Professional Documents
Culture Documents
Jus 1 Tafsir
Jus 1 Tafsir
2
فالعامة :يه خلقه للمخلوقني ,ورزقهم ,وهدايتهم ملا فيه تفسري الفاحتة
مصاْلهم ,اليت فيها بقاؤهم يف ادلنيا.
ويه مكية
واخلاصة :تربيته ألويلائه ,فريبيهم باإليمان ,ويوفقهم هل, م
اْل َ مم ُد هَّلل َر ِّب الم َعالَم َ ه {ِ{ }7 - 1مْسِب ه ه م َ
ني * ِ ِ ِ يم *
اَّلل الرْح ِن الر ِح ِ ِ
ويكمله هلم ,ويدفع عنهم الصوارف ,والعوائق اْلائلة بينهم َ َ َ ُ م َ َ
ادلين * إيهاك نعبُد َوإيهاك ن مستع ُ َ
الرحيم * مالك يَ مومِ ِّ ه مَ ه
ني * ِ َ ِ ِ ِ ِ ِ الرْح ِن ِ ِ
وبينه ,وحقيقتها :تربية اتلوفيق للك خري ,والعصمة عن لك ت َعلَيمه مم َغ م ين أ من َع مم َاَّل َ َ َ ه اط ال م ُم مستَق َ اه ِدنَا ِّ َ
الِّص َ م
ري
ِ ِ ِ يم * ِِصاط ِ
رش .ولعل هذا [املعىن] هو الرس يف كون أكرث أدعية األنبياء َ َم م ََ ه
الضالِّ َ ال م َم مغ ُ
ني} وب علي ِهم وَل ِ ض
بلفظ الرب .فإن مطابلهم لكها داخلة حتت ربوبيته اخلاصة.
ه
فدل قوهل { َر ِّب الم َعالَم َ اَّلل} أي :أبتدئ بكل اسم هلل تعاىل ,ألن لفظ {اسم}
{ِمْسِب ِ
ني} ىلع انفراده باخللق واتلدبري ,وانلعم, ِ ه
اَّلل} هو املألوه
مفرد مضاف ,فيعم مجيع األسماء [اْلسىن]ِ { .
وكمال غناه ,وتمام فقر العاملني إيله ,بكل وجه واعتبار.
املعبود ,املستحق إلفراده بالعبادة ,ملا اتصف به من صفات
ين} املالك :هو من اتصف بصفة امللك اليت من َ م ِّ َ ه مَ ه
{مال ِ ِك يومِ ادل ِ يم} اسمان داَلن
األلوهية ويه صفات الكمال{ .الرْح ِن الر ِح ِ
آثارها أنه يأمر وينىه ,ويثيب ويعاقب ,ويتِّصف بممايلكه ىلع أنه تعاىل ذو الرْحة الواسعة العظيمة اليت وسعت لك يشء,
جبميع أنواع اتلِّصفات ,وأضاف امللك يلوم ادلين ,وهو يوم وعمت لك يح ,وكتبها للمتقني املتبعني ألنبيائه ورسله .فهؤَلء
القيامة ,يوم يدان انلاس فيه بأعماهلم ,خريها ورشها ,ألن يف هلم الرْحة املطلقة ,ومن عداهم فلهم نصيب منها.
ذلك ايلوم ,يظهر للخلق تمام الظهور ,كمال ملكه وعدهل
واعلم أن من القواعد املتفق عليها بني سلف األمة وأئمتها,
وحكمته ,وانقطاع أمالك اخلالئق .حىت [إنه] يستوي يف ذلك
اإليمان بأسماء اهلل وصفاته ,وأحاكم الصفات.
ايلوم ,امللوك والراعيا والعبيد واألحرار.
فيؤمنون مثال ,بأنه رْحن رحيم ,ذو الرْحة اليت اتصف بها,
لكهم مذعنون لعظمته ,خاضعون لعزته ,منتظرون ملجازاته,
املتعلقة باملرحوم .فانلعم لكها ,أثر من آثار رْحته ,وهكذا يف
راجون ثوابه ,خائفون من عقابه ,فذللك خصه باَّلكر ,وإَل,
سائر األسماء .يقال يف العليم :إنه عليم ذو علم ,يعلم [به] لك
فهو املالك يلوم ادلين ولغريه من األيام.
يشء ,قدير ,ذو قدرة يقدر ىلع لك يشء.
اك ن َ مستَع ُ
ني} أي :خنصك وحدك بالعبادة اك َن معبُ ُد َوإيه َ
وقوهل {إيه َ
ِ ِ ِ م م ُ ه
{اْلَمد ِ ِ
َّلل} [هو] اثلناء ىلع اهلل بصفات الكمال ,وبأفعاهل
واَلستعانة ,ألن تقديم املعمول يفيد اْلِّص ,وهو إثبات ادلائرة بني الفضل والعدل ,فله اْلمد الاكمل ,جبميع الوجوه.
اْلكم للمذكور ,ونفيه عما عداه .فكأنه يقول :نعبدك ,وَل { َر ِّب الم َعالَم َ
ني} الرب ,هو املريب مجيع العاملني -وهم من سوى ِ
نعبد غريك ,ونستعني بك ,وَل نستعني بغريك. اهلل -خبلقه إياهم ,وإعداده هلم اآلَلت ,وإنعامه عليهم بانلعم
العظيمة ,اليت لو فقدوها ,لم يمكن هلم ابلقاء .فما بهم من
وقدم العبادة ىلع اَلستعانة ,من باب تقديم العام ىلع اخلاص,
نعمة ,فمنه تعاىل.
واهتماما بتقديم حقه تعاىل ىلع حق عبده.
وتربيته تعاىل خللقه نواعن :اعمة وخاصة.
و {العبادة} اسم جامع للك ما حيبه اهلل ويرضاه من األعمال,
واألقوال الظاهرة وابلاطنة .و {اَلستعانة} يه اَلعتماد ىلع اهلل
3
من غري تعطيل وَل تمثيل وَل تشبيه ,وقد دل ىلع ذلك لفظ تعاىل يف جلب املنافع ,ودفع املضار ,مع اثلقة به يف حتصيل
م َ م
{اْل َ مم ُد} كما تقدم .وتضمنت إثبات انلبوة يف قوهل{ :اه ِدنا ذلك.
اط ال م ُم مستَق َ
يم} ألن ذلك ممتنع بدون الرسالة. ِّ َ
الِّص َ
ِ
والقيام بعبادة اهلل واَلستعانة به هو الوسيلة للسعادة األبدية,
ين} وأن َ م ِّ َ
وإثبات اجلزاء ىلع األعمال يف قوهل{ :مال ِ ِك يومِ ادل ِ وانلجاة من مجيع الرشور ,فال سبيل إىل انلجاة إَل بالقيام بهما.
اجلزاء يكون بالعدل ,ألن ادلين معناه اجلزاء بالعدل. وإنما تكون العبادة عبادة ,إذا اكنت مأخوذة عن رسول اهلل
صىل اهلل عليه وسلم مقصودا بها وجه اهلل .فبهذين األمرين
وتضمنت إثبات القدر ,وأن العبد فاعل حقيقة ,خالفا
تكون عبادة ,وذكر {اَلستعانة} بعد {العبادة} مع دخوهلا فيها,
للقدرية واجلربية .بل تضمنت الرد ىلع مجيع أهل ابلدع
اط ال م ُم مستَق َ م
اه ِدنَا ِّ َ
الِّص َ َلحتياج العبد يف مجيع عباداته إىل اَلستعانة باهلل تعاىل .فإنه
يم} ألنه معرفة ِ [والضالل] يف قوهل{ :
إن لم يعنه اهلل ,لم حيصل هل ما يريده من فعل األوامر,
اْلق والعمل به .ولك مبتدع [وضال] فهو خمالف َّللك.
واجتناب انلوايه.
وتضمنت إخالص ادلين هلل تعاىل ,عبادة واستعانة يف قوهل: اط ال م ُم مستَق َ م
اه ِدنَا ِّ َ
الِّص َ
اك ن َ مستَع ُ
اك َن معبُ ُد َوإيه َ
{ إي ه َ يم} أي :دنلا وأرشدنا, ِ ثم قال تعاىل{ :
ني} فاْلمد هلل رب العاملني. ِ ِ ِ
ووفقنا للِّصاط املستقيم ,وهو الطريق الواضح املوصل إىل اهلل,
وإىل جنته ,وهو معرفة اْلق والعمل به ,فاهدنا إىل الِّصاط
واهدنا يف الِّصاط .فاهلداية إىل الِّصاط :لزوم دين اإلسالم,
تفسري سورة ابلقرة
وترك ما سواه من األديان ,واهلداية يف الِّصاط ,تشمل اهلداية
ويه مدنية جلميع اتلفاصيل ادلينية علما وعمال .فهذا ادلاعء من أمجع
اب ََل َريم َ
ك المكتَ َُ َ ه {ِ{ }5 - 1مْسِب ه ه م َ األدعية وأنفعها للعبد وهلذا وجب ىلع اإلنسان أن يدعو اهلل
ب ِ يم الم * ذل ِ
اَّلل الرْح ِن الر ِح ِِ
َ
َ ُم ُ َ َم َُ ُ َ ه َ م ه مُه َ ُ ً به يف لك ركعة من صالته ,لرضورته إىل ذلك.
الصالة ب وي ِقيمون اَّلين يؤ ِمنون بِالغي ِ ِفي ِه هدى لِلمت ِقني * ِ
ُم َ َ َ َ ه ََمَ ُ م ُم ُ َ َ ه َ م َ َ َ ه َ َمَ م َ َ
ين يُؤ ِمنُون بِ َما أن ِزل ِإيلمك َو َما اَّل
و ِمما رزقناهم ين ِفقون * و ِ ت َعليم ِه مم} من اَّلين أنعم
وهذا الِّصاط املستقيم هوِِ { :صاط ِ
َ َ َ ُ ً ُ ُ م ُ ُ َ م ُم َ م َ م َ مَ
وَلك َىلع هدى ِم من أن ِزل ِمن قب ِلك َوبِاآل ِخ َر ِة هم يوقِنون * أ ِ ري} ِصاط انلبيني والصديقني والشهداء والصاْلني{ .غ ِ
َ ِّ م َ ُ َ َ ُ ُ م ُ م ُ َ َ مَ م ُ
حون} وَلك هم المف ِل
رب ِهم وأ ِ وب َعليم ِه مم} اَّلين عرفوا اْلق وتركوه اكيلهود وحنوهم.
{المغض ِ
ني} اَّلين تركوا اْلق ىلع جهل وضالل, الضالِّ َ
ه
وغري ِصاط {
تقدم الالكم ىلع البسملة .وأما اْلروف املقطعة يف أوائل
اكنلصارى وحنوهم.
السور ,فاألسلم فيها ,السكوت عن اتلعرض ملعناها [من غري
مستند رشيع] ,مع اجلزم بأن اهلل تعاىل لم يزنهلا عبثا بل فهذه السورة ىلع إجيازها ,قد احتوت ىلع ما لم حتتو عليه سورة
ْلكمة َل نعلمها. من سور القرآن ,فتضمنت أنواع اتلوحيد اثلالثة :توحيد
الربوبية يؤخذ من قوهلَ { :ر ِّب الم َعالَم َ
ني}
ك المكتَ ُ
اب} أي هذا الكتاب العظيم اَّلي هو
َ َ ِ
ِ وقوهل {ذل ِ
الكتاب ىلع اْلقيقة ,املشتمل ىلع ما لم تشتمل عليه كتب ه
اَّلل}
وتوحيد اإلهلية وهو إفراد اهلل بالعبادة ,يؤخذ من لفظِ { :
ه َ َم
املتقدمني واملتأخرين من العلم العظيم, اك نعبُ ُد} وتوحيد األسماء والصفات ,وهو إثبات ومن قوهل{ :إِي
صفات الكمال هلل تعاىل ,اليت أثبتها نلفسه ,وأثبتها هل رسوهل
4
حقيقة اإليمان :هو اتلصديق اتلام بما أخربت به الرسل, واْلق املبني .فـ { ََل َريم َ
ب ِفي ِه} وَل شك بوجه من الوجوه ،ونيف
املتضمن َلنقياد اجلوارح ،وليس الشأن يف اإليمان باألشياء الريب عنه ,يستلزم ضده ,إذ ضد الريب والشك ايلقني ،فهذا
املشاهدة باْلس ,فإنه َل يتمزي بها املسلم من الاكفر .إنما الكتاب مشتمل ىلع علم ايلقني املزيل للشك والريب .وهذه
الشأن يف اإليمان بالغيب ,اَّلي لم نره ولم نشاهده ,وإنما نؤمن قاعدة مفيدة ,أن انليف املقصود به املدحَ ,ل بد أن يكون
به ,خلرب اهلل وخرب رسوهل .فهذا اإليمان اَّلي يمزي به املسلم من متضمنا لضدة ,وهو الكمال ,ألن انليف عدم ,والعدم املحض,
الاكفر ,ألنه تصديق جمرد هلل ورسله .فاملؤمن يؤمن بكل ما َل مدح فيه.
أخرب اهلل به ,أو أخرب به رسوهل ,سواء شاهده ,أو لم يشاهده
فلما اشتمل ىلع ايلقني واكنت اهلداية َل حتصل إَل بايلقني قال:
وسواء فهمه وعقله ,أو لم يهتد إيله عقله وفهمه .خبالف { ُه ًدى للم ُم هتق َ
ني} واهلدى :ما حتصل به اهلداية من الضاللة ِ ِ
الزنادقة واملكذبني باألمور الغيبية ,ألن عقوهلم القاِصة ُ ً
والشبه ،وما به اهلداية إىل سلوك الطرق انلافعة .وقال {هدى}
املقِّصة لم تهتد إيلها فكذبوا بما لم حييطوا بعلمه ففسدت
وحذف املعمول ,فلم يقل هدى للمصلحة الفالنية ,وَل
عقوهلم ,ومرجت أحالمهم .وزكت عقول املؤمنني املصدقني
لليشء الفالين ,إلرادة العموم ,وأنه هدى جلميع مصالح
املهتدين بهدى اهلل.
ادلارين ،فهو مرشد للعباد يف املسائل األصويلة والفروعية,
ويدخل يف اإليمان بالغيب[ ,اإليمان بـ] جبميع ما أخرب اهلل به ومبني للحق من ابلاطل ,والصحيح من الضعيف ,ومبني هلم
من الغيوب املاضية واملستقبلة ,وأحوال اآلخرة ,وحقائق كيف يسلكون الطرق انلافعة هلم ,يف دنياهم وأخراهم.
أوصاف اهلل وكيفيتها[ ,وما أخربت به الرسل من ذلك] ه ُ ً
اس} فعمم .ويف هذا املوضع
وقال يف موضع آخر{ :هدى لِلن ِ
فيؤمنون بصفات اهلل ووجودها ,ويتيقنونها ,وإن لم يفهموا وغريه { ُه ًدى للم ُم هتق َ
ني} ألنه يف نفسه هدى جلميع ِ ِ
كيفيتها.
اخللق.فاألشقياء لم يرفعوا به رأسا .ولم يقبلوا هدى اهلل,
َُ ُ َ ه َ َ
الصالة} لم يقل :يفعلون الصالة ,أو يأتون ثم قال{ :وي ِقيمون فقامت عليهم به اْلجة ,ولم ينتفعوا به لشقائهم ،وأما املتقون
بالصالة ,ألنه َل يكيف فيها جمرد اإلتيان بصورتها الظاهرة. اَّلين أتوا بالسبب األكربْ ,لصول اهلداية ,وهو اتلقوى اليت
فإقامة الصالة ,إقامتها ظاهرا ,بإتمام أراكنها ,وواجباتها, حقيقتها :اختاذ ما ييق سخط اهلل وعذابه ,بامتثال أوامره,
ورشوطها .وإقامتها باطنا بإقامة روحها ,وهو حضور القلب واجتناب انلوايه ,فاهتدوا به ,وانتفعوا اغية اَلنتفاع .قال
هَ َم م َ ُ ُ َ ً م َ ُ َ َ ُّ َ ه
فيها ,وتدبر ما يقوهل ويفعله منها ،فهذه الصالة يه اليت قال اَّلل جي َعل لك مم ف مرقانا} آمنُوا ِإن ت هتقوا
ين َ
اَّل َ
تعاىل{ :يا أيها ِ
م م َ مَ م َ ه ه َ َ َمَ
الصالة تنىه َع ِن الفحشا ِء َوال ُمنك ِر} ويه اليت اهلل فيهاِ { :إن فاملتقون هم املنتفعون باآليات القرآنية ,واآليات الكونية.
يرتتب عليها اثلواب .فال ثواب لإلنسان من صالته ,إَل ما
وألن اهلداية نواعن :هداية ابليان ,وهداية اتلوفيق .فاملتقون
عقل منها ،ويدخل يف الصالة فرائضها ونوافلها.
حصلت هلم اهلدايتان ,وغريهم لم حتصل هلم هداية اتلوفيق.
مَ ُ ُم ُ َ
ثم قالَ { :و ِم هما َر َزقناه مم ين ِفقون} يدخل فيه انلفقات الواجبة وهداية ابليان بدون توفيق للعمل بها ,ليست هداية حقيقية
اكلزاكة ,وانلفقة ىلع الزوجات واألقارب ,واملمايلك وحنو ذلك. [تامة].
وانلفقات املستحبة جبميع طرق اخلري .ولم يذكر املنفق عليهم,
ثم وصف املتقني بالعقائد واألعمال ابلاطنة ,واألعمال
لكرثة أسبابه وتنوع أهله ,وألن انلفقة من حيث يه ,قربة إىل ه َ ُم ُ َ
ون بالم َغيم
ب}
ِ اَّلين يؤ ِمن ِ
الظاهرة ,تلضمن اتلقوى َّللك فقالِ { :
اهلل ،وأىت بـ " من " ادلالة ىلع اتلبعيض ,يلنبههم أنه لم يرد منهم
5
والعمل ،و " ايلقني " هو العلم اتلام اَّلي ليس فيه أدىن شك, إَل جزءا يسريا من أمواهلم ,غري ضار هلم وَل مثقل ,بل
املوجب للعمل. ينتفعون هم بإنفاقه ,وينتفع به إخوانهم.
َ ُ ً ُ َ َ مَ ُ
وَلك} أي :املوصوفون بتلك الصفات اْلميدة { َىلع هدى {أ ِ ويف قوهلَ { :ر َزقناه مم} إشارة إىل أن هذه األموال اليت بني
ِم من َر ِّب ِه مم} أي :ىلع هدى عظيم ,ألن اتلنكري للتعظيم ،وأي أيديكم ,ليست حاصلة بقوتكم وملككم ,وإنما يه رزق
هداية أعظم من تلك الصفات املذكورة املتضمنة للعقيدة اهلل اَّلي خولكم ,وأنعم به عليكم ،فكما أنعم عليكم
الصحيحة واألعمال املستقيمة ،وهل اهلداية [اْلقيقية] إَل وفضلكم ىلع كثري من عباده ,فاشكروه بإخراج بعض ما
هدايتهم ،وما سواها [مما خالفها] ،فهو ضاللة. أنعم به عليكم ,وواسوا إخوانكم املعدمني.
وأىت بـ " ىلع " يف هذا املوضع ,ادلالة ىلع اَلستعالء ,ويف الضاللة وكثريا ما جيمع تعاىل بني الصالة والزاكة يف القرآن ,ألن الصالة
ُ َ َ ُ ً َ ه َ
يأيت بـ " يف " كما يف قوهلَ { :و ِإنا أ مو إِيهاك مم ل َعىل هدى أ مو ِيف متضمنة لإلخالص للمعبود ,والزاكة وانلفقة متضمنة لإلحسان
ني} ألن صاحب اهلدى مستعل باهلدى ,مرتفع به, َ َ ُ
ضال ٍل م ِب ٍ ىلع عبيده ،فعنوان سعادة العبد إخالصه للمعبود ,وسعيه يف
وصاحب الضالل منغمس فيه حمتقر. نفع اخللق ،كما أن عنوان شقاوة العبد عدم هذين األمرين
8
َ َ َُ ه َ َُ َ ُ َه َ
الرش ,اكلسلعة ،وجعل اهلدى اَّلي هو اغية الصالح بمزنلة آمنا َو ِإذا اَّلين آمنوا قالوا
ثم قال تعاىل{ }15 - 14{ :و ِإذا لقوا ِ
ون * ه ُ َ
م َ ُ ه ََ ُ م هَ مُ ُ م َم َ
ُ َ َم َ َ َ
اثلمن ،فبذلوا اهلدى رغبة عنه بالضاللة رغبة فيها ،فهذه اَّلل اطي ِن ِهم قالوا ِإنا معكم ِإنما حنن مسته ِزئ خلوا ِإىل شي ِ
َ َم م ُّ ُ م ُ
ِتارتهم ,فبئس اتلجارة ,وبئس الصفقة صفقتهم ي َ مستَه ِزئ بِ ِه مم َو َي ُمده مم ِيف ُطغيَانِ ِه مم يع َم ُهون}
وإذا اكن من بذل دينارا يف مقابلة درهم خارسا ,فكيف من هذا من قوهلم بألسنتهم ما ليس يف قلوبهم ،و[ذلك] أنهم إذا
بذل جوهرة وأخذ عنها درهما؟" فكيف من بذل اهلدى يف اجتمعوا باملؤمنني ,أظهروا أنهم ىلع طريقتهم وأنهم معهم ,فإذا
مقابلة الضاللة ,واختار الشقاء ىلع السعادة ,ورغب يف سافل خلوا إىل شياطينهم -أي :رؤسائهم وكربائهم يف الرش -قالوا:
األمور عن اعيلها ؟" فما رِبت ِتارته ,بل خرس فيها أعظم إنا معكم يف اْلقيقة ,وإنما حنن مستهزءون باملؤمنني
َ ه َ َ ُ َمُ َ ُ م ََ م ُم ه م
اخل َ
يه مم يَ مو َم
ِ لِ ه أو م ه س ف ن أ وارس
ِ خ ين اَّل
ِ ين ارس
ِ ِ خسارة{ .قل إِن بإظهارنا هلم ,أنا ىلع طريقتهم ،فهذه حاهلم ابلاطنة والظاهرة,
م م َ َ ََ َ َ ُ َ ُ م َ ُ
ان ال ُمب ُ م
ني} ِ ال ِقيام ِة أَل ذلِك هو اخلرس وَل حييق املكر السيئ إَل بأهله.
كممَ ََ ُ مُُ َه ُ ُ ه ُ ه َ َ َ ُّ ألنهم تركوا اْلق بعد أن عرفوه ,فال يرجعون إيله ،خبالف من
اَّلي خلق {{ }22 - 21يا أيها انلاس اعبدوا ربكم ِ
َ َ م ُ َ َ َ ه َ م َم ُ م ََ ه ُ م َهُ َ ه ترك اْلق عن جهل وضالل ,فإنه َل يعقل ,وهو أقرب رجواع
اَّلي َج َعل لك ُم األ مرض ين ِمن قب ِلكم لعلكم تتقون * ِ اَّل
و ِ
َ َ
َ ً َ ه َ َ َ ً َ مََ َ ه َ َ ً َ م منهم.
اء فأخ َر َج بِ ِه ِم َن ِفراشا والسماء بِناء وأنزل ِمن السما ِء م
م ً َ ُ م ََ َمَ ُ ه َم َ ً م َ م َ َ
َ
َّلل أندادا َوأنتُ مم تعل ُمون} هََ ثم قال تعاىل{ :أَ مو َك َصيِّب م َن ه
الس َما ِء} يعين :أو مثلهم كصيب،
ات ِرزقا لكم فال ِتعلوا ِ ِ
اثلمر ِ ٍ ِ
أي :كصاحب صيب من السماء ،وهو املطر اَّلي يصوب ,أي:
هذا أمر اعم للك انلاس ,بأمر اعم ,وهو العبادة اجلامعة, ُ ُ ٌ
يزنل بكرثةِ { ،في ِه ظل َمات} ظلمة الليل ,وظلمة السحاب,
َلمتثال أوامر اهلل ,واجتناب نواهيه ,وتصديق خربه ,فأمرهم م ٌ
ََ َ َم ُ م ه َ م م ه وظلمات املطرَ { ،و َرعد} وهو الصوت اَّلي يسمع من السحاب،
اإلن َس ِإَل
اجلن و ِ
تعاىل بما خلقهم هل ،قال تعاىل{ :وما خلقت ِ ٌ
َمُُ { َو َب مرق} وهو الضوء [الالمع] املشاهد مع السحاب.
