‫الفصل الثاني ‪ :‬العصر اإلغريقي ‪.

‬‬
‫أوالً ‪ :‬طُ ُرز األثاث في العصر اإلغريقي ‪.‬‬
‫قامت الحضارة اإلغريقية في بالد اليونان أثر الحضارة التي ازدهرت في جزيرة كريت ؛ حيث‬
‫عاش في تلك المنطقة شعب على درجة من الرقي والثقافة ‪ ,‬واستمر* لعدة قرون ‪ ,‬إلى أن قضت‬
‫على حضارتهم كارثة طبيعية ؛ أدت بالقصور في كنوسوس* وفايستوس وماليا ؛ وبذلك سقطت‬
‫حضارة كـريت ‪ .‬وقامت بعدهـا حضارة اليونان التي ازدهرت وبلـغت أوجه حضارتها* في القرن‬
‫الخامس ق‪.‬م ‪,‬واستمرت* حتى القرن الثاني ق‪.‬م إلى أن انتهت باستيالء الرومان على بالد اليونان‬
‫عام ‪ 146‬ق‪.‬م ‪ ( .‬قادوس* ‪2007 ,‬م )‬
‫ويتك*ون الش**عب اإلغ**ريقي من ع**دة ش**عوب متفرقة ؛ منها فريق**ان ‪ :‬ال**دوريون ‪ ,‬وك*ان مرك*زهم*‬
‫في بالد اليونان ‪ ,‬واأليوني**ون ‪ ,‬ال**ذين اس*تقروا في ج**زر بحر إيجة ‪ ,‬وس**احل آس*يا الص*غرى* الش*رقي*‬
‫‪ .‬وك **ذلك ك **انت لهم ص **الت قوية بحض **ارات* الش **رق األوسط ‪ .‬وانتشر* فريق من اإلغريق بعد ذلك‬
‫إلى الجهة الغربية ‪ ,‬وأسس*وا* م*دناً في ص*قيلية وجن**وب إيطاليا ‪ .‬وعلى ال**رغم من اش**تراكهم في اللغة‬
‫والمعتقدات والثقافة ؛ إال إنهم فضلوا تكوين والي**ات مس**تقلة ؛ لكل منها عاص**مة ‪ ,‬وحكومة ‪ ,‬وجيش‬
‫؛ مثل ‪ ( :‬أثينا ) ‪ ( ,‬كورنش * * * **يا* ) ‪ ( ,‬إس * * * **بارطة ) وربما* س * * * **اعدت طبيعة البالد الجبلية على ه * * * **ذا‬
‫( الص* **راف و عبد اله* **ادي ‪,‬‬ ‫التقس* **يم ‪ .‬واس* **تغرق تش * * ُكل الحض* **ارة اإلغريقية أربعمائة ع* **ام ‪.‬‬
‫‪2003‬م )‬
‫يمت**از الفن اليون**اني* بدقة تركيبه ‪ ,‬وجم**ال نس**جه ‪ ,‬وبراعة التنويع واالبتك**ار ‪ .‬ويرجع* ذلك إلى‬
‫ش * * **غف اليون * * **انيين بتمثيل الطبيعة ‪ ,‬ودقتهم في محاك * * **اة أوض * * **اعها ‪ ,‬والتعمق* في اس * * **تيعاب جمالها‬
‫واستظهار محاسنها* ؛ مما أدى إلى االرتقاء بالفنون وازدهارها* ‪ (.‬نصر ‪2002 ,‬م )‬
‫و تعت**بر أثينا رم**زاً للثقافة اإلغريقية ؛ فقد اس**تطاع الفن**ان اإلغ**ريقي أن يؤسس أس**لوبا ذا ط**ابع‬
‫يتسم باإليق* * **اع اله * * **ادي ‪ .‬وقد* ك * * **ان اإلغريق مح* * **ترفين في ص * * **ناعتهم ؛ خاصة ص* * **ناعة األث * * **اث ‪.‬‬
‫( سعيد ‪2005 ,‬م )‬
‫ومعرفتنا* بالقطع اليونانية في األثاث مأخوذة عن القطع المعدودة التي بقيت حتى يومنا هذا ؛ من‬
‫المقاعد الحجرية للمس * * * * **رح في أثينا ‪ ,‬والعديد من القطع المرس * * * * **ومة على الفخ * * * * **ار او المنحوتة ‪( .‬‬
