Professional Documents
Culture Documents
بحث عن ايرادات الدولة
بحث عن ايرادات الدولة
تعتبر الحكومة وحدة اقتصادية متكاملة مهمة ،تحتاج إلى أرصدة مالية لتمويل نشاطها العام .وهذه األرصدة
المالية هي ما يعبر عنه باإليرادات العامة .وفي عبارة أخرى ،يمكن تعرف اإليرادات العامة بأنها الموارد
االقتصادية التي تحصل عليها الدولة ي شكل تدفقات نقدية من أجل تغطية النفقات العامة بهدف إشباع
الحاجات العامة ،وتعتبر اإليرادات العامة هي الجزء المكمل والضروري لتمويل اإلنفاق العام.
وقد تطورت دراسة اإليرادات العامة حسب تطور الفكر االقتصادي ،حيث اقتصرت دراسة اإليرادات العامة
عند االقتصاديين التقليديين على كيفية تزويد الخزانة العامة باألموال الالزمة لها من أجل تغطية اإلنفاق العام
الالزم لقيام الدولة بوظائفها األساسية .أما في المدرسة االقتصادية الحديثة ،فبجانب كون اإليرادات أداة
للحصول على األموال العامة ،إال أنها أصبحت أداة مهمة من أدوات السياسة المالية تستطيع الحكومات
بواسطتها التأثير على النشاط االقتصادي واالجتماعي .باإلضافة إلى تزايد أهمية اإليرادات العامة تبعا لزيادة
أهمية اإلنفاق العام كنتيجة ضرورية لتزايد دور الدولة في مختلف اوجه النشاط االقتصادي واالجتماعي.
تعتمد الحكومات على مصادر متعددة لإليرادات العامة ،وتختلف أهمية هذه المصادر لكل حكومة حسب
النظام االقتصادي السائد ومدى تقدم الدولة .وكذلك اختلفت أهمية هذه المصادر نتيجة للتطور التاريخي
لألنواع المختلفة من اإليرادات العامة.
هناك عدة تقسيمات لإليرادات العامة في الفكر االقتصادي .والتقسيم المتبع هنا يتضمن المصادر األساسية
لإليرادات العامة ،وتعكس الخصائص الرئيسية ألنواع اإليرادات المختلفة .وتقسم اإليرادات العامة إلى
األقسام التالية:
.1اإليرادات التجارية
.2اإليرادات اإلدارية.
.3اإليرادات الضريبية
.4القروض العامة
.5إيرادات أخرى
وفي هذا الفصل سوف نتعرض بالشرح لكل من اإليرادات التجارية واإلدارية ،منوهين عن النوع األخير ،وهو
اإليرادات األخرى نظ ار ألهمية هذه اإليرادات بالنسبة لمعظم الحكومات المعاصرة.
.1اإليرادات التجارية:
وتعكس هذه اإليرادات ما يرد إلى الخزانة العامة من النشاط التجاري للحكومة .والنشاط التجاري يرتبط
باستغالل ما تملكه الحكومة من موارد اقتصادية سواء كان ذلك عن طريق البيع أو اإليجار أو االستثمار.
أي أن اإليرادات التجارية هي تلك العوائد التي تدخل خزانة الحكومة نتيجة إدارة أموال الحكومة سواء المنقولة
أو الثابتة.
كان هذا النوع من اإليرادات هو المصدر الرئيسي لتمويل خزانة الدولة في السابق حتى ظهور الدولة الحديثة
ٍ
أرض في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر .حيث كانت الدولة في عهد اإلقطاع تعتمد على ما تملكه من
وغابات ومصائد ومناجم .تضاءلت أهمية هذا المصدر لإليرادات العامة نتيجة لظهور الدولة الحديثة .
وكذلك النتشار مبدأ الحرية االقتصادية الذي يدعو إلى حرية الفرد وكفاءته في إدارة الموارد االقتصادية ،مما
يحقق أفضل النتائج للمجتمع .لذا فإن على الحكومة ترك أكبر قدر ممكن من الموارد االقتصادية بيد
األفراد ،حتى يتمكن المجتمع من الحصول على إنتاج أكبر.
باإلضافة إلى هذا العمل االقتصادي ،هناك عامل سياسي أدى إلى تخفيض حجم أمالك الدولة ،وهو خضوع
اإليرادات العامة لرقابة السلطة التشريعية ،من أجل المحافظة على حقوق أفراد المجتمع.
إضافة إلى ما سبق ،فإن أسلوب بيع أمالك الدولة أو تصفيتها أصبح مرغوبا فيه ألنه يسهل للدولة إيرادا
سريعا يغطي نفقاتها المتزايدة دون حاجة إلى رقابة السلطة التشريعية أو زيادة أعباء أفراد المجتمع.
بدأت أهمية اإليرادات التجارية تبرز من جديد كمصدر مهم لتمويل الخزانة العامة لكثير من الحكومات
المعاصرة ،لكن كان ذلك الظهور لتلك اإليرادات قد تم في شكل جديد ينعكس في جميع أنواع المشروعات
االقتصادية التي تمتلك وتدار من قبل القطاع العام وتدر على الخزانة دخال ،مثل المؤسسات العامة
الصناعية ،والتجارية ،والعقارية ،والمالية .ويرجع السبب في تزايد أهمية هذا المورد من جديد إلى تطور دور
الدولة في النشاط االقتصادي واالجتماعي .ويمكن التعرف على بعض دوافع الحكومات المعاصرة في
توسيع نطاق الملكية العامة لديها ،وأهمها:
أ .نقص راس المال في القطاع الخاص :والحكومة في هذه الحالة تكون هي الوحدة االقتصادية الوحيدة
التي تتمكن من تقديم رأس المال الالزم لمشروعات مهمة وضرورية للمجتمع .أو على الحكومة أن تتحمل
األخطار التي تتضمنها مثل تلك المشروعات ،مثل مشروعات السكك الحديدية وانشاء محطات القوى.
وتزداد أهمية هذا الدافع في الدول المتخلفة اقتصاديا ،حيث تضعف إمكانيات القطاع الخاص ،وتقل الحوافز
فيه في مثل هذه المشروعات.
ب .أهمية المنافع الجتماعية للصناعة :إذا كانت الصناعة مهمة للمجتمع ،وآثارها الخارجية النافعة كبيرة
أو أن تكاليفها تكون متناقصة بالنسبة لحجم اإلنتاج ،فإن من مصلحة المجتمع أن تمتلك الحكومة مثل هذه
الصناعات ،لحماية األفراد من النفوذ االحتكاري ،أو تقديم الخدمات عند مستويات من األسعار المقبولة.
ج .المزايا الستراتيجية للصناعة :وذلك بأن تكون الصناعة ذات أهمية سياسية أو عسكرية تتعلق باألمن
القومي ،حيث يتطلب أمر إقامتها نوعا من السرية مثل الصناعات الحربية والتجهيزات العسكرية.
