستحباب كما تقرر فى علم اصول الفقه‪ ،‬وأمامن قال انها الزمة معلمة فقط وال يجب‬
‫األخذ بنتيجتها فهو يقصد‪ -‬األمور التى تحتمل أوجها فلإلمام األخذ بمارأى منها‪ -‬ومن قال أنها‬
‫مستحبة فيقصد أنه التجب الشورى فى األمور العادية الراتبة‪ ،‬وعلى هذا فقد تكون مباحة فى‬
‫األمور التى غير ذات بال بالغ فههنا قل ماتقول من إلزام نتيجتها أو عدمه‪ -‬فى تفاصيل‬
‫تصريف الشان العام‪ -‬على من واله المسلمون باالنتخاب الحر‪ ،‬وال يلبسوا عليكم بالنقوالت عن‬
‫أهل العلم فلكل وجهة لقوله لسياقه الذى يعنيه فالبد منتوجيه مقصوده لسياق نصوص الكتاب‬
‫والسنة وليس العكس‪ ،‬وضابط ذلك كله‪-‬الذى يفصل فيه‪ -‬هو األمة وممثلها الشرعى حقا الذى‬
‫اختارته إختيا ار ح ار أال وهو إمامها الشرعى و مجلس شوراها الذى يمثلها حقا هم أهل الحل والعقد‬
‫الغيرهم فيحددون السلطات ومستوياتها ودرجاتها وصالحيات أمرها حكما مؤسسيا كل‬
‫الختصاصه قال تعالى‪َ (:‬وإِذَا َجا َء ُه ْم أ َ ْم ٌر ِمنَ ْاْل َ ْم ِن أ َ ِو ا ْل َخ ْو ِ‬
‫ف أَذَاعُوا بِ ِه ۖ َولَ ْو َردُّو ُه ِإلَى‬
‫طو َنهُ ِم ْن ُه ْم‪ )..‬تحت حاكمية الشرع المنزل‬ ‫ستَن ِب ُ‬ ‫سو ِل َو ِإلَ ٰى أُو ِلي ْاْل َ ْم ِر ِم ْن ُه ْم لَعَ ِل َمهُ الَّ ِذينَ يَ ْ‬
‫الر ُ‬
‫َّ‬
‫الذى الخيرة فيه إنه حكم (الشورية )‪ .‬ومقترح شكل نموذجها المعاصر جيش مسلم ضامن‬
‫التداول السلمى للسلطة تحت حاكمية الشرع المنزل دستو ار وقانونا‪.‬‬
‫ولئن كنا نستدعي في هذا المقام تقدير فقه المصالح والمفاسد عند السعي لخلع المتغلب‬
‫خاصة إذا كان حاكماً عادالً‪ -‬مع التحفظ على تعبير(عادل) لماعرفناك‪ -‬ال يعني االستسالم‬
‫لمرحلية سطوته وقوة سلطانه بل وجوب السعي بأرفق السبل احتياالً في محاربته حتى نتبلغ قوة‬
‫تناصر غالبة تنقلب ثائرة عليه ترد السلطة لسيادة الشعب شورى تحت حاكمية هللا الذي قضى‬
‫بأن السلطة للشعب يبايع عليها من يختار على ما بيناه في منهج التغيير إذ ال يجوز االستسالم‬
‫لحالة عدم الشرعية ألنها من الباطل الذي أمر هللا بتقويمه وجهاده حتى ال يجر وراءه ظلم عام ال‬
‫ي ِبق ى وال يذر‪..‬قال الحافظ بن حجر فى الفتح‪(:‬وقد اجمع الفقهاء على وجوب طاعة السلطان‬
‫المتغلب والجهاد معه وان طاعته خير من الخروج عليه لما فى ذلك من حقن الدماء‪)..‬عن نيل‬
‫االوطار ص‪ 123‬فى باب الصبر على جور االئمة‪ ،‬قلت‪ :‬وجوب طاعتهم وترجيح عدم الخروج‬
‫عليهم خوف اراقة الدماء اشفاقا وارفاقا بالمسلمين شئ وعدم شرعيتهم شئ آخر فلم يتناول االمام‬

‫‪7‬‬
‫ابن حجر فى هذا المقام شرعية االمام المتغلب إذ االتفاق على أن القوة والغلبة التصنع شرعيه‬
‫وانما تحدث عن الصبر عليهم مفضال طاعتهم وعدم الخروج عليهم خوف اراقة الدماء– حال‬
‫غلبتهم هذه ‪-‬وهذه علة التعطى شرعية الحد بقدرما أنها تنزع عنه أى شرعية فهى فتوى منهم‬
‫لمحاذرة إراقة الدماء اشفاقا وارفاقا بالمسلمين– حال غلبة المتغلب ‪ -‬والتعنى االستسالم لمرحلة‬
‫الضعف لوجوب االمر بالمعروف والنهى عن المنكر باالجماع المتيقن من الكتاب والسنة بدأ من‬
‫القلب للصابر المستضعف فاللسان بالحق جاه ار بوجه المتغلب وحتى اليد لقوة االيمان جهادا فى‬
‫سبيل هللا فافهموه وسيأتى مزيد االيضاح لهذاودونك ماذكرت لك من االدلة آنفا ‪،‬هذا ولو ادعينا‬
‫اجماع السلف على قولنا ماكان أحد بأولى منا إذ اليقطع احد باجماع يدعيه إال إذا ضرب اكباد‬
‫االبل لسائر العالم يحصى أراءهم ويستقصيها بكل صقع وهذا اليدعيه أحدلذا نقل االمام بن حزم‬
‫عن اإلمام أحمد رحمه هللا أنه قال ‪:‬من ادعى االجماع فقد كذب‪ ،‬وما يدريه والناس قد اختلفوا!‬
‫هذه أخبار االصم وبشر المريسى” [المحلى ‪ ]242/1‬و(كذب) ههنا فى قول االمام أحمد أى‬
‫أخطأ ‪ ،‬وانما يصاغ االجماع عادة فيما علم بالضرورة من دين االسالم وشرائعه الظاهرة المتواترة‬
‫بحيث اليخالف المسلمين أحد فى تلك المسألة إال كافراليؤمن بدين االسالم جاهل به بالكلية‪،‬‬
‫فاالجماع مصدر تابع معزز الينشئ بادعائه حكماجديدا لعدم التحقق من وقوعه ابتداء على وجه‬
‫اليقين‪،‬على أنه الاجماع فى ماذكره االمام ابن حجر (أنظر مانقله الشوكانى عن الداوودى‬
‫فيمايلى وحكاية الخالف فى المسألة ) وسيأتى ذكر أن سبب اختالفهم ظاهريا لمرحلية سطوة‬
‫السلطان الطاغى مع ضعف المسلمينوليس فى حقيقة االمر خالف بينهم ألن من منع من‬
‫الخروج فخوف إراقة الدماء لمرحلة سطوته وغلبته على ضعف بالمسلمين فال خالف فى حقيقة‬
‫األمرذ االتفاق على عدم شرعية المتغلب بالقوة والقهر أو بالملك العضود المتوارث دون شورى‬
‫ا‬
‫المسلمين فقد أورد االمام ابن كثير فى كتابه البداية والنهاية وحكى أربعة عشر خروجا للسلف‬
‫وعلمائهم على المتغلبين بغير الشورى وأئمة الجور فى تلك األزمنة (عددها صاحب كتاب العمدة‬
‫فى إعداد العدة للجهاد فى سبيل هللا) وأشهرها خروج ابن االشعث على الحجاج بن يوسف الثقفى‬
‫فيما عرف بثورة العلماء لكثرة ماكان بجيش ابن االشعث من علماء السلفولئن كان جور‬
‫الحجاج ممااشتهر فان الخروج عليه يمثل خروجا على من ولى الحجاج نفسه أال وهو المتغلب‬
‫وقتها عبدالملك بن مروان واقرؤا التاريخ فى تلك الحقبة ومابعدها فقد خرج كثر يدعون الى‬
‫ارجاع االمر شورى بين المسلمين نعم كان فيهم من يدعوا لنفسه‪،‬ولقد كان الصحابى عبدهللا بن‬
‫الزبير بن العوام رضى هللا عنهما هو أميرالمؤمنين على الحجاز والعراق وعاصمته مكة حتى‬
‫أرسالليه المتغلب عبدالملك بن مروان الحجاج بن يوسف فعدى عليه وقتله بمكة وصلبه فمن هو‬
‫ولى االمر الشرعى على مذهبكم هل هو الصحابى عبدهللا بن الزبيررضى هللا عنهما أم عبدالملك‬
‫بن مروان؟ ‪.‬وهذه سيرة يسعى الطواغيت لتغييبها حتى عن ذاكرة العلماء أنفسهم بشتى األثر وهم‬