‫‪) payne , 1998‬‬
‫ويؤكد* ) ‪َ Blake (2006‬أن فن النحت و الرسم على المزهريات أفضل المصادر الموثقة‬
‫للمعلومات عن األثاث اإلغريقي ‪ .‬و قد تم تصوير هذه المعلومات في المنحوتات الطينية ‪,‬‬
‫والتماثيل* البرونزية ؛ مضافاً إليها المساهمات األدبية ؛ التي صنعت معرفتنا عن األثاث ‪.‬‬

‫‪25‬‬
 ‫تميز األثاث اإلغريقي في بداية حضارتها المبكرة بالخطوط* المستقيمة واألشكال* المستطيلة‪ .‬و‬
‫الخاص ‪ ،‬حيث أصبح الأثاث أقل تربيعاً وأكثر‬
‫ُّ‬ ‫طو َر اليوناني*ون أسلوبَهم‬ ‫ِ‬
‫القرن الرابع والخامس ّ‬ ‫في‬
‫تقوساً ‪www.richeast.org ( ( .‬‬
‫ُّ‬
‫وقد* أثرت الروح الشرقية في نوعية أثاث هذا العصر وأسلوب تنفيذه ‪ ,‬كما دلت على ذلك بعض‬
‫ِ‬
‫واألس َّرة ‪ ,‬والمقاعد ‪ .‬فقد أستُعمل الماء الساخن والبخار؛ للحصول على‬ ‫القطع ؛ كالكراسي ‪,‬‬
‫المنحنيات واألقواس* في معظم قطع األثاث ‪ .‬واستخدمت* القشرة الطبيعية والتطعيم ؛ وخاصة في‬
‫العاج ‪ ,‬وقشرة السلحفاة ؛ في تكوينات زخرفية جميلة ‪ .‬واستعمل* اإلغريق التنجيد بكثرة على هذه‬
‫القديم ‪ .‬وكانت معظم‬ ‫القطع ‪ .‬وكانت القطع المخروطة والمحفورة منقولة عن األثاث المصري‬
‫األخشاب المستخدمة في تصنيع األثاث من أخشاب الزان ‪ ,‬و الحور ‪ ,‬واألبنوس* ‪ ,‬والسرو* ‪,‬‬
‫والجوز* ؛ حيث تدل مشغوالتهم* على ذلك ‪ ( .‬خنفر ‪2000 ,‬م )‬
‫األخشاب‬ ‫أثمنها ؛ حيث كانت تستخدم كقشرة خارجية لتغطية‬
‫ويعد القبقب ‪ ,‬واألبنوس* ُ‬
‫النحاس ‪،‬‬ ‫صنعت من بعض المعادن ؛ مثل ‪:‬‬
‫األقل ثمناً‪ .‬وبعض قطع األثاث الناجية ُ‬
‫ملموساً عن‬ ‫والبرونز أو الحديد ‪ .‬والشظايا البرونزية التي ضمتها المتاحف ‪ ,‬تعطي دليالً‬
‫استخدامها* كمادة في صناعة األثاث ‪ .‬ومثاالً على ذلك ‪ :‬الساق البرونزية التي تنتهي بمخلب أسد‬
‫في متحف باليرمو* في سيسيليا ‪ .‬كما استُخدم* أيضا حجر المرمر في صناعة األثاث ‪Blake ,( .‬‬
‫‪) 2006‬‬
‫وكان الفنانون في عصر اإلغريق يتقنون عمليات لصق القشرة ‪ ,‬والحفر على الخشب ‪,‬‬
‫والمعادن ‪ ,‬واستخدام األقمشة الحريرية المشجرة ‪ ,‬والتذهيب ‪ ,‬والرسم* الزيتي ‪.‬‬
‫( غباشي وآخرون ‪1969 ,‬م )‬
‫كما اكتسبت قطع األثاث قيمة جمالية ؛ من خالل تطعيم* المنحوتات بالجواهر ‪ ,‬و الرسم ‪ .‬ومن‬
‫المواد التي استخدمها* اإلغريق للتطعيم ‪ :‬الخشب المكلف ‪ ،‬الذهب ‪ ،‬الجواهر ‪ .‬أما الرسم فقد‬
‫استخدم لتغطية العيوب ‪ ,‬أو لتقليد الخشب غالي الثمن ؛ من خالل الممارسة ‪ .‬وكذلك التأثيرات‬