ون}
ِيلعبد ِ
َ َم َ َ ُه َ َ َ َ َ
اء ل ُه مم} الربق يف تلك الظلمات { َمش موا ِفي ِه َو ِإذا أظل َم {لكما أض
ثم استدل ىلع وجوب عبادته وحده ,بأنه ربكم اَّلي رباكم َعلَيمه مم قَ ُ
اموا} أي :وقفوا. ِ
بأصناف انلعم ,فخلقكم بعد العدم ,وخلق اَّلين من
قبلكم ,وأنعم عليكم بانلعم الظاهرة وابلاطنة ,فجعل لكم فهكذا حال املنافقني ,إذا سمعوا القرآن وأوامره ونواهيه
األرض فراشا تستقرون عليها ,وتنتفعون باألبنية ,والزراعة, ووعده ووعيده ,جعلوا أصابعهم يف آذانهم ,وأعرضوا عن أمره
واْلراثة ,والسلوك من حمل إىل حمل ,وغري ذلك من ونهيه ووعده ووعيده ,فريوعهم وعيده وتزعجهم وعوده ،فهم
أنواع اَلنتفاع بها ،وجعل السماء بناء ملسكنكم ,وأودع فيها يعرضون عنها اغية ما يمكنهم ,ويكرهونها كراهة صاحب
من املنافع ما هو من رضوراتكم وحاجاتكم ,اكلشمس, الصيب اَّلي يسمع الرعد ,وجيعل أصابعه يف أذنيه خشية
والقمر ,وانلجوم. املوت ,فهذا تمكن هل السالمة .وأما املنافقون فأىن هلم
{ َوأَنم َز َل م َن ه
الس َما ِء َم ً
اء} والسماء[ :هو] لك ما عال فوقك فهو
السالمة ,وهو تعاىل حميط بهم ,قدرة وعلما فال يفوتونه وَل
ِ
يعجزونه ,بل حيفظ عليهم أعماهلم ,وجيازيهم عليها أتم
سماء ,وهلذا قال املفرسون :املراد بالسماء هاهنا :السحاب،
ات} اكْلبوب, َ هََ ََ م َ َ اجلزاء.
فأنزل منه تعاىل ماء{ ،فأخرج بِ ِه ِمن اثلمر ِ
10
ً َ ُ
وهذا ديلل عقيل ىلع صدق رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم, واثلمار ,من خنيل ,وفواكه[ ,وزروع] وغريها { ِر مزقا لك مم} به
وصحة ما جاء به ،فقال{ :وإن كنتم} معرش املعاندين للرسول, ترتزقون ,وتقوتون وتعيشون وتفكهون.
الرادين دعوته ,الزاعمني كذبه يف شك واشتباه ,مما نزنلا ىلع َ َ َمَ ُ ه َم َ ً
َّلل أندادا} أي :نظراء وأشباها من املخلوقني,
{فال ِتعلوا ِ ِ
عبدنا ,هل هو حق أو غريه ؟ فهاهنا أمر نصف ،فيه الفيصلة
فتعبدونهم كما تعبدون اهلل ,وحتبونهم كما حتبون اهلل ,وهم
بينكم وبينه ،وهو أنه برش مثلكم ,ليس بأفصحكم وَل
مثلكم ,خملوقون ,مرزوقون مدبرونَ ,ل يملكون مثقال ذرة
بأعلمكم وأنتم تعرفونه منذ نشأ بينكمَ ,ل يكتب وَل َم
يف السماء وَل يف األرض ،وَل ينفعونكم وَل يرضونَ { ،وأنتُ مم
يقرأ ،فأتاكم بكتاب زعم أنه من عند اهلل ,وقلتم أنتم أنه َمَ َ
ه تعل ُمون} أن اهلل ليس هل رشيك ,وَل نظريَ ,ل يف اخللق,
تقوهل وافرتاه ،فإن اكن األمر كما تقولون ,فأتوا بسورة من مثله,
والرزق ,واتلدبري ,وَل يف العبادة فكيف تعبدون معه آهلة
واستعينوا بمن تقدرون عليه من أعوانكم وشهدائكم ,فإن
أخرى مع علمكم بذلك؟ هذا من أعجب العجب ,وأسفه
هذا أمر يسري عليكم ،خصوصا وأنتم أهل الفصاحة
السفه.
واخلطابة ,والعداوة العظيمة للرسول ،فإن جئتم بسورة من
مثله ,فهو كما زعمتم ,وإن لم تأتوا بسورة من مثله وعجزتم وهذه اآلية مجعت بني األمر بعبادة اهلل وحده ,وانليه عن
اغية العجز ,ولن تأتوا بسورة من مثله ،ولكن هذا عبادة ما سواه ,وبيان ادليلل ابلاهر ىلع وجوب عبادته,
اتلقييم ىلع وجه اإلنصاف واتلزنل معكم ،فهذا آية كربى, وبطالن عبادة من سواه ,وهو [ذكر] توحيد الربوبية ,املتضمن
وديلل واضح [جيل] ىلع صدقه وصدق ما جاء به ,فيتعني َلنفراده باخللق والرزق واتلدبري ،فإذا اكن لك أحد مقرا بأنه
عليكم اتباعه ,واتقاء انلار اليت بلغت يف اْلرارة العظيمة ليس هل رشيك يف ذلك ,فكذلك فليكن إقراره بأن [اهلل] َل
[والشدة] ,أن اكنت وقودها انلاس واْلجارة ,ليست كنار رشيك هل يف العبادة ,وهذا أوضح ديلل عقيل ىلع وحدانية
ادلنيا اليت إنما تتقد باْلطب ,وهذه انلار املوصوفة معدة ابلاري ،وبطالن الرشك.
ومهيأة للاكفرين باهلل ورسله .فاحذروا الكفر برسوهل ,بعد ما َ ه ُ َ ُ َ
وقوهل تعاىل{ :ل َعلك مم ت هتقون} حيتمل أن املعىن :أنكم إذا
تبني لكم أنه رسول اهلل.
عبدتم اهلل وحده ,اتقيتم بذلك سخطه وعذابه ,ألنكم أتيتم
وهذه اآلية وحنوها يسمونها آيات اتلحدي ,وهو تعجزي اخللق بالسبب ادلافع َّللك ،وحيتمل أن يكون املعىن :أنكم إذا
مَََ م م ُم َ
اإلن ُس
ت ِ ِئ اجتمع ِ أن يأتوا بمثل هذا القرآن ،قال تعاىل {قل ل ِ ِ عبدتم اهللِ ,صتم من املتقني املوصوفني باتلقوى ,والك املعنيني
َ َ َ م َ َ مُ م َ مُ َ م َ م ُّ َ َ َ م َ م ُ
آن َل يَأتون بِ ِمث ِل ِه َول مو اكن
ِ ر ق ال ا ذ ه ل
اجلن ىلع أن يأت ِ ِ ِ
ثم ب وا و ِ صحيح ,وهما متالزمان ،فمن أىت بالعبادة اكملة ,اكن من
ريا}َب مع ُض ُه مم ِ َبل معض َظه ً املتقني ،ومن اكن من املتقني ,حصلت هل انلجاة من عذاب اهلل
ِ ٍ
وسخطه .ثم قال تعاىل:
وكيف يقدر املخلوق من تراب ,أن يكون الكمه كالكم رب
َ َ َ َمُ َ م َ م ُ مُ م
األرباب؟ أم كيف يقدر انلاقص الفقري من لك الوجوه ,أن يأيت ب ِم هما ن هزنلَا َىلع عبم ِدنا فأتوا َم
{{ }24 - 23و ِإن كنتم ِيف ري ٍ
ه م ُم ُ َ م م َ م ُ ُ َ َ َ ُ م م ُ
بكالم كالكم الاكمل ,اَّلي هل الكمال املطلق ,والغىن الواسع اَّلل ِإن كنتُ مم
ون ِ بِسور ٍة ِمن ِمث ِل ِه وادعوا شهداءكم ِمن د ِ
ُ ُ َ ه َ ه َ َ م َ َم ُ َ َم ُ َ هُ
من لك الوجوه؟ هذا ليس يف اإلماكن ,وَل يف قدرة اإلنسان، ار ال ِيت َوقودها ني * ف ِإن ل مم تف َعلوا َول من تف َعلوا فاتقوا انل َ
صا ِدقِ
ت لِلم َاكفِر َ ه ُ َ م َ َُ ُ ه م
ولك من هل أدىن ذوق ومعرفة [بأنواع] الالكم ,إذا وزن هذا ين} ِ اْلجارة أ ِعد
انلاس و ِ
القرآن العظيم بغريه من الكم ابللغاء ,ظهر هل الفرق العظيم.
11
ملا ذكر جزاء الاكفرين ,ذكر جزاء املؤمنني ,أهل األعمال ب} إىل آخره ,ديلل ىلع أن اَّلي َم َ م ُ مُ م
ويف قوهل{ :و ِإن كنتم ِيف ري ٍ
الصاْلات ,ىلع طريقته تعاىل يف القرآن جيمع بني الرتغيب يرىج هل اهلداية من الضاللة[ :هو] الشاك اْلائر اَّلي لم يعرف
والرتهيب ,يلكون العبد راغبا راهبا ,خائفا راجيا فقال: اْلق من الضالل ،فهذا إذا بني هل اْلق فهو حري باتلوفيق إن
ه َ َ ِّ
آمنُوا}
ين َ
اَّل َ
رش} أي[ :يا أيها الرسول ومن قام مقامه] { ِ { وب ِ اكن صادقا يف طلب اْلق.
ه َ ُ
ات} جبوارحهم ,فصدقوا إيمانهم بقلوبهم { َوع ِملوا الص ِ
اْل َ ِ
وأما املعاند اَّلي يعرف اْلق ويرتكه ,فهذا َل يمكن رجوعه,
بأعماهلم الصاْلة.
ألنه ترك اْلق بعد ما تبني هل ,لم يرتكه عن جهل ,فال حيلة
ووصفت أعمال اخلري بالصاْلات ,ألن بها تصلح أحوال العبد, فيه.
وأمور دينه ودنياه ,وحياته ادلنيوية واألخروية ,ويزول بها عنه
وكذلك الشاك غري الصادق يف طلب اْلق ,بل هو معرض غري
فساد األحوال ,فيكون بذلك من الصاْلني ,اَّلين يصلحون
جمتهد يف طلبه ,فهذا يف الغالب أنه َل يوفق.
ملجاورة الرْحن يف جنته.
12
يف ذلك .فليس يف ذلك حمل اعرتاض .بل هو من تعليم اهلل فأخالقهن ,أنهن عرب متحببات إىل أزواجهن باخللق اْلسن,
لعباده ورْحته بهم .فيجب أن تتلىق بالقبول والشكر .وهلذا وحسن اتلبعل ,واألدب القويل والفعيل ,ومطهر خلقهن من
َ م َ َ َه ُ م ََه ه
آمنُوا فيَعل ُمون أنه اْل َ ُّق ِم من َر ِّب ِه مم}
ين َ
اَّل َ
قال{ :فأما ِ اْليض وانلفاس واملين ,وابلول والغائط ,واملخاط وابلصاق,
فيتفهمونها ،ويتفكرون فيها. والراحئة الكريهة ،ومطهرات اخللق أيضا ,بكمال اجلمال,
فليس فيهن عيب ,وَل دمامة خلق ,بل هن خريات حسان,
فإن علموا ما اشتملت عليه ىلع وجه اتلفصيل ،ازداد بذلك
مطهرات اللسان والطرف ،قاِصات طرفهن ىلع أزواجهن,
علمهم وإيمانهم ،وإَل علموا أنها حق ،وما اشتملت عليه حق،
وقاِصات ألسنتهن عن لك الكم قبيح.
وإن خيف عليهم وجه اْلق فيها لعلمهم بأن اهلل لم يرضبها
عبثا ،بل ْلكمة بالغة ،ونعمة سابغة. ه ُ
واملبرش به,
ه ِّ
فيف هذه اآلية الكريمة ,ذكر املبرش واملبرش,
ِّ
َ ًَ ََُ ََُ ُ َ َ َ ََ َ
اد ه ُ َه ه والسبب املوصل هلذه البشارة ،فاملبرش :هو الرسول صىل اهلل
اَّلل بِ َهذا َمثال} ين كفروا فيقولون ماذا أر اَّل َ
{ َوأما ِ ه
عليه وسلم ومن قام مقامه من أمته ،واملبرش :هم املؤمنون
فيعرتضون ويتحريون ،فزيدادون كفرا إىل كفرهم ،كما ه
ازداد املؤمنون إيمانا ىلع إيمانهم ،وهلذا قال{ :يُض ُّل به َكث ً العاملون الصاْلات ،واملبرش به :يه اجلنات املوصوفات بتلك
ريا ِ ِِ ِ
َو َي مهدي به َكث ً الصفات ،والسبب املوصل َّللك ,هو اإليمان والعمل الصالح،
ريا} فهذه حال املؤمنني والاكفرين عند نزول ِ ِِ ِ
م َ ٌ َ م ُ َ
اآليات القرآنية .قال تعاىلَ { :وإذا َما أنزل م فال سبيل إىل الوصول إىل هذه البشارة ,إَل بهما ،وهذا أعظم
ورة ف ِمن ُه مم َم من
ت ُس َ
ِ ِ
َ ً ََه ه َ َُ ََ َمُ م َ ً َ ُ ُ َ ُّ ُ م َ َ م ُ َ بشارة حاصلة ,ىلع يد أفضل اخللق ,بأفضل األسباب.
اَّلين آمنوا فزادتهم ِإيمانا يقول أيكم زادته ه ِذهِ ِإيمانا فأما ِ
َ م ٌ َ َم َ ُ م َ م َم ُ َ ََه ه َ ُُ
ين ِيف قلوبِ ِه مم َم َرض ف َزادت ُه مم ِرج ًسا ِإىل اَّل
وهم يستب ِرشون وأما ِ وفيه استحباب بشارة املؤمنني ,وتنشيطهم ىلع األعمال بذكر
َ ُ َ ُ م
ِرج ِس ِه مم َو َماتوا َوه مم اكفِ ُرون} فال أعظم نعمة ىلع العباد من جزائها [وثمراتها] ,فإنها بذلك ختف وتسهل ،وأعظم برشى
نزول اآليات القرآنية ،ومع هذا تكون لقوم حمنة وحرية حاصلة لإلنسان ,توفيقه لإليمان والعمل الصالح ،فذلك أول
[وضاللة] وزيادة رش إىل رشهم ،ولقوم منحة [ورْحة] وزيادة البشارة وأصلها ،ومن بعده البرشى عند املوت ،ومن بعده
خري إىل خريهم ،فسبحان من فاوت بني عباده ،وانفرد باهلداية الوصول إىل هذا انلعيم املقيم ،نسأل اهلل أن جيعلنا منهم
واإلضالل. وض ًة َفماَ ه هَ َ َم َ م َ م َ م َ ًََ َ َُ َ
رضب مثال ما بع {{ }27َ - 26إِن اَّلل َل يستح ِِي أ َن ي ِ
ه َ
فَ مو َق َها فَأ هما هاَّل َ َ ُ َ َ م َ ُ َ ه ُ م ُّ م ِّ م ه
ثم ذكر حكمته يف إضالل من يضلهم وأن ذلك عدل منه ين اَّل َين آمنوا فيعلمون أنه اْلَق ِمن َرب ِهم َوأما ِ ِ
تعاىل فقالَ { :و َما يُض ُّل به إ هَل الم َفاسق َ َ ُّ ً َ
اَّلل ب َهذا َمثال يُضل به كث ً َ اد ه ُ َ َ َ َ ُ
َ ُ َ َ َ
ني} أي :اخلارجني عن ِ ِ ِ ِِ ِ ريا ِ ِِ ِ ِ كف ُروا فيَقولون َماذا أر
َ َ ه َ َمُ ه مَ َ ً َ ُ ُّ َم
طاعة اهلل; املعاندين لرسل اهلل; اَّلين صار الفسق وصفهم; فال ين ينق ُضون اَّل
اس ِقني * ِ َويه ِدي بِ ِه ك ِثريا َوما ي ِضل بِ ِه ِإَل الف ِ
ََم َ ُ َ َ ََ َ هُ َ م ُ َ َ َ م َ م َ ه
يبغون به بدَل ،فاقتضت حكمته تعاىل إضالهلم لعدم وصل اَّلل ِم من َبع ِد ِميثاقِ ِه ويقطعون ما أمر اَّلل بِ ِه أن ي عهد ِ
م َ م ُ َ َ ُ ُ مَ ُ َ ُم ُ َ
صالحيتهم للهدى ،كما اقتضت حكمته وفضله هداية من ارسون} وَلك هم اخل ِ َويف ِسدون ِيف األر ِض أ ِ
اتصف باإليمان وحتىل باألعمال الصاْلة.
أي حِي أَ من يَ مرض َب َمثَ ًال َما} أي :ه ه هَ َ َم َ م
ِ يقول تعاىل { ِإن اَّلل َل يست ِ
َ ً َ َ َ
والفسق نواعن :نوع خمرج من ادلين ،وهو الفسق املقتيض مثل اكن { َب ُعوضة ف َما ف موق َها} َلشتمال األمثال ىلع اْلكمة,
للخروج من اإليمان; اكملذكور يف هذه اآلية وحنوها ،ونوع غري وإيضاح اْلق ,واهلل َل يستحِي من اْلق ،وكأن يف هذا ,جوابا
ملن أنكر رضب األمثال يف األشياء اْلقرية ،واعرتض ىلع اهلل
13
َ َ ُّ َ ه َ َ ُ م
هذا استفهام بمعىن اتلعجب واتلوبيخ واإلنكار ،أي :كيف اَّلين آمنوا إِن
خمرج من اإليمان كما يف قوهل تعاىل{ :يا أيها ِ
َ َ َ َ ُ م َ
حيصل منكم الكفر باهلل; اَّلي خلقكم من العدم; وأنعم اس ٌق بِنبَ ٍإ فتَبَ هينُوا} [اآلية].
اءكم ف ِ ج
عليكم بأصناف انلعم; ثم يميتكم عند استكمال م ه َ َمُ ُ َ َ م َ ه
اَّلل ِم من َبع ِد
اَّلين ينقضون عهد ِ ثم وصف الفاسقني فقالِ { :
آجالكم; وجيازيكم يف القبور; ثم حيييكم بعد ابلعث َ
ِميثاقِ ِه} وهذا يعم العهد اَّلي بينهم وبينه واَّلي بينهم وبني
والنشور; ثم إيله ترجعون; فيجازيكم اجلزاء األوىف ،فإذا
عباده اَّلي أكده عليهم باملواثيق اثلقيلة واإللزامات ،فال
كنتم يف تِّصفه; وتدبريه; وبره; وحتت أوامره ادلينية; ومن بعد
يبالون بتلك املواثيق; بل ينقضونها ويرتكون أوامره
ذلك حتت دينه اجلزايئ; أفيليق بكم أن تكفروا به; وهل هذا
ويرتكبون نواهيه; وينقضون العهود اليت بينهم وبني اخللق.
إَل جهل عظيم وسفه وْحاقة ؟ بل اَّلي يليق بكم أن تؤمنوا
ََم َ ُ َ َ ََ َ هُ َ م ُ َ َ
به وتتقوه وتشكروه وختافوا عذابه; وترجوا ثوابه. وصل} وهذا يدخل فيه أشياء {ويقطعون ما أمر اَّلل بِ ِه أن ي
َ ً ُه م ََ َ م مَ َ ََ َ ُ م َ ُ ه كثرية ،فإن اهلل أمرنا أن نصل ما بيننا وبينه باإليمان به
مجيعا ثم استوى إِىل اَّلي خلق لكم ما ِيف األر ِض ِ {{ }29ه َو ِ
ك ِّل َ م
يش ٍء َعل ٌ ََُ ُ ه َ َ َ ه ُ ه َ مَ َ َ َ والقيام بعبوديته ،وما بيننا وبني رسوهل باإليمان به وحمبته
يم} ِ ات وهو بِ
السما ِء فسواهن سبع سماو ٍ
وتعزيره والقيام ِبقوقه ،وما بيننا وبني الوادلين واألقارب
َ مَ َ َ َ ُ ُ ه
مجي ًعا} أي :خلق لكم,
ِ ضِ
األ م
ر اَّلي خل َق لك مم َما ِيف
{ه َو ِ واألصحاب; وسائر اخللق بالقيام بتلك اْلقوق اليت أمر اهلل
برا بكم ورْحة ,مجيع ما ىلع األرض ,لالنتفاع واَلستمتاع أن نصلها.
واَلعتبار.
فأما املؤمنون فوصلوا ما أمر اهلل به أن يوصل من هذه اْلقوق،
ويف هذه اآلية العظيمة ديلل ىلع أن األصل يف األشياء اإلباحة وقاموا بها أتم القيام ،وأما الفاسقون ،فقطعوها ،ونبذوها وراء
والطهارة ,ألنها سيقت يف معرض اَلمتنان ،خيرج بذلك ظهورهم; معتاضني عنها بالفسق والقطيعة; والعمل باملعايص;
اخلبائث ,فإن [حتريمها أيضا] يؤخذ من فحوى اآلية ,ومعرفة وهو :اإلفساد يف األرض.
املقصود منها ,وأنه خلقها نلفعنا ,فما فيه رضر ,فهو خارج من ُ ُ مَ ُ َ َُ َ َ
ارسون} يف ادلنيا
وَلك} أي :من هذه صفته {هم اخل ِ
فـ {فأ ِ
ذلك ،ومن تمام نعمته ,منعنا من اخلبائث ,تزنيها نلا.
واآلخرة ،فحِّص اخلسارة فيهم; ألن خرسانهم اعم يف لك
ُ ه َ َ َ ه ُ ه َ مَ َ َ َ َ ُه م ََ
ات َوه َو
وقوهل{ :ثم استوى ِإىل السما ِء فسواهن سبع سماو ٍ أحواهلم; ليس هلم نوع من الربح؛ ألن لك عمل صالح رشطه
ك ِّل َ م
يش ٍء َعل ٌ
يم}
ُ اإليمان; فمن َل إيمان هل َل عمل هل; وهذا اخلسار هو خسار
ِ بِ
{ م الكفر ،وأما اخلسار اَّلي قد يكون كفرا; وقد يكون
استَ َوى} ترد يف القرآن ىلع ثالثة معاين :فتارة َل تعدى
معصية; وقد يكون تفريطا يف ترك مستحب ،املذكور يف قوهل
باْلرف ،فيكون معناها ,الكمال واتلمام ,كما يف قوهل عن ُ م ه م مَ َ َ
موىسَ { :ول َ هما بَلَ َغ أَ ُش هد ُه َو م
استَ َوى} وتارة تكون بمعىن " عال "
رس} فهذا اعم للك خملوق; إَل من
ٍ خ يف
اإلنسان ل ِ
تعاىلِ { :إن ِ
اتصف باإليمان والعمل الصالح; واتلوايص باْلق; واتلوايص
و " ارتفع " وذلك إذا عديت بـ " ىلع " كما يف قوهل تعاىل{ :ثم
َ م َُ ََ ُ ُ بالصرب; وحقيقة فوات اخلري; اَّلي [اكن] العبد بصدد حتصيله
ورهِ} وتارة تكون استوى ىلع العرش} { ِلتستووا ىلع ظه ِ
وهو حتت إماكنه.
بمعىن " قصد " كما إذا عديت بـ " إىل " كما يف هذه اآلية ،أي:
ه ُم َم ً َمَ َ مُُ َ
ملا خلق تعاىل األرض ,قصد إىل خلق السماوات {فسواهن سبع اَّلل َوكنتُ مم أم َواتا
{ }28ثم قال تعاىل{ :كيف تكفرون بِ ِ
ََ م َ ُ م ُ ه ُ ُ ُ م ُ ه ُم ُ م ُ ه َم ُم َ ُ َ
سماوات} فخلقها وأحكمها ,وأتقنها{ ,وهو بكل يشء عليم} فأحياكم ثم ي ِميتكم ثم حي ِييكم ثم إِيل ِه ترجعون}
14
باألخالق اجلميلة ,كمحبة اهلل وخشيته وتعظيمه ,ونطهرها فـ {يعلم ما يلج يف األرض وما خيرج منها وما يزنل من السماء
ُم َ َ م َ ُ َ ُ ُّ َ
من األخالق الرذيلة. رسون َو َما تع ِلنُون} يعلم الرس وما يعرج فيها} و {يعلم ما ت ِ
َ ِّ َ م َ وأخىف.
قال اهلل تعاىل للمالئكةِ { :إين أعل ُم} من هذا اخلليفة { َما َل
َمَ َ
تعل ُمون} ؛ ألن الكمكم ِبسب ما ظننتم ,وأنا اعلم بالظواهر وكثريا ما يقرن بني خلقه للخلق وإثبات علمه كما يف هذه
ُ ه ُ َ َ ََ َ م َ
والرسائر ,وأعلم أن اخلري اْلاصل خبلق هذا اخلليفة ,أضعاف اآلية ,وكما يف قوهل تعاىل{ :أَل يعل ُم َم من خل َق َوه َو الل ِطيف
م
اخلَب ُ
أضعاف ما يف ضمن ذلك من الرش فلو لم يكن يف ذلك ,إَل ري} ألن خلقه للمخلوقات ,أدل ديلل ىلع علمه ,وحكمته, ِ
أن اهلل تعاىل أراد أن جيتيب منهم األنبياء والصديقني, وقدرته.