‫‪8‬‬
‫اليشعرون‪..‬ولغياب الشورى فى الحكم طويال عن حياة المسلمين‪..‬ولقد عرفناك آنفا بتقريره أن‬
‫االدعاء بوجود إمام عادل اذا كان بغير شورى المسلمين إدعاء الحقيقة له ألن نفس اغتصابه‬
‫للسلطان جرم عام ‪،‬كما انه العدل فيه والمعه كماهى حقائق االشياء إذ يؤدى االستبداد بالرأى‬
‫بطبيعته الى الظلم الفاشى المحالة‪.‬فالسلطة للشعب في شريعة هللا يبايع بها من يختاروالحاكمية‬
‫منشأ الشرعية والتشريع هلل وحده الإله إالهو‪.‬‬

‫وعليه فإن االمام الذى تأمر بطرائق الشرع( بتولية اإلمام األعظم له أو بشورى المسلمين) فقد‬

‫أمر بطاعته وان ضرب ظهرك ونهك مالك باعتبارها وقائع شخصية وقضايا أعيان ال يعمم أثرها‬

‫فاليجوز الخروج عليه لهذا وان كان فاسقا فاج ار فى نفسه ‪.‬وأما أئمة الجور الذين يعم ظلمهم‬

‫الشأن العام ويفشو الكافة بما يخرج عن مقصود الخالفة التى هى سياسة الدنيا بالدين لخيرى‬

‫الدنيا واآلخرة فال إمامة له الن معناها وماهيتها قد ارتفعت كمن صام أول النهار وشرب بوسطه‬

‫فقد أبطل صومه‪،‬ولهذا فمن الشوكة له لسياسة االمرالعام إقامة للدين فالخالفة له لعدم تحقق‬

‫معناها ومقصودها حينئذ وهواقامة الدين‪،‬ولقد حكى ابن كثير أربعة عشر خروجا عن السلف على‬

‫أئمة الجور والمتغلبين بغير الشورى عددها صاحب كتاب العمدة فى إعداد العدة للجهاد فى سبيل‬

‫هللا‪..‬ثم هم قد غصبوا األمر العام خاصة ألنفسهم بالظلم والجور دون شورى المسلمين بالطبع‬

‫وهللا يقول في كتابه( وأمرهم شورى بينهم ) فإن هذه هي صفة أمر المسلمين الذى يريده هللا فإذن‬

‫الغصب ألمرهم األعظم ليس من أمرهم بالضرورة ‪ ،‬كما بين سبحانه من يقوم عليها فقال (‬

‫وشاورهم في األمر) والحاكم الجائر ليس على ماتكون فيه الشورى وهوعلى الظلم والجور العام‬

‫وعليه البد أن يكون االمر العام على العدل لتكون فيه الشورى كما أمر هللا فرضا فى هذه اآلى‬

‫كما أن حكم الشورى ضرورى والزم للعدل والبد فاليتحقق العدل بدون الشورى‪،‬وقال تعالى‪ (:‬واذ‬

‫ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فاتمهن قال إنى جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتى قال الينال عهدى‬

‫الظالمين) وعهده يعم واليذر فيشمل الرياسة التى غايتها شرعا إقامة عهده بإنفاذ شرعه‪..‬وههنا‬

‫تتنزل كافة آى وأحاديث االمر بالمعروف والنهى عن المنكرمن القلب حتى اليد‪.‬ولذلك فإنهم‬

‫عندما قالوا للنبى(ص)‪:‬أالننابذهم بالسيف قال‪ (:‬ال ماأقاموا الدين) وفى رواية‪(:‬مااقاموا الصالة)‬

‫وهى بمعنى فإن هللا قال ‪(:‬إن الصالة تنهى عن الفحشاء والمنكر‪ )..‬وقد الحظت فى تلك‬

‫‪9‬‬
‫االحاديث انها فيمن خلط المعروف بالمنكر ففى بعضها (فتعرفون وتنكرون) وفى آخر(فرءاه يأتى‬

‫شيئا من معصية هللا فليكره ماياتى من معصية هللا والينزعن يدا من طاعة) أو كان ظلمه خاص‬

‫بوقائع اعيان (وان ضرب ظهرك ونهك مالك) لذا نهى النبى (ص) عن الخروج عليهم وقال‪(:‬إال‬

‫ان تروا كف ار بواحا عندكم فيه من هللا برهان) لفظ (كفر) ههنا نكرة فى سياق االثبات فالتفيد‬

‫العموم وليس بالضرورة ان تكون بمعنى الكفر األكبر فقط الن لفظ (كفر) تأتي بمعان عديدة فمن‬

‫ذلك مايلي ‪-3:‬الكفر بمعنى عدم الشكر وهو كفر النعمة – أي عدم شكرها – ومنه كفر العشير‬

‫وهو الزوج وذلك بعدم االعتراف بفضله واحسانه كما أخرج الشيخان عن ابن عباس(رضي هللا‬

‫عنه) ان النبي (ص) قال ‪ (:‬أريت النار فإذا أكثر أهلها النساء يكفرن قيل يكفرن باهلل ؟ قال‬

‫يكفرن العشير ويكفرن اإلحسان لو أحسنت الى إحداهن الدهر ثم رأت منك شيئاً قالت وهللا لم أر‬

‫{واِ ْذ تَأ ََّذ َن َربُّك ْم َلِئن َش َك ْرت ْم أل َِز َيدَّنك ْم َوَلِئن‬


‫منك خي اًر قط) فبان ان الكفر عدم الشكر قال تعالى‪َ :‬‬
‫َكَف ْرت ْم ِإ َّن َع َذاِبي َل َشِديد} فجعل الكفر في مقابل (ضد) الشكر ويحتمل من سياق االيات هنالك‬