‫الصناعية العبقرية ؛ عبر رسم التصاميم* المفضلة ؛ من خالل الرسم التزييني* على أسطح األثاث ‪.‬‬
‫وإ ضافةً إلى الصناعة اليدوية فقد وظف* اإلغريق أدوات و أساليب أخرى لتشكيل القطع الخشبية ‪.‬‬
‫وعندما استعمل اإلغريق المخرطة ألول مرة ‪ ،‬أصبحت أرجل األثاث دائرية الشكل ‪ ،‬وأحياناً* يتباين‬
‫وابتكرت* بعض العناصر المقوسة ‪ .‬وقد أصبحت التحوالت الحقاً أكثر تعقيداً ‪.‬‬
‫قطر الدائرة فيها ‪ُ ،‬‬
‫واستخدام المعادن فيه ‪,‬‬ ‫كبير في أسلوب تصميم* األثاث‬
‫تأثير ٌ‬
‫ومن الواضح أنه كان للخشب ٌ‬
‫إال أن بعض المراجع قد‬ ‫وغالباً ما كانت المنحوتات تدخل على أرجل و مقابض المقعد ‪.‬‬
‫رجحت أنه ربما يكون لالنحناء دور فعال في تشكيل قطع األثاث‪) Blake , 2006( .‬‬

‫‪26‬‬
 ‫ويؤكد بشاى وآخرون ( ‪1992‬م ) أن اإلغريق بلغوا درجة عالية من اإلبداع في صناعة‬
‫األثاث المنزلي المصنوع* من األخشاب ؛ وخاصة الكراسي ‪ ,‬واألرائك ‪ ,‬والمناضد ‪ ,‬وصناديق*‬
‫حفظ المالبس ‪ .‬وزخرفوها* بشرائط زخرفية جميلة ‪ ,‬أو ش ّكلوها بأشكال فنية جميلة ؛ بطريقة الحفر‬
‫‪ .‬فصنعوا* كثيرا منها ذات انحناءات جميلة ‪ ,‬أو مزينة برؤو*س وأرجل حيوانات زخرفية أو خرافية‬
‫‪ .‬كما استخدموا* قطعاً نحاسية معها ‪ ,‬بطريقة تتسم بالجمال و الذوق الرفيع ‪ .‬و تتميز المصنوعات‬
‫الخشبية بصفة عامة بالدقة ‪ ,‬و جمال الشكل ‪ ,‬ووفرة الزخارف* المحفورة أو المجسمة ‪ .‬وعرفوا*‬
‫األساليب الفنية األخرى ؛ كالتعشيق* ‪ ,‬والخرط* ‪ ,‬والتطعيم* ‪ ,‬والتكسية برقائق الذهب و الفضة‪.‬‬
‫والطراز اإلغريقي منحصر في عدة قطع هامة ؛ إال أن هنالك ثروةً من التفاصيل التي تُْبعد‬
‫اإلحساس بالرتابة والتقليدية ؛ مثل ما هو موجود في أنواع األثاث الذي استعملوه ‪ ,‬من ‪ :‬الكراسي* ـ‬
‫المقاعد ـ الطاوالت ـ الخزائن‪....‬الخ‪ .‬حيث اتسم البيت اإلغريقي بجو من الراحة بأثاثه البسيط ‪( .‬‬
‫‪) Boger ,1997‬‬
‫من أشكال المقاعد الفردية ثالثة أنواع من الكراسي ‪ :‬كرسي* العرش (‪ ، )throne‬وكرسي‬
‫الكلزموس ‪ ،‬والكرسي* الذي يخلو من الظهر و األذرع ( ‪ .) stool‬وبالنسبة لكرسي* العرش (‬
‫‪ )throne‬فقد كان مخصصاً لألشخاص ذوي األهمية ‪ .‬وهذه الكراسي كانت مصنوعة من المرمر‬
‫‪ ,‬ومعدةً للنشاطات الخارجية ‪ ,‬ومستخدمةً في أماكن ؛ مثل المسارح ؛ لهذا نجد العديد منها‪ .‬و مع‬
‫مرور الزمن تغير شكل كرسي العرش (‪ )throne‬؛ من حيث المبالغة في التزيين الكثيف ‪ ,‬إلى‬
‫األقل كثافة في التفاصيل‪ .‬و على وجه معهود* كان هناك تنوع هائل في عناصر البناء ؛ مثل ‪ :‬تنوع‬