والشهداء والصاْلني ,وتلظهر آياته للخلق ,وحيصل من مَ ٌ َ م َ َ ِّ م َ َ
{َ { }34 - 30و ِإذ قال َر ُّبك لِل َمالئِك ِة إِين َجا ِعل ِيف األ مر ِض
العبوديات اليت لم تكن حتصل بدون خلق هذا اخلليفة, َ َ ً َ ُ َ َ م َ ُ َ َ م ُ م ُ َ َ َ م ُ ِّ َ َ َ م
اء َوحن ُن خ ِليفة قالوا أِتعل ِفيها من يف ِسد ِفيها ويس ِفك ادلم
اكجلهاد وغريه ,ويلظهر ما كمن يف غرائز بين آدم من اخلري ُ َ ِّ ُ َ م َ َ ُ َ ِّ ُ َ َ َ َ ِّ َ م َ ُ َ َ َ م َ ُ َ َ َ َه
نسبح ِِبم ِدك ونقدس لك قال إِين أعلم ما َل تعلمون * وعلم
والرش باَلمتحان ,ويلتبني عدوه من ويله ,وحزبه من حربه,
وِن كة َف َق َال أَنمبئُ َ َ م َ م َ َ ُهَ ُ ه َ َ َ ُ م ََ مَ َ َ
ِ ِ آدم األسماء لكها ثم عرضهم ىلع المالئِ ِ
ويلظهر ما كمن يف نفس إبليس من الرش اَّلي انطوى عليه, َ َ ُ ُ م َ َ َ َ م َ ه َ َ م ُم َ
حانك َل ِعل َم نلَا ِإَل بِأ مس َما ِء ه ُؤَل ِء ِإن كنتُ مم َصا ِد ِقني * قالوا سب
واتصف به ,فهذه حكم عظيمة ,يكيف بعضها يف ذلك. َ َم م َ َ َ ه م َ َ ه َ َ م َ م َ ُ مَ ُ َ َ
يم * قال يَا آد ُم أن ِبئ ُه مم بِأ مس َمائِ ِه مم ك
ما علمتنا ِإنك أنت الع ِليم اْل ِ
َ
ك مم إ ِّين أ معلَ ُم َغيم َ َ َ ه َم ََ ُ م َ م َ م َ َ ََ م ُ م َ ُ
َ
ثم ملا اكن قول املالئكة عليهم السالم ,فيه إشارة إىل فضلهم ب ِ فلما أنبأهم بِأسمائِ ِهم قال ألم أقل ل
م َ ُم َ م َ ُ َ مَ مَ
ىلع اخلليفة اَّلي جيعله اهلل يف األرض ,أراد اهلل تعاىل ,أن يبني ات َواأل مر ِض َوأعل ُم َما تبم ُدون َو َما كنتُ مم تكتُ ُمون * َو ِإذ ه َ َ
السماو ِ
ه م َ ََ ج ُدوا آل َد َم فَ َس َ ُمَ مَ َ َ
هلم من فضل آدم ,ما يعرفون به فضله ,وكمال حكمة اهلل يس أَب ج ُدوا ِإَل ِإب ِل ِ
اس ُكة م
قلنا لِلمالئِ ِ
َ ه َ َ َ م َ م َ َ ُه رب َو َاك َن ِم َن الم َاكفِر َ َ م َ م
اء لك َها} أي :أسماء األشياء ,وما هو وعلمه فـ {علم آدم األسم ين} ِ
كََ واست
مسىم بها ،فعلمه اَلسم واملسىم ,أي :األلفاظ واملعاين ,حىت
هذا رشوع يف ذكر فضل آدم عليه السالم أيب البرش أن اهلل
املكرب من األسماء اكلقصعة ،واملصغر اكلقصيعة.
حني أراد خلقه أخرب املالئكة بذلك ,وأن اهلل مستخلفه يف
َ َ م َ َ ُ
{ث هم َع َرض ُه مم} أي :عرض املسميات { َىلع ال َمالئِك ِة} امتحانا األرض.
هلم ,هل يعرفونها أم َل؟. فقالت املالئكة عليهم السالم{ :أَ َِتم َع ُل ف َ
يها َم من ُي مفس ُد ف َ
يها} ِ ِ ِ
{ َف َق َال أَنمبئُوِن بأَ مس َما ِء َه ُؤ ََل ِء إ من ُكنمتُ مم َصادق َ
ني} يف قولكم اء} [و]هذا ختصيص بعد تعميم ,بليان ادل َم َ
ك ََِّم ُ
باملعايص {ويس ِف
ِِ ِ ِ ِ ِ
وظنكم ,أنكم أفضل من هذا اخلليفة. [شدة] مفسدة القتل ،وهذا ِبسب ظنهم أن اخلليفة املجعول
َ ُ ُ م َ َ َ يف األرض سيحدث منه ذلك ,فزنهوا ابلاري عن ذلك,
حانك} أي :نزنهك من اَلعرتاض منا عليك, {قالوا سب
ه َ ه م َ َ وعظموه ,وأخربوا أنهم قائمون بعبادة اهلل ىلع وجه خال من
وخمالفة أمركَ{ .ل ِعل َم نلَا} بوجه من الوجوه { ِإَل َما َعل ممتَنا} َم ُ
ك ُ ه َ َم َ مَ ُ م املفسدة فقالواَ { :وحن ُن ن َسبِّ ُح ِِبَ مم ِد َك} أي :نزنهك اتلزنيه
يم} العليم يم اْل َ ِإياه ,فضال منك وجوداِ { ،إنك أنت الع ِل َ َ ُ َ ِّ
الالئق ِبمدك وجاللكَ { ،ونقد ُس لك} حيتمل أن معناها:
اَّلي أحاط علما بكل يشء ,فال يغيب عنه وَل يعزب مثقال
ونقدسك ,فتكون الالم مفيدة للتخصيص واإلخالص،
ذرة يف السماوات واألرض ,وَل أصغر من ذلك وَل أكرب.
وحيتمل أن يكون :ونقدس لك أنفسنا ،أي :نطهرها
15
ثم عرفه صاحب الفضيلة; فهو أكمل مما عرفه ابتداء ،ومنها: اْلكيم :من هل اْلكمة اتلامة اليت َل خيرج عنها خملوق ,وَل
اَلعتبار ِبال أبوي اإلنس واجلن; وبيان فضل آدم; وأفضال يشذ عنها مأمور ،فما خلق شيئا إَل ْلكمة :وَل أمر بيشء إَل
اهلل عليه; وعداوة إبليس هل; إىل غري ذلك من العرب. ْلكمة ،واْلكمة :وضع اليشء يف موضعه الالئق به ،فأقروا,
َ م هَ َُ م
ت َو َز مو ُجك اجلَنة َوالك ِمن َها ك من أَنم َ
َ ُ مَ َ َ ُ م ُ
{{ }36 - 35وقلنا يا آدم اس
واعرتفوا بعلم اهلل وحكمته ,وقصورهم عن معرفة أدىن يشء،
17
أنزل إيلكم ,ومن كذب ببعض ما أنزل إيله ,فقد كذب اعرتافا ,وباللسان ثناء ,وباجلوارح باستعماهلا فيما حيبه
جبميعه ،كما أن من كفر برسول ,فقد كذب الرسل مجيعهم. ويرضيه.
م َ ُ
فلما أمرهم باإليمان به ,نهاهم وحذرهم من ضده وهو الكفر { َوأ موفوا بِ َعه ِدي} وهو ما عهده إيلهم من اإليمان به ,وبرسله
َ َ ُ ُ َ َ َ
به فقالَ { :وَل تكونوا أ هول اكفِ ٍر بِ ِه} أي :بالرسول والقرآن. وإقامة رشعه.
َ َ َ م ُ ُ
ويف قوهل{ :أ هول اكفِ ٍر بِ ِه} أبلغ من قوهل{ :وَل تكفروا به} ألنهم وف بِ َعه ِدك مم} وهو املجازاة ىلع ذلك.
{أ ِ
إذا اكنوا أول اكفر به ,اكن فيه مبادرتهم إىل الكفر به ,عكس َََ م َ َ َ هُ َ َ
اَّلل ِميثاق بَ ِين واملراد بذلك :ما ذكره اهلل يف قوهل{ :ولقد أخذ
ما ينبيغ منهم ,وصار عليهم إثمهم وإثم من اقتدى بهم من َ
ك مم ل مََ ُ ِّ رش نَقيبًا َوقَ َال ه ُم َ َ َََمَ مُ ُ مَم َ َ
ِئ ِ اَّلل ِإين مع ين ع َ ِ ِإرسا ِئيل وبعثنا ِمنهم اث
بعدهم. ََ م ََ م ُ ُ ه َ َ َ َمُ ُ ه َ َ َ َ م
آمنتُ مم بِ ُر ُس ِيل]} إىل قوهل{ :فقد أقمتم الصالة [وآتيتم الزاكة و
ثم ذكر املانع هلم من اإليمان ,وهو اختيار العرض األدىن ىلع يل} َ ه َ َ َ ه
ضل سواء الس ِب ِ
َ ً َ ً السعادة األبدية ،فقالَ { :و ََل ت َ مش َ ُ
رتوا بِآيَ ِايت ث َمنا ق ِليال} وهو ما
ثم أمرهم بالسبب اْلامل هلم ىلع الوفاء بعهده ,وهو الرهبة منه
حيصل هلم من املناصب واملآلك ,اليت يتوهمون انقطاعها ,إن َ م
خشيَه أوجبت هل خشيته امتثال تعاىل ,وخشيته وحده ,فإن من ِ
آمنوا باهلل ورسوهل ,فاشرتوها بآيات اهلل واستحبوها ,وآثروها.
أمره واجتناب نهيه.
َ هُ َ ه َ
ون} فإنكم إذا اتقيتم اهلل وحده,
{و ِإياي} أيَ :ل غريي {فاتق ِ
ثم أمرهم باألمر اخلاص ,اَّلي َل يتم إيمانهم ,وَل يصح إَل به
أوجبت لكم تقواه ,تقديم اإليمان بآياته ىلع اثلمن القليل،
ت} وهو القرآن اَّلي أنزهل ىلع عبده فقالَ { :وآمنُوا ب َما أَنم َزلم ُ
ِ ِ
كما أنكم إذا اخرتتم اثلمن القليل ,فهو ديلل ىلع ترحل
ورسوهل حممد صىل اهلل عليه وسلم ،فأمرهم باإليمان به,
اتلقوى من قلوبكم.
واتباعه ,ويستلزم ذلك ,اإليمان بمن أنزل عليه ،وذكر ادلايع
َ م م
اْل َ هق ب م َ ثم قالَ { :و ََل تَلمب ُ ُ ِّ ً
اط ِل َوتكتُ ُموا
ابل ِ ِ { ختلطوا أي: }واس ِ إليمانهم به ،فقالُ { :م َصدقا ل ِ َما َم َعك مم} أي :موافقا هل َل
م
اْل َ هق} فنهاهم عن شيئني ,عن خلط اْلق بابلاطل ,وكتمان خمالفا وَل مناقضا ،فإذا اكن موافقا ملا معكم من الكتب ,غري
اْلق؛ ألن املقصود من أهل الكتب والعلم ,تميزي اْلق ,وإظهار خمالف هلا; فال مانع لكم من اإليمان به ,ألنه جاء بما جاءت
اْلق ,يلهتدي بذلك املهتدون ,ويرجع الضالون ,وتقوم اْلجة به املرسلون ,فأنتم أوىل من آمن به وصدق به ,لكونكم أهل
ىلع املعاندين؛ ألن اهلل فصل آياته وأوضح بيناته ,يلمزي اْلق الكتب والعلم.
من ابلاطل ,ولتستبني سبيل املهتدين من سبيل املجرمني، ُ ِّ ً
وأيضا فإن يف قوهلُ { :م َصدقا ل ِ َما َم َعك مم} إشارة إىل أنكم إن
فمن عمل بهذا من أهل العلم ,فهو من خلفاء الرسل وهداة
لم تؤمنوا به ,اعد ذلك عليكم ,بتكذيب ما معكم ,ألن ما
األمم.
جاء به هو اَّلي جاء به موىس وعيىس وغريهما من األنبياء،
ومن لبس اْلق بابلاطل ,فلم يمزي هذا من هذا ,مع علمه فتكذيبكم هل تكذيب ملا معكم.
بذلك ,وكتم اْلق اَّلي يعلمه ,وأمر بإظهاره ,فهو من داعة
وأيضا ,فإن يف الكتب اليت بأيدكم ,صفة هذا انليب اَّلي جاء
جهنم ,ألن انلاس َل يقتدون يف أمر دينهم بغري علمائهم,
بهذا القرآن والبشارة به ،فإن لم تؤمنوا به ,كذبتم ببعض ما
فاختاروا ألنفسكم إحدى اْلاتلني.
18
ه َ َ َ ُ ه َ َ ُ ََ
عدم اَلنقياد ملن خيالف قوهل فعله ،فاقتداؤهم باألفعال أبلغ ثم قال{ :وأ ِقيموا الصالة} أي :ظاهرا وباطنا {وآتوا الزاكة}
الراكع َ م َُ َ َ
من اقتدائهم باألقوال املجردة. ني} أي :صلوا مع املصلني، مستحقيهاَ { ،واركعوا مع ه ِ ِ
ه م َ ه َ َ هَ َ َ ٌَ ه َ فإنكم إذا فعلتم ذلك مع اإليمان برسل اهلل وآيات اهلل ,فقد
رية ِإَل َىلع رب والصال ِة و ِإنها لك ِب ِ استَ ِعينُوا بِالص {َ { }48 - 45و م
َ
اج ُعون ون أَ هن ُه مم ُم َالقُو َر ِّبه مم َوأَ هن ُه مم إ َيلمه َ
ر
َ ه َ َ ُ ُّ َ
نظ ي ين اَّل
ِ * ني ع اش
م
اخل َ مجعتم بني األعمال الظاهرة وابلاطنة ,وبني اإلخالص للمعبود,
ِ ِ ِ ِ ِ ِ
م َ َ ه َ م َ م ُ َ َ م ُ م َ َ ِّ م َ َ م ُُ واإلحسان إىل عبيده ،وبني العبادات القلبية ابلدنية واملايلة.
* يَا بَ ِين ِإرسا ِئيل اذكروا نِعم ِيت ال ِيت أنعمت عليكم وأين
َ َم َ َم َم هُ ىلع الم َعالَم ََ ه مُ ُ م ََ م َُ َ َ
ني * َواتقوا يَ مو ًما َل ِت ِزي نف ٌس ع من نف ٍس ِ فضلتكم الراكع َ
ني} أي :صلوا مع املصلني ,ففيه وقوهلَ { :واركعوا مع ه ِ ِ
ُ َ ٌ م م َ ُ م َ َ مً ََ ُ م َُ مَ َ َ َ ٌ
اعة َوَل يُؤخذ ِمن َها َعدل َوَل ه مم شيئا وَل يقبل ِمنها شف األمر باجلماعة للصالة ووجوبها ،وفيه أن الركوع ركن من
ُم َ ُ َ أراكن الصالة ألنه ر
ِّصون} ين عرب عن الصالة بالركوع ،واتلعبري عن
العبادة جبزئها يدل ىلع فرضيته فيها.
أمرهم اهلل أن يستعينوا يف أمورهم لكها بالصرب جبميع أنواعه،
اس بالمرب}ِّ انل َ
ون هََمُ ُ َ
وهو الصرب ىلع طاعة اهلل حىت يؤديها ،والصرب عن معصية اهلل ِ ِ {{ }44أتأمر
حىت يرتكها ,والصرب ىلع أقدار اهلل املؤملة فال يتسخطها، َم َ اس بال م ِّانل َ ََمُ ُ َ
رب} أي :باإليمان واخلري { َوتن َس مون ِ ِ
ون ه {أتأمر
فبالصرب وحبس انلفس ىلع ما أمر اهلل بالصرب عليه معونة م َ ُ َمُ
أنف َسك مم} أي :ترتكونها عن أمرها بذلك ،واْلالَ { :وأنتُ مم
عظيمة ىلع لك أمر من األمور ,ومن يتصرب يصربه اهلل ،وكذلك َمُ َ م َ َ َََ َم ُ َ
اب أفال تع ِقلون} وأسىم العقل عقال ألنه يعقل كت
تتلون ال ِ
الصالة اليت يه مزيان اإليمان ,وتنىه عن الفحشاء واملنكر,
ه به ما ينفعه من اخلري ,وينعقل به عما يرضه ،وذلك أن العقل
يستعان بها ىلع لك أمر من األمور { َو ِإن َها} أي :الصالة
ه ََ م
اخلَاشع َ َ َ ٌَ حيث صاحبه أن يكون أول فاعل ملا يأمر به ,وأول تارك ملا
ني} فإنها سهلة عليهم ِ ِ رية} أي :شاقة { ِإَل ىلع{لك ِب
ينىه عنه ،فمن أمر غريه باخلري ولم يفعله ,أو نهاه عن الرش
خفيفة؛ ألن اخلشوع ,وخشية اهلل ,ورجاء ما عنده يوجب هل
فلم يرتكه ,دل ىلع عدم عقله وجهله ,خصوصا إذا اكن اعملا
فعلها ,منرشحا صدره لرتقبه للثواب ,وخشيته من العقاب،
بذلك ,قد قامت عليه اْلجة.
خبالف من لم يكن كذلك ,فإنه َل دايع هل يدعوه إيلها ,وإذا
فعلها صارت من أثقل األشياء عليه. وهذه اآلية ,وإن اكنت نزلت يف سبب بين إرسائيل ,فيه اعمة
َ َ ُّ َ ه َ َ ُ َ َ ُ ُ َ َ َ
اَّلين آمنوا لِم تقولون ما َلللك أحد لقوهل تعاىل{ :يا أيها ِ
واخلشوع هو :خضوع القلب وطمأنينته ,وسكونه هلل تعاىل, َ ُ م َ َ ُ َم َ ُ َ ََُ َ مً مَ ه َ م َُ
اَّلل أن تقولوا َما َل تف َعلون} وليس يف
تفعلون كرب مقتا ِعند ِ
وانكساره بني يديه ,ذَل وافتقارا ,وإيمانا به وبلقائه.
اآلية أن اإلنسان إذا لم يقم بما أمر به أنه يرتك األمر باملعروف,
َ ُ َه ه َ َ ُ ُّ َ
ين يظنون} أي :يستيقنون {أن ُه مم ُمالقو َر ِّب ِه مم} اَّل
وهلذا قالِ { : وانليه عن املنكر ,ألنها دلت ىلع اتلوبيخ بالنسبة إىل
َ َ هُ م َم َ َ
اج ُعون} فهذا اَّلي خفف فيجازيهم بأعماهلم {وأنهم ِإيل ِه ر ِ الواجبني ،وإَل فمن املعلوم أن ىلع اإلنسان واجبني :أمر غريه
عليهم العبادات وأوجب هلم التسيل يف املصيبات ,ونفس ونهيه ,وأمر نفسه ونهيها ،فرتك أحدهماَ ,ل يكون رخصة يف
عنهم الكربات ,وزجرهم عن فعل السيئات ،فهؤَلء هلم انلعيم ترك اآلخر ،فإن الكمال أن يقوم اإلنسان بالواجبني ,وانلقص
املقيم يف الغرفات العايلات ،وأما من لم يؤمن بلقاء ربه ,اكنت الاكمل أن يرتكهما ،وأما قيامه بأحدهما دون اآلخر ,فليس يف
الصالة وغريها من العبادات من أشق يشء عليه. رتبة األول ,وهو دون األخري ،وأيضا فإن انلفوس جمبولة ىلع
19
كمم ُ َ ُ م َ مُُ َمُ َ ُ م َ ُ م َ مٌ َ ُ م م َ َ
ارئِ
ارئِكم فاقتلوا أنفسكم ذ ِلكم خري لكم ِعند ب ِ ب ِ ثم كرر ىلع بين إرسائيل اتلذكري بنعمته ,وعظا هلم ,وحتذيرا
َ َ م ُم ََ َ َ َم ُ
ك مم إنه ُه ُه َو ه
يم * َو ِإذ قلتُ مم يَا ُموىس ل من الر ِح ُ
اب ه اتل هو ُ
ِ فتاب علي وحثا.
َ
هَ َ مًَ َ َ َم ُ ُ ه َ ُ م َ َ َ َ ُم
الصا ِعقة َوأنتُ مم نؤ ِم َن لك َح هىت ن َرى اَّلل جهرة فأخذتكم َ َم
ُ َ ه ُ َم ُ َ م مَ ُ َمُ َ ُ وخوفهم بيوم القيامة اَّلي {َل ِت ِزي} فيه ،أيَ :ل تغين
تنظ ُرون * ث هم َب َعثناك مم ِم من َبع ِد َم موتِك مم ل َعلك مم تشك ُرون * َم
ُُ َ َ ه مَ َ َم ُ ُ مَ َ َ ََمَ مَ َ َم ُ ُ مَ ه َ ه م {نف ٌس} ولو اكنت من األنفس الكريمة اكألنبياء والصاْلني
السل َوى لكوا وظللنا عليكم الغمام وأنزنلا عليكم المن و َ م َ َم
َ
َ ُ مُ َ ََمَ ُ م ََ َ َُ َ ََ {ع من نف ٍس} ولو اكنت من العشرية األقربني {شيئًا} َل كبريا
ك من اكنوا أنف َس ُه مم ات ما رزقناكم وما ظلمونا ول ِ
م َ ِّ َ
ِمن طيب ِ
َ َم وَل صغريا وإنما ينفع اإلنسان عمله اَّلي قدمه.
يظ ِل ُمون}
َ ُم ُ م
{ َوَل يقبَل ِمن َها} أي :انلفس ,شفاعة ألحد بدون إذن اهلل
هذا رشوع يف تعداد نعمه ىلع بين إرسائيل ىلع وجه اتلفصيل
َ َ م َهمَ ُ م م ورضاه عن املشفوع هل ,وَل يرىض من العمل إَل ما أريد به
آل فِ مر َع مون} أي :من فرعون وملئه
فقال{ :و ِإذ جنيناكم ِمن ِ مٌ َ م َ ُ م
َُ ُ َ ُ وجهه ،واكن ىلع السبيل والسنةَ { ،وَل يُؤخذ ِمن َها َعدل} أي:
ومونك مم} أي :يولونهم وجنوده واكنوا قبل ذلك {يس
َ ِّ َ ُ َ مَ َ فداء {ولو أن لذلين ظلموا ما يف األرض مجيعا ومثله معه
اب} أي :أشده بأن اكنوا {يُذِبُون ويستعملونهم{ ،سوء العذ ِ َ ُ
ََم َ مُ َ َ َ ُ َمَ َ ُ َلفتدوا به من سوء العذاب} وَل يقبل منهم ذلك { َوَل ه مم
اءك مم} أي :فال اءك مم} خشية نموكم{ ،ويستحيون نِس أبن ُم َ ُ َ
ِّصون} أي :يدفع عنهم املكروه ،فنىف اَلنتفاع من اخللق ين
يقتلونهن ،فأنتم بني قتيل ومذلل باألعمال الشاقة ،مستحِي َ م َ َم َ َم َم
بوجه من الوجوه ،فقوهلَ{ :ل ِت ِزي نف ٌس ع من نف ٍس شيئًا} هذا
ىلع وجه املنة عليه واَلستعالء عليه فهذا اغية اإلهانة ،فمن ََ ُ م ُم َ ُ َ
ِّصون} هذا يف دفع املضار ,فهذا يف حتصيل املنافع{ ،وَل هم ين
اهلل عليهم بانلجاة اتلامة وإغراق عدوهم وهم ينظرون تلقر
انليف لألمر املستقل به انلافع.
أعينهم.
ُ َ َ {وَل يقبل منها شفاعة وَل يؤخذ منها عدل} هذا نيف للنفع
{ َو ِيف ذ ِلكم} أي :اإلجناء {بَال ٌء} أي :إحسان { ِم من َر ِّبك مم
َعظ ٌ اَّلي يطلب ممن يملكه بعوض ,اكلعدل ,أو بغريه ,اكلشفاعة،
يم} فهذا مما يوجب عليكم الشكر والقيام. ِ
فهذا يوجب للعبد أن ينقطع قلبه من اتلعلق باملخلوقني,
ثم ذكر منته عليهم بوعده ملوىس أربعني يللة يلزنل عليهم لعلمه أنهم َل يملكون هل مثقال ذرة من انلفع ,وأن يعلقه باهلل
اتلوراة املتضمنة للنعم العظيمة واملصالح العميمة ،ثم إنهم لم اَّلي جيلب املنافع ,ويدفع املضار ,فيعبده وحده َل رشيك هل
يصربوا قبل استكمال امليعاد حىت عبدوا العجل من بعده ,أي: ويستعينه ىلع عبادته.
