Professional Documents
Culture Documents
مقرر قانون العقوبات العام مع التعمق
مقرر قانون العقوبات العام مع التعمق
مقرر قانون العقوبات العام مع التعمق
كلية الحقوق
دبلوم القانون العام
إعداد
عبد الرحمن أحمد عبد الرحمن بريك إسالم أحمد عبد القوي السيد العرابي
عمر محمد أبو النصر محمد بهلول عبدهللا محمود حامد البرعي زاهر
محمد على شوقي عبد القادر محمد إمبابي محمد أحمد أحمد إبراهيم حبيب
تحت إشراف
0
مقدمة
إن العصر الحديث يشهد ثورة كبيرة في المعلومات أثرت بشكل كبير ومباشر في حياة
اإلنسان من حيث الشكل والمضمون ،وأدت إلى خلق بيئة اجتماعية لم تكن مألوفة من قبل،
يطلق عليها البيئة الرقمية أو البيئة اإللكترونية.
ترتب على ذلك عدة نتائج مباشرة حيث أنها أصبحت أداة للعالقات ولممارسة العديد من
األنشطة ،ورافق هذه األنشطة العديد من األفعال والتصرفات التي تشكل أفعالا إجرامية يعاقب
ال جديدا ا من الجرائم يطلق عليه الجريمة اإللكترونية أو الجريمة
عليها القانون ،ونتج عنها شك ا
السيبرانية ،كما شكل هذا النشاط الحديث تحديا ا واضحا ا للتشريعات التي عانت فترة طويلة من
النقص التشريعي غير األ حكام الخاصة بهذا النوع من الجرائم التي تعتمد في وجودها على هذا
الفضاء الخاص وساعد في انتشارها بسرعة كبيرة وجود شبكة اإلنترنت وما لها من استخدامات
متعددة.
ذلك؛ ألنها توسعت وانتشرت بصورة كبيرة وسريعة في وقت قياسي وأصبح
مستخدموها من جميع الفئات العمرية وباختالف مستوياتهم التعليمية والفكرية والثقافية ،حيث أن
كثير من هذه األفعال ظلت لفترة بدون قيود قانونية نتيجة غيار التنظيم التشريعي وخاصة فيما
يخص مجال الجريمة المرتكبة بواسطتها.
إن غياب التشريعات المنظمة للجرائم اإللكترونية كان يصعب األمر على القضاء في
تطبيق قانون العقوبات حيث أن معظم هذه الجرائم مستحدثة وتشكل ضرراا اجتماعيا ا ونفسيا ا
وماليا ا على المجتمع ول يوجد لها نص يعاقب من خالله القاضي مرتب الفعل اإلجرامي ،مما
استوجب إصدار تشريعات خاصة تتضمن تجريما ا واضحا ا لهذه األفعال وتحديد عقوبات خاصة
لها في محاولة للتصدي لهذه الجرائم والحد من اآلثار المترتبة عليها والتي استغلها الكثير من
ضعاف النفوس حيث اعتقدوا أنهم في ملجأ من العقاب خاصة وأن ارتكاب هذه الجرائم يكون
عن بعد وعبر الحدود ومن خالل أسماء وهمية أو مستعارة.
وتعتبر المعلومات من أهم ممتلكات اإلنسان في هذا العصر فجمعها ودونها وسجلها
على وسائط متدرجة التطور من خالل األقراص اإللكترونية الممغنطة ،ومن ثم جاء معها
ارتكاب جرائم البتزاز اإللكتروني ،والتي تستعير من هذه التقنية أساليبها المتطورة ،ومن ثم
أصبح العالم أمام ظاهرة جديدة لم يكن يعرفها من قبل وهي الجريمة المعلوماتية وساعد على
انتشار هذه الجريمة استخدام الحواسيب اآللية والتي انتشرت هذه الجريمة من خاللها حيث أنها
تتصل بها اتصالا مباشرا ا.
1
أهمية البحث:
إن لهذا البحث أهمية كبيرة من خالل تسليط الضوء على جريمة البتزاز اإللكتروني
في القانون المصري والقوانين المقارنة نتيجة انتشار هذه الجريمة داخل المجتمعات وعدم النص
عليها في القوانين السابقة ،مما دفع إلى دراسة هذا النوع الخطير من الجرائم وأنواعها من أجل
محاولة البحث على طرق وأساليب جديدة تساعد على مكافحتها للحد من آثارها على المجتمع.
أهداف البحث:
إن الهدف من هذا البحث يكمن في التعرف علي مفهوم البتزاز اإللكتروني ،والدوافع
لجريمة البتزاز اإللكتروني ،وأركان جريمة البتزاز اإللكتروني ،وعقوبات الجريمة ،ذلك كله
من خالل دراسة القوانين والتشريعات المختلفة إليضاح ما سبق ذكره.
إشكاليات البحث:
تثير هذه الدراسة العديد من اإلشكاليات والتي من بينها :وما هي جرائم البتزاز
اإللكتروني ودوافعها ؟ وما هي أركان جريمة البتزاز اإللكتروني؟ وما موقف التشريعات
المختلفة منها؟.
مناهج البحث:
سوف نتبع في هذا البحث كل من المنهج الوصفي والمنهج التحليلي والمنهج المقارن:
المنهج الوصفي :من خالل العتماد المباشر على النصوص القانونية من مصادرها
المباشرة.
المنهج التحليلي :من خالل تحليل وتفسير مضامين القوانين اعتمادا ا على الدراسات
واألبحاث وبعض األحكام القضائية.
المنهج المقارن :من خالل المقارنة بين التشريعات المختلفة لبعض الدول التي اهتمت
بوضع تشريعات للجرائم اإللكترونية بصفة عامة ،وجرائم البتزاز اإللكتروني بصفة خاصة.
خطة البحث:
سوف نستعرض هذا البحث من خالل فصلين:
2
الفصل األول
جريمة االبتزاز اإللكتروني ودوافعها وأركانها
تمهيد وتقسيم:
تقسم التعريفات الواردة للجرائم اإللكترونية إلى طائفتين رئيستين؛ أولهما :طائفة
التعريفات التي تقوم على معيار واحد ،وهذه تشمل تعريفات قائمة على معيار قانوني ،كتعريفها
بدللة موضوع الجريمة أو السلوك محل التجريم أو الوسيلة المستخدمة ،وتشمل أيضا ا تعريفات
قائمة على معيار شخصي ،وتحديدا ا متطلب توفر المعرفة والدراية التقنية لدى شخص مرتكبها،
وثانيهما :طائفة التعريفات القائمة على تعدد المعايير ،وتشمل التعريفات التي تبرز موضوع
الجريمة وأنماطها وبعض العناصر المتصلة بآليات ارتكابها أو بيئة ارتكابها أو سمات مرتكبها.
أن يتوقف الشخص المهدد من عمل شيء بالمعنى العام ،البتزاز هو عرض طلب ّ
مسموح به عادة ا ،لذا فهو يختلف عن التهديد ،الذي يحمل تهديدا ا ينتهي بعمل غير قانوني أو
عنف ضد الشخص إن لم يستجب للمطالب ،ويسمى المال المدفوع نتيجة البتزاز رشوة إسكات
وكان مصطلح ابتزاز أصالا مقصورا ا على جمع رسوم غير قانونية بواساطة موظف عام،
ويعاقب على البتزاز بالسجن ،أو بالغرامة ،أو بكلتيهما ويضاف في بعض البلدان الطرد من
الوظيفة.
فجريمة البتزاز اإللكتروني جريمة عابرة للحدود غالباا ،وتتم عن بُعد ،ول يكون فيها
اتصال مباشر بين الجاني والمجني عليه ،كما أنها ترتكب عادة ا في بيئة رقمية معتمدة على
الوسائط اإللكترونية المرتبطة بالشبكة العنكبوتية (اإلنترن ت) ،كما تتسم هذه الجريمة بأنها من
جرم
الجرائم بالغة الخطورة ،وذات طبيعة ناعمة ،كما تتسم بصعوبة اكتشافها وإثبات الفعل ال ُم َّ
على مرتكبها.
مما سبق سوف نقسم هذا الفصل إلى مبحثين على النحو التالي:
3
المبحث األول
ماهية جريمة االبتزاز اإللكتروني ودوافعها
تمهيد وتقسيم:
الجريمة اإللكترونية أو الفتراضية تتكون من مقطعين ،هما؛ الجريمة واإللكترونية،
ويستخدم مصطلح اإللكترونية لوصف فكرة جزء من الحاسب أو عصر المعلومات ،أما
الجريمة فهي السلوكيات واألفعال الخارجة على القانون ،والجرائم اإللكترونية.
البتزاز هو عرض طلب أن يتوقف الشخص المهدد من عمل شيء مسموح به عادة ا،
لذا فهو يختلف عن التهديد ،الذي يحمل تهديدا ا ينتهي بعمل غير قانوني أو عنف ضد الشخص
إن لم يستجب للمطالب ،ويسمى المال المدفوع نتيجة البتزاز رشوة إسكات وكان مصطلح
ابتزاز أصالا مقصورا ا على جمع رسوم غير قانونية بواساطة موظف عام ،ويعاقب على
البتزاز بالسجن ،أو بالغرامة ،أو بكلتيهما ويضاف في بعض البلدان الطرد من الوظيفة.
مما سبق سوف نقسم هذا المبحث إلى مطلبين على النحو التالي:
4
المطلب األول
ماهية جريمة االبتزاز اإللكتروني
اإللكتروني لغةً هو :المنسوب إلى اإللكترون ،ومنها الكمبيوتر وأجهزة التصال الحديثة
التي تعتمد على اإللكترون لتشغيلها ،وكما جاء في معجم المعاني هي :آلة الحاسوب تعتمد على
مادة اإللكترون إلجراء أدق العمليات الحسابية وبأسرع وقت ممكن ،ويسمى أيضا ا كمبيوتر.
هو القيام بالتهديد بكشف معلومات معينة عن شخص ،أو فعل شيء لتدمير الشخص
المهدد ،إن لم يقم الشخص المهدد بالستجابة إلى بعض الطلبات ،هذه المعلومات تكون عادة
محرجة أو ذات طبيعة مدمرة اجتماعياا ،وهو بمعنى الستبزاز فال فارق بين المطالب الغير
مشروعة أو المشروعة للوصول إلى الهدف الذي رسم له ،وغالبا ا ما يكون هذا الهدف مدمر
للحياة الجتماعية ،وهو محاولة الحصول عى مكاسب مادية أو معنوية عن طريق اإلكراه من
شخص أو أشخاص أو حتى مؤسسات ويكون ذلك اإلكراه بالتهديد بفضح سر من أسرار المبتز.
بالمعنى العام ،البتزاز هو عرض طلب أن يتوقف الشخص المهدد من عمل شيء
مسموح به عادة ،لذا فهو يختلف عن التهديد ،الذي يحمل تهديدا ا ينتهي بعمل غير قانوني أو
عنف ضد الشخص إن لم يستجب للمطالب ،ويسمى المال المدفوع نتيجة البتزاز رشوة إسكات
وكان مصطلح ابتزاز أصالا مقصورا ا على جمع رسوم غير قانونية بواساطة موظف عام،
ويعاقب على البتزاز بالسجن ،أو بالغرامة ،أو بكلتيهما ويضاف في بعض البلدان الطرد من
الوظيفة.