‫التفاصيل التزيينية ‪ ,‬وأيضاً التنوع في علوها ‪ .‬والكراسي التي تم استخدامها* منزليا ً" الكلزموس* "‬
‫الحر ِفيُّون اإلغريق ‪.‬‬
‫هي إحدى أشكال الكراسي التي طورها َ‬
‫(‪) Blake , 2006‬‬
‫حيث كان " كرسي الكلزموس* " أكثر أنواع الكراسي* اإلغريقية انتشاراً ‪ ،‬فقد كانت له أرجل‬
‫مقوسة ‪ ,‬وأقواس األرجل األمامية متجه لألمام ‪ ,‬وأقواس األرجل الخلفية متجهة للخلف ‪ .‬جدول رقم‬
‫(‪ ( . )26‬آل سعود* وآخرون ‪1996 ,‬م )‬
‫صممَه اليوناني*ون القدماء في شكل‬ ‫و كان كرسي " الكلزموس " نوعاً جديداً َّ ِ‬
‫كلياً م ْن الكراسي ‪ّ ,‬‬
‫عشر ؛ حيث ُي ْش ِعر الجالس عليه‬
‫ثقافات العصور* الوسطى وأواِئل القرن التاسع ِ‬
‫َ‬ ‫ومتَدفِّق* ‪ ,‬ألهم‬
‫ناعم ُ‬
‫بالراحة والحرية ‪ .‬وصممت هذه الكراسي* بتقوس الظهر الممتد الى الكتف ؛ بغرض الحصول على‬
‫زي ُن‬ ‫ِ‬
‫الخشب ‪ ,‬وال ُي ّ‬ ‫صنِ َع من‬ ‫ِ‬
‫الراحة التامة ‪ .‬وكراسي " الكلزموس " مثل أكثر األثاث اآلخر ُ‬
‫بزخرفة عالية‪) www.richeast.org ( .‬‬
‫أما المقاعد التي تخلو من الظهر و األذرع ( ‪ ) stool‬فقد تنوعت أشكالها ‪:‬‬

‫‪27‬‬
 ‫النوع األول ‪ :‬مقاعد مربعة الشكل ‪ ,‬ولها أربعة قوائم* ملتفّة ‪ ,‬جدول رقم (‪.)27‬‬
‫النوع الثاني ‪ :‬ذات القوائم المستطيلة في مقطع عرضي ‪ ,‬جدول رقم* (‪.)28‬‬
‫النوع الثالث ‪ :‬اإلستول المطوية ؛ وغالباً ما تنتهي قوائمها بأرجل حيوانات ‪ .‬ولم يتم التحقق ما إذا‬
‫طوى بطريقة النموذج المصري نفسه ‪ ,‬أو أنه أعطي الشكل العام‬
‫كان الكرسي* المطوي اإلغريقي ُي َ‬
‫طوى ؛ حيث يشتمل على مقعد مستطيل‬
‫فقط ‪ .‬وكان لدى اإلغريقيين نموذج آخر من المقاعد التى تُ َ‬
‫وأطراف قوائمها* مطّوقة إلى الداخل ‪ ,‬جدول رقم* (‪.)29‬‬
‫و كانت األريكة اإلغريقية عبارة عن سرير وأريكة في ذات الوقت ‪ .‬وتعد من أهم النماذج‬
‫المميزة في األثاث اإلغريقي ؛ فهي لم تستعمل للنوم فقط ‪ ,‬بل لالستلقاء والجلوس بين الوجبات ‪.‬‬
‫انت األرائك اليونانية مشابهة ألرائك المصريين ‪ .‬ومما يميز األريكة اإلغريقية أن لها مسنداً‬
‫و َك ْ‬
‫للرأس منخفضاً نوعاً ما ‪ ,‬وأحياناً* لها مسند للقدمين ‪) Boger,1997( .‬‬
‫أما المناضد* فقد اختلفت أشكالها وأحجامها* باختالف الغرض المطلوب منها ؛ ‪.‬حيث يتم‬
‫محملةً باألطعمة لألفراد الممددين على األرائك ‪ .‬وعندما لم‬
‫إحضار الطاوالت الفردية إلى الغرف ؛ ّ‬
‫تكن مستخدمة ؛ فإنه يتم دفعها* تحت األريكة ؛ ولهذا كان ارتفاعها محكوماً* باألريكة‪Blake ,( .‬‬