د .خدمات الرفاهية الجتماعية :قد يكون من مصلحة المجتمع امتالك الحكومات لمساحات واسعة من
الغابات والمتنزهات القومية ،بهدف المحافظة على البيئة الطبيعية وعدم تلوث الجو .وكذلك مثل مشروعات
اإلسكان.
ه .دافع اإليرادات :ويكون السبب في امتالك الحكومة للمشروعات العامة زيادة اإليرادات المالية للخزينة
العامة عن طريق ما تحققه هذه المشروعات من أرباح ،مما يؤدي إلى تخفيض عبء الضرائب على أفراد
المجتمع.
.2اإليرادات اإلدارية:
وهذه تأتي من ممارسة الدولة لوظيفتها كحكومة .واإليرادات اإلدارية تتضمن مجموعة كبيرة ومتنوعة من
اإليرادات أهمها :الرسوم ،والغرامات ،والرخص ،واإلتاوات .وعموما تؤخذ اإليرادات اإلدارية من قبل
الحكومة مقابل خدمات عامة ينتفع الفرد منها بصورة مباشرة ،فإذا لم تتوافر الخدمات العامة التي تقوم بها
الحكومة فال يكون هناك إيرادات إدارية .وغالبا ما يتحدد مقدار االقتطاعات من األفراد في حدود تكلفة
الخدمة العامة المقدمة ،أو بما يساوي المنفعة التي يستفيد منها الفرد.
وعلى هذا األساس يمكن تعريف الرسم على أنه مبلغ من المال يؤخذ من الفرد مقابل خدمة خاصة تقوم بها
الحكومة .لذا فإن الرسم يتضمن بصورة أو بأخرى الصفة االختيارية للفرد ،حيث يرتبط دفعه للرسم بإرادته
في الحصول على المنفعة .باإلضافة إلى أن الخدمات التي ينتفع منها الفرد انتفاعا مباش ار يكون لها صفة
الخدمات العامة التي يفيد منها المجتمع بأسره .إال أن المنفعة العائدة من هذه الخدمات العامة البد أن تكون
قابلة للتجزئة بين األفراد .ومن األمثلة المستخدمة كرسوم :رسوم تسجيل الزواج والوالدة ،والوفاة ،كذلك
رسوم التليفون ،وتسجيل العقارات ،ورسوم إصدار جوازات السفر.
يحدد مقدار الرسم في الغالب على أساس تكاليف الخدمة المستفاد منها .لذا فإن الرسم يعتبر مقابل المنفعة
التي يحصل عليها الفرد مت تلك الخدمة .وعلى هذا فإن الرسم يشبه إلى حد ما السعر الذي يدفعه الفرد
مقابل المنفعة الخاصة للسلعة المشتراة ،إال أنه تبقى هناك فرق بين الرسم والسعر .فالسعر يتحدد عن طريق
تفاعل قوى الطلب والعرض في السوق؛ أما الرسم فمفروض وحدد على األفراد من قبل الدولة .باإلضافة إلى
أن السعر يكون مقابل منفعة خاصة ومباشرة للسلعة المشتراة؛ أما الرسم فيكون مقابل خدمات لها نفع مباشر
لدافع الرسم باإلضافة إلى أن نفعها العام للمجتمع .زيادة على أن السعر يمكن أن يتغير مستواه حسب
ظروف السوق ،بينما يتحدد الرسم بقيمة واحدة على جميع المستفيدين دون تمييز بينهم.
ويمكن أن تحدد قيمة ارسم على أساس التكاليف الخاصة باستم اررية الوحد اإلدارية التي تقدم مثل تلك
الخدمة .ومن الناحية الواقعة ،نجد أن كثي ار من الرسوم تحدد وتعدل قيمتها بطريقة تحكمية ،دون األخذ في
االعتبار التكاليف المالية للخدمة المقدمة .وفي الغالب يعود تحديد قيمة كثير من الرسوم في بعض الدول
إلى أمور تاريخية تقوم على أساس العادة المتفق عليها في مثل هذا الشأن.
انخفضت أهمية الرسوم في معظم ميزانيات الحكومات المعاصرة ،وذلك لتوسع الدولة في تقديم الخدمات
العامة لجميع أفراد المجتمع بصورة مجانية بهدف تحقيق العدالة بين أفراد المجتمع .زيادة على ذلك فالرسوم
في كثير من األحيان ال تحقق مبدأ العدالة؛ حيث أنها تفرض على الجميع بالتساوي ،وبمبلغ مقطوع دون
التمييز بين مقدرة األفراد للدفع ،وبغض النظر عن الظروف الشخصية واالجتماعية للفرد .فنجد أن اتجاه
معظم الحكومات في الوقت الحاضر نحو زيادة اإليرادات من الضرائب والغاء كثير من الرسوم .وبالتالي
انخفض حجم اإليرادات العامة من الرسوم في معظم ميزانيات الحكومات.
ب .الرخص Licenses:وهي مبالغ نقدية تأخذها الحكومة من األفراد مقابل ما تسمح لهم باالستفادة من
القيام بنشاط معين .لذا فإن الترخيص ال يعتمد على تقديم خدمة محدودة النوع لألفراد مثل ما هو الحال في
الرسوم .مثال ذلك ،رخص المهن التجارية ،ورخصة مكاتب االستيراد والتصدير ،ورخصة الصيد ،ورخصة
قيادة السيارات بأنواعها...الخ.
لذا فإن الترخيص يتضمن السماح بمزايا أو االستفادة من القيام بنشاط ما .وهذا يعتبر من جانب معين
خدمة لذلك المستفيد .ومن هنا يمكن إيجاد الشبه بين الرسوم والرخص .وعلى الرغم من ذلك فما زالت
هناك فروق أساسية بين الرخص والرسوم ،أهمها أن الرسم يؤخذ مقابل خدمات خاصة ومحدودة أو ملموسة
تقدم لألفراد .كذلك يحدد الرسم عادة مقدما من قبل القانون ،إال أنه ال يتم اقتطاع الرسوم إال بعد إنهاء تقديم
الخدمة .باإلضافة إلى أن الترخيص يستخدم من قبل الحكومة في الغالب كأداة لتنظيم النشاطات ومراقبتها
أكثر من الرسوم .وبعبارة أخرى ،فإن الترخيص يعكس سيادة السلطة اكثر من الرسوم .زيادة على ما يتمتع
به الترخيص من خاصية معينة ،وهي أن عدم دفع المبلغ المقرر للحصول على الرخصة يجعل المنفعة التي
يحققها الفرد من النشاط تصبح غير شرعية ،ويعتب ار فرد بذلك مخالفا للقانون.