5
ثالثاً :التعريف الفقهي والقانوني لالبتزاز اإللكتروني:
حدد الفقه البتزاز اإللكتروني حسب غرضه ومضمونه إلى تعريفين وهما:
وعرفه جانب من الفقه بأنه" :الضغط الذي يباشره شخص على إرادة شخص آخر
لحمله على ارتكاب جريمة معينة ،"4وعرفه آخر بأنه" :فعل يقوم به شخص بتهديد شخص آخر
شفاهةا أو كتابةا ،ول عبرة بنوع عبارة التهديد ما دام من شأنها التأثير فنفس المجني عليه
كتخويفه ،أو مجرد إزعاجه من خطر لم يتحقق بعد ،بل قد يلحق بماله ،أو بنفسه ،أو نفس أي
شخص آخر له صلة بالمجني عليه."5
وقد أخذت بعض التشريعات من هذا المضمون والغاية والتعريف الضيق لالبتزاز،
ومنها المشرع الفرنسي ،حيث تعرف المادة 1/312من قانون العقوبات البتزاز بأنه" :فعل
الحصول على الشي ء بالعنف أو التهديد بالعنف ،أو اإلكراه للتوقيع أو التعهد أو التخلي أو
الكشف عن سر ،أو تحويل أموال أو أوراق مالية أو أي سلعة أخرى".
كما عرفته المادة 10/312من ذات القانون بأنه" :الحصول عن طريق التهديد بكشف
أو ادعاء وقائع من شأنها أن تضر بالشرف أو السمعة أو العتبار بقصد التوقيع أو التعهد أو
التخلي أو الكشف عن سر ،أو تسليم أموال أو أوراق أو أي سلعة أخرى".
1د .تامر محمد صالح ،البتزاز اإللكتروني -دراسة تحليلية مقارنة ،دار الفكر والقانون ،المنصورة ،ص.15
2د .عبد الرحمن بن عبدهللا السند ،جريمة البتزاز ،مطبوعات الرئاسة العامة لهيئة األمر بالمعروف والنهي بالمنكر ،2018 ،ص.15
مشار إليه لدى :د .تامر محمد صالح ،مرجع سابق ،ص.15
3جيرار كورنو ،ترجمة منصور القاضي ،معجم المصطلحات القانونية ،ط ،1المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع،1998 ،
ص .22مشار إليه لدى :د .تامر محمد صالح ،مرجع سابق ،ص.15
4د .أحمد شوقي أبو خطوة ،شرح الحكام العامة لقانون العقوبات ،دار النهضة العربية ،القاهرة ،2003 ،ص.559
5د .محمد عبيد الكعبي ،الجرائم الناشئة عن الستخدام غير المشروع لشبكة اإلنترنت ،ط ،2دار النهضة العربية ،القاهرة،2009 ،
ص.27
6
وبالنسبة للمشرع المصري فقد جمع بين تحديد مضمون التهديد في البتزاز والغرض
منه ،كما جاء في المادة 325من قانون العقوبات التي تنص على أنه" :كل من اغتصب بالقوة
أو التهديد سندا ا مثبتاا ،أو موجودا ا لدين أو تصرف أو براءة ،أو سندا ا ذا قيمة أدبية أو اعتبارية،
أو أوراقا ا تثبت وجود حالة قانونية أو اجتماعية ،أو أكره أحدا ا بالقوة أو التهديد على إمضاء
ورقة مما تق دم أو ختمها يعاقب السجن المشدد" ،وتنص المادة 326من نفس القانون على أنه:
"كل من حصل بالتهديد على إعطائه مبلغا ا من النقود أو أي شيء آخر يعاقب بالحبس".
وذهب المشرع المصري في بعض النصوص األخرى إلى العقاب على البتزاز محدداا
مضمون التهديد في البتزاز دون تحديد الغرض من التهديد ،وبالتالي يقع البتزاز طالما تم
التهديد باإلفشاء مثالا للقيام بعمل أو المتناع عن عمل ،حيث تنص المادة 309مكرر (أ) على
أنه" :يعاقب بالحبس كل من أذاع أو سهل إذاعة ،أو استعمل ولو في غير عالنية تسجيالا أو
مستندا ا متحصالا عليه بإحدى الطرق المبينة بالمادة السابقة ،أو كان ذلك بغير رضاء صاحب
الشأن ،ويعاقب بالسجن مدة ل تزيد على خمس سنوات كل من هدد بإفشاء أمر من األمور التي
تم التحصل عليها بإحدى الطرق المشار إليها لحمل شخص على القيام بعمل أو المتناع عنه،
ويعاقب بالسجن الموظف العام الذي يرتكب أحد األفعال المبينة بهذه المادة اعتمادا ا على سلطة
وظيفته".
وتنص المادة 327من قانون العقوبات المصري على أن" :كل من هدد غيره كتابةا
بارتكاب جريمة ضد النفس أو المال ،معاقب عليها بالسجن المؤبد أو المؤقت ،أو بإفشاء أمور
أو نسبة أمور ُمخدشة بالشرف ،وكان التهديد مصحوبا ا بطلب أو بتكليف بأمر ،يعاقب بالسجن،
ويعاقب بالحبس إذا لم يكن التهديد مصحوبا ا بطلب أو بتكليف بأمر ،وكل من هدد غيره شفهيا ا
بواسطة شخص آخر بمثل ما ذكر ،يعاقب بالحبس مدة ل تزيد على سنتيين ،أو بغرامة ل تزيد
على خمسمائة جنيه سواء أكان التهديد مصحوبا ا بتكليف بأمر أم ل ،وكل تهديد سواء أكان
بالكتابة أم شفهيا ا ب واسطة شخص آخر بارتكاب جريمة ل تبلغ الجسامة المتقدمة ،يعاقب عليها
بالحبس مدة ل تزيد على ستة أشهر أو بغرامة ل تزيد على مائتي جنيه".
1د .رمسيس بهنام ،قانون العقوبات جرائم القسم الخاص ،ط ،1منشأة المعارف ،1999 ،ص .1204مشار إليه لدى :د .تامر محمد
صالح ،مرجع سابق ،ص 26وما بعدها.
7
ويعرف البعض البتزاز اإللكتروني أنه" :محاولة الحصول على شيء من شخص ما
عن طريق التهديد بالكلمات أو اإليماءات ،أو اتهامه بشيء ما ،أو عن طريق العنف أو الخوف،
طرد شخص ،الصراخ عليه ،رمي أو كسر األشياء ،إلخ ،...للحصول على أي شيء ذي قيمة،
ومفهوم (شيء ذي قيمة) ل يشمل المال والممتلكات فقط ،ولكنه يشمل أيضا ا األمور المعنوية".
وقد أخذت بذلك بعض التشريعات منها :المادة 4/3من القانون الكويتي رقم 63لسنة
2015المتعلق بمكافحة جرائم تقنية المعلومات ،التي تنص على أن" :يُعاقب بالحبس مدة ل
تجاوز ثالث سنوات ،وبغرامة ل تقل عن ثالثة آلف دينار ول تجاوز عشرة آلف دينار ،أو
بإحدى هاتين العقوبتين كل من :استعمل الشبكة المعلوماتية أو استخدم وسيلة من وسائل تقنية
المعلومات في تهديد أو ابتزاز شخص طبيعي أو اعتباري لحمله على القيام بفعل أو المتناع
عنه ،فإذا كان التهديد بارتكاب جناية أو بما يُعد ماسا ا بكرامة األشخاص ،أو خادشا ا للشرف
والعتبار أو السمعة كانت العقوبة الحبس مدة ل تجاوز خمس سنوات والغرامة التي ل تقل عن
خمسة آلف دينار ول تجاوز عشرين ألف دينار ،أو بإحدى هاتين العقوبتين".
وذهب المشرع اإلماراتي إلى ذات التجاه ،حيث تنص المادة 16من القانون رقم 5
لسنة ،2012المتعلق بمكافحة جرائم تقنية المعلومات على أن" :يعاقب بالحبس مدة ل تزيد على
سنتين والغرامة التي ل تقل عن مائتين وخمسون ألف درهم ول تجاوز خمسمائة ألف درهم ،أو
بإحدى هاتين العقوبتين كل من ابتز أو هدد شخص آخر لحمله على القيام بفعل أو المتناع عنه،
وذلك باستخدام شبكة معلوماتية أو وسيلة تقنية معلومات ،وتكون العقوبة السجن مدة ل تزيد
على عشر سنوات إذا كان التهديد بارتكاب جناية أو بإسناد أمور خادشة للشرف أو العتبار".
وتنص المادة 18من قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات الصادر بالمرسوم السلطاني
العُماني رقم 12لسنة 2011على أن ":يعاقب بالسجن مدة ل تقل عن شهر ول تزيد على ثالث
سنوات ،وبغرامة ل تقل عن ألف لاير عماني ول تزيد على ثالثة آلف لاير عماني ،أو بإحدى
هاتين العقوبتين ،كل من استخ دم الشبكة المعلوماتية ،أو وسائل تقنية المعلومات في تهديد
شخص أو ابتزازه لحمله على القيام بفعل أو المتناع ولو كان هذا الفعل أو المتناع عنه
مشروعاا ،وتكون العقوبة السجن المؤقت مدة ل تقل عن ثالث سنوات ول تزيد على عشر
سنوات ،وغرامة ل تقل عن ثالثة آلف لاير عماني ول تزيد على عشرة آلف لاير عُماني إذا
كان التهديد بارتكاب جناية أو بإسناد أمور ُم ّخلة بالشرف أو العتبار".
وبنا اء على ذلك فالبتزاز اإللكتروني هو :كل تهديد يقوم به الجاني ،أو وسيط عنه يتم
عبر وسيلة إلكترونية ،ويؤثر في نفسية المجني عليه ،أو شخص عزيز لديه ،ويدفعه إلى القيام
بما طلبه منه الجاني أو كلفه به سواء أكان مشروعاا ،أم غير مشروع.
8
المطلب الثاني
دوافع ووسائل جريمة االبتزاز اإللكتروني
-1دوافع مالية:
يتحقق هذا النوع من البتزاز بقيام الجاني بتهديد المجني عليه من أجل تسليم نقود له أو
أشياء أخرى ذات طابع مادي؛ سواء بطريقه مباشرة ،أم غير مباشرة ،ويتحقق كسب المال
بالطريق المباشرة بطلب المبتز من المجني عليه تحويل مبالغ مالية بشكل مستمر له أو لغيره.
أما كسب المال بالطرق غير المباشرة فيتحقق عن طريق طلب المبتز من المجني عليه
تسديد مبالغ مالية اقترضها من أحد البنوك ،أو قيامه بدفع أقساط السيارة المستحقة ،أو تسديد
المبالغ المالية المستحقة على هاتفه النقال.