‫بسورة ابراهيم ان المقصود الشكر المقابل للكفر االكبر‪،‬وقطعا يكون المقصود الشكر الذى يقابل‬

‫ال َه َذا ِمن‬


‫كف ار أصغر(عدم شكر فقط ) في قوله تعالى حاكياً عن سليمان عليه السالم‪َ { :‬ق َ‬
‫َشكر أ َْم أَ ْكفر َو َمن َش َك َر َفِإَّن َما َي ْشكر لِ َنْف ِس ِه َو َمن َكَف َر َفِإ َّن َربِي َغِني َك ِريم}‬
‫ض ِل َربِي لِ َيْبل َوِني أَأ ْ‬
‫َف ْ‬
‫فجعل الشكر في مقابل (ضد) الكفر‪ -2.‬والكفر يكون بمعنى المعصية‪:‬يقول ابن منظور في‬

‫لسان العرب ( كفروا‪:‬أي عصوا وامتنعوا وأكفر الرجل مطيعه أحوجه ان يعصيه)‪ ،‬أخرج البخاري‬

‫ومسلم عن ابن مسعود ان النبي (ص) قال ‪ (:‬سباب المسلم فسوق وقتاله كفر)‪.‬وقال تعالى ‪:‬‬

‫َصلِحوا َب ْي َنه َما } وقال في اآلية بعدها {ِإَّن َما اْلم ْؤ ِمنو َن ِإ ْخ َوة‬ ‫ِ‬ ‫ط ِائَفتَ ِ ِ‬
‫ان م َن اْلم ْؤ ِمن َ‬
‫ين ا ْقتََتلوا َفأ ْ‬ ‫{واِن َ‬
‫َ‬
‫َّللاَ َل َعَّلك ْم ت ْر َحمو َن} فجعلهم إخوة مؤمنين فظهر ان الكفر المراد في‬ ‫َصلِحوا َب ْي َن أ َ‬
‫َخ َوْيك ْم َواتَّقوا َّ‬ ‫َفأ ْ‬
‫الحديث هو كفر المعصية (كفر دون كفر) أي كفر معصية ال يصل إلى الكفر باهلل لكنها كبيرة‬

‫‪ ،‬وأخرج البخاري ومسلم عن ابي هريرة (رض)أن النبي (ص) قال ‪ (:‬إثنتان في الناس هما بهم‬

‫‪10‬‬
‫كفر الطعن في النسب والنياحة على الميت ) وهذا ال يراد به الكفر األكبر "المخرج من اإلسالم"‬

‫‪1‬‬ ‫وانما كفر المعصية‬

‫أنظره تفصيال بالجزء الثانى من كتابى دين القيمة‪ .‬فمن كان ظلمه ظلما عاما يفشو حتى ليذهب‬

‫بالمقصود من تنصيبه اماما فهذا من كفر المعصية يبطل رياسته بالضرورة وان كان مسلما‪،‬‬

‫فتجب منابذته بالسيف لهذا الكفر األصغر وهذا معنى قوله (إال ان تروا كف ار بواحا) الذى يوافى‬

‫قوله ( ص) ‪ (:‬ماأقاموا الدين )‪،‬ولو قلنا المراد بحديث (إال ان تروا كف ار بواحا) الكفر االكبر‬

‫فالينافى وجوب الخروج عليه بقول النبى (ص) ‪ ( :‬ماأقاموا الدين ) جمعا بين األدلة للعمل بها‬

‫جميعا وهو أولى من تاويل بعضها عن وجهه ألن اإلمامة الشرعية هى سياسة الدنيا بالدين‬

‫لخيرى الدنيا واالخرة فتنتفى االمامة الشرعية فى هذه الحالة ويصبح تسلطه بالفساد العام‬

‫والطغيان العظيم حال اليستحق معه شرعا أن ينال عهدهللا البتة فتبطل رياسته شرعا ويجب‬

‫الخروج عليه لآلية ولقول النبى (ص)‪( :‬ماأقاموا الدين) ولغيرها من األدلة وهذا الطغيان العظيم‬

‫المفسد للحياة العامة اليتَصور وقوعه عادة إال من ممتنع عن شرائع االسالم الظاهرة المتواترة أو‬

‫من غاصب للسلطة بغير شورى المسلمين وهذا األخير ليس إماما إبتداء حتى تتناوله احاديث‬

‫النبى (ص) الخاصة بوجوب الطاعة وعدم الخروج عليه كال فإن هذا مماينزه عنه النبى(ص)‬

‫جور‬
‫وانما أمر النبى (ص) بعدم الخروج على االمام الشرعى ابتداء وان أحدث فسقا فى نفسه و ا‬

‫خاصا بوقائع أعيان أو على معينين اليعم أثرها الحياة العامة واما هذه االحاديث الخاصة‬

‫بوجوب عدم الخروج على (ولى االمر) إنما هى فى ( ولى األمر) الشرعى بينما الغاصب‬

‫للسلطة ليس من أهل االمر وليس إماما شرعيا حتى تتنزل فيه هذه األحاديث ؛ فاثبتوا أوال أن‬

‫الغاصب بالقهر والتزوير إمام شرعى ليصبح من أهل األمر وأئمته ثم استدلوا على عدم جواز‬

‫الخروج عليه بهذه األحاديث ونحن معكم حينئذ؛قال الشوكانى فى نيل االوطار(ونقل ابن التين‬

‫‪¹‬يأتي الكفر كذلك بمعنى البراءة قال في لسان العرب‪:‬قال شمروالكفر أيضا بمعنى البراءة كقوله تعالى‪:‬حكاية عن‬
‫ون ِمن قَ ْب ُل أى تبرأت)‪.‬أهـ‪.‬‬ ‫الشيطان فى خطيئته اذ دخل النار( ِإنِي َكفَ ْرتُ ِب َمآ أَ ْش َر ْكت ُ ُم ِ‬
‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬
‫ِيم َوالذِينَ َمعَهُ إِذ قالوا ِلق ْو ِم ِه ْم إِنا ب َُراء ِمنك ْم َو ِم َّما‬ ‫سنَةٌ فِي إِب َْراه َ‬ ‫َت لَ ُك ْم أُس َْوة ٌ َح َ‬ ‫قلت‪ :‬ويشهد له قوله تعالي {لقَدْ كَان ْ‬
‫اَّللِ َوحْ دَهُ ‪ .‬وكفرنا بكم ههنا‬ ‫ضاء أَبَدًا َحتَّى تُؤْ ِمنُوا ِب َّ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫اَّللِ َكفَ ْرنَا ِب ُك ْم َو َبدَا بَ ْينَنَا َوبَ ْينَ ُك ُم ال َعدَ َاوة ُ َوالبَ ْغ َ‬ ‫ت َ ْعبُد ُونَ ِمن د ِ‬
‫ُون َّ‬
‫اي تبرأنا منكم ‪،‬والتحقيق أن كلمة (كفر) يراعى المراد منها من بين اطالقاتها المعروفة بحسب علم النحو‪.‬‬
‫‪11‬‬
‫عن الداوودى قال الذى عليه العلماء فى امراء الجور انه إن قدر على خلعه بغير فتنة والظلم‬