‫‪) 2006‬‬
‫اليونانَِّيون‬
‫ستعمل ُ‬
‫ْ‬ ‫ِ‬
‫مناضدهم ؛ أال وهو الغذاء ‪ .‬لَ ْم ي‬ ‫ض َع على‬
‫شيء واحد ي ُْو َ‬
‫ٌ‬ ‫فاليونانيون لديهم‬
‫غرضهم‬ ‫الثمينة‪ ،‬ولكن استعملوها* ل ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الرخيصة َأو األشياء‬ ‫ِ‬
‫القدماء المناض َد كأماكن لوضع الحلي‬
‫انت المناضد منخفضة ‪ ,‬وفي* الغالب متحركة ‪ .‬وكانت المناضد* ذات أرجل ثالث‬
‫األساس فقط ‪َ .‬ك ْ‬
‫البرونز‪) www.richeast.org ( .‬‬ ‫ِ‬ ‫في أغلب األحيان ‪ ,‬ومصنوعة ِم ْن‬
‫أسطح الطاوالت إلى أشكال ثالثة ؛ هي ‪ :‬المستطيلة ‪ ،‬شبه المنحرف* ‪،‬‬
‫ُ‬ ‫قُسِّمت‬
‫والمستديرة ‪ .‬وكان استخدم* الطاولة المستديرة ألول مرة في القرن الرابع ‪) Blake , 2006(.‬‬
‫صَنع مشابهة‬ ‫القديم في ال ِ‬
‫تقليد اليونانِ َّي ِ‬
‫واستمراراً لل ِ‬
‫انت الصناديق اليونانية القديمة تُ ْ‬
‫أثاث ؛ َك ْ‬ ‫ُ‬
‫انت الصناديق هي‬‫الخاص في الظهور ‪َ .‬ك ْ‬
‫ّ‬ ‫المصري ‪ ,‬وبعد ذلك أخذ الأسلوب اإلغريقي‬
‫ِ*‬ ‫ِ‬
‫أسلوب‬ ‫لل‬
‫ِ‬
‫الغرض ‪ .‬وكانت‬ ‫الرفوف لم تكن تستعمل لذلك‬
‫َ‬ ‫الوحيدة لتخزين المالبس ؛ ألن‬
‫ُ‬ ‫الوسائلُ‬
‫ِ‬
‫للحماية‪.‬‬ ‫ِ‬
‫اللباس ؛‬ ‫المجوهرات ‪ ،‬والأغطية ‪ ،‬والثمار (بالدرجة األولى ‪ :‬السفرجل) تُ ْخفَى بِجانب‬
‫ِ‬
‫زوجة في فترة‬ ‫ون جزءًا من مهر ال‬ ‫ِ‬
‫وكانت الصناديق* ذات قيمة كافية في أغلب األحيان ؛ لكي تَ ُك َ‬
‫استعمالها* في العصر الهيليني ‪www.richeast.org ( ( .‬‬
‫وترى* الباحثة أن ظهور* األثاث اإلغريقي في بادئ األمر كان متأثراً باألسلوب المصري ‪.‬‬
‫ونتيجة للحروب ‪ ,‬والفتوحات ‪ ,‬واختالط الشعوب والثقافات ظهر أسلوب خاص بهم ‪ ,‬انعكس على‬
‫صناعة األثاث ؛ حيث أصبح األثاث اإلغريقي متميزاً بطابع خاص ‪ ,‬واضح المعالم إلى يومنا هذا ‪.‬‬

‫‪28‬‬
 ‫ثانيا ً ‪ :‬العوامل المؤثرة في أشكال طُرُز األثاث اإلغريقي ‪.‬‬
‫‪ ‬العوامل البيئية ‪:‬‬
‫كانت اليونان بلداً جبلياَ محاطاً بثالثة بحار رئيسة ‪ ,‬هي‪ :‬بحر إيجة ‪ ،‬البحر األبيض المتوسط ‪,‬‬
‫والبحر* األيوني ‪ .‬وقد* ساعد وجود* المواني الطبيعية على إقامة حرفة التجارة ‪ .‬وأيضاً ساعد ذلك‬
‫على وجود* التنافس بين المدن ‪ .‬كما أن الوحدة التي ميزت العديد من الحضارات ُأعيقت في اليونان‬
‫؛ بسبب الصعوبة في التواصل بين المقاطعات ؛ نظراً إلى أن الطبيعة الجبلية ‪ ،‬والوديان الصغيرة ‪.‬‬
‫ولدت هذه العزلة استقالالً من الناحيتين ‪ :‬الفردية ‪ ,‬والجماعية‬