كما يتحقق كسب المال بالطرق غير المباشرة بابتزاز المجني عليه إذا كان يعمل لدى
إحدى الشركات كأن يطلب منه القيام بكشف أسرار الشركة التي يعمل لديها المجني عليه ،أو
إعطاءه األرقام السرية لحسابات الشركة؛ كما يحصل البتزاز لبعض األشخاص عن طريق
إطالق الجاني للشائعات ونشرها عنهم في حالة عدم دفعهم المبالغ المالية التي يريدها ،أو
الموافقة على طلباته بهدف تركهم و البتعاد وعدم التعرض لهم دون تشويه سمعتهم.
1ممدوح رشيد مشرف الرشيد العنزي ،الحماية الجنائية للمجني عليه من البتزاز ،المجلة العربية للدراسات األمنية ،المجلد ،33
العدد ،70الرياض ،2017 ،ص 200وما بعدها.
9
وينقسم البتزاز الجنسي إلى قسمين :القسم األول :البتزاز الجنسي اإللكتروني ،أما
القسم الثاني فالبتزاز الجنسي الواقعي ،البتزاز الجنسي اإللكتروني يتحقق عن طريق وسائل
التصال البعيدة مثل :برامج التصال المرئي skypeمثالا ،أو موقع الفيسبوك ،أو المواقع
الخاصة التي تعرض طلبات الراغبين بالزواج ،أو تلك التي تختص بالبحث عن الوظائف،
والمبتز في هذا النوع يعتبر مجرما ا خفيا ا يسعى للحصول على معلومات تخص الضحية.
أما القسم الثاني وهو ما يُسمى بالبتزاز الجنسي الواقعي فيقع هذا النوع من البتزاز
بقيام المبتز بالحصول على معلومات من الضحية بعد ارتباطه معه بعالقة كأن يقوم بالتقاط
صور تمس الضحية ،وهي بصحبته ،أو أن يحصل عى معلومات ،أو وثائق سرية ،أو مقاطع
صوتية ،أو مرئية تخصه ،أو ربما يصل األمر إلى حصول المبتز على أرقام ولي أمر الضحية
دون علمه ،ومن ثم تهديده بفضح أمره إذا لم يستجب لرغباته ،ومن ثم تهديد بها بهدف تحقيق
رغباته الجنسية ،وقد يستخدم المبتز التهديد لنشر ما يمكنه أن يقوم بمباشرة تجاه أي شخص؛
ومما يدل على وقوع البتزاز الجنسي أن كثيرا ا من قضايا البتزاز التي يتم ضبطها يضبط معها
صور للضحية ،أو مقاطع مرئية خادشة للحياء ،بأن يقوم الجاني بتصوير ضحيته ،ومن ثم
تهديده بها ،ما يترتب عليه أن تصبح إرادة المجني عليه مسلوبة ،ومن ثم النصياع لطلبات
الجاني دون أدنى مقاومة منها.
-3دوافع انتقامية:
وهي قيام الجاني بتهديد المجني عليه بطرق غير ملموسة ويؤدي الجانب النفسي دوراا
في ذلك باعتبار أن المجني عليه يعيش صراعا ا داخليا ا نتيجة لتوقعه أن الجاني سيقوم بتنفيذ
تهديداته ضده في أي وقت يشاء ،ما يدفعه إلى تلبية طلبات الجاني تجنبا ا لتنفيذ تهديداته ،ويتحقق
الدافع النتقامي بتلذذ الجاني بأذية المجني عليه واستمتاعه بتوسالته لديه وبكائه ،مما يزيد األمر
سوءا ا إلى أن يقوم الجاني بتصوير المجني عليه ويطلب منه ذكر اسمه أو أي بيانات تتعلق به،
كما قد يكون الدافع لدى الجاني هو النتقام من المجني عليه عن طريق إلحاق األذى به وإساءة
سمعته بنشر صوره إما عن طريق شبكة اإلنترنت ،أو عن طريق الهواتف المحمولة المزودة
بكاميرا ،أو عن طريق خدمة واتساب التي تعتبر من أحدث الطرق في وقتنا الحالي لسرعة
انتشارها ،أو أن يقوم الجاني بابتزاز المجني عليه إذا كان أنثى ،وذلك بمنعها من الزواج لهدف
اإلضرار بها أو النتقام منها.
ثانياً :وسائل االبتزاز اإللكتروني:
-1إنشاء مواقع على الشبكة المعلوماتية:1
يلجأ الجاني المبتز أحيانا ا إلى إنشاء مواقع إلكترونية على الشبكة المعلوماتية بهدف
حصوله على أكبر قدر ممكن من المعلومات التي تخص المجني عليه ،أمثال :المواقع الخاصة
بالزواج ،أو الخاصة بالبحث عن الوظائف؛ إذ يقوم الجاني بعمل ملف يحتوي على معلومات
تخص المجني عليه بدون علمه ،أو دون الحصول على موافقته.
1فايز عبدهللا الشهري ،دور مؤسسات المجتمع في مواجهة ظاهرة البتزاز وعالجه -البتزاز اإللكتروني نموذجا ا -ندوة البتزاز
المفهوم والواقع والعالج ،جامعة الملك سعود ،2011 ،ص .154مشار إليه لدى ممدوح رشيد مشرف الرشيد العنزي ،مرجع سابق،
ص .204
10
وقد يحدث أن يقوم الجاني بعمل مثل ذلك وبعلم المجني عليه بعد إيهامه بأن جميع
المعلومات المرسلة سيتم التعامل معها بكل سرية ،ولكي تكون تلك المواقع أكثر مصداقية ،فإن
األمر يتطلب أحيانا ا لالشراك بها واستخدامها من قبل المجني عليه تحويل مبالغ مالية ،ومنها
المواقع التي تهتم بالبحث عن الوظائف للعاطلين عن العمل؛ إذ تتطلب تلك المواقع لالشتراك بها
التسجيل أولا ،ومن ثم تعبئة البيانات الخاصة بالضحية كأرقام التواصل ،أو السم الثالثي ،أو
البريد اإللكتروني.
ومن الطرق أيضا ا التي يلجأ إليها الجناة بهدف ابتزاز ضحاياهم إنشاء مواقع للزواج
بهدف اصطياد الفتيات الراغبات في البحث عن الزواج ووضع شروط أو طلبات للموافقة على
الشتراك بمثل تلك المواقع ،ومن تلك الشروط إرسال صورهن الشخصية عبر البريد
اإللكتروني ،وبياناتهن ،ووسائل التصال التي تخصهن ،وبعد أن تقوم الضحية بتقديم ما يخصها
من معلومات كافية ،تبدأ عملية البتزاز من قبل الجاني والضغط على الضحية؛ ما يترتب عليه
أن تعيش صراعا ا داخليا ا من ناحية الخوف من افتضاح أمرها ،ومن ثم الرضوخ لمتطلبات
الجاني.
وأيضا ا من ضمن المواقع مواقع التواصل الجتماعي أو ما يسمى بالشبكات الجتماعية
التي ظهرت نتيجة للتطور الهائل في وسائل التصالت ونتيجة لالعتماد على التكنولوجيا
الحديثة في مجال اإلنترنت ،والتي عن طريقها أصبحت لغة التخاطب بين الجنسين أسهل من
ذي قبل ،نتيجة لستخدام البالك بيري وبرامج الماسنجر والفيس بوك ما أدى إلى تطور وسهولة
البتزاز نتيجة للعالقات التي تنشأ عبر هذه الشبكات ،ويحدث ذلك بعد أن يكسب المجني عليه
ثقة المبتز والطمئنان له ،ويقوم بإرسال صوره أو أن يقوم الجاني بعمل تسجيالت صوتية
والحتفاظ بها.
-2غرف المحادثة:1
عندما تحدث لغة التخاطب عبر اإلنترنت فإن ما يحدث هو كتابة رسالة باستخدام لوحة
المفاتيح ،حيث يمكن لآلخرين رؤية ما تكتب وبعدها تأتي ردودهم ،ويمكن التخاطب مع فرد ،أو
مجموعة ،ولذلك بإمكان الشخص أن يختار موضوع التخاطب الذي يريده ونوعه الذي توفره
تقنيات اإلنترنت.
وتحصل جريمة البتزاز عن طريق غرف المحادثات مثل :غرف البالتوك ،ومواقع
الدردشات الصوتية ،والكتابية ،التي تعد من أشهر طرق البتزاز ،ويكون ذلك بدخول بعض
األشخاص بأسماء فتيات مستعارة بهدف ابتزاز الطرف اآلخر وهم الشباب ،أو الفتيات ،ونظراا
لما تتمتع به مثل تلك الغرف من خصوصية تسمح لكال الطرفين من تبادل األحاديث بينهم
والتعارف ،دون اطالع اآلخرين عليها ،ما ينتج عن تلك األحاديث من كسب ثقة الطرفين
وتساهل الطرف اآلخر مع الجاني المبتز ،حيث تعد فرصة له لتحقيق ما يهدف إليه من ناحية
حصوله على مطامعه المادية أو المعنوية.
11
-3ابتزاز المجني عليه عن طريق البريد اإللكتروني:1
يُعرف البريد اإللكتروني بأنه عبارة عن وسيلة لتبادل الرسائل ما بين الطرفين،
ويستطيع الفرد من خالله إرسال واستقبال كل ما يُريده من رسائل ،سواء أكانت كتابية ،أم
صوتية ،أم إرسال واستقبال الصور ويُعد البريد اإللكتروني األكثر استعما ال من قبل مستخدمي
شبكة اإلنترنت؛ إذ يسمح بتبادل الرسائل وتوجيهها إلى أكبر عدد ممكن من مستخدمي البريد
اإللكتروني ،وتتحقق جريمة البتزاز عن طريقه بدخول الجاني إلى بريد المجني عليه
اإللكتروني وقراءة ما يحتويه من رسائل مرسلة دون علمه ،أو رضاه ،أو الطالع على الصور
الخاصة به ،وهذه الحالة تحدث كثيرا ا عن طريق سرقة الرمز السري الخاص بالبريد
اإللكتروني والطالع على محتواه من رسائل ،وصور تخص المجني عليه ،وبعد أن يحصل
الجاني على تلك المعلومات والبيانات يقوم بإرسال رسالة عبر بريده اإللكتروني متضمنة تلك
الرسالة تهديدا ا للمجني عليه إما بنشر ما يخصه من صور ،أو رسائل تهدف إلى تحقيق ما يسعى
إليه كأن يهدده بارتكاب جريمة ضد نفسه ،أو ماله ،أو ضد نفس ،أو مال غيره ،أو تهديده بإفشاء
أمور تمس شرفه ،وسمعته ،سواء أكان ذلك مصحوباا بطلب ،أو بتكليف بأمر ،أو المتناع عن
فعل.
-4استخدام الهواتف النقالة المزودة بكاميرا:
تتمثل سلبية الهواتف النقالة في سوء استخدامها ،والتعامل معها كوسيلة من وسائل
التصال ،كما ساعدت تلك الهواتف بطريقة مباشرة ،أو غير مباشرة في ازدياد جريمة البتزاز،
ويتحقق ذلك عن طريق استخدامه الستخدام غير المشروع من ناحية المساس بالحياة الخاصة
لألفراد بالتقاط الصور لهم عبر كاميرا الهاتف النقال ،أو عبر تقنية الفيديو الملحق به أو نشر
أخبار ،أو تسجيالت صوتية ،أو مرئية ليبدأ الجاني بعد ذلك بتهديد المجني عليه بنشر تلك
الصور أو التسجيالت الصوتية إذا لم يرضخ لمطالبه.