‫وجب واال قالوا يجب الصبر وعن بعضهم اليجوز عقد الوالية لفاسق ابتداء فان احدث جو ار بعد‬

‫ان كان عادال فاختلفوا فى جواز الخروج عليه والصحيح المنع اال ان يكفر فيجب الخروج عليه)‬

‫نيل االوطار ص‪ 123‬فى باب الصبر على جور االئمة‪،‬وماذكره من خالف فهو حصريا فى‬

‫اإلمام الشرعى الذى أحدث فسقا وجو ار بعد أن كان عادال فإذن الخالف فى عدم شرعية المتغلب‬

‫قه ار‪،‬وعند التحقيق فالخالف فى عدم شرعية من كان جوره جو ار عاما قد تجاوز شخصه لينتظم‬

‫الحياة العامة حتى ليذهب بالمقصود من اإلمامة ( التى هى سياسة الدنيا بالدين لخيرى الدنيا‬

‫واالخرة) الن من منع من الخروج عليهم فقد نظر لمخافة اراقة الدماء وفتنتها معضعف‬

‫المسلمين– ولم يقل بشرعيتهم أصال فال خالف فى عدم شرعيتهم الن القوة والغلبة التمنح حقا‬

‫والشرعية وهذا واضح من كالم الداوودى–فبعضهم عبر عن هذا الجانب خوفا على دماء‬

‫المسلمين من الطغاة الباطشين حال قوتهم وضعف المسلمين لحين تجاوز مرحلة الضعف وهذه‬

‫حالة التعطى شرعية بقدرما أنها تنزعها منهم نزعا لذا قالوا فالصبر حينئذ اولى– ويقصدون‬

‫ظرف االستضعاف ‪ -‬والصبر إنما يكون على المكاره لكن مع وجوب االمر بالمعروف والنهى‬
‫عن المنكر ألنه إجماع تظافرت عليه االدلة من الكتاب والسنة بدءا من االنكار بالقلب‬

‫للمستضعف الصابر فاللسان بكلمة الحق امام المتغلب الغاصب وحتى المناجزة باليد وهو أقوى‬

‫االيمان إذ سلبوا أمر المسلمين وسلطان الشعب المسلم غصبا وزو ار فاالمر بالمعروف والنهى‬

‫عن المنكر واجب باالجماع المتيقن‪،‬فالصبر عليهم مع اإلنكار المالزم ليفضى بصيرورته‬

‫للتداعى بقوة غالبة تذهب ريحهم‪ .‬فالخالف عند التحقيق فى عدم شرعية رئاسة المتغلب أو‬

‫الجائر جو ار عاما قد انتظم الحياة العامةألن من كانت رئاسته بطريق شرعى وكان فسقه فى نفسه‬

‫أوبوقائع معينة على أشخاص معينين فإن هذا ظلم مقيد الينفى عنه العدل المجمل الذى هو عليه‬

‫من إقامة الدين فهذا تجب طاعته واليجوز الخروج عليهوأما من كان غاصبا للسلطة أو كان‬

‫جوره عاما ينتظم الحياة العامةويفشوا بما يلزم منه عدم إقامة الدين الذى هو مقصود ومعنى‬

‫االمامة نفسها فجب السعى فى عزله جمعا بين االدلة وليس التمسك ببعض االدلة واهمال االيات‬

‫‪12‬‬
‫المحكمات الخاصة بفرض الشورى وأصول الشرع المحكمة القاضية بوجوب الرضاركن مجمع‬

‫عليه فى أى عقد وحرمة الغصب والقهر فكيف بعقد الوالية والرئاسة االعظم ؛ فالجمع بين األدلة‬

‫للعمل بها جميعا هو الفرض المحكم باالتفاق بتخصيص العام وتقييد المطلق حتى يمكن العمل‬

‫باالدلة كلهاعلى مسلكنا الذى قدمنا ؛ لكن البد ان يكون هذا الجور الغاشى المفسد للحياة العامة‬

‫مماعلِم عن الحاكم المعين باالضطرار وليس شيئا يختلف فيه ألن الناس أميل دائما إلتهام‬

‫الحكام بالظلم وان عدلوا عدال يشوبه مايشوبه من الفسق وهذا اليجوز الخروج عليه بحال لِ ِع َ‬
‫ظم‬

‫أمر وجوب لزوم الجماعة والحفاظ على النفس الذى هو اعظم فرض إال إذا أصبح جوره جو ار‬

‫عاما قد افسد الحياة العامة بما اليختلف فيه اثنان وهذا اليتحقق عادة إال من الممتنعين عن‬

‫شرائع االسالم الظاهرة المتواترة أو من متغلب على رئاسة المسلمين بالبطش والتزوير وأى‬

‫منهما بمجردهمناط موجب للسعى فى خلعهكمااشتهر ذلك عن الحجاج بن يوسف فخرج عليه‬

‫ابن االشعث ومن معه من العلماء بما سمى ثورة العلماء وقتها؛ أليس هذا هو منهج علماء‬

‫السلف أم غفل عن هذا ثلة من العلماء الذين غيبهم طواغيت الزمان تحت كثاقة التأثيرعلى فكرهم‬

‫وحسهم مستغلين حسن سريرتهم بشتى السبل فهؤالء يخرج عليهم بدءا من جهاد الكلمة روى‬

‫سأ َ َل النَّبِ َّ‬


‫ي (صلى هللا عليه وآله‬ ‫ب «أَنَّ َر ُجالً َ‬
‫ش َها ٍ‬ ‫النسائي وأحمد وغيرهما ع َْن َط ِار ِ‬
‫ق ب ِْن ِ‬

‫ان َجائِ ٍر) وهذا‬


‫س ْل َط ٍ‬ ‫ض ُل؟ قَالَ‪َ :‬ك ِل َمةُ َح ٍ‬
‫ق ِع ْندَ ُ‬ ‫ي ا ْل ِج َها ِد أ َ ْف َ‬
‫ض َع ِرجْ لَهُ فِي ا ْلغَ ْر ِز‪ :‬أ َ ُّ‬
‫وسلم) َوقَ ْد َو َ‬

‫من الخروج عليه بالكلمة إذ جهر بوجهه بالحق المغاضب والمخالف لهوى الجائرين وان أدت‬

‫مناصحته لمفسدة قتله فإن فساد مخالفة االمتناع بالشوكة عن الفرض المنزل (حكم الشورى )‬

‫أعظم ؛ وماشرع الجهاد فى سبيل هللا الذى فيه ما فيه من سفك الدماء إال تضحية القامة الشرع‬

‫المنزل كله فبان أن مقصود العلماء أنه على القائم بالجهاد أن يستفرغ وسعه فى التدبير‬

‫مظفر فترجح مصلحته بهذا على المفسدة‬


‫ا‬ ‫لخطته األصلح لمصلحة جهاده أن يحقق هدفه‬

‫المحذورة المكلفة للمجاهدين فى الدماء واألموال واألعراض فتقلل خسائره الى أدنى حد ممكن‬

‫ذلك أن بذل الدماء واألنفس واألموال_بالتخطيط األسلم_ جهادا فى سبيل هللا إنما غايته المصلحة‬