‫والجزر* هي التي كانت سائدة ‪ .‬وقد ّ‬
‫‪ .‬وأيضا* كانت األراضي* الزراعية واقعة على منطقة غير قادرة على دعم النمو السكاني فيها ‪.‬‬
‫وهكذا عززت البحار وجود متنفس لهذا األمر‪ ,‬الذي قاد تقدماً واضحاً* في فنون العمارة ‪ .‬و هناك‬
‫عامل أساس آخر للنجاح الفني اإلغريقي ‪ ,‬وهو ‪ :‬تطور* المدن في قرون الحقة ‪Blake ,( .‬‬
‫‪) 2006‬‬

‫‪29‬‬
‫وتمتاز* بالد اليونان باعتدال مناخها ؛ مما سـاعد على االحتفـاالت باألعياد الرسمـية ؛ واالهتمام‬
‫بالمباني* العامة ؛ كمباني إدارة األعمال ‪ ,‬والقضاء ‪ ,‬والمسارح ‪ ,‬والمعابد ‪.‬‬
‫( قادوس* ‪2007 ,‬م )‬
‫فلقد لوحظ تأثير المناخ على التصميم* السكني في الساحات ‪ ,‬ومواقع الغرف الداخلية ؛ مما‬
‫حولهـا ألخذ ميزة ظهور* الشمس من ناحية الجنوب ؛ احتياطا* من األمطار أو من الشمس الحارة ‪ .‬و‬
‫كان اتخاذ صفوف من األعمدة البارزة خاصةً عند المداخل من أهم مظاهر فنون العمارة‪( .‬‬
‫‪) Blake , 2006‬‬
‫الم ْش ِم َس ِة كان اإلغريق ُي ْكثِرون من استعمال األرجل المتباعدة ‪,‬‬
‫وفي* أثاث الحجرة ُ‬
‫والظهور ذات القضبان المستعرضة ‪ ,‬والزخارف المدهونة ‪ ( .‬غباشي وآخرون ‪1969 ,‬م )‬
‫ولس**وء الحظ ؛ ف**إن أغلب قطع األث**اث ال**تي اس**تعملها اإلغريق قد اختفت ؛ وذلك بسب المن**اخ‬
‫ال**رطب ال**ذي يجعل من المس**تحيل المحافظة على الم**واد المص**نوعة من الخشب ( ال**ذي ك**ان الم**ادة‬
‫األساسية المستخدمة في صناعة األثاث ) على عكس األثاث الفرعوني الذي صمد ح**تى يومنا ه**ذا ‪.‬‬
‫بسبب المناخ الجاف ‪) Boger ,1997( .‬‬
‫باروس* ‪,‬‬ ‫ومن الناحية الجيولوجية ‪ ,‬امتازت البالد بوجود* الرخام في أراضيها ؛ في أثينا ‪ ,‬وجزر‬
‫وناكسوس ‪ .‬لذا فقد استخدم* اليونانيون الرخام في صنع تماثيلهم ‪ ,‬وبناء معابدهم* ‪ .‬وكانت هذه‬
‫الظاهرة من أهم مميزات العمارة اليونانية ‪ (.‬قادوس ‪2007 ,‬م )‬
‫وأدت العوامل الجغرافية المحيطة بهم إلى‬
‫أن اإلغريق انشغلوا بالحياة الدنيوية ‪ّ .‬‬
‫وترى* الباحثة ّ‬
‫قلة األثاث المتبقي المستعمل في حياتهم اليومية ‪ .‬كما اتسمت بيوتهم ببساطة األثاث المستخدم ‪.‬‬

‫‪ ‬العوامل الدينية والعقائدية ‪:‬‬

‫اآللهة‬ ‫اعتقد اإلغريق أن لكل قوة من قوى* الطبيعة إلهاً يوجهها* ‪ ,‬وكانوا* يعتقدون أن هذه‬
‫عواطف وغرائز‬ ‫تسكن جبل ( األولمب ) ‪ ,‬وجعلوها على صورة البشر ‪ .‬كما اعتقدوا أن لها‬
‫إنسانية ‪ ,‬تمتاز بالعظمة و النبل ‪ .‬وأصبحت المثالية اإلغريقية هي الوصول إلى الفردية الكاملة ‪.‬‬