ذهابه. ك مم ُس َ م َم َ َُ ُ َ ُ َ م َهمَ ُ م م
وء آل ِفرعون يسومون {{ }57 - 49و ِإذ جنيناكم ِمن ِ
َ َم َ َ ُ ُ َ ِّ ُ َ َ م َ َ ُ م َ َ م َ م ُ َ َ َ ُ مَ َ
{ َوأنتُ مم ظال ِ ُمون} اعملون بظلمكم ,قد قامت عليكم اْلجة, اءك مم َو ِيف ذ ِلك مم اب يذِبون أبناءكم ويستحيون نِس العذ ِ
ُ ُ مَ م ََ م َ ُ م َ مَ َ َ ٌ م َ ِّ ُ
فهو أعظم جرما وأكرب إثما. ابلح َر فأجنَيمناك مم ك مم َعظ ٌ
يم * َو ِإذ ف َرقنا بِكم ِ بالء ِمن رب
َ
وىس أ مر َبع َ ََ م َ مَ َ م َ م َ َ مُ م َمُ ُ َ َ م َ َ م َ ُ َ
َ
ني ِ وأغرقنا آل فِرعون وأنتم تنظرون * و ِإذ واعدنا م
ثم إنه أمركم باتلوبة ىلع لسان نبيه موىس بأن يقتل بعضكم َ ُ ََ َ َم َ م َ ًَ ُ هَ م ُ م م َ
َ ه ُ َم ُ َ يلملة ث هم اختذت ُم ال ِعجل ِم من َبع ِدهِ َوأنتُ مم ظال ِ ُمون * ث هم عف مونا
بعضا فعفا اهلل عنكم بسبب ذلك {ل َعلك مم تشك ُرون} اهلل. َ م َمَ م َ َ َ ه ُ َم ُ َ َم ُ
عنك مم ِم من َبع ِد ذلِك ل َعلك مم تشك ُرون * َو ِإذ آتينا ُموىس
َ َ ُم َ َ م ُم َ َ م َ َ َ م َ َ مُ َ َ َ ه ُ َم
هَ م ً
اَّلل َجه َرة} وهذا
َ
{ َو ِإذ قلتُ مم يَا ُموىس ل من نؤ ِم َن لك َح هىت ن َرى اب َوالف مرقان ل َعلك مم تهتَ ُدون * َو ِإذ قال ُموىس ِلق مو ِم ِه يَا كت ال ِ
ََ َ َ م ُ َ م ه ُ م َ َ م ُ م َ م ُ َ ُ م ِّ َ ُ ُ م م َ َ ُ ُ َ
اغية الظلم واجلراءة ىلع اهلل وىلع رسوهل{ ،فأخذتك ُم قومِ إِنكم ظلمتم أنفسكم بِاختا ِذكم ال ِعجل فتوبوا إِىل
20
ََهَ ه َ َ َ ََمُ م َمُ ُ َ ه َُ
ين ظل ُموا} منهم ,ولم يقل فبدلوا ألنهم لم يكونوا اَّل
{فبدل ِ الصا ِعقة} إما املوت أو الغشية العظيمة{ ،وأنتم تنظرون}
َ َ ه َ ً َ
لكهم بدلوا {ق موَل غ م َ م مَ ُ ُ
اَّلي ِقيل ل ُه مم} فقالوا بدل حطة :حبة يف
ري ِ وقوع ذلك ,لك ينظر إىل صاحبه{ ،ث هم َب َعثناك مم ِم من َبع ِد
ُ َ ه ُ َم ُ َ
حنطة ،استهانة بأمر اهلل ,واستهزاء وإذا بدلوا القول مع خفته َم موتِك مم ل َعلك مم تشك ُرون}
فتبديلهم للفعل من باب أوىل وأحرى ،وهلذا دخلوا يزحفون
ثم ذكر نعمته عليكم يف اتليه والربية اخلايلة من الظالل
ىلع أدبارهم ,وملا اكن هذا الطغيان أكرب سبب لوقوع عقوبة َ َ ه مَ َ َم ُ ُ مَ َ َ َم م َ ُ
م ََمَ مَ ََ ه َ َ َ ام َوأن َزنلَا َعليمك ُم وسعة األرزاق ،فقال{ :وظللنا عليكم الغم
ين ظل ُموا} منهم { ِرج ًزا} أي: اَّل
اهلل بهم ،قال{ :فأنزنلا ىلع ِ م
ال َم هن} وهو اسم جامع للك رزق حسن حيصل بال تعب ،ومنه
الس َما ِء} بسبب فسقهم وبغيهم.
عذابا {م َن ه
ِ
الزجنبيل والكمأة واخلزب وغري ذلك.
َ م َ م َ ُ َ َ م َ ُ مَ م م َ َ َ م
اْل َ َ
ج َر ارضب بِعصاك {{ }60و ِإ ِذ استسىق موىس ِلقو ِم ِه فقلنا ِ َ ه م
َ م َ َُ م ُُ َ م َ َ َ م م ُ م َ َ َ م َ َ َ م ً َ م َ ُ ُّ ُ َ السل َوى} طائر صغري يقال هل السماين ،طيب اللحم ،فاكن {و
اس مرشبهم لكوا رشة عينا قد ع ِل َم لك أن ٍ فانفجرت ِمنه اثنتا ع ُ ُ
م َ م َ
اَّلل َوَل َت معثَ موا يف األ مر ِض ُمفسد َ
م م ه َ م َُ يزنل عليهم من املن والسلوى ما يكفيهم ويقيتهم {لكوا ِم من
ين} ِ ِ ِ وارشبوا ِمن ِرز ِق ِ مَ ُ
ات َما َر َزقناك مم} أي :رزقا َل حيصل نظريه ألهل املدن َ ِّ َ
طيب ِ
استسىق ,أي :طلب هلم ماء يرشبون منه. املرتفهني ,فلم يشكروا هذه انلعمة ,واستمروا ىلع قساوة
َ ُ مَ م م َ َ َ م
اْل َ َ القلوب وكرثة اَّلنوب.
ج َر} إما حجر خمصوص معلوم عنده, ارضب بِعصاك
{فقلنا ِ
َ مَ َ َ م مُ مََ َ م َ َ َ ً َ َ َ
رشة عيمنا} وقبائل بين وإما اسم جنس{ ،فانفجرت ِمنه اثنتا ع { َو َما ظل ُمونا} يعين بتلك األفعال املخالفة ألوامرنا ألن اهلل َل
َ م َ َ ُ ُّ َُ
اس} منهم إرسائيل اثنتا عرشة قبيلة{ ،قد ع ِلم لك أن ٍ ترضه معصية العاصني ,كما َل تنفعه طااعت الطائعني،
{ َم م َ َ َم َ ُ َمُ ََ
رش َب ُه مم} أي :حملهم اَّلي يرشبون عليه من هذه األعني ,فال ك من اكنوا أنف َس ُه مم يظ ِل ُمون} فيعود رضره عليهم.
{ ول ِ
يزاحم بعضهم بعضا ,بل يرشبونه متهنئني َل متكدرين ,وهلذا ُ م مَ َ َ ُُ م ُمَ م ُ ُ َ
ه م م ُُ َ م َ ُ {َ { }59 - 58و ِإذ قلنا ادخلوا ه ِذهِ الق مر َية فلكوا ِمن َها َحيمث
اَّلل} أي :اَّلي آتاكم من غريقال{ :لكوا وارشبوا ِمن ِرز ِق ِ ٌ َم َ ُ ً ُ ُ اد ُخلُوا م َمُ م َ َ ً َ م
مَ َ َمَ اب ُس هجدا َوقولوا ِح هطة نغ ِف مر لك مم ابل َ ِشئتم رغدا و
سيع وَل تعبَ { ،وَل تعث موا ِيف األ مر ِض} أي :ختربوا ىلع وجه ً َ
ين َظل ُموا قَ موَل َغ م َ اَّل َ ه َ َ ََه م
َ َ َ ُ م ََ َ ُ ُ م
ري زنيد المح ِس ِنني * فبدل ِ خطاياكم وس ِ
اإلفساد. م َ َ َ ه ََ م َ
َ َُ م َ م ه
الس َما ِء بِ َما
ج ًزا م َن ه
ِ ين ظل ُموا ِر اَّلي ِقيل لهم فأن َزنلَا ىلع ِ
اَّل ِ
َ م ُ َ م ُ مُ م َ ُ َ َ م َ م َ ََ َ َ َ ُ َم ُ َ
اح ٍد فادع نلَا {َ { }61و ِإذ قلتم يا موىس لن نص ِرب ىلع طعامٍ َو ِ اكنوا يف ُسقون}
ُ ه م َه َ ُم م ََ ه ُم ُ مَ ُ
ت األ مرض ِم من َبق ِل َها َو ِقثائِ َها َوفو ِم َها ربك خي ِرج نلا ِمما تن ِب
اَّلي ُه َو َخ م ٌ َُ مَ ه َ َ َ َ َ ََ َ َ َ َ ََ م َم ُ َ ه وهذا أيضا من نعمته عليهم بعد معصيتهم إياه ,فأمرهم
ري ِ ِ ب ىن د أ وه ي اَّل
وعد ِسها وبص ِلها قال أتستب ِدلون ِ
ِّ ه ُ َ
ت َعليم ِه ُم اَّللة ك مم َما َسأَ م ُتل مم َو ُرض َب مم ً َ ه َ ُ م
اه ِب ُطوا ِمِّصا ف ِإن ل
بدخول قرية تكون هلم عزا ووطنا ومسكنا ,وحيصل هلم فيها
َ ِ
مُ َ َ ه َ َ ه َ ُ َ مَ م َ َُ ََ ُ َ َ الرزق الرغد ،وأن يكون دخوهلم ىلع وجه خاضعني هلل فيه
اَّلل ذلِك بِأن ُه مم اكنوا يَكف ُرون ب ِمن ِ والمسكنة وباءوا بِغض ٍ
َ ُ ه َ َ م ُ ُ َ ه ِّ َ َ م م َ َ بالفعل ,وهو دخول ابلاب {سجدا} أي :خاضعني ذيللني،
ري اْل َ ِّق ذلِك بِ َما َع َص موا َواكنوا اَّلل ويقتلون انل ِبيني بِغ ِات ِ
َ
بِآي ِ ٌ
َ َم وبالقول وهو أن يقولواِ { :ح هطة} أي أن حيط عنهم خطاياهم
يعتَ ُدون}
بسؤاهلم إياه مغفرته.
أي :واذكروا ,إذ قلتم ملوىس ,ىلع وجه اتلملل نلعم اهلل َم م َ ُ م َ َ َ ُ
اك مم} بسؤالكم املغفرةَ { ،و َس َزن ُ
َ م َ م َ ََ َ َ يد ِ {نغ ِفر لكم خطاي
اح ٍد} أي :جنس من واَلحتقار هلا{ ،لن نص ِرب ىلع طعامٍ َو ِ حسن َ مُ م
َ م ُ َ ني} بأعماهلم ,أي :جزاء اعجل وآجال. الم ِ ِ
الطعام ,وإن اكن كما تقدم أنوااع ,لكنها َل تتغري{ ،فادع نلَا
21
َ م َم َه َ ُم م ََ ه ُم ُ مَم ُ
اكنوا يتمدحون ويزكون أنفسهم ,ويزعمون فضلهم ىلع حممد ربك خي ِرج نلا ِمما تن ِبت األرض ِمن بق ِلها} أي :نباتها اَّلي
ُ ه
ومن آمن به ،فبني اهلل من أحوال سلفهم اليت قد تقررت ليس بشجر يقوم ىلع ساقهَ { ،و ِقثائِ َها} وهو اخليار { َوفو ِم َها}
عندهم ,ما يبني به للك أحد [منهم] أنهم ليسوا من أهل الصرب أي :ثومها ،والعدس وابلصل معروف ،قال هلم مويس
ُ ه ُ َمَ ََ م َم ُ َ ه
وماكرم األخالق ,ومعايل األعمال ،فإذا اكنت هذه حالة اَّلي ه َو
اَّلي ه َو أدىن} وهو األطعمة املذكورة{ ،بِ ِ
{أتستب ِدلون ِ
سلفهم ،مع أن املظنة أنهم أوىل وأرفع حالة ممن بعدهم فكيف ري} وهو املن والسلوى ,فهذا غري َلئق بكم ،فإن هذه َخ م ٌ
الظن باملخاطبني؟". األطعمة اليت طلبتم ,أي مِّص هبطتموه وجدتموها ،وأما
طعامكم اَّلي من اهلل به عليكم ,فهو خري األطعمة
ومنها :أن نعمة اهلل ىلع املتقدمني منهم ,نعمة واصلة إىل
وأرشفها ,فكيف تطلبون به بدَل؟
املتأخرين ,وانلعمة ىلع اآلباء ,نعمة ىلع األبناء ،فخوطبوا بها,
ألنها نعم تشملهم وتعمهم. وملا اكن اَّلي جرى منهم فيه أكرب ديلل ىلع قلة صربهم
واحتقارهم ألوامر اهلل ونعمه ,جازاهم من جنس عملهم
ومنها :أن اخلطاب هلم بأفعال غريهم ,مما يدل ىلع أن األمة ِّ ه ُ َ ُ َ م َ
ت َعليم ِه ُم اَّللة} اليت تشاهد ىلع ظاهر أبدانهمرضب
فقال{ :و ِ
املجتمعة ىلع دين تتاكفل وتتساعد ىلع مصاْلها ,حىت اكن م ََُ
{ َوال َم مسكنة} بقلوبهم ،فلم تكن أنفسهم عزيزة ,وَل هلم همم
متقدمهم ومتأخرهم يف وقت واحد ,واكن اْلادث من بعضهم اعيلة ,بل أنفسهم أنفس مهينة ,وهممهم أردأ اهلممَ { ،و َب ُ
اءوا
حادثا من اجلميع. َ ه َ َ
اَّلل} أي :لم تكن غنيمتهم اليت رجعوا بها وفازوا,
ب ِمن ِبِغض ٍ
ألن ما يعمله بعضهم من اخلري يعود بمصلحة اجلميع ,وما إَل أن رجعوا بسخطه عليهم ,فبئست الغنيمة غنيمتهم,
يعمله من الرش يعود برضر اجلميع. وبئست اْلالة حاتلهم.
َه ُ م َ ُ َ م ُ َ َ َ َ
ومنها :أن أفعاهلم أكرثها لم ينكروها ,والرايض باملعصية {ذلِك} اَّلي استحقوا به غضبه {بِأنهم اكنوا يكف ُرون بِآي ِ
ات
َ ه
ْلكم اليت َل يعلمها إَل
رشيك للعايص ،إىل غري ذلك من ا ِ اَّلل} ادلاَلت ىلع اْلق املوضحة هلم ,فلما كفروا بها اعقبهم ِ
َ م ُ ُ َ ه ِّ َ َ م م
اهلل. ري اْل َ ِّق}
بغضبه عليهم ,وبما اكنوا {يقتلون انل ِبيني بِغ ِ
ه ه َم م
آمنُواين َ اَّل َ
{ }62ثم قال تعاىل حاكما بني الفرق الكتابية{ :إِن ِ ري اْل َ ِّق} زيادة شناعة ,وإَل فمن املعلوم أن قتل انليب وقوهل{ :بِغ ِ
م َ َ م َ َ ه م َو ه َ َ ُ َ ه َ َ َ ه
اَّلل َوايلَ مومِ اآل ِخ ِر
اَّلين هادوا وانلصارى والصابِئِني من آمن بِ ِ ِ َل يكون ِبق ,لكن َلال يظن جهلهم وعدم علمهم.
ُ َ َ ٌ َ َ م ُ مَ َ َ َ َ
اْلًا فل ُه مم أج ُره مم ِعند َر ِّب ِه مم َوَل خ موف َعليم ِه مم َوَل ه مم َ
َوع ِمل ص ِ
َ
َ َ ُ َم َ َ
َم ُ َ {ذلِك بِ َما َع َص موا} بأن ارتكبوا معايص اهلل { َواكنوا يعتَ ُدون}
حي َزنون}
ىلع عباد اهلل ,فإن املعايص جير بعضها بعضا ،فالغفلة ينشأ
وهذا اْلكم ىلع أهل الكتاب خاصة ,ألن الصابئني ,الصحيح عنها اَّلنب الصغري ,ثم ينشأ عنه اَّلنب الكبري ,ثم ينشأ عنها
أنهم من مجلة فرق انلصارى ،فأخرب اهلل أن املؤمنني من هذه أنواع ابلدع والكفر وغري ذلك ,فنسأل اهلل العافية من لك
األمة ,وايلهود وانلصارى ,والصابئني من آمن باهلل وايلوم بالء.
اآلخر ,وصدقوا رسلهم ,فإن هلم األجر العظيم واألمن ,وَل
واعلم أن اخلطاب يف هذه اآليات ألمة بين إرسائيل اَّلين اكنوا
خوف عليهم وَل هم حيزنون ،وأما من كفر منهم باهلل ورسله
موجودين وقت نزول القرآن ,وهذه األفعال املذكورة خوطبوا
وايلوم اآلخر ,فهو بضد هذه اْلال ,فعليه اخلوف واْلزن.
بها ويه فعل أسالفهم ,ونسبت هلم لفوائد عديدة ،منها :أنهم
22
ت ه م {َ { }66-65ولَ َق مد َعل ممتُ ُم ه َ م َ َ م م ُ م
اَّلين اعتدوا ِمنكم ِيف السب ِ ِ ِ والصحيح أن هذا اْلكم بني هذه الطوائف ,من حيث هم,
َ َ َ َ م َ َ َ َ ً َ َ م َ َ َ َم ًَ َ َ ُ مَ َُ م ُ ُ
اس ِئني * فجعلناها نكاَل لِما بني يديها فقلنا لهم كونوا ِق َردة خ ِ َل بالنسبة إىل اإليمان بمحمد ,فإن هذا إخبار عنهم قبل بعثة
َو َما َخلم َف َها َو َم موع َظ ًة للم ُم هتق َ
ني} حممد صىل اهلل عليه وسلم وأن هذا مضمون أحواهلم ،وهذه
ِ ِ ِ
م ُ ه َ م َ طريقة القرآن إذا وقع يف بعض انلفوس عند سياق اآليات
ين اعتَد موا ِمنك مم ِيفاَّل
أي :ولقد تقرر عندكم حالة { ِ
ه م بعض األوهام ,فال بد أن ِتد ما يزيل ذلك الوهم ,ألنه تزنيل
ت} وهم اَّلين ذكر اهلل قصتهم مبسوطة يف سورة السب ِ َم من يعلم األشياء قبل وجودهاَ ,
َ م َمُ م َ مَ م َ ه َ َ م َ َ َ وم من رْحته وسعت لك يشء.
ارضة األعراف يف قوهل{ :واسألهم ع ِن القري ِة ال ِيت اكنت ح ِ
ه م مَ م م َ م ُ َ
ت} اآليات.
ابلح ِر ِإذ يعدون ِيف السب ِ وذلك واهلل أعلم -أنه ملا ذكر بين إرسائيل وذمهم ,وذكر
معاصيهم وقباحئهم ,ربما وقع يف بعض انلفوس أنهم لكهم
فأوجب هلم هذا اَّلنب العظيم ,أن غضب اهلل عليهم وجعلهم
{ق َر َد ًة َخاسئ َ يشملهم اَّلم ،فأراد ابلاري تعاىل أن يبني من لم يلحقه اَّلم
ني} حقريين ذيللني. ِ ِ ِ
منهم بوصفه ،وملا اكن أيضا ذكر بين إرسائيل خاصة يوهم
َ َ ً َ َم َ َ م
ني يَدي َها} أي :ملن وجعل اهلل هذه العقوبة {نكاَل لِما ب اَلختصاص بهم .ذكر تعاىل حكما اعما يشمل الطوائف لكها,
حرضها من األمم ,وبلغه خربها ,ممن هو يف وقتهمَ { .و َما يلتضح اْلق ,ويزول اتلوهم واإلشاكل ،فسبحان من أودع يف
َ مَ
خلف َها} أي :من بعدهم ,فتقوم ىلع العباد حجة اهلل ,ولريتدعوا كتابه ما يبهر عقول العاملني.
عن معاصيه ,ولكنها َل تكون موعظة نافعة إَل للمتقني ،وأما
ثم اعد تبارك وتعاىل يوبخ بين إرسائيل بما فعل سلفهم:
من عداهم فال ينتفعون باآليات.
َ م َ َ م َ َ َ ُ م َ َ َ م َ َ م َ ُ ُ ُّ َ ُ ُ
ُ َم َم َ ه هَ م م َ َ َ َ ور خذوا {{ }64-63و ِإذ أخذنا ِميثاقكم ورفعنا فوقكم الط
اَّلل يَأ ُم ُرك مم أن تذِبُوا {َ { }74 - 67و ِإذ قال ُموىس ِلق مو ِم ِه ِإن ه َ ه ُ َ ُ َ ُ َ م ُ َمَ ُ ُ
اجلَاهل َ َ َ َ ً َ ُ ََه ُ َ ُ ُ ً َ َ َ ُ ُ ه َ م َ ُ َ َ م َما آتيناك مم بِق هو ٍة َواذك ُروا َما ِفي ِه ل َعلك مم ت هتقون * ث هم ت َويلمتُ مم
ني ِِ اَّلل أن أكون ِمن بقرة قالوا أتت ِخذنا هزوا قال أعوذ بِ ِ م َ م َ َ ََمَ َ م ُ ه َ َم ُ م َ َ مَ ُ َ ُ م
َ ُ م ُ َ َ َ ه َ ُ َ ِّ م َ َ َ َ َ َ ه ُ َ ُ ُ ه َ َ َ َ ٌ َ ْحتُه لكنتُ مم ِم َن اَّلل عليكم ور ِمن بع ِد ذلِك فلوَل فضل ِ
* قالوا ادع نلا ربك يبني نلا ما ِيه قال ِإنه يقول ِإنها بقرة َل م
اخلَارس َ
َ َ ُ م ُ ُم م ٌ َ َ ٌ َمَ َ َ َ م ُ َ ٌ َ ين} ِِ
ني ذلِك فاف َعلوا َما تؤ َم ُرون * قالوا ادع ارض َوَل بِكر عوان ب ف ِ
هَ ٌَََ َ مَ ُ َ ُ ُ َ هُ َُ َ َ َ ك ُيبَ ِّ م ََ َه َ م َ َ مَ َ َ ُ
اء فاقِ ٌع ني نلَا َما ل مون َها قال إِنه يقول إِنها بقرة صفر نلا رب أي :واذكروا {إِذ أخذنا ِميثاقك مم} وهو العهد اثلقيل املؤكد
م َ
م ُ َ َ ه َ ُ َ ِّ م َ َ َ ه َ َ َ ُ َ ل َ مو ُن َها ت ُ ُّ
َ ُ ُ
ابلق َر ين * قالوا ادع نلا ربك يبني نلا ما ِيه إِن اظر َ رس ه
انل ِِ باتلخويف هلم ,برفع الطور فوقهم وقيل هلم{ :خذوا َما
َ َ َ هُ َُ ُ ه َ ٌ ََ ََ َ َمَ َ ه م َ َ هُ َ م ُ َمَ ُ
اَّلل ل ُمهتَ ُدون * قال ِإنه يقول ِإن َها َبق َرة تشابه علينا و ِإنا ِإن شاء آتيناك مم} من اتلوراة {بِق هو ٍة} أي :جبد واجتهاد ,وصرب ىلع
مَ م َ ُ َ ه َ ٌ َ َ َ َ َ ُ َ َُ ٌ ُ ُ مَ َ َ َ م ُ
يها قالوا ري األ مرض َوَل ت مس ِيق اْلرث مسلمة َل ِشية ِف َل ذلول ت ِث أوامر اهللَ { ،واذك ُروا َما ِفي ِه} أي :ما يف كتابكم بأن تتلوه
م َ م َم َ ُ َم ُ َ م َ م َ م ََ َ َ َ ه ُ َ ُ َ
ت بِاْل َ ِّق فذِبُوها َو َما اكدوا يف َعلون * َو ِإذ قتَلتُ مم نف ًسا اآلن ِجئ وتتعلموه{ ،ل َعلك مم ت هتقون} عذاب اهلل وسخطه ,أو تلكونوا
ارض ُب ُ َ ه َمُ م َ َ هُ ُم ٌ َ ُ مُ م َ م ُ ُ َ َ ُ مَ م
وه فادارأتم ِفيها واَّلل خم ِرج ما كنتم تكتمون * فقلنا ِ من أهل اتلقوى.
َ ه ُ ُ هُ م َ َ َ َ ُم م
اَّلل ال َم موَت َو ُي ِريك مم آيَاتِ ِه ل َعلك مم بِبَع ِض َها كذلِك حي ِِي َ ه
َ م َ َ َ َم ُ َ ُه َ َ م ُُ ُ ُ م م َم َ َ فبعد هذا اتلأكيد ابلليغ {ت َويلمتُ مم} وأعرضتم ,واكن ذلك موجبا
ار ِة أ مو ْلج ك فَ ِ َ
يه اك ِ تع ِقلون * ثم قست قلوبكم ِمن بع ِد ذل ِ َمَ َ م ُ ه
َ َ ُّ َ م َ ً َ ه َ م َ َ َ َ َ َ َ ه ُ م ُ م َ ُ ه م
َ م اَّلل
ألن حيل بكم أعظم العقوبات ،ولكن {لوَل فضل ِ
ار َو ِإن ِمن َها اْلجار ِة لما يتفجر ِمنه األنه أشد قسوة و ِإن ِمن ِ اخلَارس ََ َم ُ م َ َ مَُُ َ ُ مُ م َ م
ََ َه ه ُ ََ م ُ ُ مُ َ ُ َ ه مَ َ َ م ُ م َ م َ ه
َ م ين} ِِ عليكم ورْحته لكنتم ِمن
اَّلل
لما يشقق فيخرج ِمنه الماء و ِإن ِمنها لما يه ِبط ِمن خشي ِة ِ
َ َم ُ َ َ َ هُ َ
اَّلل بِغافِ ٍل ع هما تع َملون} وما
23
ََ َ َ
إيلها{ ،فذِبُوها} أي :ابلقرة اليت وصفت بتلك الصفاتَ { ،و َما أي :واذكروا ما جرى لكم مع موىس ,حني قتلتم قتيال,
َ ُ َم ُ َ
اكدوا يف َعلون} بسبب اتلعنت اَّلي جرى منهم. وادارأتم فيه ,أي :تدافعتم واختلفتم يف قاتله ,حىت تفاقم األمر
بينكم واكد -لوَل تبيني اهلل لكم -حيدث بينكم رش كبري،
فلما ذِبوها ,قلنا هلم ارضبوا القتيل ببعضها ,أي :بعضو منها,
فقال لكم موىس يف تبيني القاتل :اذِبوا بقرة ،واكن من
إما معني ,أو أي عضو منها ,فليس يف تعيينه فائدة ,فرضبوه
الواجب املبادرة إىل امتثال أمره ,وعدم اَلعرتاض عليه،
ببعضها فأحياه اهلل ,وأخرج ما اكنوا يكتمون ,فأخرب بقاتله، ََ ُ َ ُ
ولكنهم أبوا إَل اَلعرتاض ,فقالوا{ :أت هت ِخذنا ه ُز ًوا} فقال نيب
واكن يف إحيائه وهم يشاهدون ما يدل ىلع إحياء اهلل املوَت، َ ُ ُ ه َم َ ُ َ َ م
اجلَاهل َ
ني} فإن اجلاهل هو اَّلي ِِ اَّلل أن أكون ِمن
اهلل{ :أعوذ بِ ِ
{لعلكم تعقلون} فتزنجرون عن ما يرضكم.
