Professional Documents
Culture Documents
بحث د. عمر العزاوي
بحث د. عمر العزاوي
411 مجلة كلية القانون الكويتية العالمية -السنة السابعة -العدد - 2العدد التسلسلي - 26شوال 1440هـ -يونيو 2019م
منهجية التقنين في النظم القانونية المقارنة :نماذج تطبيقية في القوانين المدنية
املقدمة
-1توطئة:
إن الشرائع القانونية التي تتقاسم حكم العالم تتمثل في الشريعة الالتينية ،التي تعود
جذورها إلى القانون الروماني ،وجتد امتداداتها في القانون الفرنسي والتقنينات املدنية
التي تبعته ،كما تتمثل في الشريعة اجلرمانية التي ُتطبق في أملانيا والنمسا ،والشريعة
األجنلوأمريكية املطبقة في إجنلترا وأمريكا ،والشريعة اإلسالمية التي كان العالم اإلسالمي
يتحاكم إليها ومازال لها دور مؤثر في بعض التقنينات العربية واإلسالمية( .)1ويسود
على نطاق واسع بأن الشريعة اجلرمانية تقترب في منهجية التقنني من الالتينية؛ حيث
صنَّف العالمة السنهوري -رغم اهتمامه بالشريعة اجلرمانية -الشرائع الكبرى التي
حتكم القانون املدني املقارن إلى ثالثٍ فقط هي :اإلسالمية ،الرومانية واإلجنليزية(.)2
وفي هذا النطاق ،فقد أُثيرت بعض املسائل ذات العالقة بالفقه اإلسالمي ،فاملنهج الالتيني
طرحت حوله شبهات تربط أساسه بالفقه اإلسالمي ،وقد يتقارب األخير مع منهج
السوابق القضائية من حيث ابتعاده عن التقنني ،واقترابه من املنهج القضائي في مراحل
تطوره األولى إلى الوقت الذي تبنت فيه بعض التقننيات املدنية العربية منهجية «تقنني
الفقه اإلسالمي» متبعة خطى «املنهج التشريعي».
ومهما يكن من أمر ،فإن موقف التقنيات املدنية من التقنني ميكن رده إلى منهجني
وتثِّل ُه
رئيسني ،هما :املنهج التشريعي ،ومتثِّل ُه الشريعة الالتينية ،واملنهج القضائي ،مُ
الشريعة األجنلوأمريكية ،فضالً عن أنظمة مزدوجة « »Mixed Legal Systemتخلط بني
النظامني «الالتيني واألجنلوسكسوني» « ،»Common Law & Civil Lawو ُيطلق عليه
النظام «املقنن وغير املقنن» )3(»Codified & Uncodified« ،ومن تطبيقاته النظم القانونية
في كل من والية لويزيانا األمريكية ومالطا والفلبني ومقاطعة كيبك في كندا ،كما ورد
((( عبد السميع عبد الوهاب أبو اخلير ،ورقة عمل تقدم بها إلى ورشة عمل بعنوان «األسلوب األمثل ملقارنة
الفقه اإلسالمي بالتشريعات الوضعية» ،تقدمي ومناقشة د .جاسم علي سالم الشامسي ،مجلة الشريعة
والقانون ،جامعة اإلمارات العربية املتحدة ،ع ،12فبراير ،1999ص.413
((( نادية السنهوري وتوفيق الشاوي ،عبد الرزاق السنهوري من خالل مذكراته الشخصية ،ط ،1الزهراء
لإلعالم العربي ،القاهرة ،1988 ،مذكرة رقم ،56كتبت في ليون 27ديسمبر ،1922ص .81في حني ورد
عن د .السنهوري في موضع آخر رأي يقضي بتقسيم رباعي يتمثل في اآلتي :القوانني الالتينية (القانون
الفرنسي) ،والقوانني اجلرمانية (القانونان األملاني والسويسري) ،والقانون اإلجنليزي ،والشريعة
اإلسالمية ،راجع :د .عبد الرزاق السنهوري ،وجوب تنقيح القانون املدني املصري وعلى أي أساس
يكون هذا التنقيح ،مبناسبة العيد اخلمسيني للمحاكم األهلية ،مقاالت وأبحاث د .عبد الرزاق السنهوري،
عدد خاص (ج ،)1مجلة القانون واالقتصاد ،كلية احلقوق ،جامعة القاهرة.1992 ،
(3) William Tetley, Mixed Jurisdictions: Common Law v. Civil Law (Codified and Uncodified), Lou -
sian Law Review, Vol. 60, no.3 (Spring 2000).
مجلة كلية القانون الكويتية العالمية -السنة السابعة -العدد - 2العدد التسلسلي - 26شوال 1440هـ -يونيو 2019م 412
د .عمر صالح العزاوي
املزج بني أحد النظامني سالفي الذكر ،والنظام القانوني اإلسالمي ،ومن هذه التطبيقات
ما هو معمول به في ماليزيا ونيجيريا( ،)4ونرى أن إمارة دبي ستسير على هذا النهج في
املستقبل؛ من خالل إنشاء محاكم محلية تعمل بنظام السوابق القضائية ( )DIFCفي ظل
نظام قانوني عام تبنى املنهج التشريعي منذ تأسيسه.
-3منهج البحث:
يقوم البحث على اجلمع بني املنهجني التحليلي والوصفي القائمني على االستقراء ،فضالً عن
املنهج املقارن ،وذلك على النحو التالي • :حتليل الظاهرة محل الدراسة وبيان كيفية تطورها
واتساع نطاقها أو انحسارها من نظام قانوني آلخر • .تتبع واستقراء التطبيقات القانونية
والفقهية في النظم القانونية محل الدراسة ومقارنتها مع بعضها البعض؛ الستخالص
النتائج والتوصيات •.مقارنة املسائل محل الدراسة باتباع املنهج املقارن بني النظم القانونية
من جهة ،والفقه اإلسالمي من جهة أخرى ،سعيا ً الستخراج أوجه التماثل والتباين.
-4خطة البحث:
قسمت البحث إلى :مقدمة ،ومبحثني على النحو اآلتي:
َّ
املبحث األول :املنهج التشريعي في النظام القانوني الالتيني
املبحث الثاني :املنهج القضائي في النظام القانوني األجنلوأمريكي
((( تعتمد ماليزيا على النظام املختلط أو املزدوج من خالل املزج بني مصادر القانون وبني التشريعات املقننة
والشريعة العامة » «Common Lawوفقا ً للمنهج القضائي ،راجع للتفصيل:
Vernon Valentine Palmer and Mohamed Y. Mattar and Anna Koppel, Mixed Legal Systems: East and
West, Ashgate Publishing Co., Burlington, USA, 2015, p.279.
413 مجلة كلية القانون الكويتية العالمية -السنة السابعة -العدد - 2العدد التسلسلي - 26شوال 1440هـ -يونيو 2019م
منهجية التقنين في النظم القانونية المقارنة :نماذج تطبيقية في القوانين المدنية
املبحث األول
املنهج التشريعي في النظام القانوني الالتيني
م َّرت حركة التقنني في الدول األوروبية بحقبات زمنية عديدة ،وساهمت عدة عوامل في
تطور القواعد القانونية العرفية وحتولها إلى قواعد قانونية مكتوبة بالشكل الذي هي
عليه اليوم ،ثم انتقلت من التقنينات الغربية إلى القوانني العربية وتأثرت بها ،كما كان
لتطور املذاهب اإلسالمية وفكرة التدوين دور في تبني تلك القوانني للمنهج التشريعي،
وثارت شبهات حول تأثر املنهج التشريعي بالفقه اإلسالمي أو العكس.
ولتناول ما تقدم ،فإننا نخصص املطلبني التاليني :األول في حركة التقنني في القوانني
املقارنة ،والثاني في شبهة التأثير املتبادل بني الفقه اإلسالمي والنظام الالتيني.
املطلب األول
حركة التقنني في القوانني املقارنة
ُينسب لالجتاه الالتيني وعمدته النظام القانوني الفرنسي ،تطور فكرة التقنني وانتشارها
حول العالم ،مبا فيها الدول العربية ،والتي تباينت في منهجية تقنني القواعد القانونية من
حيث متسك بعضها بالفقه اإلسالمي قدر املستطاع بدرجات متفاوتة ،وهو ما سوف
نتناوله في فرعني مستقلني :نخصص األول للقوانني الغربية ،والثاني للقوانني العربية.
الفرع األول
تطور التقنني في القوانني املدنية الغربية
أوالً -نواة املنهج التشريعي:
انتقلت نواة التشريع األولى من اليونان إلى الرومان ،وأطلق مصطلح الفقه الروماني
على القواعد القانونية لألمة الرومانية في العصور املختلفة منذ نشأتها وحتى وفاة
«جستنيان» ،قبل ظهور اإلسالم بنصف قرن تقريبا ً( .)5لقد نشأ القانون الروماني نشأة
عرفية ،فلم يكن للتشريع إال دور ثانوي في تكوين القاعدة القانونية خالل العصرين
امللكي واجلمهوري ،إذ إن التشريعات التي صدرت خالل هذه الفترة كانت ألسباب
سياسية ،وفي العصر اإلمبراطوري أصبح التشريع هو املصدر األساسي لتطوير
((( مصطفى الرافعي ،تاريخ التشريع والقواعد القانونية ،ط ،1الشركة العاملية للكتاب ،بيروت ،1993 ،ص.18
مجلة كلية القانون الكويتية العالمية -السنة السابعة -العدد - 2العدد التسلسلي - 26شوال 1440هـ -يونيو 2019م 414
د .عمر صالح العزاوي
القواعد القانونية( ،)6إذ كان للرومان اهتمام كبير بالتقنني وأشهر مجموعاتهم األولى
(األلواح االثني عشر) التي مت جتميع القواعد العرفية فيها عام 452ق.م ،من قبل هيئة من
احل َّكام ومت إخراجها من سريتها إلى الناس؛ لتصبح علنية فيحيطون بها علما ً(.)7
وللسيطرة على الفوضى التي اتسم بها الوضع القانوني في روما آنذاك ،قام اإلمبراطور
جستنيان بوضع مجموعة قانونية مدنية مكتوبة ،تتمثل في مجموعة الدساتير
اإلمبراطورية Codexومجموعة النظم Institutesواملوسوعة Digestsومجموعة
الدساتير اجلديدة ،)8( Norellesوهي عبارة عن تثبيت وجتميع للقواعد الرومانية
السائدة آنذاك ،وقد مت إجناز ذلك التقنني في ست سنوات؛ إلنقاذ الناس من الظلم بسبب
اجلهل بالقواعد العرفية ،ومن سوء معاملة العارفني بهذه القواعد ومحتكريها؛ ولتحقيق
املساواة بالعلم بالقانون ،مما كان له األثر العظيم في نشر العدالة التي اعتمد عليها العالم
املتمدن الحقا ً في بناء شرائعه املدنية(.)9
وأهم ما يمُ يِّز قانون جستنيان ،هو تقسيم االلتزامات من حيث مصدرها إلى :التزامات
ناشئة عن العقد كالبيع ،وأخرى ناشئة عن شبه العقد كالوصية ،والتزامات ناشئة عن
جرمية كالسرقة ،وأخرى ناشئة عن شبه اجلرمية ومصدرها الفعل الضار( .)10و ُيستدل
من ذلك أن التقسيمات الواردة انتقلت عبر حركة التقنني إلى القوانني التي أصدرها
نابليون في فرنسا ،إذ تعد املجموعات الفرنسية التي سميت مبجموعات نابليون احلدث
األول من نوعه في هذا املضمار( ،)11خاصة التقنني املدني الذي صدر في 21مارس ،1804
حيث يعد بداية حلركة التقنني في القوانني احلديثة ،وأخذت معظم نصوصه من املبادئ
القانونية التي كانت سائدة في فرنسا ومن كتب الفقيهني املشهورين (دوما) و (بوتيه) ثم
صدر التقنني التجاري البحري عام ...1807إلخ( ،)12حتى وصف البعض هذا التقنني أنه
((( علي محمد جعفر ،نشأة القوانني وتطورها :مدخل لدراسة القوانني القدمية -القانون الروماني -
الشريعة اإلسالمية ،ط ،1املؤسسة اجلامعية ،بيروت ،2002 ،ص.184
((( علي غالب الداودي ،املدخل إلى علم القانون ،ط ،1دار وائل ،عمان ،األردن ،2004 ،ص.143
(8) Arthur Schiller, Roman Law: Mechanisms of Development, Mouton Publishers, Malta, 1978,
Pp.29-31.
((( علي غالب الداودي ،مرجع سابق ،ص143
( ((1غسان رباح ،الوجيز في القانون الروماني والشريعة اإلسالمية ،منشورات احللبي احلقوقية ،ط،1
بيروت ،2007 ،ص.146-140
(11) Jacqueline Moreau-David, Code civil français et Code civil qatarien: regards sur la codification,“the
Qatari Civil Code in its First Decade”, A legal Confrence 23-24 November 2014, Collage of law,
Qatar University, Doha, p.206.
( ((1علي غالب الداودي ،مرجع سابق ،ص ،143كذلك راجع.Jacqueline Moreau-David, op.cit., p.205 :
415 مجلة كلية القانون الكويتية العالمية -السنة السابعة -العدد - 2العدد التسلسلي - 26شوال 1440هـ -يونيو 2019م
منهجية التقنين في النظم القانونية المقارنة :نماذج تطبيقية في القوانين المدنية
مجلة كلية القانون الكويتية العالمية -السنة السابعة -العدد - 2العدد التسلسلي - 26شوال 1440هـ -يونيو 2019م 416
د .عمر صالح العزاوي
قانونا ً مدنيا ً عام 1808متأثرا ً بالقانون املدني الفرنسي ،والذي أ َّثر الحقا ً في القانون
املدني لوالية نيويورك(.)20
من جانب آخر ،فقد ساهمت املدارس الفلسفية القانونية في تطور حركة التقنني ،وإثراء
التقنني املدني الفرنسي ،والذي لم يكن إال نتيجة منطقية للمذهب التقليدي في القانون
الطبيعي ،والذي يقضي بأن مصدر القانون هو األمة ،فمادام القانون الطبيعي ثابتا ً
ال يتغير ،فإن التقنني ال يتنافى مع ذلك؛ حيث ميكن للعقل البشري أن يكشف القانون
سجله في كتاب ،وال خوف على القانون من أن يصيبه اجلمود( ،)21أما مدرسة
الطبيعي و ُي ِّ
«الشرح على املتون» فكان لها دور مؤثر ،فاملنت هو النص الوضعي ،وبصفة أدق هو
التقنني املدني الفرنسي ( ،)1804والذي نتج عنه اعتقاد راسخ بفكرتني:
الفكرة األولى تتمثل في كمال التشريع ،حيث اعتبر التشريع كامالً ال نقص فيه ،ولذا
يعد املصدر الوحيد للقانون( ،)22فقالوا تبعا ً لذلك بضرورة التخلص من املصادر الكاذبة،
وفي مقدمتها :السوابق القضائية والعادات غير املنصوص عليها في التقنني(.)23
وأما الفكرة الثانية فتتمثل في واجب احملافظة على التقنني؛ باعتباره املصدر الوحيد
للتأويل وذلك باتباع منهجية معينة ،تتلخص بالتقيد بالنص في حالتي غموضه أو
غيابه ،عبر التحليل اللفظي؛ لفهم املعنى الصحيح باعتماد اللغة والقواعد النحوية؛
للبحث عن املعنى املقصود ،فإن تعذر ذلك ُيصار إلى التحليل القصدي ،بااللتجاء إلى
البحث عن قصد املش ِّرع ونيته؛ لسد النقص والثغرات التي وجدت في التقنني ،ليبقى
متمتعا ً بصفة الكمال(.)24
أما املدرسة التاريخية املعارضة للتقنني بزعامة الفقيه سافيني ( )Savignyوالتي أثبتت
أن القانون كائن حي ينمو ويتطور ،وهو أكثر مرونة من أن يعيش في نصوص جامدة،
مادامت احلياة في تطور مستمر ،وهذه احلقيقة وإن كانت ال تنسجم مع التقنني إال أنها
ال تصطدم معه( ،)25حيث ميكن وضع تقنينات تتسم باملرونة وتواكب التطورات ،وهو
ما تنبَّه إليه املش ِّرع الفرنسي ،فكانت صياغته ألحكام املسائل العملية تنطوي على قدر
(20) A.N. Yiannopoulos, Op. Cit., p.12.