-5استخدام الفوتوشوب:2
تتحقق تلك الوسيلة بقيام الجاني بعمل مونتاج للصورة الخاصة بالمجني عليه عن طريق
إدخال تعديالت عليها لكي تكون متطابقة مع ما يريده الجاني بهدف الوصول إلى مبتغاه ويحدث
البتزاز عن طريق قيام الجاني بتركيب صورة للمجن عليه على صورة أخرى مخالفة للواقع
كأن يقوم بتركيب صورة لرجل وامرأة لكي يهدد حياتها األسرية ويبتز صاحب الصورة ،األمر
الذي أصبح سه ا
ال مع تطور األجهزة الحديثة في وقتنا الحالي؛ ما يؤدي في األخير إلى اإلضرار
بسمعة المجني علي وابتزازه لكي يقوم بفعل معين أو المتناع عن فعل معين.
1محمد عبيد الكعبي ،مرجع سابق ،ص .110مشار إليه لدى ممدوح رشيد مشرف الرشيد العنزي ،مرجع سابق ،ص.205
2د .عبد الفتاح بيو مي حجازي ،الجريمة في عصر العولمة ،دار الفكر العربي ،2007 ،ص .154
12
المبحث الثاني
أركان جريمة االبتزاز اإللكتروني
تمهيد وتقسيم:
ل يهم القانون أن تكون الواقعة التي يهدد الجاني المجني عليه بإسنادها إليه صحيحة أو
غير صحيحة ،ول يهمه أيضا ا أن يكون من ستناله الواقعة هو المجني عليه بالذات ،فقد يكون
شخصا ا آخر يهم المجني عليه كزوجته أو إبنته أو أحد أقاربه ،والعبرة فيما يهتم له القانون من
حيث المحل المادي لجريمة البتزاز اإللكتروني أن يكون من شأن الواقعة المساس بشرف
المجني عليه أو الحط من مكانته أو المشرف أو مكانة أحد اقربائه.1
يتمثل القصد الخاص لجريمة البتزاز اإللكتروني وفق الغالب من الفقه إلى جلب
المنفعة غير المشروعة للجاني أو لغيره ،بحيث ل يقوم القصد ول يتكون الركن المعنوي
للجريمة إذا انتفى غرض الجاني من الحصول على المنفعة غير المشروعة ،ووفق هذا الرأي ل
تقع جريمة البتزاز حين تكون المنفعة التي يقصدها الجاني مشروعة ،كأن يهدف مث ا
ال إلى
مجرد اإلزعاج ،أو يهدده ليدفعه إلى فعل يخدم المجني عليه نفسه ،كتهديده بفضح أمر إذا لم
يتوقف عن تعاطي المخدرات مثالا ،وفي هذه الحالت فإن القصد الذي يستهدف منفعة مشروعة
ل تقوم به الجريمة.2
مما سبق سوف نقسم هذا المبحث إلى مطلبين على النحو التالي:
1د .محمود نجيب حسني ،شرح قانون العقوبات القسم الخاص ،ط ،8منشورات دار النهضة العربية ،مصر ،1984 ،ص .197مشار
إليه لدى :مصطفى خالد الرواشدة ،جريمة البتزاز اإللكتروني في القانون األدرني ،رسالة ماجستير ،عمادة الدراسات العليا ،جامعة
آل البيت ،األردن ،2019 ،ص .27
2د .محمود نجيب حسني ،مرجع سابق ،ص.206
13
المطلب األول
الركن المادي لجريمة االبتزاز اإللكتروني
إن الركن المادي ألي جريمة يتكون من (المحل ،والفعل) ،وأما عن مجال جريمة
البتزاز فهو" :أمر أو واقعة يكون من شأن إسنادها إلى المجني عليه الحط من قدره أو قدر
غيره أو المساس بشرفه أو شرف غيره."1
ول يهم القانون أن تكون الواقعة التي يهدد الجاني المجني عليه بإسنادها إليه صحيحة
أو غير صحيحة ،ول يهمه أيضا ا أن يكون من ستناله الواقعة هو المجني عليه بالذات ،فقد يكون
شخصا ا آخر يهم المجني عليه كزوجته أو إبنته أو أحد أقاربه ،والعبرة فيما يهتم له القانون من
حيث المحل المادي لجريمة البتزاز اإللكتروني أن يكون من شأن الواقعة المساس بشرف
المجني عليه أو الحط من مكانته أو المشرف أو مكانة أحد اقربائه.2
أما من حيث السلوك الجرمي (الفعل) لجريمة البتزاز اإللكتروني ،فإن الفعل الرئيسي
في الجريمة هو التهديد بفضح أمر ،وهو في جوهره وعيد بإيقاع شر يهدف الضغط على إرادة
المجني عليه ،ليحقق من خالله الجاني الهدف من هذا التهديد ،3وأهم ضابط لهذا السلوك هو
درجة المساس بالمكانة الجتماعية للمجني عليه أو المساس بالشرف ،أو المساس بالذمة المالية.
التهديد كسلوك مادي في هذه الجريمة ليس تهديد باستعمال القوة ،ويكفيه اإلكراه
المعنوي للتأثير في حرية اختيار المجني عليه ،بحيث يحمله على تنفيذ مطلب الجاني ،فالتهديد
من شانه الترويع والحد من الحرية ،وفعاليته في خوف المجني عليه من فضح أمر يحرص على
إخفائه ،بحيث ي َّ
ُطال قدره أو شرفه أو يجب احتقار الناس له.
ول تقع جريمة البتزاز دون التهديد ،وبالتالي ليس ث َ َّمة ُجرم ابتزاز في أي طلب يطلبه
شخص ويستجيب إليه المجني عليه بإرادة حرة واختيار صحيح ،ألن العبرة في فعل التهديد
ذاته ،وأثر هذا الفعل على المجني عليه.
1د .كامل حامد السعيد ،شرح قانون العقوبات -الجرائم الواقعة على األموال ،ط ،3منشورات دار الثقافة للنشر والتوزيع،2014 ،
ص.169
2د .محمود نجيب حسني ،شرح قانون العقوبات القسم الخاص ،ط ،8منشورات دار النهضة العربية ،مصر ،1984 ،ص .197مشار
إليه لدى :مصطفى خالد الرواشدة ،جريمة البتزاز اإللكتروني في القانون األدرني ،رسالة ماجستير ،عمادة الدراسات العليا ،جامعة
آل البيت ،األردن ،2019 ،ص .27
3د .حسن صادق المرصفاو ي ،قانون العقوبات الخاص ،منشأة المعارف ،اإلسكندرية ،1991 ،ص.940
14
وإذا كان التهديد هو السلوك المادي ل ُجرم البتزاز ،وإذا كان المشرع لم يحدد وسيلة
معينة لمباشرة الجاني هذا السلوك ،بحيث يقع شفاهةا أو كتابةا ،فإنها في النطاق اإللكتروني تقع
باستخدام وسيلة من الوسائل أو التطبيقات اإللكترونية ،والتي غالبا ا ما تكون بالتهديد النصي عبر
الرسائل أو المحادثات ،ول يمنع أن تقع عبر التسجيل الصوتي أو المرئي باستخدام تطبيقات
الملفات الصوتية والمرئية المختلفة.
كما يقع السلوك المادي لجريمة البتزاز اإللكتروني مباشرة ا من الجاني ضد المجني
عليه ،فإن وقع بواسطة طرف ثالث وبصورة غير مبا شرة ،كأن يبلغ الجاني التهديد الذي يريده
إلى المجني عليه عبر شخص قريب من األخير أو على عالقة بالطرفين ،فإن العبرة ليست
بتأثير الشخص على اآلخر وإنما بمادة التهديد التي تصل إلى المجني عليه.
وهذا ما جاء عليه النص في قانون العقوبات" :كل من حصل بالتهديد على إعطائه مبلغا ا
من النقود أو أي شيء آخر يعاقب بالحبس ،ويعاقب الشروع فى ذلك بالحبس مدة ل تتجاوز
سنتين."1
وأيضاا" :كل من هدد غيره كتابة بارتكاب جريمة ضد النفس أو المال معاقب عليها
بالقتل أو السجن المؤبد أو المشدد أو بإفشاء أمور أو نسبة أمور مخدشة بالشرف وكان التهدي
مصحوبا ا بطلب أو بتكليف بأمر يعاقب بالسجن ،ويعاقب بالحبس إذا لم يكن التهديد مصحوبا ا
بطلب أو بتكليف بأمر ،وكل من هدد غيره شفهيا ا بواسطة شخص آخر بمثل ما ذكر يعاقب
بالحبس مدة ل تزيد على سنتين أو بغرامة ل تزيد على خمسمائة جنيه سواء أكان التهديد
مصحوبا ا بتكليف بأمر أم ل ،وكل تهديد سوا اء أكان بالكتابة أم شفهيا ا بواسطة شخص آخر
بارتكاب جريمة ل تبلغ الجسامة المتقدمة يعاقب عليه بالحبس مدة ل تزيد على ستة أشهر أو
بغرامة ل تزيد على مائتي جنيه."2
15
المطلب الثاني
الركن المعنوي لجريمة االبتزاز اإللكتروني
جريمة البتزاز اإللكتروني جريمة قصدية ،إذ ل يتصور حصولها أبدا ا بغير قصد
جرمي ،كحصولها بالخطأ أو بأي صورة من صوره ،لكن هل تستلزم هذه الجريمة (قصد
خاص) أم يكفي لوقوعها توافر القصد العام بعنصريه (العلم ،واإلرادة).
إن هذه الجريمة القصدية ل يكفي لقيامها وتوافر ركنها المعنوي توافر القصد العام من
علم الجاني بشأن الواقعة محل التهديد واتجاه إرادته إلى إحداث التأثير الالزم لتحقيق النتيجة
التي يرجوها ،بل تحتاج هذه الجريمة قصداا خاصا ا معاصرا ا لفعل التهديد ،إذا انتفى تنتفي معه
الجريمة.