يتلكم بالالكم اَّلي َل فائدة فيه ,وهو اَّلي يستهزئ بانلاس،
ُه َ َ م ُُ ُ ُ
وبك مم} أي :اشتدت وغلظت ,فلم تؤثر فيها {ثم قست قل وأما العاقل فريى أن من أكرب العيوب املزرية بادلين والعقل,
م َ َ
املوعظةِ { ،م من َبع ِد ذلِك} أي :من بعد ما أنعم عليكم بانلعم استهزاءه بمن هو آديم مثله ،وإن اكن قد فضل عليه ,فتفضيله
العظيمة وأراكم اآليات ،ولم يكن ينبيغ أن تقسو قلوبكم, يقتيض منه الشكر لربه ,والرْحة لعباده .فلما قال هلم موىس
م ُ َ َ َ ه َ ُ َ ِّ م َ
ألن ما شاهدتم ,مما يوجب رقة القلب وانقياده ،ثم وصف ني نلَا َما ذلك ,علموا أن ذلك صدق فقالوا{ :ادع نلا ربك يب
ج َ َ م
ْل َ ِ َ
ار ِة} اليت يه أشد قسوة من اْلديد ،ألن قسوتها بأنها {اك ِ يه}
اْلديد والرصاص إذا أذيب يف انلار ,ذاب خبالف األحجار. َ َ هُ َُ ُ هَ ٌَََ َ َ ٌ
ارض} أي :كبرية أي :ما سنها؟ {قال ِإنه يقول ِإنها بقرة َل ف ِ
َ َ َ ُّ َ ً َ ُم َ َ ٌ َمَ َ َ َ م ُ
ني ذلِك فاف َعلوا َما تؤ َم ُرون}
م َ
وقوهل{ :أ مو أشد ق مس َوة} أي :إنها َل تقِّص عن قساوة األحجار، { َوَل بِك ٌر} أي :صغرية {عوان ب
وليست " أو " بمعىن " بل " ثم ذكر فضيلة األحجار ىلع قلوبهم، واتركوا التشديد واتلعنت.
َ ه َ م َ َ ََ َََ ه ُ مُ مَمَ ُ ه م َ
ار َو ِإن ِمن َها ل َما اْلجار ِة لما يتفجر ِمنه األنه
فقال{ :و ِإن ِمن ِ َ ُ َ َ هُ َُ ُ ه َ ٌ َ ُ م ُ َ َ َ ه َ ُ َ ِّ م َ
َ م
َه ه ُ ََ م ُ ُ مُ َ ُ َ ه مَ َ َم ُ م َ م َ ه ني نلَا َما ل مون َها قال ِإنه يقول ِإن َها َبق َرة {قالوا ادع نلا ربك يب
اَّلل}
يشقق فيخرج ِمنه الماء و ِإن ِمنها لما يه ِبط ِمن خشي ِة ِ اظر َ رس ه اء فَاقِ ٌع ل َ مو ُن َها} أي :شديد {ت َ ُ ُّ
َص مف َر ُ
ين} من حسنها. انل ِِ
فبهذه األمور فضلت قلوبكم .ثم توعدهم تعاىل أشد الوعيد
َ َم ُ َ َ َ هُ َ َ ُ م ُ َ َ َ ه َ ُ َ ِّ م َ َ َ َ ه م َ َ َ َ َ َ َ
اَّلل بِغافِ ٍل ع هما تع َملون} بل هو اعلم بها حافظ فقال{ :وما ابلق َر تشابَه َعليمنا} فلم {قالوا ادع نلا ربك يبني نلا ما ِيه إِن
َ َ ه م َ َ هُ َ م
لصغريها وكبريها ,وسيجازيكم ىلع ذلك أتم اجلزاء وأوفاه. اَّلل ل ُمهتَ ُدون} نهتد إىل ما تريد {و ِإنا إِن شاء
26
م َ َ َ َمُُ َ ه ه
اَّللَ َ َ َ َ م َ َ مَ
ومن أدب اإلنسان اَّلي أدب اهلل به عباده ,أن يكون {{ }83و ِإذ أخذنا ِميثاق ب ِين إِرسا ِئيل َل تعبدون إَِل
اإلنسان نزيها يف أقواهل وأفعاهل ,غري فاحش وَل بذيء ,وَل
َُ ُ
ني وقولوا مُ م َ َ مََ َ َ مَ َ م َ ً َ َ مَ َ م
وبِالو ِادلي ِن ِإحسانا و ِذي القرَب وايلتاَم والمسا ِك ِ
شاتم ,وَل خماصم ،بل يكون حسن اخللق ,واسع اْللم ,جمامال
ه َ ً ه َ َ َ ُ ه َ َ ُ َ ه
الزاكة ث هم ت َويلمتُ مم ِإَل ق ِليال يموا الصالة وآتوالناس ُح مسنًا َوأَق ُ ه
ِ لِ ِ
َ م م ُ َم
للك أحد ,صبورا ىلع ما يناهل من أذى اخللق ,امتثاَل ألمر اهلل, ِمنك مم َوأنتُ مم ُمع ِر ُضون}
ورجاء ثلوابه.
وهذه الرشائع من أصول ادلين ,اليت أمر اهلل بها يف لك رشيعة,
ثم أمرهم بإقامة الصالة ,وإيتاء الزاكة ,ملا تقدم أن الصالة َلشتماهلا ىلع املصالح العامة ,يف لك زمان وماكن ,فال يدخلها
هَ َ م
متضمنة لإلخالص للمعبود ,والزاكة متضمنة لإلحسان إىل اَّلل َوَل نسخ ,كأصل ادلين ،وهلذا أمرنا بها يف قوهلَ { :واعبُ ُدوا
َ م ُم ُ
العبيد. رشكوا بِ ِه شيئًا} إىل آخر اآلية.ت ِ
ُ َ م َ َ مَ َ َ َ م َ َ
{ث هم} بعد هذا األمر لكم بهذه األوامر اْلسنة اليت إذا نظر رسا ِئيل} هذا من قسوتهم أن لك فقوهل{ :و ِإذ أخذنا ِميثاق ب ِين إِ
إيلها ابلصري العاقل ,عرف أن من إحسان اهلل ىلع عباده أن أمر أمروا به ,استعصوا؛ فال يقبلونه إَل باأليمان الغليظة,
أمرهم بها ,,وتفضل بها عليهم وأخذ املواثيق عليكم اَّلل} هذا أمر بعبادة اهلل وحده, ون إ هَل ه َ
َ َمُُ َ
والعهود املوثقة {َل تعبد ِ
َ ه
{ت َويلمتُ مم} ىلع وجه اإلعراض ،ألن املتويل قد يتوىل ,وهل نية ونىه عن الرشك به ،وهذا أصل ادلين ,فال تقبل األعمال لكها
رجوع إىل ما توىل عنه ،وهؤَلء ليس هلم رغبة وَل رجوع يف إن لم يكن هذا أساسها ,فهذا حق اهلل تعاىل ىلع عباده ,ثم
هذه األوامر ،فنعوذ باهلل من اخلذَلن.
م ً قالَ { :وبال م َو َ
ادليم ِن ِإح َسانا} أي :أحسنوا بالوادلين إحسانا ،وهذا
ِ ِ
ه َ ً م ُ يعم لك إحسان قويل وفعيل مما هو إحسان إيلهم ،وفيه انليه
وقوهلِ { :إَل ق ِليال ِمنك مم} هذا استثناءَ ,لال يوهم أنهم تولوا
عن اإلساءة إىل الوادلين ,أو عدم اإلحسان واإلساءة ،ألن
لكهم ،فأخرب أن قليال منهم ,عصمهم اهلل وثبتهم.
الواجب اإلحسان ,واألمر باليشء نيه عن ضده.
َ م َ َ مَ َ َ ُ م َ َم ُ َ َ َ ُ َ
اءك مم َوَل {{ }86 - 84و ِإذ أخذنا ِميثاقكم َل تس ِفكون ِدم
َ ُ ُم ُ َ َمُ َ ُ م م َ ُ ُ َم ُ َم َم ولإلحسان ضدان :اإلساءة ,ويه أعظم جرما ،وترك اإلحسان
ارك مم ث هم أق َر مرت مم َوأنتُ مم تش َه ُدون * ث هم َخت ِرجون أنفسكم ِم َن ِدي ِ
َ َ ً م ُ م ُ ُ م َ َ َم ُ َ مُ بدون إساءة ,وهذا حمرم ,لكن َل جيب أن يلحق باألول ،وكذا
أنتُ مم ه ُؤَل ِء تقتُلون أنف َسك مم َوخت ِر ُجون ف ِريقا ِمنك مم ِم من
َ َ َ م َ َ َ ُ َ َ َم م م م َ مُ م َ َ م َمُ ُ م ُ يقال يف صلة األقارب وايلتاَم ,واملساكني ،وتفاصيل اإلحسان
ان و ِإن يأتوكم أسارى اإلث ِم والعدو ِ ار ِهم تظاهرون علي ِهم بِ ِ ِدي ِ
م َ م َ َ م َ
َُ ُ ُ م َ ُ َ َه ٌ َ م ُ
ُ َل تنحِّص بالعد ,بل تكون باْلد ,كما تقدم.
اج ُه مم أفتُؤ ِمنُون بِبَع ِض ك مم إخ َر ُ
ِ تفادوهم وهو حمرم علي
َم ُ َ َ م ُ
اء َم من يف َعل ذلِك ِمنك مم ون ببَ معض َف َما َج َز ُ ََ مُُ َ الم َ ه ُ ُ
اب وتكفر ِ ٍ كت ِِ ثم أمر باإلحسان إىل انلاس عموما فقالَ { :وقولوا لِلن ِ
اس
م َ َ ُّ م َ َ َ م َ م َ َ ُ َ ُّ َ َ َ َ ِّ م َ َ ه م ٌ ً
اب ِإَل ِخزي ِيف اْليا ِة ادلنيا ويوم ال ِقيام ِة يردون ِإىل أشد العذ ِ ُح مسنا} ومن القول اْلسن أمرهم باملعروف ,ونهيهم عن
َ ه َ م َ ُ َ ُ َ َ ه َ م َ َ ُ م َ َ َ ُّ م َ هُ َ
ادلنيَا اَّلين اشرتوا اْلياةوَلك ِ َوما اَّلل بِغافِ ٍل عما تعملون * أ ِ املنكر ,وتعليمهم العلم ,وبذل السالم ,والبشاشة وغري ذلك
م َ ََ َُه ُ َ مُ ُ مَ َ ُ ََ ُ م ُم َ ُ َ
ِّصون} بِاآل ِخر ِة فال خيفف عنهم العذاب وَل هم ين من لك الكم طيب.
وهذا الفعل املذكور يف هذه اآلية ,فعل لذلين اكنوا يف زمن وملا اكن اإلنسان َل يسع انلاس بماهل ,أمر بأمر يقدر به ىلع
الويح باملدينة ،وذلك أن األوس واخلزرج -وهم األنصار - اإلحسان إىل لك خملوق ,وهو اإلحسان بالقول ,فيكون يف
اكنوا قبل مبعث انليب صىل اهلل عليه وسلم مرشكني ,واكنوا ضمن ذلك انليه عن الالكم القبيح للناس حىت للكفار ,وهلذا
َ َ م ه ه قال تعاىلَ { :و ََل ُِتَادلُوا أَ مه َل المكتَ
يقتتلون ىلع اعدة اجلاهلية ،فزنلت عليهم الفرق اثلالث من يه أح َس ُن} اب إَِل بِال ِيت ِ
ِ ِ ِ
27
َ َ ُ م َ ُ ٌ َ َ َم َ َمُ ُ ُ ُ م َ مَمُ م َ َ ً
جاءكم رسول بِما َل تهوى أنفسكم استكربتم فف ِريقا فرق ايلهود ,بنو قريظة ,وبنو انلضري ,وبنو قينقاع ،فلك فرقة
َ ً َم ُ َ َ ه
كذ مبتُ مم َوف ِريقا تقتُلون} منهم حالفت فرقة من أهل املدينة.
يمنت تعاىل ىلع بين إرسائيل أن أرسل هلم لكيمه موىس ,وآتاه فاكنوا إذا اقتتلوا أاعن ايلهودي حليفه ىلع مقاتليه اَّلين
اتلوراة ,ثم تابع من بعده بالرسل اَّلين حيكمون باتلوراة ,إىل أن تعينهم الفرقة األخرى من ايلهود ,فيقتل ايلهودي ايلهودي,
ختم أنبياءهم بعيىس ابن مريم عليه السالم ،وآتاه من اآليات وخيرجه من دياره إذا حصل جالء ونهب ،ثم إذا وضعت اْلرب
مُ َ مَ
وح الق ُد ِس} أي:
ابلينات ما يؤمن ىلع مثله البرشَ { ،وأيهدن ُاه بِ ُر ِ أوزارها ,واكن قد حصل أسارى بني الطائفتني فدى بعضهم
قواه اهلل بروح القدس. بعضا.
قال أكرث املفرسين :إنه جربيل عليه السالم ,وقيل :إنه اإليمان واألمور اثلالثة لكها قد فرضت عليهم ،ففرض عليهم أن َل
اَّلي يؤيد اهلل به عباده. يسفك بعضهم دم بعض ,وَل خيرج بعضهم بعضا ،وإذا وجدوا
28
َُ ُ َ َم م َ مُ م ُ ُ َ ُم
َو ُر ُس ِل ِه َو َيقولون نؤ ِم ُن بِبَع ٍض َونكف ُر بِبَع ٍض وي ِريدون أن أي :وملا جاءهم كتاب من عند اهلل ىلع يد أفضل اخللق وخاتم
َ ًّ َه ُ َمَ َ َ َ ً ُ َ َ ُ م َ
وَلك ه ُم الاك ِف ُرون َحقا}
يت ِخذوا بني ذلِك س ِبيال أ ِ األنبياء ,املشتمل ىلع تصديق ما معهم من اتلوراة ,وقد علموا
به ,وتيقنوه حىت إنهم اكنوا إذا وقع بينهم وبني املرشكني يف
وهلذا رد عليهم تبارك وتعاىل هنا ردا شافيا ,وألزمهم إلزاما َل
اجلاهلية حروب ,استنِّصوا بهذا انليب ,وتوعدوهم خبروجه,
حميد هلم عنه ,فرد عليهم بكفرهم بالقرآن بأمرين فقال:
ُ م وأنهم يقاتلون املرشكني معه ،فلما جاءهم هذا الكتاب وانليب
{ َوه َو اْل َ ُّق} فإذا اكن هو اْلق يف مجيع ما اشتمل عليه من
اَّلي عرفوا ,كفروا به ,بغيا وحسدا ,أن يزنل اهلل من فضله
اإلخبارات ,واألوامر وانلوايه ,وهو من عند ربهم ,فالكفر به
ىلع من يشاء من عباده ،فلعنهم اهلل ,وغضب عليهم غضبا
بعد ذلك كفر باهلل ,وكفر باْلق اَّلي أنزهل.
بعد غضب ,لكرثة كفرهم وتواىل شكهم ورشكهم.
ِّ ً
ثم قالُ { :م َصدقا ل ِ َما َم َع ُه مم} أي :موافقا هل يف لك ما دل عليه
{وللاكفرين عذاب مهني} أي :مؤلم موجع ,وهو صيل اجلحيم,
من اْلق ومهيمنا عليه.
وفوت انلعيم املقيم ،فبئس اْلال حاهلم ,وبئس ما استعاضوا
فلم تؤمنون بما أنزل عليكم ,وتكفرون بنظريه؟ هل هذا إَل واستبدلوا من اإليمان باهلل وكتبه ورسله ,الكفر به ,وبكتبه,
تعصب واتباع للهوى َل للهدى؟ وبرسله ,مع علمهم وتيقنهم ,فيكون أعظم لعذابهم.
َ َ َ َُ م ُ َ َمَ َ هُ َ ُ ُم
وأيضا ,فإن كون القرآن مصدقا ملا معهم ,يقتيض أنه حجة هلم اَّلل قالوا نؤ ِم ُن بِ َما {{ }93 - 91و ِإذا ِقيل لهم آ ِمنوا بِما أنزل
ِّ ً ُم َ َ َمَ ََ م ُ ُ َ َ َ َ َ ُ م
ىلع صدق ما يف أيديهم من الكتب ,قال سبيل هلم إىل إثباتها اء ُه َوه َو اْل َ ُّق ُم َصدقا ل ِ َما َم َع ُه مم أن ِزل علينا ويكفرون بِما ور
ََ م اَّلل م من َقبم ُل إ من ُكنمتُ مم ُم مؤمن َ ُم َ َ َ م ُ ُ َ َم َ َ ه
إَل به ،فإذا كفروا به وجحدوه ,صاروا بمزنلة من ادىع دعوى ني * َولقد ِِ ِ ِ ِ قل ف ِلم تقتلون أن ِبياء
م َ م م َ م َ مُ ه ُ م َ ِّ َ َ َ ُ م ُ َ
ِبجة وبينة ليس هل غريها ,وَل تتم دعواه إَل بسالمة بينته ,ثم ات ث هم اختذت ُم ال ِعجل ِم من َبع ِدهِ َوأنتُ مم ابلين ِ جاءكم موىس بِ
َ ُ َ َ م َ َ م َ َ َ ُ م َ َ َ م َ َ م َ ُ ُ ُّ َ ُ ُ
يأيت هو بلينته وحجته ,فيقدح فيها ويكذب بها; أليس هذا ور خذوا َما ظالِمون * و ِإذ أخذنا ِميثاقكم ورفعنا فوقكم الط
ُ
َمَ ُ م ُ ه َ م َ ُ َ ُ َ مَ َ َ َ مَ َ م
من اْلماقة واجلنون؟ فاكن كفرهم بالقرآن ,كفرا بما يف رش ُبوا ِيف آتيناكم بِقو ٍة واسمعوا قالوا س ِمع منا وعصينا وأ ِ
َ ُ ُ م ُ م م ُم م َ َ َ ُُ ُ م ُُ ُ م م َ
أيديهم ونقضا هل. يمانك مم إِن قلوبِ ِهم ال ِعجل بِكف ِر ِهم قل بِئسما يأمركم بِ ِه إِ
ني}ُكنمتُ مم ُم مؤمن َ
ِِ
ثم نقض عليهم تعاىل دعواهم اإليمان بما أنزل إيلهم بقوهل:
َ َ َ م ُ ُ َ َم َ َ ه
اَّلل م من َقبم ُل إ من ُكنمتُ مم ُم مؤمننيَ ُم
أي :وإذا أمر ايلهود باإليمان بما أنزل اهلل ىلع رسوهل ,وهو
ِِ ِ {قل} هلم{ :ف ِلم تقتلون أن ِبياء ِ ِ
م َ ِّ َ َََ م َ َ ُ م ُ َ َ َ ُم َ َ ُ ُم
ات}
ابلين ِ ولقد جاءكم موىس بِ القرآن استكربوا وعتوا ,و {قالوا نؤ ِم ُن بِ َما أن ِزل َعليمنا
ََ مُُ َ
ون ب َما َو َر َ
ُ هَ م ُ م م َ اء ُه} أي :بما سواه من الكتب ،مع أن ِ و ي ك فر
أي :باألدلة الواضحات املبينة للحق{ ،ث هم اختذت ُم ال ِعجل ِم من
َ َم َ م الواجب أن يؤمن بما أنزل اهلل مطلقا ,سواء أنزل عليهم ,أو
َبع ِد ِه} أي :بعد جميئه { َوأنتُ مم ظال ِ ُمون} يف ذلك ليس لكم
ىلع غريهم ,وهذا هو اإليمان انلافع ,اإليمان بما أنزل اهلل ىلع
عذر.
مجيع رسل اهلل.
َ َ ُ م َ َ َ م َ َ م َ ُ ُ ُّ َ ُ ُ م َ َ مَ
ور خذوا َما { َو ِإذ أخذنا ِميثاقكم ورفعنا فوقكم الط
اك مم ب ُق هوة َو م
َمَ ُ وأما اتلفريق بني الرسل والكتب ,وزعم اإليمان ببعضها دون
اس َم ُعوا} أي :سماع قبول وطاعة واستجابة، ِ ٍ آتين
ُ
َ م َ مَ َ َ َ مَ ُ َ بعض ,فهذا ليس بإيمان ,بل هو الكفر بعينه ,وهلذا قال تعاىل:
رش ُبوا ِيف
{قالوا س ِمعنا وعصينا} أي :صارت هذه حاتلهم {وأ ِ ه ه َ َ م ُ ُ َ ه َ ُ ُ َ ُ ُ َ َ م ُ َ ِّ ُ َ م َ ه
م م َ ُُ اَّلل
اَّلل ورس ِل ِه وي ِريدون أن يفرقوا بني ِ
اَّلين يكفرون بِ ِ
{إِن ِ
قلوبِ ِه ُم ال ِعجل} بسبب كفرهم.
29
َ َ ُ ُ م م ُ مُ م ُ م م ُم م َ َ َمُ ُ ُ
املجازاة بأعماهلم اخلبيثة ،فاملوت أكره يشء إيلهم ,وهم أحرص {قل بِئسما يأمركم بِ ِه إِيمانكم إِن كنتم مؤ ِم ِنني} أي :أنتم
ىلع اْلياة من لك أحد من انلاس ,حىت من املرشكني اَّلين َل تدعون اإليمان وتتمدحون بادلين اْلق ,وأنتم قتلتم أنبياء
يؤمنون بأحد من الرسل والكتب. اهلل ,واختذتم العجل إهلا من دون اهلل ,ملا اغب عنكم موىس,
َمَ ُّ َ ُ َ ُ نيب اهلل ,ولم تقبلوا أوامره ونواهيه إَل بعد اتلهديد ورفع الطور
ثم ذكر شدة حمبتهم لدلنيا فقال{ :يَ َود أ َح ُده مم ل مو ي َع هم ُر ألف
َ فوقكم ,فالزتمتم بالقول ,ونقضتم بالفعل ،فما هذا اإليمان
َسن ٍة} وهذا أبلغ ما يكون من اْلرص ,تمنوا حالة يه من
اَّلي ادعيتم ,وما هذا ادلين؟.
املحاَلت ،واْلال أنهم لو عمروا العمر املذكور ,لم يغن عنهم
شيئا وَل دفع عنهم من العذاب شيئا. فإن اكن هذا إيمانا ىلع زعمكم ,فبئس اإليمان ادلايع
َم ُ َ { َو ه ُ صاحبه إىل الطغيان ,والكفر برسل اهلل ,وكرثة العصيان ،وقد
ري بِ َما يع َملون} تهديد هلم ىلع املجازاة بأعماهلم.
اَّلل بَص ٌ
ِ
عهد أن اإليمان الصحيح ,يأمر صاحبه بكل خري ,وينهاه عن
ُ م َ م َ َ َ ُ ًّ م َ َ ه ُ َ َ َ َ م َ
ربيل ف ِإنه ن هز ُهل َىلع قل ِبك جل ِ
{{ }98 - 97قل من اكن عدوا ِ ِ لك رش ،فوضح بهذا كذبهم ,وتبني تناقضهم.