في الغالب يحدد مقدار الترخيص على أساس تكاليف إدارة وتشغيل الوحدة اإلدارية التي تعطي الرخص،
ويمكن أن يقدر مبلغ الرخصة على أساس قيمة المنفعة التي سيحصل عليها الفرد من النشاط الذي تم
ترخصيه.
ج .اإلتاوة Special Assessment:وتعرف اإلتاوة بأنها اقتطاع مالي تفرضه الدولة على بعض أفراد
المجتمع الذين يستفيدون من بعض النشاطات والمشروعات العامة .وعلى سبيل المثال :نجد أن قيمة
األراضي والعقارات تزداد نتيجة قيام الدولة بمشروعات عامة ،مثل المتنزهات العامة ،وفتح الشوارع ،وتمديد
شبكة ماء وكهرباء وتليفونات.
كذلك إذا أقامت الدولة مشروعات ري ،فإن قيمة اإلنتاجية الزراعية لألراضي المستفيدة ،وكذلك قيمتها ترتفع.
من هذا نجد أن هناك منافع قد تحققت لمالكي تلك األراضي والعقارات في صورة مكاسب رأسمالية غير
مكتسبة بجهدهم .فالدولة هنا في ظل مفهوم اإلتاوة تأخذ جزءا من هذه المكاسب من أجل تغطية تكاليف
تلك المشروعات العامة التي أسهمت في تحقيق تلك المكاسب .أو أن الدولة تأخر اإلتاوة من أصحاب
األمالك المستفيدين مشاركة منها لألرباح المتحققة التي تعتبر الدولة هي السبب الرئيسي في وجود تلك
األرباح .ويحدد مقدار اإلتاوة بمقدار تكلفة التحسينات التي تمت في ملكية األفراد .ومن الناحية النظرية فإن
مقدار اإلتاوة يجب أال يزيد على قيمة هذه التحسينات إال أنه من الناحية العملية ال يراعي هذا القيد باستمرار.
يالحظ أن هناك تشابها بين الرسوم واإلتاوة ،حيث أن كليهما مبالغ نقدية تدفع إلى الدولة مقابل منفعة خاصة
يحققها المستفيد من الخدمة العامة .إال أنه ما زال بين الرسوم واإلتاوة فروق واضحة تميز كال منهما عن
اآلخر .أهم هذه الفروق هو أن اإلتاوة تقتصر على فئة معينة من الناس ،وبصفة خاصة مالك العقارات ،في
حين أن الرسوم ال تقتصر على فئة دون أخرى .باإلضافة غلى ان عنصر اإلجبار في اإلتاوة أكثر وضوحا
منه في الرسوم ،حيث ال خيار ألصحاب العقارات التي ترتفع قيمة عقاراتهم من دفع اإلتاوة .زيادة على أن
حصيلة اإلتاوة في معظم األحيان تكون أقل من تكلفة المشروع ،بينما حصيلة الرسوم في الغالب تغطي تكلفة
الخدمة العامة.
وعلى الرغم من قدم هذا النوع من اإليرادات في معظم ميزانيات الدولة في الماضي ،إال أنه لم يجد االهتمام
الكافي به .وكان لوجود الميزانيات المستقلة للبلديات والحكومات المحلية في كثير من الدول أثر في زيادة
االهتمام بهذا المصدر من اإليرادات .إذ أصبحت اإليرادات العامة لهذه الميزانيات من اإلتاوة تمول جزءا
كبي ار من تكاليف التحسينات التي تقوم بها الدوائر العامة في البلديات والمحليات وخاصة عند نمو المدن
وتوسعها .وكان لزيادة استخدام اإلتاوة كمصدر لإليرادات العامة في هذا المجال عدة أسباب ،منها أن اإلتاوة
أكثر األدوات المالية عدالة في هذا المجال ،حيث توزع تكاليف التحسينات العامة على المستفيدين منها
بطريقة مباشرة ،ويكون النفع واضحا امامهم .باإلضافة إلى أن استخدام اإلتاوة يؤدي إلى تخفيض عبء
الضرائب العامة وقيود الدين العام .زيادة على أن فرض اإلتاوة يتغلب على مشكلة إعفاء الممتلكات العقارية
من الضريبة العامة.
د .الغرامات Fines:هي مبالغ نقدية تفرض على األفراد المخالفين للقانون وذلك عقوبة لهم .والهدف من
الغرامات يكون من أجل تطبيق سيادة القانون .مثال ذلك الغرامات التي تفرضها الماكم لمخالفات المرور.
لذا فإن الغرامة تعتبر مدفوعات إجبارية ال تعود بنفع مباشر على الدافع .ويحدد القانون مبالغ الغرامات على
المخالفين ،ويعتمد مقدار الغرامة على مدى درجة المخالفة واالعتداء دون النظر إلى مقدرة الفرد الذي يرتكب
المخالفة على الدفع.
نالحظ أن من طبيعة الغرامات والهدف الذي تسعى لتحقيقه أنه ال يمكن أن تكون مصد ار مهما ومباش ار
لإليرادات العامة .حيث أن الغرامة تعتبر أداة تنظيمية من أجل تحقيق العدالة واألمن بين أفراد المجتمع.
فتعتبر الغرامات بالنسبة لإليرادات العامة أم ار استثنائيا.
نالحظ مما سبق أن اإليرادات العامة تكون بصفة عامة (باستثناء الغرامات) مقابل خدمات عامة تقوم بها
الدولة ألفراد المجتمع .باإلضافة إلى وضوح المنفعة الخاصة في هذه الخدمات ،مع عدم اإلقالل من وجود
نفع عام في هذه الخدمات يشمل مصلحة المجتمع كله .وبعبارة أخرى تكون المنافع االجتماعية في مثل هذه
الخدمات أكبر بكثير من المنافع الخاصة التي يتلقاها األفراد الملتزمون بدفع هذه اإليرادات .وذلك نتيجة
لوجود اآلثار الخارجية النافعة لمثل هذه الخدمات.
وعلى الرغم من تنوع أشكال اإليرادات اإلدارية في معظم ميزانيات الدولة إال أنها مازالت تشكل نسبة قليلة من
اإليرادات العامة .وال تعتمد الحكومات على مثل هذا النوع من اإليرادات لعدم المرونة في استخدامها كأداة
في السياسات المالية التي تسعى لتحقيق األهداف االقتصادية واالجتماعية للحكومة .لذا نجد أن االتجاه
نحو زيادة االعتماد على اإليرادات الضريبية والقروض العامة.