‫األرجح على كل مفسدة أال وهى إقامة الدين كله إذ فرض الجهاد بالنفس والمال لهذه الغاية‬

‫‪13‬‬
‫فافهموه‪.‬واال فاألولى الصبر عليهم كما قال االمام ابن حجر فيما حكاه آنفا أال ترون انه علل‬

‫ذلك بقوله ( لما فى ذلك من حقن الدماء‪ )..‬لقول الحافظ ابن حجر نفسه ‪ :‬قوله (باب من‬

‫تامر‪ )...‬أى جاز‪...‬قال ابن المنير‪::‬يؤخذ من حديث الباب ان من تعين لوالية وتعذرت مراجعة‬

‫االمام ان الوالية تثبت لذلك المعين شرعا وتجب طاعته حكما كذا قال واليخفى ان محله ما إذا‬

‫اتفق الحاضرون عليه) الفتح (‪ )381/2‬وفى هذه المرحلة – أى مرحلة سطوة المتغلب وظهوره‬

‫‪ -‬يجب إجراء االحكام الشرعية معهم كما هى على ما أمر اللهحتى الجهاد والغزو معهم وتحت‬

‫رايتهم فى سبيل هللا وهذا خاص بالمتغلب قبل أن يفشو ظلمه وينتظم الحياة العامة حيث يجب‬

‫اعتزاله حينئذ حتى اليشاركه واليعينه على ظلمه وجوره أخرج االمام البخارى عن أنس بن مالك‬

‫رضي هللا عنه أنه قال كان رسول هللا صلى هللا عليه وسلم إذا ذهب إلى قباء يدخل على أم حرام‬

‫بنت ملحان فتطعمه وكانت تحت عبادة بن الصامت فدخل يوما فأطعمته فنام رسول هللا صلى‬

‫هللا عليه وسلم ثم استيقظ يضحك قالت فقلت ما يضحكك يا رسول هللا فقال ناس من أمتي‬

‫عرضوا علي غزاة في سبيل هللا يركبون ثبج هذا البحر ملوكا على األسرة أو قال مثل الملوك‬

‫على األسرة شك إسحاق قلت ادع هللا أن يجعلني منهم فدعا ثم وضع رأسه فنام ثم استيقظ‬

‫يضحك فقلت ما يضحكك يا رسول هللا قال ناس من أمتي عرضوا علي غزاة في سبيل هللا‬

‫يركبون ثبج هذا البحر ملوكا على األسرة أو مثل الملوك على األسرة فقلت ادع هللا أن يجعلني‬

‫منهم قال أنت من األولين فركبت البحر زمان معاوية فصرعت عن دابتها حين خرجت من‬

‫البحر فهلكت) على أنه يجوز أن يقال لمن وصل لالمامة بالطريق الشرعى أنه ملك وليس فى‬

‫االلفاظ مشاحة فإن هللا سمى من اختاره هو سبحانه (ملك) فقال لهم كما فى سورة البقرة ( إن هللا‬

‫قد بعث لكم طالوت ملكا‪ )..‬وهذا فى القرءان كثير فالمشاحة فى االلفاظ فالمهم أن يكون باختيار‬

‫شرعى–إما بإصطفاء من هللا كما اختار هللا سليمان خلفا البيه داؤود فى الحكم والنبوة أو باختيار‬

‫شورى المسلمين التى أمر هللا بها اذ انقطعت النبوة والرسالة ‪ -‬وليس بالقهر والتزوير‪،‬فيجب‬

‫إجراء كافة االحكام الشرعية معهم على ماأمر هللا بما فى ذلك الجهاد معهم فى سبيل هللا وهذا‬

‫خ اص بالحاكم المتغلب قبل ان يفشو ظلمه منتظما شعاب الحياة حيث يجب اعتزاله حيئنذ كما‬

‫‪14‬‬
‫أن الجهاد معه خاص بمرحلة الصبر عليه وهو غالب قاهر وشرطه فى هذه الحالة السعى‬

‫الدؤوب لتحصيل الغلبة الرافعة لكل مفسدة وذلك بدأ بالدعوة الحسنى وكلمة الحق أمام السلطان‬

‫المتغلب لحين تبلغ حيلة قاهرة تغالبهم فتغلبهم جهادا فى سبيل هللا أم ار بالمعروف ونهيا عن‬

‫المنكر اذ سلبو أمر المسلمين كله غصبا وقه ار وال نتعلل بعبارة عدم الخروج عليه خوف الفتنة أو‬

‫نقول اليخرج عليه اال اذا قدر عليه بغير مفسدة استكانة واستسالما‪ ،‬فالجهاد معهم ماهو اال فقه‬

‫مرحلة ليس غير‪ ،‬فمن منع من الخروج عليهم فقد نظر لمحاذرة خوف إراقة الدماء وغلبها فقصده‬

‫أن ذلك لمرحلة سطوتهم وضعف المسلمين واال فالشرعية للمتغلب فى نفس األمر باالتفاق‬

‫فتقدير عدم الخروج عليهم خوف اراقة الدماء – لظرف موقفهم المتغلب القاهر وضعف‬

‫المسلمين– شئ وعدم شرعية المتغلب شئ آخر لم يقل بخالفه أحد فيما أعلم‪ ،‬واليعنى ذلك‬

‫االستسالم لمرحلة الضعف واالنكسار للطغاة‪،‬فالصبر عليهم مع اإلنكار المتصل الغتصابهم‬

‫أمر المسلمين ليفضى بطبيعته لتبلغ قوة ظافرة حامية لدستور حاكمية الشرع المنزل تنقلب‬

‫عليهم إنكا ار باليد حتى يهزموا أو يسلموا األمر للشعب المسلم الذى أناط هللا به تكليف اقامة‬

‫الدين كله ثم إن هذا الشعب هو من يبايع عليه من يختار‪.‬ولما كان جوهر الشورى وغايتها‬

‫الرضى العام فان اشكال االنتخاب تتجدد لكل مجتمع كما فى المجتمعات القبلية فان نقباؤهم‬

‫وعرفاؤهم وزعماؤهم هم المعبرون عن قومهم فكانت الشورى كذلك بدار سقيفة بن ساعدة أوسا‬

‫وخزرجا وقريشا حتى اتفقوا على ابى بكر الصديق (رض) ومن بعد سمى لهم‬

‫ابوبكر(رض)عمر(رض) فاتفقوا عليه وبايعوه أمي ار للمؤمنين‪ ،‬ومن بعده عثمان (رض) بعد أن‬

‫سمى لهم عمر (رض) كلية إنتخابية من ستة صحابيا ليختاروا أحدهم‪ ،‬وفى كل ينتهى األمر‬

‫بالبيعة العامة للخليفة باالغلبية األجمع ألن أصل االمر فى كل ذلك مردود للمسلمين ابتداء‬

‫وهذا هو جوهر األمر ومفترقه ‪ ،‬واال فالمصير الى االنتخاب المباشرمن عموم المسلمين‬

‫لتحقيق الشورى األتم‪ ،‬واليخالف فى كون صناديق االقتراع هى األنزه لمجتمعنا المعاصر‬