( ((2محمود جمال الدين زكي ،دروس في مقدمة الدراسات القانونية ،ط ،2املطابع األميرية ،القاهرة،1969 ،
ص.62-61
( ((2محمد كمال شرف الدين ،النظرية العامة للقانون -النظرية العامة للحق ،ط ،1مجمع األطرشي للكتاب
املتخصص ،تونس ،2017 ،ص.172
( ((2سمير عبد السيد تناغو ،النظرية العامة للقانون ،منشأة املعارف ،اإلسكندرية ،1974 ،ص.749
( ((2محمد كمال شرف الدين ،مرجع سابق ،ص.172
( ((2عبد الرزاق السنهوري ،وجوب تنقيح القانون املدني املصري ،مرجع سابق ،ص.41
417 مجلة كلية القانون الكويتية العالمية -السنة السابعة -العدد - 2العدد التسلسلي - 26شوال 1440هـ -يونيو 2019م
منهجية التقنين في النظم القانونية المقارنة :نماذج تطبيقية في القوانين المدنية
كبير من املرونة ،مبا يسمح لها أن تتطور من خالل التطبيق والتفسير ،فتتماشى مع
مقتضيات احلياة العملية وتطورها(.)26
وبرغم ما مت ذكره في مساهمة املذاهب الفلسفية القانونية في تطور حركة التقنني،
وانعكاساتها على التقنني الفرنسي ،إال أن مدرسة البحث العلمي احلر( )27ورائدها الفقيه
جني ( )Genyكان له احلصة األكبر في تطور منهجية التقنني في العصر احلديث ،من
خالل جملة من أبحاثه ،كان آخرها كتابه الذي يحمل عنوان “العلم والصياغة في القانون
اخلاص”( )28حني ف َّرق بني صناعة القضاء وصناعة الفقه وصناعة التشريع وصناعة
التقنني ،وهذه األخيرة ميكن النظر إليها من ناحيتني داخليتني :األولى تعنى باإلجراءات
وهي أفضل السبل التي تتبع في إجراءات التقنني ،والثانية تعنى باملادة التشريعية(.)29
وقد انعكست تلك األفكار على طبيعة النظام الالتيني املعاصر ،والذي يتبع منهج
التشريع ،فبات يستند إلى قواعد قانونية واضحة؛ ولهذا ظهر التمييز بني القانونني العام
واخلاص ،في حني أن النظام القانوني غير املقنن يعتمد على تقسيمات احملاكم العامة
ومحاكم العدالة؛ ولذا يهتم النمط األول بالقانون املوضوعي املن ِّظم للعالقة فيما بني
األفراد أي «املعامالت املدنية» ،بخالف النمط الثاني الذي يهتم بالقانون اإلجرائي مثل
قانوني املرافعات واإلثبات(.)30
وميتاز املنهج التشريعي وفي مقدمته التقنني املدني الفرنسي مبزية التمييز بني دائرة
التشريع ودائرة الفقه ،فلم يجاوز الدائرة األولى إلى الثانية ،ولم يتخذ موقفا ً معينا ً من
النظريات الفقهية واملذاهب الفلسفية ،فحذف واضعوه ثالثا ً وثالثني مادة من املشروع
تخوض في مذاهب فلسفية ،ومنها مذهب القانون الطبيعي(.)31
وفي خضم تلك التطورات كانت الدول العربية في طور التكوين واالستقالل ،وبدأت
حركة التقنينات املدنية تنشط فيها ،فتباينت توجهات مش ِّرعيها ،واتسعت دائرة التفكير
بإصدار قوانني مدنية حديثة على خطى املشرع الفرنسي ومنهجه في التشريع.
( ((2عبد الرزاق السنهوري ،من مجلة األحكام العدلية إلى القانون املدني العراقي وحركة التقنني املدني في
العصور احلديثة ،مقاالت وأبحاث األستاذ الدكتور عبد الرزاق السنهوري ،عدد خاص (ج ،)1مجلة
القانون واالقتصاد ،كلية احلقوق ،جامعة القاهرة1992 ،م ،ص. 278
( ((2محمود جمال الدين زكي ،مرجع سابق ،ص68؛ محمد كمال شرف الدين ،مرجع سابق ،ص.172
(28) F. GĒNY, Science et Technique en droit privé positif, SIREY, Paris, 1910.
( ((2عبد الرزاق السنهوري ،وجوب تنقيح القانون املدني املصري ،مرجع سابق ،ص. 98-97
(30) William Tetley, op. cit., Pp.706-707.
( ((3عبد الرزاق السنهوري ،من مجلة األحكام العدلية إلى القانون املدني العراقي ،ج ،1ص278
مجلة كلية القانون الكويتية العالمية -السنة السابعة -العدد - 2العدد التسلسلي - 26شوال 1440هـ -يونيو 2019م 418
د .عمر صالح العزاوي
الفرع الثاني
انتقال التقنني إلى القوانني املدنية العربية
من األمر املقطوع به أن التقنني بصورته احلديثة لم يكن معروفا ً في تاريخ الفقه اإلسالمي
والقضاء قبل أواخر احلكم العثماني ،حيث كان القضاة يتصدون للنظر في القضايا
يترجح لديهم .وهذا يعني أنهم كانوا يطبقونَّ باالجتهاد في الدالئل والوقائع بحسب ما
«املنهج القضائي» وفقا ً لضوابط الفقه اإلسالمي ،وهو منهج يقترب من فكرة السوابق
القضائية ،حيث يعمد القاضي إلى البحث في كتب الفقه املعتمدة لديه؛ الستنباط احلكم وهو
غالبا ً ما يكون محكوما ً بالراجح من األقوال ،التي تعد مبثابة سابقة فقهية يقتضي اخلروج
عليها ضوابط منهجية محددة ،تخضع في مجملها لقواعد أصول الفقه اإلسالمي(.)32
ومبرور الزمن كانت حركة التقنني تنمو وتتطور في الدول العربية ،ويرجع ذلك إلى
أمرين :األول هو نشاط حركة التأليف والتدوين في مذاهب الفقه اإلسالمي ،وإنشاء
املدونات الفقهية ،وطرح فكرة إلزام القضاة بتطبيق بعض تلك املدونات وفقا ً ملنهجية املذهب
اآلحادي كالفتاوى الهندية ،مجلة األحكام الشرعية احلنبلية ،ومجلة األحكام الشرعية
املالكية ،ومجلة األحكام العدلية وغيرها( ،)33واألمر الثاني هو انتشار الفقه القانوني الغربي
وحتديدا ً الالتيني ،حيث ساهمت الدول الغربية التي نشطت فيها حركة التقنني ،بوضع
تقنينات لبعض الدول العربية قبل استقاللها ،بغية نقل نظمها القانونية إليها(.)34
ويرى العالمة السنهوري أن النظم القانونية التي كانت سائدة في الوطن العربي خالل
احلقبة التي سبقت صدور التقنينات احلديثة فيه تعود إلى ثالث طوائف :األولى قانونها
املدني غير مكتوب وفي مقدمتها اململكة العربية السعودية وتطبق املذهب احلنبلي ،واليمن
وتطبق املذهب الزيدي ،والثانية قانونها املدني ،هو تقنني الشريعة اإلسالمية في املذهب
احلنفي «مجلة األحكام العدلية» التي أصدرتها الدولة العثمانية ،فتطبقها البالد التي كانت
تقع حتت حكمها ،واستمر العمل بها بعد انهيار الدولة العثمانية ،وهي سورية والعراق
وفلسطني واألردن وليبيا ،والثالثة ،قانونها املدني مقتبس من القانون املدني الفرنسي
وتشمل مصر ولبنان وتونس واجلزائر ومراكش(.)35
( ((3هيثم بن فهد الرومي ،الصياغة الفقهية في العصر احلديث :دراسة تأصيلية ،ط ،1دار التدمرية ،الرياض،
،2012ص.395
( ((3محمد عبد العزيز الفايز ،تقنني األحكام القضائية ،ط ،1مؤسسة اجلريس ،الرياض1431 ،هـ ،ص 42وما بعدها.
( ((3هيثم الرومي ،مرجع سابق ،ص.466
( ((3عبد الرزاق السنهوري ،القانون املدني العربي ،مرجع سابق ،ص.3
419 مجلة كلية القانون الكويتية العالمية -السنة السابعة -العدد - 2العدد التسلسلي - 26شوال 1440هـ -يونيو 2019م
منهجية التقنين في النظم القانونية المقارنة :نماذج تطبيقية في القوانين المدنية
اشتركت التقنينات العربية في معظمها بالتأثر بالفقه اإلسالمي على نحو متفاوت ،ونص
بعضها في مقدمته على أن الشريعة اإلسالمية من مصادر القانون ،بل وأنزل املشرع في
كثير من تلك التقنينات مبادئ الشريعة منزلة املبادئ الدستورية وتعد بالتالي من صلب
النظام العام ،ويترتب على ذلك أهمية كبيرة على الصعيد التشريعي من حيث دستورية
تلك التقنينات في حال مخالفتها لقواعد الشريعة اإلسالمية(.)36
وبناء على ما تقدم ،نرى أن التقنينات العربية من حيث تأثرها باملنهج التشريعي التابع
للنظام الالتيني من جانب ،ومنهج الفقه اإلسالمي من جانب آخر ،كانت على درجات
متفاوتة ،وميكن تصنيفها على النحو اآلتي:
مجلة كلية القانون الكويتية العالمية -السنة السابعة -العدد - 2العدد التسلسلي - 26شوال 1440هـ -يونيو 2019م 420
د .عمر صالح العزاوي
وتطبيقا ً ملا تقدم ،نصت املادة ( )535من املجلة التونسية على اآلتي« :إذا تعذر احلكم بنص
صريح من القانون اعتبر القياس ،فإن بقي شك جرى احلكم على مقتضى القواعد العامة
للقانون».
ويعني ذلك أن التشريع هو املصدر الشكلي األساسي ،فإن غاب جرى العمل بالقياس
على التشريع املوجود ذاته ،وإن بقي شك مت تطبيق «القواعد العامة للقانون»( )38وكذلك
استبعدت املجلة املغربية ما يقابل املادة ( )535الواردة في املجلة التونسية ،فلم يرد ذكر
للفقه اإلسالمي كمصدر للقانون ،وطبَّق ذات املسلك في قانون املوجبات اللبناني؛ لتفادي
التعرض ملكانة الشريعة اإلسالمية في قانون قد ال يحتمل اخلوض في هذه املسألة؛ نظرا ً
لتعدد ديانات مواطنيها.
العائلة الثانية :تضم التقنني املدني املصري ،والتقنينات املدنية العربية التي انحدرت
منه ،مع تفاوت في درجات تأثرها به ،ومنها القانون املدني العراقي ( ،)1951والذي
وضعه العالمة السنهوري بتكليف من احلكومة العراقية( ،)39والقانون املدني الليبي
( ،)1953واجلزائري ( ،)1975والقانون املدني القطري ( ،)2004وغيرها ،وتعد مصر من
أوائل الدول العربية التي د َّونت تقنينها املدني منذ القرن التاسع عشر ،حتى استقر احلال
بصدور قانونها املدني احلالي في عام .1948
ولم تطبق مجلة األحكام العدلية في مصر؛ كونها لم تكن خاضعة لسيطرة العثمانيني ،وكان
أول تقنني مدني حديث يصدر فيها هو القانون املدني الصادر في 22سبتمبر ،1883والذي
وضع بالتعاون مع أحد احملامني اإليطاليني الذي كان يعمل قاضيا ً في محكمة اإلسكندرية
املختلطة باالشتراك مع محمد قدري باشا ،ومت وضعه باللغة الفرنسية أوالً ثم ترجم إلى
العربية ،وتأثر هذا القانون بالقانون الفرنسي وجتاهل النظريات الفقهية اإلسالمية مثل
التعسف في استعمال احلق ونص على مفهوم االستبدال في املادة ( )186وما بعدها بدالً
من نظرية احلوالة ،فضالً عن عيوب الصياغة التشريعية وعدم وضوح املصطلحات(،)40
لذا نقد ُه العالمة السنهوري بالقول« :ولم يقتصر التقنني املصري على نقل عيوب التقنني
الفرنسي ،بل زاد عليها عيوبا ً من عنده ..... ،ففي تقنينا املدني القدمي فضول واقتضاب،
()41
وفيه غموض وتناقض ،ثم هو يقع في كثير من األخطاء الفاحشة»..
421 مجلة كلية القانون الكويتية العالمية -السنة السابعة -العدد - 2العدد التسلسلي - 26شوال 1440هـ -يونيو 2019م
منهجية التقنين في النظم القانونية المقارنة :نماذج تطبيقية في القوانين المدنية
وأبرز سمات هذه العائلة املنحدرة من التقنني املدني املصري مع تأثير متفاوت بالفقه
اإلسالمي ،اآلتي:
−وضوح موقف هذه العائلة من اعتبار الشريعة اإلسالمية مصدرا ً شكليا ً احتياطيا ً
للتقنني ،عند غياب النص ،مع تنوع تلك املصادر وتباين ترتيبها من تقنني آلخر.
−محاولة املزج بدرجات متفاوته بني التقنينات الالتينية وحتديدا ً القانون الفرنسي
والفقه اإلسالمي ،باعتبار األخير أحد املصادر املادية الستمداد األحكام املوضوعية.
إن املنهج الذي اتبعه السنهوري في أول جتربة له ،وهي القانون املدني املصري هو منهج
التلفيق التشريعي من القوانني املدنية املقارنة والفقه اإلسالمي ،والقضاء املصري القدمي
وبعضها مستمد من أصول التينية وجرمانية وإسالمية ،يراه البعض غير مؤثر على
وحدة ومتاسك التقنني املذكور(.)42
وطبقا ً لإلعالن الدستوري املصري الصادر عام ،2011فإن الشريعة اإلسالمية مصدر
للتشريع ،إذ نصت املادة ( )2منه « :اإلسالم دين الدولة ،واللغة العربية لغتها الرسمية،
ومبادئ الشريعة اإلسالمية املصدر الرئيسي للتشريع» .وهذا النص نقل كما هو من
دستور 1971الساري حتى ثورة 25يناير ،والذي ُع ّطل العمل به مبقتضى اإلعالن
الدستوري الصادر في 13فبراير ،)43( 2011وكانت املناقشات قد أثيرت سابقا ً حول
هذا النص من خالل استخدام عبارة «مصدر رئيسي» أو «املصدر الرئيسي» للتشريع،
وكان هنالك مقترح إلضافة كلمة «الوحيد»( )44وقد استقر الرأي خالل وضع الدستور عام
1971على عبارة «مصدر رئيسي للتشريع» ثم ُع ِّدلت املادة املذكورة بتاريخ 22مايو 1980
لتصبح «املصدر الرئيسي للتشريع» ،والفرق واضح فالعبارة األولى ال متنع من وجود
مصادر أخرى للتشريع بخالف الثانية ،فكان ذلك تصحيحا ً لصياغة قانونية مهمة(.)45
وتطبيقا ً لذلك نصت املادة ( )1من القانون املدني املصري على اآلتي -1« :تسري
( ((4فايز محمد حسني ،أثر مشروع السنهوري في القوانني املدنية ،ندوة تطور العلوم الفقهية في نسختها
الثالثة عشرة حتت عنوان (الفقه اإلسالمي املشترك اإلنساني واملصالح) من 6إلى 9أبريل ،2014
منشورات وزارة األوقاف ،مسقط ،ص.24
( ((4حسن حسني البراوي ،تأثير الشريعة في القانون املدني القطري :دراسة مقارنة ،مجلة القانون الدولي،
كلية القانون ،جامعة قطر ،العدد ،2سنة ،2013ص.3
( ((4محمد عبد اجلواد ،بحوث في الشريعة اإلسالمية والقانون -تقنني الشريعة اإلسالمية ،ط ،1منشأة
املعارف ،اإلسكندرية ،1991 ،ص.20
( ((4محمد وفيق زين العابدين ،تطبيق الشريعة بني الواقع واملأمول ،ط ،3دار السالم ،القاهرة،2012 ،
ص .145علي جنيدة ،دور الشريعة اإلسالمية في القانون الوضعي ،املجلة القانونية والقضائية ،وزراة
العدل القطرية ،العدد ،1السنة ،9يونيو ،2015ص.68
مجلة كلية القانون الكويتية العالمية -السنة السابعة -العدد - 2العدد التسلسلي - 26شوال 1440هـ -يونيو 2019م 422
د .عمر صالح العزاوي
النصوص التشريعية على جميع املسائل التي تتناول هذه النصوص في لفظها أو في
فحواها -2 .فإذا لم يوجد نص تشريعي ميكن تطبيقه ،حكم القاضي مبقتضى العرف ،
فإذا لم يوجد ،فبمقتضى مبادئ الشريعة اإلسالمية ،فاذا لم توجد ،فبمقتضى مبادئ
القانون الطبيعي وقواعد العدالة».
