Professional Documents
Culture Documents
2عناصر الدرس الفلسفي عند نجيب بلدي
2عناصر الدرس الفلسفي عند نجيب بلدي
محمد وقيدي
أتابع في هذه الكلمة الحديث عن الدرس الفلسفي ،كما تلقيناه عن نجيب بلدي ،وأظل دائما في الشروط العامة للدرس مؤجال
الحديث عن تاثير بلدي قي تكويننا بالمضامين التي كان يعلمنا إياها .سأتحدث اليوم عن الصيغة التربوية للدرس والعناصر
التي تتضمنها تلك الصيغة.
;كان أول عنصر الفت االنتباه في درس نجيب بلدي هو نبرة صوته التي يتحدد بها معنى الجمل والكلمات التي ينطق بها،
كما تبرز بفضلها أهمية الجملة المنطوقة ضمن السياق لعام للكالم،بل ويمكن أن نفهم من خاللها موقف المتكلم من القضية
التي يتكلم فيها .كان صوت بلدي منخفض النبرة أحيانا ،ومرتفعا في أحيان أخرى ،فهو يعيش موضوع درسه أثناء إلقائه،
وكان يبدو بمثابة الممثل يقرأ نصا ويجسده بصوته .ال أستطيع ،مراعاة للمقام نفسه ،أن أطيل في وصف هده الحالة،
وأكتفي بإعطاء مثال عنها كان أول ما واجهناه من طريقة األستاذ في إلقاء الدرس ا لذي كان يتعلق ببداية] الفكر األخالقي
عند اليونانيين القدماء .فعندما وصل بلدي إلى الحكم على سقراط بالموت بتجرعه للسم ،ارتفع صوته بشكل واضح :مات
سقراط شهيدا للفلسفة وشاهدا على ميالدها في نفس الوقت .وتشبه الجملة السابقة تلك التي يطلب منا أن نضع تحتها سطرا
إلبرازها .المقصود هنا هو إثارة االنتباه بالحكم عليه تبعا ألغلبية األصوات لم يكن حكما عادال في حق سقراط وفي حق
الفلسفة معه وفي شخصه.
ثاني عنصر بارز في الدرس الفلسفي عند نجيب بلدي هو التوجيه نحو النصوص الفلسفية .وقد كان األمر طبيعيا باعتبارنا
كنا طلبة تكوين مختص في الميدان .والفلسفة كامنة في نصوصها ألن أفكار الفالسفة موجودة في كتبهم التي الغنى لمن
يريد بلوغ معرفة بها عن قراءتها .والدرس الفلسفي يؤدي مهمته حين يكون طريقا لالنفتاح على النصوص التي يتحدث
عنها وفي موضوعاته.
ثالث عنصر ،وهو مكمل لسابقه هو تكليف الطلبة بعروض .وكلن بلدي يكلفنا بعروض تكون متضمنة لقراءة نصوص
فلسفية .وأوضح هما أن النصوص المقصودة هنا لم تكن مجزأة مأخوذة من نصوص كاملة ،بل كانت هي تلك النصوص
المتمثلة في كتاب بأكمله أو في فصل من كتاب يهم الموضوعات المدروسة .وقد كان لي ،مثل كثير من الزمالء نصيبي من
التكليف بعروض .فقد كلفني بلدي ضمن شهادة األخالق وعلم االجتماع بعرض يتعلق بكتاب سارتر :الوجودية نذهب
إنساني ،وكان النص متوفرا بالفرنسية .لقي العرض الذي تقدمت به رضا األستاذ ،وعبر لي شخصيا عن األمر ،فزادني
دلك ثقة في النفس .وقد تفهمت قبول األستاذ ألني وضعت أمامي حدادة سجلت فيها إشارات وألقيت العرض شفويا ،وهو ما
راق األستاذ .كما شجع العرض على تكليفي بعروض أخرى بعضها صحبة طالب سوري كات زميال لنا هو حسان شاتيال،
وهدا في شهادة علم النفس ،وكان العرض عن برفسون من خالل كتابه الطاقة الروحية .أما في شهادة الفلسفة العامة فقد
كلفنا بلدي بقراءة بعض محاورات أفالطون ،ثم في مرحلة الحقة في بداية الدراسات العليا تم التركيز على نصوص كنط،
حيث قرأنا كتبه التي أخص منها كتابه نقد العقل الخالص .وقد كلفني نجيب بلدي بعرض استفدت منه كثيرا هو :الكوجيتو
بين ديكارت وكنط.
عندما تخرجنا من الجامعة والتحقنا كمدرسين للفلسفة بالتعليم الثانوي كنا مهيئين للمهمة بما درسناه من نصوص للفالسفة
ألنها كانت زادا أوليا قويا بالنسبة لنا .كما كنا مستعدين لتعميق ثقافتنا الفلسفية عبر قراءاتنا الشخصية واجتهادنا فيها.
عنصر أخير نورده وليس آخرا تضمنه تدريس بلدي ،ونعني به تقييمه لألعمال التي كان يكلفنا بها كتابيا .لم يكن يضه
تنقيطا لتلك األعمال ،بل كان يكتفي بمالحظات ألنها في نظره هي المهمة.وضع النقط مؤجل إلى االمتحان ألنه نظام على
صعيد المؤسسة يقتضي نقطا .لكني أود أن أورد هنا تجربة خاصة ك ففي امتحان شهادة الفلسفة العامة والمنطق جاءنا
سؤال عن مصير اإلنسان كان مشتركا بين بلدي وبين الحبابي ،وكانا سيقومان معا بتقييم ماكتبناه في الموضوع .جوابا عن
السؤال لن أتحدث عن أي فيلسوف ،بل كتبت تأمالت شخصية في الموضضوع ،وبقيت أنتظر نقطتي في المادة بكل توجس.
ولكن التقييم أزاح عني ما كان يخامرني من حيرة ألنها كانت من النقط األولال .وكان هدا مصدر ثقة في النفس بالنسبة إلي ،
وتقوية لالحترام الدي كنت أكنه لألستاد بلدي ،ومعه هنا محمد عزيز الحبابي .فالفلسفة في هده الحالة تطابقت مع التأمل
الشخصي.
تلك بعض عناصر الدرس الفلسفي ،كمما تعلمناه على نجيب بلدي .وتلك عناصر أوردتها حسب انطباعاتي الشخصية،
ويمكن أن يضيف إليها زمالء آخرون عناصر أحرى.