‫أحد‪،‬وركن ذلك كله الذى اليصح االسالم إال به هو أن يكون تحت حاكمية الشرع المنزل والبد‬

‫إنه حكم ( الشورية)‪.‬‬

‫‪15‬‬
‫فان قيل ان شرط القرشية فى الخالفة قيد على الشورى وتضييق لها وهو شرط مجمع عليه‬

‫وللحديث الصحيح ( األئمة من قريش ) فالجواب أوال‪ :‬الدويالت القائمة االن فى العالم االسالمى‬

‫ليست رياسة خالفة بل إمارات متفرقة وثانيا ‪ :‬أخرج االمام البخارى عن ابى هريرة رض ان النبى‬

‫ص قال ( الناس تبع لقريش فى هذا الشأن مسلمهم تبع لمسلمهم ‪ ،‬وكافرهم تبع لكافرهم ‪...‬الحديث)‬

‫ومن ذكاء االمام البخارى أنه اورده فى كتاب المناقب (مناقب قريش) ألن المقصود ب (أن االئمة‬

‫من قريش) أن الناس تبعا لهم إذ كان الناس منذ الجاهلية يقدمونهم لكونهم سكان الحرم وأهل الكعبة‬

‫ولهذا نقل العلماء االجماع على أن شرط الخليفة ان يكون قرشيا ذلك لما علم أن الناس لم يزالوا‬

‫يقدمونهم على غيرهم فهذا اإلجماع الذى اشترط القرشية فى الخليفة كان صوابا فى زمانه الذى دبر‬

‫بيد أنه فى هذه االزمان المتأخرة وإذ تفرقت قريش فى االرض انسابا ولم يعد لهم كيان بارز يؤمه‬

‫الناس فقد زال اإلجتماع عليهم فليس اليوم شرط القرشية قائما وإنما الشرط هو االتفاق واالجتماع‬

‫وهذا باق لذا قلنا البد من رد األمر للمسلمين كافة لينتخبوا من يرونه سواء كان قرشيا أو غيره‪ .‬قال‬

‫ابن حجر في المطالب العالية (‪ :)128 /5‬باب صنعة الطعام ألهل الميت‪ :‬قال أحمد بن منيع‬

‫نا يزيد بن هارون ثنا حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن الحسن عن األحنف بن قيس قال‪":‬‬
‫كنت أسمع عمر ر ِ‬
‫ضي هللا َع ْنه يقول‪ :‬ال يدخل أحد من قريش في باب إال دخل معه ناس‪ ،‬فال‬
‫َ َ‬
‫ضي هللا ع ْنه‪ ،‬فأمر صهيبا ر ِ‬
‫ضي هللا َع ْنه أن يصلي‬ ‫أدري ما تأويل قوله حتى طعن عمر ر ِ‬
‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬
‫بالناس ثالثا‪ ،‬وأمر أن يجعل للناس طعاماً‪ ،‬فلما رجعوا من الجنازة جاؤوا وقد وضعت الموائد‪،‬‬
‫فأمسك الناس عنها للحزن الذي هم فيه‪ ،‬فجاء العباس بن عبد المطلب ر ِ‬
‫ضي هللا َع ْنه فقال‪ [ :‬يا‬
‫َ َ‬ ‫ْ‬
‫أيها الناس قد مات رسول هللا صلى هللا عليه وسلم فأكلنا وشربنا بعده‪ ،‬ومات أبو بكر رضي هللا‬

‫عنه فأكلنا وشربنا‪ ،‬أيها الناس كلوا من هذا الطعام‪ ،‬فمد يده ومد الناس أيديهم فأكلوا‪ ،‬فعرفت‬

‫تأويل قوله" ] ‪ .‬قلت ‪ :‬اى تأويل قول سيدنا عمر رض (ال يدخل أحد من قريش في باب إال دخل‬

‫معه ناس) ‪ ،‬فما كاد العباس بن عبدالمطلب القرشى (رض) يكمل مقالته هذه حتى أكل الناس‬

‫وامتثلوا قوله وحينها فهم راوى األثر االحنف بن قيس مقالة عمر (رض) (ال يدخل أحد من قريش‬

‫في باب إال دخل معه ناس ) فقد كان الناس ولم يزالوا حتى بعد االسالم يصدرون لراى قريش‬

‫‪16‬‬
‫وهذا هو قولنا أن الناس كانوا تبعا لرأى قريش فلهم الريادة والزعامة منذ الجاهلية وحتى بعد‬

‫االسالم لم يزال الناس يقدمونهم لذا حكى العلماء اإلجماع على اشتراط القرشية فى الخليفة ‪ ،‬لكن‬

‫وبعد تغير الحال فى هذه األعصار وتفرق كيان قريش فى األرض وذهب ماكان لهم بين الناس من‬

‫التقديم والريادة فى الراى كان البد ان تتغير الفتوى كذلك بالطبع وبهذا ذهب شرط القرشية وبقى‬

‫شرط اإلتفاق والتوافق والذى اليكون إال باإلنتخاب الحر‪ .‬ثالثا ‪ :‬وأما ماجاء على نحو ماأخرجه‬

‫البخارى ومسلم عن جابر بن سمرة رض هللا عنه قال سمعت النبى ( ص) يقول ‪ ( :‬يكون اثنا عشر‬

‫أميرا ‪ ،‬فقال كلمة لم أسمعها فقال أبى ‪ :‬إنه قال ( كلهم من قريش )‪ ،‬فهذا الحديث أيضا يفسر حديث‬

‫( األئمة من قريش ) الذى خرج مخرج الخبر القدرى وليس خبرا يتأول الى التكليف الشرعى كال‬

‫ألن نبوءة النبى (ص) فى الحديث قد حدثت بالفعل فقد كان اثنى عشر خليفة بعده كلهم من قريش‬

‫وليس فى الحديث اشتراط القرشية فافهموه‪ ،‬وهذا يؤيد قولنا أن الناس كانوا تبعا لهم لكن بعد تغير‬

‫الحال من القبول واإلجتماع عليهم بعد أن تفرقوا فى البالد كان لزاما تغيير الفتوى تبعا لذلك فقد‬

‫ذهب شرط القرشية فى الخليفة شرعا وبقى شرط االجتماع والتوافق المنشود الذى إنما يكون‬

‫بانتخاب االغلبية على العرف الجارى فى العصر الحاضر‪.‬‬

‫اخرج البخارى فى صحيحه عن عروة‪ :‬أن مروان والمسور بن مخرمة أخبراه‪ :‬أن النبي صلى هللا‬

‫عليه وسلم قام حين جاءه وفد هوازن‪ ،‬فسألوه أن يرد إليهم أموالهم وسبيهم‪ ،‬فقال‪( :‬إن معي من‬

‫ترون‪ ،‬وأحب الحديث إلي أصدقه‪ ،‬فاختاروا إحدى الطائفتين‪ :‬إما المال واما السبي‪ ،‬وقد كنت‬

‫استأنيت بهم)‪ .‬وكان النبي صلى هللا عليه وسلم انتظرهم بضع عشرة ليلة حين قفل من الطائف‪،‬‬

‫فلما تبين لهم أن النبي صلى هللا عليه وسلم غير راد إليهم إال إحدى الطائفتين‪ ،‬قالوا‪ :‬إنا نختار‬