وبعض الحكومات تلجأ أحيانا ألسلوب اإلصدار النقدي لتحقيق مصدر لإليرادات العامة ،حيث أن تكلفة هذه
العملية أقل بكثير من القيمة األسمية للنقد الصادر .وهذه من الوسائل اإلجبارية التي تلجأ إليها بعض
الحكومات ،حيث ال يكون أمام أفراد المجتمع االختيار في استعمال النقد الرسمي .إال أن لهذا األسلوب
قيودا وعقبات يمكن دراستها بتفصيل أكبر في مجال دراسة السياسة النقدية.
.3اإليرادات الضريبية:
يعتبر هذا النوع من اإليرادات من أهم مصادر اإليرادات العامة للدولة ي العصر الحديث .وال ترجع أهمية
هذا المصدر لكبر حجمه المطلق والنسبي إذا ما قورن بغيره من مصادر اإليرادات األخرى فقط ،وانما لمدى
تأثير الضرائب على النواحي السياسية واالقتصادية واالجتماعية .فالضرائب من أهم أدوات السياسات المالية
العامة التي تستخدمها الدولة للتأثير على النشاط االقتصادي بهدف تحقيق أهداف اقتصادية واجتماعية .من
أجل ذلك نجد أن تحليل الضرائب أخذ مكانة مهمة في دراسة علم المالية العامة.
أ .تطور مفهوم الضريبة
اختلف آراء المفكرين حول مفهوم الضريبة ففي الماضي حين ساد مبدأ الحرية الفردية ،وتعمقت روح الفردية
في النظم االجتماعية ،كان ينظر إلى الضريبة على أنها سعر مقابل حماية الدولة لتلك الحرية وحقوق
األفراد .وهذه النظر كانت ترى أن كل فرد يحتاج للخدمات العامة عليه أن يدفع مقابل ذلك .وكأن الضريبة
أمر اختياري على األفراد أن يدفعوها كالسعر مقابل السلع والخدمات التي يطلبونها .وهذه األسعار تعكس
من جانب الطلب المنفعة التي يحصل عليها األفراد من تلك السلع والخدمات العامة .وتعكس من جانب
العرض تكاليف اإلنتاج لهذه السلع والخدمات .ويفترض هذا الرأي أنه يمكن التعبير عن تفضيالت دافعي
الضرائب من خالل عملية التصويب في انتخابات ممثلي دافعي الضرائب في الهيئات الحكومية ،مثل ما هو
الحال في تفضيالت المستهلك التي تنعكس من خالل تغيرات األسعار إلى المنتجين .ويطلق على هذه
اآلراء "نظرية المساومة" التي تؤكد على حقوق األفراد أما تزايد قوة الدولة .فجعلت العالقة بين الحكومة
ودافعي الضرائب قريبة الشبه بالعالقة بين البائعين والمشترين في القطاع الخاص.
أما النظرة الحديثة للضرائب على أنها إسهام من أفراد المجتمع من أجل االستعمال العام دون تحقيق منفعة
مباشرة لدافع الضريبة ،فكانت نتيجة لنمو روح الجماعة التي تؤكد وحدة المجتمع واإلحساس الجماعي نحو
تحمل العبء العام .فأصبحت الضريبة واجبا اجتماعيا تفرضه الدولة على المكلفين من أفراد المجتمع حتى
تتمكن من تغطية تكاليف الخدمات العامة التي تقدمها للمجتمع .وهذا ما يطلق عليه في الفكر االقتصادي
"نظرية التضامن" التي نادى بها لوفنبرجر .وتركز هذه النظرية على أساس االعتقاد بوجود مصلحة عامة
ومشترك بين أفراد المجتمع تقوم الدولة على رعايتها وتأمينها.
لذا فإنه البد للدولة من موارد اقتصادية تتمككن بواسطتها إشباع تلك الحاجات العامة .وعلى هذا فمن حق
الدولة أن تفرض الضرائب على أفراد المجتمع كمشاركة منهم في تحمل األعباء العامة .فأصبحت الضريبة
أم ار إجباريا على أفراد المجتمع ليس لهم فيها اختيار.
تعريف الضريبة:
يمكن تعريف الضريبة حسب المفهوم الحديث بأنها مشاركة إجبارية من قبل أفراد المجتمع للحكومة ،/أجل
تغطية النفقات العامة ،بهدف تحقيق المصلحة العامة ،وبدون أي منفعة مباشرة تعود على دافع الضريبة.
وبعبارة أخرى ،فالضريبة ما هي إال اقتطاع مالي من دخول وثروات أفراد المجتمع تقوم به الحكومة عن
طريق الجبر من أجل تحقيق الخدمات العامة التي تقدمها الحكومة دون أن يكون هناك عائد مباشر للفرد.
خصائص الضريبة:
من هذا التعريف نجد أن للضريبة خصائص معينة تميزها عن غيرها من اإليرادات األخرى أهمها:
الضريبة اقتطاع مالي يتم بصورة نقدية :تطالب الحكومة األفراد بأن يسلموا جزءا من قوتهم .1
الشرائية من أجل االستخدام العام .وهذا يعود لمبدأ انتشار النقود في معظم االقتصاديات المعاصرة لما
الستخدام النقود من مزايا عديدة .فيحقق الدفع النقدي للضرائب عدالة أكبر بالنسبة للفرد ،حيث يمكن
احتساب أعباء المكلف الشخصية وأخذ ذلك في االعتبار وكذلك نفقات اإلنتاج .كما أن الضريبة في شكلها
النقدي أكبر حصيلة وأسهل في الجباية وأقل في التكلفة عما لو كانت تدفع على شكل عيني ،ألن الضرائب
العينية (حيث كان ذلك سائدا في الماضي) تؤدي إلى رفع تكاليف نقلها وتخزينها ،باإلضافة إلى خطر
انخفاض قيمتها نتيجة التلف أو تغير قيمتها السوقية .زيادة على أن استعمال النقود في دفع الضرائب ال
يتيح المجال إلساءة استعمال حصيلتها ،حيث يمكن أن يتم ذلك عند جباية الضرائب العينية بأن يتم
استبدالها بأصناف اقل جودة أو يتم التالعب في األسعار عند البيع ،مما يجعل الرقابة صعبة ومرتفعة
التكاليف.
وعلى الرغم من انتشار النقود في دفع الضرائب في معظم الدول المعاصرة ،إال أننا نجد أن هناك بعض
االستثناءات في استخدام الصور العينية للضريبة .ويكون ذلك استثناء على القاعدة ،غالبا ما تكون في
حاالت خاصة ،أو من أجل تسهيل دفع بعض أنواع الضرائب ،في حالة عدم مالءمة الصورة النقدية للمكلف
وتعرضه لخسائر أو أعباء كبيرة نتيجة اضط ارره لبيع ممتلكاته بأسعار منخفضة .فعلي سبيل المثال :فرض
فرنسا ضريبة عينية أثناء الحرب على إنتاج المعادن األساسية كالنحاس والحديد لصالح الصناعات
العسكرية .كما سمح التشريع المالي البريطاني في سنة 1551م بدفع ضريبة التركات بصورة عينية على
اإلنتاج الزراعي من أجل معالجة أزمة المواد الغذائية كما حصل في االتحاد السوفيتي 1918م.