ويقول السنهوري معلقا ً على هذا النص« :إن املش ِّرع املصري بالرغم من كل هذا ،لم
يخط خطوة حاسمة في جعل القانون املدني مشتقا ً في مجموعه من الفقه اإلسالمي،
فاليزال القانون املدني اجلديد ميثل الثقافة املدنية الغربية ال الثقافة القانونية اإلسالمية،
وإذا كان قد جعل الفقه اإلسالمي من بني مصادره الرئيسية ،فقد جعله يأتي في املكان
الثالث بعد النصوص والعرف ،)46( »..فالعرف وفقا ً لعلماء األصول ال يعمل به كمصدر
من مصادر التشريع إال حيث غاب النص من القرآن والسنة ،ولم يكن هنالك إجماع أو
قياس صحيح( )47هذا من ناحية ،ومن ناحية أخرى فإن العرف لم يع ِّرف ُه القانون ولم
يضع له ضوابط اشترطها الفقهاء ،منها أن يكون صحيحا ً غير مناقض ألحكام الشريعة
الثابتة واإلجماع والقياس الصحيح(.)48
رغم كل ما تقدم ،فإن بعض نصوص التقنني املدني املصري جاءت مخالفة ألحكام
الشريعة اإلسالمية نذكر بإيجاز منها اآلتي:
-1قبول زيادة التعويض االتفاقي عن حقيقة الضرر والواقع فعالً:
مبوجب املادة ( )225من القانون املدني املصري والتي تنص« :إذا جاوز الضرر قيمة
التعويض االتفاقي ،فال يجوز للدائن أن يطالب بأكثر من هذه القيمة ،إال إذا أثبت أن
املدين قد ارتكب غشا ً أو خطأ ً جسيما ً” ،فاشتراط مقدار التعويض في حال وقوع
الضرر أو قبل وقوعه من الشروط الفاسدة غير املعتبرة ،ملا فيه من الغرر واجلهالة،
إذ إن التعويض في الشرع يكون على قدر الضرر ،فمادام لم يتحقق الضرر فال محل
لتقدير التعويض مسبقاً ،وإذا ما جاوز الضرر قيمة التعويض االتفاقي ،جاز للدائن أن
يطالب بأكثر من هذه القيمة(.)49
-2السماح بتقاضي الفوائد القانونية واالتفاقية:
تطبيقا ً لنصوص املواد ( )226و( )227و( )228يحق للدائن تقاضي فوائد عن تأخر
( ((4عبد الرزاق السنهوري ،القانون املدني العربي ،مرجع سابق ،ص.7
( ((4محمد وفيق زين العابدين ،مرجع سابق ،ص.77
( ((4مصطفى الزملي ،أصول الفقه اإلسالمي في نسيجه اجلديد ،ط ،5اخلنساء للطباعة ،بيروت ،1999 ،ص.70
( ((4محمد وفيق زين العابدين ،مرجع سابق ،ص .78في حني أن قانون املعامالت املدنية اإلماراتي ذهب إلى
منح القاضي احلق بإعادة تقدير التعويض االتفاقي بناء على طلب أحد الطرفني ،راجع املادة (.)2/390
423 مجلة كلية القانون الكويتية العالمية -السنة السابعة -العدد - 2العدد التسلسلي - 26شوال 1440هـ -يونيو 2019م
منهجية التقنين في النظم القانونية المقارنة :نماذج تطبيقية في القوانين المدنية
مجلة كلية القانون الكويتية العالمية -السنة السابعة -العدد - 2العدد التسلسلي - 26شوال 1440هـ -يونيو 2019م 424
د .عمر صالح العزاوي
القانون الغربي كله أو بعضه؛ ألن من املمكن التخلص من الدخيل في هذه احلالة ،أما في
حال االندماج والتفاعل فإدراك احلدود بينهما صعب ...ويصبح الناجت من تفاعلها شيئا ً
()52
جديدا ً معقد التركيب تختلف خصائصه وصفاته عن كل من العنصرين املكونني له»
واستقى القانون املذكور مصادره من منابع ثالثة :مجلة األحكام العدلية ،والقوانني املدنية
العراقية األخرى التي كانت موجودة من قبل ،والقانون املدني املصري اجلديد(.)53
من حيث ترتيب مصادر القانون املذكور فقد نصت املادة ( )1منه على اآلتي – 1« :تسري
النصوص التشريعية على جميع املسائل التي تتناولها هذه النصوص في لفظها أو في
فحواها – 2 .فإذا لم يوجد نص تشريعي ميكن تطبيقه حكمت احملكمة مبقتضى العرف،
فإذا لم يوجد فبمقتضى مبادئ الشريعة اإلسالمية األكثر مالءمة لنصوص هذا القانون
دون التقيد مبذهب معني ،فإذا لم يوجد فبمقتضى قواعد العدالة( – 3 .)54وتسترشد
احملاكم في كل ذلك باألحكام التي أقرها القضاء والفقه في العراق ثم في البالد األخرى
التي تتقارب قوانينها مع القوانني العراقية» ،وهو الترتيب نفسه الذي اتبعه املش ِّرع
املصري من حيث جعل الشريعة اإلسالمية في املرتبة الثالثة ،فما قيل هناك يقال هنا.
ونرى أن منهجية املزج بني التقنينات املختلفة والتي اتبعت في القانون املدني العراقي لم
تكن موفقة بشكل كامل ،ونلتمس العذر فيها كونها احملاولة األولى ،ووصفها السنهوري
قائال« :جتربة من أخطر التجارب في تاريخ التقنني املدني احلديث»( )55ونورد مالحظتني
في النص أعاله:
-1إن مبادئ الشريعة اإلسالمية هي املصدر الرسمي الثالث بعد التشريع والعرف،
وفي هذا يتفق القانون املدني العراقي مع القانون املدني املصري.
-2إن النص يتضمن تفسيرا ً معينا ً ملبادئ الشريعة اإلسالمية التي يلجأ إليها القاضي،
إذ يقصد مببادئ الشريعة اإلسالمية ،املبادئ األكثر مالءمة لنصوص القانون املدني
العراقي هذا من ناحية؛ حتى تنسجم كليات القانون مع جزئياته وأال يتم تطبيق مبادئ
425 مجلة كلية القانون الكويتية العالمية -السنة السابعة -العدد - 2العدد التسلسلي - 26شوال 1440هـ -يونيو 2019م
منهجية التقنين في النظم القانونية المقارنة :نماذج تطبيقية في القوانين المدنية
الشريعة اإلسالمية إال تلك املالئمة لالجتاه العام وروح وفلسفة النصوص القانونية.
ومن ناحية ثانية ،لم ُيقيَّد دور القاضي في استنباط مبادئ الشريعة اإلسالمية من
مذهب فقهي واحد دون اآلخر ،بل مت منح القاضي سلطة تقديرية كبيرة في هذا الصدد،
إذ له استنباط مبادئ الشريعة اإلسالمية من جميع مذاهب الفقه اإلسالمي دون التقيِّد
مبذهب معني ،بشرط أن يكون ما يستخلصه مالئما ً لنصوص القانون(.)56
ثالثاً -قانون املعامالت املدنية اإلماراتي كتطبيق لتطور منهج التقنني في الفقه
اإلسالمي:
كانت املمكلة العربية السعودية وإمارات اخلليج منذ نشأتها محتفظة بنظامها القضائي
القائم على تطبيق الشريعية اإلسالمية ،باالستناد إلى املنهج الفقهي «غير املقنن» ،ولم
تعرف دولة اإلمارات العربية املتحدة تقنينا ً يرجع إليه قضاتها سوى الشريعة اإلسالمية
حتى صدور بعض التقنينات مثل قانون عقوبات أبوظبي ( ،)1970ومجموعة قوانني أم
القيوين ( ،)57()1971ثم أعقب ذلك قيام االحتاد ،وصدر قانون املعامالت املدنية لدولة
اإلمارات العربية املتحدة عام .1985وبعد جناح نسبي لفكرة السنهوري ،صدرت عدة
قوانني متأثرة بنهجه ومحاولة تالفي النقد الذي قيل بحق القانون املدني العراقي؛ فصدر
القانون املدني األردني املقتبس من مجلة األحكام العدلية في معظم نصوصه ،ثم صدر
قانون املعامالت املدنية اإلماراتي ،والذي يعد نسخة منقحة للقانون املدني األردني.
وجتدر اإلشارة إلى أن دستور دولة اإلمارات الصادر عام 1971قد نص في املادة ()7
منه على أن« :اإلسالم هو الدين الرسمي لالحتاد ،والشريعة اإلسالمية مصدر رئيسي
للتشريع فيه ،ولغة االحتاد الرسمية هي اللغة العربية» .وفي هذا تصريح لتبني املنهج
التشريعي وفقا ً ملنظور الفقه اإلسالمي.
ونتفق مع البعض في أنه طاملا أن املشرع نص على أن الشريعة اإلسالمية مصدر رئيسي
للتشريع ،سواء أضيفت إليها أداة التعريف أم لم تضف ،فإن الشريعة مصدر يبقى لها
العلو على سائر املصادر األخرى ،خاصة وأن املش ِّرع لم يذكر مصدرا ً رئيسيا ً آخر ،وكل
مصدر آخر ورد النص عليه في قانون يظل محكوما ً بالشريعة اإلسالمية التي أشار إليها
النص الدستوري(.)58
وتطبيقا ً لذلك جاء قانون املعامالت املدنية اإلماراتي متأثرا ً بالفقه اإلسالمي؛ ويظهر ذلك
مجلة كلية القانون الكويتية العالمية -السنة السابعة -العدد - 2العدد التسلسلي - 26شوال 1440هـ -يونيو 2019م 426
د .عمر صالح العزاوي
في جميع نصوصه وفي مقدمتها :نص املادة ( )1بقولها« :تسري النصوص التشريعية
على جميع املسائل التي تتناولها هذه النصوص في لفظها وفحواها ،وال مساغ لالجتهاد
في مورد النص القطعي الداللة .فإذا لم يجد القاضي نصا ً في هذا القانون حكم مبقتضى
الشريعة اإلسالمية ،على أن يراعي تخير أنسب احللول من مذهبي اإلمام مالك واإلمام
أحمد بن حنبل ،فإذا لم يجد فمن مذهبي اإلمام الشافعي واإلمام أبي حنيفة حسبما تقتضيه
املصلحة ،فإن لم يجد ،حكم القاضي مبقتضى العرف على أال يكون متعارضا ً مع النظام
العام أو اآلداب ،وإذا كان العرف خاصا ً بإمارة معينة فيسري حكمه على هذه اإلمارة».
املادة (« :)2يرجع في فهم النص وتفسيره وتأويله إلى قواعد وأصول الفقه اإلسالمي».
بعض املالحظات بشأن هذين النصني:
-1املصدر الرسمي واألول هو التشريع ثم الشريعة اإلسالمية ،وجعل لها األولوية دائما ً
على املصادر األخرى كالعرف ،ويقصد بالشريعة اإلسالمية هنا الفقه اإلسالمي ال
الشريعة في عمومها(.)59
-2ميل املش ِّرع إلى املذهبني املالكي واحلنبلي ،متاشيا ً مع واقع الدولة واملذهب السائد فيها
من خالل إعطاء األولوية ألنسب احللول في املذهبني على ما في غيرهما من املذاهب
عند غياب النص التشريعي ،لكن ذلك لم مينعه من تبنِّي وجهة نظر املذهب احلنفي
تشريعيا ً عندما جعل قانون املعامالت املدنية نسخة منقحة ومزيدة عن القانون املدني
األردني املتأثر بالفقه احلنفي( .)60لكن ذلك لم يكن بشكل مطلق ،فقد ظهر تأثر قانون
املعامالت املدنية بالفقه املالكي في أكثر من موضع منه في «رضائية عقد القرض» إذ
لم يشترط القبض لتمام القرض وفقا ً للمادة ( )711التي تنص على أن« :املقترض ميلك
القرض ملكا ً تاما ً بالعقد ،ولو لم يقبضه ،»..مخالفا ً في ذلك القانون املدني األردني
والذي نصت املادة ( )1/637منه على أن« :عقد القرض يتوقف متامه على قبض املال»
ومقتربا ً من القانون املدني السوري في املادة ( )506والفقه املالكي(.)61
-3أكد النص على ضرورة الرجوع في تفسير النصوص وتأويلها إلى مصدر االستمداد،
وهو الفقه اإلسالمي؛ خلصوصية قواعد التفسير فيه ،ولتجنب تعارض األحكام
واالبتعاد عن إرادة املش ِّرع ،وهو ما أشارت إليه املذكرة اإليضاحية بقولها« :رؤي وضع
( ((5جاسم الشامسي ،املرجع السابق ،ص.114
( ((6عدنان سرحان ،مالحظات نقدية بشأن الكتابني األول والثاني املنظمني لاللتزامات احلقوق الشخصية
والعقود من قانون املعامالت املدنية لدولة اإلمارات العربية املتحدة ،مجلة الشريعة والقانون ،جامعة
اإلمارات ،العدد ،23مايو ،2005ص.226
( ((6محمد وحيد سوار ،االجتاهات العامة في قانون املعامالت املدنية لدولة اإلمارات العربية املتحدة ،ط،1
دار املثنى ،أبوظبي ،1988 ،ص.56
427 مجلة كلية القانون الكويتية العالمية -السنة السابعة -العدد - 2العدد التسلسلي - 26شوال 1440هـ -يونيو 2019م
منهجية التقنين في النظم القانونية المقارنة :نماذج تطبيقية في القوانين المدنية
هذه املادة لتثبيت ما يتميز به هذا القانون من ارتباطه بالفقه اإلسالمي وأصوله»(.)62
ورغم هجر فكرة التلفيق من خالل النص على ترتيب املذاهب اإلسالمية بالنسبة للقاضي
في قانون املعامالت املدنية ،إال أن تكوين التشريع أو تعديله في القانون اإلماراتي يبقى
آخذا ً مببدأ التلفيق في التشريع بوجه عام ،وفي هذا يقول جانب من الفقه« :أما تكوين
التشريع أو تعديله فيما بعد ،فنرى أنه من باب احلاجة إلى اتباع منهج التلفيق ،ومعناه
ضم األشياء واملالءمة بينها لتكون شيئا ً واحدا ً أو لتسير على وتيرة واحدة ،ومنه كان
استعمال الفقهاء واألصوليني واحملدثني لكلمة التلفيق»(.)63
رابعاً -اململكة العربية السعودية كتطبيق للمنهج القضائي في الفقه اإلسالمي:
يعارض تيار من العلماء في اململكة فكرة التقنني ،حيث يطبق املذهب احلنبلي وفق الراجح
في املؤلفات الفقهية املعتمدة ،مثل كشاف القناع وغاية املنتهى( ،)64وبهذا تكون مؤلفات
هؤالء الفقهاء مبثابة مصدر رسمي للقانون يحكم الواقعة محل النزاع( ،)65في حال عدم
وجود نص في الكتب املعتمدة في املذهب احلنبلي ،جاز البحث في حل املسألة املعروضة
في باقي املذاهب ،وفقا ً ملا تقتضيه املصلحة(.)66
وكان التيار املانع للتقنني أشد وأقوى عما هو عليه اليوم ،إذ صدر قرار الهيئة العامة للبحوث
بعدم جواز التقنني ،وصدر قبلها العديد من املؤلفات لفقهاء فيها مينعون التقنني( )67وذهب
أغلب املشايخ إلى النفور من كلمة «قانون» أو «تقنني» مما دعا إلى تسمية «التقنني» الذي
وضع في الفقه احلنبلي بـ «مجلة األحكام الشرعية»( )68وإلى اليوم ال تستخدم كلمة تقنني
أو قانون ،وبديلها مصطلح «نظام» ،لكنه يالحظ في الفترة األخيرة كثرة األصوات التي
تطالب بالتقنني في املمكلة العربية السعودية( ،)69وفي مقدمتهم القضاة؛ ملا يواجهونه من
( ((6املذكرة اإليضاحية ،ص ،18وفي هذا يشير البعض إلى أن مصدر النص يجر إلى مرجع تفسيره ،وإلى
خالف ُيضيِّع املقصد من وراء النص ،الختالف مصادر التأويل والتفسير ،راجع :محمد زكي عبد البر،
مرحع سابق ،ص.86
( ((6جاسم الشامسي ،دور الشريعة اإلسالمية ،مرجع سابق ،ص.109
( ((6وهبة الزحيلي ،املجتهدون في منتصف (ق 14هجري) بني التجديد والتقنني ،بحث مقدم إلى ندوة التقنني
والتجديد في الفقه اإلسالمي املعاصر املنعقدة خالل الفترة من ( )8-5أبريل ،2008مسقط ،عمان ،ص.83
( ((6مصطفى محمد اجلمال ،جتديد النظرية العامة للقانون ،ج ،1تعريف القانون -القواعد القانونية -مصادر
القانون -تطبيقات قضائية ،الفتح للطباعة والنشر ،القاهرة ،2002 ،ص.213
( ((6محمود عبد املجيد املغربي ،تاريخ القوانني ،املؤسسة احلديثة للكتاب ،طرابلس ،لبنان ،1996 ،ص.481
( ((6عبد الرحمن القاسم ،اإلسالم وتقنني األحكام «دعوة مخلصة لتقنني أحكام الشريعة اإلسالمية» ،ط،2
مكتبة امللك عبد العزيز العامة بالرياض1977 ،م.
( ((6وهبة الزحيلي ،جهود تقنني الفقه اإلسالمي ،ط ،1دار الفكر ،دمشق ،2004 ،ص.71
( ((6منهم الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن بن بسام ،تقنني الشريعة «أضراره ومفاسده» ،مطابع دار الثقافة،
مكة املكرمة1379 ،هـ.
مجلة كلية القانون الكويتية العالمية -السنة السابعة -العدد - 2العدد التسلسلي - 26شوال 1440هـ -يونيو 2019م 428
د .عمر صالح العزاوي
( ((7ومنهم القاضي محمد بن عبد العزيز الفايز القاضي باحملكمة العامة بالرياض ،وأخرج كتابه بعنوان
«تقنني األحكام القضائية» ،ط ،1الرياض1431 ،هـ.
( ((7خليفة بابكر احلسن ،مرجع سابق ،ص.222
( ((7وائل حالق ،مرجع سابق ،ص.116
( ((7علي محمد جعفر ،مرجع سابق.64 ،
( ((7سليمان بن محمد املزيد الشارخ ،مختصر الطريق ملقارنة أنظمة وقوانني القضاء واملرافعات والتحقيق:
دراسة مقارنة تصف األنظمة باململكة العربية السعودية ومصادر تشريعها وقوانني الواليات املتحدة
األمريكية ومصادر تشريعها ،ط ،1مطابع سلطان الرياض ،الرياض ،2013 ،ص.83-82
429 مجلة كلية القانون الكويتية العالمية -السنة السابعة -العدد - 2العدد التسلسلي - 26شوال 1440هـ -يونيو 2019م
منهجية التقنين في النظم القانونية المقارنة :نماذج تطبيقية في القوانين المدنية
األحكام القضائية املختارة واملستندة على فكرة السوابق القضائية بعد موافقة املجلس
األعلى للقضاء عليها ،وهو يقابل التقارير القانونية التي تضم السوابق القضائية في
النظام األجنلوأميركي.