‫سبينا‪ ،‬فقام النبي صلى هللا عليه وسلم في الناس‪ ،‬فأثنى على هللا بما هو أهله‪ ،‬ثم قال‪( :‬أما بعد‪،‬‬

‫فإن أخوانكم جاؤونا تائبين‪ ،‬وانى رأيت أن أردإليهم سبيهم‪ ،‬فمن أحب منكم أن يطيب ذلك فليفعل‪،‬‬

‫ومن أحب أن يكون على حظه حتى نعطيه إياه من أول ما يفئ هللا علينا فليفعل)‪ .‬فقال الناس‪:‬‬

‫طيبنا ذلك‪ ،‬قال‪( :‬إنا ال ندري من أذن منكم ممن لم يأذن‪ ،‬فارجعوا حتى يرفع إلينا عرفاؤكم‬

‫أمركم)‪ .‬فرجع الناس‪ ،‬فكلمهم عرفاؤهم‪ ،‬ثم رجعوا إلى النبي صلى هللا عليه وسلم فأخبروه‪ :‬أنهم‬

‫‪17‬‬
‫بلغنا عن سبي هوازن ) ‪ .‬وهكذا فاليجوز الى حاكم أن ينفق فلسا من‬ ‫طيبوا وأذنوا‪.‬فهذا الذي‬

‫أموال المسلمين‪ -‬كالضرائب المجموعة للضرورات وعند الضرورة ‪ -‬إالبامرهم تفصيال‪ ،‬وعلى‬

‫مثل هذا الحديث وغيره من االدلة تتاسس مشروعية مجلس االمة وشوراها المنتخب من الناس‬

‫ليختاروا عرفاؤهم ونقباؤهم الذين ينوبون عنهم من واقع معرفتهم بالناس‪ ،‬وهو فى حقيقته هيئة‬

‫الحسبة العامة‪-‬المستندة على االيات المتكاثرة التى أمرت باالنتظام والقيام على االمر بالمعروف‬

‫والنهى عن المنكر‪ -‬فهيئة الحسبة العامة التى تشخص قائمة على الشان العام غيبها الحكام‬

‫طويال مقتصرين على هيئة الحسبة والمظالم فى خاصة المجتمع لينئوا بانفسهم ونظمهم عن أى‬

‫أمربالمعروف ونهى عن المنكر يمثله قائما ورقيبا أمه من المؤمنين يمثلون حقا عامة‬

‫المؤمنين‪.‬ففرق بين السمع والطاعة لهم عند ترجيح مصلحة عدم الخروج عليهم لما في الخروج‬

‫على الحاكم المعين من المفاسد العظيمة ‪ -‬كما يدعى دوما‪ -‬فإن هذا ال يعني االستسالم له‬

‫بذلك وشرعنته بل وجوب السعي اللطيف الدائب أبدا واالحتيال بأقرب سبيل لكسب قوة تغالبه‬

‫حتى خلعه واقامة اإلمام العادل بالشورى وبيعة المسلمين الناخبة له بشورى األغلبية األعم حيث‬

‫أجمعوا متطاوعين أن األحق بها منهم تنتخبه األغلبية ومن ثم تبايعه الكافة على الطاعة اذ‬

‫يصح لغة ان يسمى من اختارته االغلبيه باالنتخاب الحر أن هذا هو من اختاره المسلمون‬

‫بالشورى ألمرهم وبذا نوافى آى الشورى المفروضة بنصوص التنزيل‪..‬واعلم ان اعتبار المصالح‬

‫والمفاسد فقه عام فى كل شئ وفى سائر االمر بالمعروف والنهى عن المنكر وفى الدعوة‬

‫لالسالم نفسه ولكن اليعنى ذلك أن نترك االمر برمته خوف المفسدة واراقة الدماء وال ان ينقلب‬

‫ذلك لشرعنة المنكر القائم وهو امامة الغاصب بغير الشورى أو الجائرالممتنع عن الشرائع الظاهرة‬

‫المتواترة ومافرض الجهاد فى سبيل هللا الذى فيه مافيه من إراقة الدماء إال القامة الدين كله ‪ ،‬وان‬

‫تضحية جيل من المسلمين فى أى بلد حتى ينتصب مثالهم الراشد مندفعا بزخمه الى باقى بالد‬

‫المسلمين لهدم صروح االستبداد والجبروت وحفظا لمصير األمة التى أضاعها االستسالمللطغيان‬

‫طويال لهو جهاد فى سبيل شرعة االسالم أن ترتسخ وللقسط ان ينبسط آلماد المستقبل ألن‬

‫السلطة حينها بإرادة الشعب المسلم أقول إن التضحية فى هذا السبيل مماافترض هللا وليس‬

‫‪18‬‬
‫ت َوأ َ ْن َز ْلنَا‬
‫سلَنَا ِبا ْلبَ ِينَا ِ‬ ‫االستسالم فرقا من جرأة الطغاة على سفك الدماء‪.‬قال تعالى( لَقَدْ أ َ ْر َ‬
‫س ْلنَا ُر ُ‬

‫س ِط َوأ َ ْنزَ ْلنَا ْال َحديدَ فيه بَأ ْ ٌ‬


‫س شَديدٌ َو َمنَافع للنَّاس َوليَ ْعلَ َم‬ ‫اس بِا ْل ِق ْ‬ ‫اب َوا ْل ِم َ‬
‫يزانَ ِليَقُو َم النَّ ُ‬ ‫َمعَ ُه ُم ا ْل ِكت َ َ‬
‫يز)‪.‬ويوم يقوم حكم الشورى راسخا فلن يكون‬
‫عز ٌ‬ ‫اَّلل َم ْن َي ْنصره َورسلَه ب ْالغَيْب إ َّن َّ َ‬
‫اَّلل قَو ٌّ‬
‫ي َ‬ ‫َّ‬

‫ثمت جور عام‪..‬ألن حكم الشورى بأدواته الراسخة حينئذ فى الحكم والمجتمع ستمنعه‬

‫بطبيعتها‪..‬بيد أن الحكم بغير الشورى هو البداية واالرض األخصب لنمو الظلم وفشوه‪.‬واذ‬

‫االجماع على وجوب الشورى بنص االيات المحكمة والبراهين السالفة فمن جاء للحكم بغير‬

‫الشورى العامة ممتنعا بالشوكة الغالبة فيجب جهاده وقتاله لتغيير المنكر باليد الغتصابه ماليس‬

‫له واقامة الدين على ماامرهللا من الشورى فى أمر المسلمين وذلك لكل االدلة المتواترة التى‬

‫أوجبت تغييرالمنكر باليد والجهاد‪ ،‬وكذلك كافة اآلى الموجبة إلقامة الدين كله فيجب قتاله‬

‫لالجماع على وجوب قتال الطائفة الممتنعة عن شريعة من شرائع االسالم الظاهرة المتواترة وهى‬

‫ههنا رد أمر المسلمين المغصوب ليكون شورى بينهم‪ .‬يقول شيخ اإلسالم ابن تيمية‪ (:‬وأيما‬

‫طائفة امتنعت من بعض الصلوات المفروضات وغير ذلك من واجبات الدين ومحرماته التي ال‬