م
رشى لل ُم مؤمن َ ُم م ه ُ َ ِّ ً َ َ م َ َ َ م ُ ً
ني * َم من اَّلل مصدقا لِما بني يدي ِه َوهدى َوب َ ِ ِ ِ بِإِذ ِن ِ ً ُم م َ َ م َ ُ ُ ه ُ م َُ مَ ه َ
َ َ َ َ
كته َو ُر ُسله َوج مربيل َومياكل فإ هن ه َ َ َ َاك َن َع ُد ًّوا هَّلل َو َ اَّلل خال ِ َصة {{ }96 - 94قل ِإن اكنت لكم ادلار اآل ِخرة ِعند ِ
اَّلل َع ُد ٌّو ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ئال م ِ ِ َ َ ه ت إ من ُكنمتُ مم َصادق َ َََهُ مَ م َ ِم من ُدون ه
لِلم َاك ِفر َ ني * َول من يتَ َمن مو ُه ِِ اس فتمنوا المو ِ انل ِ ِ
ين} ِ ه َ َ ه اَّلل َعل ٌ ه َ
ت أيمديه مم َو ُ أَبَ ًدا ب َما قد َم م
ه َ
ني * َو َتل ِجدن ُه مم يم بالظالم َ
ِ ِ ِِ ِ ِ ِ
ُ َ ُ ُ َ َ ُّ ُ م َ ه َ َ َ م
أي :قل هلؤَلء ايلهود ,اَّلين زعموا أن اَّلي منعهم من اإليمان
َ
رشكوا يَ َود أحده مم ل مو يع هم ُر ين أ َ اَّل َ َ
اس ىلع حيا ٍة َو ِم َن ِ
َ
انل ِ ح َر َص ه أ
اَّلل بَص ٌ َ
حزحه م َن الم َع َذاب أ من ُي َع هم َر َو ه ُ مَ َ َ َ ُ ُ م َ
بك ,أن ويلك جربيل عليه السالم ,ولو اكن غريه من مالئكة ري ِ ِ ألف سن ٍة َوما ه َو بِم َز ِ ِ ِ ِ
َم ُ َ
اهلل ,آلمنوا بك وصدقوا ،إن هذا الزعم منكم تناقض بِ َما يع َملون}
وتهافت ,وتكرب ىلع اهلل ،فإن جربيل عليه السالم هو اَّلي م َ َ م َ ُ
ك ُم ه
ادل ُ ُم
ار أي{ :قل} هلم ىلع وجه تصحيح دعواهمِ { :إن اكنت ل
نزل بالقرآن من عند اهلل ىلع قلبك ,وهو اَّلي يزنل ىلع ماآل ِخ َر ُة} يعين اجلنة { َخال ِ َص ًة ِم من ُدون ه
اس} كما زعمتم ,أنه انل ِ ِ
األنبياء قبلك ,واهلل هو اَّلي أمره ,وأرسله بذلك ,فهو رسول
لن يدخل اجلنة إَل من اكن هودا أو نصارى ,وأن انلار لن
حمض.
تمسهم إَل أياما معدودة ،فإن كنتم صادقني بهذه ادلعوى
َ ه م َ
مع أن هذا الكتاب اَّلي نزل به جربيل مصدقا ملا تقدمه من {فتَ َمن ُوا ال َم موت} وهذا نوع مباهلة بينهم وبني رسول اهلل صىل
الكتب غري خمالف هلا وَل مناقض ,وفيه اهلداية اتلامة من اهلل عليه وسلم.
أنواع الضالَلت ,والبشارة باخلري ادلنيوي واألخروي ,ملن آمن
وليس بعد هذا اإلجلاء واملضايقة هلم بعد العناد منهم ,إَل أحد
به ،فالعداوة جلربيل املوصوف بذلك ,كفر باهلل وآياته,
أمرين :إما أن يؤمنوا باهلل ورسوهل ،وإما أن يباهلوا ىلع ما هم
وعداوة هلل ولرسله ومالئكته ،فإن عداوتهم جلربيلَ ,ل َّلاته
عليه بأمر يسري عليهم ,وهو تمين املوت اَّلي يوصلهم إىل ادلار
بل ملا يزنل به من عند اهلل من اْلق ىلع رسل اهلل.
اليت يه خالصة هلم ,فامتنعوا من ذلك.
فيتضمن الكفر والعداوة لذلي أنزهل وأرسله ,واَّلي أرسل به,
فعلم لك أحد أنهم يف اغية املعاندة واملحادة هلل ولرسوهل ,مع
واَّلي أرسل إيله ,فهذا وجه ذلك.
تعلمهم بذلك ،وهلذا قال تعاىل { َولَ من َيتَ َم هن مو ُه أَبَ ًدا ب َما قَ هد َم م
ِ
يه مم} من الكفر واملعايص ,ألنهم يعلمون أنه طريق هلم إىل د أَيم
ِ ِ
30
ََ َ مُُ َ ه َ ِّ َ َ َ ََ م َمَ مَ َم َ
أي :وملا جاءهم هذا الرسول الكريم بالكتاب العظيم باْلق ات وما يكفر بِها إَِل
ات بين ٍ {{ }99ولقد أنزنلا إِيلك آي ٍ
مَ ُ َ
املوافق ملا معهم ،واكنوا يزعمون أنهم متمسكون بكتابهم, اسقون}
الف ِ
ه
اَّل َ ََ َ َ ٌ
ين فلما كفروا بهذا الرسول وبما جاء به{ ،نبذ ف ِريق ِم َن ِ َ ََ م َمَ مَ َم َ
ك آيَ
ُ ُ م َ َ َ َ ه ات
ٍ يقول نلبيه صىل اهلل عليه وسلم{ :ولقد أنزنلا ِإيل
اَّلل} اَّلي أنزل إيلهم أي :طرحوه رغبة
كتاب ِكتاب ِ أوتوا ال ِ َ ِّ َ
ََ َ ُ ُ ات} حتصل بها اهلداية ملن استهدى ,وإقامة اْلجة ىلع منبين ٍ
ور ِه مم} وهذا أبلغ يف اإلعراض كأنهم يف فعلهمعنه {وراء ظه ِ
اعند ,ويه يف الوضوح وادلَللة ىلع اْلق ,قد بلغت مبلغا
هذا من اجلاهلني وهم يعلمون صدقه ،وحقيرة ما جاء به.
عظيما ووصلت إىل حالة َل يمتنع من قبوهلا إَل من فسق عن
تبني بهذا أن هذا الفريق من أهل الكتاب لم يبق يف أيديهم أمر اهلل ,وخرج عن طاعة اهلل ,واستكرب اغية اتلكرب.
يشء حيث لم يؤمنوا بهذا الرسول ,فصار كفرهم به كفرا َ َ ُه َ َ َ ُ َ م ً َ َ َ ُ َ ٌ م ُ م َ م َ م َُ ُ َ
رثه مم َل{{ }100أوُكما اعهدوا عهدا نبذه ف ِريق ِمنهم بل أك
بكتابهم من حيث َل يشعرون. م َ
يُؤ ِمنُون}
وملا اكن من العوائد القدرية واْلكمة اإلهلية أن من ترك ما
وهذا فيه اتلعجيب من كرثة معاهداتهم ,وعدم صربهم ىلع
ينفعه ،وأمكنه اَلنتفاع به فلم ينتفع ,ابتيل باَلشتغال بما
الوفاء بها.
يرضه ,فمن ترك عبادة الرْحن ,ابتيل بعبادة األوثان ,ومن ترك
ُه
حمبة اهلل وخوفه ورجاءه ,ابتيل بمحبة غري اهلل وخوفه ورجائه, فـ " لك َما " تفيد اتلكرار ,فلكما وجد العهد ترتب عليه انلقض،
ومن لم ينفق ماهل يف طاعة اهلل أنفقه يف طاعة الشيطان ,ومن ما السبب يف ذلك؟ السبب أن أكرثهم َل يؤمنون ،فعدم
ترك اَّلل لربه ,ابتيل باَّلل للعبيد ،ومن ترك اْلق ابتيل بابلاطل. إيمانهم هو اَّلي أوجب هلم نقض العهود ،ولو صدق إيمانهم,
َ ُ ٌ لاكنوا مثل من قال اهلل فيهم{ :م َن ال م ُم مؤمن َ
ني ِر َجال َصدقوا َما ِِ ِ
كذلك هؤَلء ايلهود ملا نبذوا كتاب اهلل اتبعوا ما تتلوا هَ َ َ
اَّلل َعليم ِه} َاعه ُدوا
الشياطني وختتلق من السحر ىلع ملك سليمان حيث أخرجت
ِّ ٌ ََه َ َ ُ م َُ ٌ م م ه
الشياطني للناس السحر ،وزعموا أن سليمان عليه السالم اكن اَّلل ُم َصدق ل ِ َما {{ }103 - 101ولما جاءهم رسول ِمن ِعن ِد ِ
يستعمله وبه حصل هل امللك العظيم. اَّلل َو َر َ َ َُ م َََ َ ٌ َ ه َ ُ ُ م َ َ َ َ ه
اء كتاب ِكتاب ِ اَّلين أوتوا ال ِ معهم نبذ ف ِريق ِمن ِ
ه َ ُ ََ ُ م َ َه ُ م َ َ م َ ُ َ َ ه َ ُ َ َم ُ ُ
اطني ىلع ور ِهم كأنهم َل يعلمون * واتبعوا ما تتلو الشي ِ ظه ِ
وهم كذبة يف ذلك ،فلم يستعمله سليمان ،بل نزهه الصادق يف ُ م ُ َمَ َ َ َ َ َ َ ُ َمَ ُ ََ ه ه َ َ َ َ
َ ُ َ َ ني كف ُروا اط
كن الشي ِ مل ِك سليمان وما كفر سليمان ول ِ
قيلهَ { :و َما كف َر ُسليم َمان} أي :بتعلم السحر ,فلم يتعلمه، َ ُ َ َ ِّ م َ َ َ ُ م َ َ َ َ م
َ َ م ُ َ ِّ ُ َ ه َ
ََ ه ه َ َ ََ اروت ني بِبَابِل ه يعلمون انلاس السحر وما أن ِزل ىلع الملك ِ
ني كف ُروا} بذلك. اط
كن الشي ِ {و ل ِ َ ُ َ ه َم مٌَ ََ َ َ َ ُ َ َ َ ُ َ ِّ َ
ان ِم من أ َح ٍد َح هىت يقوَل ِإن َما حن ُن ِفتنة فال وماروت وما يعلم ِ
ُ َ ِّ ُ َ ه َ ِّ م َمَ م َُ ُ َ َ مُ َ ه َ م
السح َر} من إضالهلم وحرصهم ىلع إغواء بين {يعلمون انلاس ني ال َم مر ِء َو َز مو ِج ِه َو َما تكف مر فيَتَ َعل ُمون ِمن ُه َما َما يف ِّرقون بِ ِه ب
م َ َ ه م ه َ َ َ َ ه ُ َ َ َ ُ ُّ ُ َ ُ م َ ِّ َ
آدم ،وكذلك اتبع ايلهود السحر اَّلي أنزل ىلع امللكني الاكئنني رضه مم َوَل اَّلل ويتعلمون ما ي هم بِضارين بِ ِه ِمن أح ٍد ِإَل بِ ِإذ ِن ِ
َ َ م َ م
اش َ َ َ ََ م َمَ
بأرض بابل من أرض العراق ،أنزل عليهما السحر امتحانا رت ُاه َما ُهل ِيف اآل ِخ َر ِة ِم من خال ٍق ينف ُع ُه مم َولقد َع ِل ُموا ل َم ِن
وابتالء من اهلل لعباده فيعلمانهم السحر. آمنُوا ون * َول َ مو أَ هن ُه مم َ َم ُ َ ُ م َم َ ُ َ م َ ُ َ
رش موا بِ ِه أنفسهم لو اكنوا يعلم َو َبلئم َس َما َ َ
ِ
َ َ ه َ م ََ ُ ٌَ م م ه َ مٌ َم َ ُ َ م َ ُ َ
َ ُ َ ه َم مٌَ { َو َما ُي َعلِّ َ اَّلل خري لو اكنوا يعلمون} واتقوا لمثوبة ِمن ِعن ِد ِ
ان ِم من أ َح ٍد َح هىت} ينصحاه ,و {يقوَل ِإن َما حن ُن فِتنة
ِ م
ََ َ مُ
فال تكف مر} أيَ :ل تتعلم السحر فإنه كفر ،فينهيانه عن
31
َ َ م َ
{ َما ُهل ِيف اآل ِخ َر ِة ِم من خال ٍق} أي :نصيب ,بل هو موجب السحر ،وخيربانه عن مرتبته ,فتعليم الشياطني للسحر ىلع
للعقوبة ,فلم يكن فعلهم إياه جهال ,ولكنهم استحبوا اْلياة وجه اتلدليس واإلضالل ،ونسبته وتروجيه إىل من برأه اهلل منه
ادلنيا ىلع اآلخرة. وهو سليمان عليه السالم ،وتعليم امللكني امتحانا مع
32
َ َم م م َ َ ُم َ َم
خب مري ِمنم َها أَومَ م َ
{َ { }107 -َ 106ما ننسخ ِمن آي ٍة أو نن ِسها َنأ ِت ِ ٍَ
َ َ ُ َ َ م ُ ُ َ َ م َ َُ م َ َ م َ م َ م ه ه َ َ َ ُ ِّ َ م َ ٌ َ م َ م َ م ه ه َ َ
يدون أن ت مسألوا َر ُسولك مم ك َما ُس ِئل {{ }110 - 108أم ت ِر اَّلل ُهل ِمث ِلها ألم تعلم أن اَّلل ىلع لك يش ٍء ق ِدير * ألم تعلم أن
يمان َف َق مد َض هل َس َو َ ك مف َر ب م َ م َ مُ َ َ م َََ ه م ُ َ ه م َ ٍّ َ ََ َ ُ م م ُ َ مَ ُ م ُ
اء اإل ِ ِ ِ ُموىس ِمن قبل ومن يتبد ِل ال يل َوَل ِ و ن م
ِ اَّلل
ِ ون
ِ د ن م
ِ م ك ل ا مو ضِ
األ م
ر و ات
ِ
الس َم َ
او ك ه مل
م ُّ َ ُ
اب ل مو يَ ُردونك مم ِم من َبع ِد
َ ري م من أَ مهل المكتَ ه َ ه َ
ِ ِ ِ يل * َود ك ِث ٌ ِ ِ الس ِب ري}
ن ِص ٍ
َ ُ م ُ ه ً َ َ ً م م َمُ م م َ م َ ََه َ َ
ني ل ُه ُم ِإيمانِكم كفارا حسدا ِمن ِعن ِد أنف ِس ِهم ِمن بع ِد ما تب
لك َ م م َ ُّ َ م ُ َ م َ ُ َ ه َ م َ ه ُ َ م ه ه َ َ َ ُ ِّ النسخ :هو انلقل ,فحقيقة النسخ نقل امللكفني من حكم
يش ٍء اْلق فاعفوا واصفحوا حىت يأ ِيت اَّلل بِأم ِرهِ ِإن اَّلل ىلع
ُ َمُ ُ َ ِّ ه َ َ َ ُ ه َ َ ير * َوأَق ُ
قَ ِد ٌ مرشوع ,إىل حكم آخر ,أو إىل إسقاطه ،واكن ايلهود ينكرون
الزاكة َو َما تقد ُموا ِألنف ِسك مم ِم من يموا الصالة وآتوا ِ
ون بَص ٌ َ م َ ُ ُ مَ ه ه هَ َ َم َ ُ َ النسخ ,ويزعمون أنه َل جيوز ,وهو مذكور عندهم يف اتلوراة,
ري} ِ اَّلل إِن اَّلل بِما تعمل
ِتدوه ِعند ِ ري ِ خ ٍ
فإنكارهم هل كفر وهوى حمض.
َ َ
ينىه اهلل املؤمنني ,أو ايلهود ,بأن يسألوا رسوهلم {ك َما ُس ِئل
َ ُ َ فأخرب اهلل تعاىل عن حكمته يف النسخ ،وأنه ما ينسخ من آية
ُموىس ِم من قبمل} واملراد بذلك ,أسئلة اتلعنت واَلعرتاض ,كما َ
خبريم َم َ َم ُم
َ م ُ َ ِّ َ َ ك أَ مه ُل المكتََ م َُ َ ننسها العباد ,فزنيلها من قلوبهم{ ،نأ ِت ِ ٍ {أو نن ِسها} أي:
زنل َعليم ِه مم ِكتَابًا ِم َن اب أن ت
ِ ِ قال تعاىل{ :يسأل م َ م
َ هَ م ً َ َ َ ََ ُ َ ه َ َ َ م َ َُ ُ َ
وىس أ مك َ َ ِمن َها} وأنفع لكم {أ مو ِمث ِل َها}
اَّلل َجه َرة} رب ِم من ذلِك فقالوا أ ِرنا السما ِء فقد سألوا م
وذلك أنه بلغ بأهل الكتاب اهلوى واْلسد ,إىل أن بعضهم ودا أَوم
َ َ ُ َ م َ م ُ َ مَ ه َ ه َ م َ َ ُ ً
{{ }112 - 111وقالوا لن يدخل اجلنة إَِل من اكن ه
ك مم إ من ُكنمتُ مم َصادق َ َ َ َ م َ َ َ ُّ ُ م ُ م َ ُ ُ م َ َ ُ
ضلل بعضا ,وكفر بعضهم بعضا ,كما فعل األميون من مرشيك ني * ِِ ِ نصارى تِلك أما ِنيهم قل هاتوا برهان
َ َ ٌ مَ َ
ََُ م ََ َ م َ م ََ َ م َ ُ ه ُ ُم
العرب وغريهم. َّلل َوه َو حم ِس ٌن فله أج ُر ُه ِعند َر ِّب ِه َوَل خ موف
بىل من أسلم وجهه ِ ِ
َ ُ َم ُ َ َ
َعليم ِه مم َوَل ه مم حي َزنون}
فلك فرقة تضلل الفرقة األخرى ,وحيكم اهلل يف اآلخرة بني
املختلفني ِبكمه العدل ,اَّلي أخرب به عباده ,فإنه َل فوز وَل أي :قال ايلهود :لن يدخل اجلنة إَل من اكن هودا ،وقالت
جناة إَل ملن صدق مجيع األنبياء واملرسلني ,وامتثل أوامر ربه, انلصارى :لن يدخل اجلنة إَل من اكن نصارى ،فحكموا
واجتنب نواهيه ,ومن عداهم ,فهو هالك. ألنفسهم باجلنة وحدهم ,وهذا جمرد أماين غري مقبولة ,إَل
ََ م َم َُ ه م َََ َ َ َ ه َم ُم ََ َ م ُ ِبجة وبرهان ,فأتوا بها إن كنتم صادقني ،وهكذا لك من ادىع
اس ُمه اَّلل أن يذكر ِفيها
اجد ِ {{ }114ومن أظلم ِممن منع مس ِ
َ ه
وها إَل َخائف َ ُ َ
َ َ َ ُ َ َ َ َ َ َُ م م َ م ُ َ دعوىَ ,ل بد أن يقيم الربهان ىلع صحة دعواه ،وإَل ,فلو قلبت
ني ل ُه مم ِِ وَلك ما اكن لهم أن يدخل ِ َوس ََع ِيف خرابِها أ ِ
َ
ادل منيَا خ مز ٌي َول َ ُه مم يف ماآلخ َرة َع َذ ٌ
اب َعظ ٌ يف ُّ عليه دعواه ,وادىع مدع عكس ما ادىع بال برهان لاكن َل
يم} ِ ِ ِ ِ ِ ِ
فرق بينهما ،فالربهان هو اَّلي يصدق ادلاعوى أو يكذبها،
أيَ :ل أحد أظلم وأشد جرما ,ممن منع مساجد اهلل ,عن ذكر وملا لم يكن بأيديهم برهان ,علم كذبهم بتلك ادلعوى.
اهلل فيها ,وإقامة الصالة وغريها من الطااعت. َ
ثم ذكر تعاىل الربهان اجليل العام للك أحد ,فقال{ :بَىل} أي:
َ َ م َم ََ َ م َُ ه
{ َو َس ََع} أي :اجتهد وبذل وسعه { ِيف خ َرابِ َها} اْليس واملعنوي، َّلل}
ليس بأمانيكم وداعويكم ,ولكن {من أسلم وجهه ِ ِ
ُ
فاخلراب اْليس :هدمها وختريبها ,وتقذيرها ،واخلراب أي :أخلص هلل أعماهل ,متوجها إيله بقلبهَ { ،وه َو} مع إخالصه
ُم
املعنوي :منع اَّلاكرين َلسم اهلل فيها ،وهذا اعم ,للك من {حم ِس ٌن} يف عبادة ربه ,بأن عبده برشعه ,فأوَلك هم أهل اجلنة
اتصف بهذه الصفة ,فيدخل يف ذلك أصحاب الفيل ,وقريش, وحدهم.
حني صدوا رسول اهلل عنها اعم اْلديبية ,وانلصارى حني
أخربوا بيت املقدس ,وغريهم من أنواع الظلمة ,الساعني يف
خرابها ,حمادة هلل ,ومشاقة ،فجازاهم اهلل ,بأن منعهم دخوهلا
34
َ َ م َ َ ُ َ ُّ
{فأينما تولوا} وجوهكم من اجلهات ,إذا اكن تويلكم إياها رشاع وقدرا ,إَل خائفني ذيللني ,فلما أخافوا عباد اهلل ,أخافهم
بأمره ,إما أن يأمركم باستقبال الكعبة بعد أن كنتم مأمورين اهلل ،فاملرشكون اَّلين صدوا رسوهل ,لم يلبث رسول اهلل صىل
باستقبال بيت املقدس ,أو تؤمرون بالصالة يف السفر ىلع اهلل عليه وسلم إَل يسريا ,حىت أذن اهلل هل يف فتح مكة ،ومنع
ه َ َ ُّ َ ه
الراحلة وحنوها ,فإن القبلة حيثما توجه العبد أو تشتبه القبلة, آمنُوا ِإن َما
ين َ
اَّل َ
املرشكني من قربان بيته ,فقال تعاىل{ :يا أيها ِ
َ َ م ُ م ُ َ َ َ ٌ َ َ َ م َ ُ م َ م َ مَ َ َ م َ
فيتحرى الصالة إيلها ,ثم يتبني هل اخلطأ ,أو يكون معذورا ام َبعد َاع ِم ِه مم هذا} رشكون جنس فال يقربوا المس ِجد اْلر
الم ِ
بصلب أو مرض وحنو ذلك ،فهذه األمور ,إما أن يكون العبد
وأصحاب الفيل ,قد ذكر اهلل ما جرى عليهم ،وانلصارى,
فيها معذورا أو مأمورا.
سلط اهلل عليهم املؤمنني ,فأجلوهم عنه.
وبكل حال ,فما استقبل جهة من اجلهات ,خارجة عن ملك
وهكذا لك من اتصف بوصفهم ,فال بد أن يناهل قسطه ,وهذا
ربه.
من اآليات العظيمة ,أخرب بها ابلاري قبل وقوعها ,فوقعت كما
ََه َ م ُ ه
اَّلل إ هن ه َ
اَّلل َواس ٌع َعل ٌ
يم} فيه إثبات الوجه هلل تعاىل, ِ ِ {فثم وجه ِ ِ أخرب.
ىلع الوجه الالئق به تعاىل ,وأن هلل وجها َل تشبهه الوجوه ,وهو
واستدل العلماء باآلية الكريمة ,ىلع أنه َل جيوز تمكني الكفار
-تعاىل -واسع الفضل والصفات عظيمها ,عليم برسائركم
من دخول املساجد.
ونياتكم.
م َ ُّ م َ
ادلنيَا ِخ مز ٌي} أي :فضيحة كما تقدم { َول ُه مم ِيف اآل ِخ َر ِة {ل ُه مم ِيف
فمن سعته وعلمه ,وسع لكم األمر ,وقبل منكم املأمور ,فله اب َعظ ٌ َع َذ ٌ
يم} ِ
اْلمد والشكر.
َ َ ُ هَ َ هُ َ ًَ ُ م َ َ ُ م َ وإذا اكن َل أظلم ممن منع مساجد اهلل أن يذكر فيها اسمه ,فال
حانه بَل ُهل َما ِيف {{ }117 - 116وقالوا اختذ اَّلل ودلا سب
َ م مَ ُ ٌّ َ ُ َ ُ َ َ ُ ه َ َ َ مَم ه َ َ أعظم إيمانا ممن سَع يف عمارة املساجد بالعمارة اْلسية
ات واألر ِض ات واألر ِض لك هل قانِتون * ب ِديع السماو ِ السماو ِ هَ َمُُ َ َ َ ه َ م َ َ ه
َ َ َ َم َ ه َُ ُ َ ُ َ ُ ُ اَّلل
اَّلل من آمن بِ ِ
اجد ِ واملعنوية ,كما قال تعاىلِ { :إنما يعمر مس ِ
َو ِإذا قىض أم ًرا ف ِإن َما يقول ُهل ك من فيَكون} م م
َوايلَ مومِ اآل ِخ ِر}
َ ُ
{ َوقالوا} أي :ايلهود وانلصارى واملرشكون ,ولك من قال ذلك:
هَ َ هُ َ بل قد أمر اهلل تعاىل برفع بيوته وتعظيمها وتكريمها ,فقال
اَّلل َو ًدلا} فنسبوه إىل ما َل يليق جبالهل ,وأساءوا لك {اختذ ُُ َ َ هُ َ م ُم َ َ َُ م َ َ َ م ُ ُ
وت أ ِذن اَّلل أن ترفع ويذكر ِفيها اسمه}
تعاىلِ { :يف بي ٍ
اإلساءة ,وظلموا أنفسهم.
وللمساجد أحاكم كثرية ,يرجع حاصلها إىل مضون هذه
وهو -تعاىل -صابر ىلع ذلك منهم ,قد حلم عليهم ,واعفاهم,
اآليات الكريمة.
ورزقهم مع تنقصهم إياه.
َ ه م َ م ُ َ م َ م ُ َ َ م َ َ ُ َ ُّ َ َ ه َ م ُ ه ه
ُ م َ َُ اَّلل ِإن
رشق والمغ ِرب فأينما تولوا فثم وجه ِ َّلل الم ِ
{{ }115و ِ ِ
حانه} أي :تزنه وتقدس عن لك ما وصفه به املرشكون {سب هَ
اَّلل َواس ٌع َعل ٌ
يم} ِ ِ
والظاملون مما َل يليق جبالهل ،فسبحان من هل الكمال املطلق,
َ ه مَ م ُ م م
من مجيع الوجوه ,اَّلي َل يعرتيه نقص بوجه من الوجوه. رشق َوال َمغ ِر ُب} خصهما باَّلكر ,ألنهما حمل
َّلل الم ِ
أي{ :و ِ ِ
اآليات العظيمة ,فهما مطالع األنوار ومغاربها ،فإذا اكن مالاك
هلا ,اكن مالاك للك اجلهات.