املطلب الثاني
دعوى التأثير املتبادل بني الفقه اإلسالمي والنظام الالتيني
تشير بعض الدراسات في الفقهني اإلسالمي والقانوني إلى وجود شبهة االقتباس
املتبادل بني مناهج وفروع وتطبيقات الفقه اإلسالمي من جهة ،ونظيراتها في الفقه
القانوني الالتيني من جهة أخرى ،وهو ما سوف نستعرضه في فرعني :األول في دعوى
التأثير املتبادل ،والثاني في مناذح من التطبيقات القانونية ذات العالقة باملوضوع.
الفرع األول
أصل دعوى التأثير املتبادل وردِّها
يرى بعض املستشرقني ومنهم «غولت سهير»( )75إن تقسيم األحكام في الفقه اإلسالمي
إلى مكتوبة « »Ieges Scriptaeوغير مكتوبة « »Ieges non scripateمأخوذ من القانون
الروماني ،واملكتوب ُيقصد به «النص» وغير املكتوب «غير املنصوص» ُ -يقصد به القياس،
وإن كان لم ُيس ّمه بهذا املصطلح -وأقام أبحاثه في هذه املسألة على هذا األساس ،وهذا
التمييز بيَّن ُه باحث آخر في كتابه العهود بني القانون املستند إلى التشريع وبني القانون
هو أغانطيوس غولت سهير ( ،)1921-1850أحد الكتاب املشهورين في الدراسات العربية ،وسبقه في هذا (((7
النهج السير وليام الذي وضع كتابا ً باللغة اإلجنليزية بعنوان «املبادئ والسوابق القضائية للقانون احملمدي»
“.Principle and Preceduents of Mohammedan Law, Calcuta “, India, 1817
نقالً عن :محمد كمال الدين إمام ،الفقه اإلسالمي «تاريخ العقل الفقهي -مفاهيمه -أدلته -مذاهبه
– عصوره» ،الدار اجلامعية اجلديدة ،اإلسكندرية ،2004 ،ص .54وكذلك ما أورده شيلدون آموس
« Scheldon Amosمن أن الشرع احملمدي ليس إال القانون الروماني لإلمبراطورية الشرقية ،معدالً
وفق األحوال السياسية في املمتلكات» ،راجع للمزيد :صوفي حسن أبو طالب ،بني الشريعة اإلسالمية
والقانون الروماني ،ج ،1مجلة األزهر ،ذي القعدة 1434هـ ،سبتمبر/أكتوبر 2013م ،ص .32كما ينضم
إلى هؤالء الفقيه الفرنسي (إدوارد المبير) وكان مديرا ً ملدرسة احلقوق امللكية في مصر ومشرفا ً
على أطروحة الدكتوراه للعالمة السنهوري «اخلالفة وتطورها» ،ويرى المبيير تأثر الفقه اإلسالمي
بالقانون الروماني عن طريق القانون اليهودي ،راجع :محمد كمال الدين إمام ،مرجع سابق ،ص.41
وانظر :صوفي أبو طالب في رد هذه الشبهة ،مرجع سابق ،ص ،90وفي هذا السياق نشرت املجلة
األمريكية لتاريخ القانون بحثا ً حول التقارب بني مصادر الفقه اإلسالمي والفقه التلمودي لليهود ،في
محاولة لربط جذور الفقه اإلسالمي باليهودية ،راجع:
Judith Romney Wenger, Islamic & Talmudic Jurisprudence: The Four Roots of Islamic Law and Their
Talmudic Counterparts, The American Journal of Lagel History, V.26, No.1, Jan. 1982, Pp.2571-.
مجلة كلية القانون الكويتية العالمية -السنة السابعة -العدد - 2العدد التسلسلي - 26شوال 1440هـ -يونيو 2019م 430
د .عمر صالح العزاوي
املستند إلى العرف والعادة( ،)76ومن هنا عرف الفقه اإلسالمي منطني هما :نظام التشريع
املكتوب «التقنني» ،ونظام القواعد العرفية «غير املكتوبة» ،مما دعانا إلى بحث هذه املسألة
ذات اجلذور التاريخية.
إن هذه الشبهة أثيرت منذ زمن ،وتدور حول تأثر الفقه اإلسالمي بالقانون الروماني
بحجة أن األول جاء تاريخيا ً بعد القانون الروماني مباشرة بفارق ق َّدره البعض بسبعة
قرون تقريبا ً( ،)77فضالً عن وجود تقارب في بعض اجلوانب مما ساهم في بقاء هذه
الشبهة قائمة إلى يومنا هذا.
رد البعض( )78هذه الشبهة من وجوه عدة نوجز بعضها باآلتي:
-1إن «الكتابة» تكاد ال يكون لها أي دور في القانون اإلسالمي قبل السالطني العثمانيني،
فكل عمل قانوني مبا في ذلك تنصيب القاضي كان يجب أن يكون شفهياً ،إال حني
يتعذر النطق كما في األصم األبكم ،فقد وجد الفقهاء بدائل كتحريك الرأس عالمة
عن القبول( ،)79بخالف الكتابة في فكرة «التقنني» إذ هي قدمية ومتجذرة في القانون
الروماني.
-2إن البحث املعاصر في تاريخ القانون يتجه إلى أن الشريعة الرومانية القدمية اختفت
واندثرت بشكل تام في القرن السادس امليالدي ،ولم تظهر إال في القرن الثاني عشر
امليالدي ،وإن القانون الروماني احلديث الذي ظهر ليس هو ذاته القانون الروماني
القدمي ال في اجلوهر وال في نصوصه( ،)80مبعنى أن القانون ظهر متأثرا ً بالفقه
اإلسالمي وفقا ً لسياق تاريخي نستعرضه الحقاً.
( ((7محمد كمال الدين إمام ،نظرية الفقه في اإلسالم -مدخل منهجي ،ط ،1املؤسسة اجلامعية ،اإلسكندرية،
،1998ص .82جتدر اإلشارة إلى أن هذا التمييز موجود في القانون اإلجنليزي بني القانون غير املكتوب
« »Common Lawوالقانون املوضوعي « ،» Statute Lawوهو أحد مصادر القانون وهو قانون مكتوب
ويصدر من سلطة تشريعية «مجلس التشريع أو البرملان» وهكذا يعرفه اإلجنليز كمصدر للنظام
القانوني عندهم بالقول:
Statute Law referes to the law that has been created by parliament in the form of Legislation.
راجع للمزيد:
Gary Slapper & David Kelly, English Legal Sysytem, 2nd edition, Cavendish Publishing, London, 2001, P.1
والتشريع قد يشمل نوعا ً آخر من األنظمة أو املراسيم تصدرها جهات معينة في شكل تشريعات بناء على
تفويض من البرملان وفي حاالت معينة وتعرف بـ «»Delegated Legislation or Subordinate Legislation
راجع للتفصيل :
Gary Slapper & David Kelly, English Legal Syaytem, 6th Edition, Routledge, New York, 2015, P.116.
( ((7مصطفى الرافعي ،مرجع سابق ،ص.19 - 18
( ((7صوفي أبو طالب ،مرجع سابق ،ص 34وما بعدها .شويش احملاميد ،مرجع سابق ،ص.405
( ((7محمد كمال الدين إمام ،تاريخ العقل الفقهي ،مرجع سابق ،ص.93
( ((8محمد كمال الدين إمام ،نظرية الفقه «مدخل منهجي» ،مرجع سابق ،ص.97
431 مجلة كلية القانون الكويتية العالمية -السنة السابعة -العدد - 2العدد التسلسلي - 26شوال 1440هـ -يونيو 2019م
منهجية التقنين في النظم القانونية المقارنة :نماذج تطبيقية في القوانين المدنية
-3وجود بعض األنظمة القانونية في القانون الروماني ،ال وجود لها في الفقه اإلسالمي
كنظام السلطة األبوية والسيادة الزوجية والتبني الذي ألغاه اإلسالم(.)81
دعوى تأثر التقنينات األوروبية احلديثة بالفقه اإلسالمي:
وباملقابل جند نقاشا ً لدى الباحثني في تاريخ القانون والفقه املقارن حول تأثر بعض
التقنينات الغربية «األوروبية» حتديدا ً بنظريات وأحكام فقهية مرجعها في األصل هو
الفقه اإلسالمي ،إذ يجزم بعض الباحثني أن تقنني نابليون املدني متأثر بالفقه اإلسالمي
وحتديدا ً بالفقه املالكي ،حتى أن البعض يؤكد أنه منقول من شرح الدردير على منت خليل،
ويرجع ذلك إلى جملة عوامل منها :فتح األندلس ودخول مذهب اإلمام مالك إليها (إسبانيا
والبرتغال وجنوب فرنسا) ،حيث حكمها املسلمون حتى 1429م – 977هـ ،وانتقل املذهب
إلى فرنسا عن طريق انتشار املدارس الكبرى في األندلس والتي كانت تضم تالميذ من
املسلمني وغيرهم ،وكانت ُتدرس فيها علوم مختلفة منها فقه اإلمام مالك ،فضالً عن
انتشار العادات اإلسالمية – أي األعراف -غير املُد َّونة والتي انتشرت في جنوب فرنسا،
و ُيضاف لكل ما تقدم تأثير ابن رشد احلفيد في الفلسفة الغربية ،وفي الفلسفة القانونية
حتديداً ،وأخيرا ً ترجمة نابليون للفقه املالكي بعد غزوه ملصر ومنها مختصر خليل(.)82
ويرجع تاريخ هذه املسألة إلى شكوى الرومان من جور وظلم قوانينهم ،حتى ذهبوا
إلى األندلس بحثا ً عن أنظمة قانونية عادلة ،فاقتبسوا الفقه اإلسالمي الذي كان سائدا ً
هناك بعد تعديله مبا يتناسب وعقائدهم ،والتي أعلن امللك «لوثاريوس» سنة 1137م عن
اكتشافها مدعيا ً أنها مجموعة احلقوق الرومانية الشهيرة ،ولم تكن سوى أحكام الفقه
اإلسالمي في ثوب التيني( ،)83وبناء عليه أشار البعض إلى تأثر القانون اإلسباني مببدأ
الفصل بني ذمة الزوجني السائد في الفقه اإلسالمي واملطبق في األندلس آنذاك( .)84كما
أن ترجمة كتب الفقه اإلسالمي إلى اللغات األوروبية في القرنني األخيرين قد يكون وراء
ما يراه الباحثون من تأثر قوانني تلك الدول بالفقه اإلسالمي ،ومنها مصنفات احلنفية،
إذ ترجم كتاب «الهداية» للمرغيناني وصدرت طبعته الثانية في لندن عام 1870م ،وترجم
كتاب ملتقى األبحر إلبراهيم احللبي إلى الفرنسية ،وفي الفقه املالكي فقد ترجم إلى
الفرنسية كتاب البيوع في موطأ اإلمام مالك ونشر عام 1911م وغيره(.)85
( ((8رمضان علي السيد الشربناصي ،املدخل لدراسة الفقه اإلسالمي ،ط 2مزيدة ومنقحة ،مطبعة األستانة،
1403هـ ،ص .43
( ((8حمزة أبو فارس ،عالقة القانون املدني الفرنسي بالفقه املالكي ،موقع نادي القضاة املوريتانيني ،ص3
، http://cmrim.com/hjg6575/2599-2012-12-15-18-39-46.html
وفي ذات املعني راجع :مصطفى الزملي ،مرجع سابق ،ص.137
( ((8محمد كمال الدين إمام ،نظرية الفقه ،مرجع سابق ،ص.98
( ((8خليفة بابكر احلسن ،مرجع سابق ،ص.278
( ((8محمد كمال الدين إمام ،الفقه اإلسالمي «تاريخ العقل الفقهي» ،مرجع سابق ،ص.47
مجلة كلية القانون الكويتية العالمية -السنة السابعة -العدد - 2العدد التسلسلي - 26شوال 1440هـ -يونيو 2019م 432
د .عمر صالح العزاوي
الفرع الثاني
مناذج من التطبيقات القانونية
وردت بعض التطبيقات القانونية والتي من شأنها اإلشارة إلى تأثر النظام الالتيني
بالتطبيقات الواردة في الفقه اإلسالمي ،ومنها اآلتي:
-1العقد الرضائي وأحكامه:
ذهب العالمة مصطفى الزملي( ،)86في كتابه املطول «الكامل للزملي في الشريعة والقانون»
إلى هذا الرأي القائل بتأثر القانون الفرنسي بالفقه املالكي ،فوضع عنوانا ً لفقرة فرعية
هي« :تأثر القانون الفرنسي بالفقه املالكي»( ،)87حيث يرى أن تطور العقد الرضائي والذي
ينعقد مبجرد اإليجاب والقبول الصادرين ممن هم أهل للتعاقد دون رعاية شكلية ،قد
انتقلت إلى القانون الفرنسي متأثرة بالفقه اإلسالمي ،وال ميكن أن تكون قد آلت إليه من
القانون الروماني الغارق في الشكلية ،إذ تناولت املواد ( )1122-1108من القانون املدني
الفرنسي حتت عنوان «شروط صحة العقد وأحكام العقد الرضائي» كما هي مقررة في
الفقه املالكي ،كذلك أحكام العارية التي عاجلتها املواد ( )1894-1875من القانون املذكور
جاءت متأثرة بالفقه اإلسالمي وحتديدا ً الفقه املالكي( .)88ويشير البعض إلى أن الرضائية
في عقد البيع الواردة في املادة ( )1583من القانون الفرنسي ومفادها« :يكون البيع تاما ً
بني الفرقاء وامللكية املكتسبة حتما ً للشاري جتاه البائع ،منذ أن مت االتفاق على الشيء
والثمن رغم عدم تسليم الشيء أو أداء ثمنه» ،أصلها ما ورد في مختصر خليل في شأن
عقد البيع مبجرد الرضا دون اشتراط القبض(.)89
( ((8هو األستاذ الدكتور مصطفى إبراهيم محمد أمني الزملي ،عالمة ومفكر إسالمي ،ولد في قرية «زلم» في
محافظة السليمانية -شمال العراق -عام ،1924وسيرته حافلة باإلجنازات العلمية ،له ما يزيد على
خمسني مؤلفا ً في الفقه اإلسالمي والقانون املقارن ،وأشهرها كتابه الصادر مؤخرا ً بعنوان «الكامل
للزملي في الشريعة والقانون» من أربعة وعشرين مجلداً ،واملؤلف من أجزاء ،صدر عام ،2014راجع:
املوسوعة احلرة «ويكيبيديا» مصطفى-الزملي/ar.wikipedia.org/wiki
وفصل البعض في عقد مقارنة بني القانون الفرنسي ومذهب اإلمام مالك ،راجع :سيد عبد الله علي َّ (((8
حسني ،املقارنات التشريعية بني القوانني الوضعية املدنية والتشريع اإلسالمي :مقارنة بني فقه القانون
الفرنسي ومذهب اإلمام مالك بن أنس عنه ،دار السالم للطباعة والنشر ،ط ،1الرباط.2001 ،
( ((8مصطفى الزملي ،الكامل ،مرجع سابق ،ج ،10ص ،65وراجع في ذات الرأي خليفة بابكر احلسن ،مرجع
سابق ،ص .281فامللكية في القانون الروماني والقانون األجنلوسكسوني قبل الغزو النورماندي
واحتاللهم إلجنلترا عام ،1066ال تنتقل مبجرد اإليجاب والقبول يخالف ما عليه في الفقه اإلسالمي كما أن
القبض (التسليم) يحدد تبعة هالك املبيع فتكون على البائع قبل التسليم ،وهي تقارب تفاصيل دعوى الدين
« »Write of Debtفي القانون اإلجنليزي ،راجع :برهام محمد عطا الله ،تأثير الفقه اإلسالمي على تكوين
القانون اإلجنليزي ،مجلة التسامح ،وزارة األوقاف العمانية ،مسقط ،العدد ،24سنة ،2008ص.2
( ((8حمزة أبو فارس ،مرجع سابق ،ص.4
433 مجلة كلية القانون الكويتية العالمية -السنة السابعة -العدد - 2العدد التسلسلي - 26شوال 1440هـ -يونيو 2019م
منهجية التقنين في النظم القانونية المقارنة :نماذج تطبيقية في القوانين المدنية
-2بيع الوفاء(:)90
وهو طبقا ً ملا ورد في كتب املذهب احلنفي مفاده أنه« :البيع املشروط فيه رجوع املبيع
للبائع متى رد الثمن على املشتري»( ،)91وعاجلته مجلة األحكام العدلية في املواد (-396
،)92()403ويؤكد البعض أن هذا النوع من البيوع والذي يقتضي البيع بشرط أن البائع
متى رد الثمن يرد املشتري إليه املبيع ،وهو من إبداع احلنفية قبل أن يقتبسه القانون
املدني الفرنسي عام 1804والذي عاجله في املواد ( ،)93( )1673-1659حيث نصت املادة
( )1659من القانون املدني الفرنسي على اآلتي« :إن حق استرداد املبيع أو استرداده وفا ًء
هو اتفاق ُيخ ِّول البائع استعادة املبيع مقابل رد الثمن األصلي»( .)94واجلدير بالذكر أن
نظموا هذا النوع من البيوع لغايات عملية ،منها أن صاحب النقد يريد أن ينتفع الفقهاء ّ
مباله ،وال يعطيه لآلخرين بقرض حسن دون أن يستفيد مادياً ،حيث يجد حرجا ً في أخذ
الربا عن ماله(.)95
-3حتول العقد:
يجزم البعض بتأثر القانون األملاني بالفقه اإلسالمي عن طريق اخلالفة العثمانية في
مسألة حتول العقد الذي عاجله القانون األملاني في املادة ( )144منه( ،)96حيث صاغ
التقنني املدني األملاني نظرية حتول العقد وعلى نهجه سار التقنني املصري اجلديد في
املادة ( )140منه ،ثم تبنتها بعض التقنينات املدنية العربية(.)97
( ((9اصطلح عليه «بيع الوفاء» ألن البائع وفى مبا عهد من رد املبيع إذا رد له املشتري الثمن ،راجع :عثمان
بن علي بن محجن البارعي ،وفخر الدين الزيلعي احلنفي ،تبيني احلقائق شرح كنز الدقائق وحاشية
الشلبي ،ج ،5ط ،1املطبعة الكبرى األميرية ،القاهرة1313 ،هـ ،ص.184
( ((9ابن عابدين ،محمد أمني بن عمر بن عبد العزيز عابدين الدمشقي احلنفي ،الدر املختار وحاشية ابن
عابدين (رد احملتار) ،ج ،2ط ،2دار الفكر ،بيروت ،ص.333
( ((9راجع ما ورد في شرح املجلة بخصوص املواد أعاله ،سليم رستم باز اللبناني ،شرح املجلة ،ج ،1ط،3
منشورات احللبي احلقوقية ،بال سنة طبع ،ص 223وما بعدها.