الضريبة تفرض جب ار :أي ليس للمكلف الخيار أو اإلرادة في أدائها .فهي من أعمال السيادة .2
للدولة ،حيث تحدد مبلغ الضريبة واألشخاص أو األشياء التي ستخضع للضريبة وكيفية تحصيلها .والتأكيد
على مبدأ اإلجبار للضريبة كان من المميزات الرئيسية للضريبة في المفهوم الحديث عنه في الماضي.
حيث كانت النظرة القديمة للضرائب على أنها جزء من العقد أو االتفاق بين افراد المجتمع والدولة .حيث
يمكن لدافع الضريبة أن يرفض أو يمتنع عن الدفع .ووفقا للمفهوم الحديث ،فإن امتناع المكلف بدفع
الضريبة سوف يعرضه للعقوبات القانونية.
ويقضي مبدأ اإلجبار للضريبة أن يقوم باقتطاعها شخص عام وهو الدولة .ويقصد بذلك جميع األشخاص
االعتباريين الذي أعطاهم القانون العام هذا الحق .ومن هذه الشخصيات االعتبارية الحكومة المركزية،
واإلقليمية ،والوحدات اإلدارية المحلية ،والبلديات ،والهيئات التشريعية أحيانا.
الضريبة ل تحقق نفعا خاصا ومباش ار لدافع الضريبة :وهذا يعني أن دافع الضريبة ال يتلقى أي .3
منفعة مباشرة أو محددة تعادل ما يدفعه من ضرائب للحكومة .ومن الطبيعي أن يحصل دافعو الضرائب
على عدة منافع غير مباشرة من الخدمات العامة التي تقدمها الحكومة ،ولكن ليس ألي فرد الحق في
المنفعة العامة المترتبة من اإلنفاق العام على أساس أنه يدفع الضريبة .فالمنفعة من اإلنفاق العام يمكن أن
يحصل عليها أي فرد في المجتمع دون النظر عما إذا كان يدفع ضرائب للحكومة أم ال .وهذه الخاصية
من أبرز خصائص الضريبة التي تميزها عن غيرها من اإليرادات األخرى .فتختلف الضريبة عن اإلتاوة
التي تفرض على مالكي العقارات فقط مقابل منفعة مباشرة حصلوا عليها .كذلك تختلف الضريبة على
الرسم ،حيث يكون مقابل منفعة خاصة للفرد .وعلى هذا فإن الضريبة تفرض من أجل المصلحة العامة
التي تهم المجتمع كله ،سواء دفع األفراد أم لم يدفعوا.
الضريبة تهدف إلى تحقيق النفع العام :وهذا هو العائد المرجو تحقيقه من فرض الضريبة .وهذه .4
الخاصية للضرائب في المفهوم الحديث تؤكد أن على الحكومة استخدام حصيلة الضرائب في مجال
المصلحة العامة التي تهم المجتمع كله .وبالتالي فإن هذا المفهوم لم يعط للدولة الحق في استخدام األموال
العامة في مجاالت ال تحقق ذلك الهدف.
الضريبة فريضة عامة :أي تعتبر التزاما شخصيا يكون شامال ،وينطبق على جميع األفراد .5
والمقيمين في حدود الدولة سواء كانوا مواطنين أو أجانب يستفيدون من الخدمات العامة ،أو أنهم يكسبون
دخولهم أو يقومون بنشاط تجاري ،أو يمتلكون عقارات داخل الدولة .وعلى ذلك فإن الضريبة تعتبر فريضة
على كل شخص ،سواء كان شخصا طبيعيا أو اعتباريا ،أو أنه مواطن أو أجنبي تنطبق عليه الشروط
القانونية التي تنظم فرض الضريبة.
ب .المبادئ األساسية لفرض الضريبة
من المعلوم أن االقتطاع الضريبي يعتبر من أهم مصادر اإليرادات العامة لمعظم الحكومات في الوقت
الحاضر .وفي الوقت نفسه يعتبر عبئا مالية على دخول أفراد المجتمع وثرواتهم .وبالتالي فإنه كلما ارتفع
مقدار االقتطاع الضريبي كان له أثران متعارضان :األول هو ازدياد مقدار حصيلة الضرائب لخزانة الدولة،
واألثر الثاني هو انخفاض حجم الموارد االقتصادية المتاحة لدى األفراد مما يؤثر على المصالح الخاصة،
وبالتالي يؤثر على االستخدام األمثل للموارد االقتصادية .وعلى هذا كان البد من التزام بمبادئ أساسية عند
فرض الضرائب تهدف إلى التوفيق بين مصلحة الخزانة العامة وبين المصلحة الخاصة لألفراد .زيادة على
ذلك فإن االلتزام بمثل هذه المبادئ يهدف إلى ىايجاد نظام ضريبي جيد في االقتصاد يمكن الحكومة من
استخدام الضرائب سهولة من أجل تحقيق األهداف االقتصادية واالجتماعية التي تسعى إليها .وأخي ار يهدف
وضع هذه المبادئ إلى ضمان تحقيق العدالة في توزيع العبء الضريبي بين أفراد المجتمع.
وقد تطورت المبادئ األساسية لفرض الضريبة حسب الهدف المرجو تحقيقه منها .فكان الهدف الذي ترمي
إليه المدرسة االقتصادية التقليدية من النشاط االقتصادي عامة هو زيادة المقدرة اإلنتاجية لالقتصاد عن
طريق تحقيق أعلى معدالت نمو اقتصادية ممكنة .وكانت ترى أن القطاع الخاص أكثر كفاءة من الحكومة
في استخدام الموارد االقتصادية نحو هذا الهدف .لذا فإنه يجب أن يترك للقطاع الخاص أكبر قدر ممكن
من الموارد االقتصادية المتاحة لدى المجتمع .وكذلك يجب ضمان الحرية الكافية لهذا القطاع حتى يعمل
دون قيود في النشاط االقتصادي .وعلى هذا وضع التقليديون المبادئ األساسية لفرض الضرائب بحيث
وروا أن تكون اإليرادات العامة كافية فقط لتغطية نفقات وظائف الدولة األساسية،
تراعي هذه الهدف النهائي ،أ
باإلضافة إلى تحقيق العدالة في توزيع العبء الضريبي بين أفراد المجتمع ،فكانت المبادئ األساسية لفرض
الضرائب التي ووضعها آدم سميث هي :العدالة واليقين والمالءمة واالقتصاد.
حيث اختلفت النظرة حول دور الدولة في النشاط االقتصادي تغيرت األهداف المرجو تحقيقها من الضرائب.