ويتمثل القصد الخاص لجريمة البتزاز اإللكتروني وفق الغالب من الفقه إلى جلب
المنفعة غير المشروعة للجاني أو لغيره ،بحيث ل يقوم القصد ول يتكون الركن المعنوي
للجريمة إذا انتفى غرض الجاني من الحصول على المنفعة غير المشروعة ،ووفق هذا الرأي ل
تقع جريمة البتزاز حين تكون المنفعة التي يقصدها الجاني مشروعة ،كأن يهدف مث ا
ال إلى
مجرد اإلزعاج ،أو يهدده ليدفعه إلى فعل يخدم المجني عليه نفسه ،كتهديده بفضح أمر إذا لم
يتوقف عن تعاطي المخدرات مثالا ،وفي هذه الحالت فإن القصد الذي يستهدف منفعة مشروعة
ل تقوم به الجريمة.1
لكن بعض الفقه ل يعتبر جلب المنفعة غير المشروعة من قبيل القصد الخاص ألنه
يراها الدافع إلى ارتكاب الجريمة ،ويضرب الفقه أمثلة على الحالت التي ينتفي فيها قيام
الجريمة رغم التهديد ،مثل..." :ل يتوافر القصد ،إن قصد الفاعل مجرد إزعاج ،أو إن تهديده
استهدف الحصول على منفعة مشروعة له أو لغيره ،فمن يهدد شخصا ا باإلبالغ عن جريمة
ارتكبها ضده فعالا ما لم يعوضه عن الضرر الذي أصابه منها ينتفي لديه قصد البتزاز ،ألنه
يبغى الحصول على حقه أو على ما يعتقد أنه من حقه ،وكذلك الحكم فيما لو كان غرض التهديد
هو حمله على وفاء دينه تجاهه ،ومن باب أولى ينتفي القصد إذا حصل التهديد دون غاية
الحصول على المال وإنما المشاحنة بدفع المال ،ول مجال لقيام هذه الجريمة بحق الزوج الذي
يكتشف أن زوجته تخونه فيطالبها بالتعويض عن ذلك مقابل سكوته ،ولكن الحكم يختلف فيما لو
أن الزوج كان مفتريا ا وكاذبا ا.2
16
وفي نطاق جريمة البتزاز اإللكتروني ،فإن القصد الخاص يبدو أكثر وضوحا ا ويتميز
جرم ،إذ في جريمة البتزاز اإللكتروني بالصور المتقدمة يظهر القصد عن الباعث غير ال ُم َّ
الخاص جليا ا وتتوافر بشأنه األدلة وبالحد األدنى القرائن ،حين يوجه الفاعل علمه العميق بشئون
التكنولوجيا إلى استغالل تطبيق ُوج َّد في األساس للمنفعة العامة ولدعم توظيف التكنولوجيا في
المجتمع ،فنجده بدلا من ذلك يوجه جهده ليطول شرف ومكانة واعتبار الشخص المستهدف بفعل
البتزاز ،مع إداركه بأنه إن فعل ذلك سيكون الشخص المستهدف عُرضَّه للمساس بمكانته
واعتباره وسط أكبر قطاع من البشر ،بالنظر لما تتميز به تكنولوجيا المعلومات وتطبيقاتها من
انتشار واسع ،وتتيح أوسع اطالع على األخبار والمواد المنشورة على تطبيقاتها المختلفة ،في
هذه البيئة وعبر هذا السلوك يكون قصد الجاني الخاص بتحقيق المنفعة متاحا ا أكثر لما يحدثه
تهديده من أثر عميق وهلع شديد في نفس المجني عليه.
ومن زاوية أخري ،فإن استمرار الجاني في ابتزاز المجني عليه متيسر أكثر في
الوسائل اإللكترونية ،لقدرته على الحتفاظ بنسخ متعددة وبأشكال مختلفة من المادة موضوع
البتزاز ،وهذا سيتيح له مزيدا ا من الكسب من خالل التهديد ،أي أن القصد بتحقيق المنفعة غير
المشروعة يتنامى ويتعزز مع توافر فرص تكرار فعل البتزاز المرة تلو األخرى.1
17
الفصل الثاني
سلطة القاضي الجنائي والعقوبات المقررة للجريمة
تمهيد وتقسيم:
حرية القاضي الجنائي في اإلثبات لها وجهان ،األول منهما هو أن القاضي الجنائي أن
يستمد قناعته من أي دليل مطروح في الدعوى يطمئن إليه دون قيد في تكوينها بدليل معين ،فله
أن يستمدها بكافة طرق اإلثبات ،والثاني هو أن القاضي من يقدر قيمة الدليل الجنائي حسب
اقتناعه ،دون أن يكون ملزما ا بإصدار حكم اإلدانة أو البراءة لتوافر دليل أو ادلة محددة ،فله أن
ي أخذ بأي دليل يطمأن إليه وجدانه دون الدليل الذي ل يطمئن إليه ،فالقاضي يملك حرية واسعة
في تقييم عناصر اإلثبات ووزن األدلة وتقديرها وفق هذا المبدأ ،وبالطريقة التي يرى أنها تكون
عقيدته في الدعوى ،وفق ما يمليه عليه ضميره ووجدانه وما يتوصل إليه من رأي.1
ويتمتع القاضي الجنائي بسلطة واسعة في تقدير األدلة لتشمل الدليل اإللكتروني ،حيث
منحه المشرع هذه الحرية في قبول األدلة وفق مبدأ اإلثبات الحر ،وتقدير هذه الدلة وفق حرية
القتناع القضائي ،فله البحث عن الحقيقة ،والوصول إليها بمختلف الوسائل ،وله اإلثبات
بمختلف األدلة ،وله تحديد قيمة كل دليل باقتناعه التام ،دون إلزام في ذلك ،فال يلزم القاضي
بتحديد أدلة معينة ،أو سائل محددة للوصول إلى الحقيقة ،وعليه سنتناول الضوابط التي أسس
عليها القاضي الجنائي مصدر اقتناعه
ونجد أن المشرع المصري فرق بين البتزاز بالوسائل المكتوبة ،والبتزاز بالوسائل
الشفهية ،ولم يعاقب على التهديد الشفهي إل إذا تم من خالل وسيط ،كما أنه ساوي في العقوبة
بين التهديد المقترن بطلب ،أو تكليف بأمر ،وبين التهديد ال ُمجرد ،وهو أمر محل نظر ،حيث من
المالئم التفرقة في العقاب بينهما ،وهذا أمر محل نظر بالنسبة لجميع التشريعات المذكورة ،حيث
ساوت بين التهديد المجرد والبتزاز ،وإن كانت فرقت في العقاب حسب مضمون البتزاز.
مما سبق سوف نقسم هذا الفصل إلى مبحثين على النحو التالي:
1د .محمد زكي أبو عامر ،اإلجراءات الجنائية ،ط ،7دار الجامعة الجديدة ،اإلسكندرية ،2002 ،ص .104مشار إليه لدي :محمد بن
ناصر بن علي الرقيشي ،اإلثبات الجنائي في الجريمة اإللكترونية ،رسالة ماجستير ،كلية الحقوق ،جامعة السلطان قابوس ،عمان،
،2018ص.210
18
المبحث األول
سلطة القاضي الجنائي في قبول الدليل
تمهيد وتقسيم:
تراعي الدعوى الجنائية بشكل عام مصلحتان مختلفتان أقرب منها للتعارض ،فهناك
المصلحة العامة وهي مصلحة المجتمع في مكافحة الجريمة وحفظ أمنه واستقراره من أي
مساس بها أو تهديد ،وهناك مصلحة أخرى شخصية هي مصلحة المتهم من المساس بحريته
الشخصية أو العتداء على حرمة حياته الخاصة أو اإلخالل بحقوق الدفاع له ،على خالف
القانون المدني والذي يراعي غالبا ا المصالح الخاصة لألفراد من العتداء عليها أو التعويض عن
ذلك العتداء عند حدوثه ،لذا يكون الدور الذي وضع على عاتق القاضي الجنائي في كشف
الحقيقة أكثر أهمية وهو ما يوصف دور إيجابي ومن مظاهره مبدأ القتناع القضائي.
مما سبق سوف نقسم هذا المبحث إلى مطلبين على النحو التالي:
19
المطلب األول
مبدأ االقتناع الشخص للقاضي الجنائي
يعد مبدأ القتناع القضائي من السمات المميزة للنظم اإلجرائية الحديثة والتي تأخذ بمبدأ
حرية اإلثبات للقاضي الجنائي ،فهو يقوم على استبعاد تدخل القانون في تقدير القيمة الثبوتية
لألدلة ويترك المجال لحرية القاضي وفق اقتناعه الشخصي ،فهو ل يتقيد بأي شرط أو قيد
يفرض عليه في الدعوى ،وإنما يعمل ضميره الوجداني بعيدا ا عن األهواء واألغراض الشخصية
في تكوين اقتناعه ،فهو غير ملزم بالحكم باإلدانة إذا ما استنتج أنها تكفي وفق اقتناعة كدليل
إدانة ،ولو كان دليالا واحدا ا منها وأدى به إلى عدم اقتناعه بالبراءة.
وقد عبرت محكمة النقض المصرية في جلستها في 10يونيو ،1939عن هذا المبدأ
بقولها" :إن القانون قد أمد القاضي في المسائل الجنائية بسلطة واسعة وحرية كاملة في سبيل
نقض ثبوت الجرائم أو عدم ثبوتها ،والوقوف على حقيقة عالقة المتهمين ومقدار اتصالهم بها،
ففتح له باب اإلثبات على مصراعيه يختار من كل طرقه ما يراه موصالا إلى الكشف عن
الحقيقة ،ويزن قوة اإلثبات المستمد من كل عنصر بمحض وجدانه ،فيأخذ بما تطمئن إليع
عقيد ته ،ويطرح ما ل يرتاح له ،غير ملزم بأن يسترشد في قضائه بقرائن معينة ،بل له مطلق
الحرية في تقدير ما يعرض عليه منها ووزن قوته التدليلية في كل حالة حسبما يستفاد من وقائع
كل دعوى وظروفها ،بغيته الحقيقية ينشدها إن وجدها ،ومن أي سبيل يجده مؤديا ا إليها ،ول
رقيب عليه في ذلك غير ضميره وحده ،هذا هو األصل الذي أقام عليه القانون الجنائي قواعد
اإلثبات لتكون موائمة لما تستلزمه طبيعة األفعال الجنائية وتقتضيه مصلحة الجماعة من وجوب
معاقبة كل جان وتبرئة كل برئ."2
1د .محمد زكي أبو عامر ،مرجع سابق ،ص .104مشار إليه لدي محمد بن ناصر بن علي الرقيشي ،مرجع سابق ،ص.210
2د .محمود نجيب حسني ،شرح قانون العقوبات -القسم العام ،ط ،5دار النهضة العربية ،القاهرة ،1982 ،ص.775
20
ثانياً :تقييم مبدأ االقتناع الشخصي للقاضي الجنائي:
تراعي الدعوى الجنائية بشكل عام مصلحتان مختلفتان أقرب منها للتعارض ،فهناك
المصلحة العامة وهي مصلحة المجتمع في مكافحة الجريمة وحفظ أمنه واستقراره من أي
مساس بها أو تهديد ،وهناك مصلحة أخرى شخصية هي مصلحة المتهم من المساس بحريته
الشخصية أو العتداء على حرمة حياته الخاصة أو اإلخالل بحقوق الدفاع له ،على خالف
القانون المدني والذي يراعي غالبا ا المصالح الخاصة لألفراد من العتداء عليها أو التعويض عن
ذلك العتداء عند حدوثه ،لذا يكون الدور الذي وضع على عاتق القاضي الجنائي في كشف
الحقيقة أكثر أهمية وهو ما يوصف دور إيجابي ومن مظاهره مبدأ القتناع القضائي.