35
ََ ُ َم ُم َ َ َ َ ه َم ُ َ َ هٌ
ج َر نلَا ِم َن ُهل َجنة} اآليات وقوهل{ :وقالوا لن نؤ ِمن لك حىت تف ومع رده لقوهلم ,أقام اْلجة والربهان ىلع تزنيهه عن ذلك
مَ
األ مرض يَنمبُ ً مَ َم َُ َ
واع} اآليات. ِ ات َواأل مر ِض} أي :مجيعهم ملكه ه َ َ
فقال{ :بل هل ما ِيف السماو ِ
وعبيده ,يتِّصف فيهم تِّصف املالك باملمايلك ,وهم قانتون هل
فهذا دأبهم مع رسلهم ,يطلبون آيات اتلعنتَ ,ل آيات
مسخرون حتت تدبريه ،فإذا اكنوا لكهم عبيده ,مفتقرين إيله,
اَلسرتشاد ,ولم يكن قصدهم تبني اْلق ،فإن الرسل ,قد جاءوا
َم ه وهو غين عنهم ,فكيف يكون منهم أحد ,يكون هل ودلا,
من اآليات ,بما يؤمن بمثله البرش ,وهلذا قال تعاىل{ :قد بَيهنا
َ َ م َ والودل َل بد أن يكون من جنس وادله ,ألنه جزء منه.
ات ِلق مومٍ يُوقِنُون} فلك موقن ,فقد عرف من آيات اهلل اآلي ِ
ابلاهرة ,وبراهينه الظاهرة ,ما حصل هل به ايلقني ,واندفع عنه واهلل تعاىل املالك القاهر ,وأنتم اململوكون املقهورون ,وهو
لك شك وريب. الغين وأنتم الفقراء ،فكيف مع هذا ,يكون هل ودل؟ هذا من
أبطل ابلاطل وأسمجه.
ثم ذكر تعاىل بعض آية موجزة خمتِّصة جامعة لآليات ادلالة
ه
ىلع صدقه صىل اهلل عليه وسلم وصحة ما جاء به فقال{ :إِنا والقنوت نواعن :قنوت اعم :وهو قنوت اخللق لكهم ,حتت تدبري
ريا َونَ ِذ ً َم َ مَ َ م
اْل َ ِّق بَش ً
يرا} فهذا مشتمل ىلع اآليات اليت ِ أرسلناك بِ اخلالق ،وخاص :وهو قنوت العبادة.
جاء بها ,ويه ترجع إىل ثالثة أمور:
فانلوع األول كما يف هذه اآلية ،وانلوع اثلاين :كما يف قوهل
األول :يف نفس إرساهل ,واثلاين :يف سريته وهديه ودهل ،واثلالث: وموا هَّلل قَانت َ
ني} تعاىلَ { :وقُ ُ
ِ ِ ِِ
يف معرفة ما جاء به من القرآن والسنة. مَ
ات َواأل مر ِض} أي :خالقهما ىلع وجه قد َ ُ ه َ َ
ثم قال{ :ب ِديع السماو ِ
فاألول واثلاين ,قد دخال يف قوهل{ :إنها أَ مر َسلمنَ َ
اك} واثلالث دخل أتقنهما وأحسنهما ىلع غري مثال سبق.
ِ
م
يف قوهل{ :بِاْل َ ِّق} َ َ َ َم َ ه َُ ُ َ ُ َ ُ ُ
{ َو ِإذا قىض أم ًرا ف ِإن َما يقول ُهل ك من فيَكون} فال يستعىص
وبيان األمر األول وهو -نفس إرساهل -أنه قد علم حالة أهل عليه ,وَل يمتنع منه.
األرض قبل بعثته صىل اهلل عليه وسلم وما اكنوا عليه من َ َ َ ه َ َ َ م َ ُ َ َ م َ ُ َ ِّ ُ َ ه ُ َ
اَّلل أ مو اَّلين َل يعلمون لوَل يكلمنا {{ }119 - 118وقال ِ
عبادة األوثان وانلريان ,والصلبان ,وتبديلهم لألديان ,حىت اب َهتم َ
ين م من َقبمله مم مثم َل قَ موله مم ت َش َ َ ه َم َ ٌَ َ َ َ َ َ
ِِ ِِ ِ اَّل ِ تأتِينا آية كذلِك قال ِ
اكنوا يف ظلمة من الكفر ,قد عمتهم وشملتهم ,إَل بقايا من م
اك باْل َ ِّق بَش ً م َ
َم ُ ُ َ ه مَ َ َ ُُ ُُ م َ م َهه م َ
ريا ِ ات ِلقومٍ يوقِنون * إِنا أرسلن ِ قلوبهم قد بينا اآلي ِ
أهل الكتاب ,قد انقرضوا قبيل ابلعثة.
يم} ح َ م
اجل اب يرا َو ََل ت ُ مسأَ ُل َع من أَ مص َ
ح َونَ ِذ ً
ِ ِ ِ
وقد علم أن اهلل تعاىل لم خيلق خلقه سدى ,ولم يرتكهم همال,
أي :قال اجلهلة من أهل الكتاب وغريهم :هال يكلمنا ,كما
ألنه حكيم عليم ,قدير رحيم ،فمن حكمته ورْحته بعباده ,أن ٌ َ َم َ
لكم الرسل{ ،أ مو تأتِينا آيَة} يعنون آيات اَلقرتاح ,اليت
أرسل إيلهم هذا الرسول العظيم ,يأمرهم بعبادة الرْحن وحده
يقرتحونها بعقوهلم الفاسدة ,وآرائهم الاكسدة ,اليت ِترأوا بها
َل رشيك هل ,فبمجرد رساتله يعرف العاقل صدقه ,وهو آية َ ُم َ َ
ىلع اخلالق ,واستكربوا ىلع رسله كقوهلم{ :ل من نؤ ِم َن لك َح هىت
كبرية ىلع أنه رسول اهلل ،وأما اثلاين :فمن عرف انليب صىل اهلل ه َ َ م َ ً َ م َ ُ َ َ م ُ م َ َ م ُ َ ِّ َ َ َ
زنل َعليم ِه مم ِكتَابًا اب أن تكت ِ ن َرى اَّلل جهرة} {يسألك أهل ال ِ
عليه وسلم معرفة تامة ,وعرف سريته وهديه قبل ابلعثة, َ َ َ َ َ ه َ َ َ م َ َُ ُ َ
وىس أَ مك َ َ
رب ِم من ذلِك} اآلية ،وقالوا{ :ل موَل ِمن السما ِء فقد سألوا م
ونشوءه ىلع أكمل اخلصال ,ثم من بعد ذلك, َ َ َ م َ
ُم َ َم َ َ ٌ َ َ ُ َ َ َ ُ َ ً م ُ َ م مٌ َ ُ ُ
زن أ مو تكون أن ِزل إِيل ِه ملك فيكون معه ن ِذيرا أو يلىق إِيل ِه ك
36
ه َ َمَ ُ ُ م َ َ َ مُ َُ َ ه َ َ ُ َ َ
وَلك كتاب يتلونه حق تِالوتِ ِه أ ِ اَّلين آتيناهم ال ِثم قالِ { : قد ازدادت ماكرمه وأخالقه العظيمة ابلاهرة للناظرين ,فمن
م
ُ ُ َ ُ َ َ َ ُ َ ُ م َ م َ ُم ُ َ
ارسون * يَا بَ ِين وَلك هم اخل ِيؤ ِمنون بِ ِه َومن يكف مر بِ ِه فأ ِ عرفها ,وسرب أحواهل ,عرف أنها َل تكون إَل أخالق األنبياء
م َ َ م ُ ُ م َ َ ه َ م َ م ُ َ ُ َ ِّ َ ه م ُ
ت َعليمك مم َوأين فضلتُك مم ِإرسا ِئيل اذكروا نِعم ِيت ال ِيت أنعم الاكملني ,ألن اهلل تعاىل جعل األوصاف أكرب ديلل ىلع معرفة
َ م َ َ َم َ َم َم هُ ىلع الم َعالَم َ
ََ
ني * َواتقوا يَ مو ًما َل ِت ِزي نف ٌس ع من نف ٍس شيئًا َوَل ِ أصحابها وصدقهم وكذبهم.
ُمَُ مَ َ مٌ ََ َمَ َُ َ َ ٌَ ََ ُ م ُم َ ُ َ
ِّصون *} يقبل ِمنها عدل وَل تنفعها شفاعة وَل هم ين
وأما اثلالث :فهو معرفة ما جاء به صىل اهلل عليه وسلم من
خيرب تعاىل أن اَّلين آتاهم الكتاب ,ه
ومن عليهم به منة مطلقة, الرشع العظيم ,والقرآن الكريم ,املشتمل ىلع اإلخبارات
َ َمُ َُ
أنهم {يتلونه َح هق تِال َوتِ ِه} أي :يتبعونه حق اتباعه ,واتلالوة: الصادقة ,واألوامر اْلسنة ,وانليه عن لك قبيح ,واملعجزات
اَلتباع ،فيحلون حالهل ,وحيرمون حرامه ,ويعملون بمحكمه, ابلاهرة ,فجميع اآليات تدخل يف هذه اثلالثة.
ويؤمنون بمتشابهه ،وهؤَلء هم السعداء من أهل الكتاب, قوهل{ :بَش ً
ريا} أي ملن أطاعك بالسعادة ادلنيوية واألخروية، ِ
اَّلين عرفوا نعمة اهلل وشكروها, {نَ ِذ ً
يرا} ملن عصاك بالشقاوة واهلالك ادلنيوي واألخروي.
وآمنوا بكل الرسل ,ولم يفرقوا بني أحد منهم.
يم} أي :لست مسئوَل عنهم,ح َ م
اجل ابح{ َو ََل ت ُ مسأَ ُل َع من أَ مص َ
ِ ِ ِ
فهؤَلء ,هم املؤمنون حقاَ ,ل من قال منهم{ :نؤمن بما أنزل إنما عليك ابلالغ ,وعلينا اْلساب.
علينا ويكفرون بما وراءه} َه ود َو ََل ه َ م َ مَُ ُ َ َ َ
ارى َح هىت تت ِب َع انل َص َ {َ { }120ول من ت مرىض عنك ايله
َ َ م َ م ُ م َ ُ َ َ ُ ُ مَ ُ َ ه ُ َ مُ َ َ َ ه َ م َ َ م َ َ ُ م َ هَُ م ُم ه ُ َ
ارسون}
وَلك هم اخل ِ
وهلذا توعدهم بقوهل {ومن يكفر بِ ِه فأ ِ اءه مم َبعد ِئ اتبعت أهو اَّلل هو الهدى ول ِ ِِملتهم قل ِإن هدى ِ
َ َ َ َ م م َ َ َ َ ه م َ ٍّ َ َ َ ه
وقد تقدم تفسري اآلية اليت بعدها. ري *}
ٍ ص
ِ ن َلو يل
ِ و ن مِ اَّلل
ِ ن م
ِ ك ل ا م م
ِ لعِ ال ن م
ِ كاء ج ي اَّل
ِ
َ َ َََ َ م َ َ م َ َ َ ُّ ُ َ َ
ات فأت هم ُه هن قال {{ }125 - 124و ِإ ِذ ابتىل ِإبرا ِهيم ربه بِك ِلم ٍ خيرب تعاىل رسوهل ,أنه َل يرىض منه ايلهود وَل انلصارى ,إَل
َ َ َ ََ ُ َ م ُ َ ً َ َ ِّ َ ُ َ ه
اما قال َو ِم من ذ ِّر هي ِيت قال َل ينال عه ِدي اس ِإم ِإين جا ِعلك لِلن ِ باتباعه دينهم ,ألنهم داعة إىل ادلين اَّلي هم عليه ,ويزعمون
ََم ً َ ه ُ َ َ م َ َ مَ مَم َ َ َ ًَ ه ه ُ ه ه ُ َ
اختذوا ِم من اس وأمنا و ِ ابليت مثابة لِلن ِ الظال ِ ِمني * و ِإذ جعلنا اَّلل} اَّلي أرسلت به {ه َو
أنه اهلدى ،فقل هلم{ :إِن هدى ِ
َ َم يم ُم َص ًّىل َو َعه مدنَا إ َىل إبم َراه ََم َقامِ إبم َراه َ م َ
يم َو ِإ مس َما ِعيل أن َط ِّه َرا ِ ِ ِ ِ ِ ِ ال ُهدى}
الس ُ ه
الركع ُّ ني َو ُّ م
ني َوال َعاكف َ لطائف َ َبيم َ ه
جو ِد} ِ ِِ يت ل ِ ِ ِ ِ اء ُهممت أَ مه َو َ وأما ما أنتم عليه ,فهو اهلوى بديلل قوهل { َولَِئ هاتبَ مع َ
ِِ
َ
َ َ َ َ م م َ َ َ َ ه م َ ٍّ َ َ َم َ ه
خيرب تعاىل ,عن عبده وخليله ,إبراهيم عليه السالم ,املتفق ىلع ري}ٍ ص ِ ن َل و يل ِ و ن م
ِ اَّلل
ِ ن م
ِ ك ل ا م م
ِ لعِ ال ن م
ِ ك اءج ي اَّل
ِ بعد
إمامته وجالتله ,اَّلي لك من طوائف أهل الكتاب تدعيه ,بل
فهذا فيه انليه العظيم ,عن اتباع أهواء ايلهود وانلصارى,
وكذلك املرشكون :أن اهلل ابتاله وامتحنه بكلمات ,أي:
والتشبه بهم فيما خيتص به دينهم ،واخلطاب وإن اكن لرسول
بأوامر ونوايه ,كما يه اعدة اهلل يف ابتالئه لعباده ,يلتبني
اهلل صىل اهلل عليه وسلم فإن أمته داخلة يف ذلك ،ألن اَلعتبار
الاكذب اَّلي َل يثبت عند اَلبتالء ,واَلمتحان من الصادق,
بعموم املعىن َل خبصوص املخاطب ،كما أن العربة بعموم
اَّلي ترتفع درجته ,ويزيد قدره ,ويزكو عمله ,وخيلص ذهبه،
ِّ اللفظَ ,ل خبصوص السبب.
واكن من أجلهم يف هذا املقام ,اخلليل عليه السالم.
37
َمً
وَل يقضون منه وطرا{ ،و} جعله {أمنا} يأمن به لك أحد ,حىت فأتم ما ابتاله اهلل به ,وأكمله ووفاه ,فشكر اهلل هل ذلك ,ولم
ِّ َ ُ َ ه
لناس إ َم ً
الوحش ,وحىت اجلمادات اكألشجار. اما} أي :يقتدون يزل اهلل شكورا فقالِ { :إين جا ِعلك ل ِ ِ ِ
بك يف اهلدى ,ويمشون خلفك إىل سعادتهم األبدية ,وحيصل
وهلذا اكنوا يف اجلاهلية -ىلع رشكهم -حيرتمونه أشد اَلحرتام,
لك اثلناء ادلائم ,واألجر اجلزيل ,واتلعظيم من لك أحد.
وجيد أحدهم قاتل أبيه يف اْلرم ,فال يهيجه ،فلما جاء
اإلسالم ,زاده حرمة وتعظيما ,وترشيفا وتكريما. وهذه -لعمر اهلل -أفضل درجة ,تنافس فيها املتنافسون ,وأىلع
ًّ ه
اخت ُذوا ِم من َم َقامِ إبم َراه َ مقام ,شمر إيله العاملون ,وأكمل حالة حصلها أولو العزم من
يم ُم َصىل} حيتمل أن يكون املراد ِ ِ { َو ِ
املرسلني وأتباعهم ,من لك صديق متبع هلم ,داع إىل اهلل وإىل
بذلك ,املقام املعروف اَّلي قد جعل اآلن ,مقابل باب الكعبة،
سبيله.
وأن املراد بهذا ,ركعتا الطواف ,يستحب أن تكونا خلف
مقام إبراهيم ,وعليه مجهور املفرسين ،وحيتمل أن يكون فلما اغتبط إبراهيم بهذا املقام ,وأدرك هذا ,طلب ذلك َّلريته,
املقام مفردا مضافا ,فيعم مجيع مقامات إبراهيم يف اْلج ،ويه تلعلو درجته ودرجة ذريته ،وهذا أيضا من إمامته ,ونصحه
املشاعر لكها :من الطواف ,والسيع ,والوقوف بعرفة ,ومزدلفة لعباد اهلل ,وحمبته أن يكرث فيهم املرشدون ،فلله عظمة هذه
وريم اجلمار وانلحر ,وغري ذلك من أفعال اْلج. اهلمم العايلة ,واملقامات السامية.
ًّ
فيكون معىن قوهلُ { :م َصىل} أي :معبدا ,أي :اقتدوا به يف شعائر فأجابه الرحيم اللطيف ,وأخرب باملانع من نيل هذا املقام فقال:
ه
الظالم َ َ ََ ُ َ م
اْلج ،ولعل هذا املعىن أوىل ,دلخول املعىن األول فيه ,واحتمال ني} أيَ :ل ينال اإلمامة يف ادلين ,من ِِ {َل ينال عه ِدي
اللفظ هل. ظلم نفسه ورضها ,وحط قدرها ,ملنافاة الظلم هلذا املقام ,فإنه
َ { َو َعه مدنَا إ َىل إبم َراه َ مقام آتله الصرب وايلقني ،ونتيجته أن يكون صاحبه ىلع
يم َو ِإ مس َما ِعيل} أي :أوحينا إيلهما ,وأمرناهما ِ ِ ِ ِ
جانب عظيم من اإليمان واألعمال الصاْلة ,واألخالق
بتطهري بيت اهلل من الرشك ,والكفر واملعايص ,ومن الرجس
ني} فيه { َوالم َعاكف َ
لطائف َه اجلميلة ,والشمائل السديدة ,واملحبة اتلامة ,واخلشية واإلنابة،
ني ِِ وانلجاسات واألقذار ,يلكون {ل ِ ِ ِ
الر هكع ُّ
الس ُ َو ُّ فأين الظلم وهذا املقام؟
جو ِد} أي :املصلني ،قدم الطوافَ ,لختصاصه ِ
باملسجد [اْلرام] ،ثم اَلعتاكف ,ألن من رشطه املسجد ودل مفهوم اآلية ,أن غري الظالم ,سينال اإلمامة ,ولكن مع
مطلقا ،ثم الصالة ,مع أنها أفضل ,هلذا املعىن. إتيانه بأسبابها.
وأضاف ابلاري ابليت إيله لفوائد ،منها :أن ذلك يقتيض شدة ثم ذكر تعاىل ,نموذجا باقيا داَل ىلع إمامة إبراهيم ,وهو هذا
اهتمام إبراهيم وإسماعيل بتطهريه ,لكونه بيت اهلل ،فيبذَلن ابليت اْلرام اَّلي جعل قصده ,ركنا من أراكن اإلسالم ,حاطا
جهدهما ,ويستفراغن وسعهما يف ذلك. لذلنوب واآلثام.
ومنها :أن اإلضافة تقتيض الترشيف واإلكرام ،فيف ضمنها أمر وفيه من آثار اخلليل وذريته ,ما عرف به إمامته ,وتذكرت به
َ م َ َ مَ مَم َ َ َ ًَ ه
عباده بتعظيمه وتكريمه. اس} أي :مرجعا ابليت مثابة لِلن ِ حاتله فقال{ :و ِإذ جعلنا
يثوبون إيلهْ ,لصول منافعهم ادلينية وادلنيوية ,يرتددون إيله,
ومنها :أن هذه اإلضافة يه السبب اجلاذب للقلوب إيله.
38
َ م َ َ م َ ُ َ ِّ م َ م َ َ َ َ ً ً َ م ُ م َ م َ ُ
من ذلك وهو ادلين لكه ,والعبادات لكها ,كما يدل عليه عموم {{ }126و ِإذ قال إِبرا ِهيم رب اجعل هذا بدلا آ ِمنا وارزق أهله
ََ َ َ م َ م َ َ مُ م ه م
اللفظ ,ألن النسك :اتلعبد ,ولكن غلب ىلع متعبدات اْلج, اَّلل َوايلَ مومِ اآل ِخ ِر قال َو َم من كف َر
ات من آمن ِمنهم بِ ِ
َ هََ
ِمن اثلمر ِ
انلار َوبئم َس ال م َمص ُ
ه َ ُ َ ِّ ُ ُ َ ً ُ ه َ م َ ُّ ُ َ َ َ
تغليبا عرفيا ،فيكون حاصل داعئهما ,يرجع إىل اتلوفيق للعلم ري} ِ ِ ِ اب فأمتعه ق ِليال ثم أضطره ِإىل ع ِ
ذ
انلافع ,والعمل الصالح ،وملا اكن العبد -مهما اكن َ -ل بد أن
ك أَنم َ
ت
َُ م َ َمَ ه َ
يعرتيه اتلقصري ,وحيتاج إىل اتلوبة قاَل{ :وتب علينا ِإن
أي :وإذ داع إبراهيم هلذا ابليت ,أن جيعله اهلل بدلا آمنا ,ويرزق
الر ِح ُ
اب هاتل هو ُ
ه أهله من أنواع اثلمرات ،ثم قيد عليه السالم هذا ادلاعء
يم}
للمؤمنني ,تأدبا مع اهلل ,إذ اكن داعؤه األول ,فيه اإلطالق,
ً م َهَ َ مَ م
يه مم} أي :يف ذريتنا { َر ُسوَل ِمن ُه مم} يلكون أرفع
{ربنا وابعث ِف ِ فجاء اجلواب فيه مقيدا بغري الظالم.
َمُ َ
دلرجتهما ,ويلنقادوا هل ,ويلعرفوه حقيقة املعرفة{ .يتلو َعليم ِه مم
َ ُ َ ِّ ُ ُ ُ م َ َ َ م م َ َ َ فلما داع هلم بالرزق ,وقيده باملؤمن ,واكن رزق اهلل شامال
اْلك َمة} كتاب و ِ آياتِك} لفظا ,وحفظا ,وحتفيظا {ويعلمهم ال ِ َ َ
للمؤمن والاكفر ,والعايص والطائع ,قال تعاىلَ { :و َم من كف َر}
معىن.
أي :أرزقهم لكهم ,مسلمهم واكفرهم ،أما املسلم فيستعني
َ ُ َ ِّ
يه مم} بالرتبية ىلع األعمال الصاْلة واتلربي من األعمال {ويزك ِ بالرزق ىلع عبادة اهلل ,ثم ينتقل منه إىل نعيم اجلنة ،وأما الاكفر,
يز} أي:ت الم َعز ُ ك أَنم َ
ه َ
الردية ,اليت َل تزيك انلفوس معهاِ { .إن
َ ُ َ م
فيتمتع فيها قليال {ث هم أض َط ُّر ُه} أي :أجلئه وأخرجه مكرها { ِإىل
ِ
ك ُ م انلار َوبئم َس ال م َمص ُ
ه َ َ
يم} اَّلي القاهر للك يشء ,اَّلي َل يمتنع ىلع قوته يشء{ .اْل َ ِ ري} ِ اب ِ ِ عذ ِ
يضع األشياء مواضعها ،فبعزتك وحكمتك ,ابعث فيهم هذا يم الم َق َواع َد م َن م َ م {َ { }129 - 127وإ مذ يَ مر َف ُع إبم َرا ِه ُ
ت ابلي ِ ِ ِ ِ ِ
الرسول .فاستجاب اهلل هلما ,فبعث اهلل هذا الرسول الكريم, َ م َ ُ َهَ َ َ هم ه ه َ َم َ ه ُ مَ ُ َهَ
و ِإسما ِعيل ربنا تقبل ِمنا ِإنك أنت الس ِميع الع ِليم * ربنا
اَّلي رحم اهلل به ذريتهما خاصة ,وسائر اخللق اعمة ،وهلذا قال ً َ َ َ َ ُ َ ُ ً َ م َ مَ ُ م َ م َ َ
ني لك َو ِم من ذ ِّر هيتِنا أ همة ُم مس ِل َمة لك َوأ ِرنا واجعلنا مس ِلم ِ
عليه الصالة والسالم " :أنا دعوة أيب إبراهيم " م َ َ
ك أن م َ َ
ََ َ َ َُ م َ مَ ه َ
يم * َر هبنا َو ماب َعث الر ِح ُاب ه اتل هو ُت ه اسكنا وتب علينا ِإن من ِ
م ِّ
ك َو ُي َعل ُم ُه ُم الكتَ َ َ م م َ َ َ ُ مُ م َم ً ف م َُ
وملا عظم اهلل إبراهيم هذا اتلعظيم ,وأخرب عن صفاته الاكملة اب ِ يهم رسوَل ِمنهم يتلو علي ِهم آياتِ ِ ِ
ك ُ م ت ال َعز ُم َ
ك أن م َ َ ََُ م ه َ ِّ َ م م
قال تعاىل: يم} يز اْل َ ِ ِ يهم إِناْلكمة ويزك ِ َو ِ
َ َ َ م َم َ ُ َ م ه مَ َ ه
يم إَِل َم من َس ِفه {{ }134 - 130ومن يرغب عن ِمل ِة إِبرا ِه أي :واذكر إبراهيم وإسماعيل ,يف حالة رفعهما القواعد من
ني * الصاْل َ ادل منيَا َوإنه ُه يف ماآلخ َرة لم َن ه
َ َن مف َس ُه َولَ َقد م
اص َط َفيمنَ ُاه يف ُّ ابليت األساس ,واستمرارهما ىلع هذا العمل العظيم ،وكيف
ِِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ
ه َ م
ت ل َر ِّب ال َعالم َ م م ُ َ َ َ َ َ
م َ َ َ َ ُّ ُ م م
ني * َو َوَّص بِ َها ِ ِإذ قال ُهل ربه أس ِلم قال أسلم ِ اكنت حاهلما من اخلوف والرجاء ,حىت إنهما مع هذا العمل
م َ ُ َ َ َ م ُ ُ َ َ ه ه ه َ م َ َ َ ُ ُ ِّ َ َ َ
ين فال ِإبرا ِهيم ب ِني ِه ويعقوب يا ب ِين ِإن اَّلل اصطىف لكم ادل دعوا اهلل أن يتقبل منهما عملهما ,حىت حيصل فيه انلفع
وب رض َي مع ُق َ اء إ مذ َح َ َ ون * أَ مم ُكنمتُ مم ُش َه َد َ َ ُ ُ ه ه ََمُ م ُ م ُ َ
تموتن ِإَل وأنتم مس ِلم العميم.