‫ومن هنا جاء االهتمام باأللعاب الرياضية ‪ ,‬والفنون األخرى ‪.‬‬
‫( األلفي ‪1977 ,‬م )‬
‫ويوضح* قادوس ( ‪2007‬م ) أن الدين عند اليونان يعتمد أساساً على عبادة الظواهر* الطبيعية ‪,‬‬
‫وكان لكل بلد أو إقليم مقاطعة عبادة معينة ‪ ,‬وأعياد خاصة بها ‪ .‬كما وجدت أيضاً عبادة األبطال ‪.‬‬
‫ويعتقدون أن لكل قوة من القوى الطبيعية إلهاً يسيطر* عليها ؛ فالشمس إله ‪ ,‬والقمر إله ‪ ,‬وكذلك لكل‬
‫الظواهر* السماوية كالبرق ‪ ,‬والرعد ‪ ,‬والمطر ‪ ,‬والهواء ‪ .‬وكانوا يمثلون اآللهة بتماثيل آدمية ‪,‬‬

‫‪30‬‬
 ‫ويعتقدون أن آللهتهم لها عواطف مثل اإلنسان ؛ أي ‪ :‬أنها تحب ‪ ,‬وتتزوج* ‪ ,‬وتنجب ‪ ,‬وتفرح ‪,‬‬
‫وتتألم* ؛ ولكنها ال تموت ‪ ,‬بل تعيش لألبد ‪ .‬وكان للدين تأثير كبير على اإلغريق ؛ فيما ظهرت‬
‫بوضوح* في معابدهم ‪ .‬ويرجع* هذا التأثير الى أنهم كانوا ينظرون* إلى الدين نظرة فلسفية عميقة ‪.‬‬
‫دت عدة آلهة ‪ ,‬منها ‪ :‬زيوس كبير اآللهة ‪ ,‬وهيرا زوجة زيوس ‪....‬وغيرهم من اإللهة ‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ووج ْ*‬
‫وترى* الباحثة أن اإلغريق اهتموا ببناء المعابد ‪ ,‬وتصوير وتجسيم* اآللهة ‪ ,‬أكثر من اهتمامهم‬
‫بصناعة األثاث ؛ مما أدى الى وجود األثاث المتنوع ‪ ,‬والمبتكر* ‪ ,‬والبسيط* في خطوطه ‪.‬‬

‫‪ ‬العوامل السياسية و االقتصادية و االجتماعية ‪:‬‬

‫تعرضت اليونان لغزو متكرر* من الفرس في القرن الخامس ق ‪ .‬م ‪ ,‬وكانت نتيجة هذه‬
‫َأن ُهزم الفرس أمام اإلغريق في عدة مواقع برية وبحرية ؛ جعلت اإلغريق يمجدون هذه‬
‫الغزوات ْ‬
‫االنتصارات ‪ .‬ثم ازدهرت أثينا ِإبَّان حكم بركليس ‪ (.‬قادوس ‪2007 ,‬م )‬
‫ظمت المستعمرات* في مدن مستقلة ؛ لها حكومات تراوحت بين حكم االستبداد* ‪ ,‬أو‬ ‫وقد* ن ِّ‬
‫ُ‬
‫الديمقراطية ‪ .‬وقد* تسارع الدافع نحو الديمقراطية بين مجموعة من المدن ‪ ,‬بعد أن ترابطت‬
‫واتحدت لرد الغزو الفارسي ‪ .‬وتركزت إنجازات الديمقراطية في أثينا تحت‬
‫قيادة بيرايسلز* خالل الفترة الكالسيكية ؛ حيث بلغت أثينا فيها أوج غناها ‪ ,‬وقادت‬
‫نشاطاً* غير معهود* في مجال البناء واإلنجازات ؛ في الفن الهيلليني ‪ ,‬وفن العمارة ‪.‬‬
‫وبعد الحرب البيلوبونيسية بين إسبارطة و أثينا ‪ ،‬أصبحت السيطرة في يد‬
‫إسبارطة ؛ األمر الذي جعل المدن األخرى تحاول اتخاذ دور سياسي ‪ .‬وخالل هذه الفترة فرضت*‬
‫مقدونيا اتحاداً فيدرالياً بقيادة فيليب المقدوني ‪ ,‬الذي وحد اليونان ‪ .‬و قد‬
‫قام اإلسكندر* األكبر بقهر الغزو الفارسي ‪ ,‬واستعادة المستعمرات تحت حكم اليونان‬