( ((9مصطفى الزملي ،الكامل ،مرجع سابق ،ج ،10ص.66
( ((9ونص املادة املذكوره أعاله بالفرنسي كاآلتي:
«La faculté de rachat est un pacte par lequel le vendeur se réserve de reprendre la chose vendue,
»moyennant la restitution du prix principal et le remboursement dont il est parlé à l'article..
وباللغة االجنليزية:
«A power of redemption or repurchase is an agreement by which the seller reserves to himself the taking
back of the thing sold, through restitution of the purchase price, and the reimbursement…».
( ((9محمد جندات احملمد ،خيار النقد في الفقه اإلسالمي وتطبيقاته االقتصادية املعاصرة ،مجلة دمشق
للعلوم االقتصادية والقانونية ،املجلد ،29العدد األول ،2013 ،ص.389
( ((9مصطفى الزملي ،الكامل ،مرجع سابق ،ج ،10ص65
( ((9عبد الرزاق السنهوري ،مصادر احلق ،ج ،4مرجع سابق ،ص.73
مجلة كلية القانون الكويتية العالمية -السنة السابعة -العدد - 2العدد التسلسلي - 26شوال 1440هـ -يونيو 2019م 434
د .عمر صالح العزاوي
املبحث الثاني
املنهج القضائي في النظام القانوني األجنلوأمريكي
لم يحتل التشريع مكانة هامة في النظام األجنلوأمريكي؛ العتماده على ما يعرف بـ
«السوابق القضائية» ،حيث لم يكن املجتمع في وقتها يثق في التشريع؛ ألنه مظهر
لتعسف احل ّكام ،إال أن الوضع تطور مبرور الزمن( ،)98فمصدر األحكام هو القضاء،
واألخير ال يقنن ألنه في تطور مستمر ،إال أن هذا االجتاه بدأ يتغير( ،)99وبات للتقنني
تطبيقات قانونية في ظل تلك األنظمة ،ولذا نتناول في هذا املبحث مسألتني هما :أهم
مالمح النظام األجنلوسكسوني (غير املقنن) ،والتقارب والتأثر بني الفقه اإلسالمي
والقانون اإلجنليزي ،ونخصص لكل منهما مطلبا ً مستقالً.
املطلب األول
مالمح النظام األجنلوأمريكي املعاصر
إن «التقنني» مبفهومه العام يكاد يجد صداه في تاريخ معظم الدول واحلضارات ،لكنه
ويرجح البعض ذلك لطبيعة اإلجنليز
ِّ ُيستثنى من ذلك النظام القانوني اإلجنليزي؛
احملافظة من جهة ،وملا يتمتع به نظامهم القانوني من اعتماد على السوابق القضائية
من جهة أخرى( .)100وتظهر أهم مالمح النظام األجنلوسكسوني والذي تطبقه بريطانيا
والواليات املتحدة وكندا – عدا مقاطعة كيبك -والهند وأستراليا وجنوب أفريقيا
وغيرها( ،)101في موضعني أساسيني :قواعد غير مكتوبة ،وقدرة القضاء على خلق
وتطوير قواعد قانونية ،ونتناول كالً منهما في فرع مستقل.
435 مجلة كلية القانون الكويتية العالمية -السنة السابعة -العدد - 2العدد التسلسلي - 26شوال 1440هـ -يونيو 2019م
منهجية التقنين في النظم القانونية المقارنة :نماذج تطبيقية في القوانين المدنية
الفرع األول
قواعد غير مكتوبة مع تنامي فكرة «التقنني»
إن إجنلترا راعية النظام األجنلوسكسوني ال يوجد فيها دستور ُمد َّون حتى اآلن ،وما
يسميه اإلجنليز دستورا ً إمنا هو مجموعة قواعد يرجع بعضها إلى أصول تشريعية
وبعضها اآلخر إلى أصول قضائية( ،)102أما القانون العادي «الشريعة العامة» Common
Lawوقد يطلق عليه بعض فقهاء القانون املقارن مصطلح الشريعة العامة (Common Law
()103
)Legal Systemوأحيانا ً يسمى بشريعة القانون املدني (.)Civil Law Legal System
ويذهب بعض املؤرخني إلى أن القانون العرفي مبعناه احلالي نشأ في عهد امللك اإلجنليزي
هنري الثاني( .)104ومهما تكن املصطلحات ،فإنها تعني نتاج أحكام احملاكم املتنوعة ،أو ما
يطلق عليه الفقه اإلجنليزي «السبب املنطقي» Ratio Decidendiأو «سبب احلكم» الذي
استند إليه القاضي في حكمه والذي يعتبر قاعدة قانونية يتألف من مجموعها ما يسمى
بـ «السوابق القضائية» .)105( Precedentsوعليه ليست الوقائع هي التي تقيم السابقة ،بل
املبدأ القانوني أو القاعدة القانونية التي مت استخالصها من تلك الوقائع(.)106
وتتلخص فكرة نظام السوابق القضائية في أن القاعدة التي استند إليها احلكم الصادر
من محكمة يلزم في حدود معينة جميع احملاكم اإلجنليزية التي تقع في مرتبة احملكمة
التي أصدرته ،واحملاكم األدنى منها ،لذا ُتعد أحكام احملكمة العليا سوابق قضائية ملزمة
لكل احملاكم وتلتزم بتطبيقها في قضايا مماثلة ،أما األحكام الصادرة من احملاكم الدنيا
فال تعتبر سوابق قضائية ألي جهة ،وكذلك األحكام الصادرة من محكمة العدل العليا في
جلساتها خارج لندن(.)107
مجلة كلية القانون الكويتية العالمية -السنة السابعة -العدد - 2العدد التسلسلي - 26شوال 1440هـ -يونيو 2019م 436
د .عمر صالح العزاوي
إن فكرة التقنني أو التشريع املكتوب قد تطورت في القانون اإلجنليزي – وقوانني أخرى
تتبع النهج األجنلوسكسوني ،وأصبح التشريع« »Legislationأحد مصادر القانون ،ليقوم
مبهمة التصحيحات « »Errataأو امللحقات « »Addendaالتي من شأنها تصحيح واستكمال
الهيكل األساسي للقانون اإلجنليزي( .)108فالقانون العام يعني السوابق القضائية والقواعد
الراسخة التي خلقتها السلطة القضائية خالل فصلها في القضايا املعروضة عليها ،أما
القانون املكتوب أو التشريع فيعني القانون الذي يصدره البرملان في شكل تشريع.
أوالً -دعوات للتقنني في الدول ذات النهج غير املقنن:
بالرغم من أهمية السوابق القضائية في النظام القانوني غير املقنن ،إال أن دعوات عديدة
ظهرت مؤخرا ً في األنظمة الراعية لهذا النهج مثل القانون األمريكي والقانون اإلجنليزي
والنيوزلندي ..إلخ؛ للتخلي عنه واالجتاه نحو منهج التقنني أو النظام املزدوج أو نحو
التقنني اجلزئي للشريعة العامة على أقل تقدير( ،)109وفعالً بدأت تدريجيا ً بإصدار تقنينات
جزئية ملعاجلات تشريعية ضرورية متسمة بالوضوح ،منها على سبيل املثال:
- -قانون بيع البضائع اإلجنليزي (.)110()1893
- -قانون حقوق اإلنسان لسنة 1998الذي أحدث نقلة نوعية في مجال السوابق القضائية
حني قرر عدم شرعية تصرف الهيئات العمومية مبا ال يتفق مع احلقوق املقررة في
االتفاقية األوروبية حلقوق اإلنسان ( ،)111( )ECHRويؤدي ذلك إلى اعتبار تصرف
احملكمة غير شرعي إن صدر مخالفا ً لالتفاقية األوروبية.
- -قانون التحكيم ( ،)1966والذي صدر ليكون تقنينا ً واضحا ً لقواعد التحكيم اإلجنليزية(.)112
- -قانون املسؤولية عن احليوان ( ،)1971ويتألف من ( )13وضعا ً ليعالج النقص في
القانون العرفي ،وجعل املسؤولية مفترضة على املالك أو احلائز ،وف َّرق بني احليوانات
اخلطرة واألليفة(.)113
437 مجلة كلية القانون الكويتية العالمية -السنة السابعة -العدد - 2العدد التسلسلي - 26شوال 1440هـ -يونيو 2019م
منهجية التقنين في النظم القانونية المقارنة :نماذج تطبيقية في القوانين المدنية
−أدى نفاذ قواعد اإلجراءات املدنية في أبريل 1999إلى التأثير على مبدأ السوابق
القضائية ،وخاص ًة تلك التي استقر العمل بها قبل صدور هذا القانون ،فقد نص في
املادة األولى منه على أن« :هدف قواعد اإلجراءات املدنية الرئيسي يتمثل في متكني
()114
احملكمة من التعامل مع الدعاوى بعدالة»
مجلة كلية القانون الكويتية العالمية -السنة السابعة -العدد - 2العدد التسلسلي - 26شوال 1440هـ -يونيو 2019م 438
د .عمر صالح العزاوي
املتحدة األمريكية(.)118
-1القانون األمريكي التجاري املوحد (:)2002
وصفه البعض( )119بأنه أفضل منوذج بني مشاريع تقنني القانون العام املستمد من
األحكام القضائية «غير املقننة».
إن تقنني القواعد العامة غير املقننة في الدول ذات النهج األجنلوسكسوني أو ما بات يعرف
باألجنلوأمريكي ليس باألمر اليسير؛ إذ تعترضه العديد من العقبات مثالً :في القانون
اإلجنليزي تعترضه دعوات املتمسكني باإلرث غير املقنن ،فضالً عن صعوبة املهمة عمليا ً
على من يقوم بعملية التقنني من البرملانيني من حيث اإلحاطة بكل الفرضيات القانونية
التي قد تقع ،ووضع حلول لها بخالف احلال في وجود قاعدة أو مبدأ عام تخضع له
اجلزئيات ،ويقصد بها «آلية عمل السوابق القضائية» ،فضال عن الصعوبات اإلدارية
مثل عدم وجود وزارة للعدل بهيكلية إدراية متكاملة لتقنني القوانني( ،)120ولكن تبقى
سمات التقنينات املدنية ومنها الشمولية والتناسق واملنهجية وقطعية األحكام والقواعد
القانونية هي مقومات ال تتوفر في النماذج القانونية غير املقننة( ،)121مما يبرر استمرار
وتزايد الدعوات لتوسيع التقنينات في الدول ذات النهج غير املقنن.
ولم يقتصر ما تقدم على النطاق احمللي للدول ذات النهج القضائي؛ حيث تعدت آثاره
إلى النطاق الدولي ،وهو ما فرض على الدول اخلضوع لنظم قانونية مختلفة ،من خالل
تنامي النهج التشريعي في االتفاقيات الدولية ،والتي مزجت بني قواعد كال النظامني
لزيادة فاعليتها.
ثالثاً -االتفاقيات الدولية وأثرها في النظام األجنلوأمريكي:
انعكس أثر املنهج التشريعي املتبع في معظم االتفاقيات الدولية في تداخل النظم القانونية
فيما بينها ،فضالً عن تنامي فكرة املزج بني قواعدها وأصولها ،وعلى رأسها النظامان
الالتيني واألجنلوأمريكي ،فأغلب تلك االتفاقيات تتبع النهج التشريعي ،وهي في ذات
(118) Frederick Olds Bissell, Codification in the State of New York, Historical Theses and Dissertations
Collection, Cornell Law School, Adigital Repository, Pp. 34- 39. Maurice Eugen Lang, Codification
in the British and America, The Lawbook Exchange, LTD, New Jersey, USA,2005, Pp.182- 184.
(119) Mary Keyes & Therese Wilson, Op. Cit., p.6.
( ((12للمزيد حول عقبات وإشكاليات تقنني القانون العام» ”Common Lawراجع:
Peter M. North, Problems of Coditfication in a Common Law System, The Rable Journal of Comarative
504-and International Private Law, 46.Jarg H. 3. 1992, p.503
(121) Eva Steiner. -French Law, A Comparative Approach, Blanc-Jouvan Xavier, Revue internationale de
droit comparé, Année 2010, Volume 62, Numéro 4, Pp. 1061- 1063. Eva Steiner, French Law A
Comparative Approach, Oxford University Press, New York, 2010, p.40.
439 مجلة كلية القانون الكويتية العالمية -السنة السابعة -العدد - 2العدد التسلسلي - 26شوال 1440هـ -يونيو 2019م
منهجية التقنين في النظم القانونية المقارنة :نماذج تطبيقية في القوانين المدنية
الوقت تضم العديد من الدول ذات النهج األجنلوأمريكي كبريطانيا مثالً ،يضاف لذلك
األنظمة والتشريعات املطبقة في االحتاد األوروبي والتي يصدق عليها ذات الوصف.
ولعل أبرز تطبيقات املزج بني نظامني قانونيني مختلفني أو حتى متعارضني ،هي تلك
التشريعات التي تتصف بطابع الدولية ،وحتديدا ً في مجال القانون اخلاص ،كاتفاقية
األمم املتحدة املتعلقة بالبيوع الدولية 1980الصادرة عن األونسترال( ،)122واملبادئ
املوحدة للعقود التجارية الدولية 2010الصادرة عن معهد توحيد القانون اخلاص بروما،
حيث وردت العديد من التطبيقات التي مزجت بني النظام القانوني الالتيني من جهة،
واألجنلوأمريكي من جهة أخرى ،فتبنَّت أحكاما ً متباينة متاما ً في النظامني ،إذ َّ
نظم
املش ِّرع الدولي جزاء التنفيذ العيني في اتفاقية فيينا مقتفيا ً خطى النظام الالتيني ،وجعل
التنفيذ العيني جزاء أساسيا ً( ،)123على خالف النظام األجنلوأمريكي الذي يتعامل مع هذا
اجلزاء على أنه استثناء من القواعد العامة ،في حني تبنَّت االتفاقية جزاء إنقاص الثمن من
النظام الالتيني واملخالفة اجلوهرية من النظام األجنلوأمريكي ،إلى غير ذلك من األحكام
التي ال يتسع املقام لذكرها( .)124وقد يبرر هذا املزج بالقول إن تلك التشريعات غايتها
تلبية متطلبات أنظمة قانونية مختلفة ،وتشجيع دول وأفراد بخلفيات قانونية مختلفة
لألخذ بها ،وبروز البعد االقتصادي للقاعدة القانونية.
الفرع الثاني
قدرة القضاء على خلق القواعد القانونية
ميتاز النظام القانوني األجنلوأميركي من خالل منهجيته في االعتماد على السوابق
القضائية بشكل أساسي ،واعتبار التشريع أحد مصادر القانون ،بقدرة القضاء على خلق
وتطوير نظريات وقواعد قانونية من خالل النظر في املنازعات املعروضة عليه .ويرجع
ذلك إلى اختالف مفهوم «القاعدة القانونية» في القانون اإلجنليزي عنه في القانون
الفرنسي ،حيث إنه في النظام األجنلوسكسوني يتم إرساء القاعدة القانونية بصفة
روتينية من قبل القاضي في مواجهته ملسألة محددة ومعينة يستجيب لها القاضي من
( ((12صدرت هذه االتفاقية في 11أبريل ،1980واسمها الرسمي «اتفاقية األمم املتحدة بشأن عقود البيع
الدولي للبضائع»
United Nations Convention on Contrats for the International Sale of Goods 1980 .
( ((12راجع على سبيل املثال املادة ( )75وما يليها من االتفاقية املذكورة.