1د .محمود نجيب حسني ،شرح قانون العقوبات -القسم العام ،مرجع سابق ،ص.778
2د .فاضل زيدان محمد ،سلطة القاضي الجنائي في تقدير األدلة -دراسة مقارنة ،ط ،1مكتبة دار الثقافة للنشر والتوزيع ،عمان،
،1999ص .155 -154مشار إليه لدى :محمد بن ناصر بن على الرقيشي ،مرجع سابق ،ص .216
21
-2االنتقادات الموجهة لمبدأ االقتناع القضائي:
وجه لمبدأ القتناع القضائي انتقاد أنه يهدر من دقة القواعد القانونية الخاصة بعبء
اإلثبات في المواد الجنائية حول أصل البراءة ،فحرية القاضي في تكوين عقيدته فيما يقدم إليه
من أدلة في الدعوى الجنائية تستوي أن يستمدها من أدلة التهام أو أدلة الدفاع ،وهذا األمر
يعارض قاعدة أن الشك يُفسر لمصلحة المتهم ،فالقاضي وفق حرية اقتناعه التي يتمتع بها
يستطيع أن يعلن أن الشك يفسر ضد المتهم.
باإلضافة إلى ذلك؛ فإن هذا المبدأ وإن كان قصد به تحقيق مصلحة المتهم ،إل أنه يخل
بحقوق الدفاع ،بما يسمح للقاضي من أن يستند على اعتراف تم العدول عنه من قبَّل المتهم ،كما
أنه يعيق حرية الدفاع لديه ،حيث يجعل المتهم في حيرة من أمره تجاه انطباع القاضي حول ما
يبديه من أقوال ،وما يقدمه من أدلة دفاعا ا عن نفسه ،وما يوجه إليه من اتهام وأدلة ،فهو ل يدرك
ما قد يؤديه الدليل أو األقوال الذي يقدمه على نفسية القاضي ،والنطباع الذي يأخذه القاضي
عنه حول السلوك الذي يستخدمه لتقديم ذلك الدليل أو األقوال.1
وحيث أن مبدأ اقتناع القاضي يمنح القاضي إمكانية اللجوء إلى وسائل لإلثبات لم ينص
عليها القانون ،ول يتوافر فيها ضمانات ألطراف الدعوى الجنائية ،وعليه يرى هذا الجانب من
الفقه األخذ بمبدأ حصر وسائل اإلثبات من قبل المشرع بنصوص القوانين لتفادي استعانة
القاضي بوسائل إثبات جديدة لم ينص عليها المشرع ،والتي قد تتنافى مع األخالق والقواعد
القانونية ،وحقوق وضمانات األفراد الشخصية.
22
المطلب الثاني
أساس قبول الدليل اإللكتروني في اإلثبات الجنائي
23
وبالتالي لبد من عرض كل دليل في الدعوى من خالل ملف الدعوى وجلساتها ،وإتاحة
الفرصة لمناقشتها من قبل أطرافها ،وعلة هذا هو تطبيق مبدأ العالنية في المحاكمات الجنائية،
وهو م بدأ أساسي في اإلجراءات الجنائية ،حيث ل يكفي أن يقوم القاضي بتقدير األدلة الموجودة
في محاضر التحقيق ،بل عليه واجب سماع الشهود وأقوال المتهم نفسه ،وما يقدمه الخبراء من
تقارير ،ويسمع ألقوالهم ،ويطرح ذلك أمام أطراف الدعوى للمناقشة بشكل علني.1
ويقوم مبدأ وجوب مناقشة الدليل الجنائي على عنصرين مهمين ،يمثالن إتاحة الفرصة
ألطراف الدعوى بالطالع على الدليل والرد عليه ،والعنصر اآلخر هو أن يكون الدليل أصل
من أوراق الدعوى.
بالنسبة للعنصر األول فإنه يجب على القاضي بدايةا أن يطرح كل دليل مقدم في الدعوى
على أطراف الدعوى ،ومنها الدليل اإللكتروني ،حتى يكونوا على دراية بما يقدم ضدهم من
أدلة ،وذلك لمناقشتها من قبلهم من خالل مواجهة األدلة بردودهم عليها وتفنيدها ،وهو ما يمثل
احتراما ا لحقوق الدفاع المكفولة لهم ،فاحترام حقوق الدفاع من المظاهر األساسية لتطبيق القانون
وحقوق األفراد ،ورمزاا للدول الديموقراطية.2
وبالنسبة للعنصر الثاني الذي يقوم على مبدأ وجوب مناقشة الدليل ،والذي يتمثل في أن
يكون للدليل أصل في أوراق الدعوى ،وذلك من أجل أن يكون اقتناع القاضي مبنى على أساس
محدد ،وهو ما يشمل الدليل اإللكتروني ،حيث يجب أن يكون هذا الدليل ل ه أصل في أوراق
الدعوي.
وعليه فقد ألزم المشرع تحرير محضر للجلسة إلثبات ما يدور فيها من وقائع ،وما يقدم
من أدلة ،وما يُثار حولها من ردود ومناقشة ،وذلك حتى يتمكن أطراف الدعوى من الرجوع إلى
هذا المحضر عند الرغبة في البحث عما دار في الجلسة ،واستيضاح أي من الوقائع الثابتة فيه،
ليكون سندا ا ثابتا ا حول تلك الوقائع ،كما يمكن للقاضي من الرجوع إلى هذه الوقائع عند كتابة
الحكم والستناد إلى أقوال األطراف ،وما دار في الجلسة عند تكوين اقتناعه حولها ،باإلضافة
إلى تدوين هذا المحضر يُمكن المحكمة المطعون أمامها في الحكم من مراجعة هذا الحكم
المطعون فيه ،وتقديره من حيث الخطأ والصواب.3
ثانياً :اقتناع القاضي كضابط لقبول الدليل اإللكتروني:4
يتيح مبدأ القتناع القضائي حرية واسعة للقاضي الجنائي في تقدير األدلة المقدمة في
الدعوى ،فله أن يبني اقتناعه من أي دليل معروض عليه ،ويشمل ذلك األدلة اإللكترونية التي
تخضع لتقدير القاضي كونها من أدلة الدعوى ،إل أن هذه الحرية في القتناع ل يمكن أن تكون
على إطالقها ،كما ل يمكن التدخل بها بتحديد قيمة األدلة ،وعليه يحكم هذا القتناع القضائي
ضوابط تتعلق باقتناع القاضي ذاته ،وسنتحدث حول هذه الضوابط التي تخص اقتناع القاضي
في مجال الدليل اإللكتروني:
د .محمود نجيب حسني ،شرح قانون العقوبات القسم العام ،مرجع سابق ،ص.427 1
د .مأمون محمد سالمة ،اإلجراءات الجنائية في التشريع المصري -الجزء األول ،دار الفكر العربي ،1988 ،ص.170 3
محمد بن ناصر بن على الرقيشي ،مرجع سابق ،ص 229وما بعدها. 4
24
-1يقينية الدليل اإللكتروني:
يعني هذا القيد بأنه على القاضي عندما يصدر حكمه أن يكون مبنيا ا على يقين تام وليس
الظن والحتمال ،إذ أن الدعوى الجنائية تهدف إلى تحقيق العدالة والوصول إلى الحقيقة
الواقعية ،وبالتالي على القاضي أن يبني حكمه على اقتناع يقيني تام ل يراوده شك أو احتمال
فيما وصل إليه من حكم في الدعوي ،ول يمكن أن يكون غير مقتنع به أو قد وصل إلى تلك
الوقائع بناء على الحتمال والظن ،إذ أن الشك ل يؤدي إلى حكم اإلدانة ،وإنما هو دائما ا ما يفسر
في مصلحة المتهم ،ومصلحته هي البراءة من التهمة المنسوبة إليه في الدعوى.
ويشمل هذا المبدأ جميع األدلة التي يستند إليها القاضي في تكوين قناعته ،وهو ما يعني
أنه يشمل األدلة اإللكترونية كذلك ،فيشترط أن تكون األدلة المستخرجة من األجهزة اإللكترونية
والشبكات غير قابلة للشك حتى يمكن الحكم باإلدانة من خاللها ،فوصول القاضي الجنائي إلى
درجة اليقين في الدلة التقليدية يتم من خالل المعرفة المادية والحسية للقاضي ،أو من خالل
المعرفة العقلية من الستنتاج والتحليل ،أما في مجال الجريمة اإللكترونية ،فإن الوصول إلى
القتناع اليقيني يتطلب معر فة القاضي بنوع جديد من المعرفة ،وهي المعرفة العلمية في مجال
تقنية المعلومات ،خاصةا وأن القاضي يلعب دوراا إيجابيا ا في اإلثبات في الدعوى الجنائية.
أما في حالة براءة المتهم من التهمة المنسوبة إليه فاألمر مختلف ،فال حاجة للوصول
إلى درجة اليقين للحكم بها ،وساء كانت جريمة تقليدية أو إلكترونية ،فيكفي أن يكون القاضي في
حالة شك بين صحة التهمة المنسوبة للمتهم وبين برائته منها ،وهي ما تميل لمصلحة البراءة،
فيحكم القاضي فيها بالبراءة.
-2أن يكون االقتناع القضائي وفق مبادئ العقل والمنطق:
يتم استخالص وقائع الدعوى من قبل القاضي الجنائي استخالصا ا معقولا وسائغاا ،وهو
ما يعني أن يكون الدليل الذي يستند عليه في حكمه مؤديا ا ومرئيا ا لما ورد في الحكم ،ويتم ذلك
من خالل إعمال العقل والمنطق في تحليل األدلة وترتيبها للوصول إلى الحقيقة والحكم ،فال
يمكن أن يكون اقتناع القاضي مبنيا ا على فرض يات أو أقوال ل يمكن أن تتنافي مع العقل
والمنطق السليم ،فهنا أمور مسلم بها من الجميع ل اختالف فيها ،ومخالفتها يُعد شذوذ وخروج
عن هذه القاعدة ،فال يجوز للقاضي أن يعارض هذا المنطق ،وما يقبله العقل عند تكوين اقتناعه
في الدعوى ،فال يمكن أن يبني اقتناعه على أن الجريمة حدثت بشكل عرضي ،وجميع األدلة
واعتراف المتهم تؤدي إلى إدانته بالتهمة ،والجريمة التي ارتكبها بنفسه وبمحض إرادته ،وهو
ما يتنافي مع المنطق السليم في تحديد القتناع القضائي لدى القاضي.
وقد قضت محكمة النقض المصرية في هذا األمر بقولها" :أنه وإن كان من حق محكمة
الموضوع أن تستخلص الواقعة من أدلتها وعناصرها المختلفة ،إل أن شرط ذلك أن يكون هذا
الستخالص سائغا ا تؤدي إليه ظروف الواقعة وأدلتها وقرائن األحوال فيها."1
1نقض رقم ،208جلسة 30إبريل ،1963مجموعة القواعد القانونية ،الجزء الرابع ،ص.485
25
المبحث الثاني
العقوبات المقررة للجاني في جريمة االبتزاز اإللكتروني
تمهيد وتقسيم:
إن العقوبات في جريمة البتزاز اإللكتروني تنقسم إلى عقوبات أصلية ،وعقوبات
تكميلية ،كما أن هذه العقوبات تتباين بين التشريعات المختلفة ،حيث نجد أن هناك تشريعات
تتعامل معها كجريمة بسيطة ،بينا تشريعات أخرى تتعامل معها بتشديد في بعض الحالت.