ِ
َ ُ َ م ُ ُ َ َ َ َ ََ م َ َم م ُ م َ َ
ال َم موت ِإذ قال ِ َبلنِي ِه َما تعبُ ُدون ِم من َبع ِدي قالوا نعبد ِإلهك و ِإهل
َم َ َ َ مَ َ َ م َ َ َ م َ َ ًَ َ ً ودعوا ألنفسهما ,وذريتهما باإلسالم ,اَّلي حقيقته ,خضوع
احدا َوحن ُن ُهل آبائِك ِإبرا ِهيم و ِإسما ِعيل و ِإسحاق ِإلها و ِ َ َ
م َ ُ م ُ َ م َ ُه ٌ َ م َ َ م ََ َ َ َ َ م َ ُ القلب ,وانقياده لربه املتضمن َلنقياد اجلوارحَ { .وأ ِرنا
ت َولك مم َما ك َسبتُ مم مس ِلمون * تِلك أمة قد خلت لها ما كسب ََ ََ
َ ُ َُ َ َ َ ُ َ م ُ َ اسكنا} أي :علمناها ىلع وجه اإلراءة واملشاهدة ,يلكون من ِ
َوَل ت مسألون ع هما اكنوا يع َملون}
أبلغ .حيتمل أن يكون املراد باملناسك :أعمال اْلج لكها ,كما
يدل عليه السياق واملقام ،وحيتمل أن يكون املراد ما هو أعم
39
ه أي :ما يرغب { َع من ِمله ِة إبم َراه َ
ومن املعلوم أنهم لم حيرضوا يعقوب ,ألنهم لم يوجدوا بعد ،فإذا يم} بعد ما عرف من فضله {إَِل ِ ِ
َ َم ُ
لم حيرضوا ,فقد أخرب اهلل عنه أنه وَّص بنيه باْلنيفيةَ ,ل َم من َس ِفه نف َسه} أي :جهلها وامتهنها ,وريض هلا بادلون ,وباعها
بايلهودية. بصفقة املغبون ،كما أنه َل أرشد وأكمل ,ممن رغب يف ملة
ََ
ك أُ هم ٌة قَ مد َخلَ م
ت} أي :مضت {ل َ َها َما َك َسبَ م م َ إبراهيم ،ثم أخرب عن حاتله يف ادلنيا واآلخرة فقالَ { :ولق ِد
ت ثم قال تعاىل{ :تِل ُّ م م َ َ
َ م َ ُ ادلنيَا} أي :اخرتناه ووفقناه لألعمال ,اليت صار اص َطفيمن ُاه ِيف
َولك مم َما ك َسبتُ مم} أي :لك هل عمله ,ولك سيجازى بما فعله,
بها من املصطفني األخيار.
َل يؤخذ أحد بذنب أحد وَل ينفع أحدا إَل إيمانه وتقواه
فاشتغالكم بهم واداعؤكم ,أنكم ىلع ملتهم ,والرضا بمجرد ني} اَّلين هلم أىلع ادلرجات. { َوإنه ُه يف ماآلخ َرة لَم َن ه
الصاْل َ
ِِ ِ ِ ِ ِ ِ
القول ,أمر فارغ َل حقيقة هل ،بل الواجب عليكم ,أن تنظروا َم َم ُ
ت ل َر ِّب الم َعالَم َ م َ َ َ َ ُّ ُ َ م م َ َ
ني} ِ {إِذ قال ُهل ربه أس ِلم قال} امتثاَل لربه {أسلم ِ
حاتلكم اليت أنتم عليها ,هل تصلح للنجاة أم َل؟
إخالصا وتوحيدا ,وحمبة ,وإنابة فاكن اتلوحيد هلل نعته.
ََ ُ ُ ُ ُ ً َم َ َ َ َمَُ ُم َم هَ
{{ }135وقالوا كونوا هودا أو نصارى تهتدوا قل بل ِملة
يفا َو َما َاك َن م َن ال م ُم مرشك َ
مَ َ َ ً ثم ورثه يف ذريته ,ووصاهم به ,وجعلها لكمة باقية يف عقبه,
ني} ِِ ِ إِبرا ِهيم ح ِن
وتوارثت فيهم ,حىت وصلت يلعقوب فوَّص بها بنيه.
أي :داع لك من ايلهود وانلصارى املسلمني إىل ادلخول يف
فأنتم -يا بين يعقوب -قد وصاكم أبوكم باخلصوص ,فيجب
دينهم ,زاعمني أنهم هم املهتدون وغريهم ضال. َ َ ه ه
ين ِإن
عليكم كمال اَلنقياد ,واتباع خاتم األنبياء قال{ :يا ب ِ
ً قل هل جميبا جوابا شافيا{ :بَ مل} نتبع { ِمله َة إبم َراه َ
يم َح ِنيفا} أي: ين} أي :اختاره وختريه لكم ,رْحة
هَ م َ َ َ ُ
ك ُم ِّ
ادل َ اَّلل اصطىف ل
ِ ِ
مقبال ىلع اهلل ,معرضا عما سواه ,قائما باتلوحيد ,تاراك للرشك بكم ,وإحسانا إيلكم ,فقوموا به ,واتصفوا برشائعه,
واتلنديد. وانصبغوا بأخالقه ,حىت تستمروا ىلع ذلك فال يأتيكم املوت
إَل وأنتم عليه ,ألن من اعش ىلع يشء ,مات عليه ,ومن مات
فهذا اَّلي يف اتباعه اهلداية ,ويف اإلعراض عن ملته الكفر
ىلع يشء ,بعث عليه.
والغواية.
40
تضمنه ذلك من األحاكم الرشعية األمرية ,وأحاكم اجلزاء وغري ذكر ،وكذلك اإلسالم ,إذا أطلق دخل فيه اإليمان ،فإذا قرن
ذلك. بينهما ,اكن اإليمان اسما ملا يف القلب من اإلقرار واتلصديق،
يم} إىل آخر اآلية ،فيه اإليمان جبميع{ َو َما أُنمز َل إ َىل إبم َراه َ واإلسالم ,اسما لألعمال الظاهرة وكذلك إذا مجع بني اإليمان
ِ ِ ِ ِ ُ ُ
واألعمال الصاْلة ،فقوهل تعاىل{ :قولوا} أي :بألسنتكم,
الكتب املزنلة ىلع مجيع األنبياء ،واإليمان باألنبياء عموما
متواطئة عليها قلوبكم ،وهذا هو القول اتلام ,املرتتب عليه
وخصوصا ,ما نص عليه يف اآلية ,لرشفهم وإلتيانهم بالرشائع
اثلواب واجلزاء ،فكما أن انلطق باللسان ,بدون اعتقاد القلب,
الكبار .فالواجب يف اإليمان باألنبياء والكتب ,أن يؤمن بهم
نفاق وكفر ،فالقول اخلايل من العمل عمل القلب ,عديم
ىلع وجه العموم والشمول ،ثم ما عرف منهم باتلفصيل ,وجب
اتلأثري ,قليل الفائدة ,وإن اكن العبد يؤجر عليه ,إذا اكن خريا
اإليمان به مفصال.
ومعه أصل اإليمان ،لكن فرق بني القول املجرد ,واملقرتن به
م َ ُ َ ِّ ُ َ م َ َ
ني أ َح ٍد ِمن ُه مم} أي :بل نؤمن بهم لكهم ،هذه وقوهلَ{ :ل نفرق ب عمل القلب.
خاصية املسلمني ,اليت انفردوا بها عن لك من يديع أنه ىلع ُ ُ
ويف قوهل{ :قولوا} إشارة إىل اإلعالن بالعقيدة ,والصدع بها,
دين.
وادلعوة هلا ,إذ يه أصل ادلين وأساسه.
فايلهود وانلصارى والصابئون وغريهم -وإن زعموا أنهم َه
آمنا} وحنوه مما فيه صدور الفعل ,منسوبا إىل مجيع ويف قوهل{ :
يؤمنون بما يؤمنون به من الرسل والكتب -فإنهم يكفرون
األمة ,إشارة إىل أنه جيب ىلع األمة ,اَلعتصام ِببل اهلل مجيعا,
بغريه ،فيفرقون بني الرسل والكتب ,بعضها يؤمنون به وبعضها
واْلث ىلع اَلئتالف حىت يكون داعيهم واحدا ,وعملهم
يكفرون به ،وينقض تكذيبهم تصديقهم ،فإن الرسول اَّلي
متحدا ,ويف ضمنه انليه عن اَلفرتاق ،وفيه :أن املؤمنني
زعموا ,أنهم قد آمنوا به ,قد صدق سائر الرسل وخصوصا حممد
اكجلسد الواحد.
صىل اهلل عليه وسلم ،فإذا كذبوا حممدا ,فقد كذبوا رسوهلم
ُ ُ َه ه
فيما أخربهم به ,فيكون كفرا برسوهلم. اَّلل} إلخ دَللة ىلع جواز إضافة اإلنسان
ويف قوهل{ :قولوا آمنا بِ ِ
ََ ُ َ ه َ إىل نفسه اإليمان ,ىلع وجه اتلقييد ,بل ىلع وجوب ذلك،
انل ِب ُّيون ِم من َر ِّب ِه مم} دَللة ىلع أن عطية وِت
ويف قوهل{ :وما أ ِ
خبالف قوهل" :أنا مؤمن" وحنوه ,فإنه َل يقال إَل مقرونا
ادلين ,يه العطية اْلقيقية املتصلة بالسعادة ادلنيوية
باَلستثناء باملشيئة ,ملا فيه من تزكية انلفس ,والشهادة ىلع
واألخروية .لم يأمرنا أن نؤمن بما أوِت األنبياء من امللك واملال
نفسه باإليمان.
وحنو ذلك ،بل أمرنا أن نؤمن بما أعطوا من الكتب والرشائع.
َه ه
اَّلل} أي :بأنه موجود ,واحد أحد ,متصف بكل
فقوهل{ :آمنا بِ ِ
وفيه أن األنبياء مبلغون عن اهلل ,ووسائط بني اهلل وبني خلقه
صفة كمال ,مزنه عن لك نقص وعيب ,مستحق إلفراده
يف تبليغ دينه ,ليس هلم من األمر يشء.
بالعبادة لكها ,وعدم اإلرشاك به يف يشء منها ,بوجه من الوجوه.
ويف قوهلِ { :م من َر ِّب ِه مم} إشارة إىل أنه من كمال ربوبيته لعباده, { َو َما أُنمز َل إ َيلمنَا} يشمل القرآن والسنة لقوهل تعاىلَ { :وأَنم َز َل ه ُ
اَّلل ِ ِ
أن يزنل عليهم الكتب ,ويرسل إيلهم الرسل ,فال تقتيض َ َم َ م َ َ َ م م َ َ
اْلكمة} فيدخل فيه اإليمان بما تضمنه كتاب و ِ عليك ال ِ
ربوبيته ,تركهم سدى وَل همال.
كتاب اهلل وسنة رسوهل ,من صفات ابلاري ,وصفات رسله,
وايلوم اآلخر ,والغيوب املاضية واملستقبلة ,واإليمان بما
41
والقرآن ,وأسلموا هلل وحده ,ولم يفرقوا بني أحد من رسل اهلل وإذا اكن ما أوِت انلبيون ,إنما هو من ربهم ,ففيه الفرق بني
ََ م َ
{فق ِد اهتَد موا} للِّصاط املستقيم ,املوصل جلنات انلعيم ،أي: األنبياء وبني من يديع انلبوة ,وأنه حيصل الفرق بينهم بمجرد
فال سبيل هلم إىل اهلداية ,إَل بهذا اإليمانَ ،ل كما زعموا معرفة ما يدعون إيله ،فالرسل َل يدعون إَل إىل خلري ,وَل
بقوهلم " :كونوا هودا أو نصارى تهتدوا " فزعموا أن اهلداية ينهون إَل عن لك رش ،ولك واحد منهم ,يصدق اآلخر ,ويشهد
َ
خاصة بما اكنوا عليه ،و " اهلدى " هو العلم باْلق ,والعمل به, هل باْلق ,من غري ختالف وَل تناقض لكونه من عند ربهم { َول مو
وضده الضالل عن العلم والضالل عن العمل بعد العلم ,وهو اخت َالفًا َكث ً
ريا}
م َاك َن م من عنمد َغ مري ه َ َ َ ُ
ِ اَّلل لوجدوا ِفي ِه ِ
ِ ِ ِ ِ ِ
الشقاق اَّلي اكنوا عليه ,ملا تولوا وأعرضوا ،فاملشاق :هو اَّلي
وهذا خبالف من ادىع انلبوة ,فال بد أن يتناقضوا يف أخبارهم
يكون يف شق واهلل ورسوهل يف شق ،ويلزم من املشاقة املحادة,
وأوامرهم ونواهيهم ,كما يعلم ذلك من سرب أحوال اجلميع,
والعداوة ابلليغة ,اليت من لوازمها ,بذل ما يقدرون عليه من
وعرف ما يدعون إيله.
أذية الرسول ،فلهذا وعد اهلل رسوهل ,أن يكفيه إياهم ,ألنه
السميع جلميع األصوات ,باختالف اللغات ,ىلع تفنن بني تعاىل مجيع ما يؤمن به ,عموما وخصوصا ,واكن القول فلما ه
َ َم َ
اْلاجات ,العليم بما بني أيديهم وما خلفهم ,بالغيب والشهادة, َل يغين عن العمل قالَ { :وحن ُن ُهل ُم مس ِل ُمون} أي :خاضعون
بالظواهر وابلواطن ،فإذا اكن كذلك ,كفاك اهلل رشهم. لعظمته ,منقادون لعبادته ,بباطننا وظاهرنا ,خملصون هل
َ
العبادة بديلل تقديم املعمول ,وهو { ُهل} ىلع العامل وهو
وقد أجنز اهلل لرسوهل وعده ,وسلطه عليهم حىت قتل بعضهم, َ
{ ُم مس ِل ُمون}
وسىب بعضهم ,وأجىل بعضهم ,ورشدهم لك مرشد.
فقد اشتملت هذه اآلية الكريمة -ىلع إجيازها واختصارها -
ففيه معجزة من معجزات القرآن ,وهو اإلخبار باليشء قبل
ىلع أنواع اتلوحيد اثلالثة :توحيد الربوبية ,وتوحيد األلوهية,
وقوعه ,فوقع طبق ما أخرب.
وتوحيد األسماء والصفات ،واشتملت ىلع اإليمان جبميع
َ ً َم َ مََ ه ََ م َ م َ ُ َ ه
اَّلل ِصبمغة َوحن ُن ُهل
اَّلل ومن أحسن ِمن ِ
{ِ { }138صبغة ِ الرسل ,ومجيع الكتب ،وىلع اتلخصيص ادلال ىلع الفضل بعد
َ
َاعبِ ُدون} اتلعميم ،وىلع اتلصديق بالقلب واللسان واجلوارح
واإلخالص هلل يف ذلك ،وىلع الفرق بني الرسل الصادقني ,ومن
أي :الزموا صبغة اهلل ,وهو دينه ,وقوموا به قياما تاما ,جبميع
ادىع انلبوة من الاكذبني ،وىلع تعليم ابلاري عباده ,كيف
أعماهل الظاهرة وابلاطنة ,ومجيع عقائده يف مجيع األوقات ,حىت
يقولون ,ورْحته وإحسانه عليهم بانلعم ادلينية املتصلة بسعادة
يكون لكم صبغة ,وصفة من صفاتكم ،فإذا اكن صفة من
ادلنيا واآلخرة ،فسبحان من جعل كتابه تبيانا للك يشء,
صفاتكم ,أوجب ذلك لكم اَلنقياد ألوامره ,طواع واختيارا
وهدى ورْحة لقوم يؤمنون.
وحمبة ,وصار ادلين طبيعة لكم بمزنلة الصبغ اتلام للثوب
م َ ه ََ م َ م َ َم {{ }137فَإ من َ
اَّلي صار هل صفة ,فحصلت لكم السعادة ادلنيوية آمنتُ مم بِ ِه فق ِد اهتَد موا َو ِإن ت َول موا آمنُوا بِ ِمث ِل ما ِ
َ م ُ ه َ ُ ُ ه ُ َ م
فَإ هن َما ُه مم يف شقاق فسيكفيكه ُم اَّلل َوهو السميع العل ُ
َ َ َ َ
واألخرويةْ ,لث ادلين ىلع ماكرم األخالق ,وحماسن األعمال, يم} ِ ِ ِ ِ ِ ٍ ِ
ومعايل األمور ،فلهذا قال -ىلع سبيل اتلعجب املتقرر للعقول
ًَ ََ م َ م َ ُ َ ه أي :فإن آمن أهل الكتاب {بمثل ما آمنتم به} -يا معرش
اَّلل ِصبمغة} أيَ :ل أحسن صبغة من
الزكية{ :-ومن أحسن ِمن ِ
املؤمنني -من مجيع الرسل ,ومجيع الكتب ,اَّلين أول من دخل
صبغته
فيهم ,وأوىل خاتمهم وأفضلهم حممد صىل اهلل عليه وسلم
42
وإبطال قول خصمه ،فلك واحد منهما ,جيتهد يف إقامة اْلجة وإذا أردت أن تعرف نموذجا يبني لك الفرق بني صبغة اهلل
ىلع ذلك ،واملطلوب منها ,أن تكون باليت يه أحسن ,بأقرب وبني غريها من الصبغ ,فقس اليشء بضده ،فكيف ترى يف
طريق يرد الضال إىل اْلق ,ويقيم اْلجة ىلع املعاند ,ويوضح عبد آمن بربه إيمانا صحيحا ,أثر معه خضوع القلب وانقياد
اْلق ,ويبني ابلاطل ،فإن خرجت عن هذه األمور ,اكنت مماراة, اجلوارح ،فلم يزل يتحىل بكل وصف حسن ,وفعل مجيل,
وخماصمة َل خري فيها, وخلق اكمل ,ونعت جليل ،ويتخىل من لك وصف قبيح ,ورذيلة
وعيب ،فوصفه :الصدق يف قوهل وفعله ,والصرب واْللم ,والعفة,
وأحدثت من الرش ما أحدثت ،فاكن أهل الكتاب ,يزعمون
والشجاعة ,واإلحسان القويل والفعيل ,وحمبة اهلل وخشيته,
أنهم أوىل باهلل من املسلمني ,وهذا جمرد دعوى ,تفتقر إىل
وخوفه ,ورجاؤه ،فحاهل اإلخالص للمعبود ,واإلحسان لعبيده،
برهان وديلل .فإذا اكن رب اجلميع واحدا ,ليس ربا لكم
فقسه بعبد كفر بربه ,ورشد عنه ,وأقبل ىلع غريه من
دوننا ,ولك منا ومنكم هل عمله ,فاستوينا حنن وإياكم بذلك.
املخلوقني فاتصف بالصفات القبيحة ,من الكفر ,والرشك
فهذا َل يوجب أن يكون أحد الفريقني أوىل باهلل من غريه؛
والكذب ,واخليانة ,واملكر ,واخلداع ,وعدم العفة ,واإلساءة إىل
ألن اتلفريق مع اَلشرتاك يف اليشء ,من غري فرق مؤثر ,دعوى
اخللق ,يف أقواهل ,وأفعاهل ،فال إخالص للمعبود ,وَل إحسان إىل
باطلة ,وتفريق بني متماثلني ,وماكبرة ظاهرة .وإنما حيصل
عبيده.
اتلفضيل ,بإخالص األعمال الصاْلة هلل وحده ،وهذه اْلالة,
وصف املؤمنني وحدهم ,فتعني أنهم أوىل باهلل من غريهم؛ ألن فإنه يظهر لك الفرق العظيم بينهما ,ويتبني لك أنه َل أحسن
اإلخالص ,هو الطريق إىل اخلالص ،فهذا هو الفرق بني أويلاء صبغة من صبغة اهلل ,ويف ضمنه أنه َل أقبح صبغة ممن انصبغ
الرْحن وأويلاء الشيطان ,باألوصاف اْلقيقية اليت يسلمها أهل بغري دينه.
العقول ,وَل ينازع فيها إَل لك ماكبر جهول ،فيف هذه اآلية, َ َم َ
ويف قوهلَ { :وحن ُن ُهل َاعبِ ُدون} بيان هلذه الصبغة ,ويه القيام
إرشاد لطيف لطريق املحاجة ,وأن األمور مبنية ىلع اجلمع بني
بهذين األصلني :اإلخالص واملتابعة ,ألن " العبادة " اسم جامع
املتماثلني ,والفرق بني املختلفني.
للك ما حيبه اهلل ويرضاه من األعمال ,واألقوال الظاهرة
َم َُ ُ َ ه مَ َ َ م َ َ َ م َ َ
اق َو َي مع ُقوبَ {{ }140أم تقولون إِن إِبرا ِهيم و ِإسما ِعيل و ِإسح وابلاطنة ،وَل تكون كذلك ,حىت يرشعها اهلل ىلع لسان
ارى قُ مل أَأَ منتُ مم أَ معلَ ُم أمِ ه ُ
اَّلل َو َم من
َ ودا أَ مو نَ َص َ
َ مَم َ َ َ ُ ُ ً
واألسباط اكنوا ه رسوهل ،واإلخالص :أن يقصد العبد وجه اهلل وحده ,يف تلك
َ َم َُ ه م َََ َ َ ًَ مَُ َ ه َ َ هُ َ
اَّلل بِغا ِف ٍل ع هما اَّلل وما أظلم ِممن كتم شهادة ِعنده ِمن ِ األعمال ،فتقديم املعمول ,يؤذن باْلِّص.
َم ُ َ
تع َملون} َ َم َ
وقالَ { :وحن ُن ُهل َاعبِ ُدون} فوصفهم باسم الفاعل ادلال ىلع
وهذه دعوى أخرى منهم ,وحماجة يف رسل اهلل ,زعموا أنهم أوىل اثلبوت واَلستقرار ,يلدل ىلع اتصافهم بذلك وكونه صار
بهؤَلء الرسل املذكورين من املسلمني. صبغة هلم مالزما.
َ َ
اَّلل} فاهلل يقولَ { :ما اكن فرد اهلل عليهم بقوهل{ :أَأَ منتُ مم أَ معلَ ُم أَمِ ه ُ ُ َ َ م ُ َ ه ُ
اَّلل َوه َو َر ُّبنا َو َر ُّبك مم َونلَا أع َمانلَا
ُ م َ ُ َ ُّ َ َ
{{ }139قل أحتاجوننا ِيف ِ
َ َ ً َ َ م َ ُ َ ُ ًّ َ َ َ م َ ًّ َ َ َ َ ُ َ م ُ ُ َم َ ُم
ك من اكن َح ِنيفا ُم مس ِل ًما َو َما اكن ِإبرا ِهيم يهو ِديا وَل نِّصا ِنيا ول ِ َولك مم أع َمالك مم َوحن ُن ُهل خم ِل ُصون}
ني} وهم يقولون :بل اكن يهوديا أو نِّصانيا. م َن ال م ُم مرشك َ
ِِ ِ
املحاجة يه :املجادلة بني اثنني فأكرث ,تتعلق باملسائل
اخلالفية ,حىت يكون لك من اخلصمني يريد نِّصة قوهل,
43
فإما أن يكونوا ,هم الصادقني العاملني ,أو يكون اهلل تعاىل
هو الصادق العالم بذلك ,فأحد األمرين متعني َل حمالة،
وصورة اجلواب مبهم ,وهو يف اغية الوضوح وابليان ،حىت إنه -
من وضوحه -لم حيتج أن يقول بل اهلل أعلم وهو أصدق ,وحنو
ذلكَ ,لجنالئه للك أحد ،كما إذا قيل :الليل أنور ,أم انلهار؟
وانلار أحر أم املاء؟ والرشك أحسن أم اتلوحيد؟ وحنو ذلك.
م َ ُه ٌ َ م َ َ م ََ َ َ َ َ م َ ُ
ت َولك مم { }141ثم قال تعاىل{ :تِلك أمة قد خلت لها ما كسب
َ م َ ُ َُ َ َ َ ُ َ م ُ َ
َما ك َسبتُ مم َوَل ت مسألون ع هما اكنوا يع َملون}
44