( ((12خالد أحمد عبد احلميد ،فسخ عقد البيع الدولي للبضائع وفقا ً التفاقية فينا لعام ،1980ط ،2001 ،2ص24؛
وللمزيد حول املوضوع راجع :محسن شفيق ،اتفاقية االمم املتحدة بشأن البيع الدولي للبضائع ،ط،1
دار النهضة العربية ،القاهرة .1998
مجلة كلية القانون الكويتية العالمية -السنة السابعة -العدد - 2العدد التسلسلي - 26شوال 1440هـ -يونيو 2019م 440
د .عمر صالح العزاوي
املطلب الثاني
مدى التقارب بني النظام األجنلوأمريكي والفقه اإلسالمي
كان واليزال البحث املقارن بني الفقه اإلسالمي والقانون اإلجنليزي مبا ميثله من منهج
للقانون غير املقنن محل اهتمام كثير من الباحثني من الغرب والشرق ،إذ أورد بعضهم
دراسات لقوانني منطقة اخلليج حتديداً ،ومنهم البروفيسور «نويل كولصنNoel J.
»Coulsonحيث تضمن أحد بحوثه العنوان التالي« :القانون التجاري في دول اخلليج
وسنن النظام القانوني اإلسالمي» ،وردت فيه مقارنة بني النظام القانوني اإلجنليزي
وحتديدا ً العقد وأحكامه في الفقه اإلسالمي(.)128
كما يتفق كال النظامني القانونيني في أن كليهما غير «مقنن» من حيث األصل ،فهما يتبعان
منهجية متقاربة في املعاجلة التشريعية والقضائية هذا من جانب ،كما توجد دعوات
( ((12غاي بيخور ،مدونة السنهوري القانونية «نشوء القانون املدني العربي املعاصر ،»1949-1932الشبكة
العربية لألبحاث والنشر ،بيروت ،2009 ،ص.106
(126) Christian Dadomo and Susan farran, The French Legal System, London, Sweet & Maxwell,
1993, Pp.11- 13.
( ((12يرد على هذا أن السوابق القضائية املستقرة في هذا النظام هي في أصلها أعراف ولم تصبح سابقة
قضائية إال بعد العمل بها سنني طويلة ،حيث يفاخر اإلجنليز بقدم نظامهم ،الذي ميتد قرابة 700عام،
راجع :روبرت كروس ،السوابق القضائية ،ط ،1ترجمة د .محمد الشيخ عمر ،دار اجليل ،بيروت،
،1992ص ،19وعبد العزيز الفايز ،مرجع سابق ،ص.133
(128) Noel J. Coulson, Commercial Law in the Gulf States: The Islamic Legal Tradition, The International
Lawyer, V.20, No.1, Winter 1986, Pp.442- 447.
كما ورد ملخص لبحثه املذكور أعاله في مجلة دراسات اخلليج واجلزيرة العربية ،عرضه البخاري
عبد الله اجلعلي ،العدد ،58السنة ،15أبريل 1989م ،شعبان 1409هـ ،ص.249
441 مجلة كلية القانون الكويتية العالمية -السنة السابعة -العدد - 2العدد التسلسلي - 26شوال 1440هـ -يونيو 2019م
منهجية التقنين في النظم القانونية المقارنة :نماذج تطبيقية في القوانين المدنية
لتأثر القانون اإلجنليزي بالفقه اإلسالمي( )129من جانب آخر ،نتناول كلتا املسألتني في
فرعني مستقلني.
الفرع األول
التقارب املفترض في املنهجية القانونية
إن الفقه اإلسالمي كنظام قانوني يقوم على السوابق الفقهية والقضائية قد يتقارب مع النظام
األجنلوسكوني الذي يتبع ذات املنهجية القانونية( ،)130إذ يقوم النظام اإلجنليزي على اإلستدالل
من السوابق القضائية ،بخالف النظام الالتيني الذي يقوم على االستدالل من النصوص
التشريعية ،وبهذا يتميز النظام األجنلوسكسوني بإلزامية السوابق القضائية(.)131
إن منهجية الفقه اإلسالمي عموما ً تقوم على فكرة االستدالل بنص عام للوصول إلى
احلكم املراد ،وذلك بوسائل تختلف فيها املذاهب اإلسالمية؛ وذلك لغياب النص التشريعي
التفصيلي في أحيان كثيرة ،مما يقتضي الرجوع إلى كليات عامة تقبل التفسير والتأويل،
وهنا يظهر التقارب مع املنهجية املتبعة في القانون اإلجنليزي ،وكالهما يختلف عما
يعرف بـ «مدرسة التزام النص» – املنهج الالتيني أو منهج التقنني -والتي صاحب
ظهورها صدور تقنينات نابليون وانتشارها -وهي شبيهة مبنهجية املذهب الظاهري-
إذ ساد االعتقاد بشمولها وصالحيتها وحصر مصادر القانون في التشريع ،وجعلت
مهمة املفسرين في استنباط األحكام التفصيلية محصورة في البحث عن إرادة املشرع
( ((12وقد أجريت العديد من الدراسات في هذا الشأن نذكر منها :دراسة جون مقدسي والذي توصل فيها
إلى أن الفقه اإلسالمي هو أصل القانون العام اإلجنليزي « »Common Lawراجع:
John A. Makdisi, The Islamic Origins of the common Law, North Carolina Law Review, June 1999,
(Pp.1637 - 1740).
وتتلخص نظريته في أن النظام القانوني اإلسالمي الذي كان مطبقا ً في صقلية اإلسالمية استمر حتت
حكم النورمانديني في صقلية ليؤثر على النورمانديني الذين حكموا إجنلترا في نفـس الفترة .ويضيف
باحث آخر في هذا الشأن أن صقلية اإلسالمية طبق فيه مذهب احلنفية ،إذ حكمها املسملون ضمن
ما يعرف بوالية القيروان من 212هـ لغاية 260هـ حتت لواء اخلالفة العباسية .للمزيد ،ميكن مراجعة:
برهام محمد عطا الله ،تطبيق الشريعة اإلسالمية في صقلية اإلسالمية والنورماندية ،بحث مقدم
إلى ندوة «الفقه اإلسالمي املشترك اإلنساني واملصالح» وزارة األوقاف والشؤون الدينية العمانية،
مسقط( ،من 6ولغاية 9جمادى اآلخرة لعام 1435هـ 9-6 /أبريل 2014م) ،ص.5
( ((13عبد السميع أبو اخلير ،مرجع سابق ،ص ،414حيث يرى البعض ممن يعارضون التقنني ويرون تقييده
بأمور تقارب فكرة السوابق القضائية منها القضاء بالرأي املشهور من املذهب املطبق في القضاء ،أو
ما جرى عليه العمل في احملاكم التي ال تأخذ بفكرة التقنني كاململكة العربية السعودية ،راجع :محمد
الفايز ،مرجع سابق ،ص .131
( ((13فايز حسني ،العرف والتشريع في النظام القانوني الروماني الالتيني الفرنسي والنظام القانوني
األجنلوسكسوني ،مجلة التسامح ،وزارة األوقاف والشؤون الدينية ،مسقط ،العدد ،24سنة ،2008ص.6
مجلة كلية القانون الكويتية العالمية -السنة السابعة -العدد - 2العدد التسلسلي - 26شوال 1440هـ -يونيو 2019م 442
د .عمر صالح العزاوي
الصريحة أو الضمنية وصوالً لإلرادة املفترضة؛ إال أنه وبسبب صعوبة تطبيق هذا
املفهوم عملياً ،أصبح التشريع مجرد مصدر أصلي للقانون مع االعتراف إلى جانبه
مبصادر احتياطية كاألعراف أوالً ،ثم ما يعرف بـ«البحث العلمي احلر» وهو يقابل في
الفقه اإلسالمي األدلة االجتهادية وأهمها االستصالح أو املصالح املرسلة(.)132
فالتقارب يظهر بني النظامني من خالل االجتهاد القضائي ومتتع القاضي بسلطة واسعة
في احلكم في املسائل التفصيلية املتفرعة عن األصول الكلية ،وخصوصا ً في ظل التقييد
املذهبي ،فال يخرج القاضي عن فتوى أو رأي املذهب الذي ينتمي إليه؛ مما يجعله مبثابة
سابقة قضائية بالنسبة له ،إال أن الفقه اإلسالمي في عمومه ال يلزم القاضي مبوافقة
قضاء من سبقه ،بل يلزمه أن يجتهد في كل قضية باجتهاد جديد مستقل ،لكن فقهاء
املالكية اعتمدوا فكرة السوابق القضائية امللزمة إذا جرى بها العمل في بلدة معينة من
البالد وفق شروط معينة(.)133
من جهتنا ،نرى بأن القضاء بالرأي الراجح ثم املشهور ثم الضعيف بالنسبة للقاضي فيما
يعرض عليه من قضايا الناس أمر الزم ،سواء كان ما يقضي به هو مذهب القاضي نفسه
أو هو مذهب مت إلزام القاضي باحلكم به من قبل ولي األمر ،أي التقييد بـ «املشهور من
املذهب» ،وبهذا ال يستطع القاضي اخلروج على ما جرى به العمل في ذلك املذهب إال لدرء
مفسدة أو جلب مصلحة ،وفي هذا تطبيق مقارب لفكرة السوابق القضائية .وبهذا الشأن،
يؤكد مصطفى الزملي بأن« :كثيرا ً من الفقهاء وأئمة املذاهب اإلسالمية استعانوا -في فهم
نصوص القرآن والسنة النبوية فهما ً دقيقا ً وفي استخراج األحكام -بالسوابق القضائية ...
وقد ذكرنا مناذج من تلك التطبيقات القضائية ما يغني عن إثبات استعانة الفقهاء بالسوابق
القضائية»( ،)134ومن تلك التطبيقات التي أوردها والتي ُتعد «سوابق قضائية» ما يلي:
-1تضمني األجير املشترك كاملقاول الصانع وغيرهما:
وهو ما ذهب إليه اإلمام علي من أن األجير املشترك إذا أتلف شيئا ً من األموال التي
حتت يديه ،رغم أن يده عليها يد أمانة ال ضمان فيها ما لم يكن صاحبها متعديا ً أو مقصرا ً
في تلفها جزئيا ً أو كلياً ،إال أن اإلمام علي رأى خالف ذلك؛ حماية ألصحاب املواد األولية
وقال قوله الشهير« :ال يصلح الناس إال ذلك»(.)135
( ((13مصطفى اجل ّمال ،مرجع سابق ،ص.355
( ((13خالد الظاهر ،مرجع سابق ،ص.265
( ((13مصطفى إبراهيم الزملي ،مرجع سابق ،ص.240
( ((13احلكم أعاله مستند إلى املصلحة ،ويرا ُه د .محمد كمال الدين إمام تطبيقا ً لـ «مصلحة األغلبية» وهي في
رأيه تعد «مصحلة عامة» في األصل و «أغلبية» في التطبيق ،راجع للمؤلف ،أصول الفقه اإلسالمي،
ط ،1دار املطبوعات اجلامعية ،اإلسكندرية ،1996 ،ص.202
443 مجلة كلية القانون الكويتية العالمية -السنة السابعة -العدد - 2العدد التسلسلي - 26شوال 1440هـ -يونيو 2019م
منهجية التقنين في النظم القانونية المقارنة :نماذج تطبيقية في القوانين المدنية
مجلة كلية القانون الكويتية العالمية -السنة السابعة -العدد - 2العدد التسلسلي - 26شوال 1440هـ -يونيو 2019م 444
د .عمر صالح العزاوي
أن املصدر احلقيقي املنشئ للحكم -محل النزاع -هو نص حكم املقيس عليه( )142وهو
السابقة القضائية في القضاء اإلجنليزي.
كما إن عملية استقراء اجلزئيات – الفروع -والتي تتعلق بوقائع مماثلة للنزاع املعروض
واخلروج بقاعدة كلية -أصولية -والقياس عليها باملستقبل تظهر التقارب بني املنهج
القضائي األجنلوأميركي ومنهجية االستنباط في الفقه اإلسالمي.
وكذلك يربط البعض بني مفهوم «العدالة» في القانون اإلجنليزي لتأصيل األحكام ،ومنهج
االستحسان كمصدر لألحكام في الفقه اإلسالمي (.)143
وإلى جانب ذلك ،فإن ما يعرف بـ قانون القضايا « »Case- Lawيتكون من جملة قواعد
وضعها قضاة النظام القانوني اإلجنليزي وفقا ً ألحكام معينة ،ويتعني على القضاة
اتباعها عند تصديهم للفصل في القضايا املعروضة عليهم الحقا ً( )144وهو يقارب
إلى حد كبير الضوابط املقررة في علم أصول الفقه اإلسالمي ،والتي تستخدم في
استنباط األحكام من األدلة التفصيلية ،وحتديدا ً في ضبط عملية القياس(.)145
إن قواعد الفقه اإلسالمي ومنهجيته القانونية أصبحت محل اهتمام متزايد لدى فقهاء
القانون ،ويكفي أن نذكر الدراسة التي قام بها مؤخرا ًأحد فقهاء القانون األجنلوسكسوني
كالرك ب .لومباردي « »Clark B. Lombardiوالتي درس فيها استخدام الفقه اإلسالمي
وقواعده ومنهجيته في القرارت الصادرة عن محكمة العدل الدولية(.)146
445 مجلة كلية القانون الكويتية العالمية -السنة السابعة -العدد - 2العدد التسلسلي - 26شوال 1440هـ -يونيو 2019م
منهجية التقنين في النظم القانونية المقارنة :نماذج تطبيقية في القوانين المدنية
محاكم مركز دبي املالي ( )DIFCواخلروج على منهج التقنني نحو النظام املختلط:
ُيعد النظام القانوني انعكاسا ً حلاجات املجمتع املتطورة واملتجددة ،ولهذا كانت القوانني
تتغير وتتبدل تبعا ً لذلك ،وبسبب التطور االقتصادي الذي شهدته منطقة اخلليج العربي
ودولة اإلمارات العربية املتحدة حتديداً؛ وتنامي التجارة الدولية عبر هذه الدول ،قامت
حكومة دبي بتطوير نظام قانوني للمحاكم في اإلمارة ضمن املنطقة احلرة في مركز
دبي املالي ،أطلق عليها اسم «محاكم مركز دبي املالي»( )147مبوجب القانون رقم 12لسنة
2004املعدل بالقانون رقم 16لسنة ،2011والتي تعد خروجا ً على منهج التقنني املتبع
في الدولة ،إذ تطبق احملاكم املذكورة النظام األجنلوأمريكي بوجه عام ،وحتديدا ً النظام
القانوني اإلجنليزي ونظام السوابق القضائية ،ويتم االحتكام إلى هذه احملاكم بناء
على رغبة األطراف ،إما ابتداء من خالل النص في العقود التي ترتبط بها على حتديد
جهة الفصل في املنازعات بأن تكون محاكم مركز دبي املالي ،أو باالتفاق الالحق على
النزاع .وتشير التقارير التي تنشرها محاكم مركز دبي املالي إلى تزايد كبير في عدد
القضايا املعروضة عليها ،فمثالً في عام 2014نظرت احملاكم 116قضية ،وفي العام
التالي ( 216 )2015قضية( ،)148كما تشير التقارير إلى سرعة إجناز عالية فمثالً % 90من
القضايا صغيرة احلجم مت إجنازها في أقل من 4أسابيع % 98 ،من املتقاضني أعلنوا عن
رضاهم إزاء التعامالت املباشرة مع احملاكم(.)149
وقد يستدل من جلوء املتقاضني إلى محاكم مركز دبي املالي على عدم فاعلية «فكرة
التقنني»؛ ألن هذه احملاكم ال تتبع منهج التقنني من حيث األصل في النزاعات املعروضة
عليها ،وهذا قد يكون صحيحا ً لكن ليس بسبب فاعلية منهجية التقنني أو عدمها؛ بل
للحاجة إلى تعديالت تشريعية في منظمومة التقنينات احمللية؛ لتتناسب مع روح
2004 ( ((14مبوجب القانون رقم 16لسنة 2011والذي يقضي بتعديل بعض أحكام القانون رقم 12لسنة
بشأن محاكم مركز دبي املالي العاملي ،فإن املادة ( )5من القانون املذكور والتي حتدد االختصاص
القضائي وصالحيات احملكمة االبتدائية حتديدا ً تنص على أنها تختص بالنظر والفصل في الطلبات
والدعاوى املدنية والتجارية التي يكون مركز دبي املالي أو إحدى هيئاته أو مؤسساته طرفا ً فيها
وكذلك - 2 « :يجوز للمحكمة االبتدائية النظر والفصل في الطلبات والدعاوى املدنية والتجارية إذا
رفعت إليها باتفاق األطراف خطيا ً سواء قبل أو بعد وقوع النزاع .»..كما أعطيت القرارات الصادرة قوة
تنفيذية داخل وخارج املركز وداخل وخارج دولة اإلمارات العربية املتحدة بعد التعديل املذكور آنفاً،
لتفاصيل أكثر ،انظر :دليل تنفيذ األحكام وقرارات محاكم مركز دبي املالي العاملي ،اإلصدار الثالث،
مارس ،2015ص.5
( ((14التقرير السنوي حملاكم مركز دبي املالي للعام ،2015ص.19
( ((14التقرير السنوي حملاكم مركز دبي املالي للعام ،2013ص.11
مجلة كلية القانون الكويتية العالمية -السنة السابعة -العدد - 2العدد التسلسلي - 26شوال 1440هـ -يونيو 2019م 446
د .عمر صالح العزاوي
العصر ،فضالً عن جهل أحد طرفي النزاع أو كليهما بالتقنينات املطبقة محلياً ،ورغبته
في املثول أمام نظام قانوني يشابه األنظمة التي ينتمي إليها في موطنه؛ وهو غالبا ً النظام
وج ُّل هؤالء من الشركات العاملية التجارية التي تخشى التعامل مع «أجنلوأمريكي»ُ ،
النظام القانوني احمللي لعدم إحاطتها به علماًُ ،يضاف لكل ما تقدم عامل لغة التقاضي،
والذي ُيجنب أطراف النزاع إشكاليات الترجمة القانونية لكافة املستندات ذات العالقة.