مما سبق سوف نقسم هذا المبحث إلى مطلبين على النحو التالي:
26
المطلب األول
العقوبات األصلية لجريمة االبتزاز اإللكتروني
وتنص المادة 4/3من القانون الكويتي رقم 63لسنة 2015المتعلق بمكافحة جرائم
تقنية المعلومات على أن" :يعاقب بالحبس مدة ل تجاوز ثالث سنوات وبغرامة ل تقل عن ثالثة
آلف دينار ول تجاوز عشرة آلف دينار ،أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من استعمل الشبكة
المعلوماتية أو استخدم وسيلة من وسائل تقنية المعلومات في تهديد أو ابتزاز شخص طبيعي أو
اعتباري لحمله على القيام بفعل أو المتناع عنه".
وتنص المادة 18من قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات الصادر بالمرسوم السلطاني
العُماني رقم 12لسنة 2011على أن" :يعاقب بالسجن مدة ل تقل عن شهر ول تزيد عن ثالث
سنوات ،وبغرامة ل تقل عن ألف لاير عُماني ول تزيد على ثالثة آلف لاير عُماني ،أو بإحدى
هاتين العقوبتين ،كل من استخدم الشبكة المعلوماتية أو وسائل تقنية المعلومات في تهديد شخص
أو ابتزازه لحمله على القيام بفعل أو امتناع ولو كان هذا الفعل أو المتناع عنه مشروعاا ،وتكون
العقوبة السجن المؤقت مدة ل تقل عن ثالث سنوات ول تزيد على عشر سنوات ،وغرامة ل
تقل عن ثالثة آلف لاير عُماني ول تزيد على عشرة آلف لاير عُماني إذا كان التهديد بارتكاب
جناية أو بإسناد أمور ُمخلة بالشرف والعتبار".
وعلى الرغم من أن غالبية التشريعات التي عاقبت على البتزاز عاقبت عليه في
التشريعات اإللكترونية ،لطابعها الدولي ،وسرعة وانتشار نقل المعلومات بها ،وتسجيلها
أوتوماتيكيا ا على الحاسبات الخادمة في الدول األجنبية ،وذلك مقارنةا بالمطبوعات والصحف
التقليدية ،2فإنه توجد تشريعات تعاقب على البتزاز في قوانين العقوبات أيا ا كانت الوسيلة
المستعملة فيه ،تقليدية أو إلكترونية ،ومنها التشريع الفرنسي.
27
ولكنه فرق في العقاب بين البتزاز الذي يكون مضمون التهديد فيه العنف أو ما شابه،
وذلك وفق المادة 1-312من قانون العقوبات الفرنسي ،حيث عاقب فيها بالسجن لمدة سبع
سنوات وبغرامة قدرها 100ألف يورو ،وبين البتزاز الذي يكون مضمون التهديد فيه
التشهير ،حيث عاقب عليه في المادة 10-312بالسجن لمدة خمس سنوات وغرامة قدرها 75
ألف يورو.
وبالنسبة للمشرع المصري ،فإنه يوجد القانون رقم 175لسنة 2018بشأن مكافحة
جرائم تقنية المعلومات ،غير أنه لم يتضمن جريمة البتزاز اإللكتروني ،وعلى الرغم من أنه لم
يورد اللفظ في قانون العقوبات ،وإنما عاقب على أفعال تُعَّد ابتزازاا ،منها المادة 327منه،
والتي تنص على أن" :كل من هدد غيره كتابةا بارتكاب جريمة ضد النفس أو المالُ ،معاقب
عليها بالقتل أو السجن المؤبد أو المؤقت أو بإفشاء أمور مخدشة بالشرف ،وكان هذا التهديد
مصحوبا ا بطلب أو بتكليف بأمر يعاقب بالسجن ،ويعاقب بالحبس إذا لم يكن التهديد مصحوبا ا
بطلب أو بتكليف بأمر ،وكل من هدد غيره شفهيا ا بواسطة شخص آخر بمثل ما ذكر يعاقب
بالحبس مدة ل تزيد على سنتين أو بغرامة ل تزيد على خمسمائة جنيه ،سواء اكان التهديد
مصحوبا ا بتكليف بأمر أم ل ،وكل تهديد سواء أكان بالكتابة أم شفهيا ا بواسطة شخص آخر
ارتكب جريمة ل تبلغ الجسامة المتقدمة يعاقب عليه بالحبس مدة ل تزيد على ستة أشهر أو
بغرامة ل تزيد على مائتي جنيه".
وتنص الفقرات الثانية والثالثة والرابعة من المادة 309مكرر (أ) من قانون العقوبات
المصري على أنه" :ويعاقب بالحبس مدة ل تزيد على خمس سنوات كل من هدد بإفشاء أمر من
األمور التي تم التحصل عليها بإحدى الطرق المشار إليها لحمل شخص على القيام بعمل أو
المتناع عنه ،ويعاقب بالسجن الموظف العام الذي يرتكب أحد األفعال المبينة بهذه المادة
اعتمادا ا على سلطة وظيفته".
ويالحظ هنا أن المشرع المصري فرق بين البتزاز بالوسائل المكتوبة ،والبتزاز
بالوسائل الشفهية ،ولم يعاقب على التهديد الشفهي إل إذا تم من خالل وسيط ،كما أنه ساوي في
العقوبة بين التهديد المقترن بطلب ،أو تكليف بأمر ،وبين التهديد ال ُمجرد ،وهو أمر محل نظر،
حيث من المالئم التفرقة في العقاب بينهما ،وهذا أمر محل نظر بالنسبة لجميع التشريعات
المذكورة ،حيث ساوت بين التهديد المجرد والبتزاز ،وإن كانت فرقت في العقاب حسب
مضمون البتزاز.
كما عاقب القانون رقم 175لسنة 2018بشأن مكافحة جرائم تقنية المعلومات على
ال في جريمة ابتزاز ،وذلك بقوله" :يعاقب بالحبس مدة ل تقل إنشاء بريد إلكتروني واستعماله مث ا
عن ثالثة أشهر وبغرامة ل تقل عن عشرة آلف جنيه ،ول تجاوز ثالثون ألف جنيه ،أو بإحدى
هاتين العقوبتين ،كل من اصطنع بريدا ا إلكترونيا ا أو موقعا ا أو حسابا ا خاصاا ،ونسبه زوراا إلى
شخص طبيعي أو اعتباري.
28
فإذا استخدم الجاني البريد أو الموقع أو الحساب الخاص ال ُمصطنع في أمر يسيء إلى
من نسب إليه ،تكون العقوبة الحبس الذي ل تقل مدته عن سنة والغرامة التي ل تقل عن
خمسون ألف جنيه ،ول تجاوز مائتي ألف جنيه ،أو بإحدى هاتين العقوبتين ،وإذا وقعت الجريمة
على أحد األشخاص العتبارية العامة ،تكون العقوبة السجن والغرامة التي ل تقل عن مائة ألف
جنيه ول تزيد على ثالثمائة ألف جنيه".
ويالحظ أن التشريعات التي عاقبت على البتزاز اإللكتروني جمعت بين العقوبات
المالية والسالبة للحرية ،مما يكشف عن إدراكها خطورة هذه األفعال ،كما أن بعضها عاقب على
البتزاز أيا ا كانت صورته تقليدي أم إلكتروني.
كما يتعين على هذه التشريعات أن تحذوا حذو المشرع األمريكي وتعاقب على تلقي
عائدات البتزاز ،حيث تنص المادة 880من قانون العقوبات واإلجراءات الجنائية التحادي،
في الفصل 41من الباب األول منه ،بقولها" :يعاقب بالحبس مدة تزيد على سنة كل من حصل
على أو امتلك أو أخفى أو تصرف بأي أموال أو ممتلكات أخرى تم الحصول عليها من ارتكاب
أي جريمة بموجب هذا الفصل ،مع العلم أنه تم الحصول عليها بصورة غير مشروعة".
وقد قرر الفصل التاسع من القانون 175لسنة 2018بشأن مكافحة جرائم تقنية
العلومات ،عقوبة الشروع واإلعفاء من العقوبة ،في المادة 41منه التي تنص على" :يعاقب
على الشروع في ارتكاب الجرائم المنصوص عليها بهذا القانون ،بنصف الحد األقصى للعقوبة
المقررة للجريمة التامة".
"وللمحكمة أن تقضي بإيقاف ترخيص مزاولة الشخص العتباري للنشاط مدة ل تزيد
على سنة ،وفي حالة العود يُحكم بإلغاء الترخيص ،أو حل الشخص العتباري بحسب األحوال،
ويتم نشر الحكم في جريدتين يوميتين واسعتي النتشار على نفقة الشخص العتباري."2
"ول بترتب على تقرير مسئولية الشخص العتباري استبعاد المسئولية الجنائية
لألشخاص الطبيعيين الفاعلين األصليين أو الشركاء عن ذات الوقائع التي تقوم بها الجريمة."3
29
المطلب الثاني
العقوبات التكميلية والتبعية لجريمة االبتزاز اإللكتروني
تعرف العقوبة التكميلية بأنها العقوبة التي تصيب الجاني بنا اء على الحكم بالعقوبة
األصلية بشرط أن يحكم القاضي بالعقوبة األصلية ،1وهي تختلف عن العقوبة التبعية التي
تصيب الجاني بناء على الحكم بالعقوبة األصلية دون الحاجة إلى اصدار حكم تبعي فهو مرتبط
ارتباطا ا وثيقا ا ومباشرا ا بالعقوبة الصلية.
وفي جريمة البتزاز اإللكتروني نصت المادة 13على أنه" :مع عدم اإلخالل بحقوق
َحسني النية أنه يجوز الحكم بمصادرة األجهزة أو البرامج أو األجهزة أو الوسائل المستخدمة في
ارتكاب أي من الجرائم المنصوص عليها في النظام أو األموال المتحصلة فيها كما يجوز الحكم
بإغالق الموقع اإللكتروني أو مكان تقديم الخدمة إغالقا ا نهائيا ا أو مؤقتا ا متى كان مصدراا
لرتكاب هذه الجرائم ،وكانت الجريمة ارتكبت بعلم مالكه"
وتعرف المصادرة أنها نزع ملكية مال عن صاحبه جبراا ،وإضافته إلى ملكية الدول
وتدخل في خزانتها ،كعقاب على الجريمة وبموجب حكم واجب النفاذ ،وهي تختلف عن الغرامة
في أن المصادرة عقوبة عينية أما الغرامة فهي عقوبة نقدية ،كما أنها عقوبة أصلية ،كون
المصادرة على أشياء حيازتها في األصل مشروعة ولكنها استخدمت أو كانت وسيلة لرتكاب
جريمة ما ،فهي مشروعة األصل واستخدمت في عمل غير مشروع ،وكان للقاضي أن يحكم
بنزع ملكيتها ،وللقاضي سلطة تقديرية في توقيع المصادرة من عدمه ،شريطة أن ترتبط وتلحق
بالعقوبة األصلية ،أما إذا كانت األشياء التي تم استخدامها ليست ملكا ا للجاني فإن المصادرة
تمتنع.