‫عذر في جحودها وتركها ‪ -‬التي يكفر الجاحد لوجوبها‪ -‬فإن الطائفة الممتنعة تقاتل عليها وان‬

‫كانت مقرة بها ؛ وهذا مما ال أعلم فيه خالفا بين العلماء وانما اختلف الفقهاء في الطائقة‬

‫الممتنعة إذا أصرت على ترك بعض السنن‪..‬فأما الواجبات والمحرمات المذكورة ونحوها فال‬

‫خالف في القتال فيها)الفتاوي (‪ )511/28‬وبهذا لهج كيث ار رحمه هللا في فتاويه‪.‬ولقد أفتى اإلمام‬

‫مالك رحمه هللا بجهاد الطائفة الممتنعة عن شريعة من شرائع اإلسالم المفروضة كما هو في‬

‫الموطأ والشورى أمة من الشرائع فبها تقوم شرائع العدل كافة راسخة فى الحياة العامة ولقد قاتل‬

‫ابوبكر الصديق (رض) مانعى الزكاة النها حق المال وقال لهم أينقص الدين وانا حى ووافقه‬

‫الصحابه من بعد على ذلك وفيه قوله لهم وهللا لو منعونى عقال بعير كانوا يؤدونه لرسول هللا‬

‫لقاتلتهم عليه والقصة فى الصحاح‪،‬ونظام الشورى حق األمة فى األمر العام كله إلقامة شرائع‬

‫العدل في كافة مناحي الحياة؛حتى الزكاة فان حكم الشورى ضمان عدل جبايتها ونزاهة مصرفها‪،‬‬

‫ومن تدبرعرف عظم المصاب والحول والقوة اال باهلل‪.‬ودوما يقول شيخ اإلسالم ابن تيمية‪:‬قال‬

‫‪19‬‬
‫تعالى‪ (:‬وقاتلوهم حتى ال تكون فتنة ويكون الدين كله هلل) فمتى كان بعض الدين هلل وبعضه‬

‫لغير هللا وجب القتال حتى يكون الدين كله هلل) وهذا هو الذى فهمه السلف رضوان هللا عليهم‬

‫فخرجوا بالسيف على المتغلبين بغير الشورى كما ذكرناه نقال عن ابن كثير فى البداية والنهاية‬

‫حيث عدد اربعة عشر خروجا للسلف وهذا مثبت فى سائر كتب التاريخ فانظروه ‪.‬وأما المقدور‬

‫عليه فاليقاتل أوال‪ :‬ألن القتال اليتصور اال مع ممتنع بشوكة فالقتال مدافعة وثانيا ‪ :‬الن المقدور‬

‫عليه غير ممتنع بشوكة عن حكم الشرع المنزل أن ينفذ فيه‪.‬انظر الجزء الثانى من كتابى دين‬

‫القيمة فى تفصيل القول بشأن الطائفة الممتنعة عن شريعة من شرائع االسالم الظاهرة‬

‫المتواترة‪.‬فيقاتلون كماتقاتل الفئة الباغية من المسلمين فليس القتال محصور على من حكم بردته‬

‫كال بل يطال كل من يفسد فى االرض ممتنعا بالشوكة إنكا ار باليد كأهل الحرابة يقاتلون عند‬

‫امتناعهم بالشوكة لقطع السبيل وهم من المسلمين ماداموا لم يبدلوا الشرع المنزلبالدساتير والقوانين‬

‫الوضعية الذى هو شرط صحة االسالم ‪ ،‬فالتنتصب رايات الجهاد القامة الدين على ماامر هللا‬

‫أن يكون شورى بين المسلمين كما انتصبت القامة حاكمية الشرع المنزل لكن بعد استنفاد النصح‬

‫والطرائق الحسنى الدافعة للشعب بالثورة السلم إال أن يدفع للجهاد االشد لمقتضى الضرورة‬

‫االقصى ذلك أن حكم الشورى قد غاب حتى درست معالمه وفقهه بكثافة الشبهات حتى عن ذوى‬

‫العلم والدين‪(.‬انظر الجزء الثانى من كتابى دين القيمه فيمايتعلق بفقه القتال واحكامه والبد ومنها‬

‫البيان والدعوة قبل القتال)‪.‬وان دون ذلك لمجاهدات عظيمة تثور حتى االقتصاد مؤسسات بأيد‬

‫المسلمين تعم من غير حجر بتسعيرأو تقييدا لملك‪،‬وتخص من غير اكتناز أو مراباة حيث يسعى‬

‫الطغاة دوما لسياسة القطاع العام للسيطرة على الموارد ومن ثم إحكام السيطرة على الرجال‬

‫فينتظم المؤسسات الفساد‪ ،‬وتبديد ثروات المسلمين‪.‬فلينشط المجتمع متوازناً بالعدل راشداً في كافة‬

‫صروف الحياة ممسكاً بأقطار مؤسساته بالقطاع الخاص– إال ماكان منها موردا عاما بطبيعته‬

‫او بتقدير شورى المسلمين ‪ -‬ليثور عند االنحراف في وجه طواغيت الزمان على مختلف‬

‫دركاتهم حتى رأس اإلمام‪ .‬فالمكان ألمة تحترم أن تستسلم بمصائرها لغاصب أصاب‬

‫أوأخطأ‪.‬فتأصيل الشورى كفريضة جامعة للتعدد ووعاء معرفى وتزكية للنفس أن تصطبر على‬

‫‪20‬‬
‫الرأى اآلخر الذى يتردد بين األجر واألجرين تعددا ح ار تحت حاكمية الشرع المنزل من أولويات‬

‫المسلمين اليوم ضمانا وأمنا من فجور االستبداد إذ ضاعت الخالفة الراشدة قبل أكثر من ألف‬

‫عام يوم أن استبد بنا الملوك والحكام ثم بدأ االنحدار واألمة تهوى دركا فالطوام حتى يومناوانظر‬

‫التفصيل الشافى فى كتاب دين القيمة بين العلمانية واالتجاهات التكفيرية الجزء االول منه أو‬

‫مختصره ‪-‬إلحاد العلمانية‪-‬مع باقى أجزاء الكتاب األصل والذى جاء شامال فى مسائل‬

‫الكفروااليمان والحاكمية وضوابط التكفير (دالالت ألفاظ التكفيرشرعا ولغة وقضية االعذاربالجهل‬

‫والتاويل)‪ ،‬وتوحيد هللا فى الوالء والبراء‪،‬والسياسة الشرعية وعقد المواطنة‪،‬والجهاد القامة الشورى‬

‫الفريضة الغائبة طوق نجاة وحدة المسلمين‪.‬وستجد الكتب المذكورة أعاله وغيرها بصفحتنا على‬

‫الفيسبوك المميز بشعار أصفر اللون واسمها( منبر الدين القيم) ‪.‬‬
‫كاتبه‪ :‬ابوعبدالرحمن اسامة حجر‬
‫من كتاب دين القيمة حقوق الطبع غير محفوظة‬
‫رقم االيداع المحلى‪> 2134/111 < :‬‬
‫رقم االيداع الدولى ‪< :‬ردمك –‪>ISBN178-11142-1-311-7‬‬

‫‪21‬‬

You might also like