فالمفهوم الحديث يجعل للدولة دو ار فعاال ومؤث ار في النشاط االقتصادي .باإلضافة إلى معظم الدول تسعى
إلى تحقيق أهداف اقتصادية واجتماعية من وراء ذلك التدخل .فوضع االقتصاديون المحدثون مبادئ أساسية
لفرض الضريبة إضافة إلى المبادئ األساسية التي وضعها التقليديون ،حتى يتمشى النظام الضريبي مع
األهداف الجديدة للنشاط االقتصادي ،مع المشكالت االقتصادية التي تعانيها الدولة المعاصرة .وسوف
نتعرض بالشرح لهذه المبادئ األساسية:
.1مبدأ العدالة Equity:ويتعلق هذا المبدأ بالطريقة التي توزع فيها الضرائب على المكلفين بدفعها .
وقد اختلفت اآلراء حول عدالة توزيع العبء الضريبي بين أفراد المجتمع .إذ يرى بعض االقتصاديون أن
العدالة في توزيع الضرائب تتحقق عندما يدفع كل فرد مكلف مبلغ الضريبة بما يعادل المنافع التي يحصل
عليها من الخدمات العامة .وقد عرف هذا الرأي بما يسمى "نظرية المنفعة" .ينما يرى آخرون أن عدالة
توزيع الضريبة بين أفراد المجتمع تتحقق عندا تتساوي عندهم التضحية والحرمان الذي يحدثه اقتطاع
الضريبة لدى المكلفين بدفعها .وهذا يعني أن يشارك أفراد المجتمع في تحمل األعباء العامة على أساس
مقدرة كل مكلف على الدفع .ويطلق على هذا الرأي "نظرية المقدرة على الدفع" .ويتم شرح موجز كل من
هاتين النظريتين:
نظرية المنفعة :تفترض هذه النظرية أن هناك عقدا بين أفراد المجتمع والدولة حيث أن الدولة تقوم
بدورها في تقديم الخدمات العامة واألفراد بدورهم يساهمون بدفع تكاليف هذه الخدمات بما يتناسب مع
المنفعة التي يحققها كل فرد منهم من هذه الخدمات العامة .فكانت النظرة إلى الضرائب على أنها
أسعار للسلع العامة .وأن لكل نوع من أنواع السلع العامة جدول طلب يبين الكميات التي يطلبها
أفراد المجتمع عند مستويات األسعار المختلفة.
وفي الوقت نفسه فإن للدولة جدول عرض للسلع العامة التي تقدمها .ومستوى الضريبة التوازني وهو مبلغ
االقتطاع الضريبي العادل الذي يتحدد عند تساوي الطلب والعرض للسلع العامة ،مثلما هو الحال في نظام
السوق بالنسبة للسلع الخاصة .وعلى هذا فإن هذه النظرية تقدم مبدأ العدالة لتوزيع الضرائب بين أفراد
المجتمع جنبا إلى جنب مع مبدأ كفاءة استخدام الموارد االقتصادية العامة .والمثال على استخدام هذا المبدأ
في توزيع الضرائب هو فرض ضريبة على الوقود من أجل صيانة الطرق العامة .فاألفراد الذين ينتفعون
باستخدام هذه الطرق يدفعون تلك الضريبة عند شرائهم الوقود .وقد تم استخدام هذه النظرية عند كثير من
االقتصاديين في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين وكان الهدف األساسي في ذلك الوقت هو
تحديد الحجم األمثل للنشاط العام والتوزيع األمثل لعبء الضرائب بين أفراد المجتمع .وبعبارة أخرى كان هذا
المنهج يهدف إلى تقدير المستوى المرغوب فيه للسلع العامة من قبل المجتمع وما يطابق ذلك المستوى من
توزيع الضرائب بين أفراد المجتمع.
من المعلوم أن أمر قياس المنفعة التي تعود للفرد من الخدمات العامة أم ار غير واقعي .وذلك لعدم إمكانية
تقسيم المنافع لمعظم السلع العامة ،باإلضافة إلى أن المنفعة أمر نفسي للشخص يصعب تحديدها .واذا ما
تم ذلك األمر لبعض الخدمات العامة ،فإن األفراد سيدفعون للحكومة مقابل تلك المنافع التي يحققونها مبالغ
ال يطلق عليها اسم الضرائب ،وانما تكون على شكل رسوم واتاوة ورخص.
زيادة على ما سبق فإن هذه النظرية تقوم على أساس أن توزيع الدخل والثروة بين أفراد المجتمع يكون
صحيحا من البداية ،وأنه ال تأثير للضرائب على النشاط االقتصادي واالجتماعي .وفي الحقيقة انه ال ينكر
أحد أن للضرائب تأثي ار كبي ار على النشاطات االقتصادية واالجتماعية .ومن الممكن أن يؤدي النشاط
الحكومي إلى سوء توزيع الدخل .وألجل هذه القيود نجد أن كثي ار من االقتصاديين غير منتفعين بهذا المنهج
كأساس مقبول لتحقيق عدالة توزيع الضرائب بين أف ارد المجتمع لعدم إمكانية تطبيقه في الحياة العملية،
باإلضافة إلى عدم مطابقة هذا المنهج إلى المفهوم الحديث للضريبة باعتبارها مشاركة من أفراد المجتمع دون
أن يقابلها منفعة خاصة كدافع الضريبة .زيادة على أن هذا المنهج يقتضي فرض ضرائب أعلى الفقراء الذين
ينتفعون أكثر من الخدمات العامة ،مما يتعارض مع مبدأ العدالة وكذلك فإن هذا المفهوم للتوزيع ال يتمشى
مع مفهوم الضريبة كأداة مهمة من أدوات السياسة المالية لها فاعلية في توجيه النشاط االقتصادي.
نظرية المقدرة على الدفع :تتمشى هذه النظرية مع المفهوم الحديث للضرائب ،حيث يشارك أفراد
المجتمع في األعباء العامة على أساس قدرة كل مكلف بالدفع ،دون النظر إلى المنافع التي يحققها
الفرد من دفع الضريبة .وتتحقق العدالة في ظل هذا المفهوم حيث تتحقق المساواة بين األفراد في
التضحية التي تحدثها الضريبة لكل منهم.