‫من جديد ؛ في مصر ‪ ،‬وسوريا ‪ ,‬وبرجام ( بلد عريق في آسيا الصغرى ) ‪,‬‬
‫وكنتيجة لذلك ‪ :‬تطور الفن الهيلليني ‪ .‬وقد قاد التقدم االقتصادي* في القرن الثامن بعد‬
‫الميالد توسعاً في عدة مجاالت ؛ منها الهجرة المكثفة ‪ ,‬واالستعمار* الذي تأسس في‬
‫جنوب إيطاليا وسيسيليا* ‪ .‬و هنا كانت هذه المستعمرات* متحررة من تقاليد مواطنها* ‪.‬‬
‫هذا الدافع أثر تأثيراً كبيراً في فنون اإلغريق ‪ .‬وأيضاً ‪ :‬وكان لقدرة هذه المستعمرات* على التجارة‬
‫بعدد محدود* من المواد الزراعية االصطناعية ‪ ،‬دوراً في التوسع الصناعي‬
‫في اليونان ‪ .‬باإلضافة إلى أن الشرق كان يبذل وسعه لجذب االهتمامات‬
‫التجارية نحوه ‪ ،‬ولكن بعض العناصر* التجميلية كانت مقبولة ‪) Blake . 2006 ( .‬‬

‫‪31‬‬
‫أما من الناحية االجتماعية ؛ فقد اشتهرت الشعوب اإلغريقية بحبها ‪ ,‬وتمسكها* بالطقوس الدينية‬
‫‪ .‬واتضح ذلك في أعيادهم ‪ ,‬واحتفاالتهم ‪ .‬وقد* ولعت هذه الشعوب بالموسيقى*‬
‫والفنون المختلفة ‪ ,‬واأللعاب الرياضية ‪ ,‬التي كان لها الطابع العالمي ؛ مثل ‪ :‬األلعاب‬
‫األوليمبية التى بدأت في أوليمبيا* عام ‪776‬ق‪.‬م واستمرت* حتى الوقت الحالي ‪ .‬لذلك‬
‫قامو*ا بتشييد المسارح البسيطة ‪ ,‬وهي ‪ :‬عبارة عن مكان محاط بالمقاعد ‪ ,‬لمشاهدة‬
‫االستعراض ؛ حيث كانت المقاعد السفلية من الرخام ‪ ,‬والصفوف التي تليها‬
‫من الخشب ‪ ,‬وفي* أعلى المدرجات كانت مقاعد منحوتة في األرض ‪ .‬وفي* بعض‬
‫المسارح كانت الصفوف األمامية تخصص للطبقات العليا من الكهنة ‪ ,‬والحكام ‪ ,‬والموظفين‬
‫الرسميين ‪ .‬وكانت مقاعدهم تختلف عن باقي المقاعد ؛ حيث كانت لها مساند ‪,‬‬
‫وفي* بعض األحيان كانت أسماء كبار المشاهدين تكتب على هذه المقاعد ‪.‬‬
‫أما األماكن الرياضية فكانت عبارة عن مبنى طويل به مدرجات من الطين ‪ ,‬وبعد ذلك أصبحت‬
‫تبنى من الرخام ‪ ,‬واألحجار ‪ (.‬قادوس ‪2007 ,‬م )‬
‫وترى* الباحثة أن تطور* فنون العمارة في هذه الفترة أثَّر على أشكال طرز*‬
‫األثاث ؛ حيث كانت صناعة بعض كراسي* العرش تالئم المكانة المرموقة للملوك واألمراء ‪.‬‬
‫كما ساعد التقدم االقتصادي* على توفر الخامات المناسبة لصناعة أشكال مختلفة من‬
‫األثاث ؛ ليالئم متطلبات حياتهم ‪ .‬ولشدة ولع الشعب اإلغريقي بالفنون المختلفة ‪ ,‬قام الصانع‬
‫اإلغريقي بصنع أشكال مختلفة من األثاث ؛ حتى يتناسب مع المكانة ‪ ,‬والمكان الذي تقام فيه‬
‫الطقوس المختلفة ؛ مثل ‪ :‬تنوع صناعة الكراسي في مدرجات المسارح ‪.‬‬

‫‪32‬‬