وبالطالع على القانون اإلماراتي لمكافحة جرائم تقنية المعلومات تبين أن المادة 41
نصت على" :مع عدم اإل خالل بحقوق الغير حسني النية يحكم في جميع األحوال بمصادرة
األجهزة أو البرامج أو الوسائل المستخدمة في ارتكاب أي من الجرائم المنصوص عليها في هذا
المرسوم بقانون أو األموال المتحصلة منها ،أو بمحو المعلومات أو البيانات أو إعدامها ،كما
يحكم بإغالق المحل أو الموقع الذي يرتكب فيه أي من هذه الجرائم ،وذلك إما اغالقا ا كليا ا أو
للمدة التي تقدرها المحكمة".
ونفس القواعد التي تحكم العقوبة التكميلية في النظام السعودي نجدها في القانون
اإل ماراتي من كونها عقوبة عينية ،وتقديرية للقاضي ،وتتبع العقوبة األصلية وجودا ا وعدما ا،
وتمتنع في حال كانت األجهزة المستخدمة في الجريمة للغير الحسني النية.
1د .عبد القادر عودة ،األحكام العامة للتشريع الجنائي اإلسالمي ،الطبعة األولى ،دار الكتاب العربي ،بيروت ،ص.633
30
عقوبة الشروع والمساهمة التبعية في الجريمة:
جريمة البتزاز اإللكتروني كغيرها من الجرائم إما إنها تتم فتكون جريمة تامة ،أو ل
تكتمل فتكون جريمة ناقصة أو تقف عند مرحلة الشروع ،كما أ ن الجريمة قد يرتكبها فاعل
وحيد ،أو يشارك ويساهم في ارتكابها مع الفاعل األصلي شركاء آخرين ،لذا نتعرض لهذه
النقاط في فرعين نعرض لهما ،لنتعرف على حكم كل من النظام السعودي والقانون الماراتي
في هذا الشأن كاآلتي:
1د .عبد الرحمن توفيق أحمد ،شرح قانون العقوبات القسم العام ،دار الثقافة للنشر والتوزيع ،عمان ،2011،ص159؛ انظر الرابط
التالي على اإلنترنت:
https://jilrc.com/%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B3%D8%A4%D9%88%D9%84%D9%8A%D8%A9-
%D8%A7%D9%84%D8%AC%D9%86%D8%A7%D8%A6%D9%8A%D8%A9-%D8%B9%D9%86-
%D8%AC%D8%B1%D9%8A%D9%85%D8%A9-
%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%A8%D8%AA%D8%B2%D8%A7%D8%B2 /
2د .عبد الرحمن توفيق أحمد ،مرجع سابق ،ص .153
31
إل أ نه وقبل التهديد تعطل هاتفه المتنقل الذي كان سيرسل ابتزازه عن طريقه ،فهنا
الجريمة وقفت لسبب خارج عن إرادة الجاني ،هذا وإذا عدل الجاني من تلقاء نفسه ل يعتبر
شارعا ا في الجريمة ،وذلك تشجيعا ا لمن يتراجع عن إجرامه ،وبالطالع على القانون اإلماراتي
نجد أن المادة 40نصت على " :يعاقب على الشروع في الجنح المنصوص عليها في هذا
المرسوم بقانون بنصف العقوبة المقررة للجريمة التامة".
ويتضح من النص أن المشرع اإلماراتي مثل نظيره السعودي في نفس الرأي بجعل
عقوبة الشروع نصف عقوبة الجريمة التامة ،إل أن المشرع اإلماراتي ضمن المادة كلمة أن
الشروع على الجنح ،ومنها عقوبة جريمة البتزاز اإللكتروني المعتبرة ُجنحة في القانون
اإلماراتي ،ومن نص المادة يفهم أن الجرائم المعتبرة جنايات في هذا النظام الشروع فيها عقوبته
تختلف عن ال ُجنح ،وليس هناك اختالف في القواعد الخاصة بالشروع في النظامين.
https://jilrc.com/%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B3%D8%A4%D9%88%D9%84%D9%8A%D8%A9-
%D8%A7%D9%84%D8%AC%D9%86%D8%A7%D8%A6%D9%8A%D8%A9-%D8%B9%D9%86-
%D8%AC%D8%B1%D9%8A%D9%85%D8%A9-
%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%A8%D8%AA%D8%B2%D8%A7%D8%B2/
32
الخاتمة
تعد جريمة البتزاز اإللكتروني من الجرائم الحديثة ،ويطلق عليها في علم اإلجرام
الجرائم الناعمة ،التي تخلو من العنف ،وهي أحد صور الجرائم اإللكترونية ،والبتزاز
اإللكتروني هو أ حدث صور البتزاز التقليدية التي تنشأ وترتكب في العالم المادي وفي مسرح
الجريمة ،حيث ي ترك الجاني فيه بصمته ،أو نقطة دم ،أو دليل مادي يرشد األجهزة المعنية
للتوصل إليه.
ومن ثم حاولت الدول أن تطوع تشريعاتها السابقة لمواكبة هذا التطور وهذا النوع من
الجرائم ،إل أن الوضع كشف عن ضرورة وضع تشريعات جديدة خاصة بالجرائم اإللكترونية،
ومن بينها جريمة ا لبتزاز على وجه الخصوص ،ومن خالل هذا البحث تم التوصل إلى
مجموعة من النتائج والتوصيات تتمثل في:
النتائج:
جريمة البتزاز اإللكتروني أحد صور الجريمة اإللكترونية حيث أنها تتم من خالل -
شبكة المعلومات واألجهزة اإللكترونية الحديثة وتطبيقاتها.
جريمة البتزاز جريمة عابرة للحدود ،فقد يكون مرتكب الجريمة في دولة تختلف عن -
دولة المجني عليه.
جريمة البتزاز اإللكتروني جريمة يصعب إثباتها ،حيث من السهل أن تمحى آثارها -
بسهولة ،وتحتاج لمشقة حتى يتم إثباتها.
الدليل الرقمي أهم أدلة اإلثبات اإللكتروني ،إل أن التعامل معه يحتاج إلى خبرات -
معينة ،وأجهزة متخصصة وفريق عمل متكامل وعلى قدر كبير من الخبرة.
سلطة القاضي الجنائي في قبول الدليل الجنائي بشكل عام والدليل اإللكتروني بشكل -
خاص تختلف باختالف نظام اإلثبات الذي تبناه المشرع.
التوصيات:
تشجيع كل من يتعرض لالبتزاز باإلبالغ عن الجريمة ،وسط تأمين وسرية للمجني
عليه حتى ل يحجم عن اإلبالغ.
زيادة التعاون الدولي ،من خالل توحيد التفاقيات الدولية المعتمة بالجرائم اإللكترونية،
حتى ل يفلت مرتكب الجريمة من العقاب نتيجة تساهل بعض األنظمة وتشديد بعض
األنظمة األخرى.
تفعيل القضاء المتخصص في مجال الجرائم اإللكترونية ،وتأهيل القضاة وتدريبهم
وتخصصهم لنظر القضايا اإللكترونية ،ومناقشة األدلة اإللكترونية.
33
المراجع
الكتب:
د .أحمد شوقي أبو خطوة ،شرح الحكام العامة لقانون العقوبات ،دار النهضة العربية،
القاهرة.2003 ،
د .تامر محمد صالح ،البتزاز اإللكتروني -دراسة تحليلية مقارنة ،دار الفكر والقانون،
المنصورة.
د .جميل عبدالباقي الصغير ،اإلنترنت والقانون الجنائي ،دار النهضة العربية.2001 ،
جيرار كورنو ،ترجمة منصور القاضي ،معجم المصطلحات القانونية ،ط ،1المؤسسة
الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع.1998 ،
د .حسن صادق المرصفاوي ،قانون العقوبات الخاص ،منشأة المعارف ،اإلسكندرية،
.1991
د .رمسيس بهنام ،قانون العقوبات جرائم القسم الخاص ،ط ،1منشأة المعارف.1999 ،
د .عبد الرحمن بن عبدهللا السند ،جريمة البتزاز ،مطبوعات الرئاسة العامة لهيئة األمر
بالمعروف والنهي بالمنكر.2018 ،
د .عبد الرحمن توفيق أحمد ،شرح قانون العقوبات القسم العام ،دار الثقافة للنشر
والتوزيع ،عمان.2011،
د .عبد الفتاح بيومي حجازي ،الجريمة في عصر العولمة ،دار الفكر العربي.2007 ،
د .عبد القادر عودة ،األحكام العامة للتشريع الجنائي اإلسالمي ،الطبعة األولى ،دار
الكتاب العربي ،بيروت.
د .فاضل زيدان محمد ،سلطة القاضي الجنائي في تقدير األدلة -دراسة مقارنة ،ط،1
مكتبة دار الثقافة للنشر والتوزيع ،عمان.1999 ،
د .كامل حامد السعيد ،شرح قانون العقوبات -الجرائم الواقعة على األموال ،ط،3
منشورات دار الثقافة للنشر والتوزيع.2014 ،
د .مأمون محمد سالمة ،اإلجراءات الجنائية في التشريع المصري -الجزء األول ،دار
الفكر العربي.1988 ،
د .محمد عبيد الكعبي ،الجرائم الناشئة عن الستخدام غير المشروع لشبكة اإلنترنت،
ط ،2دار النهضة العربية ،القاهرة.2009 ،
د .محمد زكي أبو عامر ،اإلجراءات الجنائية ،ط ، 7دار الجامعة الجديدة ،اإلسكندرية،
.2002
34
د .محمود نجيب حسني ،شرح قانون العقوبات -القسم العام ،ط ،5دار النهضة العربية،
القاهرة.1982 ،
د .محمود نجيب حسني ،شرح قانون العقوبات القسم الخاص ،ط ،8منشورات دار
النهضة العربية ،مصر.1984 ،
الرسائل العلمية:
محمد بن ناصر بن علي الرقيشي ،اإلثبات الجنائي في الجريمة اإللكترونية ،رسالة
ماجستير ،كلية الحقوق ،جامعة السلطان قابوس ،عمان.2018 ،
مصطفى خالد الرواشدة ،جريمة البتزاز اإللكتروني في القانون األدرني ،رسالة
ماجستير ،عمادة الدراسات العليا ،جامعة آل البيت ،األردن.2019 ،
المجالت العلمية:
فايز الظفيري ،األحكام العامة للجريمة اإللكترونية ،مجلة العلوم القانونية والقتصادية،
العدد الثاني ،كلية الحقوق جامعة عين شمس.2002 ،
ممدوح رشيد مشرف الرشيد العنزي ،الحماية الجنائية للمجني عليه من البتزاز ،المجلة
العربية للدراسات األمنية ،المجلد ،33العدد ،70الرياض.2017 ،
35