الفرع الثاني
التقارب املفترض في النماذج التطبيقية
يؤكد البعض( )150تأثر النظام األجنلوأمريكي -وحتديدا ً القانون اإلجنليزي -بالفقه
اإلسالمي ليس فقط في املنهجية القانونية بل في تبني بعض النظريات والقواعد الفقهية
والتي منها مايلي:
-1نظرية الظروف الطارئة(:)151
حيث لم يعرف القانون اإلجنليزي على وجه اخلصوص ،والقوانني الغربية والعربية هذه
النظرية إال عن طريق الفقة اإلسالمي ،إال أن القوانني التي عاجلت هذه النظرية اشترطت
أن يكون الظرف الطارئ عاما ً كاحلرب والكوارث الطبيعية ،في حني أن الفقه اإلسالمي ال
يشترط ذلك ،بل يجوز تطبيق النظرية ولو كان الظرف الطارئ خاصا ً بطرف واحد (.)152
-2املثليات والقيميات:
تقسيم املال إلى مثلي وقيمي مستمد من الفقه اإلسالمي ،حيث نصت عليه مجلة األحكام
العدلية( ،)153وفي القانون اإلجنليزي لبيع البضائع ( )1979يمُ يِّز بني األشياء املعينة
بالنوع [ ]Specific Goodsوتلك املعينة بالذات [ ]Unasecertained Goodsإذ ال يسمح
( ((15من هؤالء :العالمة الدكتور مصطفى الزملي ،راجع مؤلفه :الكامل للزملي ،مرجع سابق ،ج ،10ص.69
( ((15وتتلخص هذه النظرية في أن تنفيذ االلتزام قد يصبح مرهقا ً للمدين ومؤديا ً إلى خسارة فادحة بسبب
وقوع حوادث غير عادية مما يتطلب إعادة النظر في العقد على نحو يخفف من هذه اخلسارة ،ويعرف
الفقه اإلسالمي هذه الفكرة حتت مصطلح «اإلعذار» والتي تسمح بفسخ عقد اإليجار لدى احلنفية،
وأخذت بهذه النظرية القوانني العربية منها :قانون املعامالت املدنية اإلماراتي ( )249القانون املدني
األردني ( )205والعراقي ( )146واملصري ( ،)2/147راجع للمزيد :عدنان سرحان ونوري خاطر ،شرح
القانون املدني ،مرجع سابق ،ص 255وما بعدها.
( ((15انظر :مصطفى الزملي ،الكامل ،مرجع سابق ،ج ،10ص.70
( ((15نصت املادة ( )145من املجلة على أن املال املثلي« :ما يوجد مثله في السوق بدون تفاوت يعتد به» ،واملال
القيمي :ما ال يوجد له مثل في السوق أو يوجد لكن مع التفاوت املعتد به في القيمة»
447 مجلة كلية القانون الكويتية العالمية -السنة السابعة -العدد - 2العدد التسلسلي - 26شوال 1440هـ -يونيو 2019م
منهجية التقنين في النظم القانونية المقارنة :نماذج تطبيقية في القوانين المدنية
بإبطال البيوع إال إذا كان محلها بضاعة معينة بالنوع متى تعذر تسليمها(.)154
-3نظام الترست « :»Trust
وهو نظام مقرر في القانون اإلجنليزي ويقابل نظام «الوقف» املعروف في الفقه
اإلسالمي( .)155ويتلخص النظام بنقل ملكية املال املخصص للخير أو إلى أي غرض شرعي
آخر كاألهل واألوالد ،إلى شخص آخر يكون هو األمني ،ويكون األهل واألوالد أو الغرض
اخليري املستفيد « ,»Beneficiariesواألمني يكون املالك القانوني أو الرسمي ,واألهل
واألوالد أو الغرض اخليري هم املالك عدالة وديانة ،وال ميكن لألمني « »Trusteeأن يستفيد
من إدارة الترست على حساب املستفيدين ،ووجه الشبه مع الوقف هو في نقل ملكية املال
املوقوف أو املال موضوع الترست إلى شخص آخر يتصرف فيه ملصحلة املستفيدين ،وقد
يكونون أفرادا ً أو جهات اخلير ،مثل املستشفيات واملدارس أو الكنائس ،فاملال محبوس
على ذمة الله ،فيصبح املال غير قابل للتصرف فيه إال طبقا ً لشروط الوقف(.)156
-4القواعد الفقهية : »Legal Maxims
xLegal Ma يوجد تشابه بني بعض القواعد القانونية في القانون اإلجنليزي املعروفة بـ« «
»imsوالقواعد الفقهية في الفقه اإلسالمي منها بإيجاز:
- -قواعد الضرر :منها قاعدة الضرورات تبيح احملظورات ،أي أن الضرورات تبيح ما
هو من قبيل احلقوق اخلاصة( .)157ومن تطبيقاتها القانونية املقننة مبدأ الدفاع عن
(154) Andrew Burrows, English Private Law, Third Edition, Oxford University Press, UK, 2013, p.670.
كما أن القانون املذكور ال يسمح أن يكون احملل املستقبلي في بيع البضائع إال من املثليات ،للمزيد حول
هذا املوضوع راجع :نسرين محاسنة ،بيع السلم وبيع البضائع املستقبلية :دراسة مقارنة في القانون
املدني األردني وقانون بيع البضائع اإلجنليزي ،مجلة الشريعة والقانون ،جامعة اإلمارات ،العدد ،27
يوليو ،2006ص.370
( ((15وفي دراسة حديثة انتهى الباحث إلى أن النظام الذي اقترحه والتر مرتون في عام 1264إلنشاء نظام
للترست بكلية القانون بجامعة أوكسفورد قد استوحى فكرة الوقف اإلسالمي ،راجع:
Monica M. Gaudiosi, The Influence of the Islamic Law of Waqf on the Development of the Trust in
England: The Case of Merton College, 136, University of Pennsylvania Law Review 1231 (1988).
( ((15برهام محمد عطا الله ،مرجع سابق ،ص .4
( ((15خليفة بابكر احلسن ،مرجع سابق ،ص .288محمد يحيى مطر ،تأثير الفقه اإلسالمي على القانون
اإلنكليزي ،منشورات وزارة األوقاف والشؤون الدينية ،ندوة تطور العلوم الفقهية في نسختها الثالثة
عشرة حتت عنوان (الفقه اإلسالمي املشترك اإلنساني واملصالح) من 6إلى 9أبريل ،2014مسقط،
ص .2كما تنص املادة ( )21من املجلة”:الضرورات تبيح احملظورات” ونصت عليها معظم القوانني
العربية منها قانون املعامالت املدنية اإلماراتي املادة (“ :)288من أحدث ضررا ً وهو في حالة دفاع
شرعي عن نفسه أو عرضه أو ماله أو عن نفس الغير أو عرضه أو ماله كان غير مسؤول عن ذلك
الضرر على أال يجاوز قدر الضرورة وإال أصبح ملزما ً بالضمان بقدر ما جاوزه”.
مجلة كلية القانون الكويتية العالمية -السنة السابعة -العدد - 2العدد التسلسلي - 26شوال 1440هـ -يونيو 2019م 448
د .عمر صالح العزاوي
النفس أو العرض أو املال املعروفة بـ«دفع الصائل»( )158وكذلك قاعدة «الضرر يزال»
()159
وقاعدة «ال ضرر وال ضرار»( ،)160ومفادها أن الضرر الذي يتسبب في حدوثه لغيره
في نفسه أو في ماله يجب العمل على إزالته ورفعه سواء بتعويض املتضرر أو أهله إن
تسبب الضرر مبوته أو إزالة العائق املتسبب بالضرر( ، )161كذلك قاعدة «ال خطأ بدون
تعويض» وهي قاعدة « ،)162(»There is no worng without remedyوقد لعبت قاعدة
«الضرر يزال» دورا ً تاريخيا ً في القانون اإلجنليزي ،حيث صدر قانون وستمنستر
الثاني ( ،)1285الذي أجاز للمحاكم قبول أي دعوى تتضمن املطالبة برفع الضرر ولو
لم تستند إلى سابقة قضائية معينة ،تكون سببا ً للدعوى؛ مما أدى إلى قبول العديد
من قضايا الغصب واإلتالف ،بعد كان يشترط لقبولها أن تكون في حدود النماذج
القضائية املكتوبة( ،)163فضالً عن تأصيل العديد من األحكام القضائية في القانون
اإلجنليزي على هذه القاعدة ،مثل احلكم بتضمني املتسبب بفعله ملا يقع من ضرر
للغير سواء ملخالفته العقد « »Breach of contractأو لفعله الضار « ،»Tortكمن حفر
حفرة بالطريق العام ويقع فيها شخص يصاب بضرر ،فيكون الضمان على حافر
احلفرة(.)164
- -قاعدة األمور مبقاصدها( ،)165والقاعدة في القانون اإلجنليزي هي:
«.)166(»An act is judged by its object
( ((15ويقصد بدفع الصائل :هو واجب اإلنسان في حماية نفسه أو نفس غيره أو عرضه أو عرض غيره،
وحقه في حماية ماله أو مال غيره من كل اعتداء حال غير مشروع ،بالقوة ،الالزمة لدفع هذا االعتداء.
للمزيد حول هذا املوضوع راجع :زياد حمدان محمود ساخن ،الدفاع الشرعي اخلاص (دفع الصائل)
في الفقه اإلسالمي :دارسة مقارنة مع القانون الوضعي ،رسالة ماجسيتر في الفقه والتشريع ،جامعة
النجاح الوطنية ،نابلس – فلسطني ،2008 ،ص.34
( ((15املادة ( )20من املجلة تنص« :الضرر يزال».
( ((16املادة ( )19من املجلة تنص« :ال ضرر وال ضرار».
( ((16خليفة بابكر احلسن ،مرجع سابق ،ص.288
( ((16محمد يحيى مطر ،مرجع سابق ،ص ،2وللمزيد حول هذه القاعدة راجع:
S.P. Singh, Law of tort: Including Compensation Under the Consumer Protection Act, Fifth
Edition, universal law publishing, INDIA, 2010, p.10.
( ((16خليفة بابكر احلسن ،مرجع سابق ،ص.289
( ((16خليفة بابكر احلسن ،مرجع سابق ،ص.289
( ((16املادة ( )2من املجلة« :يعني أن احلكم الذي يترتب على أمر يكون على مقتضى ما هو املقصود من ذلك األمر».
( ((16خليفة بابكر احلسن ،مرجع سابق ،ص ،289وقاعدة األمور مبقاصدها املادة ( )2من املجلة.
449 مجلة كلية القانون الكويتية العالمية -السنة السابعة -العدد - 2العدد التسلسلي - 26شوال 1440هـ -يونيو 2019م
منهجية التقنين في النظم القانونية المقارنة :نماذج تطبيقية في القوانين المدنية
اخلامتة:
وفي ختام هذه الدراسة نحاول أن نستخلص بعض النتائج والتوصيات ،وأهمها اآلتي:
1 .1الفصل التام في منهجية تنظيم القوانني في الدول احلديثة لم يعد مسلما ً به ،فرغم
متسك الدول ذات املنهج القضائي املتمثل بالسوابق القضائية ،نراها بادرت بإصدار
العديد من التشريعات مقتفية أثر املنهج التشريعي.
2 .2انتشار فكرة «التقنني» وفقا ً للمنهج التشريعي في العديد من النظم القانونية التابعة
للنظام الالتيني الذي لم مينعها من إدخال منظومة قانونية مزدوجة تعمل وفقا ً للمنهج
القضائي؛ لتلبي مقتضيات التجارة الدولية وتوفر بيئة قانونية مشجعة لالستثمار؛
األمر الذي ينذر باتساع رقعة النظم املختلطة في املستقبل القريب ومنها على سبيل
املثال محاكم املركز املالي في إمارة دبي (. )DEFC
3 .3بعد انتشار حركة التقنني متمثلة باملنهج التشريعي ،حددت بعض الدول العربية
توجهاتها التشريعية بسن قوانني مدنية متأثرة بالقانون املدني الفرنسي وهو عمدة
النظام الالتيني ،وعلى رأسها مجلة العقود وااللتزامات التونسية ،وقانون االلتزامات
والعقود املغربي ،وقانون املوجبات اللبناني ،والقانون املدني املصري وغيرها.
4 .4آثرت بعض الدول اإلبقاء على التطبيق املباشر للفقه اإلسالمي وفق مذاهب معينة،
متبعة املنهج القضائي أحادي املذهب في األغلب ،وهذا هو توجه القانون السعودي.
5 .5حاولت دول أخرى اقتفاء أثر القانون املدني الفرنسي من حيث الشكل والتبويب،
فأصدرت قوانني مدنية مبنهجية التقنني الالتيني ،مع استمداد أحكامها املوضوعية من
القوانني الغربية والفقه اإلسالمي ،مع رجحان واضح لكفه الفقه اإلسالمي وبدرجات
متفاوتة ،ومنها القانون املدني العراقي والقانون املدني األردني وقانون املعامالت
املدنية اإلماراتي.
6 .6أظهرت بعض التطبيقات الواردة وجود تقارب في بعض الفروع الفقهية بني املنهج
التشريعي والفقه اإلسالمي في معاجلة بعض األحكام املوضوعية.
7 .7تقارب واضح في منهجية استنباط األحكام بني الفقه اإلسالمي واملنهج القضائي
املتمثل بالنظام القانوني األجنلوأمريكي.
8 .8وقفت من خالل هذه الدراسة على العديد من املسائل التي حتتاج إلى مزيد من البحث؛ لذا
أوصي الباحثني بتسليط الضوء عليها والتوسع في بحثها بالتحليل واالستقراء وتتبع
التطبيقات ذات العالقة ،من خالل منهج املقارنة بني الفقه اإلسالمي والنظم القانونية
األخرى ،مبا يسهم في تطوير منهجية التقنني في املنظومة القانونية العربية.
مجلة كلية القانون الكويتية العالمية -السنة السابعة -العدد - 2العدد التسلسلي - 26شوال 1440هـ -يونيو 2019م 450
د .عمر صالح العزاوي
املراجع:
أوالً -باللغة العربية:
-أالكتب:
- -ابن عابدين ،محمد أمني بن عمر بن عبد العزيز عابدين الدمشقي احلنفي ،الدر املختار
وحاشية ابن عابدين (رد احملتار) ،ط ،2دار الفكر ،بيروت .1992
- -برهام محمد عطا الله:
• •تطبيق الشريعة اإلسالمية في صقلية اإلسالمية والنورماندية ،بحث مقدم في ندوة «الفقه
اإلسالمي املشترك اإلنساني واملصالح» املنعقدة في مسقط ،وزارة األوقاف والشؤون
الدينية ،للفترة من 6ولغاية 9جمادى اآلخرة لعام 1435هـ 9-6 /أبريل 2014م.
• •تأثير الفقه اإلسالمي على تكوين القانون اإلجنليزي ،مجلة التسامح ،وزارة
األوقاف العمانية ،مسقط ،العدد ،24سنة .2008
- -جاسم الشامسي ،دور الشريعة اإلسالمية ،مجلة احلقوق ،جامعة الكويت ،السنة،23
العدد ،1مارس .1999
- -هيثم بن فهد بن عبد الرحمن الرومي ،الصياغة الفقهية في العصر احلديث -دراسة
تأصيلية ،ط ،1دار التدمرية ،الرياض.2012 ،
- -وهبة الزحيلي:
• •جهود تقنني الفقه اإلسالمي ،ط ،1دار الفكر ،دمشق.2014 ،
• •املجتهدون في منتصف (ق 14هجري) بني التجديد والتقنني ،بحث مقدم إلى ندوة
التقنني والتجديد في الفقه اإلسالمي املعاصر ،جامعة السلطان قابوس ،مسقط،
( 8-5أبريل .)2008
- -حسن حسني البراوي ،تأثير الشريعة في القانون املدني القطري :دراسة مقارنة،
مجلة القانون الدولي ،كلية القانون ،جامعة قطر ،العدد ،2سنة .2013
- -حمزة أبو فارس ،عالقة القانون املدني الفرنسي بالفقه املالكي ،موقع نادي القضاة
املوريتانينيhttp://cmrim.com/hjg6575/2599-2012-12-15-18-39-46.html ،
- -محمد بن عبد العزيز الفايز ،تقنني األحكام القضائية ،مؤسسة اجلريس ،الرياض،
ط1431 ،1هـ.