وهذا يعني أن عدالة توزيع الضريبة بين أفراد المجتمع تتحقق عندما يتناسب مقدار الضريبة مع مقدرة أفراد
المجتمع على الدفع .وهذا يقتضي أن يدفع المكلف الذي لديه مقدرة على دفع مبالغ ضريبية أكبر من الذي
يمك مقدرة صغيرة على الدفع .ووفا لهذه النظرية يمكن أن نجد مفهومين للعدالة .المفهوم األول :يقضي
بأن العدالة في توزيع الضرائب بين األفراد تتحقق عندما يعامل األفراد الذين لديهم مقدرة متساوية على الدفع
معاملة ضريبية متساوية .وهذا يعني أن يعامل المكلفون بدفع الضرائب بالتساوي إذا كانت لديهم القدرة
نفسها على الدفع ،أي أنهم يدفعون مبلغ الضريبة نفسه .ويسمى هذا المبدأ في توزيع الضريبة بمبدأ "العدالة
األفقية" .والصورة العملية لعدالة توزيع الضرائب في ظل هذا المبدأ هي فرض ضرائب بمعدالت نسبية على
هذه المقدرة فيتم اقتطاع مبالغ ضريبية من صاحب القدرة الكبيرة على الدفع أكبر من المبالغ المقتطعة من
صاحب القدرة الصغيرة.
المفهوم الثاني :يقضي بأن العدالة في توزيع الضرائب تتحقق عند معاملة األفراد الذين لديهم مقدرة للدفع
متساوية ،لكن تختلف األحوال الشخصية للمكلفين ،وكذلك تختلف التزاماتهم المالية واالجتماعية ،فإن مقادر
االقتطاع الضريبي لهم سيكون مختلفا وفقا لتلك الظروف المختلفة لألفراد .يسمى هذا المبدأ في توزيع
الضريبة "مبدأ العدالة الرأسي" .والتطبيق العملي لتوزيع الضرائب في ظل هذا المبدأ هو فرض ضرائب
تصاعدية على هذه المقدرة للمكلف.
كيف تقاس المقدرة على الدفع للفرد؟ اختلفت آراء االقتصاديين في تحديد مقياس المقدرة .وقد وضع
االقتصاديون عدة مقاييس موضوعية لقياس المقدرة على الدفع ألفراد المجتمع أهما :الدخل ،والثروة ،واإلنفاق
االستهالكي .ويعتبر الدخل من أكثر المقاييس قبوال .ووفقا لهذا المقياس فإن أصحاب الدخول الكبيرة
يدفعون ضرائب عالية والعكس صحيح .إن اعتبار الدخل كمؤشر جيد للمقدرة على الدفع يخالطه كثير من
التساؤالت ،منها :ما هو نوع الدخل الذي يؤخذ في االعتبار؛ هل هو الدخل المكتسب أم الدخل غير
المكتسب؟ وهل ستكون المعدالت الضريبية واحدة أم مختلفة على كل نوع .هل سيعتبر الدخل اإلجمالي أم
الصافي هو المقياس؟ فإذا أخذ الدخل الصافي في االعتبار فإن تقدير الحسميات من إجمالي الدخل سوف
تثير نوعا من الجدل .كذلك التساؤل عما إذا كان الدخل النقدي هو المؤشر للمقدرة على الدفع أم يمكن
إدخال أشكال الدخل الحقيقي التي لم يتم تحويلها على شكل نقدي في االعتبار .حيث يسهم كثير من أشكال
الدخول الحقيقية في رفع مستوى معيشة الفرد ،مثال ذلك :اإلنتاج الزراعي من حدائق البيوت والمزارع ،حيث
يستهلك هذا اإلنتاج من قبل المنتج وعائلته ،وكذلك السكن الذي يسكنه مالكه.
وعلى الرغم من كثيرة التساؤالت حول تحديد مفهوم الدخل الذي سيتخذ كمؤشر للمقدرة على الدفع ،إال أنه
يظل أكثر المقاييس استخداما وقبوال.
ويجب أخذ بعض االعتبارات للدخل حتى يعبر عن المقدرة الحقيقة للدفع للفرد .وهو اعتبار أن المقدرة تابعة
للدخل الجاري المتحقق في صورة نقدية ،والذي يمكن للفرد التصرف فيه .واالعتبار الثاني ،أنه يجب أن
يقاس الدخل بمعدل تدفق وليس بحجم الدخل الكلي خالل فترة زمنية محددة ،حيث أن كل فرد يستلم دخله
خالل السنة في شكل سلسلة من األقسام لشهرية ،وليس على شكل مبلغ مقطوع يستلمه مرة واحدة .لذا فإن
درجة المقدرة على الدفع تكون أكثر دقة إذا ما استخدم مقدار القسط المتكرر خالل الفترة ،وليس حجم الدخل
للفترة بأكملها .مما سبق نالحظ أن تحديد مفهوم العدالة أمر صعب ،حيث تختلف النظر حول هذا
المفهوم .باإلضافة غلى صعوبة قياس اثر الضريبة وتحديد عبئها لكل مكلف .إال أن تحقيق العدالة في
ظل أي مفهوم يعتبر مهما ألي نظام ضريبي ألن عدم تحقيق العدالة سيجعل النظام الضريبي مصد ار للظلم
بين الفئات المختلفة في المجتمع ،بجانب كون عدم العدالة مصد ار للكثير من االضطرابات االجتماعية
واالقتصادية والسياسية في المجتمعات عبر األزمان المختلفة.
.2مبدأ الكفاءة Efficiency:يمكن النظر إلى هذا المبدأ من زاويتين؛ الزاوية األولى تتعلق بكفاءة
تحصيل الضريبة المفروضة ،والثانية تتعلق بكفاءة الضريبة ومدى ارتباطها بكفاءة النشاط االقتصادي
بأسره .أما كفاءة تحصيل الضريبة ،فيعني أن تحقق الضريبة أعلى حصيلة ممكنة للخزينة العامة .ويتم
ذلك عندما تكون تكاليف الجباية للضريبة عند أدنى حد ممكن ،وهذا يعني أال تكون إدارة الضريبة معقدة
وتحتاج إلى تكاليف مرتفعة.
وبالتالي يشعر األفراد المكلفون بدفع هذه الضريبة بأن حصيلة الضريبة التي يدفعونها ما هي إال مقابل زيادة
في النفقات اإلدارية .وهذا من وجهة نظرهم سواء في استخدام الموارد العامة ،مما يدعوهم إلى التهرب من
دفع الضريبة .وعلى هذا فإن تحقيق مبدأ الكفاءة على مستوى الضريبة يتطلب أن تكون تكاليف تحصيل
الضريبة قليلة ،ويتحقق ذلك باالستغالل الكفء لإلدارة الضريبية القائمة ،زيادة على قبول الضريبة لدى
األفراد المكلفين ،حتى يتم تعونهم ويقل تهربهم من الدفع.
أما كفاءة الضريبة المرتبطة بكفاءة تشغيل االقتصاد ،فالضريبة تتميز بالكفاءة جين ال تخفض من كفاءة
النشاط االقتصادي القائم عند فرضها .واذا كان هاك نشاط اقتصادي يعمل بدون كفاءة ،فالضريبة تكون
ذات كفاءة إذا ما رفعت من كفاءة هذا النشاط .والضريبة التي ال تؤثر على كفاءة النشاط االقتصادي هي
التي تحافظ على مستويات األسعار النسبية بين السلع المختلفة ،وبالتالي ال تؤدي إلى اإلخالل في الق اررات
المتخذة من الوحدات االقتصادية ،وكانوا يطلقون مصطلح "الحياد الضريبي" على الضريبة ذات الكفاءة.