- -محمود جمال الدين زكي ،دروس في مقدمة الدراسات القانونية ،ط ،2الهيئة العامة
لشؤون املطابع األميرية ،القاهرة.1969 ،
451 مجلة كلية القانون الكويتية العالمية -السنة السابعة -العدد - 2العدد التسلسلي - 26شوال 1440هـ -يونيو 2019م
منهجية التقنين في النظم القانونية المقارنة :نماذج تطبيقية في القوانين المدنية
- -محمد زكي عبد البر ،تقنني الفقه اإلسالمي املبدأ واملنهج والتطبيق ،ط ،1دار إحياء
التراث اإلسالمي ،الدوحة.1986 ،
- -محمد عبد اجلواد ،بحوث في الشريعة اإلسالمية والقانون -تقنني الشريعة
اإلسالمية ،ط ،1منشأة املعرفة ،اإلسكندرية.1991 ،
- -محمد كمال الدين إمام:
• •أصول الفقه اإلسالمي ،ط ،1دار املطبوعات اجلامعية ،اإلسكندرية.1996 ،
• •نظرية الفقه في اإلسالم -مدخل منهجي ،ط ،1املؤسسة اجلامعية ،اإلسكندرية.1998 ،
• •الفقه اإلسالمي :تاريخ العقل الفقهي -مفاهيمه -أدلته -مذاهبه – عصوره ،دار
اجلامعية اجلديدة ،اإلسكندرية.2004 ،
- -محمد نور فرحات ،الوجيز في تاريخ النظم االجتماعية والقانونية ،القاهرة.1994 ،
- -محمد وحيد سوار ،االجتاهات العامة في قانون املعامالت املدنية لدولة اإلمارات
العربية املتحدة ،ط ،1دار املثنى ،أبوظبي.1988 ،
- -محمد وفيق زين العابدين ،تطبيق الشريعة بني الواقع واملأمول ،ط ،3دار السالم،
القاهرة.2012 ،
- -محمد يحيى مطر ،تأثير الفقه اإلسالمي على القانون اإلنكليزي ،منشورات وزارة
األوقاف والشؤون الدينية ،ندوة تطور العلوم الفقهية في نسختها الثالثة عشرة حتت
عنوان «الفقه اإلسالمي املشترك اإلنساني واملصالح» من 6إلى 9أبريل ،2014مسقط.
- -محمد جبر األلفي ،محاوالت تقنني أحكام الفقه اإلسالمي ،مجلة الشريعة والقانون،
جامعة اإلمارات ،عدد خاص بأعمال ندوة «نحو ثقافة قانونية موحدة».1994 ،
- -محمد حسني منصور ،الشريعة اإلسالمية من مصادر التقنني املدني ،بحوث مؤمتر
التقنني املدني القطري في عقده األول 24-23نوفمبر ،2014كلية القانون ،جامعة قطر.
- -محمد جندات احملمد ،خيار النقد في الفقه اإلسالمي وتطبيقاته االقتصادية املعاصرة،
مجلة دمشق للعلوم االقتصادية والقانونية ،املجلد ،29العدد األول.2013 ،
- -محمود عبد املجيد املغربي ،تاريخ القوانني ،املؤسسة احلديثة للكتاب ،طرابلس-
لبنان.1996 ،
- -مصطفى أحمد الزرقا ،املدخل الفقهي العام ،ط ،1دار القلم ،دمشق.1988 ،
مجلة كلية القانون الكويتية العالمية -السنة السابعة -العدد - 2العدد التسلسلي - 26شوال 1440هـ -يونيو 2019م 452
د .عمر صالح العزاوي
- -مصطفى الرافعي ،تاريخ التشريع والقواعد القانونية ،ط ،1الشركة العاملية للكتاب،
بيروت.1993 ،
- -مصطفى الزملي:
• •أصول الفقه اإلسالمي في نسيجه اجلديد ،ط ،5اخلنساء للطباعة ،بيروت،
.1999
• •الكامل للزملي في الشريعة والقانون -معني القضاة لتحقيق العدل واملساواة -
الصلة بني املنطق والقانون ،ط ،1إحسان للنشر والتوزيع.2014 ،
- -مصطفى محمد اجلمال:
• •جتديد النظرية العامة للقانون ،ج ،1تعريف القانون -القواعد القانونية -مصادر
القانون -تطبيقات قضائية ،الفتح للطباعة والنشر.2002 ،
• •في سبيل نظرية عامة موحدة للقانون في العالم العربي واإلسالمي ،مجلة
الشريعة والقانون ،جامعة اإلمارات العربية املتحدة ،العدد ،6سبتمبر .1992
- -نادية السنهوري وتوفيق الشاوي ،عبد الرزاق السنهوري من خالل مذكراته
الشخصية ،ط ،1الزهراء لإلعالم العربي ،القاهرة.1988 ،
- -نسرين محاسنة ،بيع السلم وبيع البضائع املستقبلية ،دراسة مقارنة في القانون
املدني األردني وقانون بيع البضائع اإلجنليزي ،مجلة الشريعة والقانون ،جامعة
اإلمارات ،العدد ،27يوليو .2006
- -سيد بن حسني العفاني ،زهرة البساتني من مواقف العلماء والربانيني ،ج ،5دار
العفاني للنشر ،القاهرة ،بال سنة نشر.
- -سليمان بن محمد املزيد الشارخ ،مختصر الطريق ملقارنة أنظمة وقوانني القضاء
واملرافعات والتحقيق :دراسة مقارنة تصف األنظمة باململكة العربية السعودية
ومصادر تشريعها ،وقوانني الواليات املتحدة األمريكية ومصادر تشريعها ،ط،1
مطابع سلطان الرياض ،الرياض.2013 ،
- -سليم رستم باز ،شرح املجلة ،ج ،1ط ،3منشورات احللبي احلقوقية ،بيروت.2009 ،
- -سمير عبد السيد تناغو ،النظرية العامة للقانون ،منشأة املعارف ،اإلسكندرية،
.1974
453 مجلة كلية القانون الكويتية العالمية -السنة السابعة -العدد - 2العدد التسلسلي - 26شوال 1440هـ -يونيو 2019م
منهجية التقنين في النظم القانونية المقارنة :نماذج تطبيقية في القوانين المدنية
- -سيد عبد الله علي حسني ،املقارنات التشريعية بني القوانني الوضعية املدنية والتشريع
اإلسالمي «مقارنة بني فقه القانون الفرنسي ومذهب اإلمام مالك بن أنس ،ط،1
دار السالم للطباعة والنشر ،الرباط.2001 ،
- -عبد الرحمن الكيالني ،تقنني الفقه اإلسالمي في األردن الواقع واآلفاق ،بحث مقدم
ملؤمتر القضاء الشرعي في العصر احلاضر -الواقع واآلمال الذي نظمته كلية الشريعة
والدراسات اإلسالمية بجامعة الشارقة من 10إلى 13أبريل .2006
- -عبد الرزاق السنهوري:
• •القانون املدني العربي ،منشور في مجلة القانون ،وزارة العدل ،اجلمهورية
العربية السورية ،العدد ،1السنة ،18كانون الثاني.1967 ،
• •من مجلة األحكام العدلية إلى القانون املدني العراقي وحركة التقنني املدني في
العصور احلديثة ،مقاالت وأبحاث عبد الرزاق السنهوري ،عدد خاص (ج ،)1مجلة
القانون واالقتصاد ،كلية احلقوق ،جامعة القاهرة ،مطبعة جامعة القاهرة.1992 ،
• •وجوب تنقيح القانون املدني املصري ،وعلى أي أساس يكون هذا التنقيح ،مبناسبة
العيد اخلمسيني للمحاكم األهلية ،مقاالت وأبحاث عبد الرزاق السنهوري ،عدد
خاص (ج ،)1مجلة القانون واالقتصاد ،كلية احلقوق ،جامعة القاهرة.1992 ،
• •الوسيط ،في شرح القانون املدني اجلديد ،ج ،1ط ،1منشورات احللبي احلقوقية،
بيروت.2009 ،
• •مصادر احلق في الفقه اإلسالمي ،دراسة مقارنة بالفقه الغربي ،ج ،6دار إحياء
التراث العربي ،بيروت -لبنان ،ط ،1بال سنة طبع.
- -عبد السميع عبد الوهاب أبو اخلير ،ورشة عمل بعنوان« :األسلوب األمثل ملقارنة الفقه
اإلسالمي بالتشريعات الوضعية» ،تقدمي ومناقشة د .جاسم علي سالم الشامسي،
مجلة الشريعة والقانون ،جامعة اإلمارات العربية املتحدة ،ع ،12فبراير .1999
- -عدنان سرحان ،مالحظات نقدية بشأن الكتابني األول والثاني املنظمني اللتزامات
احلقوق الشخصية -والعقود من قانون املعامالت املدنية لدولة اإلمارات العربية
املتحدة ،مجلة الشريعة والقانون تصدر عن جامعة اإلمارات ،العدد ،23مايو .2005
- -عدنان سرحان ،ونوري حمد خاطر ،شرح القانون املدني ،مصادر احلقوق الشخصية
«االلتزامات» دراسة مقارنة ،دار الثقافة ،ط ،6عمان -األردن.2016 ،
- -عدنان سرحان وآخرون ،املدخل لدراسة القانون «نظرية القانون -نظرية العقد»،
مجلة كلية القانون الكويتية العالمية -السنة السابعة -العدد - 2العدد التسلسلي - 26شوال 1440هـ -يونيو 2019م 454
د .عمر صالح العزاوي
455 مجلة كلية القانون الكويتية العالمية -السنة السابعة -العدد - 2العدد التسلسلي - 26شوال 1440هـ -يونيو 2019م
منهجية التقنين في النظم القانونية المقارنة :نماذج تطبيقية في القوانين المدنية
- -صوفي حسن أبو طالب ،بني الشريعة اإلسالمية والقانون الروماني ،ج ،1مجلة
األزهر ،ذو القعدة 1434هـ ،سبتمبر/أكتوبر 2013م.
- -رمضان علي السيد الشربناصي ،املدخل لدراسة الفقه اإلسالمي ،ط 2مزيدة ومنقحة،
مطبعة األستانة1403 ،هـ.
- -روبرت كروس ،السوابق القضائية ،ترجمة د .محمد الشيخ عمر ،ط ،1دار اجليل،
بيروت1992 ،م
- -شويش هزاع علي محاميد ،مسيرة الفقه اإلسالمي املعاصر ومالمحه ،دراسة وثائقية
حتليلية ،ط ،1دار عمار ،عمان.2001 ،
- -خالد أحمد عبد احلميد ،فسخ عقد البيع الدولي للبضائع وفقا ً التفاقية فينا لعام
1980م ،ط ،2جامعة اإلسكندرية.2001 ،
- -خالد خليل الظاهر ،السوابق القضائية وضمانات حتقيقها للعدالة وحجيتها ،مجلة احلقوق
للبحوث القانونية واالقتصادية ،كلية احلقوق ،جامعة اإلسكندرية ،العدد.2011 ،2
- -خليفة بابكر احلسن وعبد الهادي السراج ،تاريخ التشريع اإلسالمي ومصادره ،كلية
الشريعة والقانون ،مطبوعات جامعة اإلمارات العربية املتحدة.1997 ،
- -غاي بيخور ،مدونة السنهوري القانونية «نشوء القانون املدني العربي املعاصر
،»1949-1932الشبكة العربية لألبحاث والنشر ،بيروت.2009 ،
- -غسان رباح ،الوجيز في القانون الروماني والشريعة اإلسالمية ،ط ،1منشورات
احللبي احلقوقية ،بيروت.2007 ،
مجلة كلية القانون الكويتية العالمية -السنة السابعة -العدد - 2العدد التسلسلي - 26شوال 1440هـ -يونيو 2019م 456
عمر صالح العزاوي.د
-- Bernard Schwartz, The Code Napoleon & the Common – Law world:
The Sesquicentennial Lectures Delivered At The Law Center of New York
University, December 131954 ,15-, The Lawbook Exchange, LTD, New
Jersey, 1998.
-- Charles E. Cark, The Union of Law & Equity, Yale Law School Legal
Scholarship Repository, V.1.1 1925.
-- Christopher Harper-Bill & Nicholas Vincent, Henry II: New Interpretations,
The Boydell Press, UK, 1st Ed., 2007.
-- Christian Dadomo and Susan farran, The French Legal System, London,
Sweet & Maxwell, 1993,
-- Clark B. Lombardi, Islamic Law in the Jurisprudence of the International
Court of Justice: An Analaysis, Chicago Journal of International Law, V.8,
No.1, Article 7,2007.
-- Eva Steiner:
•• French Law: A Comparative Approach, Blanc-Jouvan Xavier, Revue
internationale de droit comparé Année 2010 Volume 62 Numéro 4.
•• French Law: A Comparative Approach, Oxford University Press, New
York, 2010.
-- Frederick Olds Bissell, Codification in the State of New York, Historical Theses
and Dissertations Collection, Cornell Law School, Adigital Repository.
-- Gary Slapper & David Kelly:
•• English Legal Sysytem, 2nd edition, Cavendish Publishing, London, 2001.
•• The English Legal System, Routledge, New York, 13th Edition (2012-
2013).
•• English Legal Syaytem, 6th Edition, Routledge, New York, 2015.
-- George Makdisi, The Guilds of law in Medieval legal History: An Inquiry into
the Origins of the Inns of Court, 34, Cleveland State Law Review 3 (1985
-1986).
-- F. GĒNY, Science et Technique en droit privé positif, SIREY, Paris, 1910.
-- H.R. Hahlo Dr. Jur, Codifying the Common Law” Protracted Gestation”, The
Modern Law Review, V.38, Issue 1, January 1975.
457 م2019 يونيو- هـ1440 شوال- 26 العدد التسلسلي- 2 العدد- السنة السابعة- مجلة كلية القانون الكويتية العالمية
نماذج تطبيقية في القوانين المدنية:منهجية التقنين في النظم القانونية المقارنة
-- Jacqueline Moreau-David, Code civil francais et Code civil qatarien, regards sur
la codification, “the Qatari Civil Code in its First Decade”, A legal Confrence
2324- November 2014, College of law, Qatar University.
-- John A. Makdisi, “ The Islamic Origins of the common Law “ North Carolina
Law Review, Jun 1999.
-- Judith Romney Wenger, Islamic & Talmudic Jurisprudence: The Four Roots of
Islamic Law and Their Talmudic Counterparts, The American Journal of Lagel
History, V.26, No.1, Jan 1998.
-- Mary Keyes & Therese Wilson, Codifiying Contract Law, Ashgate Publishing
Co., Burlington, USA, 2014.
-- Maurice Eugen Lang, Codification in the British and America, The Lawbook
Exchange, LTD, New Jersey, USA, 2005.
-- Micheal Zander, The Law-Making Process, Cambridge University Press, New
York, 6th edition (2011).
-- Monica M. Gaudiosi, The Influence of the Islamic Law of Waqf on the
Development of the Trust in England: The Case of Merton College, 136,
University of Pennsylvania Law Review 1231 (1988).
-- Neil Duxbury, The Nature and Authority of Precedent, 1st edition, Cambridge
University Press, UK, (2008).
-- Noel J. Coulson, Commercial Law in the Gulf States: The Islamic Legal
Tradition, The International Lawyer, V.20, No.1, Winter 1986.
-- Peter M. North, Problems of Coditfication in a Common Law System, The
Rable Journal of Comarative and International Private Law, 46.Jarg H. 3.
1992.
-- Philip M. Halpern, Mixing Law & Equirty Cases of Action Does Not Preclude
a Jury Trial, Pace Law Review, V.35, Issue.3, Spring 2015.
-- S.P. Singh, Law of tort: Including Compensation Under the Consumer
Protection Act, Fifth Edition, universal law publishing, INDIA, 2010.
-- Vernon Valentine Palmer, Mohamed Y. Mattar, Anna Koppel, Mixed Legal
Systems, East and West, Ashgate Publishing Co., Burlington, USA, 2015.
م2019 يونيو- هـ1440 شوال- 26 العدد التسلسلي- 2 العدد- السنة السابعة- مجلة كلية القانون الكويتية العالمية 458
عمر صالح العزاوي.د
459 م2019 يونيو- هـ1440 شوال- 26 العدد التسلسلي- 2 العدد- السنة السابعة- مجلة كلية القانون الكويتية العالمية
منهجية التقنين في النظم القانونية المقارنة :نماذج تطبيقية في القوانين المدنية
احملتوى:
الصفحة املوضوع
411 امللخص
412 املقدمة
414 املبحث األول -املنهج التشريعي في النظام القانوني الالتيني
414 املطلب األول -حركة التقنني في القوانني املقارنة
414 الفرع األول -تطور التقنني في القوانني املدنية الغربية
419 الفرع الثاني -انتقال التقنني إلى القوانني املدنية العربية
430 املطلب الثاني -دعوى التأثير املتبادل بني الفقه اإلسالمي والنظام الالتيني
430 الفرع األول -أصل دعوى التأثير املتبادل وردها
433 الفرع الثاني -مناذج من التطبيقات القانونية
435 املبحث الثاني -املنهج القضائي في النظام القانوني األجنلوأمريكي
435 املطلب األول -مالمح النظام األجنلوأمريكي املعاصر
436 الفرع األول -قواعد غير مكتوبة مع تنامي فكرة «التقنني»
440 الفرع الثاني -قدرة القضاء على خلق القواعد القانونية
441 املطلب الثاني -مدى التقارب بني النظام األجنلوأمريكي والفقه اإلسالمي
442 الفرع األول -التقارب املفترض في املنهجية القانونية
450 اخلامتة
451 املراجع
مجلة كلية القانون الكويتية العالمية -السنة السابعة -العدد - 2العدد التسلسلي - 26شوال 1440هـ -يونيو 2019م 460