وذلك العتقادهم أنه في ظل توافر المنافسة الكاملة في القطاع الخاص يقوم باالستخدام األمثل للموارد.
وعلى هذا فإن الضريبة ذات الكفاءة هي التي تحافظ على مثل ذلك الوضع عن طريق المحافظة على
األسعار النسبية.
في الواضع ال يمكن أن تكون الضرائب محايدة تماما ،حيث أن لها أث ار على ق اررات األفراد عن طريق
تخفيضها لدخولهم ،أو عن طريق تأثيرها على الوضع النسبي للدخول بين أفراد المجتمع .وعلى كل حال
فإن األمر نسبي ،ويمكن القول من الناحية العملية وفقا لهذه النظرة أن الضريبة ذات الكفاءة هي التي تكون
محايدة قدر اإلمكان ،أو التي حدث ما يسمى بالحد األدنى من اإلخالل بمستويات األسعار النسبية.
أما إذا كان النشاط االقتصادي غير كفء ،وال يعمل على االستخدام األمثل للموارد االقتصادية ،مثل حاالت
فشل السوق ،فالضريبة غير المحايدة التي تستخدم من أجل رفع كفاءة النشاط االقتصادي تعتبر ضريبة ذات
كفاءة .وبصورة عامة إذ أردنا تحديد كفاءة الضريبة فإنه يجب أن نأخذ في االعتبار استخدامات الضريبة.
فإذا أدت هذه االستخدامات في القطاع العام إلى تخفيض المنافع التي كانت تحققها تلك الموارد المستقطعة
ٍ
عندئذ يمكن القول أن الضريبة غير ذات كفاءة ،وتؤدي إلى تخفيض حين كانت تستخدم في القطاع الخاص،
مستوى الكفاءة في استخدام الموارد االقتصادية المتاحة لدى المجتمع.
.3مبدأ اليقين Certainty:ويرتبط هذا المبدأ بمدى وضوح الضريبة بالنسبة للفرد الملتز بدفعها .
وبالتالي يقتضي هذا المبدأ أن تكون الضريبة واضحة تمام الوضوح أما المكلف .والهدف من ذلك هو
حماية دافع الضريبة من التعسف الممكن حدوثه من موظفي اإلدارة الضريبية .فالضريبة يجب أال تكون
أم ار تحكميا ،بل يجب حسابها بصورة مسبقة ،وتكون معلومة واحدة لدافع الضريبة ،باإلضافة إلى معرفة كل
ما يتعلق بها من أمور ،مثل وقت الدفع وأسلوب التحصيل .وعدم تحقق هذا المبدأ في كل ضريبة يفتح
المجال إلى فساد اإلدارة الضريبية ،مما ينتج عنه عدم تحقيق العدالة في فرض الضريبة.
.4مبدأ المالءمة Convenience:ويتعلق هذا المبدأ بكيفية تحصيل الضريبة وتوقيت دفعها.
ويقضى هذا المبدأ بأن أسلوب دفع الضريبة وتوقيته يجب أن يكون بدقر اإلمكان مالئمين ومناسبين لدافع
الضريبة .وهذا ما يخفف من العبء النفسي لدافع الضريبة ويعل الضريبة مقبولة لديه .لذا فإن وجود هذا
المبدأ يمنع أي اضطرابات غير ضرورية لدافع الضريبة قد تؤدي إلى آثار سيئة على ق ارراته االقتصادية
وتزيد من عبء الضريبة النفسي وهذا يساعد على التهرب من دفع الضريبة.
.5مبدأ البساطة Simplicity:يرتبط هذا المبدأ بالبساطة التي يجب أن تتمتع بها الضرائب
المفروضة من جانب القائمين على إدارتها ،ومن جانب بساطة الفهم لدافع الضريبة العادي .وهذا يقتضي
أن تكون اإلجراءات والتشريعات الضريبية واضحة المعنى ،ال تدع مجاال لالختالف في تفسيرها بين اإلدارة
والمكلفين .وان وجود نظام ضريبي معقد يجعل أمر إدارته صعبا ،مما يزيد من التكاليف اإلدارية الضريبية
ويجعلها بالتالي غير ذات كفاءة .وكذلك يقتضي مبدأ البساطة أن يكون فهم المكلف ال يحتمل أكثر من
تفسير للضريبة ،واال يفقد األفراد الثقة في اإلدارة الضريبية ،وهذا يساعد على التهرب من دفع الضريبة،
زيادة على تحمل أعباء تزيد بكثير على عبء الضريبة ذاتها .فالضريبة قد تزيد من أعباء المكلفين بسبب
تعقيدات إجراءاتها ،وذلك الستيفاء المتطلبات القانونية للضريبة .فتزيد التكاليف الحقيقية للعبء الضريبي
على المكلفين على شكل دفع مبالغ إضافية يدفعونها إلى مستشارين قانونيين من أجل تفهيمهم قانون
الضريبة ،ومقدار االقتطاع الواجب دفعه ،والحسميات الواجب احتسابها.
.6مبدأ التنويع Diversity:وهذا يتطلب فرض أكثر من ضريبة من قبل الدولة .فيكون وضع
النظام الضريبي جيدا إذا ما تنوعت الضرائب ،وتطبيق هذا المبدأ يحقق للدولة إيرادا أوفر وعدالة أكبر بين
فئات المجتمع المختلفة ،باإلضافة إلى أن درجة الخطر وعدم التأكد بالنسبة للخزانة تكون قليلة عما لو كان
النظام الضريبي يعتمد على ضرائب قليلة .باإلضافة إلى أن قلة تنوع الضراب تزيد من ثقل العبء
الضريبي على المكلفين .زيادة على عدم عدالتها حيث تدفع إلى التهرب من أدائها .باإلضافة إلى أن قلة
عدد الضرائب سوف تقلل من عدد األدوات المالية التي يمكن للحكومة أن تؤثر من خاللها على النشاط
االقتصادي واالجتماعي ،وبالتالي تساعد على تحقيق األهداف والتنسيق بينها.
أما المفهوم الثاني فهو أن يكون لدى الدولة اإلمكانية الكافية وبالسرعة الالزمة لمراجعة هيكل الضرائب القائم
في االقتصاد وتعديله ،وهذا يقتضي أن يكون لدى الدولة المرونة الكاملة في تعديل الضرائب القائمة وما
تشمله من مواد وعناصر خاضعة للضرائب ومعدالت ضريبية.